التحبير لإيضاح معاني التيسير

الصنعاني

التَّحبير لإيضَاح مَعَاني التَّيسير (*) تَأليف العَلاّمَة محمَّد بن إسمَاعيل الأمير حَقّقه وعَلقّ عَليه وَخَرّجَ أحَاديثَه وَضبَط نصَّه محَمَّد صُبْحي بن حَسَن حَلّاق أبو مَصْعَب الجُزء الأول مَكتَبَةُ الرُّشد ناشرون

_ (*) العنوان في (أ): التحبير حاشية التيسير. وفي (ج): التحبير شرح التيسير. والمثبت من المخطوط (ب).

جميع الحقوق محفوظة الطبعة الأولى 1433 هـ - 2012 م مَكتَبَةُ الرُّشد - ناشرون المملكة الْعَرَبيَّة السعودية - الرياض الإدارة: مركز البستان - طريق الملك فهد هاتف 4604818 ص. ب. 17522 الرياض 11494 - فاكس 4602497 E-mail:[email protected] Website:www.rushd.com.sa فروع المكتبة داخل المملكة - الرياض: المركز الرئيسي: الدائري الغربي، بين مخرجي 27 و28 هاتف: 4329332 - الرياض: فرع طريق عثمان بن عفان، هاتف: 2690444 - 2051500 - فرع مكة المكرمة: شارع الطائف هاتف: 5585401 فاكس: 5583506 - فرع المدينة المنورة: شارع أبي ذر الغفاري هاتف: 8340600 فاكس: 8383427 - فرع جدة: مقابل ميدان الطائرة هاتف: 6776331 فاكس: 6776354 - فرع القصيم: بريدة - طريق المدينة هاتف: 3242214 فاكس: 3241358 - فرع أبها: شارع الملك فيصل: هاتف: 2317307 فاكس: 2242402 - فرع الدمام: شارع الخزان هاتف: 8150566 فاكس: 8418473 - فرع حائل: هاتف: 5322246 فاكس: 5662246 - فرع الإحساء: هاتف: 5813028 فاكس: 5813115 - فرع تبوك: هاتف: 4241640 فاكس: 4238927 - فرع القاهرة: شارع إبراهيم أبو النجا - مدينه نصر: هاتف: 22728911 - فاكس: 22712625 مكاتبنا بالخارج - القاهرة: مدينة نصر هاتف: 2744605 - موبايل: 01001622653 - بيروت: بئر حسن موبايل: 554353/ 03 - تلفاكس: 462895/ 05

التَّحبير لإيضَاح مَعَاني التَّيسير - 1 - الجزء الأول

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

مقدمة التحقيق

أولاً: مقدمة المحقق إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله. {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102)} [آل عمران: 102] {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1)} [النساء: 1] {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71)} [الأحزاب: 70 - 71]. أما بعد: فإنَّ أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. وبعد: فالسنة النبوية هي التي فصلت الفروع، وأتمت بيان الكثير منها، وهي التي وضعت القواعد ليبنى عليها ما يَجّد للناس من أحداث. وقد أجمع المسلمون على أن السنة النبوية متى ثبتت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كانت حجة في الدين ودليلاً من أدلة الأحكام، وجب اتباعها، والرجوع إليها، والعمل بمقتضاها. فلأهمية السنة النبوية وضرورتها، اعتنى العلماء اعتناءً بالغاً بالحفاظ عليها فألفوا المصنفات العديدة فيها، كالجوامع والسنن والمسانيد والمستخرجات وغيرها ... كما صنفوا

كتباً تبين قواعد وقوانين قبول ورد الروايات المذكورة في كتب السنة، وتوضيح مختلف العلوم المتعلقة بأسانيدها ومتونها، وسميت بكتب علم أصول الحديث. والسنة لغة: السيرة حسنة كانت أو قبيحة (¬1)، قال خالد بن عُتبة الهذلي: فلا تجزعَنْ من سيرة أنت سِرتها ... فأوَّلُ راضٍ سنة من يسيرُها وفي التنزيل العزيز: {وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ} (¬2) قال الزجاج: سنة الأولين أنهم عاينوا العذاب، فطلب المشركون أن قالوا: {اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ} (¬3). وفي الحديث: "من سَنَّ في الإسلام سنةً حسنةً فله أجرُهَا، وأجرُ من عمل بها بعده، من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سنَّ في الإسلام سنة سيئة، كان عليه وزرها، ووزر من عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أوزارهم شيء" (¬4). وإذا أطلقت في الشرع فإنما يراد بها ما أمَر به النبي - صلى الله عليه وسلم -، ونَهى عنه وندب إليه قولاً وفعلاً مما لم ينطق به الكتاب العزيز، ولهذا يقال في أدلة الشرع: الكتاب والسنة، أي: القرآن والحديث. ¬

_ (¬1) قال ابن منظور في لسان العرب (13/ 225): مادة: سنن. (¬2) الكهف: (55). (¬3) الأنفال: (32). (¬4) أخرجه مسلم رقم (704).

فلذا أوجب الله على المسلمين اتباع الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيما يأمر وينهى، فقال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (¬1)، أي: ما أعطاكم الرسول - صلى الله عليه وسلم - من الفيء فخذوه لكم حلال، وما نهاكم عن أخذه فانتهوا، واتقوا الله في أمر الفيء، إن الله شديد العقاب على ما نهاكم عنه الرسول. هذا هو المعنى الأصلي للآية الذي يدلّ عليه السياق. ولكن الآية عامّة في كل شيء يأتي به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أمر أو نهي أو قول أو فعل، وإن كان السبب خاصاً فالاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وكل شيء أتانا به من الشرع فقد أعطانا إيّاه وأوصله إلينا. فهذه الآية الكريمة نصٌ صريح في أن كل ما أتانا به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبلغه إلينا من الأوامر وغيرها، سواء كانت مذكورة في الكتاب، أي: القرآن المجيد، أو السنة، أي: كل ما صحّ رفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، واجب علينا قبوله، وكذا كل ما نهانا عنه من المنهيات والمنكرات المبينة في الكتاب أو السنة، واجب علينا اجتنابه والانتهاء عنه (¬2). وعن عبد الله بن مسعود قال: "لعن الله الواشمات والمستوشمات (¬3)، والنامصات والمتنمصات (¬4)، والمتفلجات (¬5) للحسن المغيرات خلق الله، قال: فبلغ ذلك امرأة من بني أسد ¬

_ (¬1) الحشر: (7). (¬2) "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (18/ 17 - 19). (¬3) الواشمة: فاعلة الوشم، وهي أن تغرز إبرة أو مسلة أو نحوهما في ظهر الكف أو المعصم أو الشفة أو غير ذلك من بدن المرأة حتى يسيل الدم، ثم تحشو ذلك الموضع بالكحل أو النورة فيخضر فإن طلبت فعل ذلك بها فهي مستوشمة. (¬4) هي التي تزيل الشعر من الوجه والمتنمصة: التي تطلب فعل ذلك بها. (¬5) المتفلجات: هن اللواتي يعالجن أسنانهن بعد ما شرعن في السن حتى يكون لها تحدد ورقة وأشر فيشبهن بالشواب.

يقال لها: أم يعقوب، وكانت تقرأ القرآن، فأتته فقالت: ما حديث بلغني عنك أنك لعنت الواشمات، والمستوشمات والمتنمصات، والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله، فقال عبد الله: وما لي لا ألعن من لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في كتاب الله، فقالت المرأة: لقد قرأت ما بين لوحي المصحف فما وجدته فقال: لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه، قال الله - عز وجل -: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}، فقالت المرأة: فإنّي أرى شيئاً من هذا على امرأتك الآن قال: اذهبي فانظري، قال: فدخلت على امرأة عبد الله فلم تر شيئاً فجاءت إليه، فقالت: ما رأيت شيئاً فقال: أما لو كان ذلك لم نجامعها (¬1) " (¬2). وقال تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} (¬3)، والمعنى: إن اختلفتم أيها المؤمنون في شيء من أمر دينكم، فردوه إلى الله - أي فارتادوا معرفة حكم ذلك الذي استجرتم فيه من كتاب الله، فإن لم تجدوا علم ذلك في كتاب الله، فارتادوا معرفة ذلك عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن كان حياً، أو بالنظر في سنته إن كان ميتاً (¬4). وحدَّث أبو هريرة - رضي الله عنه - أنه سمعَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم، فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم، واختلافهم على أنبيائهم" (¬5). ¬

_ (¬1) أي: لم نصاحبها، ولم نجتمع نحن وهي بل كنا نطلقها ونفارقها. (¬2) أخرجه مسلم (14/ 105 - 107/ شرح النووي). (¬3) النساء: (59). (¬4) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (5/ 261 - 262). (¬5) أخرجه مسلم رقم (1337).

وقد حذر الله تعالى من مخالفة أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63)} (¬1). وعن أبي موسى - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنما مثلي ومثلُ ما بعثني الله به كمثل رجل أتى قوماً فقال: يا قوم! إني رأيتُ الجيش بعينيَّ، وإني أنا النذير العُرْيان (¬2)، فالنجاء، فأطاعه طائفة من قومه فأدلجوا (¬3)، فانطلقوا على مهلهم فنجوا، وكذبت طائفة منهم، فأصبحوا مكانهم، فصبحهم الجيش فأهلكهم واجتاحهم، فذلك مثل من أطاعني فاتبع ما جئت به، ومثلُ من عصاني وكذب بما جئت به من الحق" (¬4). واعتبر من علامات النفاق، الإعراض عن تحكيم الرسول - صلى الله عليه وسلم - في مواطن الخلاف، فقال تعالى: {وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (48) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49) أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (50)} (¬5). ¬

_ (¬1) النور: (64). (¬2) هو رجل من خثعم، حمل عليه يومَ ذي الخَلَصة ... فقطع يده ويد امرأته، ... "لسان العرب" (15/ 48). أو هو ربيئة القوم وعينهم يكون في مكانٍ عالٍ، فإذا رأى العدو قد أقبل نزع ثوبه وألاح به لينذر قومه ويبقى عرياناً. "النهاية في غريب الحديث" (3/ 225). (¬3) أي: ساروا من أول الليل. (¬4) أخرجه البخاري رقم (7283)، ومسلم رقم (2283). (¬5) النور: (48 - 50).

وأقسم تعالى على نفي إيمان من لم يحكم الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فقال تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65)} (¬1). وأخيراً فمهمة الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالنسبة للقرآن الكريم تبيين المجمل، وتفسير المشكل، وتخصيص العام، قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44)} (¬2). فبيان الرسول وتفسيره - صلى الله عليه وسلم - في أحاديثه، ومن المعلوم أن الأخذ بهذه الأحاديث والعمل بمقتضاها واجب علينا. واعلم أخي المسلم علماً جازماً لا يداخله الشك أننا لن نضل عن الطريق المستقيم، ولن نتيه في شعاب الباطل، ما دمنا متمسكين بكتاب الله العزيز، وبسنة الرسول الكريم. قال - صلى الله عليه وسلم -: "أيها الناس! فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين (¬3): (أولهما): كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله، واستمسكوا به، فحث على كتاب الله ورغب فيه ثم قال: وأهل بيتي (¬4) أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي" (¬5). ¬

_ (¬1) النساء: (65). (¬2) النحل: (44). (¬3) سماهما ثقلين: لأن الأخذ بهما والعمل بهما ثقيل، أو إعظاماً لقدرهما وتفخيماً لشأنهما. "النهاية: 1/ 216". (¬4) لأنهم لم يعملوا إلا بسنتي، فالإضافة إليهم، إمّا لعملهم بها، أو لاستنباطهم واختيارهم إيّاها. فلذا ذُكِرَ أهل البيت في مقابل القرآن في هذا الحديث. انظر المرقاة للقاري (1/ 199). (¬5) أخرجه الإمام مسلم (15/ 179، 180 - شرح النووي)، من حديث زيد بن أرقم. والطحاوي في مشكل الآثار (4/ 368)، وابن أبي عاصم في "السنة" (1550 و1551)، وأحمد في المسند (4/ 366 - 367).

وقال - صلى الله عليه وسلم -: "يا أيها الناس! إني قد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبداً كتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -"، وهو حديث صحيح (¬1). ومن خالف الكتاب والسنة فقد ضل ضلالاً بعيداً، وخسر خسراناً مبيناً. وأن العاقد عليهما بكلتا يديه مستمسك بالعروة الوثقى، ظافر بكل الخير دنيا وأخرى. وإن السنة النبوية من الذكر، وإنها محفوظة عن الضياع، ومأمونة من الاختلاط بغيرها، بالأدلة الآتية: 1 - قال تعالى واصفاً رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)} (¬2). فصح لنا بذلك أن الوحي من الله إلى رسوله - صلى الله عليه وسلم - ينقسم إلى قسمين: أحدهما: وحي متلو مؤلف تأليفاً معجز النظم والتأليف وهو القرآن الكريم. والثاني: وحي موحىً بمعناه، غير معجز النظم ولا متعبَّد بتلاوته، قال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ} (¬3)، فأخبر تعالى كما قدمنا أنّ كلام نبيه - صلى الله عليه وسلم - كله وحي، والوحي بلا خلاف ذكر، والذكر محفوظ بنصّ القرآن. قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)} (¬4)، فثبت بذلك أنّ كلامه - صلى الله عليه وسلم - محفوظ بحفظ الله، مضمون لنا، وأنه لا يضيع منه شيء ولا يحرَّف منه شيء أبداً تحريفاً لا يأتي البيان ببطلانه. ¬

_ (¬1) أخرجه الحاكم (1/ 93) من حديث ابن عباس. وصححه ووافقه الذهبي. وانظر طرق الحديث في "الصحيحة" (4/ 355 - 361) للألباني. (¬2) النجم: (3 - 4). (¬3) الأنبياء: (45). (¬4) الحجر: (9).

2 - الرسول - صلى الله عليه وسلم - مأمور ببيان القرآن للناس بنصّ القرآن الصريح، قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} (¬1)؛ لأن في القرآن مجملاً ومطلقاً وعاماً ومشكلاً، فلا بد من تفصيل المجمل، وتقييد المطلق، وتخصيص العام، وتوضيح المشكل بأحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبيانه، فإن كان بيانه - صلى الله عليه وسلم - غير محفوظ فقد بطل الانتفاع بنص القرآن، وبالتالي بطلت أكثر الشرائع المفروضة علينا فيه, لجهلنا بمراد الله تعالى منها. 3 - إن الله تعالى جعل محمداً - صلى الله عليه وسلم - خاتم أنبيائه ورسله، وجعل شريعته الشريعة الخاتمة، وكلف الناس بالإيمان به، واتّباع شريعته إلى يوم القيامة، ونسخ كل شريعة تخالفها، فمما تقتضيه إقامة حجة الله على خلقه أن يبقى دينه - صلى الله عليه وسلم -، ويحفظ شرعه، إذ من المحال أن يكلف الله عباده بأن يتبعوا شريعة معرضة للزوال أو الضياع، ومعلوم أنّ المرجعين الأساسيين للشريعة الإسلامية هما القرآن والسنة، قال تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} (¬2). فحجة الله على عباده لا تقوم إلا بحفظ رسالته وشرعه، وهذا الحفظ لا يتم إلا بحفظ الكتاب والسنة (¬3). واعلم أخي المسلم: أن المسلمين حفظوا السنة في صدورهم وصحفهم، فساهمت الذاكرة والأقلام والصحف في حفظ السنة المطهرة, وسار الحفظ في الصدور وفي الصحف جنباً إلى جنب في سبيل هذه الغاية. فحفظت السنة على أسلم القواعد العلمية، واهتم بها المسلمون اهتمامهم بالقرآن الكريم، لأنها المصدر الثاني للتشريع، وستبقى محفوظة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. ¬

_ (¬1) النحل: (44). (¬2) النساء: (59). (¬3) انظر: "الإحكام في أصول الأحكام" لابن حزم (1/ 96 - 99).

والكتاب الذي أقدمه القراء - هو أحد تلك المؤلفات الطيبة المفيدة للإمام العلامة محمد بن إسماعيل الأمير الذي شرح فيه كتاب "تيسير الوصول إلى جامع الأصول" للشيخ العلامة ابن الديبع، والذي اختصره من "جامع الأصول" لابن الأثير. والتي جمع فيها الأصول الستة المعتمدة عند الفقهاء والمحدثين: الموطأ - صحيح البخاري - صحيح مسلم - سنن أبي داود - سنن الترمذي - سنن النسائي - التي حوت معظم ما صح عن النبي الكريم، فجمعها وأدمجها كلها في مؤلف واحد، بعد أن رتَّبها وهذَّبها، وذلل صعابها، وقرب نفعها، وافتتحه بمقدمة ضافية فصل فيها الطريقة التي اتبعها في تصنيف الكتاب، وذكر جل قواعد مصطلح الحديث التي تمس الحاجة إلى معرفتها، وختمها بتراجم الأئمة الستة الذين جمع كتبهم في تأليفه هذا. فجاء فذّاً في بابه، لم ينسج أحد - فيما نعلم على منواله. ولكن العلامة محمد بن إسماعيل الأمير لم يكمل الشرح، فقد وافته المنية قبل إتمامه، نسأل الله لنا وله وللمسلمين أجمعين العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدنيا والآخرة. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. وكتبه: محمد صبحي بن حسن حلاق أبو مصعب صنعاء 13/ 11/ 1428 هـ الموافق 23/ 11/ 2007 م

ثانيا: ترجمة المؤلف محمد بن إسماعيل الأمير

ثانياً: ترجمة المؤلف محمد بن إسماعيل الأمير 1 - اسمه ونسبه: هو محمد بن إسماعيل بن صلاح بن محمد بن علي بن حفظ الدين بن شرف الدين بن صلاح بن الحسن بن المهدي بن محمد بن إدريس بن علي بن محمد بن أحمد بن يحيى بن حمزة بن سليمان بن حمزة بن الحسن بن عبد الرحمن بن يحيى بن عبد الله بن الحسين (¬1) بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (¬2). 2 - مولده: ولد بمدينة كحلان (¬3)، وإليها ينسب، فيقال: الكحلاني، ليلة الجمعة منتصف جمادى الآخرة، سنة تسع وتسعين وألف (1099 هـ) (¬4). 3 - نشأته: قال الشوكاني (¬5): لما كان عام (1107 هـ) سبعة ومائة وألف من الهجرة، انتقل والده وأهله إلى صنعاء، وسنه ثمان سنوات، فنشأ بها، وتعهده أبوه بالتربية والتعليم، وأسلمه إلى النحارير من أهل العلم، حتى تخرج عليهم عالماً فاضلاً يشار إليه بالبنان. ¬

_ (¬1) يلتقي نسبه مع نسب مؤلف "التنقيح" - ابن الوزير - في الحسين بن القاسم. انظر: العواصم والقواصم (1/ 101). (¬2) "البدر الطالع" (2/ 133). (¬3) كحلان: مدينة جبلية في الشرق الشمالي من حجة بمسافة (17 كم). (¬4) "البدر الطالع" (2/ 133). (¬5) "البدر الطالع" (2/ 133).

4 - مشايخه

4 - مشايخه: ذكر الشوكاني (¬1): أربعة من مشائخه بصنعاء وهم: 1 - السيد العلّامة - زيد بن محمد بن الحسن بن القاسم بن محمد، المحقق الكبير شيخ مشايخ صنعاء في عصره في العلوم (1075 - 1123 هـ) (¬2). 2 - السيد العلامة - صلاح بن الحسين الأخفش الصنعاني، العالم المحقق الزاهد المشهور المتقشف المتعفف، كان لا يأكل إلا من عمل يده, وله في إنكار المنكر مقامات محمودة، وهو مقبول القول، عظيم الحرمة، مهاب الجناب، وكان لا يخاف في الله لومة لائم. (ت: 1142 هـ) (¬3). 3 - السيد العلّامة - عبد الله بن علي بن أحمد بن محمد بن عبد الإله بن أحمد بن إبراهيم، برع في العلوم الآلية والتفسير (1074 - 1147 هـ)، وقيل: (ت: 1144 هـ) (¬4). 4 - القاضي العلامة - علي بن محمد بن أحمد العنسي الصنعاني الشاعر البليغ القاضي المشهور، كان له تعلق بالعلم وتدريس في فنون قرأ عليه في النحو والمنطق. (ت: 1139 هـ) (¬5). - ولم يذكر الشوكاني من مشايخه غير هؤلاء الأربعة, كما لم يذكر بالتفصيل العلوم التي درسها عليهم، ولعلَّه اقتصر على أشهر مشايخه أو أوائل من تلقى العلم عنهم، حيث قد ذكر غيره غيرهم. ¬

_ (¬1) "البدر الطالع" (2/ 133). (¬2) "البدر الطالع" (1/ 253). (¬3) "البدر الطالع" (1/ 296). (¬4) "البدر الطالع" (1/ 388). (¬5) "البدر الطالع" (1/ 475 - 476).

5 - تلامذته

- ففي ترجمته في مقدمة "ضوء النهار" (¬1) قال: - أخذ عن السيد - صلاح بن حسين في "شرح الأزهار" قبل انتقاله مع أبيه إلى صنعاء. - وأخذ عن زيد بن محمد بن الحسين - في علوم شتى. - وأخذ عن السيد الحافظ - هاشم بن يحيى بن أحمد الشامي، أحد العلماء المشاهير والأدباء المجدين (1104 - 1158 هـ) (¬2). - وأخذ عن الشيخ عبد الخالق بن الزين الزجاجي الحنفي الزبيدي. وقد ارتحل إلى مكة والمدينة وغيرها من المناطق، والتقى خلالها بعلماء أفاضل كعبد الرحمن بن أبي الغيث - خطيب المسجد النبوي - وطاهر بن إبراهيم بن حسين الكردي المدني، ومحمد بن عبد الهادي السندي، ومحمد بن أحمد الأسدي، وكان من شيوخه بالحرمين: سالم بن عبد الله البصري. (ت:1134 هـ). 5 - تلامذته: وقد كثر أتباع الصنعاني من الخاصة والعامة، وعملوا باجتهاده، وتظهروا بذلك، وقرءوا عليه كتب الحديث (¬3). وله تلامذة نبلاء علماء منهم: 1 - السيد العلامة: عبد القادر بن أحمد بن عبد القادر بن الناصر، وهو الإمام المحدث الحافظ المسند المجتهد المطلق (1135 - 1207 هـ) (¬4). ¬

_ (¬1) (1/ 16). (¬2) "البدر الطالع" (2/ 321). (¬3) "البدر الطالع" (2/ 137). (¬4) "البدر الطالع" (1/ 360 - 368).

2 - القاضي العلامة: أحمد بن محمد بن عبد الهادي بن صالح بن عبد الله بن أحمد قاطن. قال الشوكاني: وكان له شغف بالعلم، وله عرفان تام بفنون الاجتهاد على اختلاف أنواعها، وكان له عناية كاملة بعلم السنة. (1118 - 1199 هـ) (¬1). 3 - القاضي العلامة: أحمد بن صالح بن محمد بن أحمد بن صالح، المعروف بابن أبي الرجال، الصنعاني، ولد يوم السبت خامس شهر محرم (1140 هـ) أربعين ومائة وألف. ومات سنة (1191 هـ) إحدى وتسعين ومائة وألف (¬2). 4 - السيد العلامة: الحسن بن إسحاق بن المهدي. (1093 - 1160 هـ) (¬3). 5 - السيد العلامة: محمد بن إسحاق بن الإمام المهدي أحمد بن الحسن. قال الشوكاني: هو من أئمة العلم المجمع على جلالتهم، ونبالتهم، وإحاطتهم بعلوم الاجتهاد. ولد سنة (1090 هـ) (¬4). 6 - السيد العلامة: الحسين بن عبد القادر بن الناصر بن الناصر بن عبد الرب بن علي. قال الشوكاني: الشاعر المشهور المجيد المكثر المبدع الفائق في الأدب، أشعاره كلها غرر، وكلماته جميعها درر، وهو من محاسن اليمن، ومفاخر الزمن. مات سنة (1112 هـ) (¬5). وقد أكمل منظومة الصنعاني لبلوغ المرام. - وكان من تلاميذه أبناؤه: 7 - إبراهيم بن محمد بن إسماعيل: ¬

_ (¬1) "البدر الطالع" (1/ 114). (¬2) "البدر الطالع" (1/ 61 - 62). (¬3) "البدر الطالع" (1/ 194). (¬4) "البدر الطالع" (2/ 127 - 128). (¬5) "البدر الطالع" (1/ 221 - 222).

6 - ورعه وزهده

قال الشوكاني عنه: هو من أعيان العلماء، وأكابر الفضلاء، عارف بفنون من العلم لا سيما الحديث والتفسير. (1141 - 1213 هـ) (¬1). 8 - عبد الله بن محمد بن إسماعيل: قال الشوكاني: برع في النحو والصرف والمعاني والبيان والأصول والحديث والتفسير، وهو أحد علماء العصر المفيدين العاملين بالأدلة، الراغبين عن التقليد، ولا شغلة له بغير العلم والإكباب على كتب الحديث. ولد سنة (1160 هـ) (¬2). 9 - القاسم بن محمد بن إسماعيل: قال الشوكاني: وقد برع في علوم الاجتهاد، وعمل بالأدلة، وقال: الحاصل أنه من حسنات الزمان في جميع خصاله. (1166 - 1246 هـ) (¬3). 6 - ورعه وزهده: إن الصنعاني - رحمه الله - يمثل العالم الورع الزاهد، حاله كحال العلماء الأجلاء رحمهم الله، لا همَّ لهم إلا مغفرة الله وطلب رضوانه، ولا يعني الزهد والورع عدم ممارسة الحياة والبحث عن الرزق، ولكنه يعني الارتفاع من أن تكون الدنيا غرضه وقصده, فيتهافت عليها كتهافت الفراش على النار. وهو القائل: وعففت عن أموالهم لا قطعة ... أقطعت أو مكس من الأسواق أو كيلة من أي مخزان فلا ... أشكو من الخزان والسواق عرضوا عليَّ وزارة وولاية ... فوقاني الرحمن أفضل واق ¬

_ (¬1) "البدر الطالع" (1/ 422 - 423)، و"ضوء النهار" (1/ 19). (¬2) "البدر الطالع" (1/ 396 - 397). (¬3) "البدر الطالع" (2/ 52 - 53).

7 - وفاته

جعل الوزارة والولاية لذتي ... في العلم ربي صادق الميثاق (¬1) 7 - وفاته: مات - رحمه الله - بصنعاء في يوم الثلاثاء، ثالث شعبان، سنة اثنتين وثمانين ومائة وألف، (1182 هـ - 1769 م) (¬2). وقد دفن غربي منارة جامع المدرسة بأعلى صنعاء عن ثلاث وثمانين سنة. 8 - ثناء العلماء عليه: - قال عنه الإمام الشوكاني في البدر الطالع (¬3): "الإمام الكبير المجتهد المطلق صاحب التصانيف" اهـ. - وقال الشوكاني عنه أيضاً في البدر الطالع (¬4): "برع في جميع العلوم، وفاق الأقران، وتفرد برئاسة العلم في صنعاء، وتظهر بالاجتهاد، وعمل بالأدلة، ونفر عن التقليد، وزيَّف ما لا دليل عليه من الآراء الفقهية" اهـ. - وقال (¬5): "وبالجملة فهو من الأئمة المجددين لمعالم الدّين". - ووصفه علاّمة زبيد عبد الرحمن بن سليمان الأهدل: بأمير المؤمنين في حديث سيد المرسلين (¬6). ¬

_ (¬1) من ديوان الصنعاني (ص 294). (¬2) "البدر الطالع" (2/ 139). (¬3) (2/ 133). (¬4) (2/ 133). (¬5) الشوكاني في "البدر الطالع" (2/ 138). (¬6) النفس اليماني (ص 179).

9 - عقيدة محمد بن إسماعيل الأمير

- وقال عنه إبراهيم بن عبد الله الحوثي في كتابه "نفحات العنبر في تراجم أعيان القرن الثاني عشر": "الإمام العلاّمة المجتهد المتقن المتفنن المحدث الحافظ الضابط خاتمة المحققين، سلطان الجهابذة، وأستاذ الأساتذة، صاحب المصنفات المشهورة، سيد العلماء، قدوة العاملين، فخر المفاخرين، المعروف بالبدر الأمير (¬1). - وقال عنه العلامة محمد بن إسحاق المهدي، قصيدة تصل إلى أربعة عشر بيتاً منها: الله درّك يا بن إسماعيلا ... لم تتركن فتى سواك نبيلا حزت الفخار قليله وكثيره ... هلاّ تركت من الفخار قليلا وسلكت نهج الحق وحدك جاعلاً ... نور البصيرة لا سواه دليلا 9 - عقيدة محمد بن إسماعيل الأمير: ابن الأمير من الأعلام الناشرين لعلوم الكتاب والسنة في كثير من الأقطار الإسلامية. فقد كان مؤمناً بالله كل الإيمان: أنا مؤمنٌ بالله ثم بِرُسْلِه ... وبكُتْبه وببعثه ولقائه (¬2) لا يشوب إيمانه نفاق أو تزوير، وأنعم بهذا الإيمان زاداً بنير الطريق في الدنيا والآخرة، ويستوجب الشكر لله على إنعامه به عليه: والزاد كل الزاد في التوحيد والـ ... إيمان بالراقي لسبع طباق وأنا بحمد الله ربي مؤمن ... ما شِيْبَ إيماني بشرب نفاق ¬

_ (¬1) كما في نشر العرف (3/ 33)، وأما "نفحات العنبر في تراجم أعيان القرن الثاني عشر" لا يزال مخطوطاً. وقد تم تحقيقه ونشره في مكتبة الجيل الجديد - صنعاء. (¬2) "الديوان": (ص 54).

وبذا أجيب مسائلي في حفرتي ... وبه ختام القول عند سياقي هذا بفضل الله ربي وحده ... أتت النصوص به على الإطلاق (¬1) بل فضله بعد الممات مضاع ... والفضل عند الموت منه باقي فهو يؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره من الله تعالى، إيمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأتباعه بذلك، لا يحيد عنه إلى غير طريق السلف الصالح، من الطرق الأخرى الملتوية في عقيدتها، المطعون في إيمانها من الفرق الضالة كالجهمية والناصبة والرافضة والجبرية وغيرها، بل اعتماده على الكتاب والسنة، ومن أجل ذلك نجده يقول: ألم يعلموا أنا اتحدنا عقيدة ... فما أنا جهميُّ ولا أنا بالكسب وقد طالما فتشتُ كل دقيقة ... وساءلت عنها كل ذي فكرة ندب (¬2) ما عندنا نَصْبٌ ولارَفْضٌ ولا ... جبر ولا لي بالهوى إلمام عندي كتاب الله أشرف منزل ... والمصطفى حسبي بذين إمام (¬3) والدارس لمؤلفات ابن الأمير يلحظ غلبة الطابع السلفي عليه وتأثره به، ومما يرجح ذلك: رسالة "تطهير الاعتقاد" المتضمنة على ذلك بوضوح. وقال البدر في "حاشية الأنوار على الإيثار" - ولم تكمل هذه الحاشية -: قد جاءنا برد اليقين من الـ ... مختار في القرآن والسنن فاقنع به ودع الوقوف على ... أطلال أهل الشرك والدمن آي الكتاب كفت دلالتها ... صحب الرسول وعابدي الوثن ¬

_ (¬1) "الديوان": (295). (¬2) "الديوان": (ص 76). (¬3) "الديوان": (ص 385).

وانقاد كل بالزمام لها ... أهل الذكاء والفهم والفطن لكن طلبت الحق من طرقٍ ... معوجة ليست على سنن قد كان فيها الجبائي سلفاً ... والأشعري أيضاً أبو الحسن والجعد قبلهما وجهم لقد ... باعا الهدى جهلاً بلا ثمن أفضت إلى تضليل سالكها ... وإلى التباغض فيه وإلا حن فسلكت مسلكهم فحرت كما ... قد قلته في شعرك الحسن فضللت في تيه بلا علم ... وغرقت في بحر بلا سفن (¬1) وقال البدر في رسالته "الإشاعة في بيان من نهى عن فراقه الجماعة" رقم (68): " ... ولأنه معلوم أن الأشعرية قد ابتدعت بدعاً في علم الكلام مذمومة مخالفة لما كان عليه سلف الأمة، ففراق ما هم عليه من الابتداع مأمور به، لا منهي عنه، فليسوا بأهل السنة ولا بالجماعة. وقد بسطنا هذا في "الأنفاس اليمنية الرحمانية قي الرد على بعض علماء الأشعرية" (¬2). وقد مدح البدر الصحابة والتابعين وأهل الحديث كالإمام البخاري ومسلم رضوان الله عليهم أجمعين: سلام على أهل الحديث فإنني ... نشأت على حب الأحاديث من مهدي هم بذلوا في حفظ سنة أحمد ... وتنقيحها من جهدهم غاية الجهد وأعني بهم أسلاف أمةِ أحمدَ .... أولئك في بيت القصيد هُمُ قصدي أولئك أمثال البخاري ومسلم ... وأحمد أهل الجدَ في العلم والجد ¬

_ (¬1) "الديوان": (ص 408 - 409). (¬2) "الأنفاس الرحمانية اليمنية قي أبحاث الإفاضة المدنية" رقم الرسالة (16) من عون القدير من فتاوى ورسائل ابن الأمير.

1 - قوله بعد ذكر اسم علي - رضي الله عنه - (- عليه السلام -)

بحور وحاشاهم عن الجزر إنما ... لهم مدد يأتي من الله بالمَد كفاهم كتاب الله والسنة التي ... وأهل الكساهيهات ما الشوك كالورد أولئك أهدى في الطريقة منكم ... فهم قدوتي حتى أوسَّد في لحدي (¬1) وهناك بعض الانتقادات توجه إلى ابن الأمير، لا بد من البحث فيها والوصول إلى الحق، مع حبي وتقديري لهذا الإمام الذي عشت معه أكثر من عشرين سنة، دارساً لكتبه، متعلماً من علومه وآرائه, وفي النهاية محققاً لتراثه الذي ظل حبيس خزائن المخطوطات الخاصة والعامة، ينتظر أيدي الباحثين الحانية؛ لتفك عنه أسره؛ وتمسح عنه غبار الأزمان، وتقدمه للناس ليستفاد منه. لكن هذا الحب لهذا الإمام الجليل لن يدفعني إن شاء الله إلى تعصب مذموم، ولا إلى حب يطغى على حق. وإن تذكرت هنا شيئاً فإني أتذكر قول ابن قيم الجوزية - رحمه الله -، وهو يعلق على أبي الحسن الهروي حيث قال: "أبو الحسن حبيب إلينا ولكن الحق أحب إلينا منه". وإنها العبارة نفسها: "ابن الأمير حبيب إليَّ، ولكن الحق أحب إليَّ منه". إنها مشكاة واحدة لا نتعصب لقول، ولا نرجح رأي، إلا إذا كان الحق والدليل يدعمانه ويوجهانه. كما أنني لا أدعي العصمة لابن الأمير، ولا أقول عنه إلا أنه من البشر، والبشر يخطئون ويصيبون. أما الانتقادات فهي: 1 - قوله بعد ذكر اسم علي - رضي الله عنه - (- عليه السلام -): ¬

_ (¬1) "الديوان" (ص 168). والرسالة النجدية رقم (18) من عون القدير ....

لقد تعارف بعض العلماء على أن هذا القول يقال إما للملائكة، فتقول مثلاً - جبريل - عليه السلام. أو - رضوان - عليه السلام. أو يقال للأنبياء فتقول: نوح - عليه السلام -. أو صالح - عليه السلام -. أما أصحابه رضوان الله عليهم فإنه يقال: عمر: - رضي الله عنه -. الحسن: - رضي الله عنه -. وكذلك التابعون وتابعوهم ومن جاء بعدهم من الأئمة والعلماء والصالحين، يدعى لهم بالرحمة. فيقال: - رحمه الله - .. أما تخصيص بعض الأفراد من الصحابة أو التابعين أو غيرهم بقوله: "- عليه السلام -" فإن هذا مما يدل على تشيعه لكون ذلك قد صار شعاراً للرافضة. ورد ابن الأمير هذه التهمة حيث قال في سبل السلام (8/ 299 - 300) بتحقيقي: "اختلفوا أيضاً في السلام على غير الأنبياء بعد الاتفاق على مشروعيته في تحية الحيِّ فقيلَ: يُشرعُ مطلقاً، وقيل: تبعاً، ولا يفردُ بواحدٍ لكونه صارَ شعاراً للرافضة. ونقله النووي عن الشيخ محمد الجوينيِّ. قلت: هذا التعليلُ بكونِه صار شعاراً لا ينهضُ على المنع، والسلامُ على الموتى قد شرعه الله على لسانِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "السلامُ عليكم دارَ قومٍ مؤمنين" [مسلم رقم (249)، وأحمد (2/ 300، 408)]، وكان ثابتاً في الجاهلية كما قال الشاعر: "عليكَ سلامُ الله قيسَ بنَ عاصمٍ ... ورحمتُه ما شاءَ أن يترحَّمَا فما كانَ قيسٌ موتُه موتُ واحدٍ ... ولكنه بنيانُ قومٍ تهدَّما" اهـ ويقول الدكتور أحمد محمد العليمي في كتابه "الصنعاني وكتابه: توضيح الأفكار" (ص 98 - 99): "إن قول الصنعاني وغيره (- عليه السلام -) بعد ذكر علي لا تعني أكثر من معناها الذي تدل عليه اللغة، ولا ينبغي تحميلها أكثر من ذلك؛ لأن الصنعاني وغيره كابن الوزير لم يستعملاها لعلي فقط، بل يطلقانها على غيره وذلك ثابت".

2 - ما نسب إليه من سبه الصحابة

ثم إني أؤكد أن يداً مست هذه المسألة وأمثالها بالتغيير والشطب والإضافة، ولا تتحقق هذه القضية إلا برؤية أصل مخطوطة المؤلف التي كتبها بيده، ولم يتوفر لنا منها شيء. - قلت: وقد توفر لديَّ مخطوطة لكتاب "التحبير شرح التيسر" بخط المؤلف، وكذا رسائل عدة ولله الحمد والمنة. وفيها بعد ذكر علي - رضي الله عنه - قول الصنعاني - عليه السلام -. 2 - ما نسب إليه من سبه الصحابة: لقد ورد في بعض كتب محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني سباً لمعاوية وابنه يزيد. فقد وجد في الديوان (ص 165): لقد نسب الأنام إليَّ قولاً ... عليهم ربنا فيه شهيد وقالوا قد رضينا بابن هند .. وقلنا إنه رجل رشيد كذبتم إنه والله عندي ... لفسِّيقٌ وشيطان مريد وملعون بما كسبت يداه ... كذلك نجله الطاغي يزيد ورد الدكتور أحمد محمد العليمي في كتابه "الصنعاني وكتابه توضيح الأفكار" (ص 102): "وهذا مما لا شك في أن الصنعاني لم يقله بل هو مدسوس عليه، مكذوب في نسبته إليه، وإلا كيف تجمع بين ترجمته له وهذا القول؟ ولو وضعنا هذا النص أمام آرائه وكلامه لوجدنا أن هذا التشيع الشديد لم يظهر على تلك الأقوال والترجيحات. .". ثم قال: "إن الظروف والأجواء التي عاشها ابن الأمير والتي جاءت بعده تجعل قضية الدس والإضافة سهلة ميسورة مقبولة، فإذا لم يستطع أعداؤه أن ينالوا منه في حياته، فإنهم على الأقل ينالون منه بعد وفاته بوضعهم القول الشائن بين أقواله".

3 - ما ورد في كتابه "الروضة الندية شرح التحفة العلوية"

3 - ما ورد في كتابه "الروضة الندية شرح التحفة العلوية": إن ما ورد في هذا الكتاب المذكور يدل دلالة واضحة على تشيعه المفرط، ولا سيما أنه وقع منه ثلبه وانتقاصه لبعض الصحابة - رضي الله عنهم - كمعاوية، وعمرو بن العاص، وابن مسلمة، وغيرهم. قال الدكتور عبد الله محمد مشبب الفرازي في كتابه "ابن الأمير الصنعاني ومنهجه في كتابه سبل السلام" (ص 106 - 107): "والحقيقة أنه لا يستبعد امتداد يد التحريف والتزوير إلى هذا الكتاب كما امتدت إلى غيره من كتب ابن الأمير، ومما يقوي هذا الظن كثرة الروايات الضعيفة والموضوعة التي امتلأ بها هذا الكتاب، مما يتنافى مع ما عرف عن ابن الأمير - رحمه الله - من الدقة والحيطة والتثبت في قبول الروايات والعمل بها ولا سيما في أمور العقائد". ثم قال الدكتور أحمد محمد العليمي في كتابه "الصنعاني وكتابه توضيح الأفكار" (ص 102): "والذي مارس التحريف والإضافة في كتب الصنعاني لن يجد فرصة مثل هذا الكتاب - أي الروضة الندية - ليخلط فيه ويضع ما يريد، مع أن صحة هذا القول تحتاج إلى بحث عن أصول الكتاب المخطوطة بخط المؤلف". قلت: لم أجد مخطوط بخط ابن الأمير حتى الآن بعد البحث الشديد لأكثر من عشرين عاماً. وخلاصة القول: يتضح لنا أن عقيدة ابن الأمير الصنعاني عقيدة سلفية، وليست شيعية، ولا أشعرية، ولا اعتزالية.

10 - مؤلفاته

10 - مؤلفاته: كانت حياة ابن الأمير الطويلة - على الرغم من انشغاله بالدعوة والإصلاح والتدريس والإفتاء - مليئة بالإنتاج العلمي الغزير، من مجلدات، وكتب، ورسائل لا تتجاوز بضع صفحات. وإليك سرد مؤلفات ابن الأمير مشيراً إلى المطبوع منها والمخطوط: 1 - "سبل السلام الموصلة إلى بلوغ المرام" مطبوع، بتحقيقي على مخطوطات ثلاث، في دار ابن الجوزي - الدمام - " (8) أجزاء بـ (4) مجلدات". 2 - "التنوير لشرح الجامع الصغير" على مخطوطات أربع. بـ (8) مجلدات. يحقق لصالح دار ابن الجوزي - الدمام. 3 - "إيقاظ الفكرة بمراجعة الفطرة" مطبوع، بتحقيقي على مخطوطتين في دار ابن حزم - بيروت - بـ مجلد واحد. 4 - "تفسير غريب القرآن" مطبوع، بتحقيقي على مخطوطة واحدة في دار ابن كثير - دمشق - بيروت - بمجلد واحد. 5 - "إجابة السائل شرح بغية الآمل" مطبوع، بتحقيقي على مخطوطات أربع، في دار ابن كثير - دمشق - بيروت - بـ مجلد واحد. 6 - "فتح الخالق لشرح مجمع الحقائق والرقائق في ممادح رب الخلائق". تم تحقيقه على مخطوطات أربع بـ مجلدين. لصالح المكتبة الإسلامية - القاهرة. 7 - التحبير لإيضاح معاني التيسير، ثم تحقيقه على مخطوطات ثلاث بـ (5) مجلدات. وهو كتابنا هذا. 8 - الإحراز لما في أساس البلاغة من كناية ومجاز. "مخطوط" ثم تحقيقه لصالح دار الرشد - الرياض.

9 - "الروض النضير في خطب السيد محمد الأمير" "مخطوط" تم تحقيقه لدار النهضة العلمية - دمشق. 10 - "توضيح الأفكار لمعاني تنقيح الأنظار في علوم الحديث والآثار" مطبوع. وبحوزتي مخطوطتين لهذا الكتاب، وهو قيد التحقيق. 11 - "العدة، حاشية على إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام"، مطبوع، وبحوزتي مخطوطتين لهذا الكتاب، وهو قيد التحقيق. 12 - "نظم بلوغ المرام من أحاديث الأحكام" مطبوع. وقد تم تحقيقه ودعم أحكامه بالأدلة على مخطوط واحد. 13 - منحة الغفار حاشية على ضوء النهار للجلال. مطبوع. وتم تحقيقه مع "ضوء النهار" لمكتبة الجيل الجديد - صنعاء. 14 - ديوان الأمير الصنعاني، مطبوع، جمعه ابنه عبد الله بعد وفاته. 15 - الروضة الندية شرح التحفة العلوية (¬1) مطبوع. لم أتمكن من الحصول على مخطوط بخط المؤلف حتى الآن. 16 - "در النظم المنير من فوائد البحر النمير" مخطوط. وبحوزتي مخطوطتين لهذا الكتاب. 17 - حاشية ابن الأمير على الكشاف للزمخشري، بخطه. مخطوط. وبحوزتي مخطوط واحد لهذه الحاشية. 18 - "حاشية على البحر الزخار" مخطوط (من الطهارة إلى الزكاة). ¬

_ (¬1) في "الروض النضير في ترجمة ابن الأمير" لابنه إبراهيم [لوحة: 45] العنوان: (النفحة المسكية شرح التحفة العلوية).

19 - "حاشية على شرح الرضي على الكافية" مخطوط. وصل إلى بحث المنادى، ولم يتمه. 20 - الأنوار شرح إيثار الحق على الخلق للسيد محمد بن إبراهيم الوزير. مخطوط. 21 - هوامش على فتح الباري. مخطوط. 22 - الدراية شرح العناية في نظم الهداية، وهو مطبوع بهامش كتاب هداية العقول شرح غاية السول في علم الأصول، للحسين بن القاسم بن محمد - صنعاء - 1359 هـ 23 - عون القدير من فتاوى ورسائل ابن الأمير. (191) رسالة. تم تحقيقه لدار ابن كثير - دمشق. القسم الأول: العقيدة (1 - 29) المجلد الأول (1 - 19). 1 - أبيات في فضل لا إله إلا الله (خ 1). 2 - سؤال للقاضي صالح المقبلي - رحمه الله - في آية المشيئة وأجوبة من علماء مكة وتعقبات لها وجواب للسيد محمد بن إسماعيل الأمير (خ 2). 3 - كلام شريف على قوله تعالى: {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (23)} (خ 1). 4 - نصرة المعبود في الرد على أهل وحدة الوجود (خ 1). 5 - تطهير الاعتقاد عن أدران الإلحاد (خ 3). 6 - الفيوضات النبوية في حل الألغاز البركوية لأبي الحسن السندي (خ 1). 7 - حل الإشكال الذي أورده البركاوي في كلمة التوحيد لابن الأمير (خ 1). 8 - أسئلة عن: - خصوصية نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - بعموم الرسالة.

- وعن قول موسى - عليه السلام - إنه أرسل إلى قارون كما أرسل إلى فرعون، وأنه لم ينذره ولا دعاه. - وعن أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - للأرض بأن تأخذ سراقة بن مالك. - وكيف راج للكفار وصف محمد - صلى الله عليه وسلم - بكونه شاعراً مع علمهم بأنه ليس بشاعر، ولا قال شعراً، ولا ما جاء به من أوزان الشعر في شيء (خ 1). 9 - إقامة البرهان على بقاء حجة نبوة سيد المرسلين على العباد أجمعين إلى يوم الدين (خ 2). 10 - الإنصاف في حقيقة الأولياء وما لهم من الكرامات والألطاف (خ 3). 11 - السهم الصائب للقول الكاذب (خ 1). 12 - مسألة في الذبائح على القبور وغيرها (خ 1). 13 - رسالة شريفة فيما يتعلق بـ: 1 - الأعداد للحروف. 2 - والأوفاق. 3 - وكم مدة الباقي من عمر الدنيا. ويليها تمام جواب السؤال وهو في ذكر المهدي المنتظر (خ 1). 14 - غاية التنقيح في أبحاث تعلقت بالتحسين والتقبيح (خ 1). 15 - الإفاضة المدنية في الإرادة الجزئية (خ 1). 16 - الأنفاس الرحمانية اليمنية في أبحاث الإفاضة المدنية (خ 1). 17 - سؤال عن إخراج الكفار من أهل الكتاب وغيرهم من قطر اليمن (خ 1). ويليها: - ما كتبه السيد الجليل عبد الله بن علي الوزير - رحمه الله - (خ 1).

- ما نقله السيد الجليل العلامة صلاح بن الحسين الأخفش - رحمه الله - (خ 1). - فائدة في حد جزيرة العرب (خ 1). 18 - الرسالة النجدية (خ 3). 19 - تقسيم أنواع الكفر المطلق في السنة والكتاب وهو نافع لذوي الألباب (خ 3). المجلد الثاني (20 - 29) 20 - إقامة الدليل على ضعف أدلة تكفير التأويل (خ 2). 21 - جمع الشتيت شرح أبيات التثبيت. ويليه: تأنيس الغريب وشرحه بشرى الكليب (خ 3). 22 - شرح حديث "ثلاث إذا خرجن ... " (خ 1). 23 - مسألة في تحقيق الشفاعة (خ 1). 24 - إبانة الصواب في معنى اقتصاص الجمَّا من القرنا في يوم الحساب (خ 1). 25 - تعليق على حاشية أبي الحسن السندي في تعذيب أطفال المشركين مع فوائد أخرى (خ 1). 26 - مسألة شريفة في إيتاء الناس كتبهم يوم القيامة باليمين أو بالشمال (خ 1). 27 - بحث شريف في الإعادة بعد الموت (خ 1). 28 - رفع الأستار لإبطال أدلة القائلين بفناء النار (خ 2). 29 - سؤال فيما ورد من صفات الحور العين (خ 1). القسم الثاني: القرآن وعلومه (30 - 44) المجلد الثالث/ 1 30 - كلمة في صفة كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - (خ 1). 31 - الإيضاح والبيان في تحقيق عبارات قصص القرآن (خ 3).

32 - رفع إشكال الآيات القاضية بتقديم خلق السموات (خ 1). 33 - سؤال عن قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ} (خ 1). 34 - سؤال عن النكتة قي قوله تعالى: {وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى} (خ 1). 35 - سؤال وجواب عن تكرار اللفظين في الآية: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} علماً بأن أحد اللفظين كافٍ في المقصود، إذ لا وساطة وإن كان من الإطناب فلا بد من توضيحه (خ 1). 36 - سؤال وجواب في تفسير قوله تعالى: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ} (خ 2). 37 - بحث في قصة الخضر وموسى. يتلوه أبيات لمحمد بن إسحاق وأخيه الحسن بن إسحاق إلى محمد الأمير تتعلق بما سبق من بحث بين البدر والسندي وجواب ابن الأمير عليهما (خ 1). 38 - بحث في أن معنى سورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن (خ 1). 39 - تفسير قوله تعالى: {وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى} (خ 1). 40 - شفاء الصدور بنكتة تقديم الرحيم على الغفور (خ 1). 41 - سؤال شريف في قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (خ 1). 42 - بحث يتضمن خمسة أسئلة: الأول: في الحديث الوارد في القصاص بين سائر الحيوانات. الثاني: عن تقديم الرحيم على الغفور في آية سبأ. الثالث: متى كان تبليغ الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى يأجوج ومأجوج ودعائهم إلى الإسلام؟. الرابع: ما ورد عنه - صلى الله عليه وسلم - في الصحيح في حديث جابر في حضِّه على التزوج بالبكر.

الخامس: معنى التعليق في قوله تعالى: {إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً} ما وجه الربط والملازمة بين الجزاء والشرط؟ (خ 1). 43 - ذيل الأبحاث المسددة في فنون متعددة (خ 1). 44 - مفتاح - مفاتح - الرضوان في تفسير الذكر بالآثار والقرآن (خ 1). القسم الأول: المجلد الثالث/ 2 44 - مفتاح الرضوان في تفسير الذكر بالآثار والقرآن (خ 1)، القسم الثاني، والثالث. القسم الثالث: الحديث وعلومه (45 - 68) المجلد الرابع (45 - 68) 45 - سؤال يتعلق بعلم الحديث (خ 2). 46 - سؤال عن السنة التي أمرنا الله باتباعها، وعن قبول قول إمام من أئمة الحديث في صفة حديث صحيح ونحو ذلك؟. وما هو الصحيح؟ وأن العقل يحكم بأن الصحيح ما قال به اللسان النبوي أو فعلته الجوارح المعصومة. وعن تسمية الصحيحين هل هو صحيح؟ لأنهم قد رووا في ذلك عن غير عدول (خ 2). 47 - الديباج المذهب في معرفة أصول الحديث (خ 1). 48 - قصب السكر نظم نخبة الفكر (خ 1). 49 - إسبال المطر على قصب السكر (خ 2). 50 - ثمرات النظر في علم الأثر (خ 2). 51 - الكلام على حديث: "ولاية اثني عشر رجلاً" (خ 3).

52 - بحث حول حديث: "إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله" (خ 1). 53 - بحث في الثقلين الكتاب والعترة (خ 1). 54 - تعليق ابن الأمير على حديث بدء الوحي (خ 1). 55 - غاية البيان لخصائص رمضان (خ 2). 56 - مسألة عقدت للكلام على الحديث الصحيح: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد" (خ 2). 57 - بحث في حديث: "إنما الولاء لمن أعتق" (خ 1). 58 - الكلام على حديث: "أنت ومالك لأبيك" (خ 1). 59 - سؤال: ما الفائدة في نقل أحاديث: "أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يحب البطيخ"؟ والجواب عليها (خ 1). 60 - جواب سؤال فيما يتعلق بأحاديث التسمية في الاكل (خ 1). 61 - سؤال حول حديث جويرية في الأذكار من العراسي (خ 4). 62 - الإصابة في الدعوات المجابة (خ 3). 63 - تفسير لحديث رسول الله: "الدنيا ملعونة ملعون ما فيها" (خ 1). 64 - القول المتين في بشرى من بلغ سن الثمانين (خ 1). 65 - سؤال عن حديث: "من حُسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه"، وجوابه (خ 1). 66 - بحث موجز في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لو لم تذنبوا" (خ 1). 67 - حديث افتراق الأمة إلى نيف وسبعون فرقة (خ 2). 68 - الإشاعة في بيان من نهى عن فراقه من الجماعة (خ 2).

القسم الرابع: الفقه وأصوله (69 - 172) المجلد الخامس (69 - 93) 69 - الأجوبة المرضيَّة على الأسئلة الصعدية (خ 4). 70 - سؤال عن دلالة المفاهيم من أي أقسام الدلالة هي؟ (خ 1). 71 - بحث في تحقيق مفهوم الصفة (خ 1). 72 - سؤال عن تعارض المطلق والمقيد وجوابه (خ 2). 73 - الاقتباس لمعرفة الحق من أنواع القياس (خ 2). 74 - إرشاد النقَّاد إلى تيسير الاجتهاد (خ 2). 75 - مسألة في تحقيق بناء جميع الشرائع على قاعدتين: جلب المصالح، ودفع المفاسد (خ 1). 76 - نهاية التحرير في رد قولهم ليس في مختلف فيه نكير (خ 1). 77 - بحث يتعلق بمسألة: هل الكفار مخاطبون بالفروع ويعاقبون عليها (خ 2). 78 - بحث حول قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ} (خ 1). 79 - اليواقيت في تحقيق المواقيت (خ 2). 80 - ما المراد بالدلوك في الآية: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} (خ 1). 81 - إعلام الأنباه بعدم شرطية عدالة الإمام في الصلاة (خ 3). 82 - جواب سؤال في صحة صلاة المفترض خلف المتنفل، وهل يعتد اللاحق بركعة لم يدرك إلا ركوعها مع الإمام (خ 2). 83 - سؤال في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يشغلن قارئكم مصليكم" (خ 2). 84 - إرشاد القاصد لأدلة قضاء العامد (خ 2). 85 - المسائل المرضية في بيان اتفاق أهل السنة على سنن الصلاة والزيدية (خ 3).

86 - اللمعة في تحقيق شرائط الجمعة (خ 1). 87 - أجوبة سؤالات تتعلق بصلاة الجمعة وشرائطها وصلاتها يوم العيد إن كان جمعة (خ 1). 88 - هذه الخطبة أول خطبة خطب بها المولى العلامة البدر المنير السيد الشهير محمد بن إسماعيل الأمير بعد وفاة المولي الإمام المنصور بالله الحسين بن القاسم وبعد دعوة ولده العباس المتكني بالمهدي لدين الله (28/ 3/ 1161) (خ 1). 89 - مسألة في كون قصر الصلاة رخصة (خ 1). 90 - سؤال في مسألة التداوي بالمحرم وتحقيق البحث فيها (خ 1). 91 - بحث في لزوم الضمان في نقل الجدري والتحري من العدوى (خ 1). 92 - بحث فيما يتلى من كتاب الله على الأموات، وما يبلغهم من أجر بعد الموت (خ 1). 93 - سؤال عن الاستعاذة من الهدم والتردي (خ 3). المجلد السادس (94 - 121) 94 - سؤال في شأن الزكاة وجوابه (خ 1). 95 - أسئلة حول: هل يجوز صرف بعض سهم سبيل الله في المصالح؟ هل يجوز العمل بالأحاديث الضعيفة؟ هل يجوز صيام شهر رجب؟ ما هي حقيقة الفقير (خ 1). 96 - حل العقال عما في رسالة الزكاة للجلال من إشكال (خ 1). 97 - سؤال عن زكاة الخضروات وجوابه (خ 3).

98 - بحث موجز في قتال أبي بكر - رضي الله عنه - لمانعي الزكاة (خ 1). 99 - مسألة: الفطرة من البر الراجح (خ 1). 100 - جواب سؤال عن العام الذي فرض الله فيه الحج على عباده (خ 2). 101 - بحث حول ما ورد من إشكالات في حج أبي بكر (خ 1). 102 - مناسك الحج ويليه قصيد في ذكر الحج وبركاته (خ 1). 103 - أبحاث حول فسخ الحج الواقع في حجة الوداع (خ 1). 104 - مسألة شريفة في الرد على ابن تيمية في زعمه تحريم التأجر والتأجير على الحج (خ 1). 105 - الأدلة الجلية في تحريم نظر الأجنبية (خ 3). 106 - بحث في تحريم الاستمناء (خ 1). 107 - مسألة في أخوين متزوجين أختين ثم إن أحدهما عقد بطفلة أرضعتها زوجة أخيه (خ 1). 108 - كشف القناع في حل الجمع بين الزوجة وعمتها وخالتها من الرضاع، وفيه بيان حل الجمع بين الربيبة وأخت الزوجة من الرضاع (خ 1). 109 - بحث في تحقيق مدة أكثر الحمل، وكلام العلماء في ذلك وأدلتهم، وتحقيق الحق (خ 3). 110 - المسألة الثاقبة الأنظار في تصحيح أدلة امرأة المعسر بالإعسار. ويليها جواب سؤال في مسألة فسخ امرأة المعسر (خ 4). 111 - بذل الموجود في امرأة المفقود (خ 1). 112 - مسألة في طلاق التحبيس والدور (خ 1). 113 - بحث مفيد في توجيه صحة الطلاق بلفظ التحريم (خ 1).

114 - بحث حول مسألة من قال: عليه حرام، هل يكون طلاقاً أم لا؟ (خ 1). 115 - سؤال عن شأن رجل قال لزوجته: (الله يجعلها مثل أمي) قاصداً بذلك الطلاق (خ 1). 116 - بحث يتعلق بقوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ} (خ 1). 117 - جواب سؤال في مسألة فسخ الصغيرة إذا زوجها غير أبيها ثم بلغت هل لها الفسخ؟ (خ 1). 118 - استيفاء الاستدلال في بيان تحريم إسبال الثياب على الرجال (خ 6). 119 - سؤال وجواب عن سدل الثياب (خ 1). 120 - إيقاظ ذوي الألباب من سنة الغفلة عن أحكام الخضاب (خ 2). 121 - نهاية التحرير في المحرم من لبس الحرير. المجلد السابع (122 - 153) 122 - بحث فيما أسقط المشتري كل خيار في السلعة التي اشتراها هل يصح أو لا؟ (خ 1). 123 - سؤال في حديث: "الناس شركاء في ثلاث" وجوابه (خ 1). 124 - بحث في بيع الوقف (خ 1). 125 - سؤال ورد من زبيد وجوابه في المزارعة (خ 1). 126 - الوفا بتحقيق حل بيع النِّسا (خ 2). 127 - القول المجتبى في تحقيق ما يحرم من الربا (خ 1). 128 - حسن البِنا في مسائل تعم الربا (خ 1). 129 - التحيل لإسقاط الشفعة (خ 1). 130 - بحث في التحيل لإسقاط الشفعة (خ 1).

131 - سؤال في الغيل الذي استخرجه السيد علي مصطفى إلى الروضة (خ 1). 132 - جواب العلامة محمد بن إسماعيل الأمير على القاضي العلامة عبد الجبار فيما يستحسن من توظيف الخارجين لتعليم الصلاة إلى البوادي (خ 1). 133 - إقامة البرهان على جواز أخذ الأجرة على تلاوة القرآن (خ 2). 134 - سؤال في أخذ الأجرة على الصلاة والأذان وغيرهما التي جعلها الواقفون (خ 2). 135 - سؤال عما يقبضه عمَّال أوقاف صنعاء من أجرة (خ 1). 136 - رسالة الإدراك لضعف أدلة تحريم التنباك (خ 2). 137 - المسائل المهمة فيما تعم به البلوى حكام الأمة (خ 3). 138 - إزالة التهمة ببيان ما يجوز ويحرم من مخالطة الظلمة (خ 3). 139 - القول المتين في قبول عطية السلاطين (خ 1). 140 - تنبيه ذوي الفطن على حسن السعي لإطفاء نار الفتنة (خ 1). 141 - بحث حول مسألة من أعطى شيئاً وفرض عليه قبوله من غير مسألة، (خ 1). 142 - سؤالات وأجوبتها وهي: 1 - في اعتماد الشهادة أو الظن في إمضاء الأحكام. 2 - في طلب الأحكام من المدعى ما يسمى كف الطلب ويمين صحاح الدعوى. 3 - في تحليف المدعى عليه بعد إنكاره وإبطال يمينه بعد إتيان المدعي بالشهادة. 4 - في تمليك الرجل بعض أولاده دون بعض، وتخصيص الذكور دون الإناث، وكذلك التشريك في كسب المال. 5 - في العمل بالخط في الأموال إذا ثبت بالشهادة عليه (خ 1). 143 - بحث في العمل بالخط إذا حفَّته القرائن (خ 1).

144 - بحث في الضرب على التهمة (خ 1). 145 - جواب سؤال عن سبب تأخير القصاص من القاتل إذا كان بعض ورثة القتيل صغيراً (خ 1). 146 - بحث هل يقتل الجماعة بالواحد؟ (خ 1). 147 - رسالة في أحكام الكفار من أهل الكتاب والمعاهدين الحربيين هل تقبل شهادتهم أم لا؟ (خ 1). 148 - بحث في قتال الكفار (خ 1). 149 - سؤال: هل الكفار يملكون علينا ما غنموه من المسلمين؟ وهل حكم القرامطة وأشباههم حكم الكفار أم لا؟ والجواب عليه (خ 1). 150 - بحث حول الجزية هل هي من المشتبهات (خ 1). 151 - بحث في حكم لعن المعين ويليه رد لبعض العلماء (خ 1). 152 - سؤال عن الحبس رهينة وجوابه (خ 1). 153 - سؤال عن ماهية دار الكفر (خ 1). المجلد الثامن (154 - 178) 154 - سؤال عن الوقف على القرابة مع بيانهم (خ 1). 155 - بحث حول تأجير أرض الوقف المسلوبة المنافع (خ 1). 156 - سؤال في اغتصاب المال وجوابه (خ 1). 157 - مسألة رفع الالتباس عن تنازع الوصي والعباس (خ 1). 158 - مسألة عن رجل مات وخلف أمه وثلاثة أولاد وابن ابن (خ 2). 159 - سؤال عن رجل مات وخلف ولدين أمهما مملوكة لمن الميراث؟ (خ 1). 160 - مسألة شريفة تتعلق بقوله تعالى: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ} (خ 1).

161 - المسائل التي سأل بها السيد العلامة الحسن بن محمد الأخفش السيد الفهَّامة فريد عصره العلامة محمد بن إسماعيل الأمير في آية الوصية وما يتعلق بها، والجواب للمولى العلامة حفظه الله (خ 1). 162 - إقناع الباحث بإقامة الأدلة بصحة الوصية للوارث (خ 2). 163 - كلام على حديث: "لا وصية لوارث" وتحقيق ما دل عليه من نسخ الوصية (خ 1). 164 - السيف الباتر في يمين الصابر والشاكر (خ 2). 165 - بحث حول أحاديث الستور ودلالتها (خ 1). 166 - مراسلة بين ابن الأمير ومحمد بن إسحاق (خ 1). 167 - مجموعة مساجلات شعرية في مدلول المذهب (خ 1). 168 - كيف يسمى اليسر يسرين والعسر واحد؟. - فائدة: اختلف في تقرير الآيات الواردة في الحكم بين أهل الكتاب. - نبذة تاريخية في عصره (خ 1). 169 - بحث فيمن تزوج بامرأة فوجدها حبلى. سؤال وجواب عن سرقة حدثت في قرية. - بحث بخط ابن الأمير في جامع رزين (خ 1). 170 - رسائل القضاة بني العنسي الناقمة على ابن الأمير وردّه عليهم (خ 1). 171 - بحث حول الغناء والشطرنج (خ 1). 172 - تعريف ببعض العلوم المحظورة شرعاً (خ 1). القسم الخامس: اللغة العربية (173 - 178) 173 - كتاب سمط الفرائد في نظم القواعد (خ 1).

174 - الصلة والعائد شرح نظم القواعد (خ 1). 175 - سؤال في إفادة تنكير المسند إليه ونحوه (خ 1). 176 - سؤال لم خالفت كلمة الاستعاذة التسمية في عدم تقديم الجار والمجرور على المتعلق (خ 1). 177 - جواب وسؤال للأمير عن قول ابن الوزير: لمجد الدين في القاموس مجد ... وفخرٌ لا يوازيه موازي (خ 1) 178 - الرسالة الصادقة في الجملة الخبرية الكاذبة (خ 1). - (ملحق) (179 - 191) 179 - إحراق الكتب باليمن. 180 - المفاخرة بين العنب والنخل. 181 - سؤال عن إيمان أبوي النبي - صلى الله عليه وسلم - وجوابه. 182 - سؤال وجوابه في معنى قوله تعالى: {وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي}. 183 - جواب سؤال عن صلاة المؤمنين حول الكعبة. 184 - جواب سؤال عن معنى قوله تعالى: {إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (46)}. 185 - بحث مفيد في الكلام على حديث ابن مسعود - رضي الله عنه -: "من قرأ حرفاً من كتاب الله فله حسنة". 186 - بحث في صفة السجود. 187 - جواب سؤال في حكم الأحاديث الواردة في الحمام. 188 - سؤالان وجوابهما فيمن: - وطئ صغيرة فهلكت.

فائدة (1)

- والثاني: في رجل قتل ابنه. 189 - بحث في العمل بالحديث الضعيف. 190 - بحث فيما بشرت به خديجة - رضي الله عنها -: من أنَّ لها في الجنة بيت من قصب. 191 - كفاية المبتدي. فائدة (1): توثيق نسبة بعض كتب ابن الأمير من ديوانه: قال ابن الأمير في "الديوان" (ص 360 - 361): وما آليت جهداً في بلاغ ... وتنبيه لأنباه الأنام وإرشاد لنقاد كرام ... وإيصال إلى سبل السلام وتطهير اعتقاد عن شريك ... بسهم صائب عرض اللئام وسيف باتر هام الأعادي ... وتوضيح الحلال من الحرام وعُدَّتي الدراية منه فضلاً ... ومنحته لتنوير الظلام تضمنت هذه الأبيات التورية بمؤلفات البدر - رحمه الله - وهي: 1 - تنبيه الأنباه بعدم شرطية عدالة الإمام في الصلاة. 2 - وإرشاد النقاد إلى تيسير الاجتهاد. 3 - وسبل السلام الموصلة إلى بلوغ المرام. 4 - وتطهير الاعتقاد عن أدران الإلحاد. 5 - والسهم الصائب في نحر القول الكاذب. 6 - والسيف الباتر في يمين الصابر والشاكر. 7 - وتوضيح الأفكار شرح تنقيح الأنظار. 8 - والعدة شرح العمدة. 9 - والدراية حاشية شرح الغاية.

فائدة (2)

10 - ومنحة الغفار حاشية ضوء النهار. 11 - والتنوير شرح الجامع الصغير. نفع الله بعلومه, آمين. فائدة (2): توثيق نسبة بعض كتب ابن الأمير إليه من ولده إبراهيم في "الروض النضير في ترجمة محمد بن إسماعيل الأمير" (مخطوط): 1 - "التنوير شرح الجامع الصغير" [لوحة: 25، 26]. 2 - "الأنفاس الرحمانية على الإفاضة المدنية" [لوحة: 26]. 3 - "اليواقيت في علم المواقيت" [لوحة: 42]. 4 - "النفحة المسكية شرح التحفة العلوية" [لوحة: 45]. 5 - "نهاية التحرير في الرد على قولهم ليس في مختلف فيه نكير" [لوحة: 49]. 6 - رسالة في الربا. [لوحة: 51]. 7 - رسالة في جواز بيع النسيئة. [لوحة: 51]. 8 - العرف الندي. [لوحة: 51]. 9 - "رسالة فيما يتعلق بالاستعاذة بالله - عز وجل - من الشيطان الرجيم" [لوحة: 51]. 10 - بحث في "لو" [لوحة: 51]. 11 - "السيف الباتر في يمين الصابر والشاكر" [لوحة: 54]. 12 - جواب سؤال عن المفاضلة بين الجوهري في الصحاح وبين مجد الدين في القاموس [لوحة: 56]. 13 - "مباحث مفيدة من حاشية البدر على البحر الزخار" وهي من الطهارة إلى الزكاة. [لوحة: 59].

14 - جواب سؤال عن قوله - صلى الله عليه وسلم -: "من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه" [لوحة: 60]. 15 - "الإدراك لضعف أدلة تحريم التنباك" [لوحة: 62]. 16 - "إرشاد النقاد إلى تيسير الاجتهاد" [لوحة: 66]. 17 - "السهم الصائب للقول الكاذب"، ويسمى أيضاً: "النهر الغاسل للقول الباطل" [لوحة: 100]. 18 - "هداية المرتاب إلى صحة نيته العبادات لنيل الثواب ودفع العذاب" [لوحة: 107]. 19 - "استيفاء المقال في حقيقة الإسبال" [لوحة: 117]. 20 - "جمع الشتيت شرح أبيات التثبيت" [لوحة: 122]. 21 - "ثمرات النظر في علم الأثر" [لوحة: 124]. 22 - "شرح إيثار الحق على الخلق" [لوحة: 125]. 23 - "سبل السلام الموصلة إلى بلوغ المرام" [لوحة: 125]. 24 - "إيقاظ الفكرة لمراجعة الفطرة" [لوحة: 128]. 25 - "إجابة السائل شرح بغية الآمل" [لوحة: 129].

ثالثا: ترجمة مؤلف "تيسير الوصول إلى جامع الأصول"

ثالثاً: ترجمة مؤلف "تيسير الوصول إلى جامع الأصول" 1 - اسمه: الشيخ الحافظ الحجة المتقن، شيخ الإسلام، علامة الأنام، الجهبذ، خاتمة المحققين، أبو محمد عبد الرحمن بن علي بن محمد بن عمر بن محمد بن عمر بن علي بن يوسف بن أحمد بن عمر الشيباني، الزبيدي، الشافعي، سبط إسماعيل بن محمد بن أحمد بن مبارز، ويعرف بابن الدّيْبَع، وهو لقب لجده الأعلى: علي بن يوسف. ومعناه بلغة النوبة - السودان -: الأبيض. 2 - مولده: ولد في عصر يوم الخميس رابع المحرم سنة ست وستين وثمانمائة - 866 هـ - في مدينة: زبيد بمنزل والده فيها. 3 - نشأته: نشأ ابن الديبع في مدينة زبيد، في حجر جده لأمه العلامة شرف الدين، أبي المعروف إسماعيل بن محمد مبارز الشافعي - رحمه الله - وانتفع بدعائه له في أوقات الإجابة وغيرها. وهو الذي حدب عليه ورباه، وعلمه وأوصاه، وكان يؤثره على أولاده الذين من صلبه - آثره الله بحبه وقربه -. ثم تعلم القرآن الكريم على الفقيه نور الدين علي بن أبي بكر خطاب حتى بلغ سورة (يس) وانتفع به كثيراً ... ثم انتقل إلى خاله الفقيه العلامة جمال الدين أبو النجباء محمد الطيب بن إسماعيل مبارز، فلما رأى نجابته أمره بنقل القرآن العظيم من أول سورة البقرة إلى آخره، فقرأه حتى ختمه وحفظه عن ظهر قلب وهو ابن عشر سنين.

ثم أخذ على خاله المذكور علم القراءات السبع، فنقل الشاطبية، ثم قرأ القراءات عنده مفردة ومجموعة. كما أخذ على خاله علم العربية، وعلم الحساب، والجبر، والمقابلة، والمساحة، والفرائض، والفقه، حتى انتفع في كل علم منها. ثم قرأ كتاب الزبد في الفقه للإمام شرف الدين البارزي، على الشيخ الإمام المعمر تقي الدين أبي حفص عمر بن محمد الفتي بن معيبد الأشعري، قراءة بحث وتحقيق وفهم وتدقيق في سنة (883 هـ). ثم أخذ علم حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على العلامة المحدث زين الدين أبي العباس أحمد بن أحمد بن عبد اللطيف الشرجي. فقرأ عنده صحيح البخاري ومسلم وسنن أبي داود والترمذي والنسائي وموطأ الإمام مالك، والشفاء للقاضي عياض، وعمل اليوم والليلة لابن السني، والشمائل للترمذي، والرسالة للقشيري، وجميع مؤلفاته ومصنفاته. وما لا يحصى من الأجزاء والكتب اللطيفة، وبه تخرج وانتفع، وألف ابن الديبع كتابه المسمى بـ "غاية المطلوب وأعظم المنة فيما يغفر الله به الذنوب ويوجب الجنة"، وتعلم ابن الديبع من شيخه أبي العباس صفة التأليف والتصنيف. ثم ارتحل إلى "بيت الفقيه بن عجيل" وأخذ الفقه على الشيخ جمال الدين أبي أحمد الطاهر بن أحمد عمر بن جغمان، فقرأ عليه "منهاج الطالبين" للنووي جميعه، ومن "الحاوي الصغير" و"تيسيره" للبارزي، و"نظمه" لابن الوردي إلى ثلث كل كتاب منها. كما أخذ ابن الديبع الحديث على الشيخ برهان الدين، أبي إسحاق إبراهيم بن أبي القاسم بن جغمان. فقرأ عليه كتاب "الأذكار" للإمام النووي، و"الشمائل" للترمذي، و"عدة الحصن الحصين" للجزري وغير ذلك.

3 - شيوخه

وسمع ابن الديبع عند أبي إسحاق بقراءة غيره مجالس من صحيح البخاري ومسلم، وبعضاً من كتاب "الإرشاد مختصر الحاوي" للعلامة شرف الدين بن المقري وغير ذلك. وبعد الحجة الثالثة رجع ابن الديبع إلى مكة المشرفة في المحرم من سنة (897 هـ)، فمن الله عليه بلقاء الشيخ الإمام حافظ العصر أبي الخير محمد بن عبد الرحمن السخاوي المصري الشافعي فيها، فصحبه وانتفع به, وأخذ عليه في علم الحديث، وسمع عنده كثيراً من صحيحي البخاري ومسلم، ومن كتاب "مشكاة المصابيح" للتبريزي، وجملة من ألفية الحديث، وقرأ عليه كتاب "بلوغ المرام من أدلة الأحكام" للحافظ أبي الفضل بن حجر، وبعضاً من كتاب سيرة ابن سيد الناس اليعمري المسماة بـ "عيون الأثر"، وبعضاً من كتاب "رياض الصالحين" للنووي، وثلاثيات البخاري، وما لا يُحصى من الأجزاء والمسلسلات، وكان السخاوي يجل ويقدم بن الديبع على سائر الطلبة. 3 - شيوخه: أخذ ابن الديبع - رحمه الله - عن شيوخ كثر، ذكرهم في كتابه "بغية المستفيد"، وذكر العلوم التي أخذها عنهم .. ومنهم: 1 - الشيخ الفقيه نور الدين علي بن أبي بكر بن خطاب. 2 - الفقيه العلامة جمال الدين أبو النجباء محمد الطيب بن إسماعيل بن مبارز. 3 - الإمام العلامة تقي الدين أبو حفص عمر بن محمد الفتى بن معيبد الأشعري. 4 - الإمام العلامة المحدث زين الدين أبو العباس أحمد بن أحمد بن عبد اللطيف الشرجي. 5 - الإمام الصالح المقري جمال الدين أحمد بن الطاهر بن أحمد بن عمر بن جغمان. 6 - الإمام الأوحد الصالح برهان الدين أحمد بن أبي القاسم بن جغمان. 7 - الإمام حافظ العصر مسند الدنيا شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي.

4 - تلاميذه

4 - تلاميذه: أشهر الطلاب الذين أخذوا عن ابن الديبع الشيباني (¬1). ومنهم: 1 - العلامة ابن زياد: هو عبد الرحمن بن عبد الكريم بن إبراهيم بن زياد. فقيه شافعي من أهل زبيد، ولد سنة (900 هـ)، وكف بصره سنة (964 هـ). واستمر في التدريس والإفتاء والتصنيف. توفي سنة (975 هـ) (¬2). 2 - السيد الحافظ الطاهر بن حسين الأهدل. محدث الديار اليمنية. ولد سنة (914 هـ)، وانتقل إلى زبيد، ولازم الحافظ عبد الرحمن بن الديبع، وانتفع به انتفاعاً كبيراً. توفي سنة (998 هـ) (¬3). 3 - شهاب الدين أبو العباس أحمد بن علي المزجاجي، الحنفي، ولد سنة (897 هـ)، سمع الحديث على جماعة من العلماء، منهم عبد الرحمن بن الديبع، وكتب له الإجازة والأسانيد، توفي سنة (964 هـ) (¬4). 4 - أبو السعادات الفاكهي المكي (¬5). 5 - نماذج من شعره: 1 - في مصنفات الإمام النووي: أيُّها السّالكُ نَهْجَ المصطفى ... تابعاً سنّته في كل حينِ غير كتب النووي لا تعتمِدْ ... وتنزّه في رياضِ الصالحينِ ¬

_ (¬1) "النور السافر". للعيدروسي (ص 195). (¬2) "الأعلام" للزركلي (3/ 311). (¬3) "شذرات الذهب" (8/ 439). (¬4) "شذرات الذهب" (8/ 341). (¬5) "النور السافر" (ص 196).

6 - ثناء العلماء عليه

وله في الأربعين النووية: أيُّها الطالبون عِلْمَ حديث ... هذه أربعون حقاً صحيحة كلها غير سبعة فحِسانٌ ... فاعتمدها فإنها لصحيحة وله في صحيح البخاري ومسلم: تنازعَ قومٌ في البخاري ومسلم ... لديَّ وقالوا أيُّ ذين يُقدَمُ فقلتُ لقد فاقَ البخاري صحّة ... كما فاق في حُسنِ الصناعة مسلمُ ومن شعره: كفاني من عجزي وفخري أنني ... جبلت على التوحيد واخترته طَبْعا وإني لم أشرِكْ بربي غيره ... وإني للرحمن عبدٌ له ادّعا وأجاز لمن أدرك حياته أن يروي عنه فقال: أجزتُ لمدْركي وقتي وعَصْري ... رواية ما تجوز روايتي له من المقروء والمسموع طرّاً ... وما ألفتُ من كتُبٍ قليله وما لي من مجاز من شيوخي ... من الكتُب القصيرةِ والطويلة وأرجو الله يختمُ لي بخيرٍ ... ويرحمني برحمته الجزيلَة 6 - ثناء العلماء عليه: قال الحافظ السخاوي في "الضوء اللامع" (4/ 105): "وهو فاضل يقظ راغب في التحصيل والاستفادة نفع الله به". اهـ. وقال ابن العماد الحنبلي في "شذرات الذهب" (10/ 362): "وكان ثقة، صالحاً، حافظاً للأخبار والآثار، متواضعاً، انتهت إليه رئاسة الرحلة في علم الحديث، وقصده الطلبة من نواحي الأرض" اهـ.

7 - مؤلفاته

وقال الإمام الشوكاني في "البدر الطالع" رقم الترجمة (230): " .. ثم برع ولا سيما في فن الحديث، واشتهر ذكره، وبعُد صيتُه، وصنَّف التصانيف (منها): "تيسير الوصول إلى "جامع الأصول"" اختصره اختصاراً حسناً، وتداوله الطلبة وانتفعوا به ... وكان السلطان عامر بن عبدالوهاب قد عظمه وولاه تداريس، وله أشعار في مسائل علمية وضوابط وتحصيلات، وله شهرة في اليمن طائلة إلى الآن" اهـ. 7 - مؤلفاته: لقد ألف ابن الديبع كتباً كثيرة في فنون متنوعة من الحديث وعلومه وغيرها من الفنون: 1 - غاية المطلوب وأعظم المنة فيما يغفر الله به الذنوب، ويوجب الجنة. مطبوع بتحقيق: د/ رضا محمد صفي الدين السنوسي. 2 - تمييز الطيب من الخبيث، مما يدور على ألسنة الناس من الحديث. مطبوع عدة طبعات. وقد قمت بتحقيقه وتخريج أحاديثه، والتعليق عليه. 3 - تيسير الوصول إلى "جامع الأصول". اختصره من جامع الأصول لابن الأثير. مطبوع. 4 - حدائق الأنوار ومطالع الأسرار في سيرة النبي المختار - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله المصطفين الأخبار. مطبوع. بتحقيق الشيخ عبد الله بن إبراهيم الأنصاري - رحمه الله -. 5 - سرور المؤمنين بمولد النبي الأمين. مطبوع بعنوان (مولد ابن الديبع)، بتحقيق: د/ محمد بن علوي المالكي الحسني. 6 - قرة العيون في أخبار اليمن الميمون. مطبوع: بتحقيق محمد بن علي بن الأكوع - رحمه الله -. 7 - نشر المحاسن اليمانية في خصائص اليمن ونسب القحطانية. مطبوع بتحقيق أحمد راتب حموش.

8 - وفاته

8 - مصباح مشكاة الأنوار من صحاح حديث المختار "مختصر مشكاة المصابيح". مطبوع. بتحقيق: د/ علي حسين البواب. 9 - بغية المستفيد في أخبار مدينة زبيد. مطبوع بتحقيق عبد الله الحبشي. 10 - أسانيد ابن الديبع، عن شيخه الشرجي، عن نفس الدين العلوي. مخطوط. [جامع المكتبة الغربية ج 86، مجاميع (2)]. 11 - الفضل المزيد في تاريخ زبيد. مخطوط. 12 - أحسن السلوك في من ولي زبيد من الملوك. مخطوط. 13 - كشف الكربة في شرح دعاء أبي حربة. مخطوط. 8 - وفاته: توفي في ضحى الجمعة، السادس والعشرين من شهر رجب، بمدينة زبيد، في سنة أربع وأربعين وتسعمائة. (944 هـ). وصلي عليه بمسجد الأشاعرة، ودفن بتربة باب سهام (¬1). ¬

_ (¬1) مصادر ترجمته: 1 - "البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع" للإمام محمد بن علي الشوكاني، رقم الترجمة (230). 2 - "شذرات الذهب في أخبار من ذهب" لابن العماد الحنبلي (10/ 362 - 363). 3 - "الكواكب السائرة بأعيان المائة العاشرة" للشيخ نجم الدين الغزي (2/ 158 - 159). 4 - "الأعلام" لخير الدين الزركلي (3/ 318). 5 - "الضوء اللامع لأهل القرن التاسع" للسخاوي (4/ 104 - 105). 6 - "تاريخ النور السافر عن أخبار القرن العاشر" للعيدروسي (ص 191 - 199).

رابعا: وصف المخطوط (أ)

رابعاً: وصف المخطوط (أ): 1 - عنوان الكتاب من المخطوط (أ): التحبير حاشية التيسير. 2 - عدد المجلدات: (2). 3 - نوع الخط: خط نسخي عادي. 4 - الناسخ: المؤلف محمد بن إسماعيل الأمير. 5 - المجلد الأول (445) والمجلد الثاني (310). 6 - عدد الأسطر في الصفحة: 7 - عدد الكلمات في السطر:

[صورة العنوان من المخطوط (أ) المجلد الأول]

[صورة الصفحة الأولى من المخطوط (أ) المجلد الأول]

[صورة نهاية الصفحة الأخيرة من المخطوط (أ) المجلد الأول]

[صورة بداية الصفحة الأولى من المخطوط (أ) المجلد الثاني]

[صورة الصفحة الأخيرة من المخطوط (أ) المجلد الثاني]

[صورة بداية الصفحة الأولى من المخطوط (أ) المجلد الثالث]

[صورة الصفحة الأخيرة من المخطوط (أ) المجلد الثالث]

[بداية الصفحة الأولى من المخطوط (أ) المجلد الرابع]

[صورة الصفحة الأخيرة من المخطوط (أ) المجلد الرابع]

خامسا: وصف المخطوط (ب)

خامساً: وصف المخطوط (ب): 1 - عنوان الكتاب من المخطوط (ب): التحبير لإيضاح معاني التيسير. 2 - عدد المجلدات: (5). 3 - نوع الخط: خط نسخي جيد. 4 - ناسخ المجلدات (الأربع): محمد بن أحمد الحجري. ناسخ المجلد (الخامس): علي بن عبد الله الأمير. 5 - المجلد الأول: (487) صفحة. المجلد الثاني: (466) صفحة. المجلد الثالث: (472) صفحة. المجلد الرابع: (347) صفحة. المجلد الخامس: (458) صفحة. 6 - عدد الأسطر في الصفحة: 7 - عدد الكلمات في السطر: 8 - تمت مقابلة الجزء الخامس على الأم صبح يوم السبت (11/ جمادى الأول) سنة (1362 هـ).

[صورة العنوان من المخطوط (ب) المجلد الأول]

[صورة الصفحة الأولى من المخطوط (ب) المجلد الأول]

[صورة الصفحة الأخيرة من المخطوط (ب) المجلد الأول]

[صورة العنوان من المخطوط (ب) المجلد الثاني]

[صورة الصفحة الأولى من المخطوط (ب) المجلد الثاني]

[صورة الصفحة الأخيرة من المخطوط (ب) المجلد الثاني]

[صورة العنوان للمخطوط (ب) المجلد الثالث]

[صورة الصفحة الأولى من المخطوط (ب) المجلد الثالث]

[صورة الصفحة الأخيرة من المخطوط (ب) المجلد الثالث]

[صورة العنوان من المخطوط (ب) المجلد الرابع]

[صورة الصفحة الأولى من المخطوط (ب) المجلد الرابع]

[صورة الصفحة الأخيرة من المخطوط (ب) المجلد الرابع]

[صورة العنوان من المخطوط (ب) المجلد الخامس]

[صورة الصفحة الأولى من المخطوط (ب) المجلد الخامس]

[صورة الصفحة الأخيرة من المخطوط (ب) المجلد الخامس]

سادسا: وصف المخطوط (جـ)

سادساً: وصف المخطوط (جـ): 1 - عنوان الكتاب من المخطوط: التحبير شرح التيسير. 2 - عدد المجلدات: (2). الأول (137) ورقة، والثاني (238) ورقة. 3 - نوع الخط: خط رقعة مهمل النقط أحياناً. والعناوين بالحمرة. 4 - مصدره: (من مكتبة الأحقاف - مجموعة رباط تريم - من وقف آل الجنيد - 13). 5 - عدد الأسطر في الصفحة: 32 - 33 سطراً. 6 - عدد الكلمات في السطر: 14 - 15 كلمة. 7 - تمت مقابلته على الأم ليلة الأحد غرة شهر ربيع الآخر، سنة (1180)، ختمها الله بكل خير.

[ورقة من المخطوط (ج) المجلد الأول]

[ورقة من المخطوط (ج) المجلد الأول]

[صورة الصفحة الأولى من المخطوط (ج) المجلد الثاني]

[صورة الصفحة الأخيرة من المخطوط (ج) المجلد الثاني]

سابعا: منهجي في تحقيق الكتاب, وتخريج أحاديثه، والتعليق عليه

سابعاً: منهجي في تحقيق الكتاب, وتخريج أحاديثه، والتعليق عليه: 1 - اعتمدت في تحقيق الكتاب على ثلاث مخطوطات. الأولى: بخط المؤلف: ورمزت لها بالرمز (أ). وهي الأصل. الثانية: المجلد الأول والثاني والثالث والرابع بخط محمد بن أحمد الحجري، والمجلد الخامس بخط علي بن عبد الله الأمير. ورمزت لها بالرمز (ب). والثالثة: بخط رقعة مهمل النقط أحياناً من مكتبة آل الجنيد. وهي نسخة مساعدة رمزت لها بالرمز (جـ). 2 - كتبت النسخة (أ) من المخطوط وتمت مراجعتها. 3 - قارنت النسخة (ب) على النسخة المكتوبة من (أ)، وتمت مراجعتها. 4 - استعنت بالنسخة (جـ) عند اللزوم، وأثبت الفرق بين المخطوطات (أ)، (ب)، (جـ) بين قوسين هكذا [] وأشرت إلى ذلك في الهامش. 5 - وصفت المخطوط (أ) ووضعت صوراً منه. وكذلك المخطوط (ب)، وأيضاً المخطوط (جـ). 6 - قدمت للكتاب مقدمة متوسطة. 7 - ترجمت للمؤلف محمد بن إسماعيل الأمير ترجمة متوسطة. 8 - ترجمت لمؤلف التيسير (ابن الديبع) ترجمة موجزة. 9 - عزوت الآيات القرآنية إلى سورها مع ذكر رقم الآية. 10 - خرّجت أحاديث التيسير مقتصراً - في الغالب - على المصادر التي ذكرها ابن الديبع، وحكمت عليها صحة أو ضعفاً وفق قواعد هذا الفن. 11 - خرّجت الأحاديث الواردة في "التحبير" وحكمت عليها أيضاً.

12 - رقمت أحاديث التيسير برقمين: (الأول): للرقم المتسلسل. و (الثاني): لحديث الفصل. 13 - علَّقت على بعض القضايا الحديثية، والمسائل الفقهية والأمور اللغوية، والعقدية. 14 - أرجعت بعض الأقوال إلى مصادرها. 15 - ترجمت للعلماء المغمورين على مدار الكتاب مرة واحدة، وأوردت مصادر الترجمة لمن ترجم لهم المؤلف. 16 - وضعت فهرساً لموضوعات كل جزء. 17 - أكملت الجزء الأخير من كتاب التيسير الذي لم يشرحه العلامة محمد بن إسماعيل الأمير. بتخريج أحاديثه مقتصراً - في الغالب - على المصادر التي ذكرها ابن الديبع، مع شرح للمفردات الغريبة في كل حديث. اللهم اجعل أعمالنا كلها صالحة .. ولوجهك خالصة .. ولا تجعل فيها شركاً لأحد .. كتبه: محمد صبحي بن حسن حلاق أبو مصعب

النص المحقق

مقدمة ابن الديبع

مقدمة ابن الديبع بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله الذي يسر الوصول، إلى جامع الأصول (1) من حديث الرسول، وسهل في نحو ثلث حجمه اختصاره، مع حسن الإيراد ولطف العبارة، والتلخيص لما يكثر شرحه ويطول، أحمده وأستغفره، وأستعين به وأستنصره، وأتوب إليه وأسأله القبول فله الحمد سبحانه على من به وأنعم، من خدمة حديث حبيبه المكرم، وبلغ بمتابعته السؤل، وله الشكر على أن جعلني من أمته، الملبين لدعوته، المقتفين لما يقول، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة أعدها لجواب المسألة، ولكل هول مهول. وأشهد أن محمداً عبده النبي الكريم، ورسوله الرءوف الرحيم، وحبيبه الشفيع المقبول المبين للناس ما نزل إليهم، والموصل لهم بشفقته عليهم، إلى خير مأمول. صلى الله وسلم عليه، وعلى آله وأصحابه ومن هاجر إليه ما نقل مرويّ أو روى منقول، صلاة دائمة الاستمرار، مشرقة الأنوار، لا انقطاع لها ولا أُفول. أما بعد: فإني وقفت على كثير مما دونه الأئمة من كتب الحديث في القديم والحديث، فلم أر فيها أكثر جمعاً، ولا أحسن وضعاً من كتاب: جامع الأصول (¬1) من حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - وشرف وكرم وعظم الذي ألفه الإمام العلامة الكبير مجد الدين أبو السعادات ابن الأثير، فجمع فيه ¬

_ (¬1) "جامع الأصول في أحاديث الرسول" تأليف الإمام مجد الدين أبي السعادات المبارك بن محمد بن الأثير الجزري (544 - 606 هـ). جمع فيه المؤلف الأصول الستة المعتمدة عند الفقهاء والمحدثين: "الموطأ" "البخاري" "مسلم" "أبو داود" "الترمذي" "النسائي". وهذبها، ورتبها، وذلل صعابها، وشرح غريبها، ووضح معانيها.

أحاديث الأصول الستة المشهورة، صحيحي البخاري ومسلم، وموطأ الإمام مالك، وسنن أبي داود السجستاني، وجامع أبي عيسى الترمذي، وسنن أبي [2/ 1 ب] عبد الرحمن النسائي رحمهم الله تعالى، جمعاً. رصيداً لطلابها - على ما اشتملت عليه من علومها وفوائدها - معيناً، شكر الله تعالى مسعاه، وأحسن عاقبته ورجعاه. فلقد أجاد فيه كل الإجادة، مع كثرة الجدوى وحسن الإفادة, وقد جرده في نحو ربع حجمه قاضي القضاة شرف الدين هبة الله بن البارزي (¬1) قاضي حماه - رحمه الله - في كتاب سماه: "تجريد الأصول من حديث الرسول" (¬2) فتداولته الطلبة لحسن اختصاره واعتماده على تجريد أخباره وآثاره. قال قاضي القضاة في خطبة كتابه ما ملخص لفظه ومعناه: إن أبا الحسن رزين ابن معاوية العبدري (¬3) جمع الأصول الستة المذكورة، فكان كتابه أجمع الكتب في هذا الفن نفعاً، ¬

_ (¬1) أبو القاسم هبة الله بن قاضي القضاة نجم الدين عبد الرحيم بن القاضي شمس الدين إبراهيم المعروف بابن البارزي الشافعي قاضي حماة, وصاحب التصانيف الكثيرة. ولد في رمضان سنة (645 هـ) وتوفي سنة (738 هـ). "شذرات الذهب من أخبار من ذهب" لابن العماد (8/ 209/ 210) و"طبقات الشافعية الكبرى" (8/ 189 - 190) "والدرر الكامنة" (4/ 401). (¬2) وهو اختصار لجامع الأصول (¬3) رزين بن معاوية أبو الحسن العبدري الأندلسي السَّرقسطي، مصنَّف "تجريد الصحاح" روى كتاب البخاري عن أبي مكتوم بن أبي ذر، وكتاب مسلم عن الحسين الطبري، وجاور بمكة دهراً، وتوفي في المحرم سنة (535 هـ) "شذرات الذهب" (6/ 175). قلت: وتجريد الصحاح: جمع فيه بين "الموطأ" و"صحيح البخاري" و"صحيح مسلم" و"سنن أبي داود" و"سنن الترمذي" و"المجتبى من سنن النسائي". ورتبه الإمام ابن الأثير بعد ذلك وسماه: "جامع الأصول في أحاديث الرسول".

وأنفعها جمعاً حيث حوى الأصول الستة التي هي أمهات الحديث وأصولها، وبأحاديثها استدل العلماء وعمدتهم منقولها. ثم إن الشيخ الإمام العالم مجد الدين أبا السعادات المبارك بن محمد بن محمد بن عبد الكريم الجزري ثم الموصلي، يعني: ابن الأثير - رحمه الله - نظر في كتاب رزين، الحاوي لهذه الأصول، فاختار له وضعاً أجاد والله ترتيبه وتهذيبه، وأحسن تفصيله وتبويبه، فأبرزه في تأليف سماه: جامع الأصول من حديث الرسول فهو إذاً نخبة المنخوب، وإنسان عين المطلوب. فأفرغت الوسع في تحصيله وروايته، وعزمت على الاشتغال به ولو بمطالعته، وحين يسر الله - وله الحمد - روايته، تدبرته فوجدته بحراً زاخرة أمواجه، وبراً وعرة فجاجه، ورأيت ذلك لعدم همم بني الزمان، كالداعي إلى الإعراض عن هذا المهم العظيم الشأن. فاستخرت الله تعالى في تجريد أخباره وآثاره، واستعنته على [3/ 1 ب] تلخيصه واختصاره، فألقيت عنه ما زاد على الأصول من شرح الغريب والإعراب، وألغيت منه ما ارتكبه من التكرير والإسهاب فليشتهر بتجريد الأصول قي أحاديث الرسول. ولما كثرت فيه الكتب والأبواب، رتبتها على حروف المعجم لئلا يحتاج طالب الحكم إلى تصفح أكثر الكتب والأبواب، وضبط ذلك بالحرف الأول من الحكم بعد حذف آلة التعريف إلا أن يكون من أحكام كتاب حرف آخر فإنه يذكر فيه. مثاله: ذكر الغنيمة في كتاب الجهاد من حرف الجيم لئلا تتفرق أحكام الجهاد وهكذا. وأفرد لما اشتمل على معان لم يغلب أحدها كتاباً سماه: كتاب اللواحق، وَلِما جاء في تفضيل شيء من قول أو فعل أو رجل أو مكان كتاباً سماه: كتاب الفضائل من حرف الفاء، وذكر أنه وجد في كتاب رزين أحاديث لم يرها في مفردات الأصول التي جمعها، ونقل منها فسطر أسماء رواتها، وتركها عُطُلاً بلا علامة.

قال قاضي القضاة: وقد اقتديت به في هذا الترتيب غير فصلين: أحدها: أنه متى أتى حرف فيه كتب لها فضائل نقلت فضائلها إليها، ثم ما بقي تركته حيث وضعه. الثاني: أنه متى اجتمعت العلامات الست على اسم راوٍ جعلت مكانها (ق) فبينت بها اتفاقهم، ثم إني محافظ على لفظ البخاري ومسلم، فمتى اتفقا على لفظ قلت: هذا لفظهما، وإن اختلفا قدمت البخاري فقلت: هذا لفظه، وهكذا إذا انفرد أحدهما مع غيره، ثم أنبه على زيادات الباقين. انتهى ملخص لفظ قاضي القضاة - رحمه الله -. وقد نظرت في كل من الجامع وتجريده، وشاهدت حسن وضع كل منهما وتمهيده، فرأيت كلاً من مؤلفيهما قد رقم اسم الصحابي الراوي للحديث في حاشية الكتاب، ورمز عليه [4/ 1 ب] لمن أخرجه من الستة برموز اختلطت واختبطت على أكثر الكتاب، فحصل فيها التقديم والتأخير، والنقصان والتكرير، حتى كثر في ذلك العناء، ولم يحصل لأكثر الطلاب به غناء، وقل التذاذ قارئ كل منهما وسامعه، وعسر انتفاع محصل التجريد ومطالعه، فعزمت بعد استخارة الله تعالى على تيسيره للمنتفعين، وتحبيره للمستمعين، رغبة في إحياء السنة النبوية، ومحبة لاقتفاء الآثار الشريفة المحمدية. وصدرت كل حديث منه باسم صحابيه الذي رواه، وختمته بمن خرجه من الأئمة الستة وحواه، ودمجت ذلك بين متون الأحاديث ليؤمن به من الغلط والاشتباه، وتقبله الطباع ولا تأباه. فإن اتفق الستة على إخراجه قلت: أخرجه الستة، وإن انفرد منهم مالك بعدم إخراجه قلت: أخرجه الخمسة، وإن انفرد واحد من الستة غير مالك أو من الخمسة بعدم إخراجه استثنيته باسمه فقلت: أخرجه الستة أو الخمسة إلا فلاناً، وإن اتفق البخاري ومسلم على إخراجه قلت: أخرجه الشيخان، فإن وافقهما مالك على إخراجه قلت: أخرجه الثلاثة، وإن

وافقهما غيره قلت. أخرجه الشيخان وفلان باسمه، وإن أخرجه من عدا البخاري ومسلماً قلت: أخرجه الأربعة، فإن لم يخرجه معهم مالك قلت: أخرجه أصحاب السنن، وإن أخرجه الأربعة إلا واحداً منهم غير مالك استثنيته باسمه فقلت: أخرجه الأربعة إلا فلاناً، وإن اختلف هذا الترتيب ولم يتفق حسن نظمه ذكرت من أخرجه من الستة باسمه، وما صدرت باسم الإمام مالك، فإني مستغن عن عزوه إليه بذلك، واكتفيت في زيادات رزين بنسبتها إليه، واستغنيت في ذلك بالحوالة عليه، وما تقاربت معانيه من الأحاديث واختلفت ألفاظه اكتفيت بإثبات إحدى رواياته، وما اختلفت معانيه وألفاظه فلا بد من ذكر المخالف وإثباته، وما تكرر فيه من الأحاديث اقتصرت على [5/ 1 ب] أتم الروايات فيه، إلا أن يقع اختلاف في تخريجه أو اسم راويه، واعتمدت في ذلك على تجريد قاضي القضاة، وزدت من أصله شيئاً كثيراً من غريب الحديث ومعناه، وتصحيح ما وقع فيه الغلط والاشتباه لتعظم فائدته وجدواه، ويستغني به محصله عما سواه وسميته: "تيسير الأصول إلى جامع الأصول من حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم -" وقد أخبرني بتجريد قاضي القضاة - رحمه الله - إجازة شيخنا الإمام العلامة المحدث زين الدين أبو العباس أحمد بن أحمد بن عبد اللطيف الشرجي (¬1) والإمام الحافظ الحجة شمس الدين أبو الخير محمد بن عبد الرحمن السخاوي (¬2) رحمهما الله تعالى فيما شافهني به كل واحد ¬

_ (¬1) أحمد بن أحمد بن عبد اللطيف بن أبي بكر الشرجي عالم محدث أديب شاعر مؤرخ، مولده ليلة الجمعة (12) رمضان سنة (812 هـ) وفي الطبقات السنية في تراجم الحنفية (1/ 309) سنة (816 هـ) وتوفي بزبيد يوم السبت (9) ربيع الآخر سنة (893 هـ). "الضوء اللامع" (1/ 214) و"هجر العلم ومعاقله في اليمن" (2/ 1043 رقم 3). (¬2) الحافظ شمس الدين أبو الخير محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن عثمان بن محمد السخاوي الأصل، القاهري المولد، الشافعي المذهب، نزيل الحرمين الشريفين. =

منهما غير مرة قالا: أخبرنا به شيخنا الإمام العلامة الزاهد شرف الدين أبو الفتح محمد ابن قاضي طيبة وخطيبها الإمام العلامة زين الدين أبو بكر بن الحسين العثماني المراغي المدني (¬1) قال: أنا به والدي قال: أخبرنا به مؤلفه قاضي القضاة شرف الدين هبة الله بن عبد الرحيم البارزي - رحمه الله - فيما كتب به إليَّ من حماه. وقال: أخبرني بجامع الأصول الشيخ الإمام العالم زين الدين أبو العباس أحمد بن أبي الكرم هبة الله الواسطي - رحمه الله - بقراءتي عليه لجميعه قال: أخبرني به مؤلفه الإمام مجد الدين أبو السعادات ابن الأثير - رحمه الله - سماعاً عليه لجميعه فاتصلت بحمد الله روايتنا لتجريد قاضي القضاة وأصله، فنسأل الله تعالى أن يجعل ذلك خالصاً لوجهه, وأن يعمنا بفضله. وبدأت أولاً بذكر مناقب هؤلاء الستة الأئمة، الذين كشف الله تعالى بهم عن عباده الغمة، وانتفع المسلمون بعلومهم الجمة، واعتمدت على ما دونوه من السنة الأمة. فشكر الله تعالى صنيعهم، وعم بواسع الرحمة جميعهم، والمرجو منه سبحانه أن يلحقنا جمهم، ويشركنا بمحبتنا لهم في جزيل ثوابه [6/ 1 ب] , إنه السميع العليم القريب المجيب، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب. ¬

_ = ولد في ربيع الأول سنة (831 هـ) وطلب العلم، وسمع الكثير على شيخه الحافظ ابن حجر العسقلاني، ولقي جماعة من العلماء، وله تصانيف عدة. توفي سنة (902 هـ). "شذرات الذهب" (10/ 23 - 25) وفي "الضوء اللامع" ترجم السخاوي لنفسه ترجمة مطولة (/2 - 32) (¬1) زين الدين أبو بكر بن حسين بن عمر بن محمد بن يونس المَرَاغي ثم المصري الشافعي نزيل المدينة. ولد سنة (728 هـ) وتوفي بالمدينة المنورة في ذي الحجة سنة (816 هـ). "شذرات الذهب" (9/ 177) و"الضوء اللامع" (11/ 28).

باب في ذكر مناقب الستة الأئمة وأحوالهم

باب في ذكر مناقب الستة الأئمة وأحوالهم مالك (¬1): هو أبو عبد الله مالكُ بن أنس بن مالك الأصبحيُّ إمام دار الهجرة، ولد سنة خمس وتسعين، ومات بالمدينة سنة تسع وسبعين ومائة، وله يومئذ أربع وثمانون سنة. هو إمام الحجاز بل إمام الناس في الفقه والحديث، وكفاه فخراً أن الشافعي - رحمه الله - من أصحابه، خذ العلم عن: ابن شهاب الزهري، ويحيى بن سعيد الأنصاري، ونافع مولى ابن عمر - رضي الله عنه - وغيرهم، وأخذ عنه العلم خلق لا يحصون كثرة منهم الشافعي - رحمه الله -، ومحمد بن إبراهيم بن دينار، وابن عبد الرحمن المخزومي، وعبد العزيز بن أبي حازم، وهؤلاء نظراؤه من أصحابه، ومعن بن عيسى القزاز، وعبد الملك بن عبد العزيز الماجشون، ويحيى بن يحيى الأندلسي، وعبد الله بن مسلمة القعنبي، وعبد الله بن وهب، وأصبغ بن الفرج، وهؤلاء هم مشايخ البخاري ومسلم، وأبي داود، والترمذي، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وغيرهم من أئمة الحديث. وروى الترمذي في "جامعه" (¬2) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يوشك أن يضربَ الناسُ أكباد الإبلِ، يطلبُون العلم فلا يجدون أحداً أعلمَ من عالم المدينة" قال: وهذا حديث حسن قال عبد الرزاق وسفيان بن عيينة: إنه مالك بن أنس. ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في: "تهذيب الأسماء واللغات" للنووي (2/ 75 - 79) "وفيات الأعيان" (4/ 135 - 139) "تذكرة الحفاظ للذهبي" (1/ 207 - 213) "طبقات القراء" (2/ 35) "المعارف لابن قتيبة" (ص 498 - 499) "سير أعلام النبلاء" (8/ 48 - 135) رقم الترجمة (10). (¬2) في سننه رقم (2680). قلت: وأخرجه الحميدي في المسند رقم (1147) وابن حبان رقم (3736) والحاكم في "المستدرك" (1/ 90 - 91) والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" رقم (4017)، (4018) وابن أبي حاتم في "الجرح =

قال مالك - رحمه الله -: قل من كتبت عنه العلم مات حتى يجيئني ويستفتيني، ولقد حدث يوماً عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن فاستزاده القوم من حديثه. فقال: ما تصنعون بربيعة وهو نائم في ذلك الطاق، فأتى ربيعة فقيل له: أأنت ربيعة الذي يحدث عنك مالك؟ قال: نعم، فقيل له: كيف حظِيَ بك مالك ولم تحظ أنت بنفسك؟ قال: أما علمتم أن مثقالاً من دولة خير من حمل علم، وكان مالك - رحمه الله - مبالغاً في تعظيم العلم إذا أراد أن يحدث توضأ وجلس على وقار وهيبة، واستعمل الطيب، وكان مهاباً، ولبعض المدنيين فيه: يدَعُ الجوابَ فلا يُراجَعُ هَيْبَةً ... والسَّائِلون نَوَاكِسُ الأذْقَانِ أَدبُ الوَقَارِ وعِزُّ سُلْطَانِ التُّقى ... فَهُو المطاعُ ولَيْس ذَا سُلْطَانِ (¬1) ¬

_ = والتعديل" (1/ 11 - 12) وابن عدي في "الكامل" (1/ 101) والبيهقي في "السنن الكبرى" (1/ 386) وفي "المعرفة" (1/ 87 - العلمية) والخطيب في "تاريخ بغداد" (5/ 306 - 307)، (6/ 376 - 377) و (13/ 17) والذهبي في "السير" (8/ 55) من طرق سبعة, عن سفيان بن عيينة، حدثنا ابن جريج عن أبي الزبير عن أبي صالح عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يوشك أن يضرب ... " الحديث. قال الترمذي: هذا حديث حسن. وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. وقال الذهبي في "السير" (8/ 56): هذا حديث نظيف الإسناد, غريب المتن. قلت: فيه عنعنة ابن جريج - عبد الملك بن عبد العزيز - المدلس، وهو لا يدلس إلا عن ضعيف، وكذا أبو الزبير - محمد بن مسلم بن تدرس - المدلس وقد عنعن. وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف. والله أعلم. (¬1) "حلية الأولياء" (6/ 318، 319) و"ترتيب المدارك" (1/ 167 - الحياة).

قال يحيى بن سعيد القطان: ما في القوم أصح حديثاً من مالك [7/ 1 ب]، وقال الشافعي - رحمه الله - (¬1): إذا ذُكر العلماء فمالك النجم. وروى أن المنصور منعه من رواية الحديث في طلاق المكره، ثم دس عليه من يسأله فروى على ملأ من الناس: ليس على مستكره طلاق (¬2) فضربه بالسياط ولم يترك رواية ¬

_ (¬1) "حلية الأولياء" (6/ 318) و"تذكرة الحفاظ" (1/ 208) و"الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (1/ 206). (¬2) أخرج الإمام مالك في "الموطأ" (2/ 487 رقم 78) عن ثابت بن الأحنف أنَّهُ تزوج أُمّ ولد لعبد الرحمن بن زيد بن الخطاب، قال: فدعاني عبد الله بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب، فجئته, فدخلتُ عليه، فإذا سياطٌ موضوعةٌ، وإذا قيدان من حديدٍ وعبدان له قد أجلسهما، فقال: طلِّقها؛ وإلا فالذي يُحلف به فعلتُ بك كذا وكذا، قال: فقلت: هي الطلاقُ ألفاً، قال: فخرجتُ من عنده, فأدركت عبد الله بن عمر بطريق مكةَ، فأخبرته بالذي كان من شأني، فتغيظ عبد الله بن عمر، وقال: ليسَ ذلكَ بطلاق، وإنها لم تحرم عليكَ، فارجع إلى أهلِكَ، قال: فلم تقررني نفسي حتى أتيتُ عبد الله بن الزبير، وهو يومئذ بمكة أميرٌ عليها فأخبرتهُ بالذي كان من شأني، وبالذي قال لي عبد الله بن عمر، قال: فقال لي عبد الله بن الزبير: لم تحرم عليك، فارجع إلى أهلك. وكتبَ إلى جابر بن الأسود الزُّهري، وهو أمير المدينة, يأمره أن يعاقب عبد الله بن عبد الرحمن، وأن يخلي بيني وبين أهلي، قال: فقدمتُ المدينة فجهزت صفية - امرأة عبد الله بن عمر - امرأتي حتى أدخلتها عليَّ بعلم عبد الله بن عمر، ثم دعوتُ عبد الله بن عمر يوم عُرسي لوليمتي فجاءني. وأخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (7/ 358) و"معرفة السنن والآثار" (5/ 494 رقم 4474 - العلمية) وعبد الرزاق في "المصنف" من طريقين عن ثابت به بنحوه، بسند صحيح. وخلاصة القول: أن الأثر صحيح. والله أعلم. • طلاق المكره لا يقع، وبه قال جماعة من أهل العلم، حُكي ذلك عن علي بن أبي طالب، وعمر، والزبير، والحسن البصري، وعطاء، ومجاهد، وطاوس، وشريح، والأوزاعي، والحسن بن صالح، ومالك، والشافعي. =

الحديث (¬1)، ولما حج الرشيد سمع عليه الموطأ وأعطاه ثلاثة آلاف دينار، ثم قال له: ينبغي أن تخرج معنا فإني عزمت على أن أحمل الناس على الموطأ كما حمل عثمان - رضي الله عنه - الناس على القرآن. فقال: أما حمل الناس على الموطأ فليس إلى ذلك سبيل، فإن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - افترقوا بعده في البلاد، فعند أهل كل مصر علم (¬2) وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اختلاف أمتي رحمة" (¬3) وأما الخروج معك فلا سبيل إليه. ¬

_ = انظر تخريج هذه الآثار، والكلام على هذه المسألة بالتفصيل في تحقيقي "لنيل الأوطار من أسرار منتقى الأخبار" للشوكاني عند شرح الأحاديث رقم (20/ 2861 - 23/ 2864). (¬1) "ترتيب المدارك" (1/ 228 - الحياة) و"وفيات الأعيان" (4/ 137) و"حلية الأولياء" (6/ 316). (¬2) انظر "ترتيب المدارك" (1/ 192، 193 - الحياة) و"سير أعلام النبلاء" (8/ 78 - 79). وفيهما يقول مالك: لما حجَّ المنصور، دعاني فدخلتُ عليه, فحادثته, وسألني فأجبته، فقال: عزمتُ أن آمر بكتبك هذه - يعني: الموطأ - فتنسخ نُسخاً، ثم أبعث إلى كل مصرٍ من أمصار المسلمين بنسخة، وآمُرهُم أن يعملوا بما فيها، ويَدَعوا ما سوى ذلك من العلم المحدث، فإني رأيت أصْل العلم رواية أهل المدينة وعلمهم. قلت: يا أمير المؤمنين! لا تفعل، فإن الناسَ قد سيقت إليهم أقاويل، وسمعوا أحاديث، ورَوَوْا رواياتٍ، وأخذ كُلُّ قوم بما سيق إليهم، وعملوا به، ودانوا به من اختلاف أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وغيرهم، وإن رَدَّهم عما اعتقدوه شديدٌ، فدعِ الناس، وما هم عليه, وما اختار أهل كل بلد لأنفسهم فقال: لعمري! لو طاوعتني لأمرتُ بذلك. اهـ. (¬3) لا أصل له. ولقد جهد المحدثون في أن يقفوا له على سند، فلم يوفقوا، حتى قال السيوطي في "الجامع الصغير" رقم (288). "ولعله خُرِّج في بعض كتب الحفاظ التي لم تصل إلينا". وتعقبه المحدث الألباني في "الضعيفة" (1/ 141 رقم 57): "وهذا بعيد عندي، إذ يلزم منه أنه ضاع على الأمة بعض أحاديثه - صلى الله عليه وسلم -، وهذا مما لا يليق بمسلم اعتقاده". ونقل المناوي في "فيض القدير" (1/ 212) عن السبكي أنه قال: "وليس بمعروف عند المحدثين، ولم أقف له على سند صحيح ولا ضعيف، ولا موضوع. =

قال - صلى الله عليه وسلم -: "المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون". وهذه دنانيركم كما هي فلا أوثر الدنيا على مدينة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وقال الشافعي - رحمه الله -: رأيت على باب مالك كراعاً من أفراس خراسان وبغال مصر، ما رأيت أحسن منه. فقلت له: ما أحسنه فقال: هو هدية مني إليك. فقلت: دَعْ لنفسك منها دابة تركبها. فقال: إني أستحي من الله تعالى أن أطأ تربة فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحافر دابة، ومناقبه أكثر من أن تحصى رحمة الله عليه (¬1). البخاري (¬2): هو أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة الجعفي البخاري، وإنما قيل له: الجعفي لأن المغيرة أبا جَده كان مجوسياً أسلم على [يد] (¬3) يمان البخاري، وهو الجُعْفي فنسب إليه، وجُعْفي: أبو قبيلة من اليمن، ولدَ يومَ الجمعة لثلاث عشرة ليلة خلَتْ من شوال سنة أربع وتسعين ومائة، وتوفي ليلة الفطر سنة ست وخمسين ومائتين، وله اثنتان وستون سنة، إلا ثلاثة عشرَ يوماً، وَلَم يُعْقِبْ ولداً ذكراً، رحل في طلب العلم إلى جميع مُحدثي ¬

_ = • وانظر تفصيلاً أوسع حول هذا القول في تحقيقي لـ "تنوير شرح الجامع الصغير" (ج 1 رقم 288) لمحمد ابن إسماعيل الأمير الصنعاني. (¬1) قال الإمام مالك: "سن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وولاه الأمر بَعْده سُنناً، الأخذُ بها اتباع لكتاب الله، واستكمالٌ بطاعة الله, وقوةٌ على دين الله، ليس لأحد تغييرهَا، ولا تَبديلُها، ولا النظرُ في شيء خالفها، من اهتدى بها، فهو مهتدٍ، ومن استنصر بها، فهو منصور، ومن تركها، اتبع غير سبيل المؤمنين، وولاه الله ما تولَّى، وأصلاهُ جهنم وساءت مصيراً" اهـ. "الحلية لأبي نعيم" (6/ 324) و"سير أعلام النبلاء" (9/ 98). (¬2) انظر ترجمته في: "الجرح والتعديل" (7/ 191 رقم 1086) و"تاريخ بغداد" (2/ 4 - 34) و"طبقات الحنابلة" (1/ 271 - 279 رقم 387) و"تذكرة الحفاظ" (2/ 555 - 557 رقم 578) و"طبقات الشافعية" للسبكي (2/ 212 - 241 رقم 54). (¬3) في المخطوط (ب): (يدي) والصواب ما أثبتناه.

الأمصار، وكتبَ عن الحفاظ كمكي بن إبراهيم البَلْخِي، وعبد الله بن عثمان المروزي، وعبيد الله بن موسى العبسي، وأبي نعيم الفضل بن دكين، وعليُّ بن المديني، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين وغيرهم رحمهم الله تعالى، وأخذ عنه الحديث خلق كثير. قال الفربري: سَمِعَ كتابَ "البخاري" تسعون ألف رجل، ولم يبق منهم أحد يرويه عنه غيري، وطلب العلم وله عشر سنين ورد على المشايخ، وله إحدى عشرة سنة. قال البخاري - رحمه الله -: خرجت كتابي الصحيح [8/ 1 ب] من زهاء ستمائة ألف حديث، وما وضعت فيه حديثاً إلا وصليت ركعتين، ولما قدم بغداد جاءه أصحاب الحديث وأرادوا امتحانه فعمدوا إلى مائة حديث فقلبوا متونها وأسانيدها ودفعوها إلى عشرة رجال وأمروهم أن يلقوها إليه، فانتدب رجل منهم فسأله عن حديث منها. فقال: لا أعرفه، فسأله عن آخر فقال: لا أعرفه حتى فرغ من العشرة والبخاري يقول: لا أعرفه، ثم انتدب آخر من العشرة فكان حاله معهم كذلك إلى تمام العشرة، والبخاري لا يزيدهم على قوله: لا أعرفه، فأما العلماء فعرفوا بإنكاره أنه عارف، وأما غيرهم فلم يدركوا ذلك، فلما فرغوا التفت البخاري إلى الأول منهم فقال: أما حديثك الأول فهو كذا، وأما حديثك الثاني فكذا على النسق إلى آخر العشرة، فردّ كل متن إلى إسناده، وكل إسناد إلى متنه، ثم فعل بالباقين مثل ذلك فأقر الناس له بالحِفْظِ، وأذعنوا له بالفضل. مسلم (¬1): هو أبو الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري، ولد سنة أربع ومائتين، وتوفي لست بقين من رجب سنة إحدى وستين ومائتين، وله سبع وخمسون سنة، رحل في طلب العلم إلى الأقطار، وأخذ الحديث عن يحيى بن يحيى، وقُتَيْبَة بن سعيد، ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في "الجرح والتعديل" (8/ 182 رقم 797) و"تاريخ بغداد" (13/ 100 - 104 رقم 7089) و"طبقات الحنابلة" (1/ 337 - 339 رقم 488) و"تذكرة الحفاظ" (2/ 588 - 590 رقم 613) و"تهذيب الأسماء واللغات" (2/ 89 - 92 رقم 131).

وإسحاق بن راهويه، وأحمد بن حنبل، والقعنبي، وحرملَة بن يحيى وغيرهم من أئمة الحديث. قَدِمَ بغداد غير مرةٍ وحدَّث بها، وأخذ عنه الحديث خلق كثير، وكان يُقدَّم في معرفة الصحيح على أهل عصره. وقال: صنَّفتُ المسند من ثلاثمائة ألف حديث مسموعة. وقال الخطيب البغدادي (¬1): إنما قفا مسلم طريق البخاري نظر في علمه وحذا حذوه. أبو داود (¬2): هو سليمان بن الأشعث بن إسحاق الأسدي السجستاني رحلَ في طلب العلم وطوَّف وجمع وصنف كتباً كثيرة، وكتب عن أهل العراق والشام ومصر وخراسان. ولِدَ سنة اثنتين ومائتين، وتوفي بالبصرة لأربع عشرةَ ليلة بقيت من شوال سنة خمس وسبعين ومائتين، وأخذ الحديثَ عن مشايخ البخاري ومسلم: كأحمد بن حنبل، وعثمان بن أبي شيبة، وقتيبة بن سعيد وغيرهم من أئمة الحديث وأخذ عنه: ابنه عبد الله، وأبو عبد الرحمن النسائي، وأبو علي اللؤلؤي، وخلق سواهم. عرض كتابه السنن على أحمد بن حنبل فاستجاده واستحسنه. قال أبو داود - رحمه الله - (¬3): كتبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خمسمائة ألف حديث فانتخبت منها أربعة آلاف حديث وثمانمائة حديث ضمنتها هذا الكتاب [9/ 1 ب] ذكرت الصحيح وما يشبهه ويقاربه. ¬

_ (¬1) في "تاريخ بغداد" (13/ 102). (¬2) انظر ترجمته في: "الجرح والتعديل" (4/ 10 - 102 رقم 456) و"معجم المؤلفين" (4/ 255 - 256) و"تاريخ بغداد" (9/ 55 - 59) رقم (4638) و"المنتظم" (5/ 97 - 98 رقم 219) و"طبقات الحنابلة" (1/ 159 - 162 رقم 216) و"تذكرة الحفاظ" (2/ 591 - 593 رقم 615). (¬3) أبو داود حياته وسننه (ص 44).

ويكفي الإنسان لدينه من ذلك أربعة أحاديث: أحدها: قوله - صلى الله عليه وسلم -: "الأعمال بالنيات" (¬1). والثاني: قوله - صلى الله عليه وسلم -: "من حُسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه" (¬2). والثالث: قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يكون المؤمن مؤمناً حتى يرضى لأخيه ما يرضى لنفسه" (¬3). والرابع: "الحلال بين والحرام بين" (¬4) الحديث، وكان أبو داود في أعلا درجة من العلم والنسك والورع، روي أنه كان له كمّ واسع وكمّ ضيق فقيل له: ما هذا؟ فقال: الواسع للكتب، والآخر لا يحتاج إليه. قال الخطابي (¬5): لم يصنف في علم الدين مثل كتاب السنن لأبي داود، وقد رزق القبول من كافة الناس على اختلاف مذاهبهم. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (54) ومسلم رقم (1907) وأبو داود رقم (2201) والترمذي رقم (1647) وابن ماجه رقم (4227) والنسائي رقم (75، 3437، 3794) من حديث عمر بن الخطاب. وهو حديث صحيح. (¬2) أخرجه الترمذي رقم (2317) وابن ماجه رقم (3976) من حديث أبي هريرة وهو حديث صحيح. وأخرجه الترمذي رقم (2318) من حديث علي بن حسين مرسلاً. وهو حديث صحيح بما قبله. (¬3) أورده ابن كثير في "البداية والنهاية" (14/ 617) باللفظ المذكور. وأخرج البخاري رقم (13) ومسلم رقم (71/ 45) عن أنس بن مالك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يؤمن أحدُكم حتى يُحبَّ لأخيه - أو قال لجاره - ما يحب لنفسه". وهو حديث صحيح. (¬4) أخرجه البخاري رقم (52) ومسلم رقم (1599) وأبو داود رقم (3322) و (3323) والترمذي رقم (1205) والنسائي رقم (4465) وابن ماجه رقم (3984) من حديث النعمان بن بشير. وهو حديث صحيح. (¬5) في "معالم السنن" (1/ 10 - 11 - مع المختصر).

قال أبو داود (¬1): ما ذكرت في كتابي حديثاً أجمع الناس على تركه. قال ابن الأعرابي: لو أن رجلاً لم يكن عنده من العلم إلا الصحف، وهذا الكتاب - يعني: السنن لأبي داود - لم يحتج معهما إلى شيء من العلم، وكان علماء الحديث قبل أبي داود صنفوا الجوامع والمسانيد ونحوها فتجمع تلك الكتب إلى ما فيها من السنن والأحكام أخباراً وقصصاً ومواعظ وآداباً، فأما السنن المحضة فلم يقصد أحداً منهم إفرادها واستخلاصها، ولا اتفق له ما اتفق لأبي داود، وقال إبراهيم الحربي: لما صنف أبو داود هذا الكتاب أُلين له كما أُلين لداود الحديدُ. الترمذي (¬2): هو أبو عيسى محمد بن عيسى بن سَورْة الترمذي، ولد سنة مائتين وتوفي بترمذ ليلة الإثنين الثالث عشر من رجب سنة تسع وسبعين ومائتين، هو أحد العلماء الحفاظ، لقي الصدر الأول من المشايخ: مثل قتيبة بن سعيد، ومحمد بن بشار، وعلي بن حُجْر وغيرهم من أئمة الحديث، وأخذ عنه خلق كثير، وله تصانيف كثيرة في علم الحديث، وهذا كتابه الصحيح (¬3) أحسن الكتب [10/ 1 ب] وأكثرها فائدة وأقلها تكراراً. ¬

_ (¬1) "قواعد التحديث" (ص 331) و"مختصرالمنذري" (1/ 8). وانظر رسالة الإمام أبي داود إلى أهل مكة في وصف سننه تحقيق د: محمد الصباغ. وكذلك حققها الشيخ عبد الفتاح أبو غدة ضمن ثلاث رسائل في علم مصطلح الحديث. (¬2) انظر ترجمته في "تذكرة الحفاظ" (2/ 633 - 635 رقم 658) و"ميزان الاعتدال" (3/ 678 رقم 8035) و"معجم البلدان" (2/ 26 - 27) ومقدمة شرح الترمذي لأحمد محمد شاكر، و"تهذيب التهذيب" (9/ 344 - 345 رقم 638 - دار الفكر) ومقدمة الشيخ عبد الرحمن المباركفوري شارح "سنن الترمذي" باسم: "تحفة الأحوذي". (¬3) الاسم الصحيح لسنن الترمذي هو: "الجامع المختصر من السنن عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعرفة الصحيح والمعلول وما عليه العمل". انظر "تحقيق اسمي الصحيحين واسم جامع الترمذي" للشيخ عبد الفتاح أبو غُدة (ص 76 - 77).

قال الترمذي (¬1) - رحمه الله -: عرضت هذا الكتاب على علماء الحجاز والعراق وخراسان فرضوا به واستحسنوه، ومن كان في بيته فكأنما في بيته نبي يتكلم. النسائي (¬2): هو أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي بن بكر. ولد سنة خمس عشرة ومائتين، ومات بمكة سنة ثلاث وثلاثمائة، وهو أحد العلماء الأئمة الحفاظ، أخذ الحديث عن قتيبة بن سعيد، وعلي بن خَشْرم، وإسحاق بن إبراهيم، ومحمد بن بشار، وأبي داود السجستاني وغيرهم، وأخذ عنه خلق كثير؛ وله كتب كثيرة في الحديث، وكان شافعي المذهب وله مناسك على مذهب الإمام الشافعي - رحمه الله -، وكان ورعاً متحرِّياً. قال علي بن عمر الحافظ: أبو عبد الرحمن النسائي مقدم على كل من يذكر في زمانه في هذا العلم. اجتمع به جماعة من الشيوخ والحفاظ: منهم عبد الله بن أحمد بن حنبل بطرسوس وكتبوا كلهم بانتخابه، وسأله بعض الأمراء عن كتابه السنن: أكله صحيح؟ فقال: فيه الصحيح والحسن وما يقاربهما. قال: فاكتب لنا الصحيح منه مجرداً، فصنع المجتبى، فهو المجتبى من السنن، ترك كل حديث تكلم في إسناده بالتعليل. هذا قليل من كثير من أحوال هؤلاء الأئمة يستدل به على جلالة قدرهم، وعلوّ مرتبتهم في هذا العلم رحمة الله تعالى عليهم أجمعين. [11/ 1 ب]. ¬

_ (¬1) "جامع الأصول" (1/ 194). (¬2) انظر ترجمته في: "وفيات الأعيان" (1/ 77 - 78 رقم 29) و"تذكرة الحفاظ" (2/ 698 - 701 رقم 719) و"العبر" (1/ 444 - 445) و"تهذيب التهذيب" (1/ 32 - 34 رقم 66 - دار الفكر".

مقدمة المؤلف

مقدمة المؤلف بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله. رب افتح ويسر. [قال سيدي محمد بن إسماعيل في كتابه التحبير لإيضاح معاني التيسير] (¬1). قوله: "والتلخيص لما يكثر شرحه ويطول": أقول: في "القاموس" (¬2): التلخيص التضييق والتشديد في الأمر. انتهى. فالمراد هنا ضيق الطويل وقلله كما قال: "لما يكثر شرحه ويطول" ويأتي بيان هذه الدعوى قريباً في قوله - نقلاً عن البارزي - (¬3): "وحين يسر الله ... " إلى آخره. قوله: "فكل هولٍ مهول": أقول: في "القاموس" (¬4): هاله هؤلاء؛ أفزعه والهول المخافة من الأمر لا يدري ما يهجم عليه منه، وهول مهول كمصول تأكيد. انتهى. قوله: "من هاجر إليه": ¬

_ (¬1) زيادة من المخطوط (ب). (¬2) "القاموس المحيط" (ص 813). (¬3) أبو القاسم هبة الله بن قاضي القضاة نجم الدين عبد الرحيم المعروف بابن البارزي تقدمت ترجمته. (¬4) "القاموس المحيط" (ص 1386).

أقول: هو داخل في الأصحاب، وإنما خصّه بعد التعميم لفضل الهجرة كما يقدم الله ذكرهم في الآيات القرآنية نحو: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ} (¬1) ويأتي بيان الهجرة، فعظمهم بأن ذكر مرتين عموماً وخصوصاً. قوله: "دوَّنه": أقول في "القاموس" (¬2): الديوان ويفتح مجتمع الصحف، والكتاب: يُكتب فيه الجيش [و] (¬3) أهل العطية وقد دونه. انتهى. فالمراد ما جمعه. قوله: "في القديم": أقول: هو من قدم ككرم قَدامةً، وقدِما كعنب تقادم، فهو قديم. قوله: "والحديث": هو من حدث حدوثاً وحداثةً نقيض قدم. وقوله: "ألَّفه": أي: جمعه من تألف القوم اجتمعوا. قوله: "قال قاضي القضاة": أقول: كرروا هذا اللفظ. ¬

_ (¬1) التوبة: (100). (¬2) "القاموس المحيط" (ص 1545). (¬3) سقط من المخطوط (ب).

وقد قيل بكراهة إطلاقه أو تحريمه؛ فإنه مثل: شاهان شاه (¬1) الذي هو أخنع الأسماء عند الله (¬2) كما يأتي على أن هذا القاضي [2/ ب] إنما هو قاضي حماة وحماةُ - بالحاء المهملة - بلد بالشام كما في القاموس (¬3). قوله: "مجد الدين أبو السعادات": أقول: اسمه: المبارك بن أبي المكرم محمد بن محمد الشيباني المعروف بابن الأثير الجزري الملقب مجد الدين. قيل في حقه: إنه أشهر العلماء ذكراً، وأكبر النبلاء قدراً، وأحد الأفاضل المشار إليهم، وأفضل الأماثل المعتمد في الأمور عليهم، له مؤلفات نافعة منها: ما أشار إليه المصنف، ومنها: النهاية في غريب الحديث، وكتاب: الإنصاف في الجمع بين الكَشْفِ والكَشّاف في تفسير القرآن الكريم أخذه من تفسير الثَّعلبيّ والزَّمَخْشَري، وله كتاب المصطفى ¬

_ (¬1) " ... أخنع اسم وأوضعه عند الله, وأغضبه له اسم: "شاهان شاه" أي: ملك الملوك وسلطان السلاطين، فإن ذلك ليس لأحد غير الله فتسمية غيره بهذا من أبطل الباطل، والله لا يُحب الباطل. وقد ألحق بعض أهل العلم بهذا قاضي القضاة، وقال: ليس قاضي القضاة إلا من يقضي الحق، وهو خير الفاصلين، الذي إذا قضى أمراً فإنما يقول له: كن، فيكون. من: "معجم المناهي اللفظية" للشيخ الدكتور بكر أبو زيد (ص 195 - 196). • " ... كل اسم فيه دعوى ما ليس للمسمى، فيحمل من الدعوى والتزكية، والكذب ما لا يقبل بحال. ومنه ما ثبت في الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "وإنَّ أخنَع اسمٍ عند الله رجلٌ تسمَّى ملك الأملاك" متفق عليه - البخاري رقم (6205، 6206) ومسلم رقم (20/ 2143) ومثله قياساً على ما حرَّمه الله ورسوله: سلطان السلاطين، حاكمُ الحكام، شاهنشاه, قاضي القضاة. اهـ. من "معجم المناهي اللفظية" (ص 385). (¬2) وهو حديث متفق عليه أخرجه البخاري رقم (6205، 6206) ومسلم رقم (20/ 2143) وقد تقدم في التعليقة السابقة. (¬3) "القاموس المحيط" (ص 1648).

والمختار في الأدعية والأذكار وغير ذلك من التصانيف، وكانت وفاته بالموصل يوم الخميس سلخ ذي الحجة سنة ست وستمائة (¬1). قوله: "أخباره وآثاره": أقول: الخبر (¬2): ما كان عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. والأثر (¬3): ما كان عن الصحابي مطلقاً؛ لأنه يحتمل أن يكون من قوله - صلى الله عليه وسلم -، وعن قول الصحابي. قوله: "إن أبا الحسن رزين بن معاوية" (¬4). أقول: هو ابن عمار العبدري نسبةً إلى عبد الدار بن قصي السَرَقُسطي - بفتح المهملة وفتح الراء وضم القاف - نسبة إلى سرقسطه بلدة بالمغرب. ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في: "سير أعلام النبلاء" (21/ 488 - 491 رقم 252) و"شذرات الذهب" (5/ 22 - 23) و"طبقات السبكي" (5/ 153 - 154) و"إنباه الرواة" (3/ 257 - 260). (¬2) الخبر عند المحدثين مرادف للحديث. وقيل: الحديث ما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. والخبر: ما جاء عن غيره. ولذا فإن من اشتغل بالسنة يقال له: المحدث، ومن اشتغل بالتاريخ يقال له: الإخباري. وقيل: بينهما عموم وخصوص مطلق، فكل حديث خبر من غير عكس. انظر: "شرح نخبة الفكر" للقاري (ص 154 - ط العلمية). (¬3) الأثر: لغة: البقية من الشيء، يقال: أثر الدار لما بقي منها. واصطلاحاً: هو المروي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو عن صحابي، أو عن تابعي، ومن بعده من السلف، وهو يقابل الخبر، فمن يشتغل بعلم السلف يقال له: الأثري، ومن يشتغل بالتاريخ يقال له: الأخباري. ويقال: الأثر خاص بما جاء عن الصحابة والتابعين ومن بعدهم، والحديث لما جاء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والخبر لما جاء من تاريخ الملوك، والأمراء، وأفراد الأمة" اهـ. "معجم مصطلحات الحديث ولطائف الأسانيد" لمحمد الأعظمي (ص 8 - ط أضواء السلف). (¬4) تقدمت ترجمته.

وهو الإمام الكبير الحدث المجاور جامع الكتب الستة. توفي بمكة في المحرم سنة (435). قوله: "فليشتهر بتجريد الأصول في أحاديث الرسول". أقول: هذه تسمية لهذا الذي اختصره البارزي وانتقاه، والأولى تسميته: بتجريد جامع الأصول، وكأنه على حذف مضاف؛ لأنه صرح أنه جرد أخباره وآثاره واستعان الله. واعلم أن قول البارزي: "وألفيت منه ما ارتكبه من التكرير والإسهاب" يدل أنه كرّر ابن الأثير وأسهب. ربما وأتى بما عنه غنية فلذا ألقاه، إلا أنه لا يخفى أن ابن الأثير [3/ ب] جمع الأصول الستة، فلا بد له من الإتيان بكل ما اشتملت عليه، وإلا لما كان جمعاً لها وقد قصد جمعها وسماه بذلك، ومعلوم أن متون الأحاديث في الأصول الستة [1/ أ] مختلفة في ألفاظها، وفي زيادة بعض الروايات على بعض، فلا بد له من التكرير والإسهاب، وهو الإطالة على أنه لا غنى للناظر عن كل ما ورد في الباب من روايات الأصول؛ لأن فيها زيادات تتم بها الأحكام ويرتبط بها الكلام، ولا يحل الإخلال بها. قال ابن الأثير (¬1): "إن الكتب الستة هي أمُّ كتب الحديث، وأشهُرها في أيدي الناس، وبأحاديثها أخذ العلماء، واستدل الفقهاء، وأثبتوا الأحكام، وأشادوا مباني الإسلام. ومصنفوها أشهر علماء الحديث، وأكثُرهم حفظاً، وأعرفُهم بمواقع الخطأ والصواب، وإليهم المنتهى" انتهى. قوله: "وضبط ذلك بالحرف الأول". أقول: قال: أي: سواءً كان أصلياً أو زائداً. قوله: "وذكر أنه وجد في كتاب رزين أحاديث لم يرها في مفردات الأصول". ¬

_ (¬1) في "جامع الأصول" (1/ 49).

أقول: قال ابن الأثير (¬1): إنه أحب أن يشتغل بكتاب رزين الجامع لهذه الصحاح، واعتنى بأمره ولو بقراءته ونسخه، قال: فلما تتبعته وجدته على ما قد تعب فيه قد أودع أحاديث في أبواب، غيرُ تلك الأبواب أولى بها، وكرر فيه أحاديث كثيرة، وترك أكثر منها، ثم إني جمعت بين كتابه وبين الأصول الستة التي ضمَّنها كتابه، فرأيت فيها أحاديث كثيرة لم يذكرها في كتابه، ورأيت في كتابه أحاديث كثيرة لم أجدها في الأصول التي قرأتها وسمعتها، ونقلت منها، وذلك لاختلاف النسخ والطرق" انتهى. قلت: في إطلاقه لفظ الصحاح على الستة تسامح [4/ ب] إذ السنن الأربع لا يطلق عليها صحاح، وكأنه غلب الإطلاق باعتبار الصحيحين. ثم إنا وجدنا في هامش نسخ من جامع الأصول أنه قال رزين في خطبة كتابه: واعلم أني أدخلت من اختلاف نسخ الموطأ (¬2) لابن شاهين، والدارقطني. ¬

_ (¬1) في "جامع الأصول" (1/ 49 - 50). (¬2) نقل السيوطي في مقدمة كتابه: "تنوير الحوالك شرح على موطأ مالك" (1/ 6 - 7) نقولاً منها. قال أبو عبد الله محمد بن إبراهيم الكناني الأصبهاني: قلت لأبي حاتم الرازي: "موطأ" مالك بن أنس، لم سمي موطأ؟ فقال: شيء صنفه ووطأه للناس، حتى قيل: "موطأ" كما قيل: "جامع سفيان". وذكر عن مالك قوله: عرضت كتابي هذا على سبعين فقيهاً من فقهاء المدينة فكلهم واطأني عليه، فسميته: "الموطأ". ولفظة: "الموطأ" تعني الممهد، المنقح، المحرر، المصفى. اهـ. • وعند الإطلاق في عصرنا على الموطأ هي نسخة يحيى بن يحيى المصمودي الأندلسي، شرح عليها ابن عبد البر، والسيوطي، والزرقاني، والباجي والدهلولي، والكاندهلوي، وغيرهم. وهو أبو محمد يحيى بن يحيى بن كثير بن وسلاس بن شملل بن منقايا المصمودي، نسبة إلى مصمودة، قبيلة من البربر. =

ومن رواية معن (¬1) للموطأ أحاديث تفردت بها بعض النسخ عن بعض وكلها صحيحة. وقال أيضاً في موضع آخر: إنه ظاهر ما اتفق عليه الترمذي والنسائي، أو اتفق عليه أحدهما مع بعض نسخ الموطأ بأحاديث يسيرة ثبت له سماعها، وهي مروية من طريق أهل البيت - عليهم السلام - عن علي وابن عباس وغيرهما. انتهى. ولم ينبه ابن الأثير على هذا مع الحاجة إليه. فائدة: قال رزين: والذي فُكر هنا من النسائي هو من النسخة الكبرى لأن فيها زيادات، وأما الصغرى فداخلةٌ فيما قبلها من الكتب. انتهى. فعلمت أن ما في جامع الأصول وفروعه هو من السنن الكبرى للنسائي والصغرى هي المعروفة بالمجتبى. فائدة أخرى: اعلم أنه ترك ابن الأثير ومن تبعه ما يذكره الترمذي عقيب روايته الحديث من تصحيح أو تحسين أو تغريب، وما يجمعه بينها أو بعضها، وكذلك فاتهم ما ينبه أبو داود على ضعفه. ¬

_ = وانظر الكلام على بقية النسخ في "مقدمة الموطأ" (1/ 137 - 145) تحت عنوان: "نسخ الموطأ" للأخ الفاضل سليم بن عيد الهلالي. (¬1) معن القزاز، نسبة إلى بيع القز، وهو أبو يحيى معن بن عيسى بن دينار المدني الأشجعي مولاهم. كان يلقب (عكاز) لكثرة إستناده عليه, ويقال له: عصا مالك؛ لأنه كان يتكئ عليه حين خروجه إلى المسجد بعد ما كبرَ وآسنَّ، قال أبو حاتم: أثبت أصحاب مالك وأوثقهم: معن بن عيسى. مات بالمدينة في شوال سنة ثمان وتسعين ومائة. المرجع السابق (1/ 142).

فأما الأول: فقد قيض الله بعض علماء الحديث فألحق ما ساقه الترمذي من ذلك، وألحقه بجامع الأصول، ولعل الله يمن علينا فنلحقه هنا إن شاء الله. قوله: "عُطلاً بلا علامة". أقول: بلا رمز إلى أصل من الأصول؛ لأنه جعل لكل واحد من الستة علامة هي: حرف من حروف اسمه أو ما نسب إليه. "وعُطلاً" بضم العين والطاء اسم مفرد، يقال: امرأة عُطُل [5/ ب] إذا لم يكن عليها حلية. قوله: "اختلطت واختبطت على أكثر الكتاب". أقول: القاعدة لابن الأثير فيما اطلعنا عليه من كتابه أنه يقول مثلاً: عائشة ت، ثم يسوق لفظ الحديث، ثم يقول: أخرجه الترمذي، فيأتي برمز من أخرجه بعد ذكر الراوي، ثم يأتي في آخر متن الحديث بلفظ من أخرجه، فيجمع بين الرمز في أوله وذكر اسم المرموز له باسمه في آخره، فكان محروساً من الطرفين من أوله وآخره. فما أدري ما الذي وقع للمصنف من نسخ الجامع، فإنا لم نجد فيه ما ذكره من رقم الصحابي الراوي للحديث في حاشية الكتاب إلى آخر كلامه. ولعل هذا وقع في تجريد البارزي، فإني لم أقف عليه. قوله: "العَناء". أقول: - بفتح العين المهملة والمد - التعب. وقوله [2/ أ]: "الغَنآء" - بفتح الغين المعجمة والمد - النفع. و- بكسرها والمد - السماع. و- بكسرها والقصر - اليَسار. وكأن نسخ الجامع اختلفت، فالذي رأيناه - وهو لدينا - ليس فيه "من العنآء" بل هو كما صنفه المصنف، بل فيه زيادة هو الإتيان بالرمز أولاً لمن خرَّج الحديث عقيب ذكر صحابيه.

قوله: "واكتفيت في زيادات رزين ... " إلى آخره. أقول: تقدم أن رزيناً قد باح في خطبة كتابه بمن خرج عنه. قوله: "وما اختلفت معانيه وألفاظه فلا بد من ذكر المخالف وإثباته". أقول: إذا اختلفت ألفاظ الأحاديث ومعانيها، فإنه يجمع بينهما لبيان الاختلاف، ولينظر الناظر في كيفية الجمع بينهما، ويأتي بيان أنه ما تم الوفاء بهذا للمصنف. قوله: "وزدت شيئاً كثيراً من أصله". أقول: أي: من أصل تجريد البارزي وهو جامع الأصول. قوله: "وسميته بتيسير الوصول إلى جامع الأصول". أقول: التيسير: التسهيل، وكأنه يريد تيسير وصوله [6/ ب] فآلة التعريف عوض عن المضاف إليه. أي: والمراد أنه وصل بتأليفه هذا إلى تتبعه بجامع الأصول. بمعنى: أن تأليفه إياه كان سبباً لوصوله إلى تتبع الجامع وإلى تجريده له واختصاره إياه لا أنه تيسير الوصول لكل طالب إذ لا يصل إلى الجامع بحصول هذا المجرد منه المسمى: بالتيسير ضرورةً إلا بأن تقدر مضاف - أي: إلى بعض جامع الأصول، لأن هذا المجرد منه بعضه، ويحتمل أنه بمعرفة هذا الكتاب يصل إلى الجامع بمعرفة أبوابه وترتيبه, فيسهل عليه معرفته إياه، ويكفي في التسمية أدنى مناسبة على أن تسمية ابن الأثير كتابه: جامع الأصول فيه تسامح إنما جمع متون الأصول وحذف شرط أسانيدها، فلو سماه: تجريد الأصول لطابق معناه وصدق مسماه.

قوله: "الشَرْجي". أقول: - بفتح الشين المعجمة وسكون الراء فجيم - نسبة إلى الشرجة (¬1). قال في القاموس (¬2): بلدة بساحل اليمن. قوله: "المراغي". أقول:- بفتح الميم فراء مخففة اخره عين معجمة - حي من الأزد. قوله: "فاتصلت روايتنا". أقول: أي: بالإجازة (¬3) وهي أحد طرق الرواية، والمصنف قد أجاز بها كتابه هذا: تيسير الوصول لمن أدرك عصره وغير كتابه، وكل ما ذكره في قوله: أَجزتُ لمُدْرِكي عَصْرِي جَميعَاً ... إجازةَ ما يَجُوزُ رِوايَتي له مِن المقروء والمَسْمُوعِ طُراً ... وما ألفتُ مِن كُتبٍ قَليلَة وما لي من مُجَازٍ من شيوخٍ ... من الكتبِ القصيرةِ والطويلة وأرجو الله يختم لي بخير ... ويَرحَمَني بِرحَمَته الجزيلة ¬

_ (¬1) الشَّرْجَة: بلدةٌ خربةٌ، كانت في وادي زَبيد، وهي غيرُ شَرْجَة حَرَض التي وهم كثيرٌ من المؤرخين فنسبوا العلماء بني الشَّرجي إليها، وهي أيضاً خربة، وكانت تقع شمال مدينة ميدي في المكان الذي يُعرف اليوم بالمُوَسَّم. "هجر العلم ومعاقله في اليمن" للقاضي إسماعيل بن علي الأكوع (2/ 1042). (¬2) القاموس المحيط (250). (¬3) الإجازة: هي إحدى أنواع التحمل عند المحدثين، وهي عبارة عن إذن في الرواية لفظاً أو كتابة، واحتاج الناس إليها عند ما تم تدوين كتب الحديث، ولم يتيسر لكل محدث أن يعقد مجلس القراءة، كما كان من الصعوبة لكل طالب أن يطيل القيام عند الشيخ، ليسمع منه جميع مروياته، فأجازوا لمن أحضر كتاباً قد قوبل على نسخة الشيخ أن يروي عنه ولو لم يسمع منه: "معجم مصطلحات الحديث ... " (ص 8).

ولنا بحمد الله لكتابه إجازات متصلة بمؤلِفه - رحمه الله -. واعلم أن الإجازة تسعة أنواع قد حققناها في شرحنا على التنقيح (¬1) فالرتبة الثالثة [7/ ب]: أن يجيز جميع مسموعاته لجميع الموجودين من المسلمين، وهذا هو الذي أجازه المصنف هنا في أبياته. واعلم أنه قد ادعى الباجي (¬2) الإجماع على جواز الرواية بالإجازة، ورد عليه زين الدين (¬3) وابن الصلاح. قال القاضي عياض (¬4): وإلى الإجازة لعامة المسلمين من وجد منهم ومن لم يوجد ذهب جماعة من مشايخ الحديث. قال زين الدين: وأنا أتوقف عن الرواية بها. انتهى. ومن أراد تحقيق البحث جميعاً فقد أودعناه شرح التنقيح (¬5). ¬

_ (¬1) وهو كتاب: "توضيح الأفكار لمعاني تنقيح الأنظار" (2/ 309 - 328) وبحوزتي مخطوطتين لهذا الكتاب. (¬2) قال أبو الوليد الباجي المالكي: فأطلق نفي الخلاف وقال: "لا خلاف في جواز الرواية بالإجازة من سلف هذه الأمة وخلفها". "التقييد والإيضاح" لأبي الفضل زين الدين عبد الرحيم بن الحسين (1/ 640). (¬3) قلت: هذا باطل، فقد خالف في جواز الرواية بالإجازة جماعات من أهل الحديث والفقهاء، والأصوليين، وذلك إحدى الروايتين عن الشافعي - رضي الله عنه - روى عن صاحبه الربيع بن سليمان قال: "كان الشافعي لا يرى الإجازة في الحديث" قال الربيع: أنا أخالف الشافعي في هذا. المرجع السابق (1/ 640). (¬4) "الإلماع إلى معرفة أصول الرواية وتقييد السماع" (ص 101). (¬5) وهو كتاب: "توضيح الأفكار لمعاني تنقيح الأنظار" (2/ 309 - 328) وبحوزتي مخطوطتين لهذا الكتاب.

مناقب الأئمة الستة

[(مناقب الأئمة الستة)] (¬1) قوله: "وبدأت أولاً بمناقب [الأئمة] (¬2) الستة". أقول: وقد عقد ابن الأثير لذكرهم الباب الرابع في كتابه (¬3) قال: "فإن القوم أي: الستة كانوا أعلام الهدى ومعادن الفضل واللسان في فضلهم مطلق العنان. قال: ابن الأثير: وقد بدأنا بذكر مالك لأنه المقدم زماناً وقدراً ومعرفة وعلماً ونباهة وذكراً وهو شيخ العلم، وأستاذ الأئمة، وإن كنا في ذكر تخريج الأحاديث قدمنا عليه البخاري ومسلماً للشرط - أي: لكتابيهما - فلا نقدمهما عليه في الذكر إذ هو أحق وأولى وكتاباهما أجدر بالتقديم من كتابه وأحرى. انتهى كلام ابن الأثير والمصنف قد أتى بما يفيد في مناقب الأئمة الستة فلا نزيد عليه شيئاً إلا أن نضبط شيئاً من الألفاظ المحتاجة لذلك. قوله: "الأصبحي". أقول: -[بفتح] (¬4) الهمزة فحاء وصاد مهملتين الأولى ساكنة وفتح الموحدة بينهما - نسبة إلى ذي أصبح. قال ابن الأثير (¬5): أن عمرو بن الحارث جد مالك هو ذو أصبح بن سويد من حمير بن سبأ الأكبر من بني يَشْجُب بن قحطان. ¬

_ (¬1) هذا العنوان زيادة من: "التيسير". (¬2) سقط من المخطوط (ب). (¬3) "جامع الأصول" (1/ 179). (¬4) في المخطوط (أ) بكسر. (¬5) في: "جامع الأصول" (1/ 180).

قوله: "إن الشافعي [3/ أ] من أصحابه". أقول: قال الشافعي: قدمت على مالك بن أنس وقد حفظت الموطأ، فقال لي: أحضر من يقرأ لك. فقلت: أنا أقرأ، فقرأت الموطأ عليه حفظاً. فقال: إن يكن أحدٌ يفلح فهذا الغلام (¬1). قوله: "العلم عن ابن شهاب" (¬2) [8/ ب]. أقول: هؤلاء. الثلاثة من مشايخ مالك، ولم يدرك أحداً من الصحابة فهو من تبع التابعين، ومن مشايخه محمد بن المنكدر (¬3) وهشام بن عروة بن الزبير، وإسماعيل بن أبي حكيم، وزيد بن أسلم وسعيد بن أبي سعيد المقْبري، مخرَمة بن سليمان، وربيعة بن أبي الرحمن، وأفتى معه. ¬

_ (¬1) ذكر الإمام فخر الدين الرازي في كتاب: "مناقب الإمام الشافعي" (ص 58): "فقد ذكرنا في باب رحلة الشافعي إلى مالك، أنه لما سمع كلامه نظر إليه ساعة - وكانت له فراسة - فقال له: ما اسمك؟ فقال: محمد، فقال: يا محمد! اتق الله، واجتنب المعاصي، فإنه سيكون لك شأن". وروى الخطيب في: "تاريخ بغداد" عن عبد الرحمن بن مهدي عن مالك أنه قال: "ما أتاني قرشي، أفهم من هذا الفتى - يعني: الشافعي" اهـ. وانظر توالي التأنيس لمعالي محمد بن إدريس للحافظ ابن حجر (ص 74). • وقد طبع هذا الكتاب ونشر خطأ باسم: "توالي التأسيس لمعالي ابن إدريس" وانظر توثيق النصوص وضبطها عند المحدثين للدكتور: موفق بن عبد الله بن عبد القادر (ص 108 - 113) فقد أجاد وأفاد. (¬2) هو محمد بن شهاب الزهري أبو بكر المدني من زهرة بن كلاب من قريش، المتوفي سنة (124 هـ) انظر: "وفيات الأعيان" (4/ 177). (¬3) هو من فقهاء المدينة، وهو محدِّث، توفي سنة (135 هـ) أو (131 هـ).

قوله: "الماجشون" (¬1). أقول:- بفتح الميم وجيم معجمة - في القاموس (¬2): بضم الجيم: السفينةُ، وثيابٌ مُصبَّغَةٌ ولقبٌ معرَّبُ ماهْ كُونْ. انتهى. قوله: "ويحيى بن يحيى الأندلسي". أقول: كان يسميه مالك عاقل الأندلس، وسبب ذلك: أنه كان في مجلس مالك فقال قائل: قد حضر الفيل، فخرج أصحاب مالك كلهم ينظروا إليه، ولم يخرج يحيى فقال له مالك: مالَكَ لا تخرج فتراه؛ لأنه لا يكون بالأندلس؟ [فقال] (¬3): إنما جئت من بلدي لأنظر إليك، وأتعلم من هديك وعلمك، ولم أجيء أنظر إلى الفيل، فأعجب به مالك وسماه عاقل الأندلس. قال ابن حزم: إنه انتشر مذهب مالك بالأندلس بسبب يحيى المذكور. قال ابن الأثير (¬4): ومن طريقه رَوَينا الموطأ. قوله: "القَعْنَبِيّ" (¬5). أقول:- بفتح القاف وسكون العين المهملة ونون مفتوحة فموحدة نسبة إلى جده قعنب، وهو لغةً الشديد الصلب الأسد. ¬

_ (¬1) هو أبو مروان عبد الملك بن عبد العزيز المَجاِشُون. (¬2) "القاموس المحيط" (ص 780). وقال في "القاموس" (ص 1591): "ماجُشونُ": بضم الجيم وكسرها، وإعجام الشين: عَلَمٌ محدِّثٍ مُعَرَّبُ ماهْ كُونْ، أي: لونُ القمر. (¬3) في المخطوط (ب): قال. (¬4) في: "جامع الأصول" (1/ 181). (¬5) هو عبد الله بن مسلمة القعنبي.

[قوله] (¬1): "وأصبغ". [أقول] (¬2): بفتح الهمزة فصاد مهملة ساكنة فموحدة فغين معجمة. قوله: "إنه مالك بن أنس". أقول: قيل: والأظهر أنه رسول الله صلى الله وعليه وآله وسلم فإنه الذي لا يجد الناس أعلم منه. قوله: "عن ربيعة بن عبد الرحمن". أقول: هو المعروف بربيعة الرأي فقيه أهل المدينة أدرك جماعة من الصحابة وعنه أخذ مالك. قوله: "حظي" (¬3). أقول: في القاموس (¬4): حظي كرضي [9/ ب] قوله: والحظوة المكانة؛ والطاق: المحراب. قوله: "إن مثقالاً من دولة". أقول: يشير إلى أن المنصور مع مالك. قال ابن وهب: سمعت منادياً ينادي بالمدينة ألا لا يفتي الناس إلا مالك بن أنس وابن أبي ذئب. ¬

_ (¬1) سقط من المخطوط (ب). (¬2) سقط من المخطوط (ب). (¬3) قال بكرُ بن عبد الله الصنعاني: أتينا مالك بن أنس فجعل يحدثنا عن ربيعة بن عبد الرحمن، وكنا نستزيده من حديث، فقال لنا ذات يوم: ما تصنعون بربيعة وهو نائم في ذلك الطاق؟ فأتينا ربيعة فأنبهناه، وقلنا له: أنت ربيعة؟ قال: نعم. قلنا: الذي يحدث عنك مالك بن أنس؟ قال: نعم. قلنا: كيف حظي بك مالك ولم تحظ أنت بنفسك؟! قال: أما علمتم أن مثقالاً من دَوْلَةٍ خَيرُ من حِمل علم؟ اهـ "جامع الأصول" (1/ 181). (¬4) "القاموس المحيط" (ص 1645).

قوله: وقد قال - صلى الله عليه وسلم - وآله وسلم: "اختلاف أمتي رحمة" (¬1). أقول: قال الحافظ السيوطي في الجامع الصغير (¬2): إنه ذكره أبو نصر المقدسي في الحجة والبيهقي في الرسالة الأشعرية بغير سند، وأورده الخلعي والقاضي حسين وإمام الحرمين وغيرهم، ولعله خرج في بعض كتب الحفاظ التي لم تصل إلينا. انتهى كلامه. وإذا كان السيوطي لم يعرف له سنداً ولا عرف له طريقاً، وهو أوسع المتأخرين اطلاعاً، فهو يدل على أنه ليس أصل، والأدلة القرآنية والسنية دالة على أنه لا أصل له لشدة النهي عن التفرق، فإنه عذاب لا رحمة. قوله: "كُراعٍ". أقول: بزنة غراب قال في القاموس (¬3): اسم مجمع الخيل. قوله: "وجُعفي أبو قبيلة من اليمن" (¬4). أقول: جعفي بزنة كرسي، والنسبة إليه كذلك. قوله: "من زُهاء". أقول:- بضم الزاي - بزنة فُعال، القَدْر. ¬

_ (¬1) تقدم تخريجه في كتابنا هذا. وانظر تخريجه أيضاً في تحقيقي لـ "التنوير شرح الجامع الصغير" لمحمد بن إسماعيل الأمير (ج/ رقم (288). (¬2) رقم (288). (¬3) القاموس المحيط (ص 980). (¬4) وهو جُعفي بن سعد العشيرة بنُ مَذْحج.

قوله: "ولما قدم بغداد ... " إلى آخره. أقول: قد سقنا هذه الحكاية بنصها في شرح التنقيح (¬1) وشرح قصب السكر (¬2) نظم [نخبة] (¬3) الفكر. قوله: "الفَرَبْري". أقول:- بفتح الفاء وفتح الراء وسكون الموحدة وكسر الراء الثانية - نسبة إلى فِرَبْر (¬4) قرية بخراسان واسمه: محمد بن يوسف [4/ أ]. قوله: "القشيري". أقول: بضم القاف فشين معجمة فمثناة تحتيه فراء نسبة إلى قشير بن كعب بن ربيعة كزبير أبو قبيلة. قوله: "السجِسْتَاني". أقول: سِجِسْتَان (¬5) إقليم معروف بين خراسان وكرمان، ويقال: [10/ ب] في النسبة إليه أيضاً: سجزي. السِجِسْتَاني: بكسر السين المهملة والجيم المكسورة وسكون السين الثانية وفتح المثناة الفوقية وبعد الألف نون. ¬

_ (¬1) انظر: "توضيح الأفكار لمعاني تنقيح الأنظار" (1/ 50 - 56 - 57). (¬2) وهو ضمن كتابنا: "عون القدير من فتاوى ورسائل ابن الأمير" رقم (48). (¬3) في المخطوط (ب): تحفة وهو تحريف. (¬4) في: "معجم البلدان" (4/ 245 - 246): "فِرَبْر: بليدة بين جيحون وبخارى، بينهما وبين جيحون نحو الفرسخ، وكان يعرف برباط طاهر بن علي، وقد خرج منها جماعة من العلماء والرواة، منهم محمد بن يوسف البخاري، راوية صحيح محمد بن إسماعيل البخاري، يقال: سمع الجامع من البخاري سبعون ألفاً لم يبق أحد منهم سوى الفربري ... اهـ. (¬5) "معجم البلدان" (3/ 190 - 192).

قوله: "قال أبو داود (¬1): كتبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -". أقول: تمام كلامه: وما كان فيه ضعف شديد بينته، وما لم أذكر فيه شيئاً فهو صحيح، وبعضه أصح من بعض. انتهى. قوله: "أربعة أحاديث" (¬2). أقول: جمعها من قال: عمدة الدين عندنا كلمات .... أربع قالهن خير البرية اتق الشبهات وازهد ودع ما ... ليس يعنيك واعملن بنية ويأتي بيان كتابه ما ذكر من ذلك. قوله: "قال ابن الأعرابي". هو أبو سعيد أحمد بن محمد بن زياد بن الأعرابي أحد رواة سنن أبي داود. قوله: "الترمذي". أقول: نسبة إلى ترمذ (¬3). ¬

_ (¬1) في رسالته إلى أهل مكة في وصف سننه (ص 27 - 28). وانظر تعليقي على هذه العبارة في كتابي: "مدخل إرشاد الأمة إلى فقه الكتاب والسنة" (ص 104 - 105). (¬2) وهي: 1 - قوله - صلى الله عليه وسلم -: "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه". 2 - قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إنما الأعمال بالنيات". 3 - قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يكون المؤمن مؤمناً حتى يرضى لأخيه ما يرضاه لنفسه". 4 - قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الحلال بين، وإن الحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات". (¬3) انظر: "معجم البلدان" (2/ 26 - 27) و"مراصد الإطلاع" (1/ 295).

قال السمعاني (¬1): هي بلدة قديمة على طرف [نهر] (¬2) بلخ الذي يقال له: جيحون. يقال في النسبة إليها: تِرمِذي - بكسر التاء والميم، ويضم ويفتح مع كسر الميم ثلاثة أوجه حكاها أبو سعيد السمعاني -. قوله: "النسائي". أقول: نَسبَهُ في تاريخ ابن خلكان أنه نسبةً إلى نَسَا (¬3) - بفتح النون وفتح السين المهملة بعدها همزة - مدينة بخراسان. انتهى. قوله: "ابن خَشْرم" (¬4). أقول: بفتح الخاء المعجمة وسكون الشين المعجمة فراء. قوله: "قال عليّ بن عمر الحافظ". أقول: هو المعروف بالدارقطني الإمام الحجة. قوله: "بطرسوس". أقول: في القاموس (¬5): طَرَسُوسُ كحَلَزُونٍ بلد إسلاميّ مُخْصِبٌ كان للأرْمَنِ ثم [أُعيد] (¬6) الإسلام في عصرنا. ¬

_ (¬1) في: "الأنساب" (1/ 459). (¬2) سقط من المخطوط (ب). (¬3) وانظر: "الأنساب" للسمعاني (5/ 483 - 486) ومراصد الاطلاع (3/ 1369). (¬4) هو علي بن خَشْرَم أخذ النسائي عنه الحديث. (¬5) "القاموس المحيط" (ص 713 - 714). (¬6) في المخطوط (أ) "أعيد إلى" والمثبت من المخطوط (ب) والقاموس المحيط.

قوله: "تُكُلّم في إسناده بالتعليل" (¬1) [11/ ب]. أقول: قدمنا لك أن "جامع الأصول" نقل من السنن الكبرى لا من "المجتبى" ولكن المجتبى قد دخل في الكبرى إذ هو بعضها. ¬

_ (¬1) سأل بعض الأمراء أبا عبد الرحمن عن كتابه: "السنن" أكله صحيح؟ فقال: لا. قال: فاكتب لنا الصحيح منه مجرداً فصنع: "المجتبى" فهو: "المجتبى من السنن" ترك كل حديث أورده في "السنن" مما تُكْلَّم في إسناده بالتعليل "جامع الأصول" (1/ 197).

حرف الهمزة

حرف الهمزة وفيه عشرة كتب: 1 - الإيمان. 2 - الاعتصام. 3 - الأمانة. 4 - الأمر بالمعروف. 5 - الاعتكاف. 6 - إحياء الموات. 7 - الإيلاء. 8 - الأسماء والكنى. 9 - الآنية. 10 - الأمل والأجل. الكتاب الأول: (في الإيمان والإسلام) [وفيه ثلاثة أبواب] قوله: "الكتاب الأول". أقول: قال جماعة من الفقهاء: إن الكتاب مأخوذ من الكتب وهو الضم يقال: تكتب بنو فلان إذا تجمعوا، ومنه قيل للخط بالقلم: كتابة لما فيه لاجتماع الحروف والكلمات، وسميت الأوراق الجامعة للعلوم بذلك؛ لأنها تجمع المسائل والأبواب (¬1). وقال أبو حيان (¬2): لا يجوز أن يكون الكتاب مأخوذ من الكتب لأن المصدر لا يشتق من المصدر. وفي الفتح (¬3): أنهم استعملوا الكتاب فيما يجمع أشياء من الأبواب والفصول الحاوية للمسائل. ¬

_ (¬1) الكتاب لغة: الضم والجمع. واصطلاحاً: اسم لجملة مختصة من العلم، مشتملة على أبواب وفصول غالباً. (¬2) انظر: "البحر المحيط" (1/ 64، 471 - 472). (¬3) لم أجده انظر: "مفردات ألفاظ القرآن" (ص 699).

الباب الأول: (فى تعريفهما حقيقة ومجازا، وفيه ثلاث فصول)

وأما الباب (¬1) فهو لما يدخل منه إلى بلدة {ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ} (¬2) أو مسكن: {ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ} (¬3) ثم نقل إلى الدخول في معان غير معاني ما قبله والخروج منها. الباب الأول: (فى تعريفهما حقيقة ومجازاً، وفيه ثلاث فصول) قوله: "في تعريفهما". أقول: التعريف أقول: يريد التعريف اللفظي، وهو: أن يكون اللفظ واضح الدلالة على معنى فيفسر بلفظ أوضح دلالة على ذلك المعنى كتفسير الغضنفر بالأسد، وليس هذا تعريفاً حقيقياً كما هو معروف في محله. الفصل الأول: في فضلهما قوله: "الفصل الأول في فضلهما". أقول: معنى هذا الفصل مما أخره ابن الأثير إلى حرف الفاء، والمصنف قدمه ولكل وجهه. قد كان الأولى أن يقول: في أفضليتهما. لما أخرجه (ت) (¬4) والنسائي (¬5) وابن ماجه (¬6). ¬

_ (¬1) الباب في الأمثلة: المكان المعدُّ للدخول. ومن الكتاب: مجموع من الأحكام يجمعها موضوع واحد. "معجم لغة الفقهاء" (ص 101). (¬2) المائدة (23). (¬3) النمل (18). (¬4) الترمذي في سننه رقم (3383) وقال: هذا حسن غريب. (¬5) في: "عمل اليوم والليلة" رقم (831). (¬6) ابن ماجه في سننه رقم (3800).

وابن حبان (¬1) والحاكم (¬2) من حديث جابر: "أفضل الذكر لا إله إلا الله، وأفضل الدعاء الحمد لله". وحديث: "أفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله". الحديث أخرجه [مالك في] (¬3) الموطأ (¬4) والترمذي (¬5). وحديث [12/ ب] ما أخرجه أحمد (¬6): "أفضل الكلامِ سُبحانَ الله والحمدُ لله ولا إله إلا الله والله أكبر" فهما أفضل الأقوال، والأقوال من الأعمال، فهما أفضل الأعمال. فالتعبير بأفضليتهما أحسن كما لا يخفى. واعلم أن تفضيل شيء على شيء يراد به أنه أحب إلى الله وأكثر إثابة، وأعظم أجراً، ولا يصح الحكم لعمل من الأعمال، ولا قول من الأقوال، ولا شخص من الأشخاص بالفضل إلا بتوقيف من الشارع، ولا يجزي فيه الاجتهاد ولا القياس لأن مقادير الأجور لا تعرف إلا بتعريف الله ورسوله كقول الله: {أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا} (¬7)، ونحوها من الآيات والأحاديث. ¬

_ (¬1) في صحيحه رقم (846). (¬2) في المستدرك (1/ 503) وصححه ووافقه الذهبي. وهو حديث حسن. (¬3) زيادة يقتضيها السياق. (¬4) في "الموطأ" (1/ 214 رقم 32). (¬5) في السنن رقم (3585) وقال: هذا حديث غريب. وهو حديث حسن من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. (¬6) في السند (5/ 10) بسند صحيح. قلت: وأخرجه مسلم رقم (12/ 2137) وأبو داود رقم (4958)، وهو حديث صحيح. (¬7) الحديد: (10).

وأما الخوض: [من الناس] (¬1) في تفضيل أنواع وأفراد وأجناس بالتخمين والقياس، فإنه بدعة، وقول على الله تعالى بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير. ولذا يقال: الخوض في التفضيل بلا دليل من الفضول المنهي عنه الداخل تحت قوله تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} (¬2)، وعبارة ابن الأثير كعبارة المصنف. 1/ 1 - عُبَادَةَ بنِ الصَّامِتْ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ شَهِدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنَّ عِيسَى عبد الله وَرَسُولُهُ وَكلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ، وَرُوحٌ مِنْهُ وَالْجَنَّةُ حَقٌّ وَالنَّارُ حَقٌّ، أَدْخَلَهُ الله الْجَنّةَ عَلَى مَا كَانَ مِنَ الْعَمَلِ" أخرجهُ الشيخان (¬3) والترمذي (¬4). وفي أخرى لمسلم (¬5): "من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، حرّم الله تعالى عليه النارَ". [صحيح]. قوله: "عن عبادة بن الصامت". أقول: يتعلق بمحذوف، أي: أروي أو أذكر. وعُبَادة - بضم العين المهملة فموحدة خفيفة بعد ألفه دال مهملة - قال ابن عبد البر في الاستيعاب (¬6): عبادة بن الصامت بن قيس بن أصرم خزرجي أنصاري يكنى: أبا الوليد، شهد العقبة الأولى والثانية والثالثة، شهد بدراً والمشاهد كلها، ثم وجّهه عمر إلى الشام قاضياً ¬

_ (¬1) في المخطوط (ب) بالناس. (¬2) الإسراء (36). (¬3) البخاري رقم (3438) ومسلم رقم (46/ 28). (¬4) في سننه رقم (2638) وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب. (¬5) في صحيحه رقم (29147). (¬6) "الاستيعاب في معرفة الأصحاب" (ص 469 رقم 1674).

ومعلماً، فأقام بحمص، ثم انتقل إلى فلسطين، ومات بها، ودفن ببيت المقدس وقبره بها [5/ أ] [13/ ب]. 2/ 2 - وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ سعد بن مالك بن سنان الخدري رضي الله تعالى عنهما أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "يُخْرَجُ مِنَ النَّارِ مَنْ كَانَ في قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنَ إِيمَانِ" قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَمَنْ شَكَّ فَلْيَقْرَأْ: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} أخرجه الترمذي (¬1) وصححه. [صحيح]. للمصنف أن يأتي بهذا الحديث عوضاً عن حديث أبي سعيد ليتم الوفاء بقوله في خطبة كتابه: إنما تكرر فيه من الأحاديث اقتصرت على أتمَّ الروايات فيه, فإن رواية أنس (¬2) التي سقناها أتم من رواية أبي سعيد التي ذكرها لجمعها بين القول والاعتقاد. وذكر درجات الاعتقاد من الشعيرة والبرة والذرة والروايتان في الترمذي (¬3) وقد صححهما كما عرفت. ¬

_ (¬1) في السنن رقم (2598) وقال: هذا حديث حسن صحيح. قلت: وأخرجه ابن ماجه رقم (60) والنسائي رقم (5010). وأخرجه البخاري رقم (22) ومسلم رقم (183) مطولاً. (¬2) أخرجه البخاري رقم (44) ومسلم رقم (193) في جملة حديث طويل. وأخرجه الترمذي رقم (3593) وابن ماجه رقم (4312) عن أنس: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: قال هشام: "يخرج من النار - وقال شعبة: - أخرجوا من النار - من قال: لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة، أخرجوا من النار من قال: لا إله إلا الله، وكان في قلبه من الخير ما يزن برة، أخرجوا من النار من قال: لا إله إلا الله وكان في قلبه ما يزن ذرة". وقال شعبة: "ما يزن ذرة" مخففة. وهو حديث صحيح. (¬3) رقم (2598) من حديث أبي سعيد الخدري. وقد تقدم. ورقم (3593) من حديث أنس، وقد تقدم.

قوله: "وصححه". أقول: أحسن المصنف بذكره تصحيح الترمذي، فإنه قال عقيب روايته: حسن صحيح، لكنه لم يطرد ذكر ذلك للمصنف. واعلم أن ابن الأثير (¬1) ذكر عقيب حديث أبي سعيد هذا أن في رواية ذكرها رزين أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "يدخل أهل الجنة الجنةَ، وأهلُ النارِ النارَ" ثم يقول الله: أخرجوا من النار من كان في قلبه مثقال حبة من خردلٍ من إيمان. انتهى. قلت: وقد عرفت أنه لا ينسب إلى رزين إلا ما خلا عن الستة، ومن العجب أنّ هذا الحديث في صحيح البخاري (¬2) من حديث أبي سعيد في باب تفاضل الإيمان بلفظه وتمامه بعد قوله: "من إيمان، فيخرجون منها قد اسودوا، فيلقون في نهر لحياء - أو الحياة شك مالك - فينبتون كما تنبت الحبة في جانب السيل، ألم تر أنها تخرج صفراء ملتوية" انتهى. 3/ 3 - وعنه - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ قَالَ رَضِيتُ بِالله رَبًّا، وَبِالإِسْلاَمِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - رَسُولاً وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ". أخرجه أبو داود (¬3). قوله: "رضيت بالله رباً". أقول: قال "صاحب التحرير": معنى رضيت بالشيء: قنعت به، ولم أطلب معه غيره. ¬

_ (¬1) في: "جامع الأصول" (9/ 357). (¬2) رقم (22) ومسلم رقم (183) مطولاً، و (184). (¬3) في سننه رقم (1529). قلت: وأخرجه مسلم رقم (1884) والنسائي رقم (3131) كلاهما بلفظ: "من رضي بالله رباً .. " وهو الصحيح.

والحديث أخرجه مسلم (¬1) بلفظ: "ذاق طعم الإيمان من رضي بالله رباً ... " إلى آخره، أي: مالكاً ومربياً والرضى خلاف السخط، فإن رضي بالله رباً تلقى كلما آتاه بالرضى من السراء والضراء، وأفرده بالربوبية، ولم يتخذ من دونه رباً كما اتخذت اليهود والنصارى أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله؛ كما قال عدي بن حاتم: أتيت رسول الله [17/ ب]- صلى الله عليه وسلم - وفي عنقي صليب من ذهب فقال: "يا عدي! اطرح هذا الوثن من عنقك" فطرحته، ثم انتهيت إليه وهو يقرأ: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} (¬2) حتى فرغ منها فقلت: إنا لسنا نعبدهم! فقال: "أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه؟ ويحلون ما حرم الله فتحلونه؟ " قال: فقلت: بلى. قال: "فتلك عبادتهم" أخرجه الترمذي، وابن سعد، وعبد بن حميد، وابن المنذر وغيرهم (¬3). ¬

_ (¬1) في صحيحه رقم (56/ 34) من حديث العباس بن عبد المطلب. (¬2) سورة التوبة (31). (¬3) وهو حديث حسن. أخرجه الترمذي رقم (3095) وقال: حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث عبد السلام بن حرب, وغطيف ابن أعين ليس بمعروف في الحديث. اهـ قلت: عبد السلام هذا ثقة حافظ له مناكير كما ذكره ابن حجر في "التقريب" (1/ 505 رقم 1186). وأما غطيف هذا فضعفه ابن حجر في "التقريب" (2/ 106 رقم 21) والذهبي في "الميزان" (3/ 336) ووثقه ابن حبان (7/ 311) وذكره ابن أبي حاتم (7/ 55 رقم 315) ولم يتكلم فيه بشيء، وكذلك البخاري في "التاريخ الكبير" (7/ 106 رقم 471) مع إخراجه للحديث، وللحديث شاهدان: الأول: من حديث حذيفة بن اليمان، أخرجه ابن عبد البر في "جامع بيان العلم" (2/ 109) والبيهقي (10/ 116) وابن جرير الطبري في "جامع البيان" (6/ ج 10/ 114) وهو وإن كان موقوفاً فله حكم المرفوع كما هو مقرر في مصطلح الحديث. الثاني: من حديث أبي العالية عند ابن جرير الطبري في "جامع البيان" (6/ ج 10/ 115). =

فإذا كانت هذه الطاعة لأحبارهم ورهبانهم تصيرهم متخذين لهم أرباباً، فكيف بغيرها من الانقياد والامتثال والطاعة لكل من خالف أوامر الله ونواهيه، فإن العبد قد اتخذ من انقاد له في غير طاعة رباً وصيره معبوداً ورضي بغير الله رباً، فلا يتم له رضى بالله أن يؤثر على أوامره ونواهيه وطاعته أراء غيره، ويعلم أن كل ما آتاه من مولاه وربه، فهو الخير كله وبهذا تحقق عبوديته لربه الذي إن كل من في السماوات والأرض إلا آتيه عبداً، وليكن في كل أحواله كما قيل: إن كان سكان الغضى ... رضوا بقتلي فرِضى والله لا كنت لما ... يهوى المحب مبغضاً صرت له عبداً وما ... للعبد أن يعترضا وبالجملة: فالعبد لا زال خائفاً من مولاه راجياً له قائماً بالخدمة ممتثلاً لأمره منتهياً عن نهيه وزجره راضياً بقسمته مقراً بحكمته خائفاً من عذابه راجياً لرحمته، مفتقراً إليه في جميع حالاته، منكسراً ذليلاً في حركاته وسكناته كما قال ابن تيمية: أنا الفقير إلى رب السماوات ... أنا المسكين في مجموع حالاتي أنا الظلوم لنفسي وهي ظالمتي ... والخير أن يأتنا من عنده يأتي ولست أملك شيئاً دونه أبداً ... ولا شريك أنا في بعض ذراتي ¬

_ = • وفي رواية أخرى لحديث عدي بن حاتم عند البيهقي (10/ 116) والطبري في "المعجم الكبير" (17/ 92) وابن جرير الطبري في "جامع البيان" (6/ ج 10/ 114) من طرق. وأخرجه ابن عبد البر في "جامع بيان العلم" (2/ 109) والسيوطي في "الدر المنثور" (4/ 174). وزاد نسبته لابن سعد، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبي الشيخ، وابن مردويه. وخلاصة القول: أن حديث عدي بن حاتم حديث حسن، وقد حسنه الألباني في غاية المرام رقم (6) وابن تيمية في "الإيمان" (ص 64).

ولا ظهير له كي أستعين به ... كما يكون لأرباب الولاء يأتي [18/ ب] ومن رضي بالإسلام ديناً، وأم شعائره، وتعلم أحكامه، ونشر شرائعه، وتعظيم حرماته، ومعرفة ما أمر الله به وجوباً وندباً، وما حرمه وما كرهه، والعمل بكل ذلك واجب معرفته. ومن رضي بمحمد رسولاً، قَبِل ما جاء به فآمن به وصدق ما جاء من الأحكام وشرائع الإسلام، وتعظيم رب الأنام، والتصديق بكل ما جاء به من الوعد والوعيد، وغير ذلك من أحوال المبدأ والمعاد، ومن الجزاء يوم المعاد، وعظّم هذا الرسول بحسن الاتباع، وهجر الابتداع والرضى بالثلاثة: ربوبية الله، والإسلام، والرسول يفتقر إلى تأليف مستقل، وقد وسعنا الكلام عليها في شرح الجامع الصغير المسمى: "بالتنوير". قال القاضي عياض (¬1): في شرح حديث مسلم الذي ذكرناه: معنى الحديث: صح إيمانه. 4/ 4 - وعنه أيضاً - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا أَسْلَمَ الْعَبْدُ فَحَسُنَ إِسْلاَمُهُ كَتَبَ الله لَهُ كُلَّ حَسَنَةٍ كَانَ أَزْلَفَهَا، وَمُحِيَتْ عَنْهُ كُلُّ سَيِّئَةٍ كَانَ أَزْلَفَهَا، وَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ الْقِصَاصُ: كلَّ حَسَنةٍ بِعَشْرَةِ أَمْثَالهِا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ، وَالسَّيِّئَةُ بِمِثْلِهَا إِلاَّ أَنْ يَتَجَاوَزَ الله عَنْهَا" أخرجه البخاري (¬2) تعليقاً، والنسائي (¬3) مستنداً. ¬

_ (¬1) في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (1/ 270). (¬2) أخرجه البخاري (1/ 98) رقم الباب (31) مع الفتح) معلقاً. (¬3) ووصله النسائي برقم (4998) وهو حديث صحيح. وأورده الألباني - رحمه الله - في "الصحيحة" رقم (247) وعلَّق عليه بكلام مفيد، عن حسنات الكافر موقوفة إن أسلم تقبل، وإلا ترد. فانظره لزاماً. =

ومعنى: "أزلفها" قربها [صحيح]. قوله: "إذا أحسن أحدكم إسلامه": أقول: في الفتح (¬1): أي: صار إسلامه حسناً باعتقاده وإخلاصه ودخوله فيه بالباطن والظاهر، وأن يستحضر عند علمه قرب ربه منه، واطلاعه عليه كما دل له تفسير الإحسان [7/ أ] في حديث جبريل (¬2). قوله: "كتب الله" أي: أمر بكتابة ذلك، وفي رواية الدارقطني (¬3) عن معاذ: "يقول لملائكته اكتبوا". قوله: "كان أزلفها": أقول: كذا لأبي (¬4) في رواية البخاري، وبغيره: "زَلَفَها" وهي بالتخفيف فيهما كما ضبطه في المشارق (¬5). وقال النووي: بالتشديد. ورواية النسائي (¬6): "أزلفها" و"زلَّف" بالتشديد و"أزلف" بمعنى واحد: أسلف وقدم. قوله: "ومحيت عنه كل سيئة": أقول: [19/ ب]: لأن الإسلام يجب ما قبله. ¬

_ = ولمزيد في تخريج هذا الحديث انظر: "تغليق التعليق" للحافظ ابن حجر (2/ 44 - 49 رقم 4). (¬1) في "فتح الباري" (1/ 99). (¬2) أخرجه البخاري رقم (50) وطرفه رقم (4777). (¬3) كما في "الفتح" (1/ 99). (¬4) كما في "الفتح" (1/ 99). (¬5) "المشارق" (1/ 310). (¬6) في سننه رقم (4998) وقد تقدم.

قوله: "القصاص": أقول: أي: كان بعد إسلامه القصاص. وقوله: "الحسنة" مبتدأ: "بعشر أمثالها" خبره، والجملة استئنافية. وقوله: "إلى سبعمائة ضعف" متعلق بمحذوف، أي: منتهية. وفي كتاب الرقاق للبخاري (¬1) زيادة: "إلى أضعاف كثيرة". وقوله: "والسيئة" عطف على الحسنة مبتدأ. و"بمثلها" خبره. "إلا أن يتجاوز الله عنها بعفوه". وفيه رد على الخوارج المكفرين بالمعاصي (¬2)، وعلى المعتزلة (¬3) القائلين بأنه لا عفو عن المعاصي. وأول الحديث دليل على زيادة الإيمان ونقصانه؛ لأن الحسن تتفاوت درجاته. ¬

_ (¬1) في صحيحه رقم (6491). (¬2) وهم الخوارج الذين يحكمون بتكفير العصاة كفر ملة، وأنهم خارجون عن الإسلام ومخلدون في النار مع سائر الكفار. انظر "فرق معاصرة تنسب إلى الإسلام" لغالب العواجي (1/ 109 - 112). (¬3) إن استدلال المعتزلة لما يذهبون إليه من إنفاذ الوعيد لا محالة، وأن أصحاب الكبائر والذنوب من المؤمنين مخلدون في النار حتماً قول غير مسلم، وهو خطأ في فهم النصوص وحملٌ لها على غير معانيها. وخلاصة القول: أن المذهب الصحيح مذهب أهل السنة، حيث يقولون: أن أهل الكبائر من أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - في النار لا يخلدون إذا ماتوا وهم موحدون، وإن لم يكونوا تائبين بعد أن لقوا الله مؤمنين، وهم في مشيئة الله وحكمه إن شاء غفر لهم وعفا عنهم بفضله كما ذكر عز وجل في كتابه: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48, 116] وإن شاء عذبهم في النار بعدله، ثم يخرجهم منها برحمته وشفاعة الشافعين أهل طاعته، ثم يبعثهم إلى جنته. انظر "فرق معاصرة" (2/ 842 - 844).

قوله: "تعليقاً": أقول: التعليق: أن يحذف من أول السند (¬1)، وهنا حذف البخاري شيخه فقال: قال مالك. قال في الفتح (¬2): ذكرها معلقاً، ولم يوصله في موضع آخر من هذا الكتاب. انتهى. زاد ابن الأثير (¬3) - بعد قوله تعليقاً -: عن مالك، ولم يذكر الحسنة. انتهى. وما كان يحسن من المصنف حذفه لإبهام عبارته أنه أخرجه بهذا اللفظ الذي ساقه، وليس كذلك، فإن لفظه هكذا: قال مالك: أخبرني زيد بن أسلم أن عطاء بن يسار أخبره أن أبا سعيد الخدري ¬

_ (¬1) المعلَّق هو: الحديث الذي حذف من مبدأ سنده واحد فأكثر على التوالي ولو إلى نهاية السند، وعزي لمن فوق المحذوف. • أما حكم المعلق فهو ضعيف للجهل بحال المحذوف من السند، ويستثنى من ذلك المعلقات الواردة في كتاب التُزمت فيه الصحة، كصحيح البخاري ومسلم - وهو في صحيح البخاري أكثر وقوعاً - فإن المعلقات فيها لها أحكام خاصة. قال النووي: فما كان منها بصيغة الجزم كقال وفعل وأمر ورَوَى وذكر فلان، فهو حكم بصحته عن المضاف إليه أي: المنسوب ذلك الحديث إليه، وما ليس فيه جزم كيُروى، ويُذكر، ويحكى، ويقال، وروي، وذُكر وحُكي، عن فلان فليس فيه حكم بصحته عن المضاف إليه. اهـ. أي: بل يحتمل أن يكون ضعيفاً أو صحيحاً، وعلى احتمال ضعفه فإنه ليس بواهٍ جداً لإدخاله إياه في كتاب موسوم بالصحة. وهذا حكم معلقات الصحيحين من حيث الجملة، وأما من حيث التفصيل فهو مبين في المطولات. قلت: انظر "مقدمة فتح الباري" بتحقيقي، "ومقدمة شرح صحيح مسلم" بتحقيقي انظر "شرح المنظومة البيقونية في مصطلح الحديث" جمع وترتيب الشيخ العلامة عبد الله سراج الدين (ص 112 - 113). (¬2) في "الفتح" (1/ 98). (¬3) في "جامع الأصول" (9/ 358).

أخبره أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إذا أسلم العبد فحسن إسلامه يكفر الله عنه كل سيئة كان أزلفها ... " إلى آخر ما هنا. فعرفت أن البخاري أسقط لفظ: "كتب الله له كل حسنة كان أزلفها" كما قاله ابن الأثير. قلت: وقد نقل الحافظ ابن حجر (¬1) العذر للبخاري في إسقاط تلك الجملة فقال: قيل: إن المصنف أسقط ما زاد غيره عمداً؛ لأنه يشكل على القواعد. قال المازري (¬2): الكافر لا يصح منه التقرب، فلا يثاب على العمل الصالح الصادر منه في شركه؛ لأن [20/ ب] من شرط المتقرب أن يكون عارفاً بمن يتقرب إليه، والكافر ليس كذلك، وتابعه القاضي عياض (¬3) على تقرير هذا الإشكال، واستضعف ذلك النووي (¬4) فقال: الصواب الذي عليه المحققون، بل نقل بعضهم فيه الإجماع أن الكافر إذا فعل أفعالاً جميلة كالصدقة وصلة الرحم، ثم أسلم ومات على الإسلام أن ثواب ذلك يكتب له، وأما دعوى أنه مخالف للقواعد فغير مسلم؛ لأنه قد يعتد ببعض أفعال الكافر في الدنيا ككفارة الظهار، فإنه لا يلزمه إعادتها إذا أسلم وتجزيه. انتهى. وأطال التقول، والحق ما قيل: إن قبول طاعته معلق على إسلامه، هذا هو الصواب الذي دل عليه الحديث. ¬

_ (¬1) في "الفتح" (1/ 99). (¬2) في "المعلم" (1/ 206). (¬3) في "إكمال المعلم" (1/ 416). (¬4) "المنهاج" (1/ 141، 142).

وأما القول بأنه حذف البخاري تلك الجملة لإشكالها فقول باطل، وكيف يطوى بعض ما قاله رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه مشكل، فهذا لا يفعله مؤمن، بل يجب رواية ما قاله - صلى الله عليه وسلم - ونبين وجه إشكاله ووقفه مما في كلامه مشكل نظر. قوله: "والنسائي مسنداً" (¬1): أقول: المسند (¬2): ما اتصل سنده بالمخبر عنه هذا، وقد أخرجه أبو ذر الهروي (¬3) في روايته لصحيح البخاري موصولاً، ووصله الحسن بن سفيان (¬4)، والبيهقي في شعب الإيمان (¬5) من طرق لهم. قوله: "قربها": أقول: في الجامع: الزلفة تكون في الخير والشر، وفي المشارق (¬6): زَلَف بالتخفيف. أي: جمع وكسب، وهذا يشمل الخير والشر، أما القربة، فلا تكون إلا في الخير. والحديث قد استعمل الزلفة في الخير والشر كما عرفت. ¬

_ (¬1) في "السنن" (4998) وقد تقدم. (¬2) قال صاحب البيقونية: والمسند المتصل الإسناد من ... راويه حتى المصطفى ولم يَبن وحكم المسند: قد يكون صحيحاً, أو حسناً، وقد يكون ضعيفاً. (¬3) قال: أخبرنا النضروي - وهو العباس بن الفضل - حدثنا الحسن بن إدريس، حدثنا هشام بن خالد، حدثنا الوليد بن مسلم عن مالك به. كما في "تغليق التعليق" (2/ 44) و"الفتح" (981 - 99) وفي "هدي الساري" (ص 20) باختصار وفي "عمدة القاري" (1/ 286). (¬4) كما في "الفتح" (1/ 99). (¬5) في "الشعب" رقم (24). (¬6) في "المشارق" (1/ 310).

5/ 5 - وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - عبد الرحمن بن صخر الدوسي - رضي الله عنه -، أَنَّ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِذَا أَحْسَنَ أَحَدُكُمْ إِسْلاَمَهُ, فَكُلُّ حَسَنَةٍ يَعْمَلُهَا تُكْتَبُ لَهُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ، وَكُلُّ سَيِّئَةٍ يَعْمَلُهَا تُكْتَبُ لَهُ بِمِثْلِهَا حتى يَلْقَى الله تعالى" أخرجه الشيخان (¬1) [صحيح]. قوله: "عبد الرحمن بن صخر": أقول: جزم المصنف باسمه واسم أبيه، وفيهما خلاف كثير [21/ ب] قال ابن عبد البر في "الاستيعاب" (¬2): اختلفوا في اسم أبي هريرة واسم أبيه اختلافاً لا يحاط به ولا يضبط، ثم قال: ومثل هذا الاختلاف والاضطراب لا يصح معه شيء يعتمد عليه إلا أن عبد الله أو عبد الرحمن هو الذي يسكن إليه القلب في اسمه في الإسلام. قال الحاكم أبو أحمد (¬3): أصح شيء عندنا في اسم أبي هريرة عبد الرحمن بن صخر، وقد غلبت كنيته عليه فهو كمن لا اسم له. أسلم أبو هريرة عام خيبر، وشهدها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم لزمه وواظب عليه رغبة في العلم راضياً بشبع بطنه، وكان يده مع يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدور معه حيثما دار، وكان من أحفظ أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكان يحضر ما لا يحضر سائر المهاجرين والأنصار لاشتغال المهاجرين بالتجارة والأنصار بحوائطهم، وقد شهد له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأنه حريص على العلم والحديث، وقال له: يا رسول الله! إني قد سمعت منك حديثاً كثيراً، وإني أخشى أن أنسى. ¬

_ (¬1) البخاري رقم (42) ومسلم رقم (205/ 129). (¬2) في الاستيعاب (ص 442 رقم 1529) و (ص 862 رقم 3183). (¬3) في كتابه: "الكنى" الذي لم يطبع إلا إلى حرف (خ).

قال: "ابسط رِداءك" فبسطه، فغرف بيده منه، ثم قال: "ضُمَّه" فضممته إلى صدري، فما نسيت شيئاً بعد (¬1). استعمله عمر على البحرين، ثم عزله، ثم أراده على العمل، فأبى عليه. ولم يزل يسكن المدينة، وكانت وفاته سنة تسع وخمسن، وقيل غير ذلك، وصلى عليه الوليد بن عقبة بن أبي سفيان، وكان أميراً يومئذٍ على المدينة. قوله: "إذا أحسن أحدكم إسلامه": أقول: تقدم شرحه في الحديث الأول. قوله: "أخرجه الشيخان" (¬2): أقول: هكذا في "جامع الأصول"، ولكن لفظ: "حتى يلقى الله" [22/ ب] ليست من ألفاظ رواية البخاري، وإنما زادها مسلم في روايته فهي من أفراده. 6/ 6 - وعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ كَانَ آخِرُ كَلاَمِهِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله دَخَلَ الْجَنَّةَ" أخرجه أبو داود (¬3) [حسن]. قوله: "وعن معاذ بن جبل": أقول: هو الخزرجي الأنصاري ثم الجشمي أبو عبد الرحمن، وهو أحد السبعين الذين شهدوا العقبة من الأنصار، وآخى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينه وبين عبد الله ابن مسعود، وقيل: وبين جعفر بن أبي طالب، شهد معاذ بدراً والمشاهد كلها وبعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[8/ أ] قاضياً إلى ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (119). (¬2) أخرجه البخاري رقم (42) ومسلم رقم (205/ 129). (¬3) في سننه رقم (3116). قلت: وأخرجه الحاكم (1/ 351) وصحح إسناده الحاكم، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا.

الجند (¬1) من اليمن، ويعلم الناس القرآن وشرائع الإسلام، وجعل إليه قبض الصدقات من العمال باليمن، وقال فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل" (¬2). وقال - صلى الله عليه وسلم -: "يأتي معاذ بن جبل يوم القيامة أمام العلماء برتوة" (¬3) فمكث معاذ في اليمن أميراً حتى قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرجع إلى المدينة، ثم خرج إلى الشام ومات بناحية الأردن في طاعون [عمواس] (¬4) سنة (18) وهو ابن (38) سنة، وقد أطال ابن عبد البر (¬5) ترجمة معاذ. قوله: "من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة": أقول: ولذا ورد الأمر بتلقين من هو في سياق الموت هذه الكلمة، قال - صلى الله عليه وسلم -: "لقنوا موتاكم قول: لا إله إلا الله". أخرجه أبو داود (¬6)، وابن حبان (¬7) من حديث أبي سعيد. ¬

_ (¬1) الجَنَد: مدينة مشهورة بالشمال الشرقي من (تعز) بمسافة (17) كم. وجامع الجند هو أول مسجد بُني في اليمن، وكان قد بناه معاذ بن جبل، حينما بعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى اليمن قاضياً ومرشداً وذلك في العام الثامن "معجم البلدان والقبائل اليمنية" (1/ 359). (¬2) أخرجه أحمد (5/ 184) وابن ماجه رقم (154) والترمذي رقم (3790) والنسائي في "السنن الكبرى" رقم (8287) من حديث أنس. وهو حديث صحيح. (¬3) أخرجه أحمد (1/ 18) بنحوه, وابن أبي عاصم في "الوحدان" رقم (1833) من حديث عمر بن الخطاب، وهو حديث حسن بمجموع طرقه. • الرتوة: قال في "النهاية": رمية سهم، وقيل: ميل. وقيل: مدى البصر. (¬4) في المخطوط (ب): "عمورس". (¬5) في "الاستيعاب" (ص 650 - 653) رقم 2270). (¬6) في السنن رقم (3117). (¬7) في "صحيحه" رقم (3003). =

وهو في مسلم عنه (¬1) وعن أبي هريرة (¬2) دون (قول). وعند ابن حبان (¬3) عن أبي هريرة بمثله وزاد: "فإنه من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنةَ يوماً من الدهر، وإن أصابَهُ ما أصابه قبلَ ذلك" [23/ ب] وغلط ابن الجوزي فعزاه للبخاري، وليس فيه، وجعله المحب الطبري من المتفق عليه وليس بجدير. (نكتة) دالة على شرف الاشتغال بعلم الحديث. ذكر النمازي في شرحه للأثمار ما وقع لأبي زرعة وهو أنه لما حضرته الوفاة كان عنده أبو حاتم ومحمد بن مسلم فاستحييا أن يلقناه فتذاكرا حديث التلقين فارتج عليهما، فبدأ أبو زرعة وهو في النزع، فذكر إسناده إلى أن قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من كان آخر كلامه لا إله إلا الله" ثم خرجت روحه مع الهاء قبل أن يقول: دخل الجنة. بل الاشتغال بالعلم النافع مطلقاً سبباً لحسن الخاتمة كما ذكر الشيخ تقي الدين ابن الصلاح وغيره عن بعضهم قال: حضرنا عيادة الشيخ أبي حامد الإسفراييني في مرض موته، فدخلنا عليه وهو يجود بنفسه فسأل بعض الحاضرين صاحبه عن مسألة، وهي ضمان الدرك هل يصح، وكان على وجه السرار بينه وبينه، فسمعه الشيخ أبو حامد فقال: إن كان بعد نقد ¬

_ = قلت: وأخرجه أحمد (3/ 3) والترمذي رقم (976) والنسائي في "المجتبى" (4/ 5) وفي "السنن الكبرى" رقم (1965) وابن ماجه رقم (1445) وأبو يعلى رقم (1096) و (1117) والبغوي رقم (1465) وعبد بن حميد في "المنتخب" رقم (973) والبيهقي في "السنن الكبرى" (3/ 383) وفي "الشعب" رقم (9233)، وهو حديث صحيح. (¬1) في صحيحه رقم (1/ 916). (¬2) عند مسلم في "صحيحه" رقم (2/ 917). (¬3) في "صحيحه" رقم (3004) وهو حديث صحيح.

الثمن صح، وإلا فلا لا إله إلا الله محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[ثم] (¬1) فاضت نفسه كأنها ذبالة سراج - رحمه الله -. واعلم أنه روى أبو القاسم القشيري في أماليه (¬2) من طريق ابن سيرين عن أبي هريرة مرفوعاً: "إذا أثقلت مرضاكم فلا تملوهم قول لا إله إلا الله، ولكن لقنوهم فإنه لن يختم بها لمنافق قط" وقال غريب. قال الحافظ ابن حجر (¬3): فيه محمد بن الفضل بن عطية متروك. قلت: وفي الأخبار والحكايات ما يدل لصحته. قال الحافظ عبد الحق بن عبد الرحمن الإشبيلي: واعلم أن سوء الخاتمة - أعاذنا الله منها - له أسباب ولها طرق وأبواب وأعظمها الإكباب على الدنيا والإعراض عن الأخرى، والإقدام والجرأة على معاصي الله حتى قال: وروي أن بعض رجال الناصر نزل به الموت فجعل ابنه يقول: لا إله إلا الله فقال: الناصر مولاي [24/ ب] فأعاد عليه القول، فأعاد مثل ذلك، ثم أصابته غشية، فلما أفاق قال: الناصر مولاي، وكان هذا دأبه كلما قيل له قل: لا إله إلا الله. قال: الناصر مولاي، ثم قال لابنه: يا فلان! الناصر إنما يعرفك بسيفك والقتل القتل، ثم مات. قال عبد الحق: وقيل لآخر أعرفه: قل: لا إله إلا الله فجعل يقول: الدار الفلانية فيها كذا وكذا، والبستان افعلوا فيه كذا وكذا، ثم ذكر من هذا نحوه ممن أبى أن يقول: لا إله إلا الله عند السياق لأمور حالت بينه وبين قولها. ¬

_ (¬1) سقط من المخطوط (ب). (¬2) عزاه إليه الحافظ ابن حجر في "التلخيص" (3/ 1152) رقم (2332 - السلف). وقال أبو القاسم القشيري: غريب. وقال الحافظ قلت: فيه محمد بن الفضل بن عطية وهو متروك. (¬3) في "التلخيص" (3/ 1152) رقم (2332 - السلف).

فانظر كم بين صالحي العلماء الذين حكينا صفة التوفيق لها، وختم كل كلام بها، وبين من صده الشيطان عنها عقوبة بما قدمه من معاصيه وآثره من طاعة هواه على طاعة الله [9/ أ] وفعل ما يرضيه (¬1). ¬

_ (¬1) علاماتُ حسن الخاتمة: 1 - نطقُه بالشهادةِ عند الموتِ، وفيه أحاديث تقدمت. 2 - الموت برشح الجبين لحديث بريدة أن رسول - صلى الله عليه وسلم - قال: "موت المؤمن بعرق الجبين" وهو حديث صحيح. أخرجه أحمد (5/ 357، 360) والنسائي رقم (1828) والحاكم (1/ 361). 3 - الموتُ ليلة الجمعةِ أو نهَارها. لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "ما من مسلم يموتُ يومَ الجمعةِ، أو ليلة الجمعة، إلا وقاه الله فتنة القبر". أخرجه أحمد رقم (6582 - 6646) والفَسَوي في "المعرفة" (2/ 520) من طريقين، وله شاهد عن أنس وجابر بن عبد الله وغيرهما، فالحديث بمجموع طرقه حسَنٌ أو صحيح. 4 - الاستشهادُ في ساحة القتال. 5 - الموتُ غازياً في سبيل الله. 6 - الموتُ بالطاعون. 7 - الموت بداء البطن فهو شهيد. 8 - الموت بالغَرق. 9 - الموت بالهدم. لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "الشهداء خمسة: المطعونُ، والمبطونُ، والغرق، وصاحب الهدم، والشهيد في سبيل الله". أخرجه مسلم رقم (1914). 10 - موت المرأة في نفاسها بسبب ولدِها. 11 - الموت بالحرق. 12 - الموت بذات الجنب. 13 - الموت بداء السل. =

اللهم! وفقنا لما يرضيك، وأوزعنا شكر أياديك، وعذنا من شر معاصيك. وقوله: "دخل الجنة". أقول: قد قدمنا الكلام على رواية (تعبد) بما عرفت. وقوله: "أخرجه أبو داود" (¬1): قلت: وأخرجه أحمد (¬2) والحاكم (¬3) من حديث معاذ، وأعله ابن القطان بصالح بن أبي عَريب (¬4) وأنه لا يعرف وتعقب بأنه روى عنه جماعة، وذكره ابن حبان في الثقات (¬5). قلت: وفي التقريب (¬6): عَريب - بفتح العين المهملة وكسر الراء - وقال: إنه مقبول. 7/ 7 - وعَنْ أَبِي ذَرٍّ - جندب بن جنادة الغفاري - رضي الله عنه -، أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ "أَتَاني جِبْرِيلُ - عليه السلام - فَبَشَّرَنِي أَنَّهُ مَنْ مَاتَ لاَ يُشْرِكُ بِالله شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ". قُلْتُ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟ قَالَ: "وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ" قلت: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟ قال: "وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ". ثم قال في الرابعة: "على رغم أبي أنف أبي ذر" أخرجه الشيخان (¬7) والترمذي (¬8) [صحيح]. "الرغم" الذل والهوان. ¬

_ = وانظر "علامات حسن الخاتمة في أحكام الجنائز" (ص 48 - 59). (¬1) في سننه برقم (3116) وقد تقدم. (¬2) في "المسند" (5/ 233). (¬3) في "المستدرك" (1/ 351) وصححه ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. وخلاصة القول: أن حديث معاذ حديث حسن. (¬4) "الميزان" للذهبي (2/ 298) رقم الترجمة (3817). (¬5) في "الثقات" (6/ 457). (¬6) في "التقريب" رقم الترجمة (2880). (¬7) البخاري رقم (1237) ومسلم رقم (94). (¬8) في "سننه" رقم (2644) وقال: هذا حديث حسن صحيح. وهو حديث صحيح.

قوله: "جُنْدَب بن جنادة": أقول:- بضم الجيم وسكون النون وفتح الدال المهملة فموحدة - قال ابن عبد البر (¬1): إنه [أكثر] (¬2) وأصح ما قيل في اسمه وفيه اختلاف كثير. قال: كان من كبار الصحابة قديم الإسلام، يقال: أسلم بعد أربعة وكان خامساً في الإسلام، ثم ذكر ابتداء إسلامه وصفته ومقامه بمكة. قال علي بن أبي طالب - عليه السلام -: وعى أبو ذر علماً عجز الناس عنه، ثم أوكى عليه، ثم يخرج شيئاً منه. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أبو ذر [25/ ب] في أمتي على زهد عيسى بن مريم" (¬3). وقال أبو ذر: "لقد تركنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما يحرك طائر جناحيه في السماء إلا ذكر منه علماً" (¬4). وساق ابن عبد البر بسنده إليه - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما أظَلَّت الخضراءُ ولا أقلَّتِ الغبراءُ أصدق لهجة من أبي ذر" (¬5). توفي أبو ذر بالربذة سنة أحد وثلاثين أو اثنتين وثلاثين. وصلى عليه ابن مسعود، ثم مات بعده في ذلك العام. ¬

_ (¬1) "الاستيعاب" (ص 110 رقم 289). (¬2) في المخطوط (ب) أشبه. (¬3) أخرج نحوه عن مالك بن دينار عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلاً عند ابن سعد (4/ 228). (¬4) لم أقف عليه. (¬5) أخرجه الترمذي في "سننه" رقم (3801) وابن ماجه رقم (156) وقال الترمذي: هذا الحديث حسن. وهو كما قال.

قوله: "لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة. قلت: وإن زنى وإن سرق". أقول: في رواية أن القائل ذلك [هو] (¬1) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ففي البخاري (¬2) قال: قال لي جبريل: "من مات من أمتك لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة ولم يدخل النار. قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: نعم". والرواية الأخرى أن القائل أبو ذر. وقوله: "على رَغم أبي ذر" قال النووي (¬3): هو بفتح الراء وكسرها وضمها ذكره الجوهري (¬4) وغيره، وهو مأخوذ من الرَغام - بفتح الراء - وهو التراب فمعنى: أرغم الله أنفه: ألصقه بالتراب وأذله. فمعنى قوله - صلى الله عليه وسلم -: "على رغم أبي ذر" أي: على ذل منه لوقوعه مخالفاً لما يريده. وقيل: معناه: على كراهة منه، وإنما قاله أبو ذر لاستبعاده العفو عن الزاني والسارق المنتهك للحرمة واستعظامه ذلك، وذكر ذنبين: ذنب بين العبد وربه، وذنب بين العبد وغيره من المخلوقين. والحديث كغيره مقيد بما سلف في حق الله، وأما حق المخلوقين، فإنه لا يتركه الله بل السارق مثلاً لا بد أن ينتصف منه المسروق؛ إما بالأخذ من حسناته، أو إذا لم يكن له حسنات ألقي عليه من سيئات المسروق، وألقي في النار إلا أن يسامحه المسروق عليه، أو يعيضه الله من فضله كل هذا ثبتت به الأحاديث. ¬

_ (¬1) سقط من المخطوط (ب). (¬2) في صحيحه رقم (3222). (¬3) في شرحه لـ "صحيح مسلم" رقم (2/ 96). (¬4) في "الصحاح" للجوهري (5/ 1934 - 1935).

8/ 8 - وعَنْ جَابِرٍ قَالَ: أَتَى النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله! مَا الْمُوجِبَتَانِ فَقَالَ: "مَنْ مَاتَ يُشْرِكُ بِالله شَيْئًا دَخَلَ النَّار، وَمَنْ مَاتَ لا يُشْرِكُ بِالله شَيْئًا دَخَلَ الجنة" أخرجه مسلم (¬1) [صحيح]. قوله: "وعن جابر بن عبد الله". أقول: قال ابن عبد البر (¬2): هو ابن عبد الله بن حَرام الأنصاري السلَميّ: من بني سَلِمة اختُلف في كنيته وأصحُ ما قيل فيه: أبو عبد الله شهد العقبة الثانية مع أبيه وهو صغير، ولم يَشْهدِ الأولى. وروي عنه أنه قال: لم أشهد بدراً، ولا أُحُداً؛ [26/ ب] منعني أبي، وذكر البخاري أنه شهد بدراً، وكان ينقل لأصحابه الماء، ثمان عشرة غزوة. قال ابنُ الكلبي. شهد [الجمل] (¬3) وصفين مع علي بن أبي طالب، وكان من المُكْثرين الحُفاظ [للسير] (¬4) وكف بصره في آخر عمره وتوفي بالمدينة سنة أربع وسبعين، وقيل: سنة ثمان وسبعين، وقيل: سنة سبع وسبعين. وصلى عليه أبان بن عثمان، وكان أمير المدينة. قوله: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ثنتان موجبتان ... " الحديث. أقول: فيه الإخبار بأن الشرك موجب لدخول النار وعدمه موجب لدخول الجنة، وهو كالأحاديث التي مرت إلا أنه لا بد من قول كلمة التوحيد والاعتقاد، ولو أدنى شيء كما [10/ أ] تقدم تقدير بأدنى شيء من حبه شعير ... إلى آخره. ¬

_ (¬1) في صحيحه رقم (93). (¬2) في "الاستيعاب" (ص 114 - 115) رقم (296). (¬3) لم توجد في الاستيعاب. (¬4) في "الاستيعاب" للسنن.

وأما الإيجاب ففي "النهاية" (¬1) يقال: وجب يجب وجوباً إذا لزم وثبت، يقال: أوجب الرجل إذا فعل فعلاً وجبت له به الجنة والنار. 9/ 9 - وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ الله، مَنْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ: "لَقَدْ ظَنَنْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ! أَنْ لاَ يَسْأَلَني عَنْ هَذَا أَوَّلُ مِنْكَ، لِمَا رَأَيْتُ مِنْ حِرْصِكَ عَلَى الْحَدِيثِ: أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله، خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ" أخرجه البخاري (¬2) [صحيح]. قوله: "من أسعد الناس بشفاعتك": في "النهاية" (¬3): قد تكرر ذكر الشفاعة في الحديث فيما يتعلق بأمور الدنيا والآخرة، وهي السؤال في التجاوز عن الذنوب الجرائم يقال: شفع يشفع شفاعة فهو شفيع وشافع والمشفِع الذي يقبل الشفاعة والمشفَع الذي تقبل شفاعته. انتهى. وتأتي أحاديث الشفاعة. قال القاضي عياض (¬4): مذهبُ أهل السنة جواز الشفاعة عقلاً، ووجوبها سمعاً بصريح: {يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا (109)} (¬5) وقوله: {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} (¬6) وأمثالهما. وقد جاءت الآثار التي ¬

_ (¬1) "النهاية في غريب الحديث" (5/ 152 - 153). (¬2) في "صحيحه" رقم (99). (¬3) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 485). (¬4) "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (1/ 578 - 579). (¬5) طه (109). (¬6) الأنبياء (28).

بلغت بمجموعها التواتر بصحة الشفاعة في الآخرة لمذنبي المؤمنين (¬1) وأجمع السلف الصالح ومن بعدهم عليهما [27/ ب] ومنعت الخوارج وبعض المعتزلة منها. قلت: أي: أنكروا بعض أنواعها. قال: وتعلقوا بمذاهبهم بتخليد المذنبين في النار، واحتجوا بقوله: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ (48)} (¬2) وبقوله: {مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ (18)} (¬3) وهذه الآيات في الكفار في الكتاب وغيره. وأما تأويلهم أحاديث الشفاعة بكونها في زيادة الدرجات فباطل، وألفاظ الأحاديث صريحة في بطلان مذهبهم، وإخراج من استوجب النار منها، ولكن للشفاعة خمسة أقسام: أولها: مختصة بنبينا - صلى الله عليه وسلم - وهي الإراحة من هول الموقف، وتعجيل الحساب كما يأتي بيانها. الثانية: في إدخال قوم الجنة بغير حساب، وهذه وردت لنبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - وحده ذكرها مسلم. الثالثة: شفاعة لقوم استوجبوا النار فشفع فيهم نبينا - صلى الله عليه وسلم - ومن شاء الله. الرابعة: فيمن دخل النار من المؤمنين، فقد جاءت الأحاديث بإخراجهم من النار بشفاعته - صلى الله عليه وسلم - والملائكة وإخوانهم من المؤمنين، ثم يخرج الله كل من قال: لا إله إلا الله كما جاء في الحديث. ¬

_ (¬1) انظر: كتاب "الشفاعة" للعلامة أبي عبد الرحمن مقبل بن هادي الوادعي فإنه مفيد في بابه. (¬2) المدثر (48). (¬3) غافر (18).

الخامسة: الشفاعة في زيادة الدرجات في الجنة لأهلها، وهذه لا ينكرها المعتزلة، ولا ينكرون أيضاً شفاعة الحشر الأولى. قال القاضي: وقد عرف بالنقل المستفيض من السلف الصالح سؤال شفاعة نبينا - صلى الله عليه وسلم -[28/ ب] ورغبتهم فيها، وعلى هذا لا يلتفت إلى قول من قال: إنه يكره أن يسأل الله أن يرزقه شفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لكونها لا تكون إلا للمذنبين؛ فإنها قد تكون لتخفيف الحساب وزيادة الدرجات، ثم كل عاقل يعترف بالتقصير محتاج إلى العفو غير معتد بعمله مشفق من أن يكون من الهالكين، وعزم هذا القائل أن لا يدعوا بالمغفرة والرحمة لأنها لأصحاب الذنوب، وهذا كله خلاف ما عرف من دعاء السلف والخلف (¬1). انتهى كلام القاضي. وقوله: "لما رأيت من حرصك على الحديث": أقول: شهادة لأبي هريرة بمحبته الحديث وحرصه عليه. وقوله: "أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه" فيه تقييد لكل ما سلف مما لم يذكر منه هذا القيد [29/ ب] [11/ أ]. 10/ 10 - وعَنْ صُهَيْبٍ بن سنان - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كلَّهُ له خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَان خَيْرًا لَهُ، وإنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ". أخرجه مسلم (¬2) [صحيح]. 11/ 11 - وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أن رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدهِ! لاَ يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ يَهُودِيٌ وَلاَ نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلاَّ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ". ¬

_ (¬1) في "إكمال المعلم" (1/ 566 - 567). (¬2) في صحيحه رقم (2999).

أخرجه مسلم (¬1) [صحيح]. 12/ 12 - وعَنْ وهْب بْنِ مُنَبِّهٍ وقيل له: أَلَيْسَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله مِفْتَاحُ الْجَنَّةِ؟ قَالَ: بَلَى، وَلَكِنْ لَيْسَ مِفْتَاحٌ إِلاَّ وَلهُ أَسْنَانٌ، فَإِنْ جِئْتَ بِمِفْتَاحٍ لَهُ أَسْنَانٌ فُتِحَ لَكَ، وإلاَّ لَمْ يُفْتَحْ لَكَ" أخرجه البخاري معلقاً (¬2) [إسناده ضعيف]. 13/ 13 - وعن عبد الله بن مسعود الهذلي - رضي الله عنه -، وسأله رجل: ما الصراط المستقيم؟ قال: تركنا محمد في أدناه وطرفه في الجنة، وعن يمينه جواد، وعن يساره جواد، وثم رجال يدعون من مر بهم، فمن أخذ في تلك الجواد انتهت به إلى النار، ومن أخذ على الصراط المستقيم انتهى به إلى الجنة، ثم قرأ ابن مسعود: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} الآية (¬3). أخرجه رزين (¬4) [ضعيف]. "والجواد" جمع جادة، وهي: الطريق. ¬

_ (¬1) في صحيحه رقم (153). (¬2) في صحيحه (3/ 109) رقم الباب (1) مع الفتح) معلقاً. وقال الحافظ: وأما أثر وهب فوصله الصنف في "التاريخ" (1/ 1/ 95) وأبو نعيم في "الحلية" (4/ 66) من طريق محمد بن سعيد بن رُمانه .. قال: أخبرني أبي قال: قيل لوهب بن منبه فذكره. محمد بن سعيد هذا يمني مجهول الحال، روى عنه عبد الملك بن محمد الذماري هذا الأثر، وروى عنه قدامة بن موسى أيضاً كما في "الجرح والتعديل" (3/ 2/ 264) وأبو سعيد بن رمانة لم أجد له ترجمة قاله الألباني في "مختصر صحيح الإمام البخاري" (1/ 362 رقم 237). (¬3) الأنعام (153). (¬4) أخرجه ابن جرير الطبري في "جامع البيان" رقم (14170) وفيه جهالة الرجل عن ابن مسعود.

الفصل الثاني: في حقيقتهما

الفصل الثاني: في حقيقتهما 14/ 1 - عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ - رضي الله عنهما -, وَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: أَلا تَغْزُو؟ فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِنَّ الإِسْلَامَ بُنِيَ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهِ، وَأَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيْتَاءِ الزَّكَاةِ، وَحَجِّ الْبَيْتِ، وَصَوْمِ رَمَضَان" أخرجه الخمسة إلا أبا داود (¬1) [صحيح]. 15/ 2 - وعن يحيى بن يعمر قال: كان أول من قال في القدر (¬2) بالبصرة معبد الجهني، فانطلقت أنا وحميد بن عبد الرحمن الحميري حاجين أو معتمرين. فقلنا: لو لقينا أحداً من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسألناه عما يقول هؤلاء في القدر، فوفق لنا عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - داخلاً المسجدَ فاكتنفته أنا وصاحبي: أحدُنا عن يمينه والآخر عن يساره، فظننت أن صاحبي سيكل الكلام إليّ. فقلتُ: يا أبا عبد الرحمن! إنه ظهَرَ قبلنا أناسٌ يقرءون القرآن ويتقفرون العلم، وذكر من شأنهم، وأنهم يزعمون أن لا قَدَرَ، وأن الأمر أنف فقال: إذا لقيت أولئك فأخبرهم أني بريء منهم، وأنهم براء مني، والذي يحلف به عبد الله بن عمر! لو أن لأحدهم مثل أحدٍ ذهباً فأنفقه ما قبل الله منه حتى يؤمن بالقدر. ثم قال: حدثني أبي عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: بينما نحن جلوس عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر [30/ ب] لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد حتى جلس إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه. وقال: يا محمد! أخبرني عن الإسلام. فقال: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (8) ومسلم رقم (16) والترمذي رقم (2609) والنسائي رقم (5001) وهو حديث صحيح. (¬2) أي: أول من قال بنفي القدر، فابتدع وجانب الصواب من مذهب أهل السنة في إثبات القدر.

محمداً عبده ورسوله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً. قال: صدقت. فعجبنا له يسأله ويصدقه. قال: فأخبرني عن الإيمان. قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره. قال: صدقت. قال: فأخبرني عن الإحسان، قال: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك. قال: فأخبرني عن الساعة. قال: ما المسئول عنها بأعلم من السائل. قال: فأخبرني عن إمارتها؟ قال: أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة "وليس عند مسلم العالة" رعاء الشاء يتطاولون في البنيان. قال: ثم انطلق فلبثت ملياً" هذا لفظ مسلم، وعندهم: "فلبثت ثلاثاً ثم قال: يا عمر! أتدري من السائل؟ قلت: الله ورسوله أعلم. قال: فإنه جبريل - عليه السلام - أتاكم يعلمكم دينكم" أخرجه الخمسة إلا البخاري (¬1)، وزاد أبو داود (¬2) في أخرى بعد صوم رمضان: "والاغتسال من الجنابة". وله في أخرى (¬3): وسأله رجلٌ من مزينة أو جُهينة فقال: يا رسول الله! فيم نعملُ في شيء خلا ومضى؟ فقال الرجلُ: أو بعض القوم: ففيم العمل؟ قال: إن أهل الجنة ييسرون لعمل أهل الجنة، وإن أهل النار ييسرون لعمل النار". وأخرج البخاري (¬4) - رحمه الله - نحوه عن أبي هريرة وهي رواية لهم إلا الترمذي (¬5) - رحمه الله -، وفيه أن تعبد الله لا تشرك به شيئاً مكان أن تشهد ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم رقم (8) وأبو داود رقم (4695) والترمذي رقم (2610) والنسائي رقم (4990) وابن ماجه رقم (63)، وهو حديث صحيح. (¬2) في "سننه" رقم (4697) وصححه المحدث الألباني مع العلم أن قوله: "والاغتسال من الجنابة" تفرد به علقمة بن مرثد، وهو ثقة، لكن تفرده بهذه الزيادة في هذا الحديث يعتبر شذوذاً عند البعض. (¬3) أي: لأبي داود رقم (4696) وهو حديث صحيح. (¬4) في صحيحه رقم (50). (¬5) مسلم رقم (9، 10) وأبو داود رقم (4698) والنسائي رقم (4991).

وفيه: فإذا كان الحفاة العراة رءوس الناس. وزاد في خمس لا يعلمها إلا الله تعالى وتلا: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} الآية. وفي أخرى بعد العُراة: الصم البكم ملوك الأرض وعند النسائي (¬1) - رحمه الله - قال: لا والذي بعثت محمداً بالحق هادياً وبشيراً ما كنت بأعلم به من رجل منكم، وإنه لجبريل - عليه السلام - نزل في صورة دحية الكلبي. ومعنى: "يتقفرون" يتتبعون، وقوله: "أنف" بضم الهمزة والنون: أي: محدث لم يسبق علم الله تعالى به. وكذب أعداء الله تعالى، بل علم الله تعالى سابقٌ للمعلومات كلها. 16/ 3 - وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: "بينا نحن جلوس مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في المسجد إذ دخل رجل على جمل فأناخه في المسجد، ثم عقله. ثم قال: أيكم محمدٌ؟ قلنا: هذا الرجل الأبيض المتكئ" (¬2) [صحيح]. وللنسائي (¬3) من رواية أبي هريرة: هذا الأمغر المرتفق قال حمزة: "الأمغر: الأبيض المشرب بحمرة فقال: ابن عبد المطلب، فقال [31/ ب] النبي - صلى الله عليه وسلم -: "قد أجبتك. فقال: إني سائلك فمشدد عليك في المسألة فلا تجد علي في نفسك. قال: "سل عما بدا لك" فقال: أسألك بربك ورب من قبلك: الله أرسلك إلى الناس كلهم؟ قال: "اللهم! نعم" قال: أنشدك بالله تعالى الله أمرك أن تصلي الصلوات الخمس في اليوم والليلة. قال: "اللهم! نعم" قال: أنشدك بالله تعالى آلله أمرك أن تصوم هذا الشهر من السنة. قال: "اللهم! نعم" قال: أنشدك بالله تعالى ¬

_ (¬1) في "سننه" رقم (4491) وأما ذكر دحية وهم كما قال الحافظ في "الفتح" (1/ 125). (¬2) أخرجه البخاري رقم (63) ومسلم رقم (12) والترمذي رقم (619) وأبو داود رقم (486) والنسائي رقم (2091 - 2093) وابن ماجه رقم (1402). (¬3) في "سننه" رقم (2094) بسند صحيح.

الله أمرك أن تأخذ هذه الصدقة من أغنيائنا فتقسمها على فقرائنا. قال: "اللهم! نعم" قال الرجل: آمنت بما جئت به، وأنا رسول من ورائي من قومي، وأنا ضمام بن ثعلبة أخو بني سعد بن بكر. [إسناده صحيح] أخرجه الخمسة، وهذا لفظ البخاري. وعند مسلم (¬1) جاء رجل فقال: يا محمد! أتانا رسولك فزعم أنك تزعم أن الله تعالى أرسلك؟ قال: "صدق" قال: فمن خلق السماء؟ قال: "الله" قال: فمن خلق الأرض؟ قال: "الله" قال: فمن نصب هذه الجبال وجعل فيها ما جعل؟ قال: "الله" قال: فبالذي خلق السماء وخلق الأرض ونصب الجبال آلله أرسلك؟ قال: "نعم" قال: وزعم رسولك أن علينا خمس صلوات في يومنا وليلتنا؟ قال: صدق. قال: فبالذي أرسلك الله تعالى أمرك بهذا؟ قال: نعم، ثم ذكر الزكاة، ثم الصيام، ثم الحج، كذلك قال: والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول في كل سؤال: "صدق" فيقول: فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا؟ فيقول: "نعم" ثم ولى وقال: والذي بعثك بالحق لا أزيدُ عليهن ولا أنقص منهن، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لئن صدق ليدخلن الجنة" [صحيح]. 17/ 4 - وعن طلحة بن عبيد الله قال: جار رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أهل نجد ثائر الرأس نسمع دوي صوته ولا نفقه ما يقول. حتى دنا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا هو يسأل عن الإسلام، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خمس صلوات في اليوم والليلة" فقال: هل عليّ غيرهن؟ قال: "لا إلا أن تطوع" فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: وصيام رمضان" فقال: هل علي غيره؟ قال: "لا إلا أن تطوع" وذكر له الزكاة، فقال: هل علي غيرها؟ قال: "لا إلا أن تطوع" فأدبر وهو يقول: لا أزيد على هذا ولا أنقص منه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أفلح إن صدق، أو دخل الجنة إن صدق". ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (12)، وهو حديث صحيح.

أخرجه الستة إلا الترمذي (¬1) [صحيح] وعند أبي داود (¬2): "أفلح وأبيه إن صدق". [شاذ بذكر وأبيه]. 18/ 5 - وعن عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما -، وسألته امرأة عن نبيذ الجر فقال: إن وفد عبد القيس أتوا النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: من الوفد، أو من القوم؟ قالوا: ربيعة. قال: مرحباً بالقوم أو بالوفد غير خزايا ولا ندامى، قالوا: إنا نأتيك من شقة بعيدة، وإن بيننا هذا لحي من كفار مضر، ولا نستطيع أن نأتيك إلا في الشهر الحرام فمرنا بأمر فصلٍ نخبر به من وراءنا، وندخل به الجنة. فأمرهم بأربع، ونهاهم عن أربع أمرهم بالإيمان بالله تعالى وحده وقال: هل تدرون ما الإيمان؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وأن تؤدوا خمساً من المغنم، ونهاهم عن الدباء، والحنتم، والمزفت، والنقير. قال شعبة: وربما قال: المقير. وقال: أحفظوهن وأخبروا بهن من وراءكم. وقال [32/ ب] للأشج أشج عبد قيس: إن فيك خصلتين يحبهما الله تعالى: الحلم، والأناة. أخرجه الخمسة، وهذا لفظ الشيخين (¬3). [صحيح]. "الدباء" القرع "والحنتم" جرار خضر كانوا يجعلون فيها الخمر "والنقير" أصل خشبة ينقر. و"المزفت" الوعاء المطلي بالزفت من داخل وهو المقير. وهذه الأوعية الأربعة تسرع ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (46) ومسلم رقم (8/ 11) وأبو داود رقم (391) ومالك (1/ 175) والنسائي رقم (458) و (2090) و (5028). (¬2) في سننه رقم (392). قلت: وأخرجه مسلم رقم (9/ 11) شاذ بذكر: "وأبيه". (¬3) أخرجه البخاري رقم (523) ومسلم رقم (17) وأبو داود رقم (3692) والترمذي مقطعاً دون قوله: "وأنهاكم عن الدباء .. إلخ" برقم (1599) و (2611) والنسائي رقم (5031) و (5692).

بالشدة في الشراب وتحدث فيه القوة والمسكرة عاجلاً، وتحريم الانتباذ في هذه الظروف كان في صدر الإسلام، ثم نسخ. 19/ 6 - وعن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَا يُؤْمِنُ عَبْدٌ حَتَّى يُؤْمِنَ بِأَرْبَعٍ: يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ الله وَأنِّي مُحَمَّد رَسُولُ الله بَعَثَنيَ بِالحَقِّ وَيُؤْمِنُ بِالمَوْتِ، وَيُؤْمِنُ بِالْبَعْثِ بَعْدَ المَوْتِ، وَيُؤْمِنُ بِالْقَدَرِ" أخرجه الترمذي (¬1) [صحيح]. قوله: "وعن علي بن أبي طالب": أقول (¬2): الهاشمي المكي المدني الكوفي. أسلم وهو ابن ثمان أو عشر سنين، أو أربعة عشرة، أو خمس عشرة أو ست عشرة. أقوال قيل: والصواب عدم توقيت إسلامه؛ لأنه لم يكن مشركاً فيستأنف الإسلام. أجمعوا على أنه شهد المشاهد كلها إلا تبوك، فإنه استخلفه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المدينة وقال له: "ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي" (¬3) وكان لواءه - صلى الله عليه وسلم - معه في أكثر حروبه، وكان له الأثر العظيم في كل مشهد حتى لا يعلم لأحد من الصحابة في الشجاعة ومبالاة الحروب ماله، وقد أثنى عليه الأئمة في كتب الصحابة وغيرها بما لا تستوفيه العبارة، ولا تفنى عنه الإشارة، وقد شرحنا من أحواله وفضائله وخصائصه ما لا يدخل تحت الحصر في كتابنا "الروضة الندية شرح التحفة ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي في "السنن" رقم (2145) وابن ماجه رقم (81)، وهو حديث صحيح. (¬2) سقط من المخطوط (أ)، (ب). (¬3) أخرجه البخاري رقم (4416) ومسلم رقم (31/ 2404). عن سعد بن أبي وقاص قال: خلّف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علي بن أبي طالب في غزوة تبوك، فقال: يا رسول الله! تخلفني في النساء والصبيان؟ فقال: "أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟ غير أنه لا نبي بعدي".

العلوية" (¬1) واستشهد بمسجد الكوفة وقت الفجر وذلك يوم الجمعة سابع عشر من شهر رمضان سنة أربعين، وأصح الأقوال: أن عمره حين استشهد ثلاث وستون سنة. قوله: "لا يؤمن عبدٌ حتى يؤمن بأربع". أقول: لا يتصف بالإيمان الذي ينجي من العذاب ويستحق به الثواب، فأبهم الأربع، ثم فسرها بقوله: "يشهد أن لا إله إلا الله" أي: يقر بلسانه مع اعتقاده بجنانه. ويشهد أني محمد رسول الله. كذلك أيضاً. وقوله: "بعثني بالحق" أي: أرسلني به وهو للجنس. أي: جنس الحق [ويحتمل] (¬2) الاستغراق أي: كل حق، ويحتمل أن يراد القرآن فإنه الحق، وهذا اللفظ متضمن لجميع شرائع الدين، فدخلت بقية أركان الإسلام إذْ هذي من الحق الذي بعث به - صلى الله عليه وسلم -. والإيمان "بالموت" التصديق (¬3) بأنه من عند الله يرسل ملائكته لقبض الأرواح في [33/ ب] الأجل الذي قدره لعباده لا أنه كما يقوله الكفار: {وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} (¬4). والإيمان بالبعث التصديق: [بأن] (¬5) الله يحيي العظام وهي رميم، وأنه يعيد الخلق كما بدأه، ويبعث من في القبور، وهذه من المطالب المهمة لله ولرسله، وكرر الله الاستدلال عليه في القرآن في عدة آيات وضرب الأمثال والأقيسة، وأشار إلى أنه معلوم عقلاً بقوله: {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (36) أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى (37) ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (38) ¬

_ (¬1) كتاب في الصحيح والضعيف والموضوع. وقد تقدم الكلام عليه. (¬2) في المخطوط (ب) (ويجعل). (¬3) في المخطوط (ب) (بالتصديق). (¬4) سورة الجاثية: (24). (¬5) في المخطوط (ب): (أنَّ).

فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (39) أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى (40)} (¬1) فأورده الكلام استفهاماً إنكارياً. أي: لا يقع هذا الحسبان والظن من إنسان، ثم استدل بأنه كان من مني ميت وهو النطفة، ثم نقله إلى علقة، ثم سواه إنساناً، أفتعجز قدرته أن تحيي الموتى؟ فإنه قد أحياه أولاً، وهو نطفة كما قال تعالى: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} (¬2) فالإماتة الأولى تعلمونها يقيناً بالمشاهدة في النطفة، فإنها ميتة أحياها بنفخ الروح فيها، فالإحياء بعد الإماتة الثانية مثل الإحياء الأول بعد الإماتة الأولى. فكيف تنكر؟ فإنه لا ينكر اتفاق المتماثلين عاقل، وقد أورده استفهاماً إنكارياً، والإيمان بهذا واجب وقد قامت أدلته، ويكفي من أدلته إخبار الرسول - صلى الله عليه وسلم - بوجوب تصديقه في كل ما أخبر به إذ هو معنى الإيمان به، فعطف هذا وما قبله على قوله: "وإني رسول الله" من عطف الخاص على العام رفعاً لشأنه، وإفراد لذكره، وتنويهاً بأمره. قوله: "وأخرجه الترمذي". قلت: وصحح بعض طرقه [12/ أ]. الحديث السابع: 20/ 7 - وعن الشريد بن سويد الثقفي قال: قلت: يا رسول الله! إني أمي أوصت أن أعتق عنها رقبة مؤمنة، وعندي جارية سوداء نوبيةٌ أفأعتقها؟ قال: "ادعها" فدعوتها، فجاءت فقال: "من ربك؟ " قالت: الله. قال: "فمن أنا؟ " قالت: رسول الله، قال: "اعتقها فإنها مؤمنة". ¬

_ (¬1) القيامة: (36 - 40). (¬2) البقرة: (28).

أخرجه أبو داود (¬1) والنسائي (¬2) [حسن]. قوله: "وعن الشَرِيدْ بن سويد الثقفي". أقول:- بفتح الشين المعجمة فراء [34/ ب] فمثناة تحتية فدال مهملة - وسُويد - بالمهملة - مصغر. قال ابن عبد البر في الاستيعاب (¬3): قيل: إنه من حضر موت، ولكن عداده في ثقيف روى عنه ابنه عمرو بن الشريد، ويعقوب بن عاصم، يعدّ في أهْل الحجاز [وذكر] (¬4) بسنده أنه استنشده النبي - صلى الله عليه وسلم - من شعر أُميَّة بن أبي الصلت مائة قافية، فقال: كادَ يُسلمُ (¬5) انتهى. قوله: "فقال لها: من ربك؟ قالت: الله". أقول: فيه أنه يختبر إيمان من لم يعلم إيمانه بسؤاله عن ربه أي: مالكه وإلهه، فإنه - صلى الله عليه وسلم - لما أراد معرفة إيمانها سألها عن ربها من هو واكتفى بإقرارها بأنه الله تعالى، وهذا جوابها كان عن الفطرة التي فطر الله عباده عليها، ولم يسألها عن صفاته، ولا عن شيء بعد إقرارها بربوبيته ولم يكلفها الدليل على أنه ربها بل كفاه إقراراً به تعالى، ولم يأمرها بالنطق بكلمة التوحيد لعلمه بأنها بإقرارها بربوبيته مقرة بوحدانيته، ثم قال لها: "فمن أنا؟ " قالت: رسول الله. فقيل: إقرارها أيضاً واكتفى به عن طلب الدليل على ما أقرت به، ومن المعلوم أن مستند إقرارها برسالته - صلى الله عليه وسلم - هو شهرة أمره، وأنه رسول الله، وإن لم تعرف معجزة، ولا عرفت إقامة بأدلة الرسالة، ثم حكم - صلى الله عليه وسلم - لها بأنها مؤمنة بمجرد إقرارها بربية الله ورسالته - صلى الله عليه وسلم -، ولم يسألها عن ¬

_ (¬1) في "سننه" رقم (3283). (¬2) في "سننه" رقم (3653)، وهو حديث حسن. (¬3) في "الاستيعاب" (ص 337) رقم (1186). (¬4) في المخطوط (ب): وذكره. (¬5) وهو حديث صحيح. أخرجه مسلم رقم (2255).

غير ذلك، لأنها بإقرارها بأنه رسول الله قد تضمن إيمانها بكل ما جاء به؛ وفي هذا دليل ناهض على الحكم بإيمان العامة القاصرين عن معرفة الأدلة لا دلائل التوحيد، ولا دلائل الرسالة، بل يكفيهم التصديق بالله، وأنه ربهم وبرسالة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال الزركشي في شرح الجامع (¬1): وقد ذكر الحديث الآتي عند مسلم، وهذا دليل على الاكتفاء بالشهادتين في صحة العقدة، وإن لم يكن عن نظر واستدلال، بل اكتفى بما فطرت عليه فإنه - صلى الله عليه وسلم - لم يسألها من أين علمت ذلك؟ قال النووي [35/ ب] في شرحه: وهذا هو الصحيح الذي عليه الجمهور، وكذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله" (¬2) ولم يقل: حتى يستدلوا أو ينظروا. وقال ابن عبد السلام في "قواعده" (¬3):- قد ذكر ما يجب من معرفة الله - أن اعتقاد ذلك واجب في حق العامة وهو قائم مقام العلم في حق الخاصة لما في تكليفهم ذلك من المشقة الظاهرة العامة. ¬

_ (¬1) هو شرح الجامع الصحيح للإمام البخاري. قال ابن حجر: شرع في شرح البخاري، وتركه مسودة وقفت على بعضها، منها كتاب: "التنقيح لألفاظ الجامع الصحيح" في مجلد انظر: "الدرر الكامنة" (4/ 17). (¬2) أخرجه البخاري رقم (392) والترمذي رقم (2608) أبو داود رقم (2641) والنسائي رقم (3967) من حديث أنس وهو حديث صحيح. (¬3) في "القواعد الكبرى الموسوم بـ قواعِدِ الأحكام في إصلاح الأنام" له (1/ 91).

وقال صاحب الصحائف: من اعتقد أركان الدين تقليداً فاختلفوا فيه؟ فقيل: مؤمن، وإن كان عاصياً بترك النظر والاستدلال المؤدي إلى معرفة أدلة قواعد الدين، وهذا مذهب الأئمة الأربعة (¬1)، والأوزاعي، والثوري، وكثير من المسلمين. وقيل: لا يستحق اسم المؤمن إلا بعد عرفان الأدلة، وهو مذهب الأشعري (¬2). انتهى. وهذا الحديث والذي بعده يردان هذا القول، فإنه لو كان عدم النظر عصيان لما أقر النبي - صلى الله عليه وسلم - الجارية عليه، وقد سماها مؤمنة، وأما ما نقل عن الأشعري أن إيمان المقلد لا يصح، ¬

_ (¬1) قال الشوكاني في "إرشاد الفحول" (863) بتحقيقي: واستدل الجمهورُ بأن الأمة أجمعت على وجوب معرفة الله عز وجل، وأنها لا تحصل بالتقليد، لأن المقلد ليس معه إلا الأخذ بقول من يقلده ولا يدري أهو صوابٌ أم خطأ. قال الأستاذ أبو منصور: فلو اعتقد من غير معرفة بالدليل فاختلفوا فيه فقال أكثر الأئمة: إنه مؤمنٌ من أهل الشفاعةِ، وإن فُسِّق بترك الاستدلال، وبه قال أئمة الحديث. وقال الأشعري: وجمهورُ المعتزلة لا يكون مؤمناً حتى يخرج فيها عن جملة المقلدين. اهـ "الوسيط" (564) "وجمع الجوامع" (3/ 402) و"المسودة" (ص 407). ثم عقب الشوكاني على ذلك بقوله: فيا لله العجب من هذه المقالةِ التي تقشعرُّ لها الجلودُ وترجُف عند سماعِها الأفئدة، فإنها جنايةٌ على جمهور هذه الأمة المرحومة، وتكليف لهم بما ليس في وُسْعهم ولا يطيقونه، وقد كفى غالب الصحابة الذين لم يبلغوا درجةً الاجتهاد ولا قاربوها الإيمان الجُمليَّ، ولم يكلفهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو بين أظهرُهم بمعرفة ذلك ولا أخرجهم عن الإيمان بتقصيرهم عن البلوغ إلى العلم بذلك بأدلته. وما حكاه الأستاذُ أبو منصور عن أئمة الحديث من أنه مؤمنٌ وإن فُسِّق فلا يصحُّ التفسيق عنهم بوجهٍ من الوجوه، بل مذهبُ سابقهم ولاحقهم الاكتفاءُ بالإيمان الجُمْليَّ، وهو الذي كان عليه خيرُ القرونِ، ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، حرَّم كثيرٌ منهم النظر في ذلك وجعله من الضلالة والجهالة، ولم يخف هذا من مذهبهم حتى على أهل الأصولِ والفقه. اهـ (¬2) تقدم التعليق على كلام الأشعري في التعليقة المتقدمة آنفاً.

وأنه يقول بتكفير العوام. فقد أنكره أبو القاسم القشيري (¬1) وقال: هذا كذب وزور. وقال أبو منصور في "المقنع": أجمع أصحابنا أن العوام مؤمنون عارفون بالله وأنهم حشو الجنة للأخبار والإجماع فيه، وهذا لا ينبغي أن يرتاب فيه. قال: وقد نقل الكيا [13/ أ] في تعليقه إجماع الأصحاب أنهم مؤمنون. قلت: وفيهم قال أبو القاسم البلخي: هنيئاً للعامة هنيئاً لهم السلامة. وقال: أموت على دين العجائز. وقد بسطنا هذا في محله، ويأتي كلام الخطابي قريباً. قوله: "أخرجه أبو داود (¬2) والنسائي" (¬3). الحديث الثامن: 21/ 8 - وعن معاوية بن الحكم السلمي - رضي الله عنه - قال: أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت: إن لي جارية كانت ترعى غنماً لي فجئتها وقد فقدت شاة فسألتها عنها، فقالت: أكلها الذئب فأسفت عليها، وكنت من بني آدم فلطمت وجهها وعلي رقبة أفأعتقها؟ فقال لها النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أين الله تعالى؟ " قالت: في السماء، قال: "فمن أنا" قالت: أنت رسول الله فقال: "اعتقها فإنها مؤمنة". أخرجه مسلم (¬4)، ومالك (¬5)، وأبو داود (¬6)، والنسائي (¬7). ¬

_ (¬1) ذكره الزركشي في "البحر المحيط" (6/ 278). (¬2) في "السنن" رقم (3283) وقد تقدم. (¬3) في السنن رقم (3653) وقد تقدم. وهو حديث حسن. (¬4) في صحيحه رقم (537). (¬5) في الموطأ (2/ 776 - 777). (¬6) في السنن رقم (3282). (¬7) في السنن رقم (1218)، وهو حديث صحيح.

قوله: "وعن معاوية بن الحكم السلمي". أقول: في "الاستيعاب" (¬1) [36/ ب] كان ينزل المدينة، ويسكن في سُلِيم وهو معدود في أهل المدينة، ولم يطل في ترجمته. قوله: "فأسِفت عليها": أسف الرجل يأسف أسفاً فهو أسيف إذا غضب. قوله: "رقبة" الرقبة في الأصل العتق، جعلت عبارة عن ذات الإنسان ذكراً كان أو أنثى. قوله: "صككتها": الصك: الضرب. أراد [أنه] (¬2) لطمها، وقد جاء في رواية: ["فلطمتها"] (¬3). وفيه دليل أن لطم وجه المملوك لا يخرجه بمجرده عن الملك، ويأتي الكلام فيه في العتق - بالمثلة - في كتاب العتق إن شاء الله. قوله: "أين الله": هذا دليل لما قال العز بن عبد السلام: إن الله تعالى اغتفر للعامة اعتقاد الجهة؛ لأنهم لا يعرفون إله ذا جهة، فلم يكلفهم الله بخلاف ما يعرفونه، وعليه ورد السؤال بأين الله؟ وأقر - صلى الله عليه وسلم - جوابها بأنه في السماء وعليه: {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ} الآية (¬4)، {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} (¬5) وللعلماء أبحاث طويلة في هذا بينهم وبين الحنابلة. ¬

_ (¬1) في "الاستيعاب" (ص 671 - 672) رقم (2347). (¬2) في المخطوط (ب): به. (¬3) في المخطوط (ب): فلطمها. (¬4) الأنعام: (3). (¬5) الملك: (16). =

وقوله: "فإنها مؤمنة" هو كما سلف في حديث الشريد (¬1). وقال الخطابي (¬2): هنا إما حكم بأنها مؤمنة بهذا القدر من قولها وهو: أنه لما سألها أين الله؛ فقالت: في السماء. وهذا القدر لا يكفي في ثبوت الإسلام والإيمان دون الإقرار بالشهادتين [و] (¬3) التبري من سائر الأديان؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - رأى منها أمارة الإسلام، وأنها في دار الإسلام وبين المسلمين، وتحت رق المسلمين، وهذا القدر يكفي علماً لذلك ألا ترى إذا رأينا رجلاً وامرأة مقيمين في بيت فسألناه عنها قال: هي زوجتي [37/ ب] صدقناه في ذلك وقبلنا قولهما، ولا نكشف عن أمرهما ولا نطلب منهما شرائط العقد، فإذا جاءنا رجل وامرأة أجنبيان يريدان ابتداء عقد النكاح فإنا نطالبهما بشروط النكاح، وإحضار الولي والشهود وغير ذلك، وكذلك الكافر إذا عرض عليه الإسلام لم نقتصر منه على قوله: إني مسلم حتى يصف الإسلام بكماله وشرائطه، فإذا جاءنا من يجهل حاله في الكفر والإيمان فقال: إني مسلم قبلناه إذا كان عليه أمارة الإسلام من هيئته وشارة ودار كان قبول قوله أولى، بل يحكم عليه بالإسلام، وإن لم يقل شيئاً. انتهى. قلت: وفيه تأمل، فإنه اكتفى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بإسلام عامة العباد بمجرد قولهم لكلمة التوحيد، وصرح - صلى الله عليه وسلم - بأنه لم يؤمر أن يشق عن قلوب الناس، فهذا الذي ادعاه الخطابي من التبري من سائر الأديان لم يأت به دليل، بل الدخول في دين الإسلام هو براءة من سائر ¬

_ = قال ابن الجوزي في "زاد المسير" (8/ 322): وقرأ عاصم، وابن عامر، وحمزة، والكسائي: {أَأَمِنْتُمْ} بهمزين: {مَنْ فِي السَّمَاءِ} قال ابن عباس: أمنتم عذاب من في السماء وهو الله عز وجل؟ اهـ. (¬1) تقدم برقم (20/ 7) من كتابنا هذا. (¬2) لم أقف عليه في "معالم السنن" وفي "أعلام الحديث" والله أعلم. (¬3) في المخطوط (ب): أو.

الأديان، ولا علمنا أنه أتى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حرف واحد بشرعية البراءة عن سائر الأديان في صحة الإسلام إلا ما يأتي في حديث معاوية بن حيدة من قوله - صلى الله عليه وسلم - له أن يقول: أسلمت وجهي لله وتخليت .. (¬1) ويأتي الكلام عليه إن شاء الله [14/ أ]. الحديث التاسع: 22/ 9 - وعن العباس بن عبد المطلب - رضي الله عنه - قال: سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ذَاقَ طَعْمَ الإِيْمَانِ مَنْ رَضِيَ بِاللهِ رَبّاً، وَبِالإِسْلَامِ دِيْنَاً، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولاً" أخرجه مسلم (¬2) والترمذي (¬3) [صحيح]. قوله: قوله: "عن العباس بن عبد المطلب". أقول: في "الرياض المستطابة" (¬4) أنه كان أسن من النبي - صلى الله عليه وسلم - بسنتين أو ثلاث، ولم يزل معظماً في الجاهلية والإسلام، وكان إليه أمر السقاية في الجاهلية [38/ ب] وقرره - صلى الله عليه وسلم -. حضر مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ليلة العقبة، وأكّد له العقد مع الأنصار، وخرج إلى بدر مع المشركين مرآءةً لهم فأسره - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون ففادى نفسه وابني أخويه عقيل بن أبي طالب، ونوفل بن الحارث، وأسلم عقيب ذلك وعذره النبي - صلى الله عليه وسلم - في الإقامة بمكة لأجل سقايته، ولقي النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفر الفتح مهاجراً بنفسه، فرجع معه وكان سبباً لتسكين الشر وحقن الدماء، وخرج معه - صلى الله عليه وسلم - إلى حنين وثبت معه، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعظمه ويجله ويعطيه العطاء الجزل، وكذلك ¬

_ (¬1) يأتي برقم (24/ 11) من كتابنا هذا، وهو حديث حسن. (¬2) في صحيحه رقم (56/ 34). (¬3) في سننه رقم (2623) وقال: هذا حديث حسن صحيح، وهو حديث صحيح. (¬4) في "الرياض المستطابة في جملة من روى في الصحيحين من الصحابة" للإمام يحيى بن أبي بكر العامري اليمني (ص 209 - 210).

الخلفاء الراشدين بعده. ومناقبه واسعة، ووفاته سنة (32) أو (34) وهو ابن (88) سنة أو نحوها ووفاته في شهر رجب وصلى عليه عثمان وقبره في وراء البقيع مشهور (¬1). قوله: "ذاق طعم الإيمان". أقول: استعارة تخييلية شبه الإيمان بشيء ذي ذوق مطوي في النفس، ثم أثبت له الذوق والطعم تخييلاً له كما عرف. وفيه تنزيل [المعقول] (¬2) منزلة المحسوس. قال صاحب "التحرير": يعني: رضيت بالشيء قنعت به واكتفيت به، ولم أطلب معه غيره. فمعنى الحديث: لم يطلب غير الله، ولم يسع في غير طريق الإسلام، ولن يسلك إلا ما يوافق شريعة محمد - صلى الله عليه وسلم -. ولا شك في أن من كان هذه صفته فقد خلصت حلاوة الإيمان إلى قلبه، وذاق طعمه. وقال القاضي عياض (¬3): معنى الحديث: صح إيمانه، واطمأنت به نفسه، وخامر باطنه، لأن رضاه بالمذكورات دليل لقوة معرفته ونفاذ بصيرته ومخالطة بشاشة قلبه، لأن من رضي أمراً سهل عليه، وكذا المؤمن إذا دخل قلبه الإيمان سهلت عليه الطاعات ولذت له. انتهى. قلت: وتقدم الكلام بأوفى من هذا في الفصل الأول. قوله:"أخرجه مسلم (¬4) والترمذي (¬5) ". وقال: حسن صحيح. ¬

_ (¬1) في "الرياض المستطابة": وقبره مشهور مَزُور بالبقيع. (¬2) في المخطوط (ب): القبول. (¬3) في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (1/ 27). (¬4) في صحيحه رقم (56/ 34)، وقد تقدم. (¬5) في سننه رقم (2623)، وقد تقدم.

23/ 10 - وعن عبد الله بن معاوية الغاضري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ثَلاَثٌ مَنْ فَعَلَهُنَّ فَقَدْ طَعَمَ طَعْمَ الإِيْمَانِ: مَنْ عَبَدَ الله وَحْدَهُ، وَعَلِمَ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله، وَأَعْطَى زَكَاةَ مَالِهِ طَيِّبَةً بِهَا نَفْسه رَافِدَة عَلَيْه كُلَّ عَامٍ، وَلَمْ يُعْطِ الهَرِمَة، وَلاَ الدَّرِنَة، وَلاَ المَرِيْضَة، وَلاَ الشّرَط اللَّئِيْمَة، وَلَكِنْ مِنْ وَسَطِ أَمْوَالِكُم، فَإِنَّ الله تَعَالَى لَمْ يَسْأَلْكُم خَيْرهُ وَلَمْ يَأْمُرْكُم بِشَرِّه" أخرجه أبو داود (¬1). ومعنى: "رافدة عليه" أي: معينة له على أداء الزكاة غير محدثة نفسه بمنعها فهي ترفده وتعينه. ومعنى: "الدرنة والشرط اللئيمة" رذال المال وصغاره. أقول: بالغين المعجمة وضاد معجمة، والنسبة إلى غضارة قبيلة من أسد (¬2). قوله: "ثلاث من فعلهن فقد طعم طعْمَ الإيمان". أي: قد ذاقه واستلذ به. وفيه استعارة كما سبق، ثم بعد طعمها حمله تشويقاً إليها فسرها بقوله: "من عبد الله وحده" العبادة غاية الخضوع والتذلل والانقياد، وهي عامة لكل ما يتذلل به لله تعالى فيما أمر به فيشمل كل عبادة أمر الله بها. وقوله: "واعلم أن لا إله إلا الله" هذه متقدمة على الأولى وجوداً وطلباً، ولكن الواو لا تقتضي الترتيب على أنه قد يقال: عِلْمُ أن لا إله إلا الله قد استلزمه إفراده بالعبادة الدال عليه قوله: "وحده" إذ لا يفرده بها إلا بعد علمه بانفراده بالإلهية. وقدمنا لك أنه لا بد من العلم والقول بهذه الكلمة، وإذا كان كذلك فهو من باب عطف الخاص على. العام. ¬

_ (¬1) في "سننه" رقم (1582)، وهو حديث حسن. (¬2) قال عنه ابن عبد البر في "الاستيعاب" رقم (1406) يقول: عبد الله بن معاوية الغاضري شامي أنه صحبة، روى عنه جبير بن نفير.

كما أن قوله: "وأعطى زكاة ماله طيبة بها نفسه" وذلك إذا أعطى المال من العبادة لما فيه من الامتثال للأمر، وإخراج ما هو شقيق الروح إيماناً بوجوبها، فيكون هذا تفصيل لذلك المجمل. وعدها ثلاثاً؛ لأنها كذلك، وإن شملها أمر واحد، وفي إضافة الزكاة إلى المال إعلام بأنه لا زكاة على من لا مال له، ثم هي مجملة هنا قدراً ونصاباً وزماناً ومصرفاً، وكم في كل نوع من المال؟ ومن أي المال تجب؟ ففيها إجمال واسع، وقد بينته السنة النبوية [40/ ب] بياناً شافياً [15/ أ] ثم شرط في الإعطاء أن يكون عن طيبة نفس، والمخرج لها عالماً أن هذه طاعة لا يتم الامتثال إلا بطيبة النفس وبذلها، ولا يكون في قِسْم من قال الله فيهم: {وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا} (¬1) بل يكون من القسم الذين قال الله فيهم: {وَمِنَ الْأَعْرَابِ} ... {وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ} (¬2) وكيف لا تطيب نفسه بجزء حقير؛ عشراً، أو نصفه، أو ربعه، يخرجه صلةً لإخوانه الفقراء ومواساة لهم وشكراً لله، وسيذكر الله له ما أعطاه ومتاجرة له، فإنه يقول تعالى: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ (39)} (¬3). والحوامل على طيبة النفس بها كثيرة، لكن من العباد من يتزلزل قدمه عند خراج المال ويتحوشه عبودة الشح: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9)} (¬4) ولذا ¬

_ (¬1) التوبة: (98). (¬2) التوبة: (99). (¬3) الروم: (39). (¬4) الحشر: (9) التغابن: (16).

أفرد الزكاة هنا [مع] (¬1) شمول الأولى لها بمشمولة لقريبتها، وهي الصلاة لشدة التكليف بها وعدم سماحة النفوس ببذلها. وفسر المصنف قوله: "رافدة عليه كل عام، أي: معينة له على أداء الزكاة غير محدثة نفسه بمنعها، فهي ترفده وتعينه". فقوله: "طيبة بها نفسه": حال من الزكاة، ولا بد من تقدير مضاف أي: بإخراجها أو إعطائها. قوله: "رافدة": حال من نفسه. أي: حال كون نفسه معينة له على إعطاء زكاة ماله مهونة عليه إخراجها معظمة له أجر إعطائها واثقةً بالإخلاف من الله تعالى وعوناً له. ولفظها "النهاية" (¬2): الرَّافِدَة: فاعِلَة من الرَّفْد وهو الإعانَة. يقال: رفَدْته أرفِدُهُ إذا أعنْتَه أي: تُعِينُه نفْسُه على أدائها. انتهى. ويأتي أبحاث ذلك في كتاب الزكاة. قوله: "الذَرِبة" بالذال المعجمة المفتوحة وراء مكسورة فموحدة (¬3). و"الشَرَط" - بفتح الشين [41/ ب] المعجمة وفتح الراء - وقد فسرهما المصنف. وهذا في زكاة الأنعام، ويجري مثله في غيرها كما يفيده عموم قوله: {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ} ¬

_ (¬1) سقط من المخطوط (ب). (¬2) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 241). (¬3) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 300).

تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا} (¬1) بعد قوله: {أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} (¬2). 24/ 11 - وعن بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة القشيري عن أبيه عن جده قال: قلت: يا نبي الله! ما أتيتك حتى حلفت أكثر من عدد هؤلاء لأصابع يديه أن لا آتيك ولا آتي دينك، وإني كنت امرأً لا أعقلُ شيئاً إلا ما علمني الله تعالى ورسوله، وإني سألتك بوجه الله تعالى، بم بعثك الله إلينا؟ قال: "بالإسلام" قلت: وما آيات الإسلام؟ قال: أن تقول: "أسلمت وجهي لله تعالى، وتخليت، وتقيم الصلاة, وتؤتي الزكاة، كل مسلم على مسلم محرم أخوان نصيران، لا يقبل من مشرك بعدَ ما أسلم عملٌ أو يفارق المشركين إلى المسلمين" أخرجه النسائي (¬3) [حسن]. قوله: " [و] (¬4) عن بهز": أقول: - بفتح الموحدة وسكون الهاء فزاي - ابن حَكِيم بن معاوية بن حيدة - بفتح الحاء المهملة فمثناة تحتيه ساكنة فدال مهملة، وهو قوله: قال: قلت: أي: قال معاوية ابن حيدة. أقول: هو أبو عبد الملك قال الحافظ ابن حجر (¬5): صدوق. قوله: "ما آيات الإسلام" أي: علاماته. قال: "أن تقول: أسلمت وجهي لله". ¬

_ (¬1) البقرة: (267). (¬2) البقرة: (267). (¬3) في "سننه" رقم (2436) ورقم (2568). قلت: وأخرج بعضه ابن ماجه رقم (2536)، وهو حديث حسن. (¬4) سقط من المخطوط (ب). (¬5) في "التقريب" رقم الترجمة (772).

أي: أنفذت واستسلمت له، وإنما أوقفه على الوجه زيادة في الانقياد والاستسلام لأنه إذا انقاد أشرف أعضائه فبالأولى غيره. وفيه دليل أنه يكفي هذا اللفظ عن التلفظ بكلمة الشهادة، وليس كذلك، بل هذا اقتصار على مفرد تحته جمل، لأن من أسلم أتى بخصال الإسلام التي رأسها وأساسها تلفظه بكلمة التوحيد. "وتخليت" - بالخاء المعجمة - في "النهاية" (¬1): التخلي: التفرغ يقال: تخلى للعبادة وهو تفعال من الخلو والمراد التبري من الشرك وعقد القلب على الإيمان. انتهى. قلت: هذا هو دليل الخطابي على أنه لا بد من التبري عن كل دين في عقد الإسلام كما أشرنا إليه إلا أنه لا يخفى أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يأمر كل من أسلم بذلك، وذلك لأن من لازم الرضى بالإسلام البراءة عما عداه، وتقدم الكلام على إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة. وقوله: "كل مسلم على مسلم محرم" في "الجامع": زاد في أخرى: "كل مسلم عن مسلم محرم" هكذا بلفظ: "عن" جملة استئنافية احتفاء بحقوق العباد بعضهم على بعض، وأن كل مسلم محرم دمه وماله وعرضه على كل مسلم. قال ابن الأثير (¬2) في "غريب الجامع": يقال: أحرم الرجل: إذا اعتصم بحرمةٍ تمنع عنه. انتهى. ثم زاده بياناً بقوله: "أخوان نصيران" أي: المسلمان أخوان (¬3) [42/ ب]. ¬

_ (¬1) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 74). (¬2) في "جامع الأصول" (1/ 234). (¬3) في "جامع الأصول" (1/ 234): أخوان نصيران أي: هما أخوان نصيران، أي: يتناصران ويتعاضدان، والنصير فعيل بمعنى: فاعل، ويجوز أن يكون مفعول.

مأخوذ من قوله: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} (¬1) فهما أخوان بأخوة الإسلام. وقوله: "النصيران" تثنية نصير، وهو المبالغ في نصرة غيره، فهو إعلام بأن كل أخ منهم نصير لأخيه [16/ أ] ويأتي إفادة إيضاحه في حقوق المسلمين بعضهم على بعض، ثم إنه - صلى الله عليه وسلم - أخبره بما يجب من الهجرة بقوله: "لا يقبل من مشرك بعد ما أسلم عمل من أعمال الإسلام، ولا يثاب عليه إلا أن يفارق أو إلى أن يفارق" (¬2) فيفارق يتصور بأن المقدرة، وأو بمعنى: إلا أو إلى كما عرف في النحو. "المشركين إلى المسلمين" أي: يخرج من دار الشرك إلى دار الإسلام، وهذه الهجرة كانت واجبة لا يقبل عمل إلا بها إلا من عذره من المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً، ثم نسخت من مكة بعد فتحها إذ بعده صارت دار إسلام. 25/ 12 - وعن سفيان بن عبد الله الثقفي - رضي الله عنه - قال: قلت: يا رسول الله! قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً بعدك. قال: "قُلْ: آمَنْتُ بِالله تَعَالَى ثُمَّ اسْتَقِم" أخرجه مسلم (¬3) [صحيح]. قوله: "سفيان بن عبد الله الثقفي": أقول: في "الاستيعاب" (¬4): معدود في أَهْلِ الطائف، له صُحْبَةٌ وسماع ورواية كان عاملاً لعمر بن الخطاب على الطَّائِف روى عنه ابنُه عبد الله بن سفيان وغيره. ¬

_ (¬1) الحجرات: 10. (¬2) وهو جزء من حديث بن حكيم بن معاوية بن حيدة المتقدم. (¬3) في "صحيحه" رقم (62/ 38). (¬4) في "الأستيعاب" (ص 295) رقم (960).

قوله: "قل لي في الإسلام" أي: في حقيقته النافعة لمن تمسك بها كما يفيده. قوله: "قولاً لا أسأل عنه أحداً بعدك". وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "قل آمنت بالله" أي: صدقت به وبرسله، وبما جاءت به رسله. "ثم استقم" الجواب النبوي مشتق من قوله: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} (¬1) قد ثبت عن السلف تفسير الاستقامة وثبت مرفوعاً. أخرج الترمذي (¬2)، والنسائي (¬3)، والبزار (¬4)، وأبو يعلى (¬5)، وابن جرير (¬6)، وابن أبي حاتم (¬7)، وابن عدي (¬8) وابن مردويه (¬9) عن أنس قال: قرأ علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذه الآية: {إِنَّ الَّذِينَ [43/ ب] قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} قال: "قد قالها ناس عن الناس، ثم كفر أكثرهم فمن قالها حتى يموت فهو ممن استقام عليها". ¬

_ (¬1) فصلت: (30). (¬2) في السنن رقم (3250) وقال: هذا حديث غريب. (¬3) في "السنن الكبرى" رقم (11406 - الرسالة). (¬4) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (7/ 321). (¬5) في "المسند" رقم (3495). (¬6) في "جامع البيان" (20/ 422 - عالم الكتب). (¬7) عزاه إليه السيوطي "الدر المنثور" (7/ 321). (¬8) في "الكامل" (3/ 1288). (¬9) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (7/ 321). في إسناده سُهيل بن أبي حَزْم القطعي وهو ضعيف. والخلاصة: أن حديث أنس حديث ضعيف، والله أعلم.

وأخرج ابن المبارك (¬1) وعبد الرزاق (¬2) والفريابي، وسعيد بن منصور (¬3) وآخرون من طريق سعيد ابن أبي [نمران] (¬4) عن أبي بكر الصديق في قوله: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} قال: "الاستقامة أن لا يشركوا به شيئاً". وأخرج ابن مردويه (5) من طريق الثوري عن بعض أصحابه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} "إلى فرائض الله". وأخرج ابن مردويه (5) وعبد بن حميد (5) والحكيم الترمذي في نوادر الأصول (¬5) وابن جرير (¬6) والحاكم وصححه (¬7) من طريق الأسود بن هلال عن أبي بكر الصديق أنه قال: ما تقولون في هاتين الآيتين: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا}، {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} (¬8) قالوا له: الذين قالوا: ربنا الله ثم عملوا بها واستقاموا على أمره، فلم يذنبوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم لم يذنبوا. فقال: لقد حملتوهما على أمر شديد. الذين آمنوا ¬

_ (¬1) لم أقف عليه؟! (¬2) في تفسيره (2/ 187). (¬3) عزاه إليهما السيوطي في "الدر المنثور" (7/ 321 - 322). وزاد نسبته إلى: مسدد وابن سعد (6/ 84) وعبد بن حميد، وابن جرير - (20/ 422 - 423، عالم الكتب) - وابن المنذر، وابن أبي حاتم. إسناده ضعيف. (¬4) في المخطوط (أ)، (ب)، (ج): عمران، وهو تحريف، والصواب: (نِمْران). انظر "الميزان" (2/ 161) رقم الترجمة (3286)، وهو مجهول. (¬5) عزاه إليهم السيوطي في "الدر المنثور" (7/ 322). (¬6) في "جامع البيان" (20/ 423 - عالم الكتب". (¬7) في "المستدرك" (2/ 440) وصحح إسناده، ووافقه الذهبي. (¬8) الأنعام: (82).

ولم يلبسوا إيمانهم بظلم. يقولون: بشرك. والذين قالوا: ربنا الله ثم استقاموا فلم يرجعوا إلى عبادة الأوثان. وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات (¬1) عن ابن عباس في: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} قال: "على شهادة أن لا إله إلا الله". 26/ 13 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ صَلَّى صَلاَتَنَا، وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا، وَأَكَلَ ذَبِيْحَتَنَا فَهُوَ المُسْلِم" أخرجه النسائي (¬2) وهو طرف من حديث طويل أخرجه البخاري (¬3) وأبو داود (¬4) والترمذي (¬5) - رحمه الله -. [صحيح]. قوله: "وصلى صلاتنا" أي: الخمس المفروضة علينا وهي لا تتم بجميع صفاتها وهيئاتها، ومنها: استقبال القبلة، فقوله: "واستقبل قبلتنا" ذكر لأعظم واجبات الصلاة عناية بشأنه. وقوله: "وأكل ذبيحتنا" أي: ما ذبحه أهل الإسلام فهو المسلم؛ لأنه قد اتصف بخصال الإسلام فإن إقامة الصلاة [44/ ب] لا يكون إلا بعد التصديق بالله وبرسله، وأكل ذبائح أهل الإسلام من جملة خصاله، وإنما كان - صلى الله عليه وسلم - يصف لكل سائل ما يعلم أنه إلى معرفته أحوج، وأن خطابه أهم وإسلامه بفعله وقوله أتم. ¬

_ (¬1) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (7/ 322). وذكره ابن كثير في "تفسيره" (12/ 235) وعزاه إلى ابن أبي حاتم من طريق حفص عن الحكم عن عكرمة عن ابن عباس قوله. (¬2) في "سننه" رقم (3966 - 3969). (¬3) في "صحيحه" رقم (392). (¬4) في "سننه" رقم (2641). (¬5) في "سننه" رقم (2608).

الفصل الثالث: في المجاز

واعلم أن هذه الأحاديث التي سردها المصنف وقبله ابن الأثير في حقيقة الإيمان والإسلام هي، وإن اختلفت ألفاظها وعُدَّ في بعضها ما لم يعد في غيره فهي عائدة إلى مراد واحد وهو بيان الإيمان، وإيضاح مسماه وأوضح شيء في ذلك حديث جبريل (¬1) ولهذا سماه النبي - صلى الله عليه وسلم - تعليماً للدين، وما عداه مما نقص عن الخصال التي عدت فيه كحديث الجارية (¬2) الذي اقتصر فيه عن سؤالها عن الله وعن النبي - صلى الله عليه وسلم - يحمل على أنه اقتصار على الأهم، وإلا فكل خصال الإيمان التي بني عليها مراده على أن بعض أحاديث هذا الفصل يدخل ويناسب الفصل الذي في مجاز الإيمان والإسلام. قوله: "أخرجه النسائي" هكذا في الجامع. وقول المصنف: "وهو طرف من حديث طويل أخرجه البخاري وأبو داود والترمذي" هذا ليس في الجامع زاده المصنف (¬3). الفصل الثالث: في المجاز أقول: هو اللفظ المستعمل في غير ما وضع له ولا بد له من علاقة وقرينة ومراده فيما [17/ أ] يستعمل فيه لفظ الإيمان مجازاً لا حقيقة، وهو أنه قد أتى إطلاق لفظ الإيمان على أحد أركانه من باب إطلاق اسم الكل على الجزء. 27/ 1 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الإِيْمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ" وفي رواية: "بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً، وَالحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيْمَانِ". أخرجه الخمسة. ¬

_ (¬1) تقدم برقم (15/ 2) من كتابنا هذا. (¬2) تقدم برقم (20/ 7) و (21/ 8) من كتابنا هذا. (¬3) أي: ابن الدبيع في كتابه: "تيسير الوصول إلى جامع الأصول" الذي شرحه ابن الأمير بهذا الكتاب "التحبير".

زاد في رواية: "فأفضلها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق" (¬1) [صحيح]. قوله: "الإيمان بضع": أقول: - بكسر أوله، وحكي الفتح - لغة لعدد مبهم مقيد بما بين الثلاث إلى التسع، وفيه أقوال، وأما بضعة اللحم بالفتح لا غير. "وسبعون" [45/ ب] هذا لفظ السنن الثلاث (¬2) ورواية لمسلم بلفظ (¬3): "سبعين". وقوله: "وفي رواية وستون" هي رواية البخاري (¬4) واعلم أن القاعدة في علوم الحديث أ، هـ إذا انفرد البخاري قدم على غيره، وهنا قدم ابن الأثير (¬5) رواية الثلاثة على رواية البخاري، وتبعه المصنف، وأنه كان على ابن الأثير سياق الأربع الروايات لأنه بصدد جمع متون الأصول الستة. وبقي رواية ثالثة، وهي في مسلم (¬6) رواية بلفظ: "بضع وسبعون أو بضع وستون". ¬

_ (¬1) البخاري رقم (9) ومسلم رقم (35) وأبو داود رقم (4676) والترمذي رقم (2614) والنسائي رقم (5004 - 5005). وأسقط الترمذي من روايته: "الحياء شعبة من الإيمان". وفي رواية بإثر الحديث (2614): "الإيمان أربعة وستون باباً". وعند النسائي رقم (5006): "والحياء شعبة من الإيمان" مختصراً. (¬2) أبو داود رقم (4676) والترمذي رقم (2614) والنسائي رقم (5004 - 5005). (¬3) في "صحيحه" رقم (57، 58/ 35): بلفظ: "سبعون". (¬4) في "صحيحه" رقم (9). (¬5) في "جامع الأصول" (1/ 235 رقم 19). (¬6) في صحيحه رقم (58/ 35).

ورواية رابعة عند الترمذي بلفظ (¬1): "أربع وستون". قيل: وهي لا تخالف رواية البخاري لأن غاية ما فيها تعيين البضع أنه أربع، وهو أحد ما يطلق عليه لفظ البضع إلا أنه قال الحافظ (¬2): أنها رواية معلولة، ثم اختلف العلماء في أي الروايات أرجح، فرجح البيهقي (¬3) رواية البخاري بأنه المتيقن وما عداه مشكوك، ومنهم من رجح رواية الأكثر أعني: بضع وسبعون، وقد ذكر ذلك النووي في شرح مسلم (¬4). وقوله: "شعبة" - بضم الشين المعجمة - أي: قطعة، والمراد الخصلة أو الجزء، وفي لفظ للترمذي (¬5): "باباً" عوض "شعبة". أقول: بالمد هو لغة: تغير وانكسار يعتري الإنسان من خوف ما يعاب به. وفي الشرع: خلوص يبعث على اجتناب القبيح، ويمنع من التقصير في حق ذي الحق. ولا يقال: رب حياء يمنع عن قول الحق، أو فعل الخير فإن [46/ ب] ذلك ليس حياءً شرعياً. قال ابن الصلاح: ذلك ليس بحياء، بل عجز وخور ومهابة، وإنما أفرد الحياء بالذكر وخصه من الشعب؛ لأنه كالداعي إلى باقي الشعب إذ الحي يخاف فضيحة الدنيا والآخرة، فيتألم وينزجر. ¬

_ (¬1) وهي في "سننه" بإثر الحديث رقم (2614). (¬2) في "فتح الباري" (1/ 52). (¬3) في "شعب الإيمان" (1/ 88) ط: مكتبة الرشد ناشرون. (¬4) في "شرح مسلم" (2/ 4) للنووي. (¬5) في "سننه" بإثر الحديث رقم (2614).

قال الشيخ ابن الصلاح. إن الكلام في تعيين هذه الشعب يطول، وقد صنفت في ذلك مصنفات، ومن أغزرها فوائد كتاب "المنهاج" (¬1) لأبي عبد الله الحليمي إمام الشافعيين ببخارى، وكان من رفعاء أئمة المسلمين وحذا حذوه الحافظ أبو بكر البيهقي في كتابه الجليل الحفيل بـ "شعب الإيمان" (¬2). قوله: "وزاد" أي: أبو هريرة. "في رواية" مسلم بلفظ (¬3): "فأفضلها قول: لا إله إلا الله وأدناها إماطة" أي: إزالة ما يؤذي المسلمين في طرقهم من شوك وحجارة وقذر وعذرة، ومن ثمة نهى عن التخلي في الطرقات. وأسقط الترمذي (¬4). قلت: وقد قال في روايته: حسن صحيح. قال النووي (¬5): إن كمال الإيمان بالأعمال، وتمامه بالطاعات، وأن التزام هذه الطاعات وضم هذه الشعب من جملة التصديق والدلائل عليه، وأنها خلق أهل التصديق، فليست خارجة عن اسم الإيمان الشرعي ولا اللغوي، وقد نبه - صلى الله عليه وسلم - على أن أفضلها: [التوحيد] (¬6) المتعين على كل أحد، والذي لا يصح شيء من الشعب إلا بعد صحته، وأدناها ما يتوقع ¬

_ (¬1) طبع بـ (3) مجلدات ط: دار الفكر - بيروت. (¬2) طبع بتحقيق: محمد السعيد بن بسيوني زغلول، في دار الكتب العلمية، بـ (7) مجلدات + (2) فهارس، بعنوان: "شعب الإيمان"، وطبع بتحقيق الدكتور: عبد العلي عبد الحميد حامد في مكتبة الرشد ناشرون بـ (13) مجلد + (1) فهارس بعنوان: "الجامع لشعب الإيمان". قلت: وكتاب: "شعب الإيمان" للإمام أبي محمد عبد الجليل بن موسى بن عبد الجليل القصري. ط: دار الحديث - القاهرة بـ (2) مجلد. (¬3) في "صحيحه" رقم (58/ 35). (¬4) في "سننه" رقم (2614). (¬5) في شرحه لـ "صحيح مسلم" رقم (2/ 4). (¬6) زيادة من شرح "صحيح مسلم" للنووي (2/ 4).

ضرره بالمسلمين من إماطة الأذى عن طريقهم، وبقي بين هذين [الطريقين] (¬1) أعداد لو تكلف المجتهد تحصيلها بغلبة الظن وشدة التتبع لأمكنه، وقد فعل ذلك بعض من تقدم، وفي الحكم بأن ذلك مراد النبي - صلى الله عليه وسلم -[47/ ب] صعوبة، ثم إنه لا يلزم معرفة أعيانها، ولا يقدح جهل ذلك في الإيمان؛ إذ أصول الإيمان وفروعه معلومة محققة، والإيمان بأن هذا العدد واجب في الجملة. هذا كلام القاضي عياض (¬2). قال ابن حبان (¬3): تتبعتُ معنى هذا الحديث مُدِّة وعددت الطاعات، فإذا هي تزيدُ على هذا العدد شيئاً كثيراً، فرجعتُ إلى السنن، فعددتُ كل طاعةٍ عدَّها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الإيمان، فإذا هي تنقص عن البضع والسبعين، فرجعتُ إلى كتاب الله فقرأته بالتدبر وعددت كُلَّ طاعةٍ عدَّها الله ونبيه - صلى الله عليه وسلم - سبع وسبعون شعبة لا تزيد عليها ولا تنقص، فعلمتُ أنّ مراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن هذا العدد في الكتاب والسنن. انتهى. قلت: وقد يقال: إنه - صلى الله عليه وسلم - لم يبين عددها ليحافظ المؤمن على كل خصلة خير ورد فيها الوعد [18/ أ] بالإثابة كما قيل في إخفاء ليلة القدر وساعة الجمعة، ويمكن أنه لم يرد العدد المتابعة بل المبالغة نحو: {إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً} (¬4) ولا ينافيها ذكر البضع؛ لأنه في نفسه مجهول القدر، ويحتمل أن كل خصلة تحتها خلال من الخير، فإن مثل بر الوالدين فيه إنفاق المال لأجلهما وصلة أرحامهما وغير ذلك. 28/ 2 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيْهِ وَجَدَ بِهِنَّ طَعْمَ الإِيْمَانِ: مَنْ كَانَ الله وَرَسُولهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سُواهُمَا، وَمَنْ أَحَبَّ عَبْدَاً لاَ يُحِبُّهُ إِلاَ للهِ، وَمَنْ يَكْفُرهُ ¬

_ (¬1) كذا في المخطوط، والصواب كما في شرح صحيح مسلم للنووي (2/ 4) الطرفين. (¬2) في "إكمال العلم بفوائد مسلم" (1/ 272). (¬3) في "صحيحه" (1/ 387). (¬4) المنافقون: (6).

أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْقَذَهُ اللهُ تَعَالى مِنْهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ" أخرجه الخمسة إلا أبا داود (¬1) [صحيح]. وفي أخرى للنسائي (¬2) - رحمه الله - بعد قوله: "مما سواهما" وأن يحب في الله ويبغض في الله. [صحيح]. قوله: "ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان": أقول: قال النووي (¬3): هذا حديث عظيم أصل من أصول الدين، ومعنى حلاوة الإيمان استلذاذه بالطاعات، وتحمل المشاق في رضى الله تعالى ورسوله، وإيثار ذلك على عرض الدنيا. انتهى. "وثلاث" مبتدأ، وإن كانت نكرة لأن التنوين عوض [المضاف] (¬4) إليه، أي: ثلاث خصال. والجملة خبر. "وكن" من كان التامة [48/ ب] أي: وجدن. "وحلاوة الإيمان" استعارة تخييلية شبه رغبة المؤمن في الإيمان بشيء حلو وأثبت له لازم ذلك الشيء، وأضاف إليه. وقوله: "من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما" أول الثلاث، تفسير بعد الإبهام. قال بعضهم: المحبة مواطأة القلب على ما يرضاه الرب، فيحب ما أحب ويكره ما يكره. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (16) ومسلم رقم (431) والترمذي رقم (2624) وقال: هذا حديث حسن صحيح، والنسائي رقم (4987، 4988)، وهو حديث صحيح. (¬2) في "سننه" رقم (4989)، وهو حديث صحيح. (¬3) في شرحه لـ "صحيح مسلم" (2/ 13). (¬4) في المخطوط (ب): المضافة.

وبالجملة أصل المحبة: الميل إلى ما نوى في المحب، ثم الميل قد يكون لما يستلذه الإنسان ويستحسنه كحسن الصورة والصوت [والطعم] (¬1) ونحوها. كمحبة الصالحين والعلماء، وأهل الفضل مطلقاً، وقد يكون لإحسانه إليه ودفع المضار والمكاره عنه، والعبد إذا تأمل أن المنعم بالذات هو الله تعالى، وأنه لا مانع ولا مانح سواه، وأن كل ما عداه وسائط يسخرهم له، وأن الرسول هو [الذي] (¬2) يبين له مراد ربه اقتضى ذلك أن يتوجه بكليته نحوه، فلا يحب إلا ما يحبه ولا يحب من يحب إلا من أجله، ومن نظر في المعاني التي سردناها مما يستجلب المحبة وجدها كلها قد جمعها رسول الله من جمال الظاهر والباطن، وكمال خلال الكمال، وأنواع الفضائل وإحسانه إلى جميع العباد بهدايتهم الصراط المستقيم، ودوام النعيم والإنقاذ من الجحيم. وقوله: "مما سواهما" لم يقل: "ممن" ليعم من يعقل ومن لا يعقل. فإن قيل: قد نهى - صلى الله عليه وسلم - الخطيب عن تثنيته لضمير الله وضميره - صلى الله عليه وسلم - وجمعهما حيث قال: ومن يعصهما. قال: بئس الخطيب أنت! (¬3) وهنا جمعهما؟ أجيب: بأن ذلك لأن مقام الخطابة يقتضي [49/ ب] الإيضاح، وهنا المراد الإيجاز في اللفظ ليحفظ. ¬

_ (¬1) سقط من المخطوط (ب). (¬2) في المخطوط (ب): يهدي. (¬3) وهو جزء من حديث عدي بن حاتم. أخرجه أحمد (4/ 256) ومسلم رقم (48/ 870) وأبو داود رقم (1099) والنسائي رقم (3279)، وهو حديث صحيح.

وقيل: بل الجمع خاص به - صلى الله عليه وسلم -[لأن] (¬1) غيره إذا جمع أوهم إطلاقه التسوية بخلافه - صلى الله عليه وسلم - فإن [منصبه] (¬2) لا يتطرق إليه احتمال إيهام ذلك (¬3). قوله: "ومن أحب عبداً لا يحبه إلا لله": أقول: لفظ البخاري (¬4): "وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله" وهو لفظ مسلم (¬5) ولفظ الترمذي (¬6) أيضاً. قال يحيى بن معاذ (¬7): حقيقة الحب في الله أن لا يزيده بالبر ولا ينقصه بالجفاء. ¬

_ (¬1) في المخطوط (ب): لأنه. (¬2) كلمة غير مقروءة في المخطوط، وهي في "الفتح" (1/ 61): منصبه كما أثبتناه. (¬3) قال القاضي عياض في "إكمال العلم بفوائد مسلم" (3/ 275) وجماعة منا لعلماء: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما أنكر على الخطيب تشريكه في الضمير المقتضي للتسوية، وأمره بالعطف تعظيماً لله تعالى بتقديم اسمه كما قال - صلى الله عليه وسلم - في الحديث: "لا يقل أحدكم: ما شاء الله وشاء فلان، ولكن ليقل: ما شاء الله ثم ما شاء فلان" أخرجه أحمد (5/ 384) وأبو داود رقم (4980) والنسائي في "عمل اليوم والليلة" (985) وغيرهم من حديث حذيفة، وهو حديث صحيح، ويرد على هذا ما قدمناه من جمعه - صلى الله عليه وسلم - بين ضمير الله وضميره. ويمكن أن يقال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما أنكر على ذلك الخطيب التشريك؛ لأنه فهم منه اعتقاد التسوية فنبهه على خلاف معتقده، وأمره بتقديم اسم الله على اسم رسوله ليعلم بذلك فساد ما اعتقده. وانظر ما قاله الإمام الشافعي في "الأم" (2/ 415 - 416) والقرطبي في "المفهم" (2/ 510 - 512) حول هذا الموضوع فهو مفيد. (¬4) في "صحيحه" رقم (16). (¬5) في "صحيحه" رقم (67/ 43). (¬6) في "السنن" رقم (2624). (¬7) ذكره الحافظ في "الفتح" (1/ 62).

والمراد بالمرء: جنس المرء، والمراد به المؤمن فيكون حبه له لأجل إيمانه بالله فهو حب لله ولا يضره أن ينضاف إليه حبه لصداقة ورحامة وإحسان. قوله: "ومن يكره أن يعود في الكفر" لفظ الشيخين: "براءة يكره أن يعود في الكفر" وقوله: "بعد أن أنقذه الله منه" ليس في البخاري (¬1) هذا، وهو لأحد رواته. قال الحافظ ابن حجر (¬2): والإنقاذ أعم من يكون بالعصمة منه ابتداءً بأن يولد على الإسلام ويستمر، أو بالإخراج من ظلمة الكفر إلى نور الإيمان، فعلى الأول يحمل قوله: يعود على الصيرورة بخلاف الثاني، فإن العود فيه على ظاهره. وزاد النسائي (¬3): "وأن يحب في الله ويبغض في الله". أقول: وأتى بغيرها من الروايات، وقد تضمن قوله: "غيره" في الحديث الآخر: "وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله" [19/ أ] والبغض في الله هو: أن يبغض من يبغضه الله ممن عصاه، ونبذ طاعته وراءه، وقد حصر الإيمان في بعض الحديث على الحب في الله والبغض بلفظ: وهل الإيمان إلا الحب في الله والبغض] (¬4) في الله [50/ ب]. ¬

_ (¬1) قال ابن حجر في "الفتح" (1/ 62): زاد أبو نعيم في المستخرج من طريق الحسن بن سفيان عن محمد بن المثنى شيخ المصنف: "بعد أن أنقذه الله منه" وكذا هو في طريق أخرى للمصنف، والإنقاذ أعم من أن يكون بالعصمة منه ابتداء بأن يولد على الإسلام ويستمر، أو بالإخراج من ظلمة الكفر إلى نور الإيمان كما وقع لكثير من الصحابة ... اهـ. (¬2) في "الفتح" (1/ 62). (¬3) في "سننه" رقم (4987) وهو حديث صحيح. (¬4) سقط من المخطوط (ب).

29/ 3 - وعنه - رضي الله عنه - قَالَ: سمعتُ - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ والدهِ, وولَدِه، والنَّاسِ أَجْمَعِينَ" أخرجه الشيخان (¬1) والنسائي (¬2). وفي أخرى للنسائي (¬3) - رحمه الله -: "أَحَبَّ إِلَيْهِ مالِه وأهْلِه". قوله: "وعنه": أي: عن أنس (¬4)، وترجمه البخاري بباب حب الرسول من الإيمان. قوله: "لا يؤمن أحدكم": المراد بالنفي نفي الكمال، ونفي اسم الشيء، بمعنى: نفي الكمال عنه مستفيض في كلامهم كقولهم: فلان ليس بإنسان، هكذا يقولونه، ولكن حب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمدة الإيمان، فلا بد منه في نفس الإيمان، فيحتمل إن أحببته على كل ما ذكر ليست شرطاً في الإيمان فيفهم أنها لنفي الكمال. وقوله: "أحب إليه": هو أفعل بمعنى: المفعول، وقال النحاة: إنه خلاف القياس والفصل بينه وبين مفعوله بقوله: "إليه" جائز، إنما يمتنع بالأجنبي. وقوله: "من والده" قُدِم للأكثرية، لأن كل ولد له والد من غير عكس، وهل تدخل الأم في لفظ الوالد؟ إن أريد به من له الولد فيتم، أو يقال: اكتفى بأحدهما كما يكتفى بأحد الضدين عن الآخر، والمراد الأعز به كأنه قال: من أعزته. وقد ثبت رواية بتقديم الولد على الوالد ولها وجه صحيح. قال الخطابي (¬5): والمراد بالمحبة هنا حب الاختيار لا حب الطبع؛ لأن حب الإنسان نفسه طبع لا سبيل إلى قلبه، ¬

_ (¬1) البخاري رقم (15) ومسلم رقم (44). (¬2) في "سننه" رقم (5013)، وهو حديث صحيح. (¬3) في "سننه" رقم (5014)، وهو حديث صحيح. (¬4) انظر ترجمة أنس بن مالك في "الاستيعاب" (ص 53/ 54 رقم 43). (¬5) ذكره الحافظ ابن حجر في "الفتح" (1/ 59).

فمعناه: لا تصدق في حبي يعني: في طاعتي نفسك، وتؤثر رضاي على هواك، وإن كان فيه هلاكك. انتهى. وقوله: "والناس أجمعين" يشمل النفس، أي: نفس المحب، وقد وقع التنصيص على النفس في رواية أخرى. قوله: وفي أخرى للنسائي: "أحب إليه من ماله وأهله". أقول: هكذا في الجامع (¬1)، وهي بهذا اللفظ في "صحيح مسلم" (¬2) إنما قدم هنا [51/ ب] الأهل على المال. قال القرطبي (¬3): كل من آمن بالنبي - صلى الله عليه وسلم - إيماناً صحيحاً لا يخلو عن وجدان شيء من تلك المحبة الراجحة غير أنهم متفاوتون: فمنهم من أخذ من تلك المرتبة بالحظ الأوفى، ومنهم من أخذ بالحظ الأدنى كمن كان مستغرقاً بالشهوات محجوباً في الغفلات في أكثر الأوقات، لكن الكثير منهم إذا ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اشتاق إلى رؤيته بحيث يؤثرها على أهله وماله وولده ووالده. 30/ 4 - وعنه - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ" أخرجه الخمسة إلا أبا داود (¬4)، وزاد النسائي في أخرى (¬5): "من الخير" [صحيح]. ¬

_ (¬1) في "جامع الأصول" (1/ 238). (¬2) رقم (69/ 44). (¬3) في "المفهم" (1/ 226 - 227). (¬4) أخرجه البخاري رقم (13) ومسلم رقم (71/ 45) والترمذي رقم (2515) والنسائي رقم (5016) وابن ماجه رقم (66) وأحمد (3/ 176، 272، 278). (¬5) النسائي في "سننه" رقم (5017)، وهو حديث صحيح.

قوله: "وعنه" أي: أنس، وهذا الحديث عقد له البخاري (¬1): باب من الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، وترجم له النووي (¬2): بباب الدليل على أن من خصال الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه. والمراد من نفي الإيمان نفي كماله؛ لأنه لو لم يحب لأخيه ذلك لم يخرج عن الملة، ويكون كالمرتد قطعاً، فكان هذا قرينة على أنه مجاز أطلق الإيمان على الكامل منه, ثم نفى الكمال. قوله: "حتى يحبَ" بالنصب بحتى، وهي الجارة, وأنَّ بعدها مضمرة. وقوله: "لأخيه" أي: في الإيمان، فإن أخوة الإيمان التي حكم الله بها بين أهله آكد من أخوة النسب، بل أخوة النسب إنما تعتبر مع ثبوت الإيمان، وإلا فإنه لا يجوز له حُبُّ قريبه الكافر ولا توارث بينهما: {فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ (101)} (¬3). وفي صحيح مسلم بلفظ (¬4): "لأخيه أو لجاره" على الشك. وقوله: "ما يحب لنفسه" أي: من الخير كما صرحت به رواية النسائي (¬5) وهي في رواية الإسماعيلي وابن مندة (¬6). ¬

_ (¬1) في "الفتح" (1/ 56) رقم الباب (7) مع الفتح. (¬2) في شرحه لـ "صحيح مسلم" للنووي (2/ 16). (¬3) المؤمنون: (101). (¬4) رقم (71/ 45). (¬5) في "سننه" رقم (5017). (¬6) ذكره الحافظ في "الفتح" (1/ 57).

والخير كلمة جامعة تعم الطاعات والمباحات الدنيوية والأخروية، وتخرج المنهيات لأن اسم الخير [52/ ب] لا يتناولها، والمحبة [إرادة] (¬1) ما يعتقده خيراً. وتقدم البحث في المحبة وأسبابها. قالوا: والمراد أن يحب لأخيه أن يحصل لأخيه ما حصل له لامع سلبه عنه ولامع بقائه بعينه له إذ مقام الجوهر أو العرض بمحلين محال، هذا وقال الكرماني (¬2): ومن الإيمان أن يبغض لأخيه من يبغضه لنفسه من الشر، ولم يذكره لأن حب الشيء مستلزم لبغض نقيضه، فترك التنصيص عليه اكتفاء. واعلم: أنه جعل الفقهاء حقيقة الموالاة أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، واستصعب هذا التكليف، ومن حقق لم يجد منه صعوبة أصلاً، لأن غايته أن يريد ويحب لأخيه في الإيمان ما يحبه لنفسه [20/ أ]. وهذه إرادة قلبية ليس فيها فوات أمر بل فيها كمال إيمانه ولا تنقصه إرادته بغيره من ماله ولا حاله. 31/ 5 - وعَنْ أَبي أُمَامَةَ - رضي الله عنه - أن رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ أَحَبَّ لله، وَأَبْغَضَ لله، وَأَعْطَى لله، وَمَنَعَ لله فَقَدِ اسْتكمَلَ الإِيمَانَ" أخرجه أبو داود (¬3) [حسن]. ¬

_ (¬1) في المخطوط (ب) مكررة. (¬2) في شرحه لـ "صحيح البخاري" (1/ 93). (¬3) في "سننه" رقم (4681). قلت: وأخرجه أحمد في "المسند" (438، 440)، وهو حديث حسن.

قوله: "وعن أبي أمامة". أقول: هو الباهلي. اسمه: صُدَيً (¬1) - بمهملتين مصغراً - ابن عَجْلان سكن مصر، ثم انتقل منها فسكن حمص ومات بها، وكان من المكثرين في الرواية عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأكثر حديثه عند الشاميين، توفي سنة إحدى وثمانين، أو ست وثمانين، وهو آخر من مات من الصحابة بالشام. قوله: "من أحب لله ... " الحديث. أي: لوجهه وابتغاء مرضاته أيُّ محبوبٍ كان من عمل أو ترك أو شخص أو قول أو أيُّ محبوب قصد بحبه وجه الله؛ لأجل أنه تعالى يحبه ويريده ويرضاه. ومثله البغض يبغض لأجل أنه تعالى يكره ذلك وينهى عنه ويأمر بالبعد عنه، وهو أيضاً عام، ومثله الإعطاء والمنع، فالحديث شامل لاعتقادات كلها وشامل للأفعال كلها من عطاء ومنع، ومن لاحظ في ذلك [53/ ب] وجه الله فقد بلغ غاية الإيمان به والانقياد لمراده، فلذا قال: فقد استكمل الإيمان. 32/ 6 - وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قال: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالْمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهمْ" أخرجه الترمذي (¬2) والنسائي (¬3) [صحيح]. قوله: "وعن أبي هريرة" عقد البخاري (¬4) له باب: أيُّ الإسلام أفضل. ¬

_ (¬1) "الاستيعاب" لابن عبد البر (ص 348 رقم 1227). (¬2) في "سننه" رقم (2672). (¬3) في "سننه" رقم (4995)، وهو حديث صحيح. (¬4) في "صحيحه" (1/ 54) رقم الباب (5).

وذكر فيه حديث أبي موسى (¬1) أنهم قالوا: يا رسول الله! أي الإسلام أفضل؟ قال: "من سلم المسلمون من لسانه ويده". أقول: من أقواله الضارة في الدنيا والآخرة، فإن اللسان بيت كل شهر: "وهل يكب الناس على وجوههم في النار إلا حصائد ألسنتهم" (¬2) وعبر باللسان ليدخل فيه من مدها لسخرية واستهزاء بالعباد. والسلامة من اليد تعم سلامته عن الضرب بها أو أخذ المال، أو كتب ما يضر المسلمين، فيدخل كَتْبُ كُتُبْ الضلالة من كُتُب الزنادقة والفلاسفة والباطنية، وكُتب الاستهزاء والسخرية، وكتب السحر. وعلى الجملة كل بدعة تضر العباد، ويدخل فيه كُتَّاب المكوس والمجابي ونحوها مما لا يسلم من ضره المسلمون. ويشمل الأحياء والأموات، فإنهم مسلمون، فالهاتك لأعراض الأموات لم يسلموا من لسانه، بل ويشمل الملائكة حفظته وغيرهم إذا أذاهم بارتكاب المعاصي، بل المباحات فإنه نهى - صلى الله عليه وسلم - عن دخول المسجد لمن أكل الكراث وقال: "إن الملائكة [تتأذى] (¬3) مما يتأذى منه بنو آدم". وعلى الجملة فهذا الحديث من جوامع الكلم، وفي الحديث جناس الاشتقاق والمراد به كامل الإسلام كما أنه المراد من قوله: "والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم" أو على أحدهما، وعلى أسرارهم، وغير ذلك، فهذا الذي استحق اسم المؤمن من الناس، والمراد من ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (11) ومسلم رقم (42). (¬2) أخرجه الترمذي رقم (2616) وابن ماجه رقم (3973) من حديث معاذ بن جبل، وهو حديث صحيح. (¬3) زيادة يقتضيها السياق.

عُرف بالأمانة وشُهر بها حتى أمنه الناس على ما ذكرناه، وأمنوه [على] (¬1) أديانهم من عالم بفتواه ومعلم بهدايته طريق الهدى، ويدخل تحته [54/ ب] ما لا يتسع له هذا التحبير. وعبر في الأول بالمسلمين ليوافق حسن الاشتقاق، وإلا فالمراد الناس كما صرح في قسيمة بدخول من له ذمة وعهد. قوله: أخرجه الترمذي (¬2) والنسائي (¬3). قلت: وقال الترمذي: حديث أبي هريرة حسن صحيح. 33/ 7 - وعَنْ عبد الله بْنِ عَمْرٍو بن العاصِ - رضي الله عنهما - قَالَ: قالَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: "الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى الله عَنْهُ" أخرجه الخمسة إلا الترمذي (¬4)، وهذا لفظ البخاري (¬5) [صحيح]. • وفي أخرى للشيخين (¬6) والنسائي (¬7): أَنَّ رَجُلاً قَالَ: يا رسولَ الله! أَيُّ الإِسْلاَمِ خَيْرٌ؟ قَالَ: "تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأُ السَّلاَمَ، عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ" [صحيح]. قوله: عن عبد الله بن عمرو. ¬

_ (¬1) في المخطوط (ب) مكررة. (¬2) في "سننه" رقم (2627)، وقد تقدم. (¬3) في "سننه" (4995)، وقد تقدم. (¬4) أخرجه البخاري رقم (10) ومسلم رقم (64/ 40) وأبو داود رقم (2481) والنسائي رقم (4996)، وهو حديث صحيح. (¬5) رقم (10). (¬6) البخاري رقم (12)، (28) ومسلم رقم (63/ 39). (¬7) في "سننه" رقم (5000)، وهو حديث صحيح.

أقول: هو من بني هُصَيص بن كعب بن لؤي القرشيّ. قال ابن معين: كنيته أبو عبد الرحمن. قال ابن عبد البر (¬1): والأشهر أبو محمَّد كان أبوه أسنَّ منه باثنتي عشرة سنة. أسلم قبل أبيه، وكان حافظاً فاضلاً عالماً قرأ: [الكتب] (¬2) واستأذن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يكتب حديثه (¬3) فأذن له. قال: يا رسول الله! أكتب كما أسمع منك في الرضى والغضب؟ قال: "نعم فإني لا أقول إلا حقاً" (¬4). قلت: ويأتي في الاقتصاد بيان ما كان عليه من العبادة. ¬

_ (¬1) في "الاستيعاب" (ص 421 - 422) رقم (1440). (¬2) في "الاستيعاب" الكتاب. (¬3) يشير المؤلف إلى الحديث الذي أخرجه أحمد (2/ 192, 162) وأبو داود رقم (3646) والحاكم (1/ 105 - 106) وقال عقبه: رواة هذا الحديث قد احتجا بهم عن آخرهم غير الوليد هذا، وأظنه: الوليد ابن أبي الوليد الشامي، فإنه الوليد بن عبد الله، وقد غلبت على أبيه الكنية، فإن كان كذلك فقد احتج به مسلم، ووافقه الذهبي. وتعقبهما الألباني في "الصحيحة" (4/ 46) بقوله: "كذا قال" وإنما هو الوليد بن عبد الله بن أبي مغيث مولى بني الدار، حجازي، وهو ثقة كما قال ابن معين وابن حبان. والخلاصة: أن الحديث صحيح، وقد صححه الألباني في "صحيح الجامع" رقم (1196). (¬4) ولفظ الحديث: قال: "كنت أكتبُ كل شيء أسمعه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أريدُ حفظهُ فنهَتني قريشٌ، فقالوا: إنك تكتبُ كل شيء تسمعهُ من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشرٌ، يتكلم في الغضب والرضا، فأمسكتُ عن الكتاب، فذكرتُ ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "اكتبْ والذي نفسي بيده! ما خرجَ مني إلا حقٌ".

قال ابن عبد البر (¬1): واعتذر عن شهوده صفين، وأقسم أنه لم يَرْم فيها برمح ولا سهم، وإنما شهدها لعزيمة أبيه عليه في ذلك، وقد قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أطع أباك" (¬2)، وساق بسنده إلى أبي مليكة عن عبد الله بن عمرو أنه كان يقول: "مالي ولصفين مالٍ ولقتال المسلمين! والله لوددت أني متُّ قبل هذا بعشر سنين - ثم يقول -: أما والله ما ضربتُ فيها بسيف لا طعنتُ فيها برمح، ولا رميت بسهم، ولوددت أني لم أحضر شيئاً منها، واستغفر الله من ذلك وأتوب إليه". وأسنده من وجه آخر. واختلف في وفاته قال ابن حنبل: مات ليالي الحرَّة [21/ أ] في ولاية يزيد، وكان الحرَّة يوم الأربعاء لليلتين [55/ ب] بقيتا من ذي الحجة سنة (63) وفيه أقوال غير هذا، ثم في محل وفاته قيل: بالطائف، وقيل: بمصر، وقيل: بمكة، وقيل: بأرضه من فلسطين. قوله: "والمهاجر من هجر [ما] (¬3) نهى الله عنه" قال الحافظ في "الفتح" (¬4): هذه الهجرة ضربان: باطنة، وظاهرة، فالباطنة ترك ما تدعو إليه النفس الأمارة بالسوء والشيطان، والظاهرة الفرار بالدين من الفتن. قوله: "الخمسة إلا الترمذي". أقول: بل وإلا مسلماً فإنه لم يخرجه (¬5). قال الحافظ في "الفتح" (¬6) بعد سرده وشرحه: هذا الحديث من أفراد البخاري عن مسلم. انتهى. ¬

_ (¬1) في "الاستيعاب" (ص 422). (¬2) أخرجه أحمد في المسند (2/ 164) من حديث عبد الله بن عمر، وسنده حسن. (¬3) في المخطوط (ب): "من". (¬4) في "فتح الباري" (1/ 54). (¬5) قلت: بل اقتصر على شطره الأول. (¬6) في "فتح الباري" (1/ 54).

وقد سبق للمصنف أنه إذا قال: الخمسة فهم من عدا مالكاً، فاستثنى من الخمسة الترمذي فبقي مسلم داخلاً في الأربعة، فكان عليه أن يستثنيه مع الترمذي. وأما ابن الأثير (¬1) فإنه قال - بعد سرده رواية البخاري التي ذكرها المصنف -: وأخرجه مسلم فقال: إن رجلاً سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - أي المسلمين خير؟ قال: "من سلم المسلمون من لسانه ويده" انتهى. ونعم. أخرج مسلم هذا من حديث عبد الله من طريق آخر، والحاصل أنه لا يصح ضم مسلم إلى من أخرج لفظ البخاري كما فعل المصنف، وإن أتى بلفظ مسلم ابن الأثير. قوله: "هذا لفظ البخاري". زاد ابن الأثير (¬2): وأبي داود (¬3) والنسائي (¬4) إلا أن النسائي قال: "من هجر ما حرم الله". قوله: "أي الإسلام خير" أي: خصاله. عقد له البخاري (¬5) ترجمة بقوله: باب إطعامُ الطعامِ من الإيمان. وقوله: "يطعم الطعام" هو في تقدير [المصدر] (¬6) [أي] (¬7): [أَنْ] (¬8) يطعم من باب [56/ ب] تسمع بالمعيدي، وهو من هجر جانب اللفظ إلى جانب المعنى. ¬

_ (¬1) في "جامع الأصول" (1/ 241). (¬2) في "جامع الأصول" (1/ 241). (¬3) في "سننه" رقم (2481)، وقد تقدم. (¬4) في "سننه" رقم (4996)، وقد تقدم. (¬5) في "صحيحه" (1/ 55) رقم الباب 6 - مع الفتح) وفيه: باب إطعام الطعام من الإسلام. (¬6) في المخطوط: "المصور" وهو خطأ، والصواب ما أثبتناه: "المصدر". (¬7) في المخطوط (ب) مكررة. (¬8) سقط من المخطوط: (ب).

وقوله: "وتقرأ" بلفظ مضارع القراءة بمعنى: يقول. وقوله: "من عرف ومن لم يعرف" أي: لا تخص به أحداً تكبراً وتصنعاً، بل تعظيماً لشعار الإسلام، ومراعاة لأخوة المسلم. فإن قيل: اللفظ عام فيدخل الكافر والفاسق؟ أجيب: بأنه مخصوص بأدلة أخرى. 34/ 8 - عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِي - رضي الله عنه - قال: قال رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِذَا رَأَيْتُمُ الرَّجُلَ يَعْتَادُ الْمَسَاجِدَ فَاشْهَدُوا لَهُ بِالإِيمَانِ، فَإِنَّ الله تَعَالَى يَقُوْلُ: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} (¬1) الآيَةَ. أخرجه الترمذي (¬2) [ضعيف]. قوله: "إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان". أقول: أي: معتادة لأداء الطاعات والعبادات، وفي البخاري (¬3) أن أحد السبعة الذين يظلهم الله في ظله: "رجل قلبه معلق بالمساجد كما خرج منها عاد إليها". والاستدلال بالآية دال على أنه بالعمارة التعبد والطاعة، ويحتمل حمل يعتادها بذلك، وبالتنظيف والتطييب، فيشمل الأمرين كما في بعض كتب التفسير. ¬

_ (¬1) سورة التوبة: (18). (¬2) في "سننه" رقم (2617) و (3093) وقال: هذا حديث حسن غريب. قلت: وأخرجه ابن ماجه رقم (802)، وهو حديث ضعيف. وانظر مزيد كلام عليه في تحقيقي للترغيب والترهيب للمنذري. الترغيب في لزوم المساجد. (¬3) في "صحيحه" رقم (660) و (1423) و (6479) و (6809). قلت: وأخرجه مسلم رقم (91/ 1031) والترمذي رقم (2391) والنسائي رقم (5380) ومالك في "الموطأ" (2/ 952 - 953)، وهو حديث صحيح.

قوله: "أخرجه الترمذي". أقول: أخرجه في تفسير سورة براءة، ورواه بلفظ (¬1): (يتعاهد)، وبلفظ (¬2): (يعتاد) وقال: "فاشهدوا له بالإيمان" قال الله: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} (¬3) فقط، ثم قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. 35/ 9 - عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "ثَلاَثَةٌ مِنْ أَصْلِ الإِيَمانِ: الْكَفُّ عَمَّنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله، وَلاَ تُكَفِّرْهُ بِذَنْبٍ، وَلاَ تُخْرِجْهُ عَنِ الإِسْلاَمِ بِعَمَلٍ، وَالْجِهَادُ مَاضٍ مُنْذُ بَعَثَنِيَ الله إِلَى أَنْ يُقَاتِلَ آخِرُ أُمَّتِي الدَّجَّالَ، لاَ يُبْطِلُهُ جَوْرُ جَائِرٍ، وَلاَ عَدْلُ عَادِلٍ وَالإِيمَانُ بِالأَقْدَارِ" أخرجه أبو داود (¬4). [ضعيف]. قوله: "ثلاثة من أصل الإيمان: الكف عمن قال: لا إله إلا الله". أقول: أي: كف اللسان عن ذمه كما أشار إليه، ولا يكفره بذنب ولا يخرجه عن الإسلام. (الواو) في: "ولا يكفره" في رواية أبي داود: "بعمل" فإنه مع قوله لكلمة التوحيد قد حقن دمه وماله وعرضه، وصار من جملة المسلمين. وفيه رد على الخوارج المكفرين بالذنوب، وهذا [57/ ب] الأصل متفق عليه، وهو مخصص بمن قالها ولم يأت بحقها من لوازمها من بقية أركان الإسلام. ¬

_ (¬1) أي: الترمذي برقم (2617)، وهو حديث ضعيف. (¬2) وأخرجه الترمذي برقم (3093)، وهو حديث ضعيف. (¬3) التوبة: (18). (¬4) في "سننه" رقم (2532) وفي سنده يزيد بن أبي نشْبة الراوي عن أنس بن مالك، وهو مجهول كما في "التقريب" رقم الترجمة (7785)، والخلاصة: أن الحديث ضعيف.

والأصل الثاني: مضي الجهاد لتكون كلمة الله هي العليا، فإنه واجب وفرض كفاية ما بقيت دار الدنيا، سواءً كان القتال لذلك مع خليفة جائر أو عادل. وهو رد على من زعم أنه لا جهاد إلا مع إمام حق عادل. والأصل الثالث: قوله: "والإيمان بالأقدار" تقدم فيه الكلام. "أخرجه أبو داود". قلت: أخرجه في باب الغزو مع أئمة الجور. 36/ 10 - وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَن نَاسَاً مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - سَأَلُوهُ: إِنَّا نَجِدُ فِي أَنْفُسِنَا مَا يَتَعَاظَمُ أَحَدُنَا أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ. قَالَ: "وَقَدْ وَجَدْتُمُوهُ". قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: "ذَاكَ صَرِيحُ الإِيمَانِ". أخرجه مسلم (¬1)، وأبو داود (¬2). [صحيح]. • وفي أخرى (¬3): الحمدُ للهِ الذي ردَّ كَيدَه إلى الوسوَسة" [صحيح]. • ولمسلم (¬4) - رحمه الله - عن ابن مسْعُود - رضي الله عنه - قالوا: يا رسول الله! إنَّ أَحَدَنا ليَجدُ في نفسه ما لأنْ يَحترِق حتى يصيرَ حَمَمَة أو يَخرَّ من السماء إلى الأرض أحبُّ إليه منْ أن يتكلم به، قال: ذلك محضُ الإيمان. ومعنى: "المحض" الخالصُ. ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (132). (¬2) في "سننه" رقم (5111). (¬3) هذه الرواية أخرجها أحمد (رقم 2097 - شاكر) وأبو داود رقم (5112) من حديث ابن عباس، قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله! إن أحدنا يجد في نفسه يعرض بالشيء لأن يكون حممة أحب إليه من أن يتكلم به فقال: "الله أكبر الله أكبر، الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة"، وهو حديث صحيح. (¬4) هذه الرواية لم يخرجها مسلم، ولعله من المستخرجات على مسلم. بل أخرج مسلم رقم (133) من حديث عبد الله بن مسعود، قال: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الوسوسة؟ فقال: تلك محض الإيمان".

قوله: "وعن أبي هريرة أن أناساً". أقول: عقد له النووي ترجمة في شرح مسلم (¬1) بلفظ: باب: بيان الوسوسة في الإيمان وما يقوله من وجدها. قوله: "ذلك صريح الإيمان" [22/ أ] يريد أن استعظامكم الكلام به هو صريح الإيمان، فإن استعظام هذا وشدة الخوف منه من التكلم به فضلاً عن اعتقاده، إنما يكون لمن استكمل الإيمان استكمالاً محققاً، وانتفت عنه الشبهة والشكوك. قوله: "الذي رد كيده إلى الوسوسة" معناه: أن الشيطان إنما يوسوس لمن أيس من إغوائه، فيكيد عليه بالوسوسة لعجزه عن إغوائه، وأما الكافر فإنه يأتيه من حيث شاء، ولا يقتصر في حقه على الوسوسة، بل يتلاعب به كيف أراد. قلت: وزاد مسلم (¬2) أنه قال - صلى الله عليه وسلم -: "فمن وجد ذلك فليقل: آمنت بالله"، وفي لفظ فيه (¬3): "فليستعذ بالله ولينته". فمراده بالأمر الأمر بالإعراض عن هذا الخاطر الباطل، والالتجاء إلى الله في إذهابه [58] قال المازري (¬4): أمرهم أن يدفعوا الخواطر بالإعراض عنها والرد لها من غير استدلال، ولا نظر في إبطالها. قال: والذي يقال في هذا المعنى: أن الخواطر على قسمين: فأما التي ليست بمستقرة ولا اجتلبتها شبهة طرأت، فهي تدفع بالإعراض عنها، وعلى هذا يحمل الحديث، وعلى حملها يطلق اسم الوسوسة. فأما الخواطر المستقرة التي أوجبتها الشبهة، فإنها لا تدفع إلا باستدلال ونظر. انتهى. قوله: "حممة" الحُممة: بالضم للمهملة الفحمة جمعها حمم. ¬

_ (¬1) (2/ 153). (¬2) في "صحيحه" رقم (212/ 134). (¬3) لمسلم رقم (214/ 134). (¬4) في: "المعلم بفوائد مسلم" (1/ 210)، وذكره النووي في شرحه على "صحيح مسلم" (2/ 155).

الباب الثاني: (في أحكام الإيمان والإسلام)

الباب الثاني: (في أحكام الإيمان والإسلام) وفيه ثلاثة فصول الفصل الأول: في حكم الإقرار بالشهادتين (¬1) 37/ 1 - عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله، وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ, وَيُؤْتُوا [59/ ب] الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالُهمْ إِلاَّ بِحَقِّ الإِسْلاَمِ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى الله" أخرجه الشيخان (¬2)، ولم يذكر مسلم: "إلا بحق الإسلام" [صحيح]. 38/ 2 - وعَنْ عبيد الله بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ أَنَّهُ قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - جَالِسٌ إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ فَسَارَّهُ فَلَمْ نَدْرَ مَا سَارَّهُ بِهِ حَتَّى جَهَرَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فَإِذَا هُوَ يَسْتَأْذِنُهُ في قَتْلِ رَجُلٍ مِنَ الْمُنَافِقِينَ. فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - حِينَ جَهَرَ: "أَلَيْسَ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله". فَقَالَ الرَّجُلُ: بَلَى، وَلاَ شَهَادَةَ لَهُ. فَقَالَ: "أَلَيْسَ يُصَلِّي؟ " [60/ ب] قَالَ: بَلَى، وَلاَ صَلاَةَ لَهُ. فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: "أُولَئِكَ الَّذِينَ نَهَانِي الله عَنْ قَتلِهم" أخرجه مالك (¬3) [صحيح]. ¬

_ (¬1) ما بين الحاصرتين زيادة من "جامع الأصول" (1/ 245). (¬2) البخاري رقم (25) ومسلم رقم (22). قلت: وأخرجه ابن مندة في الإيمان رقم (25) والبيهقي في "السنن الكبرى" (3/ 367) و (8/ 177) والبغوي في "شرح السنة" رقم (33) وابن حبان رقم (175)، وهو حديث صحيح. وانظر تخريج طرقه في تحقيقي لـ "نيل الأوطار من أسرار منتقى الأخبار" (3/ 21). (¬3) في "الموطأ" (1/ 171 رقم 84). قلت: وأخرجه الشافعي في "المسند" رقم (8 - ترتيب) والبيهقي في "السنن الكبرى" (8/ 196) وفي "المعرفة" (3/ 118 رقم 2053، 2054) و (6/ 301 رقم 5026 - العلمية). قال البيهقي: وهذا مرسل. =

الفصل [الثاني]: في أحكام البيعة

39/ 3 - وَعَنْ طَارِق الأشجعي - رضي الله عنه - قال: قَالَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله، وَكفَرَ بِمَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ الله، حَرُمَ مَالُهُ وَدَمُهُ وَحِسَابُهُ عَلَى الله" أخرجه مسلم (¬1) [صحيح]. وفي أخرى له (¬2): من وحَّد الله، وذكر مثله [61/ ب]. الفصل [الثاني] (¬3): في أحكام البيعة 40/ 1 - عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ - رضي الله عنه - قَالَ: لَنَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي مَجْلِسٍ فقال: "أَلاَ تبَايِعُونِي عَلَى أَنْ لاَ تُشْرِكُوا بِالله شَيْئًا، وَلاَ تَسْرِقُوا، وَلاَ تَزْنُوا، وَلاَ تَقْتُلُوا النَّفْس التي حَرَّمَ الله إلَّا بِالحَقَّ" (¬4) [صحيح]. وفي أخرى: "وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُمْ، وَلاَ تَأْتُوا بِبُهْتَانٍ تَفْتَرُونَهُ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ، وَلاَ تَعْصُونِي فِي مَعْرُوفٍ، فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى الله، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَسَتَرَهُ الله عَلَيه فَأَمْرُهُ إِلَى الله تَعالى، إِنْ شَاءَ عَفا عَنْه وإنْ شَاء عَذبُه فبايعناهُ على ذَلِكْ" أخرجه الخمسة إلا أبا داود (¬5) [صحيح]. ¬

_ = وأخرجه عبد الرزاق في "المصنف" رقم (18688) وأحمد في "المسند" (5/ 432 - 433، 433) وابن حبان رقم (5971) والبيهقي في "السنن الكبرى" (3/ 367) و (8/ 196) موصولاً بسند صحيح. وصححه الألباني في "صحيح موارد الظمآن" رقم (12)، وهو حديث صحيح. (¬1) في "صحيحه" رقم (37/ 23). (¬2) في "صحيحه" رقم (38/ 23)، وهو حديث صحيح. (¬3) في المخطوط (الثالث) وهو خطأ، والصواب ما أثبتناه. (¬4) أخرجه البخاري رقم (18) ومسلم رقم (41/ 1709) والترمذي رقم (1439) والنسائي رقم (5002) وهو حديث صحيح. (¬5) البخاري رقم (3893) ومسلم رقم (43/ 1709) والترمذي رقم (1439) والنسائي رقم (4162).

• وزاد النسائي (¬1) في أخرى بعد قوله: "فأجره على الله تعالى"، "وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَأُخذَ بِهِ فِي الدُّنْيَا فَهْوَ كَفَّارةٌ لَهُ وَطَهُورٌ". • وفي أخرى للثلاثة (¬2) والنسائي (¬3): بَايَعْت رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - علَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ في الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ، وَالْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ، وَعَلَى أَثَرَةٍ عَلَيْنَا، وَعَلَى أَنْ لاَ نُنَازِعَ لأَمْرَ أَهْلَهُ، وَعَلَى أَنْ نَقُولَ بِالْحَقِّ أَيْنَمَا كُنَّا لاَ نَخَافُ فِي الله لَوْمَةَ لاَئِمٍ". • وفي أخرى (¬4): أَنْ لاَ نُنَازِع الأَمْرَ أَهْلَهُ, إِلاَّ أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنَ الله فِيهِ بُرْهَانٌ. والبواح: الظاهرُ الذي لا يحتملُ التأويلَ. أقول: ذكر المصنف في هذا الفصل أربعة أحاديث، وفي الجامع ذكر فيه تسعة أحاديث. قال ابن الأثير في "النهاية" (¬5): وفي الحديث قال: "ألا تُبايعونِي على الإسلام؟ ". هو عبارة عن المُعَاقَدة عليه والمُعَاهدة كأنَّ كلَّ واحد منهم باع ما عنده من صاحبه وأعطاه خالِصَة نفسِه وطاعته ودَخِيلةَ أمره". الحديث الأول: قوله: "على أن لا تشركوا" هو المباح عليه، وذكر أربعاً هي أمهات الكبائر في حق الله وحق العباد فيما يتعلق بالأموال والفروج والدماء، وكل المباح عليه نفي لما أن من لازم عدم ¬

_ (¬1) في "سننه" رقم (4178) وهو حديث صحيح، بل أخرجه الشيخان كما يأتي. (¬2) البخاري رقم (7199) و (7200) ومسلم رقم (41، 42/ 1709) ومالك (2/ 445 - 446). (¬3) في "سننه" رقم (4150). (¬4) لمسلم في كتاب الإمارة رقم (42/ 1709). (¬5) (1/ 174).

الإشراك التوحيد؛ للعلم بأن كل مكلف مأمور به, والشرك: الكفر كما في "النهاية" (¬1) وفيها أنه فعل الكفر على أربع: • إما كفر إنكار بأن لا يعرف الله أصلاً ولا يعترف به. قلت: وهذا لا وجود له إذ الكل من الكفار يعترفون بالله حتى الفلاسفة المنكرين لحدوث العالم، فإنهم يعترفون، لكنهم يسمونه علة. • قال: وكفر جحود. ككفر إبليس فإنه يعرف الله بقلبه ولا يقر بلسانه. قلت: فيه تأمل بل هو مقر بلسانه: {خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (12)} (¬2) {رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (36)} (¬3) وغير ذلك. إنما كفره بعدم امتثاله لأمر الله وإصراره على عصيانه كبراً وحسداً كما قال تعالى له: {مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ} (¬4) الآية، فكفره [63/ ب] من القسم الآتي، وهو قول ابن الأثير. • وكفر عناد، وهو أن يقر بقلبه، ويعترف بلسانه، ولا يدين حسداً وبغياً ككفر أبي جهل وأضرابه. قلت: فكفر إبليس من هذا القسم. • قال: وكفر نفاق، وهو أن يقر بلسانه ولا يعتقد بقلبه. انتهى. وسرقه كما في "القاموس" (¬5) سرقه واسَترَقَهُ جاءَ مُسْتتِراً إلى حِرْزٍ، فأخذَ مالاً لغيرِه. ¬

_ (¬1) (2/ 466). (¬2) سورة الأعراف: (12). (¬3) سورة ص: (791). (¬4) سورة الأعراف: (12). (¬5) "القاموس المحيط" (ص 1153).

وقوله: "إلا بالحق" وذلك كالقتل قصاصاً، أو قتل الزاني المحصن، أو المبدل لدينه، فإن هذا قتل بالحق. "وفي أخرى" أقول: هي رواية البخاري. "ولا تقتلوا أولادكم" كان أهل الجاهلية يقتلون أولادهم لأحد أمرين: الأول: لئلا يأكل معه طعامه، إما لقلة الطعام وحاجة الآباء، وهو المراد من قوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ} (¬1) أي: لأجل إملاقكم وفقركم، ولذا وعدهم تعالى بالرزق فقال: {نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ} (¬2) وقدم الآباء هنا لحاجتهم. أو لغير قلة، بل الآباء في غنى، لكن يقتلون الأولاد خشية أن يفتقروا إن قاموا بإطعامهم، وهؤلاء هم الذين أشار الله إليهم بقوله: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ} (¬3) أي: لخشية أن تفتقروا، ولذا وعد الأولاد والآباء بالرزق فقال: {نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ} (¬4) وقدم الأولاد هنا؛ لأنهم الفقراء والآباء أغنياء، فلله كلام الله وما ينطوي عليه. والثاني: من حوامل قتل الآباء للأبناء. قتلهم البنات [64/ ب] خشية العار، وهذه هي الموؤدة التي ذكرها الله تعالى، ولذا عده - صلى الله عليه وسلم - من أعظم الأمور بعد الشك في حديث مسلم (¬5): "وأن تقتل ولدك مخافة أن يأكل معك" [23/ أ]. ¬

_ (¬1) الأنعام: (151). (¬2) الأنعام: (151). (¬3) الإسراء: (31). (¬4) الإسراء: (31). (¬5) في "صحيحه" رقم (142/ 86).

قوله: "ببهتان" في "النهاية" (¬1): وفي حديث بيعة النساء: {وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ} هو الباطل الذي يتحير منه، وهو من البُهْت التَّحيِّر، والألِف والنُّون زائدتان، والبُهْتُ (¬2): الكذب والافتراء. انتهى. وفسر البهتان في بيعة النساء بأن يأتين بولد من غير أزواجهن فينسبنه إليهم. وقوله: "ولا تعصوني في معروف". قيد له، وإلِّا فكل ما يأمر به معروف إشارة إلى أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وهذه البيعة هي بلفظ: بيعة النساء المذكورة في القرآن. وقد روى الطبراني (¬3) من حديث جرير: بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثل بيعة النساء في القرآن. وفي "فتح الباري" (¬4): البهتان: الكذب الذي يبهت سامعه. وقوله: "بين أيديكم وأرجلكم" نسب إلى الأيدي لأن غالب كسب الرجل بيديه ومنه بما كسبت أيديكم، وذكر الأرجل تأكيداً، وقيل: يحتمل أن يراد بما بين الأيدي والأرجل القلب؛ لأنه هو الذي يترجم اللسان عنه، فلذا نسب إليه الافتراء كان المراد لا ترمون أحداً بكذب تزورونه في أنفسكم، ثم تبهتون به صاحبكم بألسنتكم. واقتصر على المنهيات دون المأمورات قيل: لأن المأمورات قد دخلت في قوله: "ولا تعصون" والعصيان مخالفة الأمر والحكمة في التنصيص على المنهيات دون المأمورات أن الكف أيسر من إنشاء الفعل، ولأن اجتناب الفاسد مقدم على اجتلاب المصالح. ¬

_ (¬1) (1/ 165). (¬2) هنا في المخطوط (ب): زيادة: "و" وهو مقحم. (¬3) في "المعجم الكبير" كما في "مجمع الزوائد" (6/ 36 - 37) وقال الهيثمي: رواه الطبراني، وفيه سيف بن هارون وثقه أبو نعيم، وضعفه جماعة، وبقية رجاله رجال الصحيح. (¬4) في "لفتح" (1/ 65).

وقوله: "فمن وفى منكم" أي: ثبت [65/ ب] على العهد يروي (وفى) بالتخفيف والتشديد، وهما بمعنى. "فأجره على الله" تعظيم وتفخيم لما وعد به على الوفاء، وجاء صريحاً تعيين العوض بالجنة. قوله: "ومن أصاب من ذلك شيئاً فستره الله". أقول: لفظ البخاري (¬1): "ومن أصاب من ذلك شيئاً فعوقب به في الدنيا فهو كفارة، ومن أصاب من ذلك شيئاً، ثم ستره الله فهو إلى الله إن شاء عفى عنه، وإن شاء عاقبه, فبايعناه على ذلك". انتهى. وهو هكذا في الجامع (¬2) وفيه زيادة بعد قوله: "كفارة له وطهور" ونسب ابن الأثير اللفظ إلى البخاري (¬3) ومسلم (¬4)، فقول المصنف: "وزاد النسائي ... " إلى آخره في أخرى بعد قوله: "فأجره على الله" هذه الزيادة هي لفظ الشيخين كما قاله ابن الأثير، وساقها في لفظهما، فلا وجه لحذف "المصنف" لها، وإفراد نسبتها إلى النسائي، فراجعت النسائي (¬5) فرأيت لفظه: "فمن وفي منكم فأجره على الله" ومن أصاب من ذلك شيئاً فستره الله عليه فهو إلى الله إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له". انتهى بلفظه فظهر وهم "المصنف" في أنه جعل لفظ الشيخين للنسائي، وليس له، ولنرجع إلى الشرح. ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (18). (¬2) في "جامع الأصول" (1/ 250). (¬3) في "صحيحه" رقم (18). (¬4) في "صحيحه" رقم (1709). (¬5) في "سننه" رقم (4178)، وقد تقدم.

قوله: "فأخذ به في الدنيا". أقول: لفظه في الجامع (¬1) وفي البخاري (¬2) فعوقب به في الدنيا فهو، أي: العقاب كفارة له. قال القاضي عياض (¬3): ذهب أكثر العلماء إلى أن الحدود كفارات، واستدلوا بهذا الحديث، ومنهم من وقف لحديث أبي هريرة (¬4) أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا أدري الحدود كفارة لأهلها أم لا؟ " قال: لكن حديث عبادة أصح إسناداً. قلت: صحح ابن حجر (¬5) إسناده، ثم قال: وإذا كان صحيحاً فالجمع الذي جمع به القاضي حسن، يريد أنه قال القاضي: ويمكن على طريق الجمع بينهما أن يكون حديث أبي هريرة ورد أولاً قبل أن يعلمه الله، ثم أعلمه بعد ذلك. انتهى. قال النووي (¬6): عموم هذا الحديث أي: حديث [66/ ب] عبادة مخصوص بقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} (¬7) فالمرتد إذا قتل على ارتداده لا يكون القتل له كفارة. ¬

_ (¬1) في "جامع الأصول" (1/ 250). (¬2) في "صحيحه" رقم (18). (¬3) في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (5/ 550). (¬4) أخرجه البزار كما في "مجمع الزوائد" (6/ 265) بإسنادين رجال أحدهما رجال الصحيح غير أحمد بن منصور الرمادي وهو ثقة. (¬5) في "الفتح" (1/ 66). (¬6) في شرحه لـ "صحيح مسلم" (12/ 223). (¬7) النساء: (48).

قال الحافظ ابن حجر (¬1): قلت: وهذا بناء على أن قوله شيئاً من ذلك يتناول جميع ما ذكر وهو ظاهر، وقد قيل: يحتمل أن يكون المراد ما ذكر بعد الشرك بقرينة أن المخاطب بذلك المسلمون، فلا يدخل حتى يحتاج إلى إخراجه ويؤيده رواية مسلم (¬2): "من أتى منكم حداً" إذ القتل على الشرك لا يسمى حداً، لكن يعكر على هذا القائل أن الفاء في قوله: "فمن" ترتب ما بعدها على ما قبلها، وخطاب المسلمين بذلك لا يمنع التحذير من الإشراك. فالصواب ما قال النووي. اهـ والقول بأنه أريد بالإشراك في الحديث الرياء غير صحيح، لأن عرف أنه إذا أطلق الشرك إنما يريد به مقابل التوحيد [24/ أ] , [ولأنَّ] (¬3) قوله: أنه قال فعوقب، أي: في الدنيا والرياء لا عقاب فيه في الدنيا. وقوله: "فعوقب" أعم من أن تكون العقوبة حداً أو تعزيراً فيدخل فيه الجلد والقطع في السرقة وتعزيز الأب على قتل ولده مثلاً، وإن كان قد قيل: إن قتل القاتل ليس إلا ردع لغيره، وإلا فإن للمقتول في الآخرة الطلب بدمه؛ لأنه لم يصل إليه حق، وتعقب بأنه قد صار إليه حق، وأي حق، فإن المقتول ظلماً تكفر عنه ذنوبه بالقتل كما ثبت في الحديث: "أن السيْفَ مَحَّاءْ للخطايَا" صححه ابن حبان (¬4) وغيره، وأي حق يصل إليه أعظم من هذا، وهل يدخل في العقوبة المذكورة المصائب الدنيوية من الأسقام والألم وغيرها؟ ¬

_ (¬1) في "فتح الباري" (1/ 65). (¬2) في "صحيحه" رقم (43/ 1709). (¬3) في المخطوط (ب): ولأنه. (¬4) في "صحيحه" (ج / 10 رقم 4663) بسند حسن. قلت: وأخرجه الطيالسي رقم (1267) ومن طريقه البيهقي في "السنن الكبرى" (9/ 164). =

قال الحافظ ابن حجر (¬1): فيه نظر، ويدل للمنع قوله: "ومن أصاب من ذلك شيئاً فستره الله" فإن هذه المصائب لا تنافي الستر، لكن بينت الأحاديث الكثيرة أن المصائب تكفر الذنوب، فيحتمل أن يراد أنها تكفر ما لا حدَّ فيه، ويفيد الحديث إن إقامة الحد على من وجب عليه كفارة لذنبه [67/ ب] ولو لم يتب، وهو قول الجمهور. وقيل: لا بد من التوبة وهو قول المعتزلة، ووافقهم ابن حزم، ومن المفسرين البغوي وطائفة، واستدلوا بآية المحاربين: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} (¬2). وأجيب: بأنه في عقوبة الدنيا، ولذلك قيدت بالقدرة عليه. قلت: ولأنه من القول بأنه آية المحاربين مخصوصة بإسقاط توبتهم لعقوبتهم، وإلا فإن التائب من الشرب والسرقة وغيرهما مما فيه حد لا يسقط بالتوبة حدَّه في الدنيا. قوله: "فهو إلى الله". أقول: هذا لفظ البخاري، وفيه رد على الخوارج الذين يكفرون بالذنوب، وعلى المعتزلة الذين يوجبون [تعذيب] (¬3) الفاسق إذا مات بلا توبة. واعلم أنه اشتمل الحديث من أحكام البيعة على ثلاثة أحكام: الأولى: من وفى فأجره على الله. الثاني: من أصاب شيئاً مما نهى عنه، فعوقب كان كفارة. والثالث: إن لم يعاقب بأن ستره الله, فأمره إليه إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه. ¬

_ = وأخرجه أحمد (4/ 185 - 186) والدارمي (2/ 206) والطبراني في "المعجم الكبير" (ج 17 رقم 310، 311) من طرق. (¬1) في "فتح الباري" (1/ 68). (¬2) المائدة: (34). (¬3) سقط من المخطوط، وأثبتت من "الفتح" (1/ 68) للزومها للمعنى.

قوله: "وفي أخرى للثلاثة وللنسائي". أقول: يأتي من حديث عبادة: "على السمع والطاعة" أي: له - صلى الله عليه وسلم - في كل ما يقوله، ويأمر به في العسر واليسر. أي: في الرخاء والشدة والمنشط والمكره. في "النهاية" (¬1): المَنْشَط: مَفْعَل من النَّشاط، وهو الأمر الذي تَنْشَط له وتَخِفُّ إليه وتُؤثِرُ فعله وهو مصدر بمعنى: النشاط. والمكره: المكروه وهو أيضاً مصدر مثله. وفسر المنشط أيضاً بالمحبوب. والأثرة: بفتح الهمزة والمثلثة، ويقال: بضم الهمزة، وإسكان الثاء فراء في "النهاية" (¬2): الأثرة: بفتح الهمزة والثاء الاسم من أثر يؤثر إيثاراً إذا أعطى. وفي "غريب الجامع" (¬3): الأثَرَةُ: الاستبشارُ بالشيء، والإنفرادُ به، والمرادُ في الحديث: إنْ مُنِعْنَا حقَّنا من الغنائم، والفيء، وأُعطِي غيرنا، نَصْبِرْ على ذلك، "وعلى أن لا ننازع الأمر أهله" المراد بالأمر: الأمارة، أي: لا نجاذب أهل الأمارة أمارتهم بالخروج عليهم، والخلاف وإثارة الفتنة، وتأتي أبحاث في الباب [68/ ب]. واعلم أن هذا أخذ بيعة منه - صلى الله عليه وسلم - لكل من يأتي من الأمة، وأنهم يطيعون أمراءهم، وإن استأثروا عليهم، وليس هذا من صفاته - صلى الله عليه وسلم - ولا من أخلاقه، بل من صفات خلفاء السوء الذين يأتون من بعده، ويأتي تحقيق ذلك في محله. وقوله: "وأن نقول بالحق أين ما كنا [25/ أ] لا نخاف في الله" أي: لأجله: "لومة لائم" يلومنا على قول الحق والتكلم به، وقول الحق سبيل إبلاغ الشرائع والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعطفه على النهي عن منازعة الأمر للتنبيه على أن الصبر على أمراء الجور وعدم ¬

_ (¬1) (5/ 57). (¬2) (1/ 22). (¬3) في "جامع الأصول" (1/ 254).

نزاعهم لا يكون سبباً لكتم الحق، بل يصبر عليهم ويتكلم [69/ ب] بالحق، ولا يطيعهم في معصية، بل إن أمروه بها قال: هذه لا تحل ويبين أنها معصية. وقوله: "إلَّا أن يروا كفراً بواحاً" لفظه في "الجامع" (¬1): وفي رواية بمعناه وفيه: "لا ينازع الأمر أهله. قال: إلا أن تروا كفراً بواحاً" الحديث. "والبَواح": - بفتح الموحدة وتخفيف الواو - فسره المصنف بما ترى، وفسره ابن الأثير (¬2) بالجهاد من باح بالشيء يبوح به إذا أعلنه. وقال "البرهان": الحجة والدليل. واعلم أنه استعمل حديث عُبادة الأخير على وجوب طاعة ذوي الأمر في كل حال من الأحوال الخمسة، وعلى عدم منازعة أهل الأمر، وعلى قوله الحق في كل حال ما لم يؤد إلى فتنة، وإلى أنكر مما أنكره لأدلة في ذلك. قال النووي (¬3): فإذا خاف من ذلك على نفسه وماله أو على غيره سقط الإنكار بيده ولسانه ووجبت كراهية فعلته، هذا مذهبنا. وعلى وجوب منازعة أولي الأمر إن أتوا كفراً بواحاً فهما حكمان: الطاعة على كل حال، وقتالهم عند الكفر البواح. وقال النووي (¬4): معنى الحديث لا تنازعوا ولاة الأمور في ولايتهم، ولا تعترضوا عليهم إلا أن تروا منهم منكراً محققاً تعلمونه من قواعد الإسلام، فإذا رأيتم ذلك، فأنكروه ¬

_ (¬1) في "جامع الأصول" (1/ 253). (¬2) في "جامع الأصول" (1/ 254). (¬3) في شرحه لـ "صحيح مسلم" (2/ 22). (¬4) في شرحه لـ "صحيح مسلم" (12/ 229).

عليهم وقولوا بالحق حيثما كنتم، وأما الخروج عليهم وقتالهم فحرام بإجماع المسلمين، وإن كانوا فسقة ظالمين. انتهى. قلت: ودعواه الإجماع باطلة فقد قال القاضي عياض (¬1): إنه قد ادعى الإجماع على هذا أبو بكر بن مجاهد، وقد رد عليه بعضهم بقيام الحسن وابن الزبير، وأهل المدينة على بني أمية وبقيام جماعة عظيمة من التابعين والصدر الأول مع ابن الأشعث على الحجاج. وتأول هذا القائل قوله: "وأن لا ننازع الأمر أهله" في أئمة العدل. وقد قيل: إن خروج من خرج على الحجاج لتغييره الشريعة، وظهور شعار الكفر. قال القاضي عياض (¬2): لو طرأ عليه كفر أو تغيير للشرع أو بدعة خرج عن حكم الولاية وسقطت طاعته، ووجب على المسلمين القيام عليه وخلعه ونصب إمام عادل إن أمكنهم ذلك فإن لم يقع ذلك لطائفة وجب عليهم القيام بخلع الكافر، ولا يجب على المبتدع إلا إذا ظنوا القدرة عليه، فإن تحققوا لم يجب القيام وليهاجر المسلم من أرضه إلى غيرها، ويفر بدينه. انتهى. قلت: وهذا مبني على إيجاب الهجرة من دار الفسق والحق عدم وجوبها ما لم يحمل فيها على ارتكاب المعصية. 41/ 2 - وعَن عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ الأَشْجَعِيُّ - رضي الله عنه - قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - تِسْعَةً، أَوْ ثَمَانِيَةً، أَوْ سَبْعَةً فَقَالَ: "أَلاَ تُبَايِعُونَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -" فَبَسَطْنَا أَيْدِيَنَا وَقُلْنَا: قَدْ بَايَعْنَاكَ يَا رَسُولَ الله! فَعَلَى مَا نُبَايِعُكَ يا رسول الله؟! قَالَ: "عَلَى أَنْ تَعْبُدُوا الله وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، وَتُطِيعُوا، وَأَسَرَّ كَلِمَةً خَفِيَّةً, وَلاَ تَسْأَلُوا النَّاسَ شَيْئًا". فَلَقَدْ رأيْتُ بَعْضُ أُولَئِكَ ¬

_ (¬1) في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (6/ 247). (¬2) في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (6/ 246).

النَّفَرِ يَسْقُطُ سَوْطُ أَحَدِهِمْ فَمَا يَسْأَلُ أَحَدًا يُنَاوِلُهُ إِيَّاهُ. أخرجه مسلم (¬1)، وأبو داود (¬2)، والنسائي (¬3). [صحيح]. قوله: "وعن عوف بن مالك الأشجعي". أقول: في "الاستيعاب" (¬4): يكنى أبو عبد الرحمن، ويقالُ: أبو حماد، ويقالُ: [أبو عمرو] (¬5) وأول مشاهده خيبر، وكانت معه راية أشجع يوم الفتح. سكن الشام وعمر ومات في خلافة عبد الملك بن مروان سنة (73) روى عنه جماعة. فقال: "ألا تبايعوني". أقول: الحديث اشتمل على ما اشتمل عليه ما قبله. قال النووي (¬6): المبايعة: المعاهدة، وهي مأخوذة من البيع، لأن كل واحد كان يمد يده إلى صاحبه، وكذا هذه البيعة يكون بأخذ الكف، وقيل: سميت مبايعة لما فيها من المعاوضة لما وعدهم الله من عظيم الجزاء. قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} (¬7). ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (1043). (¬2) في "سننه" رقم (1642). (¬3) في سننه رقم (460)، وهو حديث صحيح. (¬4) في "الاستيعاب" (ص 573) رقم (1947). (¬5) كذا في المخطوط وفي "الاستيعاب": أبو عمر. (¬6) في شرحه لـ "صحيح مسلم" (12/ 229 - 230). (¬7) التوبة: (111).

قوله: "وأسر كلمة خفية" فسرها قوله: "ولا تسألوا الناس شيئاً" وهو حث على العفة، وإفراد الله بإنزال الحاجات به وعدم سؤال أحد من العباد شيئاً من الأشياء، ويأتي تحريم السؤال وجواز ما يجوز منه [71/ ب]. 42/ 3 - وعَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنه - قَالَ: كُنَّا إذا بايَعْنَا رَسُولَ الله قال: - صلى الله عليه وسلم -: عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فَيَقُولُ لَنَا: "فِيمَا اسْتَطَعْتُمْ" أخرجه الستة (¬1). [صحيح]. الحديث الثالث: تقدم معناه، وفيه زيادة أنه كان - صلى الله عليه وسلم - يلقنهم: "فيما استطعتم". قال النووي (¬2): وهذا من كمال شفقته ورأفته بأمته يلقنهم أن يقول أحد: فيما استطعت لئلا يدخل في عموم تنفيذ ما لا يطيقه، وفيه: أنه إذا رأى الإنسان من يلتزم ما لا يطيقه ينبغي له أن يقول: لا تلتزم ما لا تطيق فيضرك تنفيذه، وهو من نحو قوله - صلى الله عليه وسلم -: "عليكم من الأعمال ما تطيقونه" (¬3) انتهى. والحديث فيه حكم واحد، وهو أنه لا تكليف إلا بما يطاق. الحديث الرابع: 43/ 4 - وعَنْ أُمَيْمَةَ بِنْتِ رُقَيْقَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: أَتَيْتُ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - فِي نِسْوَةٍ مِنَ الأَنْصَارِ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ الله! نُبَايِعُكَ عَلَى أَنْ لاَ نُشْرِكَ بِالله شَيْئًا، وَلاَ نَسْرِقَ، وَلاَ نَزْنِي، وَلاَ نَأْتِي بِبُهْتَانٍ نَفْتَرِيهِ بَيْنَ أَيْدِينَا وَأَرْجُلِنَا، وَلاَ نَعْصِيَكَ فِي مَعْرُوفٍ، قَالَ: "فِيمَا اسْتَطَعْتُنَّ وَأَطَقْتُنَّ". فقلنا: الله وَرَسُوُلهُ أَرْحَمُ بِنَا مِنَّا بأنْفُسِنَا، هَلُمَّ نُبَايِعْكَ. قال سفيان - رحمه الله -: تعني صافحنا؟ فقال: "إِنِّي لاَ ¬

_ (¬1) البخاري رقم (7202) ومسلم رقم (1867) وأبو داود رقم (2940) والترمذي رقم (1593) والنسائي رقم (4187، 4188) مالك في "الموطأ" (2/ 982). (¬2) في شرحه لـ "صحيح مسلم" (13/ 11). (¬3) وهو جزء من حديث عائشة الصحيح. أخرجه البخاري رقم (43) ومسلم رقم (785) ومالك في "الموطأ" (1/ 118) والنسائي رقم (1642).

أُصَافِحُ النِّسَاءَ، إنَّمَا قَوْلي لمِائَةِ امْرَأَةٍ كَقَوْلي لِامْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ، أَوْ مِثْلِ قَوْلي لامْرَأَةٍ واحِدَةٍ" أخرجه مالك (¬1) والترمذي (¬2) والنسائي (¬3). [صحيح]. 44/ 5 - وللشيخين (¬4) وأبي داود (¬5) رحمهم الله تعالى عن عائشة - رضي الله عنها -: مَا مَسَّ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَدَ امْرأَةٍ قَطُّ إِلاَّ أَنْ يَأْخذَ عَلَيْهَا، فَإِذَا أَخَذَ عَلَيْهَا فَأَعْطَتْهُ قَالَ: "اذْهَبِي فَقَدْ بَايَعْتُكِ". [صحيح]. قوله: "وعن أميمة بنت رقيقة": أقول: في التقريب (¬6): أميمة بنت رقيقة - بالتصغير فيهما - وفي "الاستيعاب" (¬7): أميمة بنت رُقَيقة أمها رقيقة بنت خُويلد بن أسد بن عبد العزَّى (¬8) أخت خَديجة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأميمة بنت عبد [بن] (¬9) بَجاد وهو - بكسر الباء الموحدة - من بني تَيمْ مُرَّة روى عن أميمة محمد بن المنكدر وابنتها حكيمة بنت أمية [26/ أ]. ¬

_ (¬1) في "الموطأ" (2/ 982). (¬2) في "السنن" رقم (1597) وقال: هذا حديث حسن صحيح. (¬3) في "السنن" رقم (4181)، وهو حديث صحيح. (¬4) البخاري رقم (5288) ومسلم رقم (1866). (¬5) في "سننه" رقم (2941). قلت: وأخرجه الترمذي رقم (3306) وابن ماجه رقم (2875)، وهو حديث صحيح. (¬6) في "التقريب" رقم الترجمة (8536). (¬7) في "الاستيعاب" (ص 874) رقم (3210). (¬8) في المخطوط (ب) زيادة "العزى" وهي زائدة عن الأصل، وما في "الاستيعاب". (¬9) سقط من المخطوط (ب).

قوله: "فقلنا: نبايعك": أقول: من الطالِبات للبيعة، وكأنهن قد علمن بآية بيعة النساء فبايعن بما اشتملت عليه، [وتقدم] (¬1) تفسير البهتان بأنهن: [لا] (¬2) يأتين بولد من غير أزواجهن [فيلصقنه] (¬3) بهم كذباً وافتراءً. قوله: "فقال: فيما استطعتن وأطقتن"، هذا ينبغي أن يعاد إلى عدم العصيان في معروف لا إلى الخمسة الأولى، فإنها مطاقة ولا يباح منها شيء. قوله: "لا أصافح النساء". قال النووي (¬4): فيه أن بيعة النساء الكلام من غير أخذ كف، وفيه: أن بيعة الرجال بأخذ الكف مع الكلام، وفيه: أن [72/ ب] كلام الأجنبية يباح سماعه عند الحاجة، وأن صوتها ليس بعورة، وأنه لا يمس بشرة الأجنبية من غير ضرورة، فإن كان ضرورة كطب وحجامة وقلع ضرس وكحل عين ونحوها ما لم توجد امرأة تفعل جاز للرجل الأجنبي فيه للضرورة. قوله: "إنما قولي لمائة امرأة كقولي لامرأة واحدة" قيل: فيه قلب، والمراد إنما قولي لامرأة واحدة كقولي لمائة امرأة لأن غالب الخطاب مع الواحد فما فوقه دون المائة ويحتمل أن لا قلب، والمراد: إنما قولي للكثير كقولي للقليل. ¬

_ (¬1) في المخطوط (ب): "وتقديم". (¬2) في المخطوط (ب): "لما". (¬3) في المخطوط (ب): "فيصلقنه". (¬4) في شرحه لـ "صحيح مسلم" (13/ 10).

الفصل الثالث: في أحكام متفرقة

قوله: "إلا أن يأخذ عليها" قال النووي (¬1): هذا استثناء منقطع وتقدير الكلام: ما مس امرأة قط، لكن يأخذ عليها البيعة بالكلام، فإذا أخذها بالكلام قال: اذهبي فقد بايعتك. وهذا الحديث فيه من الأحكام ما في غيره، وأفاد عدم مصافحة النساء. الفصل الثالث: في أحكام متفرقة (¬2) الفصل الثالث من فصول أحكام الإيمان والإسلام: في أحكام متفرقة عدَّ فيه المصنف أربعة أحاديث .. خمسة أحاديث. 45/ 1 - عَن عَمْرِو بْنِ الأَحْوَصِ - رضي الله عنه - قال: شَهِدتُ حِجَّةَ الْوَدَاعِ مَعَ النبي - صلى الله عليه وسلم - فَحَمِدَ الله وَأثْنَى عَلَيْهِ، وَذَكَّرَ وَوَعَظَ، ثُمَّ قَالَ: "أَيُّ يَوْمٍ أَحْرَمُ؟ أَيُّ يَوْمٍ أَحْرَمُ؟ أَيُّ يَوْمٍ أَحْرَمُ" قَالَ: فَقَالَ النَّاسُ: يَوْمُ الْحَجِّ الأَكْبَرِ، قَالَ: "فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا في بَلَدِكُمْ هَذَا في شَهْرِكُمْ هَذَا، أَلاَ لاَ يَجْنِي جَانٍ إِلاَّ عَلَى نَفْسِهِ، وَلاَ يَجْنِي وَالِدٌ عَلَى وَلَدهِ، وَلاَ وَلَدٌ عَلَى وَالِدهِ، أَلاَ إِنَّ الْمُسْلِمَ أَخُو الْمُسْلِمِ، فَلَيْسَ يَحِلُّ لمُسْلِمٍ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ إِلاَّ مَا أَحَلَّ مِنْ نَفْسِهِ، أَلاَ وَإِنَّ كُلَّ رِبًا في الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ لَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ - غَيْرَ رِبَا الْعَبَّاسِ فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ، أَلاَ وَإِنَّ كُلَّ دَمٍ كَانَ في الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ، وَأَوَّلُ دَمٍ أَضَعهُ مِنْ دِمَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ دَمُ الْحَارِثِ بْنِ عبد المُطَّلِبِ كَانَ مُسْتَرْضِعًا في بَنِي لَيْثٍ، فَقَتَلَتْهُ هُذَيْلٌ، أَلاَ وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّهُنَّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ لَيْسَ تَمْلِكُونَ مِنْهُنَّ شَيْئًا غَيْرَ ذَلِكَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ، فَإِنْ فَعَلْنَ فَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجعِ، وَاضْرُبوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ، فَإِنْ أَطَعْنكُمْ فَلاَ تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً، أَلاَ إِنَّ لَكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ حَقًّا، وَلِنِسَائِكُمْ عَلَيْكُمْ حَقًّا: فَأَمَّا حَقُّكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ فَلاَ يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ مَنْ تَكْرَهُونَ، وَلاَ يَأْذَنَّ فِي بُيُوتِكُمْ مَنْ ¬

_ (¬1) في شرحه لـ "صحيح مسلم" (13/ 11). (¬2) زيادة من التيسير.

تَكْرَهُونَ، أَلاَ وَإِن حَقَّهُنَّ عَلَيْكُمْ أَنْ تُحْسِنُوا إِلَيْهِنَّ فِي كسْوَتِهِنَّ وَطَعَامِهِنَّ، ألَا وإِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبَد فِي بلدِكُمْ هذا أبداً، وَلَكِنْ ستكونُ لهُ طاعة فيما تحتقرون من أعمالكم وسيرضى به" أخرجه الترمذي (¬1) وصححه. [صحيح]. "عوان": أي: أسيرات. الأول: "عن عمرو بن أبي الأحوص" أي: ابن جعفر الجشمي له صحبة ورواية. ولكن الذي في الجامع: عن سليمان بن عمرو بن الأحوص قال: حدثني أبي أنه شهد حجة الوداع، فحذف المصنف سليمان وقال: أبي الأحوص، ولا بأس بحذف سليمان الراوي عن أبيه لأن أباه هو الصحابي الراوي. في "الاستيعاب" (¬2): عمرو بن الأحوص بن جعفر بن كلاب [الجُشَمي] (¬3) الكلابي: اختلف في نسبه. هو والد سليمان بن عمرو، روى [73/ ب] عنه ابنه سليمان بن عمرو بن الأحوص حديثه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في خطبته في حجة الوداع (¬4)، وفي رمي الجمار أيضاً، وحديثه في الخطبة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - صحيح. ¬

_ (¬1) في "سننه" رقم (2159) مختصراً، وقال: هذا حديث حسن صحيح. ورقم (3087) مطولاً. وقال: هذا حديث حسن صحيح. ورقم (1163) مختصراً. وقال: هذا حديث حسن صحيح، وهو حديث صحيح. (¬2) في "الاستيعاب" (ص 503) رقم (1777). (¬3) في المخطوط: الجعفري، والمثبت من الاستيعاب وهو الصواب. (¬4) أخرجه مطولاً ومختصراً أحمد (3/ 426) وأبو داود رقم (3334) والترمذي رقم (1163) و (2187) والنسائي في "الكبرى" رقم (4100) و (1123) وهو حديث صحيح، وقد تقدم.

قوله: "حجة الوداع". أقول: هي حجته - صلى الله عليه وسلم - سنة عشر من الهجرة تأتي صفتها. وسميت بالوداع لأنه - صلى الله عليه وسلم - ودع الناس وقال: "لعلِّي لا أحج بعد عامي هذا". وقوله: "فحمد الله وأثنى عليه" لم يعين اليوم الذي خطب فيه، وقد ثبت أنه خطب في عرفات، وفي منى، ولكنه قد عينه حديث ابن عباس عند البخاري (¬1) [أنه] (¬2) يوم النحر. قوله: "ثم قال ثلاثاً" لفظ الجامع (¬3): ثم قال: "أي يوم أحَرم؟ أي يوم أحرَم؟ أي يوم أحرم؟ " قوله: "قالوا" لفظ الجامع (¬4): قال الناس: يوم الحج الأكبر يا رسول الله! وفيه دليل أنهم قد علموا عظمة يوم الحج الأكبر. واختلف الناس في تعيينه قال ابن الأثير (5): يوم النحر، وقيل: هو يوم عرفة، وإنما سُميَ الحجّ الأكبر، لأنهم يسمُّون العمرةَ: الحجَّ الأصغر. "وأعراضكم" العرض: النفس، وقيل: الحسب قاله ابن الأثير في غريب الجامع (¬5). ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (1739). (¬2) في المخطوط (ب): وأنه. (¬3) في "جامع الأصول" (1/ 260). (¬4) في "جامع الأصول" (1/ 258). (¬5) في "جامع الأصول" (1/ 260).

وفي "النهاية" (¬1) له: العِرْض: موضعُ المدْح والذَّم من الإنسان، سواءً كان في نفسه أو في سَلَفه أو مَنْ يَلْزمه أمْرُه. وقيل: هو جَانبُه الذي يَصُوُنه وحَسَبه، ويُحَامِي عنه أن يُنْتَقَص، ويُثْلَبَ. وقال ابن قتيبة: عِرْضُ الإنسان نَفْسُه وبدَنُه لا غيرُ. انتهى. قوله: "لا يجني جانٍ". أقول: الجنايَةُ: الذَّنْبُ ما يفعله الإنسان مما يوجب عليه الجزاء، إمَّا في الدنيا؛ وإما في الآخرة. ويريده - صلى الله عليه وسلم -: أنَّه لا يُطالبُ بجناية الجاني [74/ ب] غُيرُه، من أقاربه وأباعِدِه، وقد فسَّره في الحديث: "لا يجني ولدٌ ولا يجني والدٌ على ولده" أي: إذا جنى أحدهما لا يطالَبُ به الآخر، وقد كان ذلك معتاداً بين العرب [قاله] (¬2) ابن الأثير (¬3). قلت: وهو الآن باقٍ في بوادي اليمن وغيرها. قوله: "عوان" - بالعين المهملة - جمع عانية، وهي مؤنثة العاني: الأسير شبه. النساء بالأسرى عند الرجال، لتحكمهم فيهن، واستيلائهم عليهن قوله: [75/ ب] [27/ أ]. 46/ 2 - وعَن ابْن عُمَر - رضي الله عنهما - قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ: "أَلاَ أَيُّ شَهْرٍ تَعْلَمُونَهُ أَعْظَمَ حُرْمَةً؟ " قَالُوا: أَلاَ شَهْرُنَا هَذَا، قَالَ: "أَلاَ أَيُّ بَلَدٍ تَعْلَمُونَهُ أَعْظَمُ حُرْمَةً؟ " قَالُوا: أَلاَ بَلَدُنَا هَذَا، قَالَ: "أَلاَ أَيُّ يَوْمٍ تَعْلَمُونَهُ أَعْظَمُ حُرْمَةً؟ " قَالُوا: أَلاَ يَوْمُنَا هَذَا، قَالَ: "فَإِنَّ الله تَعَالَى قَدْ حَرَّمَ دمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ، إِلاَّ بِحَقِّهَا، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، في بَلَدِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ" - ثَلاَثًا كُلُّ ذَلِكَ يُجِيبُونَهُ [76/ ب] أَلاَ نَعَمْ - قَالَ: "وَيْحكُمْ - ¬

_ (¬1) (3/ 208 - 209). (¬2) في المخطوط (ب): قال. (¬3) في "جامع الأصول" (1/ 260).

أَوْ وَيْلكُمْ - لاَ تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ" أخرجه الشيخان (¬1) واللفظ للبخاري. [صحيح]. 47/ 3 - وعَنْ أَبِي بَكْرَةَ بنِ الحارِث - رضي الله عنه - أنَّ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "الزَّمَانُ قَدِ اسْتَدَارَ كهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلقَ الله السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلاَثٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو الْقَعْدةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ [77/ ب]، وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ، أَيُ شَهْرٍ هَذَا؟ " قُلْنَا: الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: "أَليْسَ ذَا الْحِجَّةِ؟ " قُلْنَا: بَلَى. قَالَ: "أَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟ " قُلْنَا: الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: "أَليْسَ الْبَلْدَةَ الحرَامَ؟ " قُلْنَا: بَلَى. قَالَ: "فَأَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ " قُلْنَا: الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أنهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ قَالَ: "أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ؟ " قُلْنَا: بَلَى. قَالَ: "فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هذا، وَسَتَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ [78/ ب] فَيَسْأَلُكُمْ عَنْ أَعْمَالِكُمْ، أَلاَ فَلاَ تَرْجِعُوا بَعْدِى ضُلاَّلاً، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ، أَلاَ لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، فَلَعَلَّ بَعْضَ مَنْ يَبْلُغُهُ أَنْ يَكُونَ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضِ مَنْ سَمِعَهُ - وَكَانَ مُحَمَّدٌ إِذَا ذَكَرَهُ قَالَ صَدَقَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ قَالَ:- أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ .. أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ؟ " قلنا: نعم، قال: "اللهمَّ اشْهدْ" أخرجه الشيخان (¬2) وأبو داود (¬3) [صحيح]. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (1742) و (6166) و (6785) و (6868) ومسلم رقم (66) والنسائي رقم (4125 - 4127) وابن ماجه رقم (3943) واللفظ للبخاري. (¬2) أخرجه البخاري رقم (4406) ومسلم رقم (1679). (¬3) في "سننه" رقم (1947)، وهو حديث صحيح.

زاد مسلم (¬1) - رحمه الله -: قَالَ ثُمَّ انْكَفَأَ إِلَى كَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ فَذَبَحَهُمَا، وَإِلَى جُزَيْعَةٍ مِنَ الْغَنَمِ فَقَسَمَهَا بَيْنَنَا. وزاد رُزينٌ - رحمه الله - في آخره: ثَلاَثٌ لا يُغَلُّ عَليْهِنَّ قَلْبُ مؤمن أبداً: إِخْلاصُ العَمَلِ للهِ، وَمُنَاصَحَةُ ولاة الأمر، وَلُزُومِ جماعة المسلمينَ، فَإِنَّ دَّعْوَتهم تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ" قال ابن الأثير (¬2): ولم أرَ هذه الزيادة في الأصول. "الجزيعة" بالزاي: القطعةُ من الغَنمِ، وقولُهُ: "لا يُغلُّ" بضم الياء من الإغلال وهو الخيانة. وقيل: بفتحها من الحقدِ، والمعنى: أن هذه الخلال الثلاث تُسْتصلَحُ بها القلوبُ فمنْ تمَسكَ بها طهُر قلبه من الخيانةِ والدغَّلِ والشر [79/ ب]. 48/ 4 - وعَنِ هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلاَّ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ يقول: اقرءوا: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} فَأبوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ, كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ، هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ؟ " حَتَّى تَكُونوا أنْتُم تَجِدُونها" قَالَوا: يا رسول الله! أفرأيت من يموتُ صَغِيْراً؟ قال: "أعلمُ بما كانوا عاملين". أخرجه الستة إلا النسائي (¬3)، وهذا لفظُ الشيخين، وللباقين بنحوه. وفي أخرى (¬4): "ما منْ مولودٍ يولدُ إلا وهوَ على [80/ ب] هذه الملة حتى يُبينَ عنه لسانهُ" [صحيح]. ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (30/ 1679). (¬2) في "جامع الأصول" (1/ 265). (¬3) البخاري رقم (1358) و (1359) و (1385) ومسلم رقم (2658) ومالك في "الموطأ" (1/ 241 رقم 52) وأبو داود رقم (4714) والترمذي رقم (2138)، واللفظ للبخاري ومسلم، والباقين بنحوه. (¬4) لمسلم رقم (23/ 2658).

[] (¬1) وإنما دعا بذلك لما أوحى الله: {أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ} (¬2). قلت: لا يخفى أن نوحاً قال: {مِنَ الْكَافِرِينَ (34)} والولدان لا يسمون كافرين كيف وهم مولودون على الفطرة، فلا دليل في الآية. وأما أنهم أغرقوا، فهكذا جرت حكمة الله في إهلاك الكفرة تعميم إنزال العذاب الدنيوي بالجميع من صغير وكبير وعاقل ومجنون، فلا دليل فيه على كفر الولدان. قال: وأما حديث: "هم من آبائهم" فذاك ورد في حكم الحرب. وأما ما رواه أحمد (¬3) من حديث عائشة سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ولدان المسلمين؟ قال: "في الجنة" وعن أولاد المشركين؟ قال: "في النار" فقلت: يا رسول الله! لم يدركوا الأعمال! قال: "ربك أعلم بما كانوا عاملين لو شئت أسمعتك تضاغيهم في النار" فهو حديث ضعيف جداً، لأن في إسناده أبا عقيل مولى بهية، وهو متروك. الثالث: أنهم في برزخ بين الجنة والنار؛ لأنهم لم يعملوا حسنات يدخلون بها الجنة، ولا سيئات يدخلون بها النار (¬4). ¬

_ (¬1) لعله يوجد نقص في المخطوط. (¬2) هود: (36). (¬3) في "المسند" (6/ 208) بسند ضعيف لأن في إسناده أبا عقيل مولى بهية، وهو متروك قاله ابن حجر في "الفتح" (3/ 246) وانظر "مجمع الزوائد" (7/ 217). وخلاصة القول: أن حديث عائشة ضعيف, والله أعلم. (¬4) قال ابن القيم في كتابه: "طريق الهجرتين" (ص 393 - 394 - العلمية): وهذا قول طائفة من المفسرين، قالوا: وهم أهل الأعراف. وقال عبد العزيز بن يحيى الكناني: هم الذين ماتوا في الفترة. =

الرابع: انهم خدم أهل الجنة، وفيه حديث عراس (¬1) ضعيف. الخامس: أنهم يصيرون تراباً (¬2). ¬

_ = والقائلون بهذا إن أرادوا أن هذا المنزل مستقرهم أبداً فباطل، فإنه لا دار لقرار إلا الجنة أو النار، وإن أرادوا أنهم يكونون به مرة، ثم يصيرون إلى دار القرار، فهذا ليس بممتنع. اهـ (¬1) كذا في المخطوط، ولم أقف عليه. وقد أخرج الطبراني في الكبير، والأوسط، والبزار رقم (2172 - كشف) عن سمرة بن جندب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئلَ عن أطفال المشركين؟ فقال: هم خدم أهل الجنة. قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (7/ 219) وفيه عباد بن منصور، وثقه يحيى القطان، وفيه ضعف، وبقية رجاله ثقات. (¬2) حكاه عياض عن أحمد، وغلطه ابن تيمية بأنه قول لبعض أصحابه، ولا يحفظ عن الإمام أصلاً كما في "فتح الباري" (3/ 246). وقال ابن القيم في "طريق الهجرتين" (ص 389 - العلمية): هذا قول جماعة من المتكلمين، وأهل التفسير وأحد الوجهين لأصحاب أحمد. واحتج هؤلاء بحديث عائشة قالت: قلتُ: يا رسول الله! ذَرَارَيُّ المؤمنين؟ فقال: "هم من آبائهم" فقلت: يا رسول الله! بلا عمل؟ قال: الله أعلم بما كانوا عاملين". قلت: يا رسول الله! فذراري المشركين؟ قال: "من آبائهم" قلت: بلا عمل؟ قال: "الله أعلم بما كانوا عاملين". أخرجه أبو داود رقم (4712)، وهو حديث صحيح. • قال ابن القيم في "طريق الهجرتين" (ص 388 - 389 - العلمية): "ففي هذا الحديث ما يدل على أن الذين يلحقون بآبائهم منهم هم الذين علم الله أنهم لو عاشوا لاختاروا الكفر، وعملوا به, فهؤلاء مع آبائهم. ولا يقتضي أن لا واحد من الذرية مع أبيه في النار. فإن الكلام في هذا الجنس سؤالاً وجواباً، والجواب يدل على التفصيل، فإن قوله - صلى الله عليه وسلم -: "الله أعلم بما كانوا عاملين" يدل على أنهم متباينون في التبعية بحسب نياتهم، ومعلوم الله فيهم، بقي أن يقال: فالحديث يدل على أنهم يلحقون بآبائهم من غير عمل، ولهذا فهمت ذلك منه عائشة. فقالت: بلا عمل؟ فأقرها عليه فقال: "الله أعلم بما كانوا عاملين" ويجاب عن هذا بأن الحديث إنما دل على أنهم يلحقون بهم بلا عمل عملوه في الدنيا، وهو الذي فهمته عائشة. =

السادس: أنهم يمتحنون في الآخرة بأن ترفع لهم نار، فمن دخلها كانت عليه برداً وسلاماً، ومن أبى عذب. أخرجه البزار من حديث أنس (¬1) وأبي سعيد (¬2). ¬

_ = ولا ينفي هذا أن يلحقوا بهم بأسباب أخر يمتحنهم بها ... اهـ. (¬1) أخرج البزار رقم (2177 - كشف) وأبو يعلى كما في "مجمع الزوائد" (7/ 216) وقال الهيثمي: فيه ليث بن أبي سليم، وهو مدلس، وبقية رجال أبي يعلى رجال الصحيح. قلت: إسناده ضعيف. عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يؤتى بأربعة يوم القيامة: المولود، والمعتوه، ومن ماتَ في الفترة، وبالشيخ الفاني، كلهم يتكلم بحجته فيقول الله تبارك وتعالى لِعنقٍ من جهنم - أحسبه قال -: أبرزي، فيقول لهم: إن كنتُ أبعثُ إلى عبادي رسُلاً من أنفسهم، فإني رسول نفسي إليكم، ادخلوا هذه, فيقول من كتب عليه الشقاوة: يا رب! أتدخلُناها ومنها كنا نفرق، ومن كتب له السعادة، فيمضي فيقتحم فيها مسرعاً، قال: فيقول الله: قد عصيتموني، وأنتم لرسلي أشدَّ تكذيباً ومعصيةً، قال: فيدخل هؤلاء الجنة، وهؤلاء النار". (¬2) أخرجه البزار رقم (2176 - كشف). وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (7/ 216) وقال: رواه البزار وفيه عطية، وهو ضعيف. قلت: إسناده ضعيف. عن أبي سعيد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أحسبه قال: "يؤتى بالهالك في الفترةِ، والمعتوه، والمولود، فيقول الهالك في الفترة: لم يأتني كتابٌ ولا رسولٌ، ويقول المعتوه: أي: رب! لم تجعل لي عقلاً أعقِلُ به خيراً ولا شراً، ويقول المولود: لم أدرِك العمل. قال: فترفع لهم نارٌ فيقال لهم: ردوها، أو قال: ادخلوها، فيدخلها من كان في علم الله سعيداً، إن لو أدرك العمل. قال: ويُمسك عنها من كان في علم الله شقياً إن لو أدرك العمل، فيقول تبارك وتعالى: إياي عصيتم، فكيف برسلي وبالغيب؟! ". • وأخرج أحمد في "المسند" (2/ 24) والبزار رقم (2174 - كشف) والبيهقي في "الاعتقاد" (ص 92)، وهو حديث صحيح. عن الأسود بن سريع أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أربعة يوم القيامة يعني: يدلون على الله بحجة: رجل أصم لا يسمع شيئاً، ورجلٌ أحمق، ورجلٌ هرم، ورجلٌ مات في فترة، فأما الأصم فيقول: رب! لقد جاء الإسلام، وما =

وحكى البيهقي في كتاب الاعتقاد (¬1) أنه المذهب الصحيح. السابع: الوقف، هذا خلاصة ما في المسألة. والحق الأول عقلاً ونقلاً. قوله: "الستة إلا النسائي". قلت: وقال الترمذي: حسن صحيح. "وهذا لفظ الشيخين" أقول: ساق ابن الأثير (¬2) ألفاظهما، وفيها بعض اختلاف ثم قال: هذه طرق البخاري ومسلم. قوله: "وفي أخرى". أقول: أي: لمسلم (¬3) كما [18/ ب] يفيده بيان ابن الأثير ولفظه: "ما من مولود يولد إلا وهو على الملة" زاد في أخرى (¬4): "على هذه الملة حتى يبن عنه لسانه" والمراد بالملة ملة الإسلام كما عرفت أنها المراد بالفطرة. ¬

_ = أسمع شيئاً، وأما الأحمقُ فيقول: رب! لقد جاء الإسلام والصبيان يحذفونني بالبعر، وأما الهرم فيقولُ: ربَّ لقد جاء الإسلامُ وما أعقل شيئاً. وأما الذي مات في الفترة فيقول: رب! ما أتاني لك رسول فيأخذ مواثيقهم ليطيعنهُ، فيرسل إليهم أن أدخلوا النار، قال: فوالذي نفس محمد بيده! لو دخلوها لكانت عليهم برداً وسلاماً. وقد صحح الحديث الحافظ عبد الحق كما في "طريق الهجرتين" (ص 397 - العلمية) والألباني في "الصحيحة" رقم (1434). (¬1) في كتاب "الاعتقاد" (ص 92 - العلمية). (¬2) في "جامع الأصول" (1/ 269). (¬3) في "صحيحه" رقم (23/ 2658). (¬4) في "صحيحه" رقم (23/ 2658).

الباب الثالث: (في أحاديث متفرقة تتعلق بالإيمان والإسلام)

الباب الثالث: (في أحاديث متفرقة تتعلق بالإيمان والإسلام) قوله: "عدَّ فيه أربعة أحاديث، وفي الجامع خمسة, الأول": 49/ 1 - وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَثَلُ الْمُؤْمِنِ كمثلُ الزَّرْعِ لاَ تَزَالُ الرِّيحُ تُميلُهُ وَلاَ يَزَالُ الْمُؤْمِنُ يُصِيبُهُ الْبَلاَءُ، وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ كَمَثَلِ شَجَرَةِ الأَرْزِ لاَ تَهْتَزُ حَتَّى تَسْتَحْصِدَ". أخرجه البخاري (¬1) والترمذي (¬2). [صحيح]. الأرز: بسكون الراء: شجر الصنوبر. قوله: "مثل المؤمن" أي: صفته العجيبة الشأن مثل آية الزرع. أقول: في البخاري (¬3) لفظين كلاهما بلفظ: "كخامة الزرع" عقد له باب ما جاء في كفارة المرض (¬4). "والخامة" - بالخاء المعجمة وتخفيف الميم - هي: الطاقة الطرية اللِّيّنَةُ، ووجه الشبه أشار إليه قوله: "لا تزال [الريح] (¬5) تميله" وفي لفظ لمسلم (¬6): تُفيئُه الريح تصرعها مرة وتعدلها أخرى، ولا يزال المؤمن يصيبه البلاء" فقد شبه البلاء بالريح، والمؤمن بخامة الزرع والجامع أنهما لا يزالان في استقامة تارة وسلامة، وفي عناء أخرى. ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (5644) قلت: وأخرجه مسلم رقم (2809). (¬2) في "سننه" رقم (2866) وقال: هذا حديث حسن صحيح. (¬3) الأول: رقم (5644)، والثاني: رقم (7466). (¬4) الباب الأول من كتاب المرض (75). (¬5) في المخطوط (ب): "الزرع". (¬6) في "صحيحه" رقم (59/ 2810) من حديث كعب بن مالك.

وقوله: "ومثل المنافق" وفي لفظ البخاري (¬1): "الفاجر" ولمسلم (¬2): "الكافر". "كشجرة الأرزة" - بفتح الهمزة وبسكون الراء - في الأكثر، كما قال المصنف. وقيل: بتحريكها. قيل: إنه الصنوبر، وأنه لا يحمل شيئاً، وإنما يستخرج من أعاجزه وعروقه الدلف. وقيل: إنه العرعر. وقيل: شجر بالشام. وقيل: إنه شجر مقتدر صلب لا تحركه هبوب الرياح. ذِكْرَه وجه الشبه بين الفاجر، وهذه الشجرة بقوله: "لا يهتز حتى يستحصد" أي: يطلب الحصاد ويهيأ له. قال المهلب: معنى الحديث: أن المؤمن حيث جاءه أمر الله انطاع له، فإن وقع له خير فرح به وشكر، وإن وقع له مكروه صبر ورجا فيه الأجر والخير، فإذا اندفع عنه اعتدل شاكراً. والكافر لا يتفقد الله باختباره، بل يحصل له التيسير في الدنيا ليتعسر عليه الحال في المعاد حتى إذا أراد الله هلاكه قصمه، فيكون موته أشد عذاباً عليه، وأكثر ألماً خروج نفسه. الحديث الثاني: 50/ 2 - وعَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَثَلُ المؤمِن كمَثلِ شجرةٍ خَضْراء لاَ يَسْقُطُ وَرَقُهَا وَلاَ يَتَحَاتُّ" فَقَالَ الْقَوْمُ: هِي شَجَرَةُ كَذَا. هِي شَجَرَةُ كَذَا، فَأَرَدْتُ أَنْ أقُولَ هِي النَّخْلَةُ. وَأَنَا غُلاَمٌ شَابٌّ فَاسْتَحْيَيْتُ، فَقَالَ: "هِي النَّخْلَةُ" أخرجه الشيخان (¬3) [صحيح]. قوله: "وعن ابن عمر". ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (5644). (¬2) في "صحيحه" رقم (59/ 2810) من حديث كعب بن مالك. (¬3) البخاري رقم (61) ومسلم رقم (2811).

أقول: أخرجه البخاري (¬1) في مواضع [82/ ب]. وقوله: "لا يسقط ورقها" وهو وجه الشبه. قال الحافظ (¬2): ووجه الشبه بين النخلة والمسلم من جهة عدم سقوط الورق ما زاده الحارث بن أبي أسامة (¬3) في هذا الحديث من وجه آخر عن ابن عمر، ولفظه قال: كنا يوماً عند النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم فقال: "إن مثل المؤمن كمثل شجرة لا تسقط لها أنملة، أتدرون ما هي؟ " قالوا: لا. قال: هي النخلة لا تسقط لها أنملة، ولا تسقط لمؤمن دعوة". قال: وقوله: "النخلة" موجود في جميع أجزائها مستمر في جميع أحوالها، فمن حين تطلع إلى أن تبسر تؤكل أنواعاً، ثم بعد ذلك ينتفع بجميع أجزائها حتى النوى في علف الدواب والليف في الحبال، وغير ذلك مما لا يخفى، وكذلك بركة المسلم عامة في جميع الأحوال ونفعه مستمر له ولغيره حتى بعد موته. قوله: "فقال القوم: هي شجرة كذا". أقول: لأنه قال - صلى الله عليه وسلم - للمخاطبين: "فحدثوني ما هي" وبوب له البخاري (¬4) باب: قول المحدث حديثاً. ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (62) (72) (131) (2209) (4698) (5444) (5448) (6122) (6144). (¬2) في "فتح الباري" (1/ 145). (¬3) كما في "بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث" (2/ 965 رقم 1067) بسند ضعيف. • وأصل هذا الحديث عند أحمد (2/ 6) والبخاري رقم (61) ومسلم رقم (63/ 2811) من طريق عبد الله ابن دينار. وأخرجه أحمد (2/ 3) والبخاري رقم (6122) من طريق محارب بن دثار كلاهما عن ابن عمر مرفوعاً. (¬4) في "صحيحه" (1/ 144 رقم الباب 4 - مع الفتح).

قوله: "فاستحييت" زاد البخاري في روايته: "فأردت أن أقول: هي النخلة فإذا أنا أصغر القوم". وله عدة ألفاظ عند البخاري [28/ أ]. الثالث: 51/ 3 - وعَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ الْكِلاَبِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ الله ضَرَبَ مَثَلاً صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا عَلَى كَنَفَي الصِّرَاطِ زُوران (¬1) " وفي رواية: سُورانِ لَهُمَا أَبْوَابٌ مُفَتَّحَةٌ, عَلَى الأَبْوَابِ سُتُورٌ، وَدَاعٍ يَدْعُو عَلَى رَأْسِ الصِّرَاطِ وَدَاعٍ يَدْعُو فَوْقَهُ: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (25)} فالأَبْوَابُ الَّتِي عَلَى كَنَفَي الصِّرَاطِ حُدُودُ الله تَعالَى فَلاَ يَقَعُ أَحَدٌ في حُدُودِ الله حَتَّى يُكْشَفَ السِّتْرُ، وَالَّذِي يَدْعُو مِنْ فَوْقِهِ وَاعِظُ رَبِّهِ". أخرجه الترمذي (¬2). ¬

_ (¬1) زوران: أي: جداران، وفي حديث ابن مسعود الآتي: "سوران"، والظاهر أن السين قد أبدلت بالزاي كما يقال في الأسدي: الأزدي. (¬2) في "سننه" رقم (2859) وقال: هذا حديث حسن غريب. قلت: وأخرجه أحمد (4/ 182) والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" رقم (2142) والآجري في "الشريعة" (ص 11 - 12 - 13) وابن أبي عاصم في "السنة" رقم (19) والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" رقم (2041) والطبراني في الشاميين رقم (2024) والرامهرمزي في الأمثال رقم (3) والحاكم (1/ 73) من طرق. وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، ولا أعرف له علة. والخلاصة: أن حديث النواس حديث صحيح، والله أعلم.

وفسره رزينٌ في حديث رواهُ عن ابنِ مسعودِ (¬1) - رضي الله عنه -: أنَّ الصِرَاط هوَ الإسلامُ، وأنَّ الأبوابَ محارمُ الله تعالى، والستورُ حدود الله، والداعي عَلَى رَأسِ الصراط هو القرآن، والداعي فوقهُ واعظُ الله تعالى في قلبِ كل مؤمنٍ". قوله: "وعن النوَّاس" (¬2) - بفتح النون وتشديد الواو - ابن سِمْعان - بكسر الميم المهملة وسكون الميم - وهو ابن خالد بن محمد بن عمر سكن الشام وهو معدود فيهم. روى عنه جبير بن نفير، وأبو إدريس الخولاني. قوله: "إن الله ضرب مثلاً" أبدل منه قوله: "صراطاً مستقيماً" أي: سوران كما قاله المصنف فإنما هي في رواية ابن مسعود التي أتى بها عن رزين غير مسندة كما في الجامع (¬3) وعبارة المصنف أنها رواية للترمذي، ولم يذكرها ابن الأثير عنه. و"كنفي الصراط" جانباه، وفسر الأبواب بحدود الله، والمراد بها المعاصي مطلقاً التي فيها حد، والتي لا حد فيها. ¬

_ (¬1) الحديث بهذا اللفظ لا يعرف من حديث ابن مسعود، وإنما هو من حديث النواس بن سمعان. وقد أخرج أحمد في "المسند" رقم (4142، 4437 - شاكر) والحاكم (2/ 368) من حديث عبد الله بن مسعود قال: خط لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطاً، ثم خط عن يمينه وشماله خطوطاً، ثم قال: هذا سبيل الله، وهذه السبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه، ثم قرأ: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام: 153] " وصححه الحاكم، وأقره الذهبي. (¬2) "الاستيعاب" (ص 731) رقم (2631). (¬3) في "جامع الأصول" (1/ 275) رقم (61)، وتقدم الكلام عليه بأنه من حديث النواس بن سمعان، وليس من حديث ابن مسعود.

وقوله: [83/ ب]: "حتى يكشف الستر" وذلك الستر هو نهي الله عنها، وفسر الصراط في الرواية الأخرى بالإسلام. والأبواب بمحارم الله. أي: ما حرمه على عباده والستور حدود الله فمن انتهك المحارم هتك الستور. وفسر الداعي فوق الصراط بالقرآن، والداعي فوقه [واعظ] (¬1) الله في كل مؤمن، ولا ريب في مطابقة هذا التفسير، فإن الإسلام هو الصراط المستقيم فقد ذهب أئمة التفسير إلى أن المراد من قوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6)} هو دين الإسلام. وتفسير الأبواب بما حرمه الله، فإنه جعل في جوانب الدين محرمات مالية وبدنية حض الدين باجتنابها، وقد سترها الله عن عباده بإيجاب الحدود فيها والعقوبات في الدنيا والآخرة، فلا يكشف العبد تلك الستور، فيقع في المحظور. ثم تفسير الداعي بالقرآن يوافق أن هذا يهدي للتي هي أقوم: [ولأنها نهي الله عن قربان حدود الله] (¬2) ويقول: {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229)} (¬3) ونحوها. وواعظ الله في قلب المؤمن هو الواعظ الذي فوق القرآن، وإنما جعله فوقه لأن القرآن تفهم وتدبر ونفعه به، وقد جعل الله القلوب على فطرة صحيحة سليمة يدرك بها الحق حقاً والباطل باطلاً، ولذا وردت الأحاديث الآتية بلفظ: "استفت قلبك، وإن أفتاك المفتون" (¬4) ¬

_ (¬1) في المخطوط (ب): ووعظ. (¬2) في المخطوط: ولأنها عن قربان الله حدود الله. ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬3) البقرة: (229). (¬4) أخرجه أحمد (4/ 228) وأبو يعلى رقم (1586، 1587) والطبراني في "المعجم الكبير" (ج 22 رقم 403) والدارمي (2/ 245 - 246) والبخاري في "التاريخ الكبير" (1/ 144 - 145) بسند ضعيف، وفيه علتان: =

وفي لفظ: "وإن أفتوك وأفتوك" ولذا قال تعالى: {وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46)} (¬1) وقال: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24)} (¬2) فالقلوب مفطورة على إدراك كل خير، والنفرة عن كل شر. فطرةٌ لا تغيرها وتعميها وتذل [84/ ب] إدراكها إلا ارتكاب الذنوب والإعراض عن زاجرها، فإن للقلوب زواجر تزجر عن القبائح، ولذا قيل: لا تنتهي الأنفس عن غيها ... ما لم يكن منها لها زاجر وثبت في الحديث الصحيح (¬3): "إِنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً إذا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كله، وإذا فَسَدَت فَسَدَ الجَسَد كُلُّهُ" فالقلب هو الإنسان، ولذا يقال: لسان الفتى نصف ونصف فؤاده ... فلم يبق إلا صورة اللحم والدم ¬

_ = أحدهما: الانقطاع بين الزبير بن عبد السلام وأيوب بن عبد الله بن مكرز، فإنه رواه عن قوم لم يسمعهم. الثانية: ضعيف الزبير هذا. وللحديث شواهد: منها: في الصحيح، لذا حسن الإمام النووي، والألباني في "صحيح الجامع" (1/ 224 رقم 998) الحديث. وانظر "جامع العلوم والحكم" (2/ 93 - 96). وخلاصة القول: أن الحديث حسن، والله أعلم. (¬1) سورة الحج: (46). (¬2) سورة محمد (24). (¬3) وهو حديث صحيح. أخرجه أحمد (4/ 274) والبخاري رقم (52) ومسلم رقم (1599) وابن ماجة رقم (3984) والدارمي (2/ 245) وابن حبان رقم (297) من حديث النواس بن سمعان.

ولهذا يعاقب الله العبد على ذنوبه بتقليب قلبه قال تعالى: {وَنُقَلِّبُ [29/ أ] أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (110)} (¬1) فأخبر أنه عاقبهم بتقليب القلوب لعدم انقيادهم أول مرة لما دعتهم إليه الرسل وقبلته القلوب، فردوا الداعيين من الرسل والقلوب فعوقبت بتقليبها حتى أبصرت الحق باطلاً والباطل حقاً كما قال تعالى: {وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا (45} (¬2) فجعل الحجاب على القلوب من فهم القرآن لكونهم لا يؤمنون بالآخرة، بل قال: {وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا} (¬3) الآية. وكقوله: {وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ} (¬4) وغيرها مما ملأ به القرآن وثبت في السنة أضعاف ذلك. ففي مسلم (¬5) حديث: "تُعْرَضُ الفِتَنُ على القُلوبِ [كالحصير] (¬6) عوداً عوداً، فأيُّ قلبٍ أشربَها نُكتَ فيه نكتةٌ سودَاءُ ... " الحديث، وسيأتي شرحه إن شاء الله تعالى. ولقد اتفق نكتة دالة على سلامة الفطر ما لم تغير [85/ ب] إني سافرت في بعض الأعوام إلى مكة المشرفة من طريق الحجاز فتوسطنا في بلاد الحرامية، وهي ديار ليس فيها شريعة ولا يعرفون إسلاماً، فقعد عندي صَبيَّان لم يبلغا سن التمييز أو هما في أول بلوغها، فما زالا يسألاني سؤال الصِبيان فأكثرا عليَّ حتى رأيا خاتماً في كفي فقالا: بكم هذا؟ فمن النزق ¬

_ (¬1) سورة الأنعام: (110). (¬2) سورة الإسراء: (45). (¬3) سورة الأنعام: (25). (¬4) سورة التوبة: (93). (¬5) في "صحيحه" رقم (231/ 144) من حديث حذيفة. (¬6) سقط من المخطوط، وأضيفت من "صحيح مسلم".

قلت لهما: بمائة قرش. فنظر أحدهما إلى الآخر، وقال: تعجب من ربك كيف يودهم وهم يكذبون! فعجبت لهذه الفطرة التي هدتهما أولاً إلى أن الخاتم لا يبلغ هذه القيمة، ثم إلى الإقرار بالرب، ثم التعجب من حلمه، ثم معرفة أن الكذب معصية يستحق عليها العقوبة، وأن من العقوبة أن يحول بين العاصي وبن رده إلى وطنه وبلوغه مقصده. ولقد كان عندي صبي في أيام يخدم في البيت، فكان لا يتكلم إلا صدقاً، فلما جالس الناس، وتعلم منهم الكذب أخذ من أخلاقهم فذكرت قول المعري: ومن صحب الليالي علمته ... خداع الإلف والفعل المحالا فالعبد مفطور على عدم الأخلاق القبيحة والصفات المذمومة حتى يأخذها من أبناء جنسه، وهذا البحث يناسب حديث: "كل مولود يولد على الفطرة" وله مناسبة هنا. قوله: "أخرجه الترمذي". قلت: وقال: حسن (¬1)، وأخرجه أحمد (¬2) والنسائي (¬3) وابن جرير (¬4) وابن المنذر وأبو إسحاق، والحاكم (¬5) وصححه، وابن مردويه، والبيهقي في "شعب الإيمان" (¬6) من حديث النواس. قوله: "وفسره رزين" أي: فسره ابن مسعود (¬7) فيما رواه رزين. ¬

_ (¬1) عقب الحديث رقم (2859)، وقد تقدم. (¬2) "المسند" (4/ 182)، وقد تقدم. (¬3) كما في "تحفة الأشراف" (9/ 61). (¬4) في "التفسير" (186). (¬5) في "المستدرك" (1/ 73) وقال: صحيح على شرط مسلم، ولا أعرف له علة. (¬6) رقم (7216)، وهو حديث صحيح. (¬7) بل النواس بن سمعان كا تقدم قريباً.

قلت: بل هذا التفسير في رواية النواس المسوقة [86/ ب] هنا فيما أخرجه من ذكرنا بلفظ: "والصراط الإسلام، والسوران حدود الله، والأبواب المفتحة محارم الله وذلك الداعي على رأس الصراط كتاب الله، والداعي من فوق واعظ الله في قلب كل مسلم"، هذا لفظه. الحديث الرابع: 52/ 4 - وعَنِ أبي هُرَيْرَة - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "بَدَأَ الإِسْلاَمَ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كما بَدَأَ فَطُوبَى للغُرَباء" أخرجه مسلم (¬1) [صحيح]. ¬

_ (¬1) وقد ورد من حديث سعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن مسعود، وأبي هريرة, وعبد الرحمن بن سَنَّةَ، وعبد الله بن عمر، وعمرو بن عوف بن زيد بن ملحة، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وأنس، وجابر. • أما حديث سعد بن أبي وقاص، فقد أخرجه أحمد في "المسند" (1/ 184) وأبو يعلى في "المسند" رقم (756) والدورقي رقم (92) والبزار رقم (1119) وابن منده في "الإيمان" رقم (424)، وهو حديث صحيح. • وأما حديث ابن مسعود: فقد أخرجه أحمد في "المسند" (1/ 398) والترمذي رقم (2629) وابن ماجه رقم (3988) والدارمي (2/ 311 - 312) والطبراني في "الكبير" رقم (10081) والشاشي رقم (729) والآجري في "الغرباء" (1، 2) وأبو يعلى في "المسند" رقم (4975) وابن أبي شيبة (13/ 236)، وهو حديث صحيح. • وأما حديث أبي هريرة: فقد أخرجه أحمد في "المسند" (2/ 286) والبخاري رقم (1876) ومسلم رقم (147) وابن ماجه رقم (3111) وابن حبان رقم (3729) والبغوي رقم (65) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الإيمان ليأرزُ إلى المدينة، كما تأرزُ الحيةُ إلى جحرها"، وهو حديث صحيح. • وأما حديث عبد الرحمن بن سَنَّةَ: فقد أخرجه أحمد في "المسند" (4/ 73 - 74) مرفوعاً بلفظ: "والذي نفسي بيده! ليأرزنَّ الإسلامُ إلى ما بين المسجدين كما تأرز الحية إلى حجرها". إسناده ضعيف جداً. • وأما حديث عبد الله بن عمر فقد أخرجه مسلم (146)، وهو حديث صحيح. =

"عن أبي هريرة: بدأ الإسلام غريباً". أقول: أي أهل الإسلام، وذلك لأنه كان في أول أمره كالغريب الوحيد الذي لا أهل له لقلة المسلمين: "وسيعود غريباً" في آخر الزمان لقلة أهل الإسلام المحقق السالمة عن الابتداع المجدد لحسن الاتباع، فيصيرون أيضاً كالغرباء. وقوله: "فطوبى للغرباء" أي: الجنة لأولئك المسلمين الذين قلوا في أول الإسلام، وسيقلون في آخره، وإنما خصهم بصبرهم على أذية الكفار وأهل الابتداع". ¬

_ = • وأما حديث عمرو بن عوف بن زيد بن ملحة: فقد أخرجه الترمذي برقم (2630) مرفوعاً بلفظ: "إن الدين بدأ غريباً، ويرجعُ غريباً فطوبى للغرباء الذين يُصلحون ما أفسد الناس من بعدي من سنتي"، وهو حديث ضعيف جداً. • وأما حديث عبد الله بن عمرو بن العاص: فقد أخرجه أحمد في "المسند" (2/ 177) وابن المبارك في "الزهد" رقم (775) والآجري في "الغرباء" رقم (6) مرفوعاً بلفظ: "طوبى للغرباء فقيل: من الغرباء يا رسول الله؟! قال: أناس صالحون في أناس سوء كثير، من يعصيهم أكثرُ ممن يطيعُهم"، وهو حديث حسن لغيره. • وأما حديث أنس: فقد أخرجه ابن ماجه رقم (3987) والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (1/ 298) مرفوعاً بلفظ: "بدأ الإسلام غريباً، وسيعود غريباً، فطوبى للغرباء". قال البوصيري في "مصباح الزجاجة": هذا إسناد حسن، سنان بن سعد، ويقال: سعد بن سنان مختلف فيه وفي اسمه، وله شاهد في "صحيح مسلم" وغيره من حديث أبي هريرة, وفي الترمذي وابن ماجه من حديث ابن مسعود. اهـ وهو حديث حسن لغيره. • وأما حديث جابر: فقد أخرجه الطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (1/ 298) والبيهقي في "الزهد" رقم (198) والطبراني في "الأوسط" كما في "مجمع الزوائد" (7/ 278)، وقال الهيثمي: فيه عبد الله بن صالح كاتب الليث، وهو ضعيف، وقد وثق. اهـ.

وأخرج أحمد في المسند من حديث ابن عمر (¬1) مرفوعاً: "إن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ". وأخرجه ابن ماجه من حديث ابن مسعود (¬2) بزيادة في آخره (¬3)، وهي: قيل: يا رسول الله! ومن الغرباء؟ قال: "النزاع من القبائل". وأخرجه أبو بكر الآجري (¬4): قيل: ومن هم يا رسول الله؟! قال: "الذين يصلحون إذا فسد الناس". وخرجه عميرة وعنده قال: "الذين يفرون بدينهم من الفتن". وخرجه الترمذي (¬5) من حديث كثير بن عبد الله المزني عن أبيه عن جده [30/ أ] عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن الدين بدأ غريباً ويرجع غريباً، فطوبى للغرباء الذين يصلحون ما أفسد الناس بعدي من سنتي". وأخرجه الطبراني (¬6) من حديث جابر بن عبد الله مرفوعاً وفيه: قيل: من هم يا رسول الله؟! [87/ ب] قال: "الذين يصلحون إذا فسد الناس". ¬

_ (¬1) تقدم تخريج حديث ابن عمر في التعليقة السابقة. (¬2) تقدم تخريج حديث ابن مسعود في التعليقة السابقة. (¬3) في المخطوط (ب): جملة مكررة، وهي: "قيل: يا رسول الله! ". (¬4) في "الغرباء" (1، 2)، وقد تقدم. (¬5) في "سننه" رقم (2630) وقال: هذا حديث حسن. تقدم وهو حديث ضعيف. (¬6) في "الأوسط" رقم (8977) والكبير كما في "مجمع الزوائد" (7/ 278) وقال الهيثمي: فيه ليث بن أبي سليم، وهو ثقة.

وأخرجه أحمد والطبراني من حديث ابن عمر (¬1) عنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "طوبى للغرباء" قلنا: ومن الغرباء؟ قال: "ناس صالحون قليل في ناس سوء كثير من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم". فقوله: "غريباً" يفسره حديث عياض بن حمار الذي أخرجه مسلم (¬2) وفيه: إن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب، فلما بُعث النبي - صلى الله عليه وسلم - ودعا إلى الإسلام لم يستجب له في أول الأمر إلا الواحد بعد الواحد من كل قبيلة، وكان المستجيب له خائفاً من عشيرته وقبيلته يؤذى غاية الأذى ويُنال منه، وهو صابر على ذلك، وشردوا كل مشرد إلى الحبشة وغيرها، ثم ظهر الإسلام بعد الهجرة، ودخل الناس في دين الله أفواجاً، ثم لم يزل بعد وفاته - صلى الله عليه وسلم - ووفاة خلفائه الراشدين يظهر الابتداع والفتن والتحاسد على الدنيا، وسفك الدماء عليها، والمذاهب الباطلة، وتحزب الناس، وصار الدين في غربة أشد من الغربة الأولى، ورفعت سنن الهدى واتسع نطاق الابتداع وفاض. بحر مضلات الأهويه واتبع كلٌ هواه وكفَّرت كل طائفة الأخرى، وحصروا الدين على مذاهب ابتدعوها، وفرقوا الصلوات في حرم الله وشغلوا المسجد بعمارات سموها بالمقامات معارضة لله بتسمية مقام إبراهيم لموضع قدمي خليله، والخطب عظيم، والأقلام لا تبلغ نطقها بمثقال ذلك من ذلك الأمر الجسيم، فإنا لله وإنا إليه راجعون. ومما قلته (¬3) في ذلك تشكياً إلى الله: بدأ الدين غريباً مثلما ... قاله خير الأنام الكرما [88/ ب] ولقد عاد كما قال لنا ... وهو الصادق حقاً كَلِما ¬

_ (¬1) قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (7/ 278) هو في الصحيح. قلت: "صحيح مسلم" رقم (146) غير قوله: "فطوبى للغرباء" رواه البزار، وفيه ليث بن أبي سليم، وهو مدلس. اهـ. (¬2) في "صحيحه" رقم (63/ 2865). (¬3) في "ديوانه" (ص 363 - 364).

قد رأينا كلما فاه به ... أنه أصدق شيء كَلِما فاغتربنا بين إخوان لنا ... وقرابات وقوم عظما فارحم الله ما نحن به ... إذ غدونا مثل من في فيه ما غربة عمت وجاءت بِدَعٌ ... عمت الكون وزادته عما ليت شعري والأماني ضلةٌ ... تنشر السنة يوماً علما ويكون النصر فيها للهدى ... ويولي غيره منهزما ونطوف البيت سبعاً لا نرى ... بدعة فيه ونأتي زمزما ونصلي فيه خمساً [جمعها] (¬1) ... واحد ما فيه تفريق لما قد نهى الله تعالى عنه في ... سورة الشورى فأين العلما ما لكم مزقتم الدين أما ... قد نهيتم عنه نهياً محكما وكذا في كل أرض بِدَعٌ ... لا أخص اليوم هذا الحرما إنما هذا مثال فاعتبر ... وعليه قس تجدها ظلما ظلمةٌ قد عمت الكون فما ... تنظر الأنوار إلا حلما [89/ ب] ¬

_ (¬1) في الديوان: "جمعاً"

الكتاب الثاني: كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة [31/ ج]

الكتاب الثاني (¬1): كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة [31/ ج] أقول: هذه الترجمة لفظ البخاري (¬2) قال الحافظ في "الفتح" (¬3): الاعتصام افتعال من العصمة، والمراد امتثال قوله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا} (¬4) الآية. قال الكرماني: هذه الترجمة منتزعة من قوله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا}؛ لأنَّ المراد بالحبل الكتاب، والسنة على سبيل الاستعارة والجامع كونهما سبباً لحصول المقصود هو الثواب، والنجاة من العذاب، كما أنَّ الحبل سبب لحصول المقصود به من السقاء وغيره. ¬

_ (¬1) زيادة من "جامع الأصول" (1/ 277). • تنبيه: شرح الكتب التالية من المخطوط (ج) فقط حيث لم توجد في المخطوط (أ)، (ب). - الكتاب الثاني: في الاعتصام بالكتاب والسنة. - الكتاب الثالث: في الأمانة. - الكتاب الرابع: في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. - الكتاب الخامس: في الاعتكاف. - الكتاب السادس: في إحياء الموات. - الكتاب السابع: في الإيلاء. - الكتاب الثامن: في الأسماء والكنى. الكتاب التاسع: في الآنية. انتهى. (¬2) في "صحيحه" رقم الباب (96)، (13/ 245 - مع الفتح). (¬3) في "الفتح" (13/ 245). (¬4) سورة آل عمران: (103).

الباب الأول: (في الاستمساك بهما)

والمراد بالكتاب القرآن المتعبد بتلاوته، والسنة ما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من أقواله، وأفعاله، وتقريره. قال ابن بطال (¬1): لا عصمة لأحد إلا في كتاب الله، أو سنة رسوله، أو في إجماع العلماء على معنى في أحدهما. انتهى. وبه تعرف أنَّ المراد وجوب الاعتصام بما ذكر، فإنه لا عصمة لغير الكتاب والسنة، فهو يجب على كل مكلف معرفة ما يجب عليه مما دلاّ عليه. [وفيه بابان] (¬2): الباب الأول: (في الاستمساك بهما) أقول: في "القاموس" (¬3): مسك به، وأمسك، وتماسك، واستمسك، ومسك احتبس واعتصم به. والمصنف أخذ الترجمة من لفظ الحديث الآتي: 53/ 1 - عَنْ مَالِكٍ أنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمسَّكْتُمْ بِهِمَا: كتَابَ الله وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ - صلى الله عليه وسلم -" (¬4). [صحيح لغيره]. ¬

_ (¬1) في شرحه لـ "صحيح البخاري" (10/ 328). (¬2) زيادة من التيسير. (¬3) "القاموس المحيط" (ص 1230). (¬4) أخرجه مالك في "الموطأ" (2/ 899 رقم 3) بسند ضعيف لإعضاله، لكن للحديث شواهد. منها: حديث ابن عباس، أخرجه ابن نصر في "السنة" (ص 25 رقم 68) والحاكم (1/ 93) والبيهقي في "السنن الكبرى" (10/ 114) وفي "دلائل النبوة" (5/ 449) وابن حزم في الإحكام (6/ 82) بسند حسن. ومنها: مرسل عروة بن الزبير عند البيهقي في "دلائل النبوة" (5/ 448). ومنها: مرسل موسى بن عقبة عند البيهقي في "دلائل النبوة" (5/ 448). والخلاصة: أن حديث ابن عباس حديث صحيح لغيره بمجموع شواهده.

قوله: إنه بلغه. أقول: رواية البلاغ مرسلة، مجهول صحابيها. قوله: "لن تضلّوا". الضلال في "النهاية": الضياع، ومنه: {ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} وعبارة القاموس: الضلال: محركة ضد الهدى. وقوله: "كتاب الله وسنة رسوله": منصوبان بدلين من أمرين، ويصح رفعهما على الاستئناف، كأنه قيل: ما بهما ولا ريب أن الاعتصام بهما يؤمن معه من الضلال، وينال به الهدى، وإنما عبّر بعدم الضلال؛ لأنه الأمر المخوف؛ إذ به هلاك الدارين، فخصه ليعلم الأمر منه، ويعلم الطريق المقابلة، واللزوم أنهم يهتدون بهما إلى طريق النجاة. 54/ 2 - وعَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِي: أَحَدُهُمَا أَعْظَمُ مِنَ الآخَرِ كِتَابُ الله حَبْلٌ مَمدُودٌ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ، وَعِتْرَتِي أَهْلُ بَيْتِي، وَلَنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَىَّ الْحَوْضَ، فَانْظُرُوا كيْفَ تَخْلُفُونِي فِيهَما". أخرجه الترمذي (¬1) [صحيح لغيره]. وقوله: الحديث الثاني: "أحدهما أعظم من الآخر وهو كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض". في "النهاية" (¬2) أي: نُور مَمْدُود يعني: نُورَ هُدَاه، والعرب تُشبه النُّور الممتدّ بالخيط، والحبل. انتهى. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (3788) وقال: هذا حديث حسن غريب، وهو حديث صحيح لغيره. (¬2) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 332).

وقد شمل ما فيه الكتاب تخليفه السنة؛ لأن الكتاب دل على الاهتداء بها: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (¬1). وقوله: وعدم الضلال لمن [52/ ج] تمسك بهما واضح، فإنَّ الله أنزل كتابه نوراً وهدىً ورحمة: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} (¬2) فكلُّ أخذ به قد أمن من الضلال، ووصل إلى الهدى، ومن الاهتداء به اتباع السنة، فإنه دلَّ على أنها بيان له، وإيضاح ليبين للناس ما نزل إليهم، وقد أكمل الله الدين بهما قال الله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (¬3). فلم ينقل الله رسوله إلى دار البقاء إلا بعد كمال الدين، وإتمام النعمة ممن اتبع الهدى من غير الكتاب والسنة، فقد ضلَّ عن سواء السبيل، وكأنه يقول: الدين لم يتم، بل توفيته بآرائنا وتقليد علمائنا، كان خالف الكتاب والسنة، وعدم الضلال به لا يكون بمجرد وجود ألفاظه بين الأمة، بل باستخراج الأحكام الشرعية منه، ومعرفة المراد به، والعمل عادل عليه، والانتهاء بنواهيه، والائتمار بأوامره، وجعله إماماً يهتدى بهديه في كل ما دلّ عليه، ويدل له ما يأتي في صفته في حديث الترمذي الآتي في حرف التاء في التفسير (¬4) من ابتغى الهدى في غيره أضله الله، وهو حديث جليل سيأتي إن شاء الله تعالى، وإذا عرفت أنه لم يتركه - صلى الله عليه وسلم - بمجرد تلاوة ألفاظه، وإقامة حروفه والإعراض عن استنباط أحكامه، واقتباس أنواره، بل الأهم منه أن يوجد منه الأحكام، ويستخرج منه الشرائع، ويكون قدوة وإماماً. ¬

_ (¬1) سورة الحشر: (7). (¬2) سورة الإسراء: (9). (¬3) سورة المائدة: (3). (¬4) سيأتي تخريجه.

وأمَّا قول من قال: إنه يعد للاجتهاد، فيأتي تحقيق ذلك في كتاب التفسير إن شاء الله تعالى. وقوله: "أهل بيتي" بدل من عترتي، ففي "القاموس" (¬1) العِتْرة بكسر: نَسْل الرجُل ورهْطُه، وعشيرته الأدْنَوْن مِمَّن مَضَى وغَبَر. انتهى وفيه (¬2) أن الآل أهل الرجل، وأتباعه وأوليائه. انتهى. فعلى تقييده العترة لمن مضى وغبر قد قيده لفظ: "أهل بيتي" لما أبدله منه بالموجودين. ثم إنه اختلف العلماء قديماً وحديثاً من أراد بأهل بيته، ويأتي ذكر الخلاف فيه والأقوال في حرف الفاء إن شاء الله عند ذكر فضائل أهل بيته - صلى الله عليه وسلم -، وأما هنا فقد كفانا الراوي، وهو زيد بن أرقم فإنه فسرهم لما قيل له: من أهل بيته يا زيد! أليس نساؤه من أهل بيته؟ فقال: إن نساءه من أهل بيته, ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده، قال له السائل: ومن هم؟ قال: هم آل علي، وآل عقيل، وال جعفر، وآل العباس، قال له: أكل هؤلاء حرم عليهم الصدقة؟ قال: نعم. وقد ثبت أحاديث: "إن الصدقة لا تحل لآل محمد وأهل بيته" (¬3) وآل محمد بمعنى: واحد هنا. ¬

_ (¬1) "القاموس المحيط" (ص 560). (¬2) أي: في "القاموس المحيط" (ص 1245). (¬3) وهو حديث صحيح. أخرجه أحمد (6/ 8 - 9) وأبو داود رقم (1650) والنسائي رقم (2612) والترمذي رقم (657) وقال: هذا حديث صحيح. وأخرجه ابن خزيمة رقم (2344) وابن حبان رقم (3293) والطيالسي رقم (972) والبغوي في "شرح السنة" رقم (1607) من حديث أبي رافع.

وقوله: "لن يفترقا" كذا في الجامع (¬1) وفي الترمذي (¬2): "ولن" بزيادة الواو. واعلم أن حديث زيد بن أرقم سيأتي للمصنف في حرف الفاء فضل أهل البيت من رواية مسلم في صحيحه (¬3) وفيه زيادة، وقد اختلف العلماء في المراد من التوصية بهم وبالكتاب. فأما الكتاب فالاتفاق واقع بأنه توصية بالعمل به والانقياد لأحكامه والاتعاظ بمواعظه وغير ذلك من توقيره وتعظيمه وتلاوته وتعلمه وتعليمه، وأنه حجة يَنجي من الضلالة [والردة] (¬4) أو يهدي إلى السلامة في الأولى والأخرى، وأن المتمسك به لا يضل أبداً. وأما أهل البيت فحمله طائفة كبيرة على أن المراد بالتوصية [53 أ/ ج] والإخبار بأن المتمسك بهم لن يضل أبداً هو المتمسك بما أجمعوا عليه (¬5)، وأنه حجة يجب اتباعهم، ولا يجوز العدول عنها، قالوا: بدليل أن أفرادهم غير معصومين، وبدليل أنه لا حجة قائل بأن الواحد منهم حجة، وإن قيل به في علي - عليه السلام -، وأن كلامه حجة، لكن الحكم في الحديث عام لكل فرد منهم. قالوا: ومعنى أنهم لا يفارقون الكتاب أن إجماعهم حجة أبداً، وأنهما لن يفترقا في ¬

_ (¬1) "جامع الأصول" (1/ 278) رقم (66). (¬2) في "السنن" رقم (3788). (¬3) رقم (2408). (¬4) في المخطوط (ج): والرد. (¬5) لا حجة في إجماع أهل البيت لأنهم جزء من الأمة. وكذلك إجماع أهل المدينة، أو إجماع أهل الحرمين مكة والمدينة أو إجماع المصرين: البصرة, والكوفة، أو إجماع الأئمة الأربعة، وهذا على رأي جمهور الأصوليين. انظر كتابي: "مدخل إرشاد الأمة إلى فقه الكتاب والسنة" (ص 193 - 194).

صحبة كل واحد منهم إلى آخر دار التكليف وعبر بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "حتى يردا عليَّ الحوض" مبالغة، والمسألة مبسوطة في أصول الفقه سيما في الهداية شرح الغاية. وقال آخرون: بل التوصية بأهل البيت توصية بتوقيرهم وتعظيمهم ومحبتهم والإحسان إلى محسنهم، والتجاوز عن مسيئهم واغتفار زلاتهم، كل ذلك لأجل قرابتهم من أشرف خلق الله كما يقال: لعين تعدَّ ألف عين وتفتدى ... وتكرم ألف للحبيب المكرم بل قيل ما هو أبلغ من هذا: أحب لحبها السودان حتى ... أحب لحبها سود الكلاب وقيل: رأى المجنون كلباً ذات يوم فمدَّ له من الإحسان ذيلاً فلاموه عليه وعنفوه، وقالوا: لم مددت إليه ذيلاً؟ فقال لهم: دعوني إن عيني رأته ... مرة بفناء ليلى فيا هذا! إذا كانت تحب وتكرم الكلاب لأجل مشابهة لونها لون الأحباب أو لأجل أنها رؤيت في عفا أبوابهم والأعتاب فكيف لا يكرم ابني المختار ويحبون حباً في الجهر والإسرار، ويكرمون لإكرامه، ويعظمون لاستعظامه، وتغفر لهم كل زلة ويتأول لكل زلة منهم عذراً وعلة، وهذا القول أقرب من الأول، وأعم لكل أفرادهم، وأشمل وأتم في توقير المصطفى، وأدخل وأعظم في امتثال أمره، وأبتل. ويراد في قوله: "ما تمسكتم بهما" أن التمسك بالكتاب هو ما عرفته، والتمسك بالآل هو الاعتصام بحبهم ومعرفة حقهم كما سردناه، وأن رعاية حقهم سبب للهداية واللطف من أسباب الضلالة والغواية، ويدل على أن هذا المعنى المراد قوله - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث في رواية

زيد بن أرقم عند مسلم (¬1): "أذكركم الله في أهل بيتي .. أذكركم الله في أهل بيتي" كررها ثلاثاً؛ فإنها توصية تُنادي على طلب رعايتهم لا على أن إجماعهم حجة، وأي ملائمة لذلك للتذكير بالتكرير؟ ويدل له أيضاً حديث: "أحبوا أهل بيتي لمحبتي" (¬2) لأنه قد أعلمه الله لما ينال آله من الأمة، وما اتفق عليهم ما علمه كل من له في العلم بالسير همة. وأشار في الهمزية (¬3) إلى شيء من ذلك حيث قال عند ذكر الحسنين - عليهما السلام -: وبريحانتين طيبهما منـ .... ـك الذي حملتهما الزهراء من شهيدين ليس ينسى الـ ... طف مصابهما ولا كربلاء ما رعى فيهما ذمامك مرؤ ... س وقد خان عهدك الرؤساء أبدلوا التودد والحفيظة في القر ... بى وأبدت صنابها النافقاء [53 ب/ ج] وقست منهم قلوب على من ... بكت الأرض فقدهم والسماء فابكهم ما استطعت إن قليلاً ... في عظيمٍ من المصاب البكاء كل يوم وكل أرض بكربي ... منهم كربلا وعاشوراء غير أني فوضت أمري إلى ... الله وتفويض الأمور براء وقد ثبت أن الله أخبر رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن أمته تقتل ولده الحسين، وتذيقه، ومن معه كؤوس الحين، فلذا كرر التوصية بهم والتذكير فهذا وجه الأحاديث الواسعة والكلمات الجامعة منها ما ساقه ابن حجر في شرح الهمزية حيث قال: ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (2408). (¬2) أخرجه الترمذي رقم (3789) وقال: حديث حسن غريب، وهو حديث ضعيف من حديث ابن عباس. (¬3) ابن حجر في شرح الهمزية.

وفي الحديث: "والذي نفسي بيده! لا يؤمن عبد حتى يحبني، ولا يحبني حتى يحب ذويَّ أنا حرب لمن حاربهم سلم لن سالمهم، وعدو لن عاداهم، ألا من آذى قرابتي فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله تعالى" وغيره مما في معناه. قوله: "أخرجه الترمذي" (¬1) قلت: وقال: حسن غريب، ولكنه يأتي حديث زيد بن أرقم (¬2) هذا بأبسط لفظ، وأصح إسناداً كما أشرنا إليه. 55/ 3 - وعَن الْعِرْبَاضَ بْنَ سَارِيَةَ (¬3) - رضي الله عنه - قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ يَوْمٍ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا فَوَعَظَنَا مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ الله! كَأَنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا؟ فَقَال: "أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى الله، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ, وَإِنْ عَبْدًا حَبَشِيًّا، فَإِنَّهُ مَنْ [90/ ب] يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِى فَسَيَرَى اخْتِلاَفًا كثيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيَّينَ الرَّاشِدِينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكلَّ بِدْعَةٍ (¬4) ضَلاَلَةٌ". ¬

_ (¬1) في "سننه" رقم (3788) (¬2) عند مسلم في "صحيحه" رقم (2408). (¬3) انظر ترجمته في "الاستيعاب" (ص 590 رقم 2030). (¬4) قلت: لا بد من تعريف البدعة لغة وشرعاً، ومن ثم أن البدعة الدينية لا تقسم إلى الأحكام الخمسة، وكذلك الرد على محسني البدعة، وبيان أسباب انتشارها. 1 - معنى البدعة لغةً: البدعة لغة لها معنيان: أحدهما: الشيء المخترع على غير مثال سابق. قال الراغب الأصفهاني (أ): الإبدَاعُ إنشاء صنعةٍ بلا احتذاء واقتداء ومنه قيل: ركية بديع أي جديدة الحفر، وإذا استعمل في الله تعالى فهو إيجادُ الشيء بغير آلة ولا مادةٍ ولا زمانٍ ولا مكان، وليس ذلك إلا لله، والبديع يقال: للمبدع نحو قوله: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [البقرة: 117]،، ويقال: للمبدع نحو ركية بديعٌ، =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وكذلك البدع يقال: لهما جميعاً بمعنى: الفاعل والمفعول، وقوله تعالى: {قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ} [الأحقاف: 9] قيل: معناه مبدعاً لم يتقدمني رسولٌ، وقيل: فيما أقوله. الثاني: التعب والكلال، يقال: أُبدعت الإبلُ إذا بركت في الطريق من هزال أو داء أو كلال، وقد لا يكون الإبداع إلا بظلع، يقال: أبدعتْ به راحلته إذا ظلعت إلا أن المعنى الثاني يعود إلى المعنى الأول، لأن معنى أبدعت الراحلة بدأ بها التعب بعد أن لم يكن بها، وقد أشار ابن منظور إلى هذا المعنى فقال: كأنه جعل انقطاعها عما كانت مستمرة عليه من عادة السير إبداعاً. أي: إنشاء أمر خارج عما اعتيد منها (ب). ومما سبق يتبين أن البدعة اسم هيئة من الإبداع، وهي كل مما أحدث غير مثال سابق، وهي تطلق في عالم الشر والخير، وأكثر ما تستعمل عرفاً في الذم (جـ). 2 - معنى البدعة شرعاً: اختلف العلماء في تحديد معنى البدعة شرعاً: فمنهم: من جعلها في مقابل السنة. ومنهم: من جعلها عامة تشمل كل ما أحدث بعد عصر الرسول - صلى الله عليه وسلم -، سواءً كان محموداً أو مذموماً، ولعل أفضلها وأجمعها: هي طريقة في الدين مخترعة، تضاهي الشريعة, يقصد بها التقرب إلى الله، ولم يقم على صحتها دليل شرعي صحيح أصلاً أو وصفاً (د). قلت: بقصد التقرب إلى الله خرجت البدع الدنيوية: كتصنيف الكتب في علم النحو، وأصول الفقه، ومفردات اللغة، وسائر العلوم الخاصة للشريعة، والسيارات، والأسلحة والآلات الزراعية والصناعية، فكلها وسائل مشروعة؛ لأنها تؤدي إلى ما هو مشروع بالنص، وهي التي تقبل التقسيم إلى الأحكام الخمسة: 1 - واجبة. 2 - ومندوبة. 3 - ومباحة. 4 - ومكروهة. 5 - ومحرمة. 3 - الأدلة الواضحة على أن البدعة الدينية لا تقسم إلى الأحكام الخمسة: =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = الأول: قول الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3]. قال الشيخ أحمد محمد شاكر في "عمدة التفسير" (أ): هذه أكبر نعم الله تعالى على هذه الأمة، حيث أكمل تعالى لهم دينهم، فلا يحتاجون إلى دين غيره، ولا إلى نبي غير نبيهم صلوات الله وسلامه عليه, ولهذا جعله الله تعالى خاتم الأنبياء، وبعثه إلى الإنس والجن، فلا حلال إلا ما أحله الله، ولا حرام إلا ما حرمه الله، ولا دين إلا ما شرعه، وكل شيء أخبر به فهو حق وصدق، لا كذب فيه ولا خلف, كما قال تعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا} [الأنعام: 115] أي: صدقاً في الإخبار، وعدلاً في الأوامر والنواهي، فلما أكمل لهم الدين تمت عليهم النعمة، ولهذا قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3] أي: فارضوه أنتم لأنفسكم فإنه الدين الذي أحبه الله ورضيه، وبعث به أفضل الرسل الكرام، وأنزل به أشرف كتبه. اهـ. الثاني: حديث العرباض بن سارية الآتي رقم (55/ 3). وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عبد الله قَالَ: كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إِذَا خَطَبَ احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ، وَعَلاَ صَوْتُهُ وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ، حَتَّى كَأنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ، يَقُولُ: "صَبَّحَكُمْ وَمَسَّاكُمْ". وَيَقُولُ: "بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ كَهَاتَيْنِ". وَيَقْرُنُ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى وَيقُولُ: "أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ خَيْرَ الحدِيثِ كِتَابُ الله، وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ، وَشَرُّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ" (ب). قال شيخ الإسلام (جـ): ولا يحل لأحد أن يقابل هذه الكلمة الجامعة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الكلية، وهي قوله: "كل بدعة ضلالة" بسلب عمومها، وهو أن يقال: ليست كل بدعة ضلالة، فإن هذا إلى مشاقة الرسول أقرب منه إلى التأويل. اهـ. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي (أ): فقوله - صلى الله عليه وسلم -: "كل بدعة ضلالة" من جوامع الكلم لا يخرج عنه شيء، وهو أصل عظيم من أصول الدين، وهو شبيه بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد" (ب)، فكل من أحدث شيئاً ونسبه إلى الدين ولم يكن له أصل من الدين يرجع إليه فهو ضلالة والدين بريء منه، وسواءً في ذلك مسائل الاعتقادات أو الأعمال، أو الأقوال الظاهرة والباطنة, وأما ما وقع في كلام السلف من استحسان بعض البدع فإنما ذلك في البدع اللغوية لا الشرعية. اهـ. الثالث: عن سلمان قال: قيل له: - أي من قبل اليهود -: قد علَّمَكُم نبيُّكم كلَّ شيء حتى الخِرَاءة قال: فقال: أجل. "لقد نهانا أن نستقبل القبلة بغائط أو بول، أو أن نستنجي باليمين، أو أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار، أو أن نستنجي برجيع أو بعظم" (جـ). قلت: بهذا يتضح لكل ذي لبّ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يدع صغيرة ولا كبيرة في شأن الدين إلا أوضح حكمها، وعلمها للمسلمين مما أثار دهشة وإعجاب أعدائه في القديم، وكذلك في العصر الحديث. الرابع: عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم، كل بدعة ضلالة (د). وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: الاقتصاد في السنة أحسن من الاجتهاد في البدعة (هـ). =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = الخامس: عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله حجب التوبةَ عن كل صاحب بدعةٍ" وهو حديث صحيح (أ). قال الشيخ علي محفوظ (ب): قد وصفت البدعة وأهلها في لسان الشرع وأهله بصفات محذورة ومعان مذمومة, تقضي بأن يكون معناها ما ذهب إليه أصحاب الطريقة الأولى، وهو: أن يكون الابتداع مشاركة للشارع في التشريع، ومضاهاة له في سن القوانين وإلزام الناس السير على مقتضاها. اهـ. أقول: بما قدمت من الأدلة، وبما جرى عليه أفهام السلف الصالح تعلم أن البدعة في الدين لا تقسم إلى الأحكام الخمسة، وأن المبتدع معاند للشرع، ومشاق له, لأن الشارع قد عين لمطالب العبد طرقاً خاصة على وجوه خاصة، وقصر الخلق عليها بالأمر والنهي، والوعد والوعيد، وأخبر أن الخير فيها، وأن الشر في تعديها إلى غير ذلك, لأن الله يعلم ونحن لا نعلم، وأنه إنما أرسل الرسول - صلى الله عليه وسلم - رحمة للعالمين، فالمبتدع رادٌ لهذا كله، فإنه يزعم أن ثم طرقاً أخر، ليس ما حصره الشارع بمحصور، ولا ما عينه بمتعين، كأن الشارع يعلم، ونحن أيضاً نعلم، بل ربما يفهم من استدراكه الطرق على الشارع، أنه علم ما لم يعلمه الشارع. وهذا إن كان مقصوداً للمبتدع فهو كفر بالشريعة والشارع، وإن كان غير مقصود، فهو ضلال مبين (جـ). 4 - شبهات محسني البدع والرد عليها: الأولى: احتج بعض الناس بالأثر الذي صح عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أن في الدين بدعة حسنة: أما الأثر: عن ابن مسعود - رضي الله عنه - فقوله: "إن الله نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمَّد - صلى الله عليه وسلم - خير قلوب العباد فاصطفاه لنفسه فابتعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمَّد - صلى الله عليه وسلم - فوجد =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = قلوب أصحابه خير قلوب العباد، فجعلهم وزراء نبيه يقاتلون على دينه, فما رأى المسلمون حسناً فهو عند الله حسن، وما رأوا سيئاً فهو عند الله سيء" (أ). الرد على الشبهة الأولى: 1 - إن الأثر صحيح عن ابن مسعود، ولكن لا يجوز أن يحتج في معارضة النصوص القاطعة كقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة" (ب) وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمَّد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة" (جـ). 2 - على افتراض صلاحية الاحتجاج بالأثر الصحيح، فإنه لا يعارض تلك النصوص لأمور كثيرة: منها: أن المراد بالأثر إجماع الصحابة وأتفاقهم على أمر، كما يدل عليه السياق، ويؤيده استدلال ابن مسعود على إجماع الصحابة على انتقاء أبي بكر - رضي الله عنه - خليفة, كما في رواية الحاكم، وعليه فاللام في المسلمون ليس للاستغراق كما يتوهمون، بل للعهد. ومنها: إذا سلمنا أنه للاستغراق، فلا نسلم أن المراد به قطعاً كل فرد من المسلمين، ولو كان جاهلاً لا يفقه من العلم شيئاً، فلا بد إذن من أن يحمل على أهل العلم منهم بلا خلاف. 3 - وخلاصة القول: أن الأثر لا متمسك به لمن قال: إن في الدين بدعة حسنة, كيف وابن مسعود - رضي الله عنه - أشد الصحابة محاربة للبدعة، والنهي عن اتباعها، وقد أوردت طرفاً من أقواله - رضي الله عنه - فيما سبق (د). =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = الثانية: واحتج بعض الناس بالأثر الذي صح عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - على أن في الدين بدعة حسنة. أما الأثر: عن عبد الرحمن بن عبد القاري، أنه قال: خرجت مع عمر بن الخطاب في رمضان إلى المسجد، فإذا الناس أوزاع متفرقون يصلى الرجل لنفسه، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط، فقال عمر: والله إني لأراني لو جمعت هؤلاء على قارئ واحدٍ لكان أمثل، فجمعهم على أبي بن كعب قال: ثم خرجت معه ليلة أخرى، والناس يصلون بصلاة قارئهم، فقال عمر: نعمت البدعة هذه والتي تنامون عنها أفضل من التي تقومون يعني آخر الليل، وكان الناس يقومون أوله (أ). الرد على الشبهة الثانية: 1 - إن الأثر صحيح عن عمر - رضي الله عنه -، لكن قول الصاحب ليس حجة إذا خالف الحديث الصحيح. 2 - إن صلاة القيام مشروعة بنص حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرغب في قيام رمضان من غير أن يأمرهم فيه بعزيمة, فيقول: "من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه" فتوفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والأمر على ذلك؛ ثم كان الأمر على ذلك في خلافة أبي بكر، وصدراً من خلافة عمر على ذلك (ب). 3 - كما أن صلاة القيام جماعة مشروعة بنص حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فعن عائشة - رضي الله عنها - أخبرت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: خرج ليلة من جوف الليل فصلى في المسجد، وصلى رجال بصلاته، فأصبح الناس فتحدثوا، فاجتمع أكثر منهم، فصلى فصلوا معه فأصبح الناس فتحدثوا فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة، فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصلى بصلاته, فلما كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله حتى خرج لصلاة الصبح، فلما قضى الفجر أقبل على الناس فشهد، ثم قال: "أما بعد: فإنه لم يخف عليَّ مكانكم، ولكني خشيت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها" فتوفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والأمر على ذلك (جـ). قلت: لقد اتضح من الحديثين السابقين أن صلاة القيام في رمضان مشروعة وصلاتها جماعة مشروعة، وإنما ترك النبي - صلى الله عليه وسلم - الحضور في الليلة الرابعة مخافة أن تفرض على المسلمين، فلما انقطع الوحي بموت رسول الله =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = - صلى الله عليه وسلم - أمن ما خاف منه الرسول - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن العلة تدور مع المعلول وجوداً وعدماً، فبقيت السنة للجماعة لزوال العارض، فجاء عمر - رضي الله عنه -، أمر بصلاتها جماعة إحياء للسنة التي شرعها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وبهذا تعلم أن مفهوم البدعة لا ينطبق على فعل عمر - رضي الله عنه -. ويقول ابن تيمية - رحمه الله -: أكثر ما في هذا تسمية عمر تلك بدعة مع حسنها، وهذه تسمية لغوية لا تسمية شرعية (أ). الثالثة: احتج بعض الناس بقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من سنّ في الإِسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده, من غير أن ينقص من أجورهم شيء" على أن في الدين بدعة حسنة. أما الحديث: عن جرير بن عبد الله قال: جاء ناسٌ من الأعراب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليهم الصوف فرأى سوء حالهم قد أصابتهم حاجة, فحث الناس على الصدق, فأبطؤا عنه, حتى رؤي ذلك في وجهه. قال: ثم إن رجلاً من الأنصار جاء بصرة من ورقٍ، ثم جاء آخر، ثم تتابعوا حتى عرف السرور في وجهه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من سن في الإِسلام سنة حسنة فعمل بها بعده, كتب له مثل أجر من عمل بها, ولا ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإِسلام سنة سيئة، فعمل بها بعده كتب عليه مثل وزر من عمل بها، ولا ينقص من أوزارهم شيء" (ب). الرد على الشبهة الثالثة: أقول: من سياق الحديث تعلم أن ما فعله الأنصاري إنما هو ابتداؤه الصدقة في تلك الحادثة، والصدقة مشروعة من قبل بالنص. فالسنة الحسنة هي إحياء أمر مشروع أهمل الناس العمل به, ففي عصرنا الحاضر لو أن إنساناً أحيا سنة مهجورة يقال: أتى بسنة حسنة، ولا يقال أتى ببدعة حسنة. والخلاصة: أن الحديث لا متمسك به لمن قال: أن في الدين بدعة حسنة. الرابعة: حمل بعض الناس قوله - صلى الله عليه وسلم -: "كل بدعة ضلالة" على المعاصي التي نهى عنها الشارع الحكيم، مثل: الزنى، والسرقة, والقتل وغيرها. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = الرد على الشبهة الرابعة: هذا الحمل فيه تعطيل لفائدة الحديث، وهو نوع من التحريف, وفيه من المفاسد أشياء: 1 - سقوط الاعتماد على هذا الحديث، فإن المنهي عنه علم حكمه بذلك التخصيص. 2 - إن اسم البدعة يكون عدم التأثير. 3 - مساواة البدع بالمعاصي، وغالباً أن البدع شر من المعاصي. 4 - أن قوله: "كل بدعة ضلالة، وإياكم ومحدثات الأمور" إذا أراد بهذا ما فيه نهي خاص، كان قد أحالهم في معرفة المراد بهذا الحديث على ما لا يكاد يحيط به أحد، ولا يحيط بأكثره إلا خواص الأمة، ومثل هذا لا يجوز بحال (أ). الخامسة: زعم بعض الناس أن جمع القرآن وكتابته في المصحف والاقتصار على مصحف عثمان - رضي الله عنه - بدعة في الدين أحدثها الصحابة والتابعون، وهذا دليل على استحسان البدع. الرد على الشبهة الخامسة: 1 - ملائمة ما فعله الصحابة - رضي الله عنهم - لمقاصد الشرع بحيث لا تنافي أصلاً من أصوله، ولا دليلاً شرعياً من دلائله. 2 - إن جمع القرآن لم يأت به الصحابة - رضي الله عنهم - من تلقاء أنفسهم، بل هو تحقيق لوعد الله بحفظه، قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)} [الحجر: 9]، وكذلك تحقيق لوعد الله بحفظه وتأليفه، قال تعالى: {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17)} [القيامة: 17] (ب) ومن الآيتين يتبين لنا أن الذي شرع الغاية لم ينس الوسيلة، فكما أن حفظ القرآن غاية شرعها الله كذلك جمعه وسيلة بينها الله. فكان القرآن على عهد النبوة مكتوباً في الصحف التي هي الرقاع والعسب (جـ) واللخاف (د) وكذلك صدور الرجال، فلما رأى الصحابة أن القتل استحر بالقراء يوم اليمامة لجأوا إلى الوسائل الأخرى التي كان القرآن مكتوباً فيها فجمعوها، وكان ذلك إيذاناً من الله بتحقيق جمع القرآن وحفظه. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ 3 - إن اتفاق الصحابة - رضي الله عنهم - وقع على جمع القرآن, وذلك إجماع منهم وهو حجة بلا ريب (أ). 4 - إن حاصل ما فعله الصحابة - رضي الله عنهم - هو من المصالح المرسلة وليس من البدع (ب) كما هو من وسائل حفظ أمر ضروري، أو دفع ضرر اختلاف المسلمين في القرآن, والأمر الأول من باب: "درء المفاسد وسد الذرائع" وهي قواعد أصولية مستنبطة من الكتاب والسنة. 5 - إن الله تعالى سمى القرآن كتاباً في كثير من الآيات (جـ) فأفاد ذلك وجوب كتابته كله، ولذلك اتخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - كتاباً للوحي (د) وتفريق الصحف المكتوبة لا يعقل أن يكون مطلوباً للشارع حتى يحتاج جمعها إلى دليل خاص، ولم يأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بجمعها في حياته لاحتمال المزيد، وكذلك احتمال النسخ في كل سورة ما دام حياً كما قال العلماء. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ 5 - ضرورة معرفة البدع الدينية: إن مما ينبغي العلم به معرفة البدع التي أدخلت في الدين, لأنه لا يتم للمسلم التقرب إلى الله تعالى إلا باجتنابها, ولا يمكن ذلك إلا بمعرفة مفرداتها إذا كان لا يعرف قواعدها وأصولها، وإلا وقع في البدعة وهو لا يشعر، فالبدع من الشر الذي ينبغي معرفته لا لإتيانه بل لاجتنابه. وهذا المعنى مستقى من السنة النبوية، فقد قال حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه -: كان الناس يسألون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الخير، وكنتُ أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله! إنا كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير شر؟ قال: "نعم" فقلت: هل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: "نعم، وفيه دخن" قلت: وما دخنه؟ قال: "قوم يستنون بغير سنتي، ويهدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر" فقلت: هل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: "نعم، دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها" فقلت: يا رسول الله! صفهم لنا. قال: "نعم، قوم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا ... الحديث" (أ). 6 - بعض أسباب انتشار البدع: 1 - أحاديث ضعيفة لا يجوز الاحتجاج بها, ولا نسبتها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو مذهب جماعة من أهل العلم (ب). 2 - أحاديث موضوعة, أو لا أصل لها، خفي أمرها على بعض الفقهاء فبنوا عليها أحكاماً هي من صميم البدع ومحدثات الأمور. 3 - اجتهادات واستحسانات صدرت من بعض الفقهاء خاصة المتأخرين منهم، لم يدعموها بأي دليل شرعي، بل ساقوها مساق المسلمات من الأمور، حتى صارت سنناً تتبع! ولا يخفى على المتبصر في دينه أن ذلك مما لا يسوغ اتباعه، إذ لا شرع إلا ما شرعه الله تعالى (جـ) وحسب المستحسن - إن كان مجتهداً - أن يجوز له هو العمل بما استحسنه وأن لا يؤاخذه الله به, أما أن يتخذه الناس ذلك شريعة وسنة فلا، ثم لا، فكيف وبعضها مخالفاً للسنة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ 4 - عادات وخرافات لا يدل عليها الشرع، ولا يشهد لها عقل، وإن عمل بها بعض الجهال واتخذوها شرعة لهم، ولم يعدموا من يؤيدهم ولو في بعض ذلك ممن يدعي أنه من أهل العلم، ويتزيا بزيهم (أ). وأختم الفائدة الرابعة بنصيحة أقدمها إلى القراء من إمام كبير من علماء المسلمين الأولين، وهو الشيخ: حسن ابن علي البربهاري من أصحاب الإِمام أحمد رحمه الله تعالى المتوفى سنة (329 هـ) قال: واحذر صغار المحدثات من الأمور، فإن صغار البدع تعود حتى تصير كباراً، وكذلك كل بدعة أحدثت في هذه الأمة كان أولها صغيراً يشبه الحق فاغتر بذلك من دخل فيها, لم ثم يستطع المخرج منها، فعظمت، وصارت ديناً يدان به. فانظر رحمك الله كل من سمعت كلامه من أهل زمانك خاصة, فلا تعجلن، ولا تدخلن في شيء منه حتى تسأل وتنظر، هل تكلم فيه أحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أو أحدٌ من العلماء؟ فإن أصبت فيه أثراً عنهم فتمسك به، ولا تجاوزه لشيء ولا تختر عليه شيئاً فتسقط في النار. واعلم رحمك الله أنه لا يتم إسلام عبد حتى يكون متبعاً مصدقاً مسلماً، فمن زعم أنه قد بقي شيء من أمر الإِسلام لم يكفوناه أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد كذبهم، وكفى بهذا فرية وطعناً عليهم، فهو مبتدع ضال مضل، محدث في الإِسلام ما ليس فيه (ب).

أخرجه أبو داود (¬1) والترمذي (¬2). ¬

_ (¬1) في "سننه" رقم (4607). (¬2) في "سننه" رقم (2676) وقال: حديث حسن صحيح. قلت: وأخرجه أحمد (4/ 126 - 127) وابن ماجه رقم (43، 44) والدارمي (1/ 44 - 45) والحاكم (1/ 95 - 97) وقال: هذا حديث صحيح ليس له علة, ووافقه الذهبي. وابن أبي عاصم في "السنة" (1/ 17، 29) (19، 30) والآجري في "الشريعة" (ص 46 - 47) وابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله" (2/ 181 - 182) من طرق. =

ومعنى: "عضوا عليها بالنواجذ" أي: تمسكوا بها كما يتمسك العاضُّ بجميع أضراسه. الثالث: "وعن العرباض" بكسر العين المهملة, وسكون الراء فضاد معجمة بزنة سارية بالمهملة فراء فمثناة تحتيه. في "الاستيعاب": أنه يكنى أبا يحيى كان من أهل الصفة، وسكن الشام وبها مات سنة خمس وسبعين، وقيل: مات في فتنة ابن الزبير. روى عنه من الصحابة أو رهم، وأبو أمامة، وروى عنه جماعة من تابعي أهل الإِسلام انتهى. قوله: "صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -". أقول: لفظ الترمذي تعيين الصلاة بأنها صلاة الغداة أوله في الجامع، قال عبد الرحمن ابن عمرو السلمي وحجر بن حجر: أتينا العرباض بن سارية - وهو ممن نزل فيه: {وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ} (¬1) وقلنا: أتيناك رائدين وعائدين ومقتبسين، فقال العرباض: "صلى بنا". وقوله: "ذرفت" في "النهاية" (¬2): ذَرَفت تذرف جرى دمعها. وفي "القاموس" (¬3): ذَرَفَ الدَّمْعُ يذرِفُ ذَرْفَاً وذُروفاً وتَذْرافاً، سال وعينه سال دمْعها، انتهى. فهو من باب ضرب. ¬

_ = قال الألباني في "تخريج المشكاة" (1/ 58): وصححه جماعة منهم الضياء المقدسي في اتباع "السنن" واجتناب البدع (ق 79/ 1). (¬1) سورة التوبة: (92). (¬2) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 159). (¬3) "القاموس المحيط" (1048).

والوجل: المخافة وجل كهرج، والظاهر أن سيلان الدمع يقع بعد الوجل, لأن الوجل لأن الواو لا تقتضي الترتيب وكأنه فرقه لظهوره بخلاف الوجل والوعظ التذكير ما يؤثر في القلوب من ترغيب وترهيب. وقوله: "وإن كان" أي: المسموح له والمطاع عبداً حبشياً فيه وجوب الطاعة للأمراء كما سلف، وأنه كان ليس من ذوي الأمراء المستحقين له فلا ينافيه حديث: "الأئمة من قريش" (¬1) وكأنه قيل: أو يكون ذلك؟ فقال: "فإنه من يعش منكم" أيها المخاطبون بعدي بعد وفاتي. "فسيرى اختلافاً كثيراً" هذا من أعلام النبوة فقد وقع بعد وفاته اختلافاً كثيراً وسفكاً للدماء، وتغييراً للأمور. وكأنه قيل: فماذا نصنع حينئذ؟ فقال: "فعليكم بسنتي" طريقتي. "وسنة الخلفاء الراشدين المهديين" أي: طريقتهم إغراء للمخاطبين بالاهتداء بهديه، والتمسك بسنته والمراد بالخلفاء الأربعة وكل خليفة على طريقتهم وسنتهم، وليس لهم سنة غير سنته - صلى الله عليه وسلم -، وإنما هو إخبار بأنهم لا يفارقون سنته إذ لو فارقوها وابتدعوا [54/ أ/ ج] سنة منهم لم يكونوا راشدين ولا مهديين فكأنه قال - صلى الله عليه وسلم -: فعليكم بسنتي التي سلكها واستن بها الخلفاء الموصوفون بما ذكر. ¬

_ (¬1) وهو حديث صحيح. أخرجه ابن أبي عاصم في كتاب "السنة" رقم (1120) وقد خرَّج طرق هذا الحديث الألباني في "الإرواء" رقم (520). • أخرج البخاري رقم (3501) ومسلم رقم (1820). عن ابن عمر - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي منهم اثنان". • وأخرج البخاري رقم (3500) من حديث معاوية إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن هذا الأمر في قريش، لا يعاديهم أحدٌ إلا كبه الله على وجهه, ما أقاموا الدين". وفي رواية للبخاري أيضاً رقم (7139): "لا يعاديهم أحد إلا كبه الله في النار على وجهه".

وقد وهم في الحديث من زعم أنَّ ما ابتدعه الخلفاء الأربعة فهو سنة، ولذا قالوا: جماعة التراويح سنة؛ لأنه قد سنها عمر أحد الخلفاء، فهي داخلة تحت الحديث وهو غلط، فإن عمر - رضي الله عنه - صرح بأنها بدعة (¬1) كما يأتي إن شاء الله في قيام رمضان. وأما قوله: "ونعمة البدعة" (¬2) فهي دعوى منه، وإلا فما في البدع ما يمدح، ولو كان ما فعلوه سنة كسنته - صلى الله عليه وسلم - لما خالفهم الصحابة، فإنهم خالفوا عمر في نهيه عن متعة الحج، فتمنعوا وخالف علي - عليه السلام - عثمان في متعة القرآن، فأهلَّ بها، وقال: سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وبالجملة فلا يدعي أن ما سنوه كسنته - صلى الله عليه وسلم - إلا جاهل، ولذا حذر بعد ذلك من محدثات الأمور فهو احتراز عن وهم أن للخلفاء سنة يشتغلون بها، بل كل ما خالف سنته - صلى الله عليه وسلم - فهو من محدثات الأمور التي هي بدع وهي ضلالات، فلله در الكلام النبوي ما أشرفه وأوفاه وأسلمه عن الاشتباه. ويحتمل: أن يراد سنتهم سيرتهم في الرعية، وقسمتهم بالسوية، وتقيدهم للشريعة النبوية في كل مسألة ظاهرة وخفية. ¬

_ (¬1) تقدم الرد على هذه الشبهة عند شرح وتحقيق الحديث رقم (55/ 3) من كتابنا هذا: الرد على الشبهة الثانية. (¬2) قال ابن تيمية في "اقتضاء الصراط المستقيم" (ص 275 - 277) ط: "المعرفة": وهذه تسمية لغوية لا تسمية شرعية. قلت: لما ثبت في الأحاديث الصحيحة أن قيام رمضان مشروع، والصلاة جماعة مشروعة وإنما ترك النبي - صلى الله عليه وسلم - الحضور في الليلة الرابعة مخافة أن تفرض على المسلمين، فلما مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وانقطع الوحي أمن ما خاف منه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأن العلة تدور مع المعلول وجوداً وعدماً، فبقيت السنة للجماعة لزوال العارض، وبهذا تعلم أن مفهوم البدعة لا ينطبق على فعل عمر - رضي الله عنه -.

والبدعة في "القاموس" (¬1): الحَدَثُ في الدين بعدَ الإكمَالِ، أو ما استُحْدِث بعد النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - من الأقوال والأعمال. انتهى. وفسر ابن الأثير (¬2) محدثات الأمور بقوله: ما لم يكن معروفاً في كتابٍ ولا سنةٍ ولا إجماع، وقال (¬3): الابتداع إن كان في خلاف ما أمر الله به ورسوله، فهو في حيِّز الذمَّ والإنكار، وإن كان واقعاً تحت عموم ما نَدَبَ الله [إليه] (¬4) وحضَّ عليه أو رسوله، فهو في حيِّز المدح، وإن لم يكن فمثاله موجود كنوعٍ من الجود والسخاء، وفعل المعروف، فهذا فعل من الأفعال المحمودة، وإن لم يكن الفاعل قد سُبِق إليه، ولا يجوز أن يكون ذلك في خلاف ما وردَ به الشرع لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد جعل له في ذلك ثواباً فقال: "من سنَّ سنةً حسنة فإن له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة" (5) وقال في ضده: "من سنَّ سنةً سيئةً كان عليه وزرها ووزر من عمل بها" (¬5) وذلك إذا كان في خلاف ما أمر الله به ورسوله، قال (¬6): ويعضدُ ذلك قول عمر بن الخطاب في صلاة التراويح: "نعمة البدعة هذه" لما كانت من أفعال الخير وداخلة في حيز المدح فسماها بدعة ومدحها، انتهى. قلت: أما مدحها فدعوى (¬7)، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "كل بدعة ضلالة" بلفظ عام لا يخصص منه شيء من البدع إلا بنص نبوي لا باجتهاد، وإلا كان كل مبتدع لا يأتي ببدعة إلا وقد زينها ¬

_ (¬1) القاموس المحيط" (ص 906). (¬2) في "جامع الأصول" (1/ 280). (¬3) أي: ابن الأثير في "جامع الأصول" (1/ 280 - 281). (¬4) زيادة من "جامع الأصول". (¬5) أخرجه مسلم في "صحيحه" رقم (1017) من حديث جرير. (¬6) أي: ابن الأثير في "جامع الأصول". (¬7) انظر الرد على محسني البدع في تخريج وتحقيق الحديث رقم (55/ 3) من كتابنا هذا.

باجتهاده لموافقة مراده وفعل الخير قد أمر الله به فقال: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77)} (¬1) فتمثيله في الجود والسخاء هو من فعل الخير إن كان من حلِّه في محله على قدره، وإلا فهو من المنهي عنه، فإن الله لا يقبل صدقة من غلول ولا من ذي الإسراف إن جاوز. والابتداع المذموم ما كان في الدين وهو قسمان: ابتداع بزيادة أو نقصان مما شرعه الله وجد الكتاب مسوق لذم الابتداع في الدين، ولذا قال: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء" وسنته - صلى الله عليه وسلم - كلها دين وطريقته كلها هذا، وما خالفها بزيادة أو نقصان فهو من محدثات الأمور، وقد جعلها قسماً للسنة وجعلها بدعة، وجعل البدعة ضلالة، وهذا الابتداع في الدين هو الذي ملأ البقاع وعاد به الدين غريباً يصك منه بالبدع الأسماع، وإنما عظم شأن البدعة، وصارت ضلالة؛ لأنها رد [54 ب/ ج] لقول الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} (¬2) الآية. وكقوله: "تركتم على" (¬3) "كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد" (¬4) والمبتاع بالزيادة في الدين يقول بلسان حاله: ما كمل الدين، بل نكمله بالابتداع، وليس ما لم يكن عليه أمره - صلى الله عليه وسلم - مردود، بل مقبول والمبتدع بالنقصان لقول ما كمل الدين إلا بالنقص منه، فهذا النقص هو الكمال، ورد الحديث كالأول، ولهذا كثرت الأحاديث في ذم الابتداع والتحذير منه، وأنه لا يقبل لصاحبه عمل، ولنذكر شطراً من ذلك فهذا محله. ¬

_ (¬1) سورة الحج: (77). (¬2) سورة المائدة (3). (¬3) يشير إلى الحديث الذي أخرجه أحمد في "المسند" (4/ 126) والحاكم في المستدرك (1/ 96) من حديث العرباض بن سارية وفيه: "قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك ... "، وهو حديث صحيح بطرقه وشواهده. (¬4) وهو حديث صحيح من حديث عائشة، وقد تقدم تخريجه.

أخرج الشيخان (¬1) من حديث عائشة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" ويأتي في التفسير قريباً. وأخرج مسلم (¬2) وابن ماجه (¬3) وغيرهما من حديث جابر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمَّد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة". وأخرج الطبراني (¬4) قال المنذري (¬5): بإسناد حسن من حديث أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله حجب التوبة عن كل صاحب بدعة حتى يدع بدعته". ورواه ابن ماجه (¬6) وابن أبي عاصم في كتاب السنة (¬7) من حديث ابن عباس، ولفظه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يقبل الله لصاحب بدعة صوماً، ولا حجاً، ولا عمرة, ولا جهاداً، ولا صرفاً ولا عدلاً، يخرج من الإِسلام كما تخرج الشعرة من العجين". والأحاديث في الباب واسعة، ومفاسد الابتداع بحر لا يبلغ قعره كتابة يراع، وقد فاض بحره حتى غلب السنة وأشرع في نحرها الأسنة، فإنا لله وإنا إليه راجعون. ¬

_ (¬1) البخاري رقم (2697) ومسلم رقم (1718). قلت: وأخرجه أبو داود رقم (4606) وابن ماجه رقم (14). (¬2) في "صحيحه" رقم (43/ 867). (¬3) في "سننه" رقم (45). (¬4) كما في "مجمع الزوائد" (10/ 189) وقال الهيثمي: أخرجه الطبراني في الأوسط رقم (4202) ورجاله رجال الصحيح غير هارون بن موسى الفروي، وهو ثقة. (¬5) في الترغيب والترهيب (1/ 86): رواه الطبراني وإسناده حسن. وقال الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (1/ 25 رقم 52 ط: المكتب الإِسلامي" صحيح وانظر "الصحيحة" رقم (1620). (¬6) في "سننه" رقم (50). (¬7) في السنة رقم (39) بسند ضعيف. وهو حديث ضعيف. انظر "الضعيفة" رقم (1492).

ولنذكر مقالاً من ذلك ليكون قدوة للمناظر وعبرة للناظر، وهو أنه قد ثبت في جميع كتب الحديث الصحيحة وغيرها أنه لما أنزل الله على رسوله - صلى الله عليه وسلم -: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56)} (¬1) سألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال بشير بن سعد: يا رسول الله! أخبرنا الله أن نصلي عليك فكيف نصلي عليك؟ فسكت، ثم قال: "قولوا: اللهم! صل على محمَّد وعلى آل محمَّد كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمَّد وعلى آل محمَّد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد" رواه مسلم (¬2). فانقسم الناس طائفتان: طائفة ابتدعت في هذا اللفظ بالنقص، وهم أكثر أهل الدنيا: الحرمين والشام، ومصر، فأسقطوا منه لفظ الآل، فلا يقولون في خطبهم وتدريسهم وتأليفهم إلى - صلى الله عليه وسلم - ولا تفوه بالصلاة المشروعة إنسان، ولا يعرف لها وجود (¬3) في لسان، فهذه بدعة النقصان التي لا يأتي لغيرها في جميع ما ذكرناه من الأقطار أحد من الأعيان. وابتدعت الطائفة الأخرى بدعة الزيادة في هذه الدعوات النبوية، والصلاة المحمدية فنصوا على أربعة من أعيان الآل، وأطالوا في ذكرهم الأوصاف، وخرجوا عن المشروع، وألهبوا نار الخلاف لما يعرضون به من الألفاظ مما فيه للشر إيقاظ، وهذه بدعة الزيادة حديث في اليمن في المساجد من نحو ثلاثين سنة، وإلا فإنهم كانوا يأتون بالألفاظ التي ليس فيها زيادة ولا نقصان، بل يذكرون آل محمَّد - صلى الله عليه وسلم - كما أمروا به. ¬

_ (¬1) سورة الأحزاب الآية: (56). (¬2) في "صحيحه" رقم (65/ 405) من حديث أبي مسعود الأنصاري. (¬3) مكررة في المخطوط.

فهذه قطرة من الابتداع زيادة ونقصان، وقس عليها غيرها مما يزيدك إيضاحاً وبياناً لتغيير العباد لأنواع من العبادات بالابتداع، وفيه ما سمعته من الزجر الذي ملأ الأسماع، فلهذا قال - صلى الله عليه وسلم -[55 أ/ ج] هنا: "أن كل بدعة ضلالة"، {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63)} (¬1). قوله: "أخرجه أبو داود والترمذي": أقول: لفظ الجامع (¬2) بعد سياقه للفظ المصنف هنا: أخرجه أبو داود وأخرجه الترمذي. ولم يذكر الصلاة، وفي آخره تقديم وتأخير. قلت: وقال: حسن صحيح، ولكنه قال أبو محمَّد بن حزم: إنه حديث لا يصح؛ لأنه مروي عن مولى لربعي مجهول، وعن المفضل الضبي وليس بحجة، انتهى. قلت: تتبعت رجال الترمذي فلم يكن فيها من ذكره نعم فيهما بقية بن الوليد، وفيه لأئمة الحديث مقال، وتتبعت رجال أبي داود فلم أجد فيهم مولى ربعي ولا المفضل الضبي كما قاله أبو محمَّد بن حزم، فلا يعتبر ما قاله (¬3). ¬

_ (¬1) سورة النور الآية: (64). (¬2) في "جامع الأصول" (1/ 279). (¬3) وهو كما قال محمَّد بن إسماعيل الأمير: فقد نظرت في تجريد أسماء الرواة الذين تكلم فيهم ابن حزم جرحاً وتعديلاً مقارنة مع أقوال أئمة الجرح والتعديل. وكتاب الجرح والتعديل عند ابن حزم الظاهري أحكام ابن حزم على أكثر من (1300) راوٍ، وفهارس المحلى لابن حزم فهرس الرواة الذين تكلم فيهم ابن حزم بجرح أو تعديل (1/ 235 - 402) والله أعلم.

الحديث الرابع: 56/ 4 - عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِ كَرِبَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَلاَ هَلْ عَسَى رَجُل يَبْلُغُهُ الْحَدِيثُ عَنِّي، وَهُوَ مُتَّكِئٌ عَلَى أَرِيكَتِهِ فَيَقُولُ: بَيْنَنَا وَبَيْنكُمْ كِتَابُ الله فَمَا وَجَدْنَا فِيهِ حَلاَلاً اسْتَحْلَلْنَاهُ، وَمَا وَجَدْنَا فِيهِ حَرَامًا حَرَّمْنَاه, وَإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - كَمَا حَرَّمَه [91/ ب] الله" أخرجه أبو داود (¬1) والترمذي (¬2). [حسن]. وزاد أبو داود (¬3) - رحمه الله - في أوله: "أَلاَ إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ" وذكر معناه. وزاد (¬4) أيضاً: "أَلاَ لاَ يَحِلُّ لَكُم الْحِمَارُ الأَهليُّ، وَلَا كُلُّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ، وَلاَ لُقَطَةُ مُعَاهِدٍ إِلاَّ أَنْ يَسْتَغْنِىَ عَنْهَا صَاحِبُهَا، وَمَنْ نَزَلَ بِقَوْمٍ فَعَلَيْهِمْ أَنْ يَقْرُوهُ, فَإِنْ لَمْ يَقْرُوهُ فَلَهُ أَنْ يُعْقِبَهُمْ بِمِثْلِ قِرَاهُ" [حسن]. "الأريكةُ" السريرُ في الحجلة, وقيل: هوَ كلُّ ما اتُّكئ عليه: "والقرى": الضيافة. "وعن المقدام بن معدي كرب" في الاستيعاب (¬5) بعد سياقه نسبه الكندي هو أحد الوافدين وفد على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من كندة يُعدُّ في الشاميين، وبالشام مات سنة تسع وثمانين، وهو ابن إحدى وتسعين سنة. ¬

_ (¬1) في "سننه" رقم (4604). (¬2) في "سننه" رقم (2664) وقال: هذا حديث حسن. قلت: وأخرجه ابن ماجه رقم (12) وهو حديث حسن. (¬3) في "سننه" رقم (4604) وهو حديث حسن. (¬4) أي أبو داود رقم (4604) و (3804). (¬5) في "الاستيعاب" (ص 702 - 703) رقم (2502).

قوله: "هل عسى رجل يبلغه الحديث عني وهو متكئ على أريكته". أقول: عسى (¬1) تأتي للترجي والإشفاق، وهي هنا للإشفاق، والأرِيكة: السرير في الحُجلة، وهي بالتحريك تكون كالعهن يستر بالثياب، وبها أراد كبار، ويجمع على حجال، ولا يسمى منفرداً أريكة. وقيل: هو كلما اتكأ عليه ويقال: أوشك إذا أسرع وقرب إيشاكاً. أي: لقرب رجل يقول هذا القول، لكنه لا يقوله إلا مترف قاعد في بيته في حجلته لا يطلب العلم ولا يسأل عنه. وقوله: "فإنما حرم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما حرم الله" أي: وما حلله كما حلل الله، وإنما اقتصر على أحد الأمرين للعلم بأن مقابلة مثله إذ لا يكون قوله - صلى الله عليه وسلم - حجة في التحريم دون التحليل، وخص التحريم؛ لأنه المخالف للأصل إذ الأصل في الأشياء الحل، والحديث مأخوذ من قوله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (¬2)، ومن قوله: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} (¬3)، ومن المعلوم يقيناً أن الأحكام المأخوذة من السنة يجب العمل بها. قوله: "أخرجه أبو داود والترمذي": قلت: وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه. انتهى. قوله: "وذكر بمعناه" ولفظه جميعاً: "ألا وإني أوتيت الكتاب ومثله معه, ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول: "عليكم بهذا القرآن، فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه ألا لا يحل". ¬

_ (¬1) انظر "النهاية" (1/ 40) و"القاموس المحيط" (ص 1202). (¬2) سورة الحشر الآية: (7). (¬3) سورة الأعراف الآية: (157).

أقول: قال الخطابي (¬1) في شرح هذا الحديث: أوتيت الكتاب ومثله، يحتمل وجهين من التأويل: أحدهما: أن معناه أنه أوتي من الوحي الباطن غير المتلو مثل ما أوتي من الظاهر المتلو. والثاني: أنه الكتاب وحياً، وأوتي من البيان مثله، أي: أذن له أن يبين ما في الكتاب فيعم، ويخص ويزيد عليه ويشرع ما ليس في الكتاب، فيكون في وجوب العمل به ولزومه، فقوله كالظاهر المتلو من القرآن. انتهى. قلت: وهذا الثاني هو مسألة التفويض المعروفة في أصول الفقه، وفيها خلاف ولا ريب أنه معلوم يقيناً أنه - صلى الله عليه وسلم - أوتي القرآن، وأكثر أحكامه مجملة, ووكل الله إليه البيان، وقال: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} (¬2) وانظر في حكم واحد ورد في القرآن في غاية الإجماع ما بينه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو قوله: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} (¬3) فإن هذين حكمان ما يعرف قدرهما عدداً ولا كيفية ولا وقتاً، إلا من بيانه - صلى الله عليه وسلم - بأقواله وأفعاله، وأظن - والله أعلم - أنه قد أراد بهذه الطائفة الخوارج (¬4) الذين كفروا الصحابة، فلا يقبلون رواية, ويقولون: يكفينا كتاب الله. ¬

_ (¬1) في "معالم السنن" (5/ 10 - مع السنن) عند شرح الحديث (4604). (¬2) سورة النحل الآية: (44). (¬3) سورة البقرة الآية (43). (¬4) الخوارج في اللغة: جمع خارج وخارجي اسم مشتق من الخروج، وقد أطلق علماء اللغة كلمة الخوارج في آخر تعريفاتهم اللغوية في مادة: "خرج" على هذه الطائفة من الناس معللين ذلك بخروجهم على الدين، أو على الإِمام علي، أو لخروجهم على الناس. "تهذيب اللغة" (7/ 50) تاج العروس (2/ 30). والخوارج جمع خارجة وهم الذين نزعوا أيديهم عن طاعة ذي السلطان من أئمة المسلمين، بدعوى ضلاله وعدم انتصاره للحق، ولهم في ذلك مذاهب ابتدعوها وآراء فاسدة اتبعوها. =

وفي قوله: "يوشك" وما شعر بذلك، فإنهم خرجوا في خلافة أمير المؤمنين علي - عليه السلام -، فقد صدق أنهم أسرع خروجهم، وقولهم: لا حكم إلا لله، ووجدت في "التمهيد" (¬1) لابن عبد البر ما لفظه بعد سياقه بسنده [55 ب/ ج] عن أبي نضرة أو غيره قال: كنا عند عمران بن حصين، وكنا نتذاكر العلم قال: فقال رجل: لا تحدثوا إلا بالقرآن، فقال عمران بن حصين: إنك لأحمق أو حدث في القرآن صلاة الظهر أربع ركعات، والعصر أربع لا تجهر في شيء منها، والمغرب ثلاث تجهر بالقراءة فيها في ركعتين، ولا تجهر في ركعة، وذكر العشاء والفجر، فعرفت أن قال: قيل: بما ذكره - صلى الله عليه وسلم - , فالحديث من أعلام النبوة. قال الخطابي (¬2): إنه - صلى الله عليه وسلم - يحذر بهذا الحديث القول من مخالفة السنن التي سنها مما ليس في القرآن. قوله: "ألا لا يحل الحمار الأهلي" هذا مما حرمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زيادة على ما في القرآن في قوله: {لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا ¬

_ = والخوارج لا يقلون عن عشرين فرقة منها: الأزارقة, النجدات والصفرية الخازمية, والشعبية، والمعلومية، والمجهولية، الحمزية, والشمرافية، والإبراهيمية، الواقفة والإباضية. ويقال لهم: الشراة والحرورية، والنواصب المارقة. وأول من خرج على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب جماعة ممن كان معه في حرب صفين، وأشدهم خروجاً عليه، ومروقاً من الدين: الأشعث بن قيس الكندي ومسعر بن فدكي التميمي، وزيد بن حصين الطائي. "الملل والنحل" (1/ 131 - 135). (¬1) في "التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد مرتباً على الأبواب الفقهية للموطأ" (10/ 354 - الفاروق). (¬2) في "المعالم" (5/ 11 - مع السنن).

مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ} الآية، وقد وقع الإجماع على تحريم الحمار الأهلي، إلا ما يقال عن ابن عباس، وكأنه ما بلغه الخبر، ومثله في الزيادة. قوله: "وكل ذي ناب من السباع": أي: ولا يحل لكم. في "النهاية" (¬1): السباع يقع على الأسد والذئاب والنمور وغيرها، وكل ذي ناب من السباع، وهو ما يفترس من السباع، ويأكل قسراً، وذكر مثلما ذكره أولاً. قوله: "لقطة معاهد" اللقطة ما وجدتم من مساقي الأرض لا يعرف له صاحباً، والمعاهد: الذي بينك وبينه عهد وموادعة، والمراد به من كان بينه وبين المسلمين معاهدة وموادعة، ومهادنة، فلا يجوز أن يملك لقطته؛ لأنه معصوم المال يجري حكمه مجرى حكم الذمي. وقوله: "إلا أن يستغنى عنها صاحبها" معناه: أن يتركها صاحبها لن أخذها استغناءً عنها. هذا وقد قدمنا تفسير السباع، وقال الشافعي (¬2): ذو الناب المحرم هو الذي يعدو على الناس كالأسد، والنمر، والذئب، ويؤكل الضبع والثعلب، وخالفه مالك وقال: لا يؤكلا. قال ابن وهب: وكان الليث بن سعد يؤكل الهر والثعلب، وحجة مالك على الجميع عموم حديث النهي، وحديث الضبع انفرد به عبد الرحمن بن أبي عمار، وليس بمشهور، ولا يحتج بما انفرد به إذا خالف من هو أثبت منه. قال ابن عبد البر (¬3): وقد روى النهي عن أكل كل ذي ناب من السباع من طرق متواترة. ¬

_ (¬1) "النهاية" (2/ 337). (¬2) انظر "الأم" (3/ 642 - 643). (¬3) انظر "التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد" (10/ 346).

وقوله: "يقروه" القرى: ما يعد للضيف من النزول, وفيه دليل على وجوب الضيافة لمن نزل بقوم بدليل قوله: "فعليهم". وقوله: "أن يعقبهم": قال ابن الأثير (¬1): إنه مشدد ومخفف قال: ومعناه أن يأخذ منهم، ويغنم من أموالهم، بمقدار قِراه، ومثله قوله تعالى: {وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ} (¬2) أي: فكانت الغلبة لكم فغنمتم منهم. اهـ قال الخطابي (¬3): هذا في حال المضطر الذي لا يجد طعاماً، أو يخاف التلف على نفسه فله أن يأخذ من مالهم بقدر قِراه عوض ما حرموه من القرى، انتهى. وادعى بعضهم أن هذا كان قبل فرض الزكاة، ثم نسخ. قلت: ويأتي تحقيقاً البحث عند ذكر الضيافة إن شاء الله. الخامس: 57/ 5 - وعَنْ أَبِي مُوسَى عبد الله بن قيس الأشعري - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَثَلُ مَا بَعَثَنِي الله بِهِ مِنَ الهدَى وَالْعِلْمِ كَمَثَلِ الغَيْث الْكَثِيرِ أَصَابَ أَرْضًا، فكَانَت مِنْهَا طَائِفة طَيِّبة قَبِلَتِ الْمَاءَ، فَأَنْبَتَتِ الْكَلأَ وَالْعُشْبَ الْكَثِيرَ [92/ ب]، وَكَانَتْ مِنْهَا أَجَادِبُ (¬4) أَمْسَكَتِ ¬

_ (¬1) في "جامع الأصول" (1/ 282). (¬2) سورة الممتحنة الآية (11). (¬3) في "معالم السنن" (5/ 11). (¬4) "أجادب" قال أبو عبد الله الحميدي - صاحب كتاب "الجمع بين الصحيحين" في شرح غريب كتابه الذي رأيناه من الروايات في هذا الحديث: أجادب, بدال قبل باء قال: وحكاه الهروي في "الجمع بين الغريبين" أجارد براء قبل دال يقال: مواضع منجردة من النبات ويقال: مكان أجرد, وأرض جرداء إذا لم تنبت، والحديث يدل على أن المراد به: الأرض الصلبة التي تمسك الماء. =

الْمَاءَ، فَنَفَعَ الله بِهَا النَّاسَ، فَشَرِبُوا وَسَقَوْا وَزَرَعُوا، وَأَصَابَتْ مِنْهَا طَائفَةً أُخْرَى، إِنَّمَا هِي قِيعَانٌ لاَ تُمْسِكُ مَاءً، وَلاَ تُنْبِتُ كَلأً، فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقِهَ في دينِ الله تعالى وَنَفَعَهُ مَا بَعَثَنِي الله تعالى بِهِ, فَعَلِمَ وَعَلَّمَ، وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْسًا، وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى الله الَّذِي أرْسِلْتُ بِهِ" (¬1) [صحيح]. ¬

_ = قلت: وقال الجوهري في كتاب "الصحاح": يقال: فضاء أجرد، لا نبات به، والجمع أجارد إلا أن لفظة الحديث في الروايات: "أجادب" ولعل لها معنى لم يعرف، والله بلطفه يهدي إليه. قلت: وذكر الهروي - رحمه الله - أيضاً في كتابه في موضع آخر: "وكانت فيها إخاذات أمسكت الماء" وقال: الإخاذات: الغدران التي تأخذ ماء السماء فتحبسه على الشاربين واحدتها: إخاذة, وهذا مناسبٌ للفظ الحديث، فإنه قال: "وكان منها أجادب أمسكت الماء، فنفع الله به الناس، وشربوا منه" والله أعلم. قال الخطابي: وأما: "أجادب" فهو غلط وتصحيف قال: وقد روي أحادب بالحاء المهملة والباء من "جامع الأصول" (1/ 286 - 287). (¬1) أخرجه البخاري رقم (79) ومسلم رقم (2282). قال القرطبي في "المفهم" (6/ 83 - 84) في شرح هذا الحديث: ضرب مثل لما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم - من العلم والدين، ولمن جاءهم بذلك، فشبه ما جاء به بالمطر العام الذي يأتي الناس في حال إشرافهم على الهلاك يحييهم، ويُغيثهم، ثم شبه السامعين له: بالأرض المختلفة؛ فمنهم: العالم العامل المعلم، فهذا بمنزلة الأرض الطيبة شربت، فانتفعت في نفسها، وأنبتت، فنفعت غيرها، ومنهم الجامع للعلم، الحافظ له، المستغرق لزمانه في جمعه ووعيه؛ غير أنه لم يتفرغ للعمل بنوافله، ولا ليتفقه فيما جمعَ، لكنه أداه لغيره كما سمعه, فهذا بمنزلة الأرض الصلبة التي يستقر فيها الماء فينتفع الناس بذلك الماء، فيشربون ويسقون، وهذا القسم هو الذي قال فيه النبي - صلى الله عليه وسلم -: "نضر الله امرأً سمع مني حديثاً فبلغه غيره, فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ورب حامل فقه ليس بفقيه" (أ). لا يقال: فتشبيه هذا القسم بهذه الأرض التي أمسكت على غيرها, ولم تشرب في نفسها يقتضي ألا تكون عملت بما لزمها من العلم، ولا من الدين، ولم يقم بما وجب عليه من أمور الدين، فلا ينسب للعلماء ولا للمسلمين؛ لأنا نقول: القيام بالواجبات ليس خاصاً بالعلماء، بل يستوي فيها العلماء وغيرهم. ومن لم يقم بواجبات علمه كان من الطائفة الثالثة التي لم تشرب، ولم تمسك؛ لأنه لما لم يعمل بما وجبَ عليه لم ينتفع بعلمه؛ ولأنه عاصٍ فلا يصلح للأخذ عنه. =

قوله: "وعن أبي موسى". أقول: قدم أبو موسى (¬1) مكة ثم أسلم، وهاجر إلى الحبشة، ثم قدم مع مهاجرة الحبشة ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - بخيبر، وقيل: بل أسلم ورجع إلى بلاده، ثم قدم مع من قدم من الحبشة ولاه عمر بن الخطاب البصرة بعد أن عزل عنها المغيرة، فافتتح الأهواز، ولم يزل على البصرة إلى خلافة عثمان فعزله، فانتقل إلى الكوفة، ثم ولاه عثمان الكوفة، ولم يزل عاملاً حتى قتل عثمان [56 أ/ ج] ثم بعد التحكيم سكن مكة إلى أن مات سنة خمسين، وقيل: قبلها. قوله: "إن مثله" [يقال] (¬2): بكسر الميم وسكون المثلثة مثل شبه لفظاً ومعنى وبفتحهما مثل شبه، والمراد بالمثل الصفة العجيبة، والقول السائر ومثله. وقوله: "من الهدى" أي: الدلالة الموصلة إلى المطلوب والعلم المراد به معرفة الأدلة الشرعية. ¬

_ = وقوله: "وأصاب طائفة أخرى" هذا مثل للطائفة الثالثة التي بلغها الشرع فلم تؤمن، ولم تقبل وشبَّهها بالقيعان السبخة التي لا تقبلُ الماء في نفسها وتفسده على غيرها، فلا يكون منها إنباتٌ ولا يحصل بما حصل فيها نفعٌ و"القيعان" جمع قاع، وهو ما انخفض من الأرض، وهو المستنقع أيضاً، وهذا يعمُّ ما يفسد فيه الماء، وما لا يفسدُ، لكن مقصود الحديث: ما يفسد فيه الماء. وقوله: "سَقَوا ورَعُوا" يقال: سقى وأسقى بمعنى واحد. وقيل: سقيته ناولته ما يشربُ وأسقيته: جعلت له سقياً، ورعَوا من الرعي، وقد رويته عن بعض المقيدين: زرعوا من الزرع، وكلاهما صحيح. وقوله: "فذلك مثل من فقه في دين الله، ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلم" هذا مثال الطائفة الأولى. وقوله: "ومثل من لم يقبل هدى الله الذي أرسلت به" مثال الطائفة الثالثة، وسكت عن الثانية إما لأنها قد دخلت في الأولى بوجهٍ؛ لأنها قد حصل منها نفعٌ في الدين، وإما لأنه أخبر بالأهم فالأهم، وهما الطائفتان المتقابلتان: العليا، والسفلى، والله تعالى أعلم. اهـ. (¬1) انظر ترجمته في "الاستيعاب" (ص 432 - 433 رقم 1476) و (ص 851 - 852) رقم (3137). (¬2) في المخطوط مكررة.

قوله: "قبلت الماء" بفتح القاف وكسر الموحدة من القبول. "والكلأ" بالهمزة مقصور. قوله: "والعشب" هو من عطف الخاص على العام, لأن الكلأ يطلق على النبت الرطب واليابس والعشب للرطب فقط. وقوله: "الكثير" صفة للعشب، وقد حذفت صفة الكلأ؛ لأنه إذا كان الخاص كثير فبالأولى العام له ولغيره. وقوله: "وكان منها" أي: من الأرض التي أصابها الغيث. قوله: "أجادب": في رواية البخاري لغير أبي ذر، وفي رواية مسلم بالجيم والدال المهملة بعدها موحدة جمع جدب بفتح الدال المهملة على غير قياس، وهي الأرض الصلبة التي لا ينضب منها الماء، وفي (¬1) رواية أبي ذر للبخاري: "إجاذات" بكسر الهمزة والحاء والدال المعجمتين وآخره مثناة من فوق قبلها ألف جمع إجاذة، وهي الأرض التي تمسك الماء، وقال الهروي (2): هي العذرات التي تأخذ ماء السماء، فتمسك على الشاربين. قال الهروي: وهذا المناسب للفظ الحديث. قال الخطابي (¬2): وأما أجاديب فهو غلط وتصحيف. وقوله: "ينفع الله بها" أي: بالأجادب، وفي رواية للبخاري به، أي: الماء. قوله: "ورعوا" من الرعي، وفي رواية للبخاري: "وزرعوا" بزيادة زاي من الزرع. قال النووي (¬3): كلاهما صحيح. ¬

_ (¬1) في المخطوط مكررة. (¬2) ذكره ابن الأثير في "الجامع" (1/ 286 - 287). (¬3) في شرح "صحيح مسلم" (15/ 47).

قوله: "وأصاب": أي: الغيث طائفة منها، أي: الأرض. "طائفة أخرى" أي: قطعة: "إنما هي قيعان" جمع قاع، وهو المستوي من الأرض الملساء التي لا تنبت، وقد فسرها قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تمسك ماءً ولا تنبت كلأ". قوله: "فذلك" أي: مثل من فقُه بضم القاف، وصار فقيهاً. قوله: "ونفعه ما بعثني الله به مثله وعلم إلا أجر" قال القرطبي (¬1) وغيره: ضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما جاء به من الدين مثلاً بالغيث العام الذي يأتي الناس في حال حاجتهم إليه، وكذا كان حال الناس قبل مبعثه، فكما أن الغيث يحيي البلد الميت، فكذا علوم الدين تحيي القلب الميت، ثم شبه السامعين له بالأرض المختلفة التي ينزل الغيث عليها، فمنهم العالم العامل فهو بمنزلة الأرض الطيبة شربت فانتفعت في نفسها، وأنبتت، فنفعت غيرها، ومنهم الجامع للعلم المستغرق لزمانه فيه غير أنه لم يعمل بنوا فله، أو لم ينفعه ما جمع لكنه، أداة لغيره، فهو بمنزلة الأرض التي يستقر فيها الماء، فينتفع الناس به، وهو المشار إليه بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "نضر الله امرءٌ سمع مقالتي فأداها كما سمعها" (¬2) ومنهم من سمع العلم فلا يحفظه ولا يعمل به، ولا ينقله إلى غيره، فهو بمنزلة الأرض السبخة الملساء التي لا تقبل الماء، ويفسده على غيرها، وإنما جمع في المثل بين الطائفتين الأولتين المحمودتين لاشتراكهما في الانتفاع بهما [56 ب/ ج] وأفرد الثالثة المذمومة لعدم النفع بها، وانتفاعها في نفسك. قلت: ولذا ذكر في أصل المثل ثلاثة طوائف، وفي التفريع اقتصر على طائفتين لأنه جعل الأولين في التفريع شيئاً واحداً هو المنتفع بما بعث به الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وإن اختلف النفع قد جمعهما حصول أصله، فكلهما شيئاً واحداً. ¬

_ (¬1) في "المفهم" (6/ 83 - 84). (¬2) أخرجه أحمد (1/ 437) والترمذي رقم (2657) وابن ماجه رقم (232)، وهو حديث صحيح.

والحديث السادس: 58/ 6 - وعَنه - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُ مَا بَعَثَنِي الله بِهِ كمَثَلِ رَجُلٍ أَتَى قَوْمه فَقَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ الْجَيْشَ بِعَيْنَي، وَإِنِّي أنا النَّذِيرُ الْعُريَانُ فَالنَّجَاءَ. فَأَطَاعَهُ طَائِفَةٌ مِنْ قَوْمِهِ فَأَدْلُجوا، وَانْطَلَقُوا عَلَى مَهَلِهِمْ فَنَجَوْا، وَكَذَّبَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ فَأصْبَحُوا مَكَانَهُمْ، فَصَبَّحَهُمُ الْجَيْشُ، فَأَهْلَكَهُمْ وَاجْتَاحَهُمْ، فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ أَطَاعَنِي، فَاتَّبَعَ مَا جِئْتُ بِهِ, وَمَثَلُ مَنْ عَصَانِي وَكَذَّبَ بِمَا جِئْتُ بِهِ مِنَ الْحَقِّ" أخرجه الشيخان (¬1). [93/ ب] [صحيح]. قوله: "إن مثلي". أقول: الأول ذكر - صلى الله عليه وسلم - فيه مثل ما بعثه الله به, وهذا مثله نفسه باعتبار ما بعثه به. قوله: "النذير العريان" هو بضم العين المهملة وسكون الراء، وهو الذي لا ثوب عليه خصه لأنه أبينُ في العين، وأصل هذا أن الرجل منهم كان إذا أنذر قوماً وجاء من بلد بعيد انسلخ من ثيابه ليكون أبين للعين قاله ابن الأثير (¬2). وقوله: "فالنجاء": بالمد والهمز نصب على الإغراء. أي: اطلبوا الخلاص لأنفسكم، ولفظ النجاء مكرر في لفظ الجامع (¬3) وهو لفظ الشيخين، فكأنه سقط من قلم المصنف. "أدْلجُوا" إذا جُفِّف من أدلج يُدْلج - بمعنى: سار الليل كله - وإذا ثقل من أدلَج يَّدلج كان إذا سار من آخر الليل، و"مهلهم" بفتح الميم والهاء، أي: إناتهم وتؤدهم. وقوله: "فذلك": اتحافاً ذكر من المثلين الأول للأولى، والثاني للثاني. ¬

_ (¬1) البخاري رقم (6482) ومسلم رقم (2283). (¬2) في "جامع الأصول" (1/ 287). (¬3) (1/ 285 رقم 71).

والحديث السابع: 59/ 7 - وعَن أبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّمَا مَثَلي وَمَثَلُكم كمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَوْقَدَ نَارًا، فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ جَعَلَ الْفَرَاشُ وَهَذ الدَّوَابُّ الَّتِي تَقَعُ في النَّارِ يَقَعْنَ فِيهَا، فَجَعَلَ يَنْزِعُهُنَّ وَيَغْلِبْنَهُ، فَيَقْتَحِمْنَ فِيهَا، فَأنَا آخُذُ بِحُجَزِكُمْ عَنِ النَّارِ، وَأَنْتُمْ تَقْتَحِمُونَ فِيهَا" أخرجه الشيخان (¬1) والترمذي (¬2)، واللفظ للبخاري. [صحيح]. قوله: "الفراش" هو الطائر الذي يرمي نفسه في اللهب: "والحجز" بضم المهملة وفتح الجيم جمع حجزة بضمها وسكون الجيم، وهي معقد منتهى الإزار. "والاقتحام" في الشيء إلقاء النفس. فيه: أنه لا نجاة عن النار إلا باتباعه - صلى الله عليه وسلم -، والاعتصام بما جاء به. قوله: "واللفظ للبخاري": قلت: كذا في الجامع (¬3) إلا أن لفظه: "مثلي ومثل الناس" لا مثلكم كما قاله المصنف. نعم، في مسلم في آخره: "فذلك مثلي ومثلكم أنا آخذ بحجزكم عن النار هلم عن النار .. هلم عن النار فتغلبوني وتقتحمون فيها". الحديث الثامن: 60/ 8 - وعَن ابْنِ مَسْعُود - رضي الله عنه - قال: "إِنَّ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابُ الله، وَأَحْسَنَ الهدْىِ هَدْىُ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَإِنَّ مَا تُوعَدُونَ لآتٍ، وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ" أخرجه البخاري (¬4) [صحيح]. ¬

_ (¬1) البخاري رقم (3426) ومسلم رقم (2284). (¬2) في "سننه" رقم (2874) وقال: هذا حديث حسن صحيح. (¬3) (1/ 288). (¬4) في "صحيحه" رقم (7277).

قوله: "إن أحسن الحديث". قد سمى الله كلامه حديثاً في قوله: {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (185)} (¬1). وتقدم بقية ما في الأثر، وقد أخرجه الأخرى مرفوعاً بلفظ: "أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمَّد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة, وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار" أخرجه من حديث جابر بن عبد الله (¬2) وأخرجه مرفوعاً أيضاً عن أبي هريرة. وقوله: "الهدي" بفتح الهاء وسكون الدال لأكثر رواة البخاري وللبعض منهم بضم الهاء مقصور ومعنى الأول الهيئة والطريقة، والثاني ضدُّ الضلال. هذا قال الحافظ (¬3): إن قوله: "وأحسن الهدي هدي محمد" له حكم الرفع؛ لأنه إخبار عن صفة من صفاته، وهو أحد أقسام المرفوع، وقلَّ من نبَّه على ذلك. وفيه: الاقتباس من القرآن. التاسع حديث عائشة: 61/ 9 - وعَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَحْدَثَ في أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ" أخرجه الشيخان (¬4) وأبو داود (¬5). [صحيح]. وفي رواية (¬6): "مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ" [94/ ب]. ¬

_ (¬1) سورة المرسلات الآية (50). (¬2) أخرجه مسلم رقم (867) وابن ماجه رقم (45)، وقد تقدم. (¬3) في "الفتح" (13/ 252). (¬4) البخاري رقم (2697) ومسلم رقم (1718). (¬5) في "سننه" رقم (4606)، وهو حديث صحيح. (¬6) لمسلم في "صحيحه" رقم (18/ 1718).

وقوله: "في أمرنا" أراد به الأمر الذي جاء به - صلى الله عليه وسلم - من الأوامر والنواهي وغيرهما، "ما ليس فيه" أي: ما لا دليل عليه من كلام الله ولا كلام رسوله. وقوله: "فهو رد" أي: مردود، فلا حكم له، ولا قبول، ولا نفوذ. وهذا حديث جليل دلَّ بمفهومه على أن كل ما كان من أوامره - صلى الله عليه وسلم - فهو مقبول نافذ الحكم، وكل ما كان على غير أمره فهو مردود لا نفوذ له ولا قبول. وقوله: وفي لفظ: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد" هو مقيد بما أفاده الأول، وهو واضح في وجوب الاعتصام [57 أ/ ج] بالكتاب والسنة. [العاشر] (¬1): 62/ 10 - وعَنْ أَبِي ذَرٍّ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الإِسْلاَمِ مِنْ عُنُقِهِ" أخرجه أبو داود (¬2) [صحيح لغيره]. ¬

_ (¬1) في المخطوط التاسع والصواب ما أثبتناه. (¬2) في سنن أبي داود رقم (4758). قلت: وأخرجه أحمد في "المسند" (5/ 180) وابن أبي عاصم في "السنة" رقم (1054)، وفي سندهم خالد بن وهبان مجهول. لكن يشهد له حديث الحارث الأشعري الطويل وفيه: فإنه من فارق الجماعة قيد شبر، فقد خلع ربقة الإِسلام من عنقه إلا أن يراجع". أخرجه أحمد (4/ 130) والترمذي رقم (2863) والحاكم (1/ 422) قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وقال الحاكم: صحيح على شرطهما، ووافقه الذهبي. وصححه ابن خزيمة رقم (1895) وابن حبان رقم (6233)، فحديث الحارث الأشعري صحيح. وحديث أبي ذر حديث صحيح لغيره, والله أعلم.

قوله: "من فارق الجماعة شبراً" في النهاية (¬1) مفارقة الجماعة ترك السنة واتباع البدع. وقوله: "فقد خلع ربقة الإِسلام من عنقه" الربقة في الأصل: عروة تجعل في عنق البهيمة أو يدها تمسكها، فاستعارها للإسلام بمعنى: ما شد به المسلم نفسه من عرى الإسلام. أي: حدوده وأحكامه وأوامره ونواهيه، انتهى. وفيه: أن مخالفة السنة توجب خروج مخالفها عن الإِسلام، ويسمي متابعها جماعة، ولو كان فرداً واحداً. قلت: وفي سنن أبي داود (¬2): وفي حديث افتراق الأمة إلى ثلاث وسبعين ثنتان وسبعون في النار، وواحدة في الجنة، وهي الجماعة، انتهى. ففسر الفرقة الناجية بالجماعة، وهم أتباع الكتاب والسنة. [الحادي عشر] (¬3): حديث علي - عليه السلام -: 63/ 11 - وعَنْ عَلِي - رضي الله عنه - قَالَ: اقْضُوا كَمَا كُنْتُمْ تَقْضُونَ، فَإِنِّي أَكْرَه الِاخْتِلاَفَ حَتَّى يَكُونَ النَّاسِ جَمَاعَةٌ، أَوْ أَمُوتَ كَمَا مَاتَ أَصْحَابِي. وَكَانَ ابْنُ سِيرِينَ - رحمه الله - يَرَى أَنَّ عَامَّةَ مَا يُرْوَى عَلَى عَلِيٍّ الْكَذِبُ. أخرجه البخاري (¬4) [صحيح]. وقوله: "اقضوا كما كنتم تقضون" قاله في بيع أمهات الأولاد، فإنه كان يرى بيعهن، وكان عمر يرى في خلافته عدم بيعهن ووافقه علي، ثم رجح عنده بيعهن، ثم أمر في خلافه ¬

_ (¬1) في "النهاية" (3/ 439). (¬2) في "سننه" رقم (4597) من حديث معاوية بن أبي سفيان, وهو حديث حسن. (¬3) في المخطوط: العاشر والصواب ما أثبتناه. (¬4) في "صحيحه" رقم (3707).

بالقضاء بما كانوا يقضون به من بيعهن (¬1) أفاد معناه في التوشيح، وعلله بقوله: (فإني أكره الخلاف) فإني لا يأتي الخلاف إلاَّ بالشر والتفرق، ولذا قال: "حتى يكون الناس جماعة لا يفرق بينهم" وقد كان الصحابة يكرهون الخلاف حتى أنه لما أتم عثمان صلاة الرباعية في منى أنكر ذلك ابن مسعود، ثم صلى تماماً، فقيل له: أنكرت على عثمان، وصليت كما صلَّى، فقال: "الخلاف شر كله" ونحو هذه العبارة. قوله: "كذباً" يريد ما يروى عنه - عليه السلام - مما يخالف كلامه هذا، فإنه قد كذب عليه - عليه السلام - ما لم يكذب على غيره. [الثاني عشر] (¬2): حديث أنس: 64/ 12 - عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: مَا أَعْرِفُ شَيْئًا مِمَّا كَانَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، قِيلَ: الصَّلاَةُ. قَالَ: أَليْسَ صَنَعْتُم ما صَنَعْتُم فِيهَا. أخرجه البخاري (¬3) والترمذي (¬4) [صحيح]. "ما أعرف شيئاً" ذكره البخاري في باب تضييع الصلاة عن وقتها (¬5). وقوله: "الصلاة" أي: قيل له: الصلاة هي شيء مما كان على عهده، وهي باقية فكيف يصح هذا السلب العام، فأجاب: بأنهم غيروها أيضاً بأن أخرجوها من الوقت، وأخرج أحمد أن القائل له أبو رافع، قال: يا أبا حمزة! ولا الصلاة؟ قال له أنس: "قد علمتم ما صنع الحجاج في الصلاة". ¬

_ (¬1) انظر "الدراري المضية" للشوكاني (2/ 162 - 164) بتحقيقي. (¬2) في المخطوط: الحادي عشر والصواب ما أثبتناه. (¬3) في "صحيحه" رقم (529) و (530). (¬4) في "سننه" رقم (2447) وقال: هذا حديث حسن غريب, وهو حديث صحيح. (¬5) رقم الباب (7).

وقوله: "صنعتم" بالمهملتين والنون لأكثر رواة البخاري, ولبعضهم: بالمعجمة وتشديد الياء. وفي رواية الترمذي: "أو لم تصنعوا في الصلاة ما قد علمتم؟ ". وروى ابن سعد في "الطبقات" (¬1) سبب قول أنس لهذا، فأخرج في ترجمته أنس بطريقه إلى ثابت البناني قال: "كنا مع أنس بن مالك فأخر الحجاج الصلاة, فقام أنس يريد أن يكلمه, فنهاه إخوانه شفقة عليه منهم، فخرج فركب دابته فقال في مسيره ذلك: والله ما أعرف شيئاً مما كنا عليه على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا شهادة أن لا إله إلا الله، فقال له رجل: فالصلاة يا أبا حمزة! قال: قد جعلتم الظهر عند المغرب، أتلك صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟! ". فائدة: في البخاري (¬2) في باب: إثم من لم يتم الصفوف (¬3). عن أنس أنه قدم المدينة، فقيل له: ما أنكرت منا منذ عهدت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: "ما أنكرت شيئاً إلا أنكم لا تقيمون الصفوف". انتهى. فهذا إنكار آخر على أهل المدينة هو عدم إقامة الصفوف، والأول تأخر الصلاة عن وقتها، وذلك كان بالشام، وهذا بالمدينة، قاله الحافظ في "الفتح" (¬4). قوله: "والترمذي" وقال: حسن غريب. ¬

_ (¬1) لم أقف عليه في "الطبقات" في ترجمة أنس بن مالك (7/ 17 - 26). (¬2) في "صحيحه" رقم (724). (¬3) الباب رقم (75). (¬4) في "فتح الباري" (2/ 210).

الحديث [الثالث عشر] (¬1): وعَن أَبِي هُريْرَة - رضي الله عنه -: أنه دَخَل السوق فقال: أراكم ههنا وميراث محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - يُقْسَم في المسجِد؟ فذَهبُوا وقالوا: ما رأيْنَا شيئاً يُقْسَم؟ رأينا قَوْمَاً يقرءون القرآن. قال: فذَلكم ميراثُ نبيكم - صلى الله عليه وسلم - (¬2) [95/ ب]، [إسناد حسن]. قوله: "ميراث محمَّد يقسم في المسجد". أقول: قد ثبت في حديث أبي الدرداء عند أبي داود (¬3) والترمذي (¬4) وابن ماجه (¬5) وابن حبان في صحيحه (¬6)، وفيه: "وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر" انتهى [57 ب/ ج] وأحسن من قال: العلم ميراث النبي كذا أتى ... في النص والعلماء هم وراثه ما خلف المختار غير حديثه ... فينا فذاك متاعه وأثاثه فلنا الحديث وراثة نبوية ... ولكل محدث بدعةٍ إحداثه ¬

_ (¬1) في المخطوط: الثاني عشر، والصواب ما أثبتناه. (¬2) أخرجه الطبراني في "الأوسط" رقم (1429) بسند حسن. وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (1/ 123 - 124) وقال: إسناده حسن. (¬3) في "سننه" رقم (3641). (¬4) في "سننه" رقم (2682). (¬5) في "سننه" رقم (223). (¬6) في "صحيحه" رقم (88). قلت: وأخرجه أحمد (5/ 196) والدارمي (1/ 98). ومدار الحديث على داود بن جميل عن كثير بن قيس وهما مجهولان, لكن أخرجه أبو داود رقم (3642) من طريق أخرى عن أبي الدرداء بسند حسن. وانظر "صحيح الترغيب والترهيب" و"صحيح ابن حبان" (1/ 290)، وخلاصة القول: أن الحديث حسن.

الحديث [الرابع عشر] (¬1): حديث ابن مسعود: 66/ 14 - وعن ابن مَسْعود - رضي الله عنه - أنه قَالَ: مَنْ كَانَ مُسْتَنَّاً فليستنَّ بمن قَدْ مَاتَ، فإنَّ الحَيَّ لا تُؤمَنْ عَلِيْه الفِتْنَة، أولَئكَ أصحابُ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - كانوا أفضلَ هذه الأمةِ أبرَّها قلوباً، وأعمقها علماً، وأقلها تكلفاً، اختارهم الله تعالى لصحبة نبيه - صلى الله عليه وسلم - ولإقامة دِيْنِه، فأعْرِفُوا لَهُم فَضْلُهُمْ، واتْبِعوهم على أثَرِهُم، وتُمَسَّكُوا بما اسْتَطعتُم من أخلاقهم وسِيرهم، فَإنهم كَانُوا على الهُدَى المستقيم (¬2). فيه الأمر بالاستنان والاقتداء بمن قد مات وفسرهم بالصحابة الذين توفوا؛ لأنهم كانوا أفضل هذه الأمة، وذكر صفاتهم الثلاث، وخص على معرفة قدرهم، وأمرنا بالتمسك بهم والتخلق بأخلاقهم وسيرهم، وليس المراد التقليد لهم، فالاستنان اتباع الطريقة المرضية والاقتداء. حديث ابن عباس: [الخامس عشر] (¬3): 67/ 15 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: من تعلم كتابَ الله تعالى، ثم اتبعَ مَا فِيه هداهُ الله تعالى من الضلالةِ في الدنيا ووقاهُ سوء الحساب في الآخرِة (¬4). "وأن من تعلم القرآن واتبع ما فيه هداه الله من الضلالة" وهذا معلوم قال الله تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} (¬5) فتنجوا من الضلالة، ومن شر الحساب في الآخرة. ¬

_ (¬1) في المخطوط بياض، وهو الحديث الرابع عشر. (¬2) أخرجه ابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله" رقم (948) بسند حسن، وهو حديث صحيح. (¬3) بياض في الأصل وهو الحديث الخامس عشر. (¬4) أخرجه رزين كما في "جامع الأصول" (1/ 292) رقم (81) وسكت عليه. (¬5) سورة الإسراء: (9).

حديث عمر - رضي الله عنه -: [السادس عشر] (¬1): 68/ 16 - وعن عمرَ بِن الخَطَّاب - رضي الله عنه - قال: "تُرَكْتُمْ عَلى الْوَاضِحَةِ, لَيْلُهَا كَنَهارِهَا، كُوْنُوا عَلى دِيْنِ الأَعْرَابِ، وَالْغِلْمَانِ في الْكِتَاب" (¬2). قوله: "تركتكم على الواضحة" أخرج ابن سعد والحاكم من رواية سعيد بن المسيب أن عمر لما قدم المدينة من الحج خطب الناس، فقال: يا أيها الناس! قد فرضت لكم الفرائض، وسنت لكم السنن الواضحة، وليس فيه زيادة ليلها كنهارها إلى آخره، وهو كلام صحيح إذ الوضوح يستلزم تساوي الأوقات في وضوحها. وقوله: "كونوا على دين الأعراب والغلمان في الكتاب" الأعراب: جمع أعرابي، وهم سكان البادية والعرب كما في "القاموس" (¬3) خلاف المعجم مؤنث، وهم سكان الأنصار، أو عام، والأعراب منهم سكان البادية، انتهى. وفيه (¬4): الغلام الطارُّ الشارِب والكَهْلُ ضِدُّ أو من حين يولَدُ إلى حين يَشِبّ. وفيه (¬5): الكُتَّاب، كَرُمَّانٍ الكاتبونَ، والمكتبُ كمقعَدٍ موضِعُ التعليم، انتهى ومراد عمر بهذه الوصية المنع عن الخوض في تأويل المتشابهات من الآيات والصفات، وأنه لا يخاض في ذلك، بل يجب الإيمان بما سمعه من كلام الله وكلام رسوله - صلى الله عليه وسلم -، ولا يتعرض لتأويل ولا لقال، ولا قيل كما أن الأعراب الذين في البوادي يؤمنون بما يسمعونه من ذلك، ولا يخطر لهم تأويل ولا إشكال، بل يؤمنون بما يسمعونه من المقال، ومثله الغلمان في ¬

_ (¬1) بياض في الأصل، وهو الحديث السادس عشر. (¬2) أخرجه رزين كما في "جامع الأصول" (1/ 292 رقم 82) وسكت عليه. (¬3) في "القاموس المحيط" (145). (¬4) أي: في "القاموس المحيط" (ص 1475). (¬5) أي: في "القاموس المحيط" (ص 165).

الكُتَّاب، فإنهم يتعلمون آيات الكتاب، ويؤمنون بفطرهم كإيمان المكلفين من أولي الألباب، بل هذه الطريقة رجع إليها المحققون من علماء الأمة بعد أن تغلطوا، وولجوا كل طريقة مدلهمة كابن الخطيب الرازي، فقال: لقد تأملت الكتب الكلامية والمناهج الفلسفية فما رأيناها تشفي عَليلاً، ولا تروي غليلاً. قال: واعلم أني بعد التوغل في هذه المضائق والتعمق في الاستكشاف عن هذه الحقائق رأيت الأصوب الأصلح طريقة القرآن العظيم، والفرقان الكريم، وهو ترك التعمق والاستدلال بأقسام السموات والأرضين على وجود رب العالمين. إلى آخر كلامه. وقال أبو المعالي الجويني: لقد قرأت خمسين ألفاً في خمسين ألفاً، ثم خليت أهل الإِسلام بإسلامهم وعلومهم الظاهرة، وركبت البحر العظيم، وخضت في الذي نهى عنه أهل الإِسلام، وكل ذلك في طلب الحق، وكنت أهرب في سالف الدهر من التقليد، والآن قد رجعت من الكل إلى كلمة الحق عليكم بدين العجائز، فإن لم [58 أ/ ج] يدركني الحق بلطيف بره، فأموت على دين العجائز، وكم عافية أمري عند الرحيل على طريقة أهل الحق، وكلمة الإخلاص لا إله إلا الله، فالويل لابن الجويني - يريد نفسه - إن لم يختم له بخير، ومثله قال ابن دقيق العيد: تجاوزت حد الأكثرين إلى العلا ... وسافرت واستفتيتهم في المراكز وخضت بحاراً ليس يدرك قعرها ... وألقيت نفسي في فسيح المفاوز ولججت في الأفكار حتى يراجع ... اختياري، واستحسان دين العجائز

والحاصل: أن كل محقق رجع إلى وصية عمر - رضي الله عنه - وكان عمر يعاقب من خاض في ذلك كما أخرج البزار (¬1) والدارقطني في الأفراد (2) وابن مردويه (¬2) وابن عساكر (¬3) عن سعيد ابن المسيب قال: جاء صبيغ التميمي إلى عمر بن الخطاب قال: أخبرنا عن الذاريات ذرواً؟ قال: هي الرياح ولولا أني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقوله ما قلته. قال: فأخبرني عن: (الْحَامِلَاتِ وِقْرًا) قال: هي السحاب، ولولا أني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقوله ما قلته. قال: فأخبرني عن: {فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا (3)}؟ قال: هي السفن، ولولا أني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقوله ما قلته. قال: فأخبرني عن: {فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا (4)}؟ قال: هي الملائكة، ولولا أني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقوله ما قلته، ثم أمر به فضرب مائة، وجعل في بيت، فلما برأ دعاه فضربه مائة أخرى، وحمله على قتب، وكتب إلى أبي موسى الأشعري امنع الناس من مجالسته، فلم يزالوا كذلك حتى أتى أبا موسى، فحلف له الأيمان المغلظة ما يجد في نفسه مما كان يجد شيئاً، فكتب إلى عمر، فكتب عمر ما أخاله إلا قد صدق، فخل بينه وبين مجالسته الناس. ¬

_ (¬1) في "المسند" (2259 - كشف) قال البزار: لا نعلمه مرفوعاً من وجه إلا من هذا، وإنما أتى من أبي بكر بن أبي سبرة فيما أحسب؛ لأنه لين الحديث، وسعيد بن سلام لم يكن من أصحاب الحديث، وقد بينا علته إذ لم نحفظه إلا من هذا الوجه. وأورده الهيثمي في "المجمع" (7/ 113) وقال: رواه البزار، وفيه أبو بكر بن أبي سبرة وهو متروك. (¬2) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (7/ 614). (¬3) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (7/ 614 - دار الفكر). وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف جداً، والله أعلم.

الباب الثاني: (في الاقتصاد في الأعمال)

الحديث [الخامس عشر] (¬1): حديث علي: 69/ 17 - وعَن عَلي - رضي الله عنه - قال: تُرِكْتمْ على الجَادَّة، منهجٌ عليه أمُّ الكتاب (¬2). أخرج هذه الآثار الخمسَةَ: رزين - رحمه الله -[96/ ب]. قوله: "الجادة" في "القاموس" (¬3) الجادة: معظم الطريق جمعها: جواد. وفيه (¬4) أيضاً: النَّهْجُ: الطريقُ الواضِحُ كالمَنْهَجِ أو المِنْهاج. وفيه (¬5) أم الكتاب: أصلَه، أو اللَّوْح المحفوظ، أو الفاتِحةُ أم القرآن جميعه. انتهى. والمعنى: ترككم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على معظم الطريق الواضحة الذي أصله القرآن، وكل ما سلف من الأحاديث والآثار حث على الاعتصام بالكتاب والسنة. قوله: "أخرج هذه الآثار الخمسة رزين". أقول: لفظ الجامع: وهذه أحاديث وجدتها في رزين، ولم أجدها في الأصول. انتهى. وقد قدمنا لك أن قول المصنف أخرج رزين لا أخرجها كما بيناه سابقاً. الباب الثاني: (في الاقتصاد في الأعمال) أقول: القصد استقامة الطريق والاعتماد، واللام قصده وإليه، وله يقصده، وضد الإفراط كالاقتصاد، والمراد به الوسط بين الطرفين طرفي الإفراط والتفريط، ويتناسبه مدح الله لمن اعتمد أوساط الأمور، كقوله: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ ¬

_ (¬1) في المخطوط الحديث الرابع عشر، والصواب ما أثبتناه. (¬2) أخرجه رزين كما في "جامع الأصول" (1/ 293) رقم (83) وسكت عليه. (¬3) "القاموس المحيط" (ص 347). (¬4) أي: في "القاموس المحيط" (266). (¬5) أي: في "القاموس المحيط" (1391).

بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا (67)} (¬1) كما قال عمر بن عبد العزيز: "الحسنة بين السيئتين" وقوله: " {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ} (¬2) الآية". 70/ 1 - وعَن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: جَاءَ ثَلاَثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَته، فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا، فَقَالُوا: أَيْنَ نَحْنُ مِنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وَقَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ؟ قَالَ أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنا فَأُصَلّي اللَّيْلَ أَبَدًا. وَقَالَ الآخَرُ: وأنا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلاَ أُفْطِرُ. وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ ولاَ أتزَوَّجُ أَبَدًا. فَجَاءَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إلِيْهمْ فَقَالَ "أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا؟ أَمَا وَالله إِنِّي لأَخْشَاكُمْ لله وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّى أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأتزَوَّجُ النَّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي" أخرجه الشيخان (¬3) والنسائي (¬4) [97/ ب]، [صحيح] قوله: "ثلاثة رهط" الرهط: منه إلى تسعة اسم جمع لا واحد له من لفظه، ووقع عند عبد الرزاق (¬5) من مرسل سعيد بن المسيب تعيين الثلاثة: أنهم علي بن أبي طالب - عليه السلام -، وعبد الله بن عمر، وعثمان بن مظعون، ووقع في غير هذه الرواية زيادة على الثلاثة. قوله: "عن عبادة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" زاد مسلم [58 ب/ ج] "في السر". ¬

_ (¬1) سورة الفرقان الآية: (67). (¬2) سورة الإسراء الآية: (29). (¬3) البخاري رقم (5063) ومسلم رقم (1401) باختلاف. (¬4) في "سننه" (6/ 60). (¬5) عزاه إليه الحافظ في "الفتح" (9/ 104).

قوله: "تقالُّوها" بتشديد اللام المضمومة, أي: استقلوها, وأصل تقالّوها، أي: رأى كل منهم أنها قليلة. قال ابن الأثير: كأنهم استقلوا ذلك لأنفسهم من العمل، فأرادوا أن يكثروا منه. قوله: "قد غفر له" هي إحدى روايات البخاري، والأخرى: "غفر الله" والمراد أن من لم يعلم بحصول المغفرة له يحتاج إلى المبالغة في العبادة عسى أن يحصل له بخلاف من حصل له. قوله: "فأصلي الليل أبداً" قيد الليل لا لأصلي. وقوله: "فلا أتزوج أبداً" وقع التأكيد بالأبدية في أصلي، ولا أتزوج دون الصوم. قال الحافظ في "الفتح" (¬1): لم يؤكده به لأنه لا بد من فطر الليالي، وكذا أيام العيد. قلت: الصيام اسم لترك المفطرات نهاراً، وليس فطر الليالي من مسماه, فطرها شرط فيه، وإلا كان مواصلاً، وهو منهي عنه، والأحسن أن يقال: ترك التقييد فيه لأنه يعلم بالقياس على أخويه إلا أنه يتعدد بعدد المتكلمين لأنه لا يفيد أحد بكلام غيره، ووجه قيام الليل والصوم عبادة ظاهرة، وأما مجرد ترك الزواج، ففي كونه عبادة تأمل إلا أنه لما دل على أن مراده ليتفرغ للعبادة, وأن التزوج أحد الأسباب المانعة عن التفرغ، والتوفر عليها عُدَّ عبادة. قوله: "أما والله" بالتخفيف الميم حرف تنبيه. "إني لأخشاكم لله" أكد بالقسم زيادة في الحث على الاقتداء به، وكالرد لما يظنونه من أن من غفر له لم يبق وجه لمخافته لدينه وخشيته من ربه، فأخبرهم مع كونه غير مبالغ في العبادة بأنه أخشاهم لله وأتقاهم له، وتأتي زيادة على هذا في النكاح. ¬

_ (¬1) في "فتح الباري" (9/ 105).

وقوله: "ولكني" استدراك من شيء مطوي دل عليه السياق كأنه قال: أنا، وأنتم بالنسبة إلى العبودية سواءً، لكن أنا أعمل كذا، فمن رغب عن سنتي، عن طريقتي بالإعراض إلى غيرها، فليس مني، بمعنى: ليس على طريقتي، ولا يلزم أن يخرج عن الملة. قلت: وترجم له البخاري (¬1) باب: الترغيب في النكاح، وهذا يدل أيضاً على الترغيب في الصيام أحياناً، والفطر أحياناً، وعلى القيام تارة، والنوم أخرى، والكل طريقته - صلى الله عليه وسلم - وهي أشرف الطرائق إلى الله وأعلاها، وخيرها وأولاها، والمراد من قوله: "أصلي وأرقد" أي: كل ليلة أفعل الأمرين، ولعل البخاري خصه بالدلالة على التزويج لأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يقل، وأدع الزواج، فدل على أن ترك الزواج ليس من سننه بخلاف الفطر والنوم فإفطاره طاعة ليتقوى على الصوم ونومه طاعة ليتقوى على القيام، وهو دليل على فضل الاقتصاد في العبادة, وعدم الإفراط فيها، ودلَّ على ذم التفريط في فرض العبادات الواجبة، ولذا قال لمن أقسم أن لا يزيد عليه ولا ينقص، "دخل الجنة إن صدق" (¬2). أو"أفلح" كما سلف. قوله: "الشيخان والترمذي". أقول: هذا وهم أو سبق، فلم من المصنف فالذي في الجامع: الشيخان، والنسائي وقع هذا على نسخة من التيسير فيها لفظ الترمذي، ثم وجدنا غيرها بلفظ: النسائي على الصواب كما هو في الجامع (¬3) إلا أنه قال فيه: وهذا لفظه، أي: النسائي: "أن نفراً من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال بعضهم: لا أتزوج، وقال بعضهم: لا آكل اللحم، وقال بعضهم: لا أنام على فراش، وقال بعضهم: أصوم ولا أفطر، فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: "ما بال أقوام يقولون كذا وكذا، لكني أصلي، وأنام، وأصوم، وأفطر، وأتزوج النساء" ¬

_ (¬1) في "صحيحه" (9/ 104 رقم الباب 1). (¬2) أخرجه البخاري رقم (1891) ومسلم رقم (11) من حديث طلحة بن عبيد الله. (¬3) في "جامع الأصول" (1/ 294).

"ما بال أقوام يقولون كذا وكذا، لكني أصلي، وأنام، وأصوم، وأفطر، وأتزوج النساء" انتهى لفظ الجامع [59/ أ/ ج]. فالعجب نسبة المصنف الرواية للترمذي، والعجب نسبة المصنف رواية النسائي، مثل لفظ الشيخين، وفيها زيادة رابع قال: لا آكل اللحم، وترك أكل اللحم أخص من مداومة الصيام، وخامس أيضاً، وهو النوم على الفراش، فإنه أخص من استغراق الليل بالصلاة، وسيأتي كلام المصنف يشعر بأن لفظ النسائي كلفظ الشيخين. الحديث الثاني: 71/ 2 - وَعنْ عَائِشَةُ - رضي الله عنها - قَالَتْ: صَنَعَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شَيْئًا فَرَخَّصَ فِيهِ فَتَنَزَّهَ عَنْهُ قَوْمٌ فَبَلَغَ ذَلِكَ فَخَطَبَ فَحَمِدَ الله وأثْنَى عَلَيه. ثُمَّ قَالَ: "مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَتَنَزَّهُونَ عَنِ الشَّيءِ أَصْنَعُهُ, فَوَالله! إِنِّي لأَعْلَمُهُمْ بِالله وَأَشَدُّهُمْ لَهُ خَشْيَةً" أخرجه الشيخان (¬1). [صحيح]. قوله: "فتنزه". أقول: التنزه: التباعد عن الشيء. أي: أنهم تركوه ولم يعملوا به, ولا اقتدوا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه. الثالث عن عائشة أيضاً: 72/ 3 - عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالتْ: بَعَثَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إِلَى عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ أَرَغِبْتَ عَنْ سُنَّتِي؟ فَقَال: لاَ وَالله يَا رَسُولَ الله! وَلَكِنْ سُنَّتَكَ أَطْلُبُ. فقَالَ النبي - صلى الله عليه وسلم -: "فَإِنِّي أَنَامُ وَأُصَلِّى، وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأنكِحُ النِّسَاءَ، فَاتَّقِ الله يَا عُثْمَانُ! فَإِنَّ لأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ ¬

_ (¬1) البخاري رقم (6101) ومسلم رقم (2356).

لِضَيْفِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فَصُمْ وَأَفْطِرْ وَصَلِّ وَنَمْ" أخرجه أبو داود (¬1) [صحيح]. وزاد رزين (¬2) - رحمه الله -: وكانَ حلفَ أن يقومَ الليلَ كلهُ ويصومَ النهارَ، ولا ينكِحُ النساء فسأل عن يمينه فنزل: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُم} (¬3) ويُروى أنه نوى ذلك ولم يعزم (¬4). وهو أصح [98/ ب]. قوله: "بعث إليَّ عثمان بن مظعون" في البخاري (¬5) من حديث سعد بن أبي وقاص: ردَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -على عثمان بن مظعون التبتل، ولو أذن له لاختصينا. التبتل هنا: الانقطاع عن النكاح، وما يتبعه من الملاذ إلى العبادة. ¬

_ (¬1) في "سننه" رقم (1369)، وهو حديث صحيح. (¬2) كما في "جامع الأصول" (1/ 296). (¬3) سورة البقرة الآية (225). (¬4) للعلماء في المراد باللغو ها هنا خمسة أقوال: أحدها: أن يحلف على الشيء يظن أنه كما حلف، ثم يتبين له أنه بخلافه. والثاني: أنه قول الرجل: لا والله، وبلى والله من دون قصد لعقد اليمين. والثالث: أنه يمين الرجل وهو غضبان. والرابع: أنه حلف الرجل على معصية فليحنث، وليكفر ولا إثم عليه. والخامس: أن يحلف الرجل على شيء ثم ينساه. "زاد المسير" لابن الجوزي (1/ 254 - 255). (¬5) في "صحيحه" رقم (5073) ومسلم رقم (1402) من حديث سعد بن أبي وقاص.

والتبتل الذي أراده عثمان بن مظعون تحريم النساء والطيب، وكل ما يلتذ به، فلهذا أنزل في حقه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ} (¬1). فإن قلت: كيف يرده - صلى الله عليه وسلم - وقد قال الله تعالى: {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا (8)} (¬2)؟ قلت: هذا التبتل المأمور فسره مجاهد، فقال: "أخلص له إخلاصاً" وهو تفسير بالمعنى، وإلا فالتبتل الانقطاع، والمراد انقطع إليه انقطاعاً، ولكن لما كان حقيقة الانقطاع، لا تتم إلا بالإخلاص فسره به. قوله: "فإن لأهلك عليك حقاً": علل - صلى الله عليه وسلم - أمره لعثمان بما ذكر بأن هذا الاجتهاد في العبادة تضيع به حقوقاً لأهله ولضيفه، ولنفسه، وتضييعها حرام، ولذا قال له: "اتق الله" فالمراد أمره بتقواه في عدم تضييع الحقوق بفعل ما نواه. قوله: "زاد رزين، وكان حلف. أقول: أخرجها عبد الرزاق (¬3) والطبراني (¬4) عن عائشة قالت: دخلت امرأة عثمان بن مظعون واسمها: خولة بنت حكيم عليَّ وهي باذَّة الهيئة, فسألتها ما شأنك؟ فقالت: زوجي يصوم النهار، ويقوم الليل، فدخل النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكرت ذلك له فلقي النبي - صلى الله عليه وسلم - عثمان، فقال: "يا عثمان إن الرهبانية لم تكتب علينا أما لك فيَّ أسوة؟ "فوالله! إني لأخشاكم لله وأحفظكم بحدوده"، والروايات واسعة في هذا المعنى عن عثمان تضمنها الدر المنثور. ¬

_ (¬1) سورة المائدة (87). (¬2) سورة المزمل: (8). (¬3) في "المصنف" (6/ 167 - 168 رقم (10375). (¬4) في "المعجم الكبير" رقم (8319). قلت: وأخرجه البزار رقم (1458 - كشف) وابن حبان رقم (9)، بسند صحيح، وهو حديث صحيح.

الحديث الرابع: عن عبد الله بن عمرو: 73/ 4 - وعَن عبد الله بْنَ عَمْرٍو - رضي الله عنهما - قَالَ: أُخْبِرَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أَنِّي أَقُولُ: وَالله! لأَصُومَنَّ النَّهَارَ، وَلأَقُومَنَّ اللَّيْلَ، مَا عِشْتُ. فَقَالَ: أَنْتَ الَّذِي تَقُولُ ذَلِكَ؟ فَقُلْتُ لَهُ: قَدْ قُلْتُهُ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يا رسول الله! قَالَ: "فَإِنَّكَ لاَ تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ، فَصُمْ وَأَفْطِرْ، وَقُمْ وَنَمْ، وَصُمْ مِنَ الشَّهْرِ ثَلاَثَةَ أيامٍ، فَإِنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، وَذَلِكَ مِثْلُ صِيَامِ الدَّهْرِ" قُلْتُ: إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: "فَصُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمَيْنِ" قُلْتُ: إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: "فَصُمْ يَوْمًا، وَأَفْطِرْ يَوْمًا، فَذَلِكَ صِيَامُ دَاوُدَ - عليه السلام - وَهْوَ أَفْضَلُ الصِّيَامِ" فَقُلْتُ: فإِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ لاَ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ" أخرجه الخمسة إلا الترمذي (¬1) [99/ ب]. وفي أخرى (¬2): "أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصُومُ الدَّهْرَ، وَتَقْرَأُ الْقُرآنَ كُلَّ لَيْلَةٍ". قُلْتُ: بَلَى يَا نَبِيَّ الله! وَلَمْ أُرِدْ بِذَلِكَ إِلاَّ الْخَيْرَ، وَفِيه قَالَ لي: وَأقْرَأ الْقُرآنَ في كُلِّ شَهْرٍ". قَالَ: قُلْتُ: يَا نَبِيَّ الله! إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ: "فَاقْرَأْهُ في كُلِّ عِشْرِينَ". قَالَ: قُلْتُ: يَا نَبِيَّ الله! إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: "فَاقْرَأْهُ في كُلِّ عَشْرٍ". قلت: إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: "فَاقْرَأْهُ في كُلِّ سَبْعٍ وَلاَ تَزِدْ عَلَى ذَلِكَ، وقال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّكَ لاَ تَدْرِي لَعَلَّكَ يَطولُ بِكَ عُمْرٌ". قَالَ: فَشَدَّدْتُ فَشُدِّدَ عَلَيَّ، فَلَما كَبِرْتُ وَدِدْتُ أَنِّي قَبِلْتُ رُخْصَةَ نَبِيِّ الله - صلى الله عليه وسلم -. [صحيح]. وفي أخرى (¬3) نحوه، وفيه: "فإِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ هَجَمَتْ لَه الْعَيْنُ وَنَفِهَتْ لَهُ النَّفْسُ، لاَ صَامَ مَنْ صَامَ الأبّد" [صحيح]. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (1976) و (3418) ومسلم رقم (181/ 1159) وأبو داود رقم (2427) والنسائي رقم (2392) و (2394) و (2395) و (2397). (¬2) أخرجه البخاري رقم (1974، 1975، 5199، 6134) ومسلم رقم (182/ 1159). (¬3) للبخاري رقم (1979) ولمسلم رقم (187/ 1159).

وفيه (¬1): "فَصُمْ صَوْمَ دَاوُدَ - عليه السلام -[100/ ب] كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا، وَلاَ يَفِرُّ إِذَا لاَقَى" [صحيح]. وفي أخرى (¬2): "أَحَبَّ الصِّيَامِ إِلَى الله تَعالى صِيَامُ دَاوُدَ - عليه السلام -، وَأَحَبَّ الصَّلاة إلى الله صَلاَةُ دَاوُدَ: كَانَ يَنَام نِصفَ اللَّيْلِ ويَقُومُ ثُلُثَهُ, وَيَنَامُ سُدُسَهُ, وَكَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا" [صحيح]. أقول: ذكر المصنف أربع روايات في حديث عمرو: ففي الأولى نزله - صلى الله عليه وسلم - في الصوم إلى ثلاثة إلى صوم يوم وإفطار يومين، ثم إلى صيام يوم، وإفطار يوم، وهو صوم داود، وهو أفضل الصيام وأعدله، وأنه لا أفضل منه. قال الحافظ ابن حجر (¬3): ليس فيه نفي المساواة صريحاً، ولأن غيره قد أفاد نفي الأفضلية مطلقاً. وفي الثانية نزله في قراءة القرآن إلى شهر، ثم إلى عشر، ثم إلى سبع، ونهاه عن أقل منها، وأخبره - صلى الله عليه وسلم - أنه لعله يطول به عمر، أي: فيعجز عن ما وطن نفسه عليه أيام الشباب، وثياب القوة, لذا قال: وددت أني قبلت رخصة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال النووي (¬4): معناه: أنه كبر وعجز عن المحافظة على ما التزمه ووطن نفسه عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فشق عليه، ولم يعجبه أن يتركه لالتزامه له، فتمنى أن لو قبل الرخصة بالأخذ بالأخف. وفي الثالثة: علل إدامة الصوم. ¬

_ (¬1) للبخاري رقم (1979) ولمسلم رقم (187/ 1159). (¬2) للبخاري رقم (1131) ولمسلم رقم (189/ 1159). (¬3) في "الفتح" (4/ 220). (¬4) في شرحه لـ "صحيح مسلم" (8/ 40).

وفي الرابعة: ذكر أحب الصيام وأحب القيام، وهكذا فرقهما في الجامع بزيادات وسببه أنها رويت من طرق هكذا [59 ب/ ج] وقطعه البخاري فأورده مختصراً ومطولاً في بابين من كتاب الصوم، وفي كتاب الأدب وفضائل القرآن وغيره. قال الحافظ (¬1): إنه رواه جماعة من الكوفيين والبصريين والشاميين عن عبد الله ابن عمرو مطولاً ومختصراً، وفيهم من اقتصر على قصة الصلاة، وفيهم من ساق القصة كلها. وأما ألفاظه فقوله: "هجمت له العين". قال ابن الأثير (¬2): هجمت العين: إذا غارت ودخلت في نُقرتها من الضعف والمرض. وقوله: "نَفِهَت" بالنون ففاء مكسورة فهاء، أي: أعيت وكلَّت. قال الخطابي (¬3): محصل قصة عبد الله بن عمرو أن الله لم يتعبد عبده بالصوم خاصة، بل تعبده بأنواع من العبادة، فلو استفرغ جهده بالصوم لفتر في غيره، فالأولى الاقتصاد فيه ليستبقي وبعض القوة لغيره، وقد أشير إلى ذلك بقوله - صلى الله عليه وسلم - في داود - عليه السلام -: "كان لا يفر إذا لاقى, لأنه كان يتقوى بالفطر للجهاد" انتهى. والحديث واضح فيما ترجم به المصنف غاية الوضوح، ولو قال في فصل الاقتصاد في الأعمال له لأئمة الحديث على ذلك لحديث عائشة. "يحتجز" بالمهملة فمثناه فوقية فزاي. قال ابن الأثير (¬4): يتخذه حُجْرة وناحية يتفرد عليه فيها، ويأتي للمصنف تفسيره. "ويثوبون" بالمثلثة، أي: يرجعون إليه ويجتمعون عنده. ¬

_ (¬1) في "الفتح" (4/ 217). (¬2) في "جامع الأصول" (1/ 302). (¬3) ذكرها الحافظ في "الفتح" (4/ 221). (¬4) في "جامع الأصول" (1/ 306).

وقوله: "لا يمل حتى تملوا" فجرى مجرى قولهم: حتى يشيب الغراب، ويَبْيَضَّ القَار أي: لا أفعله أبداً. وقيل: معناه: أن الله لا يطرحكم حتى تتركوا العمل له، وتزهدوا في الرغبة فسمَّي الفعلين مَللاً وكلاهما ليس بملَلٍ، على جهة الإرادة كقوله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ} (¬1) وقوله تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} (¬2) وهو شائع في العربية وكثير في القرآن. انتهى. قوله: "وكان آل محمد" هذا مدرج في الحديث، قيل: والمراد من آل محمَّد هو نفسه، ويحتمل أن يراد أهله وأزواجه وعائشة الراوية منهم فهي مخبرة عن إقدامهم ببره وحولها النبوة، أي: داوموا عليه الحديث. قوله: "سددوا" في "النهاية" (¬3) أي: اطلبوا بأعمالكم الاستقامة والسداد وهو القصد في الأمر والعدل فيه، وقاربوا اطلبوا المقاربة، وهي القصد في الأمور الذي لا غلو فيه ولا تقصير. قوله: "واغدوا وروحوا" أي: اعملوا في الغداة، وهي أول اليوم والرواح آخره. "الدُّلجةُ" - بضم الدال المهملة وتخفيفها وتشديدها - سير الليل والمراد به العمل في الليل. وقوله: "سباق المدلجة" إشارة إلى تعليله. وقوله: "والقصد .. القصد" أي: العدل في القول والعمل، والوسط بين الطرفين، وهو إغراء فهما منصوبان، أي: السير بالرفق والتوسط، فهم بلاغ العبد إلى الخير. ¬

_ (¬1) سورة البقرة: (194). (¬2) سورة الشورى: (40). (¬3) في "النهاية" (2/ 352).

قوله: "يسر" هو مأخوذة: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (¬1) و {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ} (¬2). وقوله: "إن شادَّ" بالشين المعجمة وتشديد الدال المهملة في "النهاية" (¬3) وفيه من شاد الدين يغلبه، أي: ما يُقَاويه وَيُقَاومُه، ويكلف نفسه من العبادة فوق طاقته، والمشادة الموالية، وهو مثل الحديث الآخر: "إن هذا الدين متين، فأوغل فيه برفق" (¬4) انتهى. وقوله: "يتغمدني الله برحمته" [60 أ/ ج] بالغين المعجمة, أي: يلبسنها ويسترني بها مأخوذ من غمد السيف، وهو غلافه يقال: غمدت السيف وأغمدته. فإن قلت: ظاهر قوله تعالى: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (32)} (¬5) يقتضي أن دخولها بالعمل؟ ¬

_ (¬1) سورة الحج الآية: (78). (¬2) سورة البقرة الآية: (185). (¬3) "النهاية" (2/ 45). (¬4) أخرجه أحمد في "المسند" (3/ 199) والضياء في "لمختارة" رقم (2115) بسند ضعيف، من حديث أنس. وله شاهد من حديث عبد الله بن عمرو بن العاصي عند البيهقي (3/ 19) وابن المبارك في "الزهد" رقم (1334) بسند منقطع. وله شاهد ثانٍ من حديث محمَّد بن المنكدر عن النبي مرسلاً. أخرجه وكيع في "الزهد" رقم (234) والحسين المروزي في زوائد زهد ابن المبارك رقم (1178) بسند منقطع أيضاً. وفي الباب عند البخاري رقم (39) من حديث أبي هريرة ولفظه: "إن الدين يسر، ولن يشادّ الدين أحد إلا غلبه, فسددوا وقاربوا، وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة". والخلاصة: أن حديث أنس حديث حسن بشواهده. (¬5) سورة النحل: (32).

قلت: قد تكلم ابن القيم على المسألة في كتابه: "حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح" (¬1) فقال: فصل: ومما يجب التنبيه عليه هو أن الجنة إنما تدخل تحت رحمة الله تعالى ليس عمل العبد مستقلاً بدخولها، وإن كان سبباً، وقد أثبت الله دخولها بالأعمال في قوله: {بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (32)} (¬2) ونفى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخولها بالأعمال في قوله: "لن يدخل أحد منكم الجنة" ولا تنافي بين الأمرين لوجهين: أحدهما: ما ذكره سفيان وغيره قال: كانوا يقولون: النجاة من النار بعفو الله، ودخول الجنة برحمته. واقتسام المنازل والدرجات بالأعمال، ويدل على هذا حديث أبي هريرة: "إن أهل الجنة إذا دخلوها نزلوا فيها بفضل أعمالهم" رواه الترمذي (¬3). والثاني: أنَّ الباء التي نفت الدخول هي بالمعاوضة التي يكون فيها أحد العوضين مقابلاً للآخر، والباء التي أثبتت الدخول هي بالسببية التي تقتضي سببية ما دخلت عليه لغيره، وإن لم يكن مستقلاً بحصوله. انتهى. 74/ 5 - وعَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: كَانَ لِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - حَصِيرٌ يَحتَجِزُهُ في اللَّيْلِ فَيُصَلِّي فِيهِ، وَيَبْسُطُهُ في النَّهَارِ فيَجلس عليه، فَجَعَلَ النَّاسُ يثوبون إليه يُصَلُّونَ بِصَلاَتِهِ حَتَّى كَثْروا فأقبلَ علَيْهم فقال: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ! خُذُوا مِنَ الأَعمالِ مَا تُطِيقُونَ، فَإِنَّ الله لاَ يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا، وَإِنَّ أَحَبَّ الأَعْمَالِ إِلَى الله مَا دَامَ وَإِنْ قَلَّ" وَكَان [101/ ب] آلُ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - إذا عَمِلوا عَمَلاً أثْبَتُوه" أخرجه الستة (¬4) [صحيح]. ¬

_ (¬1) (ص 124). (¬2) سورة النحل: (32). (¬3) أخرجه الترمذي في "السنن" رقم (2549) وقال: حديث غريب, وهو حديث ضعيف. (¬4) البخاري رقم (730) ومسلم رقم (215/ 782) ومالك في "الموطأ" بلاغاً: (1/ 118) وأبو داود رقم (1368) والنسائي رقم (762).

وفي رواية للبخاري (¬1) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: سَدِّدُوا وَقَارِبُوا، وَاغْدُوا وَرُوحُوا، وَشَيْءٌ مِنَ الدُّلْجْةِ. وَالْقَصْدَ الْقَصْدَ تَبْلُغُوا، واعْلَمُوا أنَّهُ لَن يُدْخِلُ أَحَدكُم عَمَلُهُ الْجَنَّةَ" قَالُوا: وَلاَ أَنْتَ يَا رَسُولَ الله! قَالَ: "وَلاَ أَنَا إِلاَّ أَنْ يَتَغَمَّدَنِي الله تَعَالَى بِمَغْفِرَةٍ ورَحْمَةٍ" [صحيح]. وفي أخرى للبخاري (¬2) والنسائي (¬3): "إِنَّ هَذَا الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلاَّ غَلَبَهُ" يحتجزه بالزاي يجعله كالحجزة. [صحيح]. 75/ 6 - عن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "يَسِّرُوا وَلاَ تُعَسِّرُوا، وَبَشِّرُوا وَلاَ تُنَفِّرُوا"، وفي رواية: "وَسَكِّنُوا وَلاَ تُنَفِّرُوا" أخرجه الشيخان (¬4) [صحيح]. 76/ 7 - وعَن سَهْلَ بْنَ أَبِي أُمَامَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّهُ دَخَلَ هُوَ وَأَبُوهُ عَلَى أَنَسِ - رضي الله عنه - فإِذا هُوَ يُصَلّي صَلاَةً خَفِيفَةً كَأَنَّهَا صَلاَةُ مُسَافِرٍ فَلَمَّا سَلَّمَ قَالَ أَبِي: يَرْحَمُكَ الله. أَرَأَيْتَ هَذِهِ الصَّلاَةَ الْمَكْتُوبَةَ أَوْ شَيْءٌ تَنَفَّلْتَهُ قَالَ: إِنَّهَا الْمَكْتُوبَةُ، وإنَّهَا لَصَلاَةُ رَسُولِ الله [102/ ب]- صلى الله عليه وسلم -: مَا أَخْطَأْتُ إِلاَّ شَيْئًا سَهَوْتُ عَنْهُ، ثُم قًالَ: إِنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَال: "لاَ تُشَدِّدُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ فَيُشَدَّدَ عَلَيْكُمْ، فَإِنَّ قَوْمًا شَدَّدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ فَشَدَّدَ الله عَلَيْهِمْ فَتِلْكَ بَقَايَاهُمْ في الصَّوَامِعِ وَالدِّيَارِ. {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ} " أخرجه أبو داود (¬5) [ضعيف]. قوله: سَهْل بن أبي أمامة بن سَهْل بن حُنَيْف (¬6). ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (6463) ومسلم رقم (2816). (¬2) في "صحيحه" رقم (39). (¬3) في "سننه" رقم (5034). (¬4) البخاري رقم (69) ومسلم رقم (8/ 1734). (¬5) في "سننه" رقم (4904) وهو حديث ضعيف. (¬6) قال ابن حجر في "التقريب" رقم الترجمة (2650): ثقة.

يعد في التابعين سمع أنس بن مالك, وروى عن أبيه عن جده, وحُنَيف - بضم الحاء المهملة وفتح النون -. قوله: خفيفة. زاد في "الجامع" (¬1): دقيقة بالدال المعجمة والقاف، أي: خفيفة، لا إطالة فيها, ولا رياء. قوله: "فَيُشدَّدَ عليكم". أقول: بأن تحدثوا، فيعجزوا عن القيام بما قد أمروا، واستدل بذلك. "فإن قوماً" يريد بهم فرقة من النصارى شددوا على أنفسهم بالغلو في العبادة والإتيان بما لم يكتب عليهم، كما قال الله تعالى: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ} (¬2) فهو أيضاً نهي عن الغلو، وأمر بالاقتصاد، وتحذير من المبالغة، والرهبانية: ترك الملاذ من المطعم، والمشرب، والملبس، والمنكح، والمسكن الحلال، والانقطاع في الصوامع، كما يفعله رهبان النصارى. زاد في الجامع (¬3) بعد قوله: صلاة مسافر، أو قريب منها، وزاد في آخره: "ثم غدا من الغد، فقال: ألا تركب لننظر ونعتبر، قال: نعم، فركبوا جميعاً، فإذا هم بديارٍ بَادَ أهلُها، وانقضوا، وفَنُوا، خاوية على عروشها، قال: تعرف هذه الديار، قال: ما عرفين بها وبأهلها هؤلاء أهل ديار، أهلكهم البغي والحسد، إنَّ الحسد يطفئ نور الحسنات والبغي يصدق ذلك، أو يكذبه" الحديث. ¬

_ (¬1) في "جامع الأصول" (1/ 310) و (311). (¬2) سورة الحديد: (27). (¬3) في "جامع الأصول" (1/ 310 رقم 92).

77/ 8 - وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قال دَخَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَإِذَا حَبْلٌ مَمْدُودٌ بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ فَقَالَ: "مَا هَذَا الْحَبْلُ؟ " قَالُوا: هَذَا حَبْلٌ لِزَيْنَبَ فَإِذَا فَتَرَتْ تَعَلَّقَتْ به. فَقَالَ: لاَ، حُلُّوهُ, لِيُصَلَّ أحَدُكُمْ نَشاطَهُ، فَإِذَا فتَرَ فَلْيَقْعُدْ" أخرجه البخاري (¬1) وأبو داود (¬2) والنسائي (¬3) [صحيح]. وقوله: "فإذا فترت" (¬4). أقول: قد طوى منه. قوله: يصلي حديث أنس. وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا" حرف نهي، أو نفي حذف مدخوله وتقديره: لا يفعل، وأمرهم بحله، ثم أمر بأن يصلي أحدهم نشاطه، وإذا ذهب نشاطه بالفتور، فقد أمره - صلى الله عليه وسلم - أن يقعد. قوله: أخرجه البخاري (¬5) وأبو داود (¬6) والنسائي (¬7). ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (1150) قلت: ومسلم رقم (784). (¬2) في "سننه" رقم (1312) وقد ذكر حمنة بنت جحش والصحيح: زينب بنت جحش، كما عند البخاري ومسلم والنسائي. (¬3) في "سننه" رقم (1643) وهو حديث صحيح. (¬4) الفتور: ضد النشاط والخفة. (¬5) في "صحيحه" رقم (1150) قلت: ومسلم رقم (784). (¬6) في "سننه" رقم (2/ 13) وقد ذكر حمنة بنت جحش والصحيح: زينب بنت جحش، كما عند البخاري ومسلم والنسائي. (¬7) في "سننه" رقم (1643) وهو حديث صحيح.

قلت: لكن في الجامع أنَّ رواية أبو داود (¬1): فقال - صلى الله عليه وسلم - "ما هذا الحبل" فقيل: يا رسول الله! حمنة بنت جحش تصلي, فإذا أَعْيَتْ تَعَلَّقَتْ به, فقال: "حُلُّوهُ لتصلَّ ما أطاقت, فإذا أعْيت لتجلس". وفي رواية له (¬2): فقالوا: زينب تصلي، فإذا كَسِلْتْ أو فَتَرت أمسكت به، فقال: "حلوه ليصلّ أحدكم نشاطه، فإذا كسل أو فتر، فليقعد" انتهى. ففي تعيين المصلية ثلاث روايات، ويمكن الجمع بأن كل واحدة اتفق لها ذلك. حديث عائشة: 78/ 9 - عَنْ عَائِشَةَ رضي لله عنها قَالَتْ: كَانَتْ عِنْدِي امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي أَسَدٍ، فَقَالَ: "مَنْ هَذِهِ" قُلْتُ: فُلاَنَةُ لاَ تَنَامُ بِاللَّيْلِ. فَقَالَ: "مَهْ عَلَيْكُمْ مَا تُطِيقُونَ مِنَ الأَعْمَالِ، فَإِنَّ الله لاَ يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا، وكانَ أحبُّ الدين إليهِ مَا دَاوَم عَليْه صاحبه" أخرجه الثلاثة (¬3) والنسائي (¬4) [103/ ب]، [صحيح]. قوله فيه: وعندي امرأة من بني أسد. ورواية مسلم: "أنها الحَوْلاء بِنْتَ تُوَيْت". قوله: أخرجه الثلاثة. أقول: الشيخان، ومالك، لكن مالك أخرجه مرسلاً، وبلاغاً عن إسماعيل بن أبي حكيم أنه بلغه بلفظ: مقارب لألفاظ الشيخين. الحديث. ¬

_ (¬1) في "سننه" رقم (2/ 13) وقد ذكر حمنة بنت جحش والصحيح: زينب بنت جحش، كما عند البخاري ومسلم والنسائي. (¬2) أي: لأبي داود رقم (1312). (¬3) البخاري رقم (43) ومسلم رقم (785) ومالك في "الموطأ" (1/ 118). (¬4) في "سننه" رقم (1642).

حديث أبي هريرة: 79/ 10 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ شِرَّةً, وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةً, فَإِنْ صَاحِبُهَا سَدَّدَ وَقَارَبَ فَارْجُوهُ، وَإِنْ أُشِيرَ إِلَيْهِ بِالأَصَابعِ فَلاَ تَعُدُّوهُ" أخرجه الترمذي (¬1) وصححه. "الشرَّة" النشاط والرغبة. [حسن]. قوله: شِرَّةٍ. بكسر الشين المعجمة، وتشديد الراء، هي النشاط، ويقال: شِرَّةُ النَّار أوَّله، والفترة ضد النشاط والخفة، وتقدم تفسير: "سددوا وقاربوا". وقوله: "وإن أشير إليه بالأصابع". كناية عن عدم التسديد، بل بالغ مبالغة يعرفها الناس، وعظمت في أعينهم حتى أشير إليه تعظيماً لا تفرد به من العبادة. وقوله: "فلا تَعُدُّوه". أي: ممن ترجى له النجاة كما قال في الأول، فأرجوه، أي: أرجو له النجاة مداومة على ما هو عليه, وهذا لا يرجوه لما هو عليه من العجب والرياء، وترك ما هو بصدده، وهذا من أعلام النبوة، قد شاهدنا وشاهد الناس الفريقين. قوله: أخرجه الترمذي وصححه. قلت: وقال: حسن صحيح غريب، فكان الأحسن زيادة وغربه. 80/ 11 - وعَن أَبِي جُحَيْفَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: آخَى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَ سَلْمَانَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ فَزَارَ سَلْمَانُ أَبَا الدَّرْدَاءِ فَرَأَى أُمَّ الدَّرْدَاءِ مُتَبَذِّلَةً، فَقَالَ: مَا شَأْنُكِ؟ قَالَتْ: أَخَوكَ أَبَو الدَّرْدَاءِ ¬

_ (¬1) في "سننه" رقم (2453) وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب، وهو حديث حسن.

لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ فِي الدُّنْيَا. فجَاءه أَبُو الدَّرْدَاءِ فَصَنَعَ لَهُ طَعَامًا وقَالَ لَهُ: كُلْ فَقَال: إِنِّي صَائِمٌ. فقَالَ سَلْمان مَا أَنَا بِآكِلٍ حَتَّى تَأْكُلَ، فَأَكَلَ، فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ ذهبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَقُومَ فَقَالَ: نَمْ. فَنَامَ، ثُمَّ ذهبَ يَقُومُ فَقَالَ لَهُ نَمْ. فَنَامَ فَلَمَّا كَانَ مِنْ آخر الليل قَالَ سَلْمَانُ: قُمِ الآنَ فَصَلَّيَا، فَقَالَ لَهُ سَلْمَان: إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وإِنْ لِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا, ولأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ. فَذَكَرَا ذَلِكَ لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ لَهُ: "صَدَقَ سَلْمَانُ". أخرجه البخاري (¬1) والترمذي (¬2) [صحيح]. وزاد الترمذي - رحمه الله -: "ولضيفك عليك حقًا" [104/ ب]. قوله: "أبو جحيفة" (¬3). هو السُّوائي: وهب بن عبد الله، ويقال: وهب بن وهب الخير. نزل أبو جحيفة الكوفة، وابتنى بها داراً، وكان من صغار الصحابة, توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يبلغ الحلم، لكنه سمع من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وروى عنه, وجعله علي - عليه السلام - على بيت المال بالكوفة، وشاهد معه المشاهد كلها. ساق ابن عبد البر سنده إلى أبي جحيفة أنه قال: "أكلت ثريد" بلحم، وأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأنا أتجشأ، فقال: "اكفف أو احبس عنا جشاك أبا جحيفة! فإن أكثر الناس شبعاً أطولهم جوعاً يوم القيامة" (¬4) قال: فما أكل أبو جحيفة ملأ بطنه حتى فارق الدنيا كان إذا تعشى لا يتغدَّى، وإذا تغدى لا يتعشى. انتهى وليس من حديثه ما نتكلم عليه. الحديث. ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (1968). (¬2) في "سننه" رقم (2413) وقال: هذا حديث صحيح، وهو حديث صحيح. (¬3) انظر ترجمته في "الاستيعاب" (ص 750) رقم (2702). (¬4) أخرجه الذهبي في "الميزان" (4/ 343) رقم الترجمة (9391) بسند ضعيف.

81/ 12 - وعَنْ حَنْظَلَةَ بِن الرَّبيع الأُسَيِّدِىِّ (¬1) كَاتِب رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - ورضي عنه قَالَ: لَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ - رضي الله عنه - فَقَالَ: كَيْفَ أَنْتَ؟ فَقُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ! فَقَالَ: سُبْحَانَ الله مَا تَقُولُ؟ فقُلْتُ: نَكُونُ عِنْدَ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ حَتَّى كَأَنَّا رَأْىَ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِه عَافَسْنَا الأَزْوَاجَ وَالأَوْلاَدَ وَالضَّيْعَاتِ وَنَسِينَا كَثِيرًا، قَالَ: وَالله إِنّي لأجِدُ مِثْلَ هَذَا. فَانْطَلَقْا إلى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وذَكرا له ذلك. فَقَالَ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُوُنونَ عِندِي، وَفِي الذِّكْرِ لَصَافَحَتْكُمُ الْمَلاَئِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ وَفِي طُرُقِكُمْ، وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ! سَاعَةً وَسَاعَةً" ثَلاَثَ مَرَّاتٍ. أخرجه مسلم (¬2) والترمذي (¬3) [صحيح]. "المعافسة": المعالجة والممارسة والملاعبة. "حنظلة بن الربيع الأسيدي": يقال له: الكاتب؛ لأنه كتب الوحي لرسول - صلى الله عليه وسلم - وانتقل إلى مكة، ومات بفرقيسا في زمن معاوية، روى عنه أبو عثمان النهدي - بفتح النون وبالدال المهملة - ويزيد بن الشخير - بكسر الشين المعجمة وتشديد الخاء المعجمة وكسرها - نافق حنظلة. قال ابن الأثير (¬4): النفاقُ: ضد الإخلاص، وأراد به في هذا الحديث أنني في الظاهر إذا كنت عند النبي - صلى الله عليه وسلم - أخصلتُ، فإذا انفردت عنه رغبت في الدنيا، وتركتُ ما كنت عليه، ¬

_ (¬1) الأُسَيْدي: ضبطوه بوجهين أصحهما وأشهرهما: ضم الهمزة وفتح السين وكسر الياء المشددة, والثاني: كذلك إلا أنه بإسكان الياء، وهو منسوب إلى بني أسيد بطن من بني تميم. "جامع الأصول" (1/ 315) حاشية رقم (2). وانظر "الاستيعاب" (ص 138 - 139) رقم (393). (¬2) في "صحيحه" رقم (2750). (¬3) في "سننه" رقم (2514) وقال: هذا حديث حسن صحيح. وأخرجه ابن ماجه رقم (4239) وهو حديث صحيح. (¬4) في "جامع الأصول" (1/ 317) وانظر "النهاية" (5/ 98).

فكأنه نوع من الظاهر، والباطن، وما كان يرضى أَنْ يُسامِحَ نفسَهُ، وكذلك كان الصحابة - رضي الله عنهم - يؤاخذون أنفسهم بأقلَّ الأشياء. قوله: "رأي عين". يقال: جعلتَ الشَّيء رأيَ عيْنِك، أي: بمرأى منك، وفي مقابلتك، وهو منصوب بإضمار "نرى" ويأتي تفسير المعَافَسَة بضم الميم بعين مهملة وسين مهملة. و"الضيعات": جمع ضَيْعَة، وهي الصناعةُ والحِرفَةُ. وقوله: "ولكن ساعة وساعة". أي: ساعة لله - عز وجل -، ولذكر الوعد والوعيد، وساعة لأنفسكم، وما لا بدَّ لكم منه. قوله: "مسلم والترمذي". قلت: وقال صحيح، إلا أنه قال: "ساعة وساعة .. ساعة وساعة" الحديث. حديث عائشة: 82/ 13 - وعَن مَالِكُ (¬1) أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَائِشَةَ - رضي الله عنها -: كَانَتْ تُرْسِلُ إِلَى بَعْضِ أَهْلِهَا بَعْدَ الْعَتَمَةِ تَقُولُ: أَلاَ تُرِيحُونَ الْكُتَّابَ. [موقوف ضعيف]. قوله: "ألا تريحون الكتاب". جمع: كاتب، وأرادت الحفظة الكرام الكاتبين، وذلك حثَّا لهم على ترك العمل، وطلب الاقتصاد (¬2). ¬

_ (¬1) في "الموطأ" (2/ 987 رقم 9) بلاغاً. قلت: وأخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" رقم (4991) من طريق القعنبي عن مالك به. وإسناده ضعيف لإعضاله. والخلاصة: أنه موقوف ضعيف, والله أعلم. (¬2) "جامع الأصول" (1/ 318).

83/ 14 - وعَنْ ابْن عَبَّاس - رضي الله عنهما - قَالَ: أخْبَرَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - عن مولاة له تقوم الليل وتصومُ النَّهار فقال: "لِكُلِّ عَامِل شرَّةٌ، ولكل شرةٍ فَتْرَةٌ، فَمَنْ صَارَت فترتُه إلى سُنْتِي فَقَد اهْتَدى، ومن أخْطأ فَقَد ضَلَّ" (¬1) [حسن]. 84/ 15 - وعَنْ أِبي هُرَيْرَة - رضي الله عنه - قَالَ: "قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خَيرُ الأمورِ أوْسَاطَها" أخرجهما رزين (¬2) [105/ ب]. قوله: "وخير الأمور أوساطها". فقال ابن الأثير (¬3): معناه: أن لكل خصلة محمودة, فإنَّ لا طرفين مذمومين، مثل: أنَّ السَّخاء وسطٌ بين البخل والتَّبذير [61 أ/ ج] والشجاعة وسط بين الجبن والتهوُّر، والإنسان مأمورٌ أن يتجنَّب كلَّ وصفٍ مذمومٍ، وتجنُّبه بالتَّعرِّي منه، والتَّبعُّد عنه، فكلما ازدادوا منه بعداً ازدادوا منه تعرياً، وأبعد الجهات والأماكن والمقادير من كل طرفين، فإنما هو وسطها. لأنَّ الوسط فيه تعري عن الأطراف المذمومة بقدر الإمكان، فلهذا خير الأمور أوساطها. اهـ. ¬

_ (¬1) وهو بمعنى حديث أبي هريرة المتقدم برقم (79/ 10) من كتابنا هذا. فانظر تخريجه هناك، وهو حديث حسن. (¬2) أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (3/ 273) وقال: هذا منقطع. وفي "الشعب" رقم (5819 - الرشد) وقال: هذا مرسل. وفي "الآداب" رقم (727) والخطيب في "الجامع" (1/ 382 رقم 885)، وانظر مزيد كلام على هذا الحديث في تخريجي: "للفوائد المجتمعة" للشوكاني برقم (743) وهو حديث ضعيف جداً. (¬3) في "جامع الأصول" (1/ 319).

قوله: "أخرجهما رزين". قدمنا لك أنَّ هذه العبارة لا تجري على طريقة المحدثين، وأن الأولى إهمالهما، وعبارة ابن الأثير، وهذه وجدتها في كتاب رزين، ولم أجدها في الأصول، وساق هذين الحديثين، وزاد بالثاء عن معاذ.

[الكتاب الثالث]: كتاب الأمانة

[الكتاب الثالث] (¬1): كتاب الأمانة يأتي تفسيرها. 85/ 1 - عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ - رضي الله عنه - قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - حَدِيثَيْنِ (¬2) قَدْ رَأَيْتُ أَحَدَهُمَا وَأَنَا أَنْتَظِرُ الآخَرَ، حَدَّثَنَا: "أَنَّ الأَمَانَةَ نَزَلَتْ في جَذْرِ قُلُوبِ الرِّجَالِ، ثُمَّ نَزَلَ الْقُرْآنُ فَعَلِمُوا مِنَ الْقُرْآنِ وَعَلِمُوا مِنَ السُّنَّةِ". ثُمّ حَدَّثَنَا عَن رَفْعِ الأَمَانَةِ قَالَ: "يَنَامُ الرَّجُلُ النَّوْمَةَ فَتُقْبَضُ الأَمَانَةُ مِنْ قَلْبِهِ فَيَظَلُّ أثرُهَا مِثْلَ أثر الْوَكْتِ، ثُمَّ يَنَامُ نَوْمَةً, فَتُقْبَضُ الأمانَةُ مِنْ قَلبِهِ فَيَظَلُّ أَثَرُهَا مِثْلَ أثر الْمَجْلِ كَجَمْرٍ دَحْرَجْتَهُ عَلَى رِجْلِكَ فَنَفِطَتْ فَتَرَاهُ مُنْتَبِرًا وَلَيْسَ فِيهِ شَيءٌ". ثُمَّ أَخَذَ حَصَاةً فَدَحْرَجَهَ عَلَى رِجْلِهِ فَيُصْبِحُ النَّاسُ يَتبَايَعُونَ فَلاَ يَكَادُ أَحَدُهُمْ يُؤَدِّي الأَمَانَةَ حَتَّى يُقَالَ: إِنَّ فِي بَنِي فُلاَنٍ رَجُلاً أَمِينًا وَحَتَّى يُقَالَ لِلرَّجُلِ: مَا أَجْلَدَهُ! وَمَا أَظْرَفَهُ! وَمَا أَعْقَلَهُ! وَمَا في قَلْبِهِ مِثْقَّالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ" وَلَقَدْ أتى عَلَيَّ زَمَانٌ وَمَا أُبَالِي أَيُّكُمْ بَايَعْتُ، لَئِنْ كَانَ مُسْلِمًا لَيَرُدَّنَّهُ عَلَىَّ دِينُهُ، وَلَئِنْ كَانَ [106/ ب] نَصْرَانِيًّا أَوْ يَهُودِيًّا لَيَرُدَّنَّهُ عَلَىَّ سَاعِيهِ، وأَمَّا الْيَوْمَ فَمَا كُنْتُ لأُبَايعَ مِنْكُمْ إِلا فُلاَنًا وَفُلاَنًا" أخرجه الشيخان (¬3) والترمذي (¬4) [صحيح]. "الوكتُ" الأثر في الشيء من غير لونه كالنقطة. و"المجلُ" ما يظهرُ في اليدِ شِبَه البُثر من معاناة الأشياء الصلبةِ الخشنة. و"المُنْتَبرُ" المنتفخ. ¬

_ (¬1) زيادة من "جامع الأصول" (1/ 319). (¬2) أي: في باب الأمانة إذ له أحاديث كثيرة وأولهما: في نزول الأمانة، وثانيهما: في رفعها. (¬3) البخاري رقم (6497) ومسلم رقم (143). (¬4) في "سننه" رقم (2179) وقال: هذا حديث حسن صحيح. قلت: وأخرجه ابن ماجه رقم (4053)، وهو حديث صحيح.

قوله: "حديثين". أقول: أي: فيما يتعلق بالأمانة, وإلا فالأحاديث الذي حدثهم - صلى الله عليه وسلم - كثيرة، والتي رواها حذيفة كثيرة. الأول منها قوله: "حدثنا أن الأمانة". اختلف في تفسيرها، قال ابن التين: الأمانة كلما يخفى، ولا يعلمه إلا الله تعالى من المكلف، وعن ابن عباس: هي الفرائض التي أمروا بها، ونهوا عنها. وقيل: هي الطاعة. وقيل: التكاليف كلها، وقيل: هو العهد الذي أخذه الله على العباد. وهذه الأخلاق وقع في تفسير الآية: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ} (¬1) وقال ابن العربي (¬2): المراد بالأمانة في حديث حذيفة: الإيمان. وتحقيق ذلك فيما ذكر من رفعها أنَّ الأعمال السيئة لا تزال تضعف الإيمان حتى إذا ثناها الضعف لم يبق إلا أثر الإيمان, وهو التلفظ باللسان، والاعتقاد الضعيف في ظاهر القلب، فشبهه بالأثر في ظاهر البدن. وكني عن ضعف الإيمان بالنوم، وضرب مثلاً لزهوق الإيمان عن القلب حالاً فحالاً بزهق الحجارة عن الرجل حتى يقع بالأرض. انتهى. قوله: "ثم نزل القرآن". فيه أنهم كانوا يعلمون القرآن قبل علمهم بالسنن, وفيه دليل أن نزول الأمانة على أصل القلوب لبني آدم كان مثل نزول القرآن، ولذا أتى بثمَّ. ¬

_ (¬1) الأحزاب الآية: (72). (¬2) في "عارضة الأحوذي" (9/ 24).

وقوله: "الرجال". مفهوم الذكور والإناث، وإنما خص قلوب الرجال؛ لأنهم الأصل في التكاليف، والذي يظهر عندي أنه أريد بالأمانة: الفطرة التي فطر الله العباد عليها، كما قدمنا، وأنه نزل القرآن مقرراً لها، فعلموا منه، ومن السنة ما يوافق الفطرة. وقوله: حدثنا. هذا هو الحديث الثاني الذي ذكر أنه ينتظره, وكأنه كان بين المحدثين نزل، فأتى بثمَّ. وقوله: "عن رفع الأمانة". أي: من القلوب، وتقدم معنى ينام الرجل، وأنه كناية. قلت: ويحتمل أنَّ المراد بالنوم الغفلة عن فعل الطاعات التي بها يزيد الإيمان قوة، ويقيناً، والمراد من الأمانة الإيمان الكامل، وأن كل غفلة تضعفه، فينقص الإيمان, أي: الكامل من قلبه، ويبقى فيه أضعفه وأقلّه. "والوكت" بفتح الواو وسكون الكاف فمثناة فوقية يأتي تفسيره للمصنف. "والمجل" بفتح الميم وسكون الجيم كذلك، ثم تزداد غفلته على ما ذكرناه، فيزداد ضعف إيمانه حتى لا يبقى فيه شيء، أي: من كمال الإيمان, ثم مثل لهم المعقول بالمحسوس زيادة في إيضاحه بالحصى التي دحرجها على رجله. وقوله: "يتبايعون". مثل لرفعهما، وأنه يظهر أثره بها المعاملات الدنيوية, وأنه لا يكاد أحد منهم يؤدي أمانته [61 ب/ ج] في تجارته لضعف إيمانه. قوله: "ما في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان". هو دليل على أنه أريد بالأمانة أولاً الإيمان، ولا بدّ من حمله على الكامل، أي: مثقال حبة من إيمان كامل، وإنما أولناهُ بالكامل؛ لأنَّه من المعلوم أنه لا يخرج من الملة من لا أمانة له،

ولا يصير مرتداً، ويرشد إليه حديث: "المؤمن من أمنه الناس" (¬1) أي: الكامل الإيمان, وهو المشار إليه بقوله: إنه يقال: إنَّ في بني فلان رجلاً أميناً، وإلى هنا اللفظ النبوي، وهذا الذي اشتهر بالأمانة في بني فلان لعله الذي يقال له: ما أجلده .. إلخ. هو الذي اشتهر شهرةً باطلة؛ لأنَّه ليس في قلبه مثقال حبة خردلة من إيمان، فشهرته إمَّا لأنَّه كان يتكلف الأمانة ليجعلها مكسباً ليأمنه الناس، ولا بد أن ينال شيئاً من دنياهم بإظهاره الأمانة, فلم يكن إظهارها عن ديانة أو لأنه كان لا يخلو عن خيانة لكنه بالنسبة إلى أهل عصره خير موجود فيهم، فكان سبب شهرته. وقوله: "ولقد أتى علي زمان". هذا مدرج من كلام حذيفة. وقوله: "بايعت". في بيع السلع ونحوها لا بيعة الخلافة, كما قيل: فإنه وهمٌ يذكرهُ اليهود والنصارى، وفيه أنه حمل حذيفة الأمانة على الأموال والمعاملات، لا على الإيمان, إلا أنه قد يقال: أراد المثال، أي: مثلاً، أو لأن عدم الأمانة في المعاملات من فروع ضعف الإيمان, وذكر أهل الملتين إعلامٌ منه بأنه قد عمَّ رفع الأمانة في المعاملات كلّ فرقة. وقوله: "ساعيه". أي: واليه. قوله: وأمَّا اليوم: أي: حين تكلّمه هذا، فقد قسم الناس فريقين: فريق يرده إسلامه، وفريق يرده ساعيه إن كان ملياً. ¬

_ (¬1) وهو جزء من حديث أنس أخرجه أحمد (3/ 154) والحاكم في "المستدرك" (1/ 11) والبزار رقم (21 - كشف) وأبو يعلى رقم (4187) وابن حبان رقم (510) وابن أبي الدنيا في "الصمت" رقم (28) والقضاعي في مسند الشهاب رقم (874) بسند صحيح، وهو حديث صحيح.

والفريق الثالث: الموجودون حال تكلّمه, فإنه عرف اثنين بالأمانة لا غير, فهما اللذان يبايعهما. وفيه أنه تغير الإِسلام بضعفه، فلا يرده إسلامه، فرفعت الأمانة، ثم تغير - أيضاً - سعاة اليهود، والنصارى فلم ينصفوا من ... (¬1) إشارة إلى أنَّ التغير عمَّ أفراد الفرق جميعاً. وفيه أنه وقع هذا الذي كان ينتظره مما حدثه به النبي - صلى الله عليه وسلم -. واعلم أنَّ حذيفة بقي إلى خلافة أمير المؤمنين علي - عليه السلام - وبايعه, وقام في نصرته، وتوفي في أوائل خلافته، ولا ريب أنه كان قد تغير الناس مما كانوا عليه، فكيف بِنَا الآن في أواخر القرن الثاني عشر بعد المائة والألف؟! قوله: الترمذي. قلت: وقال: حسن صحيح. الحديث الثاني: 86/ 2 - وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا ضُيِّعَتِ الأَمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَّاعة" قَيلَ: وَكَيْفَ إِضَاعَتُهَا؟! قَالَ: "إِذَا وسِّدَ الأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ" أخرجه البخاري (¬2) [صحيح]. "وُسِّدَ" أسند. قوله: "إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة". سبب الحديث: أنَّ أعرابياً سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قيام الساعة وهو القائل: وكيف إضاعتها؟ ولفظه في الجامع (¬3): بينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مجلسٍ يُحَّدثُ القوم؛ فقال بعض القوم: ¬

_ (¬1) بياض في الأصل مقدار كلمة. (¬2) في "صحيحه" رقم (59). (¬3) في "جامع الأصول" (1/ 321 رقم 103).

سمع ما قال، فكره، وقال بعضهم: لم يسمع حتى إذا قَضَى حديثَه قال: "أين السائل عن الساعة؟ " قال: هأنذا يا رسول الله! الحديث. فقال: "إذا وسَّدَ" يأتي تفسيره للمصنف، وهو مبني للمفعول، والمراد بالأمر، الأمر المتعلق بالدين، كالخلافة والقضاء، والإمارة، والإفتاء، ونحو ذلك. وقوله: "فانتظر الساعة". الفاء: تفريعية، أي: جواب شرط حذف، أي: إذا كان الأمر كذلك، فانتظر. قال ابن بطال (¬1): معنى وُسَّد الأمر إلى غير أهله: أنَّ الأئمة قد ائتمنهم الله على عباده، وفرض عليهم النصيحة لهم، فينبغي لهم تولية أهل الدين، فإذا قَلَّدوا غير أهل الدين، فقد ضيعوا الأمانة التي قلدهم الله إياها. وهذا من أشراطها، وقد وقع هذا من إلحاق مثل إعصار في جميع الأقطار، فعليك للساعة بالانتظار. وفيه بيان نوع من أنواع الأمانة، وهي تضييع ما أمر الله به عباده من أن يكون سادتهم، والعالمون [62 أ/ ج] بأمور الدين هم علماؤهم، وأفضالهم الآمرون بالمعروف، والناهون عن المنكر، فإذا ضيعت الأمة ذلك، وأسندوا أمر الدين إلى أهل الجهالة، ومشيدي أركان الضلالة فهي أشراط الساعة، فإن قلت: الأمر وسد إلى غير أهله من بعد الثلاثين سنة التي قال فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الخلافة ثلاثون سنة، ثم يكون ملكاً عضوضاً" (¬2) وإلى الآن زيادة على ألف عام منذ وسد أمر الأمة إلى غير أهله، فكيف يقول - صلى الله عليه وسلم -: "فانتظر الساعة". ¬

_ (¬1) في شرحه لـ "صحيح البخاري" (1/ 138). (¬2) أخرجه أحمد (5/ 220) وفي فضائل الصحابة رقم (789) و (1027) وصححه الخلال في السنة رقم (636).

قلت: يحتمل أنَّ المراد إذا وسد كل أمر إلى غير أهله، ولا نسلم أن قد وقع ذلك في كل أمرٍ من أمور الدين، فإنه وإن كان ولي الخلافة من ليس من أهلها، فإنه يبقى علماء يفتون بالحق، وحكام يحكمون به ومجاهدون يجاهدون لتكون كلمة الله هي العليا، ومن نظر في سير الماضين عرف ذلك. ويحتمل أن يراد بإذا وسد، أي: إذا أجمع أهل الحق والعقد على تولية خليفة ليس أهلاً للخلافة، واتفقوا عليه جميعاً، وهذا لا يقع، فإنَّ غالب الخلفاء الذين ليسوا بأهل للأمر تغلبوا بالسيف، فلم يقع ما ذكر في الحديث. الحديث الثالث: 87/ 3 - وعنه - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَدِّ الأَمَانَةَ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكَ وَلاَ تَخُنْ مَنْ خَانَكَ" أخرجه أبو داود (¬1) والترمذي (¬2) [حسن]. "أدِّ الأمانة إلى من ائتمنك". عام لكل أمانة في الأموال، والأقوال، والأفعال، ولكل مؤتمن من مسلم وغيره. "ولا تخن من خانك". أي: لا تكافئ بالخيانة الخيانة، وتقول: فلان خانني فيما أمنته عليه، فأكافئه بالخيانة فيما أمنني عليه لا سيما مع عموم قوله: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} و {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} (¬3). ¬

_ (¬1) في "سننه" رقم (3535). (¬2) في "سننه" رقم (1264) وقال: هذا حديث حسن غريب، وهو حديث حسن. انظر تخريجه بشكل موسع في تحقيقي لسبل السلام (5/ 175). (¬3) سورة الشورى الآية: (40).

فيكون هذا الحديث مخصصاً للآيات، وقد بسطنا البحث في ذلك في "سبل السلام" (¬1) قوله: أخرجه أبو داود والترمذي. قلت: قال الترمذي (¬2): حسن غريب، وصححه الحاكم (¬3)، وقال الشافعي: إنَّ الحديث غير ثابت، وقال أحمد بن حنبل: إنه باطل لا يعرف عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من وجه صحيح، وأعلَّه ابن حزم، وابن القطان، والبيهقي بقيس بن الربيع (¬4)، وشريك (¬5)، وغيرهما. الرابع: حديث أبي موسى: 88/ 4 - وَعَنْ أَبِي مُوسَى - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ الْخَازِنَ الْمُسْلِمَ الأَمِينَ الَّذِي يُعْطِى مَا أُخْرَجه كَامِلاً مُوَفَّرًا طَيَّبَةً بِهِ نَفْسُهُ أَحَدُ الْمُتَصَدِّقَيْنِ" أخرجه الخمسة إلا الترمذي (¬6). وزاد النسائي في أوله: "الْمُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كالْبُنْيَانِ، يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا" [107/ ب]، [صحيح]. ¬

_ (¬1) (5/ 175 - 177) بتحقيقي. (¬2) في إثر الحديث (1264). (¬3) في "المستدرك" (2/ 46). (¬4) قال الحافظ (2/ 128): صدوق تغيَّر لما كبر، أدخل عليه ابنه ما ليس من حديثه فحدَّث به. قلت: ومثل حديث هذا يقبل في المتابعات، وقد توبع. (¬5) قال الحافظ (1/ 351): صدوق يخطئ كثيراً، تغير حفظه منذ ولي القضاء بالكوفة, وكان فاضلاً عابداً شديداً على أهل البدع. قلت: ومثل حديث هذا يقبل في المتابعات، وقد توبع. وانظر الصحيحة (1/ 708، 709 رقم 423). (¬6) أخرجه البخاري رقم (1438) و (2319) و (2260) ومسلم رقم (79/ 1023) وأبو داود رقم (1684) والنسائي رقم (2560)، وهو حديث صحيح.

قوله: أحد المتصدقين. والآخر الآمر له، وهو خبر إنَّ، والحديث واضح المراد. قوله: وزاد النسائي. أقول: لفظه مخالف لما ساقه المصنف، فإن لفظه: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً". وقال: "الخازِنُ الأمينُ الذي يُعطى ما أُمِرَ به طيبةً به نفسه أحد المتصدقين". هكذا في الجامع (¬1)، وفيه الإخبار بأنَّ أهل الإيمان يتعاضدون، ويتساندون على فعل الخيرات، وأنَّ انضمام المؤمن إلى المؤمن في نشر الخير، وكفّ الشر يقوى به جانب كل منهما، كما أنَّ أحجار البنيان ولبنها يشدّ بعضها بعضاً، وتستقيم به العمارة, وتقوى بها الجُدران، وإذا أُحيل حجر منها أحيل البناء، وقد ينهدم الجدار، فكذلك المؤمنون إذا لم ينصر بعضهم بعضاً، ويشدّ كل واحدٍ أخاه، ويعينه على ما أمر الله به، وارتضاه، وإلا انهدم الدين، وقوي جانب المفسدين، وضاع الإيمان, وتهدمت منه الأركان [62 ب/ ج]. والحديث مأخوذ من قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ (4)} (¬2)، وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ} (¬3) الآية. ¬

_ (¬1) في "جامع الأصول" (1/ 324). (¬2) سورة الصف الآية: (4). (¬3) سورة النساء الآية: (135).

وفي الآية الأخرى: {كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ} (¬1) وما هدم الشرائع وأضاع الأحكام، وضعضع قواعد الإِسلام، إلا عدم تعاون العباد، وتعاضدهم وتخاذلهم، وتحاسدهم، وتنازعهم الذي تفرّع عليه ذهاب ريح الدين، وتصديق قول الله تعالى: {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} (¬2). ¬

_ (¬1) سورة المائدة الآية: (8). (¬2) سورة الأنفال الآية: (46).

[الكتاب الرابع]: كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

[الكتاب الرابع] (¬1): كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المعروف في "التعريفات" (¬2): هو كل ما يحسن شرعاً، قاله الشريف. قال: والمنكر ما ليس فيه رضى الله تعالى من قول، ولا فعل، والمعروف: ضده. قال النووي في "شرح مسلم" (¬3): قد تطابق على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الكتاب والسنة، وإجماع الأمة، وهو - أيضاً - من النصيحة التي هي الدين، ووجوبه بالشرع، لا بالعقل خلافاً للمعتزلة. وأمَّا قوله تعالى: {لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} (¬4) فليس مخالفاً لما ذكرنا, لأن المذهب الصحيح عند المحققين في الآية: أنكم إذا فعلتم ما كلفتم به فلا يضركم تقصير غيركم مثل قوله: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} (¬5)، وإذا كان كذلك، فمما كلّف به الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإذا فعله، ولم يمتثل المخاطب، فلا عيب بعد ذلك على الفاعل؛ لكونه أدّى ما عليه، فإنما عليه الأمر، والنهي، لا القبول، ثم إنه فرض على الكفاية إذا قام به بعض الناس سقط الحرج عن الباقين. فإذا تركه الجميع أثم كل من تمكن منه، بلا عذرٍ، ولا خوف، ثم إنه قد يتعين، كما إذا كان في موضع لا يعلم به إلا هو، ولا يتمكن من إزالته إلا هو. ¬

_ (¬1) زيادة من "جامع الأصول" (1/ 324). (¬2) في "التعريفات" للجرجاني (ص 237). (¬3) في شرحه لـ "صحيح مسلم" (2/ 22). (¬4) سورة المائدة الآية: (105). (¬5) سورة الأنعام الآية: (164).

قال العلماء: ولا يسقط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لكونه لا يفيد في ظنه، بل يجب عليه فعله، فإنَّ الذكرى تنفع المؤمنين. وقد قدمنا أنَّ الذي عليه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا القبول كما قال تعالى: {مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ} (¬1). قال العلماء: ولا يشترط في الآمر الناهي أن يكون كامل الحال ممتثلاً ما يأمر به مجتنباً ما ينهى عنه، بل عليه الأمر، وإن كان مخلاً بما أمر به، والنهي، وان كان متلبساً بما ينهى عنه، فإنه يجب عليه شيئان؛ أن يأمر نفسه، وينهاها، ويأمر غيره، وينهاه، وإذا أخلّ بأحديهما كيف يحلُّ له الإخلال بالآخر. قالوا: ولا يختص الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بذوي الولايات، بل ذلك ثابت لآحاد المسلمين. قال إمام الحرمين: والدليل عليه إجماع المسلمين، فإن غير الولاة في الصدر الأول، والعصر الذي يليه كانوا يأمرون الولاة بالمعروف، وينهوهم عن المنكر من غير ولاية. قلت: ومثاله: حديث الباب، فإنَّ الذي أنكر على مروان فرد من أفراد رعيته، وصوبه أبو سعيد، فاستدل له بالحديث، ثم قال: واعلم [63 أ/ ج]: أنَّ هذا الباب، أعني: باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قد ضيع أكثره من أزمان متطاولة، ولم يبق منه في هذه الأزمان، إلا رسوم قليلة جداً، وهو باب عظيم، وقوام الأمر، وملاكه، وإذا كثُر الخبث عمَّ العقاب الصالح، والطالح. ¬

_ (¬1) سورة المائدة الآية: (99).

وإذا لم يأخذوا على يد الظالم أوشك أن يعمهم الله العقاب: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63)} (¬1). فينبغي لطالب الآخرة، والساعي في تحصيل رضي الله أن يعتني بهذا الباب، فإنَّ نفعه عظيم لا سيما وقد ذهب معظمه, ويخلص نيته، ولا ينافق من ينكر عليه لارتفاع مرتبته، فإن الله قال: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ} (¬2)، وقال: {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (101)} (¬3)، وقال: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} (¬4). واعلم أنَّ الآجر على قدر النصب، ولا يتركه - أيضاً - لصداقته ومودته ومداهنته، طلب الوجاهة عنده ودوام المنزلة لديه، فإن صداقته ومودته توجب له حرمة وحقاً، ومن حقه أن ينصحه ويدله إلى مصالح آخرته، وينقذه من مضارها، وصديق الإنسان، ومحبّه هو من سعى في عمارة آخرته، وإن أدى ذلك إلى نقص دنياه، وعدوه من سعى في ذهاب دينه، ونقص آخرته، وإن حصل بذلك صورة بيع في دنياه، وينبغي للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يرفق ليكون أقرب إلى تحصيل المطلوب له، ومما يتساهل فيه كثير من الناس من هذا الباب أنهم إذا رأوا إنساناً يبيع متاعاً معيباً أو نحوه فإنهم لا ينكرون ذلك، ولا يُعرَّفون المشتري بعيب وهذا خطأ ظاهر. وقد نص العلماء أنه يجب على من علم ذلك أن ينكر على البائع، وأن يعلم المشتري به. انتهى باختصار يسير. ¬

_ (¬1) سورة النور الآية: (63). (¬2) سورة الحج الآية: (40). (¬3) سورة آل عمران: (101). (¬4) سورة العنكبوت الآية: (69).

واعلم أنَّ الأمر بالمعروف تبع لما يؤمر به، فإن كان المأمور به. واجباً فواجب الأمر به، وإن كان ما يؤمر به مندوباً فمندوب الأمر به، والمنكر إن كان (¬1) حراماً وجب النهي عنه، وإن كان مكروهاً كان النهي عنه مندوباً، وشرطه: أنه لا يؤدي إلى الفتنة، فإن علم أنه يؤدي إليها لم يجب، ولا يندب، بل ربما كان حراماً، بل يلزمه أنه لا يحصر المنكر، ويعتزل في بيته لئلا يراه، ولا يخرج إلا لضرورة. الحديث الثالث: 89/ 1 - عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ: أنَّ أَوَّلُ مَنْ بَدَأَ بِخُطْبَةِ يَوْمَ الْعِيدِ قَبْلَ الصَّلاَةِ مَرْوَانُ، فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ: الصَّلاَةُ قَبْلَ الْخُطْبَةِ. فَقَالَ: قَدْ تُرِكَ مَا هُنَالِكَ. فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الخُدْرِي: أَمَّا هَذَا فَقَدْ قَضَى مَا عَلَيْهِ سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ, فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ, فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ, وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ" أخرجه الخمسة إلا البخاري (¬2)، وهذا لفظ مسلم. [صحيح]. وعند الترمذي (¬3): فقام رجل فقال: يا مروانُ! خالفت السنة. زاد أبو داود (¬4): أخرجْتَ المنبرَ في يومِ عيدٍ ولم يكنْ يُخرجُ فيه، وبَدأت بالخطبةِ قبل الصلاةِ، وليسَ عندَ النسائِي إلا المسند فقط [108/ ب]. قوله: عن طارق بن شهاب (¬5). ¬

_ (¬1) في المخطوط مكررة. (¬2) أخرجه مسلم رقم (49) وأبو داود رقم (1140) و (4340) والترمذي رقم (2172) والنسائي رقم (5008) و (5009) واللفظ لمسلم. (¬3) في "سننه" رقم (2172). (¬4) في "سننه" رقم (1140). (¬5) انظر ترجمته في "الاستيعاب" (ص 367 رقم 1281).

أقول: هذا أبو عبد الله طارق بن شهاب بن عبد شمس الأحمسي البجَلي الكوفي أدرك الجاهلية، ورأى النبي - صلى الله عليه وسلم - وليس له سماع منه إلا شاذاً، وغزا في خلافة أبي بكر وعمر ثلاثاً وثلاثين أو أربعاً وثلاثين بين غزوة وسرية, ومات سنة اثنتين وثمانين. قوله: "مروان". هو ابن الحكم بن أبي العاص الأموي. قوله: "رجل". في المبهمات أنه عمارة بن رويبة، وفي البخاري (¬1) أنَّ أبا سعيد هو الذي أنكر، قال الحافظ (¬2): يحتمل أن تكون القصة تعددت. وفي رواية البخاري (¬3): أنه قال أبو سعيد لمروان: غيرتم والله! هذا. وقال القاضي عياض (¬4): نقل أول من بدأ بالخطبة يوم العيد عثمان، وقيل: عمر بن الخطاب لما رأى الناس يذهبون عند تمام الصلاة، ولا ينتظرون الخطبة، وقيل: بل ليدرك [63 ب/ ج] الصلاة من تأخر، وبَعُدَ منزلُه. وقيل: أول من فعله معاوية، وقيل: ابن الزبير (¬5). ¬

_ (¬1) في "صحيح البخاري" رقم (956). (¬2) في "الفتح" (2/ 45). (¬3) رقم (956) وقد تقدم. (¬4) في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (1/ 288). (¬5) قال الحافظ في "الفتح" (2/ 452): وإلا فما في الصحيح أصح. قلت: يشير إلى الحديث. أخرجه البخاري رقم (962) عن ابن عباس قال: شهدت العيد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر وعثمان - رضي الله عنهم -، فكلهم كانوا يصلون قبل الخطبة. =

قوله: فقد قضى ما عليه. أي: من وجوب الإنكار الدال عليه الأمر في الحديث الذي رواه أبو سعيد من وجوب التعبير بأحد الجارحتين، فعبر باللسان كأنه لعدم الاستطاعة على التعبير باليد. وأمَّا التعبير بالقلب، فإنما هو كراهة المنكر، واعتقاد قبحه، وإثم من فعله، فليس فيه تعبير، كما في اليد، واللسان، وإنما سماه تعبيراً من باب التغليب، وفي قول أبي سعيد في محضر من الناس، وجمع عظيم دليل على استقرار السنة عندهم على خلاف ما فعله مروان. قال النووي (¬1): فيه دليل على أنه لم يعمل به خليفة قبل مروان (¬2)، وإنما حكي عمن ذكرنا بالأصح. قلت: أما عن عثمان: فروى ابن المنذر بإسناد صحيح إلى الحسن البصري قال: أول من خطب قبل الصلاة عثمان (¬3). ¬

_ = وكذلك حديث ابن عمر عند البخاري رقم (957) أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي في الأضحى والفطر، ثم يخطبُ بعد الصلاة. (¬1) في شرح "صحيح مسلم" (2/ 21). (¬2) قال الحافظ في "الفتح" (2/ 452): فهذا يشير إلى أن مروان إنما فعل ذلك تبعاً لمعاوية لأنه كان أمير المدينة من جهته, وروى عبد الرزاق في "المصنف" (3/ 284) رقم (5646) عن ابن جريج عن الزهري قال: أول من أحدث الخطبة قبل الصلاة في العيد معاوية. وروى ابن المنذر عن ابن سيرين: أن أول من فعل ذلك زياد بالبصرة. قال عياض: ولا مخالفة بين هذين الأثرين، وأثر مروان؛ لأنه كلاً من مروان وزياد كانا عاملاً لمعاوية فيحمل على أنه ابتدأ ذلك وتبعه عماله، والله أعلم. اهـ (¬3) ويرد على هذا حديث ابن عباس المتقدم عند البخاري رقم (962): فما في الصحيح أصح.

قال الحافظ ابن حجر: وكذلك روى عن عمر (¬1) بإسناد صحيح، رواه عبد الرزاق، وابن أبي شيبة، قال: ويحتمل أنّهما فعلا ذلك نادراً، وفعله مروان مستمراً، فنسب إليه، وأنكر عليه. قوله: "منكراً". أدخل هذا الفعل تحت عموم: "من رأى منكم منكراً" وسماه منكراً؛ لأنه خلاف السنة، وهو دليل أن كل ما خالف السنة فعلاً أو قولاً فهو منكر؛ لأنه بدعة، وأنه لا اعتداد بخلاف من يخالف السنة ولو باجتهاد كما وقع لعمر، وعثمان، فإنهما لا يخالفانها، إلا لاجتهاد عندهما، وهذا يقوي ما قدمناه لك في حديث: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين بعدي" (¬2) في أنَّ المراد من سنتهم هي: ما بقوا عليه من التمسك بسنته - صلى الله عليه وسلم -، لا أنّ لهم سنة يشرعونها ويُتبعون عليها إذا أريد ذلك لما خالفهم الصحابة ما خالفوا السنة النبوية بدعة، ومنكراً، ولومهم هذا أخذ من الحديث لبادر مروان إلى الرد على من نهاه. وقال: هذه سنة الخليفتين الراشدين، بل سلم أنها بدعة. واعتذر بما في رواية البخاري أنَّه قال: إنَّ الناس لم يكونوا يجلسون لنا بعد الصلاة، فجعلنها، أي: الخطبة قبل الصلاة. قال الحافظ (¬3): وهذا يشعر بأنّ مروان فعل ذلك باجتهاد منه. قال: وأمَّا عثمان فإنما فعله لعلة. ¬

_ (¬1) ويرد على هذا حديث ابن عباس المتقدم عند البخاري رقم (962): فما في الصحيح أصح. (¬2) تقدم تخريجه. فقد أخرجه أحمد (4/ 126 - 127) وأبو داود رقم (4607) والترمذي رقم (2676) وقال: حديث حسن صحيح. وابن ماجه رقم (43) وغيرهم. (¬3) في "الفتح" (2/ 452).

قلت: وإنما كان الناس لا يجلسون لسماع الخطبة؛ لأنَّ بني أمية كانوا يسبون علياً - عليه السلام - فكان الناس لا يبقون لسماع ذلك، فكيف يقال: إنَّه اجتهاد، بل هو إكراه للناس على البقاء لسماع ما يحرم سماعه. فإن قلت: لم لَمْ ينكر الصحابة على عمر، وعثمان، كما أنكروا على مروان. قلت: عدم النقل إلينا لا يدل على عدم وقوع الإنكار، ثم فرق بين الأمرين، فإن عثمان كان له عذر بالعلة، وعمر قدمها ليدرك بعيد الدار عن المصلى الصلاة، ثم إنهما كانا يخطبان بما لا ذنب في سماعه، ولا إثم في إيقاعه، ومروان يخطب بسبَّ أمير المؤمنين، ورأس المجاهدين، وأخي الرسول الأمين (¬1) الذي لا يحبه إلا مؤمن، ولا يبغضه إلا منافق بالنص الثابت (¬2) عن ختام رسل الله أجمعين [64 أ/ ج] ومن هنا يظهر لك وجه في أن الإنكار في تقدم الخطبة إنما هو إنكار لما فيها من القبائح، لكنه وجه الإنكار إلى تقديمها؛ لأنَّه لا يمكنه إنكار ما فيها من القبائح صريحاً، فلا يتوجه السؤال بأنهم لم ينكروا على الشيخين؛ لأنَّ غاية ما فعلاه تقديم الخطبة الشرعية التي على الطريقة النبوية, وتقديمها ليس بمنكر؛ لأنَّ الذي وقع منه تأخيرها فعلاً، ولم يأتِ أمر منه بوجوب التأخير غايته أنه أولى للتأسي، وفهم الشيخان جواز تقديمها، ¬

_ (¬1) يشير إلى الحديث الذي أخرجه الترمذي رقم (3720) عن ابن عمر قال: آخى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أصحابه, فجاء علي تدمع عيناه فقال: يا رسول الله! آخيت بين أصحابك، ولم تؤاخ بيني وبين أحد، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أنت أخي في الدنيا والآخرة" قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. وهو حديث ضعيف. (¬2) يشير إلى الحديث الذي أخرجه مسلم رقم (78) والترمذي رقم (3736) والنسائي رقم (5018) و (5022) وابن ماجه رقم (114) عن زر بن حبيش، قال: سمعت علياً - رضي الله عنه - يقول: "والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة! إنه لعهدُ النبي الأمي إليَّ: إنه لا يحبني إلا مؤمن، ولا يبغضني إلا منافق"، وهو حديث صحيح.

والعذر صحيح لا كعذر مروان أنه كان لا يُقعد له ليملأ أسماعهم بسب من يجب على كل مؤمن محبته، وموالاته والترضي عنه والترحم، فتأمل فإنه وجه لا يحمله عليه إلا نبيه. قوله: "فليغيره بيده". أقول: رواية البخاري (¬1): أنَّ أبا سعيد جبذ بثوب مروان لمَّا أراد أن يصعد المنبر، فقد غير بيده. قوله: "وذلك أضعف الإيمان". قال النووي (¬2): معناه - والله أعلم -: أقلّه ثمرةً، قال القاضي عياض (¬3): أصلٌ في صفة التغيير، فحق المغير أن يغيره بكل وجه أمكنه زواله به قولاً كان أو فعلاً، فيكسر آلات الباطل، ويريق المسكر بنفسه، أو يأمر من يفعله، وينزع المغصوب ويردها إلى أصحابها بنفسه أو يأمره إذا أمكنه، ويرفق في التغيير جهده بالجاهل، وبذي العزة الظالم المخوف شره. ثم استوفى مباحث في الباب نافعة لم نطول بنقلها. قوله: فقال: يا مروان! خالفت السنة. أقول: فيه إثبات السنة بالأفعال، وإن لم تصحبها أقوال، فإنَّ تقديم الصلاة كان فعله دائماً، ولم يقل صلوا قبل الخطبة، ويحتمل أنه شمله: "صلوا كما رأيتموني أصلي" (¬4). ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (956). (¬2) في شرحه لـ "صحيح مسلم" (2/ 25). (¬3) في "إكمال المعلم بشرح مسلم" (1/ 290). (¬4) أخرجه البخاري رقم (631) ومسلم رقم (24/ 391) وأبو داود رقم (589) والترمذي رقم (205) والنسائي (2/ 77) وابن ماجه رقم (979) من حديث مالك بن الحويرث إلا أن مسلماً عنده أصله.

قوله: "أخرجت المنبر": يدل أنه أخرج منبر المدينة، وقد روي أنه لما أنكر عليه تركَ إخراجه، وأمر بمنبر من لبن وطين. وفي البخاري (¬1): أنه - صلى الله عليه وسلم - كان ينصرف من صلاة العيد فيقوم قائماً. أي: يقابل الناس. وفي رواية لابن خزيمة (¬2): خطب يوم عيد على رجليه. وهو مشعر بأنه لم يكن في مصلاه - صلى الله عليه وسلم - يومئذٍ [منبر] (¬3). فإن قلت: لا يخفى أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يخرج المنبر كما قاله، وهذا ترك منه - صلى الله عليه وسلم -، والترك لا يعد سنة؛ لأنها الأقوال والأفعال، والتقرير بخلاف تقديمه الخطبة، فإنه خالف فعله - صلى الله عليه وسلم -. قلت: التأسي به - صلى الله عليه وسلم - يجري في الأفعال والتروك، ولذا عدّ بعض علماء الأصول التروك أفعالاً، ولأنَّ المراد أنه خالف طريقته - صلى الله عليه وسلم - وهديه، وهو كافٍ في سببية الإنكار، وعلى ما قررنا، فإنه إنما توسل إلى إنكاره ما هو منكر بالإجماع من سبّه لأمير المؤمنين، وإقسارهم على سماع سبه. وفيه دليل على أنه إذا وقع إنكار المنكر، ولم يؤثر فلا يجب على المنكر فراق موقف الطاعة، وإن سمع فيه، أو رأى ما يحرم مما أنكره؛ لأنه قد قام بالواجب عليه من الإنكار، فسماعه لما يحرم لا إثم عليه فيه سيما إذا خاف تفرق العباد، وزيادة الفساد، وإلا فإن ابن عمر لما دخل مسجداً لصلاة الظهر، وسمع من يثوب في أذانه، أو إقامته خرج من المسجد لما فيه من الابتداع، ولا يقال: هؤلاء أفراد من الصحابة، لا دليل في أفعالهم, لأنا نقول: هم منزهون عن فعل المنكر وسماعه بعد إنكاره. ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (956). (¬2) في "صحيحه" رقم (2/ 348 - 349). (¬3) بياض في الأصل بمقدار كلمة ولعلها ما أثبتناه.

قوله: "وليس عند النسائي إلا المسند". يريد قوله: "من رأى منكم منكراً" وهو بلفظ: [64 ب/ ج] قريب مما تقدم. والأولى أن يقول: المرفوع، فإنَّه ما أخبر به الصحابي عن قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وأمَّا المسند فإنه خلاف المرسل، وهو الذي اتصل إسناده إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسند قد يكون متصلاً ومنقطعاً في أصول علوم الحديث. الحديث الثاني: حديث ابن مسعود: 90/ 2 - وعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا مِنْ نَبِيٍّ بَعَثَهُ الله تَعَالَى فِي أُمَّةٍ قَبْلي إِلاَّ كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ وَأَصْحَابٌ يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ, ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ وَيَفْعَلُونَ مَا لاَ يُؤْمَرُونَ، فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ" أخرجه مسلم (¬1) [صحيح]. "حواري الرجل" خاصتُه وناصروُهُ. "والخلوف" جمع: خلْف بسكون اللام، وهمُ الذين يأتونَ بعدَ من مضى ويكونونَ شراً منهم. قوله: "حَوَاريُّون": قال في "شرح مسلم" (¬2): قال الأزهري: هم خلصان الأنبياء وأصفياؤهم، والخلصان الذين نُقوا من كل عيب. وقال غيره: هم أنصارهم، وقيل: المجاهدون الذين يصلحون للخلافة بعدهم. انتهى. ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (50). (¬2) أي: النووي في شرحه لـ "صحيح مسلم" (2/ 28).

وقوله: "ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف": الضمير في إنّها هو ضمير القصة والشأن، والمراد من تخلف - بضم اللام - أي: تحدث من بعدهم خُلوف - بضم الخاء - هو جمع خلْف بإسكان اللام، وهو الخالف بشر، وأمَّا بفتح اللام فإنه الخالف بخير، هذا هو الأشهر، قال بعض أئمة اللغة: هما واحد بالفتح والإسكان. قوله: "فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن": أي: من غير ما أتوا من البدع بيده مع إمكانه، كما يأتي قوله: ثم يقدرون على أن يغيروا. قوله: "ومن جاهدهم بلسانه": وذلك عند تعذر الجهاد باليد، فهو مؤمن، وذلك بالإنكار عليهم ما يأتونه, والقلم أحد اللسانين، فمن جاهدهم به فقد جاهدهم بلسانه. قوله: "ومن جاهدهم بقلبه": وذلك بكراهة ما يأتونه، فهو مؤمن؛ لأنَّ هذه الثلاث هي الوظائف التي اعتبرها الشارع في الباب، وجهاد القلب مصاحب للأولين لا ينقل عنهما. الحديث الثالث: 91/ 3 - وعَنْه - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لمَّا وَقَعَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ في الْمَعَاصِي نَهَتْهُمْ عُلَمَاؤُهُمْ فَلَمْ يَنْتَهُوا، فَجَالَسُوهُمْ في مَجَالِسِهِمْ وَوَاكلُوهُمْ وَشَارَبُوهُمْ، فَضَرَبَ الله قُلُوبَ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ، وَلَعَنَهُمْ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ الآية، ثُمَّ جَلَسَ وَكَانَ مُتَّكِئًا فَقَالَ: "لاَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! حَتَّى تَأْطِرُوهُمْ عَلَى الْحَقِّ أَطْرًا" (¬1). ومعنى: "تأطروهم" تعطفوهم وتردوهم [109/ ب]، [ضعيف]. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود رقم (4336) و (4337) والترمذي رقم (3047) وقال: هذا حديث حسن غريب. وابن ماجه رقم (4006)، وهو حديث ضعيف, لأن في سنده انقطاع، فأبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود لم يسمع من أبيه كما ذكره غير واحد.

قوله: "وعنه": أي: ابن مسعود. قوله: "قال: لما وقعت": لفظه في "الجامع" (¬1) قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فهو حديث مرفوع، والمصنف ذكره موقوفاً على ابن مسعود. قوله: "نهتهم علماؤهم". فيه: أنَّ النهي يقوم به العلماء، فإنَّ العالم هو خليفة الرسول، والرسل إنما بعثت للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ ولأن العلماء هم الذين يعرفون المنكر، ويعلمون المعروف؛ ولأنهم الذين يتأتى لهم الإنكار [....] (¬2) بالإتيان بالقول اللين أولاً، ثم بالأغلظ، ولذا خصهم بقوله: {لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (63)} (¬3). فالعلماء هم الذين يخاطبون بإصلاح الناس، فإذا فسدوا وأعرضوا عما به أمروا [....] (¬4) محتاجين إلى من يصلحهم، ولذا قيل: يا علماء السوء يا ملح البلد ... ما يصلح الملح إذا الملح فسد ولسنا نريد بالعلماء الأئمة المجتهدين، بل كل من علم أن هذا الشيء منكر يُنهى عنه، وأنَّ هذا معروف يُؤمر به، وإن كان من يأمره وينهاه أعرف منه سيما بسأله عن وجه تركه المعروف وفعله المنكر تدرجاً إلى نهيه وأمره. ¬

_ (¬1) في "جامع الأصول" (1/ 327 رقم 109). (¬2) كلمة غير مقروءة في المخطوط. (¬3) سورة المائدة: (63). (¬4) كلمة غير مقروءة في المخطوط.

ويجب ان يكون المأمور والمنهي متقياً، ولأوامر الله ممتثلاً لمن أمره أو نهاه، ولا يكون من الذين إذا قيل له: اتقِ الله أخذته العزة بالإثم، فقد توعده الله بقوله: {فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ (206)} (¬1). قوله: فجالسوهم ... إلى آخره: لفظ الترمذي بزيادة: "في مجالسهم" وهو لفظه في "الجامع" (¬2)، ولا بد منها لإفادتها أنَّ العلماء هم الذين أتوا إلى مجالس العصاة، وقصدوهم، لا أنَّ العصاة قصدوا أهل العلم، ففيه زيادة وتضمين على العلماء، لا [65 أ/ ج] يفيده إلا هذه الزيادة، فما كان يحسن من المصنف إسقاطها. وخص الأكل والشرب؛ لأنهما من أعظم التأنيس لمن يواكل، ويشارب، ولذا جعل الشارع من حقوق المسلم على المسلم إجابة دعوه لأنَّ عدم إجابتها فيه إيحاش له، والمسلم مأمور بتأنيس أخيه المسلم منهي عن إيحاشه، فمواكلة الظالم من أعظم التأنيس له، وأعظم دلالة على موالاته، فلذا خصهما - صلى الله عليه وسلم - من بين سائر الأنواع. فيه تحريم مخالفة من نُهي عن المنكر، ولم ينته عنه، وأن الواجب اعتزاله، والإعراض عنه، وهجره إعلاناً بقبيح ما هو عليه، وإظهاراً لعدم موالاته؛ لأنَّ المجالسة والمواكلة دليل على الموالاة لهم، وهجر العصاة واجب سيما بعد نهيهم، وإصرارهم على معاصيهم، فإن قلت: أيحرم ذلك؟ قلت: الحديث أفاد تحريمه، كيف وقد أخبر أنَّ الله لعنهم على لسان أنبيائه، أي: مبلغاً سبحانه لعنه إياهم على لسان رسله فضرب الله قلوب بعضهم ببعض، كأنَّ المراد طمس على ¬

_ (¬1) سورة البقرة الآية: (206). (¬2) في "جامع الأصول" (1/ 328).

قلوبهم وختم عليها، وأنزل بها القسوة والغفلة، وصارت قلوب الناهي والمنهي شيئاً واحداً قلوباً غلفاً عقوبة لهم وأيّ عقوبة، فإن عقوبات (¬1) القلوب سلب إيمانها وإدراكها الحق أعظم العقوبات، كما عاقب الله ثعلبة بن حاطب (¬2) فإنَّه لما أخلف الله ما وعده، ومنع ما أوجب عليه، وتولى معرضاً أعقبه نفاقاً إلى يوم يلقاه. قوله: "ولعنهم على لسان داود" الآية: أقول: أي: اقرءوا الآية، وهي قوله: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ} (¬3) الآية. والآية دلت على أنَّ المذكورين من علمائهم كفروا، وأن نهيهم الذي نهوه أولاً لا يخرجون به من عهده الواجب عليهم؛ لأنهم والوهم بعد ذلك. فلذا قال: {كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ} فلم يعدّ نهيهم الأول شيئاً، ويحتمل أنه أريد بالكفر كفر نعمة العلم الذي أعطاهم الله، ثم يحتمل أنهم عند المخاللة، والمواكلة لم يبق في قلوبهم إنكار لما هم عليه، أو أنه كانوا قادرين على التغيير باليد أو اللسان، أو أنه كان تكليف بني إسرائيل في النهي أشدّ من تكليف هذه الأمة، وأنه لا يكفي إنكار القلب. ¬

_ (¬1) في المخطوط مكررة. (¬2) انظر كتاب "ثعلبة بن حاطب الصحابي المفترى عليه" تأليف: عراب بن محمود الحمش، وكتاب: "الشهاب الثاقب في الذب عن الصحابي الجليل ثعلبة بن حاطب" تأليف: أبي أسامة سليم الهلالي. (¬3) سورة المائدة الآية (78 - 79).

وقوله: "ثم جلس، وكان متكئاً". إنما جلس لزيادة الاهتمام فيما سيقوله، ولذا ابتدأ خطابه بالقسم زيادة، وفيه دليل أنه سيكون في أمته ما كان في بني إسرائيل من الأمور التي ذكرها، وأنه يجب على علماء أمته أن يعطفوا على الحق ويردوه عنه، وإلا أصابهم ما أصاب بني إسرائيل. واعلم أنه اشتهر في العرف أنَّ الظالم هو الذي يتأمر على العباد، ويأكل أموالهم بالباطل، ويبغي في الأرض الفساد، فلا يتبادر عند إطلاقه إلا هذا الفرد، ولا ريب أنه أعظم أفراد الظلمة، ولكن الظالم المراد هنا في الأحاديث العاصي، كما قال أبو البشر آدم - عليه السلام -: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا} (¬1) الآية, أي: بالمعصية بأكل الشجرة، وقال: ذو النون - عليه السلام -: {لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87)} (¬2). وفي الدعاء الذي علمه النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر أن يقوله في صلاته، وفيه: "إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً" (¬3) حديث صحيح سيأتي. وانظر إلى قوله في أول هذا الحديث: "لما وقعت بنو إسرائيل في المعاصي" إذا عرفت هذا عرفت أن كل من واكل أيّ عاصٍ وجالسه وخَالَله بعد نهيه له [65 ب/ ج] ولم ينته، ويتوب، ولو كان ولده أو أخوه أو امرأته، أو خادمه، فإنه داخل في هذا الوعيد فتنبه للمراد، ولا تكن غافلاً عما أفاد. ¬

_ (¬1) سورة الأعراف الآية: (23). (¬2) سورة الأنبياء الآية: (87). (¬3) أخرجه أحمد (1/ 4، 7) والبخاري رقم (834) ومسلم رقم (2705) والترمذي رقم (3531) والنسائي (3/ 53) وابن ماجه رقم (3835) وغيرهم، وهو حديث صحيح.

قوله: "والذي نفسي بيده! حتى تأطروهم": أقول: هو غاية المقدار، أي: لا يؤمنون، ولا يكونوا آمرين ناهين حتى يعطفوهم، أي: يعطفون الذين يرتكبون المعاصي، ويردوهم عنها بالقهر، وهو مقيد بالاستطاعة، أي: إن قدرتم، وإلا فإنه يكفي الإنكار باللسان، وإلا فالقلب. وفيه ما يشعر أنَّ علماء بني إسرائيل كانوا قادرين على رد العصاة عن معاصيهم. قوله: "أخرجها أبو داود والترمذي": لكن هذا لفظ الترمذي، ولذا قال ابن الأثير (¬1): ورواية الترمذي، وساق اللفظ الذي ساقه المصنف، وقد كان قدم رواية أبي داود بلفظ: آخر يقارب لفظ الترمذي. الحديث الرابع: 92/ 4 - وعَنْ قَيْسٍ بِن أبِي حازم قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ - رضي الله عنه - بَعْدَ أَنْ حَمِدَ الله تَعَالَى وَأَثْنَى عَلَيْهِ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّكُمْ تَقْرَءُونَ هَذِهِ الآيَةَ وَتَضَعُونَهَا عَلَى غَيْرِ مَوضِعِهَا: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} (¬2) وَإِنَّا سَمِعْنَا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِنَّ النَّاسَ إِما رَأَوُا الظَّالمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ الله بِعِقَابٍ" وإنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مَا مِنْ قوْمٍ يُعْمَلُ فِيهِمْ بِالْمَعَاصِي، ثُمَّ يَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ يُغَيِّرُوا، فَلَمْ يُغَيِّرُوا إِلاَّ يُوشِكُ أَنْ يَعُمَّهُمُ الله مِنْهُ بِعِقَابٍ" أخرجهما أبو داود (¬3) والترمذي (¬4) [صحيح]. ¬

_ (¬1) في "جامع الأصول" (1/ 328). (¬2) سورة المائدة الآية: (105). (¬3) في "سننه" رقم (4338). (¬4) في "سننه" رقم (2168) و (3057). =

ومعنى: "يوشك" يقرُبُ ويُسرعُ. قوله: "قيس بن أبي حازم" (¬1): أقول: بالمهملة والزاي، وقيس هو أبو عبد الله الأحمسي البجلي أدرك الجاهلية، وأسلم وجاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ليبايعه، فوجده قد توفي، يعدُّ في تابعي الكوفة، وقد عد في أسماء الصحابة مع اتفاقهم أنه لم ير النبي - صلى الله عليه وسلم -. شهد النهروان مع علي بن أبي طالب - عليه السلام - قال ابن عيينة: ما كان في الكوفة أروى عن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - من قيس بن أبي حازم، وطال عمره، وجاوز المائة، وتوفي سنة ثمان أو ست وتسعين. قوله: "وتضعونها في غير موضعها": أقول: كأنَّه يريد ما أخرجه ابن جرير (¬2) عن جُبير بن نفير قال: كنتُ في حلقةٍ فيها أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإني لأصغرُ القوم فتذاكروا الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، فقلت: أليس الله يقول: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} (¬3) فاقبلوا عليَّ بلسان واحد، فقالوا: تنزع كلمة من كتاب الله لا نعرفها, ولا ندري ما تأويلها حتى تمنيت أن لم أكن تكلمت، ثم تحدثت فكأنَّ أبا بكر خطب بعد هذا. قوله: "فلم يأخذوا على يده": هو كناية عن منعه عن الظلم نحو قوله: "حتى تأطروهم على الحق أطراً". ¬

_ = قلت: وأخرجه ابن ماجه رقم (4005)، وهو حديث صحيح. (¬1) انظر ترجمته في "الاستيعاب" (ص 615 - 616) رقم (2133). (¬2) في "تفسيره "جامع البيان" (9/ 46 - عالم الكتب). وذكره ابن كثير في تفسيره (398 - 399). (¬3) سورة المائدة الآية: (105).

قوله: "تقدرون على أن تغيروا": فيه اعتبار القدرة على التغيير، والمراد باليد، أو باللسان، أو بالقلب مقدر أبداً، كما قدمنا، ثم إنه أفاد أبو بكر أنَّ آية: {لَا يَضُرُّكُمْ} مقيدة بعد أن يأتوا بواجب الأمر والنهي. واعلم أن للصحابة كلام في الآية: فأخرج ابن جرير (¬1)، وابن مردويه (¬2) عن عمر أنه قيل له: لو جلستَ هذه الأيام، فلم تأمُرْ ولم تنهَ، فإن الله يقول: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ}؟ قال: إنها ليست لي، ولا لأصحابي, لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ليبلغ الشاهد الغائب" فكنا نحن الشهودَ، وأنتم الغيب، ولكنَّ هذه الآية لأقوام يجيئون من بعدِنا إنْ قالوا لم يقبل منهم. وأخرج عبد الرزاق (¬3)، وابن جرير (¬4) من طريق قتادة عن رجلٍ قال: كنت في خلافة عمر بن الخطاب بالمدينة في حلقة فيها أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا فيهم شيخ حسبت أنه قال: أبي بن كعب فقرأ: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} فقال: إنما تأويلها آخر الزمان. وأخرج ابن مردويه (¬5) عن معاذ بن جبل أنه قال: يا رسول الله! أخبرني عن قول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ}، فقال: "يا ¬

_ (¬1) في تفسيره "جامع البيان" (9/ 44 - عالم الكتب). (¬2) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (3/ 216 - 217). (¬3) في تفسيره (1/ 192 - 193 رقم 759 - "المعرفة"). (¬4) في تفسيره "جامع البيان" (9/ 45 - 46 - عالم الكتب). قلت: وأخرجه الطبراني (ج 9 رقم 9072) من طرق عن الحسن عن ابن مسعود به. وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (7/ 22) وقال: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح، إلا أن الحسن البغوي لم يسمع من ابن مسعود. (¬5) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (3/ 217).

معاذ! مروا بالمعروف، وتناهوا عن المنكر، فإذا رأيتم شحاً مطاعاً، وهوى متبع، وإعجاب كل [66 أ/ ج] ذي رأي برأيه فعليكم أنفسكم لا يضركم ضلالة غيركم، فإنّ من ورائكم أيام صبر المتمسك فيها بدينه مثل القابض على الجمر، فللعامل منهم يومئذ مثل عمل أحدكم اليوم كأجر خمسين منكم" قلت: يا رسول الله! خمسين منهم؟ قال: "بل خمسين منكم أنتم". وقريب منه أخرج الترمذي من حديث أبي ثعلبة الخشني، وحديث حذيفة قال فيه الترمذي: حسن. قوله: أخرجه الترمذي. أقول: يعني: حديث قيس بن أبي حازم، وقال الترمذي (¬1): هذا حديث حسن صحيح، وقد رواه غير واحد عن إسماعيل بن أبي خالد نحو هذا مرفوعاً، وروى بعضهم عن قيس عن أبي بكر. قوله: ولم يرفعوه. الحديث الخامس: حديث حذيفة: 93/ 5 - وَعَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَده! لتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلتَنْهَوُنَّ عنِ الْمُنْكَرِ، أَوْ لَيُوشِكَنَّ الله أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْهُ، ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلاَ يسْتَجَيبُ لكمْ" أخرجه الترمذي (¬2). قوله: "لتأمرن بالمعروف": الأمر في الثلاثة الأفعال مفتوحة؛ لأنها جواب قسم بعد رأى والله لتأمرن، أو والله! ليقرب أن يبعث عليكم عقاباً لترككم ما أوجبه عليكم من الأمر والنهي. ¬

_ (¬1) في "سننه" عقب الحديث رقم (2168). (¬2) في "سننه" رقم (2169) وقال: هذا حديث حسن، وهو كما قال.

قوله: "ثم تدعونه": ليكشف عنكم العقاب. "فلا يستجيب" دعاءكم. الحديث السادس: حديث ابن مسعود: 94/ 6 - وَعَنْ عبد الله بْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - قَالَ: [110/ ب] قَالَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّكُمْ مَنْصُورُونَ وَمُصِيبُونَ، وَمَفْتُوحٌ لَكُمْ، فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَلْيَتَّقِ الله! وَلْيَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَلْيَنْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَمَنْ كَذَبَ عَلَىَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ" (¬1) [حسن]. قوله: "إنكم منصورون": فيه البشرى بأنَّ الأمة تنصر على من عاداها، وتصيب من حاربها، وتفتح بلاد من ناداها. وقد وقع كل ما ذكره - صلى الله عليه وسلم -، فهو من أعلام النبوة وقوع الغيب الذي أخبر به، ثم أمرهم بتقوى الله؛ لأنَّ الفتح والنصر والغلبة من أسباب البطر والأشر، وعدم القيام بواجب الشكر، ولهذا يقول الله - سبحانه وتعالى -: {كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى (7)} (¬2). ثم خص من أنواع التقوى الآمر بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع أنهما قد دخلا تحت الأمر بتقوى الله؛ لأنهما عمدة التقوى، ولأنَّه عند انفتاح الدنيا، والنصر على الأعداء، ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي في "سننه" رقم (2257) وقال: وهذا حديث حسن صحيح. وهو حديث حسن. • وأخرج الترمذي رقم (2659) وابن ماجه رقم (30) شطره الأخير: "من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار" وهو حديث صحيح. (¬2) سورة العلق الآية: (6).

وسعة المال، والرخاء يعرض الناس عن هذين الواجبين بخصوصهما لما فيهما من السعة على النفوس. وأمَّا قوله: "ومن كذب عليَّ متعمداً" فيأتي الكلام عليه. الحديث السابع: 95/ 7 - وَعَنِ عُرْسِ بْنِ عَمِيرَةَ الْكِنْدِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا عُمِلَتِ الْخَطِيئَةُ في الأَرْضِ كانَ مَن شَهِدَهَا فأنْكَرَهَا كَمَنْ غَابَ عَنْهَا، وَمَنْ غَابَ عَنْهَا فَرَضِيَهَا كانَ كمَنْ شَهِدَهَا" أخرجهما أبو داود (¬1) [حسن]. قوله: "العُرْسُ بن عَمِيرة" (¬2): أقول: بضم العين المهملة وسكون الراء، وعميرة - بفتح العين المهملة وكسر الميم وبالراء -. قوله: "من شهدها": حضرها. قوله: "فأنكرها": بلسانه، أو بقلبه، أو بيده إن أمكن. قوله: "كمن غاب": في أنه غير آثم. قوله: "فرضيها كان كمن شهدها": راضياً بها، فالإثم يتعلق بالكراهة، والرضى. ¬

_ (¬1) في "سننه" رقم (4345) وهو حديث حسن. (¬2) انظر ترجمته في "الاستيعاب" (ص 586 رقم 2012).

الحديث الثامن: 96/ 8 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الجهَادِ كَلِمَةَ عَدْلٍ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ". أخرجه أبو داود (¬1) والترمذي (¬2). [111/ ب]، [حسن]. قوله: "كلمة عدل عند سلطان جائر - أو أمير جائر": هو شك من الراوي، وإنما كانت أعظم الجهاد، أو فضله على لفظ أبي داود، والنسائي (¬3)، فإنه عندهما لفظ: "أفضل"؛ لأنه تكلم بحق في موقف لا يؤمن، وورد الحديث بلفظ: "كان أحب وأفضل" لما فيه من الإعلان بالحق والصدوع به، وإيثار مرضاة الله على مرضاة عباده، والمخاطرة بالنفس لإعلاء كلمة الحق، وإنما كان أفضل من الجهاد بملاقاة الأقران؛ لأنَّ ذلك فيه مظنة الظفر، والغلبة، والسلب، والنفس قوية في الدفع عن دمها بخلاف المتكلم عند السلطان الجائر، فإنَّ بنفسه وماله مخاطرة، وليس فيه شيء مما ذكرناه في ملاقاة الأقران. وفيه دليل أنَّ أحب الأعمال وأفضلها أشقها على النفس، وأنَّ التعرض للشهادة مع القطع بعدم الغلبة جائز. ¬

_ (¬1) في "سننه" رقم (4344). (¬2) في "سننه" رقم (2174) وقال: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه. وأخرجه ابن ماجه رقم (4011) وهو حديث حسن. (¬3) في "سننه" رقم (4209) من حديث طارق بن شهاب بلفظ: "أي الجهاد أفضل؟ قال: كلمة حق عند سلطان جائر" بسند صحيح.

وفيه أنه لا يشترط [66 ب/ ج] في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الأمان على النفس؛ لأنَّ هذا الموقف مظنة عدم السلامة. وقد بسطناه في "التنوير" (¬1) في بحث "أحب الجهاد" أخرجه بهذا اللفظ أحمد، والطبراني من حديث أبي أمامة. ¬

_ (¬1) في "التنوير شرح الجامع الصغير" رقم الحديث (210) بتحقيقي. أخرجه أحمد (5/ 251) والطبراني في "المعجم الكبير" رقم (8080) والبيهقي في "السنن الكبرى" (10/ 91). وله شاهد من حديث طارق بن شهاب البجلي عند أحمد في "المسند" (4/ 314) بسند صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين. وطارق بن شهاب رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يسمع منه, فروايته عنه مرسل صحابي.

[الكتاب الخامس]: كتاب الاعتكاف

[الكتاب الخامس] (¬1): كتاب الاعتكاف الاعتكاف لغة كما في "النهاية" (¬2) بلفظ: الاعتِكاف، والعُكوف: الإقامة على الشيء، وبالمكان ولزومهما. ويقال: عكَف يَعْكُف، ويَعْكِف عُكُوفاً، فهو عَاكِف، واعْتكفَ. ومنه قيل لِمَن لازَم المسجدَ، وأقام على العِبادَة عاكِف، ومُعْتكِف. انتهى. ويسمى جواراً، كما يأتي في أحاديث الكتاب. والاعتكاف يستحب إجماعاً، ويتأكد استحبابه في العشر الأواخر من رمضان. الحديث الأول: عن عائشة: 97/ 1 - عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالت. كَانَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ الله تَعالى، ويَقُول: "تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ في الْوِتْرِ مِنَ الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ"، ثُمَّ اعْتكفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ. أخرجه الستة (¬3) [صحيح]. وفي رواية (¬4): كَانَ يَعْتَكِفُ فِي كُلِّ رَمَضَانَ، فإِذَا صَلَّى الْغَدَاةَ جَاء مَكَانَهُ الَّذِي اعْتَكَفَ فِيهِ - قَالَ - فَاسْتَأْذَنَتْهُ عَائِشَةُ - رضي الله عنها - أَنْ تَعْتَكِفَ، فَأَذِنَ لَهَا فَضَرَبَتْ فِيهِ قُبَّةً, فَسَمِعَتْ بِهَا حَفْصَةُ - رضي الله عنها -، فَضَرَبَتْ قُبَّةً, وضَرَبَتْ زَيْنَبُ - رضي الله عنها - أُخْرَى، فَلَمَّا انْصَرَفَ مِنَ الْغَداة أَبْصَرَ أَرْبَعَ قِبَابٍ، ¬

_ (¬1) زيادة من "جامع الأصول" (1/ 334). (¬2) "النهاية في غريب الحديث" (3/ 284). (¬3) أخرجه البخاري رقم (2026) ومسلم رقم (5/ 1172) وأبو داود رقم (2462) والترمذي رقم (790) دون قوله: "ثم اعتكف أزواجه من بعده" ومالك في "الموطأ" (1/ 316)، وهو حديث صحيح. (¬4) للبخاري رقم (2033) ولمسلم رقم (6/ 1172) والنسائي رقم (709) وأبو داود رقم (2464) والترمذي مختصراً رقم (791).

فَقَالَ: "مَا هَذَا؟ " فَأُخْبِرَ بذلك, فَقَالَ: "مَا حَمَلَهُنَّ عَلَى هَذَا الْبِرُّ؟ (¬1) انْزِعُوهَا فَلاَ أَرَاهَا" فَنُزِعَتْ، فَلَمْ يَعْتَكِفْ فِي رَمَضَانَ حَتَّى اعْتَكَفَ فِي آخِرِ الْعَشْرِ مِنْ شَوَّالٍ. [صحيح]. وفي رواية (¬2): أَمَرَ بِخِبَائِهِ فقُوَّض وتركَ الاِعْتِكَافَ شَهْر رَمَضَان حَتَّى اعْتَكَفَ فِي الْعَشْرِ الأَوَّلِ مِنْ شَوَّالٍ. [صحيح]. "الخباء" بيت من وبر أو صوف، لا من شعر. و"تقويضه" رفعه. [112/ ب]. أقول: هذا لفظها في البخاري ومسلم. وقوله: في رواية عائشة: "كان يجاورهن" لفظ البخاري وحده. وكذا الرواية الثالثة: "كان يعتكف في كل رمضان" هي لفظ البخاري (¬3) وحده. قوله: "جاء مكانه". لفظه في البخاري (¬4): "فيصلي الصبح، ثم يدخله" وفي رواية له (¬5): "فإذا صلّى الغداة دخل" وفي لفظ: "حل" ولم أجد فيه لفظة: "جاء" واستدل لهذا على أنَّ نية الاعتكاف أول النهار، وهو قول الأوزاعي، والثوري. وقال الأربعة الأئمة: أوله قبل غروب الشمس، وتأولوا الحديث على أنه كان قبل المغرب معتكفاً لابثاً بين أهله بعد صلاة الغداة انفرد بنفسه في قبة. ¬

_ (¬1) آلبّر: اسم جامع للخير كله، ومنه قوله تعالى: {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ} [البقرة: 177]. (¬2) للبخاري رقم (2034) ولمسلم رقم (6/ 1173). (¬3) في "صحيحه" رقم (2044) و (2041). (¬4) في "صحيحه" رقم (2033). (¬5) في "صحيحه" رقم (2041).

وفيه دليل على جواز اتخاذه موضعاً في المسجد ينفرد به مدة اعتكافه ما لم يضيق على الناس, وينبغي أن يكون في آخر المسجد, وفي الخالي منه لئلا يضيق على غيره. قوله: "فاستأذنته عائشة": هو من وضع الظاهر موضع الضمير، أي: استأذنته؛ لأنها الراوية. قوله: "فضربت فيه": أي: في المسجد المعلوم. "قبة" هي: الخباء، وهو بكسر الخاء المعجمة، ثم موحدة بيت صغير من شعر. قوله: "أربع قباب": أي: بقبته - صلى الله عليه وسلم -. قوله: "آلبر": بهمز واستفهام ممدود، وغير ممدود، ولفظ البر مرفوع فاعل لفعل محذوف، أي: حملهن البرد دلَّ عليه. قوله: "حملهنَّ": وفي لفظ: "البرّ تردن" والبرَّ بالنصب مفعول تردن قدم عليه؛ لأنه المسؤول عنه، والقاعدة في علم المعاني والبيان أنه الهمزة المسؤول عنه، فلذا قدم. وقوله: "تردن": بضم أوله، قال النووي (¬1): وسبب إنكاره - صلى الله عليه وسلم - ذلك فإنه خاف أن يكنّ غير مخلصات في الاعتكاف، بل أردن القرب منه لغيرتهن عليه، أو لغيرته عليهن، كذا قيل، والأول ظاهر. وأمَّا غيرته - صلى الله عليه وسلم - فالمراد أنهن كرهن أن يشتغل قلبه بالغيرة عليهنَّ إذا بعدن عنه. ¬

_ (¬1) في شرحه لـ "صحيح مسلم" (8/ 69).

فلذا قربن منه، وأردن الاعتكاف فكره ملازمتهن المسجد مع أنه مجمع الناس، ويحضره الأعراب والمنافقون، وهنَّ محتاجات إلى الخروج والدخول لما يعرض لهنَّ فاعتذر لهنَّ لذلك، أو لأنه - صلى الله عليه وسلم - رَآهنَّ عنده في المسجد وهو في اعتكافه، فصار كأنه في منزله لحضوره مع أزواجه، فيذهب المهم من الاعتكاف وهو التخلي عن الأزواج ومتعلقات الدنيا. انتهى. قوله: "في آخر العشر من شوال": أقول: وفي رواية للبخاري [67 أ/ ج] (¬1): "في العشر الأول من شوال". يأتي للمصنف ذكرها، وجمع الحافظ (¬2) بينهما، فقال: ويمكن الجمع بينهما بأنَّ المراد من قوله: آخر العشر من شوال انتهاء اعتكافه. قلت: وفيه نظر؛ لأنه إذا اعتكف العشر الأولى من شوال انتهى اعتكافه في أول الثلث الثاني من شوال. وأخذ منهما الإسماعيلي جواز الاعتكاف بغير صوم؛ لأنَّ أول شوال يوم الفطر، وصيامه حرام. وأخذ من الخبر استحباب قضاء النوافل المعتادة إذا فاتت، وأخذ منه المالكية وجوب قضاء العمل لمن شرع فيه، ثم أبطله ورد بأنه إنما قضاه استحباباً، لا وجوباً بدليل أنه لم ينقل أن نساؤه اعتكفن معه في شوال. وفيه جواز الخروج من الاعتكاف بعد الدخول فيه، وأنه لا يلزم بالنية، ولا بالشروع فيه، ويستنبط منه ذلك في سائر التطوعات، ويدل له أنَّ المتطوع أمير نفسه. وفيه ترك الأفضل للمصلحة، وأنَّ من خشي على عمله الرياء جاز له تركه، وقطعه. ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (2034). (¬2) في "الفتح" (4/ 276 - 277).

قلت: بل يحرم عليه الاستمرار فيه؛ لأنه استمرار في معصية، ولا يخفى أنه إن أراد أنه - صلى الله عليه وسلم - خشي ذلك فقطع اعتكافه، فهو غير صحيح؛ لأنه لم يقطع اعتكافه خشية ذلك. وإن أراد أنه قطع اعتكافه نسائه لخشية الرياء عليهن فعبارته لا تؤدي هذا، ثم الذي تقدم أنه - صلى الله عليه وسلم - إنما خشي أنهن قصدن القرب منه، لا إخلاص العبادة، فالأولى أن يعلل أمره - صلى الله عليه وسلم - بتقويض قبب نسائه؛ لأنه لم يكن أذن إلا لواحدة، وغيرها خرج من بيته - صلى الله عليه وسلم - بغير إذنه، وهو لا يجوز للمرأة الخروج من بيت زوجها إلا بإذنه، ثم عمّم التقويض لقبة من أذن لها، فلأنها كانت سبب خروجهن بغير إذنه، وأمّا قبته فلأنه متطوع فهو أمير نفسه. قوله: "فقوض": بضم القاف وتشديد الواو المكسورة بعدها ضاد معجمة، أي: نقض ورفع، وبه فسره المصنف. واعلم أنَّ المصنف نسب اللفظ الأول من حديث عائشة إلى الستة، فأوهم كلامه أنَّ اللفظ لهم، وليس كذلك، بل قد فصل ابن الأثير ألفاظ الروايات، فهذا اللفظ الذي أتى به المصنف برمته مجمع من ألفاظ، فلا نطول بالروايات، إلا أنَّه قال ابن الأثير لفظ الموطأ (¬1) أي: عن عائشة أنَّه - صلى الله عليه وسلم - أراد أن يعتكف، فلما انصرف إلى المكان الذي أراد أن يعتكف فيه وجد أخبية خباء عائشة, وحفصة, وزينب، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "آلبرَّ تَقُولُونَ بهنَّ" ثم انصرفَ، ولم يعتكف حتى اعتكف عشراً من شوال. وأخرجه الترمذي (¬2) عن عائشة، وأبي هريرة معاً مختصراً، قال: "كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى قبضه الله - عز وجل -". ¬

_ (¬1) في "الموطأ" (1/ 316). (¬2) في "سننه" رقم (790) وقال: حديث حسن صحيح.

قلت: وقال: حسن صحيح, ثم ذكر رواية الترمذي آخراً, ثم ذكر رواية أبي داود (¬1)، وفيها: "ثم أخّر الاعتكاف إلى العشر الأول - يعني من شوال". وفي رواية (¬2): قال: "اعتكف عشرين من شوال" انتهى. وبه تعرف ما في رواية التفسير من الإجمال، والإبهام، والإهمال على أنّ ابن الأثير اختصر ما في أبي داود، ففيه: "ثم أخر الاعتكاف إلى العشر الأول - يعني: من شوال" قال أبو داود (¬3): رواه ابن إسحاق، والأوزاعي عشراً، والمحفوظ عن يحيى بن سعيد نحوه، ورواه مالك (¬4) [67 ب/ ج]. 98/ 2 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ - رضي الله عنه - قَالَ: اعْتَكَفْنَا مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - الْعَشْرَ الأَوْسَطَ، فَلَمَّا كَانَ صَبِيحَةَ عِشْرِينَ نَقَلْنَا مَتَاعَنَا فَقَالَ: "مَنْ كَانَ اعْتكَفَ فَلْيَرْجعْ إِلَى مُعْتكفِهِ فَإِنِّي رَأَيْتُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ، ورَأَيْتُنِي كَأنِّي أَسْجُدُ في مَاءٍ وَطِينٍ" فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى مُعْتكفِهِ، وَهَاجَتِ السَّمَاءُ مِنْ آخِرِ ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَكَانَ الْمَسْجِدُ عَلى عَرِيشً، فَلَقَدْ رَأَيْتُ عَلَى أَنْفِهِ وَأَرْنَبَتِهِ أَثَرَ الْمَاءِ وَالطِّينِ وذَلِك ليلةَ الحادِي والعِشْرِين" أخرجه الشيخان (¬5) [صحيح]. 99/ 3 - وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: "كَانَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يَعْتكِفُ في كُلِّ رَمَضَانَ عَشْرَةَ أَيَّامٍ، فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ اعْتكَفَ عِشْرِينَ". ¬

_ (¬1) في "سننه" رقم (2462). (¬2) لأبي داود في "سننه" رقم (2466). (¬3) في إثر الحديث رقم (2464). (¬4) سقطت من المخطوط (ج) صفحة. (¬5) البخاري رقم (2016) و (2036) و (2040) ومسلم رقم (1167).

أخرجه البخاري (¬1) وأبو داود (¬2) [صحيح]. 100/ 4 - وَعَن أنس وأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ - رضي الله عنهما - قال: "كَانَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ، فَلَمْ يَعْتَكِفْ عَامًا فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ اعْتكفَ عِشْرينَ" أخرجه أبو داود (¬3) عن أبي، والترمذي (¬4) عن أنس. [صحيح]. 101/ 5 - عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها -: أَنَّهَا كَانَتْ تُرَجِّلُ النَّبِيَّ [11/ ب]- صلى الله عليه وسلم - وَهِيَ حَائِضٌ، وَهْوَ مُعْتَكِفٌ فِي الْمَسْجِدِ وَهْيَ فِي حُجْرَتِهَا، يُنَاوِلُهَا رَأْسَهُ وكَانَ لاَ يَدْخُل البيتَ إلا لِحَاجَة الإنسان إذا كَانَ معتَكِفاً. أخرجه الستة (¬5) [صحيح]. وزاد أبو داود (¬6): وَكَانَ يَمُرُّ بِالْمَرِيضِ وَهُوَ مُعْتَكِفٌ، فَيَمُرُّ وَلاَ يُعَرِّجُ يَسْأَلُ عَنْهُ. [ضعيف]. وقَالَتْ (¬7): السُّنة للمعتكف أن لا يعود مريضاً، ولا يشهد جَنازة, ولا يَمسَّ امرأة، ولا يباشِرهَا, ولا يخرُجَ إلا لمِا لا بدّ له منه، ولا اعتكاف إلا في المسجد الجامع. [حسن]. "الترجيل" تسريح الشعر وتنظيفه وتحسينه. ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (2044). (¬2) في "سننه" رقم (2466) وأخرجه ابن ماجه رقم (1769). (¬3) في "سننه" رقم (2463). قلت: وأخرجه ابن ماجه رقم (1770)، وهو حديث صحيح. (¬4) في "سننه" رقم (803) وقال: هذا حديث حسن غريب صحيح، وهو حديث صحيح. (¬5) أخرجه البخاري رقم (2046) ومسلم رقم (6/ 297) ومالك في "الموطأ" (1/ 312) وأبو داود رقم (2467) والترمذي رقم (804) والنسائي رقم (275، 276). (¬6) في "سننه" رقم (2472) وهو حديث ضعيف. (¬7) أخرجه أبو داود رقم (2473) وهو حديث حسن.

102/ 6 - وعنها - رضي الله عنها - قالت: اعْتَكَفْت مَعَ النبي - صلى الله عليه وسلم - امرأةٌ مِنْ أزْوَاجِه مُسْتَحَاضَةٌ، فَكَانَتْ تَرَى الدَّم والصُّفْرَةَ وَهِي تُصَلِّي، وَرُبَّمَا وَضَعت الطَّسْتَ تَحْتَهَا مِنْ الدَّم. أخرجه البخاري (¬1) وأبو داود (¬2) [صحيح]. "تحتها وهي تصلي" الحديث (¬3). 103/ 7 - وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ قال: قَالَتْ صَفِيَّةَ - رضي الله عنها -: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مُعْتَكِفًا فَأتيْتُهُ أَزُورُهُ لَيْلاً، فَحَدَّثْتُهُ, ثُمَّ قُمْتُ لأَنْقَلِبَ فَقَامَ مَعِيَ حَتَّى إذا بَلَغ بابَ المَسْجِد مَرَّ رَجُلاَنِ مِنَ الأَنْصَارِ، فَلَمَّا رَأَيَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَسْرَعَا فَقَالَ: "عَلَى رِسْلِكُمَا [114/ ب] إِنَّهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ" فَقَالاَ: سُبْحَانَ الله! يَا رَسُولَ الله! فَقَالَ: "إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِى مِنَ الإِنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ، وَإنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ في قُلُوبِكُمَا شَرًّا" أَوْ قَالَ: "شَيْئًا". أخرجه البخاري (¬4) وأبو داود (¬5) [صحيح]. "الانقلاب" الرجوع. قوله: "وعن علي بن الحسين": أقول: هو أبو الحسن، ويقال: أبو الحسين، ويقال: أبو محمَّد علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي المعروف بزين العابدين من أكابر سادات أهل البيت، ومن جلة التابعين، وأعلامهم. ¬

_ (¬1) البخاري رقم (310). (¬2) في "سننه" رقم (2476). قلت: وأخرجه ابن ماجه رقم (1780)، وهو حديث صحيح. (¬3) هذا ما تبقى من شرح الحديث الموجود في الورقة الساقطة. (¬4) في "صحيحه" رقم (2035) ومسلم رقم (24/ 2176). (¬5) في "سننه" رقم (2470).

قال الزهري: ما رأيت قرشياً أفضل من علي بن الحسين. مات سنة أربع وسبعين، وهو ابن ثمان وخمسين، ودفن بالبقيع (¬1). قال: "قالت صَفيَّة". أقول: بنت حُيَيّ (¬2) أم المؤمنين من بني إسرائيل من سبط هارون بن عمران، كانت تحت كنانة بن أبي الحُقَيق، فقتل يوم خيبر فاصطفاها النبي - صلى الله عليه وسلم - لنفسه وتزوجها، وجعل عتقها صداقها ماتت سنة خمسين، ودفنت بالبقيع. وهذا الحديث ترجم له البخاري (¬3) باب: "هل يَخْرُجُ المعتَكِف لحِوائِجِه إلى بابِ المَسْجِد". قوله: رجلان من الأنصار. أقول: قال الحافظ (¬4): لم أقف على تسميتهما في شيء من كتب الحديث إلا أن ابن العطار في "شرح العمدة" زعم أنهما أسيد بن حضير وعباد بن بشر، ولم يذكر لذلك مسنداً. انتهى. ووقع في رواية البخاري (¬5): فأبصره رجل من الأنصار، بالإفراد. قال ابن التين: وهم، ثم قال: ويحتمل تعدد القصة. ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في "المعرفة والتاريخ" للفسوي (1/ 360، 544 - 545) الطبقات لمسلم (706) والعلل ومعرفة الرجال لأحمد رواية ابنه عبد الله (2/ 350) (2440) و"سير أعلام النبلاء" (4/ 386 - 401) و "الجرح والتعديل" (6/ 178 - 179). (¬2) انظر ترجمتها في "الاستيعاب" (ص 916 - 917) رقم (3372). (¬3) الباب رقم (8) من كتاب الاعتكاف (33) - (4/ 278 - مع الفتح). (¬4) في "الفتح" (4/ 279). (¬5) في "صحيحه" رقم (2039).

قال الحافظ (¬1): قلت: الأصل عدمه, بل هو محمول على أنَّ أحدهما كان تبعاً للآخر، أو خص أحدهما بخطاب المشافهة دون الآخر، ويحتمل أنَّ الزهري كان يشك، فيقول تارةً: رجل وتارة رجلان، وقد رواه مسلم (¬2) من حديث أنس بالإفراد. قوله: "أسرعا": أي: في المشي. قوله: "على رسلكما": أقول: بكسر الراء وفتحها، أي: على هنيتكما في المشي، فليس هنا شيء يكرهانه، قال: سبحان الله يا رسول الله! زاد في رواية: فقال: يا رسول الله! هل يظن بك إلا خيراً. قوله: "من ابن آدم": المراد: جنس أولاد آدم، فيدخل الرجال والنساء، والحاصل: أنه - صلى الله عليه وسلم - خشي أنَّ يوسوس لهما الشيطان؛ لأنهما غير معصومين، فقد يفضي بهما ذلك إلى الهلاك، فبادر بإعلامهما حسماً للمادة، وتعليماً لمن بعده إذا وقع له مثل ذلك. وفيه دلالة أنَّ الشيطان أقدره الله على أن يجري من الإنسان مجرى دمه في عروقه. قوله: "شيئاً أو شراً": هو لفظ سنن أبي داود (¬3) وهو شك من الراوي، وفيه دليل أنه يتجنب محل التهمة، وأنه يُبَّين لمن لا يعرف وجه الفعل وجهه. ¬

_ (¬1) في "الفتح" (4/ 279). (¬2) في "صحيحه" رقم (23/ 2174) من حديث أنس. (¬3) في "سننه" رقم (4994) وهو حديث صحيح.

وقال ابن دقيق العيد (1): وهذا متأكد في حق العلماء، ومن يقتدى بهم، فلا يجوز لهم أن يفعلوا فعلاً يوجب سوء الظنّ بهم، وإن كان لهم فيه مخلص؛ لأنه سبب إلى إبطال الانتفاع بهم. ومن ثمة قال بعض العلماء (¬1): ينبغي للحاكم أن يبين وجه الحكم إذا كان خائفاً للتهمة، ومن هنا يظهر خطأ من يتظاهر بمظاهر السوء، ويعتذر بأنه يوري بذلك على نفسه، وقد عظم البلاء بهذا الصنف، والله المستعان. ذكره الحافظ (¬2). الحديث الثامن: حديث ابن عمر: 104/ 8 - عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أنَّ عُمَر نَذَرَ في الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ يَعْتَكِفَ لَيْلَة، ويُرْوَى: يَومَاً فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، فسأَل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "أَوْفِ بِنَذْرِكَ" أخرجه الخمسة (¬3). [صحيح]. قوله: "نذر في الجاهلية أن يعتكف ليلة": أقول: استدل به على أنَّ الاعتكاف جائز بغير صوم، وأنه ليس شرطاً فيه؛ لأنَّ الليل ليس طرفاً للصوم، فلو كان شرطاً لأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - به. ¬

_ (¬1) حكاه عنه الحافظ في "الفتح" (4/ 280). (¬2) في "الفتح" (4/ 280). (¬3) البخاري رقم (2032) ومسلم رقم (1656) وأبو داود رقم (3325) والترمذي رقم (1539) والنسائي رقم (3820 - 3822)، وهو حديث صحيح.

وتعقب برواية: "يوماً" وهي عند مسلم (¬1) وجمع بين الروايتين بأنه نذر اعتكاف يوم وليلة، فمن أطلق ليلة أراد بيومها، ومن أطلق يوماً أراد بليلته، وقد ورد [69 أ/ ج] في روايات أنه - صلى الله عليه وسلم - قال له: "اعتكف وصم" إلا أنها ضعفت. قوله: "أوفِ بنذرك": يأتي تحقيقه في كتاب النذر إن شاء الله تعالى. ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (28/ 1656).

[الكتاب السادس] قوله: كتاب إحياء الموات

[الكتاب السادس] (¬1) قوله: كتاب إحياء الموات قال ابن الأثير (¬2): الموات الأرض التي لم تزرع، ولم تعمَرْ، ولا هي ملك لأحد، وإحياؤها مباشرة عمارتها بتأثير شيء فيها من زرع أو عمارة، أو إحاطة حائط، أو نحو ذلك. ذكر المصنف ثلاثة أحاديث في الكتاب، وفي "الجامع" (¬3) سبعة. الأول: 105/ 1 - عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ عَمَّرَ أَرْضاً لَيْسَتْ لأَحَدٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا" قال عروة بن الزبير: قضى به عمرُ في خلافتهِ - رضي الله عنه -. أخرجه البخاري (¬4) [صحيح]. قوله: "من عمر أرضاً ليست لأحدٍ فهو أحق بها": أقول: قال الشافعي (¬5): بلاد المسلمين شيئان: عامر، وموات، فالعامر لأهله، وكذلك كلما يصلح به العامر من فناءٍ وطريق، ومسيل ماء، وغيره فهو كالعامر في أنَّ لا يملكه على أهله إلا بإذنهم. قال: والموات شيئان: موات قد كان عامراً لأهله معروفاً في الإِسلام، ثم ذهبت عمارته، فصار مواتاً، فذلك كالعامر هو لأهله لا يملك عليهم إلا بإذنهم. ¬

_ (¬1) زيادة من "جامع الأصول" (1/ 347). (¬2) في "جامع الأصول" (1/ 348). (¬3) في "جامع الأصول" رقم (130، 131، 132، 133، 134، 135، 136). (¬4) في "صحيحه" رقم (2335). (¬5) في "الأم" (5/ 77).

والموات الثاني: ما لم يملكه أحد في الإِسلام، ولا عمر في الجاهلية, فذلك الموات الذي قال فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من أحيا أرضاً ميتةً فهي له" (¬1) ومن أحيا مواتاً فهو له. والإحياء ما عرفه الناس إحياءً مثل البناء إن كان مسكناً أن يبني بناءً مثله، أو ما يقرب منه، وأقلّ عمارة الأرض الزرع فيها، وحفر البئر، ونحو ذلك. وقال ابن عبد البر (¬2): إحياؤها أن تعمل حتى تعود أرضاً بيضاء يصلح أن تكون مزرعة بعد حالها الأول، فإن غرسها بعد ذلك فهو أبلغ في إحيائها، هذا مما لا خلاف فيه. واختلف في الحجر عليها بالحيطان، هل يكون ذلك إحياءً أو لا؟ قد ذهبت طائفة من التابعين ومن بعدهم إلى أنَّ من حجر على موات فقد ملكه، وأنَّ ذلك كالإحياء له، واستدلوا بما رواه شعبة وغيره عن قتادة عن الحسن عن سمرة أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أحاط حائطاً على أرض فهي له" (¬3). واختلفوا في شرط إذن السلطان، فقال أبو حنيفة (¬4): ليس لأحدٍ أن يحيي مواتاً من الأرض إلا بإذن الإِمام، ولا يملك منه شيئاً إلا بتمليكه إياه، وقال صاحباه, والشافعي: من ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد في "المسند" (3/ 313، 327، 381) والترمذي رقم (1379) وقال: هذا حديث حسن صحيح من حديث جابر. وهو حديث صحيح. (¬2) انظر "التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد مرتباً على الأبواب الفقهية للموطأ" (13/ 119 - 125). (¬3) أخرجه أحمد في "المسند" (5/ 12، 21) وأبو داود رقم (3077)، وهو حديث ضعيف. (¬4) المبسوط للسرخسي (23/ 181) والاختيار (3/ 89 - 90) والبناية شرح الهداية (11/ 325).

أحيا مواتاً من الأرض فقد ملكه أذن الإِمام أم لا، قال الشافعي (¬1): وعطية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عامة لكل من أحيا مواتاً أثبت من عطية من بعده من سلطان وغيره. قلت: يريد أنَّ قوله - صلى الله عليه وسلم -: "من عَمَّر أرضاً ليسَتْ لأحدٍ فهو أحق بها" (¬2) بها، عام لكل الأمة من عصر تكلمه - صلى الله عليه وسلم - إلى يوم القيامة فأي حاجة إلى إذن غيره، وهو قول أحمد وإسحاق، وأبي ثور وداود. قوله: قال عروة بن الزبير: فقضى به عمر في خلافته. أقول: لعله يريد ما رواه ابن عيينة عن أبي نجيح عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقطع ناساً من جهينة أرضاً، فعطلوها فجاء قوم، فعمروها، فخاصمهم أصحاب الأرض إلى عمر بن الخطاب فقال: لو كانت قطيعة من أبي بكر أو مني لم أردها إليكم، ولكنها قطيعة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلا أستطيع إلا أن أردها، فردها إليهم، ثم قال: من أقطع أرضاً فعطلها ثلاث سنين [69 ب/ ج] ثم أحياها غيره فهو أحق بها". انتهى. ذكره ابن عبد البر، ويحتمل أنها قصة أخرى. ¬

_ (¬1) في "الأم" (5/ 90 - 91). (¬2) أخرجه البخاري رقم (2335) من حديث عائشة بلفظ: "من أعمر ... ". • وعلق الحافظ ابن حجر في "الفتح" (5/ 20) بقوله: قال عياض: كذا وقع، والصواب: "عمر" ثلاثياً. قال تعالى: {وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا} [الروم: 9]. إلا أن يريد أنه جعل فيها عماراً. قال ابن بطال: ويمكن أن يكون أصله من اعتمر أرضاً، أي: اتخذها، وسقطت التاء من الأصل. وقال غيره: قد سمع فيه الرباعي، يقال: أعمر الله بك منزلك، فالمراد من أعمر أرضاً بالإحياء فهو أحق به من غيره, وحذف متعلق أحق للعلم به. اهـ

الحديث الثاني: 106/ 2 - وعَنْ عروة بِن الزبير قَالَ: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِي لَهُ وَلَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ" أخرجه الأربعة إلا النسائي (¬1) [صحيح]. وزاد أبو داود (¬2): قال عروة: أَشْهَدُ أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قضَى أَنَّ الأَرْضَ أَرْضُ الله، وَالْعِبَادَ عِبَادُ الله تعالى [115/ ب]، فَمَنْ أَحْيَا مَوَاتًا فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ، جَاءَنَا بِهَذَا عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - الَّذِينَ جَاءنا بِالصَّلَوَاتِ عَنْهُ. [إسناده صحيح]. قوله: "لعرق ظالم": يروى بالإضافة والتوصيف، ويأتي تفسيره في كلام المصنف، وهو تفسير مالك له في الموطأ. قوله: "عُمّر": بضم العين المهملة وتشديد الميم، يأتي هذا تفسيرها في كلام المصنف. قوله: "أخرجه الأربعة إلا النسائي": أقول: أمَّا المنذري في "مختصر السنن" (¬3) فنسبه إلى إخراج الترمذي والنسائي، وقال: قال الترمذي: حديث حسن غريب، وذكر أنَّ بعضهم رواه مرسلاً، وأخرجه النسائي - أيضاً - مرسلاً. انتهى كلامه. قلت: وأخرجه مالك مرسلاً، ولفظه عن هشام بن عروة عن أبيه أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ¬

_ (¬1) أخرجه مالك في "الموطأ" (2/ 743) وأبو داود رقم (3073) والترمذي رقم (1378) وقال: هذا حديث حسن غريب. وهو حديث صحيح. (¬2) في "سننه" رقم (3076) بسند صحيح. (¬3) (4/ 265).

قال ابن عبد البر (¬1): لم يختلف عن مالك في إرسال هذا الحديث عن هشام، وقد اختلف فيه على هشام، فرواه طائفة، كما رواه مالك مرسلاً، وهو أصح ما فيه. والله أعلم. وروته طائفة عن هشام عن وهب بن كيسان عن جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وروى آخرون عن هشام عن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه عن جابر، ومنهم من يقول: عن عبيد الله بن عبد الرحمن بن أبي رافع اضطربوا فيه على هشام كثيراً، وقد ذكرنا الأسانيد بذلك في التمهيد، وأتينا باختلاف ألفاظ الناقلين له هناك. والحمد لله. ثم قال: رواه يحيى بن عروة عن عروة، ورواه ابن أبي مليكة عن عروة يقضيان على أن من روى هذا الحديث مرسلاً، كما رواه مالك أصح من رواية من أسنده. قلت: رواية يحيى بن عروة وابن أبي مليكة هي رواية سنن أبي داود (¬2)، ثم قال: والحديث صحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد تلقاه العلماء بالقبول. قوله: الذين جاءوا بالصلوات عنه. أقول: زاد هذا عروة؛ لأنَّه ليس بصحابي، فلم يشهد قضاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لكنه أخبر أنَّ الذين رووا لنا الصلاة هم الصحابة الذين رووا هذا. 107/ 3 - قال عروة (¬3): ولقد حدثني الذي حدثني بهذا الحديث: "أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إِلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - غَرَسَ أَحَدُهُمَا نَخْلاً في أَرْضِ الآخَرِ فَقَضَى لِصَاحِبِ الأَرْضِ بِأَرْضِهِ وَأَمَرَ صَاحِبَ النَّخْلِ أَنْ يُخْرِجَ نَخْلَهُ مِنْهَا. قَالَ: فَلَقَدْ رَأَيْتُهَا وَإِنَّهَا لَتُضْرَبُ أُصُولُها بِالْفُئُوسِ، وَإِنَّهَا لَنَخْلٌ عُمٌّ حَتَّى أُخْرِجَتْ مِنْهَا. ¬

_ (¬1) في "التمهيد" (22/ 280 - تيمية) و"الاستذكار" (22/ 207 - 208). (¬2) في "سننه" رقم (3076) وهو حديث صحيح. (¬3) في سنن أبي داود بإثر الحديث رقم (3074).

قال مالك (¬1) - رحمه الله -: "والعِرْق الظالمُ" كلُّ ما أخِذَ واحتُفِرَ وَغُرِسَ بغير حق "الفؤوس" جمع فأسِ، وهي الآلة المعروفة من الحديد: "والعُمُّ" جمع عَمَّية، وهي التامة في الطول والالتفاف. قوله: لقد حدثني الذي حدثني. لفظ أبي داود: "أخبرني الذي حدثني" وكأنَّ هذه القصة هي القضاء الذي أخبر عنه بقوله: قضى رسول الله أنَّ الأرض أرض الله. إلخ. قوله: "جمع عميَّة": قلت: في "الجامع" (¬2) جمع: عميمة, وهي التامة في الطول والالتفاف. وفي "النهاية" (¬3): مثله لفظ: "عُمّ" أي: تامة في طولها، والتفافها واحدتها: عميمة، وأصلها: عمم، فأسكن وأدغم. انتهى. ومثله في "القاموس" (¬4) فإنه قال: ونخلة عميمة, وعماء طويلة، وقال: والعم الجماعة، والنخل: الطوال، وتضم. انتهى. فأفاد أنها تضم عين الجمع وتفتح فلا أدري من أين نقل المصنف أنه جمع عمية. قوله: "الحديث الثالث عن سمرة": 108/ 4 - وَعَنْ سَمُرَةَ بن جُنْدِب قَالَ: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَحَاطَ حَائِطًا فِي مَوَاتٍ فَهِو لَهُ". أخرجه أبو داود (¬5) [ضعيف]. ¬

_ (¬1) في "الموطأ" (2/ 743). (¬2) في "جامع الأصول" (1/ 349). (¬3) "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (3/ 301). (¬4) "القاموس المحيط" (1473). (¬5) في "سننه" رقم (3077) وهو حديث ضعيف.

وزاد رزين - رحمه الله - عن سعيد بن زيد (¬1) - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ عَمَرَ أَرْضًا قَد عجزَ صاحِبُها عنها وتركها مَهْلَكَة فهي له" [صحيح]. قلت: أخرجه أبو داود (¬2) من طريق الحسن عنه، ولأئمة الحديث كلام كثير في سماع الحسن من سمرة قد بيناه في الجزء الثاني من سبل السلام (¬3). قوله: "زاد رزين عن سعيد بن زيد": أقول: هو أول حديث في باب: إحياء الموات من سنن أبي داود (¬4) عن هشام بن عروة عن أبيه عن سعيد بن زيد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لكن لفظ: "من أحيا أرضاً ميتة فهي له، وليس لعرق ظالم حق" وقد قدمنا شرح ما أفاده في الحديث الأول [7 أ/ ج]. ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي رقم (1378) وقال: هذا حديث حسن غريب. وأخرجه أبو داود رقم (3073)، وهو حديث صحيح. (¬2) في "سننه" رقم (3077) وهو حديث ضعيف. (¬3) في "سبل السلام الموصلة إلى بلوغ المرام" (5/ 99) بتحقيقي. (¬4) في "سننه" رقم (3073).

كتاب الإيلاء: هو الكتاب السابع

كتاب الإيلاء: هو الكتاب السابع و"الإيلاء" بكسر الهمزة اليمين، آلى إذا حلف، وله في الفقه أحكام تخصه، وقد تسمى عندهم إيلاءً دونها، قاله ابن الأثير (¬1). وقال الترمذي في السنن (¬2): والإيلاءُ أَنْ يحْلِفَ الرَّجُلُ ألا يَقْرَبَ امرأتَهُ أربعةَ أشهُرٍ. 109/ 1 - عَنْ أَنَسِ - رضي الله عنه - أَنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -[116/ ب] صُرِعَ مِن فَرَس فَجُحِشَ شِقُّهُ أو كَتْفَه، وآلى مِنْ نِسَائه شهراً فجلس في مَشْرَبه له درجُها من جِذِوعٍ، فأتاه أصْحَابه يعودونه فصلَّى بِهِم جَالِساً وهم قِيام، فَلَمَّا سلم قال: "إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ, فَإِذَا صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا، وإِذَا صَلَّى قَاعِداً فصلوا قعوداً، ولا تركعوا حتى يركعَ، ولا ترفعوا حتى يَرْفَع، قال: ونزل التسع وعشرين". فقالوا: يا رسول الله! إنك آليت شهراً. فقال: "إن الشهرَ تسعٌ وعشرونَ". أخرجه البخاري (¬3) والترمذي (¬4) والنسائي (¬5). وفي أخرى للشيخين (¬6) عن أم سلمة: إن الشهرَ يكون تسعا وعشرين. وفي أخرى لمسلم (¬7) عن جابر: "ثم طبَّق يديه ثلاثاً مرتين، بأصابع يديه كلَّها ومرةً بتسع منها". [صحيح] ¬

_ (¬1) في "جامع الأصول" (1/ 353). (¬2) في "سنن الترمذي" بإثر الحديث (1201). (¬3) في "صحيحه" رقم (1911) و (5201) و (5289) و (6684). (¬4) في "سننه" رقم (690) وقال: هذا حديث حسن صحيح. (¬5) في "سننه" رقم (3456). (¬6) البخاري رقم (1910) و (5202) ومسلم رقم (25/ 1085). (¬7) في "صحيحه" رقم (23/ 1084).

قوله: "صُرِعَ": بالمهملة مبني للمجهول، أي: سقط عن ظهر دابته. وقوله: "جُحِشَ": بالجيم فمهملة مبني له - أيضاً - يقال: جُحِشَ جلُد الإنسان إذا أصابه شيء، فسلَخَه، أو خَدَشه. وقوله: "كتفه": بالمثناة الفوقية. وقوله: "أوشك": من الراوي. قوله: "من مَشْرُبَة": بفتح الميم وسكون الشين المعجمة أو ضم الراء وفتحها العُرْفَةُ والعِلَّيَّة. والمشربة كانت في حجرة عائشة كما في رواية جابر، وكان ذلك في شهر الحجة سنة خمس، كما أفاده ابن حبان. قوله: "فصلوا قعوداً": يأتي الكلام عليه في كتاب الصلاة وأنه حكم باقٍ غير منسوخ، وفيه خلاف. قوله: فقال: "إنَّ الشهر تسع وعشرون": أي: هذا الشهر. قوله: "والترمذي": قلت: وقال: حسن صحيح. واعلم أنَّ هذا الإيلاء منه - صلى الله عليه وسلم - اختلف في سببه على روايات:

منها: أنه سبب إفشاء حفصة إلى عائشة للحديث الذي أسره إليها، واختلف - أيضاً - في الذي أسره، فقيل: إنه تحريمه لمارية (¬1) أسرَّه إلى حفصة, وقال: لا تخبر به عائشة، فأخبرت به عائشة، أو تحريمه للعسل (¬2). وقيل: إنه أسر إليها أن أباها يلي الأمر بعد أبي بكر، وقيل: بل سبب الإيلاء أنه - صلى الله عليه وسلم - فرَّق هديةً جاءت له بين نسائه, فلم ترضَ زينبُ جحشٍ بنصيبها، فزادَها مرة أخرى، فلم ترضَ فقالت عائشة: لقد أممت وجهك أن تردُّ عليك الهدية, فقال: "لأنتُن أهونُ على الله من أنْ تَغمني لا أدخل عليكن شهراً" أخرجه ابن سعد (¬3) عن عمرة عن عائشة من طريق الزهري. وقيل: بل سببه طلبهن النفقة، أخرجه مسلم (¬4) من حديث جابر. قال الحافظ ابن حجر (¬5): اللائق بمكارم أخلاقه, وسعة صدره، وكثرة صفحه أن تكون هذه الأسباب سبباً لاعتزالهن، وسيأتي في تفسير سورة التحريم الحديث بطوله إن شاء الله تعالى. ¬

_ (¬1) أخرجه الطبراني في "الأوسط" رقم (2316). وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (7/ 127) وقال: رواه الطبراني .. من طريق موسى بن جعفر بن أبي كثير، عن عمه، قال الذهبي: مجهول ساقط، وخبره ساقط، وأخرجه أيضاً العقيلي في "الضعفاء الكبير" (4/ 155) في ترجمة موسى بن جعفر هذا، وقال: لا يصح إسناده. والخلاصة: أن الحديث ضعيف جداً، والله أعلم. (¬2) أخرجه البخاري رقم (4912) ومسلم رقم (1474) من حديث عائشة. (¬3) في "الطبقات" (8/ 190). (¬4) في "صحيحه" رقم (29/ 1478). (¬5) ذكر محمَّد بن إسماعيل الأمير في "سبل السلام" (6/ 189 - 190) بتحقيقي.

قوله: وفي أخرى للشيخين (¬1) عن أم سلمة. أقول: لفظه: أنه - صلى الله عليه وسلم - حلف لا يدخل على بعض أهله شهراً، فلما مضى تسع وعشرون يوماً غدا عليهم، أو راح، فقيل: يا رسول الله! حلفت ألا تدخل عليهن شهراً، فذكره. قوله: وفي أخرى لمسلم (¬2) عن جابر. قوله: ثم طبق. حذف المصنف المعطوف عليه، فإنه عطف هو عطف على قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّ الشهر يكون تسعاً وعشرين، تم طبق" فحذف المصنف المعطوف عليه من حديث جابر اكتفاءً بلفظه في أم سلمة. 110/ 2 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: إِذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ يُوقَفُ حَتَّى يُطَلِّقَ، وَلاَ يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلاَقُ حَتَّى يُطَلِّقَ. يَعني: المولى. وَيُذْكَرُ ذَلِكَ عَنْ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَعَائِشَةَ - رضي الله عنهم -، وَاثْنَي عَشَرَ رَجُلاً مِنْ الصَّحَابَة. أخرجه البخاري (¬3) ومالك (¬4). [صحيح]. وفي أخرى للبخاري (¬5) قال: يعني ابنَ عمرَ: الإيلاء الذي سمى الله تعالى لا يَحلَّ لأحدٍ بعد الأجل إلا أن يُمسكَ بالمعروف، أو يعزمَ الطلاق كما أمر الله تعالى [117/ ب]، [صحيح]. ¬

_ (¬1) البخاري رقم (1910) و (5202) ومسلم رقم (25/ 1085) وقد تقدم. (¬2) في "صحيحه" رقم (23/ 1084) وقد تقدم. (¬3) في "صحيحه" رقم (5291). (¬4) في "الموطأ" (2/ 556)، وهو حديث صحيح. (¬5) في "صحيحه" رقم (5290).

قوله: "وعن ابن عمر". أقول: في هذا الإيلاء عن وطئ الزوجة الذي أنزل الله فيه: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} (¬1) ولذا قال البخاري: يعني ابن عمر الإيلاء الذي سماه الله فحديث ابن عمر بيان لما في الآية، وأنها إذا مضت الأربعة الأشهر يوقف الزوج المولى حتى تطلق. قال ابن عبد البر (¬2): لأنّ الله قد جعل للمولى تربص أربعة أشهر لا سبيل فيها لامرأته عليه، ومعلوم أنَّ الجماع من حقوقها, ولها تركه والمطالبة به إذا انقضى الأجل الذي جعل لزوجها عليها فيه التربص، فإن طلبته في حين يجب لها عند السلطان، وقف المولى، فأمَّا فاء، وإما طلق، والدليل أنه تعالى قال: {فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)} (¬3). فإنه يدل على أنه لا يكون الطلاق إلا بإيقاعه لا بمضي الأربعة الأشهر كما قاله جماعة، وهذا مذهب الجمهور، فإن امتنع عن الفيئة، والتطليق طلق عنه السلطان. 111/ 3 - وعن عَلي كرمَ الله وجهه قال: إذا آلى الرجلُ من امرأتهِ لَم يقعْ عليه طلاقٌ، وإن مضت الأربعةُ الأشهُرُ حتَّى يوقفَ، فإمَّا أن يطلق وإمَّا أن يُفئ. أخرجه مالك (¬4). [إسناده ضعيف]. ¬

_ (¬1) سورة البقرة الآية: (226). (¬2) "الاستذكار" (17/ 105 رقم (25483، 25484). (¬3) سورة البقرة الآية: (226 - 227). (¬4) في "الموطأ" (2/ 556) رقم (17). قلت: وأخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (7/ 377) وفي "معرفة السنن" (5/ 518 - 519 رقم 4519 - العلمية) بسند ضعيف لانقطاعه.

وقَالَ (¬1): من حلفَ على امرأتِهِ أنْ لا يطأَهَا حتَّى تفطمَ ولدَهَا لم يكنْ مولياً. بلغني عن علي - رضي الله عنه - أَنَّهُ سئلَ عن ذلكَ فلم يرهُ إيلاء. قوله: في حديث علي لم يقع عليه طلاق، وإن خصت الأربعة الأشهر. أقول: هذه المسألة وقع فيها بين السلف من الصحابة وغيرهم نزاع، فقول علي - عليه السلام - هو رأي جماهيرهم، وهذه الرواية عن علي هي الصحيحة. وقد روي عنه أن تمضي الأربعة يقع تطليقة، وإليه ذهب جماعة من السلف. قوله: أخرجه مالك. أقول: منقطعاً، فإنه قال: عن جعفر بن محمَّد عن أبيه علي. قال ابن عبد البر: الخبر عن علي، وإن كان منقطعاً في الموطأ، فإنه متصل عنهم من طرق كثيرة صحاح، ثم ساقها بأسانيدها في كتابه: "الاستذكار" (¬2). قوله: بلغني عن علي أنه سئل عن ذلك فلم يجعله إيلاءً. قال عبد الرزاق (¬3) عن معمر: أنه بلغه ذلك عن علي. وذكر ابن عبد البر (¬4) بسنده إلى سعيد بن جبير أنَّ علياً قال له رجل: حلفت ألَّا أمس امرأتي سنتين، فأمره باعتزالها، فقال له ذلك الرجل: إنما ذلك من أجل أنها ترضع ولدي، فخلّي بينه وبينها. ¬

_ (¬1) مالك في "الموطأ" رواية أبي مصعب الزهري (1/ 611/ 1587). (¬2) "الاستذكار" (17/ 95 - 108). (¬3) في "المصنف" (6/ 452 رقم 11634). (¬4) في "الاستذكار" (17/ 107 رقم 25496).

قال ابن عبد البر (¬1): ليس هذا بمضار؛ لأنه أراد إصلاح ولده، وقد همَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ينهى عن الغَيْلَة لما علم أن العرب تعتقد أنه فساد بالولد، ثم تركها توكلاً على الله، إذا بلغه أنَّ فارس والروم يفعلون ذلك، ولا يضرّ أولادهم. والغَيْلَة (¬2) وطئُ الرَّجُلِ امرأتَهُ الرَّضاع، وقد اختلف الفقهاء فيمن قال لامرأته: والله لا أقربك حتى تفطمي ولدك. فقال مالك (¬3): لم يكن موليا؛ لأنه ليس على وجه الضرار، إنما أراد الإصلاح لولده. وقد قال الأوزاعي (¬4) والشافعي (¬5): إن مضت أربعة أشهر قبل أن تكون شيء مما حلف عليه كان مولياً، وله قول آخر. وللحنفية (¬6) قول ثالث أنه إن بقي بينه وبين مدة الفطام أربعة أشهر، فإنه مول. الحديث الرابع: حديث عائشة: 112/ 4 - وَعَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: آلَى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - مِنْ نِسَائِهِ، وَحَرَّمَ فَجَعَلَ الْحَرَامَ حَلاَلاً وَجَعَلَ فِي الْيَمِينِ كَفَّارَةً. أخرجه الترمذي (¬7). [ضعيف]. قولها: "وحرّم": أي: قربانهنَّ. ¬

_ (¬1) في "الاستذكار" (17/ 107 رقم 25497). (¬2) "الاستذكار" (17/ 108 رقم 25499). (¬3) "الاستذكار" (17/ 108 رقم 25501). (¬4) "الاستذكار" (17/ 108 رقم 25502). (¬5) "الاستذكار" (17/ 108 رقم 25504). (¬6) "الاستذكار" (17/ 108 رقم 25507). (¬7) في "سننه" رقم (1201) وأخرجه ابن ماجه رقم (2072).

قوله: "فجعل الحرام": وهو قربانهنَّ. "حلالاً، وجعل في اليمين كفارة": قولها: وحرم. هو بيان لقولها: "آلى" أي: أقسم أن لا يقربهنَّ، فضرب حراماً بالقسم، ثم جعل هذا الحرام حلالاً، وكفَّر عن يمينه. قوله: "أخرجه الترمذي": قلت: قال (¬1) بعد إخراجه عن مَسْلَمَةَ بنِ عَلْقَمَةَ عن دَاودَ عن عامر عن مَسْرُوق ما لفظه: حديث مَسْلَمة بن عَلْقَمَةَ عن داودَ رَوَاهُ عليُّ بنُ مُسْهِرٍ، وغيره عن دَاوُدَ عن الشَّعبي أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلاً، وليس فيه عن مَسْروق عن عائشة، وهذا أصح من حديث مَسْلمة بن علقمة. انتهى كلامه. ¬

_ (¬1) أي: الترمذي بإثر الحديث رقم (1201).

كتاب: الأسماء والكنى وهو الكتاب الثامن

كتاب: الأسماء والكنى وهو الكتاب الثامن وفيه خمسة فصول الفصل الأول: في المحبوب منها والمكروه (¬1) و"الكنى" جمع: كنية، وهو كل ما صدّر بأبٍ وأم. ذكر سبعة أحاديث؛ الأول: 113/ 1 - عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّكُمْ تُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَسْمَائِكُمْ وَأَسْمَاءِ آبَائِكُمْ، فَأَحْسِنُوا أَسْمَاءَكُمْ" أخرجه أبو داود (¬2). [ضعيف]. قوله: "حديث أبي الدرداء": واسمه عويمر بن مالك الأنصاري (¬3). قوله: بأسمائكم وأسماء آبائكم. أي: يقال: يا فلان بن فلان، لا باسم أمه، وذكر جار الله في "الكشاف" (¬4) في قوله: {يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ} (¬5) ما لفظه. ¬

_ (¬1) ما بين الحاصرتين سقط من (ج). (¬2) في "سننه" رقم (4948). قلت: وأخرجه عبد بن حميد رقم (213) وابن حبان رقم (5818) والبيهقي في "السنن الكبرى" (9/ 306) وفي "الشعب" (8633) وأحمد (5/ 194) بسند ضعيف لانقطاعه عبد الله بن أبي زكريا لم يسمع من أبي الدرداء، وهو حديث ضعيف. (¬3) انظر ترجمته في "الاستيعاب" (ص 517 - 519) رقم الترجمة (1850). (¬4) في "الكشاف" (3/ 537). (¬5) سورة الإسراء الآية: (71).

ومن بدع التفاسير: أنّ الإِمام جمع أمٍ، فإن الناس يدعون يوم القيامة بأمهاتهم، وأنَّ الحكمة في الدعاء بالأمهات دون الآباء [71 أ/ ج] رعاية في حق عيسى بن مريم - عليه السلام - وإظهار شرف الحسن والحسين - عليهما السلام - وألا يفتضح أولاد الزنا, وليت شعري أيهما أبدع أصحة لفظة أم بها حكمته. انتهى. قال سراج الدين: يريد أنَّ إماماً جمع أم غير سائغ، وإنما المعروف الأمهات أم لها حكمته في أنَّ حق عيسى في اختياره بالدعاء، فإن جعله في غير أب كرامة له لا يقضي فيه، وإظهار شرف الحسنين بدون ذلك إثم، فإن أباهما خير من أمهما مع أنَّ أهل البيت من أهل الغنى كلهم كالحلقة المفرغة. وأمَّا افتضاح أولاد الزنا فلا فضيحة إلا للأمهات وهي حاصلة دعاء أولادهم بالأمهات، أو بالآباء، ولا ذنب لهم في ذلك حتى يترتب عليه الافتضاح. قوله: "فحسنوا أسماءكم". أقول: قال في "زاد المعاد" (¬1): لما كانت الأسماءُ قوالِبَ للمعاني، ودالَّةٌ عليها، اقتضتِ الحكمةُ أن يكون بينها وبينها ارتباطٌ وتناسبٌ، وألا يكون معها بمنزلة الأجنبي المحض الذي لا تعلُّقَ له بها، فإن حِكمة الحكيم تأبى ذلك، والواقعُ يشهد بخِلافه، بل للأسماء تأثيرٌ في المسمَيات، وللمسميات تأثير في أسمائها في الحُسن، والقبيح، والخِفِّة، والثِّقل، والكَثَافة، واللطَافة، كما قيل: وقلَّما [شاهدت] (¬2) عَيَنَاكَ ذَا لَقَب ... إلا ومَعْنَاهُ إن فَكَّرتَ في لَقَبِهْ ¬

_ (¬1) في "زاد المعاد في هدي خير العباد" لابن قيم الجوزية (2/ 307 - 308). (¬2) في "زاد المعاد": "أبْصَرَتْ".

وكان - صلى الله عليه وسلم - يستحِبُّ الاسم الخفي، وأمرهم إذا أبردوا إليه بريداً أن يكونَ حَسَن الاسْمِ حَسَنَ الوَجْهِ (¬1). وكان - صلى الله عليه وسلم - يأخذ المعاني من أسمائها في المنام واليقظة، وكان يكره الأمكِنةَ المنكرةَ الأسماء، ويكره العُبُورَ فيها، كمَا مَرَّ بين جبلين في بعض غزواته، فسأل عن أسمائها، فقيل: فاضِحٌ ومُخزٍ، فعدلَ عنهما, ولَم يَجُزْ بينهما, ولما كان بين الأسماء والمسميات من التناسُبِ والترابط، والقرابة ما بين قوالبِ الأشياء، وحقائقها، وما بينَ الأرواحِ والأجسام عَبَرَ العقل مِن كل منهما إلى الآخر كما كان إياسُ بن معاوية يرى الشخص، ويقول: ينبغي أن يكونَ اسمُه كيْتَ وكَيْتَ، فلا يكاد يُخطئُ، وضِدُّها هذا العبور من الاسم إلى مسماه، كما عبر عمر بن الخطاب من لفظ: جَمْرَةُ وشِهَابٌ، وحِرَّة النَّار، وذاتِ لَظَى إلى معانيها، فقال: "اذهَب فقد احترق أهلك" (¬2) فعبر من الألفاظ إلى أرواحها. قلت: ومن تحسين الأسماء قد أرشدهم - صلى الله عليه وسلم - إلى التسمي بأسماء الأنبياء، كما يأتي، وأمرهم بأحبها إلى الله وأصدقها. فالأقسام الثلاثة داخلة تحت الأمر بتحسين الأسماء. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو الشيخ في "أخلاق النبي - صلى الله عليه وسلم - " (ص 276 رقم 796) في إسناده عمر بن راشد أبو حفص اليمامي، وهو ضعيف. انظر المجروحين (2/ 83) و"الكامل" لابن عدي (5/ 15) والعقيلي في "الضعفاء الكبير" (3/ 157). وصححه الألباني في "الصحيحة" رقم (1186) مستشهداً له بعدة شواهد من حديث بريدة, ومن حديث ابن عباس، وأيضاً من حديث أبي أمامة. وانظر ما تم تخريجه في تحقيقي للتنوير شرح الجامع الصغير لابن الأمير رقم الحديث (511). (¬2) أخرجه مالك في "الموطأ" (2/ 973) رقم (25). إسناده ضعيف لانقطاعه.

الحديث الثاني: حديث ابن عمر: 114/ 2 - وعَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "أَحَبُّ الأَسماءِ إِلَى الله تَعالى عبد الله، وَعبد الرَّحْمَنِ" أخرجه مسلم (¬1) وأبو داود (¬2) والترمذي (¬3) [118/ ب]، [صحيح]. قوله: "أحب الأسماء إلى الله": هو من اسم التفضيل المبني للمفعول، أي: أكثرها محبوبية لله، وذلك لا سيما على الإقرار بالعبودية، والإضافة إلى أشرف اسم في الكون. قوله: "الترمذي": قلت: وقال: حسن. الحديث الثالث: عن أبي وهب الجشمي: 115/ 3 - وَعَنْ أَبِي وَهْبٍ الْجُشَمِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "تَسَمَّوْا بِأَسْمَاءِ الأَنْبِيَاءِ، وَأَحَبُّ الأَسْمَاءِ إِلَى الله تَعالَى عبد الله وَعبد الرَّحْمَنِ، وَأَصْدَقُهَا حَارِثٌ وَهَمَّامٌ، وَأَقْبَحُهَا حَرْبٌ وَمُرَّةُ" أخرجه أبو داود (¬4)، واللفظ له، وللنسائي مختصراً (¬5) [ضعيف]. أقول: اسم أبي وهب كنيته، وله صحبة ورواية, والجُشمي بضم الجيم وفتح الشين المعجمة وكسر الميم، وهو اسم قبائل من مضر وغيرها. قوله: "سموا بأسماء الأنبياء": أي: لأنَّ الله لا يختار لهم، إلا أحسن الأسماء. ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (2132). (¬2) في "سننه" رقم (4949). (¬3) في "سننه" رقم (2833) و (2834)، وهو حديث صحيح. (¬4) في "سننه" رقم (4950). (¬5) في "سننه" رقم (3565) قوله: "وأصدقها حارث ... "، وهو حديث ضعيف.

قوله: "وأصدقها حارث وهمام". قال ابن الأثير (1): الحارث: الكاسب، والاحتراث: الاكتساب، وهمَّام فعَّال، من هَمَّ، فهو همَّام، وإنما كان أصدق الأسماء؛ لأنَّ الإنسانَ كاسبٌ، وهمَّامٌ بالطَّبع، فلا يكاد يَخلُو من كسب [71 ب/ ج] وهم. انتهى. قوله: حرب ومرَّة. قال (¬1) - أيضاً -: إنما كانا أقبح الأسماء؛ لأنَّ الحرب مما يتفاءل بها، وتُكْرَهُ لما فيها من القتل، والأذى. وأمَّا مُرّة فلأن معناه: المُرُّ، والمُرُّ كريةٌ بغيضٌ إلى الطباع، أو لأنه كنْيَةُ إبليس، فإن كنيَةَ أبو مُرَّة. قال أبو عمر بن عبد البر (¬2): هذا عندي من باب الفأل الحسن، فإنَّه - صلى الله عليه وسلم - كان يطلبه ويعجبه، وليس من باب الطيرة في شيء؛ لأنه محال أن ينهى عن الطيرة, ويأتيها، بل هو من باب الفأل، فإنه - صلى الله عليه وسلم - يتفاءل بالاسم الحسن. وقد روى حماد بن سلمة عن حميد الطويل عن بكر بن عبد الله المزني قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا توجه لحاجة يحب أن يسمع يا نجيح! يا راشد، يا مبارك". وأخرج بسنده: أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان لا يتطير، وكان يتفاءل، فركب بريدة في سبعين راكباً من أهل بيته من أسلم، فلقي النبي - صلى الله عليه وسلم - ليلاً، فقال له نبي الله - صلى الله عليه وسلم -: "من أنت" فقال: أنا بريدة فالتفت إلى أبي بكر، وقال: "يا أبا بكر برد أمرنا وصلح" قال: "ممن؟ " قلت: من أسلم. قال لأبي بكر: "سلمنا" ثم قال: "ممن؟ " قلت: من سهمٍ قال: "خرج سهمك". انتهى. ¬

_ (¬1) في "جامع الأصول" (1/ 359). (¬2) في "التمهيد" (24/ 71، 72، 73).

قوله: أخرجه أبو داود، واللفظ له. قوله: "وعبد الرحمن": أقول: قال القرطبي (¬1): يلتحق بهذين الأسمين ما كان مثلهما مثل: عبد الرحيم وعبد الصمد. قال: وإنما كانت أحب إلى الله؛ لأنها تضمنت ما هو وصف واجب لله، وما هو وصف للإنسان واجب له، ثم أضيف العبد الى الرب إضافة حقيقة فصدقت أفراد هذه الأسماء، وشرفت بهذا التركيب، فحصلت لها الفضيلة. وقال غيره: الحكمة في الاقتصار على الاسمين أنه لم يقع في القرآن عبد الى اسم من أسماء الله غيرهما، قال تعالى: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ} (¬2) وفي الآية الأخرى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ} (¬3) ويؤيده قوله تعالى: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ} (¬4). ويناسب الأول ما أخرجه الطبراني (¬5) مرفوعاً: "إذا سميتم فعبَّدوا". وأخرج (¬6) من حديث ابن مسعود مرفوعاً: "أحبّ الأسماء إلى الله ما يعبّد به". ¬

_ (¬1) في "المفهم" (5/ 453). (¬2) سورة الجن الآية: (19). (¬3) سورة الفرقان الآية: (63). (¬4) سورة الإسراء الآية: (110). (¬5) في "المعجم الكبير" (ج/ 20 رقم 383) من حديث عبد الملك بن أبي زهير عن أبيه، وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (8/ 50) وقال: وفيه أبو أمية بن يعلى، وهو ضعيف جداً. (¬6) أي: الطبراني في "المعجم الكبير" (ج 10 رقم 9992) وفي "الأوسط" رقم (694) وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (8/ 50) وفيه: محمَّد بن محصن العكاشي وهو متروك.

إلا أنه قال الحافظ ابن حجر (¬1): وفي إسناد كل منهما ضعف. قوله: وأخرجه النسائي مختصراً. أقول: قال ابن الأثير (¬2): إلى عبد الرحمن، وزاد فيه زيادة في وصف الخيل، والوصية بها. الحديث الرابع: حديث أبي هريرة: 116/ 4 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ أَخْنَعَ اسْمٍ عِنْدَ الله رَجُلٌ تَسَمَّى مَلِكَ الأَمْلاَكِ لاَ مَالِكَ إِلاَّ الله تَعالَى". قال سفيان - رحمه الله -: مثلُ شاهان شاه. قَالَ أحْمَد بن حَنْبَل رحمه الله تعالى: سألتُ أبا عمرو رحمه الله تعالى عن أخنع فقال: أوضعَ. أخرجه الخمسة إلا النسائي (¬3) [صحيح]. قوله: "أخْنَعَ": أقول: وفي البخاري (¬4)، وفي رواية: "أخنا" من الخنا بفتح المعجمة وتحقيق النون مقصور، وهو الفحش في القول. وفي رواية: "كما خنا" من الخنوع، وهو الذلة. ¬

_ (¬1) في "فتح الباري" (10/ 570). (¬2) في "جامع الأصول" (1/ 358). (¬3) البخاري رقم (6206) ومسلم رقم (2143) وأبو داود رقم (4961) والترمذي رقم (2837)، وهو حديث صحيح. • قال الحافظ في "الفتح" (10/ 590): واستدل بهذا الحديث على تحريم التسمي بهذا الاسم لورود الوعيد، ويلتحق به ما في معناه مثل: خالق الخلق، وأحكم الحاكمين، وسلطان السلاطين، وأمير الأمراء، وقيل: يلتحق به أيضاً من تسمي بشيء من أسماء الله الخاصة به كالرحمن والقدوس والجبار ... ". اهـ. (¬4) في "صحيحه" رقم (6205).

قال القاضي عياض (¬1): معناه: أنه أشدّ الأسماء صغاراً، فسره الخليل بأفجر قال ابن بطال (¬2): وإذا كان الاسم أذل الأسماء كان من يسمى به أشد ذلاً، ووقع عند الترمذي في آخر الحديث: "أخنع" أقبح. قوله: "ملك الأملاك": بكسر اللام من ملك الأملاك - بالكسر والفتح - جمع: مليك. قوله: "لا مالك إلا الله": في "الجامع" (¬3) زاد في رواية: "لا مالك إلا الله" وقال: إنَّه زاد أبو داود والترمذي فيها: "يوم القيامة" بعد قوله: "عبد الله". قوله: "قال سفيان". أي: ابن عيينة. وقوله: "شاهان شاه": بسكون النون، وألف في آخره، وقد ينون، وليست هاء تأنيث فلا يقال: بالمثناة أصلاً، وقد تعدب بعضٌ من تفسير سفيان للفظة عربية بلفظة عجمية، وهو غفلة عن مراده، وذلك أنَّ شاهان شاه قد كانت التسمية به في ذلك العصر، فنبه سفيان على أنَّ الاسم الذي ورد الخبر بذمه لا ينحصر في ملك الأملاك، بل كل ما أدى معناه بأي لسان كان فهو [72 أ/ ج] مراد بالذم، واستدل به على تحريم التسمي بهذا الاسم لوروده الوعيد الشديد، ويلحق به ما في معناه، مثل خالق الخلق، وأحكم الحاكمين، وسلطان السلاطين، وأمير الأمراء (¬4). ¬

_ (¬1) في "إكمال المعلم" (7/ 18). (¬2) في "شرحه لصحيح البخاري" (9/ 354). (¬3) في "جامع الأصول" (1/ 359 - 360). (¬4) انظر "فتح الباري" (10/ 590).

قلت: أما أمير الأمراء، فلفظ: أمير لا يطلق على الله تعالى بخلاف كبير الكبراء. واختلف في التسمي بقاضي القضاة، أو حاكم الحكماء، واستدل من أجاز قاضي القضاة بحديث: "أقضاكم علي" (¬1) ورد بأنّ التفضيل وقع في حق من خوطب به، ومن يلحق بهم، فليس مساوياً لإطلاق التفضيل بالألف واللام يريد في قولهم: أقضى القضاة، ولا يخفى ما في ذلك من الجراءة، وسوء الأدب. قال الشيخ محمَّد بن أبي حمزة: يلتحق بملك الأملاك: قاضي القضاة، وإن كان أشهر في بلاد الشرق من قديم الزمان إطلاق ذلك على كثير من القضاة. وقد سلم أهل العرب من ذلك، فاسم كبير القضاة عندهم قاضي الجماعة، والصواب أنه لا يقال: قاضي القضاة إلا لله، فهو يقضي الحق، وهو خير القاضين، ومثله في القبح والكراهة قولهم: سيد الناس، وسيد الكل، أو الجميع، وليس ذلك إلا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - خاصة، كما قال: "أنا سيد ولد آدم" (¬2). قوله: "قال أحمد بن حنبل: سألت أبا عمرو": قال النووي (¬3): هذا هو إسحاق بن مرار - بكسر الميم - وقيل: مرار بفتحها وتشديد الراء كعمار، وقيل: بفتحها، وتحقيق الراء كغزال، وهو أبو عمرو اللغوي النحوي المشهور. ¬

_ (¬1) تقدم تخريجه. (¬2) أخرجه مسلم رقم (3/ 2278) وأبو داود رقم (4763) والترمذي رقم (3615) من حديث أبي هريرة وأخرجه مسلم رقم (1/ 2176) والترمذي رقم (3605) و (3606) وأحمد (4/ 107) وابن حبان رقم (6242) من حديث واثلة بن الأسقع. (¬3) في شرحه لـ "صحيح مسلم" (14/ 122).

117/ 5 - ولمسلم (¬1) رحمه الله تعالى في أخرى: "أغيظُ رجل على الله تعالى يوم القيامةِ وأخبثُهُ رجلٌ كان يسمَّى ملكَ الأملاكِ لا ملِكَ إلا الله تعالَى". [صحيح]. قوله: ولمسلم في أخرى: "أغيظ": بالغين المعجمة فمثناة تحتية من الغيظ، وفي شرح النووي (¬2): إنه ورد في مسلم: "أخنع" و"أغيظ" و"أخبث" ووقع في مسلم (¬3) - أيضاً - أغيظ رجل، وأغيظه بتكرير أغيظ. قال القاضي (¬4): ليس تكريره وجه الكلام، وكأنه وقع من بعض الرواة وهم في تكريره، أو تغييره. قال بعضٌ: لعلَّ أحدهما أغنط بالنون والطاء المهملة، أي: أشده عليه، والغنط: شدة الكذب. قال المازري (¬5): أغيظ هنا مصروف عن ظاهره؛ لأنَّ الله تعالى لا يوصف بالغيظ، فيتأول هذا الغيظ على الغضب (¬6). قوله: "لا ملك إلا لله": وفي الرواية الأولى: "لا مالك" والمراد لا مالك للأملاك إلا الله؛ لأنه نهى عن التسمي بمالك، وإن كان قد نقل ابن التين (¬7) عن الداودي أنه قال: وقد ورد في بعض الأحاديث: ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (21/ 2134) .. (¬2) في شرحه لـ "صحيح مسلم" (14/ 121). (¬3) في "صحيحه" رقم (21/ 2143). (¬4) في "إكمال المعلم" (7/ 19). (¬5) في "إكمال العلم بفوائد مسلم" (3/ 85). (¬6) قال قوَّام السنة الأصبهاني في الحجة في بيان المحجة (2/ 457). قال علماؤنا: يوصف الله بالغضب، ولا يوصف بالغيظ. اهـ (¬7) ذكره الحافظ في "الفتح" (10/ 589).

"أبغض الأسماء إلى الله خالد ومالك"، قال: وما أراه محفوظاً؛ لأنَّ في الصحابة من يسمى بهما، وقال: في القرآن تسمية خازن النار مالك. انتهى. قال ابن حجر (¬1): إنَّ الحديث الذي ذكره الداودي هو بلفظ: "أحب الأسماء إلى الله ما سمى به، [وأصدقها] (¬2) الحارث وهمام، وأكذب الأسماء خالد ومالك" (¬3) الحديث. وهو من رواية أحد الضعفاء, ومن مناكيره. الحديث الخامس: 118/ 6 - وَعَن جَابِر - رضي الله عنه - قَالَ: أَرَادَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَنْهَى عَنْ أَنْ يُسَمَّى بِيَعْلَى وَبَرَكَةَ وَأَفْلَحَ وَيَسَارٍ وَنَافِعٍ وَبِنَحْوِ ذَلِكَ، ثُمَّ رَأَيْتُهُ سَكَتَ بَعْدُ عَنْهَا، ثُمَّ قُبِضَ، وَلَمْ يَنْهَ عَنْها. أخرجه مسلم (¬4) وأبو داود (¬5)، واللفظ له. زاد أبو داود (5) - رحمه الله -: فإن الرجلَ يقولُ: أثَمَّ بركةُ؟ فيقولون: لا. [صحيح]. ¬

_ (¬1) في "الفتح" (10/ 589). (¬2) بياض في المخطوط, والمثبت من الفتح. (¬3) أخرجه ابن عدي في "الكامل" (1/ 232) من طريق إبراهيم بن الفضل عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة مرفوعاً: وذكره. قال ابن عدي: وإبراهيم بن الفضل مع ضعفه يكتب حديثه, وعندي أنه لا يجوز الاحتجاج بحديثه, وإبراهيم الخوارزمي عندي أصلح منه. (¬4) في "صحيحه" رقم (2138). (¬5) في "سننه" رقم (4960)، وهو حديث صحيح.

قوله: "ينهى ... " إلخ: قال النووي في شرح مسلم (¬1): هكذا وقع هذا اللفظ في مسلم نسخ صحيح مسلم التي ببلادنا: "أن يسمى بيعلى" وفي بعضها: "بمقبل" وفي الجمع بين الصحيحين للحميدي: "بيعلى". وذكر القاضي عياض (¬2): إنه في أكثر النسخ: "بمقبل" وفي بعضها: "بيعلى". قال: والأشبه أنه تصحيف، قال: والمعروف: "بمقبل" وهذا الذي أنكره القاضي ليس بمنكر، بل هو الصحيح المشهور، وهو صحيح في الرواية, وفي المعنى. انتهى [72 ب/ ج]. قوله: فإنك تقول: "أثَمَّ بركةُ": أي: أفي المكان بركة، فيقال: لا. قال ابن القيم (¬3): الله أعلم هل هذه الزيادة من تمام الحديث المرفوع، أو مدرجةٌ من هول الصحابي، وبكل حال: فإنَّ هذه الأسماء قد تُوجب تطيُّراً تكرَهه النفوس، ويَصُدُّها عما هي بصدده, فاقتضت حكمةُ الشارع أن ينهاهم من أسباب توجب لهم سماع المكروه، أو وقوعه. قوله: "ثم رأيتُه سكتَ بعدُ عنها، ثم قُبِضَ ولم ينه عنها": لفظ ابن الأثير (¬4): ثم رأَيتُه سكتَ بعدُ عنها, ولم يَقُلْ شيئاً، ثم قُبِضَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم ينْه عنها. ¬

_ (¬1) (14/ 118). (¬2) في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (7/ 12). (¬3) في "زاد المعاد في هدي خير العباد" (2/ 312 - 313). (¬4) في "جامع الأصول" (1/ 361).

قوله: "وأبو داود": أقول: لفظ "الجامع" (¬1) ورواية أبي داود، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن عشت إن شاء الله أنهى أمتي أن يُسمُّوا نافعاً وأفلح وبركة، قال الأعمش: ولا أدري أَذكرَ نافعاً أم لا، فإنّ الرجل يقول: أَثَمَّ بركة؟ فيقولون: لا، وفي أخرى له نحوه, ولم يذكر: "بركة" انتهى. وكلام المصنف أوهم أنه أخرج أبو داود معنى ما أخرجه مسلم مع أنهما كما ترى في التفاوت. قال النووي (¬2): قوله: أراد أن ينهى. أي: نهي تحريم، وأما النهي الذي هو الكراهة التنزيه فقد نهى عنها بقوله: فإنك تقول: أثم هو، فيقال: لا، لساعة الجواب، وربما أوقع بعض الناس في الطيرة، وهذه هي العلة في الكراهة لها. بمعناه قال ابن القيم. حديث أسلم مولى عمر: 119/ 7 - وَعَن أَسْلَمَ مَولَى عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ - رضي الله عنه -: ضَرَبَ ابْنًا لَهُ يكَنَّى أَبا عِيسَى، وَأَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ تَكَنَّى أَبَا عِيسَى فَقَالَ لَهُ عُمَرُ [119/ ب]: أَمَا يَكْفِيكَ أَنْ تُكَنَّى بِأَبِي عبد الله؟ فَقَالَ: إِنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَنَّانِي أبَا عِيْسَى، فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، وَإِنَّا بَعْدُ فِي جَلْجَلَتِنَا، فَلَمْ يَزَلْ يُكْنَى بِأَبِي عبد الله حَتَّى هَلَكَ. أخرجه أبو داود (¬3). [حسن]. ¬

_ (¬1) (1/ 361). (¬2) في شرحه لـ "صحيح مسلم" (14/ 119). (¬3) في "سننه" رقم (4963) وهو حديث حسن.

"الجلج" بلام ساكنة بين جيمين أولاهما مفتوحة: هي حباب الماء في لُغة أهل اليمامة أي: تركنا في أمر ضيق كضيق الحباب. قال الزهري: الجلجلة واحدة الجلاَجِ وهي الرءوس ومعناه: وإنَّا بعدُ في عدد أفراد في عدد أفراننا وأخواننا لم ندر ما يصنع بنا (¬1). قوله: "يكنى بأبي عيسى": قال ابن القيم (¬2): كره قوم من السلف الكنية بأبي عيسى، وأجازها آخرون. قلت: ولا أدري ما وجه الكراهة. قوله: "الجلجلة": بلام ساكنة بين جيمين. قلت: في "القاموس" (¬3): "الجلجلة" بحركة الجمجمة والرأس جمعه: جلج انتهى. وفي "النهاية" (¬4): بالجيمين والتحريك يعني: في أمر ضيق. انتهى. قال أبو حاتم: لا يعرف جلجتنا، إلا أنه وقع في قلبي أنه أراد في أمر مضطرب لا يستقر عليه. انتهى. وأمَّا قول المصنف: بسكون اللام فغير صحيح. وقوله: "حباب الماء": لا يعرف ضبطه هل بالحاء المهملة، أو بالجيم، ولم نجده في القاموس، واعلم أن كلام عمر مع المغيرة، كالمغالطة، فإنه لما قال له: إنه - صلى الله عليه وسلم - الذي كناه بأبي عيسى لم يجب عنه جواب قبول الرواية, ولا ردها بل أجاب بأنه قد غفر له - صلى الله عليه وسلم -، وهذا ليس جواباً عن الرواية, بل ¬

_ (¬1) انظر "جامع الأصول" (1/ 362 - 363). (¬2) في "زاد المعاد في هدي خير العباد" (2/ 317). (¬3) "القاموس المحيط" (234). (¬4) "النهاية" (1/ 283).

خروج إلى الإخبار بفضله - صلى الله عليه وسلم - , وأنه مغفور له، وكأنه ارتاب في الرواية, كما وقع له ذلك مع أبي موسى، ووقع لأبي بكر مع المغيرة، والله أعلم، ويأتي تفسير اللَّقحَةُ. الحديث السادس (¬1): وعن يحيى بن سعيد: 120/ 8 - وَعَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لِلَقْحَةٍ تُحلَبُ: "مَنْ يَحْلُبُ هَذِهِ؟ " فَقَامَ رَجُل فَقَالَ: "مَا اسْمُكَ؟ " فَقَالَ مُرَّةُ. فَقَالَ لَهُ: "اجْلِسْ" ثُمَّ قَالَ: "مَنْ يَحْلُبُ هَذِهِ" فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: "مَا اسْمُكَ؟ " فَقَالَ: حَرْبٌ، فَقَالَ لَهُ: "اجْلِسْ" ثمَّ قَالَ: "مَنْ يَحْلُبُ هَذِهِ؟ " فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ: "مَا اسْمُكَ؟ " فَقَالَ يَعِيشُ. فَقَالَ: "احْلُبْ" أخرجه مالك (¬2) [صحيح لغيره]. أقول: الأنصاري أبو سعيد من بني النجار أنصاري (¬3) خزرجي سمع أنس بن مالك، وجماعة من الصحابة، وعنه هشام بن عروة، ومالك ابن أنس، وابن جريج، وسعيد، ¬

_ (¬1) هو الحديث الثامن كما في المطبوع. (¬2) في "الموطأ" (2/ 973 رقم 24). قلت: وأخرجه عبد الله بن وهب في "جامعه" (2/ 741 رقم 652) سمعت مالكاً به. وهذا مرسل صحيح الإسناد. ووصله ابن وهب في "جامعه" ومن طريقه ابن عبد البر في "التمهيد" (24/ 72) و"الاستذكار" (27/ 233/ 40938) عن ابن لهيعة عن الحارث بن يزيد عن عبد الرحمن بن جبير، عن يعيش الغفاري به. وأخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (ج 22 رقم 710) وأبو نعيم في "معرفة الصحابة" (5/ 2820/ 6672) من طريق قتيبة بن سعيد وسعيد بن أبي مريم كلاهما عن ابن لهيعة به. وسنده حسن. وحسن إسناده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (8/ 47). والخلاصة: أن الحديث صحيح لغيره. (¬3) انظر ترجمته في "سير أعلام النبلاء" (5/ 468 رقم 213) و"تذكرة الحفاظ" (1/ 137) رقم (130).

الفصل الثاني من الخمسة الفصول: في كتاب الأسماء

والنووي، والحمادان كان إماماً من أئمة الحديث، والفقه عالماً، ورعاً، زاهداً، صالحاً، مشهوراً بالثقة والدين. قوله: "لقحة". بفتح اللام وكسرها ذات اللبن من الإبل، وجمعها لقاح، وقيل: هي الحديثة النتاج. قوله: قال: يعيش. قال: احلبْ. أقول: قال ابن عبد البر (¬1): هذا عندي من الفأل؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - كان يطلب الحسن، ويعجبه وليس من باب الطيرة في شيء؛ لأنه محال أن ينهى عنها، ويأتيه، بل هو من باب التفاؤل بالاسم الحسن، وقد قدمنا كلامه هذا. قوله: "أخرجه مالك": أقول: أخرجه مقطوعاً، فقد عرفت يحيى بن سعيد [73 أ/ ج] ابن عبد البر في "الاستذكار" (¬2): بعد ذكره له مقطوعاً: قد روي هذا مسنداً نا عبد الرحمن نا علي نا أحمد نا سحنون نا ابن وهب أخبرني ابن لهيعة عن الحارث بن يزيد عن عبد الرحمن بن جبير عن يعيش الغفاري قال: دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - يوماً بناقةٍ. الحديث. قال: وقد ذكرناه في التمهيد (¬3). الفصل الثاني من الخمسة الفصول: في كتاب الأسماء وذكر فيه خمسة أحاديث، ومثلها في الجامع. ¬

_ (¬1) في "الاستذكار" (27/ 234 رقم 4094). (¬2) 27/ 233 رقم 40938). (¬3) (24/ 72).

الأول

الحديث الأول: عن سهل بن سعد: 121/ 1 - عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدي - رضي الله عنه - قَالَ: جَاءَ النبيَّ [120/ ب]- صلى الله عليه وسلم - إلَى بَيْتَ فَاطِمَةَ - رضي الله عنها -، فَلَمْ يَجِدْ عَلِيًّا كَرمَ الله وجْهه (¬1) - فَقَالَ: "أَيْنَ ابْنُ عَمِّكِ؟ " فَقَالَتْ: كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ شَيْءٌ، فَغَاضَبَنِي فَخَرَجَ، فَقَالَ رَسُولُ الله النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - لإِنْسَانٍ: "انْظُرْ أَيْنَ هُوَ" فَقَالَ: هُوَ فِي الْمَسْجِدِ رَاقِدٌ، فَجَاءَ وَهْوَ مُضْطَجِعٌ، قَدْ سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ شِقِّهِ، فَأَصَابَهُ تُرَابٌ، فَجَعَلَ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَيَقُولُ: "قُمْ أَبَا تُرَابٍ، قُمْ أَبَا تُرَابٍ" قال سهل - رضي الله عنه -: وما كان له اسم أحبُّ إليه منهُ. أخرجه الشيخان (¬2) [صحيح]. قوله: "شيء": لم يأت مفسراً في الروايات التي عرفنا، ويمكن أنه موجود لم يطلع عليه. قوله: "فغاضبني فخرج": قال ابن بطال (¬3): إنَّ أهل الفضل قد يقع بين الكبير منهم وبين زوجته ما طبع عليه من الغضب، وقد يدعو ذلك إلى الخروج من بيته، ولا يعاب عليه. ¬

_ (¬1) انظر "معجم المناهي اللفظية" للشيخ الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد رحمه الله (ص 348 - 350) و (ص 454 - 455). إفراد علي - رضي الله عنه - بـ "- عليه السلام -" أو "كرم الله وجهه" هذا وإن كان معناه صحيحاً، لكن ينبغي أن يسوى بين الصحابة في ذلك، فإن هذا من باب التعظيم والتكريم، فالشيخان وأمير المؤمنين عثمان أولى بذلك منه رضي الله عنهم أجمعين. (¬2) البخاري رقم (441، 3703، 6204، 6280) ومسلم رقم (38/ 2409). (¬3) في شرحه لـ "صحيح البخاري" (9/ 352).

قال الحافظ ابن حجر (¬1): قلت: ويحتمل أن يكون خروجه خشية أن يبدو منه في حال الغيظ ما لا يليق بجناب فاطمة - عليها السلام - فحسم مادة الكلام بذلك إلى أن تسكن فورة الغضب من كل منهما. وقد ذكر ابن إسحاق عقب القصة المذكورة قال: حدثني بعض أهل العلم أنَّ علياً كان إذا غضب على فاطمة في شيء لم يكلمها، بل كان يأخذ تراباً فيضعه على رأسه، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا رأى ذلك عرف، فيقول: ما لك يا أبا تراب. قوله: "فجاء": أي: النبي - صلى الله عليه وسلم -. قوله: "وهو": أي: علي. قوله: "مضطجع ... إلى آخره": فيه مكارم أخلاق النبي - صلى الله عليه وسلم - لأنه توجه نحو علي - رضي الله عنه - ليترضاه، ومسح التراب عن ظهره ليبسطه، وداعبه بالكنية المذكورة المأخوذة من حالته، ولم يعاتبه على مغاضبته لابنته مع رفيع منزلتها عنده, فيؤخذ منه استحسان الرفق بالأصهار، وترك معاتبتهم آنفاً إبقاءً لمودتهم. قوله: "قم أبا تراب! قم أبا تراب! ": وفي لفظ البخاري (¬2): "اجلس أبا تراب"، وقد روي للتسمية بأبي تراب شيئان آخران. ويستفاد من الحديث جواز تكنية الشخص بأكثر من كنيته، والتلقيب بلفظ الكنية مما يشتق من حال الشخص، وأنَّ اللقب من إذا صدر من الكبير في حق الصغير تلقاه، ولو لم ¬

_ (¬1) في "فتح الباري" (10/ 588). (¬2) في "صحيحه" رقم (6204).

الثاني

يكن لفظه لفظ مدح، وأنَّ من حمل ذلك على التنقيص لا يلتفت إليه، وهو كما كان أهل الشام ينتقصون ابن الزبير بزعمهم حيث كان يقولون: ابن ذات النطاقين فكان يقول: تلك شكاة ظاهر [] (¬1) عارضاً. قوله: "اسم أحبّ إليه منه": أقول: فيه إطلاق الاسم على الكنية. قوله: "أخرجه الشيخان": أقول: في أوله في "الجامع" (¬2): أنَّ رجلاً جاء إلى سهل بن سعد فقال: هذا فلان لأمير المدينة يذكر علياً عند المنبر قال: فيقول: ماذا قال؟ يقول: أبو تراب، فضحك، وقال: والله! ما سماه به إلا النبي - صلى الله عليه وسلم -، وما كان له اسم أحبَّ إليه منه فأستطعمت (¬3) الحديث سهلاً، فقلت: يا أبا عباس! كيف قال؟ ... فذكر الحديث. الحديث الثاني: حديث أسماء بنت أبي بكر امرأة الزبير: 122/ 2 - وَعَنْ أَسْمَاءَ بِنتَ أبِي بَكْر - رضي الله عنها - قَالَت: حَمَلَتْ بِعبد الله بْنِ الزُّبَيْرِ بِمَكة، قَالَتْ فَخَرَجْتُ وَأنا مُتِمٌّ، فَقَدِمْتُ الْمَدِينَةَ، فَنَزَلْتُ بِقُبَاءٍ، فَوَلَدْتُهُ, فأَتَيْتُ بِهِ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فَوَضَعْتُهُ في حَجْرِهِ، فَدَعَا بِتَمْرَةٍ، فَمَضَغَهَا، ثُمَّ تَفَلَ في فِيه, فَكَانَ أَوَّلَ شَيْءٍ دَخَلَ جَوْفَهُ رِيقُ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ حَنَكَهُ بِالتَّمْرَة، ثُمَّ دَعَا لَهُ وَبَرَّكَ عَلَيْهِ، وسَمَّاه عبد الله، فَكَانَ أَوَّلَ مَوْلُودٍ وُلِدَ في الإِسْلاَمِ، فَفَرِحُوا بِهِ فَرَحًا شَدِيدًا، لأَنَّهُمْ قِيلَ لَهُمْ: إِنَّ الْيَهُودَ قَدْ سَحَرَتْكُمْ فَلاَ يُولَدُ لَكُمْ. أخرجه الشيخان (¬4) [صحيح]. ¬

_ (¬1) بياض في المخطوط (ج) بمقدار كلمة. (¬2) "جامع الأصول" (1/ 363 - 364) رقم (154). (¬3) أي: طلبت منه أن يحدثني به. (¬4) البخاري رقم (3909) ومسلم رقم (26/ 2146).

الثالث

قوله: "وأنا مُتِمٌّ": يقال: امرأة مُتِمَّ إذا كانت حاملاً، وقد دَنَا ولادها. قوله: "بِقُباء": بالمدّ موضع بالمدينة معروف، ويُصْرَف، ولا يُصْرف. قوله: "ثم تَفَلَ": التَّفْلُ بالمثناة من فوق، والفاء هو أن يَبْصُق أقلَّ شيء، وهو فوق النَّفث. قوله: "حَنَكَه بتمرة": بمهملة ونون ثقيلة، والتَّحنيك أن يَدْلكَ بالتَّمرة حَنك الصبي. قوله: "وبَرَّكَ عليه": التبرك على الصبي: أن يَدْعُوَ له بالبركة (¬1)، فيه شرعية الإتيان بالمولود إلى الرجل الصالح، وشرعية أن يتفل في فيه ويحنكه ويدعو له بالبركة، ويحنكه، ويبرك عليه، ويسميه وشرعية الفرح برد المقالة الكاذبة [73 ب/ ج] وإبطال ما قيل. الحديث الثالث: حديث أبي موسى: 123/ 3 - وَعَنْ أَبِي مُوسَى - رضي الله عنه - قَالَ: وُلدَ لِي غُلاَمٌ، فَأتَيْتُ بِهِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فسَمَّاهُ إِبْرَاهِيمَ وَحَنَّكَهُ بِتَمْرَةٍ، وَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ وَدَفَعَهُ إِلَيَّ، وَكَانَ أَكْبَرَ وَلَدِ أَبِي مُوسَى. أخرجه الشيخان (¬2). [121/ ب] [صحيح]. ليس فيه زيادة على ما قبله. ¬

_ (¬1) معاني الكلمات من "جامع الأصول" لابن الأثير (1/ 366). (¬2) البخاري رقم (5467) و (6198) ومسلم رقم (24/ 2145).

الرابع

الرابع: عن أنس: 124/ 4 - وَعَنْ أَنَس بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: ذَهَبْتُ بِعبد الله بْنِ أَبِي طَلْحَةَ إِلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - حِينَ وُلِدَ وَهوَ في عَبَاءَةٍ وَهو يَهْنَأُ بَعِيرًا لَهُ فَقَالَ: "هَلْ مَعَكَ تَمْرٌ؟ " قُلْتُ: نَعَمْ، فَنَاوَلْتُهُ تَمرَاتٍ فَلاَكَهُنَّ، ثُمَّ فَغَرَ فَا الصَّبِيِّ فَمَجَّهُ فِي فِيهِ فَجَعَلَ يَتَلَمَّظُهُ فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "انْظُروا حُبُّ الأَنْصَارِ التَّمْرَ". وَسَمَّاهُ عبد الله. أخرجه الشيخان (¬1) وأبو داود (¬2) واللفظ لمسلم. [صحيح]. ومعنى: "يهنأُ" يطليه بالقطران. قوله: "بعبد الله بن أبي طلحة": سماه عبد الله باعتبار المال، وإلَّا فإنه ذهب به قبل تسميته، وهو أخو أنس من أمه أم سليم، والمصنف أتى برواية مختصرة هي لمسلم أحد رواياته, وفي أخرى (¬3) في صدره عن أنس قال: "كان ابن لأبي طلحة يشتكي، فخرج أبو طلحة فقبض الصبي، فلمَّا رجع أبو طلحة قال: ما فعل ابني؟ فقالت أم سليم: هو أسكنُ فما كان، فقربت له العشاء، ثم أصابَ منها، فلمَّا فرغَ، قالت: وارُوا الصبي، فلما أصبحَ أبو طلحة أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبره، فقال: "أعْرَسْتُم الليلة" قال: نعم. قال: "اللهم! بارك لهما" فولدت غلاماً، فقال لي أبو طلحة: احمله حتى نأتي به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. الحديث. وله ألفاظ أخرى، وهذا اللفظ الذي أتى به المصنف هو أحد روايات مسلم. قوله: وهو في عباءة. لفظه في "الجامع" (¬4): ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - في عباءة. ¬

_ (¬1) البخاري رقم (5470) و (1301) ومسلم رقم (23/ 2144). (¬2) في "السنن" رقم (4951). (¬3) في "صحيح مسلم" رقم (23/ 2144). (¬4) "جامع الأصول" (1/ 368) و (1/ 366).

وفي رواية: وعليه خميصةٌ جوْنيَّةٌ. قال ابن الأثير (1): الخميصة: ثوبُ خَزٍّ أو صوفٍ مُعَلم، وهو أسود، والجَوْنُ يشبه إلى السواد. قوله: "وهو يَهْنَأ بعيراً له". قال ابن الأثير (¬1): هَنَأْتُ البعيرَ لطخته بالهنأ، وهو القطران. النووي (¬2): الهناء - بكسر الهاء والمدّ - أي: يطليه، والبعير من الإبل الذكر والأنثى، كالإنسان من بني آدم. قوله: فلاكهنَّ. [قال] (¬3) ابن الأثير (1): لاكَ اللُّقمَةَ في فيه إذا مَضَغَها. قوله: فَغَّر. بالفاء وغين معجمة فراء يقال: فغرَ فاهُ إذا فَتَحه. قوله: "فَمَجَّهُ": بفتح الميم وتشديد الجيم يقال: مَجَّ ريقَهُ من فيه إذا رماهُ. قوله: "يتملظه": التلمظ: تطعم ما يبقى في الفم من أثر الطعام. قوله: "حُبّ الأنصار التمر": روي بضم الحاء وكسرها فبالكسر المحبوب كالذبح بمعنى: المذبوح بالتمر مرفوع أي: محبوب الأنصار التمر، ومن نصب قال: معناه: انظروا حبّ الأنصار التمر، وأمّا من ضم الحاء، فهو مصدر. ¬

_ (¬1) في "جامع الأصول" (1/ 370). (¬2) في شرحه لـ "صحيح مسلم" (14/ 123). (¬3) زيادة يقتضيها السياق.

الخامس

الخامس: 25/ 5 - وَعَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله! كُلُّ صَوَاحِبِي لَهُنَّ كُنًى. قَالَ: "فَاكْتَنِي بِابْنِكِ عبد الله بْنِ الزُّبَيْرِ" فَكَانَتْ تُكَنَّى أُمِّ عبد الله. أخرجه أبو دَاوُدَ (¬1). وزاد رزين - رحمه الله - (¬2): "فإن الخالة أم". قوله: "كلّ صواحبي لهنَّ كُنى": كأنَّ المراد مثل أم سلمة، وأم حبيبة، وإلا فسودة وحفصة، وزينب بنت جحش، وصفية لم يكن لهنَّ كُنى. قوله: بابنك عبد الله بن الزبير. لأنه ابن أختها، والخالة كما يأتي أمّ، وفيه دليل على التكني للمرأة، وإن لم يكن لها ولد، وللرجل - أيضاً - وإن لم يكن له ولد، وليس من الكذب، بل من التفاؤل. قوله: رزين، فإن الخالة أمّ. قال ابن الأثير (¬3): ولم أجدها في كتاب أبي داود. ¬

_ (¬1) في "سننه" رقم (4970) وهو حديث صحيح. (¬2) كما في "جامع الأصول" (1/ 37). • وأخرج أحمد في "المسند" (1/ 98) والبخاري رقم (2699) عن البراء بن عازب: أن ابنة حمزة اختصم فيها علي وجعفر بن زيد، فقال علي: أنا أحق بها هي ابنة عمي، وقال جعفر: بنت عمي وخالتها تحتي، وقال زيد: ابنةُ أخي، فقضى بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لخالتها وقال: "الخالةُ بمنزلة الأم". وأخرجه أحمد في "المسند" (1/ 98) بسند حسن أيضاً من حديث علي وفيه: "والجارية عند خالتها، فإن الخالة والدةٌ" (¬3) في "جامع الأصول" (1/ 371).

الفصل الثالث: فيمن غير النبي - صلى الله عليه وسلم - اسمه

قلت: أخرجها الترمذي (¬1) في حديث البراء بلفظ: "الخالة بمنزلة الأم". وأخرجه أبو داود (¬2) من حديث علي - عليه السلام -: "الخالة والدة" عن محمَّد بن علي مرسلاً، وله طرق كثيرة, وهو مذكور في قصة بنت حمزة في حديث عمرة القضاء. الفصل الثالث: فيمن غيَّر النبي - صلى الله عليه وسلم - اسمه ذكر فيه سبعة أحاديث، وفي الجامع عشرة (¬3). الأول: 126/ 1 - عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: كَانَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُغَيِّرُ الِاسْمَ الْقَبِيحَ. أخرجه الترمذي (¬4). قوله: "الاسم القبيح": أي: الذي يكرهه، وإن لم يكن قبيحاً في لفظه (¬5) نحو بَرَّة، فإنَّه غيره لما فيه من تزكية النفس، فيؤخذ منه كراهة التسمي بتقي، وتقي الدين، وفخر الدين، وما لا يحصى من ألقاب أضيفت إلى الدين فيها كمال التزكية، والاتصاف بعلو المقام في الدين، وهذه من البدع العظيمة. وإنما كانت كذباً، أو لا تكون إلا كذباً، لكنَّها صارت للتعارف في المخاطبات والمكاتبات أمراً مألوفاً لا ينهى عنه، ولا ينبه أحد للنهي عنه, ولم يصح منه شيء في السلف الصالح. ¬

_ (¬1) في "سننه" رقم (3765) وقال: هذا حديث حسن صحيح. (¬2) في "سننه" رقم (2280) وهو حديث صحيح. (¬3) في "جامع الأصول" من رقم (159 - 168). (¬4) في "السنن" رقم (2839) وهو حديث صحيح. (¬5) كما في الحديث الآتي رقم (127/ 2).

الثاني

ولذا قلت (¬1) [74 أ/ ج]: تسمى بنور الدين وهو ظلامة ... وهذا بشمس الدين وهو له خسف وذا شرف الإِسلام يدعوه قومه ... وقد نالهم من جوره كلهم عسف رويدك يا مسكين سوف ترى غداً ... إذا نصب الميزان وانتشر الصحف بماذا تسمى هل سعيد فحبذا ... أو سمّ شقي بئس ذا ذلك الوصف قوله: "أخرجه الترمذي" (¬2): قلت: ثم قال عقبة: قال أبو بَكْرِ بن نَافع - يريد شيخه الذي حدثه به - وربما قال عمُر بنُ عليّ - يريد شيخ أبي بكر بن نافع الذي حدثه به - هشامُ بن عروة عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلاً، ولم يذكُر فيه عن عائشة. انتهى. الحديث الثاني: 127/ 2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ أبِي سَلَمَة كَانَ اسْمُهَا بَرَّةَ، فَقِيلَ: تُزَكِّى نَفْسَهَا. فَسَمَّاهَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - زَيْنَبَ. أخرجه الشيخان (¬3). [صحيح]. قوله: "زينب بنت أبي سلمة": هي ربيبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهي التي قال - صلى الله عليه وسلم - فيها يوم بكى: "وبنتي في حجري" يأتي في النكاح. قوله: "تزكي نفسها": لعلَّ القائل ذلك هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما يأتي في الحديث الرابع أنه تلا - صلى الله عليه وسلم - الآية. ¬

_ (¬1) في ديوانه محمَّد بن إسماعيل الأمير (ص 286). (¬2) في "سننه" رقم (2839). (¬3) البخاري رقم (6192) ومسلم رقم (2141).

الثالث

قوله: "بَرَّةٌ": بفتح الموحدة وتشديد الراء، وهو تأنيث برّ، والبرّ ضد الفاجر. قوله: "تزكي نفسها": أي: يقال: زكى الرجل نفسه إذا وصفها بالزكاوة، وأثنى عليها وهو منهي عنه, قال الله: {فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} (¬1). قوله: "سماها زينب": في "القاموس" (¬2) زنب كفرح سمن والأزنب السمين، وبه سميت المرأة زينب، أو من الزبيب ثمرُ شجرٍ حسن المنظر طيب الرائحة. الثالث: 128/ 3 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: كَانَ اسْمُ جُوَيْرِيَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ بَرَّةَ، فَحَوَّلَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - اسْمَهَا جُوَيْرِيَةَ، وَكَانَ يَكْرَهُ أَنْ يُقَالَ: خَرَجَ مِنْ عِنْدِ بَرَّةَ. أخرجه مسلم (¬3) [122/ ب]، [صحيح]. قوله: "جويرة": وهو تصغير جارية، وهي من أزاوجه - صلى الله عليه وسلم - يأتي ذكرها، وكأنَّه - صلى الله عليه وسلم - كره إطلاق الخروج من البر، أو أخرج من عندهما. ¬

_ (¬1) سورة النجم الآية: (32). (¬2) "القاموس المحيط" (ص 122). (¬3) في "صحيحه" رقم (2140).

الرابع

الرابع: 129/ 4 - وعَن شُرَيْحٍ عَنْ أَبِيهِ هَانِئٍ عَنْ أبِيه - رضي الله عنه -: أَنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - سَمِعَ قَوْمِهُ يَكْنُونَهُ بِأَبِي الْحَكَمِ، قَالَ: فَدَعَانِي فَقَالَ: "إِنَّ الله تَعَالى هُوَ الْحَكَمُ، وإلَيْهِ الحُكْمُ، فَلِمَ تُكْنَى بأَبي الْحَكَمِ؟ " فَقُلت: "إنَّ قَوْمِي إِذَا اخْتَلَفُوا فِي شَيْءٍ أَتوْنِي فَحَكَمْتُ بَيْنَهُمْ فَرَضِي كِلاَ الْفَرِيقَيْنِ بِحُكْمِي، فَقَالَ: "مَا أَحْسَنَ هَذَا! فَمَا لَكَ مِنَ الْوَلَدِ؟ " فَقُلْت: شُرَيْحٌ، وَمُسْلِمٌ، وَعبد الله. قَالَ: "فَمَنْ أَكْبَرُهُمْ؟ " فَقُلْتُ: شُرَيْحٌ، قَالَ: "فَأَنْتَ أبو شُرَيْحٍ" أخرجه أبو داود (¬1) والنسائي (¬2) [حسن]. قوله: "عن شريح بن هانئ" (¬3): بالشين المعجمة أوله وآخره حاء مهملة يكنى: أبو المقدام شريح بن هانئ بن كعب بن يزيد الحارثي أدرك النبي - صلى الله عليه وسلم - وبه كنى النبي - صلى الله عليه وسلم - أباه هانئ ابن زيد، فقال: "أنت أبو شريح" وشريح من جملة أصحاب علي - عليه السلام - رواه عنه ابنه المقدام. قوله: "إنَّ الله هو الحاكم": أقول: في "النهاية" أنه - صلى الله عليه وسلم - كره له ذلك، فكناه بأبي شريح؛ لئلا يشارك الله في صفته. انتهى. وفيه تغيير الكنية، والاسم، ولو بعد الشهرة بهما. ¬

_ (¬1) في "سننه" رقم (4955). (¬2) في "سننه" رقم (5387)، وهو حديث حسن. (¬3) انظر ترجمته في "الاستيعاب" (ص 333 رقم 1169).

الخامس

الخامس: 130/ 5 - وَعَنْ بَشِيرُ بْنُ مَيْمُونٍ عَنْ عَمِّهِ أُسَامَةَ بْنِ أَخْدَرِيٍّ: أَنَّ رَجُلاً كَانَ اسْمُهُ أَصْرَمُ فَقَالَ لَهُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَا اسْمُكَ؟ " فَقَالَ: أَصْرَمُ. فَقَالَ: "بَلْ أنتَ زُرْعَةُ" أخرجه أبو داود (¬1) [حسن]. قوله: "عن بشير بن ميمون": صحابي روى عن عمه المذكور، وهو أسامة بن أخْدَريّ (¬2) -بفتح الهمزة وسكون الخاء المعجمة وسكون الدال المهملة وكسر الراء وتشديد الياء. قال ابن الأثير (¬3): في إسناد حديثه، وصحة صحبته مقال، وذكر أنه ليس له إلا هذا الحديث. قوله: "أَصْرَم": بفتح الهمزة وسكون الصاد المهملة، وفتح الراء زاد في "الجامع" (¬4): في نَفَرٍ أتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال له: "ما اسمك؟ ". ¬

_ (¬1) في "سننه" رقم (4954) وهو حديث حسن. (¬2) أسامة بن أخْدَريّ الشَّقريّ: عم بشير بن ميمون، وهو من بني شِقرة, واسم شقرة الحارث بن تميم بن مُرّ، نزل البصرة روى عنه بشير بن ميمون. "الاستيعاب" (ص 48 رقم 15). (¬3) في "أسد الغابة" (1/ 194) عن بشير بن ميمون عن أسامة بن أخدري قال: قدم الحي من شقرة على النبي - صلى الله عليه وسلم - فيهم رجل ضخم اسمه: أصرم قد ابتاع عبداً حبشياً، قال: يا رسول الله! سمَّه وادع له، قال: ما اسمك؟ قال: أصرم. قال: بل زُرْعة, قال: ما تريده؟ قال: أريده راعياً، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - بأصبعه وقبضه, وقال: هو عاصم، وهو عاصم، ونزل أسامة بن أخدري البصرة, وليس له إلا هذا الحديث الواحد. أخرجه الحاكم (4/ 276) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (8/ 54) وقال: رواه الطبراني ورجاله ثقات. (¬4) في "جامع الأصول" (1/ 374 رقم 164).

السادس

قال ابن الأثير (¬1): إنما كره أصْرَم لما فيه من معنى الصرم، وهو القطع، فجعله زُرعة - بضم الزاي وفتح الراء - مأخوذ من الزرع، والزرع النبات، وهو ضد القطع. 130/ 6 - وَعَن سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أبيه - رضي الله عنه -: أَنَّهُ جَاء للنبي - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "مَا اسْمُكَ؟ " قَالَ: حَزْنٌ. قَالَ: "بَلْ أَنْتَ سَهْلٌ". قَالَ: لَا أُغيِّر اسْمًا سَمَّانِيهِ أَبِي. قَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ - رحمه الله -: فَمَا زَالَتْ فِينَا الْحُزُونَةُ بَعْدُ. أخرجه البخاري (¬2) وأبو داود (¬3). وفي رواية لأبي داود قال: لا. السهلُ يُوطَأ وَيُمتهَنُ. [صحيح]. قال أبو داود - رحمه الله - (¬4): وغيَّر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اسم العاصي وعزيز وعَتَلَة [123/ ب] وشيطان، والحكم، وغراب، وحبَّابٍ، وشهابٍ، فسماهُ هشاماً، وسمى حرباً سِلماً، وسمى المضطجعَ المنبعثَ، وأرضاً تسمى عفرَة سماها: خضرةَ، وشِعْبَ الضلالة، سماها شِعْبَ الهدى، وبنى الزِّنَية سماهم نبي الرُّشْدَة، وسمَّى بني مُغويَةَ بني رُشدٍ. قوله: "سعيد بن المسيب" (¬5): وهو من أفاضل التابعين، وهو أبو محمد سعيد بن المسيب بن حرب بن أبي وهب مخزومي قرشي مدني، ولد لسنتين مضتا من خلافة عمر كان سيد التابعين جمع بين الفقه والحديث، والزهد والورع، كان أعلم الناس بحديث أبي هريرة، وبقضايا عمر. مات سنة ثلاث وتسعين. ¬

_ (¬1) في "جامع الأصول" (1/ 374). (¬2) في "صحيحه" رقم (6190). (¬3) في "سننه" رقم (4956). (¬4) في "السنن" بإثر الحديث السابق رقم (4956)، وهو حديث صحيح. (¬5) انظر: "خلاصة تذهيب تهذيب الكمال" رقم (2873) بتحقيقي.

قوله: "عن أبيه أنه جاء": أقول: ظاهره أنَّ والد سعيد هو الذي جاء إليه - صلى الله عليه وسلم - وليس كذلك، إنما هو جده، كما يدل له رواية ساقها ابن الأثير عن سعيد أنَّ جده قدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولفظ سنن أبي داود (1): ثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبيه عن جده؛ ولأن المسمى إنما هو جده، وكأنَّه تساهل الراوي في اللفظ الأول للعلم، فإن والد سعيد لا يسمى حزناً، والأب يطلق على الجد [74 ب/ ج]. قوله: "يوطأ ويمتهن": أي: يداسُ ويُهان هي صفة السهولة، أو من المهنةِ الخدمة، زاد أبو داود (¬1) قال سعيد: "فظننت أنه سيصيبنا بعد حزونة". وأمَّا لفظ: "فما زالت فينا الحزونة بعد" فهو للبخاري (¬2). و"عَتْلة" بفتح العين المهملة وبمثناة فوقية مفتوحة وسكن ابن الأثير (¬3) العَتْلة الشدة والغلظة، يقال: عَتَلتُ الرجل إذا جذبتَه جذباً عنيفاً، ومنه قيل: رجل عُتُلّ، وهو الجافي الغليظ. وكره - صلى الله عليه وسلم -: "غُراباً"؛ لأن في معناه: البعد والاغتراب، ولأنَّ الغراب من أخبث الطيور، وقد أباح قتله في الحِل والحرم. وكره: "حبّاب"؛ لأن الحباب الحَيَّة، وبه يُسمى الشيطان حُبَاباً. وكره: "عزيز"؛ لأن العبد موصوف بالذُّل، والخضوع لله. وكره: "الحكم"؛ لأن الحكم الحاكم، ولا حكم إلا لله. ¬

_ (¬1) في "سننه" رقم (4956). (¬2) في "صحيحه" رقم (6190). (¬3) في "جامع الأصول" (1/ 376).

السابع

وكره: "شهاباً"؛ لأن الشهاب الشُّعلة؛ لأنه يرجم به الشياطين. قوله: "تسمى عفْرة": العَفْرة: من عُفرة الأرض، وهو لونها، ورويت: "عثْرة" بالثاء المثلثة، وهي التي لا نبات فيها، إنما هي صعيد قد علاها العثير وهو الغبار. قوله: "الزِّنْيَة": بالزاي مكسورة مشددة فنون فياء تحتية، يقال: هو الزنية إذا كان ولد زنا، وفلان لرشْدَةٍ إذا كان النكاح صحيح. قوله: "مغوية": بضم الميم فغين معجمة من الغواية. قلت: قال أبو داود (¬1) بعد أن ساق هذه الألفاظ كلها هكذا بغير إسناد: تركت أسانيدها للاختصار. انتهى. السابع: 132/ 7 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - "أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - غَيَّرَ اسْمَ عَاصِيَةَ وسَمَّاهَا جَمِيلَةُ" أخرجه مسلم (¬2) والترمذي (¬3) وأبو داود (¬4). [صحيح]. قوله: "وسماها جميلة" في "الجامع" (¬5) أن ابنَةً كانت لعمر يقال لها: عاصيَةُ. الحديث. ¬

_ (¬1) في "سننه" بإثر الحديث رقم (4956). (¬2) في "صحيحه" رقم (2139). (¬3) في "سننه" رقم (2838). (¬4) في "سننه" رقم (4952). قلت: وأخرجه ابن ماجه رقم (3733)، وهو حديث صحيح. (¬5) في "جامع الأصول" (1/ 376).

قوله: "والترمذي" (¬1). وقال عقبه: هذا حديثٌ حَسَنٌ غَريب، وإنما أسنَدَهُ يحيى بنُ سعيد القطان عن عبيد الله عن نافع أن ابن عمر مرسل. انتهى. 133/ 8 - وَعَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: لَقِيتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - فَقَالَ: مَنْ أَنْتَ؟ فَقُلْتُ: مَسْرُوقُ بْنُ الأَجْدَعِ. فَقَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "الأَجْدَعُ شَيْطَانٌ". أخرجه أبو داود (¬2). [ضعيف]. قوله: "الأجدع": أقول: بفتح الهمزة وسكون الجيم ودال مهملة مفتوحة بعين مهملة، قال المنذري في مختصره (¬3): فيه مجالد بن سعيد، وفيه مقال. 134/ 9 - وَعَنْ سَهْلٍ بن سَعْدٍ - رضي الله عنه - قَالَ: أُتِيَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بِالْمُنْذِرِ بْنِ أَبِي أُسَيْدٍ حِينَ وُلِدَ، فَوَضَعَهُ عَلَى فَخِذِهِ، وَقَالَ: "مَا اسْمُهُ". قَالَ: فُلاَنٌ. قَالَ: "لَا، وَلَكِنْ اسْمه الْمُنْذِرَ". فَسَمَّاهُ يَوْمَئِذٍ الْمُنْذِرَ. أخرجه الشيخان (¬4). [صحيح]. قوله: "قال: لا، ولكن اسمه المنذر": أخذ تسميته - صلى الله عليه وسلم - له المنذر أنَّ ابن عمه المنذر ابن عمر؛ لأنه كان قد استشهد ببئر معونة، وكان أميرهم، فيقال: لكونه خلفاً منه، وأُتي المشهور فيه بضم الهمزة وفتح الياء، وحكي أنه بفتح الهمزة. ¬

_ (¬1) في "سننه" رقم (2838). (¬2) في "سننه" رقم (4957) وفي سنده مجالد بن سعيد ضعيف. قلت: وأخرجه ابن ماجه رقم (3731). (¬3) في "مختصر السنن" (7/ 256). (¬4) البخاري رقم (6191) ومسلم رقم (29/ 2149).

الفصل الرابع من كتاب الأسماء والكنى: في التسمي باسم النبي - صلى الله عليه وسلم - وكنيته

الفصل الرابع من كتاب الأسماء والكنى: في التسمي باسم النبي - صلى الله عليه وسلم - وكنيته أي: في الجمع بينهما بين اسمه وكنيته أبو القاسم. 135/ 1 - عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه -[124/ ب] قَالَ: كَانَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يَومَاً فِي الْبَقِيعِ فَسَمِعَ قَائِلَاً يقولُ: يَا أَبا الْقَاسِمِ! فَرَد رأسه إليه؟ فقال الرجُل: لَمْ أَعْنِكَ يا رسولُ الله! إِنَّمَا دَعَوْتُ فُلاَنًا. فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "تَسَمَّوْا بِاسْمِي، وَلاَ تَكَنَّوْا بِكُنْيَتِي" أخرجه الشيخان (¬1) والترمذي (¬2). [صحيح]. قوله: "ولا تكنّوا": بفتح الكاف وتشديد النون، وعلى حذف أحد التاءين، وهو نهي عن التكني بأبي القاسم. قال النووي (¬3): اختلف في التكني بأبي القاسم على ثلاثة مذاهب: الأول: المنع مطلقاً سواءً كان اسمه محمد أو لا، ثبت عن الشافعي (¬4) والثاني: الجواز مطلقاً، ويختص ذلك بحال حياته - صلى الله عليه وسلم - (¬5). الثالث: لا يجوز لمن اسمه محمد، ويجوز لغيره. ¬

_ (¬1) البخاري رقم (2120) ومسلم رقم (2131). (¬2) في "السنن" رقم (2841 م). قلت: وأخرجه ابن ماجه رقم (3737)، وهو حديث صحيح. (¬3) في شرحه لـ "صحيح مسلم" (14/ 112 - 113) بتصرف. (¬4) وقال النووي: وأهل الظاهر. (¬5) وقال النووي: وهذا مذهب مالك، قال القاضي: وبه قال جمهور السلف وفقهاء الأمصار، وجمهور العلماء.

الثاني

قال الرافعي: ويشبه أن يكون هذا هو الأصح؛ لأنَّ الناس لم يزالوا يفعلونه في جميع الأعصار من غير إنكار. قال النووي (¬1): وهذا مخالف لظاهر الحديث، وأمَّا إطباق الناس ففيه تقوية للمذهب الثاني، وكان مسندهم ما وقع في حديث أنس هذا، وانما فهموا أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - مختص به بحال حياته للسبب المذكور، وقد تعقبت نقل النووي المذاهب، وزيد مذهب رابع، وهو أنه لا يجوز التسمي بمحمد مطلقاً. واحتج لهذا القول بحديث عن أنس مرفوع: "يسمونهم محمداً ثم يلعنونهم" أخرجه البزار (¬2) [75 أ/ ج] وأبو يعلى (¬3) وسنده لين (¬4). ما في الحديث: "من تسمى باسمي فلا يتكنى بكنيتي، ومن تكنى بكنيتي فلا يتسمى باسمي". الثاني: 136/ 2 - وَعَنْ جَابِرِ - رضي الله عنه - قَالَ: وُلِدَ لِرَجُلٍ مِنَّا غُلاَمٌ فَسَمَّاهُ الْقَاسِمَ، فَقَلْنا لاَ نَكْنِيكَ أَبَا الْقَاسِمِ، وَلاَ نُنْعِمُكَ عَيْنًا، فَأَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَذكَر لَه ذَلك. فَقَالَ: اسْمُ ابنك عبد الرحمن. ¬

_ (¬1) وقال النووي: وهذا قول جماعة من السلف. (¬2) في "المسند" رقم (1987 - كشف). (¬3) في "المسند" (ج6 رقم 3386). (¬4) قاله ابن حجر في "الفتح" (10/ 572). قلت: والحديث مداره على الحكم بن عطية, وهو مختلف فيه, ولكن حديثه هذا ضعيف، وانظر تخريجي المفصل لهذا الحديث في تخريج كتاب "التنوير شرح الجامع الصغير" لمحمد بن إسماعيل الأمير رقم (3301).

أخرجه الخمسة إلا النسائي (¬1) [صحيح]. زاد في رواية (¬2): "تَسَمَّوْا بِاسْمِي، وَلاَ تَكَنَّوْا بِكُنْيَتِي، فَإِنِّي إنما جُعِلْتُ قَاسِماً أَقْسِمُ بَيْنَكُمْ" [صحيح]. وفي أخرى لأبي داود (¬3) قال: "من تسمى باسمي فلا يتكنى بكنيتي، ومن تكنى بكنيتي فلا يتسمَّى باسمي". [منكر]. قوله: "ولا ننعمك عيناً": هو من الإنعام، أي: لا ننعم عينك بذلك، فتقرَّ به عينك. قوله: "ولا تكنوا بكنيتي": قال الحافظ ابن حجر (¬4): يقال: إنه يحرم أن يسمي ابنه القاسم لئلا يكنى به. قوله: "فإنما جعلت قاسم أقسم بينكم": وفي رواية في البخاري: "وإنما أنا قاسم والله يعطي" هذا يشعر بأنَّ الكنية إنما تكون سبب وصف صحيح في الكنى، أو بسبب اسم الله، وقال ابن بطال: معناه: إني لم أستأثر من مال الله بشيء دونكم، قاله تطييباً لقلوبهم حين فاضل في العطاء، فقال: "الله هذا الذي يعطيكم، وإنما أنا قاسم فمن قسمت له شيئاً فذلك نصيبه قليلاً كان أو كثيراً". ¬

_ (¬1) البخاري رقم (3114، 3115، 3538، 6187، 6196) ومسلم رقم (2133) وأبو داود بإثر الحديث رقم (4965) والترمذي رقم (2842) وهو حديث صحيح. (¬2) للبخاري رقم (3114) ومسلم رقم (2133). (¬3) في "سننه" رقم (4966) وهو حديث منكر. (¬4) في "الفتح" (10/ 572).

الثالث

الثالث: حديث عائشة: 137/ 3 - وَعَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها -: أنَّ امْرَأَةٌ قَالَتْ: يَا رَسُولَ الله! إِنِّي وَلَدْتُ غُلاَمًا فَسَمَّيْتُهُ مُحَمَّدًا، وَكَنَّيْتُهُ أَبَا الْقَاسِمِ، فَذُكِرَ لِي أنَّكَ تَكْرَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: "مَا الَّذِي أَحَلَّ اسْمِي وَحَرَّمَ كُنْيَتِي، أَوْ مَا الَّذِي حَرَّمَ كُنْيَتِي وَأَحَلَّ اسْمِي" أخرجه أبو داود (¬1). [125/ ب]، [ضعيف]. قوله: "فقال: ما الذي أحلّ اسمي ... "، إلى آخره. يشبه أن يكون هذا ناسخاً للنهي سيما، وقد قال له: فذكر لي أنك تكره ذلك، فلم يقرّها على أنه يكرهه. الرابع: 138/ 4 - وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ أبيه - رضي الله عنهما - قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ! الله، أرأيت إِنْ وُلدَ لِي مِنْ بَعْدِكَ وَلَدٌ أُسَمِّيهِ بِاسْمِكَ وَأُكْنِيهِ بِكُنْيَتِكَ؟ قَالَ: "نَعَمْ" أخرجه أبو داود (¬2)، وهذا لفظه والترمذي (¬3) وصححه, وزاد فيه قال: فكانت رخصة لي. [صحيح]. وإن كان ظاهره أنها رخصة خاصة لعلي - رضي الله عنه - وكان الإذن في التسمية، والتكنية، فظنه رخصة خاصة به. الفصل الخامس: من كتاب الأسماء الأول: 139/ 1 - عَنْ ابن عُمَر - رضي الله عنهما - قَالَ: "أَمَرَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بِتَسْمِيَةِ الْمَوْلُودِ يَوْمَ سَابِعِهِ, وَوَضْعِ الأَذَى عَنْهُ وَالْعَقِّ عَنْهُ". ¬

_ (¬1) في سنه رقم (4968)، وهو حديث ضعيف. (¬2) في "سننه" رقم (4967)، وهو حديث صحيح. (¬3) في "سننه" رقم (2843).

أخرجه الترمذي (¬1). [حسن]. قوله: "عن ابن عمر": كذا في "الجامع" (¬2) وهنا عمرو - بضم العين - والحديث عن ابن عمر، وبفتحها كما في الترمذي. قوله: "ووضع الأذى": [قال] (¬3) ابن الأثير (¬4): ووضع الأذى عن المولود: هو أن يُزيل ما عليه من أثَرِ الولادة، وما يخرج على جسده من أثرها. وفي "النهاية" (¬5): يريد الشعر، والنجاسة، وما يخرج على رأس الصبي حين يولد، ويحلق عنه يوم سابعه. ¬

_ (¬1) في "سننه" رقم (2832) وقال: حديث حسن غريب. وفي سنده شريك القاضي وهو سيء الحفظ، وابن إسحاق وقد عنعنه, لكن يتقوى بحديث سمرة بن جندب عند أبي داود رقم (2437) وابن ماجه رقم (3165) والترمذي رقم (1522) والنسائي رقم (4220) مرفوعاً بلفظ: "كلام غلام رهين بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه، ويحلق، ويسمى" فقد صرح الحسن بسماعه من سمرة كما في النسائي، وإسناده صحيح. وخلاصة القول: أن حديث عبد الله بن عمرو حديث حسن. • تنبيه: في سنن الترمذى رقم (2832). من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أي: عبد الله بن عمرو. (¬2) في "جامع الأصول" (1/ 382 رقم 174) والصواب: ما قدمناه في التنبيه. (¬3) زيادة يقتضيها السياق. (¬4) في "جامع الأصول" (1/ 383). (¬5) في "النهاية" (1/ 34).

الثاني

قوله: "أخرجه الترمذي": قلت: ساقه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده, وقال: هذا حديث حسن غريب. انتهى. وهذا يزيدك يقيناً أنه عن ابن عمر - بفتح العين - نعم، ثم رأيته في سنن أبي داود عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر، فعلى هذا يكون رواه ابن عمرو، وابن عمر جميعاً. الثاني: حديث عائشة: 140/ 2 - وَعَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: "كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُؤْتَى بِالصِّبْيَانِ، فَيَدْعُو لهُمْ بالبَركَة ويُحَنِكُهُمْ". أخرجه مسلم (¬1) وأبو داود (¬2). [صحيح]. تقدم قصة أنه في إتيانهم بالصبيان إليه - صلى الله عليه وسلم - وتحنيكه إياهم، وأنه ينبغي أن يؤتى بالصبي إلى الأفاضل يحنكونهم ويدعون لهم. 141/ 3 - وَعَن أَبِي رَافِعٍ - رضي الله عنه - قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - أَذَّنَ فِي أُذُنِ الْحَسَنِ بْنِ عَليٍّ - رضي الله عنه - حِينَ وَلَدَتْهُ فَاطِمَةُ - رضي الله عنها -. أخرجه أبو داود (¬3) والترمذي (¬4). [ضعيف]. زاد رزين (¬5): وقرأ في أذنه سورةَ الإخلاص وحنَّكهُ بتمرةٍ وسماهُ. الرابع: 142/ 4 - وَعَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - قَالَ لِرَجُلٍ: مَا اسْمُكَ؟ فَقَالَ: جَمْرَةُ. قَالَ ابْنُ مَنْ؟ فَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ [126/ ب] قَالَ: مِمَّنْ؟ قَالَ: مِنَ الْحُرَقَةِ. قَالَ أَيْنَ ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (2147). (¬2) في "سننه" رقم (5106)، وهو حديث صحيح. (¬3) في "سننه" رقم (5105). (¬4) في "سننه" رقم (1514)، وهو حديث ضعيف. (¬5) كما في "جامع الأصول" (1/ 383).

مَسْكَنُكَ؟ قَالَ بِحَرَّةِ النَّارِ. قَالَ: بِأَيِّهَا؟ قَالَ: بِذَاتِ لَظًى. قَالَ عُمَرُ: أَدْرِكْ أَهْلَكَ فَقَدِ احْتَرَقُوا. قَالَ فَكَانَ كَمَا قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه -. أخرجه مالك (¬1). [إسناده ضعيف منقطع]. قوله: "أن عمر": أقول: هذا منقطع؛ لأنَّ يحيى لم يدرك عمر، ولم يصله ابن عبد البر، بل ساقه, ثم قال: قال أبو عمر - يريد نفسه -: لا أدري ما أقول في هذا، إلا أنه قد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "سيكون بعدي محدّثون فإن يكن فعمر منهم" (¬2). وقال علي - عليه السلام -: "ما كنا نبعد أنَّ السكينة تنطق على لسان عمر" (¬3) وقد وافق رأيه وظنه نزول تحريم الخمر (¬4). ¬

_ (¬1) في "الموطأ" (2/ 973) وهو منقطع. وصله أبو القاسم بن بشران في فوائده من طريق موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر. (¬2) أخرجه البخاري رقم (3469) و (3689) ومسلم رقم (23/ 2398) من حديث أبي هريرة. (¬3) أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (11/ 222) ومن طريقه القطيعي في زوائده على فضائل الصحابة (1/ 358) بسند حسن. (¬4) أخرج أحمد (1/ 36 - 37) والبخاري رقم (4483) و (4790) عن أنس قال: قال عمر: وافقت ربي في ثلاث - أو وافقني ربي في ثلاث - قلت: يا رسول الله! لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى؟ فأنزل الله: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} قلت: يا رسول الله! إنه يدخل عليك البر والفاجر، فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب، فأنزل الله آية الحجاب، وبلغني معاتبة النبي - صلى الله عليه وسلم - بعض نسائه، قال: فاستقريتُ أمهات المؤمنين، فدخلت عليهن فجعلت أستقريهن واحدة واحدة, والله لئن انتهيتن وإلا ليبدلن الله رسوله خيراً منكن، قال: فأتيتُ على بعض نسائه، قالت: يا عمرُ! أما في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يعظ نساء حتى تكون أنت تعظهن؟ فأنزل الله: {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ}، وهو حديث صحيح. • وعن أبي ميسرة قال: إن عمر كان حريصاً على تحريم الخمر، فكان يقول: اللهم! بين لنا في الخمر فإنها تذهب المال والعقل، فنزل قوله تعالى في سورة البقرة: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا =

وكذلك آية فداء الأسرى (¬1)، ومقام إبراهيم (¬2)، وغير ذلك. قال: وقد يوجد هذا فيمن دون عمر من أهل الذكاء وحسن الظن حتى لا يكاد يخطئ ظنه. انتهى [75 ب/ ج]. ¬

_ = إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمر فتلاها عليه. فقال عمر: اللهم! بين لنا في الخمر بياناً شافياً. فنزلت الآية التي في النساء: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء: 43] فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمر فتلاها عليه. فقال عمر: اللهم! بين لنا في الخمر بياناً شافياً، فنزلت الآية التي في سورة المائدة: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91)} [المائدة: 90 - 91] , فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمر فتلاها عليه، فلما بلغ: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91)} قال عمر: انتهينا يا رب! انتهينا. "الرياض النضرة" (1/ 205) وسنن النسائي (2/ 323). • وانظر موافقته في الحجاب في مسند أحمد (6/ 223) وبما تقدم. • وموافقته في ترك الصلاة على المنافقين في "صحيح مسلم". • وموافقته في الأذان في مسند أحمد (4/ 43). (¬1) انظر التعليقة المتقدمة. (¬2) انظر التعليقة المتقدمة.

كتاب: الآنية

كتاب: الآنية جمع: إناء، وهو معروف. قوله: "أول الحديث": في "الجامع" (¬1) عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: إنهم كانوا عند حذيفة بالمدائن (¬2) فاستسقى فسقاهُ مجوسي في إناء من فضةٍ فرمَاهُ به، وقال: إنَّي قد أَمرتُه ألا يسقني فيه إني سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا تلبَسوا ... " (¬3) الحديث. [صحيح]. 143/ 1 - وَعَن حُذَيْفَةُ - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "لاَ تَلْبَسُوا الْحَرِيرَ وَلاَ الدِّيبَاجَ، وَلاَ تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَلاَ تَأْكُلُوا فِي صِحَافِهما؛ فَإِنَّهَا لهُمْ فِي الدُّنْيَا ولَكُم فِي الآخِرة" أخرجه الخمسة (¬4) [صحيح]. قوله: "لا تلبسوا الحرير ولا الديباج": يأتي الكلام عليهما في باب اللباس، وإنها أتى به الراوي استيفاء للحديث، وإلا فالباب معقود بقوله: "ولا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافهما". ¬

_ (¬1) في "جامع الأصول" (1/ 385). (¬2) بلد عظيم على دجلة بينها وبين بغداد سبعة فراسخ، كان مسكن ملوك الفرس، وبها إيوان كسرى، وكان فتحها على يد سعد بن أبي وقاص في خلافة عمر سنة عشرة, وكان حذيفة عاملاً عليها في خلافة عمر، ثم عثمان إلى أن مات بعد قتل عثمان. حاشية "جامع الأصول" (1/ 385 رقم التعليقة 1). (¬3) ونص الحديث: "لا تلبسوا الحرير ولا الديباج، ولا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافها، فإنها لهم في الدنيا". أخرجه البخاري رقم (5632) ومسلم رقم (2067) وأبو داود رقم (3723) والترمذي رقم (1878) والنسائي رقم (5301) وابن ماجه رقم (3414) و (3590) وهو حديث صحيح. (¬4) انظر التعليقة المتقدمة.

الثاني

هذا نهي عن الشرب، والأكل فيما كان من الذهب، والفضة من إناء وصحيفة. والنهي أصله التحريم، ونقل ابن المنذر الإجماع (¬1) على تحريمهما فيهما؛ إلا عن بعض التابعين (¬2) وكأنه يبلغه النهي، والتحريم هو الذي دلَّ عليه الوعيد الآتي في حديث أم سلمة. وقوله: "فإنها لهم": أي: الكفار المدلول عليهم بالسياق. قوله: "في الدنيا ولكم في الآخرة": ليس المراد الإخبار بأنها مباحة للكفار في الدنيا، بل المراد أنهم الذين لا يحرمون ما حرم الله ورسوله. قال ابن عبد البر: أجمع العلماء على أنه لا يجوز لمسلم أن يأكل، أو يشرب في آنية الذهب، والفضة بعد علمه بالنهي. واختلف في اتخاذ أواني الذهب الفضة بعد إجماعهم على تحريم الأكل والشرب فيها، فقال الجمهور: لا يجوز اتخاذها، ومن اتخذها كان عاصياً. الثاني: 144/ 2 - وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "الَّذِي يَشْرَبُ فِي إِنَاءِ الْفِضَّةِ إِنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ". ¬

_ (¬1) انظر الإشراف على مذاهب العلماء لابن المنذر (8/ 198 - 199). (¬2) قال شعبة: سألت معاوية بن قرة عن الشرب في قدح من فضة، فقال: لا بأس به. قال أبو بكر: وهذا لا معنى له، وأحسن ما يوضع عليه قوله: أنه لم يبلغه نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عنه. "الإشراف" (8/ 198). وانظر "البحر الزخار" للإمام المهدي (4/ 352 - 353) فقد قال: ويحرم الشرب في آنية الذهب والفضة إجماعاً.

أخرجه الثلاثة (¬1). ولمسلم في أخرى (¬2): "مَنْ شَرِبَ فِي إناء مِنْ ذهبٍ أو فضةٍ". [صحيح]. قوله: "إنما يجرجر": بالجيمين مبني للمفعول، والفاعل والنار مرفوعة ومنصوبة كذا قيل إلا أنه نقل الحافظ ابن حجر (¬3) عن ابن أبي الفتح أنه ما رأى أحد رواه مبنياً للمفعول، قال: وإنما سمعناه من الفقهاء الذين ليست لهم عناية بالرواية. قال ابن الأثير (¬4): يجرجر أي: يُحدر في جوفه، فجعل الشرب جرجرة، وهو وقوع صوت الماء في الجوف. وقيل: هو تردده فيه، وقيل: هو صب الماء في الحلق. وفي الأحاديث تحريم الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة على كل مسلم مكلف من ذكرٍ وأنثى، ولا يلحق ذلك بالحلي للنساء؛ لأنه من التزين الذي أبيح لهنَّ. ولا يخفى أنَّ النص في الأكل والشرب فقط، وألحق الجمهور بهما الاستعمال مثل آلة الطيب، والتكحل وغيرهما، ولا دليل عليه، وأباح ذلك جماعة لعدم الدليل (¬5). ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد (6/ 301، 302، 304، 306) والبخاري رقم (5634) ومسلم رقم (2065). قلت: وأخرجه مالك (2/ 924 رقم 11) وابن ماجه رقم (3413) والدارمي (2/ 121) والطيالسي رقم (1601). (¬2) في "صحيحه" رقم (... / 2065). (¬3) في "فتح الباري" (10/ 97). (¬4) في "جامع الأصول" (1/ 387). (¬5) قال الإمام الشوكاني في "نيل الأوطار" (1/ 299) بتحقيقي: ولا شك أن أحاديث الباب تدل على تحريم الأكل والشرب، وأما سائر الاستعمالات، فلا والقياس على الأكل والشرب قياس مع الفارق، فإن علة النهي =

الثالث

وللعلماء تعاليل في إبانة وجه التحريم، ولا دليل عليها، فقيل: لعينها، أي: لكونهما ذهباً وفضة, وقيل: لكونه قيم الأشياء فاتخاذ الآلات منها يقضي إلى قلتهما بأيدي الناس، فيجحف بهم وينقص [ويجوز] (¬1) التحلي للنساء بهما، وقيل: السرف، وكسر قلوب الفقراء. وتعقب بجواز الأواني من الجواهر النفسية وعاليها أنفس، وأكثر قيمة من الذهب والفضة. الثالث: حديث جابر: 145/ 3 - وَعَنْ جَابِرٍ - رضي الله عنه - قَالَ: كُنَّا نَغْزُو مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فَنُصِيبُ مِنْ آنِيَةِ الْمُشْرِكِينَ، وَأَسْقِيَتِهِمْ فَنَسْتَمْتِعُ بِهَا فَلاَ يَعِيبُ ذَلِكَ عَلَيْنا. أخرجه أبو داود (¬2). [حسن]. ¬

_ = عن الأكل والشرب هي التشبه بأهل الجنة حيث يطاف عليهم بآنية من فضة وذلك مناط معتبر للشارع كما ثبت عنه لما رأى رجلاً متختماً بخاتم من ذهب فقال: "ما لي أرى عليك حلية أهل الجنة" أخرجه الثلاثة. من حديث بريدة أخرجه أحمد (5/ 359) وأبو داود رقم (4223) والترمذي رقم (1785) وقال: حديث غريب والنسائي رقم (5195) وهو حديث ضعيف، وكذلك في الحرير وغيره, وإلا لزم تحريم التحلي بالحلي، والافتراش للحرير؛ لأن ذلك استعمال، وقد جوزه البعض من القائلين بتحريم الاستعمال. وأما حكاية النووي للإجماع على تحريم الاستعمال فلا تتم مع مخالفة داود والشافعي، وبعض أصحابه, وقد اقتصر الإمام المهدي في "البحر" (4/ 352 - 353) على نسبة ذلك إلى أكثر الأمة. (¬1) بياض في المخطوط بمقدار كلمة ولعلها ما أثبتناه. (¬2) في "سننه" رقم (3838) من طريق برد بن سنان عن عطاء عنه. قال المحدث الألباني في الإرواء (1/ 76): وهذا إسناد صحيح. وقد تابعه سليمان بن موسى عن عطاء به نحوه, أخرجه أحمد في "المسند" (3/ 327، 343، 389). قلت: وسكت المنذري في "المختصر" (5/ 334) عنه, وكذلك الحافظ ابن حجر في "الفتح" (9/ 623)، وهو حديث حسن.

الرابع

قوله: "فلا يعيب": أي: رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك، أي: الاستمتاع بآنية الكفار، فدلّ على أن رطوبتهم ظاهرة، وهو الأصل إلا أن: الرابع: 146/ 4 - وعَن أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيَّ - رضي الله عنه - قَالَ: يا رَسُولَ الله! [127/ ب] إِنَّا بِأَرْضِ قَوْمٍ أَهْلِ كِتَابٍ أنَأْكُلُ فِي آنِيَتِهِمْ؟ قَالَ: "إِنْ وَجَدْتُمْ غَيْرَ آنِيَتِهِمْ فَلاَ تَأْكُلُوا فِيهَا، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَاغْسِلُوهَا وَكُلُوا فِيهَا". أخرجه أبو داود (¬1) والترمذي (¬2)، واللفظ له وصححه. [صحيح]. "وهو حديث أبي ثعلبة": دلّ على أنه لا يباح لهم الأكل فيها، إلا إذا لم يجدوا غيرها، وأنهم يغسلونها، وذلك ليس لنجاسة رطوبتهم، بل قد ورد في الرواية أنهم يشربون فيها الخمر، ويطبخون الخنزير فهو وجه الأمر لغسلهما وتجنبها حيث لا يجدون غيرها، فيغسلونها؛ ليذهب ما يظن من المحرم فيها، وهذا لا بد منه؛ لأنه قد ثبت أكله - صلى الله عليه وسلم - طعام أهل الكتاب (¬3) وأكل أصحابه في عهده، ومن بعده فلا يقوم دليلٌ على نجاسة رطوبتهم، ويدلّ له. ¬

_ (¬1) في "سننه" رقم (3839). (¬2) في "سننه" رقم (1560) وقال: هذا حديث حسن صحيح. (¬3) وأيضاً قد أذن الله بأكل طعامهم، وصرَّح بحله في سورة المائدة الآية (5): {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ}.

الخامس

الخامس: أثر عن ابن عمر: 147/ 5 - وَعَن ابن عُمَر - رضي الله عنه - قَالَ: تَوَضَّأَ عُمَرُ - رضي الله عنه - بِالْحَمِيمِ فِي جَرِّ نَصْرَانِيَّةٍ وَمِنْ بَيْتِهَا. أخرجه رزين (¬1). قلت: وترجم به البخاري (¬2)، والله أعلم. قوله: "أخرجه رزين": ¬

_ (¬1) عزاه إليه ابن الأثير في "جامع الأصول" (1/ 389). • قلت: أخرج أثر ابن عمر هذا الشافعي في "الأم" (1/ 58 رقم 215) ومن طريقه البيهقي (1/ 32) بإسناد صحيح. (¬2) في "صحيحه" رقم الباب (43) (1/ 298 - مع الفتح).

كتاب: الأجل والأمل

كتاب: الأجل والأمل 148/ 1 - وعَنْ ابْن مَسْعُود - رضي الله عنه - قَالَ: خَطَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - خَطًّا مُرَبَّعًا، وَخَطَّ خَطًّا فِي الْوَسَطِ وخَطَّ خَطّأً خَارِجًا مِنْهُ, وَخَطَّ خُطُوطًا صِغَارًا إِلَى هَذَا الَّذِي فِي الْوَسَطِ، مِنْ جَانِبِهِ الَّذِي فِي الْوَسَطِ وَقَالَ: "هَذَا الإِنْسَانُ، وَهَذَا أَجَلُهُ مُحِيطٌ بِهِ - أَوْ قَدْ أَحَاطَ بِهِ - وَهَذَا الَّذِي هُوَ خَارِجٌ أَمَلُهُ, وَهَذِهِ الْخُطُوط الصِّغَارُ الأَعْرَاضُ، فَإِنْ أَخْطَأَهُ [128/ ب] هَذَا نَهَشَهُ هَذَا، وَإِنْ أَخْطَأَهُ هَذَا نَهَشَهُ هَذَا" أخرجه البخاري (¬1) والترمذي (¬2). [صحيح]. إلا أنه أتى بالإنسان بلفظه، ولم يأت به خطاً كما في الحديث الخطوط الصغار متصلة بالأجل، وصورته في الجامع هكذا في الهامش منه [صورة] وفي شروح الحديث صور كثيرة، وهذه التي في الجامع أقرب إلا أنه جعل الأرض متصلة بالإنسان، والحديث دال أنها قريبة منه صيبه هذا تارة وهذا تارة، والمصنف في مثاله الذي صوره جعلها متصلة بالأجل. قوله: "أخرجه البخاري والترمذي": قلت: وقال: حسن صحيح. 149/ 2 - وَعَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: خَطَّ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - خَطاً، وَقَالَ: "هَذَا الإنسَانُ، وَخَطّ إِلَى جَانِبِه خَطاً، وقَالَ: هَذَا أَجَلُه, وخَط آخرَ بَعِيْداً مِنه وقَالَ: هَذَا الأَمَلُ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ جَاءَهُ الْخَطُّ الأَقْرَبُ" أخرجه البخاري (¬3) والترمذي (¬4). [صحيح]. ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (6417). (¬2) في "سننه" رقم (2454) وقال: هذا حديث صحيح. وأخرجه ابن ماجه رقم (4231) وهو حديث صحيح. (¬3) في "صحيحه" رقم (6418). (¬4) في "السنن" رقم (2334) وأخرجه ابن ماجه رقم (4232)، وهو حديث صحيح.

الثالث: عن ابن عمر

الثاني: عن أنس قال: خط رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. هذا الخط ليس فيه إلا الإنسان وأجله وأمله. وقوله: "بينما هو كذلك" أي: الإنسان، أي: بينما هو يؤمل، وورد في رواية بهذا اللفظ البخاري والترمذي. قلت: لفظ الترمذي (¬1): مختصر ساقه ابن الأثير (¬2) بلفظ: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هذا ابن آدم، [وهذا] (¬3) أجله" ووضع يده عند قفاه، ثم بسطها وقال: وثمة أمله، وثمة أجله". وقال: حسن صحيح، وهذه الأحاديث كلها مخبرة بأن أمل الإنسان أطول من أجله، وأنه ينبغي له أن يقصر أمله ليجتهد في العمل الصالح، ويسابق إلى الخيرات، ويبادر بها أجله. الثالث: عن ابن عمر (¬4): 150/ 3 - وعَن ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنه - قَالَ: أَخَذَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بِمَنْكِبِي وَقَالَ: "كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ، أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ". وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: إِذَا أَمْسَيْتَ فَلاَ تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلاَ تَنْتَظِرِ الْمَسَاءَ، وَخُذْ مِنْ صحَّتِكَ لمِرَضِكَ، وَمِنْ حَيَاتِكَ لمَوْتِكَ. أخرجه البخاري (¬5) والترمذي (¬6). وزاد بعد قوله: "أو عابر سبيل: وعُدّ نفسكَ من أهل القبور. [صحيح]. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (2334) وأخرجه ابن ماجه رقم (4232)، وهو حديث صحيح. (¬2) في "جامع الأصول" (1/ 391 - 392). (¬3) في المخطوط (ب) مكررة. (¬4) في المخطوط متأخرة, والصواب ثبتها هنا. (¬5) في "صحيحه" رقم (6416). (¬6) في "سننه" رقم (2333) وأخرجه ابن ماجه رقم (4114)، وهو حديث صحيح.

قوله: "بمنكبي": بفتح الميم وكسر الكاف، فجمع العضد والكتف، وضبط بالإفراد والتثنية. قوله: "أو عابر سبيل": قال الطيبي (¬1): ليست "أو" للشك بل للتخيير والإباحة، والأحسن أن تكون بمعنى: "بل" تشبيه للناسك السالك بالغريب الذي ليس له سكن يأويه، ولا مسكن يسكنه، ثم ترقى، وأضرب عنه إلى عابر سبيل [129/ ب] لأن الغريب قد سكن في بلد الغربة بخلاف عابر السبيل القاصد لبلد شاسع وبينهما أودية ومفاوز مهلكة وقطاع الطريق، فإن من شأنه لا يقيم لخطة ولا يسكن لمحة، ومن ثمة عقبه بقوله: "إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح ... " إلى آخره، وبقوله: "عدَّ نفسك من أهل القبور" فإن المراد استمر سايراً، ولا تفتر فإنك إن قصرت انقطعت وهلكت في تلك الأودية. قالوا: وفيه إشارة إلى إيثار الزهد في الدنيا، وأخذ البلغة منها والكفاف، فكما لا يحتاج المسافر إلى أكثر مما يبلغه إلى غاية سفره، فكذلك لا يحتاج المؤمن في الدنيا إلى أكثر مما يبلغه المحل. وقالوا: هذا أصل في الحث على الفرار من الدنيا والزهد فيها والاحتقار لها، والقناعة بالبلغة فيها. وقال النووي (¬2): معنى الحديث لا تركن إلى الدنيا ولا تتخذها وطناً، ولا تحدث نفسك بالبقاء فيها، ولا تتعلق منها إلا بما يتعلق الغريب في غير وطنه. وقال غيره: عابر السبيل: هو المار على الطريق طالباً وطنه فالمرء في الدنيا كعبد أرسله سيده في حاجة إلى غير بلده, فشأنه أن يبادر ويفعل ما أرسل له، وقد استشكل عطف عابر سبيل على غريب. ¬

_ (¬1) في شرح الطيبي على "مشكاة المصابيح" (3/ 341). (¬2) حكاه عنه الحافظ في "الفتح" (11/ 234).

وأجيب: بأنه من عطف الخاص على العام، وفيه نوع من الترقي لأن تعلقاته أقل من تعلقات الغريب المقيم. قوله: "وكان ابن عمر يقول ... ". أقول: هو استنباط منه من الحديث كما قال بعض العلماء: كلام ابن عمر منتزع من الحديث المرفوع، وهو يتضمن النهاية في قصر الأمل، وأن العاقل ينبغي له إذا أمسى لا ينتظر الصباح، وإذا أصبح لا ينتظر المساء يظن أن أجله يدركه قبل ذلك، وهذا الذي أتى به ابن عمر قد ثبت. أخرجه الحاكم مرفوعاً أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لرجل وهو يعظه: "اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك" (¬1). قوله: "وزاد": أي: الترمذي [130/ ب]. أقول: لفظه في الجامع (¬2) بعد سياق ما ساقه "المصنف": هذه رواية البخاري وأخرجه الترمذي [32/ أ] قال: أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ببعض جسدي, وقال: "كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل، وعدَّ نفسك من أهل القبور" قال مجاهد: قال لي ابن عمر: إذا أصبحت فلا تحدث نفسك بالمساء، وإذا أمسيت فلا تحدث نفسك بالصباح، وخذ من صحتك لسقمك، ومن حياتك قبل موتك، فإنك لا تدري يا عبد الله ما اسمك غداً. انتهى. أي: هل يقال: شقي أو سعيد، ولم يرد اسمه الخاص به فإنه لا يتعين. وقيل: المراد هل يقال: حي أو ميت. ¬

_ (¬1) أخرجه الحاكم في المستدرك (4/ 306) موصولاً من حديث ابن عباس رفعه بسند صحيح. وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. (¬2) في "جامع الأصول" (1/ 392).

[الرابع: "عن بريدة"]

وأما قوله: "من صحتك لسقمك" أي: فإن المرض قد يطرأ فيفوت العمل عليه فيصل المعاد بغير زاد بخلاف إذا اجتهد في صحته في الأعمال الصالحة، فإنه يكتب له ما عمله في صحته في أيام مرضه لحديث: "إذا مرض العبد أو سافر كتب الله له ما كان يعمل صحيحاً مقيماً". [الرابع: "عن بريدة"] (¬1): 151/ 4 - وعَن بُرَيْدَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "هَلْ تَدْرُونَ مَا هَذِهِ وَمَا هَذِهِ - وَرَمَى بِحَصَاتَيْنِ -؟ " قَالُوا: الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: "هَذَاكَ الأَمَلُ، وَهَذَا الأَجَلُ" أخرجه الترمذي (¬2). [ضعيف]. قوله: "ورمى بحصاتين": كأنه - صلى الله عليه وسلم - أبعد بحصاة، وهي الأمل، وقرب الأخرى، وهي الأجل. وهذه الأحاديث دالة على كثرة تحذيره - صلى الله عليه وسلم - للعباد من الآمال؛ لأن من طال أمله ساء عمله، وأنه كان لا يزال يضرب لهم الأمثال بالأقوال والأفعال حثاً لهم على المسارعة بصالح الأعمال، وقد أشار الله إلى هذا بقوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} إلى: {فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (10)} (¬3). قوله: "أخرجه الترمذي": قلت: وقال: حسن غريب. ¬

_ (¬1) في المخطوط متأخرة، والصواب ثبتها هنا. (¬2) في "سننه" رقم (2870) وقال: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه, وهو حديث ضعيف. (¬3) سورة المنافقون الآية (9 - 10).

[الخامس: عن أبي هريرة]

[الخامس: عن أبي هريرة] (¬1): 152/ 5 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَعْذَرَ الله تَعَالى إِلَى امْرِئٍ أَخَرَ أَجَلَهُ حَتَّى بَلغَ سِتِّينَ سَنَةً" أخرجه البخاري (¬2). [صحيح]. واللفظ له، والترمذي (¬3)، وعنده: "أَعْمَارُ أُمَّتِى مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إِلَى سَبْعِينَ سَنَةً, وَأَقَلُّهُمْ مَنْ يَجُوزُ ذَلِكَ" [حسن]. ولرزين (¬4) - رحمه الله - قال: مُعْتَركُ المنايا مَا بَيْنَ الستينَ إلى السبعينَ، ومن أنسأ الله تعالَى في أجلهِ إلى أربعين فقد أعذَر الله إليه. [حسن]. قوله: "أعذر الله": أقول: الإعذار إزالة العذر، والمعنى أنه لم يبق له اعتذار، كأن يقول: لو مُدَّ لي في الأجل لعملت ما أُمرت [131/ ب] به. فقال: أعذر الله إليه إذا بلغه أقصى الغاية في العذر ومكنه منه، وإذا لم يكن له عذر في ترك الطاعة مع تمكينه منها بالعمر الذي حصل له فلا ينبغي له حينئذٍ إلا الاستغفار والطاعة والإقبال على الآخرة بالكلية. ¬

_ (¬1) في المخطوط متأخرة، والصواب ثبتها هنا. (¬2) في "صحيحه" رقم (6419). (¬3) في "سننه" رقم (2331) وقال: هذا حديث حسن غريب. وأخرجه ابن ماجه رقم (4236)، وهو حديث حسن. (¬4) عزاه إليه ابن الأثير في "جامع الأصول" (1/ 394). • قلت: وأخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" رقم (10253) وأبو يعلى في "المسند" (11/ 422 - 423) والخطيب في "تاريخ بغداد" (5/ 476) من طرق كلهم عن محمد بن إسماعيل بن أبي فديك، به. وله طرق أخرى انظرها في تخريجي لـ "التنوير شرح الجامع الصغير" رقم الحديث (8187) بتحقيقي. وبها يكون الحديث حسن إن شاء الله.

ونسبة الإعذار إلى الله مجازية، والمعنى: أن الله لم يترك للعبد سبباً في الاعتذار يتمسك به، والحاصل أنه لا يعاقب إلا بعد حجة الله. قوله: "أخر أجله": أي: أطاله حتى بلغ ستين سنة. قال ابن بطال (¬1): إنما كانت الستون حد الإنهاء لهذا، لأنها قريبة من المعترك، وهي سن الإنابة والخشوع وترقب المنية، فهذا إعذار بعد إعذار لطفاً من الله بعباده حتى نَقَلهُم من حالة الجهل إلى حالة العلم، ثم أعذر إليهم فلم يعاقبهم إلا بعد الحجج الواضحة، وإن كانوا فطروا على حُبَّ الدنيا، وطول الأمل لكنهم أمروا بمعاهدة النفس في ذلك ليتمثلوا ما أمروا به من الطاعة، وينزجروا عما نهوا عنه من المعصية. وفي الحديث إشارة إلى أن انقضاء الستين مظنة لانقضاء الأجل. قوله: "والترمذي وعنده أعمار أمتي": أقول: لفظه في "الجامع" (¬2): وفي رواية الترمذي قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "عمر أمتي ما بين ستين سنة إلى سبعين" زاد في رواية: "وأقلُّهم من يجوز ذلك" انتهى. قلت: قال الترمذي: حسن. قال بعض الحكماء: الأسنان أربعة: سن الطفولة، ثم الشباب، ثم الكهولة، ثم الشيخوخة، وهي آخر الأسنان، وغالب ما تكون ما بين الستين والسبعين فحينئذ يظهر ضعف القوة بالنقص [132/ ب] والانحطاط، فينبغي له الإقبال على [الآخرة] (¬3) بالكلية لاستحالة أن يرجع إلى الحالة الأولى من النشاط والقوة. وقد استنبط منه بعض الشافعية أنه من استكمل الستين، ولم يحج أنه يكون مقصراً آثماً. ¬

_ (¬1) في شرحه لـ "صحيح البخاري" (10/ 152 - 153). (¬2) في "جامع الأصول" (1/ 394). (¬3) في المخطوط (أ): آخره.

قلت: بل يجب أمره بالحج وإلزامه، وبغير ذلك مما يجب عليه، وقد كتبنا في ذلك رسالة سميناها: "بذل الموجود في مقدار الأعمار وحكم امرأة المفقود" (¬1). قوله: "ولرزين معترك المنايا": قال ابن الأثير (¬2): ولرزين رواية لم أجدها في الأصول [33/ أ] قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "معترك المنايا ... " إلى آخره. أقول: أخرجه الحكيم الترمذي (¬3) - إلى قوله - "إلى السبعين" فقط من حديث أبي هريرة. انتهى الكلام بنا في حرف الهمزة، والحمد لله في يوم الخميس (27/ شهر رجب/ سنة 1174). ¬

_ (¬1) وهي ضمن كتاب: "عون القدير من فتاوى ورسائل ابن الأمير" جمع وتحقيق وتخريج محمد صبحي بن حسن حلاق ط: دار ابن كثير - دمشق رقم الرسالة: (111) في المجلد رقم (6). (¬2) في "جامع الأصول" (1/ 394). (¬3) في "نوادر الأصول" (1/ 273).

حرف الباء

حرف الباء وفيه أربعة كتب: البر، البيع، البخل، البنيان [الكتاب الأول (¬1)]: كتاب البر وفيه خمسة أبواب الباب الأول: (في بر الوالدين) (حرف الباء الموحدة) ذكر فيه أربعة كتب الأول: البِرُّ - بكسر الموحدة فراء - في التعريفات للمناوي (¬2): أن البر بالكسر التوسع في فعل الخير. قال: وبر [الوالدين] (¬3) التوسع في الإحسان إليه، وتحري محابه, وتوقي مكارهه, والرفق به، وضده العقوق. ذكر فيه ثمانية عشر حديثاً: الأول: حديث أبي هريرة: 153/ 1 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: "جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله! مَنْ أَحَقُّ بِحُسْنِ صَحَابَتِيَّ؟ قَالَ: أُمُّكَ، قَالَ ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ أُمُّكَ، قَالَ ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ أُمُّكَ, قَالَ ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ؟ أَبُوكَ" أخرجه الشيخان (¬4). وفي أخرى: قَالَ أُمُّكَ ثُمَّ أُمُّكَ ثُمَّ أَبَاكَ، ثُمَّ أَدْنَاكَ أَدْنَاكَ، هذا لفظهما. ¬

_ (¬1) زيادة من جامع الأصول (1/ 397). (¬2) في التعريفات للمناوي (ص 222). (¬3) في المخطوط (ب): الوالد. (¬4) البخاري رقم (5971)، ومسلم رقم (2548).

وزاد مسلم (¬1): فقال نعم، وأبيكَ لتنبأنّ. [صحيح]. قوله: "رجل" قال الحافظ (¬2): يحتمل أنه معاوية بن حَيْدة، بفتح المهملة وسكون التحتية، فقد أخرج [133/ ب] البخاري في الأدب المفرد (¬3) من حديثه قال: قلت: يا رسول الله! من أبر؟ قوله: "من [أحق الناس] (¬4) بحسن صحابتي". الصحبة والصحابة مصدران بمعنى وهو المصاحبة أيضاً. قوله: "أمك". هكذا وقع ذكر الأم ثلاثاً، وذكر الأب في الرابعة. قال ابن بطال (¬5): مقتضاه أن يكون للأم ثلاثة أمثال ما للأب من البر. قال: وكان ذلك لصعوبة الحمل، ثم الوضع، ثم الرضاع، فهذه تنفرد بها الأم وتشقى بها، ثم يشارك الأب في التربية، وقد وقعت الإشارة إلى ذلك في قوله تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} (¬6) فسوى بينهما في الوصاة، وخص الأم بالأمور الثلاثة. قوله: "ثم أبوك". كذا وقع بالرفع في لفظ البخاري (¬7)، ووقع عند مسلم وعند البخاري في الأدب المفرد (¬8) بالنصب، والرفع ظاهر، والنصب بتقدير صل. ¬

_ (¬1) في صحيحه رقم (3/ 2548). (¬2) في "الفتح" (10/ 401). (¬3) في "الأدب المفرد" رقم (5). (¬4) سقط من المخطوط (أ، ب) وهي من الحديث. (¬5) في شرحه لصحيح البخاري (9/ 189). (¬6) سورة لقمان الآية (14). (¬7) في صحيحه رقم (5971). (¬8) في "الأدب المفرد" رقم (5).

قوله: "وفي أخرى". أي: للشيخين (¬1) عن أبي هريرة ذكر الأم مرتين. قوله: "هذا لفظهما". رأيته في صحيح مسلم (¬2) ولم أجده في البخاري فينظر. وفي فتح الباري (¬3) أن الرواية مرتين، إنما هي عند مسلم فقط، فإنه قال: وسئل الليث فقال: أطع أمك فإن لها ثلثا البر، وهذا يشير إلى الآخر من أنه لم يذكر فيه الأم إلا مرتين، وقد وقع كذلك عند مسلم في حديث الباب. انتهى. وله كانت هذه الرواية عند البخاري فذكرها الحافظ ولم يعدل إلى مسلم. قوله: "نعم وأبيك لَتُنَبَّأَنَّ". أقول: نعم، جواب قول السائل: يا رسول الله! نبئني بأحق الناس مني صحبةً. أخرجه ابن ماجه (¬4)، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "نعم". قوله [134/ ب]: "وأبيك". خرج مجرى ما يجري على الألسنة من غير إرادة قسم. قال ابن حجر (¬5): ووجدته في نسخة قال: (نعم والله) بدل (وأبيك) فلعلها تصحفت. وقوله: "لَتُنَبَّأَنَّ" بفتح اللام قوله: وأبيك. وهو بضم المثناة الفوقية فموحدة فنون فهمزة من التنبئة، وهي الإعلام. ¬

_ (¬1) بل في "صحيح مسلم" رقم (1/ 2548). (¬2) رقم (2548). (¬3) في "الفتح" (10/ 402). (¬4) في "سننه" رقم (3658). (¬5) في "الفتح" (10/ 401).

الثاني

الثاني: 154/ 2 - وَعَنْ كُلَيْبُ بْنُ مَنْفَعَةَ عَنْ جَدِّهِ كُلَيْبٍ الْحَنَفِيِّ - رضي الله عنه - أَنَّهُ أَتَى رَسُوْلُ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله! مَنْ أَبَرُّ؟ قَالَ: "أُمَّكَ وَأَبَاكَ وَأُخْتَكَ وَأَخَاكَ, وَمَوْلاَكَ الَّذِي يَلي ذَاكَ حَقٌّ وَاجِبَاً وَرَحِمَاً مَوْصُولَةٌ". أخرجه أبو داود (¬1). [ضعيف]. "عن كليب بن منفعة عن جده كليباً الحنفي". منفعة ضد مضرة، ولجده كليب الحنفي صحبه. قوله: "من أبر" ليس سؤاله عن الأحب كأول بل عن مطلق من يبره فأجابه - صلى الله عليه وسلم - يبر من ذكره من الخمسة، وقدم - صلى الله عليه وسلم - الأهم فالأهم. وقوله: "ومولاك الذي يلي". المولى المراد به هنا: المملوك، وكونه يلي، أي: ولاه، وفي رواية ابن ماجه والحاكم (وموالاه) الذي يليه, وإن كان عليه فيه إذا يؤذيه. قوله: "ذلك". أي: ذلك المعلوم. وقوله: "حقاً". نصب على المصدر. أي: يحق عليك بر هؤلاء حقاً. وقوله: "رحماً" موصولة، ونصب رحماً على الحال جواب من قوله: "من أبر". أي: بر أمك ... إلى آخره، حال كون المبرور به رحماً موصولة، وجعل المولى من الرحم تغليباً. [قال] (¬2) ابن الأثير (¬3): صلة الرحم: ضدُّ قطعها، وهي كناية عن الإحسان إلى الأقربين والأدنين، والتعطف عليهم، والرفق بهم، والرعاية لأحوالهم، وقطعها ضد ذلك. وقوله: "أدناك أدناك". أي: الأقرب إليك. ¬

_ (¬1) في سننه رقم (5140) وهو حديث ضعيف. (¬2) زيادة يقتضيها السياق. (¬3) في "جامع الأصول" (1/ 398).

الثالث

الثالث: 155/ 3 - وَعَنْ بَهْزُ بْنُ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيْهِ عَنْ جَدِّهِ مَعَاوِيَة بْنِ حَيْدةَ الْقُشَيْرِي - رضي الله عنه - قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ الله مَنْ أَبَرُّ؟ قَالَ: "أُمَّكَ". قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: "أُمَّكَ" قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: "أُمَّكَ". قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: "أَبَاكَ, ثُمَّ الأَقْرَبَ فَالأَقْرَبَ". أخرجه أبو داود (¬1) والترمذي (¬2). [صحيح]. وزاد أبو داود (¬3) في رواية: "أَلا لاَ يَسْأَلُ رَجُلٌ مَوْلاَهُ مِنْ فَضْلٍ هُوَ عِنْدَهُ فَيَمْنَعُهُ إِيَّاهُ إِلاَّ دُعِىَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَضْلُهُ الَّذِي مَنَعَهُ شُجَاعًا أَقْرَعَ". [حسن]. قَالَ أَبُو دَاوُدَ (¬4) "الأَقْرَعُ" الَّذِي قَدْ ذَهَبَ شَعْرُ رَأْسِهِ مِنَ السُّمِّ. "وعن بَهْز". بفتح الموحدة وسكون الهاء فزاي. "بن حكيم عن أبيه". حكيم [135/ ب] "عن جده معاوية بن حَيْدة". بفتح الحاء المهملة وسكون المثناة التحتية فدال مهملة، وللعلماء خلاف في بهز لم يخرج له الشيخان، وروى عنه جماعة (¬5). قوله: "من أبر" يقال: بر، يبر، فهو بار، وجمعه: بررة، وبر مثله، وجمعه أبرار. قوله: "أخرجه أبو داود والترمذي". قلت: وقال: حسن، إلاَّ أن رواية أبي داود أنه - صلى الله عليه وسلم - قال له: "أمك، ثم أمك, ثم أمك" ثلاثاً من دون تكرير سؤال السائل. ¬

_ (¬1) في سننه رقم (5139). (¬2) في سننه رقم (1897)، وهو حديث صحيح. (¬3) أخرجه أبو داود في سننه بإثر الحديث رقم (5139). وأخرجه النسائي رقم (2566)، وهو حديث حسن. (¬4) حكاه أبو داود في السنن بإثر الحديث (5139). (¬5) انظر ترجمته في "تهذيب التهذيب" (1/ 251 - 252).

الرابع

وقوله: "رجلٌ مولاه". كأنه يريد به مملوكه أو عتيقه [34/ أ]، وهو يوافق ما تقدم من قوله: "ومولاك الذي يلي". الرابع: 156/ 4 - وَعَنْ ابْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاص - رضي الله عنهما -، أَنَّ رَجُلاً قَالَ: يَا رَسُولَ الله! إِنَّ لِي مَالاً وَوَلَدًا، وَإِنَّ وَالِدِي يَجْتَاحُ مَالي. فقَالَ: "أنتَ وَمَالُكَ لَأَبِيْك, إِنَّ أَوْلاَدَكُمْ مِنْ أَطْيَبِ كَسْبِكُمْ فَكُلُوا مِنْ كَسْبِ أَوْلاَدِكُمْ". أخرجه أبو داود (¬1). [صحيح لغيره]. قوله: "وإن أبي يجتاح مالي". [قال] (¬2) ابن الأثير (¬3): الاجتياح: الاستئصال، ومنه سميت الجائحة، وهي الآفة التي تصيب الزروع وغيرها، فتُعفِّي أثرها. فقال: "أنت ومالك لأبيك". فيه إخباره بأنه أي منافعه لما علم من أن الحر لا يملك. "ومالك". أي: ما كسبته وصار لك ملكاً لأبيك. أي: ملك له، فكيف تقول: يجتاح مالي، وأي مال لك تختص به، بل هو مالك صورة لاستيلائك عليه وكسبك له، وهو لأبيك ملك. ¬

_ (¬1) في سننه رقم (3530). قلت: وأخرجه أحمد في المسند (2/ 179)، وابن الجارود في "المنتقى" رقم (995)، والبيهقي في السنن الكبرى (7/ 480)، وابن ماجه رقم (2292) بسند حسن. وله شواهد من حديث عائشة, وجابر، وابن مسعود, وسمرة, وعبد الله بن عمر. انظر تخريجها في تحقيقي لـ "نيل الأوطار" (12/ 646). (¬2) زيادة يقتضيها السياق. (¬3) في "جامع الأصول" (1/ 399 - 400).

واعلم أن الحديث أخرجه البزار (¬1) أيضاً من حديث جابر بن عبد الله مثل لفظ أبي داود (¬2). وقال الخطابي: معنى يجتاحه: يستأصله أخذاً ثم إنفاقاً. قال الترمذي في جامعه (¬3) على قوله: "وإن أولادكلم من كسبكم"، والعمل على هذا عند بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيرهم قالوا: إن يد الولد مبسوطة في مال ولده [136/ ب] يأخذ ما شاء. انتهى. قلت: وإلى العمل بالحديث ذهب جابر بن عبد الله أحد رواته فصح عن أبي الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله [يقول] (¬4): يأخذ الأب والأم من مال ولدهما بغير إذنه. أخرجه ابن حزم (¬5) وقال (¬6): إنه صح مثله عن عائشة من قولها، وعن أنس بن مالك (7)؛ وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال: "أولادكم هبة الله لكم، وأموالهم لكم" (7). وأخرج ابن حزم أيضاً، عن عمر ابن الخطاب أنه أتاه أب وابن والابن يطلب أباه بألف درهم أقرضه إياها والأب يقول: إنه لا يقدر عليها، فأخذ عمر بيد الابن فوضعها في يد الوالد وقال: هذا وماله من هبة الله لك (¬7). ¬

_ (¬1) لم أقف عليه في "كشف الأستار عن زوائد البزار" للهيثمي، ولم يعزه الهيثمي في "مجمع الزوائد" (4/ 154 - 156) للبزار، بل عزاه الهيثمي للطبراني في الأوسط، وقال: رجاله رجال الصحيح. (¬2) في "معالم السنن" (3/ 801 - مع السنن). (¬3) بإثر الحديث رقم (1358). (¬4) زيادة من "المحلى" (8/ 104). (¬5) في المحلى (8/ 103 - 104). (¬6) أي: ابن حزم في "المحلى" (8/ 104). (¬7) أخرجه ابن حزم في "المحلى" (8/ 104).

وأخرج أيضاً عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أنه قضى بمال الولد للوالد (¬1). وأخرج (¬2) عن جماعة من الصحابة والتابعين مثل هذا، وصح أنه مذهب علي، وعمر (¬3)، وابن مسعود (¬4)، وعائشة (¬5)، وجابر بن عبد الله (¬6)، وأنس بن مالك (7)، وابن عباس (¬7) من الصحابة، ومن التابعين: مذهب مسروق (¬8)، والحكم، ومجاهد (¬9). ¬

_ (¬1) ذكره ابن حزم في "المحلى" (8/ 104). (¬2) ابن حزم عن جماعة من الصحابة والتابعين (8/ 104 - 106). (¬3) أخرجه ابن حزم في "المحلى" (8/ 104). (¬4) أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" رقم (10019)، وفي الأوسط رقم (57)، وفي الصغير رقم (2)، و (947)، مع الروض الداني في قصة طويلة. وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (4/ 154)، وقال: رواه الطبراني في الثلاثة، وفيه إبراهيم بن عبد الحميد بن ذي حماية، ولم أجد من ترجمه، وبقية رجاله ثقات. قلت: إبراهيم هذا ترجم له البخاري في "التاريخ الكبير" (1/ 304 - 305)، وسكت عنه وابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (2/ 113) حيث قال: عن أبيه: ما به بأس. وذكره ابن حبان في "الثقات" (6/ 13) وقال: من فقهاء أهل الشام. وقال الطبراني: لا يروي عن ابن مسعود إلا بهذا الإسناد تفرد به ابن ذي حماية، وكان من ثقات المسلمين. (¬5) أخرجه أحمد في المسند (6/ 31، 42)، وابن حبان في صحيحه رقم (410) و (4262) بسند ضعيف، لكن الحديث صحيح لغيره. (¬6) أخرجه ابن ماجه رقم (2291)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (4/ 158)، وفي شرح مشكل الآثار رقم (1598)، والبيهقي في دلائل النبوة (6/ 304 - 305) في قصة طويلة. وهو حديث صحيح. (¬7) أخرجه ابن حزم في "المحلى" (8/ 104). (¬8) أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (7/ 161 رقم 2749). (¬9) أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (7/ 292 رقم 3207).

والشعبي (¬1)، وعطاء (¬2)، وسعيد بن المسيب (¬3)، والحسن (4)، وقتادة (¬4). فهؤلاء سبعة من الصحابة، وثمانية من التابعين، قائلون بمعنى الحديث، وأن مال الولد لأبيه، يتصرف فيه كيف شاء، كما يتصرف فيما يملكه، وكلما جاز له في مال نفسه من الإنفاق وغيره جاز له في مال ولده. وإذا عرفت هذا فلا تغتر بقول الخطابي في معالم السنن (¬5) على حديث أبي داود المذكور هنا في التيسير إنه لا يعلم أن أحداً يقول: إن معنى الحديث إباحة مال الولد لأبيه، وأنه يأتي عليه إسرافاً وتبذيراً، بل معناه: إذا احتاج إلى مالك أخذ منه قدر الحاجة. انتهى. فقوله: لا يعلم قائلاً بذلك. مصدق أنه لا يعلمه، وعلمه غيره. وأما [137/ ب] قوله: إسرافاً وتبذيراً، فكلام في غير محله، فإنه يحرم على الإنسان ذلك في مال نفسه المجمع عليه. وأما قوله: يأخذ قدر حاجته. فهذا صرف للفظ يجتاح عن معناه الذي فسره هو به. فالحق أن مال الولد يملكه أبوه ويتصرف فيه كيف شاء، وقد بسطنا المسألة في رسالةٍ مستقلة (¬6) بحمد الله. ¬

_ (¬1) أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (7/ 160 رقم 2746). (¬2) أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (7/ 160 رقم 2748). (¬3) أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (7/ 159 رقم 2743). (¬4) أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (9/ 129 رقم 16625). (¬5) في "معالم السنن" (3/ 801 - مع السنن). (¬6) عنوانها: "الكلام على حديث: "أنت ومالك لأبيك" رقمها (58) من كتاب: "عون القدير من فتاوى ورسائل ابن الأمير" بتحقيقي وجمعي.

الخامس

وقوله: "من كسب أولادكم". جعل - صلى الله عليه وسلم - الأولاد من كسب الإنسان، وأمر بالأكل من كسبهم؛ لأنه كسبه بالواسطة، وخص الأكل فإنه أعم الاستهلاكات، وإلا فالمراد كل انتفاع، وهو عام للآباء الأغنياء وغيرهم، وأصل الأمر الإيجاب. الخامس: 157/ 5 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "رَغِمَ أَنْفُهُ ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُهُ ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُهُ"، قِيلَ: مَنْ يَا رَسُولَ الله؟ قَالَ: "مَنْ أَدْرَكَ وَالِدَيْهِ عِنْدَ الْكِبَرِ أَوْ أَحَدَهُمَا ثُمَّ لَمْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ". أخرجه مسلم (¬1) والترمذي (¬2)، واللفظ لمسلم. [صحيح]. قوله: "رغم أنفه". كرره ثلاثاً، وهو بفتح الراء وفتح الغين المعجمة. الرغام التراب، ورغم أنفه أي: لصق بالتراب. (¬3) انتهى. وهو كناية عن الإذلال والإهانة. قوله: "عند الكبر". لأنه أحق الأحوال ببرهما، ولذا قال تعالى: {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23)} (¬4). وأخرج الديلمي (¬5) عن الحسين بن علي مرفوعاً: "لو علم الله شيئاً من العقوق أدنى من أُفّ لحرمه". ¬

_ (¬1) في صحيحه رقم (2551). (¬2) في سننه رقم (3545) وقال: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه وهو حديث صحيح. (¬3) كما في "جامع الأصول" (1/ 400). (¬4) سورة الإسراء الآية (23). (¬5) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (5/ 258).

وأخرج ابن مردويه (¬1) عن عائشة قالت: "أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلٌ ومعه شيخ قال: "من هذا معك؟ " قال: أبي. قال: "لا تمشين أمامه، ولا تقعدن قبله، ولا تدعه باسمه" الحديث. قوله: "ثم لم يدخل الجنة". يريد أنه قد وجد سبب دخولها ببره أبويه [138/ ب] أو أحدهما، فإنه فاته دخولها فرغم أنفه. فقد أخرج ابن أبي شيبة (¬2) والحاكم (¬3) وصححه عن أبي الدرداء قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "الوالد أوسط أبواب الجنة، فاحفظ ذلك الباب أو ضيعه". وأخرج البيهقي (¬4) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إني أراني في الجنة بينما أنا فيها سمعت صوت رجل بالقرآن فقلت: من هذا؟ قالوا: حارثة بن النعمان، كذلك البر كذلك البر". [35/ أ]. ¬

_ (¬1) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (5/ 259). (¬2) في المسند رقم (27)، وفي المصنف (8/ 352 رقم 5452) بسند ضعيف. عطاء بن السائب: ثقة, إلا أنه اختلط، ورواية محمد بن فضيل عنه بعد اختلاطه، لكنه توبع. فقد أخرج الترمذي رقم (1900)، وأحمد (6/ 451)، والحميدي رقم (395) ثلاثتهم من طريق سفيان بن عيينة، عن عطاء بن السائب به، فذكره. وأخرجه ابن ماجه رقم (1900)، وأحمد (6/ 451)، والطيالسي رقم (980)، وأخرجه ابن ماجه رقم (2089)، وأحمد (5/ 196)، والطيالسي رقم (980)، ثلاثتهم من طريق محمد بن جعفر، عن شعبة، عن عطاء به. فذكر بنحوه. والخلاصة أن الحديث حسن لغيره. والله أعلم. (¬3) في المستدرك (4/ 15)، وقال الحاكم: صحيح الإسناد. (¬4) في "شعب الإيمان" رقم (7850) بسند حسن.

158/ 6 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَنْ يَجْزِي وَلَدٌ وَالِدَهُ إِلاَّ أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ". أخرجه مسلم (¬1) وأبو داود (¬2) والترمذي (¬3). [صحيح]. 159/ 7 - وَعَنْ ابْنِ عَمْرٍو بْنَ الْعَاص - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "رِضَا الرَّبِّ فِي رِضَا الْوَالِدِ، وَسَخَطُ الرَّبِّ فِي سَخَطِ الْوَالِدِ". أخرجه الترمذي (¬4) مرفوعاً وموقوفاً، وصحح وقفه. [صحيح]. 160/ 8 - وعنه - رضي الله عنه - قال: اسْتَأْذَن رَجُلٌ رَسُوْلُ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي الْجِهَادِ فَقَالَ: "أَحَيٌّ وَالِدَاكَ؟ " قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: "فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ". أخرجه الخمسة (¬5). [صحيح]. وفي أخرى لمسلم (¬6) - رحمه الله -: "أُبَايِعُكَ عَلَى الْهِجْرَةِ وَالْجِهَادِ أَبْتَغِى الأَجْرَ مِنَ الله تعالى. قَالَ: فَهَلْ مِنْ وَالِدَيْكَ أَحَدٌ حَيٌّ؟ قَالَ نَعَمْ، بَلْ كِلاَهُمَا حَيٌّ. فَقَالَ: فَتَبْتَغِى الأَجْرَ مِنَ الله تَعَالَى؟ قَالَ نَعَمْ. قَالَ فَارْجِعْ إِلَى وَالِدَيْكَ فَأَحْسِنْ صُحْبَتَهُمَا". [صحيح]. وفي أخرى لأبي داود (¬7) والنسائي (¬8) [138/ ب]: "وَترَكْتُ أَبَوَىَّ يَبْكِيَانِ. قَالَ: فَارْجِعْ إِلَيْهِمَا فَأَضْحِكْهُمَا كَمَا أَبْكَيْتَهُمَا". [حسن]. ¬

_ (¬1) في صحيحه رقم (1510). (¬2) في سننه رقم (5137). (¬3) في سننه رقم (1906)، وأخرجه ابن ماجه رقم (3659). وهو حديث صحيح. (¬4) في سننه رقم (1899)، وهو حديث صحيح. (¬5) البخاري رقم (3004) ومسلم رقم (2549)، وأبو داود رقم (2529)، والترمذي رقم (1671)، والنسائي رقم (3103). (¬6) في صحيحه رقم (2549). (¬7) في سننه رقم (2528) وهو حديث حسن. (¬8) في سننه رقم (4163).

ولأبي داود (¬1) في أخرى عن أبي سعيد - رضي الله عنه -: "أَنَّ رَجُلاً مِنَ أَهْلِ الْيَمَنِ هَاجَرَ إِلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ لَهُ: هَلْ لَكَ أَحَدٌ بِالْيَمَنِ؟ فَقَالَ أَبوَايَ. قَالَ: أَذِنَا لَكَ؟ قَالَ: لاَ. قَالَ: فَارْجعْ إِلَيْهِمَا فَاسْتَأْذِنْهُمَا، فَإِنْ أَذِنَا لَكَ فَجَاهِدْ وَإِلاَّ فَبرَّهُمَا". [حسن لغيره]. 161/ 9 - وعن معاوية بن جاهمة, أَنَّ جَاهِمَةَ - رضي الله عنه - أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله! أَرَدْتُ أَنْ أَغْزُوَ، وَقَدْ جِئْتُ أَسْتَشِيرُكَ. فَقَالَ: "هَلْ لَكَ مِنْ أُمٍّ؟ " قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: "فَالْزَمْهَا، فَإِنَّ الْجَنَّةَ عِنْدَ رِجْلَهَا". أخرجه النسائي (¬2). [صحيح]. 162/ 10 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: "كَانَتْ تَحْتِي امْرَأَةٌ أُحِبُّهَا، وَكَانَ عُمَر - رضي الله عنه - يَكْرَهُهَا. فَقَال لِي طَلِّقَهَا؟ فَأَبَيْتُ، فَأَتَى عُمَر - رضي الله عنه - إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرْ ذَلِكَ لَهُ. فَقَالَ لِي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طلقها". أخرجه أبو داود (¬3) والترمذي (¬4) وصححه. [حسن]. 163/ 11 - وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعُتُ رَسُوْلُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُوْل: "الْوَالِدُ أَوْسَطُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ، فَإِنْ شِئْتَ فَأَضِعْ ذَلِكَ الْبَابَ أَوِ احْفَظْهُ". أخرجه الترمذي (¬5) وصححه. [حسن]. ¬

_ (¬1) في سننه رقم (2530)، وهو حديث حسن لغيره. (¬2) في سننه رقم (3104). قلت: وأخرجه ابن ماجه رقم (2781)، والحاكم (2/ 104)، و (4/ 151)، وصححه الحاكم في الموضعين ووافقه الذهبي، والبيهقي في السنن الكبرى (9/ 26)، وفي "شعب الإيمان" رقم (7833) و (7834). وهو حديث صحيح. (¬3) في سننه رقم (1538). (¬4) في سننه رقم (1189)، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وهو حديث حسن. (¬5) في سننه رقم (1900) وقال: هذا حديث صحيح. قلت: وأخرجه ابن ماجه رقم (2089) و (3663)، وهو حديث حسن.

164/ 12 - وعن بريدة - رضي الله عنه -: أَنَّ امْرَأَةٌ قَالَتْ: يا رسول الله! إِنِّي تَصَدَّقْتُ عَلَى أُمِّي بِجَارِيَةٍ وَإِنَّهَا مَاتَتْ. قَالَ: "وَجَبَ أَجْرُكِ وَرَدَّهَا عَلَيْكِ الْمِيرَاثُ"، وَقَالَتْ: إِنَّهُ كَانَ عَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ: أَفَأَصُومُ عَنْهَا؟ قَالَ: "صُومِي عَنْهَا". قَالَتْ: إِنَّهَا لَمْ تَحُجَّ أفأَحُجُّ عَنْهَا؟ قَالَ: "حُجِّي عَنْهَا". أخرجه مسلم (¬1)، وأبو داود (¬2)، والترمذي (¬3). [صحيح]. 165/ 13 - وعن أسماء بنت أبي بكر - رضي الله عنها - قالت: قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وَهْيَ مُشْرِكَةٌ فَاسْتَفْتَيْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْتُ: قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وَهْيَ رَاغِبَةٌ؛ أَفَأَصِلُ أُمِّي؟ قَالَ: "نَعَمْ صِلِي أُمَّكِ". أخرجه الشيخان (¬4) وأبو داود (¬5). [صحيح]. 166/ 14 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قال: أَتَى رَجُلٌ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: إِنِّي أَصَبْتُ ذَنْبًا عَظِيمًا فَهَلْ لِي مِنْ تَوْبَةٍ؟ قَالَ: "هَلْ لَكَ مِنْ أُمٍّ؟ " قَالَ: لاَ. قَالَ: "فَهَلْ لَكَ مِنْ خَالَةٍ؟ " قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: "فَبِرَّهَا". أخرجه الترمذي (¬6) وصححه. [صحيح]. وزاد (¬7) في أخرى عن البراء بن عازب: الخالة بمنزلة الأم. ¬

_ (¬1) في صحيحه رقم (1149). (¬2) في سننه رقم (2877) و (1656) و (3309). (¬3) في سننه رقم (667) وقال: هذا حديث حسن صحيح، وابن ماجه رقم (1759) و (2394)، وهو حديث صحيح. (¬4) البخاري رقم (2620)، ومسلم رقم (1003). (¬5) في سننه رقم (1668)، وهو حديث صحيح. (¬6) في سننه رقم (1904/ 1) وهو حديث صحيح. (¬7) أي الترمذي في سننه رقم (1904) وقال: هذا حديث صحيح، قلت: وأخرجه البخاري رقم (4251) مع القصة.

167/ 15 - وَعَنْ أَبِي أُسَيْدٍ مَالِكِ بْنِ رَبِيعَةَ السَّاعِدِىِّ، أَنَّ رَجُلَاً قال: يا رسول الله! هَلْ بَقِيَ مِنْ بِرِّ أَبوَيَّ شَيْءٌ أَبَرُّهُمَا بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِمَا؟ فَقَالَ: "نَعَمِ، الصَّلاَةُ عَلَيْهِما، وَالِاسْتِغْفَارُ لَهُمَا، وَإِنْفَاذُ عَهْدِهِمَا مِنْ بَعْدِهِمَا، وَصِلَةُ الرَّحِمِ الَّتِي لاَ تُوصَلُ إِلاَّ بِهِمَا، وَإِكْرَامُ صَدِيقِهِما". أخرجه أبو داود (¬1). [ضعيف]. 168/ 16 - وَعَنْ ابْنُ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إِنَّ مَنْ أَبَرُّ البِرِّ أَنْ يَصِلَ الرَّجُلُ أَهْلَ وُدَّ أَبِيهِ بَعْدَ أَنْ يِوَلَّى". أخرجه مسلم (¬2)، وأبو داود (¬3)، والترمذي (¬4). [صحيح]. 169/ 17 - وعن عمر بن السائب "أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كَانَ جَالِسًا فَأَقْبَلَ أَبُوهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ فَوَضَعَ لَهُ بَعْضَ ثَوْبِهِ فَقَعَدَ عَلَيْهِ, ثُمَّ أَقْبَلَتْ أُمُّهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ فَوَضَعَ لهَا شِقَّ ثَوْبِهِ مِنْ جَانِبِهِ الآخَرِ فَجَلَسَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَقْبَلَ إِلَيْهِ أَخُوهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ فَقَامَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فَأَجْلَسَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ". أخرجه أبو داود (¬5). [ضعيف]. 170/ 18 - وَعَنْ زَيْدُ بْنِ أَرْقَم - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ حَجَّ عَنْ أَحَدِ أَبَوَيْهِ أَجْزَأَ ذَلِكَ عَنْهُ، وَبُشِّرَ رُوحُهُ بِذَلِكَ فِي السَّمَاءِ، وَكُتِبَ عِنْدَ الله بَارَّاً وَلَوْ كَانَ عَاقاً". وفي أخرى: كُتبَ لأبِيْهِ بحَجٍّ، وَلَهُ بِسَبعٍ. أخرجهُ رزين (¬6). ¬

_ (¬1) في سننه رقم (5142)، وأخرجه ابن ماجه رقم (3664)، إسناده ضعيف، وهو حديث ضعيف. (¬2) في صحيحه رقم (2552). (¬3) في سننه رقم (5143). (¬4) في سننه رقم (1903)، وهو حديث صحيح. (¬5) في سننه رقم (5145) مرسلاً، وهو حديث ضعيف. (¬6) كما في "جامع الأصول" (1/ 411). =

الباب الثاني: في بر الأولاد والأقارب

الباب الثاني: في بر الأولاد والأقارب 171/ 1 - عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: "دَخَلَتِ عَلَيَّ امْرَأَةٌ ومَعَهَا ابْنَتَانِ لهَا تَسْأَلُ، فَلَمْ تَجِدْ عِنْدِي شَيْئًا غَيْرَ تَمْرةٍ فَأَعْطَيْتُهَا إِيَّاهَا، فَقَسَمَتْهَا بَيْنَ ابْنَتَيْهَا وَلَمْ تَأْكُلْ مِنْهَا، ثُمَّ خَرَجَتْ فَدَخَلَ عَليَّ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - فأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ: مَنِ ابْتُليَ مِنْ هَذِهِ الْبَنَاتِ بِشَىْءٍ فَأَحْسَن إِلَيْهُنَّ كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنَ النَّارِ". أخرجه الشيخان (¬1)، والترمذي (¬2). [صحيح]. 172/ 2 - وَعَنْ أَنَسِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ حَتَّى تَبْلُغَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَا وَهُوَ وَضَمَّ أَصَابِعَهُ". أخرجه مسلم (¬3) والترمذي (¬4). [صحيح]. وَعَنْه: دَخَلْتُ أَنَا وَهُوَ الْجَنَّةَ كَهَاتَيْنِ، وَأَشَارَ بِأَصْبُعَيْهِ. 173/ 3 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ عَالَ ثَلاَثَ بَنَاتٍ، أَوْ ثَلاَثَ أَخَوَاتٍ، أَوْ أُخْتَيْنِ، أَوْ بِنْتَيْن فَأَدَّبَهُنَّ وَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ وَزَوَّجَهُنَّ فَلَهُ الْجَنَّةُ". أخرجه أبو داود (¬5)، والترمذي (¬6)، وهذا لفظ أبي داود. [صحيح]. ¬

_ = وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (3/ 282) بلفظ: "من حج عن أبيه أو عن أمه أجزأ ذلك عنه وعنهما" وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير، وفيه راو لم يسم. (¬1) البخاري رقم (5995) ومسلم رقم (2629). (¬2) في سننه رقم (1915) وقال: هذا حديث حسن صحيح، وهو حديث صحيح. (¬3) في صحيحه رقم (2631). (¬4) في سننه رقم (1914) وقال: هذا حديث حسن غريب، وهو حديث صحيح. (¬5) في سننه رقم (5147). (¬6) في سننه رقم (1906) وهو حديث صحيح.

وله (¬1) في أخرى: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ كَانَتْ لَهُ أُنْثَى فَلَمْ يَئِدْهَا وَلَمْ يُهِنْهَا وَلَمْ يُؤْثِرْ وَلَدَهُ: - يَعْنِى الذُّكُورَ عَلَيْهَا - أَدْخَلَهُ الله تَعَالَى الْجَنَّةَ". [ضعيف]. 174/ 4 - وَعَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الأَشْجَعِىِّ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَنَا وَامْرَأَةٌ سَفْعَاءُ الْخَدَّيْنِ كَهَاتيْنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ, وَأَوْمَأَ يَزِيدُ بنُ زُرَيْع الرَّاوي بِالْوُسْطَى وَالسَّبَّابَةِ: امْرَأَةٌ آمَتْ مِنْ زَوْجِهَا ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ حَبَسَتْ نَفْسَهَا عَلَى يَتَامَاهَا حَتَّى بَانُوا أَوْ مَاتُوا". أخرجه أبو داود (¬2). [ضعيف]. "والسفعة" نوع من السواد ليس بكثير، وأراد أنها بذلت نفسها ليتاماها، وتركت الزينة والترفه حتى شحب لونها وأسود. "وآمَتِ" بالمد: أقامت بلا زوج. ومعنى "بانوا" انفصلوا واستغنوا. 175/ 5 - وَعَنْ خَوْلَةُ بِنْتُ حَكِيمٍ - رضي الله عنها - قَالَتْ: "خَرَجَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ يَوْمٍ وَهُوَ مُحْتَضِنٌ أَحَدَ ابْنَىِ بْنَتِهِ وَهُوَ يَقُوُل: إِنَّكُمْ لَتُبَخِّلُونَ وَتُجَبِّنُونَ وَتُجَهِّلُونَ وَإِنَّكُمْ لَمِنْ رَيْحَانِ الله". أخرجه الترمذي (¬3). [ضعيف]. "ومعناه": تحملون على البخل والجبن والجهل [140/ ب]. 176/ 6 - وَعَنِ الْبَرَاءِ - رضي الله عنه - قَالَ: "أَتَى أَبُوْ بَكْرٍ عَائِشَةُ - رضي الله عنها - وَقَدْ أَصَابَتْهَا الحُمَّى فَقَالَ: كَيْفَ أَنْتِ يَا بُنَيَّةُ؟ وَقَبَّلَ خَدَّهَا". ¬

_ (¬1) أي: لأبي داود رقم (5146)، وهو حديث ضعيف. (¬2) في سننه رقم (5149) وهو حديث ضعيف. (¬3) في سننه رقم (1910) وهو حديث ضعيف.

الباب الثالث: (في بر اليتيم)

أخرجه أبو داود (¬1)، وأخرجه الشيخان (¬2) في جملة حديث. [صحيح]. 177/ 7 - وَعَن سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ - رضي الله عنه - قال: قال رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا نَحَلَ وَالِدٌ وَلَدًا مِنْ نَحْلٍ أَفْضَلَ مِنْ أَدَبٍ حَسَنٍ". أخرجه الترمذي (¬3). [ضعيف]. وفي أخرى (¬4) له عن جابر بن سمرة يرفعه: "لأَنْ يُؤَدِّبَ الرَّجُلُ وَلَدَهُ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِصَاعٍ". "البخل" العطية والهبة. [ضعيف]. 178/ 8 - وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ , وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي، وَإِذَا مَاتَ صَاحِبُكُمْ فَدَعُوهُ". أخرجه الترمذي (¬5) أيضاً وصححه. [صحيح]. الباب الثالث: (في برّ اليتيم) 179/ 1 - عَنْ سَهْلٍ بِنْ سَعْد - رضي الله عنه - قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا، وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى، وَفَرَّجَ بَيْنَهُمَا". أخرجه البخاري (¬6) والترمذي (¬7)، وأبو داود (¬8). [صحيح]. ¬

_ (¬1) في سننه رقم (5222) وهو حديث صحيح. (¬2) البخاري رقم (3918). (¬3) في سننه رقم (1952) وقال: هذا حديث غريب، مرسل؛ لأن عمرو بن سعيد بن العاص لم يدرك النبي - صلى الله عليه وسلم - فهو تابعي، وهو حديث ضعيف. (¬4) أي للترمذي رقم (1951) وقال: هذا حديث غريب، وهو حديث ضعيف. (¬5) في سننه رقم (3895) وقال: هذا حديث حسن صحيح، قلت: وأخرجه أبو داود رقم (4899)، وهو حديث صحيح. (¬6) في صحيحه رقم (5304). (¬7) في سننه رقم (1918). (¬8) في سننه رقم (5150)، وهو حديث صحيح.

الباب الرابع: (في إماطة الأذى عن الطريق)

180/ 2 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُوْلَ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ قَبَضَ يَتِيِمًا مِنْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ أَدْخَلَهُ الله تَعَالَى الْجَنَّةَ البتة إِلاَّ أَنْ يَكُوْن قَدْ عَمِلَ ذَنْباً لاَ يُغْفَرُ". أخرجه الترمذي (¬1). [ضعيف]. الباب الرابع: (في إماطة الأذى عن الطريق) 181/ 1 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قال: قال رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: "بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ عَلَى الطَّرِيقِ فَأَخَّرَهُ, فَشَكَرَ الله تَعَالَى لَهُ، فَغَفَرَ لَهُ". أخرجه الستة إلا النسائي (¬2)، وهذا لفظهم إلا أبا داود (¬3) فإنه قال: نَزَعَ رَجُلٌ لَمْ يَعْمَلْ خَيْراً قَطُّ غُصْنَ شَوْكٍ عَنِ الطَّرِيقِ إِمَّا كَانَ فِي شَجَرَةٍ فَقَطَعَهُ وَإِمَّا كَانَ مَوْضُوعًا فَأَمَاطَهُ، وذكر نحوه [141/ ب]. [صحيح]. 182/ 2 - ولمسلم (¬4) عَنْ أَبِي ذَرٍّ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "عُرِضَتْ عَلَيَّ أَعْمَالُ أُمَّتِي حَسَنُهَا وَسَيِّئُهَا، فَوَجَدْتُ فِي مَحَاسِنِ أَعْمَالِهَا الأَذَى يُمَاطُ عَنِ الطَّرِيقِ، وَوَجَدْتُ فِي مَسَاوِئ أَعْمَالِهَا النُّخَامَةَ تَكُونُ فِي الْمَسْجِدِ لاَ تُدْفَنُ". [صحيح]. 183/ 3 - وله (¬5) عن أبي بَرْزَةَ - رضي الله عنه - قال: "قُلْتُ: يَا نَبِيَّ الله! عَلِّمْنِي شَيْئًا يَنْفَعُنِي قَالَ: اعْزِلِ الأَذَى عَنْ طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ". [صحيح]. ¬

_ (¬1) في سننه رقم (1917) وهو حديث ضعيف. (¬2) البخاري رقم (652)، ومسلم رقم (1914)، وبإثر الحديث رقم (2617)، وأبو داود رقم (5245)، والترمذي رقم (1958)، وابن ماجه رقم (3682)، وهو حديث صحيح. (¬3) في سننه رقم (5245). (¬4) في صحيحه رقم (553) وهو حديث صحيح. (¬5) أي: لمسلم رقم (2618) وهو حديث صحيح.

الباب الخامس: (في أعمال من البر متفرقة)

الباب الخامس: (في أعمال من البر متفرقة) 184/ 1 - عَنْ صفْوَانِ بْنِ سُلَيْم - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "السَّاعِي عَلَى الأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ الله، أَوْ كَالَّذِي يَصُوْمُ النَّهارَ وَيَقُومُ اللَّيْلِ". أخرجه مسلم (¬1)، ومالك (¬2)، وأبو داود (¬3). [صحيح]. 185/ 2 - وَعَنْ عَمْروٍ بْنِ الْعَاصِ - رضي الله عنه - قَال: قَالَ رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَرْبَعونَ خَصْلَةً أَعْلاَهُنَّ مَنِيحَةُ الْعَنْزِ، مَا مِنْ عَامِلٍ يَعْمَلُ بِخَصْلَةٍ مِنْهَا رَجَاءَ ثَوَابِهَا وَتَصْدِيقَ مَوْعُودِهَا إِلاَّ أَدْخَلَهُ الله بِهَا الْجَنَّةَ". قَالَ بَعْضُ الرُّوَاة: فَعَدَدْنَا مَا دُونَ مَنِيحَةِ الْعَنْزِ مِنْ رَدِّ السَّلاَمِ، وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ، وَإِمَاطَةِ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ وَنَحْوِهِ، فَمَا اسْتَطَعْنَا أَنْ نَصِلَ إِلَى خَمْسَ عَشْرَةَ خَصْلَةً. أخرجه البخاري (¬4)، وأبو داود (¬5). [صحيح]. 186/ 3 - وَعَنْ أَبي مُوْسَى - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم -: "عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ، قِيلَ أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ يَجِدْ؟ قَالَ: يَعْمَلُ بِيَدَيْهِ فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ وَيَتَصَدَّقُ. قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ؟ قَالَ: يُعِينُ ذَا الْحَاجَةِ الْمَلْهُوفَ. قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ؟ قَالَ: يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ أَوِ الْخَيْرِ. قَالَ أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ يَفْعَلْ؟ قَالَ: يُمْسِكُ عَنِ الشَّرِّ فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ". أخرجه الشيخان (¬6). [صحيح]. ¬

_ (¬1) بل البخاري رقم (5353)، ومسلم رقم (41/ 2982)، وأخرجه النسائي رقم (2577)، وابن ماجه رقم (2140)، والترمذي رقم (1969). (¬2) لم أجده عند مالك. (¬3) لم أجده عند أبي داود. (¬4) في صحيحه رقم (2631). (¬5) في سننه رقم (1683)، وهو حديث صحيح. (¬6) البخاري رقم (1445)، ورقم (6022)، ومسلم رقم (1008) بلفظ مختلف.

187/ 4 - وَلَهُما (¬1) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "كُلُّ سُلاَمَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ، كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ. قال: تَعْدِلُ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ صَدَقَةٌ، وَتُعِينُ الرَّجُلَ فِيْ دَابَّتِهِ فَتَحْمِلْهُ عَلَيْهَا أَوْ تَرْفَعُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ، قال: وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وَبِكُلُّ خَطْوَةٍ تَمْشِيْهَا إِلَى الصَّلاَةِ صَدَقَةٌ، وَتُميِطُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ". [صحيح]. 188/ 5 - وَعَنْ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله: أَرَأَيْتَ أُمُورًا كُنْتُ أَتَحَنَّثُ بِهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ صَلَاةٍ وَعَتَاقَةٍ وَصَدَقَةٍ، هَلْ لِي فِيهَا أَجْرٍ؟ قَالَ: "أَسْلَمْتَ عَلَى مَا سَلَفَ لَكَ مِنْ خَيْرٍ". أخرجه الشيخان (¬2). [صحيح]. وفي أخرى (¬3) قال: قُلْتُ: فَوَالله لاَ أَدَعُ شَيْئًا صَنَعْتُهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِلاَّ فَعَلْتُ فِي الإِسْلاَمِ مِثْلَهُ. [صحيح]. وفي أخرى (¬4): أنَّهُ أَعْتَقَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِائَةَ رَقَبَةٍ، وَحَمَلَ عَلَى مِائَةِ بَعِيرٍ، فَلَمَّا أَسْلَمَ فَعَلْ مِثْلَهُ. [صحيح]. 189/ 6 - وعن عائشة - رضي الله عنها - قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله: ابْنُ جُدْعَانَ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَصِلُ الرَّحِمَ، وَيُطْعِمُ الْمِسْكِينَ، فَهَلْ ذَلكَ نَافِعُهُ؟ قَالَ: "لاَ يَنْفَعُهُ إِنَّهُ لَمْ يَقُلْ يَوْماً رَبِّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ" (¬5). [صحيح]. ¬

_ (¬1) أي: البخاري رقم (2707) و (2891) و (2989) ومسلم رقم (1009). (¬2) البخاري رقم (1436)، ومسلم رقم (123). (¬3) لمسلم رقم (195/ 123). (¬4) للبخاري رقم (2538) ولمسلم رقم (196/ 123). (¬5) أخرجه مسلم رقم (365/ 214).

190/ 7 - وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ لِيَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ" (¬1). أخرجهما مسلم. [صحيح]. 191/ 8 - وَعَنْ حُذَيْفَة - رضي الله عنه - قال: قال رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: "كُلِّ مَعْرُوْف صَدَقَةٌ". أخرجه الخمسة إلا النسائي (¬2). [صحيح]. وأخرجه الترمذي (¬3) عن جابر، وزاد: وَإِنَّ مِنَ المْعْرُوْفِ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلِقٍ، وَأَنْ تُفْرغَ مِنْ دَلْوِكَ في إِنَاءِ أخِيكَ. [صحيح]. 192/ 9 - وعن عدي بن حاتم - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٌ إِلاَّ سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ وَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تَرْجُمَانٌ، فَيَنْظُرُ أَيْمَنَ مِنْهُ فَلاَ يَرَى إِلاَّ مَا قَدَّمَ، وَيَنْظُرُ أَشْأَمَ مِنْهُ فَلاَ يَرَى إِلاَّ مَا قَدَّمَ، وَيَنْظُرُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلاَ يَرَى إِلاَّ النَّارَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ, فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ, فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلْمَةٍ طَيِّبِة". أخرجه الشيخان (¬4) والترمذي (¬5). [صحيح]. 193/ 10 - وَعَن أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَلاَ رَجُلٌ يَمْنَحُ أَهْلَ بَيْتٍ نَاقَةً تَغْدُو بِعُسٍّ وَتروحُ بِعُسٍّ إِنَّ أَجْرَهَا لَعَظِيمٌ" (¬6). أخرجه مسلم. [صحيح]. "والعسُّ" القدح الكبير. [142/ ب]. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم رقم (144/ 2626). (¬2) أخرجه مسلم رقم (1005)، وأبو داود رقم (4947). (¬3) في سننه رقم (1970) وقال: هذا حديث حسن صحيح، وهو حديث صحيح. (¬4) البخاري رقم (7512)، ومسلم رقم (67/ 1016). (¬5) في سننه رقم (2415) وقال: هذا حديث حسن صحيح، قلت: وأخرجه ابن ماجه رقم (185)، والنسائي رقم (2552) مختصراً. (¬6) في صحيحه رقم (73/ 1019)، قلت: وهو عند البخاري رقم (2629) و (5608).

[الكتاب الثاني]: كتاب البيع

[الكتاب الثاني (¬1)]: كتاب البيع وفيه عشرة أبواب الباب الأول: في آدابه وفيه أربعة فصول الفصل الأول: في الصدق والأمانة 194/ 1 - عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "التَّاجِرُ الأَمِينُ الصَّدُوقُ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ والصَّالحِينَ". أخرجه الترمذي (¬2). [ضعيف]. 195/ 2 - وله (¬3) في أخرى عن رفاعة بن رافع قال: "إِنَّ التُّجَّار يُبْعَثُوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فُجَّاراً إلاَّ مَنْ اتَّقَى الله وبَرَّ وَصَدَقَ". [ضعيف]. 196/ 3 - وعن قيس بن أبي غرزة الغفاري - رضي الله عنه - قال: كُنَّا قَبْلَ أَنْ نُهَاجِرَ نُسَمَّى السَّمَاسِرَةَ فَمَرَّ بِنَا رَسُوْلُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَاً بِالْمَدِيْنَة فَسَمَّانَا بِاسْمٍ هُوَ أَحْسَنُ مِنْهُ. فَقَال: "يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ! إِنَّ الْبَيع يَحْضُرُهُ الَّلغْوُ والْحَلِفُ". وفي رواية: الْحَلِفُ وَالْكَذِبُ فَشُوبُوهُ بِالصَّدَقَةِ. أخرجه أصحاب السنن (¬4). [صحيح]. ¬

_ (¬1) زيادة من جامع الأصول (1/ 431). (¬2) في سننه رقم (1209) وهو حديث ضعيف لضعف أبو حمزة عبد الله بن جابر. (¬3) أي: للترمذي رقم (1210) وقال: هذا حديث حسن صحيح، قلت: وأخرجه ابن ماجه رقم (2146)، وهو حديث ضعيف. (¬4) أبو داود رقم (3326)، والترمذي رقم (1208)، والنسائي رقم (4463)، وابن ماجه رقم (2145)، وهو حديث صحيح.

الفصل الثاني: في التساهل والتسامح في البيع والإقالة

"شوبوه" أي: اخلطوه. 197/ 4 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "الْحَلِفُ مَنْفَقَةٌ لِلسِّلْعَةِ مَمْحَقَةٌ لِلْكَسْب". أخرجه الشيخان (¬1)، وهذا لفظهما، وأبو داود (¬2) ولفظه: مَمْحَقَةٌ لِلْبَرَكةِ. [صحيح]. 198/ 5 - وَعَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ - رضي الله عنه - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، فَإِنْ صَدَقَ الْبَيِّعَانِ وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُما فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَذَبَا وَكَتَمَا فَعَسَى أَنْ يَرْبَحَا رِبْحاً مَا، وَيُمْحَقَا بَرَكَةَ بَيْعِهِمَا". وفي رواية: "مُحِقَتْ بَرَكَةَ بَيْعِهِمَا: الْيَمِيْنُ الْفَاجِرَةُ مَنفقَةُ للسِّلعةِ مُمْحِقةٌ لِلْكَسْبِ". أخرجه الخمسة (¬3) [144/ ب]. الفصل الثاني: في التساهل والتسامح في البيع والإقالة الفصل الثاني من فصول كتاب البيع الأربعة قوله: "في التساهل والتسامح". هو تفاعل. أي: التساهل بين البايع والمشتري وهذه الترجمة لفظ ابن الأثير (¬4)، فتبعه المصنف، وكان القياس أن يزيدا لفظ الشراء فإنه اشتمل عليه الحديث بل والقضاء وترجم البخاري (¬5) لهذا الحديث بقوله: باب السهولة والسماحة في الشراء والبيع. انتهى. ¬

_ (¬1) البخاري رقم (2087) ومسلم رقم (1606). (¬2) في سننه رقم (3335)، وأخرجه النسائي رقم (4461)، وهو حديث صحيح. (¬3) البخاري رقم (2079) ومسلم رقم (1532) وأبو داود رقم (3459) والترمذي رقم (1246)، والنسائي رقم (4457، 4464)، وهو حديث صحيح. (¬4) في "جامع الأصول" (1/ 436). (¬5) في صحيحه رقم الباب (16) من كتاب البيوع (34) عند الحديث رقم (2076).

الأول

قلت: ولا يخفى حسن ترجمته، ولو ترجم بها المصنف لكانت أولى وأشمل؛ لأنه أتى بلفظ السهولة والسماحة، والمصنف تبع ابن الأثير فجاء بالتفاعل وهو وإن كان صحيحاً لكن الأوفق بالحديث ترجمة البخاري. قال الحافظ (¬1): "يحتمل أن يكون من باب اللف والنشر مرتباً أو غير مرتب، ويحتمل كل منهما لكل منهما إذ السهولة والسماحة متقاربان في المعنى وعطف أحدهما على الآخر من باب التأكيد اللفظي وهو ظاهر حديث الباب، والمراد بالسماحة ترك المشاجرة ونحوها لا المماكسة في ذلك". انتهى. الأول: 199/ 1 - عَنْ جَابِر - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم -: "رَحِمَ الله رَجُلاً سَمْحاً إِذَا بَاعَ، وَإِذَا اشْترَى، وَإِذَا اقْتَضَى". أخرجه البخاري (¬2)، والترمذي (¬3)، واللفظ للبخاري. [صحيح]. [الثاني] (¬4): 200/ 2 - وعند الترمذي (¬5): "غَفَرَ الله لِرَجُلٍ كَانَ قَبْلكُمْ: سَهْلاً إِذَا بَاعَ، سَهْلاً إِذَا اشْترَى، سَهْلاً إِذَا اقْتَضَى". [صحيح]. ¬

_ (¬1) في "الفتح" (4/ 307). (¬2) في صحيحه رقم (2076). (¬3) في سننه رقم (1320)، وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب، وأخرجه ابن ماجه رقم (2203)، وهو حديث صحيح. (¬4) زيادة تستلزمها صحة الترقيم. (¬5) في سننه رقم (1320) وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب.

[الثالث]

[الثالث] (¬1): 201/ 3 - وله (¬2) في أخرى عن أبي هريرة - رضي الله عنه - يرفعه: "إِنَّ الله يُحِبُّ سَمْحَ الْبَيْعِ، سَمْحَ الشِّرَاءِ، سَمْحَ الْقَضَاءِ". [صحيح]. قوله: "رحم الله رجلاً" يحتمل الدعاء، وبه جزم ابن حبيب المالكي وابن بطال ورجحه الداودي، ويحتمل الإخبار، ويؤيده ما رواه الترمذي في هذا الحديث بلفظ: "غفر الله لرجل كان قبلكم كان سهلا إذا باع ... " الحديث. قال الحافظ (¬3): وهذا يشعر بأنه قصد رجلاً بعينه في حديث الباب، وقال الكرماني: وظاهره الإخبار، لكن قرينة الاستقبال المستفاد من كلمة إذا [145/ ب] تجعله دعاءً وتقديره رحم الله رجلاً يكون كذلك، وقد يستفاد العموم من تقييده بالشرط. قوله: "سمْحاً" بسكون الميم وبالمهملتين، أي: سهلاً وهو صفة مشبهة تدل على الثبوت فلذلك كرر أحوال البيع والشراء والتقاضي. قوله: "وإذا اقتضى". أي: طلب قضاء حقه بسهولة وعدم إلحاف, وفي رواية حكاها ابن التين "وإذا قضى". أي: أعطى الذي عليه بسهولة. يؤيده ما أخرجه النسائي (¬4) من حديث عثمان مرفوعاً: "أدخل الله الجنة رجلاً كان سهلاً مشترياً وبائعاً، وقاضياً ومقتضياً". والحديث حث على السماحة في المعاملة واستعمال معالي الأخلاق وترك المشاححة وعلى عدم التضييق على الغرماء فيما له عندهم وعلى حسن قضائهم وإيفائهم فيما عنده لهم. ¬

_ (¬1) زيادة تستلزمها صحة الترقيم. (¬2) في سننه رقم (1319) وقال: هذا حديث غريب، وهو حديث صحيح. (¬3) في "الفتح" (4/ 307). (¬4) في السنن رقم (4696) وهو حديث حسن.

[الرابع]

قوله: "والترمذي". قلت: وقال: حسن صحيح غريب. [الرابع] (¬1): 202/ 4 - وعن حذيفة وأبي مسعود البدري - رضي الله عنهما -. أَنَّهُمَا سَمِعَا رَسُوْلُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُوْل: "إِنَّ رَجُلاً مِمَّن كَانَ قَبْلَكُمْ أَتَاهُ الْمَلَكُ لِيَقْبِضَ رُوحَهُ فقال: هَلْ عَمِلْتَ مِنْ خَيْرٍ؟ قَالَ: مَا أَعْلَمُ، قِيلَ لَهُ انْظُرْ. قَالَ مَا أَعْلَمُ شَيْئًا غَيْرَ أَنِّي كُنْتُ أبَايعُ النَّاسَ فِي الدُّنْيَا فَأُنْظِرُ الْمُوسِرَ، وَأَتَجَاوَزُ عَنِ الْمُعْسِرِ، فَأَدْخَلَهُ الله الْجَنَّةَ". أخرجه الشيخان (¬2). [صحيح]. ترجم البخاري (¬3) له: باب من أنظر موسراً. قال الحافظ (¬4): من فعل ذلك أو حكمه. قوله: "عن حذيفة وأبي مسعود البدري". قلت: زاد في الجامع (¬5) وعقبة بن عامر إلاَّ أنه ساق له عدة ألفاظ عند مسلم في رواياته وهذا اللفظ الذي ساقه المصنف لفظه في الجامع (¬6) قال حذيفة: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن رجلاً ممن كان قبلكم أتاه الملك ليقبض روحه فقال: هل عملت من خير؟ قال: ما أعلم. قيل له: انظر. قال: ما أعلم شيئاً ... " الحديث. ¬

_ (¬1) من المحفوظ الثاني. والصواب ما أثبتناه. (¬2) البخاري رقم (2391) و (3451)، ومسلم رقم (28/ 1560). (¬3) في صحيحه رقم الباب (17) في كتاب البيوع رقم (34) عند الحديث رقم (2077). (¬4) في "الفتح" (4/ 307). (¬5) في "جامع الأصول" (1/ 437). (¬6) في "جامع الأصول" (1/ 438).

[الخامس]

وفيه قال أبو مسعود: وأنا سمعته يقول ذلك إلاَّ أنه سقط منه هذه الرواية على المصنف "قيل له: انظر" وهي [146/ ب] ثابتة في الجامع (¬1) وله فيه ألفاظ كثيرة. [الخامس] (¬2): 203/ 5 - وَعَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عبد الرَّحْمَنِ (¬3) - رضي الله عنها - قالت: ابْتَاعَ رَجُلٌ ثَمَرَ حَائِطٍ فَعَالَجَهُ وَقَامَ فِيهِ حَتَّى تَبَيَّنَ لَهُ النُّقْصَانُ فَسَأَل رَبَّ الْحَائِطِ أَنْ يَضَعَ لَهُ أَوْ أَنْ يُقِيلَهُ فَحَلَفَ أَنْ لاَ يَفْعَلَ فَذَهَبَتْ أُمُّ الْمُشْتَرِى إِلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرَتْ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ: "تَأَلَّى أَنْ لاَ يَفْعَلَ خَيْراً. فَسَمِعَ بِذَلِكَ رَبُّ الْحَائِطِ فَأتَى رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله هُوَ لَهُ". أخرجه مالك (¬4). "عن عمرة بنت عبد الرحمن". أقول: هي عمرة بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة كانت في حجر عائشة أم المؤمنين وبيتها وروت عنها كثيراً من حديثها وعن غيرها وهي من التابعيات المشهورات فالحديث مرسل. وزارة بضم الزاي وتخفيف الرائين. قوله: "فخلف". أي: البائع أن لا يفعل، أي: لا يحط له ولا يقيله. ¬

_ (¬1) في "جامع الأصول" (1/ 438). (¬2) في المخطوط الثالث، والصواب ما أثبتناه. (¬3) عمرة بنت عبد الرحمن بن سعيد بن زرارة الأنصارية المدنية الفقهية، سيدة نساء التابعين، تروى عن عائشة وأم حبيبة وأم سلمة، وطائفة وثقها ابن المديني، وفخم أمرها، توفيت قبل المائة، "خلاصة تذهيب التهذيب". (¬4) في "الموطأ" (2/ 621 رقم 15). وأخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (5/ 305)، وفي السنن الصغير (2/ 253 - 254 رقم 1902)، ومعرفة السنن والآثار (4/ 333 رقم 3427 - العلمية)، فهو حديث صحيح لغيره وقد وصله البخاري في صحيحه رقم (2705) ومسلم رقم (1557).

[السادس]

وقوله: " - صلى الله عليه وسلم - تألى أن لا يفعل خيراً". فيه دليل على أنه لا يجب وضع الجائحة وإنما فيه الندب إلى وضعها، وهو نظير حديث أبي سعيد أنه أصيب رجل في ثمار ابتاعها وكثر دينه فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "تصدقوا عليه" فلم يبلغ وفاء دينه، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "خذوا ما وجدتم فليس لكم إلاَّ ذلك". فلم يأمر بوضع الجائحة وأخبرهم أنه ليس لهم غير ما أخذوا منه لم يبق شيء يأخذوه، وقد حققنا الحق في المسألة في حواشي ضوء النهار (¬1) " وبسطنا هنالك المقال. قوله: "أخرجه مالك" كذا في الجامع (¬2)، إلا أنه قال: أخرجه الموطأ. قلت: ولا بد من زيادة مرسلاً فإنه قال مالك عن أبي الرجال محمد بن عبد الرحمن عن أمه عمرة، أنه سمعها إلى آخره. وعرفت أن عمرة من التابعيات فحديثها مرسل [36/ أ] [147/ ب]. [السادس] (¬3): 204/ 6 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَقَالَ مُسْلِمَاً أَقالَهُ الله عَثْرَتَه". أخرجه أبو داود (¬4). [صحيح]. قوله: "من أقال مسلماً". [قال] (¬5) ابن الأثير (¬6): الإقالة في البيع هو فسخه، وإعادة المبيع إلى مالكه والثمر إلى المشتري إذا كان قد ندم أحدهما أو كلاهما. انتهى. ¬

_ (¬1) في "ضوءي النهار" بتحقيقي ط: دار الجيل الجديد - صنعاء. (¬2) في "جامع الأصول" (1/ 440). (¬3) في المخطوط الرابع، والصواب ما أثبتناه. (¬4) في سننه رقم (3460)، وأخرجه ابن ماجه رقم (2199) وهو حديث صحيح. (¬5) زيادة يقتضيها السياق. (¬6) في "جامع الأصول" (1/ 441).

الفصل الثالث: الكيل والوزن وغيرهما

وإقالة عثرة العبد دفع المؤاخذة مما صدر منه من الزلات التي يعثر بها عبر عنه بها مشاكلة. الفصل الثالث: الكيل والوزن وغيرهما قوله: "الفصل الثالث في الكيل والوزن وغيرها". كأنه يريد به ذكر مقدار صاعه - صلى الله عليه وسلم -. الأول: 205/ 1 - عَنْ ابْنُ عُمَرْ - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم -: "الْوَزْنُ وَزْنُ أَهْلِ مَكّةَ, والْمِكْيَالُ مِكْيالُ أَهْلِ الْمَدِيْنةِ". أخرجه أبو داود (¬1) والنسائي (¬2). [صحيح]. وَفي رِوَاية عَكْسِه. قوله: "الوزن وزن أهل مكة، والمكيال مكيال المدينة". أي: أهلها. قال الخطابي (¬3): معناه أن الوزن الذي يتعلق به حق الزكاة في النقود وزن أهل مكة وهي دراهم (¬4) الإسلام المعدلة كل عشرة بسبعة مثاقيل، فإذا ملك رجل منها مائتي درهم وجب عليه ربع عشرها؛ لأن الدراهم مختلفة الأوزان في البلاد كالبَغْلي، والطبري، والخوارزمي، وغير ذلك مما يصطلح عليه الناس، وكان أهل المدينة يتعاملون بالدراهم عند مقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالعدد فأرشدهم إلى وزن مكة. ¬

_ (¬1) في سننه رقم (3340). (¬2) في سننه رقم (2520) و (4594)، وهو حديث صحيح. (¬3) في معالم السنن (3/ 633 - 634) مع السنن. (¬4) انظر كتاب "الإيضاحات العصرية للمقاييس والمكاييل والأوزان والنقود الشرعية" الفصل الثاني: الدرهم (ص 156 - 168).

الثاني

وأما قوله: "والمكيال مكيال المدينة. فإنما هو الصاع (¬1) الذي تعلق به الكفارات والفطرة والنفقات, فصاع أهل المدينة بل صاع أهل الحجاز خمسة أرطال وثلث بالعراقي، وصاع أهل العراق ثمانية أرطال، وبه أخذ أبو حنيفة. قوله: "وفي رواية عكسه" [أقول: ذكرها] (¬2) في الجامع (¬3) بقوله: وفي رواية: "وزن المدينة ومكيال مكة". انتهى. قلت: ولكن المعروف هو الرواية الأولى وما أظن الثانية إلا من باب انقلاب الحديث عن أحد رواته وقد وقع في أحاديث. قال في [148/ ب] الجامع (¬4)، وأخرجه أبو داود أيضاً عن ابن عباس عوض ابن عمر. الثاني: 206/ 2 - وَعَنْ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِ كَرِبَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم -: "كِيْلُوا طَعَامَكُمْ يُبَارَكْ لَكُمْ فِيْهِ". أخرجه البخاري (¬5). [صحيح]. "كيلوا طعامكم يبارك لكم فيه". حث على كيل الطعام للأكل وغيره. وأخرج البخاري (¬6) من حديث عثمان مرفوعاً: "إذا بعت فكل، وإذا ابتعت فاكتل". ¬

_ (¬1) انظر المرجع السابق الفصل الثالث: الصاع وهو المختوم (ص 81 - 88). (¬2) زيادة من المخطوط (أ). (¬3) في "جامع الأصول" (1/ 441). (¬4) في "جامع الأصول" (1/ 441). (¬5) في صحيحه رقم (2128). (¬6) في صحيحه رقم الباب (51) (4/ 343 - 344 - مع الفتح) معلقاً، ووصله الدارقطني في السنن (3/ 8) من طريق عبيد الله بن المغيرة المصري عن منقذ مولى سراقة، عن عثمان بن عفان، بهذا. قال الحافظ في "الفتح" (4/ 344)، ومنقذ: مجهول الحال. =

الثالث

قال ابن بطال (¬1): الكيل مندوب إليه فيما ينفقه المرء على عياله وأنه سبب للبركة. الثالث: 207/ 3 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لأَهْل الْمِكْيَالِ وَالْمِيزَانِ إِنَّكُمْ قَدْ وُلِّيتُمْ أَمْريْنِ هَلَكَتْ فِيهِمَا الأُمَمُ السَّالِفَةُ قَبْلكُمْ". أخرجه الترمذي (¬2). [ضعيف مرفوعاً]. قوله: "هلكت فيها الأمم السابقة قبلكم". أقول: قد ذكر الله ذلك في قصص شعيب مع قومه وتحذيرهم من نقصهما وأمر الله أمراً هاماً في قوله: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} (¬3) إلى قوله (¬4): {وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ ¬

_ = قلت: منقذ مولى سراقة: ذكره ابن حبان في "الثقات" وقال الحافظ في "التقريب" مقبول، يعني: في المتابعات. وله طريق أخرى أخرجها أحمد في المسند (1/ 62) وعبد بن حميد في (52) وابن ماجه رقم (2230) وأبو بكر المروزي في مسنده ذكر الحافظ في "تغليق التعليق" رقم (3/ 239)، والبزار رقم (379)، والطحاوي (4/ 17) والبيهقي (5/ 315)، ستتهم عن عبد الله بن لهيعة، عن موسى بن وردان، قال: سمعت ابن المسيب يقول: سمعت عثمان يخطب على المنبر وهو يقول: فذكر الحديث. وانظر مزيد من كلام على هذا الحديث في تحقيقي لـ "فتح الباري شرح صحيح البخاري" كتاب البيوع رقم (34) الباب (51) باب الكيل على البائع والمعطي، وخلاصة القول أن الحديث حسن، والله أعلم. (¬1) في شرحه لصحيح البخاري رقم (6/ 255). (¬2) في السنن رقم (1217)، وقال الترمذي: هذا حديث لا نعرفه مرفوعاً إلا من حديث الحسين بن قيس، والحسين بن قيس يضعف في الحديث، وقد روي هذا بإسناد صحيح موقوفاً عن ابن عباس، وهو حديث ضعيف مرفوعاً، والصحيح موقوف على ابن عباس. (¬3) سورة الإسراء الآية (23). (¬4) {وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (35)} [الإ سراء: 35].

الرابع

بِالْقِسْطِ} (¬1) الآية، وأثبت الويل للذين إذا كالوا أو وزنوا يخسرون (¬2)، وقال: {أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (8)} (¬3)، وكثرت الأحاديث في ذلك وهو نهي عن ظلم خاص صورته صورة العدل. قوله: "أخرجه الترمذي". قلت: بعد إخراجه: هذا حديث لا نعرفه مرفوعاً إلا من حديث الحسين بن قيس، وحسين بن قيس يضعف في الحديث، وقد روي هذا بإسناد صحيح عن ابن عباس موقوف. الرابع: 208/ 4 - وعن ابن حرملة قال: "وَهَبَتْ لنَا أُمُّ حَبِيْبَةَ بِنْتُ ذُؤَيْبِ بْنِ قَيْسٍ المُزَنِيَّةُ صَاعَاً حدّثَتْنَا عَنْ ابْن أَخِي صَفِيَّةَ عَنْ [صَفِيَّة] زوجِ النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ صَاعُ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قالَ أَنسُ: فَجَرَّبْتُهُ فَوَجَدتُهُ مُديْنِ وَنِصْفَاً بِمُدِّ هِشَامٍ". أخرجه أبو داود (¬4). [ضعيف]. ¬

_ (¬1) سورة الأنعام الآية (152). (¬2) قال تعالى في سورة المطففين (1 - 5): {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3) أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (6)}. (¬3) سورة الرحمن الآية (8). (¬4) في سننه رقم (3279) وهو حديث ضعيف.

قوله: "أم حبيبة". أقول: كذا في نسختين من التيسير بالهاء، والذي في الجامع (¬1) هنا وفي الرابع قول ابن حرملة: أم حبيب بنت ذؤيب بن قيس هي بالحاء المهملة المفتوحة فموحدة فمثناة فموحدة آخره ولا هاء بعدها. وفي تقريب التهذيب (¬2) أم حبيب أو أم حبيبة مستورة تابعية روت عن ابن أخي صفية عن صفية زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -. قوله: "عن ابن أخي صفية". هي صفية بنت حيي بن أخطب أم المؤمنين ولم يذكر [149/ ب] ابن الأثير في [...] (¬3) الجامع اسمه ولا حاله بل قال: حديثه في الكيل والوزن يريد هذا. قوله: "ابن أخي صفية". في تقريب التهذيب (¬4): إنه لا يعرف فالحديث [فيه] (¬5) مجهول، وتقدم أن أم حبيب مستورة ففيه مجهول ومستور. قوله: "فوجدته مُدَّين ونصفاً". المد: ملئ كف الإنسان المعتدل، أربعة أمداد كما قرر القاموس (¬6). قوله: "بمد هشام". يريد ابن عبد الملك نسب إليه؛ لأنه كان خليفةً إذ ذاك وأمرهم بقدر المد. ¬

_ (¬1) في "جامع الأصول" (11/ 443). (¬2) في "تقريب التهذيب" (4/ 440 رقم الترجمة 8713)، و"تهذب التهذيب" (4/ 693). (¬3) كلمة غير مقروءة. (¬4) تقدم آنفاً. (¬5) زيادة من المخطوط (أ). (¬6) القاموس المحيط (ص 955).

الخامس

الخامس: 209/ 5 - وَعَنْ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ قَالَ: "كَانَ الصَّاعُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مُدًّا وَثُلُثًا بِمُدِّكُمُ الْيَوْمَ، وَقَدْ زِيدَ فِيهِ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ عبد العَزِيْز - رحمه الله -" (¬1). [صحيح]. قوله: "مداً وثلثا مد". أقول: أي: ثلث مد. لا ينافيه ما جربه أنس من أنه وجده مدين ونصف؛ لأنه قد صرح هنا أنه زاد فيه عمر بن عبد العزيز، وعمر متأخر عن زمن هشام (¬2). 210/ 6 - وعن عثمان - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا بِعْتَ فَكِلْ، وَإِذَا ابْتَعْتَ فَاكْتَلْ". أخرجهما البخاري (¬3). [حسن]. الفصل الرابع: في أحاديث متفرقة قوله: "متفرقة". أي: لا تجمعها ترجمة فيه ثلاثة. الأول: 211/ 1 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ أَحَبَّ البِلَادِ إِلَى الله تَعَالَى الْمَسَاجِدُ، وَأَبْغضَ الْبِلَاد إِلَى الله تَعَالَى الأَسْواقُ". أخرجه مسلم (¬4). [صحيح]. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (6712). (¬2) في هامش المخطوط (ب) ما نصه: "كذا في الأم والصحيح أن عمر قبل هشام". (¬3) في صحيحه (4/ 343 - 344 رقم الباب (51) - مع الفتح) معلقاً، وتقدم تخريجه مفصلاً في شرح الحديث رقم (208/ 4) من كتابنا هذا، وهو حديث حسن. (¬4) في صحيحه رقم (671).

الثاني

قوله: "إِنَّ أحبَّ البلاد إلى الله تعالى المساجدُ". أقول: لأنها بيوته تعالى عمرت لعبادته وطاعته، قال تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} (¬1)، وقال: {وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} (¬2)، فمحبته لها لما تشتمل عليه من الطاعات، ويحتمل أن يراد أن أحب أهل البلاد أهل المساجد إذ معنى محبة الله للبقاع محبة لأهل الطاعات وهو حث على محبتها كما ورد عن السبعة الذين يظلهم في ظله أن أحدهم: "رجل قلبه معلق بالمساجد (¬3) وعلى البقاء فيها". قال ابن بطال [150/ ب] وهذا الحديث خرج على الغالب وإلاَّ فرب سوق يذكر فيه الله أفضل من كثير من المساجد. الثاني: 212/ 2 - وله (¬4) عن سلمان - رضي الله عنه -: "لاَ تَكُونَنَّ إِنِ اسْتَطَعْتَ أَوَّلَ مَنْ يَدْخُلُ السُّوقَ وَلاَ آخِرَ مَنْ يَخْرُجُ مِنْهَا فَإِنَّهَا مَعْرَكَةُ الشَّيْطَانِ، وَبِهَا يَنْصِبُ رَايَتَهُ". [صحيح]. قوله: "عن سلمان". أي: الفارسي. وهذا أثر موقوف. قوله: "معركة الشيطان". ابن الأثير (¬5): المعركة والمعترك موضع القتال، والمراد موطن الشيطان ومحله. ¬

_ (¬1) سورة النور الآية (36). (¬2) سورة البقرة الآية (187). (¬3) وهو حديث صحيح. أخرجه البخاري رقم (660)، ومسلم رقم (91/ 1031)، ومالك في الموطأ (2/ 952، 953) والترمذي رقم (2391)، والنسائي رقم (5380). (¬4) أي لمسلم في صحيحه رقم (2451). (¬5) في "جامع الأصول" (1/ 446).

الثالث

وقوله: "وبها ينصب رايته". كناية عن شدة طمعه في إغوائهم [37/ أ] لأن الرايات في الحروب لا تنصب إلاَّ مع قوة الطمع في الغلبة وإلاَّ فهي مع اليأس عن الغلبة تحط ولا ترفع. وهذا الحديث وإن كان موقوفاً له حكم الرفع؛ لأن أمور الشيطان لا تعرف من طريق الاجتهاد، وفيه ما يدل على أنه لا تجعل المساجد أسواقاً فلا يباع فيها ولا يشترى لئلا تُشَبَّه بأبغض البقاع، ولذا ثبت الأمر بالدعاء على من باع فيها أو شرى [و] (¬1) أن يقال له: لا أربح الله تجارتك (¬2). الثالث: 213/ 3 - وعن عمر - رضي الله عنه - أنه قال: "لاَ يَبعْ فِي سُوقِنَا إِلاَّ مَنْ قَدْ تَفَقَّهَ فِي الدِّينِ". أخرجه الترمذي (¬3). [إسناده حسن]. 214/ 4 - وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: "مَا أَوَدُّ أَنَّ لِي مَتْجَرَاً عَلَى درَجَة جَامِعِ دِمَشْقَ أُصيْبُ فِيْهِ كُلَّ يَومٍ خَمْسِين دِيْنَاراً أَتَصَدَقُ بَها فِي سَبِيْل الله، وَلاَ تَفُوتُنِي الصَّلاة فِي الجماعةِ، وَمَا ¬

_ (¬1) في المخطوط (ب): (أو). (¬2) يشير المؤلف - رحمه الله - إلى الحديث الصحيح عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، أن رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا: لا أربح الله تجارتك وإذا رأيتم من ينشد فيه ضالة فقولوا: لا رد الله عليك". أخرجه الترمذي رقم (1321) وقال: هذا حديث حسن غريب، والنسائي في "اليوم والليلة" رقم (176)، وابن السني في "عمل اليوم والليلة" رقم (154)، والدارمي (1/ 326)، وابن حبان رقم (313 - موارد)، وابن خزيمة رقم (1305)، والحاكم (2/ 56)، وابن الجارود في المنتقى رقم (562)، والبيهقي في السنن الكبرى (2/ 447). قال الحاكم: صحيح على شرك مسلم، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا، وصححه الألباني في الإرواء رقم (1295). (¬3) في السنن رقم (487) وقال: هذا حديث حسن غريب، بسند حسن.

الباب الثاني: (فيما لا يجوز بيعه)

بِي تَحْرِيْمُ مَا أَحَلَّ الله تَعالَى، وَلكنْ أكْرَهُ أَن لا أكونَ مِنَ الذينَ قَالَ الله تعالَى فِيْهم: {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} (¬1) الآية". أخرجه رزين. عن عمر موقوف، وكذلك الرابع موقوف مما بيض له رزين والمصنف على قاعدته قال: أخرجه. قلت: أخرجه أحمد في الزهد وعبد بن حميد بلفظ: "ما أحب أن أبيع على هذا الدرج وأربح كل يوم ثلاثمائة دينار وأشهد الصلاة في الجماعة، أما إني لا أزعم أن ذلك ليس بحلال لكن أحب أن أكون من الذين قال الله: {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} (¬2) ". [151/ ب]. الباب الثاني: (فيما لا يجوز بيعه) [وفيه أربعة فصول الفصل الأول: في النجاسات (¬3)] زاد ابن الأثير (¬4) في الترجمة: ولا يصح عقده. فيه أربعة فصول كالباب الأول. قوله: "في النجاسات". أقول: هذه الترجمة هي لفظ ابن الأثير في الجامع، وهي مأخوذة من المذهب لا أن في الأحاديث دلالة على النجاسة لما ذكر فإن ثبتت نجاستها فمن أدلة أخرى وإنما الحديث الذي ¬

_ (¬1) سورة النور الآية (36). (¬2) عزاه إليه ابن الأثير في "جامع الأصول" (1/ 446). (¬3) زيادة من "جامع الأصول" (1/ 447). (¬4) في "جامع الأصول" (1/ 447).

الأول

ساقه نص في تحريم البيع فقط، ولا دلالة فيه على نجاسة شيء فليتحقق الناظر هذه التراجم وعدم مطابقتها لما ساق بعدها. الحديث الأول: 215/ 1 - عَنْ جَابِرِ - رضي الله عنه - قال: سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ عَامَ الْفَتْحِ، وَهُوَ بِمَكَّةَ "إِنَّ الله تَعَالَى حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالأَصْنَامِ". فَقِيلَ: يَا رَسُولَ الله، أَرَأَيْتَ شُحُومَ الْمَيْتَةِ: فَإِنَّهَا يُطْلَى بِهَا السُّفُنُ، وَيُدْهَنُ بِهَا الجلُودُ وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ. فَقَالَ: "هُوَ حَرَامٌ". ثُمَّ قَالَ عِنْدَ ذَلِكَ: "قَاتَلَ الله الْيَهُودَ, إِنَّ الله تَعَالَى لمَّا حَرَّمَ شُحُومَهَا أَجَمَلُوهُ ثُمَّ بَاعُوهُ فَأَكلُوا ثَمَنه". أخرجه الخمسة (¬1). [صحيح]. ومعنى: "أجملوه" أذَابوه. قوله: "عام الفتح بمكة". أرخه بالزمان والمكان زيادة في تحقق حفظه لما يرويه، وعام الفتح أطلقه على بعض أيامه وهي أيام إقامته - صلى الله عليه وسلم - بمكة, وقد أقام بها فيه زيادة على نصف شهر. قوله: "حرم بيع الخمر". أقول: عد - صلى الله عليه وسلم - أربعة حرم الله بيعها، ويعلم منه حرمة شرائها وهذا لا دليل فيه على علة التحريم حتى يقال إنها للنجاسة كما في الترجمة إنما ارتسم في ذهن ابن الأثير ومن تبعه ما يلقونه صوناً عن كتب الفروع من أن هذه الأشياء نجسة فظنوا أن تحريم بيعها لذلك، وأي معنى لنجاسة الصنم وهو حجر أو عود منحوت وتسميته صنماً وعبادته لا تصير عينه نجسة اتفاقاً. ¬

_ (¬1) البخاري رقم (2236) ومسلم رقم (1581) والترمذي رقم (1297)، وأبو داود رقم (3486) والنسائي رقم (4256) و (4669)، وابن ماجه رقم (2167).

قال ابن حجر (¬1): إن النهي عن بيع الأصنام عدم المنفعة المباحة، فعلى هذا إن كانت بحيث إذا كسرت ينتفع بها صاحبها جاز بيعها عند بعض الشافعية والأكثر [152/ ب] على المنع حملاً للنهي على ظاهره. قلت: وهو المتعين، وهذا يصرح بأن الأصنام طاهرة كما قلناه، وليست علة النهي النجاسة، وقد بحثنا في أدلة نجاسة ما ذكر معه في سبل (¬2) السلام وغيره. قوله: "أرأيت شحوم الميتة". أقول: أرأيت بمعنى أخبرنا عن حكمها ثم ذكر لها ثلاث فوائد. والاستصباح استفعال من المصباح وهو السراج، أي: يشعل بها الضوء. قوله: "هو حرام". الضمير ظاهره عوده إلى ما ذكر من طلاء السفن، وما ذكر معه في معنى هو. أي: الفعل المذكور فيدل على تحريم الانتفاع بشحوم الميتة في أي شيء، ويدل له قوله - صلى الله عليه وسلم -: "قاتل الله اليهود". أي: لعنهم، فإنه تحذير من الحيلة بأن يذاب شحوم الميتة وينتفع بها أو تباع. وقوله: "أجملوا". أجملت الشحم وجملته إذا أذبته وجملته أكثر استعمالاً ويحتمل أن يعود إلى البيع لهذه الأشياء؛ لأن قول القائل: "أرأيت شحوم الميتة"، أرأيت بيعه لما ذكر فإن السياق في البيع فيدل على تحريمه لا على الانتفاع. وقدره في فتح الباري: أي: فهل يحل بيعها لما ذكر من المنافع، فإنها مقتضية لصحة البيع، فضمير هو للبيع، وقال: إنه لهذا فسره الشافعي ومن تبعه، قال: ومنهم من حمل هو ¬

_ (¬1) في "الفتح" (4/ 425). (¬2) في "سبل السلام الموصلة إلى بلوغ المرام" (5/ 9 - 12) بتحقيقي.

الثاني

حرام على الانتفاع وهو قول أكثر العلماء فلا ينتفع بالميتة أصلاً إلاَّ ما خصه الدليل وهو الجلد المدبوغ. واختلفوا فيما يتنجس من الأشياء الطاهرة. فالجمهور على جواز الانتفاع به، وقال أحمد: لا ينتفع به. [153/ ب]. وأعلم أنه يستثنى من الميتة السمك والجراد (¬1). والميتة هي: ما زالت عنه الحياة لا بذكاة شرعية، ويستثنى من الميتة عند بعض العلماء ما لا تحله الحياة كالشعر والصوف والوبر، فإنه يجوز بيعه وهو قول أكثر المالكية والحنفية. الثاني: 216/ 2 - وَعَنْ عبد الرَّحْمَنِ بْنِ وَعْلَةَ (¬2) أَنَّهُ سَأَل ابْنَ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - عَمَّا يُعْصَرُ مِنَ الْعِنَبِ فَقَالَ: إِنَّ رَجُلاً أَهْدَى لِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - رَاوِيَةَ خَمْرٍ فَقَالَ لَهُ: "هَلْ عَلِمْتَ أَنَّ الله قَدْ حَرَّمَهَا". قَالَ لاَ. فَسَارَّ إِنْسَانًا إِلَى جَنْبِهِ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "بِمَ سَارَرْتَهُ؟ " قَالَ: أَمَرْتُهُ بِبَيْعِهَا. فَقَالَ "إِنَّ ¬

_ (¬1) لحديث ابن عمر قال: قال رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أحل لنا ميتتان ودمان: فأما الميتتان: فالحوت والجراد, وأما الدمان: فالكبد والطحان" وهو حديث صحيح. أخرجه أحمد (2/ 97)، وابن ماجه رقم (3218)، و (331)، والدارقطني في السنن (4/ 271 رقم 25)، وفي إسناده عبد الرحمن بن أسلم وهو ضعيف، وله شاهد من حديث عبد الله بن أبي أوفى مقتصراً على ذكر الجراد. أخرجه أحمد (4/ 353) والبخاري رقم (5495) ومسلم رقم (52/ 1952)، وأبو داود رقم (3812)، والترمذي رقم (1821) و (1822) والنسائي رقم (4356)، وهو حديث صحيح. (¬2) عبد الرحمن بن وعلة، ويقال: ابن السميفع بن وعلة المصريُّ السبئي. روى عن: ابن عباس، وابن عمر، وعنه: زيد بن أسلم، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وأبو الخير اليزني، وجعفر بن ربيعة والقعقاع بن حكيم وغيرهم، قال ابن معين، والعجلي، والنسائي: ثقة, وقال أبو حاتم: شيخ، وذكره ابن حبان في "الثقات" [تهذيب التهذيب (2/ 564)].

الَّذِي حَرَّمَ شُرْبَهَا حَرَّمَ بَيْعَهَا". فَفَتَحَ الْمَزَادَتيْنِ حَتَّى ذَهَبَ مَا فِيْهِمَا. أخرجه مسلم (¬1)، ومالك (¬2)، والنسائي (¬3). [صحيح] "المزادة" الراوية. "عن عبد الرحمن بن وعلة (¬4) ". بفتح الواو وسكون العين المهملة واللام. تابعي يحدث عن ابن عباس. قوله: "راوية خمر". بالراء، وهي واحدة الروايا. أي: الإبل الحاملة للماء كما في النهاية (5). فالمراد أهدى له بعير عليه مزادتان من خمر، ولذا قال: ففتح المزادتين حتى ذهب ما فيهما. قوله: "المزادة: الراوية". في النهاية (¬5): المزادة ظرف يحمل فيه الماء كالراوية والقربة والسطحة، فأفاد أن الراوية والمزادة مترادفان. ولكن الحديث ليس المراد فيه بالراوية إلاَّ الجمل عليه راويتان، أي: مزادتان كما دَلَّ لَهُ "ففتح المزادتين ... " إلى آخره. وبه يعرف أنه لا يصح تفسير الراوية في هذا الحديث بالمزادة، وإن سميت بها كما قال ابن الأثير، وبها سميت المزادة راوية. انتهى. ¬

_ (¬1) في صحيحه رقم (1579). (¬2) في الموطأ (2/ 846). (¬3) في سننه (7/ 307, 308). (¬4) عبد الرحمن بن وعلة، ويقال: أبن السميفع بن وعلة المصريُّ السبئي. روى عن: ابن عباس، وابن عمر، وعنه: زيد بن أسلم، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وأبو الخير اليزني، وجعفر بن ربيعة والقعقاع بن حكيم وغيرهم، قال ابن معين، والعجلي، والنسائي: ثقة، وقال أبو حاتم: شيخ، وذكره ابن حبان في "الثقات" [تهذيب التهذيب (2/ 564)]. (¬5) (2/ 279).

الرابع

وقيل بالعكس: يريد أن الراوية اسم للجمل الحامل للماء، ثم أطلق على أحد عدليه راوية وهي المزادة، فهنا لا يراد بالراوية إلاَّ الجمل الحامل للماء، كما قررناه لا المزادة، وإلاّ لما صح قوله: "ففتح المزادتين" [38/ أ]. 217/ 3 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - جالِسًا عِنْدَ الرُّكْنِ فَرَفَعَ بَصَرَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَضَحِكَ فَقَالَ: "لَعَنَ الله الْيَهُودَ". ثَلاَثاً "إِنَّ الله تَعَالَى حَرَّمَ عَلَيْهِمُ الشُّحُومَ فَبَاعُوهَا، وَأَكَلُوا أَثْمَانَهَا، وإنَّ الله إِذَا حَرَّمَ عَلَى قَوْمٍ أَكْلَ شَيْءٍ حَرَّمَ عَلَيْهِمْ ثَمَنَهُ". أخرجه أبو داود (¬1). [صحيح]. الرابع: 218/ 4 - وَلَهُ (¬2) عَنْ المُغيرَةِ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ بَاعَ الْخَمْرَ فَلْيُشَقِّصِ الْخَنَازِيرَ" أي: فليقطعها كالقصَّاب ويبيعها. [ضعيف]. قوله: "فليشقّص الخنازير". فسرها المصنف بتقطيعها، قال ابن الأثير (¬3): هو تفعل من الشقص، وهو الطائفة من الشيء، يعني: من باع الخمر فليكن قصاباً للخنازير، يبيعها كما يبيع القصاب اللحم فإنها ليست بدون بيع الخمر. الخامس: 219/ 5 - وَعَن أَبِي طَلْحَةَ - رضي الله عنه - أَنَّهُ سَأَلَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عَنْ أَيْتَامٍ وَرِثُوا خَمْرًا فَقَالَ: "أَهْرِقْهَا". قَالَ أَفَلاَ أَجْعَلُهَا خَلاًّ؟ قَالَ: "لاَ". ¬

_ (¬1) في سننه رقم (3488) وهو حديث صحيح. (¬2) أي لأبي داود في سننه رقم (3489) وهو حديث ضعيف. (¬3) في "جامع الأصول" (1/ 452).

أخرجه أبو داود (¬1) والترمذي (¬2). [صحيح]. وعنده: "أهرِقِ الخْمرَ واكسِرِ الدِّنان". قوله: "وعنده". أي: الترمذي. أقول: لكن لفظه هكذا: عن أبي طلحة أنه قال: يا نبي الله، إني اشتريت خمراً لأيتام في حجري، فقال: "أهرِقِ الخْمرَ واكسِرِ الدِّنان". وليس فيه: اجعلها خلاً؟ قال: "لا". ثم قال الترمذي (¬3): إنه روى هذا الحديث الثوري (¬4) عن السدي عن يحيى بن عباد عن أنس أن أبا طلحة كان عنده. وهذا أصح من حديث الليث. نعم. روى الترمذي (¬5) عن أبي سعيد قال: كان عندنا خمر ليتيم، فلما نزلت آية المائدة سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنه وقلت: إنه ليتيم. فقال: "أَهْرِيْقُوه". ثم قال: حديث أبي سعيد حسن [صحيح] (¬6)، وقد روي من غير وجهٍ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحو هذا، وقال بهذا بعض أهل العلم، وكرهوا أن يتخذ الخمر خلاً وإنما كره من ذلك - والله أعلم - أن يكون المسلم في بيته خمرٌ حتى يصير خلا، ورخَّص بعضُهم في خل الخمر إذا وجد وقد صار خلاً، انتهى. ¬

_ (¬1) في سننه رقم (3675). (¬2) في سننه رقم (1293) و (1294) وهو عند مسلم برقم (1983) دون قصة الأيتام، وهو حديث صحيح. (¬3) بإثر الحديث رقم (1293). (¬4) في سنن الترمذي رقم (1294) وأبو داود رقم (3675)، ومسلم رقم (1983). (¬5) في سننه رقم (1263)، وقال: حديث أبي سعيد حديث حسن صحيح، وهو حديث حسن. (¬6) زيادة من السنن بإثر حديث رقم (1263).

قلت: وليس عند الترمذي سؤال أحد له - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: أو لا أجعلها خلا؟ قال: "لا". إنما هو لفظ أبي داود (¬1)، وكان الترمذي أشار إليها بقوله: إنما كره [155/ ب] من ذلك وأنه فهم ذلك من قول أبي سعيد أنه ليتيم. نكتة: قال ابن الأثير في الجامع (¬2): أن ابن عمرو بن العاص قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إني اشتريت خمراً لأيتام في حجري. قال: "أَهْرِقها واكْسِر الدَّنَان". هذا أخرجه رزين ولم أجده في الأصول (¬3). انتهى بلفظه. قلت: هذا المتن هو بلفظه حديث أبي طلحة في رواية الترمذي ليس فيه تفاوت إلا أنه هنا قال: "أهرقها"، ولفظ الترمذي: "أهرق الخمر"، فالعجب من ابن الأثير حيث قال: أخرجه رزين وليست قاعدته بل يبيض ما لم يجده في الأصول كما هو الصواب، فإن رزيناً ليس بمخرج كما كررنا التنبيه على ذلك. ثم قوله: لم يجده في الأصول كأنه يريد لم يجده عن ابن عمرو وإلا فإنه حديث أبي طلحة. فائدة: قوله: "واكسر الدِّنَان". مشكل بعد بيان أنها لأيتام فإنه يكفي غسلها وتبقى أعيانها؛ لأنها مال يتيم، وكان المراد اكسر الدنان، إن لم يذهب غسلها أثره، لما علم من نهيه - صلى الله عليه وسلم - عن إضاعة المال وليس فيه دليل على نجاسة الخمر لاحتمال أن الأمر بإزالتها من الدنان بالكسر أو الغسل لئلا يبقى منها شيء فيشربه المؤمن وهو محرم. والدنان: جمع دَنّ بفتح الدال المهملة وتشديد النون إناء الخمر. ¬

_ (¬1) في سننه رقم (3675) وهو حديث صحيح. (¬2) في "جامع الأصول" (1/ 453 رقم الحديث 273). (¬3) قلت: هو بمعنى حديث أبي طلحة الصحيح المتقدم برقم (219/ 5) من كتابنا هذا.

الفصل الثاني: في بيع ما لم يقبض

الفصل الثاني: في بيع ما لم يُقْبَضْ أي: في تحريم بيعه. ذكر فيه ابن الأثير (¬1) ثلاثة فروع: الأول: بيعها قبل إدراكها. الثاثي: بيع العرايا. الثالث: في المحاقلة والمزابنة [156/ ب] والمخابرة. والمصنف ذكر فيه خمسة أحاديث. الأول: 220/ 1 - عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنِ اشْتَرَى طَعَامًا فَلاَ يَبِعْهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ". أخرجه الستة إلا الترمذي (¬2). [صحيح]. وفي أخرى (¬3): حَتَّى يَقْبِضَهُ قَالَ: وَكُنَّا نَشْتَرِى الطَّعَامَ مِنَ الرُّكْبَانِ جِزَافًا فَنَهَانَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أَنْ نَبِيعَهُ حَتَّى نَنْقُلَهُ مِنْ مَكَانِهِ. "الجزاف" المجهول القدر: مكيلا كان أو موزوناً. قوله: "من اشترى طعاماً فلا يبعه حتى يستوفيه". أقول: المراد به يقبضه كما فسرته به الراوية الأخرى، ورواية ينقله لكن فيها زيادة نقله عن موضع شراءه، وهذا لم يقل به أحد. قالوا: لأن النقل إلى الرحال يخرج مخرج الغالب. ¬

_ (¬1) في "جامع الأصول" (1/ 454). (¬2) أحمد (2/ 59) والبخاري رقم (2136)، ومسلم رقم (36/ 1526) وأبو داود رقم (3492) والنسائي رقم (4596) وابن ماجه رقم (2226). (¬3) لأحمد في المسند (2/ 111) بسند ضعيف لضعف ابن لهيعة.

الثاني

قلت: وهذا تأويل بلا موجب وقد أخرج أبو داود (¬1) والدارقطني (¬2) من حديث زيد بن ثابت أنه - صلى الله عليه وسلم - نهى أن تباع السلع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم، وهو عام لكل سلعة، ونقلها إلى الرحال وعدم جواز بيعها حيث شريت مذهب زيد بن ثابت. والحديث نص في الطعام، ولكن الثاني يعمه وغيره وهو قوله: "لا تبع ما ليس عندك (¬3) " فإنه عام لكل مبيع. ثم الحديث نص في البيع فمن عمم منع كل تصرف قبل القبض فلا وجه له لما يأتي. 221/ 2 - وَعَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قلت: يَا رَسُولَ الله! إِنَّ الرَّجُلُ لَيَأْتِيْنِي فَيُرِيدُ مِنِّي الْبَيْعَ، وَلَيْسَ عِنْدِي مَا يَطْلُب؛ أَفَأبِيْعُ مِنْهُ ثَمَّ أَبْتَاعُهُ مِنَ السُّوقِ؟ قَالَ: "لاَ تَبعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ". أخرجه أصحاب السنن (¬4). [صحيح]. الثالث: 222/ 3 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قال: "نَهَى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ طَعَامًا حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ". قال طاوس: قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: كَيْفَ ذَلكَ؟ قَالَ: "ذَاكَ دَرَاهِمُ بِدَرَاهِمَ، وَالطَّعَامُ مُرْجَأٌ". ¬

_ (¬1) في سننه رقم (3499) وقد صرح ابن إسحاق بالتحديث. (¬2) في السنن (3/ 13 رقم 36). وأخرجه الحاكم (2/ 40)، وابن حبان في صحيحه رقم (4984) وهو حديث حسن. (¬3) وهو حديث صحيح من حديث حكيم بن حزام. أخرجه في المسند (3/ 402، 434)، وأبو داود رقم (3503)، والترمذي رقم (1232)، والنسائي رقم (4613)، وابن ماجه رقم (2187). (¬4) تقدم تخريجه في التعليقة السابقة.

الرابع

أخرجه الخمسة (¬1). [صحيح]. قوله: "ذاك دراهم بدراهم والطعام مرجأ". يريد أنه أعطى المشتري البائع دراهم هي قيمة الطعام، ولكنه [لما] (¬2) لم يكن قبل قبض البيع فكأنه سلم له قيمة ما سلمه البائع من الدراهم في قيمة الطعام، فكأنه باعه دراهم بدراهم والطعام مؤخر. أي: لم يحضر [فكأنه] (¬3) أعطاه الدراهم بالدراهم، ولا يخفى بعد هذه العلة بل العلة في النهي عنه البيع قبض القبض [157/ ب] مجهولة لنا، ولو كان كما قاله ابن عباس لكان بيع الشيء قبل قبضه من مسائل الربا، وليس منه اتفاقاً. الرابع: 223/ 4 - وَعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَة - رضي الله عنه - لمِرْوَانَ بْنِ الْحَكم: أَحْلَلْتَ بَيْعَ الرِّبَا؟ فَقَالَ: مَا فَعَلْتُ. فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَحْلَلْتَ بَيْعَ الصِّكَاكِ وَقَدْ نَهَى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يُسْتَوْفَى فَخَطَبَ مَرْوَانُ فَنَهَى عَنْ بَيْعِهِ. قَالَ سُلَيْمَانُ فَنَظَرْتُ إِلَى حَرَسٍ يَأْخُذُونَهَا مِنْ أَيْدِى النَّاسِ. أخرجه مسلم (¬4). [صحيح]. قوله: "الصكاك". جمع صك، وهو الكتاب، وذلك أنهم كانوا يكتبون للناس بأرزاقهم فيبيعونها قبل أن يقبضوها، ويعطون المشتري الصَّكَّ بما ابتاعه فنهو عن ذلك (¬5). قوله: "الحرس" [39/ أ] المستخدمون لحفظ السلطان واحدهم حرسي. ¬

_ (¬1) أحمد في المسند (1/ 368)، والبخاري رقم (2132)، ومسلم رقم (31/ 1525)، والنسائي رقم (4597 - 4599)، وأبو داود رقم (3496). (¬2) زيادة من المخطوط (أ). (¬3) في المخطوط (ب): فكاه وهو خطأ. (¬4) في صحيحه رقم (1528). (¬5) انظر "جامع الأصول" (1/ 460).

الخامس

قلت: وجعل أبي هريرة لبيع الصكاك من بيع الطعام ملاحظة منه للمنع والا فالذي بيع إنما هو الصَّك لما فيه من الفائدة وهو حصول الطعام الذي اشتمل عليه. الخامس: 224/ 5 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في سَفَرٍ فَكُنْتُ عَلَى بَكْرٍ صَعْبٍ لِعُمَرَ، فَكَانَ يَغْلِبُنِي فَيَتَقَدَّمُ أَمَامَ الْقَوْمِ فَيَزْجُرُهُ عُمَرُ فيَرُدُّهُ, ثُمَّ يَتَقَدَّمُ فَيَزْجُرُهُ وَيَقُوْل لِي: أَمْسِكْهُ لا يتقدَّم بَيْن يَدَيْ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -. فَقَالَ له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "بِعْنِيهِ يَا عُمَرُ". فَقَالَ: هُوَ لَكَ يَا رَسُولَ الله فَبَاعَهُ مِنهُ. فقال لي رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - "هُوَ لَكَ يَا عبد الله فاصْنَعُ بِهِ مَا شِئْتَ". أخرجه البخاري (¬1). [صحيح]. قوله: "هو لك يا عبد الله فاصنع به ما شئت". أقول: هذا الذي وعدنا به فإنه دال على صحة التصرف في المبيع قبل قبضه بغير البيع، وإنما المنهي عنه البيع فمن عمم منع كل تصرف فلا دليل معه كما صنعه المهدي في الأزهار (¬2) ومن فعل فلا يقع البيع خاصاً ما شرى جزافاً كما في شرحه ضوء النهار (¬3) فلا وجه له أيضاً فأحدهما إفراط والآخر تفريط. الفصل الثالث: في بيع الثمار والزروع أي: في حكم ما يحل فيه وما يحرم. والثمر جمع ثمرة بتحريك فيهما [158/ ب] وهي أعم من الرطب وغيره، وهكدا ترجم البخاري (¬4) هذا الحديث. ¬

_ (¬1) في صحيحه رقم (2115). (¬2) (2/ 578 - مع السيل الجرار). (¬3) تحت الطبع بتحقيقي لدار الجيل الجديد - صنعاء بـ (7) مجلدات. (¬4) في صحيحه رقم الباب (85) من كتاب البيوع ورقم (34) عند الحديث رقم (2194).

225/ 1 - عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قال: قال رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تَبِيعُوا الثَّمَرَ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُهُ, وَلاَ تَبِيعُوا الثَّمَرَ بِالتَّمْرِ" قال سالم: وأخبرني عبد الله عن زيد بن ثابت - رضي الله عنه - أنه قال: ثم رخص رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[بعد ذلك] في بيع العرية بالرطب أو بالتمر، ولم يرخص في غيره، وكان ابن عمر إذا سئل عن صلاحها قال: حتى تذهب عنها العاهة. أخرجه الستة، وهذا لفظ الشيخين (¬1). [صحيح]. 226/ 2 - وفي أخرى للخمسة إلا (¬2) البخاري: "نهى رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنْ بَيْعِ النَّخْلِ حَتَّى يَزْهُوَ، وَعَنِ السُّنْبُلِ حَتَّى يَبْيَضَّ وَيَأْمَنَ الْعَاهَةَ, نَهَى الْبَائِعَ وَالْمُشْتَرِىَ". [صحيح]. قوله: "حتى يبدو صلاحه". أقول: فسر بدو صلاحه الحديث الآتي بقوله: "يحمر ويصفر". كما فسر به يزهو وقد اختلف في هذا الحكم على أقوال: أنه يبطل البيع مطلقاً. وهو قول ابن أبي ليلى والثوري (¬3). ودليله أن الأصل في النهي التحريم وبطلان العقد. ¬

_ (¬1) البخاري رقم (2194)، ومسلم رقم (49/ 1534)، وأبو داود رقم (3367)، والترمذي رقم (1226)، و (1227). والنسائي رقم (3921)، و (4519 - 4522)، ومالك في الموطأ (2/ 618). (¬2) بل البخاري رقم (1486) ومسلم رقم (1535)، والترمذي رقم (1227)، والنسائي رقم (4551) وأبو داود رقم (3368). (¬3) قال ابن عبد البر في "الاستذكار" (19/ 103 رقم 28361): "وقال مالك بن أنس، والليث بن سعد، وسفيان الثوري، والأوزاعي، وابن أبي ليلى، والشافعي، وأحمد، وإسحاق: لا يجوز بيعُ الثمار حتى يبدو صلاحها" اهـ.

وقيل: إن [شرط] (¬1) القطع لم يبطل وإلا بطل. وهو قول الشافعي وأحمد والجمهور. والدليل لمن قال بالتحريم ومقتضى الأحاديث جواز بيعها بعد بدو الصلاح مطلقاً سواء شرط الإبقاء أو لا (¬2). قال ابن عبد البر: جواز بيعها في رؤوس الأشجار وإن لم يقطع هو قول جمهور العلماء وجماعة أئمة الفتوى بالأمصار. قوله: " [في] (¬3) بيع العرية". أقول: هذا الترخيص من قوله: "بيع الثمر بالتمر"، لا بد من الجملة الأولى التي هي قبل بدو الصلاح كما يدل له قوله: "بالرطب أو بالتمر". "والعرية (¬4) ": بالمهملة والراء هي لغة: عطية ثمر النخل دون الرقبة كانت العرب في الجدب يتطوع أهل النخل بذلك على من لا تمر له كما يتطوع صاحب الشاة والإبل بالمنيحة والمراد هنا ما يأتي في تفسيرها عن يحيى بن سعيد [159/ ب]: أن يقول الرجل لصاحب حائط: بعني نخلات بأعينها بخرصها من التمر، فيخرصها ويبيعها منه ويقبض منه التمر ويسلم إليه النخلات فينتفع برطبها، فهذه صورة من صورها، ولها صور أخر. قوله: "العاهةُ" العاهة: العيب، والآفة. والمراد بها هنا ما يصيب الثمار من الجوائح، وقد وقت زمانها بما في سنن أبي داود (¬5) عن أبي هريرة مرفوعاً أنه قال: "إذا طلع النجم صباحاً ¬

_ (¬1) في المخطوط (ب): شروط. (¬2) انظر "نيل الأوطار من أسرار منتقى الأخبار" (10/ 111)، بتحقيقي، ففيه بحث مفيد في ذلك، والحق عدم جواز بيع الثمرة قبل بدو صلاحها مطلقاً. (¬3) زيادة من المخطوط (أ). (¬4) انظر "جامع الأصول" (1/ 464). (¬5) لم أقف عليه في سنن أبي داود.-

رفعت العاهة عن كل بلد"، وفي رواية: "رفعت العاهة عن الثمار". والنجم (¬1) هو الثريا، وطلوعها صباحاً يقع في أول فصل الصيف، وذلك عند اشتداد الحر في بلاد الحجاز وابتداء نضج الثمار. قال ابن عبد البر (¬2): طلوع الثريا صباحاً عند أهل العلم بها يكون لاثنتي عشرة ليلة تمضي من شهر أيار والنجم الثريا لا اختلاف في ذلك. انتهى. والمعتبر في الحقيقة النضج وطلوع النجم علامة له وقد بينه في الحديث بقوله: "تحمر وتصفر". ¬

_ = بل أخرجه أحمد في المسند (2/ 34، 388)، والطحاوي في مشكل الآثار رقم (2287)، والطبراني في الأوسط رقم (1305)، والبزار رقم (1292 - كشف) من طرق. وأخرجه الطحاوي في "مشكل الآثار" رقم (2282) والطبراني في "الصغير" (1/ 41)، وأبو نعيم في "أخبار أصبهان" (1/ 121)، من طريق أبي حنيفة، عن عطاء، عن أبي هريرة به مرفوعاً. وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (4/ 103) وقال: فيه عسل بن سفيان وثقه ابن حبان، وقال: يخطئ ويخالف، ضعفه جماعة، وبقية رجاله رجال الصحيح. قلت: عِسْل بن سفيان وإن كان ضعيفاً فهو متابع، وخلاصة القول أن الحديث حسن. والله أعلم. (¬1) قال ابن الأثير في "النهاية" (2/ 716): "النجم في الأصل: اسم لكل واحد من كواكب السماء، وجمعه: نجوم، وهو بالثريّا أخص، جعلوه علماً لها، فإذا أطلق فإنما يراد به هي، وهي المرادة في هذا الحديث. وأراد بطلوعها طلوعها عند الصبح، وذلك في العشر الأوسط من أيار، وسقوطها مع الصبح في العشر الأوسط من تشرين الآخر ... " اهـ. (¬2) في "التمهيد" (2/ 193 - تيمية).

227/ 3 - وفي أخرى للثلاثة والنسائي (¬1) عن أنس - رضي الله عنه -: "نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ حَتَّى يَزْهُوَ: قِيْلَ لَه مَا زُهُوُّها؟ قال: تَحْمَرُّ وتَصْفَرُّ. أرأيتَ إِنْ مَنعَ الله تعالى الثَّمرة، بِمَ تَسْتَحِلُّ مالَ أخَيْكَ". [صحيح]. قوله: "أرأيت إن منع الله الثمرة بم تستحل مال أخيك". أقول: هو بيان لوجه الحكمة [160/ ب] في النهي المذكور، وهو أنه إذا أصاب الثمرة عاهة وقد بيعت فبماذا تحل قيمتها للبائع، فلذا نهى عن البيع حتى يصح انتفاع المشتري بها. قوله: "نهى البائع والمشتري". أما البائع فلئلا يأكل مال أخيه بالباطل. وأما المشتري فلئلا يضيع ماله وساعد البائع على الباطل، وفيه قطع النزاع والتخاصم. واعلم أن الحديث عن أنس في الجامع (¬2) بلفظ: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الثمر حتى يزهو، قلنا: ما يزهو؟ قال: "يحمر ويصفر". قال: أرأيت هذا ... إلى آخره. من كلام أنس لا من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومن رواه مرفوعاً فقد أخطأ وعلى هذا فهو مدرج، وظاهر كلام المصنف أنه من كلامه - صلى الله عليه وسلم -. قوله: ["يزهو" أقول: في البخاري تزهى] (¬3) قال الخطابي: هذه الرواية هي الصواب ولا يقال في النخل يزهو إنما يقال يزهى لا غيره، وأثبت غيره ما نفاه. يقال: زهى إذا طال واكتمل، وأزهى إذا أحمر واصفر. ¬

_ (¬1) البخاري رقم (1488)، ومسلم رقم (15/ 1555) ومالك في الموطأ (2/ 618)، والنسائي رقم (4526)، وهو حديث صحيح. (¬2) في "جامع الأصول" (1/ 465 رقم 286). (¬3) في المخطوط (ب): يزهو أو يزهى.

228/ 4 - وللشيخين (¬1) وأبي داود (¬2) في أخرى عن جابر - رضي الله عنه - قال: "نَهَى أنْ تُبَاعَ الثَّمرةُ حَتَّى تَشَقّح، قِيْل: وَمَا تَشَقّحُ؟ قال: تَحْمارُّ وتَصْفارُّ، وُيْؤكل منها". [صحيح]. 229/ 5 - وفي أخرى لأبي داود (¬3) والترمذي (¬4) عن أنس - رضي الله عنه -: "نَهَى عَنْ بَيْعِ الْعِنَبِ حَتَّى يَسْوَدَّ, وَعَنْ بَيْعِ الحَبِّ حَتَّى يَشْتَد". [صحيح]. قوله: "يُشقح" بضم أوله من الرباعي يقال: أشقح النخل أشقاحاً إذ احمر أو اصفر، والاسم الشُقْحة بضم المعجمة وسكون القاف بعدها مهملة. 230/ 6 - وَعَن خارجة بن زيد - رضي الله عنه -: أَنَّ أباهُ كَانَ لا يَبِيعُ ثمارهُ حَتَّى تَطْلُعَ الثُّرَيَّا. أخرجه مالك (¬5). [إسناده صحيح]. قوله: "حتى تطلع الثريا". قدمنا الكلام على ذلك. [الفرع الثاني: في بيع العرايا (¬6)] 231/ 7 - عَنْ سهل بن حثمة - رضي الله عنه -، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ، وَقَالَ "ذَلِكَ الرِّبَا تِلْكَ الْمُزَابَنَةُ". إِلاَّ أنَّهُ رَخَّصَ فِي بَيْعِ الْعَرِيَّةِ النَّخْلَةِ وَالنَّخْلَتَيْنِ يَأْخُذُهَا أَهْلُ الْبَيْتِ بِخَرْصِهَا تَمْرًا يَأْكُلُونَهَا رُطَبًا. ¬

_ (¬1) البخاري رقم (2196)، ومسلم رقم (83/ 1536). (¬2) في سننه رقم (3370)، وهو حديث صحيح. (¬3) في سننه رقم (3371). (¬4) في سننه رقم (1228)، وأخرجه ابن ماجه رقم (2217) وهو حديث صحيح. (¬5) في الموطأ (2/ 619) رقم (13). وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (5/ 301 - 302) وعلقه البخاري في صحيحه مجزوماً به رقم (2193) بسند صحيح. (¬6) زيادة من جامع الأصول.

أخرجه الخمسة (¬1). [صحيح]. وزاد الترمذي في أخرى: وَعَن بَيْعِ الْعِنَبِ بِالزّبِيْبِ، وَعَن كُلِّ ثَمَرَةٍ بَخَرْصهَا مِنِ الثمرِ. قَالَ: يَحْيَى بْن سَعِيد "العَرِيّةُ" أَنْ يَشْتَرِيَ الرَّجُلُ ثَمَرَ النَّخَلَاتِ لِطَعَامِ أَهْلِهِ رُطباً بِخَرْصِهَا تَمْرَاً. 232/ 8 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قَالَ: "رَخَّصَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي بَيعِ الْعَرَايَا بخَرْصهَا مِن التَّمْرِ فِيما دُوْنَ خَمْسَةِ أوْسُقٍ أَوْ خَمْسَةِ أَوْسُق"، شك بعض الرواة في خمسة أوسق أو دون خمسة أوسق. أخرجه الستة (¬2). [صحيح]. قوله: "شك بعض الرواة". أقول: هو في الجامع (¬3) داود بن الحصين، واذا شك بالخمسة فالمقطوع به أربعة ففيها تجوز لا فيما عداها. [161/ ب]. [الفرع الثالث: في المحاقلة والمزابنة والمخابرة وما يجري معها (¬4)] 233/ 9 - وعن أبي سعيد - رضي الله عنه - قال: "نَهى رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - عَنْ المُزَابَنَةِ والمُحَاقلةِ, فالمزابنةُ اشتراءُ الثَّمر في رءوس النخلِ". زاد مالك بالتمر: "والمحاقلة" كراء الأرض بالحنطة، أخرجه الثلاثة والنسائي (¬5). [صحيح]. ¬

_ (¬1) البخاري رقم (2191)، ومسلم رقم (1540)، وأبو داود رقم (3363)، والترمذي رقم (1303)، والنسائي رقم (4542) و (4543)، وهو حديث صحيح. (¬2) أخرجه البخاري رقم (2190)، ومسلم رقم (1541)، وأبو داود رقم (3364)، والترمذي رقم (1301 و1301 م)، والنسائي رقم (4541) ومالك في الموطأ (2/ 620)، وهو حديث صحيح. (¬3) في "جامع الأصول" (1/ 475). (¬4) زيادة من "جامع الأصول" (1/ 475). (¬5) البخاري رقم (2186) ومسلم رقم (1546) ومالك في الموطأ (2/ 625) والنسائي رقم (3885).

234/ 10 - وَعَن ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قال: "نهى رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الْمُزَابَنَةِ، وَالْمُزَابَنةُ بَيْعُ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ كَيْلاً، وَبَيْعُ الْكَرْمِ بالزَّبِيبِ كَيْلاً". أخرجه الستة (¬1). 235/ 11 - وفي أخرى لأبي داود (¬2) - رضي الله عنه -: "نَهَى عَنْ بَيْعِ الزَّرْعِ بِالحنْطَةِ كَيْلاً". [صحيح]. قوله: "فالمزابنة". فسره في الحديث بما ترى. قال ابن عبد البر (¬3): إنه قول الجمهور قالوا: المزابنة اشتراء الرطب من التمر باليابس من التمر، واشتراء العنب بالزبيب. قالوا: وكل ما كان في معنى ذلك من سائر المأكولات والمشروبات فكذلك عندهم، وأما اشتراء الحنطة بالزرع فمحاقلة ومزابنة لا تجوز، وكذلك التمر بالتمر في رؤوس النخل مزابنة لا تجوز عند أحد منهم. قلت: وهذا هو مروينا في حديث سهل بن حثمة (¬4). 236/ 12 - وفي أخرى للشيخين (¬5) عن جابر - رضي الله عنه -: "نَهَى عَنِ الْمُخَابَرَةِ وَالْمُحَاقَلَةِ". ¬

_ (¬1) البخاري رقم (2185) ومسلم رقم (1542) والنسائي رقم (4532 - 4534) وأبو داود رقم (3361) والترمذي رقم (1300) بسياق آخر، ومالك في الموطأ (2/ 624 رقم 23). وهو حديث صحيح. (¬2) في سننه رقم (3361). (¬3) في "التمهيد" (12/ 98 - الفاروق). (¬4) تقدم برقم (231/ 7) من كتابنا هذا. (¬5) البخاري رقم (2381)، ومسلم بنحوه، بإثر رقم (1543). قلت: وأخرجه الترمذي رقم (1290)، وأبو داود رقم (3405)، والنسائي رقم (3880) و (4550) و (4633).

قَالَ عَطَاءٌ: فَسَّرَ لَنَا جَابِرٌ قَالَ: أَمَّا الْمُخَابَرَةُ: فَالأَرْضُ الْبَيْضاءُ يَدْفَعُهَا الرَّجُل إِلَى الرَّجُلِ فَيُنْفِقُ فِيهَا ثُمَّ يَأْخُذ مِنَ الثَّمَرةِ، وَزَعَمَ أَنَّ الْمُزَابَنَةَ بَيْعُ الرُّطَبِ فِي النَّخْلِ بِالتَّمْرِ كَيْلاً. وَالْمُحَاقَلَةُ فِي الزَّرْعِ عَلَى نَحْوِ ذَلِكَ، بِيعُ الزَّرْعَ الْقَائِمَ بِالْحَبِّ كَيْلاً. قوله: "وفي أخرى [40/ أ] للشيخين عن جابر". أقول: اشتمل حديث جابر عن عدة أنواع منهي عنها. الأول: المخابرة: بالخاء المعجمة، وفسرها جابر بقوله: أما المخابرة فالأرض البيضاء ... إلى آخره، وقد فسرت بكراء الأرض ببعض ما تخرجه مما يزرع فيها. والمحاقلة: وهذه المسألة فيها خلاف كثير قديماً وحديثاً، وهي من الحقل وهي الأرض المعدة للزرع. وقيل: المحاقلة بيع الطعام في سنبله كما أشار إليه في الكتاب. والحقل الزرع. وقيل: ما دام أخضر. والمحاقلة فيها تفسيران: المزارعة بجزء مما يخرج. والثاني: [بيع] (¬1) الزرع بالحنطة, وقيل غير ذلك. 234/ 13 - وفي أخرى لمسلم (¬2) - رحمه الله -: "نَهَى عَنِ الْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةِ وَالْمُعَاوَمَةِ وَالْمُخَابَرَةِ"، قَالَ "والْمُعَاوَمَةُ بَيْعُ السَّنِينَ" وَعَنِ الثُّنْيَا. زاد أصحاب السنن (¬3): إلا أن تُعلَمَ. 238/ 14 - وفي أخرى للنسائي (¬4): وَالْمُخَاضَرَةِ وَالْمُخَابَرَةُ قَالَ: "وَالْمُخَاضَرَةُ بَيْعُ الثَّمَرِ قَبْلَ أَنْ يَزْهُوَ، وَالْمُخَابَرَةُ بَيْعُ الْكَدَسِ بِكَذَا وَكَذَا صَاعاً". زاد البخاري (¬5) عن أنس: والملامَسةِ والمنابَذةِ "الكدس" الطعام المجتمع كالصّبرة. ¬

_ (¬1) زيادة من المخطوط (أ). (¬2) في صحيحه رقم (83/ 1536). (¬3) الترمذي رقم (1290) وأبو داود رقم (3405) والنسائي رقم (3880) و (4550) و (4633). (¬4) في الصغرى رقم (3883)، وفي الكبرى رقم (4596). (¬5) في صحيحه رقم (2207).

قوله: "بيع السنين". أي: بيع النخل والشجر المستثمر سنتين أو ثلاثاً أو نحو ذلك. يقال: عاومت النخلة إذا حملت سنة ولم تحمل الأخرى. قوله: "بيع الثنيا" (¬1). قال ابن عبد البر (¬2): إن الذي عليه فقهاء الأمصار أنه لا يجوز أن يبيع أحد ثمر حائطه ويستثني [162/ ب] منه كيلاً معلوماً قلَّ أو كثر، بلغ الثلث أو لم يبلغ، والبيع في ذلك باطل، إلا مالك فإنه أجاز إذا كان المستثنى منه معلوماً، وكان الثلث فما دونه في مقداره. قلت: كأن مالكاً عمل بالزيادة التي في السنن، وبها عمل أهل المدينة إلاَّ أن التقييد بما لم يبلغ الثلث لا أدري ما وجهه. واعلم أن الجمهور على جواز كراء الأرض بجزء مما يخرج منها. قالوا: وأحاديث النهي محمولة على التنزيه. ومن قال بتحريم كراها قال: النهي عن كراها محمول على ما إذا اشترط صاحب الأرض ناحية منها، أو شرط ما ينبت على النهر لصاحب الأرض لما في ذلك من الغرر والجهالةَ. وقال مالك (¬3): النهي محمول على ما إذا وقع كراها بالطعام أو التمر لئلا يصير ذلك من بيع الطعام بالطعام. قال ابن المنذر (¬4): ينبغي أن يحمل ما قاله مالك على ما إذا كان المكري به من الطعام جزءاً مما يخرج منها لا إذا اكتراها بطعام معلوم في ذمة المشتري، وقد ذهب أحمد (¬5) وجماعة من ¬

_ (¬1) انظر "النهاية في غريب الحديث" (1/ 221)، والمجموع المغيث (1/ 279). (¬2) انظر "التمهيد" (12/ 101 - 103 - الفاروق). (¬3) انظر "فتح الباري" (5/ 26). (¬4) حكاه عنه الحافظ في "الفتح" (5/ 26). (¬5) المغني (7/ 562)، وانظر الاعتبار للحازمي ص 414.

الحنفية (¬1) والمالكية والشافعية (¬2) والمحدثين (¬3) كابن خزيمة إلى جواز المخابرة، وألف ابن خزيمة كتاباً في جوازها واستقصى فيه وأفاد وأجاب عن أحاديث النهي (¬4). قوله: "والملامسة (¬5) والمنابذة". هي بيوع كانت في الجاهلية يقول: إذا لمست المبيع أو نبذته إليك فقد وجب البيع فأبطله الشارع لما فيه من الغرر. ¬

_ (¬1) البناية في شرح الهداية (10/ 577)، وحاشية ابن عابدين (9/ 34). (¬2) في الأم (5/ 21). (¬3) قال ابن المنذر في "الإجماع" (ص 127 رقم 544) أن الصحابة أجمعوا على جواز كراء الأرض بالذهب والفضة. وروى الحازمي في الاعتبار ص 415: "هذا المذهب عن عبد الله بن عمر، وعبد الله ابن عباس، ورافع بن خديج، وأسيد بن حضير، وأبي هريرة, ونافع، قال: وإليه ذهب مالك والشافعي، ومن الكوفيين أبو حنيفة". اهـ. (¬4) بأن خيبر فتحت عنوة، فكان أهلها عبيداً له - صلى الله عليه وسلم - فما أخذه من الخارج منها فهو له وما تركه فهو له. (¬5) قال النووي في "المجموع" (9/ 416): "وأما بيع الملامسة ففيه تأويلات: (أحدها): تأويل الشافعي وجمهور الأصحاب، وهو أن يأتي بثوب مطوي أو في ظلمة فيلمسه المستلم، فيقول صاحبه: بعتكه بكذا، بشرط أن يقوم لمسك مقام نظرك، ولا خيار لك إذا رأيته. (والثاني): أن يجعلا نفس اللمس بيعاً، فيقول: إذا لمسته فهو بيع لك. (والثالث): أن يبيعه شيئاً على أنه متى لسه انقطع خيار المجلس وغيره ولزم البيع. وهذا البيع باطل على التأويلات كلها، وفي الأول احتمال لإمام الحرمين، وقال صاحب التقريب: تفريعاً على صحة نفي خيار الرؤية قال: وعلى التأويل الثاني له حكم المعاطاة. والمذهب الجزم ببطلانه على التأويلات كلها" اهـ.

الفصل الرابع: في أشياء متفرقة لا يجوز بيعها [أمهات الأولاد]

الفصل الرابع: في أشياء متفرقة لا يجوز بيعها [أمهات الأولاد (¬1)] 239/ 1 - عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أن عمر - رضي الله عنه - قَالَ: أَيُّمَا وَلِيدَةٍ وَلَدَتْ مِنْ سَيِّدِهَا فَإِنَّهُ لاَ يَبِيعُهَا، وَلاَ يَهَبُهَا، وَلاَ يُوَرِّثُهَا، وَهُوَ يَسْتَمْتِعُ بِهَا مَا عَاشَ، فَإِذَا مَاتَ فَهِىَ حُرَّةٌ. أخرجه مالك (¬2). [إسناده صحيح]. 240/ 2 - ولرزين (¬3) عن جابر - رضي الله عنه - قال: بِعْنَا أُمَّهَاتِ الأَوْلاَدِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وَأَبِي بَكْرٍ، فَلَمّا كَانَ عُمَرُ - رضي الله عنه - نَهَانَا فَانْتَهَيْنَا. قَالَ ابْنُ الأَثيرِ ولَمْ أَجِدْهُ في الأُصول. [إسناد صحيح]. قوله: "وليدة". الوليدة: الجارية، ويقال لها: الأمة. قوله: "مالك عن عمر". أي: موقوفاً عليه. زاد في بلوغ المرام (¬4): والبيهقي (¬5). وقال - أي: البيهقي -: ويرفعه بعضهم فوهم. انتهى. ¬

_ (¬1) زيادة من "جامع الأصول" (1/ 482). (¬2) في الموطأ (2/ 776 رقم 6). قلت: وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (10/ 342)، والسنن الصغير (4/ 227 رقم 4465) وفي "معرفة السنن والآثار" (7/ 562 - 563 رقم 6132 - العلمية) والبغوي في شرح السنة (9/ 369 رقم 2428) بسند صحيح. (¬3) عزاه إليه ابن الأثير كما في "جامع الأصول" (1/ 483). قلت: أخرجه أبو داود رقم (3954) بسند صحيح. (¬4) رقم (11/ 746 بتحقيقي). (¬5) في السنن الكبرى (10/ 342).

قال الدارقطني (¬1): الصحيح وقفه عن ابن عمر عن عمر. قوله: "قال ابن الأثير (¬2): لم أجده في الأصول". قلت في بلوغ المرام (¬3): عن جابر كنا نبيع أمهات الأولاد والنبي - صلى الله عليه وسلم - حي لا يرى بذلك بأساً. رواه النسائي (¬4)، وابن ماجه (¬5)، والدارقطني (¬6)، وصححه ابن حبان (¬7). وهو يفيد ما أفاده حديث رزين كما لا يخفى. ¬

_ (¬1) في السنن (4/ 134 رقم 33، 35) موقوفاً على عمر - رضي الله عنه -، ورواه مرفوعاً (4/ 134، 135) رقم (34، 36). قال البيهقي: (10/ 343) هو وهم لا يحل ذكره. قال الحافظ في "التلخيص" (4/ 217) - المعرفة - قال الدارقطني: الصحيح وقفه على ابن عمر عن عمر، وكذا قال البيهقي وعبد الحق. اهـ. (¬2) في "جامع الأصول" (1/ 483). (¬3) برقم (12/ 747) بتحقيقي ط: مكتبة ابن تيمية - القاهرة. (¬4) في الكبرى في "العتق" كما في "تحفه الأشراف" (2/ 323 - 324) رقم (2835)، وهو في الكبرى (3/ 199 رقم 5039, 5040 - العلمية). (¬5) في سننه رقم (2517). (¬6) في السنن (4/ 135. رقم 37). (¬7) في صحيحه (رقم 1216 - موارد). قلت: وأخرجه أحمد (3/ 321)، وأبو داود رقم (3954)، والحاكم (2/ 18 - 19) وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه, وله شاهد صحيح، ووافقه الذهبي، وهو حديث صحيح.

إلا أنه قال البيهقي (¬1): إنه ليس في شيء من طرقه أنه اطلع - صلى الله عليه وسلم - على ذلك وأقرهم، بل روى ابن أبي شيبة ما يدل عل عدم الاطلاع (¬2). قال الخطابي (¬3): يحتمل أن يكون مباحاً ثم نهى عنه - صلى الله عليه وسلم - في آخر حياته، ولم يشتهر النهي، فلما بلغ عمر نهاهم. انتهى. قلت (¬4): لكنه لم يأت عنه - صلى الله عليه وسلم - نهي. 241/ 3 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما -: "أن رَسُوْلَ الله - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ بَيْعِ الوَلَاءِ وَعن هِبَتِهِ". أخرجه الستة (¬5). [صحيح]. وَأنْكَر بَعْضُهُم أَنْ يَكُوْنَ: وعن هِبَتِهِ مِنْ كلامهِ - صلى الله عليه وسلم -. قوله: "عن بيع الولاء". في النهاية (¬6): وهو إذا مات المعتق وورثه معتقه كانت العرب تبيعه، وتهبه، فنهي عنه. ¬

_ (¬1) في "السنن الكبرى" (10/ 348). (¬2) قال ابن حزم في "المحلى" (8/ 214)، وأما حديث جابر فلا حجة فيه, وإن كان غاية في صحة السند؛ لأنه ليس فيه أن رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - علم بذلك. وأخرجه البيهقي (10/ 347)، والشافعي كا في بدائع المنن (2/ 47 رقم 3954). (¬3) في "معالم السنن" (4/ 264 - مع السنن). (¬4) أي: محمد بن إسماعيل الأمير وقد بسط المسألة في "سبل السلام الموصلة إلى بلوغ المرام" (5/ 26 - 29) بتحقيقي - دار ابن الجوزي - الدمام، وفي "ضوء النهار" (4/ 1771)، وقد قمت بتحقيقه بـ (7) مجلدات، وطبع في دار الجيل الجديد - صنعاء. (¬5) البخاري رقم (2535) ومسلم رقم (1506) وأبو داود رقم (2919) والنسائي رقم (4657 - 4659) والترمذي رقم (1236) و (2126) ومالك في الموطأ (2/ 782). وهو حديث صحيح. (¬6) "النهاية في غريب الحديث" (5/ 227).

قوله: "وأنكر بعضهم". أقول في الجامع (¬1): وأنكر ابن وضاح (¬2) أن يكون "وعن هبته" من [164/ ب] كلام النبي - صلى الله عليه وسلم -. 242/ 4 - وَعَنْ إِيَاسِ بْنِ عبد الله - رضي الله عنه - قَالَ: "نَهَى رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - عنْ بَيْعِ المْاءِ". أخرجه أصحاب السنن (¬3). [صحيح]. "أخرجه أصحاب السنن". قلت: قال إنه روي عن إياس بن عبد غير مضاف إلى اسم الله، وكذلك هو في سنن أبي داود (¬4) أيضاً. وترجمه في رابع الجامع (¬5)، كذلك وضبطه فقال: عبد - بفتح العين وسكون الموحدة - المزني، ثم قال: حديث إياس حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم أنهم كرهوا بيع الماء، وهو قول ابن المبارك والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وقد رخص بعض أهل العلم في بيع الماء ومنهم الحسن البصري. انتهى. ¬

_ (¬1) في "جامع الأصول" (1/ 483). (¬2) لم أجد هذا القول، وإن ثبت فلا حجة فيه. (¬3) أبو داود رقم (3478) والترمذي رقم (1271) والنسائي رقم (4661 - 4663) وابن ماجه رقم (2476) وهو حديث صحيح. (¬4) في السنن رقم (3478). (¬5) في "تتمة جامع الأصول" قسم التراجم (القسم الأول) ص 153 بتحقيق بشير محمد عيون, ط: دار الفكر - بيروت.

والمراد بيع ما فضل عن كفايته وماشيته (¬1)، ولذا قال في حديث مسلم (2): "فضل الماء", أي: ما فل عن حاجة من هو تحت يده بل يجدب عليه بذله. 243/ 5 - ولمسلم (¬2) والنسائي (¬3) عن جابر - رضي الله عنه -: "أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيع فَضْلِ المْاءِ" [صحيح]. 244/ 6 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يُبَاعُ فَضْلُ الماءِ لِيُبَاعَ بهِ الكَلأُ". أخرجه الشيخان (¬4). [صحيح]. ¬

_ (¬1) قال محمد بن إسماعيل الأمير في "سبل السلام" (5/ 30): "قال العلماء وصورة ذلك أن ينبع في أرض صاحبه ماءٌ فيسقى الأعلى، ثم يفضل عن كفايته فليس له المنع، وكذا إذا اتخذ حفرة في أرضٍ مملوكةٍ يجمع فيها الماء، أو حفر بئراً فيسقى منه، ويسقي أرضه فليس له منع ما فضل. وظاهر الحديت يدل على أنه يجب عليه بذل ما فضل عن كفايته لشربٍ أو طهور، أو سقي زرع، وسواء كان في أرض مباحة أو مملوكةٍ. وقد ذهب إلى هذا العموم ابن القيم في الهدي - (5/ 804) وقال: إنه يجوز دخول الأرض المملوكة لأخذ الماء والكلأ؛ لأن له حقاً في ذلك ولا يمنعه استعمال ملك الغير، وقال: إنه نص أحمد على جواز الرعي في أرضٍ غير مباحة للراعي، وإلى مثله ذهب المنصور بالله، والإمام يحيى في الحطب والحشيش - (البحر الزخار 3/ 326) - .. " اهـ. (¬2) في صحيحه رقم (1565). (¬3) في السنن (7/ 306, 307). (¬4) البخاري رقم (2354) ومسلم رقم (1566).

245/ 7 - وفي أخرى للستة إلا النسائي (¬1): "لَا تَمْنَعُوا فَضْلَ الماءِ لِتَمْنَعُوا بهِ الْكَلأ" [صحيح]. قوله: "الكلأ". في الجامع (¬2): "أنه العشب. ومعنى الحديث: أن البئر تكون في بادية أو صحراء، ويكون قريباً منها كلأ، فإذا غلب على مائها وارد ومنع من يجيء بعده من الاستسقاء منها، كان بمنعه الماءَ مانعاً له من الكلأ؛ لأنه متى أرعى ماشيته ذلك الكلأ ثم لم يسقها قتلها العطش، فالذي يمنع ماء البئر يمنع به الكلأ القريب منها، وكذلك إذا باع ماء تلك البئر يبيع به الكلأ" انتهى. [41/ أ]. 246/ 8 - وفي أخرى لمالك (¬3) عن عمرة بنت عبد الرحمن: "لا يُمْنعُ نَقْعُ الْبِئْرِ" [وهو مرسل صحيح الإسناد، وصحيح موصولاً]. قوله: "نقع البئر". [165/ ب] بفتح النون فقاف فعين مهملة. [قال] (¬4) ابن الأثير (¬5): هو فضل مائها الذي يخرج منها. وقيل له: نقع؛ لأنه ينتقع به. أي: يُرْوَي به. ¬

_ (¬1) البخاري رقم (2353) ومسلم رقم (1566) ومالك في الموطأ (2/ 744)، والترمذي رقم (1272) وأبو داود رقم (3473). (¬2) في "جامع الأصول" (1/ 484). (¬3) في "الموطأ" (2/ 745) رقم (30). وأخرجه البيهقي (6/ 152) وعبد الرزاق في "المصنف" رقم (14493) وهو مرسل صحيح الإسناد, وقد صح موصولاً. فأخرجه أحمد (6/ 105، 112، 139، 252، 268)، والحاكم (2/ 61 - 62) وهو حديث صحيح، وقد صححه موصولاً الدارقطني، وابن عبد البر، والحاكم، والذهبي، والألباني، رحمهم الله جميعاً. (¬4) زيادة يقتضيها السياق. (¬5) في "جامع الأصول" (1/ 485).

247/ 9 - وعن رجل من المهاجرين قَالَ: غَزَوْتُ مَعَ رَسُوْلِ الله - صلى الله عليه وسلم - ثَلاَثاً أَسْمَعُهُ يَقُولُ: "الْمُسْلِمُونَ شُرَكاءُ فِي ثَلاَثٍ: فِي الْمَاءِ، والْكَلإِ، وَالنَّارِ" (¬1). [صحيح]. قوله: "عن رجل من المهاجرين". زاد أبو داود (1) من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - كذلك هو في الجامع (¬2)، وكأنه حذفه المصنف اكتفاءً بدلالة قوله: "غزوت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ". على كونه صحابياً لا يضر [جهالته] (¬3). قوله: " [الناس (¬4)] شركاء في ثلاث: في الماء، والكلإ، والنار". [قال] (¬5) ابن الأثير (¬6): أراد الماء ماء السماء، والعيون التي لا مالك لها، وأراد بالكلإ: مراعي الأرضين التي لا يملكها أحدُ، وأراد بالنار: الشجر الذي يحتطبه الناس فينتفعون به. وقد ذهب قوم إلى أن الماء لا يُملَكُ، ولا يصح بيعه مطلقاً، وذهب آخرون إلى العمل بظاهر الحديث في الثلاثة. والأول الصحيح. انتهى. 248/ 10 - وَعَن [نُهَيْسَةُ] (¬7) الفزارية - رضي الله عنها - قَالَتِ: اسْتَأْذَنَ أَبِي النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَدَخَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَمِيصِهِ فَجَعَلَ يُقَبِّلُ وَيَلْتَزِمُ. ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ الله! حَدِّثْني مَا الشَّيْءُ الَّذِي لاَ يَحِلُّ مَنْعُهُ؟ قَالَ: "الْمَاءُ". ثُمَّ قَالَ: مَا الشَّيْءُ الَّذِي لا يَحِلُّ مَنْعُهُ؟ قَالَ: "الْمِلْحُ". ثم قَالَ: مَاذا؟ قَالَ النَّارُ. ثُمَّ ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود رقم (3477) وهو حديث صحيح. (¬2) في "جامع الأصول" (1/ 485 رقم 313). (¬3) في المخطوط (ب): جهاله. (¬4) كذا في "التحبير" (أ، ب)، وفي "التيسير" (المسلمون) وهو الصواب. (¬5) زيادة يقتضيها السياق. (¬6) في "جامع الأصول" (1/ 486). (¬7) وهو محرف، والصواب "بُهَيْسة" فليعلم.

قَالَ: يَا نَبِيَّ الله! مَا الشَّيْءُ الَّذِي لاَ يَحِلُّ مَنْعُهُ؟ قَالَ: "أَنْ تَفْعَلَ الْخَيْرَ خَيْرٌ لَكَ". أخرجهما أبو داود (¬1). [ضعيف]. قوله: "عن بُهَيسة". بضم الموحدة وفتح الهاء، وبالسين المهملة. الفَزَارية بالفاء، فزاي فراء بعد الألف نسبة إلى فزارة قبيلة. لها صحبة، روت عن أبيها. قاله ابن الأثير (¬2) ولم يذكر اسم أبيها. وفي التقريب (¬3): بهيسة الفزارية, لا تعرف، ويقال لها صحبة. قوله: "إن تقول الخير خيرٌ لك". بكسر الهمزة, حرف شرط حذف صدر جوابها، أي: فهو خير لك لمَّا رآه حريصاً على السؤال عمَّا لا يحل منعه أتاه - صلى الله عليه وسلم - بجملة عامة لكل خير. 249/ 11 - وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ - رضي الله عنه - أنَّ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لاَ تَبِيعُوا الْقَيْنَاتِ المُغَنِّياتِ وَلاَ تَشْتَرُوهُنَّ، وَلاَ تُعَلِّمُوهُنَّ، وَلاَ خَيْرَ فِي تِجَارَةٍ فِيهِنَّ، وَثَمَنُهُنَّ حَرَامٌ. قَالَ: وفِي مِثْلِ هَذَا أُنْزِلتْ: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} " (¬4). [حسن]. ¬

_ (¬1) في سننه رقم (3476) وهو حديث ضعيف. (¬2) في "تتمة جامع الأصول" قسم التراجم (القسم الأول) ص 224. ط: دار الفكر - بيروت. وقد حرفت (الفزارية) فيه إلى (الغزارية) وهو خطأ. (¬3) في "التقريب" رقم الترجمة (8547). (¬4) أخرجه الترمذي رقم (1282) و (3195)، وقال: هذا حديث غريب، إنما يروى من حديث القاسم عن أبي أمامة، والقاسم: ثقة وعلي بن يزيد يضعف في الحديث, قاله محمد بن إسماعيل - البخاري - والحديث حسنه المحدث الألباني.

قوله: "الْقَيْنَاتِ". أقول: بفتح القاف وسكون المثناة [166/ ب] التحتية فنون. في النهاية (¬1): القينة الأمة غنت أم لم تغن، والماشطة، وكثيراً ما تطلق على المغنية من الإماء. 250/ 12 - وعن أبي سعيد - رضي الله عنه - قَالَ: "نَهَى رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنْ شِرَاءِ الْغَنَائِم حَتَّى تُقُسَمَ". أخرجهما الترمذي (¬2). قوله: "أخرجهما الترمذي". قلت: قال في حديث أبي أمامة: حديث أبي أمامة إنما نعرفه من هذا الوجه, وقد تكلم بعض أهل العلم في علي بن يزيد وضعفه وهو شامي. قال البخاري في رجال هذا الحديث: عبيد الله بن زحر: ثقة، وعلي بن يزيد: ثبت الحديث. وقاسم بن عبد الرحمن: ثقة، وهو الراوي عن أبي أمامة. فأفاد كلامه حسن الحديث. وقال الترمذي في حديث أبي سعيد: إنه حسن غريب. 251/ 13 - عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قال: كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَتبَايَعُونَ لحمَ الْجَزُورِ إِلَى حَبَلِ الْحَبَلَةِ، وَحَبَلُ الْحَبَلَةِ أَنْ تُنْتَجَ النَّاقَةُ مَا فِي بَطْنِهَا، ثُمَّ تَحْمِلَ الَّتِي تُنْتَجَ، فَنَهَاهُمُ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنْ ذَلِكَ. أخرجه الستة (¬3). [صحيح]. ¬

_ (¬1) في "النهاية" (4/ 135). (¬2) في سننه رقم (1563) وابن ماجه رقم (2196) وقال الترمذي: حديث غريب، وله شاهد من حديث أبي أمامة الباهلي عند الدارمي رقم (2519): أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أن تباع السهام حتى تقسم، وسنده صحيح، وهو حديث صحيح. (¬3) البخاري رقم (3843)، ومسلم رقم (1514)، ومالك في الموطأ (2/ 653 رقم 62) وأبو داود رقم (3380) و (3381) والترمذي رقم (1229) والنسائي رقم (4623) و (4624) وابن ماجه رقم (2197).

وفي أخرى للبخاري (¬1): ثُمَّ تُنْتَجَ الَّتِي فِي بَطْنِهَا. [صحيح]. قوله: "حبل الحبلة". أقول: بفتح المهملة والموحدة فيهما. وقد فسرها في الحديث. وإنما اختلفت الروايتان: هل إلى أن تنتج التي في بطنها أو تحمل. وإنما نهى عنه لما فيه من الغرر. 252/ 14 - وَعَن ابن عباس - رضي الله عنهما - أَنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "السَّلَفُ إلى حَبْلِ الْحَبَلة رِباً". أخرجه النسائي (¬2). [صحيح]. قوله: "السلف إلى حبل الحبلة ربا". أي: منهي عنه لجهالة وقت قضائه. 253/ 15 - وعن جابر - رضي الله عنه - قَالَ: "نَهَى رسُوْلُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنْ ضِرَابِ الْجَمَل". أخرجه مسلم (¬3) والنسائي (¬4). [صحيح]. قوله: "عن ضِراب الجمل". أي: عن بيعه. يقال: ضرب الفحل الأنثى إذا ركبها للوقاع وعلا عليها. 254/ 16 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: بَاعَ حَسَّانُ - رضي الله عنه - حِصَّتَهُ مِنْ بَيْرُحَاءَ مِنْ صَدَقَةِ أَبِي طَلْحَةَ - رضي الله عنه -، فَقِيلَ لَهُ: أتَبِيعُ صَدَقَةَ أَبِي طَلْحَةَ؟ فَقَالَ: أَلاَ أَبِيعُ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ بِصَاعٍ مِنْ دَرَاهِمَ. أخرجه البخاري (¬5). [صحيح]. ¬

_ (¬1) في صحيحه رقم (2143). (¬2) في سننه رقم (4622) وهو حديث صحيح. (¬3) في صحيحه رقم (1565). (¬4) في سننه رقم (4670) وهو حديث صحيح. (¬5) في صحيحه رقم (2658).

قوله: "بَيْرُحَاءَ". اسم أرض كانت لأبي طلحة. وكأنها فيعلى من البراح، وهي الأرض المنكشفة الظاهرة، وكثيراً ما تجيء في كتب الحديث "بيْرُحَاءَ"، بضم الراء والمد، فإن صحت الرواية فإنها تكون فيعلاء من البراح [167/ ب] قاله ابن الأثير (¬1). وتأتي قصة البئر ووقف أبي طلحة لها على قراباته ومنهم أنس، وتمام الحديث في الجامع، وكانت تلك الحديقة في موضع قصر بني حديلة الذي بناه معاوية. قال: فباع حصته منها، واشترى بثمنها حدائق خيراً منها مكانها. 255/ 17 - وعن ابن المسيب قَالَ: "نَهَى رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - عَنْ بَيْعِ الْحَيَوانِ بِالَّلحْمِ". أخرجه مالك (¬2). [حسن لغيره]. قوله: "عن بيع الحيوان باللحم. أخرجه مالك". أقول: قال ابن عبد البر (¬3) - بعد ذكر هذا الحديث ما لفظه -: لا أعلم حديث النهي عن بيع الحيوان باللحم يتصل من وجه ثابت، وأحسن أسانيده مرسل سعيد على ما ذكره مالك في موطأه. ¬

_ (¬1) في "جامع الأصول" (1/ 491 - 492). (¬2) في "الموطأ" (5/ 655 رقم 64) لكنه مرسل. وأخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (5/ 296)، والسنن الصغير (2/ 250 رقم 1890)، ومعرفة السنن والآثار (4/ 315 رقم 3378 - العلمية) والبغوي في "شرح السنة" (8/ 76 رقم 2066)، والدارقطني في سننه (3/ 71) والحاكم (2/ 35) من طرق. قال ابن عبد البر في "التمهيد" (4/ 322): "لا أعلم هذا الحديث يتصل من وجه ثابت من الوجوه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأحسن أسانيده مرسل سعيد بن المسيب هذا، ولا خلاف عن مالك في إرساله ... " اهـ. وله شاهد من حديث سمرة بن جندب, أخرجه الحاكم (2/ 35) والبيهقي (5/ 296) بسند ضعيف، انظر "نيل الأوطار" (10/ 185 - 186) بتحقيقي، والخلاصة أن الحديث حسن لغيره. والله أعلم. (¬3) في "التمهيد" (4/ 322).

قال: وقد اختلف الفقهاء في القول بهذا الحديث والعمل به، والمراد منه فكأن مالك يقول: معناه تحريم التفاضل في الحيوان الواحد حيوان بلحمه. وهو عنده من باب المزابنة والغرر والقمار؛ لأنه لا يدري هل في الحيوان مثل اللحم الذي أعطى أو أكثر أو أقل، وبيع الحيوان باللحم لا يجوز متفاضلاً فكان بيع الحيوان باللحم كبيع اللحم المغيب في جلده بلحم إذا كانا من جنس واحد. وإذا اختلف الجنسان فلا خلاف عند مالك (¬1) وأصحابه في جواز بيع الحيوان باللحم كالأنعام بالحيتان والطير. وقال أحمد (¬2): لا يجوز بيع اللحم بالحيوان كقول الشافعي (¬3). وقال أبو حنيفة (¬4): لا بأس باللحم بالحيوان من جنسه ومن غير جنسه على كل حال بغير اعتبار. قلت: وأما أحسن ما قال المزني: إن لم يصح الحديث في بيع الحيوان باللحم فالقياس أنه جائز، وإن صح بطل القياس واتبع الأثر. نعم. ذهب الشافعي (¬5) إلى العمل بما رواه سعيد وإن كان مرسلاً ومذهبه عدم قبوله إلا مراسيل سعيد بن المسيب [168/ ب]. ¬

_ (¬1) "حاشية الدسوقي على الشرح الكبير" (4/ 86 - 87)، و"عيون المجالس" (3/ 1443). (¬2) "المغني" لابن قدامة (6/ 91). (¬3) في "الأم" (4/ 66)، و"المجموع شرح المهذب" (10/ 477). (¬4) "بدائع الصنائع" (5/ 190 - 191)، و"البناية في شرح الهداية" (7/ 490 - 492). (¬5) الأم (4/ 66)، والمجموع شرح المهذب (10/ 477).

الباب الثالث: فيما لا يجوز فعله فى البيع

فإنه قال: قد اختبرها فوجدها أو أكثرها بسند [صحاحاً] (¬1)، فكره جميع أنواع [الحيوان] (¬2) بأنواع اللحوم على ظاهر الحديث وعمومه؛ لأنه لم يأت أثر يخصه ولا إجماع. الباب الثالث [42/ أ]: فيما لا يجوز فعله فى البيع وفيه ستة فصول الفصل الأول: في الخداع ذكر فيه ابن الأثير (¬3) ثمانية فصول، والمصنف فعلها ستة. وذكر في الفصل الأول ستة أحاديث. 256/ 1 - عن ابْنَ عُمَرَ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَجُلاً ذَكَرَ لِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ يُخْدَعُ فِي الْبُيُوعِ فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ بَايَعْتَ فَقُلْ لاَ خِلاَبة". فَكَانَ إِذَا بَايَعَ يَقُولُ لاَ خِلاَبَة. أخرجه الستة إلا الترمذي (¬4). "الخلابة" الخداع. [صحيح]. قوله: "أن رجلاً". هو حَبَّان (¬5)، بفتح الحاء المهملة فموحدة ثقيلة، ابن مُنْقِد: بضم الميم فنون ساكنة فقاف مكسورة. قوله: "فقيل: لا خلابة". بكسر الخاء المعجمة، وتخفيف اللام، فسرها المصنف بالخديعة. ¬

_ (¬1) كذا في المخطوط (أ، ب) ولعل الصواب: صحيح. (¬2) زيادة يقتضيها السياق. (¬3) في "جامع الأصول" (1/ 493). (¬4) البخاري رقم (2407) ومسلم رقم (1533)، وأبو داود رقم (3500) والنسائي رقم (4484)، ومالك في الموطأ (2/ 685)، وهو حديث صحيح. (¬5) انظر ترجمته في "الاستيعاب" (ص 177 - 178 رقم 563).

و"لا". لنفي الجنس. أي: لا خديعة في الدين، لأن الدين النصيحة (¬1). زاد في رواية "ثم أنت بالخيار في كل سلعة ابتعتها ثلاث ليال فإن رضيت فأمسك, وإن سخطت فاردد". فبقي حتى أدرك زمان عثمان وهو ابن مائة وثلاثين سنة. واستدل بالحديث لأحمد وأحد قولي مالك: أنه يرد بالغبن الفاحش لمن لم يعرف قيمة السلعة. وأجيب بأنه إنما جعل - صلى الله عليه وسلم - له الخيار لضعف عقله، ولو كان الغبن يملك به الفسخ لما احتاج إلى شرط الخيار. قال العلماء: لقنه - صلى الله عليه وسلم - هذا اللفظ ليتكلم به عند البيع فيطلع صاحبه على أنه ليس من ذوي البصائر في معرفة السلع ومقادير القيمة، فيرى له كما يرى لنفسه لما تقرر من حضَّ المتبايعين على النصيحة كما في حديث حكيم بن حزام: "فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما (¬2) " الحديث. [169/ ب]. قوله: "إلا الترمذي". أقول: أي: لم يخرجه من حديث ابن عمر. إلا أنه أخرجه من حديث أنس (¬3) بلفظ: "أن رجلاً كان في عقدته ضعف، وكان يبايع [وأن] (¬4) أهله أتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: يا رسول الله! احجر عليه, فدعاه نبي الله - صلى الله عليه وسلم - فنهاه, فقال: يا رسول الله! لا أصبر على البيع، فقال: "إذا ¬

_ (¬1) يشير المؤلف إلى حديث تميم الداري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الدين النصيحة" قلنا: لمن؟ قال: "لله، ولكتابه، ولرسوله، ولائمة المسلمين وعامتهم". أخرجه مسلم رقم (95/ 55). (¬2) أخرجه البخاري رقم (2079) ومسلم رقم (1532) وأبو داود رقم (3459) والترمذي رقم (1246) والنسائي رقم (4457) و (4464)، وهو حديث صحيح. (¬3) أخرجه أبو داود رقم (3501) وابن ماجه رقم (2354) والترمذي رقم (1250) وهو حديث صحيح. (¬4) في المخطوط (ب) وأنه.

الثاني

بايعت فقال: ها وها ولا خلابة". ثم قال الترمذي (¬1): وفي الباب عن ابن عمر. حديث أنس حسن صحيح غريب، والعملُ على هذا عند بعض أهل العلم قالوا: يحجر على الرجل الحر في البيع والشراء إذا كان ضعيف العقل، وهو قول أحمد وإسحاق. ولم ير بعضهم أن يحجر على الحر البالغ. انتهى. الثاني: 257/ 2 - وَعَن عبد المَجِيدِ بْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ لِي الْعَدَّاءُ بْنُ خَالِدِ - رضي الله عنه -: أَلاَ أُقْرئُكَ كِتَابًا كَتبَهُ لِي رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قُلْتُ بَلَى. فَأَخْرَجَ إِليَّ كِتَابًا هَذَا مَا اشْتَرَى الْعَدَّاءُ بْنُ خَالِدِ بْنِ هَوْذَةَ مِنْ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -، اشْتَرَى مِنْهُ عَبْدًا أَوْ أَمَةً لاَ دَاءَ وَلاَ غَائِلَةَ وَلاَ خِبْثَةَ، بَيعَ الْمُسْلِمِ مِنَ الْمُسْلِمَ". قال قتادة: "الغائلة" الزنا والسرقة والآباق. أخرجه البخاري تعليقاً والترمذي (¬2). [حسن]. قوله: "عبد المجيد بن وهب". قوله: "العَدَّاءُ". بفتح العين المهملة وتشديد الدال المهملة. و"هَوْذَة". بفتح الهاء، وسكون الواو، وفتح الذال المعجمة. أسلم العداء بعد الفتح، وكان يسكن البادية. قوله: "لا داء" هو البرص. "ولا غائلة". بالغين المعجمة. "ولا خِبْثة". بكسر الخاء المعجمة وسكون الموحدة ثم مثلثة. الغائلة: الأباق والسرقة والزنا. ¬

_ (¬1) في إثر الحديث رقم (1250). (¬2) أخرجه الترمذي رقم (1216) وابن ماجه رقم (2251). قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، والبخاري (4/ 309) معلقاً. وهو حديث حسن.

الثالث

والْخِبثَة: الحرام. أراد عبداً رقيقاً لا أنه من قوم لا يحل سبيهم كمن أعطى عهداً أو أماناً أو من هو حر في الأصل. قوله: "أخرجه البخاري تعليقاً والترمذي". قلت: وقال: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث عباد بن ليث وقد روى عنه هذا الحديث غير واحد من أهل الحديث. الثالث: 258/ 3 - وعن ابْنِ أَبِي أَوْفَى - رضي الله عنهما - أَنَّ رَجُلاً أَقَامَ سِلْعَةً فِي السُّوقِ، فَحَلَفَ بِالله لَقَدْ أَعْطَى بِهَا مَا لَمْ يُعْطَ لِيُوقِعَ فِيهَا رَجُلاً مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَنَزَلَتْ: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} إلى آخر الآية. أخرجه البخاري (¬1). [صحيح]. "وعن ابن أبي أوفى". وهو عبد الله بن أبي وفى (¬2)، واسم أبي أوفى علقمة بن قيس الأسلمي، صحابي [170/ ب] قوله: "ليوقع فيها رجلاً من المسلمين". بحلفه الكاذب، فكأن حلفه خداعاً للمشتري وكذب بيمين فاجرة، فلذا أنزل الله فيها ما أنزل من الوعيد. الرابع: 259/ 4 - وعن عَمْرٌو بِنْ دِينَار قَالَ: كَانَ هَا هُنَا رَجُلٌ اسْمُهُ نَوَّاسٌ، وَكَانَ عِنْدَهُ إِبِلٌ هِيمٌ، فَاشْتَرَى ابْنُ عُمَرَ - رضي الله عنهما - تِلْكَ الإِبِلَ مِنْ شَرِيكٍ لَه, فَجَاءَ إِلَيْهِ شَرِيكُهُ فَقَالَ: بِعْنَا تِلْكَ الإِبِلَ. قَالَ مِمَّنْ؟ قَالَ مِنْ شَيْخٍ، كَذَا وَكَذَا. قَالَ: وَيْحَكَ ذَاكَ وَالله ابْنُ عُمَرَ، فَجَاءَهُ فَقَالَ: إِنَّ ¬

_ (¬1) في صحيحه رقم (4551). (¬2) انظر ترجمته في "الاستيعاب" (ص 382 - 383 رقم 1309).

شَرِيكِى بَاعَكَ إِبِلاً هِيمًا، وَلَمْ يَعْرِفْكَ. قَالَ فَاسْتَقْهَا، قَالَ: فَلَمّا ذهَبَ لِيَسْتَاقُهَا قَالَ دَعْهَا، رَضِينَا بِقَضَاءِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - لاَ عَدْوَى. أخرجه البخاري (¬1). [صحيح]. "والهيام" داءٌ يأخذ الإبل فتعطش فتهلك منه. "عمرو بن دينار". أقول: هو أبو محمد عمرو بن دينار المكي الأثرم مولى ابن باذان، من كبار التابعين المكيين وفقائهم سمع جماعة من الصحابة، وفاته سنة ست وعشرين ومائة. قوله: "اسمه نَوَّاس". بفتح النون وتشديد الواو فسين مهملة. قال ابن الأثير (¬2): هكذا جاء غير منسوب. قوله: "هيم". الهيم بكسر الهاء فمثناة تحتية العطاش. والهُيام: بضم الهاء وتخفيف المثناة التحتية. يأتي أنه داء يأخذ الإبل فتعطش وتهلك منه. قوله: "فاستقها". أمرٌ بالسَوْق. قوله: "لا عدوى". العدوى فعلى من عداه يعدوه إذا تجاوزه إلى غيره والمراد به ما يعدي كالجرب وغيره. 260/ 5 - وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - مَرَّ فِي السُّوقِ عَلَى صُبْرَةِ طَعَامٍ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلاً. فَقَالَ: "مَا هَذَا [يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ] ". فقَالَ: يَا رَسُولَ الله أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ، قَالَ: "أفلاَ جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ حَتَّى يَرَاهُ النَّاسُ؟ مَنْ غَشَّنا فَلَيْسَ مِنِّا". أخرجه مسلم (¬3)، وأبو داود (¬4)، والترمذي (¬5)، وهذا لفظ مسلم. [صحيح]. ¬

_ (¬1) في صحيحه رقم (2099). (¬2) في "تتمة جامع الأصول" (القسم الثاني) ص 956. (¬3) في صحيحه رقم (164/ 102). (¬4) في سننه رقم (3452). (¬5) في سننه رقم (1315)، وهو حديث صحيح.

[الفصل الثاني: في التصرية]

261/ 6 - وفي رواية أبي داود (¬1) والترمذي (¬2): فَأُوحِيَ إِلَيْهِ أَنْ أَدْخِلْ يَدَكَ فِيهِ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهِ فَإِذَا هُوَ مَبْلُولٌ فَقَالَ: "لَيْسَ مِنَّا مَنْ غَشَّ". [صحيح]. قوله: "أصابته السماء". أي: المطر سماه باسم مكانه كما سماه الشاعر في قوله: إذا نزل السماء بأرض قوم ... رعيناه وإن كانوا غضابا قوله في حديث أبي هريرة: "وفي رواية أبي داود والترمذي". أقول: هكذا نسخ التيسير وليس في الجامع ذكر الترمذي بل أسنده إلى أبي داود خاصة [171/ ب] وراجعت الترمذي فلم أجد فيه إلا اللفظ الأول. 262/ 7 - وعن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - قال: "لاَ يَحِلُّ لِامْرِئٍ مُسْلِمٍ يَبِيعُ سِلْعَةً يَعْلَمُ أَنَّ بِهَا دَاءً إِلاَّ أَخْبَرَهُ". أخرجه البخاري في ترجمة باب (¬3). [صحيح]. قوله في حديث عقبة بن عامر: "أخرجه البخاري". عن عقبة موقوفاً. [الفصل الثاني: في التصرية (¬4)] 263/ 1 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تُصَرُّ وَيُرْوَى لاَ تُصَرُّوا الإبِلِ والْغَنَمَ، وَمَنِ ابْتَاعَهَا فَهْوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَن يَحْلُبْها إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ". ¬

_ (¬1) في سننه رقم (3452). (¬2) في سننه رقم (1315)، وأخرجه ابن ماجه رقم (2224) وهو حديث صحيح. (¬3) رقم (19): باب إذا بين البيعان ولم يكتما ونصحا، معلقاً، ووصله ابن ماجه رقم (2246) وهو حديث صحيح. (¬4) زيادة من (ب).

أخرجه الستة (¬1). [صحيح]. 264/ 2 - وفي أخرى للبخاري (¬2): "فَإِنْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا، وإِنْ سَخِطَهَا فَفِي حَلْبَتهَا صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ". 265/ 3 - وفي أخرى لمسلم (¬3): فهو فيها بالخيار ثلاثة أيامٍ، وله: إن رد معها صاعاً من طعام لا سمراء. وله (¬4) في أخرى: مِنْ تَمْرٍ لا سَمْراءَ. ولهما (¬5): ولا تُصرُّ الإبلُ والغنمُ. 266/ 4 - وللنسائي - رحمه الله -: "مَنِ ابْتَاع مُحَفَّلَةً أو مُصَرَّاةً". قوله: "لا تُصَروا". أقول: بضم أوله وفتح ثانية بوزن تزكوا، يقال: صرى يصري تصرية، كزكى يزكي تزكية. "الإبل والغنم". قال الأزهري: ذكر الشافعي (¬6) المصراة وفسرها أنها التي تصر أخلافها، ولا تحلب أياماً حتى يجتمع اللبن في ضرعها، فإذا حلبها المشتري استغزرها. ¬

_ (¬1) أحمد في المسند (2/ 242 - 243) و (2/ 465) والبخاري رقم (2150) ومسلم رقم (23/ 1524) وأبو داود رقم (3443) والنسائي رقم (4487، 4488، 4496) والترمذي رقم (1251) و (1252) ومالك في الموطأ (2/ 683). وهو حديث صحيح. (¬2) في صحيحه رقم (2150). (¬3) في صحيحه رقم (11/ 1515). (¬4) أي مسلم رقم (25/ 1524). (¬5) البخاري رقم (2148) ومسلم رقم (11/ 1515). (¬6) وذكره الحافظ في "الفتح" (4/ 362).

وقال أبو عبيد (¬1): هي الناقة، أو الشاة، أو البقرة، يصرى اللبن في ضرعها، أي: يحبس ويجمع، فإن كان من الأول أي الصر كان بفتح الياء، وضم الصاد، وإن كان من الثاني: فهو بضم الياء، وفتح الصاد. وإنما نهى عن ذلك؛ لأنه خداع. قوله: "بخير النظرين". هو إمساك المبيع أو رده أيهما كان خيراً له فعله كما فسره الحديث نفسه، وأنه إذا شاء الردَّ رَدَّ معه صاعاً [43/ أ] من تمر وبين في الرواية الأخرى أن هذا الصاع عوض حلبتها وبن عدة الخيار في رواية مسلم (¬2) أنها ثلاثة أيام وأن الصاع من طعام لا سمراء فرواية الطعام تحمل على التمر كما في صريح البخاري (¬3) أن التمر أكثر. قال في الفتح (¬4): أي: أكثر عدداً في الروايات الناصة عليه من التي لم تنص عليه. قلت: وهو إشارة إلى ترجيح رواية التمر. 267/ 5 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من باع محفلة فهو بالخيار ثلاثة أيام، فإن ردها معها مثل أو مثلى لبنها قمحاً". أخرجه أبو داود (¬5). قوله: "محفلة". بضم الميم فحاء مهملة [172/ ب] ففاء مشددة. هي: المصراة من الإبل والبقر فكلمة (أو) للشك. قوله: "مثل أو مثلي لبنها قمحاً". ¬

_ (¬1) في غريب الحديث (2/ 241 - 242) لأبي عبيد. (¬2) في صحيحه رقم (25/ 1524). (¬3) في صحيحه رقم (2151). (¬4) في "الفتح" (4/ 364). (¬5) في سننه رقم (3446)، وأخرجه ابن ماجه رقم (2240). وهو حديث ضعيف, من أجل جميع بن عمير أحد رواته. وقال الحافظ في "الفتح" (4/ 364): "في إسناده ضعف, وقد قال ابن قدامة إنه متروك الظاهر بالاتفاق.

أقول: قال الحافظ ابن حجر (¬1): إن في إسناده ضعفاً، وقد قال ابن قدامة: إنه متروك. الظاهر بالاتفاق. انتهى. قلت: وقال الخطابي (¬2): ليس إسناده بذلك. قال المنذري (¬3): والأمر كما قال فإن جميع بن عمير قال ابن نمير: هو من أكذب الناس، وقال ابن حبان (¬4): كان رافضياً يضع. انتهى. وفي الميزان (¬5) - بعد سياقه لما ذكر - قلت: له في السنن ثلاثة أحاديث، وحسن الترمذي له، وقال أبو حاتم (¬6): كوفي صالح الحديث في عتق السبعة. انتهى. قلت: وهذا الحديث رواه أبو داود وسكت عنه وهو كما ترى، والقاعدة المشهورة أن ما سكت عنه فهو حسن صالح ليست بمطردة (¬7). ¬

_ (¬1) في الفتح (4/ 364). (¬2) في "معالم السنن" (3/ 728 - مع السنن). (¬3) في "مختصر السنن" (5/ 89). (¬4) في "المجروحين" (1/ 218). (¬5) في "الميزان" (1/ 422). (¬6) في "الجرح والتعديل" (2/ 532 رقم 22208). (¬7) قال الذهبي في "سيلاء أعلام النبلاء" (13/ 214) "وكاسر - أبو داود - على ما ضعفه خفيف محتمل، فلا يلزم من سكوته - والحالة هذه عن الحديث أن يكون حسناً عنده ... " اهـ. وقال السيوطي في "تدريب الراوي" (1/ 168 - العلمية): "ما نقل عن أبي داود يحتمل أن يريد بقوله "صالح" الصالح للاعتبار دون الاحتجاج، فيشمل الضعيف أيضاً. وانظر كتابي "مدخل إرشاد الأمة" ص 102 - 105.

الفصل الثالث: في النجش

الفصل الثالث: في النَجْش أقول: بفتح النون وسكون الجيم، ويأتي تفسيره في الكتاب. وفي النهاية (¬1): الأصل فيه تنفير الوحش من مكان إلى مكان وفسره بأنه أن يمدح السلعة ليبيعها ويروجها، أو يزيد في ثمنها وهو لا يريد شراءها لنفع غيره. 268/ 1 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تَنَاجَشُوا". أخرجه الخمسة إلا النسائي (¬2). [صحيح]. وقوله: "لا تَنَاجَشُوا". تفاعل من النجش، والمراد لا يناجش زيد لعمر ولا يناجش له. 269/ 2 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: "نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن النجش". أخرجه الثلاثة (¬3) والنسائي (¬4). وزاد مالك (¬5) قال: "والنجش" أَنْ تُعْطِيَهُ بِسِلْعتِهِ أكثر منها، وليس في نَفسِكَ اشتراؤُها فيَقتدِي بكَ غيرُكَ. قوله: "وزاد مالك". هذا هو أحد تفسيريها في النهاية، ويأتي التصريح بعليته. الثالث: 270/ 3 - وعن ابْنُ أَبِي أَوْفَى - رضي الله عنه - قَالَ: النَّاجِشُ آكِلُ الرِّبًا خَائِنٌ، وَهْوَ خِداعٌ بَاطِلٌ لاَ يَحِلُّ. ¬

_ (¬1) "النهاية" (5/ 21). (¬2) البخاري رقم (2160) ومسلم رقم (1413)، وأبو داود رقم (3438) والترمذي رقم (1304) والنسائي رقم (3239)، وابن ماجه رقم (2174). (¬3) البخاري رقم (2142) ومسلم رقم (1516). (¬4) في السنن رقم (4505). (¬5) في "الموطأ" (2/ 684) رقم (97).

أخرجه البخاري موقوفاً معلقاً (¬1). حديث ابن أبي أوفى وهو عبد الله بن أبي أوفى صحابي، وهو هنا موقوف عليه، وقد أخرجه الطبراني (¬2) عن ابن أبي أوفى من وجه آخر مرفوعاً لكن قال: "ملعون" بدل خائن. انتهى. وهذا في بعض صور النجش واضح بأنه آكل ربا، وذلك بأن واطأه البائع على ذلك، وجعل له عليه جعلاً فيشتركان جميعاً في الخيانة. أما إذا وقع بغير مواطأة البائع فيختص بالناجش وقد يختص به البائع كمن يخبر بأنه اشترى سلعة بأكثر مما شراها [173/ ب] به ليغر غيره بذلك. قال ابن بطال (¬3): أجمع العلماء على أن الناجش عاصٍ بفعله واختلفوا في البيع إذا وقع على ذلك، فنقل ابن المنذر (¬4) عن طائفة من أهل الحديث فساد ذلك البيع وهو قول الظاهرية (¬5)، ورواية عن مالك (¬6) وهو المشهور عند الحنابلة. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في صحيحه (4/ 355 رقم الباب "60" - مع الفتح) معلقاً. وقال الحافظ في "الفتح" (4/ 356): "هذا طرف من حديث أورده المصنف في "الشهادة" برقم (2675). (¬2) في المعجم الكبير كما في "مجمع الزوائد" (4/ 83) وقال الهيثمي: "رواه الطبراني في الكبير، ورجاله ثقات, إلا أني لا أعرف للعوام بن حوشب من ابن أبي أوفى سماع. والله أعلم". اهـ. (¬3) في شرحه لصحيح البخاري (6/ 270) وانظر: "المعرفة" (8/ 159). (¬4) حكاه عنه الحافظ في "الفتح" (4/ 355). (¬5) في "المحلى" (8/ 448). (¬6) مدونة الفقه المالكي وأدلته (3/ 442 - 444).

الفصل الرابع: في [الشرط] والاستثناء

قوله: "وهو خداع باطل لا يحل". أقول: هكذا ساقه ابن الأثير كسياق المصنف وهو ظاهر أنه من كلام ابن أبي أوفى، وقال الحافظ في الفتح (¬1): أنه من تتمة المصنف - أي: البخاري - وليس من تتمة كلام ابن أبي أوفى. قوله: "ذكره البخاري تعليقاً". أي: ذكر كلام ابن أبي أوفى معلقاً له مسقطاً منه [أول] (¬2) الراوي من أوله فإنه قال البخاري (¬3): باب النجش، ومن قال إنه لا يجوز ذلك البيع، وقال ابن أبي أوفى ... وساقه. فهو قد حذف السند جميعه لا أوله فقط. الفصل الرابع: في [الشرط (¬4)] والاستثناء 271/ 1 - عن ابن مسعود - رضي الله عنه -: أَنَّه اشْتَرَى جَارِيَةً مِنِ امْرَأَتِهِ وَاشْتَرَطَتْ عَلَيْهِ أَنَّكَ إِنْ بِعْتَهَا فَهِيَ لِي بِالثَّمَنِ الَّذِي ابْتَعْتَهَا بِهِ، فَاسْتَفْتَى فِي ذَلِكَ عُمَرَ - رضي الله عنه -، فَقَالَ: لاَ تَقْرَبْهَا وَفِيهَا شَرْطٌ لأَحَدٍ. أخرجه مالك (¬5). [موقوف ضعيف]. الحديث الأول: قوله: "فقال عمر: لا تقربها وفيها شرط". ¬

_ (¬1) في "الفتح" (4/ 356). (¬2) في المخطوط (ب): رجال. (¬3) في صحيحه (4/ 355 رقم الباب (60) - مع الفتح). (¬4) في المخطوط (ب): الشروط. (¬5) في "الموطأ" (2/ 616 رقم 5). وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (5/ 336) وعبد الرزاق في المصنف رقم (14291) وابن أبي شيبة في المصنف (6/ 491 رقم 1798) من طرق, وسنده ضعيف لانقطاعه.

قال أبو عمر ابن عبد البر: أما ظاهر قول عمر "لا تقربها"، أنه أمضى شراءه لها ونهاه عن مسيسها، هذا هو الأظهر فيه. ويحتمل قوله "لا تقربها" أي: تنح عنها وافسخ في البيع فيها فهو بيع فاسد. قال: وحجة من قال إنه بيع فاسد أن البائع لم تطب نفسه بالبيع إلا بأن يلتزم المشتري شرطه، وعلى ذلك ملكه ما كان يملكه ولم يرض بإخراج السلعة من يده إلا بذلك، فإذا لم يسلم له شرطه لم يملك عليه ما ابتاعه بطيب نفس، فوجب فسخ البيع بينهما لفساد الشرط الذي يمنع به المبتاع من التصرف فيما ابتاعه تصرف ذي الملك في ملكه. وحجة من رأى الشرط والبيع جائز [174/ ب] من حديث جابر في أنه - صلى الله عليه وسلم - شرى بعيره وشرط له ظهره إلى المدينة وسيأتي. 272/ 2 - وعن عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص عن أبيه عن جده عبد الله - رضي الله عنه - قال: "نَهَى رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - عَنْ بَيْع الْعُرْبَانِ". أخرجه مالك (¬1) وأبو داود (¬2). [حسن لغيره]. وقال مالك: وذلك فيما نرى والله أعلم أن يشترى الرجل العبد أو الوليدة أو يتكارى الدابة، ثم يقول الذي اشترى منه أو تكارى منه: أعطيك ديناراً أو درهماً، أو أكثر من ذلك، أو ¬

_ (¬1) في "الموطأ" (2/ 609) رقم (1). (¬2) في "السنن" رقم (3502). قلت: وأخرجه ابن ماجه رقم (2192) و (2193) وأحمد في المسند (2/ 183) بسند ضعيف، لانقطاعه بين مالك وعمرو بن شعيب أو لجهالة شيخ مالك، ويقال: إنه ابن لهيعة. لكن أخرجه ابن عدي في "الكامل" (4/ 1471) ومن طريقه البيهقي (5/ 343)، وابن عبد البر في "التمهيد" (24/ 17) من طريق قتيبة بن سعيد، وأسد بن موسى، كلاهما عن ابن لهيعة، عن عمرو به موصولاً، وإسناده حسن، وخلاصة القول أن الحديث حسن لغيره. وقد حكمت عليه بالضعف في تخريج "نيل الأوطار" (10/ 46 - 47) فليعلم.

أقل على أني إن أخذت السلعة أو ركبت الدابة فالذي أعطيك هو من ثمن السلعة أو من كراء الدابة، وإن تركت ابتياع السلعة أو كراء الدابة فما أعطيك باطل بغير شيء. الثاني: حديث عمرو بن شعيب. قوله: "عن بيع العربان". أقول: بضم المهملة وسكون الراء فموحدة بعد ألفه نون، ويقال: عربون وعربون بفتح المهملة وفتح الموحدة. [44/ أ]. قوله: "أو يتكارى الدابة" أدخله في البيع؛ لأن الكراء بيع منفعة. قوله: "باطل بغير شيء". أي: أنه باطل على أجرة وقد صار لك بغير شيء. قال ابن عبد البر (¬1): إن تفسير العربون بما ذكره مالك هو قول فقهاء الأمصار من الحجازيين والعراقيين. قال: وإنما نهى عنه؛ لأنه من بيع الغرور والمخاطرة، وأكل المال بالباطل، وبيع العربان بكل حال مفسوخ، ويرد على كل حال ما أخذ عرباناً في الشراء والكراء. وأما لو أنه شرى من رجل ثوباً وأعطاه من قيمته درهماً فإن رضيه أخذه وإن سخطه رده وأخذ الدرهم فأجازه مالك (¬2). ¬

_ (¬1) في "التمهيد" (12/ 9 - 10 - الفاروق). (¬2) بيع العربون: هو أن يدفع المشتري جزءاً من الثمن مقدماً على أنه إن تم البغ حُسب من الثمن، وإن رجع المشتري وكره إتمام البيع لا يرجع إليه ما دفعه. وبيع العربون على هذه الصورة ممنوع عند المالكية لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده - وهو حديث حسن لغيره - ولأنه بيع غرر وأكل مال بالباطل. وهو أيضاً قول الشافعي، وأصحاب الرأي، وبعض الحنابلة, وقال الإمام أحمد: لا بأس به، وفعله عمر لما اشترى دار السجن من صفوان بن أمية, وضعف الحديث المروي في النهي عنه. =

قوله: "أخرجه الموطأ وأبو داود". أقول: قال المنذري (¬1): وأخرجه ابن ماجه (¬2) وهذا منقطع. انتهى. قلت: لأن لفظه في سنن أبي داود (¬3): حدثنا عبد الله بن [مسلمة] (¬4) قال: قرأت على مالك بن أنس أنه بلغه عن عمرو بن شعيب الحديث. قلت: ولفظه في الموطأ (¬5): مالك عن الثقة عنده عن عمرو بن شعيب ... الحديث. قال ابن عبد البر (¬6): هكذا قال ذلك جماعة من رواة الموطأ. وأما القعنبي وآخرون [175/ ب] معه قد عدهم ابن عبد البر فقالوا فيه: عن مالك أنه بلغه عن عمرو بن شعيب. قال: وقد تكلم الناس في الثقة عند مالك في هذا الموضع قال: وأشبه ما قيل فيه أنه ابن لهيعة؛ لأن هذا الحديث أكثر ما يعرف عند ابن لهيعة عن عمرو بن شعيب ... إلى آخره. ¬

_ = وقال الجمهور: يحتمل أن الشراء الذي اشتري لعمر بالعربون كان على العربون الجائز الذي يرد فيه العربون إذا لم يتم البيع، حتى يتفق فعل عمر مع الحديث. وقد أخذ مجمع الفقه الإسلامي في قراره (رقم 76 - 3/ و8) بجواز بيع العربون إذا قيد من الانتظار بمدة محدود، فيحسب العربون من الثمن إذا تم الشراء، وإذا ترك المشتري إتمام العقد يكون العربون من حق البائع. [مدونة الفقه المالكي وأدلته (3/ 434 - 435) والمغني (6/ 331 - 332)، والمجموع شرح المهذب (9/ 408)]. (¬1) في "المختصر" (5/ 143). (¬2) في السنن رقم (2192) وقد تقدم. (¬3) رقم (3502) وقد تقدم. (¬4) في المخطوط (ب): علي وهو تحريف من الناسخ والصواب من (أ) المثبت. (¬5) (2/ 616 رقم 5) وقد تقدم. (¬6) في "التمهيد" (12/ 7 - 8 - الفاروق).

قلت: وابن لهيعة لهم فيه كلام معروف يضعفونه في الرواية. قال: وقد رواه حبيب (¬1) كاتب مالك عن عبد الله بن عامر السلمي عن عمرو بن شعيب بإسناده، ولكن حبيب متروك ما يستقل بحديثه ويقولون: إنه كذاب فيما يحدث فيه. انتهى. قلت: وعبد الله بن عامر الأسلمي قال المنذري (¬2): لا يحتج به. 273/ 3 - وَعَنْ عبد الله بْنِ أَبِي بَكْرٍ، أَنَّ جَدَّهُ مُحَمَّدَ بْنَ عَمْرِو بَاعَ ثَمَرَ حَائِطٍ لَهُ يُقَالُ لَهُ الأَفْرَاقُ بِأَرْبَعَةِ آلاَفِ دِرْهَمٍ، وَاسْتَثْنَى بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ (¬3). [مقطوع ضعيف]. قوله: "إن جده محمد بن عمرو". أي: ابن حزم. هذه مسألة فيها خلاف؛ فذهب مالك إلى جواز البيع لثمر حائط فيستثنى مالكه ما بينه وبين ثلث الثمرة لا يجاوز ذلك. قال ابن عبد البر (¬4): أما فقهاء الأمصار الذين دارت عليهم الفتيا وألفت الكتب على مذاهبهم فكلهم يقول: إن ذلك لا يجوز بيعه واستثناء شيء منه معلوم قل أو كثر، بل البيع في ¬

_ (¬1) حبيب بن أبي حبيب, كاتب الليث، واسم أبيه زريق، وقيل: مرزوق، أبو محمد المصري، وقيل المدني: قال أحمد: ليس بثقة، قال ابن معين: ليس بشيء، وقال أبو داود: كان من أكذب الناس، قال ابن عدي: أحاديثه كلها موضوعة [المجروحين (1/ 265) والميزان (1/ 452) والجرح والتعديل (3/ 100). (¬2) في "المختصر" (5/ 143). (¬3) في "الموطأ" (2/ 622 رقم 18). وأخرجه البيهقي في (المعرفة) (4/ 329 رقم 3415 - العلمية). وإسناده ضعيف منقطع. وقد أخرجه محمد بن الحسن الشيباني (ص 268 رقم 762) عن مالك، عن عبد الله بن أبي بكر، عن أبيه: أن محمداً ... وهذا موصول، لكن محمداً هذا ضعيف، والصحيح ما أخرجه الآخرون عن مالك، والخلاصة أنه مقطوع ضعيف، والله أعلم. (¬4) الاستذكار (19/ 133 رقم 28477).

ذلك باطل، ولو استثنى مداً واحداً؛ لأن ما بعد ذلك المد ونحوه مجهول، وقال مالك: إنه لا يرى بذلك بأساً إذا لم يجاوز الثلث؛ لأن رب الحائط إنما استثنى شيئاً من ثمر حائطه نفسه، وإنما ذلك شيء احتبسه [176/ ب] من حائطه وأمسكه ولم يبعه وباع من حائطه ما سوى ذلك. انتهى. قلت: ولم يستدل لتحديده لما دون الثلث، ولا يخفى أن فعل محمد بن عمرو بن حزم ليس بحجة ولكنه يقال: الأصل جواز هذا البيع؛ لأنه تجارة عن تراضٍ فالدليل على المانع. وأما حديث "نهى عن استثناء" فقد فسر بأن يستثني البائع شيئاً غير معلوم. 274/ 4 - وَعَنْ مَالِكٍ - رحمه الله - أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ بَيْعٍ وَسَلَفٍ، أخرجهما مَالِكٌ (¬1). قَالَ: وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ آخُذُ سِلْعَتَكَ بِكَذَا وَكَذَا عَلَى أَنْ تُسْلِفَنِي كَذَا وَكَذَا. فَإِنْ عَقَدَا بَيْعَهُمَا عَلَى هَذَا فَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ. الخامس: 275/ 5 - وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عبد الله - رضي الله عنه - قَالَ: غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فتلاَحَقَ بِي رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وَأَنَا عَلَى نَاضِحٍ لَنَا قَدْ أَعْيَا، قال: فتَخَلّفَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فزجَرَهُ وَدَعَا لَهُ، فَمَا زَالَ بيْنَ يَدَىِ الإِبِلِ. فَقَالَ لِي: "كَيْفَ تَرَى بَعِيرَكَ؟ ". فَقُلْتُ بِخيرٍ، قَدْ أَصَابَتْهُ بَرَكَتُكَ. قَالَ "أفَتَبِيعُنِيهِ". قَالَ: فَاسْتَحْيَيْتُ، وَلَمْ يَكُنْ لَنَا نَاضِحٌ غَيْرَهُ. قَالَ فَقُلْتُ نَعَمْ، فَبِعْتُهُ إِيَّاهُ عَلَى أَنَّ لِي فَقَارَ ظَهْرِهِ حَتَّى أَبْلُغَ الْمَدِينَةَ، قَالَ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله! إِنِّي عَرُوسٌ، فَاسْتَأْذَنْتُهُ فَأَذِنَ لِي، فتقَدَّمْتُ النَّاسَ إِلَى الْمَدِينَةِ حَتَّى أَتَيْتُ الْمَدِينَةَ، فَلَقِيَنِي خَالِي فَسَأَلَنِي عَنِ الْبَعِيرِ، فَأَخبرْتُهُ بِمَا ¬

_ (¬1) في "الموطأ" (3/ 657 رقم 69). وأخرجه أبو داود رقم (3504) والترمذي رقم (1234) والنسائي رقم (4611) وسنده حسن. وهو حديث حسن.

صَنَعْتُ فِيهِ فَلاَمَنِي، وَقَدْ كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لِي حِينَ اسْتَأْذَنْتُهُ: "هَلْ تَزَوَّجْتَ بِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا". قُلْتُ: بَلْ ثَيِّبًا. قَالَ: "هَلاَّ بِكْرًا تُلاَعِبُهَا وَتُلاَعِبُكَ"، قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله تُوُفِّىَ وَالِدِي وَلِي أَخَوَاتٌ صِغَارٌ، فَكَرِهْتُ أَنْ أتَزَوَّجَ مِثْلَهُنَّ، فَلاَ تُؤَدِّبُهُنَّ، وَلاَ تَقُومُ عَلَيْهِنَّ، فتزَوَّجْتُ ثَيِّبًا لِتَقُومَ عَلَيْهِنَّ وَتُؤَدِّبَهُنَّ، قَالَ فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - الْمَدِينَةَ غَدَوْتُ عَلَيْهِ بِالْبَعِيرِ، فَأَعْطَانِي ثَمَنَهُ، وَرَدَّهُ عَلَىَّ. أخرجه الخمسة (¬1). [صحيح]. وفي أخرى (¬2) قال: "بِعْنِيهِ بِأوْقِيَّةٍ". قُلْتُ لاَ. قَالَ "بِعْنيِهِ بِأوْقِيَّةٍ". فَبِعْتُهُ وَاسْتَثْنَيْتُ حُمْلاَنَهُ إِلَى أَهلي، فَلَمّا قَدِمْنَا أَتَيْتُهُ بِالْجَمَلِ وَنَقَدَنِي ثَمَنَهُ ثُمَّ انْصَرَفْتُ فَأَرْسَلَ عَلَى إِثْرِي فَقَالَ: "مَا كُنْتُ لآخُذَ جَمَلَكَ, فَخُذْ جَمَلَكَ فَهُوَ لَكَ". [صحيح]. وفي أخرى (3): أفْقَرَني رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - ظَهْرَهُ إِلَى المَدِيْنة. وفي أخرى (3): لك ظهره إلى المدينة. وفي أخرى (3): فشرط ظهره إلى المدينة. قال البخاري: الاشتراط أكثر وأصحُّ. وفي أخرى (3): بأربعة دنانير، وهذا يكون أوقية على حساب الدينار بعشرة. وفي أخرى (3): أوقية ذهب. وأخرى (3): مائتي درهم. وأخرى (3): بأربع أواقي. وأخرى (¬3): بعشرين ديناراً. ¬

_ (¬1) البخاري رقم (2967) ومسلم رقم (110/ 715) والنسائي رقم (4637) وأبو داود رقم (3505) والترمذي رقم (1253) وابن ماجه (2205). (¬2) البخاري رقم (2718) ومسلم رقم (109/ 715). (¬3) البخاري بإثر الحديث رقم (2718).

وأخرى (¬1): "فَإِذَا قَدِمْتَ فَالْكَيْسَ الْكَيْسَ". وَفِيْها: وَقَدِمْتُ الْمَدِيْنةَ بِالْغَدَاةِ فَجِئْتُ الْمَسْجِدَ فَوَجَدْتُهُ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: "الآنَ قَدِمْتَ". قُلْتُ نَعَمْ. قَالَ: "فَدَعْ جَمَلَكَ وَادْخُلْ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ". قَالَ فَدَخَلْتُ فَصَلَّيْتُ ثُمَّ رَجَعْتُ، فَأَمَرَ بِلاَلاً أَنْ يَزِنَ لِي أُوقيَّةً فَوَزَنَ لِي بِلاَلٌ فَأَرْجَحَ. [صحيح]. وفي أخرى (¬2) قال: فَلَمَّا ذَهَبْنَا لِنَدْخُلَ قَالَ: "أَمْهِلُوا حَتَّى نَدْخُلَ لَيْلاً كَيْ تَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ وَتَسْتَحِدَّ الْمُغِيبَةُ". [صحيح]. وفي أخرى لمسلم (¬3) قال: "بِعْني جَمَلَكَ هَذَا". قُلْتُ: لاَ، بَلْ هُوَ لَكَ. قَالَ: "لاَ بَلْ بِعْنِيهِ". قُلْتُ: لاَ، بَلْ هُوَ لَكَ يَا رَسُولَ الله. قَالَ: "لَا بَلْ بِعْنِيِه". قُلْتُ فَإِنَّ لِرَجُلٍ عَلَىَّ أُوقِيَّةَ ذَهَبٍ فَهُوَ لَكَ بِهَا. قَالَ: "قَدْ أَخَذْتُهُ فَتبَلَّغْ عَلَيْهِ إِلَى الْمَدينَةِ". فَلَمّا قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ قَالَ لِبِلاَلٍ: "أَعْطِهِ أُوقِيَّةً مِنْ ذهَبٍ وَزِدهُ". فَزَادَنِى قِيرَاطاً، فَقُلْتُ: لاَ تُفَارِقُنِي زِيَادَةُ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فكَانَ فِي كِيسٍ لِي إِلَى أَنْ أَخَذَهُ أَهْلُ الشَّامِ يَوْمَ الْحَرَّةِ. [صحيح]. وله في أخرى (¬4): أَتَبِيعُنِيهِ بِكَذَا وَكَذَا وَالله يَغْفِرُ لَكَ؟ قُلْتُ: هُوَ لَكَ، فَمَا زَالَ يَزِيْدُنِي وَيَقُول: والله تَعَالَى يَغْفِرُ لَكَ. قالها ثلاثاً. [صحيح]. وفي أخرى (¬5): وقال لي: "اركب بسم الله"، فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ دَخَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الْمَسْجِدَ فِي طَوَائِفِ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَدَخَلْتُ إِلَيْهِ، وَعَقَلْتُ الْجَمَلَ فِي نَاحِيَةِ الْبَلاَطِ. فَقُلْتُ لَهُ هَذَا جَمَلُكَ. فَخَرَجَ، فجَعَلَ يُطِيفُ بِالْجَمَلِ وَيَقُولُ "الْجَمَلُ جَمَلُنَا". فَبَعَثَ بأَوَاقي مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ: ¬

_ (¬1) البخاري رقم (2097) ومسلم (2/ 1089 - الرضاع). (¬2) البخاري رقم (5079، 5245) ومسلم (2/ 1088 - الرضاع). (¬3) مسلم (3/ 1222). (¬4) مسلم (2/ 1089). (¬5) البخاري رقم (2861) ومسلم (2/ 1223).

"أَعْطُوهَا جَابِرًا". ثُمَّ قَالَ "اسْتَوْفَيْتَ الثَّمَنَ". فقُلْتُ نَعَمْ. فَقَالَ "الثَّمَنُ وَالْجَمَلُ لَك". [صحيح]. قوله: "على ناضح". الناضح: الجمل يستقى عليه الماء ليسقي عليه النخل والزرع وغيره. واعلم أن لحديث جابر عدة ألفاظ مختلفة قد تقصاها ابن الأثير (¬1) وأتى المصنف ببعض وداخل ألفاظ الروايات. قال ابن الأثير (¬2) بعد سياقه الحديث: "وهذا متفق عليه بين البخاري، ومسلم، والترمذي، وأبي داود، علمنا عليه علاماتهم الأربع وإن لم يكن جميع الحديث متفقاً عليه". قوله: "فَقَار ظهره". الفقار بتقديم الفاء على القاف آخره راء، خَرَزُ الظَّهْر، يقال: أفقرتك ناقتي أعرتك فقارها لتركبها (3). هذا اللفظ هو المراد من الحديث هنا بيع شرط. قوله: "عروس". العروس: اسم يقع على الرجل وعلى المرأة، إذا دخل أحدهما [177/ ب] بالآخر يقال: رجل عروس، وامرأة عروس (¬3). قوله: "خالي". أقول: اسمه جد، بفتح الجيم وتشديد الدال، ابن قيس. قوله: "وفي أخرى أفقرني ظهره إلى المدينة". ¬

_ (¬1) في "جامع الأصول" (1/ 509 - 517 رقم 340). (¬2) في "جامع الأصول" (1/ 516). (¬3) "جامع الأصول (1/ 518).

قلت: ساق ابن الأثير (¬1) أربعه ألفاظ هنا للبخاري رابعها: "فبعته على أن لي فقار ظهره حتى أبلغ المدينة". وقوله: "حُملانه"، بضم المهملة، الحمل والمنقول محذوف، أي: استثنيت حمله إياي. قوله: "قال البخاري: الاشتراط أكثر وأصحُّ". زاد ابن الأثير (¬2): "عندي". وهي لفظ البخاري فما كان يحسن من المصنف حذفها؛ لأنه بقي كلام البخاري إخباراً أنه كذلك عند كل أحد. قال ابن حجر (¬3): أي: أكثر طرقاً وأصح مخرجاً، وأشار بذلك إلى أن الرواة اختلفوا عن جابر في هذه الواقعة هل وقع الشرط في العقد عند البيع أو كان ركوبه للجمل بعد بيعه إباحة من النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد شراءه على طريق العارية. قال (¬4) [45/ أ]: والحاصل أن الذين ذكروه بصيغة الاشتراط أكثر عدداً من الذين خالفوهم، وهذا وجه من وجوه الترجيح فيكون أصح، ويترجح أيضاً بأن الذين رووه بصيغة الاشتراط معهم زيادة وهم حفاظ فيكون حجة, وليست رواية من لم يذكر الاشتراط منافية لرواية من ذكره؛ لأن قوله: "لك ظهره" [178/ ب] و"أفقرناك ظهره" و"تبلغ عليه" لا يمنع وقوع الاشتراط قبل ذلك. ثم قال الحافظ (¬5): وما ذكره المصنف - أي: البخاري - من ترجيح رواية الاشتراط هو الجاري على طريقة المحققين من أهل الحديث؛ لأنهم لا يتوقفون عن تصحيح المتن إذا وقع ¬

_ (¬1) "جامع الأصول" (1/ 511 - 512). (¬2) "جامع الأصول" (1/ 512). (¬3) في "فتح الباري" (5/ 318). (¬4) أي ابن حجر في "فتح الباري" (5/ 318). (¬5) في "فتح الباري" (5/ 318).

فيه الاختلاف إلا إذا تكافأت الروايات وهو شرط الاضطراب الذي يرد به الخبر وهو مفقود هنا مع إمكان الترجيح. ثم نقل عن (¬1) الإسماعيلي أنه قال: قوله: "ولك ظهره"، وعد قائم مقام الشرط؛ لأن وعده - صلى الله عليه وسلم - لا خلف فيه وهبته لا رجوع فيها لتنزيه الله له عن دناءة الأخلاق، فلذلك ساغ لبعض الرواة أن يعبر عنه بالشرط، ولا يلزم أن يجوز ذلك في حق غيره - صلى الله عليه وسلم -. وحاصله أن الشطر لم يقع في نفس العقد، وإنما وقع سابقاً أو لاحقاً، فتبرع بمنفعته أولاً كما تبرع برقبته آخراً. قال الحافظ (¬2): إن هذا عنده أقوى الوجوه في نظري. قوله: "وأخرى بعشرين ديناراً". أقول: عد خمس روايات في قدر الثمن، ومثله في الجامع (¬3) وزاد: قال البخاري: أقول: الذي بأوقية أكثر. انتهى. وهذا هو لفظ البخاري في صحيحه إشارة إلى ترجيح رواية الأوقية، وما كان [179/ ب] يحسن من المصنف حذفها وهي في الجامع (¬4). وقال القرطبي: اختلفوا في ثمن الجمل اختلافاً لا يقبل التلفيق وتكلف ذلك بعيد عن التحقيق وهو مبني على أمر لم يصح نقله، ولا استقام ضبطه مع أنه لا يتعلق بتحقيق ذلك حكم، وإنما يحصل من مجموع الروايات أنه باعه البعير بثمن معلوم بينهما وزاده عند الوفاء زيادة معلومة، ولا يضر عدم العلم بتحقيق ذلك (¬5). ¬

_ (¬1) أي ابن حجر في "فتح الباري" (5/ 319). (¬2) في "فتح الباري" (5/ 319). (¬3) في "جامع الأصول" (1/ 512 - 513). (¬4) "جامع الأصول" (1/ 513). (¬5) في "المفهم" (4/ 501).

قال الإسماعيلي (¬1): ليس اختلافهم في قدر الثمن بضائر؛ لأن الغرض الذي سيق الحديث لأجله بيان كرمه - صلى الله عليه وسلم - وتواضعه وحنوه على أصحابه، وبركة دعائه، وغير ذلك, ولا يلزم من وهم بعضهم في قدر الثمن توهين لأصل الحديث. انتهى. قال الحافظ (¬2) - بعد نقله - قلت: وما جنح إليه البخاري من الترجيح [أقعد] (¬3)، وبالرجوع إلى التحقيق أسعد فليعتمد ذلك، وبالله التوفيق. انتهى. قوله: "فالكَيْس الكَيْس" (4). بفتح الكاف وسكون المثناة التحتية فسين مهملة الجماع والعقل فكأنه جعل طلب الولد عقله. قوله: "تمتشط [180/ ب] الشعثة" (4). الامتشاط تسريح الشعر، يعني: حتى تصلح من شأنها، بحيث إذا قدم بعلها وجدها متجملة حسنة الحال. "الشعثة" (4). المرأة البعيدة العهد بالغسل والتسريح. قوله: "وتستحد" (4) بالمهملات من الحديد وهو أخذ بالموسى وغيرها، وهذا أيضاً كالأول. و"المغيبة" (¬4) بضم الميم [فغين] (¬5) معجمة، التي غاب عنها زوجها. قوله: "قد أخذته فتبلغ عليه إلى المدينة". هذا من أدلة أنه أعاره - صلى الله عليه وسلم - بعد تمام العقد وملكه - صلى الله عليه وسلم - للحمل. ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (5/ 321). (¬2) في "الفتح" (5/ 321). (¬3) في المخطوط (ب): (أقوت). والمثبت من (أ) والفتح. (¬4) "جامع الأصول" (1/ 518). (¬5) في المخطوط (ب): (بغين).

قوله: "قالها ثلاثاً". أقول: وللنسائي من طريق أبي الزبير عن جابر قال: "استغفر لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة البعير خمساً وعشرين مرة". قوله: "البلاط" (¬1). أقول: بفتح الموحدة، ما تفرش به الأرض من حجارة أو غيرها، ثم سمى المكان بلاطاً على المجاز، وهو مكان معروف بالمدينة، وهو بقرب مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. السادس: حديث بريرة: 276/ 6 - وَعَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها -: أَنَّ بَرِيرَةَ جَاءتْها لتَسْتَعِينَ فِي كِتَابَتِهَا، وَلَمْ تَكُنْ قَضَتْ مِنْ كِتَابَتِهَا شَيْئًا، فَقَالَتْ لَهَا عَائِشَةُ: ارْجِعِي إِلَى أَهْلِكِ، فَإِنْ أَحَبُّوا أَنْ أَقْضِىَ عَنْكِ كِتَابَتَكِ، وَيَكُونَ وَلاَؤُكِ لِي فَعَلْتُ. فَذَكَرَتْ ذَلِكَ بَرِيرَةُ لأَهْلِهَا فَأَبَوْا، وَقَالُوا إِنْ شَاءَتْ أَنْ تَحْتَسِبَ عَلَيْكِ فَلْتَفْعَلْ، وَيَكُونَ لَنَا وَلاَؤُكِ، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فقَالَ لَهَا: "ابْتَاعِي وَأَعْتِقِي فَإِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ". ثُمَّ قَامَ فَقَالَ: "مَا بَالُ أُنَاسٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كتَابِ الله تَعَالى! مَنِ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كتَابِ الله فَلَيْسَ لَهُ، وَإِنْ اشْتَرَطَ مِائَةَ شَرْطُ، شَرْطُ الله تَعَالى أَحَقُّ وَأَوْثَقُ". أخرجه الستة (¬2). [صحيح]. وفي أخرى (¬3) قال: "اشْتَرِيهَا وَأَعْتِقِيهَا وَلْيَشْتَرِطُوا مَا شَاءُوا"، فَاشْتَرَتْهَا وَأَعْتَقْتُهَا، وَاشْتَرَطَ أَهْلُهَا وَلاَءَهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ، وَإِنِ اشْتَرَطُوا مِائَةَ شَرْطٍ". [صحيح]. ¬

_ (¬1) "جامع الأصول" (1/ 519). (¬2) البخاري رقم (2561) و (2155) ومسلم (2/ 1141) رقم (6/ 1504) ومالك في الموطأ (2/ 780) وأبو داود رقم (3930) والنسائي رقم (3451). (¬3) البخاري رقم (2565).

قال النووي (¬1): هذا حديث عظيم كثير الأحكام والقواعد، وفيه مواضع تشعبت فيها مذاهب: (أحدها): أنها كانت مكاتبة وباعها مواليها واشترتها عائشة, وأقر النبي - صلى الله عليه وسلم - بيعها، فيدل على جواز بيع المكاتب وهو رأي جماعة من التابعين (¬2)، وأحمد (¬3)، ومالك (¬4). وقال قوم منهم الشافعي (¬5): لا يجوز بيعه وحملوا هذه القصة على أنها عجزت نفسها وفسخت الكتابة. (الثاني): قوله - صلى الله عليه وسلم -[181/ ب]: "اشتريها وأعتقيها واشترطي لهم الولاء فإن الولاء لمن أعتق". وهذا مشكل من حيث أنها اشترتها واشترطت لهم الولاء، وهذا الشرط يفسد البيع، ومن حيث أنها خدعت البائعين وشرطت لهم ما لا يصح ولا يحصل لهم فكيف أذن - صلى الله عليه وسلم -[46/ أ] لعائشة في هذا؟! ولهذا أنكر بعض العلماء هذا الحديث بجملته وهذا يروى عن يحيى بن أكثم (¬6)، واستدل بسقوط هذه اللفظة في كثير من الروايات. ¬

_ (¬1) في شرحه لصحيح مسلم (10/ 139 - 140). (¬2) انظر "التمهيد" لابن عبد البر (13/ 343). (¬3) المغني لابن قدامة (14/ 535 رقم المسألة 2000) و"اختيارات ابن قدامة" (3/ 448 - 451). (¬4) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (4/ 106) والتمهيد (13/ 343). (¬5) في "الأم" (10/ 154 - اختلاف الحديث). (¬6) رواه الخطابي في "معالم السنن" بسنده (4/ 246 - مع السنن). قلت: وأشار الشافعي في "الأم" (10/ 153 - اختلاف الحديث) إلى تضعيف هذه الرواية التي فيها الإذن بالاشتراط لكونه انفرد بها هشام بن عروة دون أصحاب أبيه, وأشار غيره إلى أنه روى بالمعنى الذي وقع له وليس كما ظن، وأثبت الرواية آخرون , وقالوا: هشام ثقة حافظ، والحديث متفق على صحته فلا وجه لرده. "نيل الأوطار" (10/ 129) بتحقيقي.

وقال كثير من العلماء: هذه اللفظة صحيحة. واختلفوا في تأويلها [وذكروا] (¬1) وجوهاً فيها. ثم قال: [والأصح] (¬2) في تأويل الحديث ما قاله أصحابنا في كتب الفقه: إن هذا الشرط خاص في قصة عائشة واحتمل هذا الإذن وإبطاله في هذه القصة خاصة وهي قضية عين لا عموم لها. قالوا: والحكمة في إذنه فيه ثم إبطاله أن يكون أبلغ في قطع عادتهم في ذلك وزجرهم عن مثله. قال: وقد تحتمل المفسدة اليسيرة لتحصيل مصلحة عظيمة. انتهى. وتعقب ابن دقيق العيد (¬3) بأن التخصيص لا يثبت إلا بدليل ولأن الشافعي نص على خلاف هذه القاعدة. قوله: "ليس في كتاب الله". يحتمل أن يراد بكتاب الله حكم الله ويراد بذلك في كونها في كتاب الله بواسطة أو بغير واسطة، فإن الشريعة كلها في كتاب الله بغير واسطة كالنصوصات في القرآن عن الأحكام، وأما بواسطة قوله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} (¬4) {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} (¬5). وقوله: [182/ ب] "وشرط الله". أي: قضاؤه وحكمه "أحق وأوثق" أي: بالاتباع من الشروط المخالفة لحكم الشرع. قوله: "الولاء لمن أعتق ولو اشترطوا مائة شرط". ¬

_ (¬1) في المخطوط (أ)، (ب): (وذكر) والمثبت يقتضيه المعنى. (¬2) في المخطوط (ب): مكررة. (¬3) في "إحكام الأحكام" (3/ 104). (¬4) سورة الحشر (7). (¬5) سورة التغابن (12).

الفصل الخامس: الأول: في الملامسة والمنابذة

أقول: قال النووي (¬1): قال العلماء: الشرط فى المبيع أقسام: (أحدها): شرط يقتضيه إطلاق العقد بأن شرط تسليمه للمشتري أو تبقية الثمرة على الشجر أوان الجذاذ أو الرد بالعيب. (الثاني): شرط فيه مصلحة، وتدعو إليه الحاجة، كاشتراط الرهن والضمين والخيار، وتأجيل الثمن ونحو ذلك. وهذان القسمان جائزان، ولا يؤثران في صحة العقد بلا خلاف. (الثالث): اشترط العتق في العبد المبيع أو الأمة وهو جائز أيضاً عند الجمهور لحديث عائشة، وترغيباً في العتق لقوته وسرايته. (الرابع): ما سوى ذلك من الشروط كشرط استثناء منفعة أو شرط أن يبيعه شيئاً آخراً، ويكريه داره، ونحو ذلك، فهذا شرط باطل فبطل العقد هكذا قاله الجمهور. وقال أحمد: لا يبطله شرط واحد، وإنما يبطله شرطان. انتهى. الفصل الخامس: الأول: في الملامسة والمنابذة 277/ 1 - عَنْ أَبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ - رضي الله عنه - قَالَ: نَهَى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنْ لِبْسَتَيْنِ وَعَنْ بَيْعَتَيْنِ، نَهَى عَنِ الْمُلاَمَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ فِي الْبَيْعِ، وَالْمُلاَمَسَةُ: لمُسُ الرَّجُلِ ثَوْبَ الآخَرِ بِيَدهِ بِاللَّيْلِ أَوْ النَّهَارِ لاَ يُقَلِّبُهُ، وَالْمُنَابَذَةُ: أَنْ يَنْبِذَ الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ ثَوْبِهِ، وينْبِذَ الآخَرُ بِثَوْبَهُ وَيَكُونَ ذَلِكَ بَيْعَهُمَا مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ وَلاَ تَرَاضٍ، وَاللِّبْسَتَيْنِ اشْتِمَالُ الصَّمَّاءِ: وَهُوَ أَنْ يَجْعَلَ ثَوْبَهُ عَلَى أَحَدِ عَاتِقَيْهِ، فَيَبْدُو أَحَدُ شِقَّيْهِ لَيْسَ عَلَيْهِ ثَوْبٌ، وَاللِّبْسَةُ الأُخْرَى احْتِبَاؤُهُ بِثَوْبِهِ وَهْوَ جَالِسٌ، لَيْسَ عَلَى فَرْجِهِ مِنْهُ شَيْءٌ. أخرجه الخمسة إلا الترمذي (¬2). [صحيح]. ¬

_ (¬1) في شرحه لصحيح مسلم (10/ 142). (¬2) البخاري رقم (5820) ومسلم رقم (1512) مختصراً، ومالك (2/ 781) والنسائي رقم (4515) وأبو داود رقم (3377).

الفصل السادس: في بيع الغرر وغيره

وفي أخرى للنسائي (¬1): وَالْمُنَابَذَةُ: أَنْ يَقُولَ إِذَا نبَذْتُ هَذَا الثَّوْبَ إِلَيْكَ فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعَ، وَالْمُلاَمَسَةُ أَنْ يَمَسَّهُ بِيَده وَلاَ يَنْشُرهُ وَلاَ يُقَلِّبَهُ إِذَا مَسَّ وَجَبَ الْبَيْعُ. [صحيح]. وعنده (¬2) عن ابن عمر: وهي بيوع كانوا يتبايعون بها في الجاهلية. [صحيح لغيره]. قوله: "لا يُقَلِّبه". زاد ابن الأثير (¬3): ولا ينظر إليه ثم يقع البيع عليه، وهذا هو بيع الغرر والمجهول. قوله: "وينبذ الآخر ثوبه"، عبارة الجامع (¬4): "أن يقول أحد المتبايعين للآخر: إذا نبذت إلي الثوب أو نبذته إليك فقد وجب البيع". وقيل: هو أن يقول: إذا نبذت إليك الحصاة فقد وجب [183/ ب] البيع. انتهى. وظاهر كلام المصنف أن كل واحد ينبذ ثوبه، وهو أحد التفاسير في الجامع، ثم قال: قال الفقهاء: وهو باطل؛ لأنه تعليق وعدول عن الصيغة الشرعية. الفصل السادس: في بيع الغرر وغيره أي: في النهي عنه وهي عبارة الجامع. قوله: "وغيره". هو المضطر والحصاة كما فيه. الأول: عن أبي هريرة: 278/ 1 - عَنْ أَبي هُرَيْرَة - رضي الله عنه - قَالَ: "نَهَى رَسُوْلُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَن بَيْعِ الْغَرَرِ وَعَنْ بَيْعِ الْحَصَاةِ". ¬

_ (¬1) في السنن رقم (4514). (¬2) أي النسائي في السنن رقم (4516) وهو حديث صحيح لغيره. (¬3) في "جامع الأصول" (1/ 524). (¬4) "جامع الأصول" (1/ 525).

أخرجه الخمسةُ (¬1). [صحيح]. قوله: "عن بيع الغرر". أقول: الغرر ماله ظاهر يؤثره، وباطن يكرهه, فظاهره يغر المشتري، وباطنه مجهول. وقال النووي (¬2): هو أصل عظيم من أصول كتاب البيوع يدخل فيه مسائل كثيرة غير محصورة، كبيع الآبق، والمعدوم، والمجهول، وما لا يقدر على تسليمه وما لا يتم ملك البائع عينه، وعد نظائر لهذا كثيرة، فكل هذا بيع باطل؛ لأنه غرر من غير حاجة، وقد يحتمل بعض الغرر بيعاً كما يجهل بأساس الدار، وكما إذا باع الشاة الحامل والتي في ضرعها لبن فإنه يصح البيع؛ لأن الأساس تابع للظاهر من الدار، ولأن الحاجة تدعو إليه، ولا يمكن رؤيته، وكذا القول في الحمل واللبن، وكذا أجمع العلماء على بيع أشياء فيها غرر حقير منها، الإجماع على صحة بيع الحبة المحشوة ولم ير حشوها، ولو بيع حشوها بانفراده لم يجز. وأجمعوا: على دخول [184/ ب] الحمام بالأجرة، مع اختلاف الناس في استعمالهم الماء. وعلى جواز الشرب من السقي بالعوض مع جهالة قدر المشروب. قال أصحابنا: والبطلان سبب الغرر والصحة مع وجوده على ما ذكرناه، وهو أنه إن دعت الحاجة إلى ارتكاب الغرر ولا يمكن الاحتراز منه إلا بمشقة أو كان الغرر حقيراً جاز البيع وإلا فلا. واعلم أن بيع الملامسة، وبيع المنابذة، وحبل الحبلة، وبيع الحصاه, وعسب الفحل، وأشباهها من البيوع التي جاء فيها نصوص خاصة هي داخلة في النهي عن بيع الغرر، ولكن أفردت بالذكر، ونهى عنها لكونها من معاملات الجاهلية المشهورة. انتهى. [47/ أ]. ¬

_ (¬1) مسلم رقم (1513) والترمذي رقم (1230) وأبو داود رقم (3376) والنسائي رقم (4518). ومالك في الموطأ (2/ 664) وهو مرسل، لكنه بمعنى حديث أبي هريرة. (¬2) في شرحه لصحيح مسلم (10/ 156 - 157).

قوله: "وعن بيع الحصاة (¬1) ". أقول: اختلف في تفسيره, فقيل: هو أن يقول: بعتك من هذه الأثواب ما وقعت عليه هذه الحصاة، ويرمي حصاة؛ أو من هذه الأرض ما انتهت إليه في الرمي. وقيل: هو أن يشترط الخيار إلى أن يرمي الحصاة. وقيل: أن يجعلا نفس المرمي بيعاً. قوله: "إلا البخاري" أي: فإنه لم يخرجه وقد بوب لبيع (¬2) الغرر لكنه قال الحافظ (¬3): ولم يذكر في الباب بيع الغرر صريحاً، وكأنه أشار إلى ما أخرجه أحمد (¬4) وساق بسنده إلى ابن عمر أنه - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الغرر. 279/ 2 - وَفِي أُخْرَى لَأبي دَاوُدَ (¬5) عَنْ عَليٍّ - رضي الله عنه - قَالَ: يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمانٌ عَضُوضٌ يَعَضُّ المُوسِرُ فيهِ على مَا فِي يَدِه، وَيُبَايعُ المُضْطَرُّون وَلَمْ يُؤْمَرُوا بِذلكَ. قال الله تعالى: {وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ}، وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ بَيْعِ الْمُضْطَرِّ، وَعَنْ وَبَيْعِ الْغَرَرِ، وَعَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ أَنْ تُدْرِكَ. [ضعيف]. قوله: "عن علي". أقول: فيه راوٍ مجهول فإنه ساقه أبو داود عن شيخ من تميم قال خطبنا علي ابن أبي طالب [185/ ب]، أو قال: قال علي. ¬

_ (¬1) "جامع الأصول" (1/ 528). (¬2) بوب البخاري لبيع الغرر في صحيحه (4/ 356 رقم الباب 61 - مع الفتح). (¬3) في "الفتح" (4/ 357). (¬4) في االمسند (2/ 144) بسند حسن، محمد بن إسحاق، مدلس. وقد صرح بالتحديث هنا، فانتفت شبهة تدليسه، وهو حديث صحيح. (¬5) في السنن رقم (3382) وفي سنده مجهول، وهو شيخ من بني تميم. وهو حديث ضعيف.

الثاني

قولى: "عضوض"، بالعين المهملة وضادين معجمة، قال ابن الأثير (¬1) هو الكلب، ومنه: مِلْكٌ عَضُوضٌ، إذا كان فيه عَسَفٌ وظُلْمٌ. قوله: "بيع المضطر (¬2) "، هو على وجهين: (الأول): أن يضطر إلى العقد من طريق الإكراه وهذا فاسد. (والثاني): أن يضطر إلى البيع لدين ركبه أو مؤنة ترهقه فيبيع ما في يده بالوَكْسِ، وهذا سبيله من جهة المروة والدين أن لا يبايع على هذا الوجه, ويعان ويُقْرَض، ويمهل عليه إلى المَيْسرة، فإن عقد البيع على هذا الحال جاز ولم يُفْسخ. الحديث الثاني: عن جابر: 280/ 3 - وَعْن جَابِر - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يَبعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ, ودَعُوا النَّاسَ يَرْزُقُ الله بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ". أخرجه الخمسة إلا البخاري (¬3). [صحيح]. أقول: هذا عقد له ابن الأثير فصلاً (¬4) فقال في النهي عن بيع الحاضر للبادي وتلقي الركبان. قال النووي (¬5): هذه الأحاديث.- أي: حديث جابر وغيره مما في معناه - تضمن تحريم بيع الحاضر للبادي. ¬

_ (¬1) في "جامع الأصول" (1/ 528). (¬2) ابن الأثير في "جامع الأصول" (1/ 528 - 529). (¬3) مسلم رقم (1522) وأبو داود رقم (3442) والترمذي رقم (1223) والنسائي رقم (4495) وابن ماجه رقم (2176). (¬4) هو الفصل الخامس: (1/ 529). (¬5) في شرحه لصحيح مسلم (10/ 164).

وبه قال الشافعي (¬1) والأكثرون قال أصحابنا: والمراد أن يقدم غريب من البادية أو من بلد آخر بمتاع تعم الحاجة إليه ليبيعه بسعر يومه فيقول له رجل: اتركه عندي لأبيعه على التدريج بأغلا ثمن، قال أصحابنا: وإنما يحرم بهذه الشروط، قلت: قال ابن دقيق العيد (¬2): أكثر هذه الشروط تدور بين اتباع المعنى أو اللفظ. إلى آخر كلامه في شرح العمدة، وقد بسطناه في حاشيته المسماة بالعدة (¬3). ثم قال النووي (¬4) [186/ ب]: أو بشرط أن يكون عالماً بالنهي، فلو لم يعلم النهي، أو كان المتاع مما لا يحتاج إليه في البلد، أو لا تأثير فيه لقلة ذلك المجلوب لم يحرم ولو خالف وباع الحاضر للبادي لصح البيع مع التحريم، هذا مذهبنا، وبه قال جماعة من المالكية وغيرهم، وقال بعض المالكية (¬5) يفسخ البيع ما لم يفت، وقال عطاء ومجاهد وأبو حنيفة: يصح بيع الحاضر للبادي مطلقاً لحديث "الدين النصيحة (¬6) "، قال وحديث: "النهي عن بيع الحاضر للبادي" منسوخ، وقال بعضهم: إن النهي لكراهة التنزيه, والصحيح الأول ولا يقبل النسخ ولا كراهة التنزيه بمجرد الدعوى. انتهى. ¬

_ (¬1) الحاوي الكبير (5/ 346 - 348) وحلية العلماء (4/ 309 - 311) ومعرفة السنن والآثار (8/ 163 - 165). قلت: وأيضاً الحنابلة انظر المغني (6/ 308 - 310). (¬2) في "إحكام الأحكام" (3/ 115). (¬3) العدة على إحكام الأحكام (3/ 458 - 460). (¬4) في شرحه لصحيح مسلم (10/ 164 - 165). (¬5) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (4/ 111 - 113). (¬6) أخرجه مسلم رقم (95/ 55) من حديث تميم الداري.

وحمل الجمهور حديث "الدين النصيحة (¬1) " على عمومه، إلا في بيع الحاضر للبادي، فهو خاص فيقضى به على العام. وجمع البخاري بينهما بتخصيص النهي عن البيع بالأجرة كالسمسار؛ لأن الذي يبيع بالأجرة لا يكون غرضه نصح البائع غالباً، وإنما غرضه تحصيل الأجرة فاقتضى ذلك إجازة بيع الحاضر للبادي بغير أجرة من باب النصيحة. وفي أخرى للخمسة (¬2) إلا الترمذي عن أنس: نَهَى عَنْ بَيْعِ حَاضِرٍ لِبَادٍ، وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لَأَبِيْه وَأُمَّهِ. [صحيح]. وَفِي أُخْرَى لَأَبِي داود (¬3) والنَّسَائِي (¬4): وإن كان أخاه أو أباه، زاد أبو داود (¬5): في أخرى عن أنس - رضي الله عنه - قال: كان يقال: لا يبع حاضر لباد، وهي كلمة جامعة لا يبيع له شيئاً ولا يبتاع له شيئاً. [صحيح]. قوله: "وفي أخرى عن أنس". أقول: ظاهره أن هذه لأبي داود والنسائي إذ هي عطف على قوله: "وفي أخرى لأبي داود والنسائي". وفي الجامع (¬6): "وفي أخرى لأبي داود" فصرح أنها لأبي داود وحده، وهي ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم رقم (95/ 55) من حديث تميم الداري. (¬2) البخاري رقم (2161) دون قوله: "وإن كان أخاه لأبيه وأمه"، ومسلم رقم (21/ 1523)، واللفظ لمسلم. (¬3) في السنن رقم (3440). (¬4) في السنن رقم (4492، 4493). (¬5) في السنن رقم (3440 م). القائل: "وهي كلمة جامعة ... الخ" هو محمد بن سيرين كما يفهم من رواية أبي عوانة - (3/ 274 رقم 4945) - التي ذكرها الشوكاني في "نيل الأوطار" (10/ 84) بتحقيقي. (¬6) "جامع الأصول" (1/ 530).

كذلك لكنه قال المنذري (¬1): فيه أبو هلال، واسمه [187/ ب] محمد بن سليم الراسبي، ولم يكن راسبياً، وإنما نزل فيهم، وهو مولى لقريش، وتكلم فيه غير واحد. انتهى. قلت: في الميزان (¬2) أبو هلال العبدي الراسبي، وثقه أبو داود، وقال أبو حاتم (¬3): محله الصدق ليس بذاك المتين، وقال النسائي (¬4): ليس بالقوي، وقال ابن معين: صدوق رمي بالقدر. انتهى. وفي التقريب (¬5): صدوق فيه لين. قوله: "ولا يبتاع له شيئاً". أقول: نهى عن البيع له والشراء من أهل الحضر ومقتضى قوله - صلى الله عليه وسلم -: "دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض (¬6) " هو هذا التعميم. ¬

_ (¬1) في "مختصر سنن أبي داود" (5/ 83). (¬2) في "ميزان الاعتدال" (3/ 574 رقم 7646). (¬3) في "الجرح والتعديل" (7/ 273). (¬4) في "الضعفاء والمتروكين" رقم الترجمة (541). (¬5) لابن حجر رقم الترجمة (5923). وقال المحرران للتقريب: بل ضعيف يعتبر به في المتابعات والشواهد. (¬6) أخرجه أحمد في المسند (3/ 418 - 419) و (4/ 259) بسند ضعيف، ولفظه: "دعوا الناس يصيب بعضهم من بعض، فإذا استنصح أحدكم أخاه فلينصحه". وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (4/ 83) وقال: رواه أحمد، وفيه عطاء بن السائب وقد اختلط. وله شاهد من حديث أبي هريرة عند مسلم رقم (5/ 2162) ولفظه: "حق المسلم على المسلم ست: وإذا استنصحك فانصح له ... ". وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "دعوا الناس يصيب بعضهم من بعض" له شاهد من حديث جابر عند مسلم رقم (1522) ولفظه: "دعوا الناس يرزق بعضهم من بعض". وخلاصة القول: أن الحديث صحيح بشواهده. والله أعلم.

الثالث

الثالث: 281/ 3 - وَعَنْ عبد الله بْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تَلَقَّوُا السِّلَعَ حَتَّى يُهْبَطَ بِهَا إِلَى الأسُّوقِ". أخرجه الخمسة (¬1) إلا الترمذي. [صحيح]. وزاد أبو داود (¬2) في أوله: "لاَ يَبِيعُ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَلاَ تَلَقَّوُا السِّلَعَ". [صحيح] وَعِنْدَ النَّسَائِي (¬3) "الجَلَبَ" عِوَضَ السِّلَعِ. [صحيح]. وله في أخرى (¬4): نَهَى عَنِ النَّجْشِ والتَّلَقِّي، أَوْ يَبِيْعُ حَاضِرٍ لِبَادٍ. [صحيح]. وفي أخرى (¬5): نَهَى عَنِ التَّلَقِّي. [صحيح]. وفي أخرى لهم (¬6) عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تَلَقَوُا الرُّكْبَانَ، وَلاَ يَبعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ"، فقال له طاوس: ما قوله: "لاَ يَبعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ" قَالَ: لَا يَكُوْنَ لَه سِمْسَارَاً. قوله: "لا تلقوا السلع". وفي لفظ "الجلب"، أي: المجلوب إلى الأسواق من غيرها. ¬

_ (¬1) البخاري رقم (2165) ومسلم رقم (1412) وأبو داود رقم (3436) والنسائي رقم (4499)، وهو حديث صحيح. (¬2) في السنن رقم (3436). (¬3) في السنن رقم (4499). (¬4) أي النسائي في السنن رقم (4497) وهو حديث صحيح. (¬5) أي النسائي في السنن رقم (4498) وهو حديث صحيح. (¬6) البخاري رقم (2158) ومسلم رقم (19/ 1521) وأبو داود رقم (3439) والنسائي رقم (4500) وهو حديث صحيح.

قال النووي (¬1) في هذه الأحاديث: تحريم تلقي الجلب، وهو مذهب الشافعي (¬2)، ومالك (¬3)، والجمهور. وقال أبو حنيفة (¬4) والأوزاعي: يجوز التلقي ما لم يضر بالناس، فإن ضر كره [48/ أ]، والصحيح الأول للنهي الصريح وشرط التحريم أن يعلم النهي عن التلقي ولو لم يقصد التلقي بل خرج لشغل فاشترى منهم ففي تحريمه وجهان لأصحابنا، وقولان لأصحاب مالك (¬5) أصحهما عند أصحابنا (¬6) التحريم لوجود المعنى. قال العلماء: وسبب التحريم إزالة الضرر عن الجالب وصيانته عمن يخدعه. قال الإمام أبو عبد الله المازري (¬7): فإن قيل: النهي عن بيع الحاضر للبادي سببه الرفق بأهل [188/ ب] البلد، فاحتمل فيه غبن البادي والمنع من التلقي، أن لا يغبن البادي، فلذا قال - صلى الله عليه وسلم -: "فإذا أتى سيده السوق فهو بالخيار" (¬8). ¬

_ (¬1) في شرحه لصحيح مسلم (10/ 163). (¬2) "الأم" (10/ 148 - 149 - اختلاف الحديث) ومعرفة السنن والآثار (8/ 167). (¬3) "بداية المجتهد" (3/ 319) بتحقيقي. (¬4) الاختيار (2/ 272) وبدائع الصنائع (5/ 232). (¬5) "بداية المجتهد" (3/ 319) بتحقيقي، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير (4/ 113). (¬6) أي الشافعية، قال العمراني في "البيان" (5/ 353 - 354) "فرع: وإن خرج لحاجة غير التلقي، فوافى القافلة ... فهل يجوز له أن يشتري منهم؟ فيه وجهان: أحدهما: يجوز؛ لأنه لم يقصد التلقي. والثاني: لا يجوز. قال ابن الصباغ: "وهو الصحيح؛ لأن المعنى الذي نهي عن التلقي لأجله موجود" اهـ. وانظر "المهذب" (3/ 145) و"روضة الطالبين" (3/ 413) والمجموع (12/ 101). (¬7) في "المعلم بفوائد مسلم" (2/ 162). (¬8) وهو حديث صحيح. أخرجه أحمد (2/ 403) ومسلم رقم (17/ 1519) وأبو داود رقم (3437) والترمذي رقم (1221) والنسائي رقم (4501) وابن ماجه رقم (2178) من حديث أبي هريرة.

الرابع

فالجواب: أن الشرع ينظر في مثل هذه المسائل إلى مصلحة الناس، والمصلحة تقتضي أن ينظر للجماعة على الواحد لا للواحد على الواحد، فلما كان البادي إذا باع بنفسه انتفع جميع أهل السوق واشتروا رخيصاً، فانتفع به جميع سكان البلد نظر الشارع لأهل البلد على البادي، ولما كان في التلقي إنما ينتفع المتلقي خاصة وهو واحد في قبالة واحد لم يكن في إباحة التلقي مصلحة لا سيما ومضاف إلى ذلك علة ثابتة وهي تخوف الضرر بأهل السوق في إنفراد المتلقي عنهم بالرخص وقطع المواد عليهم، وهم أكثر من المتلقي فنظر الشرع لهم عليه فلا تناقض بين المسألتين بل هما متفقتان في الحكمة والمصلحة. والله أعلم. انتهى. قوله: "سمساراً". بالمهملتين هو في الأصل القيم بالأمر والحافظ، ثم استعمل في متولي البيع والشراء لغيره (¬1). الرابع: 282/ 4 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: "نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يتلقى الجلب، فمن تلقى فاشتراه فإذا أتى سيده السوق فهو بالخيار". أخرجه الخمسة، وهذا لفظ مسلم والترمذي وأبي داود (¬2). [صحيح]. قوله: "فإذا أتى سيده السوق فهو بالخيار". أقول: ترجم البخاري (¬3) لأحاديث الباب بقوله: باب النهي عن تلقي الركبان وأن بيعه مردود؛ لأن صاحبه عاصٍ آثم إذا كان به عالماً وهو خداع في البيع والخداع لا يجوز. ¬

_ (¬1) انظر "النهاية" لابن الأثير (1/ 805). (¬2) وهو حديث صحيح. أخرجه أحمد (2/ 403) ومسلم رقم (17/ 1519) وأبو داود رقم (3437) والترمذي رقم (1221) والنسائي رقم (4501) وابن ماجة رقم (2178) من حديث أبي هريرة. (¬3) في صحيحه (4/ 373 رقم الباب (71) - مع الفتح).

الخامس

قال الحافظ (¬1): جزم المصنف بأن البيع مردود [189/ ب] بناءً على أن النهي يقتضي الفساد والقول ببطلان البيع صار إليه بعض المالكية (¬2) وبعض الحنابلة (¬3). وقوله: "بالخيار إذا قدم السوق"، وعلم السعر وهل يثبت له مطلقاً أو بشرط أن يقع له في البيع غبن فاحش؟ وجهان أصحهما الأول، وبه قال الحنابلة, وظاهره أيضاً أن النهي لأجل منفعة البائع، وازالة الضرر عنه، وصيانته ممن يخدعه. قال ابن المنذر (¬4): وحمله مالك (¬5) على بيع أهل السوق لا على بيع رب السلعة، وإلى ذلك جنح الكوفيون والأوزاعي، وقال الحديث حجة للشافعي (¬6)؛ لأنه أثبت الخيار للبائع لأهل السوق. قوله: "والترمذي". قلت: وقال: حسن صحيح. الخامس: 283/ 5 - وَعَنْهُ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ بَيْعَتيْنِ فِي بَيْعةٍ. أخرجه الأربعة (¬7). ¬

_ (¬1) في "الفتح" (4/ 374). (¬2) بداية المجتهد (3/ 319) وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير (4/ 113). (¬3) المغني لابن قدامة (6/ 313). (¬4) حكاه الحافظ في "الفتح" (4/ 374). (¬5) بداية المجتهد (3/ 319) وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير (4/ 113). (¬6) المهذب (3/ 145) وروضة الطالبين (3/ 413) والمجموع (12/ 101). (¬7) أخرجه أبو داود رقم (3461) والترمذي رقم (1231) والنسائي رقم (4632) ومالك في "الموطأ" بلاغاً (2/ 663) وقال الترمذي: حسن صحيح. وهو حديث صحيح لغيره.

وعن أبي داود (¬1): "مَنْ بَاعَ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ فَلَهً أَوْكسُهُمَا أَوِ الرِّبَا. [حسن]. "وعنه" أي: أبي هريرة، هذا عقد له ابن الأثير فصلاً (¬2). قوله: "عن بيعتين في بيعة". أقول: في النهاية (¬3) هو أن يقول: بعتك هذا الثوب نقداً بعشرة، ونسيئه بخمسة عشر، فلا يجوز؛ لأنه لا يدري أيهما الثمن الذي يختاره ويقع عليه العقد. انتهى. قوله: "وعند أبي داود من باع بيعتين". أقول: قال المنذري (¬4): فيه محمد بن عمرو بن علقمة، وقد تكلم فيه غير واحد. انتهى. قلت: وفي المغني (¬5) للذهبي: محمد بن عمرو بن علقمة أبي وقاص المدني مشهور حسن الحديث، أخرج له البخاري ومسلم متابعة. قال يحيى: ما زالوا يتقون حديثه، وقال مرة: ثقة، وقال الجوزجاني (¬6) وغيره: ليس بقوي. انتهى. ¬

_ (¬1) في سننه رقم (3461). (¬2) في "جامع الأصول" الفصل السادس: في النهي عن بيعتين في بيعة (1/ 533). (¬3) النهاية (1/ 175) (ط: المعرفة). (¬4) في "المختصر" (5/ 98). (¬5) "المغني في الضعفاء" (2/ 62 رقم 5876). (¬6) في "أحوال الرجال" (ص 141 رقم 244). وانظر ميزان الاعتدال (3/ 674) والجرح والتعديل (8/ 138). قال الحافظ في "التقريب" رقم (6188): صدوق له أوهام. وقال المحرران: بل صدوق حسن الحديث، كما قال الذهبي ...

قوله: "أخرجه الأربعة". لكنه أخرجه مالك (¬1) بلاغاً. قال ابن الأثير (¬2): قال مالك: بلغه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيعتين في بيعة. انتهى. [190/ ب] فما كان للمصنف إطلاق أخرجه الأربعة على السوية كان [الصواب] (¬3) أن يقول: أخرجه الثلاثة ومالك بلاغاً. قوله: "أوكسهما أو الربا". قال الخطابي (¬4): لا أعلم أحداً من الفقهاء قال بظاهر هذا الحديث وصحح البيع بأوكس الثمنين، إلا ما حكي عن الأوزعي وهو مذهب فاسد. ويشبه أن يكون ذلك حكومة في شيء بعينه كأن ابتاعه ديناراً في قفيز (¬5) بُرّ إلى شهر، فلما حل الأجل فطالبه بالبر فقال: القفيز الذي لك علي بقفيزين فصار بيعتين في بيعة فيرد إلى أوكسهما، فإن تبايعا البيع الثاني قبل أن يتقابضا البيع الأول كانا مربيين. انتهى. 284/ 12 - وَعَن مَالِك (¬6): أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِرَجُلٍ: ابْتَعْ لِي هَذَا الْبَعِيرَ بِنَقْدٍ حَتَّى أَبْتَاعَهُ مِنْكَ إِلَى أَجَلٍ، فَسَأَلَ ابْنُ عُمَرَ عَنْ ذَلِكَ فَكَرِهَهُ وَنَهَى عَنْهُ. [صحيح لغيره]. قوله: "وعن مالك أنه بلغه ... إلى آخره". ¬

_ (¬1) في "الموطأ" (2/ 663) رقم (72). ووصله الترمذي رقم (1231) وقال: حديث حسن صحيح، والنسائي رقم (4632)، كلاهما من حديث أبي هريرة, وهو حديث صحيح وقد تقدم. (¬2) في "جامع الأصول" (1/ 533). (¬3) في المخطوط (ب) الأصوب. (¬4) في "معالم السنن" (3/ 739 - مع السنن). (¬5) القفيز: وزنه = 26.112 كغ. ومساحته = 136.60416 م2. وسعته = 33.053 لتراً. انظر كتابنا: "الإيضاحات العصرية للمقاييس والمكاييل والأوزان والنقود الشرعية" ص 100 - 103. (¬6) في "الموطأ" (2/ 663 ر قم 72) بلاغاً.

أقول: قال ابن عبد البر (¬1): هذا الحديثُ عندَ مالك فيه وجهانِ. [أحدهما] (¬2): العينَةُ، وقد تقدَّمَ [تفسيرها] (¬3) ... والثاني: أنه من باب بيع بيعتين [49/ أ] في بيعة؛ لأنه صيغة جمعت معنيين أصلها البيعة الأولى. 285/ 13 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - أَنَّ رسُوْلَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لا يَبْعَ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ". أخرجه الستة (¬4)، وزاد مسلم (¬5)، وأبو داود (¬6)، والنسائي (¬7)، وَلا يَخْطُبْ عَلَى خِطْبَةِ أخِيِه إلَّا أَنَّ يَأذَنَ لهُ. [صحيح]. 286/ 14 - وفي أخرى للنسائي (¬8): "لَا يَبِيع الرَّجلُ عَلَى بَيع أَخِيهِ حتى يَبْتَاع أوْ يَذَرَ". قوله: "وعن ابن عمر". أقول: عقد في الجامع (¬9) له فصلاً مستقلاً، في أحاديث تتضمن منهيات مشتركة. قوله: "لا يبع بعضكم على بيع بعض". ¬

_ (¬1) في "الاستذكار" (20/ 173 رقم 29682, 29683, 29684) (¬2) في المخطوط (ب): مكررة. (¬3) زيادة من المخطوط (أ). (¬4) البخاري رقم (5142) ومسلم رقم (50/ 1412) وأبو داود رقم (2081) والترمذي رقم (1292) والنسائي رقم (3238) و (3234). ومالك في "الموطأ" (2/ 683) (¬5) في صحيحه رقم (50/ 1412) وقد تقدم. (¬6) في السنن رقم (2081) وقد تقدم. (¬7) في السنن رقم (3243) وقد تقدم. (¬8) في سننه رقم (4504) وهو حديث صحيح. (¬9) "جامع الأصول" (1/ 535) الفصل السابع: في أحاديث تتضمن منهيات مشتركة.

قال النووي (¬1): أما البيع على بيع أخيه فمثاله أن يقول لمن اشترى شيئاً في مدة الخيار افسخ هذا البيع وأنا أبيعك مثله بأرخص من ثمنه أو أجود منه بثمنه أو نحو ذلك، وهذا حرام، ويحرم أيضاً الشراء على شراء أخيه وهو أن يقول [191/ ب] للبائع في مدة الخيار، افسخ البيع وأنا اشتريه منك بأكثر من هذا الثمن ونحو ذلك. قال (¬2): وأجمع العلماء على منع البيع على بيع أخيه، والشراء على شرائه، والسوم على سومه، فلو خالفه وعقد فهو عاصٍ، وينعقد هذا مذهب الشافعي (¬3) وأبي حنيفة (¬4) وآخرين. وقال داود: لا ينعقد. قلت: وهو الحق فما بعد نهي الشارع من دليل. قوله: "أخرجه الستة"، لفظ ابن الأثير (¬5) بعد سياقه هذه رواية البخاري ومسلم والموطأ والنسائي. قوله: "زاد مسلم، وأبو داود، والنسائي، ولا يخطب ... " الحديث. قال مالك (¬6): هو أن يخطب الرجل المرأة فتركن إليه، ويتفقان على صداقٍ وأجلٍ معلوم، وقد تراضيا فهي تشترط عليه بنفسها، فتلك التي نهي الرجل أن يخطبها على خطبة ¬

_ (¬1) في شرحه لـ "صحيح مسلم" (10/ 158). (¬2) أي النووي في المرجع السابق (10/ 159). (¬3) "البيان للعمراني" (5/ 348 - 349) و"الحاوي الكبير" (5/ 344 - 345). (¬4) "الاختيار لتعليل المختار" (2/ 271). (¬5) "جامع الأصول" (1/ 535 - 536). (¬6) في "الموطأ" (2/ 523 - 524).

أخيه. ولم يعن بذلك إذا خطب الرجل المرأة ولم يوافقها أمره ولم تركَنْ إليه أن لا يخطبها أحد فهذا باب فساد يدخل على الناس. انتهى. وقوله: "إلا أن يأذن له". عائد إلى الجميع؛ لأن النهي لأجل تقدم حقه، فإذا أذن فيه أسقطه لقوله في الحديث: "حتى يبتاع أولا"، ويراد منه أو يأذن له. 287/ 15 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: "نَهَى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ، وَلاَ تَنَاجَشُوا، وَلاَ يَبِيعُ الرَّجُلُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ, وَلاَ يَخْطُبُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ وَلاَ تَسْأَلُ الْمَرْأَةُ طَلاَقَ أُخْتِهَا لِتَكْفَأَ مَا فِي إِنَائِهَا". أخرجه الستة (¬1). [صحيح]. وفي أخرى (¬2): "وَلَا يَزِيْدَنَّ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ". [صحيح]. وفي أخرى (¬3): "ولا يَسِمَ الرَّجُلُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ". [صحيح]. قوله: "لتكفأ ما في إنائها (¬4) ". هو من كفأت القدر: إذا كَببْتَهَا لتُفرغ ما فيها، وهذا مثل لإقالة الضرة من صاحبتها من زوجها إلى نفسها. قوله: "ولا يَسُم الرجل على سوم أخيه". قال النووي (¬5): وذلك أن يكون [192/ ب] قد اتفق صاحب السلعة والراغب فيها على البيع ولم يعقداه فيقول آخر للبائع: أنا أشتريه، فهذا حرام بعد استقرار الثمن، فأما السوم في السلعة التي تباع ممن يزيد فليس بحرام. ¬

_ (¬1) البخاري رقم (2140) ومسلم رقم (51/ 1413) ومالك (2/ 683) وأبو داود رقم (2080) والترمذي رقم (1134) والنسائي رقم (3239) (3240) و (4502) وابن ماجه رقم (1867). (¬2) البخاري رقم (2723) ومسلم (2/ 1033 رقم 53/ 1413). (¬3) مسلم (2/ 1033 رقم 54/ 1413). (¬4) "جامع الأصول" (1/ 538). (¬5) في شرحه لـ "صحيح مسلم" (10/ 158).

288/ 16 - وفي أخرى لأبي داود (¬1): "وَلاَ تُصَرُّوا الإِبِلَ وَالْغَنَمَ فَمَنِ ابْتَاعَهَا بَعْدَ ذَلكَ فَهُوَ بِخيرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْلُبَهَا، فَإِنْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا، وَإِنْ سَخِطَهَا رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ". 289/ 17 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تَسْتَقْبِلُوا السُّوقَ، وَلاَ تُحَفِّلُوا، وَلاَ يُنَفِّقْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ". أخرجه الترمذي (¬2) وصححه. [حسن]. قوله: "ولا ينفق بعضكم لبعض". قال ابن الأثير (¬3): هو كالنجش، فإن الناجش بزيادته في السلعة يرغب البائع فيها فيكون قوله سبباً لابتياعها ومُنَفِّقاً لها. 290/ 18 - وعن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ، وَلاَ شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ، وَلاَ رِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنْ، وَلَا تَبعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ". أخرجه أصحاب السنن وصححه الترمذي (¬4). [حسن]. قوله: "سلف وبيع" (¬5). وصورته أن يقول: أبيعك هذا القفيز، مثلاً بخمسين ديناراً، على أن تسلفني ألف درهم في متاع أبيعه منك. "والشرطان في بيع (¬6) ". هو بمنزلة بيعتين في بيعة كقولك: بعتك هذا الثوب نقداً بدينار، ونسيئة بدينارين. ¬

_ (¬1) في السنن رقم (3443) وهو حديث صحيح. (¬2) في السنن رقم (1268) وقال: حديث حسن صحيح، وهو حديث حسن. (¬3) في "جامع الأصول" (1/ 539). (¬4) أبو داود رقم (3504) والترمذي رقم (1234) والنسائي رقم (4611) وابن ماجه رقم (2188) دون قوله: "لا يحل سلف وبيع، ولا شرطان في بيع". وهو حديث حسن. (¬5) "جامع الأصول" (1/ 540). (¬6) في "معالم السنن" (3/ 770 - مع السنن).

قال الخطابي: لا فرق بين شرط واحد، أو شرطين، أو ثلاثة في عقد البيع عند أكثر الفقهاء، وفرق بينهما أحمد [عملاً] (¬1) بظاهر الحديث. وقوله: "ربح ما لم يُضْمَنُ (¬2) ". هو أن يبيعه سلعة قد اشتراها ولم يكن قبضها. فهي في ضمان البائع الأول ليس من ضمانه. 291/ 19 - وَعَنْ جَابِرَ - رضي الله عنه - قال: "نَهَى رَسُوُل الله - صلى الله عليه وسلم - عَنْ بَيْعِ الصُّبْرَةِ مِنَ التَّمْرِ لاَ يُعْلَمُ مَكِيلَتُهَا بِالْكَيْلِ الْمُسَمَّى مِنَ التَّمْرِ". أخرجه مسلم (¬3) والنسائي (¬4). 292/ 20 - وفي أخرى للنسائي (¬5): "لاَ تُبَاعُ الصُّبْرَةُ مِنَ الطَّعَامِ بِالصُّبْرَةِ مِنَ الطَّعَامِ، وَلاَ الصُّبْرَةُ مِنَ الطَّعَامِ بِالْكَيْلِ الْمُسَمَّى مِنَ الطَّعَامِ". [صحيح]. قوله: "عن بيع الصبرة ... " الحديث. قال النووي (¬6): هذا تصريح بتحريم بيع التمر بالتمر حتى يعلم المماثلة. قال العلماء: لأن الجهل بالمماثلة في هذا الباب كحقيقة المفاضلة لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إلا سواء بسواء"، ولم يحصل تحقق المساواة مع الجهل وحكم الحنطة بالحنطة، والشعير بالشعير، وسائر الربويات إذا بيع بعضها ببعض حكم التمر. انتهى. قلت: والحديث الآتي في الطعام نص فيه أيضاً. ¬

_ (¬1) زيادة من المخطوط (أ) ومعالم السنن. (¬2) "جامع الأصول" (1/ 540). (¬3) في صحيحه رقم (1530). (¬4) في السنن رقم (4547) وهو حديث صحيح. (¬5) في السنن رقم (4548) وهو حديث صحيح. (¬6) في شرحه لصحيح مسلم (10/ 172 - 173).

293/ 21 - وَعَنْ أَبِي أَيُّوبَ - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ وَالِدَةٍ وَوَلَدِهَا فَرَّقَ الله بَيْنَهُ وَبيْنَ أَحِبَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ". أخرجه الترمذي (¬1). [صحيح]. قوله: "أخرجه". أي: حديث أبي أيوب. "الترمذي". [قلت] (¬2) [193/ ب] وقال: هذا حديث حسن غريب. 294/ 22 - وعن علي - رضي الله عنه -: أنه فرق بين والدة وولدها فنهاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك، ورد البيع. أخرجه أبو داود (¬3). [حسن]. 295/ 23 - وعن علي - رضي الله عنه - قال: وَهَبَ لِي رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - غُلاَمَيْنِ أَخَوَيْنِ، فَبِعْتُ أَحَدَهُمَا، فَقَالَ لِي رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا فَعَلَ غُلاَمُكَ؟ ". فَأَخبرْتُهُ, فَقَالَ لِي: "رُدَّهُ رُدَّهُ". أخرجه الترمذي (¬4). [ضعيف]. قوله في حديث علي - عليه السلام -: "أخرجه الترمذي". ¬

_ (¬1) في سننه رقم (1283) و (1566) وقال: حديث حسن غريب. وأخرجه الحاكم (2/ 55) والدارمي (2/ 227) والبيهقي (9/ 126) والطبراني في الكبير (ج 4 رقم 4080) والدارقطني (3/ 67 رقم 256) وهو حديث صحيح. (¬2) زيادة من المخطوط (أ). (¬3) في السنن رقم (2696) وضعفه أبو داود بأن ميمون بن أبي شبيب لم يدرك علياً. وأخرجه الحاكم في المستدرك (2/ 55) وقال: صحيح، وسكت عنه الذهبي، ورجحه البيهقي لشواهده. وهو حديث حسن، والله أعلم. (¬4) في سننه رقم (1284) وحسنه. قلت: وأخرجه ابن ماجه رقم (2249) والدارقطني (3/ 66 رقم 250). من طريق الحجاج بن أرطأة عن الحكم بن عتيبة عن ميمون بن أبي شبيب عن علي - رضي الله عنه -، وخالف أبو خالد الدالاني، فرواه بلفظ مغاير، أخرجه أبو داود رقم (2696) والحاكم (2/ 55) والدارقطني (3/ 66 رقم 251) وقال أبو داود: ميمون لم يدرك علياً قتل بالجماجم. وهو حديث ضعيف.

الباب الرابع: في الربا

قلت: ثم قال: هذا حديث حسن غريب، وقد كره بعض أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - التفريق بين السبي في البيع ورخص بعض أهل العلم في التفريق بين المولدات الذين ولدوا في أرض الإسلام. والقول الأول أصح (¬1) انتهى. الباب الرابع: في الربا وفيه فصلان قال النووي (¬2): مقصور، وهو من ربا يربو، فيكتب بالألف وتثنيته ربوان، وأجاز الكوفيون كتبه وتثنيته بالياء بسبب الكسرة في أوله. قال أهل اللغة: والرما بالميم، والمد هو الربا، وكذلك الربية بضم الراء، والتخفيف لغة في الربا، وأصل الربا الزيادة يقال: ربا الشيء، يربوا إذا زاد، وأربى الرجل وأرمى عامل بالربا، انتهى. الفصل الأول: في ذمه 296/ 1 - عَنْ ابْن مَسْعُود - رضي الله عنه - قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - آكِلَ الرِّبَا وَمُوْكِلَهُ. أخرجه مسلم (¬3)، وأبو داود (¬4)، والترمذي (¬5)، وزاد الأخيران: وَشَاهِدَيْهِ وَكَاتِبَهُ. [صحيح]. ¬

_ (¬1) انظر "نيل الأوطار" (10/ 76 - 79) بتحقيقي. (¬2) في شرحه لصحيح مسلم (11/ 8, 8 - 9). (¬3) في صحيحه رقم (1597) دون قوله: "وشاهده وكاتبه". (¬4) في سننه رقم (3333). (¬5) في سننه رقم (1206) وقال: حسن صحيح دون قوله: "وشاهده وكاتبه". قلت: وأخرجه النسائي رقم (3416) و (5102) دون قوله: "وشاهده" وابن ماجه رقم (2277). وهو حديث صحيح.

قوله: "الفصل الأول: في ذمه"، زاد ابن الأثير (¬1): وذم آكله وموكله [50/ أ]. (الأول): عن ابن مسعود. قوله: "لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -". يحتمل أنه إنشاء منه - صلى الله عليه وسلم -، ويحتمل إنه إخبار أن الله لعن من ذكر، وهو الإبعاد عن الرحمة آكل الربا، أي: المتصرف فيه بأكل أو غيره، إلا أنه يقع التعبير بالآكل من ذلك كثيراً: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} (¬2)، وذلك؛ لأن الأكل أكثر أنواع الاستهلاكات "وموكله"، أي: مطعمه غيره. قوله: "وزاد الآخران"، الترمذي وأبو داود "وشاهديه وكاتبه". وقال الترمذي: حسن غريب. ونقل المنذري (¬3) عنه أنه قال: حسن صحيح. فيحتمل أنها نسخة. 297/ 2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَة - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لاَ يَبْقَى أَحَدٌ إِلاَّ أَكَلَ الرِّبَا، فَإِنْ لَمْ يَأْكلْهُ أَصَابَهُ مِنْ بُخَارِهِ". وفي رواية: "مِنْ غُبَارِهِ". أخرجه أبو داود (¬4) والنسائي (¬5). [ضعيف]. ¬

_ (¬1) في "جامع الأصول" (1/ 452). (¬2) سورة البقرة الآية (188). (¬3) في "المختصر" (5/ 9). (¬4) في سننه رقم (3331). (¬5) في سننه رقم (4455). قلت: وأخرجه ابن ماجه رقم (2278). وفي سند الحديث انقطاع؛ لأنه من رواية الحسن البصري عن أبي هريرة، والحسن لم يسمع منه. وهو حديث ضعيف.

قوله: "من بخاره". بضم الموحدة، فخاء معجمة، بيض لتفسيره [194/ ب] ابن الأثير في غريب الجامع (¬1) ولم يذكره في النهاية. ورواية "غباره"، واضحة وهو كناية على عموم تورط العبادة في الربا، وقد وقع في أزمنة فإنه خلط العباد جميع الملبوسات والسلاحات بالفضة، ويبيعون ذلك بالفضة من غير مساواة ولا مماثلة، بل وغالبهم ولا تقابض، وقد بيناه في رسالة جواب سؤال (¬2). 298/ 3 - وَعَنْ عَمْرٍو بْن الأَحْوَص - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ: "أَلاَ إِنَّ كُلَّ رِبًا مِنْ رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ، لَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ، أَلاَ وَإِنَّ كُلَّ دَمٍ مِنْ دِمَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ، وَأَوَّلُ دَمٍ أَضَعُهُ دَمَ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ، وكَانَ مُسْتَرْضَعًا فِي بَنِي لَيْثٍ فَقَتَلَتْهُ هُذَيْلٌ، اللهمَّ قَدْ بَلَّغْتُ". قَالُوا: نَعَمْ ثَلاَثَ مرَّاتٍ قَالَ: "اللهمَّ اشْهَدْ"، ثَلاَثَ مَرَّاتٍ. أخرجه أبو داود (¬3). قال الخطابي (¬4): هكذا رواه أبو داود، دم الحارث بن عبد المطلب، وإنما هو دم ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب في سائر الروايات. ¬

_ (¬1) في "اجامع الأصول" (1/ 543). (¬2) الأولى: الوفاء بتحقيق بيع النساء، رقم (126). الثانية: القول المجتبى في تحقيق ما يحرم من الربا. رقم (127). الثالثة: حسن البنا في مسائل تعم الربا. رقم (128). من كتاب: "عون القدير من فتاوى ورسائل ابن الأمير" الجزء السابع بتحقيقي. (¬3) في السنن رقم (3334). قلت: وأخرجه ابن ماجه رقم (3055) والترمذي رقم (3087) وقال: حسن صحيح، وهو حديث صحيح. (¬4) في معالم السنن (6/ 629 - مع السنن).

الفصل الثاني: في أحكامه

قوله: "سليمان بن عمرو بن الأحوص". مسند إلى أبي داود وحده، وقد أخرجه الترمذي وقال: حسن صحيح، وأخرجه النسائي، وابن ماجه، كما قال المنذري في مختصر السنن (¬1). الفصل الثاني: في أحكامه 299/ 1 - عَنْ عُمَرُ بن الخطاب - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ رِبًا إِلاَّ هَاءَ وَهَاءَ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ رِبًا إِلاَّ هَاءَ وَهَاءَ, وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ رِبًا إِلاَّ هَاءَ وَهَاءَ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ رِبًا إِلاَّ هَاءَ وَهَاءَ". أخرجه الستة (¬2). [صحيح]. وهذا لفظ الشيخين، وللبخاري (¬3) في رواية: "الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ، الذَّهَبَ بِالذَّهَب". قوله: "إلا هاء وهاء". تقدم ضبطه والكلام عليه في هذا الكتاب كتاب البيع. (الأول): حديث عمر وفيه أربعة من أنواع الربويات، واشترط فيها التقابض والتساوي قد علم من غيره، وإنما اقتصر عمر هنا على التقابض؛ لأن للحديث سبباً اقتضاه، وهو ما رواه البخاري (¬4) ومالك (¬5) عن مالك بن أوس بن الحدثان أنه التمس صرفاً بمائة دينار، قال: فدعاني طلحة بن عبيد الله فتراضينا حتى اصطَرَفَ مني، وأخذ الذهب يقلبها في ¬

_ (¬1) (5/ 10) (¬2) البخاري رقم (2134) ومسلم رقم (1586) وأبو داود رقم (3348) والترمذي رقم (1243) والنسائي رقم (4558) وابن ماجه رقم (2259، 2260) ومالك في الموطأ. (2/ 636 - 637) وهو حديث صحيح. (¬3) الجمع بين الصحيحين للحميدي (1/ 113) في حديث إسحاق بن راهويه من رواية أبي بكر البرقاني. الحديث. (¬4) في صحيحه رقم (2174) ومسلم رقم (1586). (¬5) في "الموطأ" (2/ 636 - 637 رقم 38).

الثاني

يده، وقال: حتى يأتيني خازني من الغابة، وعمر بن الخطاب يسمع، فقال عمر: والله لا تفارقه حتى تأخذ منه، ثم قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الذَّهَبُ بِالْوَرِقِ رِباً إِلَّا هَاءَ وَهَاء [195/ ب] ... " الحديث. الثاني: 300/ 2 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ - رضي الله عنه - قَالَ: كُنَّا نُرْزَقُ تَمْرَ الْجَمْعِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ الخلْطُ مِنَ التَّمْرِ، فَكُنَّا نَبِيعُ صَاعيْنِ بِصَاعٍ فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "لاَ صَاعينِ تَمْراً بِصَاعٍ، وَلاَ صَاعَيْنِ حِنْطَةٍ بِصَاعٍ، وَلاَ دِرْهَمَيْن بِدِرْهَم". أخرجه الستة إلا أبا داود (¬1). [صحيح]. قوله: "هو الجمع". قوله: "وهو الخلط من التمر"، أي: تمر مختلط من أنواع متفرقة من التمور، وليس بمرغوب فيه لما فيه من الاختلاط، وما يخلط إلا لرداءته؛ لأنه إذا كان نوعاً جيداً أفرد على حدته ليرغب فيه. وقال الهروي (¬2): كل نوع من النخل لا يعرف اسمه فهو جمع. 301/ 3 - وفي رواية (¬3): جَاءَ بِلاَلٌ - رضي الله عنه - إِلَى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بِتَمْرٍ بَرْنِيٍّ فقال له: "مِنْ أَيْنَ هَذَا". فَقَالَ: كَانَ عِنْدَنَا تَمْرٌ رَدِيءٌ فَبِعْتُ مِنْهُ صَاعَيْنِ بِصَاعٍ لِمَطْعَمِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: عِنْدَ ذَلِكَ: "أَوَّهْ عَيْنُ الرِّبَا، أَوَّهْ عَيْنُ الرِّبَا، عَيْنُ الرِّبَا، لاَ تَفْعَلْ وَلَكِنْ إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَشْتَرِىَ فَبعِ التَّمْرَ بَيْعَاً آخَرَ ثُمَّ اشْتَرِ بهِ". [صحيح]. ¬

_ (¬1) البخاري رقم (2080) ومسلم رقم (98/ 1595) ومالك (2/ 632 - 633 رقم 30) والنسائي رقم (4571) والترمذي رقم (1241) وقال: حسن صحيح. (¬2) في الغريبين في القرآن والحديث (1/ 316 - 367) نقلاً عن الأصمعي. (¬3) البخاري رقم (2312) ومسلم رقم (1594).

302/ 4 - وفي رواية للشيخين (¬1): "الدِّينَارُ بِالدِّينَارِ، وَالدِّرْهَمُ بِالدِّرْهَمِ مِثْلاً بِمِثْلٍ فَمَنْ زَادَ أَوِ ازْدَادَ فَقَدْ أَرْبَى". وَقَال رَاوِيه فَقُلْتُ: إِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ لا يَقُولُهُ، فَقَالَ أبُو سعيدٍ: سَأَلْتُه فَقُلْتُ: سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - أَوْ وَجَدْتَهُ فِي كِتَابِ الله تَعَالَى؟ فَقَالَ: كُلُّ ذَلِك لَا أَقُولُ، وَأَنْتُم أَعْلَمُ بِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - مِنِّي، وَلَكِنْ أَخْبَرَني أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ - رضي الله عنهما - رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَا رِبَا إلَّا فِي النَّسِيئَةِ". [صحيح]. 303/ 5 - وفي أخرى لمسلم (¬2): "الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ, وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلاً بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ، فَمَنْ زَادَ أَوِ اسْتَزَادَ فَقَدْ أَرْبَى، الآخِذُ وَالْمُعْطِي فِيهِ سَوَاءٌ". [صحيح]. وله (¬3) عن أبي هريرة في رواية: إِلَّا مَا اخْتَلَفَت أَلْوَانُهُ. [صحيح]. 304/ 6 - وفي أخرى عَنْ عُبَادَةَ بنِ الصَّامت: "إِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ". أخرجه الخمسة (¬4) إلا البخاري. [صحيح]. قوله: "أوّه". كلمة يقولها الرجل عند الشكاية, وإنما هو من التوجُّع، إلا أنها ساكنة الواو، وربما قلبوا الواو ألفاً، فقالوا: آه من كذا، وربما شدَّوا الواو وكسروها، وسكَّنوا الهاء، فقالوا: أوِّهْ من كذا، وربما حذفوا مع التشديد الهاء فقالوا: أوٍّ من كذا، بلا مد، وبعضهم يقول: أَوِّهْ بفتح الواو وتشديدها وسكون الهاء (¬5). ¬

_ (¬1) البخاري رقم (2178، 2189) ومسلم رقم (1596). (¬2) في صحيحه رقم (82/ 1584). (¬3) أي: لمسلم في صحيحه رقم (83/ 1588). (¬4) مسلم رقم (81/ 1587) وأبو داود رقم (3349) والترمذي رقم (1240) والنسائي رقم (4560) و (4563) و (4564). (¬5) "جامع الأصول" (1/ 549).

قوله: "أوه عين الربا". لفظ الجامع (¬1): "أوّه عين الربا عين الربا" ليس فيه تكرير لفظ أوّه. قوله: "فقال أبو سعيد سألته". أي: أنه سأل ابن عباس عن كلامه في الصرف فقلت: سمعته أي: يا ابن عباس، فهو بفتح التاء استفهام له، أو وجدته، أي: فتياك هل هو سماع منك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أم وجدته في القرآن؟ فقال ابن عباس جواباً على أبي سعيد: كل ذلك أي: منه - صلى الله عليه وسلم - أو وجدانه في كتاب الله لا أقوله، وأخبر أبا سعيد أنهم أعلم منه برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم ذكر أن مستنده في ذلك خبر أسامة (¬2) له بحديث: "لا ربا إلَّا في النسيئة" وأنه فهم [196/ ب] من الحصر أنه لا يكون الربا في الفضل مع التقابض، وقد صرح العلماء بأن هذا المفهوم عارضه منطوق أقوى منه. واعلم أن أبا سعيد أقاس الفضة بالفضة على التمر بالتمر، فإنه ذكر قصة شراء الصاع من الطيب بالصاعين مما دونه، وأنه - صلى الله عليه وسلم - نهى عنه، ثم قال أبو سعيد: فالتمر بالتمر أحق أن يكون ربا أم الفضة بالفضة. والتحقيق أن التمر والفضة سواء لا يقاس أحدهما على الآخر؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - قد سوى بين الأمور الستة في كونها ربوية يجب فيها التساوي والتقابض. قوله: "الآخذ والمعطي فيه"، أي: الإثم سواء؛ لأن كلاً قد شارك في الربا. قوله: "إلا ما اختلفت ألوانه"، مثل قوله في حديث عبادة: "فإذا اختلفت الأصناف" أي: الستة كبيع الفضة بالذهب، فإنه يجوز الزيادة وغيرها [51/ أ] إلا أنه مشروط أن يكون يداً بيد. ¬

_ (¬1) "جامع الأصول" (1/ 546). (¬2) البخاري رقم (2187، 2179) ومسلم رقم (1596).

والحاصل أن مع اتفاق النوع يجب التساوي والتقابض، ومع اختلافها يجب التقابض ويجوز الزيادة والنقص، وهذا هو الذي أفاده حديث زيد بن أرقم والبراء بن عازب (¬1) في النهي عن بيع الذهب بالورق ديناً بل لا بد من التقابض، وقد عرفت أنه سبب رواية عمر للحديث كما قدمناه [198/ ب]. 305/ 7 - وَعَنْ أَبَي الْمِنْهَالِ قَالَ: سَألْتُ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ وَالْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ عَنِ الصَّرْفِ فَقَالَا: "نَهَى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عنْ بَيع الذَّهَبِ بِالْوَرِقِ دَيْنًا". أخرجه الشيخان (¬2) والنسائي (¬3). [صحيح]. قوله: "أبو المنهال" (¬4)، اسم أبي المنهال: سيار بن سلامة الرياحي، سيار: بفتح السين المهملة، وتشديد الياء المثناة وبالراء، والرياحي: بكسر الراء وتخفيف الياء وبالحاء المهملة. 306/ 8 - وَعَنْ فَضَالَةَ بْنَ عُبَيْدٍ - رضي الله عنه - قال: أُتِيَ الْنَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - وهُوَ بِخَيْبَرَ بِقِلادةٍ فِيهَا خَرَزٌ وَذَهَبٌ وَهِيَ مِنَ الْمَغَانِمِ تُبَاعُ، فَأَمَرَ بِالذَّهَبِ الَّذِي فِي الْقِلادَةِ فَنُزِعَ وَحْدَهُ وَقَالَ: "الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَزْنًا بِوَزْن". أخرجه الخمسة إلا البخاري (¬5). [صحيح]. وفي أخرى (¬6): "لاَتُبَاعُ حَتَّى تُفَصَّلَ". [صحيح]. "وعن فضالة"، بالفاء وضاد معجمة بزنة سحابة صحابي جليل. ¬

_ (¬1) سيأتي تخريجه في الحديث الآتي. (¬2) البخاري رقم (2180) ومسلم رقم (1589). (¬3) في السنن رقم (4577). (¬4) قال الحافظ في "التقريب" رقم (2715): ثقة من الرابعة. (¬5) مسلم رقم (91/ 1591) وأبو داود رقم (3351) والنسائي رقم (4573، 4574) والترمذي رقم (1255) (¬6) أبو داود رقم (3352) والترمذي رقم (1255).

قوله: "فنزع وحده وقال: الذهب بالذهب". أقول: قال النووي (¬1) في الحديث: إنه لا يجوز بيع الذهب مع غيره بذهب، حتى يفصل فيباع الذهب بوزنه ذهباً، ويباع الآخر بما أراد، وكذا سائر الربويات لا بد من فصلها، وسواء كان الذهب في الصورة الأولى قليلاً أو كثيراً، وكذلك سائر الربويات. قال: وهذه هي المسألة المشهورة في كتب الشافعي وأصحابه وغيرهم المعروفة بمسألة مُدّ عجوه، وصورتها ما إذا باع مُدَّ عجوه، ودرهم بمد عجوة, ودرهمين فإنه لا يجوز لهذا الحديث، وهذا منقول عن عمر بن الخطاب وابنه، وجماعة من السلف وهو الشافعي (¬2)، وأحمد (¬3)، وإسحاق. وقال أبو حنيفة (¬4) والثوري والحسن بن صالح: يجوز بيعه بأكثر مما فيه من الذهب، ولا يجوز بمثله ولا بدونه. وقال مالك (¬5) وأصحابه وآخرون: يجوز بيع السيف المحلى بذهب وغيره مما هو في معناه مما فيه ذهب فيجوز في الذهب إذا كان الذهب في البيع تابعاً لغيره وقدروه بأن يكون الثلث فما دونه. انتهى. ¬

_ (¬1) في شرحه لصحيح مسلم (11/ 17 - 18). (¬2) البيان للعمراني (5/ 177). (¬3) المغني لابن قدامة (6/ 92 - 93). (¬4) شرح فتح القدير (7/ 135) وبدائع الصنائع (5/ 195). (¬5) بداية المجتهد (3/ 376) بتحقيقي، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير (4/ 63).

ثم قال ما معناه: [ويرد هذا] (¬1) كله قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يباع حتى يفصل"، فإنه صريح في فصل أحدهما عن الآخر في البيع، وأنه لا فرق بين كون الذهب المبيع قليلاً [198/ ب] أو كثيراً. 307/ 9 - وفي أخرى لمسلم (¬2) قال حَنَشٍ الصنعاني: كُنَّا مَعَ فَضَالَةَ فِي غَزْوَةٍ فَطَارَتْ لِي وَلأَصْحَابِي قِلاَدَةٌ فِيهَا ذَهَبٌ وَوَرِقٌ وَجَوْهَرٌ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِيَهَا، فَسَألْتُه فَقَالَ: إِنْزِعْ ذَهَبَهَا فَاجْعَلْهُ فِي كِفَّةٍ، وَاجْعَلْ ذَهَبَكَ فِي كِفَّةٍ، ثُمَّ لاَ تَأْخُذَنَّ إِلاَّ مِثْلاً بِمِثْلٍ، فَإِنِّي سَمِعْتُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلاَ يَأْخُذَنَّ إِلاَّ مِثْلاً بِمِثْلٍ". [صحيح]. قوله: "حنش الصنعاني". أقول: هو أبو رِشدين حنش بن عبد الله، يروي عن فضالة بن عبيد وغيره. قيل: إنه كان مع علي - عليه السلام - بالكوفة، وقدم مصر بعد قتل علي - عليه السلام -. وقال البخاري: حنش الذي روى عن علي - عليه السلام - في الضحايا هو غير حنش الصنعاني، ولهم فيه خلاف ذكره الذهبي في الميزان (¬3) قوله: "فطارت". أي: جعلت لنا بين القسمة. قوله: "في كفة". قال النووي (¬4): بكسر الكاف وفي القاموس (¬5): أنها تفتح معه وهو في شرح النووي أيضاً. ¬

_ (¬1) في المخطوط (ب): مكررة. (¬2) في صحيحه (3/ 1214 رقم 92/ 1591). (¬3) "ميزان الاعتدال" (1/ 620 رقم الترجمة 2369). (¬4) في شرحه لصحيح مسلم (11/ 19). (¬5) "القاموس المحيط" (ص 1098).

308/ 10 - وَعَن أَبِي بَكْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: نَهَى رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - عنِ الْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ، وَالذَّهَبِ بِالذَّهَبِ إِلاَّ سَوَاءً بِسَوَاءٍ، وَأَمَرَنَا أَنْ نَشْتَرِيَ الْفِضَّةِ بِالذَّهَبَ كَيْفَ شِئْنَا، [وَنَشْتَرِي الذَّهَبِ بالْفِضَّةَ كَيْفَ شِئْنَا] يَداً بِيَدٍ. أخرجه الشيخان (¬1) والنسائي (¬2). [صحيح]. قوله في حديث أبي بكرة: "إذا كان يداً بيد". أقول: الذي في الجامع (¬3) بعد قوله: "كيف شئنا"، قال: فسأله رجل فقال: "يداً بيد" فقال: هكذا سمعته، أخرجه البخاري، ومسلم، وأخرجه النسائي إلى قوله: "كيف شئنا". فقوله: "يداً بيد"، ليس من لفظ المرفوع هنا؛ لأن قوله: فسأله رجل، دال على أنه لم يذكر ذلك، ثم قال: هكذا سمعت من رسول الله، أي: من دون زيادة: يداً بيد. ورواية النسائي تؤيد هذا، ويحتمل أن قوله هكذا، أي: بزيادة: يداً بيد، فيكون من المرفوع هنا، وأنه لما لقنه السائل أجابه بأن هذا مرفوع. واعلم أن ابن الأثير وتبعه المصنف نسبا زيادة، فسأله رجل إلى البخاري ومسلم، ولم نجدها في البخاري، بل الذي فيه هو مثل الذي في النسائي إلى كيف شئنا، ولكنه ترجم (¬4) للحديث هذا بقوله: (باب بيع الذهب بالورق يداً بيد). قال الحافظ [199/ ب] في الفتح (¬5): ليس في حديث أبي بكرة التقييد بالحلول، وكأنه أشار بذلك إلى ما وقع في بعض طرقه. ¬

_ (¬1) البخاري رقم (2175) و (2182) ومسلم رقم (88/ 1590). (¬2) في السنن رقم (4578). (¬3) "جامع الأصول" (1/ 558). (¬4) أي: البخاري في صحيحه رقم الباب (81)، (4/ 383 - مع الفتح). (¬5) في "الفتح" (4/ 383).

وقد أخرجه مسلم (¬1) عن أبي الربيع، عن عباد الذي أخرجه البخاري من طريقه، وفيه: فسأله رجل فقال: "يداً بيد" فقال: هكذا سمعت. انتهى. فعرفت أنه لم يخرج البخاري الزيادة, فلا يصح نسبتها إليه، وأنه أخرجها مسلم فقط. وعرفت أنه حمل الحافظ قول أبي بكرة، هكذا سمعت على أن لقنه السائل مسموعاً له من النبي - صلى الله عليه وسلم - مع أنه مجمل بما قدمناه. قول المصنف: "والنسائي". أقول: قدمنا لك أن النسائي (¬2) لم يخرج زيادة، فسأله رجل ... إلى آخره. كما قاله ابن الأثير، بل لم يخرجها البخاري كما قررناه، فكان الواجب على ابن الأثير والمصنف أن يقتصرا في نسبة الزيادة إلى مسلم. 309/ 11 - وَعَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - السَّعْدَيْنِ يَومَ خَيْبَرَ أَنْ يَبِيعَا آنِيَةً مِنَ الْمَغَنَمِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، فَبَاعَا كُلَّ ثَلاَثَةٍ بِأَرْبَعَةٍ، أَوْ كُلَّ أَرْبَعَةٍ بِثَلاَثَةٍ عَيْنًا، فَقَالَ لَهُمَا: "أَرْبَيْتُمَا فَرُدَّا". أخرجه مالك (¬3). [ضعيف]. قوله: "السعدين". أقول: قال ابن عبد البر (¬4): هما سعد بن مالك، وسعد بن عبادة. قوله: "يوم خيبر"، لم أجده في رواية ابن عبد البر في الاستذكار (¬5). ¬

_ (¬1) في صحيحه رقم (88/ 1590). (¬2) في السنن رقم (4578) وقد تقدم. (¬3) في "الموطأ" (2/ 632 رقم 28) بسند ضعيف لإرساله أو إعضاله. (¬4) في "الاستذكار" (19/ 191 رقم 28700) وزاد ذكر شاهد ذلك في "التمهيد" (24/ 104 - 105). (¬5) (19/ 186 رقم 1283).

قوله: "أخرجه مالك". أقول: رواه عن يحيى بن سعيد منقطعاً، فكان على المصنف أن يقول: منقطعاً، ولكنه قال ابن عبد البر (¬1): إنه متصل من حديث عبادة وغيره عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وأجمع العلماء على أن الذهب تبره وعينه ومضروبه لا يحل التفاضل في شيء منه، وكذلك الفضة بالفضة تبرها وعينها، ومصوغ ذلك كله لا يحل التفاضل في شيء منه، وعلى ذلك مضى السلف والخلف من العلماء. 310/ 12 - وَعَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: كُنْتُ معَ ابْنِ عُمرَ - رضي الله عنهما - فَجَاءَهُ صَائِغٌ فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحمنِ! إِنِّي أَصُوغُ الذَّهَبَ فَأَبِيعُهُ بِالذَّهَبَ بَأَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهِ فَأَسْتَفْضِلُ قَدْرَ عَمَلِي فِيْهِ، فَنَهاهُ عَنْ ذَلِكَ، فَجَعَلَ الصَّائِغُ يُرَدِّدُ عَلَيْهِ الْمَسْأَلَةَ، وَابَنُ عُمَرَ يَنْهَاهُ, حَتَّى كَانَ آَخِرَ مَا قَالَ لَهُ: الدِّيْنَارُ بِالدِّيْنَارِ، وَالدِّرْهَمُ بِالدِّرْهَمِ، لَا فَضْلَ بَيْنَهُمَا، هَذا عَهْدُ نَبِيَّنَا - صلى الله عليه وسلم - إِلَيْنَا وَعَهْدِنَا إِلَيْكُمْ. أخرجه بطوله مالك (¬2)، وأخرج النسائي (¬3) المسند منه. [صحيح]. قوله: "وعن مجاهد قال: كنت مع ابن عمر ... " الحديث. [52/ أ]. قال ابن عبد البر: أن ابن عمر جعل قوله - صلى الله عليه وسلم -: [200/ ب] "الدينار بالدينار" كالمصوغ بالدنانير، وأرسله حجة على ذلك وقال له: عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -. ¬

_ (¬1) في "الاستذكار" (19/ 192 رقم 2870). (¬2) في "الموطأ" (2/ 633 رقم 31). وأخرجه عبد الرزاق في المصنف رقم (14574) والبيهقي في "السنن الكبرى" (5/ 279، 292) و"معرفة السنن والآثار" (4/ 292 رقم 3342، 3343). والبغوي في شرح السنة رقم (2059) بسند صحيح. وهو حديث صحيح. (¬3) في سننه رقم (4568).

قوله: "المسند منه". أقول: يريد المرفوع أعني "الدينار بالدينار" إلى آخره. 311/ 13 - وَعَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ: أَنَّ مُعَاوِيَةَ - رضي الله عنه - بَاعَ سِقَايَةً مِنْ ذَهَبٍ أَوْ وَرِقٍ بِأَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهَا فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ - رضي الله عنه -: سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَنْهَى عَنْ مِثْلِ هَذَا، إِلاَّ مِثْلاً بِمِثْلٍ. فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: مَا أَرَى بَهَذَا بَأْساً، فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ - رضي الله عنه -: مَنْ يَعْذِرُنِي مِنْ مُعَاوِيَةَ؟ أَنَا أُخْبِرُهُ عَنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يُخْبِرُنِي عَنْ رَأْيِهِ، لاَ أُسَاكِنُكَ بِأَرْضٍ أنتَ بِهَا! ثُمَّ قَدِمَ أَبَو الدَّرْدَاءِ - رضي الله عنه - عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - فَذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ فَكَتَبَ عُمَرُ إِلَى مُعَاوِيَةَ أَنْ لاَ تَبِيعَ ذَلِكَ إِلاَّ مِثْلاً بِمِثْلٍ وَزْنًا بِوَزْنٍ. أخرجه مالك (¬1) والنسائي (¬2). "السقاية"، إناء يشرب فيه. [ضعيف عدا المرفوع منه]. قوله: "إن معاوية باع سقاية من ذهب أو ورق بأكثر من وزنها". قوله: "من يعذرني"، يقال: من يعذرني من فلان إن كافيته على صنيعه. قوله: "لا أساكنك بأرض"، قال ابن وهب عن مالك قال: يهجر الأرض التي يعمل فيها المنكر جهاراً ولا يستقر فيها، واحتج بصنيع أبي الدرداء في خروجه عن أرض معاوية لما أعلن فيها بالربا، وأجاز بيع سقاية الذهب بأكثر من وزنها، ذكره القرطبي في التذكرة. ¬

_ (¬1) في "الموطأ" (2/ 634 رقم 33). وأخرجه أحمد (6/ 448) والبيهقي في "السنن الكبرى" (5/ 280) وفي "معرفة السنن والآثار" (4/ 293 رقم 3344، 3345) والبغوي في "شرح السنة" رقم (2060). (¬2) في سننه رقم (4572). وهو حديث ضعيف لانقطاعه عدا المرفوع منه.

قال ابن عبد البر (¬1): إنه يروى عن معاوية من وجوه: أنه كان لا يرى الربا في العين بالتبر، ولا في المصوغ بالمصوغ، وفي العين بالعين، ثم قال أبو عمر بن عبد البر (¬2): السنة المجمع عليها من نقل الآحاد، ونقل الكافة خلاف ما كان يذهب إليه معاوية. قلت: واتفق لمعاوية مع عبادة بن الصامت كما اتفق له مع أبي أيوب. وأخرج مالك في الموطأ (¬3) عن أبي قلابة قال: كنت في حلقة في الشام فيها مسلم بن يسار، فجاءه أبو الأشعث فجلس فقلت له: حَدِّث أخانا حديث عباده قال: غزونا غزوة وعلى الناس معاوية، فغنمنا غنائم كثيرة، فكان فيما غنمنا آنية من فضة، فأمر معاوية رجلاً أن يبيعها في أعطيات الناس في ذلك، فبلغ عبادة بن الصامت ذلك [201/ ب] فقال: إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهى عن بيع الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، وساق الحديث إلى قوله: "إلَّا سواء بسواء، عيناً بعين، من زاد أو استزاد فقد أربا". فبلغ ذلك معاوية فقال: ما بال رجال يحدثون عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحاديث قد كنا نصحبه ونشهده فلم نسمعها منه. فقام عبادة فأعاد القصة، ثم قال: والله لنحدثن بما سمعنا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإن كره معاوية، أو قال: وإن رغم معاوية ما أبالي أن أصحبه في جنده ليلة سوداء (¬4). قوله: "أخرجه الموطأ والنسائي". أقول: الذي في الجامع (¬5) أخرجه الموطأ، وأخرج النسائي منه إلى قوله: "مثلاً بمثل"، انتهى. فما كان للمصنف حذفه وهو ناقل إذ فيه إيهام أنه أخرجه برمته. ¬

_ (¬1) في "الاستذكار" (19/ 193). (¬2) في "الاستذكار" (19/ 194 رقم 28707). (¬3) "الاستذكار" (19/ 196 - 197 رقم 28711). (¬4) أخرجه مسلم رقم (80/ 1587). (¬5) في "جامع الأصول" (1/ 560).

312/ 14 - وَعَنْ أُسَامَة بْن زَيْدٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسيئَةِ". أخرجه الشيخان (¬1) والنسائي (¬2)، وفي أخرى: لَا رِبَا فِيمَا كَانَ يَداً بِيَدٍ. [صحيح]. قوله: "لا ربا إلا في النسيئة". أقول: النسيئة هي البيع إلى أجل معلوم، وحديث أسامة قد عارضه حديث أبي سعيد الماضي أول الباب الدال على تحريم الفضل، وقد جمع بينهما بوجوه: (أحدها): أن المراد: لا ربا، الربا: الأغلظ الشديد التحريم، المتوعد عليه بالعقاب الشديد. كما تقول العرب: لا عالم في البلد إلا زيد، مع أن فيها علماء غيره، وإنما القصد نفي الأكمل لا نفي الأصل. (والثاني): أن تحريم ربا الفضل من حديث أسامة إنما هو بالمفهوم، فيقدم عليه حديث أبي سعيد؛ لأن دلالته بالمنطوق. نعم، قد كان ابن عباس يذهب إلى العمل بمفهوم حديث أسامة ثم رجع عنه وقال: استغفر الله وأتوب إليه. 313/ 15 - وعن ابن عمر - رضي الله عنه - قال: كُنْتُ أَبِيعُ الْإِبِلَ بِالدَّنَانِيْرُ، وَآخُذُ مَكَانَهَا الوَرَقَ، وَأَبِيْعُ بِالْوَرِقِ، وَآخُذُ مَكَانَهَا الدَّنَانِيرَ، فَسَأَلْتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عَنْ ذَلِكَ فَقَال: "لَا بَأْسَ بِهِ بِالْقِيْمَةِ". أخرجه أصحاب السنن (¬3). [ضعيف مرفوعاً]. ¬

_ (¬1) البخاري رقم (2178) ومسلم رقم (1596). (¬2) في سننه رقم (4581). (¬3) أبو داود رقم (3351) والترمذي رقم (1242) وابن ماجه رقم (2262) والنسائي رقم (4582) و (4583) وهو حديث ضعيف مرفوعاً.

314/ 16 - وفي رواية أبي داود (¬1): لَا بَأسَ أَنْ تُؤْخَذَ بِسِعْرِ يَوْمِهَا مَا لم تَفْتَرِقَا وَبَيْنَكُمَا شَيْءُ. [ضعيف مرفوعاً]. قوله في حديث ابن عمر: "لا بأس به بالقيمة". قال ابن الأثير (¬2) [202/ ب] هذه رواية الترمذي، وقال الترمذي: وقد روي موقوفاً على ابن عمر، ولا نعرفه مرفوعاً من حديث سماك. انتهى. وقال المنذري (¬3): تفرد برفعه سماك. قوله: "لا بأس أن تأخذها بسعر يومها ما لم تفترقا وبينكما شيء". هذا لفظ أبي داود. قال ابن عبد البر (¬4): قال عثمان البتي: يأخذ الدنانير من الدراهم، والدراهم من الدنانير، بسعر يومه، فإن افترقا لم يجز عند جميعهم، وكان على المبتاع الدراهم التي ابتاع بها السلعة. قال ابن عبد البر (¬5): لما أجمعوا أن البر بالبر إلا هاء وهاء، والذهب بالورق ربا إلا هاء وهاء، وثبت ذلك بالسنة المجمع عليها، ثم وردت السنة في حديث ابن عمر بأن قبض الدنانير من الدراهم جائز كانت مفسرة بذلك انتهى كأنه يريد مخصصة. قلت: ظاهر قوله - صلى الله عليه وسلم - "لا بأس بالقيمة"، وفي قوله: "بسعر يومه" ما يشعر أنه يأخذ الدراهم أو الدنانير أحدهما عن الآخر من باب بيع أحدهما بالآخر، وأنه داخل تحت قوله - صلى الله عليه وسلم -: "فإذا اختلفت هذه الأجناس فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد" كما قال: "ما لم تفترقا ¬

_ (¬1) في سننه رقم (3351). (¬2) في "جامع الأصول" (1/ 562). (¬3) في "المختصر" (5/ 26). (¬4) في "التمهيد" (12/ 148 - الفاروق). (¬5) في "التمهيد" (12/ 151 - الفاروق).

وبينكما شيء" فجعل - صلى الله عليه وسلم - الأخذ لهذه عن هذه، وهذه عن هذه بيعاً لأحد الجنسين بالآخر. والله أعلم. إن قلت: بيع الحنطة مثلاً بالفضة أو الذهب، أيجوز فيه التفاضل والنساء؟ قلت: ظاهر "فإذا اختلفت هذه الأجناس فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد"، وظاهر قوله: "ما لم تفترقا وبينكما"، أنه يجوز [203/ ب] التفاضل دون النساء، وأنه لا بُدَّ من التقابض، إلا أنه لما ثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - مات ودرعه مرهونة في شعير شراه من يهودي (¬1) دل على تخصيص الطعام بالدراهم بعدم وجوب التقابض، فيكون خاصاً بذلك. [53/ أ]. 315/ 17 - وَعَنْ مَعْمَرِ بْنِ عبد الله بِنْ نَافِع - رضي الله عنه -: أَنَّهُ أَرْسَلَ غُلاَمَهُ بِصَاعِ قَمْحٍ فَقَالَ بِعْهُ ثُمَّ اشْتَرِ بِهِ شَعِيراً فَذَهَبَ الْغُلاَمُ فَأَخَذَ صَاعاً وَزِيَادَةَ، فَلَمَّا جَاءَ قَالَ لَهُ: لِمَ فَعَلْتَ ذَلِكَ؟ انْطَلِقْ فَرُدَّهُ وَلاَ تَأْخُذنَّ إِلاَّ مِثْلاً بِمِثْلٍ، فَإِنِّي كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "الطعَامُ بِالطَّعَامِ مِثْلاً بِمِثْلٍ". وَكَانَ طَعَامُنَا يَوْمَئِذٍ الشَّعِيرَ. فَقِيلَ لَهُ إِنَّهُ لَيْسَ بِمِثْلِهِ قَالَ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُضَارَعَ. أخرجه مسلم (¬2). [صحيح]. ومعنى: "يضارع" يشابه. ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد (3/ 102، 133) والبخاري رقم (2508) والنسائي رقم (4610) وابن ماجه رقم (2437) من حديث أنس، وهو حديث صحيح. ولفظه: "رهن رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - درعاً له عند يهودي بالمدينة وأخذ منه شعيراً لأهله". وأخرج البخاري رقم (2059) ومسلم رقم (125/ 1603). من حديث عائشة بلفظ: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اشترى طعاماً من يهودي إلى أجل ورهنه درعاً من حديد" وهو حديث صحيح. وأخرج البخاري رقم (4467) واللفظ له، ومسلم رقم (125/ 1603). من حديث عائشة بلفظ: "توفي ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين صاعاً من شعير". (¬2) في صحيحه رقم (1592).

316/ 18 - وعَنْ مَالِكٍ (¬1) أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ قَالَ: فَنِيَ عَلَفُ حِمَارِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فَقَالَ لِغُلاَمِهِ: خُذْ مِنْ حِنْطَةِ أَهْلِكَ فَابْتَعْ بِهَا شَعِيرًا، وَلاَ تَأْخُذْ إِلاَّ مِثْلَهُ. [موقوف ضعيف]. قوله: "صاعاً وزيادة". أقول: هذا صحيح داخل تحت قوله - صلى الله عليه وسلم -: "فإذا اختلفت هذه الأنواع فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد"، فهذا اجتهاد من نافع يرده النص ومخافة منه أن يشابه ما حرم، ومثله اجتهاد سعد بن أبي وقاص إلا أنه قال ابن عبد البر (¬2): مذهب سعد معروف في أن البر والسلت والشعير عنده صنف واحد لا يجوز [بيعه] (¬3) بعضه ببعض، إلا مثلاً بمثل يداً بيد. قال (¬4) [و] (¬5) إلى مذهب سعد هذا ذهب مالك وإياه اختار وعليه أصحابه. 317/ 19 - وَعَنْ أَبَي عَيَّاشٍ - رضي الله عنه -، واسمه زيد: أَنَّّهُ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ - رضي الله عنه - عَنِ الْبَيْضَاءِ بِالسُّلْتِ، فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ - رضي الله عنه -: أَيُّهُمَا أَفْضَلُ؟ قَالَ الْبَيْضَاءُ فَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ، وَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يُسْأَلُ عَنْ اشْتِرَاءِ التَّمْرِ بِالرُّطَبِ فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إِذَا يَبِسَ". قَالَ: نَعَمْ، فَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ. أخرجه الأربعة (¬6) وصححه الترمذي. [صحيح]. ¬

_ (¬1) في "الموطأ" (2/ 645 رقم 50) بسند ضعيف لانقطاعه. وهو موقوف ضعيف. (¬2) في "الاستذكار" (20/ 31). (¬3) زيادة من الاستذكار (20/ 31) لإتمام المعنى. (¬4) أي ابن عبد البر في الاستذكار (20/ 32 رقم 29106). (¬5) زيادة من المخطوط (أ). (¬6) مالك في الموطأ (2/ 4، 6) والترمذي رقم (1225) وأبو داود رقم (3359) والنسائي رقم (4545) وابن ماجه رقم (2264) وهو حديث صحيح.

318/ 20 - وفي أخرى لأبي داود (¬1) قال: "نَهَى رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - عَن بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ نَسِيئَةً". [صحيح دون ذكر النسيئة]. "السلت" ضرب من الشعير أبيض لا قشر له. قوله: "عن البيضاء بالسلت". قال ابن عبد البر (¬2): البيضاء الشعير هنا معروف عند العرب بالحجاز كما أن السمراء البر عندهم. قلت: وفي النهاية (¬3): البيضاء الحنطة. انتهى. وهو الأنسب بتفضيلها على السلت، ولا يخفى أنه - صلى الله عليه وسلم - عد الشعير صنفاً، والبر صنفاً، وقال بعد عدها: "فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم: يداً بيد"، وفي رواية عن عبادة ما هو نص في [204/ ب] الباب: "والبر بالشعير، والشعير بالبر، كيف شئنا". أخرجه ابن عبد البر (¬4). وأخرج أيضاً عن أنس وعبادة أنهما قالا: لا بأس بالبر والشعير اثنين بواحد يداً بيد، ويرفعانه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -. قال ابن عبد البر (¬5): الحجة في السنة لا فيما خالفها من [الأقوال] (¬6) التي هي جهالة يلزم ردها إلى السنة. ¬

_ (¬1) في سننه رقم (3360) وهو حديث صحيح دون ذكر النسيئة فهي شاذة. (¬2) في الاستذكار (20/ 32 رقم 29105). (¬3) النهاية في غريب الحديث (1/ 174). (¬4) في "الاستذكار" (20/ 35 رقم 29134) وقد تقدم تخريجه. (¬5) في "الاستذكار" (20/ 40 - 41 رقم 29151). (¬6) في المخطوط (ب) الأفعال، والمثبت من (أ) ومن الاستذكار.

فرع: في الحيوان وغيره

[قوله] (¬1) فرع: في الحيوان وغيره 319/ 1 - عَنْ جَابِرٍ - رضي الله عنه - قَالَ: جَاءَ عَبْدٌ فَبَايَعَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عَلَى الْهِجْرَةِ وَلَمْ يَشْعُرْ أَنَّهُ عَبْدٌ فَجَاءَ سَيِّدُهُ يُرِيدُهُ فَقَالَ لَهُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "بِعْيِنهِ". فَاشْتَرَاهُ مِنْهُ بِعَبْدَيْنِ أَسْوَدَيْنِ. أخرجه الخمسة إلا البخاري (¬2). [صحيح]. قوله: "أخرجه الخمسة إلا البخاري". أقول: لفظ ابن الأثير (¬3): أخرجه مسلم، والترمذي، والنسائي، واختصره أبو داود. فقال: "إن النبي - صلى الله عليه وسلم - اشترى عبداً بعبدين". انتهى. قلت: وترجم له أبو داود (¬4) بقوله: باب إذا كان يداً بيد. انتهى. وهو إشارة إلى الجمع بين حديث النهي الآتي وهذا. قلت: وقال الترمذي في حديث جابر أنه حسن صحيح. قال الخطابي (¬5): اختلفوا في بيع الحيوان بالحيوان، فذهب الجمهور إلى الجواز، لكن يشترط مالك أن يختلف الجنس، ومع الكوفيون وأحمد مطلقاً لحديث سمرة الآتي (¬6). ¬

_ (¬1) زيادة من المخطوط (أ). (¬2) مسلم في صحيحه رقم (1602) والترمذي رقم (1596) والنسائي رقم (4184) وأبو داود رقم (3358) وهو حديث صحيح. (¬3) في "جامع الأصول" (1/ 566). (¬4) في السنن (3/ 654) رقم الباب (17). (¬5) في معالم السنن (3/ 653). (¬6) برقم (324/ 6) من كتابنا هذا.

واحتج الجمهور بحديث ابن عمرو (¬1) هذا. انتهى. قلت: لكنه قال المنذري (¬2): في حديث ابن عمرو أن فيه محمد بن إسحاق [205/ ب] وقد اختلف أيضاً على محمد بن إسحاق في هذا الحديث، وذكر ذلك البخاري وغيره. وحكى الخطابي (¬3): أن في إسناد حديث عبد الله بن عمرو مقالاً، وجمع بعضهم بين الحديثين بأن حديث النهي محمول على أن يكون كلاهما نسيئة. 320/ 2 - وعَنْ عبد الله بْنِ عَمْرٍو بْنِ الْعَاص - رضي الله عنهما -: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَهُ أَنْ يُجَهِّزَ جَيْشًا فَنَفِدَتِ الإِبِلُ فَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ عَلَى قِلاَئصِ الصَّدَقَةِ، فَكَانَ يَأْخُذُ الْبَعِيرَ بِالْبَعِيرَيْنِ إِلَى إِبِلِ الصَّدَقَةِ. أخرجه أبو داود (¬4). [ضعيف]. 321/ 3 - وَعَن عَليّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رضي الله عنه -: أَنَّهُ بَاعَ جَمَلَاً لَهُ بِعْشْرِينَ بَعيْرَاً إِلَى أَجَلٍ. أخرجه مالك (¬5). [موقوف ضعيف]. 322/ 4 - وعَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أَنَّهُ اشْتَرَى رَاحِلَةً بِأَرْبَعَةِ أَبْعِرَةٍ مَضْمُونَةٍ عَلَيْهِ أَنْ يُوفِيهَا صَاحِبَهَا بِالرَّبَذَةِ. ¬

_ (¬1) الآتي برقم (320/ 2) من كتابنا هذا. (¬2) في "المختصر" (5/ 29). (¬3) في "معالم السنن" (3/ 653) مع السنن. (¬4) في السنن رقم (3357) وفي سنده جهالة واضطراب, انظر "نصب الراية" للزيلعي (4/ 47) وهو حديث ضعيف. (¬5) في الموطأ (2/ 652 رقم 59). وأخرجه عبد الرزاق رقم (14142) و"المطالب العالية" (7/ 271 رقم 1388. ط: دار العاصمة) والبيهقي في السنن الكبرى (5/ 288، 341) و (6/ 22) وفي "السنن الصغير" (2/ 284 رقم 2088) وفي معرفة السنن والآثار (4/ 300 رقم 3358 و409 رقم 33577) من طرق عن مالك به. وهذا سند ضعيف لانقطاعه, وهو موقوف ضعيف.

أخرجه البخاري في ترجمة (¬1)، ومالك (¬2). [موقوف صحيح]. قوله في حديث علي - عليه السلام -: "يدعى عصيفيراً". تصغير عصفور. قال مالك (¬3): لا بأس أن يشتري البعير النجيب بالبعيرين والأبعرة من الحمولة من ماشية الإبل، وإن كانت من نعم واحد لا بأس أن يشتري منها اثنين بواحد إلى أجل. 323/ 5 - وَعَنْ جَابِرٍ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لاَ يَصْلُحُ الْحَيَوَانُ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ نَسِيئة, وَلاَ بَأْسَ بِهِ يَداً بِيَدٍ". أخرجه الترمذي (¬4). [حسن]. قوله في حديث جابر: "ولا بأس به يداً بيد". قلت: هذا هو الذي جمع به أبو داود بين الأحاديث في ترجمة حديث جابر كما قدمنا، وهذا الحديث. قال فيه الترمذي: حسن. 324/ 6 - وَعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَب - رضي الله عنه - قَالَ: "نَهَى رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَان بِالْحَيَوَانِ نَسيئَةً". أخرجه أصحاب السنن، وصححه الترمذي (¬5). [حسن]. وحديث سمرة مثله، وقال فيه الترمذي: حسن صحيح. ¬

_ (¬1) في صحيحه (4/ 419 رقم الباب (108) - مع الفتح) تعليقاً - في ترجمة باب بيع العبد والحيوان بالحيوان نسيئة. (¬2) في الموطأ (2/ 652 رقم 60). وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (5/ 288) و (6/ 22) وفي "السنن الصغير" (2/ 284 رقم 2009) وابن حجر في "تغليق التعليق" (3/ 270) عن مالك به, وهذا سند صحيح. وهو موقوف صحيح. (¬3) في "الموطأ" (2/ 652). (¬4) في السنن رقم (1238) وقال: هذا حديث حسن، وهو كما قال، وأخرجه ابن ماجه رقم (2271). (¬5) أبو داود رقم (3356) والترمذي رقم (1237) والنسائي رقم (4620) وابن ماجه رقم (2270) وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وهو حديث حسن.

وسماع الحسن من سمرة صحيح، هكذا قال علي بن المديني وغيره. انتهى. وقال المنذري (¬1): "قال الشافعي: أما قوله: "نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة"، فهو غير ثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. قال الخطابي (¬2): الحسن عن سمرة مختلف في اتصاله عند أهل الحديث، وروي عن يحيى ابن معين قال: الحسن عن سمرة صحيفة. قال محمد بن إسماعيل - يعني البخاري -: حديث النهي عن بيع الحيوان بالحيوان [206/ ب] نسيئة من طريق عكرمة عن ابن عباس: رواه الثقات عن ابن عباس موقوفاً. أو عكرمة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسل. قال: وحديث زياد بن جبير عن ابن عمر إنما هو زياد بن جبير عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسل، فطرق هذا الحديث واهية ليست بالقوية. انتهى. 325/ 7 - وَعَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ - رحمه الله - كان يقول: لاَ رِبًا فِي الْحَيَوَانِ، وَأَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - إِنَّمَا نُهِىَ فِي بَيْعِ الْحَيَوَانِ عَنْ ثَلاَثَةٍ: الْمَضَامِينِ وَالْمَلاَقِيحِ، وَحَبَلِ الْحَبَلَةِ، فَالْمَضَامِينُ: مَا فِي بُطُونِ إِنَاثِ الإِبِلِ، وَالْمَلاَقِيحُ: مَا فِي ظُهُورِ الجمَال، وَحَبَلِ الْحَبَلَةِ هُوَ بَيْعُ الْجَزُوْرِ إِلَى أَنْ تُنْتِجَ النَّاقَةَ ثُمَّ تُنْتَجُ الَّتِي فِي بَطْنِهَا. أخرجه مالك (¬3). مفسراً بهذا اللفظ، والمعروف عند أهل اللغة والغريب والفقه تفسير المضامين والملاقيح بعكس ذلك. والله أعلم. قوله: "والمعروف عند أهل اللغة ... " إلى آخره. ¬

_ (¬1) في "المختصر" (5/ 27). (¬2) في "معالم السنن" (3/ 653) - مع السنن. (¬3) في "الموطأ" (2/ 654 رقم 63). وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (5/ 287) وفي "معرفة السنن والآثار" (4/ 300 - 301 رقم 3359). وسنده صحيح. وهو مقطوع صحيح.

أقول: قال ابن عبد البر (¬1): قال أبو عبيد: المضامين ما في البطون وهي الأجنة، والملاقيح: ما في أصلاب الفحول، وهذا قول سعيد بن المسيب، واستشهد أبو عبيد بقوله: ملقوحة في بطن ناب حائل (¬2). وكان وجه ما استشهد به أن يقول مضمونة في بطن ناب حائل. انتهى. فهذا أحد التفسيرين. 326/ 8 - وَعَنْ مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَجُلاً أَتَى ابْنَ عُمَرَ - رضي الله عنهما - فَقَالَ: أَسْلَفْتُ رَجُلاً سَلَفًا وَاشْتَرَطْتُ عَلَيْهِ أَفْضَلَ مِمَّا أَسْلَفْتُهُ. فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: ذَلِكَ الرِّبَا، ثُمَّ قَالَ: السَّلَفُ عَلَى ثَلاَثَةِ وُجُوهٍ: سَلَف تُسْلِفُهُ تُرِيدُ بِهِ وَجْهَ الله تَعَالَى، فَلَكَ وَجْهُ الله تَعَالَى، وَسَلَفٌ تُسْلِفُهُ تُرِيدُ بِهِ وَجْهَ صَاحِبِكَ فَلَكَ وَجْهُ صَاحِبِكَ، وَسَلَفاً تُسْلِفُهُ لِتَأْخُذَ خَبِيثًا بِطَيِّبٍ فَذَلِكَ الرِّبَا. قَالَ فَكَيْفَ تَأْمُرُنِي يَا أَبَا عبد الرَّحْمَنِ؟ قَالَ: أَرَى أَنْ تَشُقَّ الصَّحِيفَةَ، فَإِنْ أَعْطَاكَ مِثْلَ الَّذِي أَسْلَفْتَهُ قَبِلْتَهُ، وَإِنْ أَعْطَاكَ دُونَهُ فَأَخَذْتَهُ أُجِرْتَ، وَإِنْ أَعْطَاكَ أَفْضَلَ طِيْبَةً بِهِ نَفْسُهُ فَذَلِكَ شُكْرٌ شَكَرَهُ لَكَ، وَلَكَ أَجْرُ مَا أَنْظَرْتَهُ (¬3). [موقوف ضعيف]. ¬

_ (¬1) في "الاستذكار" (20/ 98 رقم 29401) و (29402) و (29403). (¬2) هو الشطر الثاني، والبيت بتمامه في بيت قبله، للشاعر مالك بن الريب بن حوط بن قرط المزني التميمي: إِنَّا وَجَدْ نَاطَرَدَ الهوامِلِ ... خيراً من القَانانِ والمسائِلِ وَعِدَّةَ العامِ وعامٍ قابلٍ ... مَلْقُوحَةٍ في بطنِ نابٍ حائِلِ [حاشية الاستذكار (20/ 98)]. (¬3) أخرجه مالك في "الموطأ" (2/ 681 - 682 رقم 92). وأخرجه عبد الرزاق رقم (14662) والبيهقي في السنن الكبرى (5/ 350 - 351). و"السنن الصغير" (2/ 273 رقم 1973) من طريق مالك به. سنده ضعيف لانقطاعه وهو موقوف ضعيف.

327/ 9 - وَعَنْ مُجَاهِدٍ أن عمر - رضي الله عنهما -: اسْتَسْلَفَ دَرَاهِمَ فَقَضَى صَاحِبْها خَيْراً مِنْهَا، فأبى أن يأخذها، وقال: هذه خير من دراهمي. فقال ابن عمر: قد علمت ولكن نفسي بذلك طيبة (¬1). [موقوف صحيح]. 328/ 10 - وَعَنْ سَالمِ قال: سُئِلَ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - عَنِ الرَّجُلِ يَكُونُ لَهُ الدَّيْنُ عَلَى الرَّجُلِ إِلَى أَجَلٍ فَيَضَعُ عَنْهُ صَاحِبُ الْحَقِّ لِيُعَجَّل الدَّيْنَ فَكَرِهَ ذَلِكَ وَنَهَى عَنْهُ (¬2). [موقوف حسن]. 329/ 11 - وَعَنْ عُبَيْدٍ أَبِي صَالِحٍ قَالَ: بِعْتُ بُرَّاً مِنْ أَهْلِ دَارِ نَخْلَةَ إِلَى أَجَلٍ، فَأَرَدْتُ الْخُرُوجَ إِلَى الْكُوفَةِ فَعَرَضُوا عَلَيَّ أَنْ أَضَعَ لهمْ وَيَنْقُدُونِي، فَسَألْتُ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ فَقَالَ: لاَ آمُرُكَ أَنْ تَفْعَلَهُ وَلا أَنْ تَأْكُلَ هَذَا وَتُوكِلَهُ. هذه الآثار الثلاثة أخرجهما مالك (¬3). [موقوف صحيح]. قوله: "هذه الآثار [الخمسة (¬4)] أخرجها مالك". أقول: قال ابن عبد البر (¬5) - بعد سياقها -: قال مالكٌ: الأمر المكروه الذي لا اختلاف فيه عندنا أن يكون للرجل على الرجل الدين فيضع عنه الطالب ويعجله المطلوب، وذلك ¬

_ (¬1) أخرجه مالك في "الموطأ" (2/ 681 رقم 90). وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (5/ 352) وابن سعد في الطبقات (4/ 169) وإسناده صحيح. وهو موقوف صحيح. (¬2) أخرجه مالك في الموطأ (2/ 672 رقم 82) بسند حسن. وهو موقوف حسن. (¬3) أخرجه مالك في "الموطأ" (2/ 672 رقم 81) بسند صحيح، وهو موقوف صحيح. (¬4) لفظ التيسير الثلاثة. (¬5) في الاستذكار (20/ 259 رقم 30102).

الأمر عندنا بمنزلة الرجل الذي يؤخر دينه بعد محله عن عزيمة ويزيده الغريم في حقه [207/ ب] فهذا الربا بعينه. وقد أخرج مالك (¬1) عن زيد بن أسلم: أنه كان الربا في الجاهلية أن يكون للرجل على الرجل الحق إلى أجل، فإذا حل الأجل قال: أتقضي أم تربي؟ فإن قضى أخذه وإلا زاده في حقه وأخر عنه الأجل. قال ابن عبد البر (¬2): قد بين مالك أن من وضع من حق له لم يحل أجله ليستعجله فهو بمنزلة من أخر حقه بعد حلول الأجل لزيادة يزادها من غريمه لتأخيره ذلك؛ لأن المعنى الجامع له هو أن يكون بإزاء الأمر الساقط أو الزائد بدلاً وعوضاً يزداده الذي يزيد في الأجل، أو يسقط عن الذي يعجل الدين [54/ أ] قبل محله، فهذان وإن كان أحدهما عكس الآخر فهما مجتمعان في المعنى الذي وصفنا. قال (¬3): وقد اختلف العلماء في معنى قوله: "ضع عني وأعجل لك"، ولم يختلفوا في قولهم: "إما أن تقضي وإما أن تربي"، أنه الربا المجمع عليه الذي نزل القرآن بتحريمه. وأما اختلاف العلماء في "ضع وتعجل" فإن ابن عباس خالف في ذلك ابن عمر، وزيد بن ثابت، وكذلك اختلف فيها التابعون ومن بعدهم من العلماء. قال ابن عباس [208/ ب]: "إنما الربا أخرني وأزيدك ليس عجل لي وأضع عنك"، أخرجه عند عبد الرزاق (¬4). ¬

_ (¬1) في الموطأ (2/ 672 رقم 83). وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (5/ 275) وفي "معرفة السنن والآثار" (4/ 285 - 286 رقم 3328) بسند صحيح، وهو مقطوع صحيح. (¬2) في "الاستذكار" (20/ 259 - 260 رقم 30103). (¬3) أي ابن عبد البر في "الاستذكار" (20/ 260 - 261 رقم 30104) ورقم (30108) و (30109). (¬4) في المصنف (8/ 72 - 73 رقم 14362).

واتفق مالك وأبو حنيفة وأصحابهما الأئمة أن "ضع وتعجل" ربا (¬1). واختلف في ذلك قول الشافعي (¬2). ثم أطال (¬3) في خلاف العلماء. ثم قال (¬4): واحتج من لم ير بذلك بأساً بما رواه مسلم بن خالد الزنجي، وساقه بسنده إلى ابن عباس "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما أمر بإخراج بني النضير جاءه ناس منهم فقالوا: يا رسول الله! إنك أمرت بإخراجنا، ولنا على الناس ديون لم تحل. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ضعوا وتعجلوا قال (¬5) من كره ذلك: جائز أن يكون ذلك قبل نزول آية الربا. انتهى. قلت: والحق في المسألة مع ابن عباس، والحديث دليله وتأويله بقبلية نزول آية الربا تخمين. 330/ 12 - وَعَنْ أُمَّ يُوْنِس قَالَت: جَاءَتْ أُمُّ وَلَدِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ - رضي الله عنه - إِلَى عَائشَةَ - رضي الله عنها - فَقَالَت: بِعْتُ جَارِيةً مِنْ زَيدٍ بِثَمَانِمائِةِ دِرْهَمٍ إِلَى الْعَطَاءِ، ثُمّ اشْتَرَيْتُها مِنْهُ قَبْلَ حُلُوْلِ الْأَجَل بِسِتِّمَائَةِ دِرْهَمٍ، وَكُنْتُ شَرَطْتُ عَلَيْهِ أنَّكَ إِنْ بِعْتَها فَأَنا أشْترِيها مِنْكَ، فَقَالَت عَائِشَة - رضي الله عنها -: ¬

_ (¬1) "الاستذكار" (20/ 262 رقم 30115). (¬2) "الاستذكار" (20/ 262 رقم 30117). (¬3) أي ابن عبد البر في "الاستذكار" (20/ 262 - 264 رقم 30117 - 30131). (¬4) ابن عبد البر في "الاستذكار" (20/ 264 - 265 رقم 30132). (¬5) أخرجه الطبراني في الأوسط رقم (817) وقال: لم يرو هذا الحديث عن عكرمه, إلا علي بن محمد بن طلحة بن يزيد بن ركانة, تفرد به مسلم بن خالد، وأورده الهيثمي في "مجمع البحرين" رقم (2074) وقال: لم يروه عن عكرمة إلا علي، تفرد به مسلم، وعلي هذا هو: علي بن محمد بن طلحة بن يزيد بن ركانه, بل هو علي ابن يزيد بن ركانه: مستور كما في "التقريب" رقم الترجمة (4815) وقال المحرران: بل مجهول الحال، تفرد بالرواية عنه ابناه عبد الله ومحمد فقط, وذكره ابن حبان في الثقات، وقال البخاري: لم يصح حديثه. وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (4/ 130) وقال: وفيه مسلم بن خالد الزنجي، وهو ضعيف، وقد وثق.

بِئْسَمَا شَرَيْتِ، وبِئْسَما اشْتَرَيْتِ، أَبْلِغِي زَيدِ بنَ أَرْقَمَ أَنَّه قَدْ أَبْطَلَ جَهَادَه مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - إِنْ لَمْ يَتُبْ مِنْهُ، قَالتْ: فَمَا يَصْنَعُ؟ فَقَالَتْ عَائِشةُ - رضي الله عنها -: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ}. الآية، فَلَمْ يُنْكِرْ أَحَدٌ عَلَى عَائِشَةَ - رضي الله عنها -، والصَّحابةُ - رضي الله عنهم - مُتَوَافِرُونَ (¬1). قوله: "وعن أم يونس". قال ابن الأثير: أم يونس روت عن عائشة، روى عنها وبيض له حديثها في الربا. انتهى. ¬

_ (¬1) ذكره رزين ولم أجده في الأصول - كما قال ابن الأثير في "جامع الأصول" (1/ 572) أخرجه الدارقطني في السنن (3/ 52 رقم 211) عن يونس بن أبي إسحاق، عن أمه العالية قالت: خرجت أنا وأم محبة إلى مكة فدخلنا على عائشة، فسلمنا عليها، فقالت لنا: ممن أنتن؟ قلنا: من أهل الكوفة, قالت: فكأنها أعرضت عنا، فقالت لها أم محبة: يا أم المؤمنين!، كانت لي جارية وإني بعتها من زيد بن أرقم الأنصاري بثمان مئة إلى عطائه، وإنه أراد بيعها، فابتعتها منه بست مئة نقداً، قالت: فأقبلت علينا، فقالت: بئسما شريت وما اشتريت، فأبلغي زيداً أنه قد أبطل جهاده مع رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إلا أن يتوب فقالت لها: أرأيت إن لم آخذ منه إلا رأس مالي، قالت: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ} [البقرة: 275]. أم محبة والعالية: مجهولتان: لا يصح الاحتجاج بهما. وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (5/ 330) وعبد الرزاق رقم (14813) أيضاً، وأم محبة بضم الميم وكسر الخاء، هكذا ضبطه الدارقطني في "المؤتلف والمختلف" (4/ 2164) وقال: إنها امرأة تروي عن عائشة، روى حدثها أبو إسحاق السبيعي عن امرأته العالية، ورواه أيضاً يونس بن إسحاق، عن أمه العالية بنت أيفع عن أم حبيبة ,عن عائشة، وقال: أم محبة والعالية مجهولتان لا يحتج بهما. قلنا: بل هي امرأة جليلة القدر، ذكرها ابن سعيد في "الطبقات" (8/ 487) فقال: العالية بنت أيفع بن شراحيل امرأة أبي إسحاق السبيعي سمعت من عائشة. انظر "تنقيح وتحقيق أحاديث التعليق" لابن عبد الهادي (2/ 558).

قلت: فهي مجهولة، والحديث لم يخرجه أحد وهو في بيع العينة، وهي محرمة لأحاديث أخر ثابتة، ويأتي للمصنف أنه أخرجه رزين، وقد تقدم تحذيرنا من هذا الصنع الذي يصنعه المصنف، وأحسن منه [209/ ب] عبارة ابن الأثير (¬1) فإنه قال: ذكره رزين، ولم أجده، انتهى. قلت: قد وجدته بحمد الله في الدر المنثور (¬2): أنه أخرجه عبد الرزاق (¬3)، وابن أبي حاتم (¬4) عن عائشة: أن امرأة قالت لها: إني بعت زيد بن أرقم عبداً إلى العطاء بثمان مائة، فاحتاج إلى نقد فاشتريته قبل محل الأجل بستمائة؟ فقالت: بئسما شريت وبئسما اشتريت، أبلغي زيداً أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن لم يتب، قلت: أفرأيت إن تركت المائتين وأخذت الستمائة؟ قالت: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ} (¬5). انتهى. وبينهما اختلاف يسير لا يضر. قوله: "إلى العطاء"، هو ما كان يعطيه الأمراء الناس مما يقررونه لهم من بيت المال كان يصل إليهم في أوقات معلومة من السنة. 331/ 13 - وعن زيد بن أسلم قال: كان الربا الذي أذن الله فيه بالحرب لمن لم يتركه عند الجاهلية على وجهين: كان يكون للرجل على رجل حق إلى أجل، فإذا حل الأجل قال صاحب الحق: أتقضي أم تربي؟ فإن قضاه أخذ منه، وإلا طواه إن كان مما يكال أو يوزن أو يذرع أو يعد، وإن كان سناً رفعه إلى الذي فوقه وأخره عنه إلى أجل أبعد منه. فلما جاء ¬

_ (¬1) جامع الأصول (1/ 572). (¬2) (2/ 105 - ط: دار الفكر). (¬3) في المصنف رقم (14813). (¬4) في تفسيره (2/ 545 - 546 رقم 2897)، وقال ابن كثير: هذا الأثر مشهور، وهو دليل لمن حرم مسألة العينة، مع ما جاء فيها من الأحاديث المقررة في ذلك. (¬5) سورة البقرة الآية (275).

الباب الخامس: في الخيار

الإسلام أنزل الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278)} إلى: {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ} إلى آخرها. أخرجه رزين (¬1). قوله: "طواه". أي: ثناه فيجعل العشرة عشرين. قوله: "سناً"، أي: جذعاً أو نحوه رفعه إلى السن الذي فوقه. قوله: " [أخرجهما] (¬2) رزين". لفظ ابن الأثير (¬3): ذكره رزين ولم أجده، وذكر فيه زيادة حذفها المصنف إلا أنها نسخة في الجامع. الباب الخامس: في الخيار قوله: "الباب الخامس في الخيار". أقول: الخيار الاسم من الاختيار، وهو: طلب خير أي أمرين، وهو على ثلاثة أضرب: خيار المجلس، وخيار الشرط، وخيار النقيصة. الأصل في الأول: حديث "البيعان بالخيار" ويأتي. وفي الثاني - أي: خيار الشرط -: حديث: "المؤمنون [210/ ب] عند شروطهم". وفي الثالث: أن يظهر عيب بالمبيع يوجب رده، أو نحو ذلك مما يأتي مفصلاً. ذكر فيه ستة أحاديث: الأول: عن ابن عمر: 332/ 1 - وَعَنْ ابْنُ عُمَرُ - رضي الله عنهما -: أَنَّ النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "الْمُتبَايِعَانِ بِالخيَارِ مَا لَمْ يَفْتَرِقَا، أَوْ يَقُولُ أَحَدُهُما لِلْآخَرِ: اخْتَرْ، وَربَّمَا قَالَ: أَو يَكُونُ بَيْعَ خيَار". ¬

_ (¬1) ذكره ابن الأثير في "جامع الأصول" (1/ 573). (¬2) في "التيسير" أخرجه. (¬3) "جامع الأصول" (1/ 573).

أخرجه الستة (¬1). وفي رواية للشيخين (¬2): "إِذَا تَبَايَعَ الرَّجُلاَنِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، أَوْ يُخَيِّرُ أَحَدُهُمَا الآخَرَ فَإِنْ خَيَّرَ الآخرَ فَتَبَايَعَا عَلَى ذَلِكَ، فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ، وَإِنْ تَفَرَّقَا بَعْدَ أَنْ يَتَبَايَعَا وَلَمْ يَتْرُكْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا الْبَيْعَ فَقَدْ وَجَبَ". [صحيح]. وفي أخرى لمسلم (¬3): "كُلُّ بَيِّعَيْنِ لاَ بَيْعَ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَتَفَرَّقَا إِلاَّ بَيْعُ الْخِيَارِ". [صحيح]. وله في أخرى (¬4) قال نافع: وَكَان ابن عُمرَ - رضي الله عنهما - إِذَا بَايَع رَجُلَاً فَأَرَاد أَن لَا يُقِيلَه قَامَ فَمَشَى هَنيْهَةً ثُمَّ رَجعَ. [صحيح]. وفي أخرى للترمذي (¬5): كَانَ ابْنُ عُمَرَ إَذَا ابْتَاعَ بَيْعاً وَهُوَ قَاعِدٌ قَامَ لِيَجِبَ لهُ. [صحيح]. قوله: "بالخيار" أي: أنه يثبت لكل أحد إمضاء البيع أو عدم إمضائه مما يقررونه مهما بقيا في مجلس العقد. أو يقول أحدهما لصاحبه: اختر فإن أي الأمرين وقع نفذ البيع. أو يكون بيع خيار. قال ابن الأثير: ألا يبقى شرط فيه الخيار فلا يلزم بالتفرق، وقيل: معناه ألا يبقى شرط فيه نفي خيار المجلس فيلزم بنفسه عند قوم. ¬

_ (¬1) البخاري رقم (2111) ومسلم رقم (1531) وأبو داود رقم (3454) والترمذي رقم (1245) والنسائي رقم (4465 - 4468)، ومالك في الموطأ (2/ 671). (¬2) البخاري رقم (2107) و (2109) و (2112) ومسلم رقم (44/ 1531). (¬3) البخاري رقم (2113) ومسلم رقم (46/ 1531). (¬4) البخاري (2112) ومسلم رقم (45/ 1531). (¬5) في السنن رقم (1245).

قال الخطابي (¬1): اختلف الناس في التفرق الذي يصح بوجوده البيع، فقالت طائفة: هو التفرق بالأبدان، وإليه ذهب معظم الأئمة والفقهاء من الصحابة والتابعين، وبه قال الشافعي وأحمد، وقال أصحاب الرأي ومالك: إذا تعاقدا صح البيع. قال الخطابي (¬2): وظاهر الحديث يشهد للأول، فإن راوي الحديث عبد الله بن عمر، وفي الحديث أن ابن عمر كان إذا بايع رجلاً فأراد أن يتم البيع مشى خطوات حتى يفارقه. قال (¬3): ولو كان تأويل الحديث عل القول الثاني لخلا الحديث من الفائدة، وسقط معناه؛ لأن العلم محيط بأن المشتري ما لم يوجد منه قبول البيع فهو بالخيار، وكذلك البائع [211/ ب] خياره ثابت في ملكه قبل أن يعقد البيع، وهذا من العلم العام الذي قد استقر بيانه والخبر الخاص إنما يروى في الحكم الخاص، والمتبايعان هما المتعاقدان، والبيع من الأسماء المشتقة من أسماء الفاعلين، ولا بيع حقيقة إلا بعد حصول الفعل منهما. انتهى. وفي الحديث مقاولات وسؤالات وأجوبات قد أودعناها حاشية شرح العمدة (¬4)، وحاشية ضوء النهار (¬5)، فالبحث فيه قد جاوز المقدار. 333/ 2 - وعن حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَتَمَا وَكذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا". ¬

_ (¬1) في "معالم السنن" (3/ 733). (¬2) في المرجع السابق (3/ 733). (¬3) الخطابي في المرجع السابق (3/ 733). (¬4) "العدة على شرح العمدة" (3/ 428 - 453) وبحوزتي مخطوطتين لهذا الكتاب وهو قيد التحقيق. (¬5) ضوء النهار المشرق على صفحات الأزهار للحسن الجلال، ومعه المنحة حاشية ضوء النهار لمحمد بن إسماعيل الأمير، طبع: مكتبة الجيل الجديد - صنعاء - بـ (7) سبع مجلدات.

أخرجه الخمسة (¬1). [صحيح]. الثاني: حديث حكيم، وفيه: "فإن صدقا وبينا بورك لهما [55/ أ] في بيعهما، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما". فيه الأمر بالصدق وإبانة ما في العين والثمن من الغش. 334/ 3 - وعن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: "الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، إِلاَّ أَنْ تَكُونَ صَفْقَةَ خِيَارٍ، فَلاَ يَحِلُّ أَنْ يُفَارِقَ صَاحِبَهُ خَشْيَةَ أَنْ يَسْتَقِيلَهُ". أخرجه أصحاب السنن (¬2). [حسن]. وَفِي أُخْرى لَأَبي دَاود (¬3) عَنْ أَبي هُرَيْرَة - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يَتَفَرَقَنَّ اثْنَانِ إِلاَّ عَنْ تَرَاضٍ". [حسن]. قوله: "ولا يحل أن يفارق صاحبه خشية أن يستقيله". أقول: كأن هذا النهي لم يبلغ ابن عمر لما عرفت من أنه كان يفارق لئلا يختار البائع خلاف إمضاء البيع. 335/ 4 - وَعَن جَابِر - رضي الله عنه -: "أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - خَيَّرَ أَعْرَابِيَّاً بَعْدَ الْبَيعِ". أخرجه الترمذي وصححه (¬4). [حسن]. قوله: "خير أعرابياً بعد البيع" أخرجه الترمذي وصححه. قلت: قال الترمذي: وهذا حديث صحيح غريب. ¬

_ (¬1) البخاري رقم (2079) ومسلم رقم (1532) وأبو داود رقم (3459) والترمذي رقم (1246) والنسائي رقم (4457، 4464). (¬2) أبو داود رقم (3456) والترمذي رقم (1247) والنسائي رقم (4483). (¬3) في السنن رقم (3458) وهو حديث حسن. (¬4) في السنن رقم (1249) وقال: حديث حسن غريب. وهو حديث حسن.

336/ 5 - وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا اخْتَلَفَ الْبَيِّعَانِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ وَالْمُبْتَاعُ بِالْخِيَار". أخرجه مالك (¬1) والترمذي (¬2) واللفظ له. [حسن]. قوله: "أخرجه مالك". أقول: لفظ ابن الأثير (¬3): أخرجه الموطأ، قال مالك: بلغه أن ابن مسعود ... إلى آخره. انتهى. قال ابن عبد البر في الاستذكار (¬4): حديث ابن مسعود حديث منقطع لا يكاد يتصل وإن كان الفقهاء قد عملوا به كلٌ على مذهبه الذي تأوله فيه. قوله: "واللفظ له". أقول: أي: للترمذي، ثم قال: هذا حديث مرسل، عون بن عبد الله لم يدرك ابن مسعود، وقد روي عن القاسم بن عبد الرحمن، عن ابن مسعود عن النبي [212/ ب]- صلى الله عليه وسلم - هذا الحديث أيضاً، وهو مرسل أيضاً. قال ابن منصور: قلت لأحمد: إذا اختلف البيعان ولم يكن بينة؟ قال: القول ما قال رب السلعة أو يترادان. وقال: الحق كما قال: وكل من كان القول قوله فعليه اليمن. انتهى بلفظه. قلت: والعجب من ابن الأثير، فإنه قد أخرجه أبو داود (¬5) أيضاً وذكر فيه قصة، وفيه قال عبد الله: إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إذا اختلف البيعان ... " الحديث. ¬

_ (¬1) في "الموطأ" (2/ 671). (¬2) في السنن رقم (1270) وقال: هذا حديث مرسل. وأخرجه أبو داود رقم (3511) وابن ماجه رقم (2186) و (4648) و (4649)، وهو حديث حسن. (¬3) في "الموطأ" (1/ 579). (¬4) في الاستذكار (20/ 222 رقم 29918). (¬5) في سننه رقم (3511).

قال ابن عبد البر (¬1): وقد ذكر طريقته وكيف كان الأمر، فهو غير متصل ولا مسند. ومثله ذكر المنذري في مختصر السنن (¬2)، ونسبه ابن حجر في بلوغ المرام (¬3) إلى الخمسة، وقال: وصححه الحاكم. وأما معناه فواضح، وبه قال أحمد كما عرفت، وقال به مالك: فإنه قال: الأمر عندنا في الرجل يشتري السلعة من الرجل فيختلفان في الثمن فيقول البائع: بعتكها بعشرة دنانير، ويقول المبتاع: ابتعتها منك بخمسة، قال: فإن شئت فاحلف ما بعت سلعتك إلا بما قلت، فإن حلف قيل للمشتري: إما أن تأخذ السلعة بما قال البائع، وإما أن تحلف بالله ما اشتريتها إلا بما قلت، فإن حلف برئ منها، وذلك أن كل واحد منهما مدعٍ على صاحبه. انتهى. ومعنى ذلك أن البائع لم يقر بخروج السلعة عن يده إلا بصفة قد ذكرها أو ثمن قد وصفه لم يقر له المبتاع به، وكذلك المشتري لم يقر بانتقال الملك إليه إلا بصفة لم يصدقه [213/ ب] المبتاع عليها. والأصل أن السلعة للبائع، فلا تخرج عن ملكه إلا بيمين أو إقرار أو بينة، وإقراره منوط بصفة لم يقم المشتري بينة بتكذيبها، فحصل أن كل واحد منهما مدع ومدعى عليه، وقد وردت السنة بأن يبدأ البائع باليمين؛ لأن السلعة له، فلا يعطاها أحد بدعواه، فإذا حلف خير المبتاع في أخذها بما حلف عليه البائع إن شاء، وإلا حلف أنه ما ابتاع إلا بما ذكر حيث دعوى البائع عليه بأكثر مما ذكر، ثم فسخ البيع بينهما، وبهذا وردت السنة مجملة لم تخص كون السلعة بيد واحد دون الآخر، ولا فوتها، ومعلوم أن التراد إذا حصل ¬

_ (¬1) في الاستذكار (20/ 222 رقم 29918). (¬2) (5/ 162 - 164). (¬3) برقم (3/ 738) بتحقيقي ط: دار ابن تيمية - القاهرة وانظر "سبل السلام" (5/ 12 - 13) بتحقيقي ط: دار ابن الجوزي - الدمام.

بالتحالف والسلعة حاضرة وجب أيضاً بعد هلاكها؛ لأن القيمة تقوم مقامها كسائر ما فات من البيوع، وقد وجب رده كانت القيمة عند الجميع بدلاً منه، أفاده أبو عمر في الاستذكار (¬1). 337/ 6 - وَعَنْ أَبِي الْوَضِيءِ (¬2) قَالَ: غَزَوْنَا غَزْوَةً فَنَزَلْنَا مَنْزِلاً فَبَاعَ صَاحِبٌ لَنَا فَرَسًا بِغُلاَمٍ ثُمَّ أَقَامَا بَقِيَّةَ يَوْمِهِمَا وَلَيْلَتِهِمَا، فَلَمَّا أَصْبَحَا حَضَرَ الرَّحِيلُ فَقَامَ الرَّجُل إِلَى فَرَسِهِ ليُسْرِجُهُ فَنَدِمَ فَأَتَى الرَّجُلَ فَأَخَذَهُ بِالْبَيْعِ فَأَبَى الرَّجُلُ أَنْ يَدْفَعَهُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَبُو بَرْزَةَ صَاحِبُ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَأَتَيَاهُ فَأَخْبَرَاهُ فَقَالَ: أترْضَيَانِ أَنْ أَحْكُمَ بَيْنَكُمَا بِقَضَاءِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا وَلَا أُرَاكُمَا افْتَرَقْتُمَا". أخرجه أبو داود (¬3). [صحيح]. قوله: "وعن أبي الوضي". أقول: قال ابن الأثير (¬4): الوضيء: بفتح الواو وكسر الضاد المعجمة بعدها همزة، اسمه: عباد بن نسيب العنسي تابعي، عباد: بتشديد [الباء (¬5)] الموحدة ونسيب: بضم النون وفتح السين المهملة، وسكون الياء تحتها نقطتان بعدها باء موحدة. انتهى. ¬

_ (¬1) انظر الاستذكار (20/ 239 - 244). (¬2) هو عباد بن نسيب القيسي. (¬3) في سننه رقم (3457) وهو حديث صحيح. (¬4) في تتمة جامع الأصول القسم الثاني (2/ 629) ط: دار الفكر - بيروت. عباد بن نسيب: هو أبو الوضّي عباد بن نسيب القيسي. سمع علي بن أبي طالب، وأبا برزة الأسلمي، روى عنه جميل بن مرة, وعداده في البصريين، وكان من فرسان علي بن أبي طالب على شرطه الخميس قال يحيى بن معين: هو ثقة. (¬5) زيادة من (أ).

الباب السادس: في الشفعة

وقال المنذري (¬1): وأخرجه ابن ماجه (¬2) ورجال إسناده ثقات. الباب السادس: في الشفعة في النهاية (¬3): الشفعة: مشتقة من الزيادة؛ لأن الشفيع يضم المبيع إلى ملكه فيشفعه كأنه كان واحداً وتراً، فصار زوجاً شفعاً. والشافع: هو الجاعل الوتر شفعاً. انتهى. [214/ ب]. 338/ 1 - عَنْ جَابِرِ - رضي الله عنه - قَالَ: قَضَى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ مَا لَمْ يُقْسَمْ، فَإِذَا وَقَعَتِ الْحُدُودُ وَصُرِّفَتِ الطُّرُقُ فَلا شُفْعَةَ. أخرجه الخمسة (¬4)، وهذا لفظ البخاري، ولفظ مسلم (¬5): فِي كُلِّ شِرْكَةٍ لَمْ تُقْسَمْ رَبْعَةٍ أَوْ حَائِطٍ لاَ يحلُّ لَهُ أَنْ يَبِيعَ حَتَّى يُؤْذِنَ شَرِيكَهُ، فَإِنْ شَاءَ أَخَذَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ فَإِذَا بَاعَ وَلَمْ يُؤْذِنْهُ فَهْوَ أَحَقُّ بِهِ. [صحيح]. 339/ 2 - وفي أخرى لأبي داود (¬6) والترمذي (¬7) قال: "الْجَارُ أَحَقُّ بِشُفْعَةِ جَارِهِ يُنْتَظَرُ بِهَا وَإِنْ كَانَ غَائِبًا إِذَا كَانَ طَرِيقُهُمَا وَاحِداً". 339/ 3 - وفي أخرى للترمذي (¬8): "جَارُ الدَّارِ أَحَقُّ بِالدَّار". ¬

_ (¬1) في المختصر (5/ 96). (¬2) في السنن رقم (2182). (¬3) النهاية (3/ 485). (¬4) البخاري رقم (2213) ومسلم رقم (1608) والترمذي رقم (1370) بنحوه, وأبو داود رقم (3513) و (3514) والنسائي رقم (4646) و (4700) و (4701). (¬5) في صحيحه رقم (1608). (¬6) في سننه رقم (3518). (¬7) في سننه رقم (1369) بنحوه. وقال: هذا حديث حسن غريب. وهو حديث صحيح. (¬8) في سننه رقم (1368) وقال: حديث سمرة حديث حسن صحيح. قلت: وأخرجه أبو داود رقم (3517). وهو حديث صحيح.

قوله: "ربعة أو حائط" [الربع] (¬1) والربعة: بفتح الراء وسكون الباء، والربع الدار والمسكن ومطلق الأرض. وأصله المنزل الذي كانوا يربعون فيه، والربعة تأنيث الربع، وقيل: واحده. قال النووي (¬2): وأجمع المسلمون على ثبوت شفعة الشريك في العقار ما لم يقسم. واتفقوا على أنه لا شفعة في الحيوانات والثياب والأمتعة وسائر المنقول. قال القاضي (¬3): وشذ بعض الناس فأثبت الشفعة في العروض، وهي رواية عن عطاء. قوله: "لا يحل". أي: البائع أن يبيع حتى يؤذن شريكه. أي: خليطه. أي: يعلمه بالبيع؛ لأنه أحق بالمبيع فإن شاء، أي: شريكه أخذ المبيع، وان شاء ترك، وإن ترك بعد إيذانه إياه سقط حقه في الشفعة يشعر به قوله: "فإذا باع ولم يؤذنه فهو أحق به"، فإنه دال مفهومه أنه ليس بأحق به بعد أن باعه بعد إيذانه وهذا قول طائفة من أهل الحديث وهو الحق. والحديث ظاهر أنه يجب إعلام البائع لشريكه بالبيع كما دل له "لا يحل". وقال النووي (¬4): إن الشافعية يحملونه على الندب [56/ أ] وكراهة إعلامه قبل بيعه كراهة تنزيه. قلت: ولا أدري ما وجهه. ¬

_ (¬1) زيادة من المخطوط (أ). (¬2) في شرحه لصحيح مسلم (11/ 45). (¬3) انظر "إكمال المعلم بفوائد مسلم" للقاضي عياض (5/ 313). (¬4) في شرحه لصحيح مسلم (11/ 46).

قوله: "أخرجه الخمسة". أقول: أما رواية الترمذي (¬1) فهي بلفظ: "من كان له شريك في حائطٍ فلا يبيع نصيبه من ذلك حتى يعرضه على شريكه". ثم قال (¬2): هذا حديث إسناده ليس متصل، سمعت محمداً يقول سليمان اليشكري يقال: إنه مات في حياة جابر بن عبد الله ولم يسمع منه قتادة ولا أبو بشر [215/ ب] قال: ولا يعرف لأحدٍ منهم سماعاً من سليمان اليشكري. انتهى. قوله: "ولأبي داود والترمذي، إلى قوله: إذا كان طريقهما واحداً". قال الترمذي (¬3) بعد سياقه: حسن غريب، ولا نعلم أحداً روى هذا الحديث غير عبد الملك ابن أبي سليمان عن عطاء عن جابر. وقد تكلم شعبة في عبد الملك بن أبي سليمان من أجل هذا الحديث، وعبد الملك هو ثقة مأمون عند أهل الحديث. هذا آخر كلامه. وقال الإمام الشافعي: نخاف أن لا يكون محفوظاً وأبو سلمة حافظ، وكذلك أبو الزبير ولا يعارض حديثهما بحديث عبد الملك. وسئل الإمام أحمد عن هذا الحديث فقال: هذا حديث منكر. وقال يحيى: لم يحدث به إلا عبد الملك، وقد أنكره الناس عليه. وقال الترمذي: سألوا محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث فقال: لا أعلم أحداً رواه عن عطاء غير عبد الملك تفرد به ويروى عن جابر خلاف هذا. هذا آخر كلامه. وقد احتج مسلم في صحيحه بحديث عبد الملك وخرج له أحاديث، واحتج به البخاري، ولم يخرجا له، هذا الحديث ويشبه أن يكون تركاه لتفرده به وإنكار الأئمة عليه. والله أعلم. ¬

_ (¬1) في سننه رقم (1312). (¬2) أي الترمذي بإثر الحديث رقم (1312). (¬3) في سننه بإثر الحديث رقم (1369).

وجعله بعضهم رأياً لعطاء أدرجه عبد الملك في الحديث. قال الحافظ المنذري في مختصر السنن (¬1). 340/ 4 - وفي أخرى له (¬2) ولأبي داود (¬3) عن سَمُرَة: "جارُ الدَّارُ أَحَقُ بِدارٍ الْجَار وَالْأرْضِ". قوله: "ولأبي داود عن سمرة". أقول: وأخرجه الترمذي (¬4) أيضاً وقال: حسن صحيح. فما كان للمصنف الاقتصار على أبي داود إلا أنه قد اعترض بتصحيحه له؛ لأن في سماع الحسن من سمرة نزاع كثير قد تقدم قريباً. قوله: "بدار [216/ 5] الجار والأرض"، في نسخ من أبي داود أو الأرض بالتخيير أو الشك. 341/ 5 - وَعَن عَمْرَو بْنَ الشَّرِيدِ (¬5) أَنَّه سَمِعَ أَبَا رَافِعٍ - رضي الله عنه - يَقُوْل: سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "الْجَارُ أَحَقُّ بِصقَبِهِ". أخرجه البخاري (¬6)، وأبو داود (¬7)، والنسائي (¬8). [صحيح]. ¬

_ (¬1) حكاه المنذري في المختصر (5/ 171). (¬2) أي للترمذي رقم (1368) وقال: حديث سمرة: حديث حسن صحيح. (¬3) في السنن رقم (3517) وهو حديث صحيح. (¬4) في السنن رقم (1368) وقد تقدم. (¬5) عمرو بن الشريد بن سويد الثقفي، أبو الوليد الطائي. قال العجلي: حجازي، تابعي، ثقة. وذكره ابن حبان في "الثقات" "تهذيب التهذيب" (3/ 277). (¬6) في صحيحه رقم (6981). (¬7) في سننه رقم (3516). (¬8) في سننه رقم (4702). وهو حديث صحيح.

"الصقب" القرب في الجوار. 342/ 6 - وَعَنْ الشَّرِيدِ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَجُلاً قَالَ: يَا رَسُولَ الله! أَرْضِي لَيْسَ لأَحَدٍ فِيهَا شَرِكَةٌ وَلاَ قِسْمَةٌ إِلاَّ الْجُوَارَ. فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "الْجَارُ أَحَقُّ بِسَقَبِهِ". أخرجه النسائي (¬1). [صحيح]. قوله: "بسقبه" (¬2)، بفتح المهملة والقاف بعدها موحدة. ويقال: صقب، بالصاد المهملة، والسقب: القرب والملاصقة, قال ابن بطال (¬3): استدل به أبو حنيفة وأصحابه على إثبات الشفعة للجار، وأدلة غيرهم على أن المراد به الشريك، وهو مصروف الظاهر اتفاقاً؛ لأنه يقتضي أن يكون الجار أحق من كل أحد حتى من الشريك، والذين قالوا بشفعة الجوار قدموا الشريك مطلقاً، ثم المشارك في الطريق، ثم الجار على من ليس بمجاور، واحتج من لم يقل بشفعة الجار بأن الشفعة تثبت على خلاف الأصل بمعنى معدوم في الجار، وهو أن الشريك ربما دخل عليه شريكه فتأذى به فدعت الحاجة إلى مقاسمته فيدخل عليه الضرر بنقص قيمة ملكه، وهذا لا يوجد في المقسوم. قوله: "والقرب والجوار"، هذه زيادة على ما فسره به غيره. وقال ابن الأثير (¬4): السقب: القرب والملاصقة، فإن حملته على الجوار، فهو مذهب أبي حنيفة، وإن حملته على الشركة، فهو مذهب الشافعي. والجار يقع في اللغة على أشياء متعددة: منها: الشريك، ومنها الملاصق. ¬

_ (¬1) في سننه رقم (4703) بسند صحيح. (¬2) النهاية في غريب الحديث (1/ 785). (¬3) في شرحه لصحيح البخاري (8/ 328). (¬4) في "جامع الأصول" (1/ 585).

وقوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث جابر - وهو حديث الباب -: "الشفعة في كل ما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة"، يدل على حصر الشفعة في الشركة؛ لأن الجار لا يقاسم وإنما يقاسم الشريك". اهـ. 343/ 7 - وعن عُثْمَانَ - رضي الله عنه - قَالَ: إِذَا وَقَعَتِ الْحُدُودُ فِي الأَرْضِ فَلاَ شُفْعَةَ فِيهَا، وَلاَ شُفْعَةَ فِي بِئْرٍ وَلاَ فَحْلِ النَخْلٍ. أخرجه مالك (¬1). [موقوف ضعيف]. قوله: "وعن عثمان"، هو مثل حديث جابر المرفوع. وقوله: "في بئر"، أي: لا منفعة في بئر تكون [217/ ب] لجماعة يسقون منها نخلهم، فإذا [باع] (¬2) أحدهم سهمه من النخيل فلا شفعة للشركاء في سهمه من البئر؛ لأنها لا تنقسم ذكر هذا وما بعده ابن الأثير (¬3). وقوله: "فحل النخل"، فحل النخل وفحاله، وهو الذكر الذي يلقحون منه الإناث، وقيل لا يقال فيه إلا فحال النخل، وإنما لم تثبت فيه الشفعة؛ لأن القوم كانت لهم نخيل في حائط يتوارثونها ويقسمونها، ولهم فحل يلقحون منه نخيلهم، فإذا باع أحدهم نصيبه المقسوم من ذلك الحائط بحقوقه من الفحال وغيره فلا شفعة للشركاء في الفحال في حقه منه؛ لأنه لا يقسم. ¬

_ (¬1) في الموطأ (2/ 171 رقم 4). وأخرجه عبد الرزاق في "المصنف" رقم (14393) و (14426) والبيهقي في السنن الكبرى (6/ 105) وفي "معرفة السنن والآثار" (4/ 493 رقم 3698). عن مالك به. إسناده ضعيف لانقطاعه. وهو موقوف ضعيف. (¬2) زيادة من المخطوط (أ). (¬3) "جامع الأصول" (1/ 586).

الباب [السابع]: في السلم

الباب [السابع (¬1)]: في السلم هو بفتحتين: السلف وزناً، ومعنى. وقيل: السلف تقديم رأس المال، والسلم تسليمه في المجلس. والسلم شرعاً بيع موصوف في الذمة، واتفق العلماء على مشروعيته إلا ما حكي عن ابن المسيب. ذكر المصنف [فيه] (¬2) ثمانية أحاديث: الأول: عن ابن عباس: 344/ 1 - عن ابْنَ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - الْمَدِينَةَ وَهُمْ يُسْلِفُونَ فِي التَّمْرِ الْعَامَ وَالْعَامَيْنِ، فَقَالَ لَهُم: "مَنْ أَسْلَفَ فِي تَمْرٍ فَفِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوزْنٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ". أخرجه الخمسة (¬3). [صحيح]. وفي أخرى للبخاري (¬4) وأبي داود (¬5) نحوه وقال: السَّنَتَيْنِ وَالثَّلَاثَ. ¬

_ (¬1) في المخطوط (ب): الرابع. (¬2) زيادة من المخطوط (أ). (¬3) البخاري رقم (2239) ومسلم رقم (127/ 1604) وأبو داود رقم (3463) والترمذي رقم (1311) والنسائي رقم (4616). قلت: وأخرجه أحمد (1/ 217، 222، 282، 358) وابن ماجه رقم (2280) والدارمي (2/ 260) وابن الجارود رقم (614، 615) والحميدي (1/ 237 رقم 510) والبغوي في شرح السنة (8/ 173) والشافعي في الرسالة (ص 337 - 338)، وفي المسند (رقم 557 - ترتيب) وهو حديث صحيح. (¬4) في صحيحه رقم (2240). (¬5) في سننه رقم (3463).

الثاني

قوله: "وزن معلوم". قال الحافظ (¬1): الواو بمعنى أو، والمراد اعتبار الكيل فيما يكال، والوزن فيما يوزن. الثاني: 345/ 2 - وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الْمُجَالِدِ حَدَّثَنَا قَالَ: اخْتَلَفَ عبد الله بْنُ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ وَأَبُو بُرْدَةَ فِي السَّلفِ، فَبَعَثُونِي إِلَى ابْنِ أَبِي أَوْفَى - رضي الله عنه - فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ: كُنَّا نُسْلِفُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ - رضي الله عنهما - فِي الحنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ. وسألت ابن أبزى فقال مثل ذلك. أخرجه البخاري (¬2) وأبو داود (¬3)، والنسائي (¬4). وفي أخرى: قُلْتُ إِلَى مَنْ كَانَ أَصْلَهُ عِنْدهُ؟ فَقَالَ: مَا كُنَّا نَسْأَلُهُمْ عَنْ ذلكَ. زاد أبو داود (¬5): إِلَى قَوْمٍ مَا هُوَ عِنْدَهُمْ. قوله: "عبد الله بن شداد بن الهاد" أي: الليثي، وهو من صغار الصحابة (¬6)، "وأبو بردة بن أبي موسى الأشعري". قوله: "في السلف"، أي: في أنه هل يجوز إلى من ليس عنده المسلم فيه في تلك الحالة أم لا. ¬

_ (¬1) في "الفتح" (4/ 429). (¬2) في صحيحه رقم (2242) و (2244). (¬3) في سننه رقم (3464). (¬4) في سننه رقم (4614) و (4615). (¬5) في سننه رقم (3464). (¬6) "الاستيعاب" لابن عبد البر (ص 440 - 441 رقم 1511).

الثالث

قوله: "فسألت ابن أبزى". هو: بفتح الهمزة [57/ أ] وسكون الموحدة، فزاي فألف مقصورة بزنة أعلى اسمه عبد الرحمن الخزاعي (¬1) أحد صغار الصحابة، ولأبيه صحبة على الراجح. قوله: "ما كنا نسألهم عن ذلك"، كأنه استفاد الحكم من عدم الاستفصال [218/ ب] وتقرير النبي - صلى الله عليه وسلم - لهم على ذلك. الثالث: 346/ 3 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَسْلَفَ فِي طَعَامٍ أَوْ شَيْءٍ فَلاَ يَصْرِفْهُ إِلَى غيْرِهِ قَبْلَ أَنْ يَقْبضَهُ". أخرجه أبو داود (¬2). [ضعيف]. قوله: "عن أبي سعيد". لفظه في سنن أبي داود: "من أسلف في شيء فلا يصرفه إلى غيره". انتهى. ثم رأيت ابن الأثير (¬3) قد نبه على ذلك فقال: لفظ أبي داود: "من أسلف في شيء فلا يصرفه إلى غيره"، ثم قال: والأولى ذكرها رزين. انتهى. فالعجب من المصنف بعد وقوفه على كلام الجامع يأتي بلفظ رزين ويترك لفظ أبي داود. قلت: ثم إن أبا داود أخرجه من رواية عطية بن سعد. قال المنذري (¬4): لا يحتج بحديثه. ¬

_ (¬1) "الاستيعاب" لابن عبد البر (ص 454 رقم 1574). (¬2) في سننه رقم (3468). قلت: وأخرجه ابن ماجه رقم (2283) وهو حديث ضعيف. (¬3) في "جامع الأصول" (1/ 590). (¬4) في "المختصر" (5/ 113).

الرابع

الرابع: 347/ 4 - وَعَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ - رضي الله عنهما - عَنِ السَّلَمِ فِي النَّخْلِ فَقَالَ: "نَهىَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنْ بَيْعِ النَّخْلِ حَتَّى يَصْلُحَ" (¬1). [صحيح]. "وعن أبي البختري". أقول: بفتح الموحدة وسكون الخاء المعجمة، فمثناة فوقية، فراء فياء النسبة. اسمه سعيد بن فيروز الطائي مولاهم تابعي جليل. قوله: "عن بيع النخل". أي: عن بيع ثمرة النخل. والحديث محمول على السلم الحال، ذكره الحافظ (¬2) وبين وجهه. الخامس: 348/ 5 - وَعَن ابْنَ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - مثله، وَقَالَ: حَتَّى يُؤْكَلَ مِنْهُ، وَحَتَّى يُوزَنَ. قُلْتُ: مَا يُوزَنُ؟ فَقَالَ رَجُلٌ عنده: حَتَّى يُحْرَزَ، أخرجهما البخاري (¬3). [صحيح]. قوله: "حتى يحرز". بتقديم الراء على الزاي، أي: يحفظ ويصان، وفي رواية للبخاري بتقديم الزاي [أي] (¬4) يخرص، وفائدة ذلك معرفة حق الفقراء قبل أن يتصرف فيه. السادس: 349/ 6 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أَنَّ رَجُلاً أَسْلَفَ فِي نَخْلٍ فَلَمْ تُخْرِجْ تِلْكَ السَّنَةَ شَيْئًا فَاخْتَصَمَا إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "بِمَ تَسْتَحِلُّ مَالَهُ؟ ارْدُدْ عَلَيْهِ مَالَهُ". ثُمَّ قَالَ: "لاَ تُسْلِفُوا فِي النَّخْلِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُهُ". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (2247، 2248). (¬2) في "الفتح" (4/ 433). (¬3) أخرجه البخاري رقم (2249، 2250). (¬4) زيادة من المخطوط (أ).

أخرجه مالك (¬1) وأبو داود (¬2). [ضعيف]. وأخرج مالك (¬3) - رحمه الله - موقوفاً عليه قال: لاَ بَأْسَ أَنْ يُسَلِّفَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي الطَّعَامِ الْمَوْصُوفِ بِسِعْرٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ مُسَمًّى مَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِي زَرْعٍ لَم يَبْدُ صَلاَحُهُ. وأخرجه البخاري (¬4) في ترجمة باب. [موقوف حسن]. "أخرجه مالك وأبو داود". قلت: أخرجه عن رجل بحراني. قال المنذري (¬5): فيه مجهول، وقال الحافظ ابن حجر في الفتح بعد أن ساقه ونسبه لأبي داود وابن ماجه [219/ ب]: وهذا الحديث فيه ضعف. قال: ونقل ابن المنذر (¬6) اتفاق الأكثر على منع السلم في بستان معين؛ لأنه غرر. ¬

_ (¬1) في الموطأ (2/ 644 رقم 49). (¬2) في سننه رقم (3467). وهو حديث ضعيف. (¬3) في الموطأ (2/ 644). (¬4) في صحيحه (4/ 434) رقم الباب (7) - مع الفتح) تعليقاً. وقال الحافظ في "الفتح" (4/ 434 - 435): وصله الشافعي - في المسند (رقم 598 - ترتيب) من طريق أبي حسان الأعرج، عن ابن عباس قال: "أشهد أن السلف المضمون إلى أجل مسمى قد أحله الله في كتابه، وأذن فيه, ثم قرأ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [البقرة: 282]. وأخرجه الحاكم - (2/ 286) وقال: صحيح على شرط الشيخين، وتعقبه الذهبي بقوله: إبراهيم ذو زوائد عن ابن عيينة، وإبراهيم: هو ابن بشار الراوي له عن سفيان عند الحاكم، وتعقبه المحدث الألباني في الإرواء (5/ 213) بقوله: "تابعه جماعة منهم الشافعي: أخبرنا سفيان، فالسند صحيح، غير أنه على شرط مسلم وحده، فإن أبا حسان الأعرج لم يخرج له البخاري". والخلاصة أنه موقوف حسن. (¬5) في المختصر (5/ 111). (¬6) حكاه عنه الحافظ في "الفتح" (4/ 433).

السابع

السابع: 350/ 7 - وَعَنْ مَالِكٍ (¬1) أنّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ - رضي الله عنه -: سئل فِي رَجُلٍ أَسْلَفَ طَعَامًا عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ إِيَّاهُ فِي بَلَدٍ آخَرَ فَكَرِهَ ذَلِكَ عُمَرُ، وَقَالَ: فَأَيْنَ كِرَاءُ الْحَمْلُ. [موقوف ضعيف]. قال ابن عبد البر: هذا بين؛ لأنه اشترط فيما أسلفه زيادة ينتفع بها وهي مؤنة حملانه، وكل زيادة من عين أو منفعة شرطها المسلف على المستسلف، فهي ربا لا خلاف في ذلك. انتهى. الثامن: وَعَنْهُ (¬2) أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - كَانَ يَقُولُ: مَنْ أَسْلَفَ سَلَفًا فَلاَ يَشْتَرِطْ أَكْثَرَ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَتْ قَبْضَةً مِنْ عَلَفٍ فَهُوَ رِباً. [موقوف ضعيف]. "وعنه". أي: مالك. قال ابن عبد البر: هذا الباب عن عمر وابن عمر، وابن مسعود. فذلك أنه لا ربا في الزيادة في السلف، إلا أن يشترط تلك الزيادة ما كانت فهذا لا شك فيه أنه ربا. الباب الثامن: في الاحتكار والتسعير فيه أحد عشر حديثاً الأول: 351/ 1 - عَن ابْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ مَعْمَر بْنِ أَبِي مَعمرٍ وقيل: ابنَ عبد الله أَحدَ بَنِي عَديِّ ابْنَ كَعْب - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "منِ احْتَكَرَ فَهُوَ خَاطِئٌ". قِيلَ لِسَعِيدٍ: فَإِنَّكَ تَحْتَكِرُ! ¬

_ (¬1) في الموطأ (2/ 681) رقم (91) سنده ضعيف لإعضاله. وهو موقوف ضعيف. (¬2) أي عن مالك في الموطأ (2/ 682 رقم 94) سنده ضعيف لانقطاعه وهو موقوف ضعيف.

فَقَالَ. إِنَّ مَعْمَراً الَّذِي كَانَ يُحَدِّثُ هَذَا الْحَدِيثَ كَانَ يَحْتَكِرُ. أخرجه مسلم (¬1)، وأبو داود (¬2)، والترمذي (¬3). [صحيح]. قوله: "فهو خاطئ". قال النووي (¬4): قال أهل اللغة: الخاطئ: بالهمز، هو العاصي الآثم، وهذا الحديث صريح في تحريم الاحتكار. قال أصحابنا: الاحتكار المحرّم هو الاحتكار في الأقوات خاصة، وهو: أن يشتري الطعام في وقت الغلاء للتجارة، ولا يبيعه في الحال بل يدخره ليغلو ثمنه، فأما إذا جاء من قريته، أي: مزرعته، واشتراه في وقت الرخص فادخره أو ابتاعه في وقت الغلاء لحاجته إلى أكله أو ابتاعه لبيعه في وقته فليس باحتكار ولا تحريم فيه. وأما [220/ ب] غير الأقوات فلا يحرم الاحتكار فيها بكل حال، قال العلماء: والحكمة في تحريم الاحتكار: دفع الضرر عن عامة الناس، كما أجمع عليه العلماء على أنه لو كان عند إنسان طعام واضطر الناس إليه ولم يجدوا غيره أجبر على بيعه دفعاً لضرر الناس. وأما ما روي عن سعيد بن المسيب ويعمر: أنهما كانا يحتكران. فقال ابن عبد البر (¬5) وآخرون: إنما كانا يحتكران الزيت، وحملا الحديث على احتكار القوت عند الحاجة والغلاء. ¬

_ (¬1) في صحيحه رقم (1605). (¬2) في سننه رقم (3447). (¬3) في سننه رقم (1267). قلت: وأخرجه ابن ماجه رقم (2154) وأحمد (6/ 400) والدارمي (2/ 248) والبيهقي (6/ 30) والحاكم (2/ 11). وهو حديث صحيح. (¬4) في شرحه لصحيح مسلم (11/ 43). (¬5) في "الاستذكار" (20/ 72 رقم 29302).

الثاني

وكذا حمله أبو حنيفة (¬1) والشافعي (¬2)، وهو الصحيح. انتهى. قلت: ويستأنس للتقييد بالطعام ما أخرجه ابن عبد البر (¬3) من حديث أبي أمامة "رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يحتكر الطعام". الثاني: 352/ 2 - وَعَنْ مَالِكٍ (¬4) قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - كَانَ يَقُول: لاَ حُكْرَةَ فِي سُوقِنَا، لاَ يَعْمِدُ رِجَالٌ بِأَيْدِيهِمْ فُضولٌ مِنْ أَذْهَابٍ إِلَى رِزْقٍ مِنْ رِزْقِ الله تَعَالَى يَنْزِلُ بِسَاحَتِنَا فَيَحْتكِرُونَهُ. وَلَكِنْ أَيُّمَا جَالِبٍ جَلَبَ عَلَى عَمُودِ كَبِدِهِ فِي الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ فَذَلِكَ ضَيْفُ عُمَرَ فَلْيَبعْ كَيْفَ شَاءَ الله تَعَالَى، وَلْيُمْسِكْ كَيْفَ شَاءَ الله. [موقوف ضعيف]. قوله: "عمود كبده" ظهره، وذلك أنه يأتي على تعب وإن لم يكن جاء به على ظهره، وإنما هو مثل وإنما سمي الظهر عموداً؛ لأنه يعمدها. أي: يقيمها ويحفظها. 353/ 3 - وعن مالك (¬5) أنه بلغه أيضاً: أَنَّ عُثْمَانَ - رضي الله عنه - كَانَ يَنْهَى عَنِ الْحَكْرةِ. [موقوف ضعيف]. الرابع: 354/ 4 - وَعَنْ ابْنِ الْمُسَيَّبِ: أَنَّ عُمَرَ - رضي الله عنه - مَرَّ بِحَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ وَهُوَ يَبِيعُ زَبِيبًا لَهُ بِالسُّوقِ فَقَالَ لَهُ: إِمَّا أَنْ تَزِيدَ فِي السِّعْرِ، وَإِمَّا أَنْ تُرْفَعَ مِنْ سُوقِنَا. ¬

_ (¬1) انظر: "بدائع الصنائع" (5/ 129) "تبيين الحقائق" (6/ 27). (¬2) "البيان" للعمراني (5/ 355). (¬3) في "الاستذكار" (20/ 72 رقم 29303)، وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (6/ 102). (¬4) في "الموطأ" (2/ 651) رقم (56) سنده ضعيف لإعضاله، وهو موقوف ضعيف. (¬5) في "الموطأ" (2/ 651 رقم 58) سنده ضعيف لإعضاله، وهو موقوف ضعيف.

أخرجه مالك (¬1). [موقوف صحيح]. قوله: "إما أن تزيد في السعر". أقول: كان حاطباً باع زبيبه برخص عما يبيعه الناس لينفقه ويعطل الناس الذين عندهم زبيب، فنهاه عمر عن ذلك، وأمره أن يبيع بسعر السوق؛ لأن في بيعه برخص إضراراً بغيره. قال مالك (¬2): لا يسعر على أهل الأسواق فإن ذلك ظلم ولكن إذا كان في السوق عشرة أصوع فحط هذا صاعاً أمره أن يخرج [221/ ب] من السوق. هذا وقد أخرج ابن عبد البر (¬3): زيادة في قصة عمر مع حاطب فقال: إن عمر حاسب نفسه فرجع إلى حاطب فقال له: إنما أخبرت أن عيراً مقبلة من الطائف بزبيب، فأحببت أن تعتبر بسعرك فبع كيف شئت. وأخرج أيضاً (¬4): أن عمر مر بحاطب وبين يديه غرارتان فيهما زبيب، فذكر نحو حديث مالك، فلما رجع عمر حاسب نفسه ثم أتى حاطباً [58/ أ] في داره، فقال له عمر: إن الذي قلت لك ليس بعزيمةٍ مني ولا قضاءٍ، وإنما هو شيء أردت به الخير لأهل البلد فحيث شئت فبع وكيف شئت فبع. انتهى. ¬

_ (¬1) في الموطأ (2/ 651 رقم 57) بسند صحيح، وهو موقوف صحيح. (¬2) في "الاستذكار" (20/ 73 رقم 29307). (¬3) في الاستذكار (20/ 74 رقم 29312). (¬4) أي ابن عبد البر في الاستذكار (20/ 75 رقم 29315).

355/ 5 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَجُلاً قَالَ: يَا رَسُولَ الله سَعِّرْ لَنَا. فَقَالَ: "بَلْ ادْعُو"، ثُمَّ جَاءَهُ آخَرُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله! سَعِّرْ لَنَا فَقَالَ: "بَلِ الله تعالى يَخْفِضُ وَيَرْفَعُ، وإِنِّي لأَرْجُو أَنْ أَلْقَى الله وَلَيْسَ لأَحَدٍ عِنْدِي مَظْلَمَةٌ". أخرجه أبو داود (¬1). [صحيح]. 356/ 6 - وَعَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّاسُ قَالُوا: يَا رَسُولَ الله! غَلاَ السِّعْرُ فَسَعِّرْ لَنَا. فَقَالَ: "إِنَّ الله هُوَ الْمُسَعِّرُ الْقَابِضُ الْبَاسِطُ الرَّازِقُ، وإنِّي لأَرْجُو أَنْ أَلْقَى الله تَعَالَى وَلَيْسَ أَحَدٌ يُطَالِبُنِي بِمَظْلَمَةٍ فِي دَمٍ وَلاَ مَالٍ". أخرجه أبو داود (¬2) والترمذي (¬3) وصححه. 357/ 7 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنِ احْتكَرَ طَعَاماً أَرْبَعيِنَ يَوْماً يُرِيْدُ بهِ الْغَلَاءَ فَقَدْ بَرِئَ مِنَ الله تَعَالَى وَبَرِئَ الله تَعَالَى مِنْهُ" (¬4). [منكر]. قوله: "من احتكر طعاماً أربعين يوماً ... " الحديث. ¬

_ (¬1) في السنن رقم (3450). قلت: وأخرجه أحمد في المسند (2/ 337) بسند صحيح على شرط مسلم، والبيهقي في السنن الكبرى (6/ 29). وهو حديث صحيح. (¬2) في سننه رقم (3451). (¬3) في سننه رقم (1314) وقال: هذا حديث حسن صحيح. قلت: وأخرجه أحمد في المسند (3/ 156، 286) وابن ماجه رقم (2200)، وابن حبان رقم (4935) والدارمي (2/ 249) والبيهقي (6/ 29) وأبو يعلى رقم (2774) وصححه الألباني في غاية المرام رقم (323) وهو حديث صحيح. (¬4) أخرجه أحمد في المسند (2/ 33): بسند ضعيف لجهالة أبي بشر. وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (4/ 100) وقال رواه أحمد (2/ 33) وأبو يعلى رقم (5746) والبزار رقم (1311 - كشف) والطبراني في الأوسط، وفيه أبو بشر الأملوكي - ضعفه ابن معين. وأورده ابن أى حاتم في "العلل" رقم (1174) وقال: قال أبي: هذا حديث منكر، وأبو بشر لا أعرفه.

قال ابن الأثير (¬1): ذكره رزين، ولم أجده. قلت: رواه أحمد (¬2)، وأبو يعلى (¬3)، والبزار (¬4)، والحاكم (¬5) ذكره المنذري في الترغيب والترهيب (¬6) وزاد فيه: وأيما أهل عرصة أصبح فيهم امرء جائع فقد برئت منه ذمة الله تعالى. ثم قال: وفي هذا المتن غرابة، وبعض أسانيده جيدة وقد ذكر رزين شطره الأول، ولم أره في شيء من الأصول التي جمعها. 358/ 8 - وعن معاذ - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُول: "بِئْسَ الْعبد المُحتكِرُ إِنْ أَرْخَصَ الله تَعَالَى الْأَسْعارَ حَزِنَ، وَإِنْ أَغَلَاهَا فَرحَ" (¬7). [منكر]. قوله: "وعن معاذ". أقول: هو قال ابن الأثير (¬8): ذكره رزين ولم نجده. ¬

_ (¬1) في "جامع الأصول" (1/ 595). (¬2) تقدم آنفاً. (¬3) تقدم آنفاً. (¬4) تقدم آنفاً. (¬5) في المستدرك (2/ 11 - 12) وسكت عنه الحاكم، وتعقبه الذهبي بقوله: عمرو بن الحصين تركوه، واصبغ فيه لين. (وسقط من المطبوع: حدثنا أبو بشر) وخلاصة القول أنه حديث منكر. (¬6) (2/ 566 رقم 2645). (¬7) أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير (ج 20 رقم 186) وابن عدي في "الكامل" (2/ 530) والبيهقي في "شعب الإيمان" رقم (11215). وأورده السيوطي في الجامع الصغير ورمز له بضعفه, وقال المناوي في "فيض القدير" (3/ 212) وفيه: بقية وحاله معروف، وثور بن يزيد: ثقة مشهور بالقدر، وهو حديث منكر. (¬8) في "جامع الأصول" (1/ 595).

ومثله قال المنذري في [222/ ب] الترغيب (¬1) والترهيب وقال: إنما رواه الطبراني وغيره بإسنادٍ واهٍ. 359/ 9 - وعن أبي أمامة - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "أَهْلُ المَدَائِنِ هُم الحُبسَاءُ فِي سَبِيْلِ الله تَعَالَى فَلَا تَحْتكِرُوا عَلَيْهمُ الْأَقواتَ، ولَا تَغْلُوا عَلَيْهمُ الأَسْعارَ، فإِنَّ مَن احْتكَرَ عَلَيْهم طَعَامَاً أَرْبَعيْنَ يَومَاً ثُمَّ تَصَدَّقَ بِهِ لَم يَكُنْ لَهُ كَفَّارةً (¬2). [منكر]. قوله: "وعن أبي أمامة". قال ابن الأثير (¬3) كما قال في الذي قبله، وقال المنذري مثله (¬4)، ولم ينسبه لأحد. 360/ 10 - وعن أبي هريرة ومعقل بن يسار - رضي الله عنهما - قالا: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يحشر الحاكرون وقتلة الأنفس في درجة, ومن دخل في شيء من سعر المسلمين يغليه عليهم كان حقاً على الله تعالى أن يعذبه في معظم النار يوم القيامة" (¬5). [منكر]. ¬

_ (¬1) في "الترغيب والترهيب" (2/ 568 رقم 2648). (¬2) في المعجم الكبير (ج 20 رقم 186) وقد تقدم. (¬3) في "جامع الأصول" (1/ 596 رقم 439). (¬4) في "الترغيب والترهيب" (2/ 568 رقم 2649). وهو حديث منكر. (¬5) قال المنذري في "الترغيب والترهيب" (2/ 569): ذكره رزين أيضاً، وهو مما انفرد به مهنا بن يحيى عن بقية ابن الوليد عن سعيد بن عبد العزيز عن مكحول، عن أبي هريرة، وفي هذا الحديث والحديثين قبله نكارة ظاهرة، والله أعلم. وهو حديث منكر.

قوله: "وعن أبي هريرة، ومعقل بن يسار". أقول: قال ابن الأثير (¬1): كما [قال] (¬2) فيما قبله. وقال المنذري (¬3): ذكره رزين أيضاً وهو مما انفرد به مهنا بن يحيى عن بقية بن الوليد عن سعيد بن عبد العزيز عن محكول عن أبي هريرة قال: وفي هذا الحديث والحديثين قبله نكارة ظاهرة, والله أعلم. 361/ 11 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: الجالب مرزوق، والمحتكر محروم، ومن احتكر على المسلمين طعاماً ضربه الله تعالى بالإفلاس والجذام (¬4). أخرج هذه الأحاديث الخمسة رزين - رحمه الله -. [ضعيف]. قوله: "وعن ابن عمر". أقول: هو في الترغيب والترهيب (¬5) عن عمر نفسه، وله قصة. وقال رواه الأصبهاني (¬6)، أي: بقصته، قال: وروى ابن ماجه (¬7) المرفوع منه فقط عن يحيى بن حكيم وساق إسناده، وقال: هذا جيد متصل، ورواته ثقات. انتهى. ¬

_ (¬1) في "جامع الأصول" (1/ 596): ذكره رزين ولم أجده. (¬2) في المخطوط (أ): قاله. (¬3) في "الترغيب والترهيب" (2/ 569). (¬4) قال ابن الأثير في "جامع الأصول" (1/ 596): ذكره رزين ولم أجده. وقد أخرج قوله: الجالب مرزوق، والمحتكر ملعون، ابن ماجه رقم (2153) وفي سنده علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف، والراوي عنه وهو علي بن سالم ضعيف أيضاً، وهو حديث ضعيف. وأخرج الباقي منه أيضاً ابن ماجه رقم (2155) وفي سنده أبو يحيى المكي لم يوثقه غير ابن حبان، وباقي الإسناد رجاله ثقات، وهو حديث ضعيف. (¬5) في "الترغيب والترهيب" للمنذري رقم (2646). (¬6) في "الترغيب والترهيب" له (1/ 221 رقم 311). (¬7) في سننه رقم (2153) و (2155) وهو حديث ضعيف.

الباب التاسع: في الرد بالعيب

الباب التاسع: في الرد بالعيب الأول: 362/ 1 - وَعَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها -: أَنَّ رَجُلاً ابْتَاعَ غُلاَمًا فَأَقامَ عِنْدَهُ مَا شَاءَ الله، ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَخَاصَمَهُ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَرَدَّهُ عَلَيْهِ، فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا رَسُولَ الله! قَدِ اشْتَغَلَّ غُلاَمِي، فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ". أخرجه أصحاب السنن (¬1) [حسن]. 363/ 2 - وفي أخرى للنسائي (¬2): "أَنَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَضَى أَنَّ الخرَاجَ بِالضَّمانِ، وَنَهَى عَنْ رِبْحِ مَا لَمْ يَضْمَنْ". قال الترمذي (¬3): وتفسير قوله: "الخراج بالضمان" هو الرجل يشتري العبد يستغله ثم يجد به عيباً فيرده على البائع، فالعلة للمشتري؛ لأن العبد لو هلك هلك من مال المشتري، ونحو هذا من المسائل يكون فيه الخراج بالضمان. قوله: "أخرجه أصحاب السنن". أقول: قال المنذري (¬4): على رواية أبي داود عن مخلد بن خفاف قال البخاري: "هذا [223/ ب] حديث منكر ولا أعرف لمخلد بن خفاف غير هذا الحديث". قال الترمذي (¬5): فقلت له: قد روى هذا الحديث عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة. قال: إنما رواه مسلم بن خالد الزنجي، وهو ذاهب الحديث. ¬

_ (¬1) أبو داود رقم (3509) و (3508) و (3510) والترمذي رقم (1285) و (1286) والنسائي رقم (4490) وابن ماجه رقم (2242) و (2243). وهو حديث حسن. (¬2) في سننه رقم (4490) وقد تقدم. (¬3) في السنن بإثر الحديث رقم (1286). (¬4) في "المختصر" (5/ 160 - 161). (¬5) في السنن بإثر الحديث رقم (1286).

وقال ابن أبي حاتم (¬1): "سئل أبي عنه - يعني: مخلد بن خفاف - فقال: لم يرو عنه غير ابن أبي ذئب، وليس هذا إسناد تقوم بمثله الحجة. يعني الحديث الذي يروى عن مخلد بن خفاف عن عروة عن عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "الخراج بالضمان". وقال الأزدي: مخلد بن خفاف ضعيف. انتهى. وهو أيضاً في سنن الترمذي (¬2) عن مخلد بن خفاف، وكذلك في سنن النسائي (¬3) عنه أيضاً. قوله: "ونهى عن ربح ما لم يضمن". أقول: هكذا نسب هذه الزيادة ابن الأثير (¬4) إلى النسائي، وبحثت عنها فلم أجدها، بل الذي وجدته فيه باب الخراج بالضمان. أخبرنا إسحاق بن إبراهيم، ثنا عيسى بن يونس ووكيع قالا: [ثنا] (¬5) ابن أبي ذئب، عن مخلد بن خفاف عن عروة عن عائشة قالت: قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الخراج بالضمان". هذا آخر كلامه، ويحتمل أنه ذكره مع الزيادة في باب آخر فينظر. ثم وجدتها في سنن أبي داود من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وذكر الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام (¬6) من رواية عمرو أيضاً. ¬

_ (¬1) في الجرح والتعديل (8/ 347 رقم 1590). (¬2) في سننه رقم (1285) وقد تقدم. (¬3) في سننه رقم (4490) وقد تقدم. (¬4) في "جامع الأصول" (1/ 598). (¬5) في المخطوط (أ): حدثنا. (¬6) بلوغ المرام رقم (38/ 773) بتحقيقي. ط: دار ابن تيمية - القاهرة.

ونسبه إلى الخمسة (¬1) وقال: صححه الترمذي (¬2) وابن خزيمة والحاكم (¬3). انتهى. وقال في النهاية (¬4) في تفسيرها: هو أن يبيعه سلعة قد اشتراها ولم يكن قبضها بربح فلا يصح البيع ولا يحل الربح؛ لأنها في ضمان البائع الأول، وليست من ضمان الثاني [224/ ب] فربحها وخسارتها للأول. 364/ 3 - وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "عُهْدَةُ الرَّقِيقِ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ إِنْ وَجَدَ دَاءً رَدَّ في ثَلَاثِ لَيَالِ بَغَيْرِ بَيِّنَةٍ, وإنْ وَجَدَ دَاءٌ بَعْدَ الثَّلاثِ كُلِّفَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ وَبِهِ هَذَا الدَّاءُ". أخرجه أبو داود (¬5). [ضعيف]. قوله في حديث: "عهدة الرقيق [ثلاثة] (¬6) أيام". أقول: أخرجه أبو داود: عن الحسن عن عقبة بن عامر. قال المنذري (¬7): لم يصح للحسن سماع من عقبة بن عامر، ذكر ذلك ابن الديني وأبو حاتم الرازي، فهو منقطع. وقد وقع فيه أيضاً الاضطراب. وأخرجه أحمد في مسنده (¬8) وفيه: "عهدة الرقيق أربع ليال"، وأخرجه ابن ماجه في سننه (¬9) وفيه: "لا عهدة بعد أربع". ¬

_ (¬1) أبو داود رقم (3508) و (3510) والترمذي رقم (1285، 1286) والنسائي رقم (4490) وابن ماجه رقم (2242، 2243) وأحمد (6/ 49، 80، 116، 161، 208، 237). (¬2) قال الترمذي في السنن (3/ 582). (¬3) في المستدرك (2/ 15) ووافقه الذهبي. (¬4) النهاية (2/ 19). (¬5) في سننه رقم (3506، 3507) وهو حديث ضعيف. (¬6) سقط من المخطوط (ب). (¬7) في "المختصر" (5/ 157). (¬8) أحمد في مسنده (4/ 150) بسند ضعيف. (¬9) في سننه رقم (2245) بسند ضعيف.

وقيل: فيه أيضاً عن سمرة أو عقبة على الشك، فوقع الاضطراب في متنه وإسناده. وقال البيهقي (¬1): وقيل: عنه عن سمرة وليس بمحفوظ. وقال الأثرم: سألت أبا عبد الله يعني: أحمد بن حنبل (¬2) عن العهدة، قلت: إلى أي شيء تذهب فيها؟ قال: ليس في العهدة حديث يثبت هو ذاك الحديث. يعني: حديث الحسن وسعيد، يعني: ابن أبي عروبة، شك فيه يقول: عن سمرة أو عقبة. انتهى. وقال ابن عبد البر (¬3): أهل الحديث يقولون: إنه [59/ أ] لم يسمع الحسن من عقبة شيئاً. قلت: ولذا قال الطحاوي (¬4): إن العهدة في الرقيق لا أصل لها في الكتاب ولا في السنة، وإن الأصول المجمع عليها تنقضها، وأنه لم يتابع مالكاً أحد من الفقهاء على القول بها. قال ابن عبد البر (¬5): وليس كما قال، بل عهدة الرقيق في الثلاث من كل ما يعرض، وفي السنة من الجنون والجذام والبرص معروفة بالمدينة, إلا أنه لا يعرفها غير أهل المدينة بالحجاز ولا في سائر آفاق الإسلام [225/ ب] إلا من أخذها عن مذهب أهل المدينة، وذكر ابن وهب بإسناده أنه قضى عمر بن عبد العزيز في رجل باع من رجل عبداً فهلك العبد في عهدة الثلاث، فجعله عمر من مال البائع، قال ابن شهاب: والقضاة قد أدركناهم يقضون بذلك. ¬

_ (¬1) في "المعرفة" (8/ 129 رقم 11383). (¬2) ذكره الخطابي في "معالم السنن" (3/ 776 - مع السنن). (¬3) في "الاستذكار" (19/ 40 رقم 28046). (¬4) انظر: "شرح مشكل الآثار" له (15/ 375 - 376). (¬5) في "الاستذكار" (9/ 38 رقم 28034).

قال: وذهب الأوزاعي (¬1)، وأبو حنيفة (¬2)، وابن جريج، وسفيان، والحسن بن صالح، وأحمد (¬3)، وإسحاق، وأبو ثور (¬4)، وداود (¬5): أن من اشترى شيئاً من الرقيق وقبضه كل ما أصابه في الثلاث وغيرها فمن المشتري. قال ابن عبد البر (¬6): لم يقل من أئمة الفتوى بالأمصار بعهدة الثلاث وعهدة السنة في الرقيق غير مالك (¬7)، وسلفه في ذلك أهل بلده. انتهى. 365/ 4 - وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عبد الرَّحْمَنِ بن عوف: أَنَّ عبد الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ - رضي الله عنه - اشْتَرَى جَارِيَةً مِنْ عَاصِمِ بْنِ عَدِىٍّ فَوَجَدَهَا ذَاتَ زَوْجٍ فَرَدَّهَا (¬8). [موقوف صحيح]. 366/ 5 - وَعَن ابْنَ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أَنَّه بَاعَ غُلاَمًا لَهُ بِثَمَانِمائَةِ دِرْهَمٍ وَبَاعَهُ عَلَى الْبَرَاءَةِ فَقَالَ الَّذِي ابْتَاعَهُ: بِالْغُلاَمِ دَاءٌ تُسَمِّهِ لِي، فَاخْتَصَمَا إِلَى عُثْمَانَ - رضي الله عنه - فَقَالَ الرَّجُلُ: بَاعَنِي عَبْدًا وَبِهِ دَاءٌ لَمْ يُسَمِّهِ لِي، فَقَالَ عبد الله: بِعْتُهُ بِالْبَرَاءَةِ، فَقَضَى عُثْمَانُ - رضي الله عنه - عَلَى ابْنِ عُمَرَ أَنْ يَحْلِفَ لَهُ لَقَدْ بَاعَهُ الْعَبْدَ وَمَا بِهِ دَاءٌ يَعْلَمُهُ , فَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ فَارْتجَعَ الْعَبْدَ فَصَحَّ عِنْدَهُ فَبَاعَهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ (¬9). أخرجهما مالك. [موقوف ضعيف]. ¬

_ (¬1) موسوعة فقه عبد الرحمن الأوزاعي (ص 265). (¬2) "شرح فتح القدير" (6/ 177). (¬3) "المغني" (6/ 232). (¬4) فقه أبي ثور (ص 581). (¬5) "المحلى" (9/ 748). (¬6) في "الاستذكار" (19/ 41 رقم 28058). (¬7) عيون المجالس (3/ 1470 - 1471). (¬8) أخرجه مالك في "الموطأ" (2/ 617 رقم 8) وهو موقوف صحيح. (¬9) أخرجه مالك في الموطأ (2/ 613 رقم 4) وهو موقوف ضعيف.

قوله: "وعن ابن عمر أنه باع غلاماً ... " الحديث. قال ابن عبد البر (¬1): قال الشافعي (¬2): إذا باع شيئاً بالبراءة فالذي أذهب إليه في ذلك قضاء عثمان بن عفان أنه بريء من كل عيب لا يعلمه ولا يبرأ من عيب علمه, ولم يسمه ولا وقف عليه. وقال إسحاق (¬3) بن راهويه في بيع البراءة بقول عثمان. قال ابن عبد البر (¬4): وروي عن زيد بن ثابت أنه كان يقول البراءة من كل عيب جائزة وهو مذهب (¬5) ابن عمر. وحجة من قال بهذا القياس والاستدلال بأن من أبرأ رجلاً كان يعامله عن كل حق له قبل، فإنه يبرأ منه في الحكم؛ لأنه حق للمشتري إذا تركه جاز تركه, وأصح ما فيه عندي - والله أعلم - لا يبرأ من العيب حتى يريه إياه ويقف عليه ويتأمله المشتري، وينظر إليه لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "ليس الخبر كالمعاينة (¬6) ". ومعلوم أن العيوب تتفاوت، وبعضها أكبر من بعض، فكيف ¬

_ (¬1) في "الاستذكار" (19/ 48 رقم 28088). (¬2) "البيان" (5/ 297). (¬3) ذكره ابن عبد البر في "الاستذكار" (19/ 48 رقم 28089). (¬4) في "الاستذكار" (19/ 48 رقم 28090). (¬5) ذكره ابن عبد البر في "الاستذكار" (19/ 48 رقم 28091). (¬6) أخرجه أحمد (1/ 271) والحاكم في المستدرك (2/ 321). وابن حبان في صحيحه رقم (6213، 6214) والطبراني في الكبير رقم (12451) والقضاعي في "مسند الشهاب" رقم (1182، 1183) من طرق، عن أبن عباس - رضي الله عنه - وهو حديث صحيح.

الباب العاشر: في بيع الشجر والثمر، ومال العبد والجوائح

يبرأ مما لم يعلم [226/ ب] المشتري قدره. قال الشافعي (¬1): والحيوان يفارق غيره؛ لأنه يغتذي بالصحة والسقم، وتحول طبائعه، وقل ما يبرأ من عيب يخفى ويظهر. انتهى. يريد أن هذه البراءة إذا كان المبيع حيواناً. وقال أبو حنيفة (¬2) وأصحابه: إذا باع بيعاً بالبراءة وسمى العيوب وتبرأ منها فقد برئ وإن لم يرها إياه. وقال ابن أبي ليلى (¬3): لا يبرأ حتى يسمي العيوب بأسمائها، وهو قول (¬4) شريح، والحسن، وطاووس. قلت: وهو الذي اختاره ابن عبد البر كما نقلناه عنه آنفاً. الباب العاشر: في بيع الشجر والثمر، ومال العبد والجوائح هذه أربعة أنواع عقد الباب لها. 367/ 1 - عَن ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مَنِ بَاعَ، - وفي رواية -: مَنِ ابْتَاعَ نَخْلاً قَد أُبَّرَتْ فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ، إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ، وَمَنِ ابْتَاعَ عَبْدًا فَمَالُهُ لِلَّذِي بَاعَهُ إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ". أخرجه الستة (¬5). [صحيح]. ¬

_ (¬1) البيان (5/ 285). (¬2) انظر: "البناية في شرح الهداية" (9/ 260 - 262). (¬3) ذكره ابن عبد البر في "الاستذكار" (19/ 47 رقم (28081). (¬4) انظر: المغني (6/ 33 - 34) "الاستذكار" (19/ 47 رقم 28082). (¬5) أخرجه البخاري رقم (2379) ومسلم رقم (80/ 1543) وأبو داود رقم (3433) والترمذي رقم (1244) والنسائي رقم (24636) وابن ماجه رقم (2211). قلت: وأخرجه أحمد (2/ 9، 82، 150) والطيالسي رقم (1805) وابن الجارود مفرقاً رقم (628، 629) والبيهقي في السنن الكبرى (5/ 324) وهو حديث صحيح.

"والتأبير (¬1) " التقليح. قوله في الأول: "فماله للذي باعه"، أي: سيده، وإضافة المال على العبد لكونه تحت يده، وإلا فلا يملكه إذ لو كان ملكاً له لما خرج عنه إلا برضاه. 368/ 2 - وَعَنْ جَابِرِ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: "وَإِنْ بِعْتَ مِنْ أَخِيكَ تَمْرًا فَأَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ فَلاَ يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا بِمَ تَأْخُذُ مَالَ أَخِيكَ بِغَيْرِ حَقٍّ". أخرجه مسلم (¬2)، وأبو داود (¬3)، والنسائي (¬4). [صحيح]. وفي رواية (¬5): أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بِوَضْعِ الْجَوَائِحِ. قوله في الثاني: "جائحة (¬6) " هي واحدة الجوائح، وهي الآفات التي تصيب الثمار فتهلكها "بم تأخذ مال أخيك بغير حق". أقول: اختلف (¬7) العلماء فيما إذا بيعت الثمار بعد بدو صلاحها، وسلمها البائع إلى المشتري بالتخلية، وأصابتها آفة سماوية هل تكون من ضمان البائع أو المشتري؟ فقال جماعة من العلماء: تكون من ضمان المشتري، ولا يجب وضع الجائحة لكن يستحب. ¬

_ (¬1) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (1/ 30). (¬2) في صحيحه رقم (14/ 1554). (¬3) في السنن رقم (3470). (¬4) في السنن رقم (4527). وهو حديث صحيح. (¬5) أخرجه مسلم في صحيحه رقم (17/ 1554). (¬6) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (1/ 305) الفائق (2/ 434). (¬7) انظر "الأم" (4/ 118) "شرح معاني الآثار" (4/ 36) "المغني" (6/ 177).

وقال مالك (¬1): توضع في الثلث فصاعداً، ولا توضع فيما دون ذلك، يريد أنها إذا كانت دون الثلث كانت من مال المشتري. وقال قوم (¬2): يجب وضعها، وهو ظاهر قوله - صلى الله عليه وسلم -: "فلا يحل لك أن تأخذ منها شيئاً"، وقوله: "بم تأخذ [227/ ب] مال أخيك"، ولا يخفى قوة هذا القول لقوة دليله، ويدل له الحديث الثالث: "أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بوضع الجوائح"، وحمله على أنه ندب خلاف أصله، إذ أصله الإيجاب وصيغة الأمر لم يأت بها الراوي ولكنها معلومة أنها بلفظ أفعل ونحوه. وقد أطلنا البحث في الجوائح في حاشية (¬3) ضوء النهار بحمد الله. ¬

_ (¬1) "عيون المجالس" (3/ 1455). (¬2) انظر: "المغني" (6/ 177) المفهم (4/ 423). "الاستذكار" (19/ 112). (¬3) أي: "منحة الغفار" (5/ 112 - 114 - مع الضوء) بتحقيقي ط. الجيل الجديد صنعاء.

كتاب: البخل وذم المال

كتاب: البخل وذم المال 1 - عَنِ الأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: كُنْتُ فِي نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ فَمَرَّ أَبُو ذَرٍّ - رضي الله عنه - وَهُوَ يَقُول: بَشِّرِ الْكَانِزِينَ بِرَضْفٍ يُحْمَى عَلَيْهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَيُوضَعُ عَلَى حَلَمَةِ ثَدْيِ أَحَدِهِمْ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ نُغْضِ كَتِفِهِ، وَيُوضَعُ عَلَى نُغْضِ كَتِفَيْهِ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ حَلَمَةِ ثَدْيَيْهِ يَتَزَلْزَلُ، فَوَضَعَ الْقَوْمُ رُءُوسَهُمْ، فَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا مِنْهُمْ رَجَعَ إِلَيْهِ شَيْئًا، فَأَدْبَرَ فَاتَّبَعْتُهُ حَتَّى جَلَسَ إِلَى سَارِيَةٍ فَقُلْتُ: مَا رَأَيْتُ هَؤُلاَءِ إِلاَّ كَرِهُوا مَا قُلْتَ لَهُمْ. فَقَالَ: إِنَّ هَؤُلاَءِ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئًا، إِنَّ خَلِيِلي أَبَا الْقَاسِمِ - صلى الله عليه وسلم - دَعَانِي فَأَجَبْتُهُ فَقَالَ: "أَتَرَى أُحُدًا؟ ". فَقُلْتُ أَرَاهُ. فَقَالَ: "مَا يَسُرُّنِي أَنَّ لِي مِثْلَهُ ذَهَبًا أُنْفِقُهُ كُلَّهُ إِلاَّ ثَلاَثَةَ دَنَانِيرَ، ثُمَّ هَؤُلاَءِ يَجْمَعُونَ الدُّنْيَا لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئًا". قُلْتُ: مَا لَكَ وَلإِخْوَانِكَ مِنْ قُرَيْشٍ لاَ تَعْتَريهِمْ وَتُصِيبُ مِنْهُمْ، قَالَ: "لاَ وَرَبِّكَ لاَ أَسْأَلهُمْ عَنْ دُنْيَا وَلاَ أَسْتَفْتِيهِمْ عَنْ دِينٍ حَتَّى أَلْحَقَ بِالله وَرَسُولِهِ". قَالَ قُلْتُ: مَا تَقُولُ فِي هَذَا الْعَطَاءِ؟ قَالَ خُذْهُ: فَإِنَّ فِيْهِ الْيَوْمَ مَعونةً، فَإِذَا كَانَ ثَمَنَاً لِدِينِك فَدَعْهُ. أخرجه الشيخان (¬1). [صحيح] 2 - وفي رواية (¬2): كُنْتُ أَمْشِى مَعَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَى أُحُدٍ فَقَالَ: "مَا أُحِبُّ أَنَّ يكون لي ذَهَباً تُمْسِى عَلَيَّ ثَالِثَةً وَعِنْدِي مِنْهُ دِينَارٌ إِلاَّ دِينَاراً أَرْصُدُهِ لِدَيْنٍ إِلاَّ أَنْ أَقُولَ بِهِ فِي عِبَادِ الله هَكَذَا". حَثَا بيْنَ يَدَيْهِ، وَهَكَذَا عَن يَمِينِهِ وَهَكَذَا عَن شِمالِهِ. [صحيح] "ونغض الكتف" أعلاه، وقيل: العظم الرقيق الذي يلي طرفه. قوله: "برضف". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (1407، 1408) ومسلم رقم (34/ 992). (¬2) أخرجه مسلم في صحيحه رقم (32/ 94).

أقول: بفتح الراء، وسكون الضاد المعجمة ففاء، قال ابن الأثير (¬1): جمع رضفة، وهي الحجر التي تحمى وتترك في اللبن ليحمي. قوله: "حلمة ثديه". حلمة الثدي (¬2) هي: الحبة على رأسه. قوله: "نغض كتفه" في النهاية (¬3): النغض والنُغص، والناغض أعلى الكتف، وقيل: العظم الدقيق الذي على طرفه. انتهى. قوله: "تمسي علي ثالثة". أي: ليلة ثالثة. قيل (¬4): إنما قيد بالثلاث؛ لأنه لا يمكنه تفريق قدر أحد من الذهب في أقل منها غالباً إلا أنه قد ورد يوم وليلة فالأولى أن يقال: الثلاث أقصى ما يحتاج إليه في تفريقه مثل ذلك والواحدة أقل ما يمكن. قوله: "أرصده (¬5) لدين"، أي: أعده أو أحفظه، وهذا الإرصاد أعم من أن يكون صاحب دين غائب حتى يحضر فيأخذه أو لأجل وفاء دين مؤجل حتى يحل فيوفيه. قوله: "إلا أن أقول به"، هكذا هو استثناء (¬6) بعد استثناء فيفيد الإثبات [60/ أ] فيؤخذ منه أن نفي محبة المال مقيدة بعدم الإنفاق، فيلزم محبة [228/ ب] وجوده مع الإنفاق، فما دام الإنفاق مستمر لا يكره وجود المال وإن انتفى الإنفاق ثبت كراهية وجود المال، ولا يلزم من ذلك كراهية حصول شيء آخر ولو كان قدر أحد أو أكثر مع استمرار الإنفاق. ¬

_ (¬1) في "النهاية" (1/ 663). (¬2) انظر: "المجموع المغيث" (1/ 492). (¬3) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 769). (¬4) انظر: "الفائق في غريب الحديث" (2/ 172). (¬5) "غريب الحديث" للهروي (4/ 462). (¬6) انظر: "شرح الكوكب المنير" (3/ 332 - 335).

قوله: "حثا بين يديه"، فنص على الثلاث وحمل على المبالغة؛ لأن العطية لمن بين يديه هي الأصل. قال الحافظ (¬1) ابن حجر: والذي يظهر لي أن ذلك من تصرف الرواة، وأن أصل الحديث مشتمل على جهات أربع. 3 - وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ - رضي الله عنه - قَالَ: انْتَهَيْتُ إِلَى رَسُوْلِ الله - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ جَالِسٌ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ، فَلَمَّا رَآنِي قَالَ: "هُمُ الأَخْسَرُونَ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ". قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي؛ مَنْ هُمْ؟ قَالَ: "هُمُ الأَكْثَرُونَ أَمْوَالاً، إِلاَّ مَنْ قَالَ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ بينِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ وَعَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ، وَقَلِيلٌ مَا هُمْ، مَا مِنْ صَاحِبِ إِبِلٍ وَلاَ بَقَرٍ وَلاَ غَنَمٍ لاَ يُؤَدِّى زَكَاتَهَا إِلاَّ جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْظَمَ مَا كَانَتْ وَأَسْمَنَهُ تَنْطِحُهُ بِقُرُونِهَا وَتَطَؤُهُ بِأَظْلاَفِهَا كُلَّمَا نَفِدَتْ أُخْرَاهَا عَادَتْ عَلَيْهِ أُولاَهَا حَتَّى يُقْضِي بَيْنَ النَّاسِ". أخرجه الخمسة (¬2) إلا أبا داود، واللفظ لمسلم. [صحيح] 4 - وَعَن ابْنِ عَمْر - رضي الله عنهما - قَالَ: خَطَبَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "إِيَّاكُمْ وَالشُّحَّ فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلكُمْ بِالشُّحِّ، أَمَرَهُمْ بِالْبُخْلِ فَبَخَلُوا، وَأَمَرَهُمْ بِالْفُجُورِ فَفَجَرُوا". أخرجه أبو داود (¬3) [صحيح] ¬

_ (¬1) في "فتح الباري" (11/ 266). (¬2) أخرجه البخاري رقم (6934) ومسلم رقم (990) والترمذي رقم (617) والنسائي (5/ 10، 11). (¬3) في "السنن" رقم (1698). قلت: وأخرجه الحاكم في "المستدرك" (1/ 415) والنسائي كما في "تحفة الأشراف" (6/ 290). وهو حديث صحيح.

قوله: "الشح". قال ابن الأثير (¬1): الشح أشد البخل، وقيل (¬2) هو بخل معه حرص، "والفجور": العصيان والفسق. وقوله: "أمرهم"، أي: حملهم على ذلك فالشح أصل المعاصي، ولذا قال تعالى: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9)} (¬3). فحصر الفلاح عليهم. 5 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "خَصْلَتَانِ لاَ تَجْتَمِعَانِ فِي مُؤْمِنٍ: الْبُخْلُ وَسُوءُ الْخُلُقِ". أخرجه الترمذي (¬4). [صحيح]. 6 - وَعَنْ كَعْبِ بْنِ عِيَاضٍ - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ فِتْنَةً، وَفِتْنَةُ أُمَّتِي الْمَالُ". أخرجه الترمذي (¬5) وصححه. [صحيح]. قوله: "أخرجه الترمذي وصححه". قلت: قال بعد (¬6) إخراجه: هذا حديث حسن صحيح غريب، إنما نعرفه من حديث معاوية بن صالح. انتهى. 7 - وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تَتَّخِذُوا الضَّيْعَةَ فَتَرْغَبُوا فِي الدُّنْيَا". أخرجه الترمذي (¬7)، "والمراد بالضيعة" هنا الأرض والزرع. [حسن لغيره]. ¬

_ (¬1) في "النهاية في غريب الحديث" (1/ 846) .. (¬2) انظر: "غريب الحديث" (3/ 442). (¬3) سورة الحشر الآية 9، سورة التغابن الآية 64. (¬4) في السنن رقم (1963) وهو حديث ضعيف. (¬5) في السنن رقم (2336) وهو حديث صحيح. (¬6) في السنن (4/ 569). (¬7) في السنن رقم (2328) وهو حديثه حسن لغيره. قلت: وأخرجه الحاكم (4/ 322).

قوله: "فترغبوا في الدنيا". أخرجه الترمذي. قلت: وقال (¬1) هذا حديث حسن. قوله: "الأرض والزرع". قلت: قال ابن الأثير (¬2): الضيعة [229/ ب] ها هنا المعيشة والحرفة التي يعود الإنسان بحاصلها على نفسه. 8 - وَعَن عبد الله بْن الشّخير - رضي الله عنه - قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يَقْرَأُ: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1)} فَقَالَ: "يَقُولُ ابْنُ آدَمَ مَالِي مَالِي؛ وَهَلْ لَكَ يَا ابْنَ آدَمَ مِنْ مَالِكَ إِلاَّ مَا أَكَلْتَ فَأَفْنيتَ، أَوْ لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ، أَوْ تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ". أخرجه مسلم (¬3)، والترمذي (¬4)، والنسائي (¬5). [صحيح]. قوله: "أخرجه مسلم والترمذي". قلت: وقال (¬6): هذا حديث حسن صحيح إلا أنه قدم "تصدقت فأمضيت، أو أكلت [فأفنيت] (¬7) أو لبست فأبليت". 9 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لُعِنَ عبد الدِّينَارِ، لُعِنَ عبد الدِّرْهَمِ". أخرجه الترمذي (¬8). [ضعيف بهذا اللفظ]. ¬

_ (¬1) في السنن (4/ 565). (¬2) في النهاية في غريب الحديث (2/ 98). (¬3) في صحيحه رقم (4/ 2273). (¬4) في السنن رقم (3354). (¬5) في السنن (6/ 238 رقم 3613). وهو حديث صحيح. (¬6) أي الترمذي في السنن (5/ 447). (¬7) في (ب) فآنيت. (¬8) في السنن رقم (2375) وهو حديث ضعيف بهذا اللفظ.

قوله: "لعن عبد الدينار ... " الحديث. أخرجه الترمذي وقال" (¬1): هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، وقد روي من غير هذا الوجه عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتم من هذا وأطول. انتهى كلامه. 10 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَيُّكُمْ مَالُ وَارِثهِ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ مَالِهِ؟ " قَالُوا: يَا رَسُولَ الله! مَا مِنَّا أَحَدٌ إِلاَّ مَالُهُ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ مَالِ وَارِثِهِ. قَالَ: "فَإِنَّ مَالَهُ مَا قَدَّمَ، وَمَالُ وَارِثِهِ مَا أَخَّرَ". أخرجه البخاري (¬2) والنسائي (¬3). [صحيح]. 11 - وَعَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: جَاءَ مُعَاوِيَةُ إِلَى أَبِي هَاشِمِ بْنِ عُتْبَةَ وَهُوَ مَرِيضٌ يَعُودُهُ فَوَجَدَهُ يَبْكِي فَقَالَ: يَا خَالُ مَا يُبْكِيكَ؟ أَوَجَعٌ يُشْئِزُكَ: أَمْ حِرْصٌ عَلَى الدُّنْيَا؟ قَالَ: كَلَّا، وَلَكِنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عَهِدَ إِلَيْنَا عَهْدًا لَمْ آخُذْ بِهِ. قَالَ وَمَا ذَاكَ: قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: "إِنَّمَا يَكْفِيكَ مِنْ جَمْعِ المَالِ خَادِمٌ وَمَرْكَبٌ فِي سَبِيلِ الله تَعَالى". وَأَجِدُنِي الْيَوْمَ قَدْ جَمَعْتُ. أخرجه الترمذي (¬4) والنسائي (¬5). [حسن]. وزاد رزين - رحمه الله - قال: فَلَمَّا مَاتَ حُصِّلَ مَا خَلَّفَ فَبَلغَ ثَلَاثِينَ دِرْهَماً. "يشئزك (¬6) " أي: يقلقك. ¬

_ (¬1) في السنن (4/ 587 - 588). وأخرجه البخاري رقم (6435) وابن ماجه رقم (4135) بلفظ: "تعس عبد الدينار وعبد الدرهم" وهو حديث صحيح. (¬2) في صحيحه رقم (2376). (¬3) في السنن (6/ 237، 238 رقم 3612، 3613). (¬4) في السنن رقم (2327). (¬5) في السنن رقم (5372). وهو حديث حسن. (¬6) أي: يقلقك، يقال شئز وشئز فهو: مشئوز وأشأزه غيره, وأصله الشأز، وهو: الموضع الغليظ الكثير الحجارة.

(كتاب: البنيان)

(كتاب: البنيان) 1 - عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُنِي مَعَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وَقَدْ بَنَيْتُ بَيْتًا بِيَدِي يُكِنُّنِي مِنَ الْمَطَرِ، وَيُظِلُّنِي مِنَ الشَّمْسِ، مَا أَعَانَنِي عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ الله تَعَالَى. أخرجه البخاري (¬1). [صحيح]. 2 - وفي رواية (¬2): مَا وَضَعْتُ لَبِنَةً عَلَى لَبِنَةٍ مُنْذُ قُبِضَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -. [صحيح]. 3 - وَعَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ - رضي الله عنه - قَالَ: أتينا خَبَّابٍ بن الأرت - رضي الله عنه - نَعُودُهُ , وَقَدِ اكْتَوَى سَبْعَ كَيَّاتٍ فِي بَطْنِهِ، فَقَالَ: إِنَّ أَصحَابَنَا الَّذِينَ سَلَفُوا مَضَوْا وَلَمْ تَنْقُصْهُمُ الدُّنْيَا، وَإِنَّا أَصَبْنَا مَا لاَ نَجِدُ لَهُ مَوْضِعًا إِلاَّ التُّرَابَ، وَلَوْلاَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - نهانَا أَنْ نَدْعُوَ بِالْمَوْتِ لَدَعَوْتُ بِهِ، ثُمَّ أَتَيْنَاهُ مَرَّةً أُخْرَى وَهْوَ يَبْنِى حَائِطًا لَهُ فَقَالَ: إِنَّ الْمُسْلِمَ يُؤجَرُ فِي كُلِّ شَيءٍ يُنْفِقُهُ إِلاَّ فِي شَيْءٍ يَجعَلُهُ فِي هَذَا التُّرَابِ. أخرجه الشيخان (¬3). [صحيح]. 4 - وعَنْ أَنَسِ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "النَّفَقَةُ كُلُّهَا فِي سَبِيلِ الله إِلاَّ الْبِنَاءَ فَلاَ خيْرَ فِيهِ". أخرجه الترمذي (¬4). [ضعيف]. 5 - وعنه - رضي الله عنه - قال: خَرَجَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَاً وَنَحْنُ مَعَهُ فَرَأَى قُبَّةً مُشْرِفَةً فَقَالَ: "مَا هَذِهِ". قِيْلَ: لِفُلاَنٍ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ، فَسَكَتَ وَحمَلَهَا فِي نَفْسِهِ حَتَّى جَاءَ صَاحِبُهَا فَسَلّمَ عَلَيْهِ فِي النَّاسِ فَأَعْرَضَ عَنْهُ فَصنَعَ ذَلِكَ مِرَارًا حَتَّى عَرَفَ الرَّجُلُ الْغَضَبَ فِيهِ وَالإِعْرَاضَ عَنْهُ ¬

_ (¬1) في صحيحه رقم (6302). قلت: وأخرجه ابن ماجه في السنن رقم (4162). (¬2) أخرجه البخاري فى صحيحه رقم (6303). (¬3) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (5672) ومسلم رقم (2681). (¬4) في "السنن" رقم (2482) وهو حديث ضعيف. قال الترمذي: هذا حديث غريب.

فَشَكَا ذَلِكَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: وَالله إِنِّي لأُنْكِرُ نظَرَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، مَا أَدْرِي مَا حَدَثَ فِيَّ؛ فَقَالُوا: خَرَجَ فَرَأَى قُبَّتَكَ. فَقَالَ: لِمَنْ هَذهِ؟ فَأَخْبَرْنَاه, فَرَجَعَ الرَّجُلُ إِلَى القُبَّةٍ فَهَدَمَهَا حَتَّى سَوَّاهَا بِالأَرْضِ، فَخَرَجَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ يَوْمٍ فَلَمْ يَرَهَا فَقَالَ: "مَا فَعَلَتِ الْقُبَّةُ". فَحَدَّثُوه بِمَا كَانَ مِنْ صَاحِبُهَا، فقال رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَمَا إِنَّ كُلَّ بِنَاءٍ وَبَالٌ عَلَى صَاحِبِهِ إِلاَّ مَا لاَ إِلاَّ مَا لاَ". يَعْنِى مَا لاَ بُدَّ مِنْهُ. أخرجه أبو داود (¬1). [حسن]. قوله: "إلا ما لا (¬2) إلا ما لا"، يعني: لا بد منه، حذف - صلى الله عليه وسلم - المستثنى كراهة لذكر الدنيا وعمارتها. [230/ ب]. 6 - وَعَنْ عبد الله بْنِ عَمْرٍو بِنْ الْعَاص - رضي الله عنهما - قَالَ: مَرَّ بِي رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وَأَنَا أُطَيِّنُ حَائِطًا لِي مِنْ خُصٍّ فَقَالَ: "مَا هَذَا يَا عبد الله؟ "، فقلت: حَائِطَاً أُصْلِحُهُ، فقال: "الأَمْرَ أَيْسَرُ مِنْ ذَلِكَ"، وفي رواية: "مَا أُرَى الأَمْرَ إِلاَّ أَعْجَلَ مِنْ ذَلِكَ". أخرجه أبو داود (¬3) والترمذي (¬4) وصححه. "الخص" القصب. [صحيح]. قوله: "الخص: القصب"، بضم الخاء المعجمة وصاد مهملة. وفي النهاية (¬5): الخص: بيت يعمل من الخشب والقصب، وجمعه خصاص وأخصاص سمي به لما فيه من الخصاص، وهي الفرج والأثقاب، انتهى. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (2337) وهو حديث حسن. (¬2) انظر النهاية (2/ 697). (¬3) في "السنن" رقم (5235، 5236). (¬4) في "السنن" رقم (2335). قلت: وأخرجه ابن ماجه في "السنن" رقم (4160). وهو حديث صحيح. (¬5) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 495).

7 - وَعَنْ دُكَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ (¬1) الْمُزَنِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: أَتَيْنَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - سأَلْنَاهُ الطَّعَامَ فَقَالَ: "يَا عُمَرُ اذْهَبْ فَأَعْطِهِمْ". فَارْتَقَى بِنَا إِلَى عِلِّيَّةٍ فَأَخْرَجَ الْمِفْتَاحَ مِنْ حُجْزَتِهِ فَفَتَحَ. أخرجه أبو داود (¬2). [سنده صحيح]. قوله: "أخرجه أبو داود". أقول: ترجم له: باب (¬3) في اتخاذ الغرف. قلت: والجمع بينه وبين حديث أنس: أنه - صلى الله عليه وسلم - اتخذ هذه الغرفة لحاجة وضع المتاع فيها، وعلم أن صاحب الغرفة [الذي] (¬4) هجره - صلى الله عليه وسلم - اتخذها لغير حاجة. [231/ ب]. 8 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا تَشَاجَرْتُمْ فِي الطَّرِيقِ فَاجْعَلُوهُ سَبْعَةَ أَذْرُعٍ". أخرجه (¬5) الخمسة إلا النسائي. [صحيح]. ¬

_ (¬1) دكين بن سعيد، ويقال ابن سعيد بالضم، ويقال: ابن سعد المزني، ويقال: الخثعمي، له صحبة, عداده في أهل الكوفة. روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وعنه قيس بن أبي حازم، روى عنه أبو داود حديثاً واحداً في معجزة تكثير التمر القليل. قال ابن حجر: قال مسلم وغيره: لم يرو عنه غير قيس، "تهذيب التهذيب" (3/ 212). (¬2) في "السنن" رقم (5238) بإسناد صحيح. (¬3) في "السنن" (5/ 403 والباب رقم (170). (¬4) في (ب) التي. (¬5) أخرجه البخاري رقم (2473) ومسلم رقم (143/ 1613) وأبو داود رقم (3633) والترمذي رقم (1356) وابن ماجه رقم (2338)، وأحمد (2/ 429، 474). وهو حديث صحيح.

حرف التاء

حرف التاء وفيه سبعة كتب التفسير، تلاوة القرآن، ترتيب القرآن، التوبة، التعبير، التفليس، تمني الموت (حرف التاء. أي: المثناة الفوقية) كتاب: التفسير قوله: "كتاب التفسير". أقول: التفسير (¬1)، تفعيل من الفسر وهو: البيان والكشف، واختلف في التفسير والتأويل؟ قال أبو عبيد (¬2) وطائفة: هما بمعنى واحد. وقال الراغب (¬3): التفسير أعم من التأويل وأكثر استعمالاته في الألفاظ ومفرداتها، وأكثر استعمال التأويل في المعاني والجمل، وأكثر ما يستعمل في الكتب الإلهية، والتفسير يستعمل فيها وفي غيرها. وقيل (4): التفسير يتعلق بالرواية، والتأويل بالدراية. وذكره في "الإتقان" (¬4)، أقاويل في ذلك كثيرة. ¬

_ (¬1) انظر: "البرهان" للزركشي (2/ 148) "التيسير" للكافينجي (ص 124). (¬2) في "الغريبين في القرآن والحديث" (5/ 1447). (¬3) انظر: "مفردات ألفاظ القرآن" (ص 363). (¬4) انظر: "الإتقان" (2/ 1189).

الباب الأول: في حكمه

وفيه بابان: الباب الأول: في حكمه وفيه فصلان: الفصل الأول: في التحذير منه قوله: "الفضل الأول [في] (¬1) التحذير منه"، أي: من التفسير بغير علم. 1 - عَنْ جُنْدُبٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ قَالَ فِي كِتَابِ الله تَعَالَى بِرَأْيِهِ فَأَصَابَ فَقَدْ أَخْطَأَ". أخرجه أبو داود (¬2) والترمذي (¬3). [ضعيف]. وزاد رُزين: وَمَنْ قَالَ بِرَأْيِهِ فَأَخْطأَ فَقَدْ كَفَرَ. قوله: "عن جندب: من قال في كتاب الله برأيه فأصاب فقد اخطأ". أقول: قال ابن الأثير (¬4): [232/ ب] النهي عن تفسير القرآن بالرأي لا يخلوا إما أن يراد به: الاقتصار على النقل والمسموع وترك الاستنباط، أو المراد به أمر آخر. وباطل أن يكون المراد به: أن لا يتكلم أحد في القرآن إلا بما سمعه، فإن الصحابة قد فسروا القرآن، واختلفوا في تفسيره على وجوه, وليس كل ما قالوه سمعوه من النبي - صلى الله عليه وسلم - فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - دعا لابن عباس وقال: "اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل" (¬5). ¬

_ (¬1) زيادة من (أ). (¬2) في "السنن" (3652). (¬3) في "السنن" رقم (2952). وهو حديث ضعيف. (¬4) في "جامع الأصول" (2/ 4). (¬5) أخرجه أحمد في المسند (1/ 266، 314، 328، 335) وابن حبان في صحيحه رقم (7055) والطبراني في المعجم الكبير رقم (10587) والحاكم (3/ 534) وابن سعد في "الطبقات" (2/ 365) وابن أبي شيبة في المصنف (12/ 111 - 112) ويعقوب بن سفيان في "المعرفة والتاريخ" (1/ 493 - 494). =

فإن كان التأويل مسموعاً [كالتنزيل] (¬1) فما فائدة تخصيصه بذلك؟! وإنما النهي يحمل على أحد وجهين: (أحدهما): أن يكون له في الشيء رأي، وإليه ميل من طبعه وهواه، فيتأول القرآن على وفق رأيه وهواه، ليحتج به على تصحيح غرضه، ولو لم يكن له ذلك الرأي والهوى لكان لا يلوح له من القرآن ذلك المعنى. وهذا النوع يكون تارةً مع العلم كالذي يحتج ببعض آيات القرآن على تصحيح بدعته وهو يعلم أن ذلك المراد من الآية ذلك، لكن يلبِّس على خصمه. وتارةً يكون مع الجهل وذلك إذا كانت الآية محتملة، فيميل فهمه إلى الوجه الذي يوافق غرضه، ويترجح ذلك الجانب برأيه وهواه فيكون قد فسر [61/ أ] برأيه [أي رأيه] (¬2) هو الذي حمله على ذلك التفسير ولولا رأيه لما كان يترجح عذره ذلك الوجه. ¬

_ = قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وهو حديث صحيح. وأورده ابن الأثير في "جامع الأصول" (9/ 63 رقم 6602) وعزاه للبخاري ومسلم والترمذي. قلت: ليست في الصحيحين بهذا اللفظ ولذا قال ابن الأثير: "ولم أجده في الكتابين". وقال الحافظ في "الفتح" (1/ 170) وذكر الحميدي في "الجمع بين الصحيحين" رقم (1013). وقال الحميدي: "وهذه الزيادة ليست في الصحيحين، وهو كما قال ... ". وأخرج البخاري رقم (143) ومسلم رقم (2477) عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل الخلاء فوضعت له وضوءاً. قال: "من وضع هذا؟ " فأخبر، فقال: "اللهم فقهه في الدين". (¬1) في (ب) التنزيل. (¬2) زيادة من (أ) وهي في "جامع الأصول" (2/ 4).

وتارةً يكون له غرض صحيح فيطلب له دليلاً من القرآن ويستدل عليه بما يعلم أنه ما أريد به كمن يدعو إلى مجاهدة القلب القاسي فيقول: قال الله تعالى: {اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (24)} (¬1)، ويشير إلى قلبه ويومئ إلى أنه المراد [233/ ب] من فرعون. وهذا الجنس قد يستعمله بعض الوعاظ في المقاصد الصحيحة؛ تحسيناً للكلام، وترغيباً للمستمع وهو ممنوع، وقد يستعمله الباطنية في المقاصد الفاسدة لتغرير الناس، ودعوتهم إلى مذهبهم الباطل، فينزلون القرآن على وفق رأيهم ومذهبهم على أمور يعلمون قطعاً أنها غير مرادة. فهذه الفنون أحد وجهي المنع من التفسير بالرأي. (الوجه الثاني): أن يتسارع إلى تفسير القرآن بظاهر العربية من غير استظهار بالسماع والنقل فيما يتعلق بغرائب القرآن، وما فيه من الألفاظ المبهمة والمبدلة، وما فيه من الاختصار، والحذف والإضمار، والتقديم والتأخير، فمن لم يحكم ظاهر التفسير وبادر إلى استنباط المعاني بمجرد فهم العربية أكثر غلطه، ودخل في زمرة من فسر القرآن بالرأي، فالنقل والسماع لا بد منه في ظاهر التفسير أولاً؛ ليتقى به مواضع الغلط, ثم بعد ذلك يتسع التفهم والاستنباط، والغرائب التي لا تفهم إلا بالسماع كثيرة، ولا مطمع إلى الوصول إلى الباطن قبل أحكام الظاهر، ألا ترى قوله تعالى: {وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا} (¬2) معناه: أنها مبصرة فظلموا أنفسهم بقتلها، فالناظر إلى ظاهر العربية يظن أن المراد به: أن الناقة كانت مبصرة ولم تكن عمياء، ولا يدري بماذا ظلموا أو أنهم ظلموا غيرهم أو أنفسهم، فهذا من الحذف ¬

_ (¬1) سورة طه الآية 24. (¬2) سورة الإسراء الآية 59.

[الفصل] الثاني: في فضل القرآن مطلقا

والإضمار، وأمثال هذا في القرآن كثير، وما عدا هذين [234/ ب] الوجهين فلا يتطرق النهي إليه. انتهى كلامه. 2 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَلْيَتبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ". أخرجه الترمذي (¬1). [ضعيف]. 3 - وله في رواية (¬2): "اتَّقُوا الْحَدِيثَ عَنِّي إِلاَّ مَا عَلِمْتُمْ، فَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ، وَمَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِرَأْيِهِ فَأَخْطَأ فَقَدْ كَفَر". [ضعيف]. قوله (¬3): [الفصل] (¬4) الثاني: في فضل القرآن مطلقاً أي: من غير تعيين سور منه بخلاف ما يأتي. 1 - عن الحارث الأعور قَالَ: مَرَرْتُ فِي الْمَسْجِدِ فَإِذَا النَّاسُ يَخُوضُونَ فِي الأَحَادِيثِ فَدَخَلْتُ عَلَى عَليٍّ - رضي الله عنه - فَأَخبرْتُهُ فَقَالَ: أَوَقَدْ فَعَلُوْهَا؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: أَمَا إِنِّي قَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "أَما إِنَّهَا سَتكُونُ فِتْنَةٌ"، قُلْتُ: فَمَا الْمَخْرَجُ مِنْهَا يَا رَسُولَ الله؟ قَالَ: "كِتَابُ الله تَعَالَى فِيهِ نَبَأُ مَا قَبْلكُمْ، وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ هُوَ الْفَصْلُ لَيْسَ بِالهزْلِ. مَنْ تَرَكَهُ مِنْ جَبَّارٍ قَصَمَهُ الله تَعَالَى، وَمَنِ ابْتَغَى الهُدَى فِي غَيْرِهِ أَضَلَّهُ الله وَهُوَ حَبْلُ الله الْمَتينُ، وَهُوَ الذِّكْرُ الْحَكِيمُ، وَهُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ، وهُوَ الَّذِي لاَ تَزِيغُ بِهِ الأَهْوَاءُ، وَلاَ تَلْتَبِسُ بِهِ ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (2950) وقال الترمذي في "السنن" (5/ 199): هذا حديث حسن صحيح، وهو حديث ضعيف، والله أعلم. (¬2) أخرجه الترمذي في "السنن" رقم (2952). قلت: وأخرجه أبو داود رقم (3652)، وهو حديث ضعيف. والله أعلم. (¬3) زيادة من (أ). (¬4) في (ب) الباب، وهو خطأ.

الأَلْسِنَةُ، وَلاَ يَشْبَعُ مِنْهُ الْعُلَمَاءُ، وَلاَ يَخْلَقُ عَلَى كَثْرَةِ الرَّدِّ, وَلاَ تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ، هُوَ الَّذِي لَمْ تَنْتَهِ الْجِنُّ إِذْ سَمِعَتْهُ حَتَّى قَالُوا: {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ} مَنْ قَالَ بِهِ صَدَقَ، وَمَنْ عَمِلَ بِهِ أُجِرَ، وَمَنْ حَكَمَ بِهِ عَدَلَ، وَمَنْ دَعَا إِلَيْهِ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ". خُذْهَا إِلَيْكَ يَا أَعْوَرُ. أخرجه الترمذي (¬1). [ضعيف]. قوله: "ولا يخلق"، لفظ الترمذي هكذا، "ولا يخلق عن كثرة الرد"، قال في الضياء: أخلق (¬2) الثوب إذا بلي. وقال النووي (¬3): يَخلُق: بضم اللام، ويجوز فتحها والياء فيهما مفتوحة, ويجوز ضم الياء مع كسر اللام، يقال: خلق الشيء، وخلق وأخلق إذا بلي، والمراد ها هنا لما تذهب جلالته وحلاوته. انتهى. قلت: ويحتمل أن يراد بالقرآن المتشابه منه أن يفسره من يفسره برأيه كتفاسير كثير المبتدعة لذلك، وتكلمهم على فواتح السور فإنه رأي محض، ومنه ما ذكره الزمخشري (¬4) من أنها لقرع العصا وتحدي العرب، وأطال في هذا الوجه, وهو وجه رشيق لكنه مبتدع بالرأي المحض، وقد ذكر السيوطي في "الإتقان" كلاماً بسيطاً على التفسير بالرأي من أحب تحقيقه فليراجع كلامه (¬5). قوله: "الفصل"، أي: الفاصل بين الحق والباطل، و"ما هو بالهزل"، أي: هو جدٌّ كله. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (2906) وقال الترمذي في "السنن" (5/ 173): هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه, وإسناده مجهول، وفي الحارث مقال. وهو حديث ضعيف، والله أعلم. (¬2) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (1/ 526). (¬3) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 374). (¬4) انظر: "الكشاف" (1/ 95 - 98). (¬5) (2/ 1192 وما بعدها).

قوله: "الجبار"، في صفات الله الذي هو جبر (¬1) خلقه على ما أراد يقال: جبره وأجبره إذا قهره، وهو في صفة الآدمي: المسلط المعاتي التكبر على الناس، المتعظم عليهم. قوله: "قصمه الله"، أي: أهلكه، وهو بالقاف أن ينكسر (¬2) الشيء فيبين. [235/ ب]. قوله: "حبل الله المتين"، الحبل في كلام العرب يرد على وجوه: منها: العهد، وهو الأمان، ومنها: النور. ¬

_ (¬1) الجبروت: صفة ذاتية لله عز وجل، من اسمه (الجبار) وهي ثابتة بالكتاب والسنة. قال تعالى: {الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ} [سورة الحشر: 23]. وأخرج البخاري في صحيحه رقم (7439) عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - في الرؤية " ... قال: فيأتيهم الجبَّار في صورة غير صورته التي رأوه فيها أول مرة ... ". ولاسم (الجبار) معان منها: 1 - أنه الذي يجبر ضعف الضعفاء من عباده, ويجبر كسر القلوب المنكسرة من أجله، الخاضعة لعظمته وجلالته، فكم جبر سبحانه من كسير، وأغنى من فقير، وأعز من ذليل، وأزال من شدة، ويسر من عسير، وكم جبر من مصاب، فوفقه للثبات والصبر، وأعاضه من مصابه أعظم الأجر، فحقيقة هذا الجبر هو إصلاح حال العبد بتخليصه من شدته ودفع المكاره عنه. 2 - أنه القهار، دان كل شيء لعظمته، وخضع كل مخلوق لجبروته وعزته، فهو يجبر عباده على ما أراد مما اقتضته حكمته ومشيئته, فلا يستطيعون الفكاك منه. 3 - أنه العلي بذاته فوق جميع خلقه، فلا يستطيع أحد منهم أن يدنوا فيه. 4 - أنه المتكبر عن كل سوء ونقص، وعن مماثلة أحد، وعن أن يكون له كفو أو ضد أو سمي أو شريك في خصائصه وحقوقه. انظر "النونية" (2/ 95 - شرح الهراس). "تفسير غريب القرآن" لابن قتيبة (ص 19). (¬2) قاله ابن الأثير في"النهاية" (2/ 464).

و"المتين"، القوي الشديد، يقال: هو حبل الله المتين، أي: عهده وأمانه الذي يؤمن من العذاب، أو هو نور هداه، والعرب تشبه النور الممتد بالحبل والخيط، ومنه قوله تعالى: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} (¬1). قوله: "الذكر الحكيم"، الذكر: الشرف، ومنه: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ} (¬2)، وهو مما يذكر، أي: يقال ويحكى واللفظ "الحكيم" [المحكم] (¬3) العاري عن الاختلاف والاضطراب، أو هو فعيل بمعنى فاعل، أي: أنه حاكم فيكم ولكم وعليكم. قوله: "تزيغ"، الزيغ (¬4): الميل، وأراد به الميل عن الحق. قوله: "الرشد" الرشد والرشاد، ضد الضلال. قوله: "عصمة" العصمة (¬5): ما يتمسك به ويمتنع ويلجأ إليه. قوله: "أخرجه الترمذي". قلت: ثم قال (¬6): هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث حمزة الزيات، وإسناده مجهول، وفي حديث الحارث مقال. انتهى بلفظه. ¬

_ (¬1) سورة البقرة الآية 187. (¬2) سورة الزخرف الآية 44. (¬3) في (ب) للحكم. (¬4) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 740). (¬5) "غريب الحديث" للهروي (3/ 102) "النهاية" (2/ 216). (¬6) أي: الترمذي في "السنن" (5/ 173) وقد تقدم نصه.

الثاني: 2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أن رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ الله تَعَالَى يَتْلُونَ كِتَابَ الله وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ: إِلاَّ نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينةُ, وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ, وَحَفَّتْهُمُ الْمَلاَئِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ الله فِيمَنْ عِنْدَهُ". أخرجه أبو داود (¬1). [صحيح]. قوله: "ما اجتمع قوم ... " الحديث. [236/ ب]. قال النووي (¬2): المراد بالسكينة هنا: الرحمة، وهو الذي اختاره القاضي عياض (¬3)، وهو ضعيف لعطف الرحمة عليه, وقيل: الطمأنينة والوقار، وهو حسن، وفي هذا دليل على فضل الاجتماع على قراءة القرآن في المسجد، وهو مذهبنا ومذهب الجمهور، وقال مالك: يكره، وتأوله بعض أصحابه. ويلحق بالمسجد في تحصيل هذه الفضيلة الاجتماع في بيت أو رباط ونحوهما إن شاء الله، ويدل عليه الحديث الذي (¬4) بعده فإنه مطلق يتناول جميع المواضع ويكون التقييد في الحديث الأول خرج مخرج الغالب لا سيما في ذلك الزمان فلا يكون له مفهوم يعمل به. انتهى. [62/ أ]. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (1455). قلت: وأخرجه مسلم رقم (2699) وابن ماجه رقم (225) والترمذي رقم (2945) وهو حديث صحيح. (¬2) في شرحه لصحيح مسلم (17/ 21 - 22). (¬3) في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (8/ 195). (¬4) يشير إلى الذي أخرجه مسلم في صحيحه رقم (40/ 2701) من حديث أبي سعيد الخدري وفيه: " ... وإن رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - خرج على حلقة من أصحابه فقال: ما أجلسكم؟ قالوا: جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدانا للإسلام ومن به علينا ... ".

3 - وَعَنْهُ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ إِذَا رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ أَنْ يَجِدَ ثَلاَثَ خَلِفَاتٍ عِظَامٍ سِمَانٍ؟ ". قُلْنَا نَعَمْ. قَالَ: "فَثَلاَثُ آيَاتٍ يَقْرَأُ بِهِا أَحَدُكُمْ فِي صَلاَتِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ ثَلاَثِ خَلِفَاتٍ عِظَامٍ سِمَانٍ". أخرجه مسلم (¬1). [صحيح]. "الخَلِفَةُ" الناقة العشراء (¬2). 4 - وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَنَحْنُ فِي الصُّفَّةِ فَقَالَ: "أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنْ يَغْدُوَ كُلَّ يَوْمٍ إِلَى بُطْحَانَ، أَوْ قال: إِلَى الْعَقِيقِ فَيَأْتِي بِنَاقَتَيْنِ كَوْمَاوَيْنِ فِي غَيْرِ إِثْمٍ وَلاَ قَطْعِ رَحِمٍ". قُلْنَا: كُلُّنَا يَا رَسُولَ الله يُحِبُّ ذَلِكَ. قَالَ: "أفلاَ يَغْدُو أَحَدُكُمْ إِلَى الْمَسْجِدِ فَيَتَعْلَّمَ أَوْ يَقْرَأَ آيَتَيْنِ مِنْ كِتَابِ الله تَعَالَى خَيْرٌ لَهُ مِنْ نَاقَتَيْنِ، وَثَلاَثٌ خَيرٌ لَهُ مِنْ ثَلاَثٍ, وَأَرْبَعٌ خَيرٌ لَهُ مِنْ أَرْبَعٍ، وَمِنْ أَعْدَادِهِنَّ مِنَ الإِبِلِ". أخرجه مسلم (¬3)، وأبو داود (¬4). "الكوماء (¬5) " الناقة العظيمة السنام. [صحيح]. 5 - وَعَنْ ابْنَ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ الله تَعَالَى فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ, وَالْحَسَنةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، لاَ أَقُولُ: الم حَرْفٌ, وَلَكِنْ أَقُولُ: أَلِفٌ حَرْفٌ، وَلاَمٌ حَرْفٌ، وَمِيمٌ حَرْفٌ". أخرجه الترمذي (¬6) وصححه. [صحيح]. ¬

_ (¬1) في صحيحه رقم (250/ 802). قلت: وأخرجه ابن ماجه في "السنن" رقم (3782) وهو حديث صحيح. (¬2) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 523). "المجموع المغيث" (1/ 608). (¬3) في صحيحه رقم (803). (¬4) في "السنن" رقم (1456). وهو حديث صحيح. (¬5) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 570)، "غريب الحديث" للهروي (3/ 84). (¬6) أخرجه الترمذي في "السنن" رقم (2910) وهو حديث صحيح.

[قوله في [الخامس] (¬1): "أخرجه الترمذي وصححه". قلت: قال (¬2) الترمذي: حسن صحيح غريب من هذا الوجه، سمعت قتيبة بن سعيد يقول: بلغني أن محمد بن كعب القرظي في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويروى هذا الحديث من غير هذا الوجه عن ابن مسعود، ثم قال: ورفعه بعضهم ووقفه بعضهم] (¬3). السادس: 6 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَا أَذِنَ الله لِشَيْءٍ مَا أَذِنَ لِنَبِيٍّ يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ". أي: يجهر به. أخرجه الخمسة (¬4) إلا الترمذي. [صحيح]. وفي أخرى للبخاري (¬5): "لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ يَجْهَرُ بِهِ". ومعنى: "ما أذن" أي: ما استمع، "والتغني" تحزين القراءة وترقيقها. قوله: "ما أذن الله". قال القرطبي (¬6): أصل أذن بفتحتين أن المستمع يميل بإذنه إلى جهة من يسمعه، وهذا المعنى في حق الله لا يراد (¬7) به ظاهره، وإنما هو على سبيل التوسع على ما جرى به عرف ¬

_ (¬1) في (أ) الرابع والصواب ما أثبتناه. (¬2) في "السنن" (5/ 176). (¬3) ما بين الحاصرتين زيادة من (أ). (¬4) أخرجه البخاري رقم (5024) ومسلم رقم (792) وأبو داود رقم (1473) والنسائي رقم (1017، 1018). وهو حديث صحيح. (¬5) في صحيحه رقم (7527). (¬6) في "المفهم" (2/ 421). (¬7) بل الأذن بمعنى الاستماع صفة ثابتة لله عز وجل بالحديث الصحيح، وهو الذي بين يديك قال أبو عبيد القاسم بن سلام في "غريب الحديث" (1/ 282) بعد أن أورده حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - بسنده - أما قوله: "كأذنه" يعني: "ما استمع الله لشيء كاستماعه لنبي يتغنى بالقرآن ... ". =

التخاطب، والمراد (¬1) به في حق الله إكرام القارئ، وإجزال ثوابه؛ لأن ذلك ثمرة الإصغاء. انتهى. [237/ ب]، والمصنف فسره باستمع. قوله: "يجهر به". أقول: ظاهره أنه من المرفوع، والذي في صحيح البخاري (¬2) "يتغنى بالقرآن" هذا آخر الحديث، ثم قال: وقال صاحب له يريد أن يجهر به. انتهى. واختلف في ضمير صاحب له، فقال ابن حجر (¬3): هو لأبي سلمة، يريد به راويه عن أبي هريرة، قال: والصاحب المذكور هو عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب بينه الزبيدي عن ابن شهاب في هذا الحديث، أخرجه ابن أبي داود، وقد جزم بأنها من قول أبي هريرة. انتهى. قوله: "والتغني: تحزين القراءة وترقيقها". قلت: وفي صحيح البخاري (¬4): وقال سفيان - أي: ابن عيينة -: تفسيره يستغنى به. ¬

_ = وقال البغوي في شرح السنة (4/ 484): قوله: "ما أذن الله لشيء كأذنه" يعني: ما استمع الله لشيء كاستماعه، والله لا يشغله سمع عن سمع يقال: أذنت للشيء، آذن بفتح الذال: إذا سمعت له ... ". فالله سبحانه يأذن أذناً، أي: يستمع استماعاً بلا كيف. انظر: "فضائل القرآن" (ص 114 - 116). (¬1) انظر ما تقدم. (¬2) رقم (5023). (¬3) في "فتح الباري" (9/ 69). (¬4) في صحيحه رقم (5024).

قال ابن حجر: كذا فسره سفيان قال: وقال ابن الجوزي (¬1): اختلفوا في معنى يتغنى على أربعة أقوال: أحدها: تحسين الصوت. والثاني: الاستغناء. والثالث: التحزن، قاله الشافعي. والرابع: التشاغل به، تقول العرب: تغنى بالمكان أقام به. قلت: وفيه قول آخر حكاه ابن الأنباري، قال: المراد به التلذذ والاستحلاء له كما يستلذ أهل الطرب بالغناء، فأطلق عليه تغنياً من حيث أنه يفعل عنده ما يفعل عند الغناء، وأطال في البحث، ثم قال آخراً: وظواهر الأخبار يرجح أن المراد تحسين الصوت، قال: ولا شك أن النفوس تميل إلى سماع القراءة بالترنم أكثر من ميلها لمن لا يترنم؛ لأن للتطريب تأثيراً في رقة القلب وإجراء الدمع، وكان بين السلف اختلاف في جواز القراءة بالألحان وذكر الخلاف. السابع: 7 - وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مَا أَذِنَ الله تَعَالَى لِشَيءٍ مَا أَذِنَ لِعَبْدٍ يَقْرَأُ الْقُرآنَ فِي جَوْفِ اللَّيْل، وَإِنَّ الْبِرَّ لَيُذَرُّ عَلَى رَأْسِ الْعَبْدِ مَا دَامَ فِي مُصَلّاهُ, وَمَا تَقَرَّبَ الْعِبَادُ إِلَى الله تَعَالَى بِمِثْلِ مَا خَرَجَ مِنْهُ". [ضعيف]. قَالَ أَبُو النَّضْرِ: يَعْنِى الْقُرْآنَ. منه بدأ الأمر به، وإليه يرجع الحكم فيه. أخرجه الترمذي (¬2). ¬

_ (¬1) انظر "فتح الباري" (9/ 70 - 72). (¬2) في "السنن" رقم (2911) وهو حديث ضعيف.

قوله: "ليذر (¬1) " بالذال المعجمة. أي: لينثر. قوله: "أخرجه الترمذي". [238/ ب]. قلت: وقال (¬2): هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وبكر بن خنيس قد تكلم فيه ابن المبارك وتركه في آخر أمره. انتهى. [قوله: "منه بدأ ... " إلى آخره". أقول: أفاد الحافظ ابن حجر في فتح الباري (¬3) أن هذه الزيادة من قول أبي عبد الرحمن السلمي، وقال: قال المصنف - يريد البخاري - في خلق (¬4) الأفعال: قال أبو عبد الرحمن السلمي. وأشار في خلق أفعال العباد أنه لا يصح مرفوعاً] (¬5). 9 - وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "الْجَاهِرُ بِالْقُرْآنِ كَالْجَاهِرِ بِالصَّدَقَةِ، وَالْمُسِرُّ بِالْقُرْآنِ كَالْمُسِرِّ بِالصَّدَقَةِ". أخرجه أصحاب (¬6) السنن. [صحيح]. ¬

_ (¬1) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (1/ 604). (¬2) أي: الترمذي في "السنن" (5/ 176). (¬3) (9/ 69 - 70). (¬4) (ص 69 رقم 187). (¬5) ما بين الحاصرتين في (ب) متأخر بعد صفحة. (¬6) أخرجه الترمذي في "السنن" رقم (2919) وأبو داود رقم (1333) والنسائي رقم (1663) و (2561) وهو حديث صحيح.

قوله: "الجاهر بالقرآن ... " إلى آخره. أقول: قال الترمذي (¬1): ومعنى هذا الحديث أن الذي يسر بقراءة القرآن أفضل من الذي يجهر به؛ لأن صدقة السر أفضل عند أهل العلم من صدقة العلانية, وإنما معنى هذا عند أهل العلم لكي يأمن الرجل من العجب؛ لأن الذي يسر بالعمل لا يخاف عليه العجب ما يخاف عليه في العلانية. انتهى كلامه. قوله: "أخرجه الترمذي (¬2) " قال: هذا حديث حسن غريب. 10 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ الله! أَيُّ الْأَعْمَالَ أَحَبُّ إِلَى الله تَعَالَى؟ قَالَ: "الْحَالُّ الْمُرْتَحِلُ". قَالَ: وَمَا الْحَالُّ الْمُرْتَحِلُ؟ قَالَ: "الَّذِي يَضْرِبُ مِنْ أَوَّلِ الْقُرْآنِ إِلَى آخِرِهِ, كُلَّمَا حَلَّ ارْتَحَلَ (¬3) ". [ضعيف] قوله: "كلما حل ارتحل". أقول: في النهاية (¬4): هو الذي يختم تلاوة القرآن ثم يفتتح التلاوة من أوله شبهه بالمسافر يبلغ المنزل فيحل فيه, ثم يفتتح سيره أي: يبتديه، وكذلك قرّاءُ أهل مكة إذا ختموا القرآن بالتلاوة ابتدؤوا، فقرءوا الفاتحة، وخمس آيات إلى قوله: "المُفْلِحُون". من أول سورة البقرة، ويقطعون القراءة ويسمون فاعل ذلك الحال المرتحل، أي: أنه ختم القرآن، وابتدأ بأوله ولم يفصل بينهما بزمان. وقيل: أراد بالحال المرتحل الغازي الذي لا ينفتل من غزوة إلا عقبها بأخرى، انتهى من النهاية. ¬

_ (¬1) في "السنن" (5/ 181). (¬2) في "السنن" (5/ 180). (¬3) أخرجه الترمذي في "السنن" (2948)، وهو حديث ضعيف. (¬4) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 421).

إلا أنه قال ابن القيم: إن فعل أهل مكة بدعة. قوله (1): "أخرجه الترمذي". قلت: ثم قال (¬1): هذا حديث غريب لا نعرفه عن ابن عباس إلا من هذا الوجه ثم ساق [239 / ب] سنده إلى ابن أبي أوفى عنه - صلى الله عليه وسلم - ولم يذكر فيه عن ابن عباس ثم قال: وهذا عندي أصح من حديث نصر بن علي عن الهيثم بن الربيع. انتهى. ويريد برواية نصر هي رواية ابن عباس فالحديث قد ثبت عن ابن أبي أوفى عنه - صلى الله عليه وسلم -. 11 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "يَقُولُ الله تبَارَكَ وَتَعَالَى: مَنْ شَغَلَهُ الْقُرآنُ عَنْ مَسْأَلَتِي أَعْطَيْتُهُ أَفْضَلَ مَا أُعْطِى السَّائِلِينَ" (¬2). أخرجهما الترمذي. [ضعيف جداً]. قوله: "أفضل ما أعطي السائلين". أقول: تمامه في الترمذي: "وفضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه". ثم قال (¬3): هذا حديث حسن. 12 - وَعَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذٍ الْجُهَنِيِّ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ وَعَمِلَ به أُلْبِسَ وَالِدَاهُ تَاجًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ, ضَوْؤُهُ أَحْسَنُ مِنْ ضَوْءِ الشَّمْسِ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ الدُّنْيَا لَوْ كَانَتْ فيه, فَمَا ظَنُّكُمْ بِالَّذِي عَمِلَ به". أخرجه أبو داود (¬4). [ضعيف]. ¬

_ (¬1) أي: الترمذي في "السنن" (5/ 198). (¬2) أخرجه الترمذي في السنن رقم (2926) وهو حديث ضعيف جداً. (¬3) في "السنن" (5/ 184). (¬4) في "السنن" رقم (1453) وهو حديث ضعيف.

13 - وَعَنْ عَليِّ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فَاسْتَظْهَرَهُ, فَأَحَلَّ حَلاَلَهُ وَحَرَّمَ حَرَامَهُ, أَدْخَلَهُ اللهُ تَعَالَى الْجَنَّةَ، وَشَفَّعَهُ فِي عَشَرَةٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ كُلُّهُمْ قَدْ وَجَبَتْ لَهُ النَّارُ". أخرجه الترمذي (¬1). [صحيح]. ومعنى "استظهره" حفظه عن ظهر قلبه. قوله: "وعن علي" إلى قوله: "أخرجه الترمذي". قلت: وقال (¬2) عقب إخراجه: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وليس له إسناد صحيح، وحفص (¬3) بن سليمان أبو عمر [ونزار كوفي (¬4)] (¬5) يضعف في الحديث. 14 - وَعَنْ عبد الله بْنِ عَمْرٍو بْن الْعَاصَ - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: "يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ؛ اقْرَأْ وَارْقَ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا، فَإِنَّ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَؤُهَا". أخرجه البخاري (¬6) والترمذي (¬7). 15 - وَعَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "الْمَاهِرُ بِالْقُرْآنِ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ, وَالَّذِي يَقْرَأُ الْقُرآنَ وَيَتَتَعْتَعُ فِيهِ وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ لَهُ أَجْرَانِ". ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (2905). قلت: وأخرجه ابن ماجه رقم (216) وهو حديث ضعيف. (¬2) أي الترمذي في "السنن" (5/ 172). (¬3) انظر "ميزان الاعتدال" (1/ 558). (¬4) كذا في المخطوط، والصواب البزار كوفي، انظر "ميزان الاعتدال" (1/ 558). (¬5) زيادة من المخطوط ولم أقف عليها في السنن للترمذي (5/ 172). (¬6) لم يخرجه البخاري. (¬7) في "السنن" رقم (2914). قلت: وأخرجه أبو داود رقم (1464) وهو حديث صحيح.

أخرجه الخمسة إلا النسائي (¬1). [صحيح]. قوله: "الماهر". أقول: [هو] (¬2) الحاذق بالقراءة "والذي يقرأه وهو عليه شديد شاق له أجران". هذان بيان ما لمن تشق عليه القراءة، وأما الماهر فالمضاعفة لحسناته لا تحصى. قوله (¬3): "أخرجه الترمذي". قلت: وقال: هذا حديث حسن صحيح. 16 - وَعَنْ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ - رضي الله عنه - قَالَ: بَيْنَمَا هُوَ يَقْرَأُ مِنَ اللَّيْلِ سُورَةَ الْبَقَرَةِ وَفَرَسُهُ مرْبُوطَةٌ عِنْدَهُ إِذْ جَالَتِ الْفَرَسُ فَسَكَتَ فَسَكَنَتْ، فَقَرَأَ: فَجَالَتِ، فَسَكَتَ فَسَكَنَتْ الْفَرَسُ، ثُمَّ قَرَأَ فَجَالَتِ، وَكَانَ ابْنُهُ يَحْيَى قَرِيبًا مِنْهَا فانْصَرَفَ فَأَخَّرَهُ؛ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَإِذَا مثْلُ الظُّلّةِ فِيْهَا أَمْثَالُ المَصَابِيْحُ، فَلَمَّا أَصْبَحَ حَدَّثَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "وَتَدْرِى مَا ذَاكَ؟ ". قَالَ: لاَ. قَالَ: "تِلْكَ الْمَلاَئِكَةُ دَنَتْ لِصَوْتِكَ، وَلَوْ قَرَأْتَ لأَصْبَحَتْ يَنْظُرُ النَّاسُ إِلَيْهَا لاَ تَتَوَارَى مِنْهُمْ". أخرجه البخاري (¬4) ولمسلم (¬5) عن الخدري بمعناه. [صحيح]. قوله في حديث أسيد بن حضير في البخاري: "فقال - صلى الله عليه وسلم -: اقرأ (¬6) يا أسيد". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (4937) ومسلم رقم (798) وأبو داود رقم (1455) والترمذي رقم (2904) والنسائي في الكبرى رقم (8045) وابن ماجه رقم (3779). وهو حديث صحيح. (¬2) زيادة من (أ). (¬3) أي الترمذي في "السنن" (5/ 177) أي: حديث عبد الله بن عمرو. (¬4) في صحيحه رقم (5018). (¬5) في صحيحه رقم (796). (¬6) كذا في المخطوط، والذي في البخاري رقم (518) (اقرأ يا ابن حضير، اقرأ يا ابن حضير).

وقال الحافظ (¬1) ابن حجر: كان ينبغي أن تستمر على قرائتك، وليس أمراً له بالقراءة في حالة الحديث، وكان استحضر سورة الحال فصار كأنه حاضر عنده [63/ أ] لما رأى ما رأى فكأنه يقول: [240/ ب] استمر على قرائتك فتستمر لك البركة بنزول الملائكة واستماعها لقرائتك وفهم أسيد ذلك. قوله: "تلك الملائكة". قال النووي (¬2) فيه: في هذا الحديث جواز رؤية آحاد الأمة للملائكة كذا أطلق وهو صحيح لكن الظاهر التقييد بالصالح حفظاً والصوت الحسن. قوله: "ولو قرأت ... " إلى آخره. قال ابن حجر (¬3): لأن الملائكة لاستغراقهم في الاستماع كانوا يستمرون على عدم الاختفاء الذي هو من شأنهم، وفيه منقبة لأسيد بن حضير، وفضل قراءة سورة البقرة في صلاة الليل، وفضل الخشوع في الصلاة (¬4). 17 - وَعَنِ البرَاءِ - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَ رَجُلٌ يَقْرَأُ سُورَةَ الْكَهْفِ وَعِنْدَهُ فَرَسٌ مَرْبُوطَةٌ بِشَطَنَيْنِ فتَغَشَّتْهُ سَحَابَة فَجَعَلَتْ تَدْنُو وَجَعَلَ فَرَسُهُ يَنْفِرُ مِنْهَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ أَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ: "تِلْكَ السَّكِينَةُ تَنَزَّلَتْ لِلْقُرْآنَ". أخرجه الشيخان (¬5) والترمذي (¬6). "والشطَن" الحبل. [صحيح]. ¬

_ (¬1) في فتح الباري (9/ 64). (¬2) في شرحه لصحيح مسلم (6/ 82). (¬3) في "فتح الباري" (9/ 64). (¬4) وفيه أن التشاغل بشيء من أمور الدنيا ولو كان من المباح قد يفوت الخير الكثير، فكيف لو كان بغير الأمر المباح. (¬5) البخاري رقم (3614) ومسلم في صحيحه رقم (795). (¬6) في "السنن" رقم (2885).

قوله في حديث البراء: "كان رجل" قيل: هو أسيد بن حضير المذكور في الحديث قبل هذا إلا أن هذا في قراءة سورة الكهف، وحديث أسيد في قراءة البقرة، وهذا [ظاهره] (¬1) التعدد. قوله: "شطنين"، مثنى شطن (¬2) بفتح المعجمة وهو الحبل، وقيل: بشرط طوله. قوله: "تنفر" بنون وفاء ومهملة، ووقع في رواية مسلم "تنقز" بقاف فزاي. قوله: "السكينة"، روى الطبري (¬3) وغيره (¬4) عن علي - عليه السلام - قال: هي ريح هفافة [241/ ب] لها وجه كوجه الإنسان، وقيل: لها رأسان. وفيها أقوال ذكرها في فتح الباري (¬5) وقال: والذي يظهر أنها متولة بالاشتراك على هذا المعاني فتحمل في كل موضع وردت على ما يليق بحديث الباب. قال النووي (¬6): المختار أنها شيء من المخلوقات فيه طمأنينة ورحمة ومعه الملائكة. 18 - وَعَنْ أَبِي مُوسَى - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَثلُ الأُتْرُجَّةِ: رِيحُهَا طَيِّبٌ، وَطَعْمُهَا طَيِّبٌ، وَمَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي لاَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَثَلُ التَّمْرَةِ طَعْمُهَا طَيِّبٌ ولاَ رِيحَ لهَا، وَمَثَلُ الْفَاجِرِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلُ الرَّيْحَانَةِ رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا ¬

_ (¬1) زيادة من (أ). (¬2) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 869)، "لمجموع المغيث" (2/ 199). (¬3) في "جامع البيان" (4/ 467). (¬4) كعبد الرزاق في تفسيره (1/ 100، 101)، والحاكم في المستدرك (2/ 460) والبيهقي في الدلائل (4/ 167). (¬5) (9/ 57 - 58). (¬6) في شرحه لصحيح مسلم (6/ 82).

مُرٌّ، وَمَثَلُ الفاجر الَّذِي لاَ يَقْرَأُ الْقُرآنَ كَمَثَلِ الْحَنْظَلَةِ طَعْمُهَا مُرٌّ ولا رِيحٌ لهَا". أخرجه الخمسة (¬1). [صحيح]. قوله في حديث أبي موسى: "مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن ... " إلى آخره. قوله: "الأترجة (¬2) " بضم الهمزة والراء بينهما مثناة ساكنة، وآخره جيم ثقيلة، وقد تخفف ويزاد قبلها نون ساكنة، ويقال: بحذف الألف مع الوجهين فتلك أربع لغات. قوله: "طعمها طيب وريحها طيب"، مثل صفة الإيمان وصفة التلاوة بالريح؛ لأن الإيمان ألزم للمؤمن من القرآن إذ يمكن حصول الإيمان بدون القراءة، وكذلك الطعم ألزم للجوهر من الريح فقد تذهب ريح الجوهر ويبقى طعمه، ثم قيل: الحكمة في تخصيص الأترجة دون غيرها من الفاكهة التي تجمع طيب الطعم والريح كالتفاحة أنه يتداوى بقشرها وهو مفرح بالخاصية، ويستخرج من حبها دهن له منافع، وقيل: إن الجن لا تقرب البيت الذي فيه الأترج فناسب أن يمثل به القرآن الذي لا يقربه الشيطان، وفيها منافع أخرى. وفي الحديث فضيلة حامل القرآن وضرب المثل للتقريب للفهم وغير ذلك. 19 - وَعَنْ عُثْمَانَ - رضي الله عنه - أَنَّ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ". أخرجه البخاري (¬3)، وأبو داود (¬4)، والترمذي (¬5). [صحيح]. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (5020) ومسلم رقم (797) وابن ماجه رقم (214) والنسائي (8/ 124 - 125). (¬2) انظر "تهذيب اللغة" للأزهري (11/ 13). (¬3) في صحيحه رقم (5027). (¬4) في "السنن" رقم (1452). (¬5) في "السنن" رقم (2908). قلت: وأخرجه ابن ماجه رقم (211) والنسائي في "فضائل القرآن" رقم (61). وهو حديث صحيح.

قوله في حديث عثمان: "خيركم من تعلم القرآن وعلمه". أقول: ظاهره استواء العالم والمتعلم في الخيرية، ويحتمل أن المعلم أكثر خيرية بأدلة [242/ ب] أخرى، وفي رواية: "أو علمه". قال ابن حجر (¬1): إنها للتنويع لا للشك، قال: فإن قيل: فيلزم أن يكون المقرئ أفضل ممن هو أعظم عناء في الإسلام بالمجاهدة والرباط والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مثلاً. قلنا: حرف المسألة يدور على النفع المتعدي فمن كان حصوله عنه أكثر كان أفضل، ويمكن أن تكون الخيرية، وإن أطلقت لكنها مقيدة بناس مخصوصين خوطبوا بذلك كان اللائق بحالهم ذلك، ثم هو مخصوص بمن علم وتعلم حيث يكون قد علم ما يجب عليه عيناً. 20 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّ الَّذِي لَيْسَ فِي جَوْفِهِ شَيْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ كَالْبَيْتِ الْخَرِب". أخرجه الترمذي (¬2) وصححه. قوله: في حديث ابن عباس "كالبيت [الخرب] (¬3) " يريد أنه كما لا ينتفع بالبيت الخرب فمن لم يكن في جوفه شيء من القرآن يحفظه لا نفع فيه لنفسه ولا لغيره. قوله: "أخرجه الترمذي". قلت: وقال (¬4): هذا حديث حسن صحيح. 21 - وَعَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَا مِنِ امْرِئٍ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ ثُمَّ يَنْسَاهُ إِلاَّ لَقِيَ الله يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَجْذَمَ". أخرجه أبو داود (¬5). [ضعيف]. ¬

_ (¬1) في "فتح الباري" (9/ 66 - 67). (¬2) في "السنن" رقم (2913) وهو حديث ضعيف. (¬3) زيادة من (أ). (¬4) أي: الترمذي في "السنن" (5/ 177). (¬5) في "السنن" رقم (1474) وهو حديث ضعيف.

قوله في حديث سعد: "ثم ينساه إلا لقي الله يوم القيامة أجذم". المراد تعرض لأسباب نسيان ألفاظه بالإعراض عن معاودة التلاوة؛ لأن نفس النسيان غير مقدور للعبد دفعه، وقيل: نسي العمل به, وقد عدوا نسيان القرآن من الكبائر كما في كتاب الزواجر (¬1) في الكبائر كما يفيده حديث أنس بعد هذا، وهو قوله: 22 - وَعَنْ أَنَسِ - رضي الله عنه - أَنَّ النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "عُرِضَتْ [عَلَيَّ أُجُورُ أُمَّتِي] (¬2) حَتَّى الْقَذَاةُ يُخْرِجُهَا الرَّجُلُ مِنَ الْمَسْجِدِ، وَعُرِضَتْ عَلَيَّ ذُنُوبُ أُمَّتِي فَلَمْ أَرَ فِيْهَا ذَنْبًا أَعْظَمَ مِنْ سُورَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ أَوْ آيَةٍ أُوتِيَهَا رَجُلٌ ثُمَّ نَسِيَهَا". أخرجه أبو داود (¬3) والترمذي (¬4). [ضعيف] قوله: "أخرجه"، أي: حديث أنس. "أبو داود والترمذي". قلت: وقال الترمذي (¬5): هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وذاكرت به محمد بن إسماعيل فلم يعرفه واستغربه [243/ ب] قال محمد: ولا أعرف للمطلب (¬6) بن عبد الله بن حنطب سماعاً من أحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا قوله: حدثني من سمع خطبة النبي - صلى الله عليه وسلم - وسمعت عبد الله بن عبد الرحمن يقول: لا نعرف للمطلب سماعاً من أحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قال عبد الله: وأنكر علي بن المديني أن يكون المطلب سمع من أنس. ¬

_ (¬1) "الزواجر عن اقتراف الكبائر" للهيثمي. (1/ 256) الكبيرة الثامنة والستون. (¬2) زيادة من "جامع الأصول". (¬3) في "السنن" رقم (461). (¬4) في "السنن" رقم (2916)، وهو حديث ضعيف. (¬5) في "السنن" (5/ 179). (¬6) المطلب بن عبد الله بن المطلب بن حنطب المخزومي، صدوق، كثير التدليس والإرسال، "التقريب" (2/ 254).

23 - وعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ - رضي الله عنهما -: أَنَّهُ مَرَّ عَلَى قَارِئٍ يَقْرَأُ الْقُرْآن ثُمَّ يَسْأَل النَّاسَ بِهِ فَاسْتَرْجَعَ، وقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فَلْيَسْأَلِ الله تَعَالَى فَإِنَّهُ سَيَجِيءُ أَقْوَامٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ وَيَسْأَلُونَ بِهِ النَّاسَ" (¬1). [ضعيف] قوله في حديث عمران بن حصين: "فليسأل الله". [64 / أ]. قال الطيبي (¬2): يحتمل وجهين: أنه كلما قرأ آية رحمة سألها من الله، وكلما قرأ آية عذاب يتعوذ منها إلى غير ذلك. والثاني: أنه يدعو بعد الفراغ من القراءة بالأدعية المأثورة. انتهى. قلت: كأنه قيد بالمأثورة؛ لأنها أولى وإلا فالسؤال في الحديث مطلق. قوله: "أخرجهما الترمذي". أقول: وقال (¬3) عقيب (¬4) الأول: وقال محمود هذا خيثمة البصري الذي روى عنه جابر الجعفي، وليس هو خيثمة بن عبد الرحمن، هذا حديث حسن، وخيثمة هذا شيخ بصري يكنى أبا نصر قد روى عن أنس بن مالك أحاديث، وقد روى جابر الجعفي عن خيثمة هذا أيضاً. انتهى كلامه على الأول. 24 - وَعَنْ صُهَيْبٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا آمَنَ بِالْقُرْآنِ مَنِ اسْتَحَلَّ مَحَارِمَهُ" (¬5). أخرجهما الترمذي. [ضعيف] ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي في "السنن" رقم (2917). قلت: وأخرجه أحمد (4/ 432 - 436، 439، 445)، وهو حديث ضعيف. (¬2) في شرح الطيبي على مشكاة المصابيح (4/ 355). (¬3) أي الترمذي في "السنن" (5/ 179 - 180). (¬4) رقم (3917). (¬5) أخرجه الترمذي في "السنن" رقم (2918) وهو حديث ضعيف.

وقال (¬1) في الثاني (¬2) الذي فيه: من استحل محارمه. قال الطيبي (¬3): من استحل ما حرمه الله في القرآن فإنه كفر مطلقاً وخص ذكر القرآن لعظمته وجلالته. فقال الترمذي (¬4) - بعد سياقه للحديث -: وقد روى محمد بن يزيد بن سنان هذا الحديث عن أبيه، فزاد في هذا الإسناد عن مجاهد، عن سعيد بن المسيب عن صهيب، ولا يتابع محمد بن يزيد على روايته وهو ضعيف، وأبو المبارك هو رجل مجهول. هذا حديث ليس إسناده بذاك. انتهى. 25 - وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: "نَهَى أَنْ يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ". أخرجه الثلاثة (¬5) وأبو داود (¬6). [صحيح]. قوله في آخر حديث [244/ ب] في الباب: "نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو" أي: الكفار لئلا يقع في أيديهم فيهينونه، وهذا من باب سد الذرائع. والنهي أصله التحريم، قال مالك: وإنما ذلك مخافة أن يناله العدو. ولمسلم (¬7) أن رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تسافروا بالقرآن فإني لا آمن أن يناله العدو". ¬

_ (¬1) في "السنن" (5/ 180). (¬2) أي الحديث رقم (2918). (¬3) في "شرح الطيبي على مشكاة المصابيح" (4/ 355). (¬4) في "السنن" (5/ 180). (¬5) البخاري في صحيحه رقم (2990) ومسلم رقم (1869) ومالك في الموطأ (2/ 446 رقم 7). (¬6) في "السنن" رقم (2610). (¬7) في صحيحه رقم (94/ 1869).

وفي أخرى (¬1): "إني أخاف أن يناله العدو". قال أيوب: فقد ناله العدو، وخاصموكم. انتهى. زاده ابن الأثير في الجامع (¬2). انتهى المجلد الأول من كتاب "التحبير لإيضاح معاني التيسير" ويليه المجلد الثاني، وأوله: "الباب الثاني: في أسباب النزول" ¬

_ (¬1) في صحيحه رقم (93/ 1869). (¬2) (8/ 511).

التَّحبير لإيضَاح مَعَاني التَّيسير (*) تَأليف العَلاّمَة محمَّد بن إسمَاعيل الأمير حَقّقه وعَلقّ عَليه وَخَرّجَ أحَاديثَه وَضبَط نصَّه محَمَّد صُبْحي بن حَسَن حَلّاق أبو مصعب الجُزء الثاني مَكتَبَةُ الرُّشد ناشرون

_ (*) العنوان في (أ): التحبير حاشية التيسير. وفي (ج): التحبير شرح التيسير. والمثبت من المخطوط (ب).

جميع الحقوق محفوظة الطبعة الأولى 1433 هـ - 2012 م مَكتَبَةُ الرُّشد - ناشرون المملكة الْعَرَبيَّة السعودية - الرياض الإدارة: مركز البستان - طريق الملك فهد هاتف 4604818 ص. ب. 17522 الرياض 11494 - فاكس 4602497 E-mail:[email protected] Website:www.rushd.com.sa فروع المكتبة داخل المملكة - الرياض: المركز الرئيسي: الدائري الغربي، بين مخرجي 27 و28 هاتف: 4329332 - الرياض: فرع طريق عثمان بن عفان، هاتف: 2690444 - 2051500 - فرع مكة المكرمة: شارع الطائف هاتف: 5585401 فاكس: 5583506 - فرع المدينة المنورة: شارع أبي ذر الغفاري هاتف: 8340600 فاكس: 8383427 - فرع جدة: مقابل ميدان الطائرة هاتف: 6776331 فاكس: 6776354 - فرع القصيم: بريدة - طريق المدينة هاتف: 3242214 فاكس: 3241358 - فرع أبها: شارع الملك فيصل: هاتف: 2317307 فاكس: 2242402 - فرع الدمام: شارع الخزان هاتف: 8150566 فاكس: 8418473 - فرع حائل: هاتف: 5322246 فاكس: 5662246 - فرع الإحساء: هاتف: 5813028 فاكس: 5813115 - فرع تبوك: هاتف: 4241640 فاكس: 4238927 - فرع القاهرة: شارع إبراهيم أبو النجا - مدينه نصر: هاتف: 22728911 - فاكس: 22712625 مكاتبنا بالخارج - القاهرة: مدينة نصر هاتف: 2744605 - موبايل: 01001622653 - بيروت: بئر حسن موبايل: 554353/ 03 - تلفاكس: 462895/ 05

التَّحبير لإيضَاح مَعَاني التَّيسير - 2 - الجُزء الثّاني

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الباب الثاني: في أسباب النزول

الباب الثاني: في أسباب النزول وما يتعلق بالسور والآيات من الفضائل، وهو مرتب على نظم السور (الباب الثاني): (فاتحة الكتاب) 1 - عن أبي سعيد بن المعلى - رضي الله عنه - قَالَ: كُنْتُ أُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ فَدَعَانِي رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فَلَمْ أُجِبْهُ، ثُّمَّ أَتَيْتُه، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله! إِنِّي كُنْتُ أُصَلِّي، فَقَالَ: "أَلمْ يَقُلِ الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ} , ثُمَّ قَالَ: أَلاَ أَعَلِّمكَ سُورَةً هِيَ أَعْظَمُ السُّوَرِ فِي الْقُرْآنِ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ مِنَ الْمَسْجِدِ". ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ قُلْتُ: أَلَمْ تَقُلْ: "لأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً هِيَ أَعْظَمُ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ". قَالَ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2)} هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُوتِيتُهُ". أخرجه البخاري (¬1)، وأبو داود (¬2)، والنسائي (¬3). [صحيح] قوله: "عن أبي سعيد بن المعلى" اختلف في اسمه فقيل: رافع، وقيل: الحارث، وقواه ابن عبد البر (¬4) ووهى الذي قبله، وليس لأبي سعيد هذا في البخاري سوى هذا الحديث. فائدة: قال الحافظ (¬5): نسب الغزالي والفخر الرازي وتبعه البيضاوي هذه القصة لأبي سعيد الخدري، وهو وهم وإنما هو أبو سعيد بن المعلى. ¬

_ (¬1) في صحيحه رقم (4474، 4647، 4703، 5006). (¬2) في "السنن" رقم (1458). (¬3) في "السنن" رقم (913). (¬4) في "التمهيد" (3/ 141). (¬5) في "الفتح" (8/ 157).

قوله: "ألم يقل الله استجيبوا". أقول: قيل: كأنه تأول أن من هو في الصلاة خارج عن هذا الخطاب وقد ذكر جماعة من العلماء أن إجابة النبي - صلى الله عليه وسلم - فرض يعصي المرء بتركه، ثم للشافعية خلاف بعد قولهم بوجوبه أنه هل تبطل الصلاة بترك إجابته - صلى الله عليه وسلم - أم لا؟ قوله: "هي أعظم السور". قال ابن التين (¬1): إن ثوابها أعظم من غيرها واستدل به على جواز تفضيل بعض القرآن على بعض قيل: وفي الحديث، ويدل على أن الأمر للفور؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - عاتب [245 / ب] [أبا سعيد (¬2)] على تأخير إجابته، وفيه استعمال صيغ العموم في الأحوال كلها. قال الخطابي (¬3): إن حكم اللفظ العام أن يجري على جميع مقتضاه، وأن الخاص والعام إذا تقابلا كان العام منزلاً على الخاص؛ لأن الشارع جزم الكلام في الصلاة على العموم ثم استثنى منه إجابة النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة. قوله: "السبع المثاني". [قال ابن الأثير (¬4)] (¬5): لأنها تثنى في كل ركعة. 2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ - رضي الله عنه - وَهُوَ يُصَلِّي وَذَكَر نحوه. وفيه: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا أُنْزِلَتْ فِي التَّوْرَاة , وَلاَ فِي الإِنْجِيلِ، وَلاَ فِي الزَّبُورِ، وَلاَ ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (8/ 158). (¬2) في (أ) سعيداً. (¬3) في أعلام الحديث (3/ 1797). (¬4) في "جامع الأصول" (8/ 511 - 512). (¬5) في (ب) مكررة.

فِي الْفُرْقَانِ مِثْلُهَا، وَإِنَّهَا سَبع مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُعْطِيتُهُ". أخرجه الترمذي (¬1) وصححه. [صحيح] وزاد في أخرى (¬2) له وللنسائي (¬3): "وَهِيَ مَقْسُومَةٌ بَيْني وَبَيْنَ عَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ". قوله في حديث أبي هريرة. "نحوه". [صحيح] أقول: لفظه في الجامع (¬4) أن رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - خرج على أبي بن كعب وهو يصلي فقال له رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "يا أُبي"، فالتفت أبي ولم يجبه وصلى وخفف، ثم انصرف فقال: السلام عليك يا رَسُولُ الله، فقال: "وعليك السلام، ما منعك أن تجيبني إذ دعوتك" قال: كنت في صلاة. قال: "فلم تجد فيما أوحي أن: {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ}، قال: لا أعود إن شاء الله، ثم ساق الحديث بمثل الأول. قوله: "مثلها". قال ابن حبان (¬5): معناه لا يعطى القارئ التوراة والإنجيل من الثواب مثلما يعطى القارئ للفاتحة. قوله: "أخرجه الترمذي". قلت: وقال (¬6): حديث حسن صحيح. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (2875) وهو حديث صحيح. (¬2) في "السنن" رقم (3125) وهو حديث صحيح. (¬3) في "السنن" رقم (914) وهو حديث صحيح. (¬4) (8/ 511). (¬5) في صحيحه (3/ 54). (¬6) أي الترمذي في "السنن" (5/ 297).

3 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: "بَيْنَمَا جِبْرِيلُ - عليه السلام - قَاعِدٌ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - إذ سَمِعَ نَقِيضًا مِنْ فَوْقِهِ فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: هَذَا بَابٌ مِنَ السَّمَاءِ فُتِحَ الْيَوْمَ لَمْ يُفْتَحْ قَطُّ إِلاَّ الْيَوْمَ فَنَزَلَ مِنْهُ مَلَكٌ فَقَالَ: هَذَا مَلَكٌ نَزَلَ إِلَى الأَرْضِ لَمْ يَنْزِلْ قَطُّ إِلاَّ الْيَوْمَ فَسَلَّمَ وَقَالَ: أَبْشِرْ بِنُورَيْنِ أُوتِيتَهُمَا لَمْ يُؤْتَهُمَا نَبِيٌّ قَبْلَكَ فَاتِحَةُ الْكِتَابِ وَخَوَاتِيمُ سُورَةِ الْبَقَرَة, لَمْ تَقْرَأَ بِحَرْفٍ مِنْهُمَا إِلاَّ أُعْطِيتَهُ". أخرجه مسلم (¬1) والنسائي (¬2). [صحيح] "والنقيض" الصوت. 4 - وَعَنْ عَدِيّ بْن حَاتِمٍ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "المَغْضُوْبُ عَلَيْهِمْ: اليَهُودُ, والضَّالِينَ: النَّصَارَى". أخرجه الترمذي (¬3). قوله: "المغضوب عليهم: اليهود". قلت: لقوله تعالى: [246/ ب] {مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ} (¬4). [حسن] "والضالون: النصارى" لقوله تعالى: {قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ (77)} (¬5)، ولا يخفى أن كلاً من الفريقين يتصف بالضلال والغضب فإن من ¬

_ (¬1) في صحيحه رقم (254/ 806). (¬2) في "السنن" رقم (911). (¬3) في "السنن" رقم (2953)، وهو حديث حسن. قلت: وأخرجه أحمد (4/ 378) وابن حبان في صحيحه رقم (7206) والطبراني في "الكبير" رقم (236، 237) والبيهقي في الدلائل (5/ 339 - 340). (¬4) سورة المائدة الآية 60. (¬5) سورة المائدة الآية 77.

(سورة البقرة)

غضب الله عليه قد ضل وإلا لما غضب عليه، ومن ضل فقد غضب الله عليه، ومن ضل فقد غضب الله عليه، وإنما اختصت كل طائفة [65/ أ]، بصفة هي أعرق في الاتصاف بها. قوله: "وخواتيم [سورة] (¬1) البقرة". قال المطهري: هما: "آمَنَ الرَّسُولُ" إلى آخر السورة. [قوله: "كفتاه". قيل: عن قيام الليل. وقيل: من شر الجن والإنس] (¬2) قوله: "أخرجه الترمذي". قلت: وقال: حسن صحيح. (سورة البقرة) قوله: "سورة البقرة": 1 - عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيُّ - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعاً لأَصْحَابِهِ واقْرَءُوا الزَّهْرَاوَيْنِ الْبَقَرَةَ وآلِ عِمْرَانَ فَإِنَّهُما يَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُما غَمَامَتَانِ أَوْ غَيَايَتَانِ أَوْ كَأَنَّهُما فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ تُحَاجَّانِ عَنْ أَصْحَابِهِمَا، اقْرَءُوا الْبَقَرَةِ فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ, وَتَرْكهَا حَسْرَةٌ، وَلاَ تَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ". أخرجه مسلم (¬3). [صحيح] قيل: "البَطَلة" السَّحَرَةُ. ¬

_ (¬1) زيادة من (ب). (¬2) في حاشية (ب) ما نصه: لا أدري لم جاء بهذا المقطع هنا. (¬3) في صحيحه رقم (252/ 804).

زاد في (¬1) رواية: مَا مِنْ عَبْدٍ يَقْرَأ بَهَا فِي رَكْعَةٍ قَبْلَ أَنْ يَسْجُدَ ثُمَّ يَسْأَلُ الله تَعَالَى حَاجَةً إِلّا أَعْطَاهُ إِنْ كَادَتْ لَتَسْتَحْصِى الْقُرآنَ كُلَّهُ. "الغيابة" كُلَّ شِيءٍ أَظَلّ الْإِنْسَان فَوق رَأْسه كالسّحَابَة وَغيْرهَا. قوله: "الزهراوين". قال ابن الأثير (¬2): لون أزهر أي نير، والزهرة البياض النير وهو أحسن الألوان البيض. "غمامتان"، الغمامة السحابة, والجمع الغمائم. قوله: "غيايتان (¬3) " بالغين المعجمة كل شيء أظل الإنسان أو غيره من فوقه وهي كالسحابة، والمراد: أن السورة كالشيء الذي يظل الإنسان من الأذى في الحر والبرد وغيرهما. قوله: "فرقان"، الفرق: الجماعة المنفردة من الغنم والطير ونحو ذلك. قوله: "صواف (¬4) "، الصواف: جمع صافِّة وهي التي تصف أجنحتها عند الطيران. قوله: "تحاجان" المحاجة: المخاصمة والمجادلة وإظهار الحجة. 2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: "بَعَثَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بَعْثًا وَهُمْ ذُو عَدَدٍ فَاسْتَقْرَأَهُمْ، فَقْرَأَ كُلُّ رَجُلٍ [مِنْهُمْ] مَا مَعَهُ مِنَ الْقُرْآنِ فَأتَى عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ مِنْ أَحْدَثِهِمْ سِنًّا فَقَالَ: "مَا مَعَكَ أنت يَا فُلاَنُ"، فَقَالَ: مَعِي كَذَا وَكَذَا، وَسُورَةُ الْبَقَرَةِ. قَالَ "أَمَعَكَ سُورَةُ الْبَقَرَةِ". قَالَ نَعَمْ. قَالَ "فَاذْهَبْ فَأَنْتَ أَمِيرُهُمْ". فَإِنَّها إِنْ كَادَتْ لَتَسْتَحْصِي الدين كله، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِهِمْ: وَالله يَا رَسُولَ الله مَا مَنَعَنِي يَا رَسُولُ الله! أَنْ أَتَعَلَّمَهَا إِلاَّ خَشْيَةَ أَلاَّ أَقُومَ بِمَا فِيْهَا. فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "تَعَلَّمُوا الْقُرْآنَ فَاقْرَءُوهُ وَأَقْرِئُوهُ وَقُومُوا به، فَإِنَّ مَثَلَ الْقُرْآنِ لِمَنْ تَعَلَّمَهُ ¬

_ (¬1) لم أقف على هذه الزيادة في صحيح مسلم. (¬2) في "جامع الأصول" (8/ 513)، وانظر النهاية (1/ 738). (¬3) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 335). (¬4) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 38).

فَقَرَأَهُ وَقَامَ بِهِ كمَثَلِ جِرَابٍ مَحْشُوٍّ مِسْكًا يَفُوحُ رِيحِهِ كُلُّ مَكَانٍ، وَمَثَلُ مَنْ تَعَلَّمَهُ وَرَقَدَ عَنْهُ وَهُوَ فِي جَوْفِهِ كَمَثَلِ جِرَابٍ أُوكِيَ عَلَى مِسْكٍ". أخرجه الترمذي (¬1). [ضعيف] "والإيكاء" الشدُّ. قوله [247/ ب] في حديث أبي هريرة: "بعث رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ... " الحديث. قال الترمذي (¬2) بعد إخراجه: هذا حديث حسن، وقد روي هذا الحديث عن سعيد المقبري عن عطاء مولى أبي أحمد، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلاً نحوه بمعناه, ولم يذكر عن أبي هريرة. وفي الباب عن أبي بن كعب. 3 - وَعَنْ النَّوَّاسَ بْنَ سَمْعَانَ - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "يُؤْتَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِالْقُرْآنِ وَأَهْلِهِ الَّذِينَ كَانُوا يَعْمَلُونَ بِهِ الدُّنْيَا تَقْدُمُهُ سُورَةُ الْبَقَرَةِ وَآلُ عِمْرَانَ". وَضَرَبَ لَهُمَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ثَلاَثَةَ أَمْثَالٍ مَا نَسِيتُهُنَّ بَعْدُ قَالَ: "كَأَنَّهُما غَمَامَتَانِ أَوْ ظُلَّتَانِ سَوْدَاوَانِ بَيْنَهُمَا شَرْقٌ، أَوْ كَأَنَّهُما فَرقَانِ مِنْ طيرٍ صَوَافَّ تُحَاجَّانِ عَنْ صَاحِبِهِمَا (¬3) ". "الشرق" الضوء. [صحيح] قوله في حديث النواس: "شرق"، بفتح الراء وإسكانها وهو الأشهر لغة. أي: بينهما فرجة (¬4)، قال الترمذي (¬5): هذا حديث حسن غريب. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (2876). وهو حديث ضعيف، والله أعلم. (¬2) في "السنن" (5/ 157). (¬3) أخرجه مسلم في صحيحه رقم (253/ 805) والترمذي في "السنن" رقم (2883) وهو حديث صحيح. (¬4) قال ابن الأثير في "غريب الجامع" (1/ 473) بينهما شرق، أي ضوء, والشرق: المشرق، والشرق: الشمس. (¬5) في "السنن" (5/ 160 - 161).

ومعنى هذا الحديث عند أهل العلم أنه يجيء ثواب قراءته، كذا فسره بعض أهل العلم، قال: وفي قوله: "وأهله الذين يعملون به في الدنيا"، ففي هذا دلالة أنه يجيء ثواب العمل. انتهى. قلت: هذا أحد التفاسير والآخر: أنه تعالى يجعل هذه المعاني والأعراض أجساماً يوم القيامة، وهو أقرب، وأدلته كثيرة. 4 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَقَابِرَ، إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنَ الْبَيْتِ الَّذِي تُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ". أخرجهما مسلم (¬1) والترمذي (¬2). [صحيح] 5 - وزاد مسلم (¬3) في هذا: وَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا قَضَى أَحَدُكُمُ الصَّلاَةَ فِي المَسْجِدِ فَلْيَجْعَلْ لِبَيْتِهِ نَصِيبًا مِنْ صَلاَتِهِ، فَإِنَّ الله تَعَالَى جَاعِلٌ فِي بَيْتِهِ مِنْ صَلاَتِهِ خَيْراً". 6 - وَعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - أَنَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ قَرَأَ بِالآيَتَيْنِ اللَّتَيْنِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ". أخرجه الخمسة (¬4) إلا النسائي. [صحيح] 7 - وَعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ الله كَتَبَ كِتَابًا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِأَلْفَيْ عَامٍ أَنْزَلَ مِنْهُ آيَتَيْنِ خَتَمَ بِهِما سُورَةَ الْبَقَرَةِ لاَ تُقْرَآنِ فِي دَارٍ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ فَيَقْرَبُهَا شَيْطَانٌ". أخرجه الترمذي (¬5). [صحيح] ¬

_ (¬1) في صحيحه رقم (212/ 780). (¬2) في "السنن" رقم (2877). وهو حديث صحيح. (¬3) في صحيحه رقم (210/ 778) من حديث جابر - رضي الله عنه -. (¬4) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (5040) ومسلم رقم (808)، والترمذي رقم (2881) وأبو داود رقم (1397) وهو حديث صحيح. (¬5) في "السنن" رقم (2882) وهو حديث صحيح.

8 - وَعَنْ أَبِي أَبُو هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -: "قِيلَ لِبَني إِسْرَائِيلَ {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ}، فَبَدَّلُوا فَدَخَلُوا الْبَابَ يَزْحَفُونَ عَلَى أَسْتَاهِهِمْ، وَقَالُوا: حَبَّةٌ فِى شَعَرَةٍ". أخرجه الشيخان (¬1) والترمذي (¬2). [صحيح] قوله: "وقالوا: حبة في شعرة". قال ابن الأثير (¬3): حطة فعلة من الحط، وهي مرفوعة على معنى أمرنا حطة، أي: حط عنا ذنوبنا. انتهى. {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ [248/ ب] لَهُمْ} (¬4). أي: غير ما أمروا به استهزاءً وسخريةً, فبدلوا الفعل بالزحف بأستاههم، وبدلوا القول، وهذا من تحريفهم الأفعال والأقوال الذي وصفهم الله به. قال الترمذي (¬5) إنه حديث حسن صحيح. 9 - وَعَن عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: "كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي سَفَرٍ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ فَلَمْ نَدْرِ أَيْنَ الْقِبْلَةُ، فَصَلَّى كُلُّ رَجُلٍ مِنَّا عَلَى حِيَالِهِ، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا ذَكَرْنَا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَنَزَلَت: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} ". أخرجه الترمذي (¬6). [حسن] المراد "بحياله" تلقاء وجهه. ¬

_ (¬1) البخاري في صحيحه رقم (3403، 4479 و4641) ومسلم رقم (3015). (¬2) في "السنن" رقم (2956). (¬3) في "جامع الأصول" (2/ 8). (¬4) سورة البقرة الآية 59. (¬5) في "السنن" (5/ 205). (¬6) في "السنن" رقم (2957). قلت: وأخرجه ابن ماجه رقم (1020) وهو حديث حسن.

قوله في حديث عامر بن ربيعة: "فنزلت: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} ". قال الترمذي (¬1) - عقيب إخراجه -: هذا حديث حسن صحيح، وقد روي عن قتادة (¬2) أنه قال في هذه الآية: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ}: هي منسوخة، نسخها قوله: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} أي: تلقاه، حدثنا بذلك محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب، ثنا يزيد بن زريع، عن سعيد، عن قتادة، ويروى عن مجاهد (¬3) في هذه الآية: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ}: فثمة قبلة الله، ثنا بذلك أبو كريب محمد بن العلاء قال: ثنا وكيع، عن النضر بن عربي، عن مجاهد بهذا [249/ ب]. 10 - وعَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - قَالَ: "يَا رَسُولَ الله لَوْ صَلَّيْنَا خَلْفَ الْمَقَامِ؟ فَنَزَلَتْ: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} ". أخرجه الشيخان (¬4)، والترمذي (¬5). [صحيح] قوله: "الشيخان والترمذي". قلت: وقال (¬6): هذا حديث حسن صحيح. ¬

_ (¬1) في "السنن" (5/ 205). (¬2) أخرجه الترمذي في "السنن" رقم (2958) وابن جرير في "جامع البيان" (2/ 451) وابن الجوزي في "ناسخه" (ص 145). (¬3) أخرجه الترمذي في "السنن" رقم (2958) وابن جرير في "جامع البيان" (2/ 457) وابن أبي حاتم في تفسيره رقم (1122). (¬4) البخاري في صحيحه رقم (4483) ومسلم في صحيحه رقم (2399). (¬5) في "السنن" رقم (2959) وهو حديث صحيح. (¬6) في "السنن" (5/ 206).

11 - وَعَنِ الْبَرَاءِ بْن عَازِبٍ - رضي الله عنهما - قال: "أَوَّلَ مَا قَدِمَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - الْمَدِينَةَ نَزَلَ عَلَى أَجْدَادِهِ أَوْ قَالَ: أَخْوَالِهِ مِنَ الأَنْصَارِ، وأَنَّهُ صَلَّى قِبَلَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا، أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، وَكَانَ يُعْجِبُهُ أَنْ تَكُونَ قِبْلَتُهُ قِبَلَ الْبَيْتِ، وَأَنَّهُ صَلَّى أَوَّلَ صَلاَةٍ صَلاَّهَا صَلاَةَ الْعَصْرِ، وَصَلَّى مَعَهُ قَوْمٌ، فَخَرَجَ رَجُلٌ مِمَّنْ صَلَّى مَعَهُ فَمَرَّ عَلَى أَهْلِ مَسْجِدٍ وَهُمْ رَاكِعُونَ فَقَالَ: أَشْهَدُ بِالله لَقَدْ صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - قِبَلَ الْكَعْبَةِ, فَدَارُوا كَمَا هُمْ قِبَلَ الْبَيْتِ، وَكَانَتِ الْيَهُودُ قَدْ أَعْجَبَهُمْ إِذْ كَانَ يُصَلِّي قِبَلَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَلَمَّا وَلَّى وَجْهَهُ قِبَلَ الْبَيْتِ أنكَرُوا ذَلِكَ. فَنَزَلَتْ: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} فَقَالَ السُّفَهاءُ وَهُمُ الْيَهُودُ: {مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (142)}. أخرجه الخمسة (¬1) إلا أبا داود. [صحيح] قوله في حديث البراء: "صلاة العصر"، وفي الرواية الأخرى: "صلاة الصبح"، قال الحافظ ابن حجر (¬2): اختلفت الرواية في الصلاة التي تحولت القبلة عندها، وكذا في المسجد، فظاهر حديث البراء أنها الظهر، قال: والجواب أنه لا منافاة بين الخبرين؛ لأن الخبر وصل وقت العصر إلى من هو داخل المدينة وهم بنو حارثة, وذلك كما في حديث البراء، والآتي إليهم بذلك عباد بن بشر وابن نهيك، ووصل الخبر وقت الصبح إلى من هو خارج المدينة، وهم بنو عمرو بن عوف، أهل قتادة هذا. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (40، 399، 4486، 4492) ومسلم رقم (525) والترمذي رقم (2962) وابن ماجه رقم (1010). (¬2) في "فتح الباري" (1/ 503).

وأما مسجد القبلتين فقال: إنه يقال: إن رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - زار أم بشر بنت البراء بن معرور في بني سلمة فصنعت له طعاماً وحانت الظهر فصلى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بأصحابه ركعتين ثم أمر فاستدار إلى الكعبة واستقبل الميزاب فسمي مسجد القبلتين. قال ابن سعد (¬1): قال الواقدي: هذا أحب عندنا. قوله: "وهم اليهود". أقول: السفهاء (¬2) جمع سفيه، وهو الخفيف العقل، وأصله من قولهم: ثوب سفيه، أي: خفيف النسج. قال ابن حجر (¬3): المراد بهم يعني هنا الكفار وأهل النفاق واليهود. أما الكفار فقالوا لما حولت [250/ ب] القبلة: رجع محمد إلى قبلتنا فسيرجع إلى ديننا فإنه علم أنا على الحق. وأما أهل النفاق فقالوا: إن كان محمداً أولاً على الحق فالذي انتقل إليه باطل، وكذلك العكس. وأما [66/ أ] اليهود فقالوا: خالف قبلة الأنبياء، ولو كان نبياً لما خالف. فلما كثرت أقاويل هؤلاء السفهاء أنزلت هذه الآية من قوله تعالى: {مَا نَنسَخْ} إلى قوله: {فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي} (¬4) الآية. ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (1/ 503). (¬2) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (1/ 784). "غريب الحديث" للهروي (1/ 316). (¬3) في "فتح الباري" (8/ 171). (¬4) سورة البقرة الآية 106 - 150.

12 - وفي أخرى لمسلم (¬1) وأبي داود (¬2) عن أنس: فَمَرَّ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ وَهُمْ رُكُوعٌ فِي صَلاَةِ الصُّبْحِ نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَقَالَ: أَلاَ إِنَّ الْقِبْلَةَ قَدْ حُوِّلَتْ إِلَى نَحْوِ الْكَعْبَةِ. مَرَّتَيْنِ. فَمَالُوا كَمَا هُمْ رُكُوعَاً إِلَى الْكَعْبَةِ. [صحيح] 13 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: "لَمَّا وُجِّهَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى الْكَعْبَةِ قَالُوا: يَا رَسُولَ الله! كَيْفَ بِإِخوَانِنَا الَّذِينَ مَاتُوا وَهُمْ يُصَلُّونَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ؟ فَأَنْزَلَ الله: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} ". أخرجه أبو داود (¬3) والترمذي (¬4) وصححه. [صحيح] 14 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "يَجِيءُ نُوحٌ وَأُمَّتُهُ فَيَقُولُ الله تَعَالَى: هلْ بَلَّغْتَ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، أَيْ رَبِّ، فَيَقُولُ لأُمَّتِهِ: هَلْ بَلَّغَكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: لاَ، مَا جَاءَنَا مِنْ نَبِيٍ. فَيَقُولُ لِنُوحٍ: مَنْ يَشْهَدُ لَكَ؟ فَيَقُوُل: مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ! فَتَشْهَدُ أَنَّهُ قَدْ بَلَّغَ، وَهْوَ قَوْلُهُ: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} الآية". أخرجه البخاري (¬5) والترمذي (¬6). [صحيح] 15 - وفي رواية الترمذي (¬7): "فَيَقُولُونَ: مَا أَتَانَا مِنْ نَذِيرٍ، وَمَا أَتَانَا مِنْ أَحَدٍ". وقال "الوسط" العدل. قوله في حديث أبي سعيد: "يجيء نوح وأمته". ¬

_ (¬1) في صحيحه رقم (527). (¬2) في "السنن" رقم (1045). وهو حديث صحيح. (¬3) في "السنن" رقم (4680). (¬4) في "السنن" رقم (2964). (¬5) في صحيحه رقم (4487). (¬6) في "السنن" رقم (2961) وهو حديث صحيح. (¬7) رقم (2961).

قوله: "فيقول محمد وأمته فيشهدون"، رواه البخاري (¬1) في الاعتصام (¬2)، "فيجاء بكم فتشهدون"، وفي رواية لأحمد (¬3): "يجاء بالنبي يوم القيامة ومعه الرجل والرجلان، ويجيء بالنبي ومعه أكثر من ذلك، فيقال لهم: أبلغكم هذا، فيقولون: لا، فيقال للنبي: أبلغتهم؟ فيقول: نعم، فيقال له: من يشهد لك؟ ... " الحديث أخرجه أحمد (¬4) والنسائي (¬5) وابن ماجه (¬6). قوله: "أنه بلغ" زاد أبو معاوية [251/ ب]: "فيقال: وما علمكم؟ فيقولون: أخبرنا نبينا أن الرسل قد بلغوا فصدقناه". قوله: "وسطاً"، هو في الخبر المرفوع "الوسط: العدل"، وليس بمدرج من قول بعض الرواة كما وهم فيه بعضهم، وفي كتاب "الاعتصام" من البخاري (¬7): {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} عدلاً، وفيه ثم قرأ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ}. قوله: "وزاد، أي: الترمذي (¬8): الوسط: العدل". قلت: بل هو بلفظه في البخاري (¬9) كما نقلناه قريباً، وأنه مرفوع. ¬

_ (¬1) في صحيحه رقم (7349). (¬2) (13/ 316 الباب رقم 19). (¬3) في "المسند" (3/ 9، 32). (¬4) في "المسند" (3/ 9، 32). (¬5) في "السنن الكبرى" رقم (11007). (¬6) في "السنن" رقم (4284). (¬7) في صحيحه رقم (7349). وانظر: "جامع البيان" (2/ 630 - 632). (¬8) في "السنن" رقم (2961). (¬9) في صحيحه رقم (7349). وانظر: "جامع البيان" (2/ 630 - 632).

16 - وَعَنِ عُرْوَةُ بْنِ الزُّبَيرِ قَالَ: "سَأَلْتُ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - عَنْ قَوْلهِ تَعَالَى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} فَوَالله مَا عَلَى أَحَدٍ جُنَاحٌ أَنْ لاَ يَطُوفَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَقَالَتْ: بِئْسَ مَا قُلْتَ يَا ابْنَ أُخْتِي! إِنَّ هَذِهِ لَوْ كَانَتْ كَمَا أَوَّلْتَهَا كَانَتْ لاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ لاَ يَتَطَوَّفَ بِهِمَا، وَلَكِنَّهَا أُنْزِلَتْ فِي الأَنْصَارِ، كَانُوا قَبْلَ أَنْ يُسْلِمُوا يُهِلُّونَ لِمَنَاةَ الطَّاغِيَةِ الَّتي كَانُوا يَعْبُدُونَهَا عِنْدَ الْمُشَلَّلِ، وَكَانَ مَنْ أَهَلَّ يَتَحَرَّجُ أَنْ يَطُوفَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوةِ، فَأَنْزَلَ الله تَعَالَى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} الآيَةَ، قَالَتْ عَائِشَةُ - رضي الله عنها -؛ وَقَدْ سَنَّ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - الطَّوَافَ بَيْنَهُما، فَلَيْسَ لأَحَدٍ أَنْ يَتْرُكهُ, قَالَ الزُّهْرِي: فأَخْبَرْتُ أَبَا بَكْرِ بْنَ عبد الرَّحْمَنِ، فَقَالَ: إِنَّ هَذَا لَعِلْمٌ مَا كُنْتُ سَمِعْتُهُ, وَلَقَدْ سَمِعْتُ رِجَالاً مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، يَذْكُرُونَ أَنَّ النَّاسَ إِلاَّ مَنْ ذَكَرَتْ عَائِشَةُ - رضي الله عنها - مِمَّنْ كَانَ يُهِلُّ لِمَنَاةَ كَانُوا يَطُوفُونَ كُلُّهُمْ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَلَمَّا ذَكَرَ الله تَعَالَى الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ، وَلَمْ يَذْكُرِ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ فِي الْقُرْآنِ قَالُوا: يَا رَسُولَ الله! كُنَّا نَطُوفُ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وإِنَّ الله تَعَالَى أَنْزَلَ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ، وَلَمْ يَذْكُرِ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَهَلْ عَلَيْنَا مِنْ حَرَجٍ أَنْ لَا نَطَّوَّفَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ؟ فَأَنْزَلَ الله تَعَالَى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا}، قَالَ أَبُو بَكْرٍ فَأَسْمَعُ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ فِي الْفَرِيقَيْنِ كِلَيْهِمَا، فِي الَّذِينَ كَانُوا يَتَحَرَّجُونَ أَنْ يَطُوفُوا بِالْجَاهِلِيَّةِ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ, وَالَّذِينَ كَانُوا يَطُوفُونَ ثُمَّ تَحَرَّجُوا أَنْ يَطُوفُوا بِهِما فِي الإِسْلاَمِ مِنْ أَجْلِ أَنَّ الله تَعَالَى أَمَرَ بِالطَّوَافِ بِالْبَيْتِ، وَلَمْ يَذْكُرِ الصَّفَا حَتَّى ذَكَرَ ذَلِكَ بَعْدَ مَا ذَكَرَ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ". أخرجه الستة (¬1). [صحيح] ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (1790، 4495) ومسلم رقم (1277) والترمذي رقم (2965) وأبو داود رقم (3901) وابن ماجه رقم (2986) والنسائي (5/ 238، 239).

17 - وفي رواية للشيخين: أَنَّ الأَنْصَارَ كَانُوا قَبْلَ أَنْ يُسْلِمُوا هُمْ وَغَسَّانُ يُهِلُّونَ لِمَنَاةَ فتَحَرَّجُوا أَنْ يَطُوفُوا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ [وَكَانَ ذَلِكَ سُنّةً فِي آبَائِهِمْ، مَنْ أَحْرَمَ لمِنَاةَ لَمْ يَطُفْ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ] وَإِنَّهُمْ سَأَلُوا النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - عنْ ذَلِكَ حِينَ أَسْلَمُوا فَأَنْزَلَ الله تَعَالَى فِي ذَلِكَ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} الآية. [صحيح] قوله: "وعن عروة"، يأتي الحديث وشرحه في كتاب الحج. 18 - وَعَن مُجَاهِد قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - يَقُولُ: كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ الْقِصَاصُ، وَلَمْ تَكُنْ فِيهِمُ الدِّيَةُ فَقَالَ الله تَعَالَى لِهَذِهِ الأُمَّةِ: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} فَالْعَفْوُ: أَنْ يَقْبَلَ الرَّجُل الدِّيَةَ فِي الْعَمْدِ. {فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} أَنْ يَطْلُبَ هَذَا بِالْمَعْرُوفِ وَيُؤَدِّى هَذَا بِإِحْسَانٍ، {ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ} مِمَّا كُتِبَ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ. {فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ} قَتَل بَعْدَ قَبُولِ الدِّيَةِ. أخرجه البخاري (¬1) والنسائي (¬2). [صحيح] قوله: "كان في بني إسرائيل القصاص". أقول: كان يريد كان فيهم القصاص أو العفو؛ لأنه تعالى حكى عما كتبه عليهم في التوراة أن النفس بالنفس، ثم قال: {فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ}، وهذا هو العفو فكان الذي اختصت به الأمة هذه لا غير. ¬

_ (¬1) في صحيحه رقم (4498) وطرفه (6881). (¬2) في "السنن" (8/ 133) وهو حديث صحيح.

19 - وَعَنْ عَطَاءٍ: أَنَّه سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - يَقْرَأُ: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ}. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ، هِيَ للشَّيْخُ الْكَبِيرُ وَالْمَرْأَةُ الْكَبِيرَةُ لاَ يَسْتَطِيعَانِ أَنْ يَصُومَا فَيُطْعِمَانِ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا. أخرجه البخاري (¬1)، وهذا لفظه، وأبو داود (¬2)، والنسائي (¬3). [صحيح] 20 - وزاد أبو داود (¬4) - رحمه الله - قال: " {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} فَكَانَ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ أَنْ يَفْتَدِيَ بِطَعَامِ مِسْكِينٍ افْتَدَى بِهِ, وَتَمَّ لَهُ صَوْمُهُ. فَقَالَ الله تَعَالَى: {فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} ثمُ قَّالَ: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} ". [شاذ] 21 - وفي أخرى له (¬5): "أُثْبِتَتْ لِلْحُبْلَى والمُرْضعِ، يَعْني الْفِدْيةَ والْإفْطارَ". [صحيح موقوف] وعند النسائي (¬6) قال: يُطِيقُونَهُ يُكَلَّفُونَهُ, فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ وَاحِدٍ. (فَمَنْ تَطَوَّعَ فَزَادَ عَلَى مِسْكِين آخَرَ لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ، {فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} لاَ يُرَخَّصُ فِي هَذَا إِلاَّ لِلَّذِي لاَ يُطِيقُ الصِّيَامَ أَوْ مَرِيضٍ لاَ يُشْفَى. قوله: "يطيقونه". ¬

_ (¬1) في صحيحه رقم (4505). (¬2) في "السنن" رقم (2317). (¬3) في "السنن" (4/ 190، 191)، وهو حديث صحيح. (¬4) في "السنن" رقم (2316)، وهو حديث شاذ. (¬5) أخرجه أبو داود في "السنن" رقم (2317)، وهو حديث صحيح موقوف. (¬6) في "السنن" رقم (2317).

أقول: لفظ البخاري في هذه الآية [252/ ب] "يطقونه" قال: وقراءة العامة "يطيقونه" وهو أكثر. انتهى. قال ابن حجر (¬1): يعني من أطاق يطيق، ووقع عند النسائي: "يطيقونه" يكلفونه، وهو تفسير حسن أي: يكلفون إطاقته. قوله: "هي للشيخ الكبير والمرأة الكبير". قال ابن حجر (¬2): هذا مذهب ابن عباس وخالفه الأكثر، وفي البخاري: هي منسوخة أي: صريحة في دعوى النسخ، ورجحه ابن المنذر من جهة قوله: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ}؛ لأنها لو كانت في الشيخ الكبير الذي لا يطيق الصيام لم يناسب أن يقال: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} مع أنه لا يطيق الصيام. قال ابن حجر (¬3): وهذه القراءة - أي: قراءة يطقونه - يعني: يكلفونه لضعف تأويل من زعم أن (لا) محذوفة من القراءة (¬4) المشهورة، وأن المعنى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ}، وأنه كقول الشاعر (¬5): فقلت لهن الله أبرح قاعداً (¬6) ¬

_ (¬1) في "فتح الباري" (8/ 180). (¬2) في "فتح الباري" (8/ 180). (¬3) في "فتح الباري" (8/ 180). (¬4) انظر: "معجم القرآن" (1/ 250 - 252). (¬5) امرئ القيس، انظر ديوانه (ص 125). (¬6) قال امرئ القيس: فقلتُ يمينُ الله أبرحُ قاعداً ... ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي =

أي: لا أبرح قاعداً، ورد بأن في البيت دلالة القسم على الحذف بخلاف الآية, وسبب هذا التأويل أن الأكثر على أن الضمير في قوله: "ويطيقونه" للصيام فيصير [253/ ب] تقدير الكلام وعلى الذين يطيقون الصيام فدية والفدية لا تجب على المطيق إنما تجب على غيره. والجواب عن ذلك أن في الكلام حذفاً تقديره: وعلى الذين يطيقون الصيام إذا أفطروا فدية, وكان هذا في أول الأمر عند الأكثر، ثم نسخ فصارت الفدية للعاجز إذا أفطر. وفي البخاري (¬1) من حديث ابن أبي ليلى: كان أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - لما نزل عليهم رمضان شق عليهم فكان كل من أطعم كل يوم مسكيناً ترك الصوم مما يطيقه، ورخص لهم في ذلك فنسخها {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ}، وأما على قراءة ابن عباس فلا نسخ؛ لأنه يجعل الفدية على من تكلف الصوم وهو لا يقدر عليه فيفطر ويكفر، وهذا الحكم باقٍ. قلت: وهذا هو زاده أبو داود في رواية المصنف عنه، وهو أيضاً رواية سلمة بن الأكوع الآتية التي أخرجها الخمسة إلا أنه قال الناسخ: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}. 22 - وَعَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ - رضي الله عنه - قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} كَانَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُفْطِرَ وَيَفْتَدِىَ حَتَّى نَزَلَتِ الآيَةُ الَّتِي بَعْدَهَا فَنَسَخَتْهَا، يعني: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}. أخرجه الخمسة (¬2). [صحيح] ¬

_ = قال السمين الحلبي في "الدر المصون" (2/ 273) وأبعد من زعم أن "لا" محذوفة قيل "يطيقونه" وأنَّ التقدير: لا يطيقونه. انظر: "الخصائص" (2/ 284) "أوضح المسالك" (1/ 163). (¬1) في صحيحه (4/ 187 الباب رقم 39 - معلقاً). (¬2) أخرجه البخاري في صحيحه (4/ 187 الباب رقم 39 - معلقاً) ومسلم رقم (1145) وأبو داود رقم (2315) والترمذي رقم (798) والنسائي (4/ 190).

23 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما -: أَنَّهُ قَرَأَ: {فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} وَقَالَ: هِيَ مَنْسُوخَةٌ. أخرجه البخاري (¬1). [صحيح] قوله: "في رواية ابن عمر: "وقال: هي منسوخة" [254/ ب]، هذا كما عرفت مذهب الأكثر، وخالفه ابن عباس. 24 - وَعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - "الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ، وَقَرَأَ {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60)} " (¬2). أخرجه أبو داود (¬3) والترمذي (¬4) وصححه. [صحيح] 25 - وزاد رُزين (¬5): "فَقَالَ أَصْحَابُهُ: أَقَرِيبٌ رَبّنَا [فَنُنَاجِيْهِ أَمْ بَعِيْدٌ فَنُنَادِيه (¬6)]؟ فَنَزَلَتْ: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} " الآية. قوله: "يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي" لما أمر تعالى عباده بدعائه ثم قال: {عَنْ عِبَادَتِي} دل على أنه أريد به أنه العبادة حيث لم يقل: عن دعائي، ولك أن تقول: إن العبادة طاعة من جملتها الدعاء فيكون تنصيصاً على بعض أفراد العام. قوله: "زاد رزين، فقال أصحابه"، أي: أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أقريب ربنا فنناجيه [67/ أ] أم بعيد فنناديه". ¬

_ (¬1) في صحيحه رقم (1949). (¬2) سورة غافر الآية 60. (¬3) في "السنن" رقم (1479). (¬4) في "السنن" رقم (2969). قلت: وأخرجه ابن ماجه رقم (3828). وهو حديث صحيح. (¬5) ذكره ابن الأثير في "جامع الأصول" (2/ 24). (¬6) في (ب) فنناديه أم بعيد.

أقول: أخرج هذه الزيادة ابن جرير (¬1)، والبغوي في معجمه (¬2)، وابن أبي حاتم (¬3)، وأبو الشيخ (¬4)، وابن مردويه (¬5)، من طريق الصلت بن حكيم، عن رجل من الأنصار عن أبيه عن جده قال: جاء رجل إلى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله ... الحديث، قال: فسكت النبي - صلى الله عليه وسلم - فأنزل الله: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ} الآية. وفي سبب نزولها روايات [أخرى (¬6)]. 26 - وَعَن الْبَرَاءَ - رضي الله عنه - قَالَ: لَمَّا نَزَلَ صوْمُ رَمَضَانَ كَانُوا لاَ يَقْرَبُونَ النِّسَاءَ رَمَضَانَ كُلَّهُ، وَكَانَ رِجَالٌ يَخُونُونَ أَنْفُسَهُمْ، فَأَنْزَلَ الله: {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ} الآية. أخرجه البخاري (¬7). [صحيح] 27 - وفي رواية له (¬8) ولأبي داود (¬9) والترمذي (¬10): "كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا كَانَ الرَّجُلُ صَائِمًا فَحَضَرَ الإِفْطَارُ فَنَامَ قَبْلَ أَنْ يُفْطِرَ لَمْ يَأْكُلْ لَيْلَتَهُ وَلاَ يَوْمَهُ حَتَّى يُمْسِىَ، وَإِنَّ قَيْسَ ابْنَ صِرْمَةَ الأَنْصَارِيَّ كَانَ صَائِمًا، فَلَمَّا حَضَرَ الإِفْطَارُ أَتَى امْرَأَتَهُ, فَقَالَ: أَعِنْدَكِ طَعَامٌ؟ قَالَتْ: ¬

_ (¬1) في "جامع البيان" (2/ 228). (¬2) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (1/ 469). (¬3) في تفسيره (1/ 314 رقم 1667). (¬4) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (1/ 469). (¬5) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (1/ 469). (¬6) في (ب) أُخر. (¬7) في صحيحه رقم (4508). (¬8) في صحيحه رقم (1915). (¬9) في "السنن" رقم (2314). (¬10) في "السنن" رقم (2968).

لاَ، وَلَكِنْ أَنْطَلِقُ فَأَطْلُبُ لَكَ، وَكَانَ يَوْمَهُ يَعْمَلُ فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ, فَجَاءَتْهُ امْرَأَتُهُ, فَلَمَّا رَأَتْهُ قَالَتْ: خَيْبَةً لَكَ، فَلَمَّا انْتَصَفَ النَّهَارُ غُشِيَ عَلَيْهِ فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ}، فَفَرِحُوا بِهَا فَرَحًا شَدِيداً، فَنَزَلَتْ: {وَكُلُواوَاشْرَبُوا} , وَعِنْد أَبِي دَاوُدَ أَنَّ اسْمَ الرَّجُلِ: صِرْمةُ بنُ قَيْسٍ - رضي الله عنه -، وَعِنْدَ النِّسَائِيِّ: أَنَّ أَحَدَهُمْ كَانَ إِذَا نَامَ قَبْلَ أَنْ يَتَعَشَّى لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ شيْئًا وَلاَ يَشْرَبَ لَيْلَتَهُ وَيَوْمَهُ مِنَ الْغَدِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} وَقَالَ: نَزَلَتْ فِي أَبِي قَيْسِ بْنِ عَمْرٍو - رضي الله عنه -. [صحيح] قوله: "وعن البراء ... "، الحديث إخبار عما كان من أحكام الصيام في أول شرعيته عدم قربان النساء كل الشهر. قال الحافظ ابن حجر (¬1): ظاهر سياق حديث الباب أن الجماع كان ممنوعاً منه في جميع الليل والنهار بخلاف الأكل والشرب فكان مأذوناً فيه ليلاً ما لم يحصل النوم لكن بقية الأحاديث الواردة في هذا المعنى تدل على عدم الفرق [255/ ب] فيحمل قوله: كانوا لا يقربون النساء على الغالب جمعاً بين الأخبار. قوله: "وكان رجال يخونون أنفسهم". قال ابن حجر (¬2): سمي من هؤلاء عمر وكعب، فروى أحمد (¬3)، وأبو داود (¬4). ¬

_ (¬1) في "فتح الباري" (8/ 181 - 182). (¬2) في "فتح الباري" (8/ 182). (¬3) في "المسند" (5/ 246). (¬4) في "السنن" (507).

والحاكم (¬1) من طريق عبد الرحمن بن أبي ليلى عن معاذ بن جبل قال: أحيل الصيام ثلاثة أحوال، فإن رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - قدم المدينة فجعل الصوم من كل شهر ثلاثة أيام وصيام عاشوراء، ثم إن الله فرض الصيام، وأنزل: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} الآية، وذكر الحديث إلى أن قال: وكانوا يأكلون ويشربون ويقربون النساء ما لم يناموا، فإذا ناموا امتنعوا ... الحديث. 28 - وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ - رضي الله عنه - قَالَ: نَزَلَتْ {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ}، وَلَمْ يَنْزِلْ مِنَ الْفَجْرِ، وَكَانَ رِجَالٌ إِذَا أَرَادُوا الصَّوْمَ رَبَطَ أَحَدُهُمْ فِي رِجْلِهِ الْخَيْطَ الأَبْيَضَ وَالْخَيْطَ الأَسْوَدَ، وَلَا يزَال يَأْكُلُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ رُؤْيَتُهُمَا، فَأَنْزَلَ الله بَعْدُ: {مِنَ الْفَجْرِ} فَعَلِمُوا أَنَّهُ إِنَّما يَعْنِى اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ. أخرجه الشيخان (¬2). [صحيح] 29 - وفي أخرى للخمسة (¬3) قال: أَخَذَ عَدِيٌّ بِنُ حَاتمٍ - رضي الله عنه - عِقَالاً أَبْيَضَ وَعِقَالاً أَسْوَدَ حَتَّى كَانَ بَعْضُ اللَّيْلِ نَظَرَ فَلَمْ يَتَبيَّنَا لَهُ، فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ لِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -: جَعَلْتُ تَحْتَ وِسَادَتِي خَيْطَاً أَبْيَضَ وَخَيْطَاً أَسْودَ قَالَ: "إِنَّ وِسَادَتَكَ لَعَرِيضٌ، أَنْ كَانَ الْخَيْطُ الأبيَضُ وَالأَسْوَدُ تَحْتَ وِسَادَتِكَ". [صحيح] ¬

_ (¬1) في "المستدرك" (2/ 274)، وهو حديث صحيح. (¬2) أخرجه البخاري رقم (1917، 4511) ومسلم رقم (1091). (¬3) أخرجه البخاري رقم (1916، 4509، 4510) ومسلم رقم (1090) وأبو داود رقم (2349) والترمذي رقم (2970) والنسائي (4/ 148).

30 - وفي أخرى (¬1) له قالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله! مَا الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ؟ أَهُمَا خَيْطَانِ؟ قَالَ: "إِنَّكَ لَعَرِيضُ الْقَفَا إِنْ أَبْصَرْتَ الْخَيْطَيْنِ". ثُمَّ قَالَ: "لاَ، بَلْ هُمَا سَوَادُ اللَّيْلِ وَبَيَاضُ النَّهَارِ". [صحيح] قوله في حديث سهل بن سعد: "بل هما سواد الليل وبياض النهار". في التوشيح: هذا كلام ظاهر المعنى غني عن الشرح [لأنه] (¬2) إن كان الخيطان المرادان في الآية يصلحان أن يكونا تحت الوساد فلا شيء [256/ ب] أعرض من هذا الوساد ولا أطول، وإن أريد بهما الخيط الذي يبدو من المشرق والمغرب فلا يصلح لذلك إلا وساد بطول الخافقين، وكذلك قوله: "إنك لعريض القفا"؛ لأن من لازم عرض الوسادة أن يكون القفا الموضوع عليه عريضاً. وقيل: إن هذه الكلمة كناية عن الغباوة، وقلة الفطنة، ولم يظهر منه وهو في عريض القفا ظاهر (¬3). انتهى. قلت: قد وسعنا البحث في ذيل الأبحاث المسددة (¬4). 31 - وَعَن الْبَرَاءَ - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَ الأَنْصَارُ إِذَا حَجُّوا فَجَاءُوا لَمْ يَدْخُلُوا مِنْ قِبَلِ أَبْوَابِ الْبُيُوتِ، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْهُم فَدَخَلَ مِنْ قِبَلِ بَابِهِ، فَكَأنَّهُ عُيِّرَ بِذَلِكَ، فَنَزَلَتْ {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ ¬

_ (¬1) انظر التعليقة المتقدمة. (¬2) في (ب) مكررة. (¬3) انظر: "فتح الباري" (8/ 133 - 134). (¬4) "الأبحاث المسددة في فنون متعددة" (ص 39 - 40).

تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا}. أخرجه الشيخان (¬1). [صحيح] قوله في حديث البراء: "كان الأنصار إذا حَجُّوا". [قلت] (¬2): أحرموا للحج وهو عند البخاري (¬3) في كتاب الحج بلفظ: "إذا أحرموا في الجاهلية"، وظاهر عبارة البراء أن ذلك خاص بالأنصار، وفي حديث جابر في البخاري (¬4): أن سائر العرب كانوا كذلك إلا قريشاً. قوله: "رجل من الأنصار". قال الحافظ ابن حجر (¬5): هو قُطْبة، بضم القاف وإسكان المهملة بعدها موحدة، ابن عامر بن حديدة، بمهملات وزن كبير، الأنصاري الأسلمي الخزرجي، كما أخرجه ابن خزيمة (¬6) والحاكم (¬7)، وفيه (¬8) قول آخر وأنه رفاعة بن تابوت. قيل في سبب تجنبهم الدخول من الأبواب: أن ذلك من [257/ ب] أجل السقف لئلا يحول بينه وبين السماء. ¬

_ (¬1) البخاري في صحيحه رقم (1803، 4512) ومسلم رقم (3026). (¬2) في (ب) أي. (¬3) في صحيحه رقم (1803). (¬4) في صحيحه رقم (4512). (¬5) في "الفتح" (3/ 621). (¬6) ذكره الحافظ في "الفتح" (3/ 621). (¬7) ذكره الحافظ في "الفتح" (3/ 621). (¬8) أخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (2/ 284) وعزاه السيوطي في "الدر المنثور" إلى ابن جرير وعبد بن حميد وابن المنذر، عن قيس بن جبير.

32 - وَعَنْ حُذَيْفَةَ - رضي الله عنه - في قوله تعالى: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} قَالَ: نَزَلَتْ فِي النَّفَقَةِ. أخرجه البخاري (¬1). [صحيح] قوله في حديث حذيفة: "ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة". قال البخاري (¬2): التهلكة والهلاك واحد. قوله: "نزلت في النفقة"، أي: في ترك النفقة في سبيل الله، وهذا الذي قاله حذيفة، جاء مفسراً في حديث أبي أيوب الذي أخرجه النسائي، وأبو داود، والترمذي، وابن حبان، وهو الحديث الآتي عن أسلم، وصح عن ابن عباس (¬3) وجماعة من التابعين نحو ذلك في تأويل الآية. وأما مسألة (¬4) حمل الواحد على العدد الكثير فصرح الجمهور أنه إذا كان لفرط شجاعته وظنه أنه يرهب العدو بذلك أو يجزي المسلمين عنهم عليهم أو نحو ذلك من المقاصد الصحيحة فهو حسن، ومتى كان مجرد تهور فممنوع ولا سيما إن ترتب على ذلك وهن في المسلمين. 33 - وَعَنْ أَسْلَمَ أَبِي عِمْرَانَ قَالَ: غَزَوْنَا مِنَ الْمَدِينَةِ نُرِيدُ الْقُسْطَنْطِينِيَّةَ، وَعَلَى الْجَمَاعَةِ عبد الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، وَالرُّومُ مُلْصِقُو ظُهُورِهِمْ بِحَائِطِ الْمَدِينَةِ فَحَمَلَ رَجُلٌ عَلَى الْعَدُوِّ فَقَالَ النَّاسُ: مَهْ مَهْ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله يُلْقِى بِيَدَيْهِ إِلَى التَّهْلُكَةِ, فَقَالَ أَبُو أَيُّوبَ الأَنْصَارِي - رضي الله عنه -: إِنَّمَا نَزَلَتْ هَذ الآيَةُ فِينَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ لَمَّا نَصَرَ الله تَعَالَى نَبِيَّهُ وَأَظْهَرَ الإِسْلاَمَ قُلْنَا نُقِيمُ ¬

_ (¬1) في صحيحه رقم (4516). (¬2) في صحيحه (8/ 185 - مع الفتح). (¬3) أخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (2/ 314). انظر "أسباب النزول" للواحدي (ص 38). (¬4) انظر "فتح الباري" (8/ 185).

فِي أَمْوَالِنَا وَنُصْلِحُهَا فَأَنْزَلَ الله تَعَالَى الآية فَالإِلْقَاءُ بَأَيْدِيْنَا إِلَى التَّهْلُكَةِ أَنْ نُقِيمَ فِي أَمْوَالِنَا وَنُصْلِحَهَا وَنَدَعَ الجهَادَ. أخرجه أبو داود (¬1) والترمذي (¬2) وصححه. [صحيح] 34 - وَعَن عبد الله بْنَ مَعْقِلٍ - رضي الله عنه - قَالَ: سَألتُ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ - رضي الله عنه - عَنْ فِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ قَالَ: حُمِلْتُ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَالْقَمْلُ يَتَنَاثَرُ عَلَى وَجْهِي فَقَالَ: "مَا كنْتُ أُرَى أَنَّ الْجَهْدَ قَدْ بَلَغَ بِكَ هَذَا، أَمَا تَجِدُ شاةً؟ " قُلْتُ: لاَ، قَالَ: "صُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ طَعَامٍ، وَاحْلِقْ رَأْسَكَ". فَنَزَلَتْ فِيَّ خَاصَّةً وَهْىَ لَكُمْ عَامَّةً. أخرجه الستة (¬3)، وهذا لفظ الشيخين. [صحيح] قوله: "نصف صاع من طعام"، أي: لكل مسكين من كل شيء. وقال ابن عبد البر (¬4): قال أبو حنيفة (¬5): والكوفيون (¬6): نصف صاع من قمح وصاع من تمر وغيره، وعن أحمد (¬7) رواية تضاهي قولهم، والحديث يرد عليهم. و"النسك" قد فسر في المرفوع بأنه شاة. ¬

_ (¬1) في "السنن" (2512). (¬2) في "السنن" رقم (2972). وهو حديث صحيح. (¬3) أخرجه البخاري رقم (1814، 1815) ومسلم رقم (1201) وأبو داود رقم (1856، 1857، 1858 - 1861) والترمذي بإثر الحديث رقم (2973) والنسائي (5/ 194، 195) وابن ماجه رقم (3079) ومالك في الموطأ (1/ 471) وهو حديث صحيح. (¬4) انظر: "عيون المجالس" (2/ 805 رقم 531). (¬5) انظر: "مختصر الطحاوي" (ص 69). (¬6) انظر: "جامع البيان" (3/ 385 - 389). (¬7) "الإنصاف" (3/ 458).

35 - وَعَن أَبُي أُمَامَةَ التَّيْمِيُّ قَالَ: كُنْتُ رَجُلاً أُكْرِى فِي هَذَا الْوَجْهِ, وَكَانَ نَاسٌ يَقُوُلونَ: إِنَّهُ لَيْسَ لَكَ حَجٌّ، فَلَقِيتُ ابْنَ عُمَرَ - رضي الله عنهما - فَقُلْتُ: إِنِّي رَجُلٌ أُكْرِى فِي هَذَا الْوَجْهِ، وَإنَّ نَاسًا يَقُوُلونَ إِنَّهُ لَيْسَ لَكَ حَجٌّ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: أَليْسَ تُحْرِمُ وَتُلَبِّى وَتَطُوفُ؟ قُلْتُ بَلَى، قَالَ: فَإِنَّ لَكَ حَجًّا جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فسَأَلهُ عَنْ مِثْلِ مَا سَأَلْتَنِي عَنْهُ فَسَكَتَ وَلَمْ يُجِبْهُ حَتَى نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وَقَرَأَهَا عَلَيْهِ, وَقَالَ "لَكَ حَجٌّ". أخرجه أبو داود (¬1). [صحيح] 36 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: كَانَتْ عُكَاظٌ, وَمِجَنَّةُ, وَذُو الْمَجَازِ، أَسْوَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَمَّا كَانَ الإِسْلاَمُ كَأَنَّهُمْ تَأَثَّمُوا أَنْ يَتَّجِرُوا فِي المَوسم فَنَزَلَتْ: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} فِي مَوَاسِمِ الْحَجِّ، هَكذَا قَرَأَهَا. أخرجه البخاري (¬2) وأبو داود (¬3). [صحيح] قوله: "قال: لك حج". وأخرجه وكيع (¬4) [258/ ب] وأبو عبيد في فضائله (¬5)، وابن أبي شيبة (¬6)، والبخاري (¬7)، وعبد بن حميد (¬8). ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (1733)، وهو حديث صحيح. (¬2) في صحيحه رقم (1770) وأطرافه (2050، 2098، 4519). (¬3) في "السنن" رقم (1732) و (1734). وهو حديث صحيح. (¬4) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (1/ 222). (¬5) (ص 164). (¬6) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (1/ 222). (¬7) في صحيحه رقم (2050، 2098). (¬8) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (1/ 222).

وابن جرير (¬1)، وابن المنذر (¬2)، عن ابن عباس: "أنه كان يقرأها: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ}، في مواسم الحج"، وفي رواية: وكان يقرأها كذلك. وفي قراءة ابن مسعود (¬3): في مواسم (¬4) الحج فابتغوا حينئذٍ، فنزلت الآية: إن التجارة ونحوها من الإجارة ابتغاء من فضل الله كما دل له قوله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ [68/ أ] الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} (¬5). ودلت أيضاً على أن من عمل يبتغي فيه الأجرة الدنيوية والمكاسب فإنه لا ينافيه طلب الأجر الأخروي فمن كتب المصاحف ونسخ نحو كتب الحديث وعمر القناطر والمساجد بالإجارة فإنه أيضاً مأجور. فإن قلت: الآية إنما نفت الجناح ولم تثبت الأجر. قلت: إنما خص ذلك بسبب نزولها فإنهم ظنوا الحرج والجناح فيما يأتونه فنفاه الله عنهم ومعلوم أن الابتغاء من فضل الله يؤجر عليه صاحبه مع الاحتساب وإرادة الثواب. ¬

_ (¬1) في "جامع البيان" (3/ 507). (¬2) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (1/ 222). وقراءة ابن عباس معدودة في الشاذ الذي صح إسناده وهو حجة، وليس بقرآن، انظر "فتح الباري" (4/ 248). (¬3) انظر: "معجم القراءات" (1/ 273). (¬4) والأولى جعل هذا تفسيراً؛ لأنه مخالف لسواد المصحف الذي أجمعت عليه الأمة. انظر "فتح الباري" (4/ 248) "جامع البيان" (3/ 507). (¬5) سورة الجمعة الآية (10)

37 - وعنه - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَ أَهْل الْيَمَنِ يَحُجُّونَ وَلاَ يَتَزَوَّدُونَ، ويَقُوُلونَ: نَحْنُ الْمُتَوَكِّلُونَ، فَإِذَا قَدِمُوا مَكَّةَ سَألوا النَّاسَ، فَأَنْزَلَ الله تَعَالَى: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى}. أخرجه البخاري (¬1) وأبو داود (¬2). [صحيح] قوله: "فأنزل الله: {وَتَزَوَّدُوا} الآية". قال [259/ ب] المهلب (¬3): في هذا الحديث من الفقه أن ترك السؤال من التقوى، ويؤيده أن الله مدح من لم يسأل الناس إلحافاً، أي: تزودوا واتقوا إيذاء الناس بسؤالكم إياهم فالإثم في ذلك. قال (¬4): وفيه أن التوكل لا يكون مع السؤال، وإنما التوكل المحمود أن لا يستعين بأحد في شيء، وقيل: هو قطع النظر عن الأسباب بعد تهيئة الأسباب كما قال - صلى الله عليه وسلم -: "اعقلها وتوكل" (¬5). 38 - وعنه - رضي الله عنه - قَالَ: يَطَوَّفُ الرَّجُلُ بِالْبَيْتِ مَا كَانَ حَلاَلاً حَتَّى يُهِلَّ بِالْحَجِّ، فَإِذَا رَكِبَ إِلَى عَرَفَةَ فَمَنْ تَيَسَّرَ لَهُ هَدِيَّةٌ مِنَ الإِبِلِ أَوِ الْبَقَرِ أَوِ الْغَنَمِ، مَا تَيَسَّرَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ أَيَّ ذَلِكَ شَاءَ غَيْرَ إِنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ فَعَلَيْهِ صَوْمُ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ، وَذَلِكَ قَبْلَ يَوْمِ عَرَفَةَ، فَإِنْ كَانَ آخِرُ يَوْمٍ مِنَ الأيَّامِ الثَّلاَثَةِ يَوْمَ عَرَفَةَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ، ثُمَّ يَنْطَلِقْ حَتَّى يَقِفَ بِعَرَفَاتٍ مِنْ صَلاَةِ الْعَصْرِ إِلَى أَنْ يَكُونَ الظَّلاَمُ، ثُمَّ لِيَدْفَعُوا مِنْ عَرَفَاتٍ إِذَا أَفَاضُوا مِنْهَا حَتَّى يَبْلُغُوا جَمْعًا الَّذِي يُبَاتُ فِيهِ، ثُمَّ ¬

_ (¬1) في صحيحه رقم (1523). (¬2) في "السنن" رقم (1730) وهو حديث صحيح. (¬3) ذكره الحافظ في "فتح الباري" (3/ 384). (¬4) ذكره الحافظ في "فتح الباري" (3/ 384). (¬5) أخرجه ابن حبان في صحيحه رقم (731) والحاكم (3/ 623) والقضاعي في مسند الشهاب رقم (633) بسند حسن، من حديث جعفر بن عمرو بن أمية عن أبيه. وهو حديث حسن.

لِيَذْكُرُوا الله كَثِيرًا، وَأَكْثِرُوا مِنَ التَّكبِيرَ وَالتَّهْلِيلَ ثُمَّ أَفيضُوا، فَإِنَّ النَّاسَ كَانُواُ يُفِيضُونَ، وَقَالَ الله تَعَالَى: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (199)} حَتَّى تَرْمُوا الْجَمْرَةَ. أخرجه البخاري (¬1). [صحيح] 39 - وعن ابن المسيب قال: أقبل صهيب - رضي الله عنه - مهاجراً من مكة فاتبعه رجال من قريش، فنزل عن راحلته وانتشل ما في كنانته وقال: والله لا تصلون إلي حتى أرمي بكل سهم معي ثم أضرب بسيفي ما بقي في يدي، وإن شئتم دللتكم على مال دفنته بمكة وخليتم سبيلي، ففعلوا، فلما قدم على رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - نزلت: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ} الآية. فقال له رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "ربح البيع أبا يحيى، وتلا عليه الآية". أخرجه رزين (¬2). قوله في حديث ابن المسيب في قصة إنه: "أخرجه رزين". أقول: هذا طال تنبيهنا عليه, وعبارة ابن الأثير (¬3): ذكره رزين ولم أجده في الأصول. قلت في "الدر (¬4) المنثور": أخرج ابن سعد (¬5) والحارث بن أبي أسامة في "مسنده (6) " وابن المنذر (¬6)، وابن أبي حاتم (¬7). ¬

_ (¬1) في صحيحه رقم (4521). (¬2) أخرجه ابن سعد في "الطبقات" (2/ 227) وأبو نعيم في الحلية (1/ 151) والبيهقي في "دلائل النبوة" (2/ 522) والحاكم في "المستدرك" (3/ 400) وابن كثير في تفسيره (2/ 272) من طرق. (¬3) في "جامع الأصول" (2/ 37). (¬4) (1/ 240 - 241). (¬5) في "الطبقات" (2/ 227 - 228). (¬6) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (1/ 240). (¬7) في تفسيره (2/ 368 رقم 1939).

وأبو نعيم في الحلية (¬1)، وابن عساكر (¬2)، عن سعيد بن المسيب قال: أقبل صهيب مهاجراً ... الحديث، وفيه تقديم وتأخير، وذكر أيضاً ربح البيع مرتين. 40 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: لَمَّا نَزَلَ قَوْلُه تَعَالَى: {وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} وَقولُهُ تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا (10)} انْطَلَقَ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ فَعَزَلَ طَعَامَهُ مِنْ طَعَامِهِ وَشَرَابَهُ مِنْ شَرَابِهِ، فَإِذَا فَضُلُ مِنْ طَعَامِ الْيَتِيْمِ وَشَرَابِهِ حُبِسَ لَهُ حَتَّى يَأْكُلَهُ أَوْ يَفْسُدَ، فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فأَنْزَلَ الله تَعَالَى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ} فَخَلَطُوا طَعَامَهُمْ بِطَعَامِهِمْ وَشَرَابَهُمْ بِشَرَابِهِمْ. أخرجه أبو داود (¬3) والنسائي (¬4). [حسن] 41 - وعَنْ نَافِعٍ قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ - رضي الله عنهما - إِذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ لَأ يَتكلَّمْ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهُ، فَأَخَذْتُ عَلَيْهِ يَوْمًا، فَقَرَأَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ حَتَّى انْتَهَى إِلَى مَكَانٍ فَقَالَ: أَتَدْرِى فِيمَ أُنْزِلَتْ؟ قُلْتُ لاَ. قَالَ: أُنْزِلَتْ فِي كَذَا وَكَذَا، ثُمَّ مَضَى. أخرجه البخاري (¬5). [صحيح] قوله: "فأخذت عليه يوماً"، أي: أمسكت المصحف وهو يقرأ عن ظهر قلبه، وجاء ذلك صريحاً في رواية عبيد الله بن عمر عن نافع قال: قال لي ابن عمر: أمسك على المصحف يا نافع، فقرأ. ¬

_ (¬1) (1/ 151). (¬2) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (1/ 240). (¬3) في "السنن" رقم (2871). (¬4) في "السنن" رقم (3669، 3670). وهو حديث حسن. (¬5) فى صحيحه رقم (4526 وطرفه رقم 4527).

أخرجه الدارقطني في غرائب (¬1) مالك. قوله: "أنزلت في كذا وكذا ثم مضى"، هكذا أورده مبهماً لمكان الآية والتفسير، وقد أخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده [260/ ب] في تفسيره، وذكر بدل قوله: إلى مكان كذا، "حتى انتهى إلى قوله: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} فقال: أتدرون فيم أنزلت هذه الآية؟ قلت: لا. قال: نزلت في إتيان النساء في أدبارهن". وقال أطال الحافظ ابن حجر في "الفتح (¬2) " الكلام هنا. 42 - وعن جَابِر - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَتِ الْيَهُودُ تَقُولُ إِذَا جَامَعَهَا مِنْ وَرَائِهَا جَاءَ الْوَلَدُ أَحْوَلَ، فَنَزَلَتْ: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}. أخرجه الخمسة (¬3) إلا النسائي (¬4). [صحيح] قوله: "من ورائها"، أي: من دبرها في القبل. "فأنزلت ... إلى قوله: {أَنَّى شِئْتُمْ} ". قال الحافظ (¬5) ابن حجر: مقبلات ومدبرات ومستلقيات في الفرج. ¬

_ (¬1) عزاه إليه الحافظ في "الفتح" (8/ 189). (¬2) "فتح الباري" (8/ 189 - 198). (¬3) أخرجه البخاري رقم (4528) ومسلم رقم (119/ 435) وأبو داود رقم (2163) والترمذي رقم (4062) وابن ماجه رقم (1925). (¬4) النسائي في "الكبرى" رقم (8976). قلت: وأخرجه ابن جرير في تفسيره (3/ 756) وابن أبي حاتم في تفسيره (2/ 404 رقم 2133) والدارمي (1/ 258) وابن حبان في صحيحه رقم (4154، 4185) والطبراني في الأوسط رقم (571، 8806). (¬5) في "الفتح" (8/ 191).

قال (¬1): وروى الربيع في "الأم (¬2) " عن الشافعي قال: احتملت الآية معنيين: (أحدهما): أن تؤتى [المرأة] (¬3) حيث شاء زوجها لأن (أتى) بمعنى أين شئتم. واحتملت (أنى) يراد بالحرث موضع النبات، والموضع الذي يراد به الولد هو الفرج دون ما سواه. قال: واختلف أصحابنا في ذلك وأرى كلاً من الفريقين تأول ما وصفت من احتمال الآية. قال (¬4): فطلبنا الدلالة فوجدنا حديثين أحدهما ثابت، وهو حديث خزيمة بن ثابت في التحريم، فقوى عندنا التحريم، ثم ذكر مناظرة وقعت بينه وبن محمد بن الحسن أفادت إجازة الشافعي لجواز إتيان الدبر، ثم قال: لعله كان يقول ذلك في القديم [261/ ب]. 43 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: جَاءَ عُمَرُ - رضي الله عنه - إِلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله! هَلَكْتُ. قَالَ: "وَمَا أَهْلكَكَ". قَالَ: حَوَّلْتُ رَحلي اللَّيْلَةَ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا، فَأَوْحَى الله تَعَالَى إِلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - هَذِهِ الآيَةَ: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} أَقْبِلْ وَأَدْبِرْ، وَاتَّقِ الدُّبُرَ، وَالحيضةَ. أخرجه الترمذي (¬5). [حسن] قوله: "حولت رحلي". قال ابن الأثير (¬6): كنى بتحويل الرحل عن الإتيان في غير المحل المعتاد كذا الظاهر. ويجوز أن يراد به أتاها في المحل المعتاد لكن من جهة ظهرها. ¬

_ (¬1) أي الحافظ في "الفتح" (8/ 191). (¬2) (6/ 443 - 444). (¬3) زيادة من (أ). (¬4) الشافعي في "الأم" (6/ 443). (¬5) في "السنن" رقم (2980) وهو حديث حسن. (¬6) في "غريب الجامع" (2/ 42).

قوله: "أخرجه الترمذي". قلت: وقال (¬1): هذا حديث حسن غريب، ويعقوب بن عبد الله الأشعري هو يعقوب القُمِّيُّ. 44 - وعنه - رضي الله عنه - قَالَ: إِنَّ ابْنَ عُمَرَ - وَالله يَغْفِرُ لَهُ - أَوْهَمَ إِنَّمَا كَانَ هَذَا الْحَيُّ مِنَ الأَنْصَارِ - وَهُمْ أَهْلُ وَثَنٍ - مَعَ هَذَا الْحَيِّ مِنْ يَهُودَ - وَهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ - فَكَانُوا يَرَوْنَ لَهُمْ فَضْلاً عَلَيْهِمْ فِي الْعِلْمِ، فَكَانُوا يَقْتَدُونَ بِكَثِيرٍ مِنْ فِعْلِهِمْ، وَكَانَ مِنْ أَمْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَنْ لاَ يَأْتُوا النِّسَاءَ إِلاَّ عَلَى حَرْفٍ، وَذَلِكَ أَسْتَرُ مَا تَكُونُ الْمَرْأَةُ، فكَانَ هَذَا الْحَيُّ مِنَ الأَنْصَارِ قَدْ أَخَذُوا ذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِمْ. وَكَانَ هَذَا الْحَيُّ مِنْ قُرَيْشٍ يَشْرَحُونَ النِّسَاءَ شَرْحًا مُنْكَرًا، وَيَتَلَذَّذُونَ مِنْهُنَّ مُقْبِلاَتٍ وَمُدْبِرَاتٍ وَمُسْتَلْقِيَاتٍ، فَلَمَّا قَدِمَ الْمُهَاجِرُونَ الْمَدِينَةَ تَزَوَّجَ رَجُلٌ مِنْهُمُ امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ فَذَهَبَ يَصْنَعُ بِهَا ذَلِكَ فَأَنْكَرَتْهُ عَلَيْهِ وَقَالَتْ: إِنَّا كُنَّا نُؤْتَى عَلَى حَرْفٍ فَاصْنَعْ ذَلِكَ وَإِلاَّ فَاجْتَنِبْنِي حَتَّى شَرِيَ أَمْرُهُمَا، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فَأَنْزَلَ الله تَعَالَى هَذِهِ الْآية: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} أَيْ: مُقْبِلاَتٍ وَمُدْبِرَاتٍ وَمُسْتَلْقِيَاتٍ، يَعْنِى بِذَلِكَ مَوْضِعَ الْوَلَدِ. أخرجه أبو داود (¬2). [حسن] "الشرح" بحاء مهملة, وطءُ المرأة مستلقية على قفاها، وشري الأمر بينهما: أي: عظم وتفاقم. قوله: "أوهم"، كذا في الرواية، والصواب وهم بغير ألف يقال: وهم الرجل إذا غلط في الشيء، ووهم - بفتح الهاء - إذا ذهب وهمه إلى الشيء أفاده الخطابي (¬3). ¬

_ (¬1) أي الترمذي في "السنن" (5/ 216). (¬2) في "السنن" رقم (2164) وهو حديث حسن. (¬3) في "معالم السنن" (2/ 619 - مع السنن).

قوله: "إلا على حرف"، الحرف الجانب، وحرف كل شيء جانبه. قوله: "أي: عظم وتفاقم"، زاد ابن الأثير (¬1): وأصله من شرى البرق إذا ألح في اللمعان، واستشرى الرجل إذا ألح في الأمر. انتهى. 45 - وعن أم سلمة - رضي الله عنها -: أَنَّ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ فِي قَوْلُه تَعَالَى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} قَالَ: فِي صِمَامٍ وَاحِدٍ، وَيُرْوَى بِالسَّيْن سِمَامٍ. أخرجه الترمذي (¬2) "صِمَامٍ وَاحِدٍ" أي: مسلك واحد. قوله: "في صمام واحد". [قال] (¬3) ابن الأثير (¬4): الصمام ما تسد به الفرجة، فسمي بذلك الفرج به، ويجوز أن يكون على حذف مضاف، أي: في موضع صمام وهو بكسر المهملة. قوله: "أخرجه الترمذي". قلت: وقال (¬5): هذا حديث حسن، وابن خثيم هو عبد الله [262/ ب] بن عثمان بن خثيم، وابن سابط هو عبد الرحمن بن عبد الله بن سابط الجمحي المكي، وحفصة هي ابنة عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، ويروى "في سمام واحد". ¬

_ (¬1) في "جامع الأصول" (2/ 43) من قول الهروي. وانظر: غريب الحديث للهروي (2/ 308). (¬2) في "السنن" رقم (2979). وهو حديث صحيح. (¬3) زيادة يقتضيها السياق. (¬4) في "النهاية في غريب الحديث" (2/ 53). (¬5) أي: الترمذي في "السنن" (5/ 215).

46 - وعن عائشة - رضي الله عنها - قَالَتْ: نَزَلَ قوُلُهُ تَعَالَى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} فِيْ قَوْلَ الرَّجُل: لَا وَالله، وَبَلَى والله. أخرجه البخاري (¬1)، ومالك (¬2)، وأبو داود (¬3)، وهذا لفظ البخاري، ورواه أبو داود مرفوعاً وموقوفاً عليه. [صحيح] قَالَ مَالِكٌ فِي "الموطأ (¬4) ": أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي هَذَا أَنَّ اللَّغْوَ حَلِفُ الإِنْسَانِ عَلَى الشَّيْءِ يَسْتَيْقِنُ أَنَّهُ كَذَلِكَ ثُمَّ يُوجَدُ بِخِلَافِهِ, فَلَا كَفَّارَة فِيهِ، والَّذِي يَحْلِفُ عَلَى الشَّيْءِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ آثِمٌ كَاذِبٌ لِيَرْضَى بِهِ أَحَدًا وَيَقْتطِعَ بِهِ مَالاً، فَهَذَا أَعْظَمُ مِنْ أَنْ تَكُونَ لَهُ كَفَّارَةٌ. [صحيح] 47 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - في قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} قال: كَانَ الرَّجُلُ إِذَا طَلَّقَ امْرَأَتُهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِرَجْعَتِهَا وإنْ طَلَّقَهَا ثَلاَثًا، فَنُسِخَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ}. أخرجه أبو داود (¬5) والنسائي (¬6). [حسن الإسناد] 48 - وعن عروة بن الزبير قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ إِذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثُمَّ ارْتجَعَهَا قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا كَانَ ذَلِكَ لَهُ، وَإِنْ طَلَّقَهَا ألفَ مَرَّةٍ فَعَمَدَ رَجُلٌ إِلَى امْرَأَتِهِ فَطَلَّقَهَا حَتَّى إِذَا شَارَفَتِ انْقِضَاءَ عِدَّتِها ارْتجَعْهَا، ثُمَّ قَالَ: وَالله لاَ آوِيكِ إِلَيَّ وَلاَ تَحِلِّينَ أَبَدًا، فَأَنْزَلَ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ¬

_ (¬1) في صحيحه رقم (4613، 6663). (¬2) في "الموطأ" (2/ 77 رقم 9). (¬3) في "السنن" رقم (3254، 3195). (¬4) (2/ 277) وهو حديث صحيح. (¬5) في "السنن" رقم (2195). (¬6) في "السنن" رقم (3554). وهو حديث حسن الإسناد.

{الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} فَاسْتَقْبَلَ النَّاسُ طَلَاقَاً جَدِيدًا مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ مَنْ كَانَ طَلَّقَ أَوْ لَمْ يُطَلِّقْ. أخرجه مالك (¬1) والترمذي (¬2). [ضعيف] 49 - وَعَن مَعْقِلُ بْنُ يَسَارٍ - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَتْ لِي أُخْتٌ تْخْطَبُ إِلَيَّ وَأَمْنَعُهَا مِنَ النَّاسَ، فَأَتَانِي ابْنُ عَمٍّ فَأَنْكَحْتُهَا إِيَّاهُ, فَاصْطَحَبَا مَا شَاءَ الله، ثُمَّ طَلَّقَهَا طَلاَقًا لَهُ رَجْعَةٌ، ثُمَّ تَرَكَهَا حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، فَلَمَّا خُطِبَتْ إِلَيَّ أَتَانِي يَخْطُبُها مَعَ الْخُطَّابِ فَقُلْتُ لَهُ: خُطبَتْ إِلَيَّ فَمَنَعْتُهَا النَّاسَ وَآثَرْتُكَ بِهَا فزوَّجْتُك ثُمَّ طَلَّقْتَهَا طَلاَقًا لَهُ رَجْعَةٌ ثُمَّ تَرَكْتُهَا حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، فَلَمَّا خُطِبَتْ إِلَيَّ أَتَيْتَنِي تَخْطُبُها مَعَ الْخُطَّابِ، وَالله لَا أَنْكَحْتُكَهَا أَبَدًا. قَالَ فَفِيَّ نَزَلَتْ هَذِهِ الآية: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} الآية, قَالَ: فَكَفَّرْتُ عَنْ يَمِينِي وَأَنْكَحْتُهَا إِيَّاهُ. أخرجه البخاري (¬3) وأبو داود (¬4) والترمذي (¬5). [صحيح] وفي أخرى للبخاري (¬6): فَدَعَاهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فقَرَأَهَا عَلَيْهِ فَتَرَكَ الحَمْيَة وَاستَقَاد لَأَمْر الله - عز وجل -. 50 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ} هُوَ يَقُولُ: إِنِّي أُرِيدُ التَّزْوِيجَ، وَإنَّ النِّسَاءَ لمَنْ حَاجَتِي، وَلَوَدِدْتُ أَنَّهُ تَيَسَّرَ لِي امْرَأَةٌ صَالِحَةٌ. ¬

_ (¬1) في "الموطأ" (2/ 588 رقم 80). (¬2) في "السنن" رقم (1192). وهو حديث ضعيف. (¬3) في صحيحه رقم (4529، 5130). (¬4) في "السنن" رقم (2087). (¬5) في "السنن" رقم (2981) وهو حديث صحيح. (¬6) في صحيحه رقم (5331).

أخرجه البخاري (¬1). [صحيح] 51 - وَعَن عَليّ - رضي الله عنه - أَنَّ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ يَوْمَ الْأَحْزَابِ، وَفِي رِوَايَةٍ: يَوْمَ الْخَنْدَقِ: "مَلأَ الله قُبُورَهُمْ وَبُيُوتهمْ نَارًا، كَمَا شَغَلُونَا عَنْ الصَلاَةِ الْوُسطَى حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ". أخرجه الخمسة (¬2). [صحيح] وفي رواية: شَغَلُونَا عَنْ الصَلاَةِ الْوُسْطَى صَلَاةِ الْعَصْرِ. وزاد في أخرى: ثُمَّ صَلَّاهَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ والْعِشَاءِ، هذا لفظ الشيخين. قوله: "حتى أذن صلاة العصر (¬3) ". انتهى. ¬

_ (¬1) في صحيحه رقم (5124). (¬2) أخرجه البخاري رقم (2931) ومسلم رقم (202/ 627) وأبو داود رقم (409) والترمذي رقم (2984) وابن ماجه رقم (684). وهو حديث صحيح. (¬3) وهي الصلاة الوسطى وإليه ذهب علي بن أبي طالب، وأبو أيوب، وابن عمر، وابن عباس، وأبو سعيد الخدري، وأبو هريرة، وأبي بن كعب، وسمرة بن جندب، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعائشة، وحفصة، وأم سلمة، وعبيدة السلماني، والحسن البصري، وإبراهيم النخعي، والكلبي، ومقاتل، وأبو حنيفة، وأحمد، وداود، وابن المنذر. انظر: "الأوسط" (2/ 366) "المحلى" (4/ 260). "طرح التثريب" (2/ 173 - 174). "شرح معاني الآثار" (1/ 167). "الإنصاف" (1/ 432). انظر: تخريج هذه الآثار في "نيل الأوطار" (3/ 89 - 91 بتحقيقي) ط: دار ابن الجوزي - الدمام.

أقول: وقيل أيضاً: إنه الظهر (¬1)، أو المغرب (¬2)، أو العشاء (¬3)، أو مجموع الخمس (¬4)، أو الجمعة (¬5)، أو الجماعة (¬6)، أو الخوف (¬7)، أو الوتر (¬8) [263/ ب]، أو الضحى (¬9)، أو عيد الفطر (¬10)، أو عيد الأضحى (¬11)، أو صلاة الليل (¬12). ¬

_ (¬1) نقله الواحدي عن زيد بن ثابت، وأبي سعيد الخدري، وأسامة بن زيد، وعائشة. "الأوسط" (2/ 367) "التمهيد" (4/ 286) "طرح التثريب" (2/ 174). ونقله ابن المنذر عن عبد الله بن شداد, "الأوسط" (2/ 367). (¬2) وإليه ذهب قبيصة بن ذؤيب. انظر: "التمهيد" (4/ 293). (¬3) نسبه ابن سيد الناس وغيره إلى البعض من العلماء، وصرح في "البحر الزخار" بأنه مذهب الإمامية. "البحر الزخار" (1/ 160). (¬4) حكاه القاضي والنووي، ورواه ابن سيد الناس عن البعض. "الذخيرة" (1/ 417) شرح مسلم للنووي (5/ 129)، واختاره ابن عبد البر في "التمهيد" (4/ 294) وضعفه القاضي عياض، وقال النووي في "شرح مسلم" (5/ 129) وهو ضعيف أو غلط؛ لأن العرب لا تذكر الشيء مفصلاً ثم تجمله، وإنما تذكره مجملاً ثم تفصله، أو تفصل بعضه تنبيهاً على فضيلته. (¬5) حكاه الماوردي، وحكاه ابن مقسم في تفسيره, ونقله القاضي عياض عن البعض. "طرح التثريب" (2/ 174) "الذخيرة" (1/ 417). (¬6) حكي ذلك عن الإمام أبي الحسين الماوردي. في "النكت والعيون" (1/ 258) ط. الكويت. (¬7) ذكره الدمياطي في "كشف المغطى في تبيين الصلاة الوسطى" (ص 144) وقال: حكاه لنا من يوثق به من أهل العلم. (¬8) وإليه ذهب أبو الحسن علي بن محمد السخاوي المقري في "كشف المغطى" (ص 146). (¬9) رواه الدمياطي عن بعض شيوخه, ثم تردد في الرواية. في "كشف الغطاء" ص 150. (¬10) حكاه الدمياطي. "كشف المغطى" (ص 150). (¬11) ذكره ابن سيد الناس في شرح الترمذي، والدمياطي في "كشف المغطى" (ص 149). (¬12) انظر "فتح الباري" (2/ 197).

أقول: وقيل: هي واحدة من الخمس غير معينة (¬1)، وقيل: بالتوقف. وأخرج ابن جرير (¬2) عن سعيد بن المسيب [69/ أ] قال: كان أصحاب رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - مختلفين في الصلاة هكذا - وشبك بين أصابعه. وعدَّ في "فتح الباري (¬3) " عشرين قولاً. 52 - وَعَنْ أَبِي يُونُسَ مَوْلَى عَائِشَةَ قَالَ: أَمَرَتْنِي عَائِشَةُ - رضي الله عنها - أَنْ أَكْتُبَ لَهَا مُصْحَفًا وَقَالَتْ إِذَا بَلَغْتَ هَذِهِ الآيَةَ فَآذِنِّي: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} فَلَمَّا بَلَغْتُهَا آذَنْتُهَا فَأَمْلَتْ عَلَىَّ: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} وَصلاَةِ الْعَصْرِ، وَقُومُوا لله قَانِتِينَ. قَالَتْ عَائِشَةُ - رضي الله عنها -: سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -. أخرجه الستة (¬4) إلا البخاري. [صحيح] ¬

_ (¬1) رواه ابن سيد الناس عن زيد بن ثابت، والربيع بن خيثم، وسعيد بن المسيب، ونافع، وشريح، وبعض العلماء. "عمدة القارئ" (18/ 24) "النكت والعيون" (1/ 258) "فتح الباري" (2/ 174). (¬2) في "جامع البيان" (4/ 359 - 360). (¬3) (8/ 195 - 198). (¬4) أخرجه مسلم رقم (929) ومالك في "الموطأ" (1/ 138 - 139) وأبو داود رقم (410) والترمذي رقم (2982) والنسائي رقم (472). وأجيب عن هذا بما يلي: 1 - قال النووي في "شرح صحيح مسلم" (5/ 130 - 131): "إنها قراءة شاذة، والقراءة الشاذة لا يحتج بها، ولا يكون لها حكم الخبر عن رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - لأن ناقلها لم ينقلها إلا على أنها قرآن، والقرآن لا يثبت إلا بالتواتر بالإجماع، وإذا لم يثبت قرآناً لا يثبت خبراً، والمسألة مقررة في أصول الفقه" اهـ. 2 - وقال ابن التركماني في "الجوهر النقي" (1/ 463 - 464): "هذه قراءة شاذة، والشافعي ومالك لا يجعلان القراءة الشاذة قرآناً ولا خبراً، ويسقطان الاحتجاج بها، ولو سلمنا أنه يحتج بها، لا نسلم أن العطف هنا يقتضي المغايرة بل يحتمل أن يكون للعصر اسمان، أحدهما: الوسطى، والآخر: العصر". =

53 - وَعَن عَمْرو بْن رَافِعٍ - رضي الله عنه -: أَنَّه كَانَ يَكْتُبُ لِحَفْصَةَ - رضي الله عنها - مُصْحَفَاً فَذَكَرَ عَنْهَا مِثْلَ مَا قَالَتْ عَائِشَةُ - رضي الله عنها -. أخرجه مالك (¬1). [حسن] 54 - وَعَنْ شَقِيقِ بْنِ عُقْبَةَ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ} وَصَلاةِ الْعَصْرِ، فَقَرَأْناهَا مَا شَاءَ الله، ثُمَّ نَسَخَهَا الله تَعَالَى فَنَزَلتْ {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} فَقَالَ رَجُلٌ كَانَ جَالِساً عِنْدَ شَقِيقٍ لَهُ: هِيَ إِذًا صَلاَةُ الْعَصْرِ. فَقَالَ الْبَرَاءُ: قَدْ أَخبَرْتُكَ كَيْفَ نَزَلَتْ وَكَيْفَ نَسَخَهَا الله تعالى. أخرجه مسلم (¬2). [صحيح] ¬

_ = 3 - وأخرج الطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/ 172 - 173): "عن عمرو بن رافع، قال: كان مكتوباً في مصحف حفصة بنت عمر - رضي الله عنها - (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى، وهي صلاة العصر، وقوموا لله قانتين) ". 4 - وقال الحافظ العلائي: "ما جاء عن عائشة وحفصة من قراءة: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر) فإن العطف يقتضي المغايرة, وهذا يرد عليه إثبات القرآن بخبر الآحاد وهو ممتنع، وكونه ينزل منزلة خبر الواحد مختلف فيه، وإن سلمنا لكن لا يصلح معارضاً للمنصوص صريحاً، وأيضاً فليس العطف صريحاً في اقتضاء المغايرة، لوروده في نسق الصفات؛ كقوله تعالى: {الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ} [الحديد: 3]. (¬1) في "الموطأ" (1/ 139). وأخرجه ابن حبان رقم (1722 - موارد) وهو حديث حسن. (¬2) في صحيحه رقم (630). قلت: وأخرجه أحمد (4/ 301). وهو حديث صحيح.

55 - وعَنْ مَالِكٍ (¬1): أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبيِ طَالِبٍ - رضي الله عنه -، وَابْنَ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - كَانَا يَقُولاَنِ: الصَّلاَةُ الْوُسْطَى صَلاَةُ الصُّبْحِ. وأخرجه الترمذي (¬2) عن ابن عباس وابن عمر تعليقاً. [موقوف ضعيف] 56 - وَعَن زَيْد بْن ثَابِتٍ وَعَائِشَة - رضي الله عنهما - أَنَّهُما قَالَا: الصَّلَاةُ الْوُسْطَى صَلَاةُ الظُّهْرِ. أخرجه مالك (¬3) عن زيد والترمذي (¬4) عنهما. [موقوف صحيح] 57 - وعند أبي داود (¬5) - رحمه الله -: عَنْ زَيْدِ - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي الظُّهْرَ بِالْهَاجِرَةِ, وَلَمْ يَكُنْ يُصَلِّي صَلاَةً أَشَدَّ عَلَى أَصْحَابِهِ مِنْهَا فَنَزَلَتْ: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} قَالَ: "إِنَّ قَبْلَهَا صَلاتَيْنِ وَبَعْدَهَا صَلاَتَيْنِ". [صحيح] 58 - وعن عبد الله بْن الزُّبَيْرِ - رضي الله عنه - قَالَ: قُلْتُ لِعُثْمَانَ - رضي الله عنه -: هَذِهِ الآيَةُ الَّتِي فِي الْبَقَرَةِ: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا} إِلَى قَوْلِهِ: {غَيْرَ إِخْرَاجٍ} قَدْ نَسَخَتْهَا الْآيةُ الأُخْرَى فَلِمَ تَكْتُبُهَا؟ قَالَ: نَدَعُهَا يَا ابْنَ أَخِي؟ لاَ أُغَيِّرُ شَيْئًا مِنْ مَكَانِهِ. أخرجه البخاري (¬6). [صحيح] قوله: "فلم تكتبها؟ [ولم] (¬7) ندعها"، كذا في الأصول بصيغة الاستفهام الإنكاري كأنه قال: لم تكتبها، وقد عرفت أنها منسوخة، أو قال: ندعها، أي: نتركها [264/ ب] مكتوبة. وهو شك من الراوي أيُّ اللفظين قاله، وهذه أحد ألفاظ الرواية في البخاري. ¬

_ (¬1) في "الموطأ" (1/ 139) موقوف ضعيف. (¬2) في "السنن" عقب الحديث رقم (182). (¬3) في "الموطأ" (1/ 139 رقم 27) موقوف صحيح. (¬4) في "السنن" عقب الحديث رقم (182). (¬5) في "السنن" رقم (411). قلت: وأخرجه أحمد (5/ 183)، وهو حديث صحيح. (¬6) في صحيحه رقم (4530 و4536). (¬7) في (أ) أو.

قلت: "نكتبها أو ندعها؟ قال: يا ابن أخي! لا أغير منه شيئاً من مكانه". 59 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -! قَالَ: "إِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ سَنَامَاً، وإِنَّ سَنَامَ الْقُرْآنِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ, وَفِيهَا آيَةٌ هِيَ سَيِّدَةُ آيِ الْقُرْآنِ: آيَةُ الْكُرْسِيِّ". أخرجه الترمذي (¬1). [ضعيف] قوله: "آية الكرسي. أخرجه الترمذي". قلت: وقال عقبه (¬2): هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث حكيم بن جبير وقد تكلم شبة في حكيم بن جبير وضعفه. 60 - وَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "يَا أَبَا الْمُنْذِرِ! أَتَدْرِى أَيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ الله مَعَكَ أَعْظَمُ؟ ". قُلْتُ: الله لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ. قَالَ فَضَرَبَ فِي صَدْرِي وَقَالَ: "لِيَهْنِكَ الْعِلْمُ أَبا الْمُنْذِرِ". أخرجه مسلم (¬3) وأبو داود (¬4). [صحيح] 61 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: "وَكَّلَنِي رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بِحِفْظِ زَكَاةِ رَمَضَانَ، فَأَتَانِي آتٍ فَجَعَلَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَام، فَأَخَذْتُهُ فَقُلْتُ: وَالله لأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: إِنِّي مُحْتَاجٌ، وَعَلَيَّ عِيَالٌ، ولي حَاجَةٌ شَدِيدَةٌ، قَالَ: فَخَلَّيْتُ عَنْهُ، فَأَصْبَحْتُ فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "يَا أَبَا هُرَيْرَةَ مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ الْبَارِحَةَ". فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله شَكَا حَاجَةً شَدِيدَةً وَعِيَالاً فَرَحِمْتُهُ، فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ، قَالَ: "أَمَا إِنَّهُ قَدْ كَذَبَكَ وَسَيَعُود"، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ سَيَعُودُ لِقَوْلِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَرَصَدْتُهُ فَجَاءَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ فَأَخَذْتُهُ فَقُلْتُ لأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: دَعْنِي فَإِنِّي مُحْتَاجٌ، وَعَلَىِّ عِيَالٌ لاَ أَعُودُ، فَرَحِمْتُهُ فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ، فَأَصْبَحْتُ، فَقَالَ لِي رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "يَا أَبَا ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (2878) وهو حديث ضعيف. (¬2) في "السنن" (5/ 157). (¬3) في صحيحه رقم (810). (¬4) في "السنن" رقم (1460). وهو حديث صحيح.

هُرَيْرَةَ! مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ الْبَارِحَةَ؟ " فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله! شَكَا حَاجَةً شَدِيدَةً وَعِيَالاً فَرَحِمْتُهُ فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ, قَالَ: "أَمَا إِنَّهُ قَدْ كَذَبَكَ وَسَيَعُودُ"، فَرَصَدْتُهُ الثَّالِثَةَ فَجَاءَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ، فَأَخَذْتُهُ فَقُلْتُ لأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، وَهَذَا آخِرُ ثَلاَثِ مَرَّاتٍ أَنَّكَ تَزْعُمُ أَنَّكَ لاَ تَعُودُ، فَقَالَ: دَعْنِي فَإِنَّي أُعَلِّمْكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ الله بِهَا، قُلْتُ: مَا هُيَ؟ قَالَ: إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِيِّ {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} حَتَّى تَخْتِمَ الآيَةَ، فَإِنَّهُ لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ الله حَافِظٌ وَلاَ يَقْرَبَنَّكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ، فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ فَأَصْبَحْتُ، فَقَالَ لِي رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ البارِحَةَ"، فَقُلْتُ: يا رَسُولَ الله زَعَمَ أَنَّهُ يُعَلِّمُنِي كَلِمَاتٍ، يَنْفَعُنِي الله بِهَا، فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ. فقَالَ: "مَا هِىَ؟ ". قُلْتُ: قَالَ لِي: إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِىِّ مِنْ أَوَّلِهَا حَتَّى تَخْتِمَ الْآيَة: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} وَقَالَ لِي: لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ حَافِظٌ مِنَ الله تَعَالَى حَتَّى تُصْبِحَ، وَلاَ يَقْرَبَكَ شَيْطَانٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَمَا إِنَّهُ قَدْ صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ، تَعْلَمُ مَنْ تُخَاطِبُ مُنْذُ ثَلاَثِ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ" قُلْتُ: لاَ، قَالَ: "ذَاكَ شَيْطَانٌ". أخرجه البخاري (¬1). [صحيح] 62 - وَعَنْ أَبي أَيُّوبَ الأنْصارِيِّ - رضي الله عنه -: أَنَّهُ كَانَ لهُ سَهْوَةٌ فِيهَا تَمْرٌ، وَكَانَتْ تَجِيءُ الْغُولُ فتَأْخُذُ مِنْهُ قَالَ فَشَكَا ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "اذْهَبْ فَإِذَا رَأَيْتَهَا فَقُلْ: بِسْمِ الله أَجِيبِي رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - ". قَالَ: فَأَخَذَهَا فَحَلَفَتْ أَنْ لاَ تَعُودَ فَأَرْسَلَهَا فَجَاءَ إِلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ؟ ". فَقَالَ: حَلَفَتْ أَنْ لاَ تَعُودَ فَقَالَ: "كَذَبَتْ وَهِيَ مُعَاوِدَةٌ لِلْكَذِبِ"، فَأَخَذَهَا مَرَّةً أُخْرَى فَحَلَفَتْ أَنْ لاَ تَعُودَ فَأَرْسَلَهَا فَجَاءَ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ؟ ". فَقَالَ: حَلَفَتْ أَنْ لاَ تَعُودَ. فَقَالَ "كَذَبَتْ وَهِىَ مُعَاوِدَةٌ لِلْكَذِبِ". فَأَخَذَهَا فَقَالَ: مَا أنَّا بِتَارِكِكِ حَتَّى أَذْهَبَ بِكِ إِلَى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ: إِنِّي ذَاكِرَةٌ لَكَ شَيْئًا آيَةَ الْكُرْسِيِّ اقْرَأْهَا فِي بَيْتِكَ فَلاَ ¬

_ (¬1) في صحيحه رقم (2311).

يَقْرَبُكَ شَيْطَانٌ وَلاَ غَيْرُهُ، فَجَاءَ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ"، فَأَخْبَرَهُ بِمَا قَالَتْ، فَقَالَ: "صَدَقَتْ وَهِىَ كَذُوبٌ". أخرجه الترمذي (¬1). [صحيح لغيره] "السهوة (¬2) " بيت صغير منحدر في الأرض شبه المخدع والخزانة. قوله: "قال: صدقك وهو كذوب. أخرجه الترمذي". قلت: وقال (¬3): هذا حديث حسن غريب [265/ ب]. 63 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: نَزَلَ قُولُه تَعَالَى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} فِي الْأَنْصارِ، كَانَتِ الْمَرْأَةُ تَكُونُ مِقْلاَةً فَتَجْعَلُ عَلَى نَفْسِهَا إِنْ عَاشَ لَهَا وَلَدٌ أَنْ تُهَوِّدَهُ فَلَمَّا أُجْلِيَتْ بَنُو النَّضِيِر كَانَ فِيهِمْ مِنْ أَبْنَاءِ الأَنْصارِ فَقَالُوا لاَ نَدَعُ أَبْنَاءَنَا فَأَنْزَلَ الله - عز وجل -: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ}. أخرجه أبو داود (¬4). [صحيح] وقال (¬5): "المقلاة" التي لا يعيش لها ولد. 64 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "نَحْنُ أَحَقُّ بِالشَّكِّ مِنْ إِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} وَيَرْحَمُ الله لُوطًا لَقَدْ كَانَ يَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ وَلَوْ لَبِثْتُ فِي السِّجْنِ طُولَ لَبْثِ يُوسُفَ لأَجَبْتُ الدَّاعِيَ". ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (2880) وهو حديث صحيح لغيره. (¬2) انظر: "النهاية" (1/ 831) "الفائق في غريب الحديث" (4/ 211). (¬3) في "السنن" (5/ 159). (¬4) في "السنن" رقم (2682) وهو حديث صحيح. (¬5) أبو داود في "السنن" (3/ 133).

أخرجه الشيخان (¬1) والترمذي (¬2)، وهذا لفظ الشيخين. [صحيح] 65 - وعند الترمذي (¬3) قال: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ الْكَرِيمَ بْنَ الْكَرِيمِ بْنِ الْكَرِيمِ بْنِ الْكَرِيمِ يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: وَلَوْ لَبِثْتُ فِي السِّجْنِ مَا لَبِثَ ثمَّ جَاءَنِي الرَّسُولُ لأجَبْت، ثُمَّ قَرَأ: {فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ} قَالَ: ورَحْمَةُ الله تَعَالى عَلى لُوطٍ إِنْ كَانَ ليَأوِي إِلَى رُكْنٍ شدِيدٍ فَمَا بَعَثَ الله تَعَالَى مِنْ بَعْدِهِ نَبِيًّا إِلاَّ فِي ذِرْوَةٍ مِنْ قَوْمِهِ". [صحيح] قوله: "نحن أحق بالشك من إبراهيم". [قال] (¬4) ابن الأثير (¬5): {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى} قال بعض من سمعها: شكَّ إبراهيم - عليه السلام - ولم يشك نبينا، فقال رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - تواضعاً منه وتقديماً لإبراهيم على نفسه: "نحن أحق بالشك منه". والمعنى أننا لم نشك ونحن دونه فكيف يشك هو. انتهى. وقال أبو حاتم (¬6) ابن حبان: لم يرد - صلى الله عليه وسلم - بالشك الشك في إحياء الموتى بل الشك [266/ ب] في استجابة الدعاء؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - قال: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى}، ولم يذعن ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (3353، 3372) ومسلم رقم (2378). (¬2) في "السنن" رقم (3116). (¬3) في "السنن" رقم (3116). (¬4) زيادة يقتضيها السياق. (¬5) في "غريب الجامع" (2/ 55). (¬6) في صحيحه (14/ 89 - 90).

أنه يستجاب له في دعائه وسؤاله، فقال نبينا - صلى الله عليه وسلم -: "نحن أولى بالشك من إبراهيم"، يريد في استجابة الدعاء، ومحصول هذا الكلام أن لفظه إخبار يراد به التعليم للمخاطب لنبيه. انتهى. قيل: والتحقيق أن المراد بالشك ها هنا الوسواس الذي لا يدخل دفع وروده تحت القدرة لا الشك المستوي الطرفين، ونظيره ما حكى الله عن موسى - عليه السلام - حيث قال: {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى (67)} (¬1) مع معرفته ببطلان ما فعل السحرة, وأن الله سيظهره عليهم. 66 - وَعَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بنُ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - لأَصْحَابِ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: فِيمَ ترَوْنَ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ: {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ} قَالُوا الله وَرَسُوْلُه أَعْلَمُ، فَغَضِبَ عُمَرُ - رضي الله عنه - فَقَالَ: قُولُوا نَعْلَمُ أَوْ لاَ نَعْلَمُ، فَقَالَ ابْن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: فِي نَفْسِي مِنْهَا شَيْءٌ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ يَا ابْنَ أَخِي! قُلْ وَلاَ تَحْقِرْ نَفْسَكَ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ضُرِبَتْ مَثَلاً لِعَمَلٍ، قَالَ عُمَرُ: أَيُّ عَمَلٍ؟ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لِعَمَلٍ رَجُلٍ غَنِىٍّ يَعْمَلُ بِطَاعَةِ الله - عز وجل -، ثُمَّ بَعَثَ الله تَعَالَى لَهُ الشَّيْطَانَ فَعَمِلَ بِالْمَعَاصِي حَتَّى أَغْرَقَ أَعْمَالَهُ. أخرجه البخاري (¬2). [صحيح] قوله (¬3): "أغرق أعماله الصالحة"، أضاعها بما ارتكب من المعاصي، وأغرق: بالمعجمة فراء فقاف. وأخرج هذا الحديث ابن المنذر (¬4) من وجه آخر وفيه بعد قوله: "أي عمل؟ فقال ابن عباس: شيء ألقي في روعي، قال: صدقت يا ابن أخي"، عني بها العمل ابن آدم، أفقر ما ¬

_ (¬1) سورة طه الآية 67. (¬2) في صحيحه رقم (4538). (¬3) ابن الأثير في "جامع الأصول" (2/ 56). (¬4) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (2/ 47 - 48).

يكون إلى جنته [267/ ب] إذا كبر وكثر عياله، وابن آدم أفقر ما يكون إلى عمله يوم يبعث صدقت يا ابن أخي". 67 - وَعَنِ الْبَرَاءِ - رضي الله عنه - فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} نَزَلَتْ فِينَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ، كُنَّا أَصْحَابَ نَخْلٍ فَكَانَ الرَّجُلُ يَأْتِي مِنْ نَخْلِهِ عَلَى قَدْرِ كَثْرَتِهِ وَقِلَّتِهِ، وَكَانَ الرَّجُلُ يَأْتِي بِالْقِنْوِ وَالْقِنْوَيْنِ فَيُعَلِّقُهُ فِي الْمَسْجِدِ، وَكَانَ أَهْلُ الصُّفَّةِ لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ فَكَانَ أَحَدُهُمْ إِذَا جَاعَ أَتَى الْقِنْوَ فَضَرَبَهُ بِعَصَاهُ فَيَسْقُطُ مِنَ الْبُسْرِ وَالتَّمْرِ فَيَأْكُلُ، وَكَانَ نَاسٌ مِمَّنْ لاَ يَرْغَبُ فِي الْخَيْرِ يَأْتِي الرَّجُلُ بِالْقِنْوِ فِيهِ الشِّيصُ وَالْحَشَفُ وَبِالْقِنْوِ قَدِ انْكَسَرَ فَيُعَلِّقُهُ فَأَنْزَلَ الله تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (267)}، قَالَ: لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أُهْدِىَ إِلَيْهِ مِثْلُ مَا أَعْطَى لَمْ يَأْخُنْهُ إِلاَّ عَلَى إِغْمَاضٍ وَحَيَاءٍ، قَالَ: فَكُنَّا بَعْدَ ذَلِكَ يَأْتِي أَحَدُنَا بِصَالِحِ مَا عِنْدَهُ. أخرجه الترمذي (¬1) وصححه. [صحيح] "الشيص (¬2) " نوع رديء من التمر كالحشف ونحوه، وقد لا يكون فيه نوى. قوله (¬3): "أهل الصفة"، هم الفقراء من الصحابة الذين كانوا يسكنون صفة المسجد لا مسكن لهم، ولا مكسب ولا مال، ولا ولد إنما كانوا متوكلين ينتظرون من يتصدق عليهم بشيء، يأكلونه ويلبسونه. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (2987) قلت: وأخرجه ابن ماجه رقم (1822). وهو حديث صحيح. (¬2) انظر: "النهاية" (1/ 905). "المجموع المغيث" (2/ 239). (¬3) ذكره ابن الأثير في "جامع الأصول" (2/ 57 - 58).

قوله (¬1): {إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ} الإغماض: المسامحة والمساهلة يقول في البيع: اغمض لي إذا استزدته من المبيع أو استحططته من الثمن. "أخرجه الترمذي". قلت: وقال (¬2): حسن صحيح غريب، وأبو مالك هو الغفاري، ويقال: اسمه غزوان. 68 - وَعَن ابْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ لِلشَّيْطَانِ لَمَّةً بِابْنِ آدَمَ، وَلِلْمَلَكِ لَمَّةً، فَأمَّا لَمَّةُ الشَّيْطَانِ فَإِيعَادٌ بِالشَّرِّ وَتَكْذِيبٌ بِالْحَقِّ، وَأَمَّا لَمَّةُ الْمَلَكِ فَإِيعَادٌ بِالْخَيْرِ وَتَصْدِيقٌ بِالْحَقِّ، فَمَنْ وَجَدَ مِن ذَلِكَ شَيْئاً فَلْيَعْلَمْ أَنَّهُ مِنَ الله تَعَالَى فَلْيَحْمَدِ الله تَعَالَى، وَمَن وَجَدَ الأخْرَى فليَتَعَوّذْ بِالله مِنَ الشيْطانِ. ثمَّ قرَأ: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ} ". الآية، أخرجه الترمذي (¬3). [صحيح] قوله: "لمة (¬4) "، اللمَّة: الهِمَّة تقع في القلب أراد إلمام الملك أو الشيطان. يريد القُرب منه فما كان من خطرات الخير فهو من الملك، وما كان من خطرات الشر فهو من الشيطان. قوله: "أخرجه الترمذي". قلت: ثم قال (¬5): هذا حديث حسن غريب، وهو حديث أبي الأحوص لا نعلمه مرفوعاً إلا من حديث أبي الأحوص. ¬

_ (¬1) ذكره ابن الأثير في "جامع الأصول" (2/ 57 - 58). (¬2) في "السنن" (5/ 219). (¬3) في "السنن" رقم (2988) وهو حديث صحيح. (¬4) انظر: "النهاية" (2/ 616) "غريب الحديث" للخطابي (3/ 284). (¬5) في "السنن" (5/ 220).

69 - وَعَنْ مَرْوَانَ الأَصْفَرِ عن ابن عمر - رضي الله عنهما -: فِي قولُهُ تَعَالَى: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (284)} نسختها الآية التي بعدها. أخرجه البخاري (¬1). [صحيح] قوله [268/ ب]: "عن مروان الأصفر، عن ابن عمر". أقول: قال الحافظ (¬2): لم يتضح لي من هو الجازم بأنه ابن عمر فإن الرواية (¬3) الآتية يعني في البخاري بعد هذه وقعت بلفظ: أحسبه ابن عمر، وعندي في ثبوت أنه ابن عمر توقف؛ لأنه ثبت أن ابن عمر لم يكن اطلع على كون هذه الآية منسوخة. قوله: "نسختها"، أي: أزالت ما تضمنت من الشدة وبينت أنها وإن وقعت المحاسبة، لكنها لا تقع المؤاخذة، أشار إلى ذلك الطبري (¬4) فراراً من ثبوت دخول النسخ (¬5) في الإخبار. وأجيب: بأنه وإن كان خيراً لكنه يتضمن حكماً، وما كان من الأخبار يتضمن الأحكام أمكن دخول النسخ (¬6) فيه كسائر الأحكام، وإنما الذي لا يدخله النسخ من الأخبار ما كان خبراً محضاً لا يتضمن حكماً كالإخبار عما مضى من أحاديث الأمم ونحو ذلك. ¬

_ (¬1) في صحيحه رقم (4545) وطرقه رقم (4546). (¬2) في "فتح الباري" (8/ 206). (¬3) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (4546). (¬4) في "جامع البيان" (5/ 126 - 128). (¬5) انظر تفصيل ذلك في "شرح الكوكب المنير" (3/ 541)، "البحر المحيط" (4/ 98 - 100). المحصول (3/ 325). (¬6) إن كان خبراً عما لا يجوز تغيّره كقولنا: العالم حادث، فهذا لا يجوز نسخه بحال، وإن كان خبراً عما يجوز تغيُّره فإما أن يكون ماضياً أو مستقبلاً، والمستقبل إما أن يكون وعداً أو وعيداً، أو خبراً عن حكم كالخبر عن وجوب الحج فذهب الجمهور إلى جواز النسخ لهذا الخبر بجميع هذه الأقسام. =

ويحتمل أن يكون المراد بالنسخ التخصيص، فإن المتقدمين يطلقون النسخ عليه كثيراً. 70 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: "لَمَّا نَزَلَ قَولُهُ تَعَالَى: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} الآية، اشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى الصَّحَابةِ - رضي الله عنهم - فَأَتَوْا رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - وَبَرَكُوا عَلَى الرُّكَبِ وَقَالُوا: أَيْ رَسُولَ الله كُلِّفْنَا مِنَ الأَعْمَالِ مَا نُطِيقُ: الصَّلاَةُ، وَالصِّيَامُ، وَالْجِهَادُ, وَالصَّدَقَةُ؛ وَقَدْ أَنْزَلَ الله تَعَالَى عَلَيْكَ هذِه الآيَةُ وَلاَ نُطِيقُهَا، فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَتُرِيدُونَ أَنْ تَقُولُوا كَمَا قَالَ أَهْلُ الْكِتَابَيْنِ مِنْ قَبْلِكُمْ: سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا؟ بَلْ قُولُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ"، فَلَمَّا اقْتَرَأَهَا الْقَوْمُ وَدَلَّتْ بِهَا ألسِنَتُهُمْ أَنْزَلَ الله فِي إِثْرِهَا: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285)}، فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ نَسَخَهَا الله تَعَالَى فَأَنْزَلَ: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} قَالَ نَعَمْ، {رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا} قَالَ نَعَمْ، {رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} قَالَ نَعَمْ، وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ، قَالَ نَعَمْ". أخرجه مسلم (¬1). [صحيح] قوله: "وذلت"، أي: استسلمت. ¬

_ = انظر "المحصول" (3/ 325) "البحر المحيط" (4/ 98 - 100). (¬1) في صحيحه رقم (125). قلت: وأخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (5/ 130 - 131) وابن أبي حاتم في تفسيره رقم (574, 575، 579) والبيهقي في "الشعب" رقم (327) والواحدي في "أسباب النزول" (ص 66).

(سورة آل عمران)

قوله: "إصراً"، الإصر: العهد والميثاق، وقيل: الحمد الثقيل، وفي صحيح البخاري (¬1) قال ابن عباس: إصراً: عهداً، وأصل الإصر الشيء الثقيل [269/ ب]. قال ابن حجر (¬2): تفسيره بالعهد تفسير باللازم؛ لأن الوفاء بالعهد شديد. 71 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّ الله تَعَالَى تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا، مَا لَمْ يَعْمَلُوا بِهِ أَوْ يَتكلَّموا". أخرجه الخمسة (¬3). (سورة آل عمران) 1 - عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: "تَلَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ} وَقَرَأْتُ إِلَى: {يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (7)} قَالَ "فَإِذَا رَأَيْتُمُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ سَمَّاهُمُ الله فَاحْذَرُوهُمْ". أخرجه الخمسة (¬4) إلا النسائي. [صحيح] قوله: "فأولئك الذين سماهم الله فاحذروهم". قال ابن حجر (¬5): المحكم من القرآن ما وضح معناه، والمتشابه نقيضه، وسمي المحكم بذلك لوضوح مفردات كلامه، وإتقان تركيبها بخلاف المتشابه. وقيل: المحكم ما عرف المراد منه إما بالظهور وإما بالتأويل، والمتشابه: ما استأثر الله بعلمه: كقيام الساعة، وخروج ¬

_ (¬1) في صحيحه (8/ 206 الباب رقم 55 - مع الفتح). (¬2) في "فتح الباري" (8/ 207). (¬3) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (6664) ومسلم رقم (127) وأبو داود رقم (2209) والترمذي رقم (1183) وابن ماجه رقم (2040) والنسائي في "السنن" رقم (2433 - 3435). (¬4) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (4547) ومسلم رقم (2665) وأبو داود رقم (4598) والترمذي رقم (2993) وابن ماجه رقم (47). (¬5) في "فتح الباري" (8/ 211) نقلاً عن الطيبي.

الدجال، والحروف المقطعة في أوائل السور. وقيل في تفسير المحكم والمتشابه أقوال أخر غير هذه نحو العشرة (¬1)، وليس هذا موضع بسطها وما ذكرته أشهرها [70/ أ] وأقربها إلى الصواب. وقوله: "فاحذروهم"، المراد التحذير (¬2) من الإصغار إلى الذين يتبعون المتشابه من القرآن، وأول ما ظهر ذلك من اليهود كما ذكره ابن إسحاق من تأويلهم الحروف المقطعة، وأن عددها بالجمل مقدار مدة هذه الأمة، ثم أول ما ظهر في الإسلام من الخوارج حتى جاء عن ابن عباس أنه فسر بهم الآية. وقال الخطابي (¬3): المتشابه على ضربين: أحدهما: ما إذا رد إلى المحكم واعتبر [270/ ب] به عرف معناه. والآخر: ما لا سبيل إلى تأويله، ولا يبلغون كنهه فيهابون منه فينتهون. انتهى. 2 - وعَنْ سَعِيدٍ بن جُبَير - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنه -: إِنِّي أَجِدُ فِي الْقُرْآنِ أَشْيَاءَ تَخْتَلِفُ عَلَيَّ؟ قَالَ: وَمَا هِي؟ قَالَ: {فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ (101)} (¬4)، وَقَالَ: {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (27)} (¬5)، وَقَالَ: {وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا (42)} (¬6)، وَقَالَ: {قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ (23)} (¬7)، فَقَدْ كَتَمُوا فِي هَذه الآيَةِ، وَفي ¬

_ (¬1) انظر "فتح الباري" (8/ 210 - 211). (¬2) ذكره الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (8/ 211). (¬3) في "غريب الحديث" للخطابي (2/ 166). (¬4) سورة المؤمنون الآية (101). (¬5) سورة الصافات الآية (27). (¬6) سورة النساء الآية (24). (¬7) سورة الأنعام الآية (23).

النَّازِعَاتِ (¬1): {أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا (27)} إِلَى قَوْلِهِ: {دَحَاهَا (30)} فَذَكَرَ خَلْقَ السَّمَاءِ قَبْلَ خَلْقِ الأَرْضِ، ثُمَّ قَالَ: {أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا} إِلَى قَوْلِهِ: {طَائِعِينَ (11)} (¬2)، فَذَكَرَ فِي هَذ الآية خَلْقَ الأَرْضِ قَبْلَ السَّمَاءِ؛ وَقَالَ: {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (50)} (¬3)، وَقَالَ: {وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (19)} (¬4)، {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (134)} (¬5)، فكَأنَّهُ كَانَ ثُمَّ مَضَى، قَالَ ابْن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: {فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ} فِي النَّفْخَةِ الأُولَى يُنْفَخُ فِي الصُّورِ، فَصعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شَاءَ فَلاَ أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ وَلاَ يَتَسَاءَلُونَ؛ ثُمَّ فِي النَّفْخَةِ الثَّانِيَةِ: أَقْبَلَ بَعْضهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ؛ وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ (23)} {وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا (42)}، فَإِنَّ الله تَعَالَى يَغْفِرُ لأَهْلِ الإِخْلاَصِ ذُنُوبَهُمْ وَقَالَ الْمُشْرِكُونَ تَعَالَوْا نَقُولُ لَمْ نَكُنْ مُشْرِكِينَ، فَيختم الله عَلَى أَفْوَاهِهِمْ فتَنْطِقُ جُوَارِحُهُمْ بَأَعْمَالِهمْ، فَعِنْدَ ذَلِكَ عُرِفَ أَنَّ الله لاَ يُكْتَمُ حَدِيثًا وَعِنْدَهُ: {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ (2)}، وَخَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ، ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ، فَسَواهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ آخَرَيْنِ، ثُمَّ دَحَا الأَرْضَ: أَيْ: بَسَطَهَا، وأَخْرَجَ مِنْهَا الْمَاءَ وَالْمَرْعَى، وَخَلَقَ الجبَالَ وَالْأَشْجَارَ وَالآكَامَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي يَوْمَيْنِ آخَرَيْنِ، فَذَلِكَ قَولهُ تعالى: {وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا (30)}، فَخُلِقَتِ الْأَرْضُ وَمَا فِيهَا مِنْ شَيْءٍ في أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ وَخُلِقَتِ السَّمَوَاتُ ¬

_ (¬1) سورة النازعات الآية (27 - 30). (¬2) سورة فصلت الآية (9 - 11). (¬3) سورة الأحزاب الآية (50). (¬4) سورة الفتح الآية (19). (¬5) سورة النساء الآية 134.

فِي يَوْمَيْنِ. وَقَوْلِهِ - عز وجل -: {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (96)}؛ سَمَّى نَفْسَهُ بِذَلِكَ: أَيْ لَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ، وَإِنَّ الله تَعَالَى لَمْ يُرِدْ شَيْئًا إِلاَّ أَصَابَ بِهِ الَّذِي أَرَادَ، وَيْحَكَ فَلاَ يَخْتَلِفْ عَلَيْكَ الْقُرْآنُ، فَإِنَّ كُلاًّ مِنْ عِنْدِ الله - عز وجل -. أخرجه البخاري (¬1). [صحيح] قوله: "قال رجل لابن عباس"، الرجل هو نافع (¬2) بن الأزرق من الخوارج وحاصل أجوبة ابن عباس أنه لا اتحاد في الموقف، بل هو أوقات عديدة وأحوال مختلفة، والإيراد مبني على اتحاد الوقت. 3 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: لَمَّا أَصَابَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - قُرَيْشًا يَوْمَ بَدْرٍ وَقَدِمَ الْمَدِينَةَ جَمَعَ الْيَهُودَ وَقَالَ: "أَسْلِمُوا قَبْلَ أَنْ يُصِيبَكُمْ مَا أَصَابَ قُرَيْشًا"، قَالُوا: يَا مُحَمَّدُ! لاَ يَغُرَّنَّكَ مِنْ نَفْسِكَ أَنَّكَ قَتَلْتَ نَفَرًا مِنْ قُرَيْشٍ أَغْمَارًا لاَ يَعْرِفُونَ الْقِتَالَ، إِنَّكَ لَوْ قَاتَلْتَنَا لَعَرَفْتَ أَنَّا نَحْنُ النَّاسُ وَأَنَّكَ لَمْ تَلْقَ مِثْلَنَا، فَأَنْزَلَ الله - عز وجل - فِي ذَلِكَ: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ} إِلَى قَوْلِهِ: {فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}: أي: بِبَدْرٍ {وَأُخْرَى كَافِرَةٌ}. أخرجه أبو داود (¬3). [ضعيف] قوله [271/ ب] "فأنزل الله {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا} أي اليهود {سَتُغْلَبُونَ} إن حاربتم رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - {وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ} الآية. ¬

_ (¬1) في صحيحه (8/ 555 - 556 الباب رقم 41 - مع الفتح). (¬2) انظر "فتح الباري" (8/ 557 - 558). (¬3) في "السنن" رقم (3001) وهو حديث ضعيف.

فهو إخبار [بما يقع] (¬1) لهم، وقد كان كذلك فإن الثلاث الطوائف من اليهود بني قينقاع والنضير وقريظة هم الذين كانوا يحاربونه فغلبوا، وأخرج منها من أخرج، وقتل من قتل ثم خيبر كذلك. 4 - وَعَنْ ابْن مَسْعُود - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ وُلاةً مِنَ النَّبِيِّينَ، وَإِنَّ وَليَّيَ أَبِي، وَخَلِيلُ رَبِّي إِبْرَاهِيْمُ. ثُمَّ قَرَأَ: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (68)} ". أخرجه الترمذي (¬2)، وصححه. [صحيح] 5 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - في قوله تعالى: آلَ إِبْرَاهِيْمَ وَآلَ عِمْرَانَ، قَالَ: هُمُ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ آلِ إِبْرَاهِيمَ، وَآلِ عِمْرَانَ، وَآلِ يَاسِينَ، وَآلِ مُحَمَّدٍ، يَقُولُ الله تَعَالَى: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ} وَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ، {وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (68)}. أخرجه البخاري (¬3) تعليقاً. [صحيح] قوله: "والله ولي المؤمنين" أخرجه الترمذي. أخرجه (¬4) من طريق أبي الضحى عن مسروق، عن عبد الله، ثم أخرجه (¬5) عن أبي الضحى، عن عبد الله، ولم يقل فيه عن مسروق (¬6)، هذا أصح من حديث أبي الضحى عن ¬

_ (¬1) زيادة من (أ). (¬2) في "السنن" رقم (2995) وهو حديث صحيح. (¬3) في صحيحه (6/ 469 الباب رقم 44 - مع الفتح). انظر "فتح الباري" (6/ 469 - 470). (¬4) أي: الترمذي في "السنن" رقم (2995) وهو حديث صحيح. (¬5) أي: الترمذي في "السنن" رقم (2995/ 1 و2995/ 2). (¬6) قاله الترمذي في "السنن" (5/ 223).

مسروق, وأبو الضحى اسمه: مسلم بن صبيح, ثم ساقه من طريق ثالثة عن أبي الضحى, عن عبد الله، ليس فيها مسروق. 6 - وَعَنْهُ أَيْضاً في تَفْسِيرِ قَوْلِ الْمَرْأَةِ الصَّالْحَةِ: {رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا} أَيْ: خَالِصَاً لِلْمَسْجِدِ يَخْدُمُهُ. أخرجه البخاري (¬1) في ترجمة باب. [صحيح] 7 - وَعَن أَبُي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ مَوْلُودٌ إِلاَّ نَخَسَهُ الشَّيْطَانُ حِينَ يُولَدُ، فَيَسْتَهِلُّ صَارِخًا مِنْ نَخْسهِ إِيَّاهُ إِلَّا مَرْيَمَ وَابْنِهَا". ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ اقْرَءوا إِنْ شِئْتُم: {وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (36)}. أخرجه الشيخان (¬2). [صحيح] 8 - وَعَن ابْن عَبَّاس (¬3) - رضي الله عنهما - فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ}؛ قَالَ: اقْتَرَعُوا فَجَرَتْ أَقْلَامُهمْ مَعَ الْجَرْيَةِ فَعَالَ قَلَمُ زَكَرِّيَا الْجَرْيَةَ. عَالَ: أَيْ: ارْتَفَعَ عَلَى المَاءِ. [صحيح] قوله: "إذ يلقون أقلامهم"، وكانت من حديد، وفي النهاية (¬4): القلم ها هنا هو القدح، والسهم الذي يتقارع به، سمي بذلك؛ لأنه يبري كما يبرى القلم. ¬

_ (¬1) في صحيحه (1/ 554 الباب رقم 74) باب الخدم للمسجد، ووصله ابن أبي حاتم في تفسيره (2/ 636 رقم 3421). (¬2) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (3431) ومسلم رقم (2316). (¬3) أخرجه البخاري في صحيحه (5/ 292 الباب رقم 30) باب القرعة في المشكلان. (¬4) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 487).

قوله: "فعال قلم زكريا"، في النهاية (¬1) أيضاً: ارتفع على الماء، عال الشيء يعيل عيلاً أعجزه، والمراد أن القلم صعد في وجه الجرية وأعجزها، بخلاف غيره من الأقلام [272/ ب]. 9 - وعنه - رضي الله عنه - فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ} (¬2) أَيْ: مُمِيْتُكَ. أخرجهما البخاري في ترجمة. [صحيح] 10 - وعنه أيضاً - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ أَسْلَمَ ثُمَّ ارْتَدَّ وَلحِقَ بِدَارِ الشِّرْكِ، ثُمَّ نَدَّمَ فَأَرْسَلَ إِلَى قَوْمِةِ سَلُوا لِي رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: هَلْ لِي مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَجَاءَ قَوْمُهُ فَسَأَلُوا رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالُوا: هَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَنَزَلَتْ: {كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ} إِلَى قَوْلِهِ: {غَفُورٌ رَحِيمٌ (31)}، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ فَأَسْلَمَ. أخرجه النسائي (¬3). [إسناده صحيح] 11 - وَعَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ - رضي الله عنه - أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} قَالَ: "أنْتُمْ تُتِمُّونَ سَبْعِينَ أُمَّةً أَنْتُمْ خَيْرُهَا وَأَكْرَمُهَا عَلَى الله تَعَالَى". أخرجه الترمذي (¬4). [صحيح] ¬

_ (¬1) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 373). (¬2) قال ابن جرير في "جامع البيان" (5/ 451) بعد أن ذكر الأقوال في معنى (إني متوفيك - وأولى هذه الأقوال بالصحة عندنا قول من قال: معنى ذلك: إني قابضك من الأرض ورافعك إليَّ، لتواتر الأخبار عن رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "ينزل عيسى بن مريم فيقتل الدجال، ثم يمكث في الأرض مدة ذكرها، اختلف الرواه في مبلغها، ثم يموت، فيصلي عليه المسلمون ويدفنونه". (¬3) في "السنن" رقم (4068) بإسناد صحيح. (¬4) في "السنن" (3001). وأخرجه ابن ماجه رقم (4287، 4288). وهو حديث حسن.

قلت: وقال (¬1): هذا حديث حسن، وقد روى غير واحد هذا الحديث، عن بهز بن حكيم نحو هذا، ولم يذكروا فيه: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}. انتهى. فإن قلت: قد ثبت حديث (¬2) افتراق الأمم إلى اثنتين وسبعين فرقة، وهذه الأمة إلى ثلاث، وهنا قال: سبعين أمة؟. قلت: المراد من الأمم الفرق من دون نظر إلى افتراقها، والحديث الآخر بالنظر إلى افتراقها. 12 - وَعَن ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {كُونُوا رَبَّانِيِّينَ} قَالَ: حُكَمَاء فُقَهَاء. أخرجه البخاري (¬3) في ترجمة. [صحيح] 13 - وَعَن جَابِرَ بْنَ عبد الله - رضي الله عنهما - قَالَ: فِينَا نَزَلَتْ: {إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا} قَالَ: نَحْنُ الطَّائِفَتَانِ: بَنُو حَارِثَةَ، وَبَنُو سَلِمَةَ، وَمَا يَسُرُّنِي أَنَّهَا لَمْ تُنْزَلْ لِقَوْلِ الله تَعَالَى: {وَاللهُ وَلِيُّهُمَا}. أخرجه الشيخان (¬4). [صحيح] 14 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قَالَ: كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يدْعُو عَلَى صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ، وَسُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو، وَالْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، فَنَزَلَتْ: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ (128)}. ¬

_ (¬1) في "السنن" (5/ 226). (¬2) سيأتي تحقيقه مفصلاً. (¬3) في صحيحه (1/ 159 - 160 الباب رقم 10) باب العلم قبل القول والعمل - مع الفتح). (¬4) البخاري في صحيحه رقم (4051، 4558) ومسلم في صحيحه رقم (2505).

أخرجه البخاري (¬1) والترمذي (¬2) والنسائي (¬3). [صحيح] 15 - وعند الترمذي (¬4) أنه - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: قَالَ يَوْمَ أُحُدٍ: "اللهمَّ الْعَنْ أَبا سُفْيَانَ، اللهمَّ الْعَنِ الْحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ، اللهمَّ الْعَنْ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ". فَنَزَلَتْ: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ} فتَابَ الله عَلَيْهِمْ فَأَسْلَمُوا وَحَسُنَ إِسْلاَمُهُمْ. [صحيح] 16 - وعند النسائي (¬5): أَنَّهُ سَمِعَهُ حِينَ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ صَلاَةِ الصُّبْحِ مِنَ الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ وَقَالَ: "اللهمَّ الْعَنْ". وذكر نحوه. [صحيح] 17 - وَعَن ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: نَزَلَتْ هَذه الآيَةُ: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ} فِي قَطِيفَةٍ حَمْرَاءَ فُقِدَتْ يَوْمَ بَدْرٍ، فَقَالَ بَعْضُ الْقَومِ: لَعَلَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - أَخَذَهَا فَأَنْزَلَ الله تَعَالَى الآيَةِ. أخرجه أبو داود (¬6) والترمذي (¬7). [حسن] قوله: "فأنزل الله هذه الآية, أخرجه الترمذي". قلت: وقال (¬8): هذا حديث حسن غريب، وقد روى عبد السلام بن حرب عن خصيف نحو هذا، وروى بعضهم هذا الحديث عن خصيف عن مقسم، ولم يذكر فيه عن ابن عباس. انتهى [273/ ب]. ¬

_ (¬1) في صحيحه رقم (4069). (¬2) في "السنن" رقم (3004). (¬3) في "السنن" رقم (1078). (¬4) في "السنن" رقم (3004). (¬5) في "السنن" رقم (1078) وهو حديث صحيح. (¬6) في "السنن" رقم (3971). (¬7) في "السنن" رقم (3009). وهو حديث حسن. (¬8) الترمذي في "السنن" (5/ 230).

18 - وعنه - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لَأصْحَابِهِ: "إِنَّهُ لَمَّا أُصِيبَ إِخْوَانُكُمْ بِأُحُدٍ جَعَلَ الله تَعَالَى أَرْوَاحَهُمْ فِي جَوْفِ طَيْرٍ خُضْرٍ تَرِدُ أَنْهَارَ الْجَنَّةِ، تَأْكُلُ مِنْ ثِمَارِهَا وَتَأْوِي إِلَى قَنَادِيلَ مِنْ ذَهَبٍ مُعَلَّقَةٍ فِي ظِلِّ الْعَرْشِ، فَلَمَّا وَجَدُوا طِيبَ مَأْكَلِهِمْ وَمَشْرَبِهِمْ وَمَقِيلِهِمْ قَالُوا: مَنْ يُبَلِّغُ إِخْوَانَنَا عَنَّا أَنَّنا أَحْيَاءٌ فِي الْجَنَّةِ نُرْزَقُ؟ لِئَلاَّ يَزْهَدُوا فِي الجهَادِ وَلاَ يَنْكُلُوا عِنْدَ الْحَرْبِ، فَقَالَ الله تَعَالَى: أَنَا أُبَلِّغُهُمْ عَنكمْ، فَأَنْزَلَ الله تَعَالَى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ} " إِلَى آخِرِ الآيَات. أخرجه أبو داود (¬1). [حسن] 19 - وعنه - رضي الله عنه - في قوله تعالى: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173)} قَاَلهَا إِبْرَاهِيمُ - عليه السلام - حِينَ أُلْقِىَ فِي النَّارِ، وَقَالَهَا مُحَمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ: إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ. أخرجه البخاري (¬2). [صحيح] 20 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ رِجَالاً مِنَ الْمُنَافِقِينَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - كَانُوا إِذَا خَرَجَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إِلَى الْغَزْوِ تَخَلَّفُوا عَنْهُ، وَفَرِحُوا بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ الله فَإِذَا قَدِمَ اعْتَذَرُوا إِلَيْهِ وَحَلَفُوا لَهُ، وَأَحَبُّوا أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا، فَنَزَلَتْ {لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا} الآيَةَ. أخرجه الشيخان (¬3). [صحيح] 21 - وعن حميد بن عبد الرحمن بن عوف: أَنَّ مَرْوَانَ قَالَ لِبَوَّابِهِ: اذْهَبْ يَا رَافِعُ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقُلْ: لَئِنْ كَانَ كُلُّ امْرِئٍ فَرِحَ بِمَا أَتَى، وَأَحَبَّ أَنْ يُحْمَدَ بَما لَمْ يَفْعَلْ، مُعَذَّبًا لَنُعَذَّبَنَّ ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (2530) وهو حديث حسن. (¬2) في صحيحه رقم (4563) وطرفه رقم (4564). (¬3) أخرجه البخاري رقم (4567) ومسلم في صحيحه رقم (2777).

(سورة النساء)

أَجْمَعُونَ. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَمَا لَكُمْ وَلِهَذِهِ الْآيَةِ, إِنَّمَا نَزَلَتْ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ ثُمَّ تَلَا: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ} وتلا: {لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا} الآية, وَقَدْ سَأَلَهُمُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ شَيْءٍ فكَتَمُوهُ إِيَّاهُ, وَأَخْبرُوهُ بِغَيْرِهِ, فَأَرَوْهُ أَنْ قَدِ اسْتَحْمَدُوا إِلَيْهِ بِمَا أَخْبَرُوهُ عَنْهُ فِيمَا سَأَلَهُمْ، وَفَرِحُوا بِمَا أُوتُوا مِنْ كِتْمَانِهِمْ إِيَّاهُ مَا سَأَلَهُم عَنْهُ. أخرجه الشيخان (¬1) والترمذي (¬2). [صحيح] 22 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قَالَ: مَا مِنْ بَرٍّ وَلَا فَاجِرٍ إِلَّا وَالْمَوْتُ خَيْرٌ لَهُ, ثُمَّ تلا: {إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا}، وَتَلَا: {وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ (198)}. أخرجه رزين (¬3). 23 - وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله! لاَ أَسْمَعُ الله تَعَالَى ذَكَرَ النِّسَاءَ فِي الْهِجْرَةِ بِشَيْءٍ، فَأَنْزَلَ الله تَعَالَى: {أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ}، إلى قوله: {وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ (195)}. أخرجه الترمذي (¬4). [صحيح لغيره] (سورة النساء) 1 - عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها -: أَنَّ رَجُلاً كَانَتْ لَهُ يَتِيمَةٌ فَنكحَهَا، وَكَانَ لهَا عَذْقٌ نَخْلٍ، وَكَانَتْ شَرِيْكَتُهُ فِيْهِ وَفِىِ مَالِهِ فَكَانَ يُمْسِكُهَا عَلَيْهِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهَا مِنْ نَفْسِهِ شَيْءٌ فَنَزَلَتْ: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} الآية. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (4568) ومسلم رقم (2778). (¬2) في "السنن" رقم (3014). (¬3) لم يذكر ابن الأثير من خرجه. وأخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (6/ 326) وعبد الرزاق في تفسيره (1/ 142) عن عبد الله بن مسعود. (¬4) في "السنن" رقم (3023) وهو حديث صحيح لغيره.

أخرجه الخمسة (¬1) إلا الترمذي. [صحيح] قوله: "عَذق"، بفتح العين المهملة: النخلة، وهو المراد هنا، وبكسرها العنقود [274/ ب] بما فيه من الرطب (¬2). قوله: "من نفسه شيء" أي: أنه لا يريد نكاحها. قوله: "وإن خفتم ألا تقسطوا"، قسط الرجل إذا جار، اقتسط: عدل، والمراد هنا: العدل. 2 - وفي رواية (¬3): هِيَ الْيَتِيمَةُ تَكُونُ فِي حَجْرِ وَليِّهَا فَيَرْغَبُ فِي جَمَالِهَا وَمَالِهَا، وُيرِيدُ أَنْ يَنْقُصَ صَدَاقِهَا، فَنُهُوا عَنْ نِكَاحِهِنَّ إِلاَّ أَنْ يُقْسِطُوا لَهُنَّ فِي إِكْمَالِ الصَّدَاقِ، وَأُمِرُوا بِنِكَاحِ مَنْ سِوَاهُنَّ. [صحيح] 3 - وفي أخرى (¬4): قَالَتْ عَائِشَةُ - رضي الله عنها -: وَالَّذِي ذَكَرَ الله تَعَالَى أنَّهُ يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ الآيَةُ الأُولَى الَّتِي قَالَ فِيهَا: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} قَالَتْ: وَقَوْلُ الله فِي الآيَةِ الأُخْرَى {وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} رَغْبَةُ أَحَدِكُمْ يَتيمَتِهِ الَّتِي تَكُونُ فِي حَجْرِهِ، حِينَ تَكُونُ قَلِيلَةَ الْمَالِ وَالْجَمَالِ. [صحيح] ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (2494) ومسلم رقم (3018) وأبو داود رقم (2068) والنسائي رقم (3346). (¬2) قاله ابن الأثير في "جامع الأصول" (2/ 79). (¬3) أخرجها البخاري في صحيحه رقم (5131). (¬4) أخرجها البخاري في صحيحه رقم (4574).

4 - وفي رواية (¬1) في قوله تعالى: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ} إِلَى آخِرِ الآيَةِ، قَالَتْ عَائِشَةُ - رضي الله عنها -: هِيَ الْيَتِيمَةُ تَكُونُ فِي حَجْرِ الرَّجُلِ، قَدْ شَرِكَتْهُ فِي مَالِهِ، فَيَرْغَبُ عَنْهَا أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، وَيَكْرَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا غَيْرَهُ, فَيَدْخُلَ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ، فَيَحْبِسُهَا، فَنَهَاهُمُ الله عَنْ ذَلِكَ. [صحيح] زاد أبو داود (¬2) - رحمه الله -: وَقَالَ رَبِيعَةُ فِي قَوْلِ الله - عز وجل -: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} قَالَ يَقُولُ: اتْرُكُوهُنَّ إِنْ خِفْتُمْ فَقَدْ أَحْلَلْتُ لَكُمْ أَرْبَعًا. [صحيح] 5 - وعنها - رضي الله عنها - في قوله تعالى: {وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي وَالِي الْيَتِيمِ إِذَا كَانَ فَقِيرًا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ مَكَانَ قِيَامِهِ عَلَيْهِ بِالْمَعْرُوفِ. أخرجه الشيخان (¬3). [صحيح] وفي رواية (¬4): أَنَّهُ يُصِيبَ مِنْ مَالِهِ إِذَا كَانَ مُحْتَاجًا بِقَدْرِ مَالِهِ بِالْمَعْرُوفِ. [صحيح] قوله: "بالمعروف"، المعروف هنا: القسط في الإنفاق، وترك الإسراف، وروي عن ابن عباس (¬5): يأكل بأطراف أصابعه، وعنه (¬6) من طريق عكرمة: يأكل ولا يكتسي، وعن إبراهيم (¬7): يأكل ما يسد الجوعة ويلبس ما وارى العورة. ¬

_ (¬1) أخرجها البخاري في صحيحه رقم (6965). (¬2) في "السنن" رقم (2068). (¬3) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (2212) ومسلم رقم (10/ 3019). (¬4) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (2765) ومسلم رقم (11/ 3019). (¬5) أخرجه الطبري في "جامع البيان" (6/ 417) وابن أبي حاتم في تفسيره (3/ 869 رقم 4825). (¬6) أخرجه الطبري في "جامع البيان" (6/ 418). (¬7) أخرجه الطبري في "جامع البيان" (6/ 419). وابن أبي حاتم في تفسيره (3/ 870 رقم 8432).

6 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - في قوله تعالى: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ} قَالَ: هِيَ مُحْكَمَةٌ وَلَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ، فَإِنَّ نَاسًا يَزْعُمُونَ أَنَّهَا نُسِخَتْ، وَلاَ وَالله مَا نُسِخَتْ، وَلَكِنَّهَا مِمَّا تَهَاوَنَ بِهَا النَّاسُ، هُمَا وَالِيَانِ: وَالٍ يَرِثُ، وَذَاكَ الَّذِي يَرْزُقُ؛ وَوَالٍ لاَ يَرِثُ، وَذَلِك الَّذِي يَقُولُ بِالْمَعْرُوفِ، يَقُولُ لاَ أَمْلِكُ لَكَ أَنْ أُعْطِيَكَ. أخرجه البخاري (¬1). [صحيح] قوله. "هي محكمة [و] (¬2) ليست بمنسوخة"، زاد الإسماعيلي (3) من وجه آخر عن الأشجعي، وكان ابن عباس إذا ولي رضخ، وإذا كان في المال قلة اعتذر إليهم، فذلك القول بالمعروف. واختلف [275/ ب] من قال بذلك هل الأمر على الوجوب أو الندب؟ فقال مجاهد (3) وطائفة: هو على الوجوب، وهو قول ابن حزم: إن على الوارث أن يعطي هذه الأصناف ما طابت به نفسه. وقال آخرون (¬3): إنه على الندب قال: وهو المعتمد؛ لأنه لو كان على الوجوب لاقتضى استحقاقاً ومشاركةً في الميراث بجهة مجهولة فيفضي إلى التنازع والتقاطع. 7 - وَعَن جَابِرَ - رضي الله عنه - قَالَ: مَرِضْتُ فَأَتَانِي رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يعُودُنِي وَأبُو بَكْرٍ - رضي الله عنه - وَهُمَا مَاشِيَانِ، فَوَجَدَانِي قَدْ أُغْمِيَ عَلَيَّ، فتوَضَّأَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ صَبَّ وَضُوءَهُ عَلَيَّ، فَأَفَقْتُ، فَإِذَا النَّبِيُّ ¬

_ (¬1) في صحيحه رقم (4576). وأخرجه الطبري في "جامع البيان" (6/ 432) والبيهقي في "السنن الكبرى" (6/ 266) وابن أبي شيبة في مصنفه (11/ 196). (¬2) زيادة من (أ). (¬3) ذكره الحافظ في "فتح الباري" (8/ 242).

- صلى الله عليه وسلم - فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله! كَيْفَ أَصْنَعُ فِي مَالِي؟ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ شَيْئَاً، حَتَّى نَزَلَتْ آيَةُ الميرَاثِ: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ}. أخرجه (¬1) الخمسة إلا النسائي. [صحيح] وَفِي رِوَايَة (¬2): فَنَزَلتْ آيَةُ الْفَرَائِضِ؛ وَفَي أخْرَى (¬3) فَنَزَلتْ: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ}. وفي رواية الترمذي (¬4): وَكَانَ لِي سَبْعُ أَخَوَاتٍ؛ وَعِنْد أَبي دَاوُد (¬5): {قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ}؛ مَنْ كَانَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أَخَوَاتٌ. قوله: "حتى نزلت آية الميراث: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ} ". قال الحافظ (¬6): هكذا وقع في رواية ابن جريج، وقيل: إنه وهم في ذلك وأن الصواب أن الآية التي نزلت في قصة جابر هي الآية الأخيرة في سورة النساء وهي قوله: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ}؛ لأن جابر يومئذٍ لم يكن له ولد ولا والد، والكلالة من لا ولد له ولا والد (¬7). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (5651، 6723، 7309) ومسلم رقم (5/ 1616) وأبو داود رقم (2886) والترمذي رقم (2097، 3015) والنسائي رقم (138) وابن ماجه رقم (2728). (¬2) البخاري في صحيحه (5651، 6723) ومسلم رقم (5/ 1616). (¬3) البخاري رقم (4577) ومسلم رقم (6/ 1616). (¬4) في "السنن" رقم (2097). (¬5) في "السنن" (3/ 308 الباب رقم 3). (¬6) في "الفتح" (8/ 243). (¬7) وإليك تمام كلام الفتح (8/ 243): وقد أخرجه مسلم عن عمرو الناقد، والنسائي عن محمد بن منصور، كلاهما عن ابن عيينة, عن ابن المنكدر، فقال في هذا الحديث: حتى نزلت عليه آية الميراث: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ =

8 - وقال في أخرى (¬1): اشْتَكَيْتُ وَعِنْدِي سَبْعُ أَخَوَاتٍ فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فَنَفَخَ فِي وَجْهِي فَأَفَقْتُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ الله؛ أَلاَ أُوصِى لأَخَوَاتِي بِالثُّلُثَينِ؟ قَالَ: "أَحْسِنْ". قُلْتُ فَبِالشَّطْرَ؟ قَالَ: "أَحْسِنْ". ثُمَّ خَرَجَ وَتَرَكَنِي وَقَالَ: "يَا جَابِرُ لاَ أُرَاكَ مَيِّتًا مِنْ وَجَعِكَ هَذَا، وَإِنَّ الله تَعَالَى قَدْ أَنْزَلَ فَبَيَّنَ الَّذِي لأَخَوَاتِكَ فَجَعَلَ لَهُنَ الثُّلُثَيْنِ". فكَانَ جَابِرٌ - رضي الله عنه - يَقُولُ: أُنْزِلَتْ فِيَّ هَذِهِ الآيَةُ: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ}. [صحيح] 9 - وعنه - رضي الله عنه -: جَاءَتِ الْمَرْأَةُ بِابْنَتَيْنِ لَهَا فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ الله! هَاتَانِ بِنْتَا ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ قُتِلَ مَعَكَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَقَدِ اسْتَفَاءَ عَمُّهُمَا مَالَهُمَا وَمِيرَاثَهُمَا كُلَّهُ فَلَمْ يَدَعْ لَهُمَا مَالاً إِلاَّ أَخَذَهُ، فَمَا تَرَى يَا رَسُولَ الله! فَوَالله لاَ تُنْكَحَانِ أَبدًا إِلاَّ وَلَهُمَا مَالٌ، فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: "يَقْضِي الله فِي ذَلِكَ". فَنَزَلَتْ سُورَةُ النِّسَاءِ: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} الآيَةَ. فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "ادْعُوا لِيَ الْمَرْأَةَ وَصَاحِبَهَا". فَقَالَ لِعَمِّهِمَا: "أَعْطِهِمَا الثُّلُثَيْنِ، وَأَعْطِ أُمَّهُمَا الثُّمُنَ، وَمَا بَقِىَ فَلَكَ". أخرجه أبو داود (¬2)، وهذا لفظه، والترمذي (¬3). [حسن, دون قوله: ثابت بن قيس] ¬

_ = اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ} ومسلم أيضاً من طريق شعبة, عن ابن المنكدر، قال في آخر هذا الحديث: فنزلت آية الميراث، فقلت لمحمد بن المنكدر: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ}؟ قال هكذا أنزلت، وقد تفطن البخاري بذلك فترجح في أول الفرائص قوله: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} إلى قوله: {وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ (12)} ثم ساق حديث جابر ... ". (¬1) أخرجه أبو داود في "السنن" رقم (2887). وهو حديث صحيح. (¬2) أخرجه أبو داود في السنن رقم (2891) حسن، دون قوله ثابت بن قيس. قال أبو داود في "السنن" (3/ 316) أخطأ بشر فيه, إنما هما ابنتا سعد بن الربيع، وثابت قتل يوم اليمامة. (¬3) في "السنن" رقم (2092). =

وفي أخرى لأبي داود (¬1): أَنَّ امْرَأَةَ سَعْد بْن الرَّبيعِ، وَذَكَرَ الْحَدِيْثَ، وَقَالَ: هَذَا هُوَ الصَّوَابُ، وَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَة التِّرمذِيِّ. قوله: "استفاء عمهما مالهما"، أي: اتخذه فيئاً لنفسه. قوله: "وقال (¬2): هذا هو الصواب" [276/ ب]، إنما كان هو الصواب؛ لأن ثابتاً قتل يوم اليمامة في خلافة أبي بكر، وهذا أول مال قسم في الإسلام. 10 - وَعَنِ عَبَادَة بْنِ الصَّامِتِ - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَ نَبِيُّ الله - صلى الله عليه وسلم - إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ كَرَبَ لِذَلِكَ وَتَرَبَّدَ وَجْهُهُ، فَأَنْزَلَ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَيْهِ ذَاتَ يَوْمٍ، فَلَقِي كَذَلِكَ، فَلَمَّا سُرِّىَ عَنْهُ قَالَ: "خُذُوا عَنِّي، فَقَدْ جَعَلَ الله لَهُنَّ سَبِيلاً، الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَنَفْىُ سَنةٍ, والثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ والرجم". أخرجه مسلم (¬3) وأبو داود (¬4) والترمذي (¬5). [صحيح] ومعنى: "تربد" أي: تغير (¬6). قوله: "نزل عليه": أي: نزل الله تعالى - صلى الله عليه وسلم - الوحي: "كرب [71/ أ] لذلك وتربد"، لونه أي: تغير [و] (¬7) صار كلون الرماد. ¬

_ = قلت: وابن ماجه رقم (2720) وأبو داود في "السنن" (2892) وفيه أن امرأة سعد بن الربيع قالت: يا رسول الله! إن سعداً هلك وترك ابنتين، وساق نحوه. قاله أبو داود في "السنن" (3/ 316). (¬1) في "السنن" رقم (2892). (¬2) أبو داود في "السنن" (3/ 316). (¬3) في "صحيحه" رقم (1690). (¬4) في "السنن" رقم (4415، 4416). (¬5) في "السنن" رقم (1434) وابن ماجه رقم (2550). (¬6) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (1/ 625). (¬7) في (أ) حتى.

والربدة: لون بين السواد والغبرة (1). قوله: "سُري عنه": بضم المهملة وتشديد الراء، أي: كشف ما نزل به من شدة الوحي. قوله: "أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي": لم ينسبه ابن الأثير (¬1) هنا إلا في مسلم، وقال (¬2): في الحدود بعد نسبته إلى الثلاثة: إن في رواية أبي داود والترمذي تقديم الثيب على البكر، وفي أخرى لأبي داود ورمى بالحجارة دون الرجم، انتهى. فكان على "المصنف" أن يقول: وهذا لفظ مسلم [277/ ب]. 11 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - فِي قَوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ} قَالَ: كَانُوا إِذَا مَاتَ الرَّجُلُ كَانَ أَوْلِيَاؤُهُ أَحَقَّ بِامْرَأَتِهِ، إِنْ شَاءَ بَعْضُهُمْ تَزَوَّجَهَا، وإِنْ شَاءُوا زَوَّجُوهَا، وإنْ شَاءُوا لَمْ يُزَوِّجُوهَا، فَهُمْ أَحَقُّ بِهَا مِنْ أَهْلِهَا، فنزَلَتْ هَذهِ الآيَةُ فِي ذَلِكَ. أخرجه البخاري (¬3) وأبو داود (¬4). [صحيح] 12 - وفي أخرى لأبي داود (¬5): إِنَّ الرَّجُلَ كَانَ يَرِثُ امْرَأَةَ ذي قَرَابَتِهِ، فَيَعْضُلُهَا حَتَّى تَمُوتَ، أَوْ تَرُدَّ إِلَيْهِ صَدَاقَهَا، فَأَحْكَمَ الله عَنْ ذَلِكَ وَنَهَى عَنْ ذَلِكَ. [صحيح] 13 - وعَنْه - رضي الله عنه - فِي قَولِه: {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} لَمَّا نَزَلَت قَالَ: فَكَانَ الرَّجُلُ يتحَرَّجُ أَنْ يَأْكُلَ عِنْدَ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ ¬

_ (¬1) في "جامع الأصول" (2/ 85). (¬2) في "جامع الأصول" (3/ 498). (¬3) في "صحيحه" رقم (4575 و6948). (¬4) في "السنن" رقم (2089). (¬5) في "السنن" رقم (2090) وهو حديث صحيح.

بَعْدَ مَا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: فَنَسَخَ الله ذَلِكَ بالآيَةُ الأُخْرَى الَّتِي فِي سُورة النور فَقَالَ: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنَّ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ إِلَى قوْلِهِ: {أَشْتَاتًا} الآية. فَكَانَ الرَّجُل الغَنِىُّ يَدْعُو الرَّجُلَ مِنْ أَهْلِهِ إِلَى الطَّعَامِ فيَقُول: إِنَّي لأَجَّنَّحُ أَنْ آكُلَ مِنهُ. وَالتَّجَنُّحُ الْحَرَجُ ويَقُولُ: الْمِسْكِينُ أحَقُّ بِهِ مِنِّى. فَأُحِلَّ فِي ذَلِكَ أَنْ يَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ الله عَلَيْهِ وَأُحِلَّ طَعَامُ أَهْلِ الْكِتَابِ. أخرجه أبو داود (¬1). [حسن] 14 - وعَن ابن مَسْعود - رضي الله عنه - قَالَ: خمسُ آيات مَا يَسُرُّني أن لي بهنَّ الدنيا ومَا فيهَا، إحداهنَّ: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} الآية: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} الآية، {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ} الآية، {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} الآية؛ {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا (110)} أخرجه رزين. قوله: "أخرجه رزين": أقول: صوابه لم يخرجه, ولكنه أخرجه أبو عبيد في فضائله (2) وسعيد بن منصور (2)، وعبد بن حميد (¬2)، وابن جرير (¬3)، وابن المنذر (2)، والطبراني (¬4)، والحاكم (¬5)، والبيهقي في ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (3753)، وهو حديث حسن. (¬2) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (2/ 498). (¬3) في "جامع البيان" (6/ 660). (¬4) في "المعجم الكبير" رقم (9069). (¬5) في "المستدرك" رقم (2/ 305).

الشعب (¬1) عن ابن مسعود الحديث، ولكني بحثت في الجامع الكبير لابن الأثير فلم أجد فيه هذا الحديث المنسوب إلى ابن مسعود أصلاً في المقام، فيبحث عنه. 15 - وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: قُلْتُ: يا رسولُ الله! يَغْزُو الرِّجَالُ وَلاَ تغْزُو النِّسَاءُ، وإنَّمَا لَنَا نِصْفُ الْمِيرَاثِ. فَأَنْزَلَ الله تعالى: {وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ}. قَالَ مُجَاهِدٌ: وأنْزَلَ الله تَعَالَى فِيهَا: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ}، وَكَانَتْ أُمُّ سَلَمَةَ أَوَّلَ ظَعِينَةٍ قَدِمَتِ الْمَدِينَةَ مُهَاجِرَةً. أخرجه الترمذي (¬2). [صحيح] قال ابن الأثير (3): وقال: هو مرسل. انتهى. وقد راجعت الترمذي فرأيته نسختين: إحداهما: ما قاله ابن الأثير (¬3): والنسخة الأخرى لفظها: سمعت محمداً يقول: هو عندي حديث مرسل محمد بن زيد بن مهاجر لم يدرك أبا أمامة الأنصاري، قال أبو عيسى - يعني: الترمذي -: أبو أمامة هو أبو ثعلبة، ولا يعرف اسمه. انتهى. 16 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - في قَولَه تَعَالَى: {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ} قَالَ: وَرَثَةً: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} كَانَ الْمُهَاجِرُونَ لَمَّا قَدِمُوا الْمَدِينَةَ يَرِثُ الْمُهَاجِرُ إلأَنْصَارِيَّ دُونَ ذَوِى رَحِمِهِ لِلأُخُوَّةِ الَّتِي آخَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَهُمْ، فَلَمَّا نَزَلَتْ: {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ} نَسَخَتْهَا. ثُمَّ قَالَ: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} إِلاَّ النَّصْرَ وَالرِّفَادَةَ وَالنَّصِيحَةَ، وَقَدْ ذَهَبَ الْمِيرَاثُ وَيُوصِى لَهُ. ¬

_ (¬1) رقم (2425) بإسناد رجاله ثقات. (¬2) في "السنن" رقم (3022) وهو حديث صحيح. (¬3) في "جامع الأصول" (2/ 87).

أخرجه البخاري (¬1) وأبو داود (¬2). [صحيح] 17 - وفي أخرى لأبي داود (¬3): {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} كَانَ الرَّجُلُ يُحَالِفُ الرَّجُلَ لَيْسَ بَيْنَهُمَا نَسَبٌ، فَيَرِثُ أَحَدُهُمَا الآخَرَ، فَنَسَخَ ذَلِكَ فِي الأَنْفَالُ فَقَالَ: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} الآية. [حسن] قوله: "للأخوة التي آخى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينهم": أقول: قال الحافظ ابن حجر (¬4): [هكذا] (¬5) حملها ابن عباس على من آخى بينهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وحمله غيره على أعم من ذلك: فأسند الطبري (¬6) عنه قال: كان الرجل يحالف الرجل ليس بينهما نسب فيرث أحدهما الآخر، فنسخ ذلك، ومثله عن سعيد بن جبير (¬7). قوله: "ولكل جعلنا موالي": أقول: هكذا في هذه الرواية أن ناسخ ميراث الحليف هذه الآية وروى الطبري (¬8) من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أن الناسخ [278/ ب] قوله تعالى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} الآية. وروي من طرق شتى عن جماعة من العلماء كذلك. ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (2292)، (4580) و (6747). (¬2) في "السنن" رقم (2922). (¬3) في "السنن" رقم (2921)، وهو حديث حسن. (¬4) في "فتح الباري" (2/ 249). (¬5) زيادة من (أ). (¬6) في "جامع البيان" (6/ 677 - 679). (¬7) أخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (6/ 678). (¬8) في "جامع البيان" (6/ 676).

قوله: "من النصر والرفادة" بكسر الراء بعدها فاء خفيفة الإعانة (¬1) بالعطية. قال الحافظ ابن حجر (¬2): إنه يسقط منه شيء بينه الطبري في روايته عن أبي كريب عن أبي أسامة بهذا الإسناد ولفظه: ثم قال: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ} فآتوهم نصيبهم من النصر إلى آخره. فقوله: "من النصر": يتعلق بآتوهم لا بالعاقدين، ولا بإيمانكم، وهو وجه الكلام. 18 - وَعَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ قَالَ: كُنْتُ أَقْرَأُ عَلَى أُمِّ سَعْدٍ بِنْتِ الرَّبِيعِ، وَكَانَتْ يَتيمَةً فِي حِجْرِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيق - رضي الله عنه - فَقَرَأْتُ: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} فَقَالَتْ: لاَ تَقْرَأْ هَكَذَا. فَقَالَت: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} إِنَّمَا نَزَلَتْ فِي أَبِي بَكْرٍ وَابْنِهِ عبد الرَّحْمَنِ حِينَ أَبَى الإِسْلاَمَ فَحَلَفَ أَبُو بَكْرٍ أَلاَّ يُوَرِّثَهُ، فَلَمَّا أَسْلَمَ أَمَرَ الله تَعَالَى أَنْ يُوَرَّثهُ نَصِيبَهُ. أخرجه أبو داود (¬3). [ضعيف] وزاد في رواية (¬4): فَمَا أسْلَمَ حَتَّى حُمِلَ عَلَى الإسْلَامِ بِالسَّيفِ. 19 - وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - فِي قَولُه تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} الآية. قَالَ: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ الله لاَ يَظْلِمُ مُؤْمِنًا حَسَنةً يُعْطَى بِهَا فِي الدُّنْيَا وَيُجْزَى بِهَا فِي الآخِرَةِ, وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيُطْعَمُ بِحَسَنَاتِ مَا عَمِلَ بِهَا لله فِي الدُّنْيَا حَتَّى إِذَا أَفْضَى إِلَى الآخِرَةِ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَةٌ يُجْزَى بِهَا". أخرجه مسلم (¬5). [صحيح] ¬

_ (¬1) قاله ابن الأثير في "جامع الأصول" (2/ 89). (¬2) في "فتح الباري" (8/ 249). (¬3) في "السنن" رقم (2923) وهو حديث ضعيف. (¬4) في إثر الحديث رقم (2923) وزاد عبد العزيز: فما أسلم حتى حمل على الإسلام. (¬5) في "صحيحه" رقم (56/ 2808).

قوله: "مثقال ذرة" أي: زنة ذرة، يقال: هذا مثقال هذا أي وزنه، وهو مثقال من الثقل، والذرة: النملة الصغيرة, ويقال: واحدة الهباء، والذرة يقال: وزنها ربع وزن نخالة ورقة النخالة وزن ربع خردلة وزنة الخردلة ربع سمسمة, ويقال (¬1): إن الذرة لا وزن لها. قوله: "يجزى بها": أقول: فيهما، أي: المؤمن والكافر مثلان في الجزاء في الدنيا، ويختص المؤمن بالجزاء في الآخرة، وذلك لأنه كان مؤمناً بها، وأنها دار الجزاء، والكافر كان منكراً قائلاً: {إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (29)} (¬2) فكأنه أجيب عليه بالفور ليس له من جزاء في الآخرة لعدم إيمانه بها. 20 - وَعَنْ مَالِكٍ (¬3): أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَلىَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ - رضي الله عنه - قَالَ فِي الْحَكَمَيْنِ اللَّذَيْنِ قَالَ الله تَعَالَى فِيهمَا: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} الآية. إِنَّ إِلَيْهِمَا الْفُرْقَةَ بَيْنَهُمَا وَالِاجْتِمَاعَ. [موقوف ضعيف] قوله: "الاجتماع": أي: يقضيان بأن الرجل والمرأة مقيمان لحدود الله فيما أمرا به في الأمور الزوجية [279/ ب] فلا فرقة بينهما أو بأنهما غير مقيمين لحدود الله فيها فيقضيان بالفرقة. ¬

_ (¬1) قال ابن الأثير في "النهاية" (1/ 602): الذّرّ: النمل الأحمر الصغر، واحدتها: ذرَّة، وسئل ثعلب عنها فقال: إن مائة غلة وزنُ حبة، والذّرة واحدةٌ منها. وقيل: الذَّرة ليس لها وزن، ويراد بها ما يُرى في شعاع الشمس الداخل في النافذة. "المجموع المغيث" (1/ 697). (¬2) سورة الأنعام الآية: (29). (¬3) في "الموطأ" (2/ 584 رقم 72) وهو موقوف ضعيف.

21 - وَعَنْ أَبِي حُرَّةَ الرَّقَاشِيِّ عَنْ عَمِّهِ - رضي الله عنه - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ فِي قَوله تَعَالَى: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ} قَالَ حَمَّادٌ: يَعْنِي النَّكَاحَ. أخرجه أبو داود (¬1). [حسن] قوله: "أبو حُرَّة": بضم الحاء المهملة وتشديد الراء، مشهور بكنيته اسمه: حنيفة (¬2) وقيل: حكيم، وعمه قيل: اسمه: حذلم بن خيثمة، وقيل: عمر بن حمزة كما في "التقريب" (¬3). قوله: "يعني النكاح": تفسير للهجر في المضاجع، وأنه أريد به الوطء، وهذا تفسير حمَّاد، ولغيره تفاسير (¬4) أخر. 22 - وَعَنْ عَلِىِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رضي الله عنه - قَالَ: صَنَعَ لَنَا ابْنُ عَوْفٍ - رضي الله عنه - طَعَامًا، فَدَعَانَا فَأكَلْنَا، وَسَقَانَا خَمْراً قَبْلَ أَنَّ تحرم، فأخذت مِنَّي، وَحَضَرَتِ الصَّلاَةُ فَقَدَّمُونِي، فَقَرَأْتُ: {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2)} وَنَحْنُ نَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ. فَخَلطَتْ فَنَزلَت: {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ}. أخرجه أبو داود (¬5) والترمذي (¬6) وصححه. [حسن] ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (2145) وهو حديث حسن. (¬2) انظر "التقريب" رقم (28). (¬3) رقم (5091). (¬4) انظر "جامع البيان" (6/ 708 - 709). (¬5) في "السنن" رقم (3671). (¬6) في "السنن" رقم (3026)، وهو حديث حسن.

23 - وعند أبي داود (¬1): أن رجلاً من الأنصار دعاه وعبد الرحمن بن عوف، وفيه فأتاهم علي - رضي الله عنه - فأمهم في المغرب، وذكر الحديث. [حسن] قوله: في حديث علي - عليه السلام -: "أخرجه الترمذي وأبو داود": قلت: وقال الترمذي (¬2): حسن صحيح غريب، وهذا سبب نزول الآية، والرواية هذه بينت الإمام في الصلاة، وأن الداعي عبد الرحمن بن عوف، والرواية التي انفرد بها أبو داود أبهم فيها الداعي، وأنه من الأنصار، وأن عبد الرحمن بن عوف كان هو وعلي اللذين دعيا، وكل هذا لا ضير فيه شرب الخمر كان مباحاً بنص القرآن، ثم حرم. وعلي - عليه السلام - يقول في روايته: "قبل أن تحرم" بيان لأنهم إنما فعلوا شيئاً حلالاً، وفاعل الحلال لا يلام شرعاً ولا عقلاً، وتفرع عليه سكر من سكر منهم، والسكر جائز منه سكر الخمرة (¬3) وحضره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو سكران لا يعقل في قصة الشاربين، وتكلم فقال للرسول - صلى الله عليه وسلم - ولعلي ولمن معهما: وهل أنتم إلا عبيد لأبي، فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[له شيء بعد ذلك] (¬4) وحاصله: أن كثيراً مما حرمه الله كان حلالاً، وقد استفهم أقوام من الصحابة حال من مات، وقد شرب الخمر من المؤمنين حتى أنزل الله: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} (¬5) الآية. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (3671)، وقد تقدم. (¬2) في "السنن" رقم (5/ 238). (¬3) يشير إلى الحديث الذي أخرجه البخاري رقم (2089، 2375، 3091، 4003، 5793) ومسلم رقم (1979) وأبو داود رقم (2986) من حديث علي - رضي الله عنه -. (¬4) لم أقف على هذه العبارة في ألفاظ الحديث. ولعله يشير إلى قول الراوي: فعرف النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه ثمل فنكص رسول الله على عقبيه القهقرى، فخرج وخرجنا معه. (¬5) سورة المائدة الآية: (93).

واستنكروا صلاتهم إلى غير الكعبة قبل تحويلها، وأنزل الله: {وَمَا كَانَ [280/ ب] اللهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} (¬1). وإنما عجبت أنه نقل عن السيد محمد بن إبراهيم الوزير الإمام الكبير أنه كتب على هامش "الجامع الكبير" ما لفظه: رواية الترمذي (¬2) وأبي داود (¬3) للخبر على هذه الكيفية باطلة، وقد رواها الحاكم [علامة الشيعة] (¬4) من أهل الحديث صاحب المستدرك على الصحيحين، وخرجه من حديث سفيان عن عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن عن علي - عليه السلام -: "دعانا رجل من الأنصار قبل تحريم الخمر، فحضرت صلاة المغرب, فتقدم رجل فقرأ: {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)} والتبس عليه فنزلت: {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} " صحيح. قال الحاكم: وفي هذا الحديث فائدة [كبيرة] (¬5)، وهي: أن الخوارج تنسب هذا السكر، وهذه القراءة إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب دون غيره، وقد برأ الله منها فإنه راوي الحديث. انتهى كلام الحاكم ولله الحمد. انتهى المنقول عن السيد محمد - رحمه الله -. ولا يخفى أن الحاكم كأنها خفيت عليه رواية أبي داود، فإن فيها الإبهام في تعيين القارئ الذي لبس في القراءة حتى يقول: إن فيما رواه فائدة كبيرة، وهو الرد على الخوارج (¬6)، فالخوارج ليسوا بأهل لرد ما يفوهون به، فإنهم قائلون بكفر أمير المؤمنين فضلاً عن شربه ¬

_ (¬1) سورة البقرة الآية: (143). (¬2) في "السنن" رقم (3026). (¬3) في "السنن" رقم (3671)، وهو حديث حسن. (¬4) سيأتي الرد عليه. (¬5) زيادة من (أ). (¬6) تقدم تعريف الخوارج.

الحلال والتباس القراءة، فإنها لو التبست عليه وهو صاحٍ لكان معذوراً، فقد قال - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه المصلين خلفه: "لبستم عليَّ" (¬1) لما جهروا خلفه، ثم الإبهام في رواية والتعيين في أخرى عن راوٍ واحد في قصة واحدة لا يقتضي على رواية التعيين بالإبطال سيما علي، فالقاعدة أن زيادة العدل مقبولة، فهذه زيادة بينت الإجمال ورفعت الإبهام، ثم قول [281/ ب] السيد محمد: علامة الشيعة (¬2) من باب قول يعقوب - عليه السلام -: {وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ} فإنه تلقين للعذر لإخوة يوسف - عليه السلام - فيما فعلوه كذلك قوله: علامة الشيعة تلقين للقدح في الحاكم ممن ليس له إنصاف [72/ أ] وقد قدح فيه بأنه شيعي، وهو جهل من القادح كما بيناه في "ثمرات الأنظار" (¬3). ثم قوله: "ينسب هذا السكر ... إلى آخره". ¬

_ (¬1) أخرج أبو داود رقم (827) والنسائي رقم (919) والترمذي رقم (312) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انصرف من صلاة جهر فيها بالقراءة فقال: "هل قرأ معي أحدٌ منكم آنفاً؟ " فقال رجل: نعم. يا رسول الله! قال: "فإني أقول: ما لي أنازع القرآن" قال: فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما يجهر فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (¬2) ورد الذهبي على من وصف الحاكم بالرفض بقوله: ليس رافضياً، بل يتشيع، وقال أيضاً في وصف الحاكم: صنف، وخرج، وجرَّح، وعدَّل، وصحح، وعلَّل، وكان من بحور العلم على تشيع قليل منه. "سير أعلام النبلاء" (17/ 162 - 163). وقال السبكي في "طبقات الشافعية" (4/ 167): أوقع الله في نفسي أن الرجل كان عنده ميل إلى علي - رضي الله عنه - يزيد على الميل الذي يطلب شرعاً، ولا أقول أنه ينتهي به إلى أن يضع من أبي بكر وعمر وعثمان - رضي الله عنهم -، ولا أنه يفضل علياً على الشيخين، بل استبعد أن يفضله على عثمان - رضي الله عنه -. (¬3) "ثمرات النظر في علم الأثر". وهي الرسالة رقم (50) من عون القدير من فتاوى ورسائل ابن الأثير ط ابن كثير - دمشق.

يقال: الروايات كلها عن علي - عليه السلام - دالة أنهم شربوا، ولذا ذكر قوله قبل تحريم الخمر، وأن سبب نزولها قربانهم الصلاة حال سكرهم لا أنهم لا يسكرون، فليست هي آية تحريم السكر. 24 - وَعَنْ عَليِّ أيْضَاً - رضي الله عنه - أنَّه قَالَ: مَا فِي الْقُرْآنِ آيَةٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ هَذِهِ الآيَةِ: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} أخرجه الترمذي (¬1). [ضعيف] قوله: "أخرجه الترمذي": قلت: وقال (¬2): هذا حديث حسن غريب، وأبو فاختة (¬3) اسمه: سعيد بن علاقة. وثويرٌ: يكنى أبا جهم، وهو رجل كوفي، وقد سمع من ابن عمر، وابن الزبير، وابن مهدي. كان يغمزه قليلاً. انتهى [282/ ب]. 25 - وَعَن ابْن عَبَّاس - رضي الله عنهما - قال: نزل قوله تعالى: {وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} فِي عبد الله بن حُذَافَةَ بن قَيْسِ بن عَديَّ السَّهمي إذْ بَعَثَهُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - في سَريَّة. أخرجه الخمسة (¬4). [صحيح] ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (3037)، وهو حديث ضعيف. (¬2) في "السنن" (5/ 247). (¬3) انظر "التقريب" رقم (54). (¬4) البخاري في "صحيحه" رقم (4584) ومسلم رقم (1834) وأبو داود رقم (2624) والترمذي رقم (1672) والنسائي رقم (4194).

26 - وعَنه - رضي الله عنه - في قوله تعالى: {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ} إلى قوله تعالى: {الظَّالِمِ أَهْلُهَا}. قال: كنت أنا وأمي من المستضعفين. أخرجه الشيخان (¬1). [صحيح] 27 - وفِي رُواية للبُخَارِي (¬2): تَلاَ ابْنَ عَبَّاسٍ {إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ} فَقَالَ: كُنْتُ أنَّا وَأُمِّي مِمَّنْ عَذَرَ الله تَعَالى. أنَا مِن الولَدّان، وأمَّي منَ النساء. [صحيح] 28 - وعنه - رضي الله عنه -: أَنَّ عبد الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ وَأَصْحَابًا لَهُ أَتَوُا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بِمَكَّةَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ الله! إِنَّا كُنَّا فِي عِزٍّ وَنَحْنُ مُشْرِكُونَ، فَلَمَّا آمَنَّا صِرْنَا أَذِلَّةً. فَقَالَ: "إِنِّي أُمِرْتُ بِالْعَفْوِ فَلاَ تُقَاتِلُوا" فَلَمَّا حَوَّلَه الله إِلَى الْمَدِينَةِ، أَمَرَه بِالْقِتَالِ، فَكَفُّوا، فَأَنْزَلَ الله - عز وجل -: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} إلى قوله: {وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا (77)}. أخرجه النسائي (¬3). [إسناده صحيح] ¬

_ (¬1) البخاري في "صحيحه" رقم (1357، 4587، 4588، 4597). قلت: ولم يخرجه مسلم. والله أعلم. وعزاه ابن الأثير في "جامع الأصول" (2/ 93) للبخاري فقط. (¬2) في "صحيحه" رقم (4588) باب: رقم (14) قوله: {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} إلى قوله: {الظَّالِمِ أَهْلُهَا}. ورقم (4597) باب: {إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا (98)}. وفيه: قال: كانت أمي ممن عذر الله. (¬3) في "المجتبى" رقم (3086) وفي "السنن الكبرى" رقم (11047).

29 - وعَن خَارِجَة بنِ يَزيْد قَالَ: سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ - رضي الله عنه - يَقُولُ: أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} بَعْدَ الَّتي فِي الفرقان: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ. أخرجه أبو داود (¬1) والنسائي (¬2). [منكر] وزاد النسائي - رحمه الله - في أخرى (¬3): فَلَمَّا نَزَلَتْ أَشْفَقْنَا مِنْهَا. فَنَزَلَتِ الآيَةُ: الَّتِي فِي الْفُرْقَانِ. 30 - وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: أَلِمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا مِنْ تَوْبَةٍ قَالَ: لاَ. قَالَ: فتَلَوْتُ عَلَيْهِ هَذِهِ الآيَةَ الَّتِي فِي الْفُرْقَانِ فَقَال: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} إِلى آخِرِ الآيَةِ. قَالَ: هَذِهِ آيَةٌ مَكَّيَّةٌ نَسَخَتْهَا آيَةٌ مَدَنِيَّةٌ: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا} أخرجه الخمسة (¬4) إلا الترمذي. [صحيح] قوله: في حديث ابن عباس: "فلا توبة له": أقول في "فتح الباري" (¬5): حاصل ما في هذه الروايات أن ابن عباس كان تارةً يجعل الآيتين في محل واحد، فلذلك يجزم بنسخ إحداهما، وتارة يجعل محلهما مختلفاً، ويمكن الجمع بين كلاميه: بأن عموم الآية التي في الفرقان خص فيها مباشرة المؤمن بالقتل معتمداً، وكثير ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (4272). (¬2) في "السنن" رقم (4006). (¬3) في "السنن" رقم (4008)، وهو حديث منكر. (¬4) أخرجه البخاري رقم (4855) ومسلم رقم (3023) وأبو داود رقم (4273) والنسائي في "السنن" رقم (4001 , 4002). (¬5) (8/ 496).

من السلف يطلقون النسخ على التخصيص، وهذا أولى من حمل كلامه على التناقض وأولى من دعوى أنه قال بالنسخ، ثم رجع عنه. وقول (¬1) ابن عباس: "فإن المؤمن إذا قتل مؤمناً متعمداً لا توبة له" مشهور عنه, وقد جاء عنه في ذلك ما هو أصح مما تقدم روى أحمد (¬2) و [الطبري (¬3)] (¬4) من طريق يحيى الجابر، والنسائي (¬5) وابن ماجه (¬6) من طريق عمار كلاهما عن سالم بن أبي الجعد قال: كنت عند ابن عباس بعد ما كف بصره فأتاه رجل فقال: ما ترى في رجل قتل مؤمناً متعمداً؟ قال: {فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} وساق الآية إلى: {عَظِيمًا (93)} فقال: "لقد نزلت في آخر ما نزل ما نسخها شيء حتى قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " قال: أفرأيت إن تاب وآمن، وعمل صالحاً، تم اهتدى؟ قال: "وأنى له التوبة والهدى" لفظ يحيى والآخر بنحوه، وجاء على وفق ما ذهب إليه ابن عباس أحاديث كثيرة. ¬

_ (¬1) انظر "فتح الباري" (8/ 496). (¬2) في "المسند" (4/ 44، 420). (¬3) في "جامع البيان" (7/ 343). قلت: وأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (9/ 356) وسعيد بن منصور في "سننه" (166 - تفسير) والحميدي (488). (¬4) في (ب) الطبراني. (¬5) في "السنن" رقم (4010). (¬6) في "السنن" رقم (2621). قلت: وأخرجه أحمد (3/ 413) والطبري في "جامع البيان" (7/ 343) وابن أبي حاتم في تفسيره (3/ 1036 رقم 5813) والطبراني في "الكبير" رقم (12597).

منها ما أخرجه أحمد (¬1) والنسائي (¬2) من طريق إدريس الخولاني عن معاوية سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا الرجل يكون كافراً أو الرجل يقتل مؤمناً متعمداً". وقد حمل جمهور السلف وجميع أهل السنة [283/ ب] ما ورد من ذلك على التغليظ، وصححوا توبة القاتل كغيره، وقالوا: معنى قوله: {فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} أي: إن شاء أن يجازيه تمسكاً بقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (¬3). ومن الحجة في ذلك حديث الإسرائيلي الذي قتل تسعة وتسعين نفساً، ثم أتى تمام المائة فقال له: لا توبة لك، فقتله، فأكمل به المائة, ثم جاء آخر فقال له: ومن يحل بينك وبين التوبة .. الحديث. وهو مشهور، وإذا ثبت ذلك لمن قتل في غير هذه الأمة، فمثله لهم أولى لما خفف الله عليهم من الأثقال التي كانت على من قبلهم. انتهى. 31 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: نَزَلَتْ هَذ الآيَةُ بِمَكَّةَ: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} إِلَى قَوْلِهِ: {مُهَانًا (69)} فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: وَمَا يُغْنِى عَنَّا الإِسْلاَمُ، وَقَدْ عَدَلْنَا بِالله تَعالَى، وَقَدْ قَتَلْنَا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ الله تَعَالَى، وَأَتَيْنَا الْفَوَاحِشَ فَأَنْزَلَ الله - عز وجل -: {إِلَّا مَنْ تَابَ} الآية. أخرجه الخمسة (¬4) إلا الترمذي. [صحيح] ¬

_ (¬1) في "المسند" (4/ 99). (¬2) في "السنن" رقم (7/ 81)، وهو حديث صحيح لغيره. (¬3) سورة النساء الآية: (48 - 116). (¬4) أخرجه البخاري رقم (4855) وله أطراف رقم (4590 و4762 و4763، 4764، 4765، 4766) ومسلم رقم (1222، 3023) وأبو داود رقم (4373) والنسائي رقم (4001، 4002) وابن ماجه رقم (2621).

وزاد في رواية: قَالَ فَأَمَّا مَنْ دَخَلَ فِي الإِسْلاَمِ وَعَقَلَهُ، ثُمَّ قَتَلَ، فَلاَ تَوْبَةَ لَهُ. 32 - وفي رواية لأبي داود (¬1): {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا} ما نَسَختها شيء. 33 - وفي رواية للنسائي (¬2) والترمذي (¬3) رحمهما الله: سُئِلَ ابْنَ عَبَّاسٍ - رضي الله عنه - عَمَّنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا، ثُمَّ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَأَنَّى لَهُ التَّوْبَةُ سَمِعْتُ نَبِيَّكُمْ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "يَجِيءُ المَقْتُول مُتَعَلِّقًا بِالْقَاتِلِ تَشْخُبُ أَوْدَاجُهُ دَمًا، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ! سَلْ هَذَا فِيمَ قَتَلَنِي". ثُمَّ قَالَ: وَالله لَقَدْ أَنْزَلَهَا الله تَعالَى، وَلَمْ يَنْسَخَهَا. [صحيح] 34 - وعن أبي مجلز في قوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} قال: هِي جَزَاؤُهُ, فَإِنْ شَاءَ الله تَعَالَى أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنْ جَزَائِهِ فَعَلَ. أخرجه أبو داود (¬4). [حسن مقطوع] 35 - وعن ابن عَبَّاس - رضي الله عنهما - قَالَ: لَقِيَ ناسٌ مِنْ المُسْلِمين رَجُلاً فِي غُنَيْمَةٍ لَهُ فَقَالَ: السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ فَأخَذوه فَقَتَلُوهُ، وَأَخَذُوا تِلْكَ الْغُنَيْمَات فَنَزَلَتْ: {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا} وَقَرأها ابن عباس - رضي الله عنهما - السلام. أخرجه الخمسة (¬5) إلا النسائي، وهذا لفظ الشيخين. [صحيح] ¬

_ (¬1) انظر التعليقة المتقدمة. (¬2) في "السنن" رقم (3599، 4000). (¬3) في "السنن" رقم (3029)، وهو حديث صحيح. (¬4) في "السنن" رقم (4376) حسن مقطوع. (¬5) في "السنن" رقم (3030)، وهو حديث صحيح.

36 - وعند الترمذي (¬1) - رحمه الله - قَالَ: مَرَّ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ عَلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وَمَعَهُ غَنَمٌ لَهُ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ قَالُوا: مَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ لِيَتَعَوَّذَ مِنْكُمْ فَقَامُوا فَقَتَلُوهُ، وَأَخَذُوا غَنَمَهُ، وأَتَوْا بِهَا رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فَأَنْزَلَ الله تَعَالَى الآية. [صحيح] قوله: "على رجل من بني سليم": قلت: القاتل له أسامة بن زيد، والمقتول مرداس بن نهيك كما في "فتح الباري" (¬2). 37 - وعنه - رضي الله عنه -: أَنَّ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لِلْمِقْدَادِ: "إِذَا كَانَ رَجُل مُؤْمِنٌ يُخْفِى إِيَمانَهُ مَعَ قَوْمٍ كُفَّارٍ، فَأَظْهَرَ إِيمَانَهُ، فَقَتَلْتَهُ فَكَذَلِكَ كُنْتَ أَنْتَ تُخْفِى إِيمَانَكَ بِمَكَّةَ مِنْ قَبْلُ" أخرجه البخاري (¬3). 38 - وعنه - رضي الله عنه - أيضاً قَالَ: (لاَ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ بَدْرٍ وَالْخَارِجُونَ إِلَيهَا). أخرجه البخاري (¬4)، وهذا لفظه، والترمذي (¬5). وزَادَ: لَمَّا نَزَلَتْ غَزْوَةُ بدر. قال عبد الله بن جَحْش وابنُ مَكْتوم: إنَّا أعْمَيان يا رسولُ الله، يَا رَسُولَ الله! فَهَلْ لَنَا رُخْصَةٌ فَنَزَلَتْ: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَ (وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً) فَهَؤُلاَءِ الْقَاعِدُونَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (4591) ومسلم رقم (3025) والترمذي رقم (3030) وأبو داود رقم (3974). (¬2) (8/ 258). (¬3) في "صحيحه" رقم (6866). وقال الحافظ في "الفتح" (12/ 168): وهذا التعليق وصله البزار والدارقطني في "الأفراد" والطبراني في "الكبير" من رواية أي بكر بن علي بن عطاء بن مقدم والد محمد بن أبي بكر المقدمي عن حبيب .. (¬4) في "صحيحه" رقم (3954). (¬5) في السنن رقم (3032).

وَفَضَّلَ الله الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا دَرَجَاتٍ مِنْهُ عَلَى الْقَاعِدِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرِ أُولِي الضَّرَرِ. [صحيح] 39 - وللخمسة (¬1) إلا أبا داود عن البراء - رضي الله عنه -: لَمَّا نَزَلَت: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: 95] دعا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - زيْدًا، فَجَاءَ بِكَتِفٍ يَكْتُبُهَا فَشَكَا إِلَيْهِ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ ضَرَارَتَهُ فَنَزَلَتْ: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}. [صحيح] قوله: "عبد الله جحش": هكذا وقع في "الجامع الكبير" وفي سنن الترمذي (¬2) والصواب عبد بن جحش غير مضاف، ذكره ابن عبد البر في "الاستيعاب" (¬3) قال: وقال يحيى ابن معين: اسمه عبد الله بن جحش، ولم يصنع شيئاً، أي: ليس قول يحيى بشيء، وكنيته: أبو أحمد وهو الشاعر الأعمى، وأخوه عبد الله بن جحش، وعبيد الله بن جحش مات عبيد الله بأرض الحبشة نصرانياً، وعبد الله: هو المجدع في سبيل الله - رضي الله عنه -. انتهى. [284/ ب]. قوله: "فهؤلاء القاعدون غير أولي الضرر" هكذا في الترمذي (¬4) وصوابه: فهؤلاء القاعدون أولوا الضرر بدون فضل المجاهدون على القاعدين من غير أولي الضرر درجات، ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (4594) ومسلم رقم (1898) والترمذي رقم (3031) والنسائي رقم (3101، 3102). (¬2) في "السنن" (5/ 241). (¬3) رقم (2828). (¬4) في "السنن" (5/ 241). قال الحافظ في "فتح الباري" (8/ 280) هو من كلام ابن جريج بيَّنهُ الطبري، فأخرج من طريق حجاج نحو ما أخرجه الترمذي إلى قوله: "درجة".

وفضلهم على أولي الضرر درجة [73/ أ] واحدة، والمراد: أن الله سوى في الأجر بين المجاهدين والقاعدين أولي الضرر في الأجر، ولذا كان الصواب أن يقول الترمذي: أولي الضرر في عبارته الثانية. قوله: "الترمذي وزاد": قلت: ثم قال في آخره (¬1): هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه من حديث ابن عباس. ومقسم يقال: مولى عبد الله بن الحارث، ويقال: مولى عبد الله بن عباس، ومقسم يكنى: أبا القاسم. 40 - وَعَن مُحَمَّدُ بْنُ عبد الرَّحْمَنِ قَالَ: قُطِعَ عَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ بَعْثٌ فَاكْتُتِبْتُ فِيهِ، فَلَقِيتُ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - فَأَخبرْتُهُ، فَنَهَانِي أَشَدَّ النَّهْي، ثُمَّ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ نَاسًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا مَعَ الْمُشْرِكِينَ يُكَثَّرُونَ سَوَادَهُمْ يَأْتِي السَّهْمُ فَيُرْمَى بِهِ، فَيُصِيبُ أَحَدَهُمْ فَيَقْتُلُهُ أَوْ يُضْرَبُ فَيُقْتَلُ، فَأَنْزَلَ الله: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} (¬2) الآيَةَ. [صحيح] قوله: "وعن محمد بن عبد الرحمن": هو أبو الأسود الأسدي يتيم عروة بن الزبير كما في "فتح الباري" (¬3). ¬

_ (¬1) أي: الترمذي في "السنن" (5/ 241 - 242). (¬2) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (4596) وطرفه رقم (7085). (¬3) (8/ 263).

قوله: "بعث" (¬1): أي: جيش، والمعنى. أنهم ألزموا بإخراج جيش لقتال أهل الشام، وكان ذلك في خلافة عبد الله بن الزبير على مكة [285/ ب]. 41 - وَعَن ابن عبَّاس - رضي الله عنهما - فِي قَولَه تَعالَى: {إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى} قال: نَزَلَتْ فِي عبد الرحمنِ بن عَوْف - رضي الله عنه - وكان جريحاً (¬2). أخرجهما البخاري. [صحيح] 42 - وَعَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ قَالَ: قُلْتُ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} فَقَدْ أَمِنَ النَّاسُ فَقَالَ: عَجِبْتُ مِمَّا عَجِبْتَ مِنْهُ، فَسَأَلْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: "صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ الله تَعَالَى بِهَا عَلَيْكُمْ فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ" أخرجه الخمسة (¬3) إلا البخاري. [صحيح] 43 - وَعَن عبد الله بْنِ خَالِدِ بْنِ أَسِيدٍ أَنَّهُ قَالَ لِابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: كَيْفَ تَقْصُرُ الصَّلاَةَ، وَإِنَّمَا قَالَ الله تَعَالى: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: يَا ابْنَ أَخِي! إِنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - أَتَانَا وَنَحْنُ ضُلاَّلٌ، فَعَلَّمَنَا فكَانَ فِيمَا عَلَّمَنَا أَنَّهُ أَمَرَنَا أَنْ نُصَلّيَ رَكْعَتَيْنِ فِي السَّفَرِ. أخرجه النسائي (¬4). [صحيح] ¬

_ (¬1) انظر "النهاية" في غريب الحديث (1/ 144). (¬2) في "صحيحه" رقم (4599). قلت: وأخرجه الطبري في "جامع البيان" (7/ 445) وابن أبي حاتم في "تفسيره" (4/ 1055 رقم 4903) والبيهقي في "السنن الكبرى" (3/ 255) والحاكم في المستدرك (2/ 308). (¬3) أخرجه مسلم في "صحيحه" رقم (686) وأبو داود رقم (1199) وابن ماجه رقم (1065) والترمذي رقم (3034) والنسائي رقم (1433). (¬4) في "السنن الكبرى" رقم (1905). =

44 - وَعَن قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَ أَهْلُ بَيْتٍ مِنَّا يُقَالُ لَهُمْ: بَنُو أُبَيْرِقٍ بِشْرٌ وَبَشِيرٌ وَمُبَشِّرٌ، وَكَانَ بَشِيرٌ رَجُلاً مُنَافِقًا يَقُولُ الشِّعْرَ يَهْجُو بِهِ أَصْحَابَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ يَنْحَلُهُ بَعْضَ الْعَرَبِ، يَقُولُ: قَالَ فُلاَنٌ: كَذَا وَكَذَا، قَالَ فُلاَنٌ: كَذَا وَكَذَا، وَكَانُوا أهْلَ بَيْتٍ حَاجَةٍ وَفَاقَةٍ فِي الجاهِلِيِّة وَالإسْلَام، وَكَانَ النَّاسُ إِنَّمَا طَعَامُهُمْ بِالْمَدِينَةِ التَّمْرُ وَالشَّعِيرُ، وَكَانَ الرَّجُلُ إِذَا كَانَ لَهُ يَسَارٌ فَقَدِمَتْ ضَافِطَةٌ مِنَ الشَّامِ مِنَ الدَّرْمَكِ ابْتَاعَ الرَّجُلُ مِنْهَا فَخَصَّ بِهَا نَفْسَهُ، وَأَمَّا الْعِيَالُ فَإِنَّمَا طَعَامُهُمُ التَّمْرُ وَالشَّعِيرُ، فَقَدِمَتْ ضَافِطَةٌ مِنَ الشَّامِ فَابْتَاعَ عَمِّي رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدٍ حِمْلاً مِنَ الدَّرْمَكِ، فَجَعَلَهُ فِي مَشْرَبَةٍ لَهُ, وَفي الْمَشْرَبَةِ سِلاَحٌ وَدِرْعٌ وَسَيْفٌ، فَعُدِىَ عَلَيْهِ مِنْ الليل، فَنُقِبَتِ الْمَشْرَبَةُ، وَأُخِذَ الطَّعَامُ وَالسِّلاَحُ، فَلَمَّا أَصْبَحَ أَتَانِي عَمِّي رِفَاعَةُ فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي! إِنَّهُ قَدْ عُدِىَ عَلَيْنَا فِي لَيْلَتِنَا فَنُقِبَتْ مَشْرَبَتُنَا وَذُهِبَ بِطَعَامِنَا وَسِلاَحِنَا. قَالَ: فتحَسَّسْنَا فِي الدَّارِ وَسَأَلْنَا. فَقِيلَ لَنَا: قَدْ رَأَيْنَا بَنِي أُبيْرِقٍ اسْتَوْقَدُوا فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ، وَلاَ نُرَى فِيمَا نُرَى إِلاَّ عَلَى بَعْضِ طَعَامِكُمْ. وَكَانَ بَنُو أُبيْرِقٍ قَالُوا: وَنَحْنُ نَسْأَلُ فِي الدَّارِ، وَالله! مَا نُرَى صَاحِبَكُمْ إِلاَّ لَبِيدَ بْنَ سَهْلٍ رَجُلاً مِنَّا لَهُ صَلاَحٌ وَإِسْلاَمٌ، فَلَمَّا سَمِعَ لَبِيدٌ اخْتَرَطَ سَيْفَهُ، وَقَالَ: أَنَا أَسْرِقُ فَوَالله! لَيُخَالِطَنَّكُمْ هَذَا السَّيْفُ أَوْ لَتُبَيِّنُنَّ هَذِهِ السَّرِقَةَ. فَقَالُوا: إِلَيْكَ عَنْهَا أَيُّهَا الرَّجُلُ! فَمَا أَنْتَ بِصَاحِبِهَا. فَسَأَلْنَا فِي الدَّارِ حَتَّى لَمْ نَشُكَّ أَنَّهُمْ أَصْحَابُهَا، فَقَالَ لِي عَمِّي: يَا ابْنَ أَخِي! لَوْ آتَيْتَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرْتَ ذَلِكَ لَهُ. فَأتَيْتُه فَقُلْتُ: إِنَّ أَهْلَ بَيْتٍ مِنَّا أَهْلَ جَفَاءٍ عَمَدُوا إِلَى عَمِّي رِفَاعَةَ فَنَقَبُوا مَشْرَبَته وَأَخَذُوا سِلاَحَهُ وَطَعَامَهُ, فَلْيَرُدُّوا عَلَيْنَا سِلاَحَنَا؛ فَأَمَّا الطَّعَامُ فَلاَ حَاجَةَ لَنَا فِيهِ. فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "سَآمُرُ فِي ذَلِكَ". فَلَمَّا سَمِعَ بَنُو أُبيْرِقٍ أَتَوْا رَجُلاً مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ: أَسِيرُ بْنُ عُرْوَةَ فَكَلَّمُوهُ فِي ذَلِكَ، فَاجْتَمَعَ فِي ذَلِكَ أنَاسٌ مِنْ أَهْلِ الدَّارِ. ¬

_ = قلت: وأخرجه ابن ماجه رقم (1066) وابن حبان في "صحيحه" رقم (1451، 2735)، وهو حديث صحيح.

فَقَالُوا: يَا رَسُولَ الله! إِنَّ قَتَادَةَ بْنَ النُّعْمَانِ وَعَمَّهُ عَمَدَا إِلَى أَهْلِ بَيْتٍ مِنَّا أَهْلِ إِسْلاَمٍ وَصَلاَحٍ يَرْمُونَهُمْ بِالسَّرِقَةِ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ وَلاَ ثَبْتٍ. قَالَ قَتَادَةُ: فَأَتيْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فَكَلَّمْتُهُ فَقَالَ: "عَمَدْتَ إِلَى أَهْلِ بَيْتٍ ذُكِرَ مِنْهُمْ إِسْلاَمٌ وَصَلاَحٌ تَرْمِيهِمْ بِالسَّرِقَةِ عَلَى غَيْرِ ثَبْتٍ وَلاَ بَيِّنَةٍ". قَالَ: فَرَجَعْتُ وَلَوَدِدْتُ أَنَّي خَرَجْتُ مِنْ بَعْضِ مَالِي وَلَمْ أُكَلِّمْ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - في ذَلِكَ فَأَتَانِي عَمِّي رِفَاعَةُ فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي! فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا قَالَ لِي رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: الله الْمُسْتَعَانُ! فَلَمْ نلْبَثْ أَنْ نَزَلَ الْقُرآنُ: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا (105)} بَنِي أُبَيْرِقٍ {وَاستَغفِرِ اللهَ} مِمَّا قُلْتَ لِقَتَادَةَ: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (106) وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا (107) يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا (108)} إِلَى قَوْلِ الله - عزوجل -: {غَفُورًا رَّحِيمًا} أَيْ: لَوِ اسْتَغْفَرُوا لَغَفَرَ لَهُمْ: {وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ} إِلَى قَوْلِهِ: {إِثْمًا مُبِينًا (50)} قَوْلُهُمْ لِلَبِيدٍ: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ} إِلَى قَوْلِهِ: {فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (74)} فَلَمَّا نَزَلَ الْقُرْآنُ أُتِىَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بِالسِّلاَحِ، فَرَدَّهُ إِلَى رِفَاعَةَ فَقَالَ قَتَادَةُ: لَمَّا أَتَيْتُ عَمِّى بِالسِّلاَحِ وَكَانَ شَيْخًا قَدْ عَسِىَ أَوْ قَد عَشِيَ الشَّك مِنْ أبي عيسَى فِي الجَاهِليَّةِ، وَكُنْتُ أُرَى إِسْلاَمَهُ مَدْخُولاً، قَالَ يَا ابْنَ أَخِي! هُوَ فِي سَبِيلِ الله تَعَالَى، فَعَرَفْتُ أَنَّ إِسْلاَمَهُ كَانَ صحِيحًا، فَلَمَّا نَزَلَ الْقُرْآنُ لحِقَ بَشِير بِالْمُشْرِكِين، فَنَزَلَ عَلَى سُلاَفَةَ بِنْتِ سَعْدِ ابْنِ سُمَيَّةَ فَأَنْزَلَ الله: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115) إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} فَلَمَّا نَزَلَ عَلَى سُلاَفَةَ رَمَاهَا حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ بِأَبْيَاتٍ مِنْ

الشَّعْر، فَأَخَذَتْ رَحْلَهُ فَوَضعَتْهُ عَلَى رَأْسِهَا، ثُمَّ خَرَجَتْ بِهِ فَرَمَتْ بِهِ فِى الأَبْطَحِ، ثُمَّ قَالَتْ: أَهْدَيْتَ إليَّ شِعْرَ حَسَّانَ مَا كُنْتَ تَأْتِينِي بِخَيْرٍ. أخرجه الترمذي (¬1). [حسن] "والضافطة" (¬2): ناس يحلبون الدهن والزيت ونحوهما، وقيل: هم الذين يُكْرون من منزل إلى منزل. و"المشربة" (¬3) بضم الراء وفتحها الغرفة. و"عسى" (¬4): بالمهملة كبر وأسن، وبالمعجمة قل بصره وضعف. قوله في حديث قتادة بن النعمان: "ثم ينحله" (¬5): بالحاء المهملة يعطيه [و] (¬6) ينسبه إليه. زاد الترمذي (¬7) في روايته: "فإذا سمع أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك الشعر قالوا: والله! ما يقول هذا الشعر إلا هذا الخبيث, أو كما قال الرجل، وقالوا: ابن الأبيرق قالها". ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (3036). قلت: وأخرجه الطبري في "جامع البيان" (7/ 458 - 462) وابن أبي حاتم في تفسيره (4/ 1059 - 1060 رقم (5933)، وهو حديث حسن. (¬2) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (2/ 109). ضافطةٌ بضاد معجمة وقال ابن الأثير في "النهاية في غريب الحديث" (2/ 87): الضافط والضّفّاط: الذي يجلب المسيرة والمتاع إلى المدن. والمكاري: الذي يكري الأحمال، وكانوا يومئذ قوماً من الأنباط يحملون إلى المدينة الدقيق والزيت وغيرهما. وانظر الفائق في غريب الحديث (2/ 343). (¬3) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (2/ 109). (¬4) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (2/ 109) وفي "النهاية" (2/ 208). (¬5) انظر غريب الحديث للخطابي (2/ 161) "النهاية" في غريب الحديث (2/ 719). (¬6) زيادة من (ب). (¬7) في "السنن" رقم (3036).

قوله: في "ضافطة": بالضاد المعجمة كما في "النهاية" (¬1). قوله: "الدرمك" بفتح الدال المهملة: دقيق الحنطة (¬2). قوله: "عدي عليه" أي: سرق ماله من العدوان والظلم (3). قوله: "المشربة": بضم الراء وفتحها: الغرفة (3). قوله: "في الدار" أي: في المدينة (¬3) [286/ ب]. قوله: "أهل جفاء" فيه جواز تكلم المتظلم عن غيره بالغيبة في القرينة. قوله - صلى الله عليه وسلم -: "سآمر في ذلك": الظاهر أن مراده - صلى الله عليه وسلم - سأنظر في أمركم إن أقمتم البينة. قوله - صلى الله عليه وسلم -: "عمدت إلى أهل بيت ذكر منهم إسلام وصلاح ترميهم بالسرقة من غير بينة ولا ثَبْت": أي: أمر تثبت به السرقة منهم. إن قلت: كيف صدقهم - صلى الله عليه وسلم - بأنهم أهل بيت إسلام وصلاح، وقد اتهموا بالسرقة؟ قلت: اتهامهم بالسرقة ما يخرجهم عن ظاهر إسلام وصلاح، لأن إسلامهم قد تيقن فبقي - صلى الله عليه وسلم - عليه، وأصل من تلبس بالإسلام أنه على صلاح. فإن قلت: هذا يدل على لوم من يتهم من ليس أهلاً للتهمة. قلت: هذا تولى الله جوابه وعاتب فيه رسوله بالآية. وأمره بالاستغفار وعاتبه على جداله عن الذين يختانون أنفسهم، وهم بنو أبيرق كما صرح به في رواية الترمذي، وفيه: واستغفر الله، مما قلت لقتادة. ¬

_ (¬1) (2/ 87) وقد تقدم بنصه. (¬2) قال ابن الأثير في "جامع الأصول" (2/ 109) و"النهاية" (1/ 565) هو الدقيق الخوازي. (¬3) قاله ابن الأثير في "جامع الأصول" (2/ 109).

قوله: "عسى أو عشى": قال ابن الأثير (¬1) [287/ ب]: عسى - بالسين غير المعجمة - أي: كبر وأسن. وعشى - بالمعجمة - أي: قل بصره وضعف. قوله: "من أبي عيسى": أي: الترمذي في رواية أحد اللفظين. قوله: "مدخول" (¬2): الدخل العيب والغش يعني: إيمانه متزلزل فيه نفاق. قوله: "أخرجه الترمذي": قلت: ثم قال (¬3): هذا حديث غريب لا نعلم أحداً أسنده إلا محمد بن سلمة الحرَّاني. وروى يونس بن بكير وغيره هذا الحديث عن محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة مرسلاً، لم يذكروا فيه عن أبيه عن جده, وقتادة بن النعمان هو أخو أبي سعيد الخدري لأمه، وأبو سعيد اسمه: سعد بن مالك بن سنان. انتهى. 45 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} بَلَغَتْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مَبْلَغًا شَدِيدًا. فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "قَارِبُوا وَسَدِّدوا فَفِي كُلِّ مَا يُصَابُ بِهِ الْمُسْلِمُ كفَّارَةٌ، حَتَّى النَكبَةِ يُنْكَبُهَا، أَوِ الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا". أخرجه مسلم (¬4)، وهذا لفظه، والترمذي (¬5) ولفظه: شق ذلك على المسلمين فشكوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: وذكر الحديثَ. [صحيح] ¬

_ (¬1) في "جامع الأصول" (2/ 109) وفي "النهاية في غريب الحديث" (2/ 208). (¬2) قاله ابن الأثير في "جامع الأصول" (2/ 109). (¬3) أي: الترمذي في "السنن" (5/ 247). (¬4) في "صحيحه" رقم (2574). (¬5) في "السنن" رقم (3038). =

"النكبة" (¬1): ما يصيب الإنسان من الحوادث. قوله: "والترمذي": قلت: إلا أن لفظه فيه تقديم الشوكة على [288/ ب] النكبة، ولفظه: "حتى الشوكة يشاكها، أو النكبة ينكبها"، وأتى بكلمة: "أو" ولذا قال المصنف كابن الأثير: وهذا لفظه. ثم قال الترمذي (¬2): هذا حسن غريب، وابن محيصن عمر بن عبد الرحمن بن محيصن. انتهى. 46 - وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رضي الله عنه - قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فقَالَ: "أَلاَ أُقْرِئُكَ آيَةً أُنْزِلَتْ عَلَيَّ" قُلْتُ: بَلَى. فَأَقْرَأَنِيهَا، فَلاَ أَعْلَمُ إِلاَّ أَنِّي قَدْ كُنْتُ وَجَدْتُ فِي ظَهْرِي انْقِصَامًا فتمَطَّأْتُ لَهَا. فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا شَأنكَ يَا أَبا بَكْرٍ؟! ". قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله! بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي! وَأَيُّنَا لَمْ يَعْمَلْ سُوءًا وَإِنَّا لمَجْزِيُّونَ بِمَا عَمِلْنَا؟ فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَمَّا أنتَ يَا أَبا بَكْرٍ! وَالْمُؤْمِنُونَ فَتُجْزَوْنَ بِذَلِكَ فِي الدُّنْيَا حَتَّى تَلْقَوُا الله تَعَالى، وَلَيْسَ لكُمْ ذُنُوبٌ، وَأَمَّا الآخَرُونَ فَيُجْمَعُ ذَلِكَ لَهُمْ حَتَّى يُجْزَوْا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامةِ". أخرجه الترمذي (¬3). [ضعيف] ¬

_ = قلت: وأخرجه أحمد (12/ 341) وسعيد بن منصور في "السنن" (664 - تفسير) وابن أبي شيبة في مصنفه (3/ 229، 230) والنسائي في الكبرى رقم (11122) والبيهقي في "السنن الكبرى" (3/ 373) وابن جرير في "جامع البيان" (7/ 520)، وهو حديث صحيح. (¬1) ذكره ابن الأثير في "النهاية" (2/ 792). (¬2) في "السنن" (5/ 248). (¬3) في "السنن" رقم (3039) وهو حديث ضعيف. قلت: وأخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (7/ 521) وابن أبي حاتم في تفسيره (4/ 1071 رقم 5992) والحاكم (3/ 74) والبيهقي في شعب الإيمان رقم (9805) وأحمد (1/ 229، 232).

"والانقصام" (¬1): بالقاف: الانكسار: "والتمطي" (¬2) هنا: التمدد الذي هو من مقدمات المرض. قوله: "انقصاماً" (¬3): الانقصام: بالنون فقاف فصاد مهملة: الكسر. "فتمطأت لها": التمطي (¬4): التمدد الذي هو من مقدمات الحمى لا التبختر. قوله: "أخرجه الترمذي": قلت: وقال (¬5): هذا حديث غريب، وفي إسناده مقال، وموسى بن عبيدة (¬6) يضعف في الحديث ضعفه يحيى بن سعيد، وأحمد بن حنبل، ومولى بن سباع مجهول، وقد روي هذا الحديث من غير هذا الوجه عن أبي بكر، وليس له إسناد صحيح. انتهى كلامه. وفي هامش الجامع الكبير منسوباً إلى السيد محمد بن إبراهيم، لكنه قوي جيد لكثرة شواهده وتوابعه. أما شواهده عن أبي بكر خاصة فذكر ابن عبد البر في "التمهيد" [أنَّه روي عنه من وجوه شتى، وأمَّا توابعه من غيره فذكر ابن عبد البر في "التمهيد" (¬7)] (¬8) أنها كثيرة جداً، وأنه أمر مجمع عليه ولله الحمد. وقد قال الله تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ ¬

_ (¬1) قاله ابن الأثير في "جامع الأصول" (2/ 111). (¬2) انظر "النهاية في غريب الحديث" (2/ 665). (¬3) قاله ابن الأثير في "جامع الأصول" (2/ 111). (¬4) انظر "النهاية في غريب الحديث" (2/ 665). (¬5) أي: الترمذي في السنن (5/ 248). (¬6) انظر "تهذيب التهذيب" (4/ 181 - 182). (¬7) (15/ 357). والاستذكار (27/ 23). (¬8) زيادة من (أ).

أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (30)} (¬1)، وكذا قوله بعدها: {أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ (34)} (¬2) انتهى. قلت: وقال تعالى: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} (¬3)، وهو شيء كثير: {إِنَّ الَّذِينَ [289/ ب] تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ} (¬4). 47 - وَعَنْ عَليِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أُمه: أَنَّهَا سَأَلَتْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - عَنْ قَوْلِ الله تَعَالَى: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} وَعَنْ قَوْلِهِ: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} فَقَالَتْ: مَا سَألنِي عَنْ هَذَا أَحَدٌ مُنْذُ سَأَلْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "هَذِهِ مُعَاتَبَةُ الله تَعَالَى الْعَبْدَ بمَا يُصِيبُهُ مِنَ الْحُمَّى وَالنَّكْبَةِ, حَتَّى الْبِضَاعَةُ يَضَعُهَا فِي يَدْ قَمِيصِهِ فَيَفْقِدُهَا فَيَفْزَعُ لهَا، حَتَّى إِنَّ الْعَبْدَ لَيَخْرُجُ مِنْ ذُنُوبِهِ كَما يَخْرُجُ التِّبْرُ الأَحْمَرُ مِنَ الْكِيرِ" (¬5). [ضعيف] 48 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: خَشِيَتْ سَوْدَةُ - رضي الله عنها - أَنْ يُطَلِّقَهَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فقَالَتْ: لاَ تُطَلِّقْنِي وَأَمْسِكْنِي، وَاجْعَلْ نَوْبَتِي لِعَائِشَةَ فَفَعَلَ فَنَزَلَتْ: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ}، فَمَا اصْطَلَحَا عَلَيْهِ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ جَائِزٌ (¬6). أخرجهما الترمذي. ¬

_ (¬1) سورة الشورى الآية: (30). (¬2) سورة الشورى الآية: (34). (¬3) سورة آل عمران الآية: (165). (¬4) سورة آل عمران الآية: (155). (¬5) في "السنن" رقم (2991)، وهو حديث ضعيف. (¬6) في "السنن" رقم (3040)، وهو حديث حسن.

سورة المائدة

قوله: "أخرجهما الترمذي": قلت: وقال في الآخر (¬1): حسن غريب. انتهى. وقال (¬2) في الأول - أعني: حديث علي بن زيد -: هذا حديث حسن غريب من حديث عائشة، لا نعرفه إلا من حديث حماد بن سلمة [74/ أ]. سورة المائدة [قوله] (¬3): سورة المائدة 1 - وَعَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ: قَالَتِ الْيَهُودُ لِعُمَرَ بِن الخَطَّاب - رضي الله عنه -: إِنَّكُمْ تَقْرَءُونَ آيَةً لَوْ نَزَلَتْ فِينَا لاَتَّخَذْنَاهَا عِيدًا. فَقَالَ عُمَرُ: إِنِّي لأَعْلَمُ حَيْثُ أُنْزِلَتْ، وَأَيْنَ أُنْزِلَتْ، وَأَيْنَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - حِينَ أُنْزِلَتْ يَوْمَ عَرَفَةَ, وإنَّا وَالله بِعَرَفَةَ فِي يَوْمَ الْجُمُعَةِ. يَعْنِي: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} أخرجه الخمسة (¬4) إلا أبا داود. [صحيح] قوله: "قالت اليهود": قيل: هو كعب الأحبار، وجمعه باعتبار من كان معه على رأيه، أو أطلق هذه الصفة عليه إشارة إلى أن قوله عن ذلك وقع قبل إسلامه؛ لأن إسلامه كان في خلافة عمر [على المشهور، وأطلق عليه باعتبار ما مضى. ¬

_ (¬1) في "السنن" (5/ 249). (¬2) أي: الترمذي في "السنن" (5/ 221). (¬3) زيادة من (أ). (¬4) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (45) ومسلم رقم (3017) والترمذي رقم (3043) والنسائي رقم (3002، 5012)، وهو حديث صحيح.

قوله: "فقال عمر"] (¬1): "إني لأعلم أي يوم أنزلت": يريد أنه يوم عيد أنزلها الله في يوم عيد الأسبوع، وهو الجمعة، وعيد العام، وهو يوم عرفة فقد جعل الله يوم نزولها عيداً أبداً. قوله: "أخرجه الخمسة إلا أبا داود": قلت: وقال الترمذي (¬2): هذا حديث حسن صحيح. 2 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - في قَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} الآية. قَالَ: أُنزَلَتْ فِي الْمُشْرِكِينَ: فَمَنْ تَابَ مِنْهُمْ قَبْلَ أَنْ يُقْدَرَ عَلَيْهِ لَمْ يَمْنَعْهُ ذَلِكَ أَنْ يُقَامَ فِيهِ الْحَدُّ الَّذِي أَصَابَهُ. أخرجه أبو داود (¬3) والنسائي (¬4). [حسن] قوله: "فمن تاب منهم قبل أن يقدر عليه لم يمنعه ذلك أن يقام عليه الحد الذي أصابه": أقول: لفظ النسائي: "فمن تاب منهم قبل أن يقدر عليه لم يكن عليه سبيل أليست للمسلم، فمن قتل وأفسد في الأرض، وحارب الله ورسوله، ثم لحق بالكفار قبل أن يقدر عليه لمن يمنعه [ذلك] (¬5) أن يقام فيه الحد الذي أصاب". انتهى. وطريق أبي داود والنسائي عن علي بن الحسن [290/ ب] بن واقد عن أبيه مختلف فيهما. ¬

_ (¬1) زيادة من (أ). (¬2) في "السنن" (5/ 250). (¬3) في "السنن" رقم (4372). (¬4) في "السنن" رقم (4046)، وهو حديث حسن. (¬5) زيادة من (أ).

واعلم أنه قال أكثر أئمة (¬1) التفسير: أن المحارب إذا آمن وأصلح قبل القدرة عليه سقط عنه جميع الحدود التي ذكرها الله تعالى، ولا يطالب بشيء منها في مال ولا دم، وكذلك لو أُمِّن بعد القدرة عليه لم يطالب بشيء. قال الزجاج (¬2): جعل الله التوبة للكفار تدرأ عنهم الحدود التي وجبت عليهم في كفرهم هي كون ذلك أدعى للدخول في الإيمان، فأما المسلم المحارب إذا تاب واستأمن من قبل القدرة عليه، فقال السدي (¬3): هو كالكافر إذا أمن لا يطالب بشيء إلا إذا أصيب عنده مال بعينه، فإنه يرد على أهله، وبهذا حكم علي [كرم الله وجهه] (¬4) في حارثة بن بدر التميمي، وكان قد خرج محارباً فأتى سعيد بن قيس فانطلق سعيد بن قيس على علي - عليه السلام - وقال: يا أمير المؤمنين! ما جزاء من حارب وسعى في الأرض وفساداً؟ قال: {أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} قال: فإن تاب قبل أن يقدر عليه؟ قال: تقبل توبته. قال: فإنه حارثة بن بدر فأتاه به فأمنه وكتب له كتاباً. وقال الشافعي: يسقط عنه بتوبته قبل القدرة عليه حد الله، ولا يسقط عنه حقوق بني آدم ما كان قصاصاً أو مظلمة في مال. انتهى من الوسيط (¬5) [291/ ب]. 3 - وَعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ - رضي الله عنه - قَالَ: مُرَّ عَلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - بِيَهُودِيٍّ مُحَمَّماً مَجْلُوداً فَدَعَاهُمْ فَقَالَ: "هَكَذَا تَجِدُونَ حَدَّ الزَّانِي كَتَابكُم؟ " قَالُوا: نَعَمْ. فَدَعَا رَجُلاً مِنْ عُلَمَائِهِمْ قَالَ لَهُ: "أنْشِدُكَ بِالله الَّذِي أنزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى! هَكَذَا تَجِدُونَ حَدَّ الزَّانِي فِي كتَابِكُمْ؟ ". فَقَالَ: ¬

_ (¬1) انظر "جامع البيان" (8/ 381 - 382) "تفسير ابن كثير" (5/ 184 - 187). (¬2) في "معاني القرآن وإعرابه" (2/ 171). (¬3) انظر "جامع البيان" (8/ 393 - 394). (¬4) الأولى قوله - رضي الله عنه -. (¬5) "الوسيط في المذهب" (6/ 499).

"اللهمَّ! لاَ، وَلَوْلاَ أَنَّكَ نَشَدْتَني بِهَذَا لَمْ أُخْبِرْكَ نَجِدُه الرَّجْمَ، وَلكِنَّهُ كَثُرَ فِي أَشْرَافِنَا فَكُنَّا إِذَا أَخَذْنَا الرَّجُلَ الشَّرِيفَ تَرَكْنَاهُ, وَإِذَا أَخَذْنَا الرَّجُلَ الضَّعِيفَ أَقَمْنَا عَلَيْهِ الْحَدَّ، فَقُلْنَا: تَعَالَوْا فَنَجْتَمِعَ عَلَى شَيءٍ نُقِيمُهُ عَلَى الشَّرِيفِ وَالْوَضِيعِ، فَاجْتَمَعْنَا عَلَى التَّحْمِيمِ وَالْجَلْدِ مَكَان الرَّجْمَ. فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "اللهمَّ! إِنِّي أَوَّلُ مَنْ أَحْيَا أَمْرَكَ إِذْ أَمَاتُوهُ". فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ، فَأَنْزَلَ الله - عز وجل -: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ} فَأَنْزَلَ الله تَعَالَى: {إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا} إِلَى قَوْلِهِ: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44) وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45) وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (47)} فِي الْكُفَّارِ كُلُّهَا. أخرجه مسلم (¬1)، وهذا لفظه وأبو داود (¬2). [صحيح] 4 - وفي أخرى لأبي داود (¬3) عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: هَذِهِ الآيَاتُ الثَّلاَثُ نَزَلَتْ فِي قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ. [حسن] "والتحميم" (¬4): تسويد الوجه بالحمم، وهو الفحم. قوله: "محمم": [قال] (¬5) ابن الأثير (¬6): التحميم: تسويد الوجه من الحمم جمع: حممة وهي الفحمة. ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (1700). (¬2) في "السنن" رقم (4448)، وهو حديث صحيح. (¬3) في "السنن" رقم (3576) وهو حديث حسن. (¬4) انظر "المجموع المغيث" (1/ 501). (¬5) زيادة يقتضيها السياق. (¬6) في "جامع الأصول" (2/ 117).

قوله: "نسود وجوههما ونحملهما": قال النووي في "شرح مسلم" (¬1): هكذا في أكثر النسخ بالهاء واللام، وفي بعضها: "نجملهما" بالجيم المفتوحة، وفي بعضها: "نحممهما" بميمين، وكله متقارب، فمعنى الأول: نحملهما على جمل. ومعنى الثاني: نجعلهما على جمل. ومعنى الثالث: نسود وجوههما بالحممة - بفتح الحاء وفتح الميم - وهذا الثالث ضعيف؛ لأنه قد قال قبله: "نسود وجوههما". فإن قيل: كيف رجم اليهوديين أبالبينة أم بالإقرار؟ قلنا: الظاهر أنه بالإقرار؛ لأنه قد جاء في سنن أبي داود وغيره [أنهم شهدوا عليهم] (¬2) أربعة أنهم رأوا ذكره في فرجها. فإن صح هذا، فإن كان الشهود مسلمين فظاهر، وإن كانوا كفاراً فلا اعتبار بشهادتهم، وتعين أنهما أقرا بالزنا. انتهى (¬3). قلت: ورواية أبي داود (¬4) التي أشار إليها قال المنذري (¬5): فيها مجالد بن سعيد وهو ضعيف. هذا وفي الحديث دليل لوجوب حدّ الزنا على الكفار، وأنه يصح نكاحهم؛ لأنه لا يجب الرجم إلا على المحصن، فلو لم يصح نكاحه لم يثيب بنكاحه ولم يرجم. ¬

_ (¬1) (12/ 208 -). (¬2) في (أ) أنه شهد عليهما. (¬3) كلام النووي في شرحه لصحيح مسلم (2/ 211). (¬4) في "السنن" رقم (4452) وهو حديث صحيح. (¬5) في مختصره رقم (4287).

وفيه أن الكفار مخاطبون بفروع (¬1) الشريعة. وفيه أن الكفار إذا ترافعوا إلينا حكم القاضي بينهم بحكم شرعنا. قوله: "ما تجدون في التوراة؟ ": قال العلماء (¬2): هذا السؤال ليس لتقليدهم، ولا لمعرفة الحكم منهم، وإنما هو لإلزامهم بما يعتقدونه في كتابهم، ولعله - صلى الله عليه وسلم - قد أوحي إليه أن الرجم في التوراة [292/ ب] الموجودة في أيديهم لم يغيروه كما غيروا أشياء، أو أنه أخبره بذلك من أسلم منهم، ولهذا لم يخف عليه ذلك حين كتموه. 5 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: كَانَ قُرَيْظَةُ وَالنَّضِيرُ- وَكَانَ النَّضِيرُ أَشْرَفَ مِنْ قُرَيْظَةَ - فكَانَ إِذَا قَتَلَ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْظَةَ رَجُلاً مِنَ النَّضِيرِ قُتِلَ بِهِ، وَإِذَا قَتَلَ رَجُل مِنَ النَّضِيرِ رَجُلاً مِنْ قُرَيْظَةَ فُدِيَ بِمائَةِ وَسْقٍ مِنْ تَمْرٍ، فَلَمَّا بُعِثَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - قَتَلَ رَجُلٌ مِنَ النَّضِيرِ رَجُلاً مِنْ قُرَيْظَةَ فَقَالُوا: ادْفَعُوهُ إِلَيْنَا نَقْتُلْهُ. فَقَالُوا بَيْنَنَا وَبَيْنكُمُ محمدًا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فَأَتَوْهُ, فَأُنْزِلَتْ: {وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ} وَالْقِسْطُ: النَّفْسُ بِالنَّفْسِ، ثُمَّ نَزَلَتْ: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ}. أخرجه أبو داود (¬3) والنسائي (¬4). [ضعيف] 6 - وفي أخرى لأبي داود (¬5): {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} فَنُسِخْت قَالَ: {فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ}. [إسناده حسن] ¬

_ (¬1) انظر: "شرح الكوكب المنير" (1/ 512) "المحصول" (1/ 225) "الإبهاج" (1/ 182). (¬2) انظر "المفهم" (5/ 114) "التمهيد" (14/ 8 - 9، 10) "المغني" (12/ 317). (¬3) في "السنن" رقم (4494). (¬4) في "السنن" رقم (4732)، وهو حديث ضعيف. (¬5) في "السنن" رقم (3590) بإسناد حسن.

ولهما (¬1) في أخرى قال: قَالَ: كَانَ بَنُو النَّضِيرِ إِذَا قَتَلُوا مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ أَدَّوْا نِصْفَ الدِّيَةِ، وَإِذَا قَتَلَ بَنُو قُرَيْظَةَ مِنْ بَني النَّضِيرِ أَدَّوْا إِلَيْهِمُ الدِّيَةَ كَامِلَةً، فَسَوَّى بَيْنَهُمْ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -. 7 - وَعَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُحْرَسُ ليلاً حَتَّى نَزَلَ: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} فَأَخْرَجَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - رأْسَهُ مِنَ الْقُبَّةِ فَقَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ! انْصَرِفُوا فَقَدْ عَصَمَنِي الله" (¬2). [حسن] قوله في حديث عائشة: "أخرجه الترمذي": قلت: وقال (¬3): هذا حديث غريب، وروى بعضهم [293/ ب] هذا الحديث عن الجريري عن عبد الله بن شقيق كما قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يحرس، ولم يذكروا فيه عن عائشة. فإن قيل: أليس قد شج رأسه، وكسرت رباعيته، وأوذي بضروب من الأذى؟ قيل: معناه: يعصمك من القتل فلا يصلون إلى قتلك. وقيل: نزل هذا بعد أن شج رأسه، لأن سورة المائدة من آخر ما نزل من القرآن. وقيل: المعنى: والله يخصك بالعصمة من بين الناس لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - معصوم قاله البغوي (¬4). ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود رقم (3591) والنسائي رقم (4733)، وهو حديث حسن. (¬2) أخرجه الترمذي في "السنن" رقم (3046)، وهو حديث حسن. قلت: وأخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (8/ 569) وابن أبي حاتم في تفسيره (4/ 1173 رقم 6615) والحاكم (2/ 313) والبيهقي في "السنن الكبرى" (9/ 8). (¬3) أي: الترمذي في "السنن" (5/ 252). (¬4) في "معالم السنن" (3/ 79).

8 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: إِنِّي إِذَا أَصَبْتُ اللَّحْمَ انْتَشَرْتُ لِلنِّسَاءِ، وَأَخَذَتْنِي شَهْوَتِي فَحَرَّمْتُ عَلَيَّ اللَّحْمَ. فَأَنْزَلَ الله تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ} الآية (¬1). أخرجهما الترمذي. [صحيح] قوله في حديث ابن عباس إلى قوله: "حلالاً عنده. أخرجه الترمذي". قلت: وقال (¬2): هذا حديث حسن غريب، رواه بعضهم من حديث عثمان بن سعد مرسلاً، ليس فيه عن ابن عباس، ورواه خالد الحذاء عن عكرمة مرسلاً. 9 - عَنْ عبد الله بِن مَسْعُود - رضي الله عنه - قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} الآية. قَالَ لِي رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَنْتَ مِنْهُمْ". أخرجه مسلم (¬3) وهذا لفظه، والترمذي (¬4). [صحيح] قوله: "أنت منهم ... أخرجه الترمذي" (¬5): وقال (¬6): هذا حديث حسن صحيح. ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي في "السنن" رقم (3054) وهو حديث صحيح. قلت: أخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (8/ 613) وابن أبي حاتم في تفسيره (4/ 1186 رقم 6687) والطبراني في "المعجم الكبير" رقم (11981). (¬2) في "السنن" (5/ 256). (¬3) في "صحيحه" رقم (2459). (¬4) كذا في المخطوط، والذي في "جامع الأصول" (2/ 119)، وفي رواية الترمذي قال: قال عبد الله: لما نزلت: وقرأ الآية قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أنت منهم". (¬5) أخرجه الترمذي في "السنن" رقم (3053)، وهو حديث صحيح. (¬6) في "السنن" (5/ 255).

10 - وله في أخرى عن البراء - رضي الله عنه - قَالَ: مَاتَ رِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَبْلَ أَنْ تُحَرَّمَ الْخَمْرُ، فَلَمَّا حُرِّمَتِ الْخَمْرُ قَالَ رِجَالٌ: كَيْفَ بِأَصْحَابِنَا وَقَدْ مَاتُوا يَشْرُبونَ الْخَمْرَ؟ فَنَزَلَتْ الآيَة. صححه الترمذي (¬1). [صحيح] 11 - وَعَنْ عُمَرَ بِن الخَطَّاب - رضي الله عنه - أنَّه قَالَ: اللهمَّ بَيَّنْ لَنَا فِي الْخَمْرِ بَيَاناً شَافِيَاً. فَنَزَلَتِ الآيَةُ الَّتِي فِي الْبَقَرَةِ: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} فَدُعي عُمَرُ - رضي الله عنه - فَقُرِئَتْ عَلَيْهِ، فَقَالَ عُمَرُ: اللهمَّ! بَيَّنْ لَنَا فِي الْخَمْرِ بَيَاناً شَافِيَاً. فَنَزَلَتِ الَّتِي فِي النِّسَاءِ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} الآية، فَدُعي عُمَرُ فَقُرِئَتْ عَلَيْهِ فَقَالَ: اللهمَّ! بَيَّنْ لَنَا فِي الْخَمْرِ بَيَاناً شَافِيَاً. فَنَزَلَتِ آيَةَ الْمَائِدَةِ: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91)} فَدُعيَ عُمَرُ فَقُرِئَتْ عَلَيْهِ فَقَالَ: انْتَهَيْنَا .. انْتَهَيْنَا. أخرجه أصحاب السنن (¬2). [صحيح] [قوله في حديث عمر: "فنزلت الآية التي في البقرة": أقول: في الآية التصريح بأن الإثم الكبير في الخمر والميسر، فالإثم كله حرام، فكيف وقد وصف بالكبر؟! قال الله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ} (¬3) فكيف لم يفهم عمر والصحابة التحريم سيما من آية البقرة؟ ولا يقال: إنه لما قيل: ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي في "السنن" رقم (3052) وقال: هذا حديث حسن صحيح. وهو حديث صحيح. (¬2) أخرجه الترمذي في "السنن" رقم (3050) وأبو داود رقم (3670) والنسائي رقم (5540)، وهو حديث صحيح. (¬3) سورة الأعراف الآية: (33).

{وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} دل على عدم التحريم، لأنا نقول: ما من محرم إلا وفيه منافع كالسرقة ونحوها، فلا أدري ما وجه عدم فهم التحريم من آية البقرة. قوله: "فنزلت: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ} الآية". أقول: هذا بيان مفاسدها: الأولى: وهي: إيقاع العداوة والبغضاء بين أمر الله بالتواد والتحاب، وسماهم إخوة: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ}. والثانية: الصد عن ذكر الله الذي خلق الله له عباده، فإنه من العبادة التي قال فيها: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)} (¬1). وقوله: "وعن الصلاة": من عطف الخاص على العام؛ لشرف الخاص، ولما بين تعالى المفاسد علموا تحريمهما وانتهوا عنهما. وفيه [294/ ب]: أن النهي إذا قرن بذكر مفاسده كان أوقع في [] (¬2) عنه كما أن الأمر إذا ذكرت مصلحة فله كان أدعى للنفوس إلى فعله. وفيه: أن المناهي لا تكون إلا لما في المنهي عنه من المفاسد، وأن النهي للتحريم، وفيها تقديم دفع المفاسد على جلب المصالح فإنه صرح تعالى بأن فيهما منافع، وهي مصلحة لكن عارضتها مفاسد أهم منها. ¬

_ (¬1) سورة الذاريات الآية: (56). (¬2) كلمة غير واضحة في المخطوط، ولعلها الإنزجار.

وفيه: تعليم العباد الاتصاف بالإنصاف [فإنه] (¬1) تعالى ذكر منافعهما مع مفسدة إثمهما، ولم يقل: ليس فيها منفعة، فالعبد ينصف إن راجع خصمه، وتبين له في كلامه أو فعله من حسن وقبيح] (¬2). قوله: "أخرجه أصحاب السنن": قلت: قال الترمذي (¬3): "انتهينا .. انتهينا": مكررة. قال: وقد روي عن إسرائيل مرسلاً. انتهى. وقال ابن الأثير (¬4): إن التكرير من رواية الترمذي، وأن عند أبي داود والنسائي: "انتهينا" مرة واحدة. 12 - وَعَنْ أَنَسِ - رضي الله عنه - قَالَ: سَأَلُوا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى أَحْفَوْهُ فِي الْمَسْأَلَةِ، فَصَعِدَ ذَاتَ يَوْمٍ عَلَى الْمِنْبَرَ فَقَالَ: "لاَ تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ إِلاَّ بَيَّنْتهُ لَكُمْ". فَلَمَّا سَمِعَوا ذَلِكَ أَرَمُّوا وَرَهِبُوا أَنْ يَكُونَ بَيْنَ يَدَيْ أَمْرٍ قَدْ حَضَرَ. قَالَ أَنَسٌ - رضي الله عنه -: فَجَعَلْتُ أَنْظُر يَمِينًا وَشِمَالاً، فَإِذَا كُلُّ رَجُلٍ لاَفٌّ رَأْسَهُ فِي ثَوْبِهِ يَبْكِي فَأَنْشَأَ رَجُلٌ كَانَ إِذَا لاَحَى يُدْعَى لِغَيْرِ أَبِيهِ. فَقَالَ: يَا نَبِيَّ الله! مَنْ أَبِي؟ قَالَ: "أَبُوكَ حُذَافَةُ". فَقَالَ عُمَرُ رَضِينَا بِالله رَبًّا، وَبِالإِسْلاَمِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ نَبَّيَاً، نَعُوْذُ بِالله مِنْ الْفِتَنِ. فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا رَأَيْت فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ كَالْيَوْمِ قَطُّ، إِنِّي صُوِّرَتْ لِي الْجَنَّةُ وَالنَّارُ حَتَّى رَأَيْتُهمَا دُونَ الْحَائِطِ". ¬

_ (¬1) في (ب) فإنها. (¬2) ما بين الحاصرتين زيادة من (ب). (¬3) في "السنن" (5/ 253 - 254 رقم 3049). (¬4) في "جامع الأصول" (2/ 122).

أخرجه الشيخان (¬1) والترمذي (¬2). [صحيح] وزاد فنزلت: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ: أَخْبَرَنِي عبيد الله بْنُ عبد الله بْنِ عُتْبَةَ قَالَ: قَالَتْ أُمُّ عبد الله بْنِ حُذَافَةَ لِعَبْد الله بْنِ حُذَافَةَ: مَا رَأَيْتُ أَعَقَّ مِنْكَ أَأَمِنْتَ أَنْ تَكُونَ أُمُّكَ قَدْ قَارَفَتْ بَعْضَ مَا يُقَارِفُ نِسَاءُ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ فَتَفْضَحَهَا عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ، قَالَ عبد الله بْنُ حُذَافَةَ: وَالله! لَوْ أَلْحقَنِي بِعَبْدٍ أَسْوَدَ لَلَحِقْتُهُ. "والإحفاء" (¬3): في السؤال الاستقصاء والإكثار. "وأرَمَّ" (¬4): بفتح الهمزة والراء إذا أطرق ساكتاً من خوف. "والرهبة": الخوف والفزع. [قوله في حديث أنس: "حتى أحفوه في المسألة فصعد ذات يوم" كأن في الكلام طي إذ صعوده ذات يوم لا يلائم للإحفاء في المسألة. قوله: "ارموا وارهبوا": أقول: كذا في نسخ التيسير بواو العطف وفي "الجامع" (¬5) بحرف التخيير: "أو رهبوا". قوله: "بين يدي أمر قد حضر": ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (93) وأطرافه (540، 749، 4621، 6362، 6468، 6486، 7089، 7090، 7294، 7295) ومسلم في "صحيحه" رقم (2359). (¬2) في "السنن" رقم (3056). (¬3) انظر "النهاية في غريب الحديث" (1/ 401). (¬4) انظر الفائق في غريب الحديث (3/ 183). (¬5) (2/ 124) والذي فيه (و) العطف وليس (أو).

أقول: كأنهم قرب وفاته - صلى الله عليه وسلم - ولذا لفوا رؤوسهم وبكوا، ولفظ البخاري: "فغطى أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجوههم ولهم خنين" (¬1). يروى بالحاء المهملة وبالمعجمة، وهو تردد البكاء بصوت أغن، وبوب له البخاري (¬2) باب: قوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ}، ذكره في التفسير (¬3)، وذكره في كتاب العلم (¬4). قوله: "قال عمر": قال ابن بطال (¬5): فهم [295/ ب] عمر أن تلك الأسئلة قد تكون على سبيل التعنت أو الشك فخشي أن تنزل العقوبة بسبب ذلك فقال: "رضينا بالله رباً ... " إلى آخره] (¬6). قوله: "أحفوه": بمهملة ثم فاء. أكثروا عليه المسألة حتى جعلوه كالحافي. كما يقال: أحفاه في السؤال إذا ألح عليه، ويأتي تفسيره. قوله: "فقال رجل من أبي": في "فتح الباري" (¬7) في كتاب العلم (¬8) من البخاري: أن الرجل عبد الله بن حذافة، وفي رواية قيس بن حذافة، وورد أنه كان يطعن في نسبه، وقام آخر فقال: أين أبي؟ فقال: في الدار. وقام آخر فقال: يا رسول الله! الحج علينا في كل عام؟ فقال له ¬

_ (¬1) قال ابن الأثير في "النهاية" (1/ 538): الخَنينُ: ضربٌ من البكاء دون الانتحاب، وأصل الخنين: خروج الصوت من الأنف، كالحنين من الفم. وانظر: "المجموع المغيث" (1/ 624). (¬2) في "صحيحه" (8/ 280 الباب رقم 12 - مع الفتح). (¬3) برقم (4621). (¬4) برقم (93). (¬5) ذكره الحافظ في "الفتح" (1/ 188). (¬6) ما بين الحاصرتين زيادة من (ب). (¬7) (1/ 188). (¬8) في الباب رقم (29 - مع "الفتح").

رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "دعك وما يؤمنك أن أقول: نعم. والله لو قلت: نعم لوجبت، ولو وجبت ما استطعتم فاتركوني ما تركتكم" فأنزل الله الآية: {لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ}. قوله: "لو ألحقني بعبد أسود للحقته": أقول: قد يقال: هذا لا يتصور لأن الزنا لا يثبت به النسب، وأجيب: بأنه لم يبلغه هذا الحكم، أو يقال: أنه يتصور الإلحاق بعبد وطئها بشبهة، فيثبت النسب. قوله: "أخرجه الشيخان والترمذي وزاد": قلت: وقال (¬1): هذا حديث حسن صحيح غريب. انتهى. قوله: "وقال ابن شهاب": ظاهره أنه من زيادة الترمذي، ولم أجدها فيه، بل قال ابن الأثير (¬2): وأخرج الترمذي منه طرفاً يسيراً. قلت: هو ما ذكرناه نعم ابن الأثير [296/ ب] ساق قال ابن شهاب ... : إلى آخره بمثل ما انفرد به الترمذي، فالإيهام جاء من سياق المصنف. 13 - وَعَنْ ابْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ: الْبَحِيرَةُ الَّتِي يُمْنَعُ دَرُّهَا لِلطَّوَاغِيتِ فَلاَ يَحْلُبُهَا أَحَدٌ. وَالسَّائِبَةُ كَانُوا يُسَيِّبُونَهَا لآلهَتِهِمْ لاَ يُحْمَلُ عَلَيْهَا شَيءٌ. وَالْوَصِيلَةُ: النَّاقَةُ الْبِكْرُ تبكِّرُ فِي أَوَّلِ نِتَاجِ الإِبِلِ، بِأُنْثَى ثُمَّ تُثَنِّى بِأُنْثَى، وَكَانُوا يُسَيِّبُونَهُمْ لِطَوَاغِيتِهِمْ إِنْ وَصَلَتْ إِحْدَاهُمَا بِالأُخْرَى، لَيْسَ بَيْنَهُمَا ذَكَرٌ. وَالْحَامِ: فَحْلُ الإِبِلِ يَضْرِبُ الضِّرَابَ الْمَعْدُودَ، فَإِذَا قَضَى ضِرَابَهُ وَدَعُوهُ لِلطَّوَاغِيتِ وَأَعْفَوْهُ مِنَ الْحَمْلِ وَسَمَّوْهُ الْحَامِ. قَالَ: وقَالَ أبو هُريْرَة - رضي الله عنه -: قَالَ رسول الله ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (5/ 256). (¬2) في "جامع الأصول" (2/ 124).

- صلى الله عليه وسلم -: "رَأَيْتُ عَمْرَو بْنَ عَامِرِ بْنِ لحُيٍّ الخزَاعِيَّ يَجُرُّ قُصْبَهُ فِي النَّارِ، كَانَ أَوَّلَ مَنْ سَيَّبَ السَّوَائِبَ" أخرجه الشيخان (¬1). [صحيح] "والقصب" (¬2): واحد الأقصاب، وهي الأمعاء. قوله: "وعن ابن المسيب": قال أبو عبيدة (¬3): جعلها - أي: البحيرة - قوم من الشاء خاصة إذا ولدت خمسة أبطن بحروا أذنها أي: شقوها، وتركت فلا يمسها أحد. وقال آخرون (¬4): بل البحيرة الناقة كذلك، وخلوا عنها فلا تركب ولا يضربها فحل. وقوله: "ولا يحلبها أحد": هكذا أطلقه هنا. وقال أبو عبيدة: كانوا يحرمون وبرها ولحمها وظهرها ولبنها على النساء، ويجعلون ذلك للرجال، وما ولدت فهو بمنزلتها، وفيها قول آخر. قوله: "والسائبة": قال أبو عبيدة (¬5): كانت السائبة من جميع الأنعام [75/ أ] وتكون نزوراً للأصنام فتسيب ولا تحبس عن مرعى، ولا يركبها أحد. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (4623) ومسلم في "صحيحه" رقم (2856). (¬2) قاله ابن الأثير في "جامع الأصول" (2/ 128). (¬3) ذكره الحافظ في "الفتح" (9/ 284). (¬4) انظر "النهاية في غريب الحديث" (1/ 106) غريب الحديث للخطابي (1/ 50). (¬5) ذكره الحافظ في "الفتح" (8/ 284).

قوله: "البحيرة": أقول: هو تفسير لما في الآية. وروي أن أول من بحر البحيرة رجل من بني مدلج كانت له ناقتان فجدع أذانهما وخرم أذانهما قال - صلى الله عليه وسلم -: "فرأيته في النار يخبطانه بأخفافها، ويقضمانه بأفواههما". قوله: "البحيرة": في "الكشاف" (¬1): كان أهل الجاهلية إذا نتجت الناقة خمسة أبطن آخرها ذكر، بحروا أذنها، أي: شقوها وحرموا ركوبها، ولا تطرد عن مرعى، ولا ماء، وإذا لقيها المعيّي - أي: الذي قد أعياه السفر وأتعبه - لم يركبها، وكان يقول الرجل: إذا قدمت من سفري أو بريت من مرضي فناقتي سائبة، وجعلها كالبحيرة في تحريم الانتفاع بها. وقيل (¬2): كان [297/ ب] الرجل إذا أعتق العبد قال: هو سائبة فلا عقل ولا ميراث بينهما، وإذا ولدت الشاة أنثى فهي لهم، وإن ولدت ذكراً فهو لآلهتهم، وإن ولدت ذكراً وأنثى قالوا: وصلت أخاها، فلم يذبحوا الذكر لآلهتهم، واذا نتجت من صلب الفحل عشرة أبطن قالوا: قد حمي ظهره، فلا يركب، ولا يحمل عليه، ولا يمنع من ماء، ولا مرعى. انتهى. ولابن الأثير في "غريب الجامع" (¬3) نفسير غير هذا اكتفينا بالإشارة إليه عن نقله إلا أنه لم يفسر الوصيلة فيه، وفسرها في "النهاية" (¬4): بأنها الشاة إذا ولدت ستة أبطن اثنين اثنين، ¬

_ (¬1) (2/ 303 - 304). (¬2) قاله الزمخشري في "الكشاف" (2/ 303). (¬3) في "جامع الأصول" (2/ 127 - 128). (¬4) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 854).

وولدت في السابعة ذكراً وأنثى، قالوا: وصلت أخاها فأحلوا لبنها للرجال وحرموه على النساء، ثم ذكر تفسير آخر بلفظ: قيل (¬1): والكل غير ما في "الكشاف"، والله أعلم. [قوله في حديث ابن المسيب: "رأيت عمرو بن عامر": أقول: كان عمرو بن عامر الخزاعي] (¬2) أول من أدخل الأصنام الحرم، وحمل الناس على عبادتها، وكانت العرب قد جعلته رباً لا يبتدع لهم بدعة إلا اتخذوها شرعة؛ لأنه كان يطعم الناس ويكسوهم في الموسم، وربما نحر عشرة آلاف بدنه وكسا عشرة آلاف حلة، وكان يلت السويق على صخرة معروفة تسمى: صخرة اللات، ويقال: إن الذي كان يلت من ثقيف، فلما مات قال لهم عمرو: إنه لم يمت، ولكن دخل الصخرة فأمرهم بعبادتها، وأن يبنوا عليها بيتاً يسمى اللات. ويقال: إنه أقام أمره وأمر ولده على هذا ثلاثمائة سنة بمكة فلما مات سميت تلك الصخرة اللات، محففة التاء وأعدت فيما يعبد. 14 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: "خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ بَني سَهْمٍ مَعَ تميمٍ الدَّارِيِّ وَعَدِيِّ بْنِ بَدَّاءٍ، فَمَاتَ السَّهْمِيُّ بِأَرْضٍ لَيْسَ بِهَا مُسْلِمٌ، فَلَمَّا قَدِمَا بِتَرِكَتِهِ فَقَدُوا جَامًا مِنْ فِضَّةٍ مُخَوَّصًا بِذَهَبٍ، فَأَحْلَفَهُمَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ وُجِدَ الْجَامُ بِمَكَّةَ، فَقَالُوا: ابْتَعْنَاهُ مِنْ تَميمٍ وَعَدِيٍّ، فَقَامَ رَجُلاَنِ مِنْ أَوْليَائِهِ فَحَلَفَا: لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا، وإنَّ الْجَامَ لِصَاحِبِهِمْ. قَالَ: وَفِيهِمْ ¬

_ (¬1) قال ابن الأثير في "غريب الحديث" (2/ 854)، وقيل: إن كان السابع ذكراً ذبح وأكل منه الرجال والنساء، وإن كانت أنثى تركت في الغنم، وإن كان ذكراً وأنثى قالوا: وصلت أخاها، ولم تذبح، وكان لبنها حراماً على النساء. (¬2) في (ب) قوله: رأيت عمرو بن عامر الخزاعي.

نَزَلَتْ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ} الآية". أخرجه البخاري (¬1)، وأبو داود (¬2)، والترمذي (¬3). [صحيح] "والجام" الإناء "وتخويصه" أن تجعل عليه صفائح من ذهب كخوص النخل. قوله في حديث ابن عباس: "مع تميم الداري". أقول: هو تميم بن أوس (¬4) بن خارجة السبائي أبو رقية، له رواية, ولا يعرف لعدي (¬5) بن بداء إسلام. قاله الكاشغري [298/ ب]. قوله: "وفيهم نزلت: (يا أيها الذين آمنوا) ". أقول: كان نزولها سنة عشر كما ذكر العامري في البهجة (¬6)] (¬7) [76/ أ]. قوله: "وعن ابن عباس قال: خرج رجل من بني سهم ... " إلى آخره. هذا الحديث من مراسيل ابن عباس، لأنه لم يحضر القصة، وقد جاء في بعض الطرق أنه رواها عن تميم، بيّن ذلك الكلبي. ¬

_ (¬1) في صحيحه رقم (2780). (¬2) في "السنن" رقم (3606). (¬3) في "السنن" رقم (3060). (¬4) انظر: "الإصابة" (1/ 487 رقم 838)، "تهذيب التهذيب" (4/ 212) "الكاشف" (1/ 167). (¬5) انظر: "فتح الباري" (5/ 411). (¬6) في "بهجة الحافل" (2/ 83 - 84). (¬7) من بين الحاصرتين في (أ) متقدم بصفحة وموضعه هنا كما في (ب). من قوله: قوله: وعن ابن المسيب ... إلى قوله: في البهجة.

قوله: "والرجل". هو: بُديل - بضم الباء فدال مهملة فمثناة تحتية مصغر بدل - ابن أبي مارية السهمي مولى عمرو بن العاص. وفي الترمذي (¬1): يقال له: بديل بن أبي مريم، والكاشغري: بديل هو ابن أبي مارية. وقيل: بزيل، بالزاي. قوله: "فقام رجلان". هما: عمرو بن العاص والمطلب بن أبي وداعة السهميان. 15 - وعَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أُنْزِلَتِ المَائِدَةُ مِنَ السَّمَاءِ خُبْزًا وَلحْمًا، فَأُمِرُوا أَنْ لاَ يَخُونُوا وَلاَ يَدَّخِرُوا لِغَدٍ، فَخَانُوا وَادَّخَرُوا وَرَفَعُوا لِغَدٍ، فَمُسِخُوا قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ". أخرجه الترمذي (¬2). [سنده ضعيف] قوله في حديث عمار: "أخرجه الترمذي": قلت: وساقه بأطول مما ساقه "المصنف" من حديث ابن عباس عن تميم الداري قال (¬3): هذا حديث غريب، وليس إسناده بصحيح، وأبو نصر الذي روى عنه محمد بن إسحاق هذا الحديث هو عند ابن الكلبي سمعت محمد بن سعيد يقول: محمد بن السائب الكلبي يكنى أبا النصر، وقد تركه أهل العلم، ولا يعرف لسالم أبي النصر المدني رواة عن أبي صالح مولى أم هانئ. ¬

_ (¬1) في "السنن" (5/ 28) الحديث رقم (3059). (¬2) أخرجه الترمذي في "السنن" رقم (3061) بسند ضعيف. قلت: وأخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (9/ 128) وابن أبي حاتم في تفسيره (4/ 1245 رقم (7022). (¬3) أي: في "السنن" (5/ 259).

(سورة الأنعام)

وقد روى عن ابن عباس شيء من هذا على الاختصار من غير هذا الوجه. انتهى بلفظه. ورواية ابن عباس هي التي ساقها المصنف ونسبها إلى الشيخين والترمذي (¬1)، ثم ساق حديث ابن عباس، ثم قال (¬2) بعد سياقه ببعض مغايرة للفظه هنا: هذا حديث حسن غريب، وهو حديث ابن أبي زائدة ومحمد بن أبي القاسم كوفي قيل: إنه صالح الحديث. انتهى. قلت: وقد أوضحنا الحديث وقررنا معناه في "ذيل الأبحاث المسددة" (¬3) تقريراً يطابق معنى الآية مطابقة ظاهرة [299/ ب] (سورة الأنعام) 1 - عَنْ عَلِيٍّ - رضي الله عنه -: أَنَّ أَبَا جَهْلٍ قَالَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: إِنَّا لاَ نُكَذِّبُكَ، وَلَكِنْ نُكَذِّبُ بِمَا جِئْتَ بِهِ، فَأَنْزَلَ الله تَعَالَى: {فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (33)} أخرجه الترمذي (¬4). [ضعيف] قوله في [رواية] (¬5) علي: [فأنزل الله تعالى] (¬6): {فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ}. ¬

_ (¬1) في "السنن" (5/ 259) الحديث رقم (3060)، وهو حديث صحيح. (¬2) الترمذي في "السنن" (5/ 259). (¬3) (ص 483 - 485). (¬4) في "السنن" رقم (3064) وهو حديث ضعيف. (¬5) في (أ) حديث. (¬6) زيادة من (أ).

أقول: قرئ بالتشديد والتخفيف من كذبه إذا جعله كاذباً في زعمه، [وأكذبه إذا وجده كاذباً، والمعنى: أن تكذيبك أمر راجع إلى الله؛ لأنك رسوله المصدق بالمعجزات، فهم لا يكذبونك في الحقيقة، وإنما يكذبون الله بجحد آياته] (¬1). [قلت: ثم ساق رواية أخرى (¬2) بمعنى هذه التي عن علي - عليه السلام - فيها عن ناجيه أن أبا جهل فذكره نحوه فيه عن علي، وهذا أصح] (¬3). 2 - وَعَنْ سَعْدٍ بن أَبِي وَقَّاص - رضي الله عنه - قَالَ: كُنَّا مَعَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - سِتَّةَ نَفَرٍ فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: اطْرُدْ هَؤُلاَءِ لاَ يَجْتَرئُونَ عَلَيْنَا. قَالَ: وَكُنْتُ أَنَا وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَرَجُلٌ مِنْ هُذَيْلٍ، وَبِلاَلٌ، وَرَجُلاَنِ لَسْتُ أُسَمِّيهِمَا فَوَقَعَ فِى نَفْسِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - مَا شَاءَ [الله] أَنْ يَقَعَ، فَحَدَّثَ نَفْسَهُ فَأَنْزَلَ الله تَعَالَى: {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} الآية. أخرجه مسلم (¬4). [صحيح] ¬

_ (¬1) زيادة من (أ). (¬2) أخرجه الترمذي في "السنن" رقم (3064 م). (¬3) في (أ) ما نصه: أقول: أخرجه من طريقين أحدهما عن ناجية بن كعب عن علي - عليه السلام - والثانية عن ناجية أن أبا جهل. قال الترمذي: وهي أصح. انتهى. وناجية بالنون والجيم والمثناة التحتية في "التقريب": ناجية بن كعب الأسدي عن علي - عليه السلام - ثقة. انظر "التقريب" (2/ 294 رقم 6). (¬4) في "صحيحه" رقم (2413). قلت: وأخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (9/ 262) وابن أبي حاتم في تفسيره (4/ 1298) وابن ماجه رقم (4128)، وهو حديث صحيح.

قوله: [في حديث سعد بن أبي وقاص: لا] (¬1) أسميهما. [قلت:] (¬2) سماهما في رواية عمار بن ياسر وصهيب. قوله: "فحدث نفسه": أقول: أي: رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حدَّث نفسه، أي: يطرد من ذكر، وكأنه فهمه من قرينة الحال. وقوله: "لا يجترئون علينا" من الجراءة أي: لا يسلكون علينا مسالك أهل الجراءة والإقدام بسبب قربهم منك، وفي الآية ثناء عظيم على الستة الفقراء، وإخبار بأنهم يريدون وجه الله بدعائهم، وهي مثل قوله تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} إلى قوله: {وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَ} الآية (¬3). 3 - وَعَنْ سَعْدِ أيْضَاً - رضي الله عنه - قَالَ: فِي هَذِهِ الآيَةِ: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} قَالَ: فَقَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَمَا إِنَّهَا كَائِنَةٌ وَلَمْ يَأْتِ تَأْوِيلُهَا بَعْدُ". أخرجه الترمذي (¬4). [ضعيف] والمراد بالتأويل هنا: الوجود والوقوع، لا التفسير ونحوه. قوله: "أخرجه الترمذي": قلت: وقال (¬5): حسن غريب. ¬

_ (¬1) زيادة من (ب). (¬2) في (ب) أقول. (¬3) زيادة من (أ). (¬4) في "السنن" رقم (3066) وهو حديث ضعيف. (¬5) في "السنن" (5/ 262).

4 - وَعَن جَابِرَ بْنَ عبد الله - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: لَمَّا نَزَلَتْ: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ} قَالَ: "أَعُوذُ بِوَجْهِكَ". {أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} قَالَ: "أَعُوذُ بِوَجْهِكَ" فَلَمَّا نَزَلَتْ: {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ} قَالَ: "هَاتَانِ أَهْوَنُ - أَوْ - هَاتَانِ أَيْسَرُ". أخرجه البخاري (¬1) والترمذي (¬2). [صحيح] [قوله: "شيعاً": [قال] (¬3) في "النهاية" (¬4) الشيع: الفرق، أي: يجعلكم فرقاً مختلفين، الشيعة: الفرقة من الناس، وتقع على الواحد والاثنين والجمع والمذكر والمؤنث بلفظ واحد، وقد غلب على هذا الاسم كل من يتولى علياً - عليه السلام - وأهل بيته حتى صار لهم علماً، فإذا قيل: فلان من الشيعة عُرف أنه منهم، وتجمع الشيعة على شيع وأصلها من المشايعة، وهي المتابعة. انتهى. قوله: "يلبسكم": يخلطكم من الالتباس] (¬5). قوله: "هاتان أهون أو أيسر" [أقول] (¬6) هو شك من الراوي [300/ ب] والضمير (¬7) يعود على الكلام الأخير. أي: خصلة الالتباس، وخصلة إذاقة بعضهم بأس بعض هذا، وقد ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (4628) و (7313). (¬2) في "السنن" رقم (3065). قلت: وأخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (9/ 302) وأحمد (22/ 218) وعبد الرزاق في تفسيره (2/ 211) وابن أبي حاتم في تفسيره (4/ 1311) رقم (7410). (¬3) في (ب) أقول. (¬4) (1/ 905). (¬5) ما بين الحاصرتين زيادة من (أ). (¬6) زيادة من (أ). (¬7) انظر "فتح الباري" (8/ 293).

روي ابن مردويه (¬1) ما يفسر حديث جابر ولفظه عنه من حديث ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "دعوت الله أن يرفع عن أمتي أربعاً، فرفع عنهم اثنتين، وأبى أن يرفع عنهم اثنتين دعوت الله أن يرفع عنهم الرجم من السماء والخسف من الأرض، ولا يلبسهم شيعاً، ولا يذيق بعضهم بأس بعض، فرفع الله عنهم الخسف والرجم وأبى أن يرفع عنهم الآخرين". فيستفاد [بهذه] (¬2) الرواية [77/ أ] [المراد] (¬3) بقوله: "أو من فوقكم ... أو من تحت أرجلكم": وأخرج (¬4) من طريق ابن عباس أن المراد بالفوق حبس المطر، وبالتحت منع الثمرات. قال ابن حجر (¬5): والأول هو المعتمد. قال: وفي الحديث دليل على أن الرجم والخسف لا يقعان في هذه الأمة، وفيه نظر فقد روى أحمد (¬6) والطبري (¬7) من حديث أبي بن كعب في هذه الآية: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ} قال: هن أربع وكلهن واقع لا محالة فمضت اثنتان بعد وفاة نبيهم بعد خمس وعشرين سنة ألبسوا شيعاً، وذاق بعضهم بأن بأس بعض، وبقيت اثنتان يأتيان لا محالة الخسف والرجم. ¬

_ (¬1) ذكره ابن حجر في "فتح الباري" (8/ 292). (¬2) كذا في المخطوط (أ - ب) والذي في "فتح الباري" من هذه. (¬3) في (أ - ب) فراغ، وما أثبتناه من "الفتح" (8/ 292). (¬4) ذكره الحافظ في "الفتح" (8/ 292). (¬5) في "الفتح" (8/ 292). (¬6) في "المسند" (5/ 134 - 135). (¬7) في "جامع البيان" (9/ 309 - 310).

وقد (¬1) أعل هذا الحديث بأن أبي بن كعب لم يدرك سنة خمس وعشرين من الوفاة النبوية فكأن حديثه انتهى عند قوله: "لا محالة" والباقي كلام بعض الرواة، وقد أورد (¬2) إعلال آخر، وأجاب عنه وأطال في ذلك. 5 - وَعَنْ ابْنِ مَسْعُود - رضي الله عنه - قَالَ: لَمَّا نَزَلَتِ {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} شَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَقَالُوا: يَا رَسُولَ الله! أَيُّنَا لاَ يَظْلِمُ نَفْسَهُ؟ فَقَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَيْسَ ذَلِكَ، إِنَّمَا هُوَ الشِّرْكُ, أَلَمْ تَسْمَعُوا قَولَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ: {يَابُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13)} " أخرجه الشيخان (¬3) والترمذي (¬4). [صحيح] حديث: " {وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} ": أقول: وجه المشقة ظاهرة إذ الظلم يعم كل معصية حتى الصغائر كما قال تعالى [301/ ب] لموسى - عليه السلام -: "إلا من ظلم نفسه ... " الآية. فإن المراد من ارتكب صغيرة؛ لأنه في صفات الأنبياء، وهم لا يأتون إلا صغار الذنوب ففسر - صلى الله عليه وسلم - المراد من الظلم هنا وهو أنه أريد به الفرد الكامل، وهو الشرك من باب العام المراد به الخاص، واتفق عليه من عدا الوعيدية كالزمخشري (¬5)، فإنه لم يفسره بذلك التفسير النبوي، وأبى من تفسير الظلم بالشرك ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (8/ 292). (¬2) أي ابن حجر في "الفتح" (8/ 292) حيث قال: وأعل أيضاً بأنه مخالف لحديث جابر وغيره، وأجيب: بأن طريق الجمع أن الإعاذة المذكورة في حديث جابر وغيره مقيدة بزمان مخصوص وهو وجود الصحابة والقرون الفاضلة، وأما بعد ذلك فيجوز وقوع ذلك فيهم. (¬3) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (33) ومسلم رقم (124). (¬4) في "السنن" رقم (3067). (¬5) قال الزمخشري في "الكشاف" (2/ 369): أي: لم يخلطوا إيمانهم بمعصية تفسقهم، وأبى تفسير الظلم بالكفر لفظ اللبس. =

لفظ اللبس، وأبدل الشرك بالكفر تتميماً لمراده، وأورده أنه لا يجتمع الإيمان والكفر، واللبس يقتضي الاختلاط والاجتماع، وقد أخطأ مذهبه فإن الفاسق غير مؤمن عنده فقد لزمه ما فرَّ منه وخاب السعي وما بعد التفسير النبوي وصحته، مجال. 6 - وَعَنْ عبد الله بْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: أَتَى أُنَاسٌ إِلَى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالُوا: يَا رَسُولَ الله! إِنَّا نَأْكُلُ مَا نَقْتُلُ وَلاَ نَأْكُلُ مَا يَقْتُلُ الله تَعالَى، فَأَنْزَلَ الله تَعالَى: {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ (118)} إِلَى قَوْلِهِ: {وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (121)}. أخرجه أصحاب السنن (¬1) [صحيح] 7 - وفي رواية لأبي داود (¬2) في قوله تعالى: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ} قَالَ: يَقُولُونَ: مَا ذَبَحَ الله - يعنون الميتة - لِمَ لَا تَأْكُلُونَهُ؟ فَأَنْزَلَ الله تَعَالَى: {وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (121)} , ثم نزل: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ}. [صحيح] ¬

_ = قال ابن المنير في الانتصاف: وقد ورد أن الآية لما نزلت عظمت على الصحابة, وقالوا: أينا لم يظلم نفسه، فقال عليه الصلاة والسلام: "إنما هو الظلم في قول لقمان: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13)} وإنما هو يروم بذلك تنزيله على معتقده في وجوب وعيد العصاة، وأنهم لا حظ لهم من الأمن كالكفار، ويجعل هذه الآية تقتضي تخصيص الأمر بالجامعين الأمرين: الإيمان والبراءة من المعاصي، ونحن نسلم ذلك، ولا يلزم أن يكون الخوف اللاحق للعصاة هو الخوف اللاحق للكفار، لأن العصاة من المؤمنين إنما يخافون العذاب المؤقت، وهم آمنون من الخلود، وأما الكفار فغير آمنين بوجه ما. (¬1) أخرجه أبو داود رقم (2819) والترمذي في "السنن" رقم (3069) والنسائي رقم (4437) وابن ماجه رقم (3173) وهو حديث صحيح. (¬2) في "السنن" رقم (2818) وهو حديث صحيح.

8 - وله في أخرى (¬1): {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ}، {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} فَنُسِخَ وَاسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ}. [حسن] 9 - وعند النسائي (¬2) قَالَ: خَاصَمَهُمُ الْمُشْرِكُونَ فَقَالُوا: مَا ذَبَحَ الله فَلاَ تَأْكُلُوه، وَمَا ذَبَحْتُمْ أنتُمْ أَكَلْتُمُوهُ. [صحيح] قوله في حديث ابن عباس: "أخرجه أصحاب السنن": أقول: وقال الترمذي (¬3): وهذا حديث حسن غريب، وقد روي هذا الحديث من غير هذا الوجه عن ابن عباس أيضاً، ورواه بعضهم عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسل. 10 - وعنه - رضي الله عنه - قَالَ: إِذَا سَرَّكَ أَنْ تَعْلَمَ جَهْلَ الْعَرَبِ فَاقْرَأْ مَا فَوْقَ الثَّلاَثِينَ وَالمِائَة مِنْ سُورَةِ الأَنْعَامِ: {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} إِلَى قَوْلِهِ: {قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (140)} أخرجه البخاري (¬4). [صحيح] 11 - وعَن ابن مَسْعود - رضي الله عنه - قَالَ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى الصَّحِيفَةِ الَّتِي عَلَيْهَا خَاتَمُ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - فَلْيَقْرَأْ هَؤُلَاءِ الآيَاتِ: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ} الآية إِلَى قَوْلِهِ: {لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151)}. أخرجه الترمذي (¬5). [صحيح] ¬

_ (¬1) أي: لأبي داود في "السنن" رقم (2817) وهو حديث حسن. (¬2) في "السنن" رقم (4437) وهو حديث صحيح. (¬3) في "السنن" (5/ 264). (¬4) في "صحيحه" رقم (3524). (¬5) في "السنن" رقم (3070) وهو حديث صحيح.

قوله: "إلى الصحيفة التي عليها [302/ ب] خاتم محمد" يعني: أنها محكمة في كل شريعة لا نسخ فيها. قوله: "أخرجه الترمذي": قلت: وقال (¬1): هذا حديث حسن غريب. 12 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "ثَلاَثٌ إِذَا خَرَجْنَ لمْ يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ: طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَالدَّجَّالُ، وَدَابَّةُ الأَرْضِ". أخرجه مسلم (¬2) والترمذي (¬3). [صحيح] قوله: "أخرجه مسلم والترمذي": قلت: وقال (¬4): هذا حديث حسن صحيح. 13 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي قَوْلِه تَعَالَى: {أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ} قَالَ: "طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا" أخرجه الترمذي (¬5). [صحيح] قوله: "أخرجه الترمذي": قلت: وقال (¬6): حسن غريب. ¬

_ (¬1) في "السنن" (5/ 264). (¬2) في "صحيحه" رقم (158). (¬3) في "السنن" رقم (3072)، وهو حديث صحيح. (¬4) في "السنن" (5/ 264). (¬5) في "السنن" رقم (3071) وهو حديث صحيح. (¬6) في "السنن" (5/ 264).

(سورة الأعراف)

(سورة الأعراف) اختلف (¬1) في المراد بالأعراف في قوله تعالى: {وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ}: عن أبي مجلز قال: ملائكة وكلوا بالصور ليتميز الكافر من المؤمن. واستشكل بأن: الملائكة ليسوا ذكوراً ولا إناثاً، فلا يقال لهم: رجال!. وأجيب: بأنه مثل قوله تعالى في حق الجن: {يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ}. كذا ذكره القرطبي في "التذكرة" (¬2): وليس بواضح، لأن الجن يتوالدون فلا يمتنع أن يقال فيهم ذكوراً وإناثاً، بخلاف الملائكة. انتهى. 1 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (¬3) - رضي الله عنهما - قَالَ: كَانَتِ الْمَرْأَةُ تَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَهِيَ عُرْيَانَةٌ، فَتَقُولُ: مَنْ يُعِيرُنِي تِطْوَافًا فتَجْعَلُهُ عَلَى فَرْجِهَا، وَتَقُولُ: الْيَوْمَ يَبْدُو بَعْضُهُ أَوْ كُلُّهُ ... فَمَا بَدَا مِنْهُ فَلاَ أُحِلُّهُ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةَ: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ}. ¬

_ (¬1) في (أ) زيادة. أقول: سميت به لقوله فيها: {وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ} والأعراف سور الجنة، والرجال؛ قيل: قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم، وعن أبي مجلز: أنهم ملائكة وردَّ بأن الملائكة ... الجن يتوالدون ففيهم الذكور والإناث، ولا مانع من تسمية ذكورهم إذ هو في الآية للمشاكلة لما قال: {رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ} شاكله بقوله: {يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ}. (¬2) بل هو في "الجامع لأحكام القرآن" (7/ 212). (¬3) هذا الحديث وبعده حديثين شرحهما في (أ - ب) فيه تقديم وتأخير، وكتبت الشرح على ترتيب الأحاديث، والله أعلم.

أخرجه مسلم (¬1) والنسائي (¬2). [صحيح] قوله: "كانت المرأة تطوف": أقول: ظاهره أنه أريد جنس المرأة، وأن كل امرأة طافت تقول ذلك فصوابه التنكير في ذلك، وأن يقال: حتى طافت امرأة فقالت، أو كانت بعض [304/ ب] النساء تقول عند طوافها، لأن المعروف أن هذا الرجز قالته امرأة واحدة كما ذكره السهيلي (¬3) في شرح السيرة ضباعة بنت عامر امرأة من بني عامر بن صعصعة. قلت: شهد لما قاله السهيلي ما أخرجه عبد بن حميد (¬4) عن سعيد بن جبير قال: كان الناس يطوفون بالبيت عراة يقولون: لا نطوف في ثياب أذنبنا فيها، فجاءت امرأة فألقت ثيابها وطافت، ووضعت يدها على قبلها وقالت: اليوم يبدو بعضه أو كله ... البيت. قوله: "فتقول: من يعيرني تطوافاً": في النهاية (¬5): هو على حذف مضاف، أي: ذا تطواف، ورواه بعضهم بكسر التاء قال: وهو الثوب الذي يطاف به، ويجوز أن يكون مصدراً. [قوله في حديث ابن عباس: "تطواف": ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (3028). (¬2) في "السنن" رقم (2956) وفي "الكبرى" رقم (11182). قلت: وأخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (10/ 150 - 151) وابن أبي حاتم في تفسيره (5/ 1464 رقم 8375) والبيهقي في "السنن الكبرى" (2/ 323). (¬3) في "الروض الأنف" (1/ 232). (¬4) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (3/ 78). (¬5) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 126). وانظر الفائق للزمخشري (4/ 106).

أقول: بكسر المثناة الفوقية الثوب الذي يطاف فيه] (¬1). قال النووي (¬2): كان أهل الجاهلية يطوفون عراة يرمون ثيابهم ويتركونها مرمية بالأرض لا يأخذونها أبداً يتركونها تداس بالأرجل حتى تبلى، وتسمى اللقى حتى جاء الإسلام فأمر الله بستر العورة، وقال: {يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} وقال - صلى الله عليه وسلم -: "لا يطوف بالبيت عريان" (¬3). قوله: "زينتكم": أقول: أخرج ابن جرير (¬4) وغيره عن مجاهد قال: الزينة الثياب. وأخرج ابن جرير (¬5) وغيره (¬6) عن طاوس قال: الشملة من الزينة. [وأخرج] (¬7) أبو داود (¬8) عن أبي الأحوص عن أبيه قال: أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ثياب دون، فقال: "ألك مال؟ " قال: نعم. قال: "من أيَّ المال؟ " قال: قد أتاني الله من الإبل والغنم، والخيل، والرقيق، قال: "فإذا أتاك الله فأبد أثر نعمته [عليك] (¬9) وكرامته". ¬

_ (¬1) في (ب) قوله قطواف. (¬2) في شرحه لصحيح مسلم (9/ 116) وانظر المجموع شرح المهذب (8/ 25). (¬3) أخرجه أحمد في "المسند" (1/ 3) والبخاري رقم (1622) ومسلم رقم (435/ 1347). (¬4) في "جامع البيان" (10/ 150). (¬5) في "جامع البيان" (10/ 154). (¬6) كعبد الرزاق في تفسيره (1/ 228). (¬7) زيادة يقتضيها السياق. (¬8) في "السنن" رقم (4063). قلت: وأخرجه الترمذي في "السنن" رقم (2006) والنسائي رقم (5223، 5224، 5394)، وهو حديث صحيح. (¬9) في (ب) عليه، والصواب ما أثبتناه من مصادر الحديث.

2 - وَعَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَرَأَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - هَذِهِ الآيَةَ: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا} قَالَ حَمَّاد - رحمه الله -: وَأَمْسَكَ سُلَيْمَانُ بِطَرَفِ إِبْهَامِهِ عَلَى أَنْمُلَةِ إِصْبَعِهِ الْيُمْنَى. قَالَ: فَسَاخَ الْجَبَلُ: {وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا}. أخرجه الترمذي (¬1) وصححه. قوله في حديث أنس: "قال حماد": هو أحد [الرواية] (¬2). قوله: "وأمسك سليمان": أقول: هو سليمان بن حرب أحد الرواة لحديث أنس، هذا وكان حكى فعل أنس حين صور له ذلك. وحديث أنس هذا أخرجه أبو الشيخ (3) وابن مردويه (¬3) من طريق ثابت عن أنس وفيه: فقال حميد: ما تريد إلى هذا؟ فضرب في صدره. وقال: من أنت يا حميد؟ وما أنت يا حميد يحدثني أنس بن مالك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتقول أنت: ما تريد إلى هذا. وأخرج ابن جرير (¬4) [و] (¬5) غيره (¬6) عن ابن عباس: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ} قال: ما تجلى منه إلا قدر الخنصر، {جَعَلَهُ دَكًّا} قال: تراباً، {وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا} قال: مغشياً عليه. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (3074) وهو حديث صحيح. (¬2) كذا في المخطوط (أ - ب) ولعل الصواب الرواة. (¬3) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (3/ 118). (¬4) في "جامع البيان" (10/ 427). (¬5) زيادة من (أ). (¬6) كابن أبي حاتم في "تفسيره" (5/ 1560) رقم (8937، 8941) والبيهقي في كتاب الرؤية كما في "الدر المنثور" (3/ 119) وابن أبي عاصم في السنة رقم (484).

وأخرج ابن جرير (¬1) عنه أيضاً: "فلم يزل صعقاً ما شاء الله، ثم أفاق فقال: سبحانك [305/ ب] ثبت إليك وأنا أول المسلمين". قوله: "فساخ (¬2) ": بالسين المهملة والخاء المعجمة، يقال: ساخت قوائم الدابة إذا ذهبت [303/ ب] في الأرض. قوله: "أخرجه الترمذي وصححه": أقول: قال (¬3): هذا حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من حديث حماد بن سلمة. 3 - وَعَنْ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ الْجُهَنِيِّ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ سُئِلَ قَولُه تَعَالَى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} الآية. قَالَ: سُئِلَ عَنْهَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "إِنَّ الله تَعَالى خَلَقَ آدَمَ ثُمَّ مَسَحَ ظَهْرَهُ بِيَمِينِهِ, فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ ذُرَّيَّةً فَقَالَ: خَلَقْتُ هَؤُلاَءِ لِلْجَنَّةِ وَبِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَعْمَلُونَ، ثُمَّ مَسَحَ ظَهْرَهُ فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ ذُرَّيَّةً, فَقَالَ: خَلَقْتُ هَؤُلاَءِ لِلنَّارِ وَبِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ يَعْمَلُونَ". فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ الله! فَفِيمَ الْعَمَلُ؟ فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ الله - عز وجل - إِذَا خَلَقَ الْعَبْدَ لِلْجَنَّةِ اسْتَعْمَلَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَمُوتَ عَلَى عَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَيُدْخِلَهُ بِهِ الْجَنَّةَ، وَإذَا خَلَقَ الْعَبْدَ لِلنَّارِ اسْتَعْمَلَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى يَمُوتَ عَلَى عَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِ أَهْلِ النَّارِ فَيُدْخِلَهُ بِهِ النَّارَ". أخرجه الأربعة (¬4) إلا النسائي. [ضعيف الإسناد] ¬

_ (¬1) في "جامع البيان" (10/ 427). (¬2) قاله ابن الأثير في "جامع الأصول" (2/ 140). (¬3) في "السنن" (5/ 265). (¬4) أخرجه أبو داود رقم (4703) والترمذي رقم (3075) والنسائي في "السنن الكبرى" رقم (11190) وأحمد (1/ 399) ومالك في "الموطأ" (2/ 98) والبغوي في "شرح السنة" (77) وفي المعالم (3/ 297) وهو حديث ضعيف الإسناد.

قوله في حديث مسلم بن يسار: "فاستخرج منه ذرية ... " إلى آخره: الحديث مروي من طرق عديدة لا يبعد دعوى تواتر معناها. وللناس كلام كثير في ذلك أكثرهم حملها على المجاز كالزمخشري (¬1) ومن تبعه، وحملها آخرون على الحقيقة، وقد ¬

_ (¬1) قال الزمخشري في "الكشاف" (2/ 529): وقوله: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا} من باب التمثيل والتخييل قال السعدي في تفسيره (2/ 175 - 176). • يقول تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} أي: أخرج من أصلابهم ذريتهم، وجعلهم يتناسلون، ويتوالدون، قرناً بعد قرن. أي: أخرجهم من بطون أمهاتهم وأصلاب آبائهم: {وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} أي: قررهم، بإثبات ربوبيته، بما أودعه في فطرهم من الإقرار بأنه ربهم، وخالقهم ومليكهم. قالوا: {بَلَى} قد أقررنا بذلك، فإن الله تعالى، فطر عباده على الدين الحنيف القيم. فكل أحد فهو مفطور على ذلك، ولكنا لفطرة قد تغير وتبدل، بما يطرأ على العقول من العقائد الفاسدة، ولهذا: {قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ}. أي: إنما امتحناكم، حتى أقررتم، بما تقرر عندكم من أن الله تعالى ربكم خشية أن تنكروا يوم القيامة، فلا تقررا بشيء من ذلك، وتزعمون أن حجة الله ما قامت عليكم، ولا عندكم بها علم، بل أنتم غافلون عنها لاهون. فاليوم قد انقطعت حجتكم، وثبتت الحجة البالغة لله عليكم. أو تحتجون أيضاً بحجة أخرى، فتقولون: {إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ} فحذونا حذوهم، وتبعناهم في باطلهم. {فَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ (173)}، فقد أودع الله في فطركم ما يدلكم على أن ما مع آبائكم، باطل، وأن الحق ما جاءت به الرسل، وهذا يقاوم ما وجدتم عليه آباءكم، ويعلو عليه. =

أطلبنا البحث وبينا وجه القولين في ذيل الأبحاث (¬1) المسددة - بحمد الله - فمن أراد ذلك راجعه. وهذا الحديث إخبار من الله بأنه لا يدخل أحد من ولد آدم جنةً ولا ناراً إلا بعمله ولذا قال: "وبعمل أهل كذا يعملون" أي: باختيارهم وإخباره بأنهم من أهل كذا إخبار عما علمه من عملهم قبل إيجادهم، وأن هذا للعلم [78/ أ]. قوله في حديث عمر: "خلقت هؤلاء للجنة": ¬

_ = نعم قد يعرض للعبد من أقوال آبائه الضالين، ومذاهبهم الفاسدة، ما يظنه هو الحق، وما ذاك إلا لإعراضه عن حجج الله وبيناته وآياته الأفقية، والنفسية. فإعراضه ذلك وإقباله على ما قاله المبطلون ربما يصيره بحالة يفضل بها الباطل على الحق. هذا هو الصواب في تفسير هذه الآيات. وقد قيل: إن هذا يوم أخذ الله الميثاق على ذرية آدم حين استخرجهم من ظهره، وأشهدهم على أنفسهم، فشهدوا بذلك. فاحتج عليهم بما أمرهم به في ذلك الوقت، على ظلمهم في كفرهم، وعنادهم في الدنيا والآخرة. ولكن ليس في الآية ما يدل على هذا، ولا له مناسبة، ولا تقتضيه حكمة الله تعالى. والواقع شاهد بذلك. فإن هذا العهد والميثاق الذي ذكروا أنه حين أخرج الله ذرية آدم من ظهره حين كانوا في عالم كالذر، لا يذكره أحد ولا يخطر ببال آدمي. فكيف يحتج الله عليهم بأمر ليس عندهم به خبر، ولا له عين ولا أثر؟!! ولهذا لما كان هذا أمراً واضحاً جلياً، قال تعالى: {وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ} أي: نبينها ونوضحها {وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (174)} إلى ما أودع الله في فطرهم، وإلى ما عاهدوا الله عليه فيرتدعوا عن القبائح. (¬1) انظر "الأبحاث المسددة" (ص 101 - 102).

أقول: اللام فيها وفي قوله: "للنار" لام العاقبة مثلها في قوله تعالى: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} (¬1)، ومثل قوله: لدوا للموت وابنوا للخراب ودليل هذا التأويل قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)} (¬2) مصرح بأن الحكمة في خلق الثقلين أن يعبدوه تعالى فمن عبده كان من أهل الجنة مئالاً، ومن لم يعبده كان من أهل النار مئالاً. فهو إذا علم أن العبد مئاله [إلى] (¬3) الجنة رزقه الإقبال بقلبه على عمل أهل الجنة، وهي طاعة الله فعمل مختاراً. وإذا علم أن مئاله إلى النار خذله، فعمل بعمل أهل النار، فآل حاله إليها. وإلا فإنه يدعو الفريقين إلى عبادته ويرسل إليهم رسله، وقد سبق علمه بالشقي منهم والتقي، لكن سَبْقُ علمه لا ينافي اختيار العبد، وسبق علمه بذلك كسبق علمه بما يخلقه هو تعالى ويوجده وهو مختار فيما يخلقه ويوجده. قوله: "أخرجه الأربعة إلا النسائي": قلت: قال (¬4) الترمذي: هذا حديث حسن، ومسلم بن يسار لم يسمع من عمر. قال: وقد ذكره بعضهم بين مسلم بن يسار و [بين] (¬5) عمر رجلاً مبهماً. انتهى. ¬

_ (¬1) سورة القصص الآية: (8). (¬2) سورة الذاريات الآية: (56). (¬3) زيادة من (أ). (¬4) في "السنن" رقم (5/ 266). (¬5) زيادة من (أ).

قلت: فهو مرسل إلا أن الأحاديث المرفوعة في ذلك كثيرة صحيحة، وقد ذكر المصنف حديث أبي هريرة الآتي، وذكر في الدر المنثور (¬1) منها شطراً واسعاً، وفيها أنهم خرجوا في هيئة الذر، ولذا يقال له: عالم الذر. وقيل: إن الذي مسح (¬2) ملك [306/ ب] من الملائكة فأضيف الفعل إلى المسيب. [والحديث مروي من طرق عديدة لا يبعد دعوى تواتر معناها، وللناس كلام كثير] (¬3). ¬

_ (¬1) (3/ 601 - 602). (¬2) بل قد ثبت في الحديث الصحيح أن الله عز وجل مسح على ظهر آدم، وهو مسح على حقيقته يليق بجلال الله وعظمته. فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "لما خلق الله آدم مسح ظهره, فسقط من ظهره كل نسمة هو خالقها من ذريته إلى يوم القيامة ... ". [الترمذي رقم (3076) وابن أبي حاتم في "السنة" (205) والحاكم في "المستدرك" (2/ 325) وصححه. ووافقه الذهبي، وهو حديث صحيح]. وعن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: لما نزلت آية الدين قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن أول من جحد آدم إن الله تعالى لما خلقه مسح ظهره، فأخرج منه ما هو من ذراري إلى يوم القيامة, فعرضهم عليه ... ". [ابن أبي عاصم في "السنة" (204) وأحمد في "المسند" (227 - شاكر) وفي سنده علي بن زيد بن جدعان، وهو ضعيف، ويتقوى بما قبله. قال ابن القيم في "مختصر الصواعق" (2/ 171): وورد لفظ اليد في القرآن والسنة، وكلام الصحابة والتابعين في أكثر من مئة موضع وروداً متنوعاً متصرفاً فيه مقروناً بما يدل على أنها يد حقيقة من الإمساك والطي والقبض والبسط ... وأنه مسح ظهر آدم بيده. (¬3) زيادة من (ب).

4 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ - صلى الله عليه وسلم -: "لَمَّا خَلَقَ الله آدَمَ - عليه السلام - مَسَحَ ظَهْرَهُ فَسَقَطَ مِنْ ظَهْرِهِ كُلُّ نَسَمَةٍ هُوَ خَالِقُهَا مِنْ ذُرِّيَّتِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَجَعَلَ بَيْنَ عَيْنَيْ كُلِّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ وَبِيصًا مِنْ نُورٍ، ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى آدَمَ فَقَالَ: أَي رَبِّ! مَنْ هَؤُلاَءِ؟ قَالَ: ذُرِّيَّتُكَ، فَرَأَى رَجُلاً مِنْهُمْ فَأَعْجَبَهُ وَبِيصُ مَا بَيْنَ عَيْنيهِ فَقَالَ: أَيْ رَبِّ! مَنْ هَذَا؟ قَالَ: دَاوُدُ قَالَ: رَبِّ! كَمْ جَعَلْتَ عُمْرَهُ؟ قَالَ: سِتِّينَ سَنَةً قَالَ: أَيْ رَبِّ! زِدْهُ مِنْ عُمْرِي أَرْبَعِينَ سَنَةً. قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "فَلَمَّا انْقَضَى عُمْرُ آدَمَ - عليه السلام - إلا أَرْبِعين جَاءَهُ مَلَكُ الْمَوْتِ، فَقَالَ آدَمُ: أَوَ لم يَبْقَ مِنْ عُمْرِي أَرْبَعُونَ سَنَةً؟ فَقَالَ: أَوَلَمْ تُعْطِهَا ابْنَكَ دَاوُدَ؟ قَالَ: فَجَحَدَ آدَمُ فَجَحَدَتْ ذُرَّيَّتُهُ وَنَسِىَ آدَمُ فَأَكَلَ مِن الشَّجَرَة فَنَسِيَتْ ذُرَّيَّتُهُ, وَخَطِئَ آدَمُ فَخَطِئَتْ ذُرَّيَّتُهُ" أخرجه الترمذي (¬1) وصححه. [صحيح] قوله في حديث أبي هريرة: "فسقط من ظهره كل نسمة هو خالقها إلى يوم القيامة": فإن قلت: الآية قاضية بأنه تعالى أخذ من ظهور [79/ أ] بني آدم جميعاً لا من ظهر آدم، فكيف تطبيق الحديث على الآية؟ وأجيب: بأنه لا مانع أن يؤخذ كل من ظهر أبيه، والمجموع من ظهر آدم فتكون [تلك] (¬2) الإخراجة التي خرجت دفعةً مثل هذا الإخراج [307/ ب] المفرق أو نحوه. والحديث يحتمل ذلك، وليس بصريح في خلافه، ويرشد إليه قوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ} (¬3) فخلق الأبناء ضمناً في خلق الآباء. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (3076)، وهو حديث صحيح. (¬2) زيادة من (أ). (¬3) سورة الأعراف الآية: (11).

فإن قلت: وما الحكمة في هذا الإيجاد في عالم الذر؟ قلت: إذا ثبت الحكم عن الله وجب قبوله، وإن لم يعرفنا حكمته، فإنه لا علم لنا إلا ما علمنا، لكنه هنا قد تفضل علينا بذكر الحكمة هو أخذ العهد عليهم بقوله: {وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} أي: أنت ربنا, قال: {شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172) أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ} الآية. فحكمته أخذ الميثاق عليهم. إن قلت: هذا الميثاق لا يذكره بنو آدم في دار الدنيا، وإنما أخذه الله لئلا تدعى الغفلة عن الربوبية يوم القيامة كما صرحت به الآية. قلت: اقتضت حكمة الله أن ينسي العباد ذلك العهد في هذه الدار، ويخلفه بالأدلة الدالة على مثله حتى كأنهم مخاطبون بذلك الخطاب في كل آن، ثم قد صار مذكوراً لنا الآن بإخبار الله تعالى لنا، وإخبار رسوله - صلى الله عليه وسلم - فيذكرون العهد يوم القيامة كما يذكرون دقيق أعمالهم وجليلها مع نسيانهم الآن لأكثرها كما قال تعالى: {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ (5)} (¬1) فيذكر هذا العهد. وهذا العهد أقر كل بني آدم أن الله خالقه وخالق السموات، ومنزل الغيث: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} (¬2)، {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (9)} (¬3) {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ ¬

_ (¬1) سورة الانفطار الآية: (5). (¬2) سورة الزخرف الآية: (87). (¬3) سورة الزخرف الآية: (9).

مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} (¬1)، {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ [308/ ب] وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ} (¬2). وهذه هي فطرة [الله] (¬3) التي فطر الناس عليها، "وكل مولود يولد على الفطرة" (¬4) وهي الإقرار بالربوبية لله، وذهب الزمخشري (¬5) ومن تبعه كالبيضاوي (¬6) وأبي السعود (¬7) [إلى] (¬8) أن الآية مجاز. قال جار الله (¬9): وإشهادهم على أنفسهم وقوله: {قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا} من باب التمثيل والتخييل، ومعنى ذلك: أنه نصب لهم الأدلة على ربوبيته ووحدانيته، وشهدت بها عقولهم وبصائرهم التي ركبها فيهم، وجعلها مميزة بين الضلالة والهدى فكأنه أشهدهم على أنفسهم وقررهم وقال لهم: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} أنت ربنا: "شهدنا على أنفسنا" وأقررنا بوحدانيتك، وباب التمثيل واسع في كلام الله ورسوله، وفي كلام العرب إلى آخر كلامه. ¬

_ (¬1) سورة العنكبوت الآية: (63). (¬2) سورة يونس الآية: (31). (¬3) سقط من (ب). (¬4) أخرجه "البخاري" رقم (1359) و (1385) و (4775) ومسلم رقم (2658) وأحمد (2/ 393) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - وهو حديث صحيح. (¬5) في "الكشاف" (2/ 529). (¬6) في "تفسيره" (1/ 581). (¬7) في "تفسيره" (3/ 267). (¬8) زيادة من (أ). (¬9) في "الكشاف" (2/ 529).

والذي ألجأ أئمة التفسير إلى ارتكاب المجاز (¬1): أن هذا عهد لا يذكره بنو آدم، وتقدم الجواب عنه. قالوا: ولأنه لا يؤخذ العهد إلا على من كلف، وأدرك ما يقال له. وجوابه: لا مانع أنه تعالى كمل عقولهم، وعرفوا ما يقال لهم، والإيمان بالله وحكمته لا تأبى ذلك، وفي المسألة مباحث طويلة. قوله: "وبيصاً": [أقول] (¬2) بفتح الواو فموحدة فمثناة تحتية فصاد مهملة بريقاً ولمعاناً. قوله: "فجحد آدم": أقول: الجحد: إنكار الجاحد ما هو عالم به، ولا لوم على آدم - عليه السلام - في ذلك، فقد ثبت في الحديث القدسي: "إن العبد يكره الموت وأن الله يكره مساءة عبده المؤمن" (¬3) فلم يجعل تعالى كراهة الموت ذنباً، فإنه كراهة جبلية طبيعية بشرية، ولا ينافيه حديث: "من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه" (¬4) فإنه ليس فيه إلا الإخبار بأن [309/ ب] محبة لقاء الله سبباً لمحبة الله لقاءه، والكاره للموت كاره لكربه وشدائده لا للقاء الله. ¬

_ (¬1) تقدم رده. (¬2) زيادة من (أ). (¬3) أخرجه "البخاري" في "صحيحه" رقم (6502) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -. (¬4) أخرجه "البخاري" رقم (6508) ومسلم رقم (2686) من حديث أبي موسى الأشعري. وأخرجه أحمد في "المسند" (3/ 107) من حديث أنس - رضي الله عنه -. وأخرجه أحمد في "المسند" (5/ 316) من حديث عبادة بن الصامت. وأخرجه أحمد في "المسند" (6/ 44) من حديث عائشة - رضي الله عنها -.

قوله: "فجحد بنو آدم": أقول: فيه أن طباع الآباء يرثها في الغالب الأبناء في الطباع والأخلاق، ولذا قال بنو إسرائيل لمريم: {مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (28)} (¬1) فأنكروا أن تأتي بخلاف ما كان عليه قراباها، وفي عكسه قال إخوة يوسف: {إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ} (¬2)، فلا يستنكر إن أتى منه ما أتى من أخيه شقيقه، ولذا قيل: يَنْشَو الصَّغيرُ على ما كان والده ... إنَّ [العروق] (¬3) عليها تَنْبتُ الشَّجرُ ثم لا أدري هل أعطي آدم الأربعين بعد الجحد أم أقام الله عليه بينة هبته، وكانت [] (¬4) فمن وجد أحد الأمرين ألحقه. قوله: "ونسي آدم": أقول: إشارة إلى قوله تعالى: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ} ولا لوم عليه في النسيان لأنه جبلي لا يخلو عنه البشر إنما يؤمر العبد بالاحتراز عن أسبابه، والغفلة عن التحفظ عنها، فنسيت ذريته، أي: كان من طبائعها النسيان، وظاهره أن الجحد والنسيان لولا صدورهما عن أبي البشر لما اتفق ذلك لأولاده كما فسرته آنفاً. ¬

_ (¬1) سورة مريم الآية: (27). (¬2) سورة يوسف الآية: (77). (¬3) كذا في المخطوط، والذي في "جمهرة الأمثال" (2/ 380) الأصول. (¬4) كلمة غير مقروءة.

قوله: "وخطي آدم": أي: ارتكب الخطيئة. والذي يظهر لي أنه أريد بنسيان الذرية نسيانهم العهد الذي أخذ عليهم في الآية الذي ورد الحديث تفسيراً لها، وذكره هنا لذلك، والله أعلم بمراد رسوله - صلى الله عليه وسلم -[80/ أ]، [310/ ب]. [قوله] (¬1): "بأكله الشجرة": [فارتكبت] (¬2) الخطايا ذريته، ونرجو أن يوفق للتوبة كما وفق آدم كما قال تعالى: {ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى (122)} (¬3). واعلم أن هذا سيأتي في حرف الخاء المعجمة في بدء الخلق، وفيها زيادات منها أنه كتب عُمْر كلّ إنسان بين عينيه، وأن عُمر داود كُتب أربعين سنة فزاده آدم من عمره ستين، وكان عمر آدم ألف سنة. والحديث أخرجه الترمذي (¬4) عن أبي هريرة أيضاً إلا أنه قال (¬5): وهذا الحديث حسن صحيح، وقال في الحديث الآتي: حسن غريب. وما وصفه بالصحة مقدم على ما وصفه بالغرابة، فهذه الرواية أرجح من الآتية. قلت: والذي أظنه أنه انقلب على بعض الرواة فجعل الأربعين عمر داود والستين هبة آدم، وهو بالعكس كما صرحت به هذه الرواية التي صححها الترمذي، ويؤيد الانقلاب أنه تعالى قد علم طبعاً أن داود سيجعله نبياً، وثبتت حكمته تعالى أن لا يرسل نبياً إلا بعد بلوغه سن الأربعين، فلو كتب عمر داود أربعين لما تم إرساله نبياً، ولا أنزل عليه [الزبور] (¬6) ¬

_ (¬1) زيادة من (ب). (¬2) في (ب) فارتكب. (¬3) سورة طه الآية (122). (¬4) في "السنن" رقم (3076)، وهو حديث حسن. (¬5) في "السنن" (5/ 267). (¬6) في (أ) الإنجيل.

وجعله الله خليفة, فلا بد، وأن يكون قد كتب عمره زيادة على الأربعين، وهي العشرون، فالانقلاب في متون الأحاديث [قد اتفق في أحاديث] (¬1) ويؤيده أنا لم نجد رواية في "الدر المنثور" (¬2) بأن عمر داود أربعون مع توسعه في النقل، بل كل ما فيه من الروايات أنه ستون. إن قلت: إنه تعالى قدر [311/ ب] نبوته بعد علمه أن آدم يهب له عشرين عاماً تكون فيه نبوته وخلافته. قلت: هذا ينبني على أن هبة آدم تمت لداود، وقد قدمنا لك أنه لم يأت ما يدل على ردها لآدم، ولا على عدمه إلا أن في رواية أخرجها ابن أبي حاتم (¬3)، وابن منده (¬4) وأبو الشيخ (¬5) في [العظمة] (¬6) وابن عساكر (5) عن أبي هريرة، وفيه أنه قال آدم: "فزده من عمري أربعين سنة قال: [أ] (¬7) تفعل يا آدم؟! قال: نعم. يا رب. قال: فنكتب ونختم إنا إن كتبنا وختمنا لم نغير. قال: فافعل أي رب! " الحديث. فيحتمل أنه تعالى ما كتبه وختمه، ولم يغيره وجب، فلا ترد الهبة. قوله: "أخرجه الترمذي": قلت: وقال (¬8): هذا حديث حسن صحيح، وقد روي من غير وجه عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. [انتهى] (¬9). ¬

_ (¬1) زيادة من (أ). (¬2) (3/ 600 - 604). (¬3) في "تفسيره" (5/ 1612 - 1613). (¬4) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (3/ 622 - 623). (¬5) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (3/ 623). (¬6) في (ب) العطية. (¬7) زيادة من (أ). (¬8) في "السنن" (5/ 267). (¬9) زيادة من (أ).

5 - وَعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَمَّا حَمَلَتْ حَوَّاءُ - عليها السلام - طَافَ بِهَا إِبْلِيسُ، وَكانَ لاَ يَعِيشُ لهَا وَلَدٌ. فَقَالَ: سَمِّيهِ عبد الحَارِثِ. فَإنَّه يَعِيْش، فَسَمَّتْهُ فَعَاشَ، وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ وَحْيِ الشَّيْطَانِ وَأَمْرِهِ". أخرجه الترمذي (¬1). [ضعيف] قوله: "فَسَمَّتْهُ فعاش": أقول: وكان إبليس يسمى في الملائكة الحارث، وأنزل الله في ذلك: {فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ} إلى قوله: {فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا} (¬2) يريد بالشرك تسمية الولد بعبد الحارث أطلق الشرك على المعصية، وهو يطلق عليها كثيراً. وأخرج ابن جرير (¬3) عن ابن عباس قال: "كانت حواء تلد لآدم أولاداً فتعبدهم لله عبد الله، وعبيد الله، ونحو ذلك فيصيبهم الموت، فأتاها إبليس وآدم فقال: إنكما لو تسميانه بغير الذي تسميانه لعاش، فولدت ولداً فسمياه عبد الحارث". وأخرج ابن جرير (¬4) وابن المنذر (¬5). ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (3077) وهو حديث ضعيف. قلت: وأخرجه أحمد (5/ 11) والحاكم (2/ 545) وابن أبي حاتم في "تفسيره" (5/ 1631) والطبراني في الكبير رقم (6895). (¬2) سورة الأعراف الآية: (189 - 190). (¬3) في "جامع البيان" (10/ 624). (¬4) في "جامع البيان" (10/ 621 - 622). (¬5) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (3/ 623).

و [ابن] (¬1) أبي [312/ ب] حاتم (¬2) وغيرهم (¬3) عن سعيد بن جبير مثله بأطول منه، وفيه: "فسمته عبد الحارث، وكان اسمه في الملائكة الحارث". وفي الباب [روايات] (¬4) بمعناه كثير [ة] (¬5). قوله: "أخرجه الترمذي": قلت: وقال (¬6): هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث عمر بن إبراهيم عن قتادة، ورواه بعضهم عن عبد الصمد لم يرفعه. انتهى. 6 - وَعَن ابن الزُّبَيْر - رضي الله عنهما - قَالَ: مَا نَزَلَتْ: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199)} إِلَّا فِي أَخْلَاقِ النَّاسِ. أخرجه البخاري (¬7) وأبو داود (¬8). [صحيح] 7 - وفي أخرى لهمَا (¬9): أَمَرَ الله نَبِيَّهُ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَأْخُذَ الْعَفْوَ مِنْ أَخْلاَقِ النَّاسِ. قوله: "في أخلاق الناس": [صحيح] ¬

_ (¬1) زيادة يقتضيها السياق. (¬2) في "تفسيره" (5/ 1634 رقم 8654). (¬3) انظر "الدر المنثور" (3/ 624 - 625). (¬4) زيادة من (أ). (¬5) زيادة من (أ). (¬6) في "السنن" (6/ 268). (¬7) في "صحيحه" رقم (4643). (¬8) لم يخرجه أبو داود. (¬9) أخرجه "البخاري" في "صحيحه" رقم (464) والترمذي في "السنن" رقم (4787).

(سورة الأنفال)

أقول: روي عن جعفر الصادق (¬1) أنه قال: "ما في القرآن آية أجمع لمكارم الأخلاق منها". ووجهوه بأن الأخلاق ثلاثة بحسب القوى الإنسانية عقلية وشهوية وعصبية، فللعقل الحكمة، ومنها: الأمر بالمعروف، وللشهوة العفة، ومنها: {خُذِ الْعَفْوَ}، وللعصبية الشجاعة، ومنها: الإعراض عن الجاهلين، يريدون أن دواء كل واحدة من هذه هو ما ذكر. وأخرج الطبري (¬2) مرسلاً، وابن مردويه (¬3) موصولاً من حديث جابر وغيره: لما نزلت: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ} سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جبريل فقال: "لا علم لي حتى أسأله، ثم رجع، فقال: إن ربك يأمرك أن تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمن ظلمك". قلت: وأحسن من قال ملماً بالآية: خذ العفو وأمر بعرف ولا ... تجادل وأعرض عن الجاهلين ولن في الكلام لكل الأنام ... فمستحسن من ذوي الجاهلين (سورة الأنفال) في "النهاية" (¬4) النفل: بالتحريك الغنيمة، وجمعه: أنفال، والنفل: بالسكون وقد يحرك: الزيادة. أقول: الأنفال لغة: العطايا من القسمة غير السهم المستحق بالقسمة، واحدها نفل بفتحتين على الأشهر، والتنفيل يكون لمن صنع جميلاً في الحرب. ¬

_ (¬1) ذكره البغوي في "معالم السنن" (3/ 316) والقرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" (7/ 344). (¬2) في "جامع البيان" (10/ 643 - 644). (¬3) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (3/ 628). (¬4) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 781).

وقال أبو عبيدة في كتاب "الأموال" (¬1): النفل: إحسان وتفضل من المنعم، فسميت الغنائم أنفالاً، لأن الله تفضل بها على هذه الأمة، ولم يجعلها لأحد قط. 1 - عن ابن جبير قالَ: قُلْتُ لابنِ عبَّاس - رضي الله عنهما -: سُورة الأنفالِ قال: نَزَلَت في بَدْر. أخرجه الشيخان (¬2) [صحيح] قوله في حديث ابن عباس: "في بدر": أي: في قصة بدر كما أن ما في سورة آل عمران في قوله: {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ} (¬3) إلى قريب أخرها في قصة أحد. 2 - وَعَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ - رضي الله عنه - قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ جِئْتُ بِسَيْفٍ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله! إِنَّ الله قَدْ شَفَى صَدْرِي مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَهَبْ لِي هَذَا السَّيْفَ. فَقَالَ: "هَذَا لَيْسَ لِي وَلاَ لَكَ". فَقُلْتُ: عَسَى أَنْ يُعْطَى هَذَا مَنْ لاَ يُبْلِى بَلاَئي، فَجَاءَنِي الرَّسُولُ فَقَالَ: "إِنَّكَ سَأَلْتَنِي وَلَيْسَ لِي، وَإِنَّه قَدْ صَارَ لِي وَهُوَ لَكَ". قَالَ: فَنَزَلَتْ: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ} أخرجه مسلم (¬4) وأبو داود (¬5) والترمذي (¬6). [حسن] قوله في حديث مصعب: "فهب لي هذا السيف": أقول: كان هذا السيف للعاص بن سعيد بن العاص يقال له: ذو الكتيبة. ¬

_ (¬1) (ص 279 - 280). (¬2) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (4645) ومسلم رقم (3031). (¬3) سورة آل عمران الآية: (121). (¬4) في "صحيحه" (1748). (¬5) في "السنن" رقم (2740). (¬6) في "السنن" رقم (3079)، وهو حديث حسن.

قال القاضي عياض (¬1): يحتمل أن هذا كان قبل نزول قسمة (¬2) الغنائم، والحديث يدل عليه. قال: وقد اختلفوا (¬3) في هذه الآية، فقيل: هي بقوله: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} فإن مقتضى الآية الأولى أن الغنائم كانت للنبي - صلى الله عليه وسلم - كلها خاصة، ثم إنه تعالى جعل أربعة أخماسها للغانمين بالآية الأخرى، وهذا قول ابن عباس وغيره، قيل: هي محكمة، والتنفيل من [315/ ب] الخمس، وقيل: هي محكمة [وللإمام] (¬4) أن ينفل من الخمس ما شاء لمن شاء حسبما يراه. انتهى باختصار. [قوله: "جئت بسيف" أي: أخذه من سلاح الأعداء، وقاتلهم به لقوله: قد شفى صدري من المشركين] (¬5). [قوله: "وليس لي ولا لك": أقول: لفظه في "الجامع" (¬6) بزيادة بعد قوله: "لي" فقلت: "عسى أن يعطى هذا من لا يبلى بلائي، وقد صار لي فهو لك" فحذفه "المصنف"، وما كان يحسن حذفه، إذ هو من أعلام النبوة إخبار بما في نفس سعد] (¬7). ¬

_ (¬1) في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (6/ 55 - 56). (¬2) انظر "المغني" (13/ 53) و"الاستذكار" (14/ 104). (¬3) انظر "البيان" للعمراني (12/ 198) "التمهيد" (10/ 82) "فتح الباري" (6/ 240). (¬4) زيادة من (أ). (¬5) زيادة من (أ). (¬6) في "جامع الأصول" (2/ 146). (¬7) زيادة من (أ).

قوله: "من لا يبلى بلائي": يقال: أبليت بلاءً حسنًا، أي: صنعت، والأصل فيه: الابتلاء الاختبار، أي: فعلت فعلاً اختبر فيه، ويظهر به خيري وشري. قوله: "فجاءني الرسول" ظاهره أن المراد به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقوله: "سألتني". وقوله: "ليس لي". [قوله: "أخرجه مسلم": لفظ الجامع: أخرجه مسلم في جملة حديث طويل يأتي في فضائل سعد، ثم قال: "والترمذي". قلت: وقال: حسن صحيح] (¬1). 3 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ - رضي الله عنه - قَالَ: نَزَلَتْ فِي يَوْمِ بَدْرٍ: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ} أخرجه أبو داود (¬2). [صحيح] قوله في حديث أبي سعيد: "في يوم بدر": أقول: [ونزولها في يوم بدر] (¬3). ¬

_ (¬1) في هامش (ب). ما نصه: قوله: أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي. أقول: عبارة "الجامع" أخرجه الترمذي وأبو داود، وأخرجه مسلم في جملة حديث طويل يجيء في فضائل سعد في كتاب الفضائل من حرف الفاء. قلت: وقال بعد إخراجه: حسن صحيح. ما بين المعكوفتين موجود في (أ) المنظمة، وهو متقدم عن هذا الموضع، وهو الصواب. (¬2) في "السنن" رقم (2648) وهو حديث صحيح. (¬3) زيادة من (أ).

قال الحسن (¬1): [ليس الفرار] (¬2) بكبيرة إلا في يوم بدر [ويوم] (¬3) الملحمة الكبرى التي تأتي آخر الزمان. وقال غيره: هو من الكبائر إذا حضر الإمام، ولم يتحيز إلى فئة، وأما إذا كان الفرار إلى الإمام فهو متحيز، والعذر الذي يحرم معه الفرار أن يفر الواحد مع الواحد، والواحد مع الاثنين، وإذا كان الواحد مع الثلاثة لم يعب على الفار فراره سواءً كان متحيزاً إلى فئة أم لا. قاله السهيلي (¬4). وقال في الإتحاف حاشية "الكشاف" (¬5): قوله: {إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا} الآية عامة لكل ملاقاة بشرطها وبعيد ما ذكر عن بعض السلف - يريد الحسن - أنها في بدر خاصة لكثرة الأحاديث في أن الفرار من الزحف من الكبائر، ونحو ذلك بحيث يعلم المفهوم من مجموع الأحاديث قطعاً، وأيضاً لم يكونوا زحفاً من الزحوف يوم بدر، وأيضاً الظاهر أن الآية نزلت بعد الفراغ من حرب بدر، وإنما نزلت للترهيب، ولم يقع منهم يوم بدر ما يلامون عليه بحمد الله. ¬

_ (¬1) أخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (11/ 78) والنحاس في ناسخه (ص 460) وابن أبي شيبة في مصنفه (14/ 386). (¬2) في (أ): إن الفرار من الزحف ليس. (¬3) في (أ). وفي. (¬4) في "الروض الأنف" (3/ 81 - 82). (¬5) وهي قيد التحقيق ط: دار الجيل ناشرون.

ولا يشترط في الفئة القرب كما قال - صلى الله عليه وسلم - لمن قال من جيش مؤتة: نحن الفرارون. قال: "بل أنتم العكارون" وأنا فئتكم مع بعد المسافة [315/ ب] انتهى وهو حسن (¬1). 4 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - فِي قَولِه تَعَالَى: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ} الآية. قَالَ: هُمْ نَفَرٌ مِنْ بَنِي عبد الدَّارِ. أخرجه البخاري (¬2). [صحيح] قوله في حديث ابن عباس: "من بني عبد الدار": أقول: أي: ابن قصي. قال ابن عباس (¬3): كانوا يقولون: نحن صم بكم [عميّ] (¬4) عما جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم - فقتلوا جميعاً بأحد، وكانوا أصحاب اللواء، ولم يسلم منهم إلا رجلان مصعب بن عمير، وسونيط بن حرملة. "والصم": جمع: الأصم، وهو الذي لا يسمع (¬5). "والبكم": جمع: الأبكم، وهو الذي لا يتكلم خرساً (¬6). ¬

_ (¬1) قال ابن جرير في "جامع البيان" (11/ 81 - 82): وأول التأويلين في هذه الآية بالصواب عندي: قول من قال: حكمها محكم، وأنها نزلت في أهل بدر، وحكمها ثابت في جميع المؤمنين، وأن الله حرم على المؤمنين إذا لقوا العدو أن يولوهم الدبر منهزمين إلا لتحريف لقتال، أو لتحيز إلى فئة من المؤمنين حيث كانت من أرض الإسلام، وأن من ولاهم الدبر بعد الزحف لقتال منهزماً بغير نية إحدى الخلتين اللتين أباح الله التولية بهما، فقد استوجب من الله وعيده إلا أن يتفضل الله عليه بعفوه. (¬2) في "صحيحه" رقم (4646). وأخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (11/ 101) وابن أبي حاتم في "تفسيره" (5/ 1677). (¬3) أخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (11/ 100) عن عكرمة. (¬4) زيادة من (أ). (¬5) زيادة من (أ). (¬6) قاله ابن الأثير في "جامع الأصول" (2/ 146).

وإنما سماهم الله بذلك لعدم انتفاعهم بالأسماع في قبول الدعوة إلى الإيمان، وعدم النطق بكلمة التوحيد؛ لا أنهم كذلك حقيقة إذ لو كانوا كذلك حقيقة لم يكلفوا ولا ذموا. 5 - وَعَن أَنَسَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ أَبُو جَهْلٍ: {اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ} الآية. فَنَزَلَتْ: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} الآية. فَلمَّا أخْرَجُوهُ نَزَلَتْ: {وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} الآيَةَ. أخرجه الشيخان (¬1). [صحيح] قوله في حديث أنس: "قال: قال أبو جهل: [اللهم! ... إلخ"] (¬2). أقول: قال الحافظ في "الفتح" (¬3): ظاهره أنه القائل، وقد نسب إلى جماعة فلعله بدأ به ورضي الباقون فنسب إليهم. وقد روى الطبراني (¬4) من طريق ابن عباس: أن قائل ذلك هو النضر بن الحارث قال: فأنزل الله: {سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ (1)}. وكذا قال مجاهد (¬5) وعطاء (¬6). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (4648) وطرفه (4649) ومسلم في "صحيحه" رقم (2796). (¬2) زيادة من (أ). (¬3) (8/ 309). (¬4) قال الحافظ في "الفتح" (8/ 309): وقد روى الطبراني من طريق ابن عباس أن القائل ذلك هو النضر بن الحارث قال: فأنزل الله تعالى: {سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ (1)}، وكذا قال مجاهد، وعطاء، والسدي: ولا ينافي ذلك ما في الصحيح لاحتمال أن يكونا قالاه، ولكن نسبته إلى أبي جهل أولى. (¬5) أخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (11/ 144). (¬6) أخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (11/ 145).

والسدي (¬1) ولا ينافي ذلك ما في الصحيح لاحتمال أن يكونا قالاه، لكن نسبته إلى أبي جهل أولى، وعن قتادة (¬2) قال: قال ذلك سفهةُ هذه الأمة وجهلتها. قوله: "وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم": أقول: لما طلبوا العذاب بإنزال الحجارة، أو إتيان العذاب الأليم أجاب الله عنهم: بأنه لا يفعل ذلك ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيهم إكراماً له ودفعاً لوجوده بين أظهرهم أن يصابوا بالعذاب، ولذا قيل: لعين تغذي ألف عين وتفتدي ... ويكرم ألف للحبيب المكرم [316/ ب] وجرت حكمته تعالى إذا أراد إنزال العذاب بمن كذبت رسله أن يخرج (¬3) الرسل من بينهم كما قال في نوح: {فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ} وفي لوط: {فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ} (¬4)، وغير ذلك مما قصه في أخبار رسله. قوله: " {وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33)} ": [روى ابن جرير (¬5) من طريق زيد بن رومان أنهم لما قالوا ذلك ثم أمسوا ندموا فقال: غفرانك اللهم! فأنزل الله: {وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33)}] (¬6). أقول: اختلف في المراد بالمستغفرين: ¬

_ (¬1) أخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (11/ 145) وابن أبي حاتم في "تفسيره" (5/ 1690). (¬2) أخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (11/ 145). (¬3) انظر "جامع البيان" (11/ 157 - 158). (¬4) سورة الأعراف الآية: (83). (¬5) في "جامع البيان" (11/ 151). (¬6) زيادة من (أ).

فروى ابن أبي حاتم (¬1) من طريق علي بن طلحة عن ابن عباس أن معنى قوله: {وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33)} أي: من سبق له من الله أنه سيؤمن. وقيل: من كان بين أظهرهم حينئذ من المؤمنين. قاله الضحاك (¬2) وأبو مالك (¬3). قلت: يؤيد أنه تعالى قال: {وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (25)} (¬4). وأخرج الطبراني (¬5) من طريق ابن أبزى قال: كان من بقي بمكة من المسلمين يستغفرون، فلما خرجوا أنزل الله: {وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} (¬6) الآية. فأذن الله في فتح مكة، وهو العذاب الذي وعدهم الله به. ¬

_ (¬1) في "تفسيره" (5/ 1692). قلت: وأخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (11/ 155) والبيهقي في الدلائل (3/ 76). (¬2) أخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (11/ 149) والنحاس في الناسخ (ص 465) وابن أبي حاتم في "تفسيره" (5/ 1691). (¬3) أخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (11/ 149). (¬4) سورة الفتح الآية: (25). (¬5) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (4/ 59). (¬6) سورة الأنفال آية: (34).

وأخرج الترمذي (¬1) من حديث أبي موسى يرفعه قال: "أنزل الله عليَّ أمانين لأمتي" وذكر هذه الآية. قال: فإذا مضيت [82/ أ] تركت فيهم الاستغفار، وهذا الذي يقوي القول الأول والحمل عليه أولى أن العذاب حل بهم لما تركوا الندم على ما وقع منهم وبالغوا في معاندة المسلمين ومحاربتهم وصدهم عن المسجد الحرام. 6 - وَعَن عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ- يَقُولُ: " {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} أَلاَ إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ ثَلَاَثاً ... " أخرجه مسلم (¬2) وأبو داود (¬3) والترمذي (¬4). [صحيح] 7 - وزاد مسلم والترمذي: "أَلاَ إِنَّ الله سَيَفْتَحُ لَكُمُ الأَرْضَ، وَسَتكْفَوْنَ الْمُؤْونَةَ، فَلاَ يَعْجِزَنَّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَلْهُوَ بِأَسْهُمِهِ". قوله في حديث عقبة [بن عامر] (¬5): "ألا إن القوة الرمي": أقول: تفسير لمجمل الآية، وأنه أريد بالقوة الرمي. قال النووي في شرح مسلم (¬6): هذا تصريح بتفسيرها، أي: القوة بالرمي، ورد لما يذكره المفسرون من الأقوال سوى هذا. وقال القرطبي (¬7): إنما فسرت القوة بالرمي، وإن كان القوة ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (3082) وهو حديث ضعيف مرفوعاً، والموقوف أصح. (¬2) في "صحيحه" رقم (1917). (¬3) في السنن رقم (2514). (¬4) في "السنن" رقم (3083). (¬5) زيادة من (أ). (¬6) (13/ 64). (¬7) في "المفهم" لا أشكل من تلخيص كتاب مسلم (3/ 759).

تظهر بإعداد غيره [317/ ب] من آلات الحرب لكون الرمي أشد نكاية في العدو، وأسهل مؤنه لأنه قد يرمي في رأس الكتيبة منهم فينهزم من خلفه. قوله: "ثلاثاً": لفظه في مسلم: "ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي". قوله: "أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي": قلت: هكذا عبارة ابن الأثير (¬1) والذي في الترمذي (¬2) بعد أن رواه عن رجل لم يسمِّه عن عقبة قال (¬3): وقد روى بعضهم هذا الحديث عن أسامة بن زيد عن صالح بن كيسان عن عقبة بن عامر، وحديث وكيع أصح يريد به الذي فيه الرجل المجهول. قال: وصالح ابن كيسان لم يدرك عقبة بن عامر [وأدرك ابن عمر] (¬4). وأما مسلم فإنه رواه عن أبي علي ثمامة بن شفي أنه سمع عقبة .. الحديث. وثمامة مثلثته مضمومة، وشفي بشين معجمة وفاء مصغراً. قال في "التقريب" (¬5): أن ثمامة ثقة مات في خلافة هشام. قال ابن الأثير (¬6): إلا أن مسلماً (¬7) أفرد هذه الزيادة حديثاً برأسه. ¬

_ (¬1) في "جامع الأصول" (2/ 147). (¬2) في "السنن" رقم (3083). (¬3) في "السنن" (5/ 270). (¬4) زيادة من (ب). (¬5) رقم (852). (¬6) في "جامع الأصول" (2/ 148). (¬7) رقم (1918).

[قوله: "وزاد مسلم والترمذي" أقول] (¬1): واللفظ الذي ساقه لفظ الترمذي ولفظ مسلم: "سيفتح عليكم أرضون فيكفيكم الله فلا يعجز أحدكم أن يلهو بأسهمه". وكان حق العبارة أن يقال: أخرجه مسلم وأبو داود، وأخرجه الترمذي من طريق فيها مجهول، ومن طريق مرسلاً وقال: إن طريق رواية المجهول أصح. فإن قلت: كيف تصحح رواية المجهول. قلت: يحتمل أنه أراد أصح من المرسلة، وإن كانت في نفسها غير صحيحة، ويحتمل أنه يريد لأنها قد رويت من طريق صحيحة وهي طريق مسلم. 8 - وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ}؛ كُتِبَ عَلَيْهِمْ أَنْ لاَ يَفِرَّ وَاحِدٌ مِنْ عَشَرَةٍ، وَلَا عِشْرُونَ مِن مَائَتَيْنِ. ثُمَّ نَزَلَتِ: {الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ} الآيَةَ، فَكَتَبَ أَنْ لاَ يَفِرَّ مِائَةٌ مِنْ مِائَتَيْنِ. أخرجه البخاري (¬2) وأبو داود. [صحيح] 9 - وفي أخرى (¬3): لَمَّا نَزَلَتْ {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} شَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَنَزَلَتْ: {الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ} الآية. فَلَمَّا خَفَّفَ الله تَعَالَى عَنْهُمْ مِنَ الْعِدَّةِ نَقَصَ مِنَ الصَّبْرِ بِقَدْرِ مَا خُفِّفَ عَنْهُمْ. [صحيح] قوله في حديث ابن عباس: "فكتب أن لا تفر مائة من مائتين". ¬

_ (¬1) زيادة من (أ). (¬2) أخرجه بهذا اللفظ البخاري في "صحيحه" رقم (4652). (¬3) أخرجه البخاري رقم (4653) وأبو داود رقم (2646).

أقول: استدل بالحديث على وجوب ثبات الواحد المسلم لرجلين من الكفار، وتحريم الفرار عليه منهما، سواء كان طالباً لهما أو مطلوباً لهما، وسواءً وقع وهو واقف في الصف مع العسكر أو لم يكن هناك عسكرُ، لكن المنفرد لو طلباه وهو على غير أهبة جاز له التولي عنهما جزماً، كان طلبهما فهو يحرم؟ (¬1) على ظاهر تفسير [318/ ب] ابن عباس. قوله: "نقص عنهم من الصبر". أقول: هذا لفظ البخاري، وعند الإسماعيلي (¬2) "من النصر" قال الحافظ (¬3): وهذا قاله ابن عباس توقيفاً، ويحتمل أن يكون قاله بطريق الاستقراء. 10 - وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَمْ تَحِلَّ الْغَنَائِمُ لأَحَدٍ سُودِ الرُّءُوسِ مِنْ قَبْلِكُمْ، إِنَّمَا كَانَتْ تَنْزِلُ نَارٌ مِنَ السَّمَاءِ فَتَأْكُلُهَا". فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ وَقَعُوا فِي الْغَنَائِمِ قَبْلَ أَنْ تَحِلَّ، فَأَنْزَلَ الله تَعَالَى: {لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (68)} أخرجه الترمذي (¬4) وصححه. [صحيح] قوله: "في حديث أبي هريرة: سود الرؤوس من قبل". هو حكاية للواقع لا قيد لمن تحلّ له، وهذه الخصيصة إحدى الخمس التي أحلت له - صلى الله عليه وسلم -: "وأحلت لي الغنائم"، في حديث (¬5): "أعطيت خمساً" أخرجه الترمذي. ¬

_ (¬1) كذا في المخطوط، ولعل العبارة اعتراها نقص، وهي في الفتح (8/ 313): وجهان أصحهما عند المتأخرين لا، لكن ظاهر هذه الآثار المتضافرة عن ابن عباس يأباه، وهو ترجمان القرآن، وأعرف الناس بالمراد ... (¬2) ذكره الحافظ في "الفتح" (8/ 313). (¬3) في "الفتح" (8/ 313). (¬4) في "السنن" رقم (3085) وهو حديث صحيح. (¬5) أخرجه البخاري رقم (335 و438) ومسلم رقم (521) من حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنه -.

وقال (¬1): حسن صحيح، وهذا إحدى الروايات في سبب نزول الآية، والمشهور أنها في أخذ الفداء من الأسارى، كما تفيده رواية ابن عمر الآتية. قوله في حديث أبي هريرة: "فتأكلها". أقول: لفظ الترمذي (¬2) بعد تأكلها: قال سليمان الأعمش: فمن يقول هذا إلا أبو هريرة الآن، فلما كان الحديث وسليمان الأعمش أحد رواته، وهكذا ساقه ابن الأثير (¬3) فحذفه المصنف. أعني قول سليمان الأعمش. قوله: "وصححه". قلت (¬4): قال: هذا حديث حسن صحيح. 11 - وَعَن عُمَرُ - رضي الله عنه - قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ وَأَخَذَ - يَعْنِي النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - الْفِدَاءَ، فَأَنْزَلَ الله - عزوجل -: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا} إِلَى قَوْلِهِ: {لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ} مِنَ الْفِدَاءِ: {عَذَاب عَظِيمٌ (7)} ثُمَّ أَحَلَّ لَهُمُ الله الْغَنَائِمَ. أخرجه أبو داود (¬5). [صحيح] ¬

_ (¬1) في "السنن" (5/ 272). (¬2) في "السنن" (5/ 271 - 272). (¬3) في "جامع الأصول" (2/ 149). (¬4) في "السنن" (5/ 272). وقد أخرج البخاري في "صحيحه" رقم (3124، 5157) ومسلم رقم (1747) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "غزا نبيٌّ من الأنبياء فقال لقومه: لا يتبعني رجل ملك بضع امرأة وهو يريد أن يبني بها ولما يبن بها، ولا أحد بنى بيوتاً ولم يرفع سقوفها .... حتى فتح الله عليه فجمع الغنائم ... فجاءت النَّار فأكلتها، ثم أحل الله لنا الغنائم رأى ضعفنا وعجزنا، فأحلها لنا". (¬5) في "السنن" رقم (2690). =

قوله في حديث عمر: "حتى يثخن في الأرض". أقول: أي: يكثر القتل ويبالغ فيه من أثخنه (¬1) المرض إذا أثقله. وأخرج أحمد (¬2) عن أنس قال: "استشار النبي - صلى الله عليه وسلم - الناس في الأسرى يوم بدر فقال: "إن الله قد أمكنكم منهم، فقام عمر بن الخطاب فقال: يا رَسُولُ الله! اضرب أعناقهم، فأعرض عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم قال: يا أيها الناس! إن الله قد أمكنكم منهم، وإنما هم إخوانكم بالأمس، فقام عمر فقال: يا رَسُولُ الله! اضرب أعناقهم، فأعرض عنه النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم عاد فقال مثل ذلك، فقام أبو بكر فقال: يا رسول الله! [نرى] (¬3) أن تعفو عنهم، وتقبل منهم الفداء، فعفا عنهم وقبل منهم الفداء، فأنزل الله: {لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ} ". وأخرج أبو نعيم في "الحلية (¬4) " من طريق مجاهد، عن ابن عمر، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما أسر الأسرى يوم بدر استشار أبو بكر فقال: قومك وعشيرتك، فخل سبيلهم، فاستشار عمر [319/ ب] فقال: اقتلهم، ففاداهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأنزل الله: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى} الآية، فلقي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمر فقال: "كاد أن يصيبنا في خلافك شر". وأخرج ابن جرير (¬5)، وابن أبي حاتم (¬6). ¬

_ = قلت: وأخرجه مسلم في صحيحه (1763). وهو حديث صحيح. (¬1) قاله ابن الأثير في "جامع الأصول" (2/ 150). (¬2) في "المسند" (3/ 243) وهو حديث حسن لغيره. (¬3) زيادة من (ب). (¬4) (4/ 207، 208). وانظر "جامع البيان" (11/ 247 - 278). (¬5) في "جامع البيان" (11/ 272). (¬6) في تفسيره (5/ 1732).

والنحاس (¬1)، وابن مردويه (¬2)، والبيهقي (¬3) [في ناسخه] (¬4) عن ابن عباس في قوله تعالى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى} قال: ذلك يوم بدر والمسلمون يومئذٍ قليل، فلما كثروا واشتد سلطانهم أنزل الله بعد هذا في الأسارى: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} فجعل الله النبي - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين في أمر الأسارى بالخيار، إن شاءوا قتلوا، وإن شاءوا استعبدوهم، وإن شاءوا فادوهم. 12 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا} وقوله: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا} قَالَ: كَانَ الأَعْرَابِيُّ لاَ يَرِثُ الْمُهَاجِرَ، وَلاَ يَرِثُهُ الْمُهَاجِرُ، فَنُسِخَتْ فَقَالَ: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ}. أخرجه أبو داود (¬5). [حسن] قوله في حديث ابن عباس: "كان الأعرابي لا يرث المهاجر". أقول: الأعراب سكان البادية (¬6)، وقالوا في النسبة إليه: أعرابي، على لفظه إذْ لو ردوه إلى مفرده على القاعدة التصريفية لقالوا عربي، لكنه يلتبس بمن ينسب إلى الحضارة، إذ عربي يعم الحاضر والبادي. ¬

_ (¬1) في ناسخه (ص 472). (¬2) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (4/ 108). (¬3) في "السنن الكبرى" (6/ 321 - 322). (¬4) كذا في المخطوط وهو خطأ. انظر "الدر المنثور" (4/ 108). (¬5) في "السنن" رقم (2924) وهو حديث حسن. (¬6) قال ابن الأثير في "النهاية" (2/ 178) والأعراب ساكنو البادية من العرب الذين لا يقيمون في الأمصار يدخلونها إلا لحاجة، والعرب اسم لهذا الجيل المعروف من الناس، ولا واحد له من لفظه، وسواء أقام بالبادية أو المدن، والنسب إليهما أعرابي وعربي. انظر "غريب الحديث" للخطابي (2/ 99).

(سورة براءة)

وأخرج الطيالسي (¬1)، والطبراني (¬2)، وأبو الشيخ (3)، وابن مردويه (¬3)، عن ابن عباس قال: "آخى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أصحابه، وورث بعضهم من بعض، حتى نزلت: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} وتوارثوا بالنسب". وأخرج ابن أبي حاتم (¬4)، عن سعيد بن جبير في قوله: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ} الآية، قال: نسخت هذه الآية ما كان قبلها من مواريث العقد والحلف والمواريث بالهجرة، وصارت لذوي الأرحام [83/ أ]. وأما حديث ابن عباس، فإنه أفاد أنه كان لا توارث بين الأعرابي والمهاجر، وهي غير هذه الصور فإنها صورة خاصة، وهي أن سكان البادية لا يرثون المهاجر [320/ ب]. (سورة براءة) 1 - عَن ابْنُ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: قُلْتُ لِعُثْمَانَ - رضي الله عنه -: مَا حَمَلَكُمْ عَلَى أَنْ عَمَدْتُمْ إِلَى "الأَنْفَالِ" وَهِيَ مِنَ الْمَثَانِي، وَإِلَى بَرَاءَةٌ وَهِيَ مِنَ الْمِئِينَ فَقَرَنْتُمْ بَيْنَهُمَا، وَلَمْ تَكْتُبُوا: بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَوَضَعْتُمُوهَا فِي السَّبْعِ الطِّوَالِ؟ مَا حَمَلَكُمْ عَلَى ذَلِكَ؟ قَالَ عُثْمَانُ: كَانَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - مِمَّا يَأْتِي عَلَيْهِ الزَّمَانُ وَهُوَ يَنْزِلَ عَلَيْهِ مِنَ السُّوَرِ ذَوَاتِ الْعَدَدِ، وَكَانَ إِذَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ شَيءٌ دَعَا بَعْضَ مَنْ كَانَ يَكْتُبُ فَيَقُولُ: "ضَعُوا هَذِهِ الآيَاتِ فِي السُّورَةِ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا كَذَا وَكَذَا" فَإِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ الآيَةُ فَيَقُولُ: ضَعُوا هَذهِ هَؤُلَاءِ الآيةِ فِي السُّورَةِ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا كَذَا وَكَذَا". وَكَانَتِ الأَنْفَالُ مِنْ أَوَائِلِ مَا أُنْزِلَ بِالْمَدِينَةِ، وَكَانَتْ بَرَاءَةٌ مِنْ آخِرِ الْقُرْآنِ نُزُولَاً، وَكَانَتْ ¬

_ (¬1) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (4/ 118). (¬2) في "المعجم الكبير" رقم (11748) وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (7/ 28) ورجاله رجال الصحيح. (¬3) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (4/ 118). (¬4) في تفسيره (5/ 1743 رقم 9208).

قِصَّتُهَا شَبِيهَةٍ بِقِصَّتِهَا، فَظَنَنْت أَنَّهَا مِنْهَا، فَقُبِضَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وَلَمْ يُبَيِّنْ لَنَا أَنَّهَا مِنْهَا، فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ قَرَنْتُ بَيْنَهُمَا، وَلَمْ أَكْتُبْ سَطْراً بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَوَضَعْتُهاَ فِي السَّبْعِ الطِّوَالِ. أخرجه أبو داود (¬1) والترمذي (¬2)، ولم يذكر أبو داود: فَظَنَنْت أَنَّهَا مِنْهَا. [ضعيف] قوله: "وهي من المثاني". أقول: قسموا (¬3) القرآن إلى طول ومثاني ومئين ومفصل، فالطول سبع من البقرة إلى آخر براءة، ثم المئين، وهي للسورة التي فيها المائة ونحوها، ثم المثاني سميت بذلك؛ لأنها ثنت المائين، أي: أتت بعدها، فالأنفال منها؛ لأنها سبع وسبعون آية، والمفصل من سورة القتال أو الحجرات أوقاف إلى آخره، وسؤال ابن عباس اشتمل على ثلاثة أشياء الأول: تقديم الأنفال على براءة، والثاني: لم قرن بينهما، والثالث: لِم لم يكتب البسملة بينهما. الرابع: لم وصفوها في سبع الطوال. قوله: "في السبع الطول". لفظ الترمذي (¬4) في سبع الطِّول، وهو الأولى على غير رأي الكوفيين. قول عثمان: "كان رسول الله". أقول: الأمران اللذان ذكرهما عثمان يشعرا إنما الفرق بينهما أنها تنزل الآيات فيأمر بوضعها [في السورة] (¬5) أو الآية الواحدة، فكذلك، إلا أن قوله السور ذوات العدد يشعر بأنها تنزل السورة جميعها، فيقال ضعوها في السورة، وهذا لا يتم؛ لأن كل سورة منفصلة عن ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (786) و (787). (¬2) في "السنن" رقم (3086). وهو حديث ضعيف. (¬3) انظر: "الإتقان" (1/ 61 - 62). (¬4) في "السنن" (5/ 272 رقم 3086). (¬5) زيادة من (ب).

الأخرى، فكأنه على حذف مضاف، أي: ضعوها بجنب السورة التي يذكر فيها، وأما الآية الواحدة فيأمر بوضعها في السورة الفلانية. وفيه (¬1) دليل [321/ ب] على أن ترتيب الآيات غير توقيفي (¬2) لقوله: ضعوها في السورة، ولم يبين موضع وضعها. قوله: "فظننت أنها منها" هو رد لقول ابن عباس أنها من المثاني وغيره من الأسئلة؛ لأنها مبنية على أن الأنفال سورة مستقلة، وعثمان أجاب بأنه ظنها بعضاً من براءة. ¬

_ (¬1) وهو حديث ضعيف لا تقوم به الحجة التي ذهب إليها ابن الأمير، بل ترتيب الآيات توقيفي. (¬2) قال السيوطي في "الإتقان" (1/ 60) الإجماع والنصوص المترادفة على أن ترتيب الآيات توقيفي لا شبهة في ذلك، أما الإجماع فنقله غير واحد منهم الزركشي في "البرهان" - (1/ 353) وأبو جعفر بن الزبير في "مناسباته" وعبارته ترتيب الآيات في سورها واقع بتوقيفه - صلى الله عليه وسلم -، وأمره من غير خلاف في هذا بين المسلمين، وقال الزرقاني في "مناهل العرفان" (1/ 346) انعقد إجماع الأمة على أن ترتيب آيات القرآن الكريم على هذا النمط الذي نراه اليوم بالمصاحف، كان بتوقيف من النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الله تعالى، وأنه لا مجال للرأي والاجتهاد فيه، بل كان جبريل ينزل بالآيات على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويرشده إلى موضع كل آية من سورتها، ثم يقرؤها النبي - صلى الله عليه وسلم - على أصحابه، ويأمر كتاب الوحي بكتابتها معينا لهم السورة التي تكون فيها الآية وموضع الآية من هذه السورة وكان يتلوه عليهم مراراً وتكراراً في صلاته وعظاته وفي حكمه وأحكامه, وكان يعارض جبريل كل عام مرة، وعارضه به في العام الأخير مرتين، كل ذلك كان على الترتيب المعروف لنا في المصاحف، وكذلك كان كل من حفظ القرآن أو شيئاً منه من الصحابة حفظه الآيات على هذا النمط، وشاع ذلك وذاع وملأ البقاع والأسماع يتدارسونه فيما بينهم، ويقرؤونه في صلاتهم، ويأخذه بعضهم عن بعض، ويسمعه بعضه من بعض، بالترتيب القائم الآن، فليس لواحدٍ من الصحابة والخلفاء الراشدين يد ولا تصرف في ترتيب شيء من آيات القرآن الكريم، بل الجمع الذي كان على عهد أبي بكر لم يتجاوز نقل القرآن من العسب واللخاف وغيرها في صحف, والجمع الذي كان على عهد عثمان لم يتجاوز نقله من الصحف في مصاحف، وكلا هذين كان وفق الترتيب المخطوط المستفيض عن النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الله تعالى، أجل انعقد الإجماع على ذلك تاماً لا ريب فيه.

قوله: "من آخر القرآن نزولاً". أقول: قال الحافظ في "الفتح (¬1) ": المراد بعضها أو معظمها، وإلا ففيها آيات كثيرة قبل سنة الوفاة النبوية، وأوضح من ذلك أن أول براءة نزلت عند فتح مكة في سنة تسع عام حج أبي بكر، وقد نزلت: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} وهي في سورة المائدة سنة عشر في حجة الوداع، فالظاهر أن المراد معظمها ولا شك أن غالبها نزل في غزوة تبوك، وهي آخر غزوات النبي - صلى الله عليه وسلم -، وسيأتي في تفسير: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1)} أنها آخر سورة نزلت، واذكر الجمع هناك. انتهى. قوله: "ووضعتها في السبع الطوال". أقول: عبارة (¬2) الترمذي بحذف (¬3) لام السبع كما تقدم، وفيه دليل أنه اجتهاد من عثمان وظن، وأن ترتيب بعض السور غير توقيفي. قوله: "أخرجه الترمذي". قلت: وقال (¬4): هذا حديث حسن لا نعرفه إلا من حديث عوف عن يزيد الفارسي، عن ابن عباس، ويزيد الفارسي هو من التابعين من أهل البصرة، ويزيد بن أبان الرقاشي من أهل البصرة، هو أصغر من يزيد الفارسي، ويزيد الرقاشي إنما يروي عن أنس. انتهى. 2 - وَعَنْ ابْنِ جُبَيْرٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قُلْتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - سُورَةُ التَّوْبَةِ؟ قَالَ: [بَلْ] (¬5) هِيَ الْفَاضِحَةُ مَا زَالَتْ تَنْزِلُ وَمِنْهُمْ وَمِنْهُمْ، حَتَّى ظَنُّوا أَنْ لاَ يَبْقَى مِنَّا أَحَدٌ إِلاَّ ذُكِرَ فِيهَا. قَالَ ¬

_ (¬1) (8/ 316 - 317). (¬2) في "السنن" (5/ 272 رقم 3086). (¬3) وليس فيه ما أشار إليه ابن الأمير. (¬4) في "السنن" (5/ 273). (¬5) سقط من المخطوط.

قُلْتُ سُورَةُ الأَنْفَالِ؟ قَالَ: نَزَلَتْ فِي بَدْرٍ. قَالَ: قُلْتُ فَالْحَشْرُ؟ قَالَ: نَزَلَتْ فِي بَنِي النَّضِيرِ. أخرجه الشيخان (¬1). [صحيح] 3 - وفي أخرى (¬2) قال: قُلْتُ سُوْرَةُ الْحَشْرُ؟ قَالَ: بَلْ سُوْرةُ النَّضِيرِ. [صحيح] قوله: "وعن ابن جبير". أقول: أي: سعيد التابعي المعروف. وقوله: "سورة التوبة (¬3) " سميت بذلك لذكر الله تعالى فيها توبته على النبي والمهاجرين والأنصار، والثلاثة الذين خلفوا، وهي تسمى به. فقول ابن عباس: "بل هي الفاضحة (¬4) " بيان لاسم ثان لها، وفي كلام ابن عباس دليل على أن أسماء [322/ ب] السور ليس (¬5) بتوقيف إذ لو كانت أسمائها [توقيفية] (¬6) لما جاز أن يعدل عن اسم سماها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - به إلى غيره كما لا يخفى. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (4882) ومسلم رقم (3031). (¬2) أخرجها البخاري في صحيحه رقم (4883). (¬3) اشتهرت هذه السورة باسم سورة التوبة وبذلك كتبت في أكثر المصاحف، وكتب التفسير والسنة، وقد وردت تسميتها في كلام الصحابة رضوان الله عليهم. وهي من الأسماء التوقيفية لهذه السورة. (¬4) وهي من الأسماء الاجتهادية لهذه السورة. انظر "الإتقان" (1/ 173). وقد وردت هذه التسمية في كتب التفسير: كتفسير الماوردي، والزمخشري، وابن عطية وابن الجوزي، والرازي، والقرطبي، والنسفي، والكلبي، والبيضاوي وغيرهم. (¬5) بل بعضها توقيفي مثل: التوبة براءة، وبعضها اجتهادي كالفاضحة، سورة العذاب، سورة المقشقشة، سورة البحوث، سورة المنفرة. (¬6) في الأصل بياض ولعلها ما أثبتناه.

وقال البيضاوي (¬1): لها أسماء وعدَّ لها ثلاثة عشر اسماً، أخّر منها المقشقشة [البحوث] (¬2) والمبعثرة، والمبيرة، والحاضرة، والمنكلة، والمخزية، والفاضحة، والمدمدمة، والمشردة، وسورة العذاب، فالقشقشه من النفاق، وهو التبري منه والبحث عن أحوال المنافقين وإثارتها، والحفر عنها، وما يخزيهم ويفضحهم وينكلهم ويشردهم ويدمدم عليهم. انتهى. قلت: تعدد هذه الأسماء يشعرك أن أسماء (¬3) السور ليست كلها توقيفية. 4 - وَعَن أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ أَبَا بَكْر - رضي الله عنه -: بعثه في الْحَجَّةِ الَّتِي أَمَّرَهُ عَلَيْهَا رَسُوْلُ الله - صلى الله عليه وسلم - قَبْلَ حِجَّةِ الْوَدَاعِ فِي رَهْطٍ يُؤَذَّنُونَ فِي النَّاسِ يَوْمَ النَّحْرِ: أَنْ لاَ يَحُجَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، ¬

_ (¬1) في تفسيره (1/ 394). (¬2) في (ب) والمبحوثة. (¬3) قال السيوطي في "الإتقان" (1/ 166) وقد ثبت أن جميع أسماء السور بالتوقيف من الأحاديث والآثار، ولولا خشية الإطالة لبينت ذلك. وقال الزركشي في "البرهان" (1/ 270): ينبغي البحث عن تعداد الأسامي، هل هو توقيفي أو بما يظهر من المناسبات؟ فإن كان الثاني فلن يعدم الفطن أن يستخرج من كل سورة معاني كثيرة تقتضي اشتقاق أسمائها وهو بعيد. فالزركشي يرى ومن خلال النص المتقدم أن أسماء السور توقيفية حتى لو تعددت أسماؤها، بينما يرى السيوطي أن الاسم الذي عرفت واشتهرت به السورة هو المراد بالتوقيف من النبي - صلى الله عليه وسلم - أما بقية الأسماء، فقد ورد تسميتها عن بعض الصحابة. انظر "التحبير في علم التفسير" (ص 369) "الجامع لأحكام القرآن" (3/ 375) "الاتقان" (1/ 172 - 173).

وَلاَ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ، ثُمَّ أَرْدَفَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بَعَلِيٍّ بن أَبِي طَالِبٍ - رضي الله عنه - فَأَمَرَهُ أَنْ يُؤَذِّنَ بِبراءَةَ فَأَذَّنَ مَعَنَا عَلِيٌّ فِي أَهْلِ مِنًى بِبَرَاءةَ، أَنْ لاَ يَحُجُّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ, وَلاَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ (¬1). 5 - وفي رواية (¬2): "وَيَوْمُ الْحَجِّ الأَكبَرِ يَوْمُ النَّحْرِ، وَالْحَجُّ الأَكبَرُ الْحَجُّ، [وَإِنَّمَا قِيلَ: الْحَجُّ الأَكبَرُ مِنْ أَجْلِ قَوْلِ النَّاسِ: الْعُمْرَةُ الْحَجُّ الأَصْغَرُ. قَالَ: فَنبَذَ أَبُو بَكْرٍ - رضي الله عنه - إِلَى النَّاسِ فِي ذَلِكَ الْعَامِ فَلَمْ يَحُجَّ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ الَّذِي حَجَّ فِيهِ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - حَجَّةَ الْوَدَاعِ مُشْرِكٌ, فَأنْزَلَ الله تَعَالَى فِي الْعَامِ الَّذِي نبَذَ فِيهِ أَبُو بَكْرٍ إِلَى الْمُشْرِكِينَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إنَّما الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ] (¬3) [فَلا يَقْرُبوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهم هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ الله مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ)) الآيَة, وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يُوَافُونَ بِالتِّجَارَةِ فَيَنْتَفِعُ بِهَا الْمُسْلِمُونَ، فَلَمَّا حَرَّمَ الله تَعَالَى عَلى الْمُشْرِكِينَ أَنْ يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَجَدَ الْمُسْلِمُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مِمَّا قُطِعَ عَلَيْهِمْ مِنَ التِّجَارَةِ الَّتِي كَانَ الْمُشْرِكُونَ يُوَافُونَ بِهَا، فَقَالَ الله تَعَالَى: (وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ الله مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ)) ثُمَّ أَحَلَّ فِي الآيَةِ الَّتِي تَتْبَعُهَا الْجِزْيَةَ وَلَمْ تَكُنْ تُؤْخَذُ قَبْلَ ذَلِكَ فَجَعَلَهَا عِوَضًا مِمَّا مَنَعَهُمْ مِنْ مُوَافَاةِ الْمُشْرِكِينَ بِالتِّجَارَةِ. فَقَالَ الله - عزوجل -: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ} الآيَةَ, فَلَمَّا أَحَلَّ الله ذَلِكَ لِلْمُسْلِمِينَ عَلِمُوا أَنْ قَدْ ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (369، 1622، 3177، 4363، 4655، 4656، 4657) ومسلم في "صحيحه" رقم (435/ 1347) والنسائي رقم (2957، 2958). (¬2) أخرجها أبو داود في "السنن" رقم (1946). وأخرجه البخاري رقم (3177) ومسلم رقم (1347) والنسائي رقم (2957) و (2958). (¬3) ما بين الحاصرتين ليست في البخاري ومسلم، وإنما ذكرها السيوطي في "الدر المنثور" (4/ 127) ونسبها إلى البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن مردويه, من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.

عَاضَهُمْ أَكْثَرَ مِمَّا خَافُوا، وَوَجَدُوا عَلَيْهِ مِمَّا كَانَ الْمُشْرِكُونَ يُوَافُونَ بِهِ مِنَ التِّجَارَةِ] (¬1) ". أخرجه الخمسة إلا الترمذي. 6 - وَفِي أُخْرَى للنِّسَائِي (¬2) - رحمه الله -: قَالَ أَبو هُرَيْرَة - رضي الله عنه -: "جِئْتُ مَعَ عِليِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رضي الله عنه - حِينَ بَعَثَهُ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ بِبرَاءَةَ قِيلَ مَا كُنْتُمْ تُنَادُونَ؟ قَالَ: كُنَّا نُنَادِي: إِنَّهُ لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلاَّ نَفْسٌ مُؤْمِنةٌ, وَلاَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ، وَمَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - عَهْدٌ فَأَجَلُهُ أَوْ أَمَدُهُ إِلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِذَا مَضَتِ الأَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَإِنَّ الله بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكينَ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَحُجُّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ. فَكُنْتُ أُنَادِي حَتَّى صَحِلَ صَوْتِي أَيْ بُحَّ". [صحيح] قوله: "بأن أبا بكر بعثه". أقول: قال الطحاوي (¬3): هذا مشكل؛ لأن علياً - عليه السلام - هو المأمور بالتأذين، فكيف يبعث أبو بكر أبا هريرة. وأجيب بأن أبا بكر كان أمير الناس في هذه الحجة، وعلي له التأذين خاصة ولم يطقه وحده، واحتاج إلى من يعينه على ذلك، فأرسل معه أبو بكر أبا هريرة وغيره ليساعدوه. قوله: "يؤذنون". أقول: التأذين: الإعلام، وقد سمي ممن كان مع أبي بكر في تلك الحجة سعد بن أبي وقاص وجابر. ¬

_ (¬1) هذا الجزء من الحديث، أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (6/ 1777 رقم 10020) وعزاه السيوطي في "الدر المنثور" (4/ 167) لابن أبي حاتم، وابن مردويه من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -. (¬2) في "السنن" رقم (2958) وهو حديث صحيح. قلت: وأخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (11/ 313 - 314) وأحمد في "المسند" (13، 356). (¬3) ذكره الحافظ في "الفتح" (8/ 225).

قوله: "ولا يطوف بالبيت عريان". أقول: قال الحافظ في "الفتح (¬1) ": روى سعيد بن منصور (¬2)، والترمذي (¬3)، والنسائي (¬4)، والطبري (¬5)، من طريق أبي إسحاق، عن زيد بن يثيع قال: سألت علياً بأي شيء بعثت؟ قال: بأنه لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة، ولا يطوف بالبيت عريان، ولا يجتمع مسلم ومشرك في الحج بعد عامهم هذا، ومن كان له عهد فعهده إلى مدته، ومن لم يكن له عهد فأربعة أشهر. انتهى. وظاهره أنه كان [323/ ب] يؤذن بهذه الكلمات ويأتي بعضها في الحديث قريباً. قوله: "ثم أردف النبي - صلى الله عليه وسلم - بعلي بن أبي طالب". أقول: قال العلماء (¬6): الحكمة في ذلك - أي: في تخصيص علي بالأذان - أن عادة العرب جرت أن لا ينقض العهد إلا من عقده، أو من هو منه بسبيل من أهل بيته، فأجراهم على عادتهم في ذلك. قوله: "ولا يحج بعد العام مشرك" [84/ أ]. أقول: قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} فالآية صريحة في منعهم عن دخول المسجد الحرام، ولو لم يقصدوا الحج، لكن ¬

_ (¬1) (8/ 319). (¬2) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (4/ 125). (¬3) في "السنن" رقم (871، 3092). (¬4) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (4/ 125). (¬5) في "جامع البيان" (11/ 315) وهو حديث صحيح. (¬6) ذكره الحافظ في "فتح الباري" (8/ 321).

لما كان الحج هو المقصود الأعظم صرح لهم بالمنع منه، فيكون ما وراءه بالأولى في المنع، والمراد بالمسجد الحرام هنا الحرم كله. قوله: "وكان المشركون يوافون بالتجارة". أقول: أي يأتون بها إلى مكة، إذ هي بلدة رزقها مجلوب من غيرها كما قال الخليل: {إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ} (¬1). وانقطاع المشركين عنهم سبب خوفهم العيلة، فوعدهم الله بالغنى من فضله إن شاء. [324/ ب]. وقوله: "وفي رواية: يوم الحج الأكبر يوم النحر". قال الحافظ في "الفتح (¬2) ": قوله: "ويوم الحج الأكبر يوم النحر" هو قول حميد بن عبد الرحمن، استنبطه من قول الله: {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ} ومن مناداة أبي هريرة بذلك بأمر أبي بكر يوم النحر، فدل على أن المراد بيوم الحج الأكبر يوم النحر، ورواية شعيب توهم أن ذلك فيما نادى به أبو هريرة، وليس كذلك، فقد تظافرت الروايات عن أبي هريرة بأن الذي كان ينادي به هو ومن معه من قبل أبي بكر شيئان: منع حج المشركين، ومنع طواف العريان، وأن علياً أيضاً كان ينادي بهما، وكان يزيد: من كان له عهد فعهده إلى مدته، وأنه لا يدخل الجنة إلا مسلم. قوله: "وإنما قيل: الحج الأكبر ... " إلى آخره. ¬

_ (¬1) سورة إبراهيم الآية 37. (¬2) (8/ 321).

أقول: في حديث ابن عمر عند أبي داود (¬1) رفعه وأصله في الصحيح (¬2)، أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "أي يوم هذا؟ " قالوا: هذا يوم النحر. قال: "هذا يوم الحج الأكبر". قوله: "من أجل قول الناس: العمرة الحج الأصغر". أقول: في "الفتح (¬3) ": واختلف في المراد بالحج الأصغر، فالجمهور على أنه العمرة، وجعله الطبري (¬4) عن جماعة من التابعين. [325/ ب]. وعن مجاهد (¬5): الحج الأكبر القران، والأصغر الإفراد. وقيل (¬6): يوم الحج الأصغر يوم عرفة، ويوم الحج الأكبر يوم النحر، وذكر أقوالاً أخر. قوله: "فنبذ أبو بكر". أقول: قال الحافظ (¬7): هو مرسل من قول حميد بن عبد الرحمن، والمراد أن أبا بكر أفصح لهم بذلك. قوله: "حين بعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ببراءة". ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (1945) وهو حديث صحيح. (¬2) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (1742) معلقاً. قلت: وأخرجه ابن ماجه رقم (3058) وابن أبي حاتم في تفسيره (6/ 1748 رقم 9227). (¬3) (8/ 321). (¬4) في "جامع البيان" (11/ 338 - 340). (¬5) أخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (11/ 338). (¬6) انظر "معالم التنزيل" (4/ 12 - 14). "جامع البيان" (11/ 235 - 237). (¬7) في "الفتح" (8/ 321).

أقول: قال الحافظ (¬1): فيه تجوز؛ لأنه أمر أن يؤذن ببضع وثلاثين آية منها منتهاها عند قوله تعالى: {وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33)}، ثم ساق روايات منها: "أنه - صلى الله عليه وسلم - بعثه بثلاثين أو أربعين (¬2) " وفيها عن علي - عليه السلام - روايتان أنه بعثه بأربعين (¬3) آية. قوله: "فأجله أو أمده". أقول: شك من الراوي واستدل بهذا على أن قوله تعالى: {فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} مختص بمن لم يكن له عهداً أصلاً، وأما من له عهد مؤقت فهو إلى مدته، وظاهره، ولو كانت زائدة على أربعة أشهر، وقد روى الطبري (¬4) عن أبي إسحاق أنهم صنفان: صنف: كان له عهد دون أربعة أشهر، فأمهل تمام أربعة. وصنف: كانت مدة عهده بغير أجل، فقصرت على أربعة أشهر. وروي أيضاً عن ابن عباس (¬5): أن الأربعة الأشهر أجل من كان له عهد مؤقت وقدره يزيد عليها، وأن من ليس له عهد فانقضاؤه في سلخ المحرم، لقوله: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} الآية، والأربعة الأشهر: شوال، وذو القعدة، وذو الحجة، ومحرم؛ لأنها نزلت في شوال. ¬

_ (¬1) (8/ 319). (¬2) أخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (11/ 309). (¬3) أخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (1/ 321 - 322). (¬4) في "جامع البيان" (11/ 304 - 305). (¬5) أخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (11/ 306 - 307).

وقيل (¬1): هي عشرون من ذي الحجة ومحرم، وصفر، وربيع الأول، وعشر من ربيع الآخر؛ لأن التبليغ كان في يوم النحر قام علي - عليه السلام - عند [327/ ب] جمرة العقبة فقال: أيها الناس! إني رسول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليكم. قالوا: بماذا؛ فقرأ عليهم ثلاثين أو أربعين آية، أي: من أول براءة ثم قال: أمرت بأربع: أن لا يقرب البيت بعد هذا العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ولا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة، وأن يتم إلى كل ذي عهد عهده. 7 - وَعَن (¬2) عَليّ بْن أَبِي طَالِبٍ - رضي الله عنه - قَالَ: "سَأَلْتُ رَسُوْلُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنْ يَوْمِ الْحَجِّ الأَكْبَرِ، فَقَالَ يَوْمُ النَّحْرِ" وروى (¬3) موقوفاً عليه وهو أصح. [صحيح] 8 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - وَقَفَ يَوْمَ النَّحْرِ بَيْنَ الْجَمَرَاتِ فِي الْحَجَّةِ الَّتِي حَجَّ فِيْهَا،. فَقَالَ: "أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ " فقَالُوا: يَوْمُ النَّحْرِ. فَقَالَ: "هَذَا يَوْمُ الْحَجِّ الأَكْبَرِ". أخرجه أبو داود (¬4). [صحيح] قوله في حديث ابن عمر: "أخرجه أبو داود". أقول: وقال المنذري (¬5): وأخرجه ابن ماجه (¬6) والبخاري (¬7) تعليقاً. ¬

_ (¬1) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (6/ 1746) وابن جرير في "جامع البيان" (11/ 308) عن السدي. وأخرجه عبد الرزاق في تفسيره (1/ 265) وابن جرير في "جامع البيان" (11/ 309) عن قتادة. (¬2) في "السنن" رقم (957، 3088) وهو حديث صحيح. (¬3) أخرجه الترمذي في "السنن" رقم (958 - 3089). (¬4) في "السنن" رقم (1945) وهو حديث صحيح. (¬5) في "المختصر" (2/ 406). (¬6) في "السنن" رقم (3058). (¬7) في "صحيحه" رقم (1742).

9 - وعن ابن أبي أوفى (¬1) - رضي الله عنه -: أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: يَوْمُ النَّحْرُ يَوْمُ الْحَجُّ الْأَكْبَرُ، يَوْمُ تُهْرَاقُ فِيْهِ الدِّمَاءُ، وَيُوضَعُ فِيْهِ الشَّعْرُ، وَيُقْضَى فيهِ التَّفَثُ، وَيَحِلُّ فِيْهِ الْحَرَامً. أخرجه رزين - رحمه الله -. "وَقَضَاءُ التّفَثِ (¬2) " هو إذهاب الشعر والدرن والوسخ. قوله في حديث ابن أبي أوفى: "أخرجه رزين". أقول: قد عرفناك ما في هذا غير مرة. وابن الأثير (¬3) بيض له على قاعدته وفي "الدر المنثور (¬4) " أنه أخرجه عبد الرزاق، (¬5) وسعيد (¬6) بن منصور، وابن أبي شيبة (¬7)، وابن جرير (¬8)، وأبو الشيخ (¬9)، إلا أنه ليس فيه "ويقضي فيه التفث". 10 - وَعَنْ جَابِرٍ - رضي الله عنه -: "أَنَّ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا رَجَعَ مِنْ عُمْرَةِ الْجِعِرَّانَةِ بَعَثَ أَبا بَكْرٍ - رضي الله عنه - عَلى الْحَجِّ فَأَقْبَلْنَا مَعَهُ حَتَّى إِذَا كَانَ بِالْعَرْجِ ثَوَّبَ بِالصُّبْحِ ثُمَّ اسْتَوَى لِيُكَبَّرَ فَسَمِعَ الرُّغْوَةَ خَلْفَ ظَهْرِهِ فَوَقَفَ عَلَى التَّكْبِيرِ فَقَالَ هَذِهِ رُغْوَةُ نَاقَةِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - الْجَدْعَاءِ؛ لَقَدْ بَدَا ¬

_ (¬1) انظر "جامع البيان" (11/ 325 - 326). (¬2) قال ابن الأثير في "النهاية" (1/ 191): التفث: هو ما يفعله المحرم بالحج إذا حلَّ كقص الشارب والأظفار، ونتف الإبط، وحلق العانة وقيل: هو إذهاب الشعث والدرن والوسخ مطلقاً، وانظر "الفائق" للزمخشري (3/ 28). (¬3) في "جامع الأصول" (2/ 157). (¬4) (4/ 128). (¬5) في تفسيره (1/ 268). (¬6) في سننه (1007 - تفسير). (¬7) في مصنفه القسم الأول من الجزء الرابع (439 - 440). (¬8) في "جامع البيان" (11/ 327). (¬9) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (4/ 128).

لِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي الْحَجِّ فَلَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فَنُصَلّيَ مَعَهُ فَإِذَا عَليٌّ - رضي الله عنه - عَلَيْهَا - فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ - رضي الله عنه -: أَمِيرٌ أَمْ رَسُولٌ؟ فَقَالَ لاَ، بَلْ رَسُولٌ أَرْسَلني رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بِبَرَاءَةَ أَقْرَؤُهَا عَلَى النَّاسِ فِي مَوَاقِفِ الْحَجِّ؛ فَقَدِمْنَا مَكَّةَ, فَلَمَّا كَانَ قَبْلَ التَّرْوِيَةِ بِيَوْمٍ قَامَ أَبُو بَكْرٍ - رضي الله عنه -، فَخَطَبَ النَّاسَ فَحَدَّثَهُمْ كيْفَ يَنْفِرُونَ وَكَيْفَ يَرْمُونَ فَعَلّمَهُمْ مَنَاسِكِهِمْ حَتَّى إِذَا فَرَغَ قَامَ عَلِيٌّ كَرَّمَ الله وَجْهَهُ فَقَرَأَ عَلَى النَّاسِ بَرَاءَةَ حَتَّى خَتَمَهَا، ثُمَّ كَانَ يَوْمُ النَّحْر فَأَفَضْنَا فَلَمَّا رَجَعَ أَبُو بَكْرٍ خَطَبَ النَّاسَ فَحَدَّثَهُمْ عَنْ إِفَاضَتْهِمِ وَعَنْ نَحْرِهِمْ وَعَنْ مَنَاسِكِهِمْ، فَلَما فَرَغَ قَامَ عَلِيٌّ - رضي الله عنه - فَقَرَأَ عَلَى النَّاسِ بَرَاءَةَ حَتَّى خَتَمَهَا، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ النَّفْرِ الأَوَّلُ قَامَ أَبُو بَكْرٍ فَخَطَبَ النَّاسَ فَحَدَّثَهُمْ كَيْفَ يَنْفِرُونَ وَكيْفَ يَرْمُونَ فَعَلَّمَهُمْ مَنَاسِكَهُمْ فَلَّمَا فَرَغَ قَامَ عَليٌّ - رضي الله عنه - فَقَرَأَ بَرَاءةَ عَلَى النَاسِ حَتَّى خَتَمَهَا". أخرجه النسائي (¬1). [إسناده ضعيف] قوله في حديث جابر: "لما رجع من عمرة الجعرانة بعث أبا بكر". أقول: الجعرانة: بفتح الجيم، وقد تكسر العين وتشدد الراء [85/ أ] قال الشافعي (¬2): والتشديد خطأ موضع بين مكة والطائف سميت بريطة بنت سعد وكانت تلعب بالجعرانة، وهي المراد بقوله تعالى: {كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا} قاله [في] (¬3) القاموس (¬4). وقد اعتمر - صلى الله عليه وسلم - منها عند رجوعه من حرب هوازن والطائف، وذلك في شوال من عام الفتح في السنة الثامنة، إلا أنه قال الحافظ في "الفتح" (¬5): اتفقت الروايات أن حجة أبي بكر في التاسعة. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (2993) بإسناد ضعيف (¬2) انظر: "البيان" للعمراني (4/ 309 - 310). (¬3) زيادة يستلزمها السياق. (¬4) "القاموس المحيط" (ص 467). وانظر "النهاية في غريب الحديث" (1/ 269). (¬5) (8/ 322).

وقال ابن كثير (¬1): في هذه الرواية [327/ ب] يريد رواية (¬2) جابر: غير أنه من جهة أن الأمير عام الجعرانة كان عتاب بن أسيد، وأما حجة أبي بكر فكانت في التاسعة. قال ابن حجر (¬3): يمكن رفع الإشكال بأن المراد بقوله: "ثم أمر أبا بكر" أي: بعد أن رجع إلى المدينة وطوى ذكر من ولي الحج لسنة ثمان، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما رجع من العمرة إلى الجعرانة توجه هو ومن معه إلى المدينة, إلى أن جاء أوان الحج، فأمر أبا بكر على الحج وذلك سنة تسع، وليس المراد أنه أمر أبا بكر أن يحج في السنة التي كانت فيها عمرة الجعرانة. قوله: "بالعرج (¬4) ". أقول:- بفتح العين المهملة وسكون الراء - منزل بطريق مكة منه عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان العرجي الشاعر. قوله: "ثوب بالصبح". ¬

_ (¬1) في تفسيره (7/ 139) حيث قال: وقال عبد الرزاق بن معمر عن الزهري، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - في قوله {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} قال: لما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - زمن حنين اعتمر من الجعرانة ثم أمر أبا بكر أن يؤذن ببراءة في حجة أبي بكر، قال أبو هريرة: ثم اتبعنا النبي - صلى الله عليه وسلم - علياً وأقره أن يؤذن ببراءة، وأبو بكر على الموسم كما هو أو قال: على هيئته. ثم قال ابن كثير: وهذا السياق فيه غرابة من جهة أن أمير الحج كان سنة عمرة الجعرانة إنما هو عتاب بن أسيد، فأما أبو بكر إنما كان أميراً سنة تسع. (¬2) بل من رواية أبي هريرة - رضي الله عنه -، انظر ما تقدم، و"فتح الباري" (8/ 322). (¬3) في "الفتح" (8/ 322). (¬4) قاله ابن الأثير في "جامع الأصول" (2/ 158)، وانظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 179).

أقول: أي: أبو بكر، والمراد أقام الصلاة، وهو مغير صيغة أي: وقع التثويب بها ففي القاموس (¬1): التثويب: الدعاء إلى الصلاة أو تثنية الدعاء، أو أن يقول في صلاة الصبح: الصلاة خير من النوم مرتين، والإقامة والصلاة بعد الفريضة. انتهى. والقرينة هنا: أن أريد الإقامة قوله: ليكبر، أي: تكبيرة الإحرام. قوله: "الرغوة (¬2) ". أقول: مصدر رغا البعير صوت. قوله: "الجدعاء (¬3) ". أقول: بفتح الجيم وسكون الدال المهملة فعين كذلك هي المقطوعة الأذن، قيل: ولم تكن مقطوعة الأذن، وإنما كان هذا اسماً لها. قوله: "قبل التروية" هو الثامن من ذي الحجة، تقدم وجه تسميته بذلك. قوله: "فقرأ على الناس سورة براءة حتى ختمها". أقول: تقدم القدر [328/ ب] الذي قرأه من أوائلها، وفي مسند أحمد (¬4): "لما نزلت عشر آيات من براءة بعث بها النبي - صلى الله عليه وسلم - مع أبي بكر ليقرأها على أهل مكة" وقد قدمنا رواية ¬

_ (¬1) "القاموس المحيط" (ص 81). (¬2) انظر: "غريب الحديث" للخطابي (3/ 230) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 670). (¬3) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 242). (¬4) في "المسند" (1/ 151 - زوائد المسند). وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (7/ 29) وقال رواه عبد الله بن أحمد، وفيه محمد بن جابر السحيمي، وهو ضعيف وقد وثق.

انها ثلاثون آية أو أربعون، والمراد بختمها ختم الآيات التي أرسل بها، قال الحافظ (¬1): كان علي - عليه السلام - يقرأها في المواطن الثلاثة. 11 - وَعَنْ زَيْدُ بْنُ وَهْبٍ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ حُذَيْفَةَ - رضي الله عنه - فَقَالَ: مَا بَقِيَ مِنْ أَصْحَابِ هَذِهِ الآيَةِ يعني: {فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ (12)} إِلاَّ ثَلاَثَةٌ، وَمَا بَقِيَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ إِلاَّ أَرْبَعَةٌ. فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ إِنَّكُمْ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ تُخْبِرُونَا أَخْبَارَاً لاَ نَدْرِي مَا هِيَ، تَزْعُمُونَ أَنْ لَا مُنَافِقَ إلا أربعة، فَمَا بَالُ هَؤُلاَءِ الَّذِينَ يَبْقُرُونَ بُيُوتَنَا وَيَسْرِقُونَ أَعْلاَقَنَا؟ قَالَ: أُولَئِكَ الْفُسَّاقُ، أَجَلْ لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ إِلاَّ أَرْبَعَةٌ: أَحَدُهُمْ شَيْخٌ كَبِيرٌ لَوْ شَرِبَ الْمَاءَ الْبَارِدَ لمَا وَجَدَ بَرْدَهُ. أخرجه البخاري (¬2). [صحيح] "الْأَعْلَاقُ (¬3) " جمع عَلْقَ، وهو الشيء النفيس. قوله: "وعن زيد بن وهب ... قاتلوا أئمة الكفر". أقول: هم (¬4) رؤساؤه، وهم الذين نقضوا العهد وهموا بإخراج الرسول في قول ابن عباس (¬5): وهم أبو جهل، وأمية بن خلاف، وعتبة بن ربيعة، وأبو سفيان، وسهيل بن عمرو، والتخصيص لهم، لأنهم الذين كانوا يحرضون أصحابهم على البقاء على الكفر. ¬

_ (¬1) في "الفتح" (8/ 320). (¬2) في "صحيحه" رقم (4658). (¬3) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 248). (¬4) انظر: "جامع البيان" (11/ 363) تفسير ابن كثير (7/ 155). (¬5) انظر: "فتح الباري" (8/ 320) تفسير ابن كثير (11/ 363 - 364).

قال الحافظ في "الفتح (¬1) ": وتعقب بأن أبا جهل، وعتبة، وأمية، قتلوا ببدر، وإنما ينطبق تفسير الآية على ما أنزلت وهو هي، فيصح في أبي سفيان وسهيل بن عمرو وقد أسلما جميعاً. قوله: "إلا أربعة". أقول: قال الحافظ (¬2): لم أقف على تسميتهم. قوله: "فقال الأعرابي" كذلك قال (¬3): لم يقف على اسمه. قوله: "أصحاب محمد" بالنصب على أنه منادى (¬4). قوله: "ينقران". أقول: بموحدة، أي: ينقبون، قال الخطابي (¬5): وأكثر ما يكون النقر في الخشب والصخور يريد بالنون. قوله: "أعلاقنا". أقول: بالعين المهملة والقاف - أي: نفائس (¬6) أموالنا -. فأجاب عليه بأن هؤلاء ليسوا منافقين، بل يسمون فساقاً. قوله: "أحدهم شيخ كبير". ¬

_ (¬1) (8/ 333). (¬2) في "فتح الباري" (8/ 333). (¬3) أي: الحافظ ابن حجر في "الفتح" (8/ 333). (¬4) قال الحافظ في "الفتح" (8/ 333) بنصب أصحاب على النداء مع حذف الأداة أو هو بدل من الضمير في إنكم. (¬5) ذكره الحافظ في "الفتح" (8/ 333). (¬6) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 248).

أقول: قال الحافظ (¬1): لم أقف على تسميته لو شرب الماء البارد لما وجد برده أي لذهاب شهوته، وفساد معدته فلا يفرق بين الألوان والطعوم [329/ ب]. قوله: "عِلْق" بكسر العين المهملة وسكون اللام - الشيء النفيس (¬2). قلت: هو على ما ضبطناه. [و] (¬3) قال ابن التين (¬4): ووجدته [في بعض الروايات] (¬5) مضبوطاً بالغين المعجمة [ولا وجه له، انتهى، ووجدته في نسخة الدمياطي بخطه بالغين المعجمة أيضاً] (¬6). وذكره شيخنا ابن الملقن ويمكن توجيهه بأن الأغلاق جمع غلق بفتحتين وهو الباب الذي يغلق على البيت، ويفتح بالمفتاح، ويطلق الغلق على الحديدة التي تجعل في الباب ويعمل فيها القفل، فيكون قوله: (ويسرقون أغلاقنا) إما على الحقيقة فإنه إذا تمكن من سرقة الغلق توصل إلى فتح الباب، أو فيه مجاز الحذف. أي: يسرقون ما في أغلاقنا. 12 - وَعَن النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: "كنْتُ عِنْدَ مِنْبَرِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ رَجُلٌ: مَا أُبَالِي أَنْ لاَ أَعْمَلَ عَمَلاً بَعْدَ الإِسْلاَمِ إِلاَّ أَنْ أُسْقِيَ الْحَاجَّ. وَقَالَ آخَرُ: مَا أُبَالِي أَنْ لاَ أَعْمَلَ عَمَلاً بَعْدَ الإِسْلاَمِ إِلاَّ أَنْ أَعْمُرَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ. وَقَالَ آخَرُ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ الله أَفْضَلُ مِمَّا قُلْتُمْ. فَزَجَرَهُمْ عُمَرُ وَقَالَ: لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ عِنْدَ مِنْبَرِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، ولكنْ إِذَا صَلَّيْتُ الْجُمُعَةَ دَخَلْتُ فَاسْتَفْتَيْتُهُ فِيمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ، فَأَنْزَلَ الله - عز وجل - {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ ¬

_ (¬1) في "الفتح" (8/ 323 - 324). (¬2) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 248). (¬3) زيادة من (ب). (¬4) ذكره الحافظ في "الفتح" (8/ 333). (¬5) زيادة من (أ). (¬6) زيادة من (أ).

وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} الآيَةَ". أخرجه مسلم (¬1) [صحيح] قوله في حديث النعمان بن بشير: "فقال رجل: لا أبالي". أقول: هو العباس (¬2) بن عبد المطلب، والآخر: هو عثمان بن طلحة بن شيبة بن عثمان، والثالث: هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - عليه السلام -[86/ أ]. قوله: "سقاية الحاج". أقول: الراوية ما كانت من شيء يستقه الحاج من الزبيب المنبوذ في الماء، وكان العباس ابن عبد المطلب يليها في الجاهلية والإسلام، والآية حكمت لعلي - عليه السلام - بأفضلية الجهاد، وإن كان قوله: {لَا يَسْتَوُونَ} فيه احتمال لكن قرينة السياق تقضي بأفضلية الجهاد. 13 - وَعَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ - رضي الله عنه - قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَفِي عُنُقِي صَلِيبٌ مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ: "يَا عَدِيُّ! اطْرَحْ عَنْكَ هَذَا الْوَثَنَ"، وَسَمِعْتُهُ يَقْرَأُ: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} قَالَ: "إِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَعْبُدُونَهُمْ وَلكِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا أَحَلُّوا لَهُمْ شَيْئًا اسْتَحَلُّوهُ، وَإِذَا حَرَّمُوا عَلَيْهِمْ شَيْئًا حَرَّمُوهُ". أخرجه الترمذي (¬3). [حسن] ¬

_ (¬1) في صحيحه رقم (1879). قلت: وأخرجه أحمد (3/ 319) وابن جرير في "جامع البيان" (11/ 378) والطبراني في "الأوسط" رقم (423) وابن أبي حاتم في تفسره (6/ 1767) والواحدي في "أسباب النزول" (ص 182) والبيهقي في "السنن الكبرى" (9/ 158). (¬2) أخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (11/ 381) عن السدي. (¬3) في "السنن" (3095) وهو حديث حسن. قلت: وأخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (11/ 417).

قوله في حديث عدي: "الصليب" في القاموس (¬1): الصليب العلم والذي للنصارى. قوله: "كان إذا أحلوا لهم شيئاً [330/ ب] استحلوه". أقول: فسماهم تعالى أرباباً؛ لأن التحليل والتحريم من خواص الإله كما قال تعالى: {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ} (¬2) فجعل التحليل والتحريم افتراءً عليه من قائلهما. فإن قلت: قد يستنبط المجتهد من الأدلة تحريم شيء أو تحليله. قلت: كونه من الأدلة هو من عند الله؛ لأنه أمر بالنظر فيها لإثبات الأحكام وإنما الكلام فيمن حرم وحلل غير مستند إلى شيء. قوله: "أخرجه الترمذي". قلت: وقال (¬3): هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث عبد السلام بن حرب، وغطيف بن أعين ليس بمعروف في الحديث. 14 - وَعَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ: مَرَرْتُ بِالرَّبَذَةِ فَإِذَا أنَّا بِأَبِي ذَرًّ - رضي الله عنه - فَقُلْتُ: مَا أَنْزَلَكَ مَنْزِلَكَ هَذَا؟ قَالَ كُنْتُ بِالشَّامِ، فَاخْتَلَفْتُ أَنَا وَمُعَاوِيَةُ فِي هَذِهِ الآيَةِ: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ}، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: نَزَلَتْ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ، فَقُلْتُ نَزَلَتْ فِينَا وَفِيهِمْ، فكَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ كَلَام فِي ذَلِكَ، فكَتَبَ إِلَى عُثْمَانَ - رضي الله عنه - يَشْكُونِي، فَكَتَبَ إِلَيَّ عُثْمَانُ - رضي الله عنه - أَنِ أَقْدُمِ الْمَدِينَةَ، فَقَدِمْتُهَا فكَثُرَ عَلَيَّ النَّاسُ حَتَّى كَأَنَّهُمْ لَمْ يَرَوْنِي قَبْلَ ذَلِكَ، ¬

_ (¬1) "القاموس المحيط" (ص 135). (¬2) سورة النحل الآية (116). (¬3) في "السنن" (5/ 278).

فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعُثْمَانَ فَقَالَ: إِنْ شِئْتَ تَنَحَّيْتَ فَكُنْتَ قَرِيبًا، فَذَاكَ الَّذِي أَنْزَلنِي هَذَا الْمَنْزِلَ، وَلوْ أَمَّرُوا عَلَيَّ عَبْدَاً حَبَشِيًّا لَسَمِعْتُ وأَطَعْتُ. أخرجه البخاري (¬1). [صحيح] قوله في حديث زيد بن وهب: "بالربذة (¬2) ". أقول: بالراء والموحدة مفتوحتين بعدهما معجمة مكان معروف بين مكة والمدينة وهو إليها أقرب نزل به أبو ذر في عهد عثمان ومات به [وإنما] (¬3) مسألة زيد بن وهب عن ذلك؛ لأن مبغضي عثمان كانوا يشيعون أن عثمان نفى أبا ذر فبين له أبو ذر أن نزوله بالربذة كان باختياره. نعم، أمره عثمان بالتنحي عن المدينة لدفع المفسدة التي خافها على غيره من مذهبه المذكور، قاله الحافظ في "الفتح" (¬4). قوله: "بالشام". أقول: أي دمشق وكان معاوية عاملاً عليها لعثمان فوقع بينه وبن معاوية ما ذكر كان أبو ذر يحدث أهل الشام ويقول: لا يبيتن عند أحدكم دينار ولا درهم إلا ما ينفقه في سبيل الله أو يعده، فكتب معاوية إلى عثمان إن يكن لك بالشام حاجة فابعث إلى أبي ذر فكتب إليه عثمان أن اقدم علي فقدم (¬5). قوله: "فكثر علي الناس". ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (1406) و (4660). قلت: وأخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (11/ 434) وابن أبي حاتم في تفسيره (5/ 1789) والنسائي في "الكبرى" رقم (11218). (¬2) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (1/ 625). (¬3) في (ب) مكررة. (¬4) (3/ 274). (¬5) انظر: "فتح الباري" (3/ 274 - 275).

أقول: في رواية الطبري (¬1) أنهم [331/ ب] كثروا عليه يسألونه عن سبب خروجه من الشام، فخشي عثمان على أهل المدينة ما خشيه معاوية على أهل الشام. قوله: "ولو أمروا علي عبداً حبشياً". أقول: أخرج أحمد (¬2) وأبو يعلى (¬3) عن أبي ذر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: "كيف تصنع إذا أخرجت منه يعني مسجد المدينة"؟ قال: آتي الشام، قال: "فكيف تصنع إذا أخرجت منها؟ " قال: أعود إليه. أي: إلى المسجد النبوي. قال: "كيف تصنع إذا أخرجت منه؟ " قال: اضرب بسيفي قال: "ألا أدلك على ما هو خير لك من ذلك وأقرب رشداً تسمع وتطيع وتنساق لهم حيث ساقوك". 15 - وعَنَ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: وَقَالَ لَهُ أَعْرَابيٌّ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ - عزوجل - {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34)} قَالَ ابْنُ عُمَرَ: مَنْ كَنَزَهَا فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتها وَيْلٌ لَهُ، هَذَا كَانَ قَبْلَ أَنْ تُنْزَلَ الزَّكَاةُ، فَلَمَّا نَزَلَتْ جَعَلَهَا الله طُهْرًا لِلأَمْوَالِ. أخرجه البخاري (¬4) ومالك (¬5). [صحيح] 16 - وعنده (¬6): سُئِلَ ابْنَ عُمَرَ - رضي الله عنهما - عَنِ الْكَنْزِ مَا هُوَ؟ فَقَالَ: هُوَ الْمَالُ الَّذِي لاَ تُؤَدَّي زَكَاتَهُ. [موقوف صحيح] قوله في حديث ابن عمر: "يكنزون". ¬

_ (¬1) في "جامع البيان" (11/ 434). (¬2) في "مسنده" (5/ 156) بسند ضعيف. (¬3) عزاه إليه الحافظ في "الفتح" (3/ 275). (¬4) في "صحيحه" رقم (1404، 4661). (¬5) (1/ 256) (¬6) أي مالك في "الموطأ" (1/ 256 رقم 11) وهو موقوف صحيح.

أقول: قال الزجاج (¬1): الكنز إذا أطلق ينصرف إلى كنز المال ويجوز عند التقييد أن يقال: عنده كنز عِلْم، والاكتناز: حبس ما فضل عن الحاجة عن المواساه به ثم نسخ ذلك بفرض الزكاة لما فتح الله الفتوح [وقدَّر نصب] (¬2) الزكاة. فعلى هذا المراد بنزول الزكاة بيان نصبها ومقاديرها لا إنزال أصلها. قال ابن عبد البر (¬3): وروي عن أبي ذر آثار كثيرة تدل على أنه كان يذهب إلى أن الكنز كل مال مجموع يفضل عن القوت وسداد العيش، فهو كنز مذموم فاعله، وأن آية الوعيد نزلت في ذلك، وخالفه في ذلك جمهور الصحابة ومن بعدهم وحملوا الوعيد على مانعي الزكاة، وأصح ما تمسكوا به حديث طلحة وغيره في قصة الأعرابي حيث قال: "هل علي غيرها؟ قال: لا إلا أنت تطوع" انتهى. قال الحافظ (¬4): والظاهر أن ذلك كان أول الأمر كما قال ابن عمر وقد استدل [332/ ب] له ابن بطال (¬5) بقوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ}: ما فضل عن الكفاية. قلت: ولا يخفى أن سورة التوبة نزلت في غزوة تبوك وهي آخر غزوة وصدرها نزل سنة تسع وأن أنصباء الزكاة وبعث المصدقين ومعرفة مقاديرها كان قبل ذلك إلا أن يدعى أن زكاة النقدين تأخر بيان مقدار نصابهما، وهو بعيد جداً إلا أن يدعى أن آية الكنز هذه نزلت (¬6) ¬

_ (¬1) انظر: معاني القرآن وإعرابه (2/ 445). (¬2) في (ب) وقدّر أنصب. (¬3) في "الاستذكار" (9/ 123 رقم 12692، 12694). (¬4) في "الفتح" (3/ 273). (¬5) في شرحه لصحيح البخاري (3/ 405). (¬6) انظر: "فتح الباري" (3/ 273).

في صدر الإسلام ووضعها في سورة براءة [مراتب (¬1)] آيات السورة بناءً على أن ترتيبها ليس بتوقيفي (¬2) كما أن في هذه السورة بيان المصارف ومعلوم أن بيانها قد كان متقدماً على سنة تسع. وفي "الإتحاف (¬3) " على الكشاف: أنه أفرط أبو ذر فلم يستثن شيئاً، وظاهر الآية معه وفرط الناس فقالوا: المراد لا ينفقون منها ربع عشرها في السنة وخير الأمور أوساطها ونظيرها: {وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ} ليس المراد أن لا يستثني لحظة من الزمان إلا جاهد فيها ولا يملكون درهماً إلا ينفقونه، بل المراد التوجه والإقبال على الإنفاق في الجملة، والزيادة والنقص على حسب الداعي إلى ذلك فكم مال يتوجه إليه استغراق حراسة الثغور وإنفاق المال بلا حاصر لخشية استئصال العدو وتقاعد الناس عن الفرض، وهذه السورة برمتها في ثورة الجهاد وشدة الحاجة حال إعانة الحملة بالنفس والمال، وسائر آياتها دالة [333/ ب] على ذلك لم ينقم عليهم عدم إخراج الزكاة فقط، بل المطلوب أعم من ذلك، وهو واضح في جيش العسرة الذي شدد فيه على الممسك لنفسه وماله، وعلى الجملة ينفقونها في مواضع الإنفاق بحسب الحال إلى كل ثم لا يصح إلا أن تكون الآية في أهل الكتاب؛ لأنه لا زكاة عليهم بل هي في أهل الإسلام خاصة (¬4). ¬

_ (¬1) غير مقروءة في المخطوط. (¬2) تقدم توضيحه. (¬3) وهو قيد التحقيق. (¬4) أخرج ابن جرير في "جامع البيان" (11/ 432) عن ابن عباس: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34)} يقول: هم أهل الكتاب وقال: هي خاصة وعامة. =

17 - وَعَنْ ثَوْبَانَ - رضي الله عنه - قَالَ: لَمَّا نَزَلَتِ {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} كُنَّا مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: نُزِلَتْ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَلَوْ عَلِمْنَا أَيُّ الْمَالِ خَيْرٌ اتَّخذْنَاهُ؟ فَقَالَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَفْضَلُهُ لِسَانٌ ذَاكِرٌ، وَقَلْبٌ شَاكِرٌ، وَزَوْجَةٌ صَالِحَةٌ تُعِيْنُ المُؤْمِنَ عَلَى إِيمَانِهِ". أخرجه الترمذي (¬1). [حسن] قوله في حديث ثوبان: "في بعض أسفاره". أقول: لعله سفره في غزوة تبوك إلا أنه مشكل لما ذكرناه. قوله: "أفضله". أقول: أي المال، وهذا من جواب السائل بخلاف ما يترقب من الأسلوب الحكيم (¬2) وذلك لأن اللسان الذاكر [98/ أ] والقلب الشاكر، والمرأة، ليس من المال، فالضمير في أفضله يعود إلى الاتخاذ الدال عليه قوله. قوله: "وزوجة صالحة". أقول: هكذا لفظه في الجامع (¬3) أيضاً. ¬

_ = قال ابن جرير يعني بقوله: هي خاصة وعامة، هي خاصة في المسلمين في من لم يؤدِّ زكاة ماله منهم، وعامة في أهل الكتاب؛ لأنهم كفار لا تقبل منهم نفقاتهم إن أنفقوا. (¬1) في "السنن" رقم (3094) وهو حديث حسن. قلت: وأخرجه ابن ماجه رقم (1856) وأحمد (5/ 282) وابن جرير في "جامع البيان" (11/ 428). (¬2) وهو تلقي المخاطب بغير ما يترقب بحمل كلامه على خلاف مراده، تنبيهاً على أن الأولى بالقصد، أو السائل بغير ما يتطلب بتنزيل سؤاله منزلة غيره تبيهاً على أنه الأولى بحاله أو المهم به. انظر: "معجم البلاغة العربية" (ص 280). (¬3) في "جامع الأصول" (2/ 164 رقم 655).

ولفظ الترمذي (¬1): "زوجة مؤمنة تعينه على إيمانه". قوله: "أخرجه الترمذي". قلت: قال عقيبه (¬2): هذا حديث حسن، سألت محمد بن إسماعيل، وقلت له: سالم بن أبي الجعد سمع من ثوبان؟ قال: لا. قلت له: ممن سمع من صحابة النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: سمع من جابر بن عبد الله، وأنس بن مالك، وذكر غير واحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -. انتهى كلامه. قلت: فهو حديث منقطع. 18 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: كَبُرَ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ عُمَرُ - رضي الله عنه -: أَنَا أُفَرِّجُ عَنْكُمْ، فَقَالَ يَا رَسُولَ الله! إِنَّهُ كَبُرَ عَلَى أَصْحَابِكَ هَذِهِ الآيَةُ، فَقَالَ: "إِنَّ الله تَعَالَى لَمْ يَفْرِضِ الزَّكَاةَ إِلاَّ لِيُطَيَّبَ بِهَا مَا بَقِيَ مِنْ أَمْوَالِكُمْ، وَإِنَّمَا فَرَضَ الْمَوَارِيثَ، وَذَكَرَ كَلْمَةً لِتَكُونَ لِمَنْ بَعْدَكُمْ". فَكَبَّرَ عُمَرُ - رضي الله عنه -، ثُمَّ قَالَ لَهُ: "أَلاَ أُخْبِرُكَ بِخَيْرِ مَا يَكْنِزُ الْمَرْءُ؟ الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ, إِذَا نَظَرَ إِلَيْهَا سَرَّتْهُ، وَإِذَا أَمَرَهَا أَطَاعَتْهُ, وَإِذَا غَابَ عَنْهَا حَفِظَتْهُ". أخرجه أبو داود (¬3). [ضعيف] 19 - وَعَنْهُ - رضي الله عنه - قَالَ: {لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} نَسَخَتْهَا الَّتِي فِي النُّورِ: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} إِلَى قَوْلِهِ: {غَفُورٌ رَحِيمٌ (62)}. أخرجه أبو داود (¬4). [حسن] ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (3094). (¬2) أي: الترمذي في "السنن" (5/ 278). (¬3) في "السنن" رقم (1664) وهو حديث ضعيف. (¬4) في "السنن" رقم (2771) وهو حديث حسن. =

20 - وَعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِي - رضي الله عنه - أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ الصَّدَقَةِ كُنَّا نُحَامِلُ عَلَى ظُهُورِنَا؛ فَجَاءَ رَجُلٌ فَتَصَدَّقَ بِشَيْءٍ كَثِيرٍ، فَقَالُوا مُرَاءٍ، فَجَاءَ رَجُلٌ فَتَصَدَّقَ بِصَاعٍ، فَقَالُوا: إِنَّ الله لَغَنِيٌّ عَنْ صاعِ هَذَا، فَنَزَلَتِ: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ} الآيَةَ. أخرجه الشيخان (¬1) [والنسائي (¬2)] (¬3). [صحيح] قوله في حديث أبي مسعود البدري: "آية الصدقة". أقول: قال الحافظ (¬4): كأنه يشير إلى قوله: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً}. و"نحامل" أي: يحمل على ظهره بالأجرة، وماضيه حامل كسافر، وفي النهاية (¬5) أي يتكلف الحمل بالأجرة فنكتسب ما نتصدق به. قوله: "فجاء رجل بشيء كثير". أقول: هو عبد الرحمن (¬6) بن عوف، وضمير قالوا للمنافقين. ¬

_ = قلت: وأخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (11/ 480) وابن أبي حاتم في تفسيره (6/ 1806) والنحاس في "ناسخه" (ص 506). (¬1) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (1415، 4668) ومسلم رقم (1018). (¬2) في "السنن" رقم (2529). قلت: وأخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (11/ 593) وابن أبي حاتم في تفسيره (6/ 1850) وابن حبان في صحيحه رقم (3338، 3376). (¬3) زيادة من "جامع الأصول" (2/ 166). (¬4) في "الفتح" (3/ 283). (¬5) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 434) وانظر: "المجموع المغيث" (1/ 500). (¬6) ذكره الحافظ في "الفتح" (3/ 284) و (8/ 331).

وقوله: "وجاء رجل"، هو أبو عقيل (¬1) بفتح أوله واسمه حبحاب بمهملتين بينهما موحدة ساكنة، وقيل: بجيمين، وقيل: فيه غير ذلك. 21 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: لَمَّا تُوُفّيَ عبد الله بنُ أُبَيٍّ بن سَلُولَ جَاءَ ابْنُهُ إِلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فَسَأَلَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ قَمِيصَهُ يُكَفِّنُ فِيهِ أَباهُ فَأَعْطَاهُ؛ ثُمَّ سَأَلهُ أَنْ يُصَلّيَ عَلَيْهِ، فَقَامَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - لِيُصَلّيَ عَلَيْهِ, فَقَامَ عُمَرُ فَأَخَذَ بِثَوْبِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله! تُصَلِّي عَلَيْهِ وَقَدْ نَهَاكَ رَبُّكَ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَيْهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّمَا خَيَّرَنِي الله تَعَالَى فَقَالَ: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً} وَسَأَزِيدُهُ عَلَى السَّبْعِينَ"، قَالَ: إِنَّهُ مُنَافِقٌ، فَصلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فأَنْزَلَ الله تَعَالَى: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} إلى قوله: {فَاسِقُونَ (84)}. أخرجه الخمسة إلا أبا داود (¬2). [صحيح] وزاد الترمذي: فَتَرَكَ الصَّلَاةَ عَلَيْهِمْ. ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (3/ 284) و (8/ 331). قلت: وأخرج ابن جرير في "جامع البيان" (11/ 591) عن قتادة قوله: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ} الآية، قال: أقبل عبد الرحمن بن عوف بنصف ماله فتقرب به إلى الله، فلمزه المنافقون، فقالوا: ما أعطى ذلك إلا رياً وسمعةً، فأقبل رجل من فقراء المسلمين يقال له: حبحاب أبو عقيل، فقال: يا نبي الله! بتُّ أجر الجرير على صاعين من تمر، أما صاع فأمسكته لأهلي وأما صاع فها هو ذا، فقال المنافقون: والله إن الله ورسوله لغنيان عن هذا، فأنزل الله في ذلك القرآن: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ} الآية. انظر "فتح الباري" (8/ 331). (¬2) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (1269) ومسلم رقم (2400) و (2774) والترمذي رقم (3098) والنسائي رقم (1900) وابن ماجه رقم (1523). وهو حديث صحيح.

قوله في حديث ابن عمر: "لما توفي عبد الله بن أُبَيًّ". أقول: كانت وفاته بعد منصرفهم من تبوك في شهر القعدة سنة تسع. قال: ابنه هو عبد الله بن عبد الله (¬1) كان من المخلصين. قوله: "فأعطاه" أي: قميصه، قيل: وإنما لم ينهه الله عن التكفين في قميصه، ونهاه عن الصلاة؛ لأن الضنة بالقميص يكون مخلاً بالكرم؛ لأنه مكافأة له لإلباسه العباس قميصه حين أسر ببدر، والصلاة دعاء للميت واستغفار له، وهو منهي عنه في حق الكافر. قوله: "إنما خيري [ربي] (¬2) ". أقول: استشكل فهم التخيير من الآية حتى أقدم جماعة من الأكابر على الطعن في صحة هذا الحديث مع كثرة طرقه، واتفاق الشيخين وسائر من خرج على الصحيح على تصحيحه. قال ابن التين (¬3): مفهوم الآية تزل فيه الأقدام حتى أنكر القاضي أبو بكر الباقلاني (¬4) صحة الحديث وكذا إمام الحرمين (¬5) والغزالي (¬6) وسبب ذلك أن الذي يفهم من الآية إنما هو ¬

_ (¬1) أخرج الطبري في "جامع البيان" (11/ 599) عن الشعبي، قال: دعا عبد الله بن عبد الله بن أُبي بن سلول النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى جنازة أبيه، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من أنت؟ " قال: الحباب بن عبد الله بن أبي، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "بل أنت عبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول، إن الحباب هو الشيطان". وانظر "فتح الباري" (8/ 334). (¬2) في (أ) الله. (¬3) كذا في المخطوط، والذي في "فتح الباري" (8/ 338) قال ابن المنير: مفهوم الآية: زلت فيه الأقدام، حتى أنكر القاضي أبو بكر صحة الحديث. (¬4) في "التقريب والإرشاد" (3/ 340، 344). (¬5) في "البرهان" (1/ 458) حيث قال: هذا لم يصححه أهل الحديث. انظر "فتح الباري" (8/ 338). (¬6) في "المستصفى" (3/ 421) حيث قال: والأظهر أنه غير صحيح.

التسوية بين الاستغفار وتركه كما فهم عمر لما يقتضيه سياق القصة من قوله: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ} إلى آخره، وحمل السبعين على المبالغة. وأقوى ما أجيب به عن ذلك أن قوله: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا} إلى آخره لم ينزل مع أول الآية بل تراخى نزوله ففهم - صلى الله عليه وسلم - من ذلك القدر النازل ما هو الظاهر [335/ ب] من أن (أو) للتخيير، وأن العدد لا مفهوم له ولا إشكال حينئذٍ [ذكره في التوشيح] (¬1) قلت: قوله: {فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} إخبار بعدم المغفرة قد أفاد الحكم قبل نزول علته وهي: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا} إلى آخره، فلم يرتفع الإشكال. وفي الإتحاف (¬2) قوله: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} إن قلت: المراد بالتركيب الأول استواء الاستغفار وعدمه وبالثاني المبالغة لا العدد المخصوص، فما وجه ما روي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه حمل [الأول] (¬3) على التخيير والثاني على حقيقة العدد؟ والحاصل أنه حملهما على الحقيقة دون المجاز الذي دل المقام على أنه المراد. قلت: أحسن ما فتح الله به بعد الزمن الطويل، وعدم الظفر من كلام الناس بما يشفي أنه من حمل كلام المتكلم على أخفى معنييه إظهاراً للطمع في فصله والاشفاق مما دل عليه المقام من الشدة نحو: مثل الأمير من حمل على الأدهم والأشهب. وفدت الأخيلية على الحجاج فأمر بعض خدمه أن يعطيها مائة، فقالت: مُره أن يجعلها أدما، فقال الخادم: إنما أراد الأمير الشاء، فقال الحجاج: اجعلها أدما فأخذت مائة من الإبل ¬

_ (¬1) زيادة من (أ). (¬2) تقدم ذكره. (¬3) في (ب) الأولى.

بهذه الصيغة، ونظائرها كثيرة في الواقعات لو تتبعتها لحصلت على أمثلة كثيرة قد نزلت من اللطف بمكان، ونجعل الحديث النبوي أسها ومنارها. انتهى. قلت: هو كلام حسن إلا أنه يبقى فيه بحثين: الأول: أنه كيف يحمله - صلى الله عليه وسلم - على التخيير والمبالغة مع أنه ما تم الكلام إلا بقوله: {فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُم} فبعد هذا النفي المؤكد لا يبقى طمع. الثاني (¬1): أن الطمع يتصور في الممكن كالأمثلة الذي ذكرها، والمغفرة للكافر غير ممكنة شرعاً بعد إخبار الله أنه لن يغفر لهم. والأقرب أن الحديث من المتشابه لا يعلم تأويله إلا الله والمتشابه من الحديث ثابت كالمتشابه من القرآن كما صرح به الأئمة. 22 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: "نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِي أَهْلِ قُبَاءَ: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108)} قَالَ: كَانُوا يَسْتَنْجُونَ بِالْمَاءِ فَنَزَلَتْ هَذ الآيَةُ فِيهِمْ". أخرجه أبو داود (¬2) والترمذي (¬3). [ضعيف] قوله في حديث أبي هريرة: "نزلت في أهل قباء". ¬

_ (¬1) انظر: "فتح الباري" (8/ 339 - 340). (¬2) في "السنن" رقم (44). (¬3) في "السنن" رقم (3100). قلت: وأخرجه ابن ماجه رقم (357) وهو حديث ضعيف، وقد صححه الألباني. انظر: "تلخيص الحبير" (1/ 112).

أقول: هم بنو عمرو بن عوف، وقد سألهم النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال [336/ ب]: "ما الطهور الذي أثنى الله عليكم به؟ " فقالوا: الاستنجاء بالماء بعد الحجارة، فقال: "هو ذلكم فعليكموه" (¬1). قوله: "أخرجه أبو داود والترمذي". قلت: وقال الترمذي (¬2): هذا حديث غريب من هذا الوجه، وفي الباب عن أبي أيوب (¬3) وأنس بن مالك (¬4)، ومحمد بن عبد الله بن سلام (¬5). 23 - وَعَنْ عِليٍّ بنْ أَبِي طَالِبٍ - رضي الله عنه - قَالَ: "سَمِعْتُ رَجُلاً يَسْتَغْفِرُ لأَبَوَيْهِ وَهُمَا مُشْرِكَانِ فَقُلْتُ: أَتَسْتَغْفِرُ لأَبَوَيْكَ وَهُمَا مُشْرِكَانِ؟ فَقَالَ: اسْتَغْفَرَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَهُوَ مُشْركٌ. فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فَنَزَلَتْ: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} " الآية. أخرجه الترمذي (¬6) والنسائي (¬7). [حسن] ¬

_ (¬1) انظر: "جامع البيان" (11/ 692 - 693). (¬2) في "السنن" (5/ 281). (¬3) أخرجه ابن ماجه في "السنن" رقم (355) عن أبي أيوب الأنصاري، وجابر بن عبد الله، وأنس بن مالك، أن هذه الآية نزلت: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108)} قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يا معشر الأنصار! إن الله قد أثنى عليكم في الطهور فما طهوركم؟ قالوا: نتوضأ للصلاة، ونغتسل من الجنابة, ونستنجي بالماء، قال: فهو ذاك فعليكموه". وهو حديث صحيح. (¬4) انظر: التعليقة المتقدمة. (¬5) أخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (11/ 689 - 690) وأحمد (6/ 6) والبخاري في تاريخه (1/ 18) وابن أبي شيبة (1/ 53). (¬6) في "السنن" رقم (3101). (¬7) في "السنن" رقم (2036). وهو حديث حسن.

قوله في حديث علي - عليه السلام -: "فنزلت". أقول: وروى الشيخان (¬1) عن ابن المسيب أنها نزلت في شأن أبي طالب لما حضرته الوفاة فقال رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -: "والله لأستغفرن لك ما لم أنه عنك". وروى الحاكم (¬2) وغيره (¬3): أنها نزلت لما زار رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - قبر أمه واستأذن ربه في الدعاء لها. وجمع بين الأحاديث بتعدد النزول. قوله: "أخرجه أبو داود (¬4) والترمذي". قلت: وقال (¬5): حديث حسن، وفي الباب عن سعيد بن المسيب عن أبيه. انتهى [88/ أ]. 24 - وَعَنِ ابْنِ شَهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عبد الرَّحْمَنِ بْنُ عبد الله بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ عبد الله بْنَ كَعْبٍ وَكَانَ قَائِدَ كَعْبٍ مِنْ بَنِيهِ حِينَ عَمِىَ، قَالَ: وَكَانَ أَعْلَمُ قَوْمِهِ وَأَوْعَاهُمْ لَأَحَادِيثِ أَصْحَابِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ يحدِّثُ حَدِيثَهُ حِينَ تَخَلَّفَ عَنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي غَزْوة تَبُوكَ قَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ لم أَتَخَلَّفْ عَنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا قَطُّ إِلاَّ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ, غَيْرَ أَنِّي قَدْ تَخَلَّفْتُ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ وَلَمْ يُعَاتِبْ أَحَدًا تَخَلَّفَ عَنْهُا، إِنَّمَا خَرَجَ ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (3884، 4675) ومسلم رقم (24/ 40) قلت: وأخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (12/ 20) وابن أبي حاتم في تفسيره (6/ 1894) والبيهقي في "الدلائل" (2/ 342). (¬2) في "المستدرك" (2/ 236). (¬3) كابن جرير في "جامع البيان" (12/ 23) وابن أبي حاتم في تفسيره (6/ 1893 - 1894) وابن كثير في تفسيره (7/ 296). (¬4) في هامش (ب) ما نصه: كذا في الأم، ولعله النسائي. (¬5) في "السنن" (5/ 281).

رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وَالْمُسْلِمُونَ يُرِيدُونَ عِيرَ قُرَيْشٍ حَتَّى جَمَعَ الله تَعَالَى بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ عَدُوِّهُمْ عَلَى غَيْرِ مِيعَادٍ، وَلَقَدْ شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ حِينَ تَوَاثَقْنَا عَلَى الإِسْلاَمِ، وَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِهَا مَشْهَدَ بَدْرٍ، وَإِنْ كَانَتْ بَدرٌ أَذْكَرَ فِي النَّاسِ مِنْهَا، وَكَانَ مِنْ خَبَرِي حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْ تَبُوكَ أَنِّي لَمْ أَكُنْ قَطُّ أَقْوَى وَلاَ أَيْسَرَ مِنِّي حِينَئِذٍ، وَالله مَا جَمَعْتُ قَبْلَهَا رَاحِلَتَيْنِ قَطُّ حَتَّى جَمَعْتُهُمَا فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ، وَلَم يَكُنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - يُرِيْدُ غَزْوَةً إَلَّا وَرَّى بَغَيْرِهَا، حَتَّى كَانَتْ تِلْكَ الْغَزْوَةُ فَغَزَاهَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي حَرٍّ شَدِيدٍ، وَاسْتَقْبَلَ سَفَرًا بَعِيدًا وَمَفَاوز، وَاسْتَقْبَلَ عَدُوًّا كَثِيرًا فَجَلاَ لِلْمُسْلِمِينَ أَمْرَهُمْ لِيَتَأَهَّبُوا أُهْبَةَ غَزْوِهِمْ فَأَخْبَرَهُمْ بِوَجْهِهِمُ الَّذِي يُرِيدُ، وَالْمُسْلِمُونَ مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - كثِيرٌ وَلاَ يَجْمَعُهُمْ كِتَابُ حَافِظٍ: يُرِيدُ بِذَلِكَ الدِّيوَانَ، قَالَ كَعْبٌ: فَقَلَّ رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَتَغَيَّبَ يَظُنُّ أَنَّ ذَلِكَ سَيَخْفَى لَهُ مَا لَمْ يَنْزِلْ فِيهِ وَحْيٌ، وَكَانَ ذَلِكَ حِينَ طَابَتِ الثَّمَارُ وَالظِّلاَلُ فَأَنَا إِلَيْهَا أَصْعَرُ، فتجَهَّزَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وَالْمُسْلِمُونَ مَعَهُ، وَطَفِقْتُ أَغْدُو لِكَيْ أَتجَهَّزَ مَعَهُمْ فَأَرْجِعُ وَلَمْ أَقْضِ شَيْئًا، وَأَقُولُ فِي نَفْسِي أنَّا قَادِرٌ عَلَى ذَلِكَ إِذَا أَرَدْتُ، فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ يَتَمادَى بِي حَتَّى اسْتَمَرَّ بِالنَّاسِ الْجِدُّ, فَأَصْبَحَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - غادِيًا وَالْمُسْلِمُونَ مَعَهُ وَلَمْ أَقْضِ مِنْ جَهَازِي شَيْئًا، ثُمَّ غَدَوْتُ فَرَجَعْتُ وَلَمْ أَقْضِ شَيْئًا، فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ يَتَمَادَى بِي حَتَّى أَسْرَعُوا وَتَفَارَطَ الْغَزْوُ فَهَمَمْتُ أَنْ أَرْتَحِلَ فَأُدْرِكَهُمْ؟ فَيَا لَيْتَنِي كُنْتُ فَعَلْتُ؛ ثُمَّ لَمْ يُقَدَّرْ لِي ذَلِكَ، وَطَفِقْتُ إِذَا خَرَجْتُ فِي النَّاسِ بَعْدَ خُرُوجِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - يَحْزُنُنِي أَنَّى لاَ أَرَى لِي أُسْوَةً إِلاَّ رَجُلاً مَغْمُوصاً عَلَيْهِ فِي النِّفَاقِ، أَوْ رَجُلاً مِمَّنْ عَذَرَ الله تَعَالَى مِنَ الضُّعَفَاءِ، وَلَمْ يَذْكُرْنِي رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - حتَّى بَلَغَ تَبُوكَ، فَقَالَ وَهُوَ جَالِسٌ فِي الْقَوْمِ: "مَا فَعَلَ كعْبُ بْنُ مَالِكٍ؟ ". فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ: يَا رَسُولَ الله! حَبَسَهُ بُرْدَاهُ وَالنَّظَرُ فِي عِطْفَيْهِ؛ فَقَالَ لَهُ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ: بِئْسَمَا قُلْتَ، وَالله يَا رَسُولَ الله! مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ إِلاَّ خَيْرًا، فَسَكَتَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَبَيْنَمَا هُوَ عَلَى ذَلِكَ رَأَى رَجُلاً مُبَيِّضًا يَزُولُ بِهِ السَّرَابُ فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - "كُنْ أَبَا خَيْثَمَةَ". فَإِذَا هُو أبُو خَيْثَمَةَ الأَنْصَارِيُّ، وَهُوَ الَّذِي تَصَدَّقَ بِصَاعِ التَّمْرِ حِينَ لَمَزَهُ الْمُنَافِقُونَ، قَالَ كَعْبُ: فَلَمَّا بَلَغَنِي أَنَّ

رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَدْ تَوَجَّهَ قَافِلاً مِنْ تَبُوكَ حَضَرني بَثِّي فَطَفِقْتُ أَتَذَكَّرُ الْكَذِبَ، وَأَقُولُ: بِمَ أَخْرُجُ مِنْ سَخَطِهِ غَدًا؟ وَأَسْتَعِينُ عَلَى ذَلِكَ بِكُلَّ ذِي رَأْىٍ مِنْ أَهْلِي، فَلَمَّا قِيلَ إِنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَدْ أَظَلَّ قَادِمًا زَاحَ عَنِّي الْبَاطِلُ حَتَّى عَرَفْتُ أَنِّي لَنْ أنجُوَ مِنْهُ بِشَيْءٍ أبدًا، فَأَجْمَعْتُ صِدْقَه، وَأصبَحَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - قادِمًا، وَكَانَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَرَكَعَ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ جَلَسَ لِلنَّاسِ، فَلَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ جَاءَهُ الْمُخَلَّفُونَ فَطَفِقُوا يَعْتَذِرُونَ إِلَيْهِ وَيَحْلِفُونَ لَهُ، وَكَانُوا بِضْعَةً وَثَمَانِينَ رَجُلاً، فَقَبِلَ مِنْهُمْ عَلاَنِيَتَهُمْ فَبَايَعَهُمْ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ، وَوَكَلَ سَرَائِرَهُمْ إِلَى الله تَعَالَى حَتَّى جِئْتُ، فَلَمَّا سَلَّمْتُ تبَسَّمَ تبَسُّمَ الْمُغْضَبِ، ثُمَّ قَالَ: "تَعَالَ"، فَجِئْتُ حَتَّى جَلَسْتُ بينَ يَدَيْهِ فَقَالَ لِي "مَا خَلَّفَكَ؟ أَلَمْ تَكُنْ قَدِ ابْتَعْتَ ظَهْرَكَ". قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله! وَاللهِ إِنَي لَوْ جَلَسْتُ عِنْدَ غَيْرِكَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا لَرَأَيْتُ أَنِّي سَأَخْرُجُ مِنْ سَخَطِهِ بِعُذْرٍ، وَلَقَدْ أُعْطِيتُ جَدَلاً، وَلَكِنِّي وَالله لَقَدْ عَلِمْتُ لَئِنْ حَدَّثْتُكَ الْيَوْمَ حَدِيثَ كَذِبٍ تَرْضَى بِهِ عَنِّي لَيُوشِكَنَّ الله تَعَالَى أَنْ يُسْخِطَكَ عَلَيَّ، وَلَئِنْ حَدَّثْتُكَ حَدِيثَ صِدْقٍ تَجِدُ عَلَيَّ فِيهِ إِنِّي لأَرْجُو عَفْوَ الله تَعَالَى فِيْهِ، وَالله مَا كَانَ لِي عُذْرٌ، وَالله مَا كُنْتُ قَط أَقْوَى وَلاَ أَيْسَرَ مِنِّى حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْكَ. فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - "أَمَّا هَذَا فَقَدْ صَدَقَ فَقُمْ حَتَّى يَقْضِىَ الله تَعَالَى فِيكَ". فَقُمْتُ وَثَارَ رِجَالٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ فَاتَّبَعُونِي فَقَالُوا لِي: وَالله مَا عَلِمْنَاكَ أَذْنَبْتَ ذَنْبًا قَبْلَ هَذَا لَقَدْ عَجَزْتَ أَنْ لاَ تَكُونَ اعْتَذَرْتَ إِلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - بِمَا اعْتَذَرَ بِهِ إِلَيْهِ الْمُخَلَّفُونَ، فَقَدْ كَانَ كَافِيَكَ ذَنْبَكَ اسْتِغْفَارُ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - لَكَ؛ قَالَ: فَوَالله مَا زَالُوا يُؤَنِّبُونَنِي حَتَّى أَرَدْتُ أَنْ أَرْجِعَ إِلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فَأُكَذِّبَ نَفْسِي قَالَ ثُمَّ قُلْتُ لَهُمْ هَلْ لَقِيَ مَعِي هَذَا مِنْ أَحَدٍ؟ قَالُوا: نَعَمْ، رَجُلاَنِ قَالاَ مِثْلَ مَا قُلْتَ، وَقِيلَ لَهُمَا مِثْلُ مَا قِيلَ لَكَ، قُلْتُ: مَنْ هُمَا؟ قَالُوا مُرَارَةُ بْنُ رَبِيعَةَ الْعَامِرِيُّ، وَهِلاَلُ بْنُ أُمَيَّةَ الْوَاقِفِيُّ،- قَالَ - فَذَكَرُوا لِي رَجُليْنِ صَالِحَينِ قَدْ شِهِدَا بَدْرًا فِيهِمَا أُسْوَةٌ قَالَ فَمَضَيْتُ حِينَ ذَكَرُوهُمَا لِي، وَنَهَى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - الْمُسْلِمِينَ عَنْ كَلاَمِنَا أَيُّهَا الثَّلاَثَةُ مِنْ بَيْنِ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ، فَاجْتَنبَنَا النَّاسُ، وَتَغَيَّرُوا لَنَا حَتَّى تَنكَّرَتْ لِي فِي نَفْسِيَ الأَرْضُ فَمَا هِيَ بِالأَرْضِ الَّتِي أَعْرِفُ، فَلَبِثْنَا عَلَى ذَلِكَ خَمْسِينَ لَيْلَةً، فَأَمَّا

صَاحِبَايَ فَاسْتكَانَا وَقَعَدَا فِي بُيُوتهِمَا يَبْكِيَانِ، وَأَمَّا أَنَا فَكُنْتُ أَشَبَّ الْقَوْمِ وَأَجْلَدَهُمْ فَكُنْتُ أَخْرُجُ وَأَشْهَدُ الصَّلاَةَ وَأَطُوفُ فِي الأَسْوَاقِ فَلاَ يُكَلِّمُنِي أَحَدٌ، وَآتِي رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فَأُسَلِّمُ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي مَجْلِسِهِ بَعْدَ الصَّلاَةِ فَأَقُولُ فِي نَفْسِي هَلْ حَرَّكَ شَفَتَيْهِ بِرَدِّ السَّلاَمِ، أَمْ لاَ؟ ثُمَّ أُصَلِّي قَرِيبًا مِنْهُ وَأُسَارِقُهُ النَّظَرَ فَإِذَا أَقْبَلْتُ عَلَى صَلاَتِي نَظَرَ إِلَيَّ، وَإِذَا الْتَفَتُّ نَحْوَهُ أَعْرَضَ عَنِّي حَتَّى إِذَا طَالَ عَلَيَّ ذَلِكَ مِنْ جَفْوَةِ الْمُسْلِمِينَ مَشَيْتُ حَتَّى تَسَوَّرْتُ جِدَارَ حَائِطِ أَبِي قَتَادَةَ، وَهُوَ ابْنُ عَمِّى، وَأَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ؟ فَوَالله مَا رَدَّ عَلَيَّ السَّلاَمَ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا قَتَادَةَ! أَنْشُدُكَ بِالله هَلْ تَعْلَمَ أَنِّي أُحِبُّ الله وَرسُولَهُ؟ قَالَ فَسَكَتَ فَعُدْتُ فَنَاشَدْتُهُ فَسَكَتَ فَعُدْتُ فَنَاشَدْتُهُ فَقَالَ: الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَفَاضَتْ عَيْنَايَ وَوَلَّيْتُ حَتَّى تَسَوَّرْتُ الجدَارَ فَبَيْنَا أنَّا أَمْشِي فِي سُوقِ الْمَدِينَةِ إِذَا نَبَطِيٌّ مِنْ نَبَطِ الشَّامِ مِمَّنْ قَدِمَ بِطَّعَامِ يَبِيعُهُ فِي الْمَدِينَةِ يَقُولُ: مَنْ يَدُلُّ عَلَى كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ؟ قَالَ: فَطَفِقَ النَّاسُ يُشِيرُونَ لَهُ إِلَيَّ حَتَّى جَاءَنِي فَدَفَعَ إِلَيَّ كِتَابًا مِنْ مَلِكِ غَسَّانَ، وَكُنْتُ كَاتِبًا فَقَرَأْتُهُ، فَإِذَا فِيهِ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّهُ قَدْ بَلَغَنَا أَنَّ صَاحِبَكَ قَدْ جَفَاكَ، وَلَمْ يَجْعَلْكَ الله بِدَارِ هَوَانٍ وَلاَ مَضيَعَةٍ، فَالْحَقْ بِنَا نُوَاسِكَ، فَقُلْتُ حِينَ قَرَأْتُه: وَهَذا أَيْضًا مِنَ الْبَلاَءِ؛ فتيمَّمْتُ بِهِ التَّنُّورَ فَسَجرْتُه بِهَا حَتَّى إِذَا مَضتْ أَرْبَعُونَ مِنَ الْخَمْسِينَ وَاسْتَلْبَثَ الْوَحْيُ فإِذَا رَسُولُ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - يَأْتِينِي فَقَالَ: إِنَّ رسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَأْمُرُكَ أَنْ تَعْتَزِلَ امْرَأتكَ. قَالَ فَقُلْتُ: أُطَلِّقُهَا أَمْ مَاذَا أَفْعَلُ؟ قَالَ لاَ، بَلِ اعْتَزِلْهَا فَلاَ تَقْرَبَنَّهَا، وَأَرْسَلَ إِلَى صَاحِبَيَّ بِمِثْلِ ذَلِكَ، قَالَ: فَقُلْتُ لِامْرَأَتِي الْحَقِي بِأَهْلِكِ فَكُونِي عِنْدَهُمْ حَتَّى يَقْضِىَ الله فِي هَذَا الأَمْرِ، وَجَاءَتِ امْرَأَةُ هِلاَلِ بْنِ أُمَيَّةَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ الله! إِنَّ هِلاَلَ بْنَ أُمَيَّةَ شَيْخٌ ضَائِعٌ لَيْسَ لَهُ خَادِمٌ، فَهَلْ تَكْرَهُ أَنْ أَخْدُمَهُ؟ قَالَ "لاَ وَلكِنْ لاَ يَقْرَبَنَّكِ". قَالَتْ: إِنَّهُ وَالله مَا بِهِ حَرَكَةٌ إِلَى شَيْءٍ، وَوَالله مَا زَالَ يَبْكِى مُنْذُ كَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا كَانَ إِلَى يَوْمِهِ هَذَا، فَقَالَ لِي بَعْضُ أَهلي: لَوِ اسْتَأْذَنْتَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي امْرَأَتِكَ؟ فَقَدْ أَذِنَ لِامْرَأَةِ هِلاَلِ أَنْ تَخْدُمَهُ فَقُلْتُ: لاَ أَسْتَأْذِنُهُ فِيهَا، وَمَا يُدْرِينِي مَا يَقُولُ؟ وَأَنَا رَجُلٌ شَابٌّ، فَلَبِثْتُ بِذَلِكَ عَشْرَ لَيَالٍ فَكَمُلَ لَنَا خَمْسُونَ لَيْلَةً مِنْ حِينَ نُهِىَ عَنْ كَلاَمِنَا،

فَصَلَّيْتُ صَلاَةَ الْفَجْرِ صَبَاحَ خَمْسِينَ لَيْلَةً عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِنَا، فَبَيْنَا أَنَا جَالِسٌ عَلَى الْحَالِ الَّتِي ذَكَرَ الله تَعَالَى مِنَّا، قَدْ ضَاقَتْ عَلَيَّ نَفْسِي، وَضَاقَتْ عَلَيَّ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ، سَمِعْتُ صَوْتَ صَارِخٍ أَوْفَى عَلَى جَبَل سَلْعٍ يَقُولُ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ! أَبْشِرْ! قَالَ: فَخَرَرْتُ سَاجِدًا وَعَلِمْت أَنْ قَدْ جَاءَ فَرَجٌ، وَآذَنَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - النَّاسَ بِتَوْبَةِ الله عَلَيْنَا حِينَ صَلَّى صَلاَةَ الْفَجْرِ فَذَهَبَ النَّاسُ يُبَشِّرُونَنَا فَذَهَبَ قِبَلَ صَاحِبَيَّ مُبَشِّرُونَ، وَرَكَضَ إِلَيَّ رَجُلٌ فَرَسًا وَسَعَى سَاعٍ مِنْ أَسْلَمَ قِبَلِي وَأَوْفَى الْجَبَلَ فَكَانَ الصَّوْتُ أَسْرَعَ مِنَ الْفَرَسِ، فَلَمَّا جَاءَنِي الَّذِي سَمِعْتُ صَوْتَهُ يُبَشِّرني نَزَعْتُ لَهُ ثَوْبَيَّ فَكَسَوْتُهُمَا إِيَّاهُ بِبِشَارَتِهِ، وَالله مَا أَمْلِكُ غَيْرَهُمَا يَوْمَئِذٍ، فَاسْتَعَرْتُ ثَوْبَيْنِ فَلَبِسْتُهُمَا وَانْطَلَقْتُ أَتَأَمَّمُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فتَلَقَّانِي النَّاسُ فَوْجًا فَوْجًا يُهَنَّئُونِي بِالتَّوْبَةِ، حَتَّى دَخَلْنَا الْمَسْجِدَ فَإِذَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - حَوْلَهُ النَّاسُ، فَقَامَ طَلْحَةُ بْنُ عبيد الله يُهَرْوِلُ حَتَّى صَافَحَنِي وَهَنَّأَنِي، وَالله مَا قَامَ إِلَيَّ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ غَيْرُهُ, فَكَانَ كَعْبٌ لاَ يَنْسَاهَا لِطَلْحَةَ، قَالَ كَعْبٌ فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ وَهُوَ يَبْرُقُ وَجْهُهُ مِنَ السُّرُورِ وَيَقُولُ: "أَبْشِرْ بِخَيْرِ يَوْمٍ مَرَّ عَلَيْكَ مُنْذُ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ"، قَالَ فَقُلْتُ أَمِنْ عِنْدِكَ يَا رَسُولَ الله أَمْ مِنْ عِنْدِ الله؟ فَقَالَ: "لاَ بَلْ مِنْ عِنْدِ الله تَعَالَى" وَكَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إذَا سُرَّ اسْتَنَارَ فَكَأَنَّه قِطْعَةُ قَمَرٍ، قَالَ وَكُنَّا نَعْرِفُ ذَلِكَ، قَالَ: فَلَمَّا جَلَسْتُ بين يَدَيْهِ قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله! إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً إِلَى الله وَإِلَى رَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ فَهُوَ خيرٌ لَكَ"، فَقُلْتُ: فَإِنِّي أُمْسِكُ سَهْمِيَ الَّذِي بِخَيْبَرَ، وَقُلْتُ يَا رَسُولَ الله إِنَّ الله إِنَّمَا أَنْجَانِي بِالصِّدْقِ، وَإنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ لاَ أُحَدِّثَ إِلاَّ صِدْقًا مَا بَقِيتُ، فَوَالله مَا أَعْلَمُ أَنَّ أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَبْلاَهُ الله فِي صِدْقِ الْحَدِيثِ مُنْذُ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - أَحْسَنَ مِمَّا أَبْلاَهُ، وَالله مَا تَعَمَّدْتُ كَذْبَةً مُنْذُ قُلْتُ مَا قُلت لِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، وَإِنِّي لأَرْجُو أَنْ يَحْفَظَنِيَ الله تَعَالَى فِيمَا بَقِىَ، قَالَ فَأَنْزَلَ الله تَعَالَى: (لَقَدْ تَابَ الله عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ) حتى بلغ: {إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (117) وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ} حَتَّى بَلَغَ: {اتَّقُوا اللَّهَ

وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119)}. قَالَ كَعْبٌ: وَالله مَا أَنْعَمَ الله تَعَالَى عَلَيَّ مِنْ نِعْمَةٍ قَطُّ بَعْدَ إِذْ هَدَانِي لِلإِسْلاَمِ أَعْظَمَ فِي نَفْسِي مِنْ صِدْقِي رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - أَنْ لاَ أَكُونَ كَذَبْتُهُ فَأَهْلِكَ كَمَا هَلَكَ الَّذِينَ كَذَبُوا، إِنَّ الله قَالَ لِلَّذِينَ كَذَبُوا حِينَ أَنْزَلَ الْوَحْيَ شَرَّ مَا قَالَ لأَحَدٍ، قَالَ الله تَعَالَى: {سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (95) يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (96)} قَالَ كَعْبٌ: كُنَّا خُلِّفْنَا أَيُّهَا الثَّلاَثَةُ عَنْ أَمْرِ أُولَئِكَ الَّذِينَ قَبِلَ مِنْهُمْ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - حِينَ حَلَفُوا لَهُ فَبَايَعَهُمْ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ، وَأَرْجَأَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أَمْرَنَا حَتَّى قَضَى الله تَعَالَى فِيهِ بِذَلِكَ، قَالَ الله - عز وجل - {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} وَلَيْسَ الَّذِي ذَكَرَ الله مِمَّا خُلِّفْنَا تَخَلُّفَنَا عَنِ الْغَزْوِ وَإِنَّمَا هُوَ تَخْلِيفُهُ إِيَّانَا وَإِرْجَاؤُهُ أَمْرَنَا عَمَّنْ حَلَفَ لَهُ وَاعْتَذَرَ إِلَيْهِ فَقَبِلَ مِنْهُ. أخرجه الخمسة (¬1) [صحيح] "الرَّاحِلةُ" الجمل والناقة القويان على الأحمال والأسفار، "وَالتَّوْرِيةُ" إخفاء الشيء وإظهار غيره، "وَالمَفَاوِزُ" جمع مفازة، وهي البرية القفز "وَجَلَا لِلنَّاسِ أَمْرَهُمْ" أظهره "وَوَجَّهَهُم" جهتهم التي يستقبلونها ومقصدهم، "وَالصَّعَرُ" بمهملتين مفتوحتين الميل "والتَّجْهِيزُ" المبادرة إلى الشيء في أول وقته, "وَاسْتَمَرَّ بِالنَّاسِ الجِدُّ" أي تتابع الاجتهاد في السير "والتَّمَادِي" التغافل والتأخر، "وَتَفَارَطَ الْغَزْوُ" تباعد، وأشار به إلى ما بينه وبينهم من المسافة, "وَطَفِقتُ" مثل جعلت. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (4418، 4676، 6690) ومسلم رقم (2769) وأبو داود رقم (2202، 2273، 3317، 4600) والنسائي رقم (3422، 3426). وأخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (12/ 59 - 65) والطيالسي في مسنده (1034) وابن أبي حاتم في تفسيره (6/ 1899، 1905).

"وَالْأُسْوَةُ" بضم الهمزة وكسرها: القدوة "والْمَغْمُوصُ" المشار إليه بالعيب، "وَنَظَرَ فُلَانٌ فِي عَطْفَيْه" إذا أعجب بنفسه، "وَيَزُولُ بِهِ السَّرَاب" أي يظهر شخصه خيالاً فيه، "وَالَّلمْزُ" العيب "وَالْقَافِلُ" الراجع من سفره إلى وطنه "وَالْبثُّ" أشد الحزن "وَأَظَلَّ قَادِمَا" إذا دنا "وَزَاحَ عَنَّي" زال "وَأَجْمَعْتُ صِدْقهُ" أي عزمت عليه "وَالْمَخَلَّفُونَ" المتأخرون عن الغزو. "وَالْبضْعُ" ما بني الثلاث إلى التسع من العدد "وَكّلَ سَرَائرَهُمْ" ردها إلى علم الله، "والظَّهْرُ" هنا عبارة عما يركبه "وَجِدَ" من الموجدة وهي: الغضب "وَالتَّأْنِيبُ" الملامة والتوبيخ، "وَالْاسْتِكَانَةُ" الخضوع "وَتَسَوَّرْتُ الجِدَارَ" علوته "المُضيْعَةُ" مفعلة من الضياع وهو الاطراح، ومثله الهوان، "وَالمُوَاسَاةُ" المشاركة والمساهمة في المعاش والرزق ونحوهما. "والتَيَمُّمُ" القصد "وَاسْتَلْبَثَ" أبطأ "وَالرَّحبُ" السعة "وَأَوْفَى" أشرف "وَسَلْعٌ" جبل في المدينة "وَالرَّكْضُ" ضرب الراكب الفرس برجله ليسرع العدو"وَآذَنَ" أعلم "وَأَتأَمَّمُ" أقصد "وَالْفَوْجُ" الجماعة من الناس "وَيَبْرُقُ وَجْهُهُ" إذا لمع وظهرت عليه أمارات السرور، "وَأَنْخَلِعَ مِنْ مَالي" أي أخرج من جميعه، وسمى جيش تبوك جيش العسرة؛ لأن الناس ندبوا إليه في شدة الحر فعسر عليهم وكان وقت إدراك الثمار "وَالرِّجْسُ" النجس "وَالْإرْجَاءُ" التأخير. قوله: "في حديث ابن شهاب" - وهو محمد بن مسلم الزهري -[337/ ب]. قوله: "أوعاهم (¬1) " أي: أحفظهم. قوله: "تواثقنا على الإسلام" أي: أخذ بعضنا على بعض الميثاق. قوله: "وما أحب أن لي بها مشهد بدر" لأنها كانت سبب ظهور الإسلام وإعلاء كلمة الله. ¬

_ (¬1) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 866).

قوله: "فجلي للناس أمرهم" بالتخفيف والتشديد، أي: كشف وعرف. قوله: "يريد بذلك الديوان" هذا مدرج من كلام الزهري. قوله: "أصعر (¬1) " بالمهملتين، أي: أميل. قوله: "فقال رجل" هو عبد الله بن أويس السلمي - بفتحتين - قاله الواقدي. قوله: "كن أبا خيثمة" بالخاء المعجمة فمثناة فمثلثة، لفظه لفظ الأمر ومعناه الدعاء كما تقول: أسلم. أي [338/ ب]: سلمك الله. قاله السهيلي (¬2). وقال ثعلب (¬3): العرب تقول: كن زيداً، أي: أنت زيد. وقال القاضي (¬4) عياض: والأشبه عندي أن (كن) هنا للتحقيق والوجود. أي: لتوجد يا هذا الشخص أبا خيثمة حقيقة. وقول القاضي هو الصواب، وهو معنى قول صاحب التحرير: اللهم اجعله أبا خيثمة! واسم أبي خيثمة عبد الله، وقيل: مالك بن قيس. وروى أن أبا خيثمة بلغ شبابه، وكانت له امرأة حسناء فرشت له في الظل وبسطت له الحصير، وقربت له الرطب والماء البارد، فنظر فقال: ظل ظليل، ورطب يانع، وماء بارد، وامرأة حسناء، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الضجر والربح ما هذا بخير. فقام فرحل ناقته وأخذ سيفه ورمحه فمد رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - طرفه إلى الطريق فإذا براكب [عراهاه] (¬5) السراب، فقال: "كن أبا خيثمة" فكان هو ففرح به واستغفر له. ¬

_ (¬1) انظر: "تفسير غريب ما في الصحيحين" (44/ 13) للحميدي، "النهاية" (2/ 32). (¬2) في "الروض الأنف" (4/ 195). (¬3) ذكره الحافظ في "الفتح" (8/ 119). (¬4) ذكره القاضي عياض في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (8/ 278). (¬5) هكذا رسمت في المخطوط ولعلها اعتراه.

وقوله: "مبيضاً" بكسر [الباء] (¬1) لابس الثوب الأبيض، ويقال: هم المبيضة والمسودة بالكسر، ويجوز أن يكون مبيضاً بسكون الباء، وبتشديد الضاد من البياض [339/ ب] وقوله: "يزول (¬2) به السراب" أي: يرفعه ويظهره، يقال: زال به السراب إذا ظهر شخصه فيرى خيالاً. قوله: "بضعة وثمانين رجلاً". قال الواقدي (¬3): إن هذا العدد كان من منافقي الأنصار وأن المعذرين من الأعراب أيضاً اثنان وثمانون رجلاً من بني غفار وغيرهم. قوله: "قد أعطيت جدلاً" أي: فصاحة وقوة كلام بحيث أخرج من عهدة ما نسب إلي بما يقبل ولا يرد. قوله: "مرارة بن الربيع" [97/ أ]، [مرارة] (¬4) بضم الميم ورائين الأولى منهما خفيفة العمري: بفتح العين المهملة نسبة إلى بني عمرو بن عوف، ويقال فيه: مرارة بن ربيعة كما قاله السهيلي (¬5). ¬

_ (¬1) في (ب) الياء. (¬2) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 736). "الفائق" للزمخشري (2/ 136). (¬3) ذكره الحافظ في "الفتح" (8/ 119). (¬4) زيادة من (أ). (¬5) في "الروض الأنف" (4/ 198).

قال ابن حجر (¬1): [وهو وفي مسلم ابن ربعي في رواية [وهو خطأ] (¬2)] (¬3). "وهلال بن أمية الواقفي" بقاف ثم فاء نسبة إلى بني واقف بن امرئ القيس بن مالك بن الأوس. وذكر ابن أبي حاتم (¬4): أن سبب تخلف مرارة أنه كان له حائط حين زهى، فقال في نفسه: قد غزوت قبلها، فلو أقمت عامي هذا، فلما تذكر ذنبه قال: اللهم إني قد تصدقت [340/ ب] به في سبيلك، وأما سبب تخلف هلال كان له أهل تفرقوا ثم اجتمعوا فقال: لو أقمت [عندهم هذا العام] (¬5) فلما تذكر قال: اللهم إن لك علي أن لا أرجع إلى أهل ولا مال. قوله: "قد شهدا بدراً". قيل: فيه رد على من أنكر شهودهما بدراً، وأول من أنكر (¬6) ذلك الأثرم صاحب الإمام أحمد وتبعه جماعة وادعوا أن جملة قد شهدا بدراً مدرجة في حديث كعب. ¬

_ (¬1) في "الفتح" (8/ 119). (¬2) زيادة من (أ). (¬3) كذا في المخطوط، والذي في "الفتح" (8/ 119) وقوله: "ابن الربيع" هو المشهور، ووقع في رواية لمسلم: "ابن ربيعة" وفي حديث مجمع بن جارية عند ابن مردويه مرارة بن ربعي، وهو خطأ. (¬4) في تفسيره (6/ 1904). قال الحافظ في "الفتح" (8/ 119) وكذا وقع عند أبي حاتم من مرسل الحسن من تسميته "ربيع بن مرارة" وهو مقلوب، وذكر فيه هذا المرسل أن سبب تخلفه. (¬5) في (أ) هذا العام عندهم. (¬6) وهو خطأ، بل ممن جزم بأنهما شهدا بدراً أبو بكر الأثرم، انظر "فتح الباري" (8/ 120) "زاد المعاد" (3/ 504 - 505).

قلت: قال ابن القيم في "الهدي (¬1) ": إن هذا مما عد في أوهام الزهري فإنه لا يعلم عن أحد من أهل المغازي والسير [البتة] (¬2) ذكر هذين الرجلين في أهل بدر لا ابن إسحاق ولا موسى بن عقبة ولا الأموي ولا الواقدي، ولا أحد ممن عد أهل بدر ولذلك ينبغي أن لا يكونا من أهل فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يهجر حاطباً ولا عاتبه وقد جسَّ عليه وقال لعمر لما هم بقتله: "وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم" وأين ذنب التخلف من ذنب الجس. انتهى كلامه. وتعقبه الحافظ ابن حجر (¬3) فقال: قلت: ليس ما استدل به بواضح؛ لأنه يقتضي أن البدري إذا جنى جناية [341/ ب] ولو كثرت لا يعاقب عليها وليس كذلك، فهذا عمر مع كونه المخاطب فلي قصة حاطب قد جلد قدامه بن مظعون [أي] (¬4): لما شرب الخمر - وهو بدري كما تقدم وإنما لم يعاقب النبي - صلى الله عليه وسلم - حاطباً ولا هجره؛ لأنه قبل عذره في كونه غريباً خشية على أهله وولده، وأراد أن يتخذ عندهم يداً فعذره لذلك، بخلاف تخلف كعب وصاحبيه فإنَّه لم يكن لهم عذر أصلاً، انتهى كلام ابن حجر فرد كلام ابن القيم، وأن من شهد بدراً كغيره يعاقب على ذنبه، وأنه إنما لم يعاقب - صلى الله عليه وسلم - حاطباً؛ لأنه قبل عذره لا لأنه من أهل بدر، فأقر كلام ابن القيم في أن حاطباً ما عوتب ولا هجر وخالفه في العلة وأنها قبول عذره. قلت: وهذا منهما رحمهما الله عجيب فإنه ذهل ابن القيم وابن حجر في كون حاطباً لم يعاتبه - صلى الله عليه وسلم - فإن الله وقع منه عتاب لحاطب من أشد العتاب وأعظم مما أتى في آيات الكتاب فإنه أنزل: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ [342/ ب] تُلْقُونَ ¬

_ (¬1) في "زاد المعاد" (3/ 505). (¬2) زيادة من (أ). (¬3) في "الفتح" (8/ 120). (¬4) في (أ) الحد.

إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} إلى قوله: {وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (1)} (¬1)، وما زال تعالى ينزل العتاب على أساليب وضرب للأمثال بالخليل وقومه حتى ختم السورة بقوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ} (¬2) الآية. فأي عتاب أوجع من هذا العتاب؟ وكيف وهو عتاب من الرب تعالى تذوب له القلوب! ويعلم أن الجسَّ من أعظم الذنوب بلغة أشرف خلق الله بكلام إلهي يجب إبلاغه إلى كل مكلف من الإنس والجان وتدوم تلاوته بكل لسان فكيف أنه - صلى الله عليه وسلم - ما عاتب حاطباً. وأما قول ابن القيم (¬3): ولا هجره. أي: كما هجر الثلاثة. فجوابه أن العقوبات للذنوب ليست نوعاً واحداً حتى تعين بل أنواع العقوبات كثيرة جرت بتعددها حكمة الله وعلمه فعاقب تعالى على الجسّ أعظم عقوبة بالعتاب الذي تولاه والوعيد والتهديد والتشديد، وعاقب الثلاثة بأمر العباد بهجرهم وترك مكالمتهم ومخاطبتهم وهي من عظيم العقوبات أن يصير بين الأحياء كالأموات. ويظهر لي - والله أعلم - أن خصوصية هذه العقوبة بالثلاثة أنهم اختاروا لأنفسهم هجر رَسُولِ الله [343/ ب]- صلى الله عليه وسلم - وهجر المسلمين بتخلفهم عنهم والبقاء في الخالفين والقاعدين [98/ أ] مع كونهم آثمين، فكان جزاءهم من جنس ما اختاروه بأن أمر الله رسوله - صلى الله عليه وسلم - وعباده المؤمنين بأن يهجروهم وهو بين ظهورهم، يلاقونهم فلا يكالمونهم ولا يجالسونهم، ولا يدنون منهم، والمؤمنون في هجرهم إياهم مثابون وبه مأمورون، وكان لسان ¬

_ (¬1) سورة الممتحنة الآية (1). (¬2) سورة الممتحنة الآية (13). (¬3) في "زاد المعاد" (3/ 505).

القدر يقول لهم: اخترتم لأنفسكم هجر الرسول وأصحابه بالتخلف عنهم وأنتم آثمون، فهم الآن يهجرونكم وهم مثابون ولا يكالمونكم وهم لأمر الله فيكم ممتثلون فذوقوا ما طلبتم من هجرٍ ضاقت به عليكم الأرض بما رحبت، ولكنه آل بكم رحمة الله إلى قبول التوبة برحمته أنه أرحم الراحمن، وأسرار الله وحكمه لا تحيط به العقول، ولا تتناهى، بل يعطي تعالى كلاً من فضله فإني لم أقف على هذا لأحد، فلله الحمد ونسأله المزيد. قوله: "أيها الثلاثة" بالرفع وموضعه، نصب على الاختصاص كما قاله سيبويه (¬1)، "فما هي الأرض التي أعرف". قال ابن القيم (¬2): هذا التنكر يجده الخائف، والحزين، والمفهوم في الأرض، وفي الشجر، والنبات، حتى يجده فيمن لا يعلم حاله من الناس، ويجده المذنب العاصي بحسب جرمه حتى في خلق زوجته وولده، ودابته، ويجده الإنسان في نفسه، فتتنكر له نفسه فما هي نفسه التي يعرفها، وهذا سر من الله لا يخفى [إلا على قلب ميت وعلى حسب حياة القلب يجده هذا والوحشة] (¬3). قوله: "خمسين ليلة" [344/ ب] هي قريب العدة التي فارقوا فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإنه خرج من المدينة في خامس رجب ورجع إليها في رمضان. قوله: "هل حرك شفتيه برد السلام". ¬

_ (¬1) انظر: "الكتاب" (2 - 240 - 243). و"فتح الباري" (8/ 120). (¬2) في "زاد المعاد" (3/ 506 - 507). (¬3) كذا العبارة في المخطوط، والذي في "زاد المعاد" (3/ 507) إلا على من هو ميت القلب، وعلى حسب حياة القلب يكون إدراك هذا التنكر والوحشة، وما لجرحٍ بميتٍ إيلام.

أقول: ليس فيه إخبار (¬1) بالرد ولا بعدمه، فمن جزم وقال: إنه - صلى الله عليه وسلم - إنما لم يرد عليه لعموم النهي عن كلامهم. وفيه أن السلام كلام فمن حلف أن لا يكلم فلاناً فسلم عليه أو ردَّ عليه سلاماً حنث. وفيه ترك السلام على المبتدعة ونحوهم، وهذا بناءً على أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يرد السلام، واستدل له ابن القيم (¬2) أنه لو كان الرد واجباً لأسمعه - صلى الله عليه وسلم - إياه. قوله: "حائط أبي قتادة". أبو قتادة اسمه: الحارث بن ربعي السلمي، وقيل: النعمان، شهد بدراً وما بعدها، وبدراً في قول. قوله: فقال: "الله ورسوله أعلم". قال القاضي (¬3): لعل أبا قتادة لم يرد تكليمه بهذه الكلمة؛ لأنه منهي عن كلامه، وإنما قال ذلك لنفسه لما ناشده الله فقال أبو قتادة: ذلك مظهراً لاعتقاده لا ليسمعه. قوله: "نَبَطي" أي: بالنون والموحدة، مفتوحات، والنبط هم قوم العرب دخلوا في العجم والروم واختلف أنسباهم، وفسدت ألسنتهم، ويقال لهم: النبط والأنباط، سموا بذلك إذ همهم بأنباط الماء، أي: استخراجه لكثرة معالجتهم الفلاحة ومنزلهم البطائح (¬4). ¬

_ (¬1) قال الحافظ في "الفتح" (8/ 120) لم يجزم كعب بتحريك شفتيه - عليه السلام -، ولعل ذلك بسبب أنه لم يكن يديم النظر إليه من الخجل. (¬2) (3/ 508) وإليك نص العبارة. فيه دليل على أن الرد على من يستحق الهجر غير واجب، إذ لو وجب الرد لم يكن بد من إسماعه. (¬3) في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (8/ 279). (¬4) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 704). "الفائق" للزمخشري (3/ 402) "فتح الباري" (8/ 120 - 121).

قوله: "قلت: هذا أيضاً من البلاء". أي: من ابتلاء الله واختباره لإيمانه، ومحبته لله ورسوله، وإظهاراً للصحابة أنه ليس عن ضعف إيمان؛ لأنه هجر رسول الله صلى الله [345/ ب] عليه وآله وسلم والمسلمين، وأنه ليس ممن تحمله الرغبة في الجاه والملك مع هجر النبي - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين له على مفارقة دينه، وهذا فيه تبرئة الله له من النفاق، وبيان صحة إيمانه، ولذا بادر بتسجير التنور بالصحيفة، وإتلافها خشية الفساد (¬1) من إبقائها لئلا تبقى سبباً للوسوسة بما فيها، وهذا كإراقة العصير خشية أن يتخمر، وهكذا تجب المسارعة إلى تحريق كتب الزنادقة والباطنية وكل ما فيه ضلالة كفصوص (¬2) ابن عربي وفتوحه (¬3). ¬

_ (¬1) انظر: "زاد المعاد" (3/ 509) "فتح الباري" (8/ 121). (¬2) فصوص الحكم: من مؤلفات ابن عربي، زعم أنه ألقاه إليه الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وإنما الذي ألقاه إليه الشيطان؛ لأن فيه من الكفر والإلحاد ما قد بينه ابن تيمية في حقيقة الاتحاديين. قال أبو العلاء غففي في مقدمة (الفصوص): له طريقة في تأويل الآيات فيها تعسف وشطط ويعمد إلى تعقيد البسيط، وإخفاء الظاهر لأغراض في نفسه. ويقول "نيكولسون" في وصف أسلوب ابن عربي إنه يأخذ نصاً من القرآن أو الحديث ويؤوله بالطريقة التي نعرفها في كتابات فيلون اليهودي، وأريجن الاسكندري. وقد طبع الكتاب (سنة 365 هـ) - دار إحياء الكتب العربية - مجلد واحد، الجزء الأول فيه نص كتاب الفصوص، والجزء الثاني تعليقات عليه لأبي العلاء عفيفي. انظر: حاشية "الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان" لابن تيمية (ص 192) تحقيق د/ عبد الرحمن عبد الكريم اليمي. كتب ليست من الإسلام (7/ 11، 27، 46). (¬3) "الفتوحات المكية"، من أكبر مؤلفات ابن عربي، وآخرها تأليفاً، ألفها في فترة إقامته في مكة، ثم كتبها ثانية بدمشق، وذكر أنه زاد عليها زيادات لا توجد في النسخة الأولى. =

وتائيه ابن الفارض (¬1) وشروحها، وكتاب الجيلي (¬2). فكلها مضادة لما أنزل الله تعالى قلبت معاني ألفاظ القرآن إلى غيرها ما أنزلها به من الهدى والبينان وصيرته من وحي الشياطين داعياً للكفر والضلالات. وقوله: "وسجرته" أي: أوقدته. (نكتة): اتفق لي سنة (74) لعله في رجب منها أنه أتاني إنسان من أهل العلم بكتاب قد بهره ما فيه من المضادة لما فيه القرآن ومن أمارة الشر والهذيان، فقال لي: انظروا هذا [99/ أ]!! فنظرته، فرأيت فيه كل عجاب وهو كتاب الجيلي الذي سماه "الإنسان الكامل" وكنت قد عرفته من مدة فزادني تأمله يقيناً بوجوب إحراقه وإليه مضموماً "المضنون به عن غير أهله" كتاب منسوباً إلى الغزالي، ولم أكن قد رأيته قبل ذلك، وإذا هو أنجس طريقةً، وأخبث في الحقيقة، فحرقتهما على انضاج مأكول بنارهما، وأكلت ذلك المطبوخ لقصد علة كانت معي فزالت بحمد الله. وقد ذكر نحو هذه [346/ ب] القضية العلامة المقبلي - رحمه الله -، وأن الإمام ¬

_ = الكتاب مطبوع في أربع مجلدات كبيرة/ ط: دار الكتب العربية المصرية، ويكاد يشتمل كل ما أورده ابن عربي في مؤلفاته الأخرى. قال ابن كثير في "البداية والنهاية" (13/ 249) فيه - كتاب "الفتوحات" - ما يعقل وما لا يعقل، وما ينكر وما لا ينكر، وما يعرف وما لا يعرف. "كشف الظنون" (2/ 1238). (¬1) هو عمر بن علي مرشد المصري، أشهر المتصوفين، توفي سنة (632 هـ/ 1235 م). (¬2) الجيلي ويقال: الجيلاني، هو عبد القادر بن موسى، مؤسس الطريقة القادرية في التصوف توفي (سنة 561 هـ).

المتوكل إسماعيل بن القاسم رحمة الله صنع نحو هذا في كتاب "الفصوص" وأطعم بناره طعاماً لامرأة كانت بها علة فزالت (¬1). قال المقبلي (¬2): أنه حكى هذا لبعض من يعظم ابن عربي، فقال: هذا من بركات الشيخ. قلت: فيقال له فتحرق المصاحف القرآنية، وتجعل حطباً يطبخ بها لأمراض البرية، وهكذا فليكن الضلال!!! قوله: "فإني رجل شاب" أي: أقدر على خدمة نفسي وأخاف على نفسي من حدة الشباب أن أصيب امرأتي وقد نهيت عنها. قوله: "فخررت لله ساجداً" هذا هو سجود (¬3) الشكر قد فعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قوله: "واستعرت ثوبين". قال الواقدي (¬4): استعارهما من أبي قتادة. قوله: "أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك" (¬5) استشكل بيوم إسلامه فيقدر استثناؤه، وقيل: لأن يوم توبته مكملاً ليوم إسلامه. ¬

_ (¬1) انظر: "العلم الشامخ" (ص 573 - 574). (¬2) انظر: "العلم الشامخ" (ص 570 - 573). (¬3) عن أبي بكرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أتاه أمر يسره أو بشر به خر ساجداً شكراً لله تعالى. [أخرجه أحمد (5/ 45) وأبو داود رقم (2774) والترمذي رقم (1578) وابن ماجه رقم (1394)]، وهو حديث حسن. (¬4) ذكره الحافظ في "الفتح" (8/ 122). (¬5) قال الحافظ في "الفتح" (8/ 122) استشكل هذا الإطلاق بيوم إسلامه، فإنه مر عليه بعد أن ولدته أمه وهو خير أيامه فقيل: هو مستثنى تقديراً، وإن لم ينطق به لعدم خفائه، والأحسن في الجواب أن يوم توبته مكمل ليوم إسلامه.

قوله: "فقام طلحة بن عبيد الله". قال ابن إسحاق: إنه كان أخاً لكعب في الأخوة بين (¬1) المهاجرين [347/ ب] والأنصار. قوله: "قطعة قمر" شبهه بقطعة منها لا بكلها مع أنه المعهود؛ لأن القصد إلى موضع الاستنارة وهو الجبين، وفيه يظهر السرور، فناسب أن يشبه ببعض القمر. قوله: "إنما أنخلع من مالي" أي: أخرج منه فنهاه - صلى الله عليه وسلم - وأمره بإمساك بعضه خوفاً عليه من التضرر بالفقر والندم عليه. قوله: "أبلاه الله" أي: أنعم عليه والإبلاء والبلاء يكون في الخير والشر، وإذا أطلق البلاء يكون في الشر غالباً، فإن أريد الخير قيد كما قيد هنا بأحسن. قوله: "أن لا أكون كذبته كلمة". (لا) زائدة (¬2) كقوله تعالى: {مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسجُدَ} (¬3). وقوله: "فأهلك" بكسر اللام، وفتحها شاذ. قوله: " [أو] (¬4) التورية (¬5) " إخفاء الشيء وإظهار غيره أصلها، وراء كأنه جعل الشيء وراء ظهره. ¬

_ (¬1) قال ابن حجر في "الفتح" (8/ 122): والذي ذكره أهل المغازي، أنه كان أخا الزبير، لكن كان الزبير آخا طلحة في أخوة المهاجرين، فهو أخو أخيه. (¬2) ذكره القاضي عياض في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (8/ 284 - 285). (¬3) سورة الأعراف الآية (12). (¬4) زيادة من (أ). (¬5) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 843) "غريب الحديث" للهروي (1/ 197).

وقال النووي في "الأذكار (¬1) " التورية: أن يقصد بالعبارة مقصوداً صحيحاً ليس هو كاذباً بالنسبة إليه، وإن كان كاذباً في ظاهر اللفظ. انتهى. وقال القاضي عياض [348/ ب] في "الشفاء (¬2) " على قوله: "ورَّى بغيرها": ليس فيه خلف في القول، وإنما هو ستر مقصده، لئلا يأخذ عدوُّه حذره، وكتم وجه ذهابه بذكر السؤال عن موضع آخر، والبحث عن إخباره والتعريض بذكره، لا أنه يقول: تجهزوا إلى موضع كذا أو وجهتنا إلى موضع كذا خلاف مقصده، فهذا لم يكن؛ والأول ليس فيه خبر يدخله الخلف. انتهى. 25 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما -: فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا}، {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ} نسختها: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً}. أخرجه أبو داود (¬3). [حسن] ¬

_ (¬1) (2/ 918). (¬2) (2/ 780 - 781). (¬3) في "السنن" رقم (2505) وهو حديث حسن. قال ابن جرير في "جامع البيان" (12/ 73 - 74). والصواب من القول في ذلك عندي أن الله عنى بها الذين وصفهم بقوله: {وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ} الآية، ثم قال جل ثناؤه: ما كان لأهل المدينة الذين تخلفوا عن رسول الله، ولا لمن حولهم من الأعراب الذين قعدوا عن الجهاد معه، أن يتخلفوا خلافه، ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه، وذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان ندب في غزوته تلك كل من أطاق النهوض معه إلى الشخوص إلا من أذن له، أو أمره بالمقام بعده، فلم يكن لمن قدر على الشخوص التخلف، فعدد جل ثناؤه من تخلف منهم، فأظهر نفاق من كان تخلفه منهم نفاقاً، وعذر من كان تخلفه كان لعذر، وتاب على من كان تخلفه تفريطاً من غير شك ولا ارتياب في أمر الله، إذ تاب من خطأ ما كان منه من الفعل، فأما التخلف عنه في حال استغنائه، فلم يكن محظوراً، إذ لم =

(سورة يونس)

26 - نَجْدَةُ بْنُ نُفَيْعٍ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - عَنْ هَذِهِ الآيَةِ: " {إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} قَالَ: فَأُمْسِكَ عَنْهُمُ الْمَطَرُ فَكَانَ عَذَابَهُمْ". أخرجه أبو داود (¬1). [ضعيف] (سورة يونس) 1 - عن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قوله تعالى: {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [يونس: 64] قال: هي الرؤيا الصالحة يراها العبد المؤمن أو ترى له" أخرجه الترمذي (¬2). [حسن] قوله: "أخرجه الترمذي". قلت: أخرجه من طريقين كلاهما فيها رجل مجهول فإنه قال: ثنا ابن أبي عمر قال: ثنا سفيان، عن ابن المنكدر، عن عطاء بن يسار، عن رجل من أهل مصر قال: سألت أبا ¬

_ = يكن عن كراهة منه - صلى الله عليه وسلم - ذلك، وكذلك حكم المسلمين اليوم إزاء إمامهم، فليس بفرض على جميعهم النهوض معه، إلا في حال حاجته إليهم لما لا بد للإسلام وأهله من حضورهم واجتماعهم، واستنهاضه إياهم، فيلزمهم حينئذ طاعته. وإذا كان ذلك معنى الآية، لم تكن إحدى الآيتين اللتين ذكرنا ناسخة للأخرى، إذ لم تكن إحداهما نافية حكم الأخرى من كل وجوهه، ولا جاء خبر يوجه الحجة بأن إحداهما ناسخة للأخرى. (¬1) في "السنن" رقم (2506) وهو حديث ضعيف. قلت: وأخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (11/ 461) وابن أبي حاتم (6/ 1797) والبيهقي في "السنن الكبرى" (9/ 48) والحاكم (2/ 118). (¬2) في "السنن" رقم (2275). قلت: وأخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (12/ 216) وأحمد (5/ 315) والحاكم (2/ 340) والدارمي (2/ 123) وابن ماجه رقم (3898) وهو حديث حسن.

الدرداء (¬1) عن هذه الآية: {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [يونس: 64] قال: ما سألني [349/ ب] عنها منذ سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنها أحد غيرك منذ أنزلت هي: الرؤيا الصالحة. الحديث. ثم أخرجه الترمذي من طريق أخرى فيها ذلك الرجل من أهل مصر. ثم أخرجه من طريق ثالثة، وليس فيها عطاء بن يسار، ولم يتكلم (¬2) على هذه الروايات: ثم قال: وفي الباب عن عبادة بن الصامت. انتهى كلام الترمذي. والذي قال إنه في الباب عن عبادة، وجدناه في "الدر المنثور (¬3) " بلفظ أخرج الطيالسي (¬4)، وأحمد (¬5)، والدارمي (¬6)، والترمذي (¬7)، وابن ماجه (¬8)، والهيثم بن كليب الشاسي (¬9)، والحكيم الترمذي (¬10)، وابن جرير (¬11)، وابن المنذر (¬12). ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي في "السنن" رقم (2273). وهو حديث حسن. (¬2) بل قال عقب الحديث رقم (2273): وفي الباب عن عبادة بن الصامت، ثم قال: هذا حديث حسن. وقال عقب الحديث رقم (2275) هذا حديث حسن. (¬3) (4/ 374). (¬4) في "مسنده" رقم (584). (¬5) في "المسند" (5/ 321). (¬6) في "مسنده" (2/ 123). (¬7) في "السنن" رقم (2275). (¬8) في "السنن" رقم (3898). (¬9) في "مسنده" (1216/ 1). (¬10) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (4/ 374). (¬11) في "جامع البيان" (12/ 215، 216). (¬12) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (4/ 374).

والطبراني (¬1)، وأبو الشيخ (¬2)، والحاكم (¬3) وصححه، وابن مردويه (¬4)، والبيهقي (¬5)، عن عبادة قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قوله: {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [يونس: 64] قال: "هي الرؤيا الصالحة يراها المؤمن أو تُرى له". انتهى. فهذه التي أشار إليها الترمذي لا أنه أخرجها كما قال السيوطي هنا بأن قوله. وفي الباب عن فلان [100/ ب] كما عرفناك عند قول المؤلف أخرجه رزين. هذا وفي "الدر (¬6) " روايات عن ابن عمر (¬7)، وأبي هريرة (¬8). ¬

_ (¬1) في "الشاميين" (2253). (¬2) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (4/ 374). (¬3) في "المستدرك" (4/ 311). (¬4) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (4/ 374). (¬5) في "الشعب" رقم (4753). (¬6) (4/ 374 - 375). (¬7) أخرجه أحمد في "المسند" (2/ 18) ومسلم في صحيحه رقم (2265) وابن ماجه رقم (3897) والنسائي في "الكبرى" (7626) والبيهقي في "الدلائل" (7/ 9) وابن أبي شيبة في مصنفه (11/ 52) وهو حديث صحيح. (¬8) أخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (12/ 218) بلفظ: الرؤيا الصالحة يراها العبد الصالح أو ترى له، وهي في الآخرة الجنة. وأخرج ابن أبي شيبة في مصنفه (11/ 54) والنسائي في "الكبرى" رقم (10744) وابن جرير في "جامع البيان" (12/ 217 - 218).

وعن جابر (¬1) بن عبد الله بن رباب، وليس بالأنصاري، وعن جابر بن عبد الله (¬2)، وابن عباس (¬3)، وعن حذيفة (¬4)، وغيرهم. وفيه رواية (¬5) أن البشرى هو أنه يقال له قبل موته: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62)} [يونس: 62] وقوله: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} [فصلت: 30] عن ابن عباس، وعنه رواية (¬6) هي قوله لنبيه: {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا (47)} (¬7). 2 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَمَّا أَغْرَقَ الله تَعَالَى فِرْعَوْنَ قَالَ: {آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ} [يونس: 90] قَالَ جِبْرِيلُ: يَا مُحَمَّدُ! لَوْ ¬

_ (¬1) عزاه السيوطي في "الدر المنثور" (4/ 375) لابن سعد والبزار، وابن مردويه، والخطيب في "المتفق والمفترق". وقال الحافظ في "الكافي الشاف" (ص 144) وعن جابر بن عبد الله بن رباب، هذا جابر بن عبد الله بن رباب صحابي لم يرو له أحد من أهل الأمهات وهو غير جابر بن عبد الله بن عمرو بن حزام المشهور، وقد ينسب إلى جده فيقال: جابر بن رباب، ذكره المؤلف في كتابه "الإصابة في معرفة الصحابة" وذكر أنه من الستة الذين شهدوا العقبة الأولى ومن شهد بدراً، والله أعلم. (¬2) أخرجه مسلم في صحيحه رقم (2262) وأحمد في مسنده (3/ 342، 350). (¬3) أخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (12/ 223). (¬4) عزاه السيوطي في "الدر المنثور" (4/ 375) لابن مردويه. (¬5) عزاه السيوطي في "الدر المنثور" (4/ 378) لابن المنذر. (¬6) أخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (12/ 223) وعزاه السيوطي في "الدر المنثور" لابن جرير وابن المنذر. (¬7) سورة الأحزاب الآية (47).

رَأَيْتَنِي وَأَنَا آخُذُ مِنْ حَالِ الْبَحْرِ، وَأَدُسُّهُ فِي فِيهِ مَخَافَةَ أَنْ تُدْرِكَهُ الرَّحْمَةُ". أخرجه الترمذي (¬1) وصححه. [صحيح] "وحَالُ الْبَحْرِ" بالمهملة: طينه الأسود الذي في قعره. قوله: "من حال البحر" في النهاية (¬2): إنه الطين الأسود كالحمأة. قوله: "خشية أن يقول: لا إله إلا الله فيرحمه". الحديث أخرجه الترمذي وقال (¬3): غريب حسن صحيح، وأخرجه أيضاً (¬4) من طريق أخرى كلاهما [350/ ب] عن ابن عباس وقال فيها (¬5): حسن فقط. والحديث أخرجه جماعة: ابن جرير (¬6)، وابن المنذر (¬7)، وابن أبي حاتم (¬8)، وابن حبان (¬9)، وأبو الشيخ (¬10)، والحاكم (¬11) وصححه. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (3108). قلت: وأخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (12/ 276) وأحمد (4/ 45) وابن أبي حاتم في تفسيره (6/ 1982) والطيالسي (2740) وهو حديث صحيح. (¬2) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 455). (¬3) في "السنن" (5/ 288). (¬4) في "السنن" رقم (3107) وهو حديث صحيح. (¬5) في "السنن" (5/ 287). (¬6) في "جامع البيان" (12/ 276). (¬7) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (4/ 386). (¬8) في تفسيره (6/ 1982). (¬9) في صحيحه رقم (6215). (¬10) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (4/ 386). (¬11) في "المستدرك" (1/ 57).

وابن مردويه (¬1)، والبيهقي في "الشعب" (¬2). واستشكله من المعتزلة الزمخشري، ومن الأشعرية الرازي، فأما الزمخشري (¬3) فأنكر لفظه "خشية أن تدركه رحمة الله" فإنه أقرب أصل الحديث ثم قال: وأما ما نقم الله من قولهم خشية أن تدركه رحمة الله فمن زيادات الباهتين لله وملائكته، وفيه جهالتان: أحدهما: أن الإيمان يصح بالقلب كإيمان الأخرس، فحال البحر لا يمنعه، والأخرى: من كره إيمان الكافر وأحب بقاءة على الكفر فهو كافر؛ لأن الرضا بالكفر كفر. انتهى. وقال الرازي (¬4): والجواب الأقرب أن الحديث لا يصح (¬5)؛ في تلك الحالة إما أن يقال التكليف كان ثابتاً، أو ما كان ثابتاً لم يجز على جبريل أن يمنعه التوبة، بل يجب عليه أن يعينه عليها وعلى كل طاعة لقوله: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2] الآية، ثم ذكر الوجه الذي ذكره "الكشاف" (¬6) بأنه يتم الإيمان في القلب ولو ختم لسانه، ثم ذكر الرضا بالكفر كفر، ثم قال (¬7): وأيضاً فكيف بالله أن يأمر موسى وهارون أن يقولا له قولاً ليناً لعله يذكر أو يخشى، بأن يمنعه من الإيمان، ولو قيل: بأن جبريل فعل ذلك من عند نفسه لا بأمر الله فإنه يبطله قول جبريل: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ} (¬8) وقوله في صفته: {وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ ¬

_ (¬1) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (4/ 386). (¬2) رقم (9391، 9392، 9393). (¬3) في "الكشاف" (3/ 170 - 172). (¬4) في تفسيره (17/ 156). (¬5) بل هو حديث صحيح. (¬6) (3/ 172). (¬7) الرازي في تفسيره (17/ 156). (¬8) سورة مريم الآية (64).

مُشْفِقُونَ (28)} (¬1)، وقوله: {لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ} (¬2)، وأما إن قيل: إن التكليف كان زائلاً عن فرعون في ذلك الوقت فحينئذٍ لا يبقى لهذا الذي فعل جبريل فائدة أصلاً، انتهى ببعض اختصار. فالزمخشري ردَّ اللفظة التي فيها الإشكال رواية، وأبان ما فيها من الإشكال درايةً، وتبعه الرازي فيهما ولكن رد بعض الحديث وقبول بعضه مشكل؛ لأنها رواية واحدة من طرق عديدة لا وجه لردها من حيث الرواية. وأما الإشكالان اللذان [351/ ب] ردها بسببهما، فقد أشار في "الإتحاف" إلى ردهما؛ لأنه اعتمد أنه يصح الإيمان بالقلب دون اللسان قال: وهو كلام خارج عما تضمنه الحديث، إذ لا نزاع أن فرعون قد تكلم بكلمة الإيمان. قلت: فينتقل إلى إشكال آخر: وهو أنه أي فائدة في دس جبريل في فيه من حال البحر إنما هو لئلا ينطق بكلمة الإيمان وقد نطق بها ولا يفعل جبريل إلا بأمر الله، ولا يأمر الله بفعل عبث، ثم قال في "الإتحاف" رداً للإيراد. الثاني: الذي أورده الزمخشري فكذلك لم يتضمن الحديث إرادة بقاء فرعون على الكفر؛ لأنه قد آمن ولم يبق في وسعه غير ما فعل، فإن أراد الزمخشري على خلاف الإيمان فليس بلازم؛ لأنه قد آمن، وإن أراد بقاء حكم الكفر لعدم قبول الإيمان بالله، فدار إبقاء حكم الكفر على الكافرين [أبد] (¬3) الآبدين منذ منعهم التوبة. انتهى. ¬

_ (¬1) سورة الأنبياء الآية (28). (¬2) سورة الأنبياء الآية (27). (¬3) في (أ. ب) أبداً، ولعل الصواب ما أثبتناه.

ولا يخفى أن دس جبريل لحال [101/ أ] البحر لئلا تدركه الرحمة. أي: فيخرج عن الكفر بالرحمة، وهذا عين إرادة بقائه على الكفر، وأما القسم الآخر من [] (¬1) فلم يرده الزمخشري. وأما قول الرازي (¬2) أنه كيف يأمر رسوليه - عليهما السلام - بأن يقولا لفرعون قولاً ليناً، ويأمر جبريل أن يمنعه من الإيمان ففيه شيئان: الأول: أنه قد ذكر أن الإيمان بالقلب صحيح، إذا منعت اللسان، فأي نفع من دسه لحال البحر في فيه، ومثله قال الزمخشري. الثاني: أنه تعالى أمر رسوليه - عليهما السلام - بالقول اللين أول الأمر ثم لما تمادى في كفره قال الله: {آسَفُونَا} أي: أغضبونا. {انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ} [الزخرف: 55] فلا منافاة بين حال الإغضاب وقبله. وأما الإشكال الوارد على صاحب "الإتحاف" بعد قوله بأنه قد آمن بأنه كيف لم يقبل الله إيمانه وقد بذل وسعه، فقد أجاب هو عنه بأنه مثل قوله تعالى: {فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا [352/ ب] قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (84) فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ} [غافر: 84، 85]. انتهى. فجعله كإيمان من حضره الموت وإلى مثله ذهب الرازي، فإنه أورد السؤال وأجاب عنه بشبه أجوبة هذا أحدها: أنه إنما آمن عند نزول العذاب، والإيمان في هذا الوقت غير مقبول؛ لأن عند نزول العذاب يصير الحال وقت الإلجاء، وفي هذه الحال لا تكون التوبة مقبولة، ولهذا السبب قال: {فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا} [غافر: 85] انتهى. ¬

_ (¬1) كلمة غير مقروءة. (¬2) في تفسيره (17/ 156).

وصاحب "الإتحاف" لم يرتض تعليل عدم القبول بالإلجاء، بل بما علله الله أنها سنته التي قد خلت في عباده. وقال أبو السعود (¬1): إن قوله تعالى: {آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ} [يونس: 91] الآية، فيها من الدلالة على عظم السخط وشدة الغضب ما لا يخفى، كما يفصح عنه ما روي أن جبريل دسَّ فاه عند ذلك بحال البحر ولسده به، فإنه تأكيد للرد القولي بالرد الفعلي، ولا ينافيه تعليله بمخافة إدراك الرحمة، إذ المراد بها الرحمة الدنيوية. أي: النجاة التي هي طلبة المخذول، وليس من ضرورة إدراكها صحة الإيمان، كما في إيمان قوم يونس، حتى يلزم من كراهية ما لا يتصور في شأن جبريل من الرضى بالكفر، إذ لا استحالة في ترتيب هذه الرحمة على مجرد التفوه بكلمة الإيمان، وإن كان ذلك في حالة اليأس، فيحمل. دسه على سد باب الاحتمال البعيد بكمال الغيظ وشدة الحرْدِ فتدبر. والله الموفق. انتهى بلفظه. ويريد بالرحمة الدنيوية تخليصه من الغرق، وهو نظير: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ} (¬2). قلت: فهذه أقوال أئمة التحقيق من كل فريق، ولم يصف ماؤها (¬3) عن الكدر، ولا اتضح وجه الحديث بها، ولا أسفر فالذي يقوى أنه من الأحاديث المتشابهة. والله أعلم. ¬

_ (¬1) في تفسيره (3/ 536 - 537). (¬2) سورة الإسراء الآية (67). (¬3) قال الحافظ في "الكافي الشاف" (ص 144 - 145). قوله "والذي يحكي" ... إلى قوله: "لأن الرضا بالكفر كفر" هذا إفراط منه في الجهل بالمنقول والغض من أهله، فإن الحديث صحيح الزيادات، وقد أخرجه الترمذي وصححه، والنسائي، وابن حبان، والحاكم، وإسحاق، والبزار، وأبو داود، والطيالسي، كلهم من رواية شعبة، عن عدي بن ثابت، وعطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، رفعه أحدهما إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن جبريل كان يدس في فم فرعون =

يجب بها الإيمان ونوكل المراد بها الرحمن [353/ ب]. ¬

_ = الطين مخافة أن يقول: لا إله إلا الله فيرحمه الله" لفظ الترمذي والباقين نحوه، وله طريق أخرى أخرجها أحمد، وإسحاق، وعبد بن حميد، والبزار، والطبراني، من رواية حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن يوسف بن مهران، عن ابن عباس، بلفظ: "لما أغرق الله فرعون قال: آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل، قال جبريل: يا محمد! فلو رأيتني وأنا آخذ الطين من حال البحر فأدسه في فيه مخافة أن تدركه الرحمة، وله طريق أخرى أخرجها يحيى بن عبد الحميد الحمائي في مسنده، عن أبي خالد الأحمر، عن عمرو بن يعلى، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: قال جبريل - عليه السلام - للنبي - صلى الله عليه وسلم -: وذكر فرعون "فلقد رأيتني وأنا لأكبر فيه بالحمأة مخافة أن تدركه الرحمة، وفي الباب عن أبي هريرة أخرجه الطبري وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب في السادس والخمسين، وابن مردويه من طريق عتبة بن سعيد عن كثير بن زاذان عن أبي حازم عنه؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: قال لي جبريل: "لو رأيتني وأنا آخذ من حال البحر فأدسه في في فرعون؛ مخافة أن يقول ربي الله، فتدركه رحمة الله" وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "قال لي جبريل: يا محمد! ما غضب ربك على أحد غضبه على فرعون إذ قال: ما علمت لكم من إله غيري، وإذ نادى فقال: أنا ربكم الأعلى، فلما أدركه الغرق استغاث وأقبلت أحشو فاه؛ مخافة أن تدركه الرحمة" أخرجه الطبراني، وابن مردويه، من رواية محمد بن سليمان بن أبي ضمرة, عن عبد الله بن أبي قيس عنه. قلت: وأما الوجهان اللذان ذكرهما الزمخشري، فللحديث توجيه وجيه, لا يلزم منه ما ذكره الزمخشري؛ وذلك أن فرعون كان كافراً كفر عناد؛ ألا ترى إلى قصته حيث توقف النيل، وكيف توجه منفرداً وأظهر أنه مخلص، فأجرى له النيل، ثم تمادى على طغيانه وكفره، فخشى جبريل أن يعاود تلك العادة فيظهر الإخلاص بلسانه، فتدركه رحمة الله فيؤخره في الدنيا، فيستمر على غيه وطغيانه؛ فدس في فيه الطين؛ ليمنعه التكلم بما يقتضي ذلك، هذا وجه الحديث، ولا يلزم منه جهل ولا رضا بكفر، بل الجهل كل الجهل ممن اعترض على المنقول الصحيح برأيه الفاسد، وأيضاً فإيمانه في تلك الحالة على تقدير أنه كان صدقاً بقلبه لا يقبل؛ لأنه وقع في حال الاضطرار؛ ولذلك عقب في الآية بقوله تعالى: {آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ} وفيه إشارة في قوله تعالى: {فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا}. انتهى.

(سورة هود)

(سورة هود) 1 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ - رضي الله عنه -: يَا رَسُولَ الله! قَدْ شِبْتَ! قَالَ: "شَيَّبَتْنِي هُودٌ, وَالْوَاقِعَةُ، وَالْمُرْسَلاَتُ، وَعَمَّ يَتَسَاءَلُونَ، وَإِذَا الشَّمْسُ كوِّرَتْ". أخرجه الترمذي (¬1). [صحيح] قوله: "قال أبو بكر: يا رسول الله! قد شبت". أي: قد ظهر فيك شيء منه، وإلا فإنه كما في كتب السير توفي - صلى الله عليه وسلم - وما فيه نحو عشرين شعرة بيضاء، فذكر هذه السور لما فيها من أوصاف أحوال الآخرة. قوله: "أخرجه الترمذي". قلت: أخرجه في سورة الواقعة لا في هود ثم قال (¬2) عقب إخراجه: هذا حديث حسن غريب ولا نعرفه من حديث ابن عباس إلا من هذا الوجه [وروي عن علي بن صالح هذا الحديث، عن ابن إسحاق، عن أبي ميسرة شيء من هذا مرسلاً] (¬3) انتهى كلامه. 2 - وعنه - رضي الله عنه -: "أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلهِ تَعَالَى: {أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ} [هود: 5] قَالَ: كانَ أُنَاسٌ يَسْتَحْيُونَ أَنْ يَتَخَلَّوْا فَيُفْضُوا إِلَى السَّمَاءِ، وَأَنْ يُجَامِعُوا نِسَاءَهُمْ فَيُفْضُوا إِلَى السَّمَاءِ، فَنَزَلَ ذَلِكَ فِيهِمْ". ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (3297) وهو حديث صحيح. قلت: وأخرجه الترمذي في الشمائل (41) وابن سعد في "الطبقات" (235) والدارقطني في "العلل" (1/ 200) والمروزي في مسند أبي بكر (30) وهو حديث صحيح، انظر "الصحيحة" رقم (955). (¬2) في "السنن" (5/ 102 - 403). (¬3) كذا في المخطوط (أ. ب) والذي في "السنن" (5/ 402 - 403)، وروى علي بن صالح هذا الحديث عن أبي إسحاق عن أبي جحيفة نحو هذا، وروي عن أبي إسحاق عن أبي ميسرة شيء من هذا مرسلاً.

أخرجه البخاري (¬1). [صحيح] قوله: "كان [أناس] (¬2) ... " إلى [آخره] (¬3). أي: يقضوا الحاجة في الخلاء وهم عراة. وعن ابن التين (4) أنه روي "يتحلوا" بالمهملة. قال الشيخ أبو الحسن الفاسي (¬4): إنه أحسن. أي: يرقد على حلاوة قفاه. قال ابن حجر (¬5): والأول أولى، وفي البخاري روايات عنه وقراءات. 3 - وَعَنْ أَبِي مُوسَى - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: إِنَّ الله تَعَالَى لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ، ثُمَّ قَرَأَ: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (102)} [هود: 102]. أخرجه الشيخان (¬6) والترمذي (¬7). [صحيح] قوله في حديث أبي موسى: "يملي". أي: يمهله، ووقع في رواية الترمذي: "أن الله" وربما قال: "يمهل". ¬

_ (¬1) في صحيحه رقم (4682) وطرفاه في (4682، 4683). وانظر "جامع البيان" (12/ 320). "تفسير ابن كثير" (7/ 412 - 413). (¬2) في (أ) ناس. (¬3) في (أ) يتخلون. (¬4) ذكره الحافظ في "الفتح" (8/ 350). (¬5) في "الفتح" (8/ 350). (¬6) البخاري في "صحيحه" رقم (4686) ومسلم رقم (2583). (¬7) في "السنن" رقم (3110). قلت: وأخرجه ابن كثير في تفسيره (7/ 470) وابن جرير في "جامع البيان" (12/ 572) وابن أبي حاتم في تفسيره (6/ 2083) والبزار في مسنده رقم (3183 - كشف) وأبو يعلى رقم (7322) والنسائي في "الكبرى" رقم (11245) وابن أبي الدنيا في "العقوبات" رقم (248).

قوله: "لم يُفلته". بضم أوله من الرباعي. أي: لم يخلصه، أي: إذا أهلكه لم يرجع عنه الهلاك. قال ابن حجر (1): وهذا على تفسير الظلم بالشرك على إطلاقه، وإن فسر بما هو أعم فيحمل كل على ما يليق به. وقيل: المراد فلم يفلته لم يؤخره. قال ابن حجر (¬1): وفيه نظر؛ لأنه يتبادر منه أن الظالم إذا صرف عن منصبه وأهين، أي: لا يعود إلى غره، والمشاهد بخلاف ذلك، فالأولى حمله على الغالب [102/ أ] [354/ ب]. 4 - وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودُ - رضي الله عنه - قَالَ: "جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله! إِنِّي عَالَجْتُ امْرَأةً فِي أَقْصَى الْمَدِينَةِ، وَإِنِّي أَصَبْتُ مِنْهَا مَا دُونَ أَنْ أَمَسَّهَا، وَأَنَا هَذَا فَاقْضِ فِيَّ مَا شِئْتَ. فَقَالَ عُمَرُ - رضي الله عنه -: لَقَدْ سَتَرَكَ الله تَعَالَى، لَوْ سَتَرْتَ عَلَى نَفْسَكَ، وَلَمْ يَرُدَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - شَيْئًا، فَقَامَ الرَّجُلُ فَانْطَلَقَ فَأتبعَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلاً فَدَعَاهُ فَتَلاَ عَلَيْهِ هَذِهِ الآيَةَ: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (114)}، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولُ الله! هَذَا لَهُ خَاصَّةً؟ قَالَ: "بَلْ لِلنَّاسِ كَافَّةً". أخرجه الخمسة إلا النسائي (¬2). [صحيح] قوله: "جاء رجل". قيل: هو [أبو اليسر بن] (¬3) عمرو الأنصاري. ¬

_ (¬1) في "الفتح" (8/ 355). (¬2) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (526) ومسلم رقم (2763) والترمذي رقم (3112، 3114) وأبو داود رقم (4468) وابن ماجه رقم (1398 و4254). (¬3) أخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (12/ 624) والطبراني في "المعجم الكبير" رقم (371) والبزار في مسنده رقم (2300) والنسائي في "الكبرى" (7327، 11248) والترمذي رقم (3115) وهو حديث صحيح.

وقيل: هو أبو نفيل (¬1) نبهان التمار. وقيل: ابن معتب (¬2) الأنصاري. قوله في حديث ابن مسعود: "إني عالجت امرأة". قال ابن حجر (¬3): لم أقف على أسمها إلا أنها من الأنصار". قوله: " {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ}. تمسك بالآية المرجئة (¬4)، وقالوا: إن الحسنات تكفر كل سيئة كبيرة كانت أو صغيرة. وحمل الجمهور (¬5) هذا المطلق على المقيد في الحديث الصحيح (¬6): "إن الصلاة إلى الصلاة كفارة لما بينهما ما اجتنبت الكبائر". وقال طائفة (¬7): إن اجتنبت الكبائر كانت الحسنات كفارة لما عدا الكبائر من الذنوب، وإن لم تجتنب الكبائر لم تكفر الحسنات شيئاً منها، أي: الصغائر. ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (8/ 356). (¬2) أخرجه ابن خيثمة كما في "الفتح" (8/ 356). (¬3) في "الفتح" (8/ 356). (¬4) ذكره الحافظ في "الفتح" (8/ 357). وانظر: "مجموع فتاوى" (7/ 557) فرق معاصرة تنتسب إلى الإسلام (2/ 770 - وما بعدها). (¬5) انظر: "مجموع فتاوى" (7/ 209، 416) "فتح الباري" (8/ 357). (¬6) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، كفارات لما بينهن ما لم تغش الكبائر". أخرجه مسلم رقم (233) والترمذي رقم (214) وأحمد (2/ 359) وهو حديث صحيح. (¬7) ذكره الحافظ في "الفتح" (8/ 357).

(سورة يوسف)

وقيل (¬1): إن الحسنات تكون سبباً لترك السيئات لقوله تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} (¬2)، لا أنها تكفر شيئاً حقيقة. وقال ابن عبد البر (¬3): ذهب بعض أهل العصر إلى أن الحسنات تكفر الذنوب، واستدل بهذه الآية وغيرها من الآثار والأحاديث الظاهرة في ذلك قال: ويرد عليه الحث على التوبة في آي كبيرة، فلو كانت الحسنات تكفر جميع السيئات لما احتيج إلى التوبة. واستدل بهذا الحديث إلى أنه لا حَدَّ في القُبْلة واللمس، ولا تعزير على من أتى شيئاً منها وجاء تائباً. قوله: "فقال رجل (¬4) ". قيل: هو عمر بن الخطاب، وقيل: معاذ بن جبل. [355/ ب]. (سورة يوسف) 1 - عَنْ عُرْوَةُ بْن الزُّبَير - رحمه الله -: "أَنَّهُ سَألَ، عَائِشَةَ - رضي الله عنها - عَنْ قَوْلهِ تَعَالَى: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا} [يوسف: 110] أَمْ (كُذِّبُوا) قَالَتْ: بَلْ كَذَّبَهُمْ قَوْمُهُمْ. فَقَالَ: وَالله لَقَدْ اسْتَيْقَنُوا أَنَّ قَوْمَهُمْ كَذَّبُوهُمْ وَمَا هُوَ بِالظَّنِّ، فَقَالَتْ: يَا عُرَيَّةُ! أَجل لَقَدْ اسْتَيْقَنُوا بِذَلِكَ، فَقَالَ: لَعَلَّهَا قَدْ (كُذِبُوا) فَقَالَتْ: مَعَاذَ الله؛ لَمْ تَكُنِ الرُّسُلُ تَظُنُّ ذَلِكَ بِرَبِّهَا، فَقَالَ: مَا هَذِهِ الْآيَةُ؟ قَالَتْ: هُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ الَّذِينَ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَصَدَّقُوهُمْ وَطَالَ عَلَيْهِمْ ¬

_ (¬1) عزاه الحافظ في "الفتح" (8/ 357) إلى المعتزلة. (¬2) سورة العنكبوت الآية (45). (¬3) في "التمهيد" (2/ 172 - 173). (¬4) ذكره الحافظ في "الفتح" (8/ 357).

الْبَلَاءُ، وَاسْتَأْخَرَ عَنْهُمْ النَّصْرُ؛ حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ مِمَّنْ كَذَّبَهُمْ مِنْ قَوْمِهِمْ وَظَنُّوا أَنَّ أَتْبَاعَهُمْ كَذَّبُوهُمْ جَاءَهُمْ نَصْرُ الله تَعَالى عِنْدَ ذَلكَ". أخرجه البخاري (¬1). [صحيح] قوله: "أكذبوا أم كذبوا". أي: المثقلة أم المخففة، وقع هكذا صريحاً في رواية الإسماعيلي (¬2)، قالت عائشة: كذبوا، أي: بالتثقيل، وفي رواية الإسماعيلي (¬3) مثقلة. قوله: "قلت: فهي مخففة قالت: معاذ الله". هذا ظاهر في أنها أنكرت القراءة بالتخفيف وهي قراءة (¬4) ابن مسعود وابن عباس وجماعة من القراء, وقد ذكر ابن حجر (¬5): أن عائشة تقول: (كذبوا) هو مثقلة, أي: كذبهم أتباعهم. وقد روى (¬6) [الطبري] (¬7) أن سعيد بن جبير سئل عن هذه الآية فقال: "يئس الرسل من قومهم أن يصدقوهم وظن المرسل إليهم أن الرسل كذبوا" فقال الضحاك بن مزاحم لما سمعه: لو رحلت إلى اليمن في هذه لكان قليلاً. ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (4695، 4696). قلت: وأخرجه الطبري في "جامع البيان" (13/ 396) وابن كثير في تفسيره (8/ 95 - 96) وابن أبي حاتم في تفسيره (7/ 2211 رقم 12060). (¬2) ذكره الحافظ في "الفتح" (8/ 367). (¬3) ذكره الحافظ في "الفتح" (8/ 367). (¬4) انظر: "الجامع لأحكام القرآن" (9/ 275) الكشف عن وجوه القراءات (2/ 15) النشر (2/ 296). (¬5) في "الفتح" (8/ 368). (¬6) في "جامع البيان" (13/ 388 - 389) بسند صحيح. (¬7) في المخطوط (أ. ب) الطبراني، وما أثبتناه من "فتح الباري" (8/ 369).

وعن مسلم بن يسار (¬1) أنه سأل سعيد بن جبير وقال: آية بلغت مني كل مبلغ، فقرأ هذه الآية بالتخفيف، قال: "من هذه الموت أن يظن الرسل ذلك" فأجابه بنحو ذلك، قال: فرجت عني فرج الله عنك، وقام إليه فاعتنقه [103/ أ]. 2 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسِ - رضي الله عنهما - فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ (106)} قَالَ: يَسْأَلْهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ، وَمَنْ خَلَقَ السَّمَواتِ والْأَرْضَ؟ فَيَقُولُونَ الله، فَذلِكَ إِيْمَانُهُمْ، وَهُمْ يَعْبُدُونَ غَيْرَهُ فَذَلِكَ شِرْكُهُمْ". ¬

_ (¬1) أخرجه الطبري في "جامع البيان" (13/ 388). قال الطبري في "جامع البيان" (13/ 392): حدثت عن الحسن بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد بن سليمان قال: سمعت الضحاك في قوله: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ} يقول: استيأسوا من قومهم أن يجيبوهم ويؤمنوا بهم {وَظَنُّوا} يقول: وظن قوم الرسل أن الرسل قد كذبوهم الموعد. والقراءة على هذا التأويل الذي ذكرنا في قوله: {كُذِبُوا} بضم الكاف، وتخفيف الذال، وذلك أيضاً قراءة بعض قرأة أهل المدينة, وعامة قرأة أهل الكوفة. وإنما اخترنا هذا التأويل وهذه القراءة؛ لأن ذلك عقيب قوله: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} فكان ذلك دليلاً على أن إياس الرسل كان من إيمان قومهم الذي أهلكوا، وأن المضمر في قوله: {وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا} إنما هو من ذكر الذين من قبلهم من الأمم الهالكة, وزاد ذلك وضوحاً أيضاً اتباع الله في سياق الخبر عن الرسل وأممهم قوله: {فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ} إذ الذين أهلكوا هم الذين ظنوا أن الرسل قد كذبتهم، فكذبوهم ظناً منهم أنهم قد كذبوهم. وانظر "فتح الباري" (7/ 368 - 369).

(سورة الرعد)

أخرجه رزين (¬1). قلت: وأخرجه البخاري (¬2) تعليقاً في آخر صحيحه، والله أعلم. قوله في حديث ابن عباس [قوله] (¬3): "أخرجه رزين". قلت: تقدم نحو هذا وما عليه، والذي في "الدر المنثور (¬4) " أنه أخرج ابن جرير (¬5)، وابن أبي حاتم (¬6)، وأبو الشيخ (¬7)، عن ابن عباس قال: "يسألهم من خلقهم ومن خلق السموات والأرض فسيقولن الله، فذلك إيمانهم وهم يعبدون غيره" [356/ ب]. (سورة الرعد) 1 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي قَوْلِهِ: {وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ} [الرعد: 4] قَالَ: "الدَّقَلُ وَالْفَارسيُّ، وَالْحُلْوُ وَالْحَامِضُ". أخرجه الترمذي (¬8). ¬

_ (¬1) لم يذكر ابن الأثير في "جامع الأصول" (2/ 200) من أخرجه, وقد أخرج ابن جرير في "جامع البيان" (13/ 372 - 373) عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ} الآية، قال: من إيمانهم إذا قيل لهم: من خلق السماء, ومن خلق الأرض، ومن خلق الجبال؟ قالوا: الله وهم مشركون. (¬2) لم أقف عليه في "صحيح البخاري". والله أعلم. (¬3) زيادة من (أ). (¬4) (4/ 593). (¬5) في "جامع البيان" (13/ 373). (¬6) في تفسيره (7/ 2207 رقم 12034). (¬7) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (4/ 593). (¬8) في "السنن" رقم (3118). =

قوله: "الدَّقل (¬1) ". [حسن] بفتح المهملة والقاف. رديء التمر. "والفارسيُّ" نسبة إلى فارس الإقليم المعروف جيد التمر. في تفسير البغوي (¬2): قال الحسن في هذه الآية: "هذا مثل ضربه الله لقلوب بني آدم يقول: كانت الأرض من طينة واحدة في يد الرحمن - عز وجل - فسطحها، فصارت قطعاً متجاورات, فنزل عليها الماء من السماء, فتخرج هذه زهرتها، وشجرها، وثمارها، ونباتها، وتخرج هذه سبخَها وملحها [وجنيها] (¬3) وكل سقي بماءٍ واحد كذلك الناس خلقوا من آدم فتنزل من السماء تذكرة فترق قلوب فتخشع، وتقسوا قلوب فتلهوا". قال الحسن: "والله ما جالس القرآن أحد إلا قام من عنده بزيادة أو نقصان". قال تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا (82)} [الإسراء: 82]. انتهى. قوله: "أخرجه الترمذي". قلت: وقال (¬4): هذا حديث حسن غريب، وقد رواه زيد بن أنيسة عن الأعمش بنحو هذا، وسيف بن محمد - يريد أحد رواته - هو أخو عمار بن محمد، وعمار أثبت منه، وهو ابن أخت سفيان الثوري. انتهى. ¬

_ = قلت: وأخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (13/ 431) وابن حبان في "المجروحين" (1/ 347) وابن عدي في "الكامل" (3/ 1270) وابن الجوزي في "العلل المتناهية" (2/ 169). وهو حديث حسن. (¬1) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (1/ 577). "المجموع المغيث" (1/ 667). (¬2) "معالم التنزيل" (4/ 295). (¬3) كذا في المخطوط، والذي في "معالم التنزيل" (4/ 295) خبيثها. (¬4) في "السنن" (5/ 294).

(سورة إبراهيم - عليه السلام -)

(سورة إبراهيم - عليه السلام -) 1 - عَنْ أَبِي أُمَامَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: " {وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ (16) يَتَجَرَّعُهُ} [إبراهيم: 16، 17] قَالَ: "يُقَرَّبُ إِلَى فِيهِ فَيَكْرَهُهُ فَإِذَا أُدْنِىَ مِنْهُ شَوَى وَجْهَهُ وَوَقَعَتْ فَرْوَةُ رَأْسِهِ، فَإِذَا شَرِبَهُ قَطَّعَ أَمْعَاءَهُ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ دُبُرِهِ، قَالَ الله تَعَالَى: {فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ (15)} [محمد: 15]؛ وَقَالَ: {وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا (29)} [الكهف: 29] ". أخرجه الترمذي (¬1). [ضعيف] قوله: "من ماءٍ صديد (¬2) ". هو ماء يسيل من جوف أهل النار مختلطاً بالقيح والدم "يتجرعه" يبتلعه مرةً بعد مرة لمرارته. قوله: "فروة رأسه" أي: جلدته (¬3). قوله: [357/ ب] "أخرجه الترمذي". ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (2583). قلت: وأخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (13/ 620) وأحمد (5/ 265) والنسائي في "الكبرى" رقم (11263) وابن أبي الدنيا في "صفة النار" رقم (73) والطبراني في "الكبير" رقم (7460) والحاكم (2/ 351) والبيهقي في "البعث" (602). وهو حديث ضعيف. (¬2) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 16). (¬3) قال ابن الأثير في "جامع الأصول" (2/ 202) فروة الرأس: هي جلدته بما عليها من الشعر.

قلت: لم يخرجه هنا في التفسير، بل أخرجه في باب صفة شراب أهل النار، وقال (¬1) بعد إخراجه: هذا حديث غريب، وهكذا قال محمد بن إسماعيل عن عبيد الله بن [بسر] (2)، ولا يعرف عبد الله بن [بسر] (¬2) إلا في هذا الحديث. 2 - وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ} قَالَ: "هِيَ النَّخْلَةُ"، وَقَالَ فِي الشَّجَرَةِ الْخَبِيثَةِ: "هِيَ الْحَنْظَلُ". أخرجه الترمذي (¬3). [ضعيف] 3 - وعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ - رضي الله عنهما - أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا سُئِلَ فِي الْقَبْرِ يَشهِدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ} [إبراهيم: 27] الآية". أخرجه الخمسة (¬4). [صحيح] 4 - وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ (28)} [إبراهيم: 28] قَالَ: هُمْ وَالله كُفَّارُ قُرَيْشٍ، وَمُحَمَّدٌ نِعْمَةُ الله {وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ (28)} قَالَ النَّارَ يَوْمَ بَدْرٍ". ¬

_ (¬1) في "السنن" (4/ 706). (¬2) في المخطوط: (بشر) وما أثبتناه من مصدر الحديث. (¬3) في "السنن" رقم (3119). قلت: وأخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (13/ 638) وأبو يعلى في مسنده رقم (4165) وابن حبان رقم (475). وهو حديث ضعيف. (¬4) أخرجه البخاري رقم (4699) وابن ماجه رقم (4269) والترمذي رقم (3120) وأبو داود رقم (4750) والنسائي رقم (2056، 2057) وابن جرير في "جامع البيان" (13/ 658 - 659) والبيهقي في "عذاب القبر" (403) وابن مندة في "الإيمان" (1062).

(سورة الحجر)

أخرجه البخاري (¬1). [صحيح] 5 - وعن عائشة - رضي الله عنها - قَالَتْ: سَأَلْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ} [إبراهيم: 48] قُلْتُ: يَا رَسُولُ الله! أَيْنَ يَكُونُ النَّاسُ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: عَلَى الصِّرَاطِ" أخرجه مسلم (¬2) والترمذي (¬3). [صحيح] [قوله] (¬4) "أخرجه مسلم" أي: حديث مسروق عن عائشة أخرجه مسلم والترمذي. قلت: وقال (¬5): هذا حديث حسن صحيح، وقد روي من غير هذا الوجه عن عائشة. (سورة الحجر) 1 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: كَانَتِ امْرَأَةٌ تُصَلِّي خَلْفَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - حَسْنَاءُ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ، فَكَانَ بَعْضُ الْقَوْمِ يَتَقَدَّمُ حَتَّى يَكُونَ فِي الصَّفِّ الأَوَّلِ لِئَلاَّ يَرَاهَا، وَيَتَأَخَّرُ بَعْضُهُمْ حَتَّى يَكُونَ فِي الصَّفِّ الْأَخِيْرِ حَتَّىَ يَرَاهَا، فَإِذَا رَكَعَ نَظَرَ مِنْ تَحْتِ إِبِطِهِ، فَأَنْزَلَ الله: {وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ (24)} [الحجر: 24] ". ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (3977، 4700). قلت: وأخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (13/ 673) والبيهقي في "الدلائل" (3/ 95). (¬2) في "صحيحه" رقم (2791). (¬3) في "السنن" رقم (3121). قلت: وأخرجه ابن ماجه رقم (4279) وابن حبان رقم (331، 7380) والحاكم (2/ 352) وابن جرير في "جامع البيان" (13/ 737). وهو حديث صحيح. (¬4) زيادة من (ب). (¬5) في "السنن" (5/ 296).

أخرجه الترمذي (¬1) والنسائي (¬2). [ضعيف منكر] قوله في حديث ابن عباس: " {وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ} [الحجر: 24] الآية". اعلم أن في تفسير الآية أقوال كثيرة: أحدها: عن ابن عباس قال: المستقدمين آدم ومن مضى من ذريته، والمستأخرين في أصلاب الرجال. أخرجه ابن جرير (¬3)، وابن أبي حاتم (¬4)، وابن المنذر (¬5). وعنه (¬6): يعني بالمستقديم من مات، وبالمستأخرين من هو حي لم يمت. وفي "الدر المنثور (¬7) " عدة روايات، والرواية التي في "التيسير" هي ثابتة في الدر من طرق كثيرة. قوله: "أخرجه الترمذي". ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (3122). (¬2) في "السنن" رقم (869) وفي "الكبرى" رقم (11273). قلت: وأخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (14/ 54) وابن خزيمة رقم (1696)، (1697) وابن حبان رقم (401) والطبراني رقم (12796) وابن ماجه رقم (1046) والحاكم (2/ 353) والبيهقي في "السنن الكبرى" (3/ 98). وهو حديث ضعيف منكر. والله أعلم. (¬3) في "جامع البيان" (14/ 50). (¬4) في تفسيره (7/ 2262 رقم 12365). (¬5) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (5/ 74). (¬6) أخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (14/ 50) وابن أبي حاتم في تفسيره (7/ 2262 رقم 12364). (¬7) (5/ 72 - 76).

قلت: وقال (¬1): وروى جعفر بن سليمان هذا الحديث عن عمرو بن مالك، عن أبي الجوزاء، نحوه، ولم يذكر فيه عن ابن عباس، وهذا أشبه أن يكون أصح من حديث نوح. انتهى. قلت: يريد بنوح راوي حديث ابن عباس، وهو نوح بن قيس الحداني. قال في "التقريب (¬2) ": إنه صدوق، ورمز لمن خرج له فإذا هم مسلم والأربعة، ولا ريب أن في رواية نوح نكارة بالنظر إلى حال أولئك السلف المصلين خلفه - صلى الله عليه وسلم -، وقد اضطربت (¬3) الرواية عن ابن [358/ ب] عباس وفي قوله تعالى عقبها: {وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (25)} [الحجر: 25] ما يناسب إن أريد بالمستقدمين والمستأخرين الأمم الماضية والآتية. 2 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "اتَّقُوا فِرَاسَةَ الْمُؤْمِنِ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ بِنُورِ الله تَعَالَى"، ثُمَّ قَرَأَ: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ (75)} [الحجر: 75] " أخرجه الترمذي (¬4). [ضعيف] قوله في حديث أبي سعيد: "اتقوا فراسة المؤمن" [] (¬5). ¬

_ (¬1) أي الترمذي في "السنن" (5/ 296 - 297). (¬2) (2/ 308 رقم 168). (¬3) انظر: "جامع البيان" (14/ 54 - 55). (¬4) في "السنن" رقم (3127). قلت: وأخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (14، 96) والطبراني في "الأوسط" رقم (7843) والبخاري في تاريخه (7/ 354) والخطيب في "تاريخه" (3/ 191)، (7/ 242) والعقيلي في "الضعفاء" (4/ 129) وهو حديث ضعيف. (¬5) في (أ. ب) بياض بمقدار سطر.

قوله: "أخرجه الترمذي". قلت: وقال (¬1): حديث غريب، إنما نعرفه من هذا الوجه، وقد روي عن بعض أهل العلم في تفسير هذه الآية: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ (75)} [الحجر: 75] قال: للمتفرسين. انتهى. قلت: أراد ببعض أهل العلم مجاهداً، فإنَّه أخرج ابن جرير (¬2) وابن المنذر (¬3) عنه أنه قال: للمتفرسين. وعن ابن عباس: {لِلْمُتَوَسِّمِينَ (75)} قال: للناظرين، أخرجه ابن جرير (¬4) وابن المنذر (¬5). وعن قتادة: للمعتبرين. أخرجه عبد الرزاق (¬6) وابن جرير (¬7) عنه. 3 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسِ - رضي الله عنهما - قَالَ: السَّبْعُ الْمَثانِي الطِّوَالُ. أخرجه النسائي (¬8). [صحيح] ¬

_ (¬1) الترمذي في "السنن" (5/ 298). (¬2) في "جامع البيان" (14/ 95). (¬3) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (5/ 90). (¬4) في "جامع البيان" (14/ 95). (¬5) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (5/ 90 - 91). (¬6) في تفسيره (1/ 349). (¬7) في "جامع البيان" (14/ 96). (¬8) في "السنن" رقم (915). قلت: وأخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (14، 108) والبيهقي في "الشعب" رقم (2357) و (2423) والطبراني في "الكبير" (11038) وهو حديث صحيح.

(سورة النحل)

4 - وعنه - رضي الله عنه - فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ (91)} [الحجر: 91] قَالَ: هُمْ أَهْلُ الْكِتَابُ: الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى جَزَّءُوهُ أَجْزَاءً، آمَنُوا بِبَعْضٍ وَكَفَرُوا بِبَعْضٍ. أخرجه البخاري (¬1). [صحيح] 5 - وَعَن أَنَسٍ - رضي الله عنه - فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (93)} [الحجر: 92، 93]. قَالَ: عَنْ قَوْل: لَا إِلَه إِلَّا الله. أخرجه الترمذي (¬2)، وأخرجه البخاري (¬3) ترجمة. [صحيح] قوله في حديث أنس: "عن قول لا إله إلا الله" أخرجه الترمذي. قلت: وقال (¬4): هذا حديث غريب [لا يعرفه من حديث ليث بن أبي سليم أحد] (¬5) رواه عبد الله بن إدريس، عن ليث بن أبي سليم، عن بشر، عن أنس بن مالك نحوه، ولم يرفعه. انتهى [104/ أ]. (سورة النحل) 1 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: " {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (106)} [النحل: 106] وَاسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (4705). انظر: "جامع البيان" (14، 130 - 131). (¬2) في "السنن" رقم (3126). (¬3) في "تاريخه الكبير" (2/ 82)، (2/ 86). وهو حديث ضعيف. (¬4) في "السنن" (5/ 298). (¬5) كذا في المخطوط (أ. ب) والذي في "السنن": إنما نعرفه من حديث ليث بن أبي سليم.

رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (110)} [النحل: 110] هُوَ عبد الله بْنُ أَبِي سَرْحٍ، كانَ يَكْتُبُ الْوَحْيَ لِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فَأَزَلَّهُ الشَّيْطَانُ فَلَحِقَ بِالْكُفَّارِ، فَأَمَرَ بِهِ أَنْ يُقْتَلَ يَوْمَ الْفَتْحِ فَاسْتَجَارَ لَهُ عُثْمَانُ - رضي الله عنه - فَأَجَارَهُ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -". أخرجه النسائي (¬1). [إسناده حسن] قوله: "عبد الله بن أبي سرح (¬2) ". في حواشي الجامع: أنه حسن إسلامه بعد حتى إنه مات ساجداً. قوله: "فاستجار له عثمان" [359/ ب]. أقول: في "الاستيعاب (¬3) ": أنه لما أمر رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بقتله، وإن وجد متعلقاً بأستار الكعبة فر (¬4) إلى عثمان، وكان أخاه من الرضاعة؛ فغيبه عثمان حتى أتى به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فاستأمن له ثم قال: إنه حسن إسلامه - أعني: ابن أبي سرح - ولم يظهر منه شيء ينكر عليه بعد ذلك، وهو أحد [الأسخياء] (¬5) العقلاء الكرماء من قريش، ثم ولاه عثمان بعد ذلك مصر في سنة خمس وعشرين، وفتح على يديه إفريقية سنة سبع وعشرين، ولما ولاه عثمان وعزل عمرو بن العاص، جعل عمرو يطعن على عثمان، ويؤلِّب عليه ويسعى في إفساد أمره، ثم ساق من أخبار عبد الله، وذكر أنه أقام بالرملة حتى مات فاراً من الفتنة - أي: الواقعة بعد قتل عثمان - وأنه دعا ربه فقال: اللهم اجعل خاتمة عملي صلاة الصبح، فتوضأ ثم صلى فقرأ في الركعة بأم الكتاب والعاديات، وفي الثانية بأم القرآن وسورة، ثم سلم عن يمينه وذهب يسلم ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (4069) بسند حسن. قلت: وأخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (14/ 381) وأبو داود في "السنن" رقم (4358). (¬2) انظر: "الإصابة" (4/ 109، 110). "فتح الباري" (8/ 278). (¬3) رقم الترجمة (1486). (¬4) أي: عبد الله بن سعد بن أبي سرح بن الحارث بن حبيب القرشي العامري، يكنى أبا يحيى. (¬5) زيادة من (ب).

عن يساره، فقبض الله روحه، ولم يبايع لعلي ولا لمعاوية، وكانت وفاته قبل اجتماع الناس لمعاوية. انتهى. 2 - وَعَن أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ - رضي الله عنه - قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ أُصِيبَ مِنَ الأَنْصارِ أَرْبَعَةٌ وَسِتُّونَ رَجُلاً، وَمِنَ الْمُهَاجِرِينَ سِتَّةٌ: مِنْهُمْ حَمْزَةُ - رضي الله عنه -، فَمَثَّلُوا بِهِمْ فَقَالَتِ الأَنَصارُ: لَئِنْ أَصَبْنَا مِنْهُمْ يَوْمًا مِثْلَ هَذَا لَنُرْبَيَنَّ عَلَيْهِمْ فِي التَّمْثِيلِ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْفَتْحِ نَزَلَ: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (126)} [النحل: 126] الآية، فَقَالَ رَجُلٌ: لاَ قُرَيْشَ بَعْدَ الْيَوْمِ، فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "كُفُّوا عَنِ الْقَوْمِ إِلاَّ أَرْبَعَةً". أخرجه الترمذي (¬1). [حسن] قوله في حديث أبي بن كعب: "إلا أربعة". هم: عبد الله بن أبي سرح، وعبد الله بن خطل، ومقيس بن صبابة (¬2)، ولو وجدوا تحت أستار الكعبة. قوله: "لنربين" (¬3). بالنون مضمومة والموحدة، أي: لنزيدن في المثلة. قوله: "أخرجه الترمذي". قلت: وقال (¬4): هذا حديث حسن غريب من حديث أبي بن كعب. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (3129) وهو حديث حسن. انظر: "جامع البيان" (14/ 406 - 408). (¬2) والرابع: هو عكرمة بن أبي جهل. (¬3) قال ابن الأثير في "النهاية في غريب الحديث" (1/ 632) أي: لنزيدنَّ، ولنضاعفنَّ. (¬4) الترمذي في "السنن" (5/ 300).

(سورة بني إسرائيل)

(سورة بني إسرائيل) 1 - عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} [الإسراء: 60] قَالَ: هِيَ رُؤْيَا عَيْنٍ أُرِيَهَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - لَيْلَةَ أسْرِيَ بِهِ {وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ} [الإسراء: 60] قَالَ: هِيَ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ. أخرجه البخاري (¬1) والترمذي (¬2). [صحيح] قوله في حديث ابن عباس: "هي رؤيا عين". زاد سعيد بن منصور (3) عن سفيان في آخر الحديث: "وليست [360/ ب] رؤيا منام" ولم يصرح بالمرئي، وعند سعيد بن منصور (¬3) هو ما أري في طريقه إلى بيت المقدس، واستدل به على إطلاق لفظ الرؤيا على من يرى بالعين، وقد أنكره الجريري تبعاً لغيره وقالوا: إنما يقال رؤيا في المنامية، وأما التي في اليقظة فيقال رؤية، وجاء في قول آخر عن ابن عباس (¬4) قال: "أري أنه دخل مكة هو وأصحابه فلما رده المشركون كان ذلك فتنة لبعض الناس" وجاء فيه قول آخر فروى ابن مردويه (¬5) من حديث الحسين بن علي رفعه: "إني أريت بني أمية يتعاورون منبري هذا (¬6) " فقيل: هي دنيا تنالهم، ونزلت الآية. ¬

_ (¬1) في صحيحه رقم (4716، 6613، 3888). (¬2) في "السنن" رقم (3134). قلت: وأخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (14/ 641) والنسائي في "الكبرى" رقم (11292). (¬3) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (5/ 309). (¬4) أخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (14/ 646). (¬5) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (5/ 310). وانظر: "جامع البيان" (14/ 646). (¬6) قال ابن كثير في تفسيره (9/ 38) وهذا السند ضعيف جداً، فإن محمد بن الحسن بن زبالة متروك، وشيخه أيضاً ضعيف بالكلية. =

وأخرجه ابن أبي عاصم (¬1) من حديث عمرو بن العاص، ومن حديث (¬2) يعلى بن مرة، ومن مراسيل (¬3) ابن المسيب نحوه، وأسانيد الكل ضعيفة. قوله: "هي شجرة الزقوم". هذا هو الصحيح، ذكره ابن أبي حاتم (¬4) عن بضعة عشر من التابعين، والزقوم (¬5) شجرة غبراء تنبت في السهل، صغيرة الورق، مدورة لا شوك بها، ذفرة مرة يقال: لها نور أبيض ضعيف، ورؤوسها قباح جداً. قوله: "والترمذي". وقال (¬6): حسن صحيح. ¬

_ = وقال ابن جرير في "جامع البيان" (14/ 646 - 647) وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: عنى به رؤيا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما رأى من الآيات والعبر في طريقه إلى بيت المقدس، وبيت المقدس ليلة أسرى به، وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب؛ لإجماع الحجة من أهل التأويل على أن هذه الآية إنما نزلت في ذلك، وإياه عني الله عز وجل بها، فإذا كان ذلك كذلك فتأويل الكلام: وما جعلنا رؤياك التي أريناك ليلة أسرينا بك من مكة إلى بيت المقدس: {إِلاَّ فِتنَةً لِّلنَّاسِ}. يقول: إلا بلاءً للناس الذين ارتدوا عن الإسلام لما أخبروا بالرؤيا التي رآها عليه الصلاة والسلام، وللمشركين من أهل مكة الذين ازدادوا بسماعهم ذلك من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تمادياً في غيهم وكفراً إلى كفرهم. (¬1) في "السنة" (1/ 201 - 202). (¬2) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (7/ 2336 رقم 13323). (¬3) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (7/ 2336 رقم 13324). (¬4) في تفسيره (7/ 2336). وانظر: "جامع البيان" (14/ 650 - 652). (¬5) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (1/ 726 - 727). (¬6) في "السنن" (5/ 302).

2 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا} [الإسراء: 16] قَالَ: كُنَّا نَقُوْلُ لِلْحَيِّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا كَثُرُوا قَدْ أمِرَ بَنُو فُلَانٍ. أخرجه البخاري (¬1). [صحيح] قوله في حديث ابن مسعود: "قد أمر بنو فلان". أي: كثروا وزادوا. وفي (أمر) بكسر الميم وبفتحها لغتان، وقراءة الجمهور (¬2) بفتح الميم، وقرأها مجاهد (¬3) وغيره (¬4) بالتشديد بمعنى الإمارة، واختار الطبري (¬5) قراءة الجمهور، واختار في تأويلها حملها على الظاهر، وقال: المعنى أمرنا مترفيها بالطاعة فعصوا ثم أسنده عن ابن عباس (¬6)، ثم عن سعيد بن جبير (¬7). قال ابن حجر (¬8): وقد أنكر الزمخشري (¬9) هذا التأويل وبالغ كعادته، وعمدة إنكاره أن حذف ما لا دليل عليه غير جائز، وتعقب (¬10) بأن السياق [361/ ب] يدل عليه وهو كقولك: أمرته فعصاني، أي: أمرته بطاعتي فعصاني، وكذا أمرته فامتثل. انتهى. ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (4711). (¬2) "الجامع لأحكام القرآن" (10/ 234) النشر (2/ 306) "الحجة" لابن خالويه (214). (¬3) انظر: "فتح الباري" (8/ 394) النشر (2/ 306). (¬4) كحميد والأعمش، انظر: "جامع البيان" (14/ 527). (¬5) في "جامع البيان" (14/ 532). (¬6) أخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (14/ 527). (¬7) أخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (14/ 528). (¬8) في "فتح الباري" (8/ 395). (¬9) في "الكشاف" (3/ 500). (¬10) ذكره الحافظ في "الفتح" (8/ 395).

3 - وَعَنْهُ - رضي الله عنه - فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ} قَالَ: كَانَ نَفَرٌ مِنَ الإِنْسِ يَعْبُدُونَ نَفَرًا مِنَ الجنِّ فَأَسْلَمَ النَّفَرُ مِنَ الجنِّ. وَاسْتَمْسَكَ الْآخَرُون بِعِبَادَتِهِمْ فَنَزَلَتْ. أخرجه الشيخان (¬1). [صحيح] قوله في حديث ابن مسعود أيضاً: "واستمسك الآخرون بدينهم". أي: استمر الإنس الذين كانوا يعبدون الجن على عبادة الجن، والجن لا يرضون بذلك، لكونهم أسلموا وهم الذين صاروا يبتغون إلى ربهم الوسيلة. 4 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ} [الإسراء: 71] , قَالَ: "يُدْعَى أَحَدُهُمْ فَيُعْطَى كتَابَهُ بِيَمِينِهِ وَيُمَدُّ لَهُ فِي جِسْمِهِ سِتُّونَ ذِرَاعًا، وَيُبَيَّضُ وَجْهُهُ, وَيُجْعَلُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجٌ مِنْ لُؤْلُؤٍ يَتَلأْلأُ فَيَنْطَلِقُ إِلَى أَصْحَابِهِ الَّذِيْنَ كَانُوا يَجْتَمِعُونَ إِلَيْهِ فَيَرَوْنَهُ مِنْ بَعِيدٍ فَيَقُولُونَ: اللهمَّ ائْتِنَا بِهَذَا! فَيَأْتِيَهُمْ فَيَقُولُ: أَبْشِرُوا! لِكُلِّ رَجُلٍ مِنْكُمْ مِثْلُ هَذَا، هَذَا الْمَتْبُوعُ عَلَى الهُدَى، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيُعْطَى كتَابَهُ بِشَمالِهِ، وَيُسَوَّدُ وَجْهُهُ, وَيُمَدُّ لَهُ فِي جِسْمِهِ سِتُّونَ ذِرَاعًا، وَيُلْبَسُ تَاجًا مِنْ نَارٍ، فَإِذَا رَآهُ أَصْحَاُبهُ يَقُوْلُوْن: نَعُوذُ بِالله مِنْ شَرِّ هَذَا: اللهمَّ لاَ تَأْتِنَا بِهِ, فَيَأْتِيهِمْ فَيَقُولُونَ: اللهمَّ أَخِّرْهُ! فَيَقُولُ لَهُمْ: أَبْعَدَكُمُ الله، فَإِنَّ لِكُلِّ رَجُلٍ مِنْكُمْ مِثْلَ هَذَا". أخرجه الترمذي (¬2). [ضعيف] قوله [105/ أ] في حديث أبي هريرة: "تاج من نار". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (4715) ومسلم في "صحيحه" رقم (3030). وانظر: "جامع البيان" (14/ 632). (¬2) في "السنن" رقم (3136) وهو حديث ضعيف.

الذي في الجامع (¬1): "من قار" بالقاف، ولم أجد لفظ: "من نار" ولا "من قار" في الترمذي (¬2)، ولعله سَقَطَ غلطا على كاتبه. قوله: "أخرجه الترمذي". قلت: وقال (¬3) عقب إخراجه: هذا حديث حسن غريب، والسدي اسمه: إسماعيل بن عبد الرحمن. انتهى. وفي التقريب (¬4): السدي بضم المهملة وتشديد الدال المهملة، أبو محمد الكوفي، صدوق يهم، ورمي بالتشيع. انتهى. [362/ ب]. 5 - وَعَنِ ابْن عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أَنَّهُ كَانَ يَقولُ: دَلُوكُ الشَّمْسِ مَيْلُهَا. أخرجه مالك (¬5). [موقوف صحيح] 6 - وَلَهُ (¬6) عَنِ ابْنَ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: دُلُوكُ الشَّمْسِ إِذَا فَاءَ الْفَيْءُ, وَغَسَقُ اللَّيْلِ: اجْتِمَاعُ اللَّيْلِ وَظُلْمَتُهُ. ¬

_ (¬1) (2/ 214) وفيه: تاجاً من نار. (¬2) في السنن (5/ 302 - 303 رقم 3136) وفيه فيلبسُ تاجاً. (¬3) في "السنن" (5/ 303). (¬4) (1/ 71 - 72 رقم 531). (¬5) في "الموطأ" (1/ 11 رقم 19) وهو موقوف صحيح. قلت: وأخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (15/ 25) وابن أبي شيبة في مصنفه (2/ 336) وابن المنذر في "الأوسط" (2/ 322). (¬6) أي: لمالك في "الموطأ" (1/ 11 رقم 20) وهو موقوف ضعيف.

7 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا (78)} [الإسراء: 78] قَالَ - صلى الله عليه وسلم -: "تَشْهَدُ مَلاَئِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلاَئِكَةُ النَّهَارِ". أخرجه الترمذي وصححه (¬1). [صحيح] 8 - وعنه - رضي الله عنه - قَالَ: "سُئِلَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الْمَقَامِ الْمَحْمُودِ فَقَالَ: هُوَ الشَّفَاعَةُ". أخرجه الترمذي (¬2). [حسن] 9 - وَعَنِ ابْنَ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ النَّاسَ يَصِيرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ جُثًا، كُلُّ أُمَّةٍ تَتْبَعُ نَبِيَّهَا، يَقُولُونَ: يَا فُلاَنُ اشْفَعْ لنَا حَتَّى تَنْتَهِيَ الشَّفَاعَةُ إِلَيَّ فَذَلِكَ الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ" أخرجه البخاري (¬3). [صحيح] ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (3135). قلت: وأخرجه البخاري رقم (648) ومسلم رقم (649) وابن جرير في "جامع البيان" (15/ 33) وأحمد (16/ 126) وابن ماجه رقم (670) والنسائي في "الكبرى" رقم (11293) وفي "التفسير" رقم (313) والبخاري في "القراءة خلف الإمام" (251) والحاكم (1/ 210، 211) والبيهقي في "الشعب" رقم (3835) وابن خزيمة في صحيحه رقم (1474). (¬2) في "السنن" رقم (3137) وهو حديث حسن. قلت: وأخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (15/ 47) وأحمد (5/ 458)، والبيهقي في الشعب رقم (299، 302). (¬3) في "صحيحه" رقم (4718). قلت: وأخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (15/ 50) والنسائي في "الكبرى" رقم (11295) وفي "التفسير" (315).

10 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسِ - رضي الله عنهما - قَالَ: لَمَّا أَمَرَ رَسُوْلُ - صلى الله عليه وسلم - بِالْهِجْرَةِ نَزَلَتْ عَلَيْهِ: {وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ} [الإسراء: 80] الآية" أخرجه الترمذي وصححه (¬1). [إسناده ضعيف] 11 - وَعَنْ ابْنِ مَسْعُود - رضي الله عنه - قَالَ: مَرَّ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بِنَفَرٍ مِنِ الْيَهُودُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: سَلُوهُ عَنِ الرُّوحِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لاَ تَسْأَلُوهُ لاَ يُسْمِعْكُمْ مَا تَكْرَهُونَ، فَقَامُوا إِلَيْهِ فَقَالُوا لَهُ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ! حَدِّثْنَا عَنِ الرُّوحِ، فَقَامَ سَاعَةً يَنْظُرُ فَعَرَفْتُ أنَهُ يُوحَى إِلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85)} [الإسراء: 85] ". أخرجه الشيخان (¬2) والترمذي (¬3). [صحيح] وَفِي رِوَاية: وَمَا أُوتُوا. قَالَ الْأَعْمَشُ (¬4): هَكَذَا فِي قِرَاءَتِنَا. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (3139) بسند ضعيف. قلت: وأخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (15/ 54) وأحمد (3/ 417) والحاكم (3/ 3) والبيهقي في "الدلائل" (2/ 516، 517) وابن عدي في "الكامل" (6/ 2072). (¬2) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (125، 4721، 7297، 7456، 7462) ومسلم رقم (2794). (¬3) في "السنن" رقم (3141). قلت: وأخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (15/ 67) والواحدى في "أسباب النزول" (ص 220) وأحمد (6/ 214). (¬4) قاله الحافظ في "الفتح" (8/ 404).

12 - وَفِي رِوَاية أُخْرى للتِّرمِذِيّ (¬1) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: قَالُوا: أُوتِينَا عِلْمًا كَثِيرًا، أُوتينَا التَّوْرَاةُ، وَمَنْ أُوتِيَ التَّوْرَاةَ فَقَدْ أُوتِيَ عِلْمَاً كَثِيرًا، فَأُنْزِلَتْ: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي} [الكهف: 109] الآيَةِ. [إسناده صحيح] قوله في حديث ابن مسعود [في حديثه] (¬2): "إن نفراً من اليهود سألوه - صلى الله عليه وسلم - عن الروح". قال الخطابي (¬3): اختلفوا في الروح التي سألوه عنها: قال بعضهم: الروح هنا جبريل. وقال بعضهم: ملك من الملائكة بصفة وصفوه عظيم الخلقة. قال وهب ذهب أكثر أهل التأويل إلى أنهم سألوه عن الروح الذي تكون به الحياة. وقال أهل النظر (¬4): إنما سألوه عن كيفية الروح ومسلكه في بدن الإنسان، وكيف امتزاجه بالجسم، واتصال الحياة به، وهذا شيء لا يعلمه إلا الله، نقله البيهقي في كتاب "الأسماء والصفات (¬5) " وذكر السهيلي (¬6) الخلاف بين العلماء في أن النفس هي أو غيرها. انتهى. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (3140) بسند صحيح. (¬2) زيادة من (أ). (¬3) في "أعلام الحديث" (3/ 1873 - 1874). (¬4) قاله الخطاب في "أعلام الحديث" (3/ 1874). وذكره ابن حجر في "فتح الباري" (8/ 402). (¬5) (2/ 212/ 213). (¬6) في "الروض الأنف" (2/ 61 - 63).

قلت: وحققنا الحق في المسألة في كتاب "جمع الشتيت (¬1) " [فقلنا في نظمه (¬2)]. 13 - وَعَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ يَهُودِيَّيْنِ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: اذْهَبْ بِنَا إِلَى هَذَا النَّبِيِّ نَسْأَلُهُ، قَالَ لاَ تَقُلْ لَهُ نَبِيٌّ، فَإِنَّهُ إِنْ سَمِعَهَا كَانَتْ لَهُ أَرْبَعَةُ أَعْيُنٍ، فَأَتَيَا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَسَأَلاَهُ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} [الإسراء: 101] فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تُشْرِكُوا بِالله شَيْئًا وَلاَ تَسْرِقُوا وَلَا تَزْنُوا، وَلاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ الله إِلاَّ بِالْحَقِّ، وَلاَ تَسْحَرُوا، وَلاَ تَمْشُوا بِبَرِيءٍ إِلَى سُلْطَانٍ فَيَقْتُلَهُ, وَلاَ تَأْكُلُوا الرِّبَا، وَلاَ تَقْذِفُوا مُحْصَنَةً, وَلاَ تَفِرُّوا مِنَ الزَّحْفِ, وَعَلَيْكُمُ مَعْشَرَ الْيَهُودَ خَاصَّةً أَنْ لاَ تَعْدُوا فِي السَّبْتِ"، فَقَبَّلاَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ وَقَالاَ: نَشْهَدُ أَنَّكَ نَبِيٌّ، قَالَ "فَمَا يَمْنَعُكُمَا أَنْ تُسْلِمَا؟ " قَالاَ: إِنَّ دَاوُدَ - عليه السلام - دَعَا الله تَعَالَى أَنْ لاَ يَزَالَ فِي ذُرِّيَّتِهِ نَبِيٌّ، وَإِنَّا نَخَافُ إِنْ أَسْلَمْنَا أَنْ تَقتُلَنَا الْيَهُودُ. أخرجه الترمذي (¬3) والنسائي (¬4). [ضعيف] "وَالزَّحْفُ" القتال، والمراد به: الجهاد في سبيل الله. قوله في حديث صفوان بن عسال: "كانت له أربعة أعين". ¬

_ (¬1) وهي الرسالة رقم (21) من "عون القدير من فتاوى ورسائل ابن الأمير" جمع الشتيت شرح أبيات التثبيت. (¬2) زيادة من (أ) وما بعدها بياض بمقدار سطر. (¬3) في "السنن" ر قم (2733, 3144). (¬4) في "السنن" رقم (4078). قلت: وأخرجه أحمد (3/ 21) وابن ماجه رقم (3705) والحاكم (1/ 9) وابن جرير في "جامع البيان" (15/ 103) وابن أبي حاتم في "تفسيره" (9/ 2851 رقم 16161) والطبراني رقم (7396) وابن أبي شيبة في مصنفه (4/ 289) وهو حديث ضعيف.

كناية عن شدة السرور؛ لأنه يزداد به قوة البصر حتى كأن كل عين عن عينين، كما أن الحزن ينقص منه البصر بدليل قوله تعالى: {وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ} (¬1). قوله: "لا تشركوا بالله شيئاً". هذا يدل على أنه أريد بالآيات الأحكام العامة للملل [363/ ب] كلها، الثابتة في كل الشرائع سميت بذلك؛ لأنها تدل على حال من يتعاطى متعلقها في الآخرة من السعادة والشقاوة. وقال في "جامع البيان (¬2) ": قال بعض المحدثين: لعل ذينك اليهوديين إنما سألا عن العشر الكلمات، فاشتبه على الراوي بالتسع الآيات، فإن هذا الوصايا ليس فيها حجج على ¬

_ (¬1) سورة يوسف الآية (84). (¬2) لم أقف عليه في "جامع البيان". قال ابن كثير في تفسيره (9/ 88 - 89) وهو حديث مشكل، وعبد الله بن سلمة في حفظه شيء، وقد تكلموا فيه، ولعله اشتبه عليه التسع الآيات بالعشر الكلمات فإنها وصايا في التوراة لا تعلق لها بقيام الحجة على فرعون. والله أعلم. ثم قال ابن كثير: ولهذا قال موسى لفرعون: {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ} أي: حججاً وأدلى على صدق ما جئتك به, {وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَافِرْعَوْنُ مَثْبُورًا (102)} أي: هالكاً، قاله مجاهد وقتادة, وقال ابن عباس: ملعوناً، وقال أيضاً هو والضحاك: {مَثْبُورًا (102)} أي: مغلوباً، والهالك - كما قال مجاهد - يشمل هذا كله، قال عبد الله بن الزبعري: إذْ أُجارِي الشيطان في سَنن الغَيِّ ... ومَنْ مَالَ مَيْلَهُ مَثْبُورُ [يعني: هالك] وقرأ بعضهم برفع التاء من قوله: {عَلِمْتَ} وروي ذلك عن علي بن أبي طالب، ولكن قراءة الجمهور بفتح التاء على الخطاب لفرعون، كما قال تعالى: {فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ =

فرعون، وأي مناسبة بين هذا، وبين إقامة البراهين عليه، ويدل عليه الآي التي بعده: {مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ} [الإسراء: 102]. قوله: "وعليكم معشر اليهود" إلى آخره. حكم مستأنف زائد على الجواب غير فيه سياق الكلام. قوله: "أخرجه الترمذي". قلت: وقال (¬1): هذا حديث حسن صحيح. 14 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} [الإسراء: 110] الآية، قَالَ: نَزَلَتْ وَالنَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - مُتَوَارٍ بِمَكَّةَ، وَكَانَ إِذَا رَفَعَ صَوْتَهُ سَمِعَهُ الْمُشْرِكُونَ فَيَسُبُّوا الْقُرْآنَ وَمَنْ أنزَلَهُ وَمَنْ جَاءَ بِهِ، فَقَالَ الله تَعَالَى: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ} [الإسراء: 110] أَيْ: بِقِرَاءَتَكَ فَيَسْمَعَهَا الْمُشْرِكُونَ، {وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} عَنْ أَصْحَابِكَ فَلَا ¬

_ = مُبِينٌ (13) وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (14)}. فهذا كله مما يدل على أن المراد بالتسع الآيات إنما هي ما تقدم ذكره من العصا، واليد، والسنين، ونقص من الثمرات، والطوفان، والجراد, والقمل، والضفادع، والدم، التي فيها حجج وبراهين على فرعون وقومه، وخوارق ودلائل على صدق موسى ووجود الفاعل المختار الذي أرسله. وليس المراد منها كما ورد في هذا الحديث؛ فإن هذه الوصايا ليس فيها حجج على فرعون وقومه، وأي مناسبة بين هذا وبين إقامة البراهين على فرعون؟! وما جاء هذا الوهم إلا من قبل عبد الله بن سلمة؛ فإن له بعض ما ينكر، والله أعلم. ولعل ذينك اليهوديين إنما سألا عن العشر الكلمات فاشتبه على الراوي بالتسع الآيات، فحصل وهم في ذلك، والله أعلم. (¬1) في "السنن" (5/ 306).

(سورة الكهف)

تُسْمِعْهُمُ، وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً. بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْمُخَافَتَةِ. أخرجه الخمسة إلا أبا داود (¬1). [صحيح] [15 - وَعَن عَائِشَة - رضي الله عنها - قَالَتَ: أُنْزلَتْ هَذِهِ الْآَيَةُ فِي الدُّعَاءِ تَعْنِي: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ} [الإسراء: 110] " أخرجه الثلاثة (¬2)] (¬3). [صحيح] (سورة الكهف) 1 - عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ حَفِظَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ؛ وروى مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْكَهْفِ عُصِمَ مِنَ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ". أخرجه مسلم (¬4)، وأبو داود (¬5)، والترمذي (¬6)، وعنده: ثلاث آيات من سورة الكهف، وصححه. [صحيح] قوله في حديث أبي الدرداء: "من فتنة المسيح الدجال". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (4722) ومسلم رقم (446) والنسائي رقم (1011، 1012) والترمذي رقم (3145). (¬2) أخرجه البخاري في صحيحه (4723، 6327) ومسلم في صحيحه رقم (146/ 447) ومالك في "الموطأ" (1/ 218 رقم 39). (¬3) ما بين الحاصرتين زيادة من "جامع الأصول" (2/ 219). (¬4) في صحيحه رقم (257، 809). (¬5) في "السنن" رقم (4323). (¬6) في "السنن" رقم (2886). قلت: وأخرجه أحمد في "المسند" (6/ 449) والنسائي في "السنن الكبرى" (6/ 236) كتاب عمل اليوم والليلة: باب: ذكر اختلاف الناقلين لخبر ثوبان فيما يجير من الدجال، وفي كتاب فضائل القرآن باب ما جاء في فضل سورة الكهف (5/ 15 رقم 8025).

قيل: سبب ذلك ما في أوائلها من العجائب والآيات فمن تدبرها لم يفتتن بالدجال، وكذا في آخرها. [قوله: "أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا] (¬1) " [364/ ب]. 2 - عَنْ ابْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ: الْبَاقِيَاتِ الصَّالحِاتِ: هِيَ قَوْلُ الْعَبْدِ: الله أَكْبَرُ، وَسُبْحَانَ الله، وَالْحَمْدُ لله، وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ الله، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِالله. أخرجه مالك (¬2). [مقطوع صحيح] قوله: "المسيب". هو بفتح الياء المشددة، وقد تكسر. وقيل: كان يكره سعيد كسرها. 3 - وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: إِنَّ نَوْفًا الْبِكَالِيَّ يَزْعُمُ أَنَّ مُوسَى صَاحِبَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَيْسَ بِمُوسَى صَاحِبِ الْخَضِرِ، فَقَالَ: كَذَبَ عَدُوُّ الله، سَمِعْتُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ - رضي الله عنه - يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "قَامَ مُوسَى - عليه السلام - خَطِيبًا فِي بَني إِسْرَائِيلَ، فَسُئِلَ أَيُّ النَاسِ أَعْلَمُ؟ فَقَالَ: أَنَا. فَعَتَبَ الله عَلَيْهِ إِذْ لَمْ يَرُدَّ الْعِلْمَ إِلَيْهِ، فَأَوْحَى الله إِلَيْهِ أَنَّ عَبْدًا مِنْ عِبَادِي بِمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ، فَقَالَ أَيْ رَبِّي: وَكَيْفَ لِي بِهِ؟ فَقَالَ لَهُ: احْمِلْ حُوتًا فِي مِكْتَلٍ فَحَيْثُ تَفْقِدُ الْحُوتَ فَهُوَ ثَمَّ، فَانْطَلَقَ وَانْطَلَقَ مَعَهُ فَتَاهُ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ حَتَّى أتَيَا الصَّخْرَةَ، فَرَقَدَ مُوسَى وَفَتَاهُ، وَاضْطَرَبَ الْحُوتُ فِي المكْتَلِ حَتَّى خَرَجَ فَسَقَطَ فِي الْبَحْرِ وَأَمْسَكَ الله عَنْهُ جِرْيَةَ الْمَاءِ حَتَّى كَانَ مِثْلَ الطَّاقِ، فَكَانَ لِلْحُوتِ سَرَبًا، وَكَانَ لِمُوسَى وَلِفَتَاهُ عَجَبًا، فَاَنطَلَقَا بَقِيَّةَ يَوْمِهِما وَلَيْلَتِهِمَا وَنُسِّيَ صَاحِبُ مُوسَى أَنْ يُخبرَهُ, فَلمَّا أَصْبَحَ مُوسَى - عليه السلام -: ¬

_ (¬1) كذا في المخطوط (أ. ب). (¬2) في "الموطأ" (1/ 210 رقم 23) وهو مقطوع صحيح. وانظر: "تفسير ابن كثير" (9/ 143 - 144)، "جامع البيان" (15/ 276 - 278).

{قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا (62)} [الكهف: 62] قَالَ وَلَمْ يَنْصَبْ حَتَّى جَاوَزَ الْمَكَانَ الَّذِي أُمِرَ بِهِ, {قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا (63)} [الكهف: 63] قَالَ مُوسَى: {ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا (64)} [الكهف: 64] قَالَ: يَقُصَّانِ آثَارَهُمَا حَتَّى أَتَيَا الصَّخْرَةَ، فَرَأَى رَجُلاً مُسَجًّى عَلَيْهِ بِثَوْبٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ مُوسَى - عليه السلام - فَقَالَ له الْخَضِرُ - عليه السلام -: وَأَنَّى بِأَرْضِكَ السَّلاَمُ، فَقَالَ أَنَا مُوسَى، قَالَ مُوسَى: بَني إِسْرَائِيلَ قَالَ نَعَمْ. قَالَ: إِنَّكَ عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ الله عَلَّمَكَهُ الله تَعَالَى لاَ أَعْلَمُهُ، وَأَنَا عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ الله عَلَّمَيِنهِ لاَ تَعْلَمُهُ، قَالَ مُوسَى: {هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (66) قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (67) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (68) قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا (69)} [الكهف: 66 - 69] قَالَ لَهُ الْخَضِرُ: {قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا (70)} [الكهف: 70] , قَالَ نَعَمْ فَانْطَلَقَ الْخَضِرُ وَمُوسَى يَمْشِيَانِ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ فَمَرَّتْ بِهِمَا سَفِينَةٌ فَكَلَّمُوْهُم أَنْ يَحْمِلُوهُمَا فَعَرَفُوا الْخَضِرَ فَحَمَلُوهُمَا بِغَيْرِ نَوْلٍ فَعَمَدَ الْخَضِرُ إِلَى لَوْحٍ مِنْ أَلْوَاحِ السَّفِينَةِ فَنَزَعَهُ، فَقَالَ لَهُ مُوسَى: قَوْمٌ حَمَلُونَا بِغَيْرِ نَوْلٍ عَمَدْتَ إِلَى سَفِينَتِهِمْ فَخَرَقْتَهَا: {لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا (71) قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (72) قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا (73)} ثُمَّ خَرَجَا مِنَ السَّفِينَةِ فَبَيْنَمَا هُمَا يَمْشِيَانِ عَلَى السَّاحِلِ إِذَا غُلاَمٌ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ فَأَخَذَ الْخَضِرُ - عليه السلام - بِرَأْسِهِ فَاقْتَلَعَهُ بِيَدِهِ فَقَتَلَهُ فَقَالَ لَهُ مُوسَى - عليه السلام -: {أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا (74) قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (75)} [الكهف: 74 - 75] قَالَ وَهَذِهِ أَشَدُّ مِنَ الأُولَى {قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ

لَدُنِّي عُذْرًا (76) فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ} [الكهف: 76 - 77] يَقُولُ مَائِلٌ: فَقَالَ الْخَضِرُ بِيَدِهِ هَكَذَا (فَأَقَامَهُ) قَالَ لَهُ مُوسَى: قَوْمٌ أَتَيْنَاهُمْ فَلَمْ يُضَيِّفُونَا وَلَمْ يُطْعِمُونَا: {لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا (77) قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (78)} [الكهف: 77 - 78] قَالَ رَسُوُل الله - صلى الله عليه وسلم -: "رْحَمُ الله مُوسَى لَوَدِدْتُ أَنَّهُ كَانَ صَبَرَ حَتَّى يَقُصَّ عَلَيْنَا مِنْ أَخْبَارِهِمَا". وَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: "كَانَتْ الأُولَى مِنْ مُوسَى نِسْيَانَاً، قَالَ فَجَاءَ عُصْفُورٌ حَتَّى وَقَعَ عَلَى حَرْفِ السَّفِينَةِ ثُمَّ نَقَرَ فِي الْبَحْرِ فَقَالَ لَهُ الْخَضِرُ: مَا نَقَصَ عِلْمِي وَعِلْمُكَ وَعِلْمُ الْخَلَائِقِ مِنْ عِلْمِ الله تَعَالَى إِلاَّ مِثْلَ مَا نَقَصَ هَذَا الْعُصْفُورُ مِنَ الْبَحْرِ". أخرجه الشيخان (¬1) والترمذي (¬2). [صحيح] "الْمِكْتَلُ" بكسر الميم: الزنبيل الكبير (¬3)، "وَجِرْيْةُ الماءِ" بالكسر حالة الجريان، "وَالسَّرابُ (¬4) " بالتحريك: المسلك في خفية، "وَالنَّوْلُ (¬5) " الأجر والجعل. قوله: "نَوفاً". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (122) ومسلم رقم (2380). (¬2) في "السنن" رقم (3149). (¬3) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (1/ 523). (¬4) قاله ابن الأثير في "النهاية في غريب الحديث" (1/ 767). (¬5) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 805) "الفائق" للزمخشري (4/ 29).

بفتح النون آخره فاء "والبكالي" بكسر الموحدة وفتحها، وتخفيف الكاف، ووهم من شددها نسبة إلى بكال بطن من حمير (¬1). قوله: "كذب عدو الله". قال ابن التين (¬2): لم يرد ابن عباس إخراج نوف عن ولاية الله، ولكن قلوب العلماء تنفر إذا سمعت غير الحق فيطلقون أمثال هذا الكلام لقصد الزجر والتحذير منه وحقيقته غير مرادة. قوله: "ليس بموسى صاحب الخضر". يريد أنه موسى بن ميشا بن يوسف، وهو موسى الأول قبل موسى بن عمران بثمانمائة سنة. قوله: "فعتب (¬3) الله عليه". أي: أنه لم يرض قوله فإن العتب (¬4) بمعنى الموجدة، وتغير النفس، وذلك محال على الله (¬5). ¬

_ (¬1) قاله الحافظ في "الفتح" (1/ 219) ثم قال: ووهم من قال إنه منسوب إلى بكير، بكسر الكاف بطن من همدان؛ لأنهما متغايران، ونوف المذكور تابعي من أهل دمشق عالم لا سيما بالإسرائيليات, وكان ابن امرأة كعب الأحبار، وقيل غير ذلك. (¬2) وذكره الحافظ في "الفتح" (1/ 219). (¬3) سيأتي توضيحه. (¬4) قال الفيروز آبادي في "القاموس المحيط" (ص 143) المعاتبة تواصف الموجدة, والسخط والغضب واللوم. (¬5) قال القاضي في "مشارق الأنوار" (2/ 65): ومجاز هذا اللفظ في حق الله تعالى في قوله: عتب الله، بمعنى التعنيف والمؤاخذة، وقد يتأول فيه ما يتأول في السخط والغضب، إما إرادة عقابه ومؤاخذته بذلك، أو فعل =

قوله: "البحرين". قيل: هما بحر الأردن وبحر القلزم، وذلك عن ابن عباس (¬1) - رضي الله عنهما -. وقيل (¬2): مجمع البحرين: ملتقى بحري فارس والروم مما يلي المشرق. قوله: "في مكتل (¬3) ". بكسر الميم وفتح التاء الزنبيل، ويقال له: القفة. قوله: "فرقد موسى". أي: عند ساحل البحر يقال: هنالك عين الحياة لما أصاب ماءها الحوت حيي وأنسل. قوله: "وفتاه". أي: يوشع بن نون كما صرح، ونون منصرف [365/ ب] مثل: نوح، وهو يرد قول من قال: هو عبد لموسى. قوله: "مثل الطاق" (¬4). هو عقد البناء، وجمعه طيقان، وهو ما عقد أعلاه من البناء، وبقي ما تحته خالياً. ¬

_ = ذلك به، لكن هنا في العتب أظهر ما فيه أن يرجع إلى الكلام والتعنيف له والمؤاخذة بذلك على قوله، كما جاء مفسراً في الحديث. وقال أبو موسى المديني في "المجموع المغيث" (2/ 400): وفي حديث أبي في ذكر موسى حين سئل: أي الناس أعلم؟ قال: أنا، "فعتب الله عليه" العتب: أدنى الغضب. وقال الحافظ في "الفتح" (1/ 219): والعتب من الله تعالى محمولٌ على ما يليق به لا على معناه العرفي في الآدميين كنظائره. (¬1) انظر: "الدر المنثور" (5/ 422). (¬2) أخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (5/ 308 - 310) عن قتادة ومجاهد. (¬3) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (1/ 523). (¬4) انظر: "القاموس المحيط" (ص 1169).

قوله: "وأنى بأرضك السلام؟ ". معناه: وأين في هذا الأرض من يسلم (¬1)؟ قوله: "وكيف تصبر على ما لم تحط به خبراً". أي: كيف تصبر وأنت نبي على ما أتولى من أمور ظاهرها مناكير وباطنها لم يحط به خبرك، وخبرا: تمييز أو مصدر، كأن لم تحط به معناه لم تخبره. قوله: "إن شاء الله". قيد بالمشيئة؛ لأنه لم يكن على ثقة من نفسه فيما أضمره، وهذه عادة الأنبياء والأولياء لا يثقون بأنفسهم طرفة عين. قوله: "إمراً (¬2) ". أي: منكراً، والإمر في كلام العرب الداهية, وأصل كل شيء كبير يقال له: إمر، يقال: إمر القوم إذا كثروا. قوله: "ترهقني (¬3) ". أي: تكلفني مشقة، والمعنى: لا تضيق علي أمري، وعاملني باليسر ولا تعاملني بالعسر. قوله: "زاكية". ¬

_ (¬1) قال القرطبي في "المفهم" (6/ 199): معناه: من أين تعرف السلام بهذه الأرض التي أنت فيها؟ وهذا يحتمل وجهين: أحدهما: أن ذلك الموضع كان قفراً لم يكن به أحد يصحبه, ولا أنيس فيكلمه, ويحتمل أن يكون أهل ذلك الموضع لا يعرفون السلام الذي سلم به موسى، إما لأنهم ليسوا على دين موسى، وإما لأنه ليس من كلامهم. (¬2) قاله الحافظ في "الفتح" (1/ 220). (¬3) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (1/ 708) "الفائق" للزمخشري (2/ 95).

أي: طاهرة لعدم بلوغ الحنث؛ لأنه صفة للغلام، وقيل: كان بالغاً بدليل قوله: {بِغَيْرِ نَفْسٍ} [366/ ب] أي: هو لا يجب عليه القصاص، وإلا فالصبي لا قصاص عليه. وجوابه: أنه نبه بذلك على أن قتله بغير حق، وأنه كان في شرعهم القصاص على الصبي كما يوجد في شرعنا تغريم المتلفات [106/ أ]. قوله: "يريد أن ينقض". إسناد الإرادة إلى الجدار مجاز والمراد المشارفة على السقوط. قوله: "علمي وعلمك". لفظ النقص ليس على ظاهره (¬1)؛ لأن علم الله لا ينقص، فقيل: معناه لا يأخذ، وهذا توجيه (¬2) حسن وكون التشبيه واقعاً على الأخذ لا على المأخوذ منه. وأحسن (¬3) منه أن المراد من العلم المعلوم، بدليل دخول حرف التبعيض؛ لأن العلم القائم بذات الله صفة قديمة لا تتبعض، والمعلوم يتبعض (¬4). ¬

_ (¬1) قاله الحافظ في "الفتح" (1/ 220). (¬2) قاله القرطبي في "المفهم" (6/ 215). (¬3) انظر: "فتح الباري" (1/ 220). وقال القرطبي في "المفهم" (6/ 215 - 216): وقد أورد البخاري هذا اللفظ من رواية ابن جريج على لفظ أحسن ساقاً من هذا أو أبعد عن الإشكال؟ فقال: "ما علمي وعلمك في جنب علم الله إلا كما أخذ العصفور بمنقاره من البحر". (¬4) انظر: "فتح الباري" (1/ 220). وقال القرطبي في "المفهم" (6/ 215 - 216): وقد أورد البخاري هذا اللفظ من رواية ابن جريج على لفظ أحسن ساقاً من هذا أو أبعد عن الإشكال؟ فقال: "ما علمي وعلمك في جنب علم الله إلا كما أخذ العصفور بمنقاره من البحر".

واعلم أن في هذه القصة أنواع من القواعد والأصول والفروع والآداب والنفائس المهمة:- منها (¬1): أنه لا بأس على العالم والفاضل أن يخدمه المفضول، ويقضي حاجة ولا يكون هذا من أخذ العوض على تعليم العلم والأدب بل من مروءات الأصحاب وحسن العشرة، ودليله في [367/ ب] هذه القصة حمل فتاه غداهما، وحمل أصحاب السفينة موسى والخضر بغير أجرة لمعرفتهم الخضر بالصلاح. وفيها: الحث على التواضع في علمه وغيره وأنه لا يدعي أنه أعلم الناس، وأنه إذا سئل عن أعلم الناس؟ قال: الله أعلم. ومنها (¬2): بيان أصل عظيم من أصول الإسلام، وهو وجوب التسليم لكل ما جاء به الشرع، وإن كان بعضه لا تظهر حكمته للعقول، ولا يفهمه أكثر الناس، وقد لا يفهمونه كلهم، وموضع الدلالة قتل الغلام، وخرق السفينة فإن صورتهما صورة المنكر، وإن كان صحيحاً في نفس الأمر، وله حكمة بينة, لكنها لا تظهر للخلق، فإذا أعلم الله بها علموها، ولهذا قال: {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي}. 4 - وَعَن أَبِي الدَّرْدَاءِ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "كَانَ الْكَنْزُ ذَهَبَاً وَفِضّةً". أخرجه الترمذي (¬3). [ضعيف جداً] 5 - وَعَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ - رضي الله عنها - أَنَّ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ عَلَيْهَا فَزِعًا يَقُولُ: "لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله، وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ, فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ"، وَحَلَّقَ ¬

_ (¬1) انظر: "فتح الباري" (1/ 220 - 221). "الجامع لأحكام القرآن" (11/ 20018). "المفهم" (6/ 216 - 217). (¬2) انظر: "فتح الباري" (1/ 222). (¬3) في "السنن" رقم (3152) وهو حديث ضعيف جداً.

بِإِصْبَعِهِ الإِبْهَامِ وَالَّتِي تَلِيهَا، فَقلْت: يَا رَسُولَ اللهِ أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ "نَعَمْ، إِذَا كَثُرَ الخبْثُ". أخرجه الشيخان (¬1) والترمذي (¬2). [صحيح] "الخبْثُ" الفسق والفجور. قوله في حديث زينب بنت جحش: "ويلٌ للعرب". أقول: حفص العرب بذلك؛ لأنهم حينئذٍ كانوا معظم من أسلم (¬3). والمراد بالشر ما وقع (¬4) بعده - صلى الله عليه وسلم - من قتل عثمان، ثم توالت الفتن حتى صارت العرب بين الأمم كالقصعة بين الأكلة كما وقع في الحديث الآخر: "يوشك أن تداعى عليكم الأمم تداعي الأكلة على قصعتها" فإن المخاطب بذلك العرب. قال القرطبي (¬5): ويحتمل أن يراد بالشر ما أشار إليه في حديث أم سلمة: "ماذا أنزل الليلة من الفتن، وماذا أنزل من الخزاين" فأشار بذلك إلى الفتوح التي فتحت بعدها فكثرت الأموال في أيديهم فوقع [368/ ب] التنافس الذي جر الفتن، وكذلك التنافس على الإمرة، فإن معظم ما أنكروه على عثمان توليه أقاربه من بني أمية وغيرهم حتى أفضى ذلك إلى قتله وترتب على قتله من القتال بين المسلمين ما اشتهر واستمر. قوله: "الإبهام والتي تليها". هي عقد العشرة؛ لأن عقد العشرة أن يحلق بالإبهام والسبابة. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في الصحيحه رقم (3346) وأطرافه (3598، 7059، 7135) ومسلم رقم (2880). (¬2) في "السنن" رقم (2187). (¬3) قال الحافظ في "الفتح" (13/ 11) وللإنذار بأن الفتن إذا وقعت كان الهلاك أسرع إليهم. (¬4) انظر: "فتح الباري" (13/ 13). (¬5) ذكره الحافظ في "الفتح" (13/ 107).

قوله: "يهلِك" (¬1). بكسر اللام أفصح من فتحها، ومعناه أن الخبث إذا كثر قد يحصل الهلاك العام وإن كانوا صالحون. 6 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ فِي السَّدِّ: "يَحْفِرُونَهُ كُلَّ يَوْمٍ حَتَّى إِذَا كَادُوا يَخْرِقُونَهُ, قَالَ الَّذِي عَلَيْهِمُ: ارْجِعُوا فَسَتَخْرِقُونَهُ غَدًا فَيُعِيدُهُ الله تَعَالَى كَأَشَدِّ مَا كَانَ، حَتَّى إِذَا بَلَغَ مُدَّتَهُمْ وَأَرَادَ الله تَعَالَى أَنْ يَبْعَثَهُمْ عَلَى النَّاسِ. قَالَ الَّذِي عَلَيْهِمُ ارْجِعُوا فَسَتَخْرِقُونَهُ غَدًا إِنْ شَاءَ الله وَاسْتَثْنَى، فَيَرْجِعُونَ فَيَجِدُونَهُ كهَيْئَتِهِ حِينَ ترَكُوهُ فَيَخْرِقُونَهُ فَيَخْرُجُونَ عَلَى النَاسِ فَيَسْتَقُونَ الميَاهَ وَتَفِرُّ النَّاسُ مِنْهُمْ فَيَرْمُونَ بِسِهَامِهِمْ إِلَى السَّماءِ فَتَرْجِعُ مخُضَّبَةً بِالدِّمَاءِ فَيَقُولُونَ: قَهَرْنَا مَنْ فِي الأَرْضِ، وَعَلَوْنَا مَنْ فِي السَّمَاءِ، فَيَبْعَثُ الله تَعَالَى عَلَيْهِمْ نَغَفًا فِي أَقْفَائِهِمْ فَيَهْلِكُونَ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنَّ دَوَابَّ الأَرْضِ تَسْمَنُ وتبْطَرُ وَتَشْكَرُ شَكْرًا مِنْ لحُومِهِمْ". أخرجه الترمذي (¬2). [صحيح] "النَّغَفُ (¬3) " بالغين المعجمة، دود يكون في أنف الإبل والغنم، و"تَشْكَرُ (¬4) " بسكون الشين المعجمة وفتح الكاف: أي تسمن وتمتلئ ضروعها لبنا. ¬

_ (¬1) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 909 - 910). "الفائق للزمخشري" (4/ 138). (¬2) في "السنن" رقم (3153). قلت: وأخرجه الحاكم (4/ 488) وابن حبان رقم (6829) وابن ماجه رقم (4080) وابن جرير في "جامع البيان" (15/ 399) وهو حديث صحيح. (¬3) قاله ابن الأثير في "جامع الأصول" (2/ 234)، وانظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 769). (¬4) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (1/ 885) "الفائق" للزمخشري (2/ 248).

7 - وَعَنْ مُصْعَبٍ بنِ سَعْدٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبِي عن قَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103)} [الكهف: 103]، أَهُمُ الْحَرُورِيَّةُ؟ قَالَ: لاَ، هُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، أَمَّا الْيَهُودُ فَكَذَّبُوا مُحَمَّدًا - صلى الله عليه وسلم -، وَأَمَّا النَّصَارَى فَكَذَّبُوا بِالْجَنَّةِ، وَقَالُوا: لاَ طَعَامَ فِيهَا، وَلاَ شَرَابَ. "وَالحَرُورِيَّةُ" الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ الله مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ؛ وكان سعد يسميهم الفاسقين. أخرجه البخاري (¬1). [صحيح] 8 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّهُ لَيَأْتِي الرَّجُلُ الْعَظِيمُ السَّمِينُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لاَ يَزِنُ عِنْدَ الله تَعَالَى جَنَاحَ بَعُوضَةٍ, وَقَالَ: اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: {فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا (105)} [الكهف: 105] ". أخرجه الشيخان (¬2). [صحيح] 9 - وَعَنْ أَبِي سَعْدِ بْنِ أَبِي فَضَالَةَ الأَنْصَارِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِذَا جَمَعَ الله تَعَالَى النَّاسَ لِيَوْمِ لاَ رَيْبَ فِيهِ يُنَادِي مُنَادٍ: مَنْ كَانَ يُشْرِكُ بِالله تَعَالَى فِي عَمَلٍ عَمِلَهُ لله أَحَدًا فَلْيَطْلُبْ ثَوَابَهُ مِنْه, فَإِنَّ الله تعالى أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ". أخرجه الترمذي (¬3). [صحيح] قوله: "وعن أبي سعيد بن أبي فضالة" إلى قوله: "أخرجه الترمذي". قلت: وقال (¬4): هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث محمد بن بكير. انتهى. ¬

_ (¬1) في صحيحه رقم (4728). قلت: وأخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (15/ 425) والنسائي في "السنن الكبرى" رقم (11313) والحاكم (2/ 370). (¬2) أخرجه البخاري رقم (4729) ومسلم رقم (2715)، انظر: "جامع البيان" (15/ 430). (¬3) في "السنن" رقم (3154) وهو حديث صحيح. (¬4) في "السنن" (5/ 314).

(سورة مريم)

وفي التقريب (¬1): محمد بن بُكَير بالتصغير، ابن واصل الحضرمي البغدادي أبو الحسن. نزيل أصبهان، صدوق يخطئ من العاشرة، قيل: إن البخاري روى عنه. انتهى. [369/ ب]. (سورة مريم) 1 - عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: لَمَّا قَدِمْتُ نَجْرَانَ سَأَلونِي وَقَالُوا: إِنَّكُمْ تَقْرَءُونَ يَا أُخْتَ هَارُونَ؛ وَمُوسَى قَبْلَ عِيسَى بِكَذَا وَكَذَا، فَلَمَّا قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - سَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: "إِنَّهُمْ كَانُوا يَتَسَمّونَ بِأَنَبِيَائِهِمْ وَالصَّالحِينَ قَبْلَهُمْ". أخرجه مسلم (¬2) والترمذي (¬3). [صحيح] قوله: "يا أخت هارون". قال قتادة وغيره (¬4): كان هارون رجلاً صالحاً عابداً في بني إسرائيل، روي أنه تبع جنازته يوم مات أربعون ألفًا، كلهم يسمى هارون من بني إسرائيل سوى سائر الناس. قوله: "بكذا وكذا". قال البيضاوي (¬5): كان بينهما ألف سنة. ¬

_ (¬1) (2/ 148 رقم 83). (¬2) في صحيحه رقم (2135). (¬3) في "السنن" رقم (3155). قلت: وأخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (15/ 524) وابن أبي شيبة في مصنفه (14/ 551) وأحمد (3/ 141) والنسائي في "السنن الكبرى" (11315). (¬4) أخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (15/ 525). (¬5) في تفسيره (2/ 366 - بتحقيقي).

2 - وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَرَأَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ} [مريم: 39]، وَقَالَ: "يُؤْتَى بِالْمَوْتِ كَأَنَّهُ كَبْشٌ أَمْلَحُ، حَتَّى يُوقَفَ عَلَى السُّورِ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ فَيُقَالُ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ! فَيَشْرَئِبُّونَ، وَيُقَالُ: يَا أَهْلَ النَّارِ! فَيَشْرَئِبُّونَ، فَيُقَالُ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، هَذَا الْمَوْتُ فَيُضْجَعُ وَيُذْبَحُ، فَلَوْلاَ أَنَّ الله قَضَى لأَهْلِ الْجَنَّةِ الْحَيَاةَ فِيهَا وَالْبَقَاءَ لمَاتُوا فَرَحًا، وَلَوْلاَ أَنَّ الله قَضَى لأَهْلِ النَّارِ الْحَيَاةَ فِيهَا وَالْبَقَاءَ لمَاتُوا تَرَحًا". أخرجه الترمذي (¬1) وصححه. [صحيح دون قوله: "فلولا أن الله قضى لأهل النار ... "] "الْأَمْلَحُ (¬2) " الذي بياضه أكثر من سواده، وقيل: هو النقيُّ البياض (¬3). وقوله: "فَيَشْرَئِبونَ (¬4) " أي: يرفعون رءوسهم لينظروا إليه، "وَالتَّرح (¬5) " ضدّ الفرح، وهو الحزن. قوله: "فيشرئبون". بمعجمة وراء مفتوحة، ثم همزة مكسورة، ثم موحدة ثقيلة مضمومة، أي: يمدون أعناقهم ينظرون. وقوله: "أملح". ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (3156) وهو حديث صحيح دون قوله: "ولولا أن الله قضى لأهل النار ... ". وأخرجه - دون هذه العبارة - البخاري في "صحيحه" رقم (4730) ومسلم رقم (2849). (¬2) قاله ابن الأثير في "النهاية في غريب الحديث" (2/ 675). (¬3) انظر: "غريب الحديث للهروي" (2/ 206) "الفائق" للزمخشري (3/ 382). (¬4) "غريب الحديث" للهروي (3/ 224) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 852). (¬5) وقال ابن الأثير في "النهاية في غريب الحديث" (1/ 186) وهو الهلاك والانقطاع أيضاً. وانظر: "المجموع المغيث" (1/ 224).

قال القرطبي (¬1): الحكمة في ذلك أن يجمع بين صفتي أهل الجنة والنار السواد والبياض. قال الدميري في "حياة الحيوان (¬2) ": وإنما جيء بالموت كهيئة الكبش لما جاء أن ملك الموت أتى آدم في صورة كبش أملح قد نشر من أجنحته أربعمائة. ونقل القرطبي (¬3) عن كتاب "خلع النعلين (¬4) ": أن الذابح [للكبش] (¬5) بين الجنة والنار يحيى بن زكريا بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ في اسمه إشارة إلى الحياة الأبدية، وذكر صاحب (¬6) "الفردوس (¬7) " أن الذي يذبحه جبريل. قال ابن القيم في "حادي الأرواح (¬8) " الكبش والاضجاع والذبح، ومعاينة الفريقين ذلك حقيقة لا خيال ولا تمثيلُ، كما أخطأ فيه بعض الناس فيه خطأ قبيحاً، وقال: الموت عرض، والعرض لا يتجسَّم فضلاً عن أن يذبح، وهذا لا يصحُّ فإن الله ينشئ من الموت صورة كبش يذبح، كما ينشئ من الأعمال صوراً معاينة يثاب بها ويعاقب، [والله تعالى] (¬9) ينشئ من الأجسام أعراضاً، ومن الأعراض أعراضاً. ¬

_ (¬1) في "التذكرة" (2/ 240). (¬2) (3/ 561). (¬3) في "التذكرة" (2/ 241). (¬4) كتاب: "خلع النعلين في الوصول إلى حضرة الجمعين" لأبي القاسم أحمد بن قسي الأندلسي شيخ الصوفية, (ت: 545 هـ). انظر "كشف الظنون" (1/ 722). (¬5) في (ب) لكبس. (¬6) ذكره القرطبي في "التذكرة" (2/ 241) وفيه صاحب كتاب "العروس". (¬7) ذكره الدميري في "كتاب حياة الحيوان" (3/ 561). (¬8) (2/ 815 - 816). (¬9) زيادة من حادي في الأرواح. وانظر "فتح الباري" (11/ 421 - 422).

فالأقسام الأربعة [370/ ب] ممكنة مقدورة للرب تعالى، ولا يستلزم جمعاً بين النقيضين، ولا شيئاً من المحال. ولا حاجة إلى تكلف من قال: إنَّ الذبح إنما هو لملك الموت، فهذا كله من الاستدراك الفاسد على الله تعالى ورسوله، والتأويل الباطل الذي لا يوجبه عقل ولا نقل، وسببه قلَّة الفهم لمراد الرسول من كلامه, فظن هذا القائل أنَّ لفظ الحديث دل على أن نفس العرض يذبح، وظنَّ غالطٌ آخر: العرض يعدم ويزول، ويصير مكانه جسم يذبح [107/ أ] ولم يتنبه الفريقان لهذا القول الذي قلناه، وأن الله ينشئ من الأعراض أجساماً يجعلها مادةً لها كما في الصحيح في البقرة وآل عمران يوم القيامة "غمامتان ... الحديث (¬1) " فهذه هي القراءة التي ينشئها الله غمامتين، وذكر من هذا ما وردت به الأحاديث التي تثبت فيها أن الأعمال تصير أجساماً وصوراً في القبر وفي الآخرة (¬2). وهو كلام حسن صحيح. 3 - وَعَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا (57)} [مريم: 57] قَالَ: قَالَ أَنَسُ - رضي الله عنه - أَنَّ النَبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَمَّا عُرِجَ بِي رَأَيْتُ إِدْرِيسَ فِي السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ". أخرجه الترمذي (¬3). [صحيح] قوله في حديث قتادة: أخرجه الترمذي. قلت: وقال (¬4): وفي الباب: عن أبي سعيد عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. هذا حديث حسن صحيح، وقد رواه سعيد بن أبي عروبة، وهمام وغير واحد عن ¬

_ (¬1) تقدم وهو حديث صحيح. (¬2) انظر: "فتح الباري" (11/ 421 - 422). (¬3) في "السنن" رقم (3157). قلت: وأخرجه مسلم في صحيحه رقم (162) وابن جرير في "جامع البيان" (15/ 565) وأبو يعلى في "مسنده" رقم (2914) وهو حديث صحيح. (¬4) في "السنن" (5/ 316).

قتادة، عن أنس بن مالك عن مالك بن صعصعة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، حديث المعراج بطوله، وهذا عندي مختصر من ذلك. انتهى كلامه. 4 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - لجِبْرِيلَ: "مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَزُورَنَا أَكْثَرَ مِمَّا تَزُورُنَا فَنَزَلَتْ: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ} [مريم: 64]، الآية". أخرجه البخاري (¬1) والترمذي (¬2). [صحيح] وقوله في حديث ابن عباس: أخرجه البخاري والترمذي، قلت: وقال الترمذي (¬3): هذا حديث حسن، إلا أن في لفظ [371/ ب] الترمذي: فنزلت هذه الآية، {وَمَا نَتَنَزَّلُ}. وقوله: {بِأَمْرِ رَبِّكَ} يحتمل بإذنه، ويحتمل ما نتنزل إلا مصاحبين لأمر الله عباده بما أوجب عليهم أو حرم (¬4). 5 - وَعَن أُمُّ مُبَشِّرٍ (¬5) الْأَنصَارِيَّة - رضي الله عنها - قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "لاَ يَدْخُلُ النَّارَ إِنْ شَاءَ الله مِنْ أَصحَابِ الشَّجَرَةِ أَحَدٌ". فقَالَتْ حَفْصَةُ - رضي الله عنها -: بَلَى يَا رَسُولَ الله! ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (3218، 4731). (¬2) في "السنن" رقم (3158). قلت: وأخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (15/ 579) وأحمد (3/ 481) والبخاري في خلق أفعال العباد رقم (574) والنسائي في "الكبرى" رقم (11319) والطبراني رقم (12385) والحاكم (2/ 611) والبيهقي في "الدلائل" (7/ 60) وفي "الأسماء والصفات" رقم (4625). (¬3) في "السنن" (5/ 317). (¬4) قاله الحافظ في "الفتح" (8/ 429). (¬5) أم مبشر الأنصارية: امرأة زيد بن حارثة, يقال لها: أم بشر بنت البراء بن معرور، وكانت من كبار الصحابة. "الاستيعاب" رقم (3571).

فَانْتَهَرَهَا، فَقَالَتْ حَفْصَةُ: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} [مريم: 71]. فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَقَدْ قَالَ الله: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا} [مريم: 72] الآية" أخرجه مسلم (¬1). [صحيح] 6 - وَعَنِ السُّدِّيِّ قَالَ: سَأَلْتُ مُرَّةَ الْهَمْدَانِي عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} [مريم: 71] فَحَدَّثَنِى ابْنَ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - أَنَّ النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "يَرِدُ النَّاسُ النَّارَ، ثُمَّ يَصْدُرُونَ عَنْهَا بِأَعْمَالِهمْ، فَأَوَّلهُمْ كَلَمْحِ الْبَرْقِ، ثُمَّ كَالرِّيحِ، ثُمَّ كَحُضْرِ الْفَرَسِ، ثُمَّ كَالرَّاكِبِ المُسْرِع، ثُمَّ كَشَدِّ الرَّجُلِ، ثُمَّ كمَشْيِهِ". أخرجه الترمذي (¬2). [حسن] "الحضْرَ (¬3) " بضم الحاء المهملة وسكون الضاد المعجمة: العدْوُ. "وَالشَّدُّ" (¬4). أيضاً العدو. قوله: وَعَنِ السُدّي: بضم السين، وتشديد الدال المهملتين، وهو إسماعيل (¬5) بن عبد الرحمن، نسب إلى السدة؛ لأنه كان يبيع المقانع عند سدة مسجد الكوفة، وهي ما يبقى من الطاق المسدود، وقيل: هي الظلّة على الباب لوقاية الشمس والمطر، وقيل: هي الباب نفسه، وقيل: الساحة أمام الباب. ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (2496). قلت: وأخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (15/ 600) وأحمد (6/ 420) وأبو يعلى في "مسنده" رقم (7044) وابن حبان رقم (4800) والطبراني في "المعجم الكبير" (23/ 206، 358، 363) و (25 رقم 269). (¬2) في "السنن" رقم (3159) وهو حديث حسن. (¬3) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 390). (¬4) "الفائق" للزمخشري (2/ 209). (¬5) انظر: "ميزان الاعتدال" (1/ 395 رقم 2329). "الجرح والتعديل" (2/ 184) "الكاشف" (1/ 125).

وهذا إسماعيل تابعي كبير يروي عن أنس وابن عباس، وأما السُّدّي الصغِير فهو محمد (¬1) بن مروان، يروي عن هشام بن عروة والأعمش. متروك متهم (¬2). 7 - وَعَنْ خَبَّابٍ بن الأرَتِّ قَالَ: كُنْتُ قَيْنًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ, فَعَمِلْتُ لِلْعَاصِ بْنِ وَائِلِ السَّهْمِيِّ سَيْفًا، فَجِئْتُ أَتَقَاضَاهُ, فَقَالَ: لاَ أُعْطِيكَ حَتَّى تَكْفُرَ بِمُحَمَّدٍ. فقُلْتُ لاَ أَكْفُرُ بِمُحَمَّدٍ حَتَّى يُمِيتَكَ الله تَعَالَى ثُمَّ تُبْعَثَ. قَالَ: وَإِنِّي لميَتٌ ثُمَّ مَبْعُوْثٌ؟ قُلْتُ بَلَى، قَالَ: دَعْنِي حَتَّى أَمُوتَ وَأُبْعَثَ، فَسَأُوتَى مَالاً وَوَلَدًا فَأَقْضِيَكَ. فَنَزَلَتْ: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا (77)} [مريم: 77] الآية". أخرجه الشيخان (¬3) والترمذي (¬4). [صحيح] "القين (¬5) " الحدّاد. قوله: في حديث خباب، وهو بالخاء المعجمة, وموحدة مشددة، وآخره موحدة. والأرت: بفتح الهمزة فراء ساكنة فمثناة فوقية. ¬

_ (¬1) انظر: "ميزان الاعتدال" (6/ 328 رقم 4738) ط: العلمية (4/ 32 رقم 8154 - المعرفة). (¬2) قال البخاري سكتوا عنه، وهو مولى الخطابيين لا يكتب حديثه البتة، وقال ابن معين: ليس بثقة، وقال أحمد: أدركته وقد كبر فتركته. انظر: "الجرح والتعديل" رقم (364) "التاريخ الكبير" للبخاري (729). (¬3) البخاري في "صحيحه" رقم (2091، 2275، 2425، 4733، 4734، 4735) ومسلم رقم (2795). (¬4) في "السنن" رقم (3162). (¬5) قاله ابن الأثير في "جامع الأصول" (2/ 241)، وانظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 511) وفيه وهو الحداد والصائغ.

(سورة الحج)

وقوله: حتى يميتك الله ثم تبعث: مفهومه أنه يكفر حينئذٍ لكنه لم يرد ذلك لأن الكفر [372/ ب] حينئذٍ لا يتصور، فكأنه قال: لا أكفر أبداً، والنكتة في تعبيره بالبعث تعبير العاصي أنه لا يؤمن به. 8 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا أَحَبَّ الله عَبْدًا نَادَى جِبْرِيلَ - عليه السلام -: إِنِّي قَدْ أَحْبَبْتُ فُلاَنًا فَأَحِبَّهُ، فَيُنَادِي فِي السَّمَاءِ، ثُمَّ تَنْزِلُ لَهُ الْمَحَبَّةُ فِي أَهْلِ الأَرْضِ، فَذَلِكَ قَول الله: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا (96)} [مريم: 96]، وَقَالَ فِي الْبُغْضِ مِثْلَ ذَلِكَ". أخرجه الترمذي (¬1). [صحيح] قوله: في حديث أبي هريرة: أخرجه الترمذي. قلت: وقال (¬2): هذا حديث حسن صحيح. (سورة الحج) 1 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ} [الحج: 11] قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ يَقْدَمُ الْمَدِينَةَ، فَإِنْ وَلَدَتِ امْرَأَتُهُ غُلاَمًا، وَنُتِجَتْ خَيْلُهُ, قَالَ هَذَا دِينٌ صَالِحٌ، فَإِنْ لَمْ تَلِدِ امْرَأَتُهُ وَلَمْ تُنْتَجْ خَيْلُهُ قَالَ: هَذَا دِينُ سُوءٍ. أخرجه البخاري (¬3). [صحيح] ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (3161). قلت: وأخرجه البخاري رقم (3209) ومسلم رقم (2637). (¬2) أي: الترمذي في "السنن" (5/ 318). (¬3) في "صحيحه" رقم (4742).

قوله: في حديث ابن عباس: فإن نتجت (¬1) بضم النون فهي منتوجة، مثل نفست فهي فهي منفوسة. 2 - وَعَنْ عَليِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رضي الله عنه - قَالَ: أَنَا أَوَّلُ مَنْ يَجْثُو لِلْخُصُومَةِ بَيْنَ يَدَيِ الرَّحْمَنِ - عز وجل - يَوْمَ الْقِيَامَةِ، قَالَ قَيْسٌ بنُ عُبَادٍ وَفِيهِمْ نَزَلَتْ: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} [الحج: 19] وَهُمُ الَّذِينَ بَارَزُوا يَوْمَ بَدْرٍ: عَليٌّ، وَحَمْزَةُ، وَعُبَيْدَةُ بنُ الْحَارِثِ - رضي الله عنهم -، وَشَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَعُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَالْوَلِيدُ بْنُ عُتْبَةَ. أخرجه البخاري (¬2). [صحيح] قوله: في حديث علي بن أبي طالب: أنا أول من يجثو بجيم ومثلثة: أول من يقعد على ركبته مخاصماً، والمراد بهذه الأدلة تقييده بالمجاهدين في هذه المبارزة، أول مبارزة وقعت في الإسلام. وهؤلاء الستة الذين بارزوا يوم بدر، فقتل حمزة شيبة، وقتل علي الوليد، واختلف عبيدة وعتبة، فكر حمزة وعلي على عتبة فدففا عليه، واحتملا عبيدة، وقد قطعت رجله فمات بالصفراء عند رجوعهم، وعبيدة هو القائل: لو كان أبو طالب حياً لعلم أني أحق منه بقوله: ونسلمه حتى نصرع حوله ... ونذهل عن أبنائنا والحلائل وهؤلاء الستة كلهم من قريش؛ اثنان من بني هاشم، والثالث وهو عبيدة من بني المطلب وكان أسنهم؛ والثلاثة الآخرون المشركون من بني عبد شمس بن عبد مناف. 3 - وَعَن ابْنِ الزُّبَيْرِ - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّمَا سُمِّيَ الْبَيْتُ الْعَتِيقَ لأَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ عَلَيْهِ جَبَّارٌ". أخرجه الترمذي (¬3). [ضعيف] ¬

_ (¬1) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 706)، "الفائق" للزمخشري (4/ 30). (¬2) في صحيحه رقم (3965) وطرفاه في (3967، 4744). (¬3) في "السنن" رقم (3170). وهو حديث ضعيف. والله أعلم.

(سورة قد أفلح)

قوله في حديث العتيق وقد روي عن ابن الزبير عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسل. قوله: "أخرجه الترمذي". قلت: وقال (¬1): [373/ ب] هذا حديث حسن غريب. 4 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: لَمَّا أُخْرِجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ مَكَّةَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ - رضي الله عنه -: آذَوْا نَبِيَّهُمْ حَتَّى خَرَجَ لَيَهْلِكُنَّ، فَأَنْزَلَ الله تَعَالَى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39)} [الحج: 39] فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ - رضي الله عنه -: لَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّهُ سَيَكُونُ قِتَالٌ. أخرجه الترمذي (¬2) والنسائي (¬3). [إسناده صحيح] قوله في حديث أبي بكر: "أخرجه الترمذي والنسائي". قلت: وقال الترمذي (¬4): هذا حديث حسن، وقد رواه غير واحد، عن سفيان عن الأعمش عن مسلم البطين، عن سعيد بن جبير مرسلاً، وليس فيه: عن ابن عباس. انتهى. (سورة قد أفلح) 1 - عَن عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: قُلْتُ: يا رَسُولُ الله! {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} [المؤمنون: 60] أَهُمُ الَّذِينَ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ وَيَسْرِقُونَ؟ قَالَ: "لاَ يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ! وَلَكِنَّهُمُ الَّذِين يَصُومُونَ وَيُصَلُّونَ وَيَتَصَدَّقُونَ وَيَخَافُونَ أَنْ لاَ يُقْبَلَ مِنْهُمْ: أُولَئِكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ". أخرجه الترمذي (¬5). [صحيح] ¬

_ (¬1) في "السنن" (5/ 324) بل وقال: هذا حديث حسن صحيح. (¬2) في "السنن" رقم (3171) بإسناد صحيح. (¬3) في "السنن" رقم (3085). (¬4) في "السنن" (5/ 325). (¬5) في "السنن" (3175). =

(سورة النور)

قوله في حديث عائشة: "أخرجه الترمذي". قلت: وقال (¬1): وروي هذا الحديث عن عبد الرحمن بن سعيد عن أبي حازم، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحو هذا. 2 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه - فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ (104)} [المؤمنون: 104] قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "تَشْوِيهِ النَّارُ فَتَقَلَّصُ شَفَتُهُ الْعُلْيَا حَتَّى تَبْلُغَ وَسَطَ رَأْسِهِ, وَتَسْتَرْخِي السُّفْلَى حَتَّى تَضْرِبَ سُرَّتَهُ". أخرجه الترمذي وصححه (¬2). قوله: "وصححه". قلت: قال (¬3): هذا حديث حسن غريب صحيح. (سورة النور) 1 - عَن عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: كَانَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ مَرْثَدُ بْنُ أَبِي مَرْثَدٍ - رضي الله عنه -، وَكَانَ رَجُلاً يَحْمِلُ الأَسْرَى مِنْ مَكَّةَ حَتَّى يَأْتِيَ بِهِمُ الْمَدِينَةَ، فكَانَتِ امْرَأَةٌ بَغِىٌّ بِمَكَّةَ يُقَالُ لَهَا عَنَاقُ، وَكَانَتْ صَدِيقَةً لَهُ، وَكَانَ وَعَدَ رَجُلاً مِنْ أُسَارَى مَكَّةَ يَحْمِلُهُ قَالَ: فَجِئْتُ حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى ظِلِّ حَائِطٍ مِنْ حَوَائِطِ مَكَّةَ فِي لَيْلَةٍ مُقْمِرَةٍ، قَالَ: فَجَاءَتْ عَنَاقُ فَأَبْصَرَتْ سَوَادَ ظِلِّي تَحْتَ الْحَائِطِ، فَلَمَّا انْتَهَتْ إِلَيَّ عَرَفَتْنِي فَقَالَتْ: مَرْثَدُ؟ فَقُلْتُ مَرْثَدُ، فَقَالَتْ مَرْحَبًا وَأَهْلاً هَلُمَّ ¬

_ = قلت: وأخرجه أحمد (6/ 205) وابن ماجه رقم (4198) والبيهقي في "الشعب" رقم (762) والحاكم (2/ 393) وهو حديث صحيح. (¬1) في "السنن" (5/ 328). (¬2) في "السنن" رقم (2587 و3176) وأحمد (3/ 88) وأبو يعلى في مسنده رقم (1367) والحاكم (2/ 246) وأبو نعيم في "الحلية" (8/ 182) والبيهقي في "البعث والنشور" رقم (558) والبغوي في "شرح السنة" رقم (4416) وابن أبي الدنيا في "صفة النار" (رقم 109). وهو حديث ضعيف. والله أعلم. (¬3) في "السنن" (5/ 328).

فَبِتْ عِنْدَنَا اللَّيْلَةَ، فَقُلْتُ: يَا عَنَاقُ! قَدْ حَرَّمَ الله تَعَالَى الزِّنَا. قَالَتْ: يَا أَهْلَ الْخِيَامِ! هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي يَحْمِلُ أَسْرَاكُمْ، قَالَ: فتَبِعَنِي ثَمَانِيَةٌ، فَانْتَهَيْتُ إِلَى غَارٍ فَجَاءُوا حَتَّى قَامُوا عَلَى رَأْسِي فَبَالُوا فَظَلَّ بَوْلُهُمْ عَلَى رَأْسِي وَأَعْمَاهُمُ الله عَنِّى. قَالَ ثُمَّ رَجَعُوا وَرَجَعْتُ إِلَى صَاحِبِي فَحَمَلْتُهُ حَتَّى قَدِمْتُ إِلَى الْمَدِينَةَ، فَأَتَيْتُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله أَنْكِحُ عَنَاقًا؟ فَأَمْسَكَ وَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ شَيْئًا حَتَّى نَزَلَتِ: {الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (3)} [النور: 3] فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم: "يَا مَرْثَدُ! لاَ تَنْكِحْهَا". أخرجه أصحاب السنن (¬1). [حسن] في حديث عمرو بن شعيب: "أخرجه أصحاب السنن". قلت: إلا أن في لفظ الترمذي: "أنكح عناقاً، أنكح عناقاً" مرتين، ثم قال الترمذي (¬2): هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه [374/ ب]. 2 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: أَنَّ هِلاَلَ بْنَ أُمَيَّةَ - رضي الله عنه - قَذَفَ امْرَأَتَهُ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بشَرِيكِ ابْنِ سَحْمَاءَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "الْبَيِّنَةَ أَوْ حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ"، فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله! إِذَا رَأَى أَحَدُنَا عَلَى امْرَأَتِهِ رَجُلاً يَنْطَلِقُ يَلْتَمِسُ الْبَيِّنَةَ، فَجَعَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "الْبَيِّنَةَ وَاِلاَّ حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ" فَقَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ إِنِّي لَصَادِقٌ، وَلَيُنْزِلَنَّ الله تَعَالَى مَا يُبَرِّئُ ظَهْرِي مِنَ الْحَدِّ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ - عليه السلام - وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ} حَتَّى بَلَغَ ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود في "السنن" رقم (2051) والنسائي في "السنن" رقم (3218) والترمذي في "السنن" (3177). قلت: وأخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (15/ 152) والحاكم (2/ 166) وابن أبي حاتم (8/ 2526) والبيهقي في "السنن الكبرى" (7/ 153) وهو حديث حسن. (¬2) في "السنن" (5/ 329).

{إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ (9)} [النور: 6]، فَانْصَرَفَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمَا فَجَاءَ هِلاَلٌ، فَشَهِدَ وَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "الله يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ"، ثُمَّ قَامَتْ فَشَهِدَتْ، فَلَمَّا كَانَتْ عِنْدَ الْخَامِسَةِ وَقَّفُوهَا، وَقَالُوا إِنَّهَا مُوجِبَةٌ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -، فتَلَكَّأَتْ وَنَكَصتْ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهَا تَرْجِعُ، ثُمَّ قَالَتْ: والله لاَ أَفْضَحُ قَوْمِي سَائِرَ الْيَوْمِ، فَمَضَتْ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَبْصِرُوهَا، فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَكْحَلَ الْعَيْنيْنِ، سَابغَ الأَلْيَتَيْنِ، خَدَلَّجَ السَّاقَيْنِ، فَهْوَ لِشَرِيكِ بْنِ سَحْمَاءَ"، فَجَاءَتْ بِهِ كَذَلِكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْلاَ مَا مَضَى مِنْ كِتَابِ الله تَعَالَى كَانَ لِي وَلهَا شَأْنٌ". أخرجه البخاري (¬1)، وأبو داود (¬2)، والترمذي (¬3). [صحيح] قوله في حديث ابن عباس: "قذف امرأته". القذف لغة: الرمي بيده، وهنا رمي المرأة بالزنا، واصله الرمي، ثم استعمل في هذا المعنى حتى غلب عليه، قاله في "النهاية (¬4) ". قوله: "ابن سحماء (¬5) " بالسين والحاء المهملتين، وهي أمه، وأبوه عبدة بن مغيث، وشريك صحابي وهو حليف الأنصار، وقول من قال إنه يهودي باطل. قوله: "البينة أو حدَّ في ظهرك". قيل: حذف منه، فالجواب وفعل الشرط بعد لا والتقدير، وإن لا تحضرها فجزاؤك حد في ظهرك. ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (4747). (¬2) في "السنن" رقم (2254) و (2256). (¬3) في "السنن" رقم (3179). (¬4) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 428). وانظر: "غريب الحديث للهروي" (4/ 245). (¬5) انظر: "الاستيعاب" رقم الترجمة (1170).

والنحاة لم يجيزوا مثل هذا الحذف إلا في الشعر، لكنه يرد عليهم الحديث الصحيح (¬1). قوله: "فتلكأت (¬2) " التلكؤ: التوقف والتباطئ. قوله: "فنزل جبريل وأنزل عليه: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ} الآية". قال الحافظ ابن حجر (¬3): كذا في هذه الرواية أنها نزلت في حديث هلال بن أمية، وفي حديث سهل الماضي - أي: في البخاري - أنها نزلت في عويمر، وقد اختلف الأئمة في هذا الموضع، منهم من رجح أنها نزلت في شأن عويمر ومنهم من رجح أنها نزلت في شأن هلال وصادف مجيء عومير أيضاً، فنزلت في شأنهما [375/ ب] معاً، وقد جنح النووي (¬4) إلى هذا وسبقه الخطيب (¬5): وأطال المقال في ذلك. انتهى [108/ أ]. قوله: "لولا ما مضى من كتاب الله لكان لي ولها شأن". أي: [لولا] (¬6) ما سبق من حكم الله بأن اللعان يدفع الحد عن المرأة لأقمت عليها الحد من أجل الشبه الظاهر الذي رميت به. 3 - وَعَن الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ وَغَيْرُه عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ سَفَرًا أَقْرَعَ بينَ نِسَائِهِ، فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا مَعَهُ، وَإِنَّهُ أَقْرَعَ بَيْنَنَا فِي غَزَاةٍ فَخَرَجَ سَهْمِي، فَخَرَجْتُ مَعَهُ بَعْدَمَا أُنْزِلَ الحِجَابُ، وَأَنَا أُحْمَلُ فِي هَوْدَجٍ، وَأُنْزَلُ فِيهِ، فَسِرْنَا ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (8/ 449). (¬2) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 612)، "المجموع المغيث" (3/ 143). (¬3) في "فتح الباري" (8/ 450). (¬4) قال الحافظ في "الفتح" (8/ 450) وقال النووي في المبهمات. وهو يشير إلى كتاب "الإشارات إلى بيان الأسماء المبهمات" مخطوط في دار الكتب الوقفية - حلب. (¬5) ذكره الحافظ في "الفتح" (8/ 450). (¬6) في (أ) لو.

حَتَّى إِذَا فَرَغَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - مِنْ غَزْوَتِهِ تِلْكَ، وَقَفَلَ وَدَنَوْنَا مِنَ الْمَدِينَةِ، آذَنَ لَيْلَةً بِالرَّحِيلِ، فَقُمْتُ حِينَ آذَنُوا بِالرَّحِيلِ، حَتَّى جَاوَزْتُ الْجَيْشَ، فَلَمَّا قَضَيْتُ مِنْ شَأْنِي أَقْبَلْتُ إِلَى الرَّحْلِ، فَلَمَسْتُ صَدْرِي، فَإِذَا عِقْدٌ لِي مِنْ جَزْعِ أَظْفَارٍ قَدِ انْقَطَعَ، فَرَجَعْتُ فَالْتَمَسْتُ عِقْدِي، فَحَبَسَنِي ابْتِغَاؤُهُ، وَأَقْبَلَ الرَّهْطُ الَّذِينَ كَانُوا يُرَحِّلُوْنَنِي، فَاحْتَمَلُوا هَوْدَجِي فَرَحَلُوهُ عَلَى بَعِيرِي، وَهُمْ يَحْسِبُونَ أَنِّي فِيهِ, وَكَانَ النِّسَاءُ إِذْ ذَاكَ خِفَافًا لَمْ يَثْقُلْنَ اللَّحْمُ، وَإِنَّمَا يَأْكُلْنَ الْعُلْقَةَ مِنَ الطَّعَامِ، فَلَمْ يَسْتَنْكِرِ الْقَوْمُ حِينَ رَفَعُوهُ خِفَّةَ الْهَوْدَجِ فَاحْتَمَلُوهُ, وَكُنْتُ جَارِيَةً حَدِيثَةَ السِّنِّ، فَبَعَثُوا الْجَمَلَ وَسَارُوا، فَوَجَدْتُ عِقْدِي بَعْدَ مَا اسْتَمَرَّ الْجَيْشُ، فَجِئْتُ مَنْزِلَهُمْ وَلَيْسَ فِيهِ أَحَدٌ مِنْهُم، فتيمَّمْتُ مَنْزِلِي الَّذِي كُنْتُ فِيْهِ، وَظَنَنْتُ أَنَّهُمْ سَيَفْقِدُونِي فيْرْجِعُونَ إِلَيَّ، فَبَيْنَا أنَّا جَالِسَةٌ غَلَبَتْنِي عَيْنَايَ فَنِمْتُ، وَكَانَ صَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطَّلِ السُّلَمِيُّ ثُمَّ الذَّكْوَانِيُّ قَدْ عَرَّسَ وَرَاءِ الْجَيْشِ، فَأَدْلَجَ فَأَصْبَحَ عِنْدَ مَنْزِلِي، فَرَأَى سَوَادَ إِنْسَانٍ نَائِم، فَأَتَانِي فَعَرَفَنِي حينَ رَآنِي، وَكَانَ يَرَانِي قَبْلَ الْحِجَابِ، فَاسْتَيْقَظْتُ بِاسْتِرْجَاعِهِ حِينَ عَرَفَنِي فَخَمَّرْتُ وَجْهِي بِجِلْبَابِي، وَوَالله مَا يُكَلِّمُنِي بِكَلِمَةٍ وَلاَ سَمِعْتُ مِنْهُ كَلِمَةً غير اسْتِرْجَاعِهِ، وَهَوَى حَتَّى أَناخَ رَاحِلتَهُ، فَوَطِئَ عَلَى يَدَيهَا فَرَكِبْتُهَا، فَانْطَلَقَ يَقُودُ بِي الرَّاحِلَةَ حَتَّى أَتَيْنَا الْجَيْشَ بَعْدَ مَا نَزَلُوا مُعَرِّسِينَ، قَالَتْ: فَهَلَكَ فِيَّ شَأْنِي مَنْ هَلَكَ، وَكَانَ الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَ الإِفْكِ عبد الله بْنَ أُبَيٍ بنَ سَلُولَ، فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فَاشْتَكَيْتُ بِهَا شَهْرًا، وَالنَّاسُ يُفِيضُونَ فِي قَوْلِ أَصْحَابِ الإِفْكِ وَلاَ أَشْعُرُ، وَهْوَ يَرِيبُنِي فِي وَجَعِي أَنِّي لاَ أَرَى مِن النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - اللُّطْفَ الَّذِي كُنْتُ أَرَى مِنْهُ حِينَ أَشْتَكِي، إِنَّمَا يَدْخُلُ فَيُسَلِّمُ ثُمَّ يَقُولُ: "كَيْفَ تِيكُمْ؟ " ثُمَّ يَنْصَرِفُ, فَذَلِكَ الَّذِي يَرِيبُنِي مِنْهُ وَلاَ أَشْعُرُ بِالشَّرِّ حَتَّى نَقَهْتُ، فَخَرَجْتُ أنَّا وَأُمِّ مِسْطَحٍ قِبَلَ الْمَنَاصِعِ، وَهُوَ مُتَبَرَّزَنَا، وَكُنَّا لاَ نَخْرُجُ إِلاَّ لَيْلاً إِلَى لَيْلٍ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ نَتَّخِذَ الْكُنُفَ، وَأَمْرُنَا أَمْرُ الْعَرَبِ الأُوَلِ فِي التَّبَرُّزِ قِبَلَ الْغَائِطِ، فَأَقْبَلْتُ أَنَا وَأُمُّ مِسْطَحٍ وَهْيَ ابْنَةُ أَبِي رُهْمِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ, وَأُمُّهَا بِنْتُ صَخْرِ بْنِ عَامِرٍ خَالَةُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رضي الله عنه -، وَابْنُهَا مِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ بْنِ عُبَادِ بْنِ الْمُطَّلِبِ، حِينَ فَرَغْنَا مِنْ شَأْنِنَا نَمْشِي،

فَعَثَرَتْ أُمُّ مِسْطَحٍ فِي مِرْطِهَا فَقَالَتْ: تَعِسَ مِسْطَحٌ، فَقُلْتُ لَهَا: بِئْسَ مَا قُلْتِ؛ أَتَسُبِّينَ رَجُلاً شَهِدَ بَدْرًا؟ فَقَالَتْ: يَا هَنْتَاهْ أَلَمْ تَسْمَعِي مَا قَالَ؟ فَقُلْتُ: وَمَا قَالَ؟ فَأَخبرَتْنِي بِقَوْلِ أَهْلِ الإِفْكِ، فَازْدَدْتُ مَرَضًا إِلَى مَرَضِي، فَلَمَّا رَجَعْتُ إِلَى بَيْتِي دَخَلَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "كيْفَ تِيكُمْ"، فَقُلْتُ: ائْذَنْ لِي أَنْ آتِيَ أَبوَيَّ، وَأَنَا حِينَئِذٍ أُرِيدُ أَنْ أَسْتَيْقِنَ الْخَبَرَ مِنْ قِبَلِهِمَا، فَأَذِنَ لِي فَأَتَيْتُ أَبَوَيَّ فَقُلْتُ لأُمِّي: يَا أُمَّتَاهُ! مَا يَتَحَدَّثُ بِهِ النَّاسُ؟ فَقَالَتْ: يَا بُنَيَّةُ! هَوِّنِي عَلَى نَفْسِكِ الشَّأْنَ، فَوَالله لَقَلَّمَا كَانَتِ امْرَأَةٌ قَطُّ وَضِيئَةٌ عِنْدَ رَجُلٍ يُحِبُّهَا وَلَهَا ضَرَائِرُ إِلاَّ أَكْثَرْنَ عَلَيْهَا، فَقُلْتُ سُبْحَانَ الله! وَلَقَدْ تحَدَّث النَّاسُ بِهَذَا؟ قَالَتْ: فَبَكَيْتُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ حَتَّى أَصْبَحْتُ لاَ يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ وَلاَ أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ، ثُمَّ أَصْبَحْتُ أَبْكِي، فَدَعَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَليَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَأُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ - رضي الله عنهما - حِينَ اسْتَلْبَثَ الْوَحْيُ، يَسْتَشِيرُهُمَا فِي فِرَاقِ أَهْلِهِ، قَالَتْ: فَأَمَّا أُسَامَةُ فَأَشَارَ عَلَيْهِ بِمَا يَعْلَمُ مِنْ بَرَاءَةِ أَهْلِهِ بِالَّذِي يَعْلَمُ فِي نَفْسِهِ مِنَ الْوُدِّ لَهُمْ، فَقَالَ أُسَامَةُ: هُمْ أَهْلُكَ يَا رَسُولَ الله! وَلاَ نَعْلَمُ وَالله إِلاَّ خَيْرًا، وَأَمَّا عَليُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله! لَمْ يُضَيِّقِ الله عَلَيْكَ، وَالنِّسَاءُ سِوَاهَا كَثِيرٌ، وَسَلِ الْجَارِيَةَ تُخْبرْكَ. قَالَتْ: فَدَعَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بَرِيرَةَ فَقَالَ لَهَا: "أيْ بُرَيْرَةُ: هَلْ رَأَيْتِ فِيهَا شَيْئًا يَرِيبُكِ؟ " فَقَالَتْ: لاَ؛ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ نَبِيَّاً إِنْ رَأَيْتُ مِنْهَا أَمْرًا أَغْمِصُهُ عَلَيْهَا أَكْثَرَ مِنْ أَنَّهَا جَارِيَة حَدِيثَةُ السِّنِّ تَنَامُ عَنِ عَجِين أَهْلِهَا فتأْتِي الدَّاجِنُ فتأْكُلُهُ. قَالَتْ: فَقَامَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - مِنْ يَوْمِهِ، وَاسْتَعْذَرَ مِنْ عبد الله بْنِ أُبَىٍّ ابْنِ سَلُولَ فَقَالَ وَهُوَ عَلَى الْمَنْبَرِ: "مَنْ يَعْذِرُنِي مِنْ رَجُلٍ بَلَغَني أَذَاهُ فِي أَهْلِي، فَوَالله مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهِلي إِلاَّ خَيْرًا، وَلَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلاً مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ إِلاَّ خَيْرًا، وَمَا كَانَ يَدْخُلُ عَلَى أَهِلي إِلاَّ مَعِي"، قَالَتْ: فَقَامَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ - رضي الله عنه - فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله! أنَّا وَالله أَعْذِرُكَ مِنْهُ، إِنْ كَانَ مِنَ الأَوْسِ ضَرَبْنَا عُنُقَهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ إِخْوَانِنَا مِنَ الْخَزْرَجِ أَمَرْتَنَا فَفَعَلْنَا فِيهِ أَمْرَكَ، فَقَامَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ - رضي الله عنه -، وَهُوَ سَيِّدُ الْخَزْرَجِ، وَكَانَ رَجُلاً صَالِحًا أَخَذَتْهُ الْحَمِيَّةُ، فَقَالَ لِسَعْدِ بن مُعَاذٍ: كَذَبْتَ لَعَمْرُ الله، لاَ تَقْتُلُهُ وَلاَ تَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ، فَقَامَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرِ - رضي الله عنه -، وَهُوَ ابْنُ عَم سَعْدِ بنُ مُعَاذٍ فَقَامَ لِسَعْدِ بنُ عُبَادَةَ كَذَبْتَ

لَعَمْرُ الله، وَالله لَنَقْتُلَنَّهُ، فَإِنَّكَ مُنَافِقٌ، تُجَادِلُ عَنِ الْمُنَافِقِينَ، فَثَارَ الْحَيَّانِ الأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ حَتَّى هَمُّوا أَنْ يَقْتَتِلُوا وَرَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَلَى الْمِنْبَرِ فَلَمْ يَزَلْ يُخَفِّضُهُمْ حَتَّى سَكَتُوا وَنَزَلَ وَبَكَيْتُ يَوْمِي ذَلِكَ لاَ يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ وَلاَ أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ، ثم بَكَيْتُ لَيْلَتِي الْمُقْبلَة لاَ يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ وَلاَ أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ، فَأَصْبَح أَبوَاي عِنْدِي وَقَدْ بَكَيْتُ لَيْلَتَيْنِ وَيَوْمًا حَتَّى أَظُنُّ أَنَّ الْبُكَاءَ فَالِقٌ كَبِدِي، فَبَيْنَمَا هُمَا جَالِسَانِ عِنْدِي وَأَنَا أَبْكِى إِذِ اسْتَأْذَنَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَأَذِنْتُ لَهَا، فَجَلَسَتْ تَبْكِي مَعِي، فَبَيْنَمَا نَحْنُ كَذَلِكَ: إِذْ دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ثمَّ جَلَسَ، وَلَمْ يَجْلِسْ عِنْدِي مِنْ يَوْمِ قِيلَ فِيَّ مَا قِيلَ قَبْلَهَا، وَقَدْ مَكُثَ شَهْرًا لاَ يُوحَى إِلَيْهِ فِي شَأْنِي شَيْءٌ فتشَهَّدَ حينَ جَلَسْ ثُمَّ قَالَ: "أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّهُ بَلَغَنِي عَنْكِ كَذَا وَكَذَا، فَإِنْ كُنْتِ بَرِيئةً فَسَيُبَرِّئُكِ الله تَعَالَى، وَإِنْ كنْتِ ألْمَمْتِ بِذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرِي الله تَعَالَى وَتُوبِي إِلَيْهِ، فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ بِذَنْبِهِ ثُمَّ تَابَ تَابَ الله تَعَالَى عَلَيْهِ", فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - مَقَالَتَهُ قَلَصَ دَمْعِي حَتَّى مَا أُحِسُّ مِنْهُ بِقَطْرَةٍ، وَقُلْتُ لأَبِي أَجِبْ عَنِّي رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فِيْمَا قَالَ، قَالَ: وَالله مَا أَدْرِى مَا أَقُولُ لِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْتُ لأُمِّي: أَجِيبِي رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنِّي فِيمَا قَالَ، قَالَتْ: وَالله مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَتْ: وَأَنَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ، لاَ أَقْرَأُ كَثِيرًا مِنَ الْقُرآنِ فَقُلْتُ: إِنِّي وَالله أَعْلَمُ أَنَّكُمْ سَمِعْتُمْ حَدِيْثَاً تَحَدَّثَ النَّاسُ بِهِ، وَاسْتَقَرَّ فِي نُفُوْسكُمْ وَصَدَّقْتُمْ بِهِ، فَلَئِنْ قُلْتُ لَكُمْ: إِنِّي بَرِيئَةٌ لاَ تُصَدِّقُونِى بِذَلِكَ، وَلَئِنِ اعْتَرَفْتُ لَكُمْ بِأَمْرٍ وَالله يَعْلَمُ أَنِّي مِنْهُ بَرِيئَةٌ لَتُصَدِّقُنِّي، فَوَالله مَا أَجِدُ لِي وَلَكُمْ مَثَلاً إِلاَّ أَبَا يُوسُفَ، إِذْ قَالَ: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (18)} [يوسف: 18]، ثُمَّ تحَوَّلْتُ فَاضْطَجَعْتُ عَلَى فِرَاشِي وَأَنَا والله حِيْنَئِذٍ أَعْلَمُ أَنِّي بَرِيْئَة، وَإِنَّ الله تَعَالَى مُبَرِّئي بِبَرَاءَتي، وَلَكِنْ وَالله مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنْ يُنْزِلَ الله تَعَالَى فِي شَأْنِي وَحْيًا يُتْلَى، وَلَكِن كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَرَى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي النَّوْمِ رُؤْيَا يُبَرِّئُنِي الله تَعَالَى بِهَا، فَوَالله مَا رَامَ مَجْلِسَهُ وَلاَ خَرَجَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ حَتَّى أَنْزَلَ الله تَعَالَى عَلَى نَبِيِّهِ - صلى الله عليه وسلم -: فَأَخَذَهُ مَا كَانَ يَأْخُذُهُ مِنَ الْبُرَحَاءِ، فَسُرِّيَ عَنْه وَهُوَ يَضحَكُ، فكَانَ أَوَّلَ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا أَنْ قَالَ لِي: "يَا عَائِشَةُ! احْمَدِى الله فَإِنَّهُ قَدْ بَرَّأْكِ" فَقَالَتْ لِي أُمِّي: قُومِي إِلَى

رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْتُ: لاَ وَالله، لاَ أَقُومُ إِلَيْهِ، وَلاَ أَحْمَدُ إِلاَّ الله تَعَالَى هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ بَرَاءَتِيِ فَأَنْزَلَ الله تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ} [النور: 11] الْعَشْرَ الآيَاتِ، فَلَمَّا أَنْزَلَ الله تَعَالَى هَذَا فِيِ بَرَاءَتِي قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ - رضي الله عنه -: وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحِ بْنِ أُثاثَةَ لِقَرَابَتِهِ مِنْهُ وَفَقْرِهِ: وَالله لاَ أُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ شَيْئًا أَبَدًا بَعْدَ مَا قَالَ لِعَائِشَةَ - رضي الله عنها -، فَأَنْزَلَ الله تَعَالَى: {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [النور: 22]، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ - رضي الله عنه -: بَلَى، وَالله إِنِّي لأُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ الله لِي، فَرَجَعَ إِلَى مِسْطَحٍ النَّفَقَةَ الَّذِي كَانَ يُجْرِىَ عَلَيْهِ وَقَالَ: والله لَا أَنْزَعُهَا مِنْهُ أَبَدَاً، قَالَتْ عَائِشَةُ - رضي الله عنها -: وَكَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - سَأَلَ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ عَنْ أَمْرِي، فَقَالَ: "يَا زَيْنَبُ! مَا عَلِمْتِ وَمَا رَأَيْتِ؟ " فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ الله! أَحْمِي سَمْعِي وَبَصَرِي، وَالله مَا عَلِمْتُ عَلَيْهَا إِلاَّ خَيْرًا، وَهْيَ الَّتِي كَانَتْ تُسَامِينِي مِن أَزْوَاجِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَعَصَمَهَا الله تَعَالَى بِالْوَرَعِ، قَالَتْ: فَطَفِقَتْ أُخْتُهَا حَمْنَةُ تُحَارِبُ لَهَا فَهَلَكَتْ فِيمَنْ هَلَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْإِفِكِ، وكان من أهل الإفك أيضاً حسان بن ثابت - رضي الله عنه -، قَالَ عُرْوةُ: وَكَانَت عَائِشةُ - رضي الله عنها - تَكْرَهُ أَنْ يُسَبَّ عِنْدَهَا حَسَّانُ، وَتَقُولُ هُوَ الَّذِي قَالَ: فإن أبي ووالده وعرضي ... لعرض محمد منكم وقاء قَالَ مَسْرُوقٍ بنُ الْأَجْدَع: دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ - رضي الله عنها - وَعِنْدَهَا حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ يُنْشِدُهَا شِعْرًا، يُشَبِّبُ بِهِ أَبْيَاتٍ فَقَالَ: حَصَانٌ رَزَانٌ مَا تُزَنُّ بِرِيبَةٍ ... وَتُصْبِحُ غَرْثَى مِنْ لُحُومِ الْغَوَافِلِ فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ - رضي الله عنها -: لَكِنَّكَ لَسْتَ كَذَلِكَ، قَالَ مَسْرُوقٌ لَهَا: تَأْذَنِينَ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْكِ، وَقَدْ قَالَ الله تَعَالَى: {وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (11)} [النور: 11]، قَالَتْ: وَأَيُّ

عَذَابٍ أَشَدُّ مِنَ الْعَمَى، وَقَالَتْ: فَإِنَّهُ كَانَ يُنَافِحُ عَنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -. أخرجه الخمسة (¬1) إلا أبا داود. [صحيح] "الْعُلْقَةُ (¬2) " بضم العين وسكون اللام بعدها قاف: قدر ما يمسك الرمق من الطعام (¬3). وقولها: "يُرِيبُنِي" أي: يشككني "والْغَمْصُ (¬4) " العيب، "والدَّاجِنُ" الشاة التي تألف البيت، وقوله: "مَنْ يَعْذُرُ" أي: يقوم بعذري فلا يلومني إن كافأته على سوء صنعه "والْبُرَحاءُ (¬5) " الشدة، وقول حسان في شعره: "وَتُصْبِحُ غَرْثَى (¬6) " أي: جائعة فلا تغتاب أحدًا. 4 - وعن عائشة - رضي الله عنها - قَالَتْ: لَمَّا نَزَلَ عُذْرِي قَامَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَلَى الْمَنْبَرِ وَذَكَرَ ذلِكَ وَتَلَا الْقُرْآنَ، وَأَمَر بِامْرَأَتَيْنِ وَرَجُلٍ فَجُلِدُوا الْحَدَّ. أخرجه الترمذي (¬7). [حسن] قوله في حديث الزهري: "وإنه أقرع بيننا في غزاة". هي غزوة بني المصطلق (¬8) سنة ست، وقيل سنة أربع، وهو الصحيح بدليل أنه جرى فيه ذكر سعد بن معاذ في حديث الإفك، وسعد مات بعد غزوة الخندق، ففهم من هذا أنها كانت قبل الخندق ولا محالة أن الخندق كانت سنة أربع. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (4141) ومسلم رقم (2770) والترمذي رقم (3179) والنسائي (1/ 163 - 164) وابن ماجه رقم (2567). (¬2) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 247). (¬3) قال ابن الأثير في "جامع البيان" (2/ 272) أي: القليل. (¬4) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 321). "غريب الحديث للهروي" (1/ 317). (¬5) "الفائق" للزمخشري (2/ 172). "غريب الحديث" للهروي (1/ 231). (¬6) انظر: "المجموع المغيث" (2/ 548) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 296). (¬7) في "السنن" رقم (3181) وهو حديث حسن. (¬8) انظر: "فتح الباري" (8/ 458).

قوله: "من جزع أظفار". قالوا: الصحيح في الرواية: "من جزع ظفار" بزنة قطام، وهو اسم مدينة لحمير باليمن. في الفتح (¬1): "العقد"، بكسر العين قلادة, تعلق بالعنق يتزين بها. و"جَزْع" بفتح الجيم وسكون الزاي بعدها مهملة، خرز معروف في سواده بياض كالعروق. قال (¬2): ورواه الكشميهني (ظفار) بغير ألف، وكذا في رواية معمر وصالح. قال ابن بطال (¬3): الرواية "أظفار" بألف، وأهل اللغة لا يعرفونه بألف، ويقولون: ظفار، وقال القرطبي (¬4): وقع في بعض رواية مسلم "أظفار" وهي خطأ. قوله: "الْعُلْقة" بضم العين وسكون اللام ثم قاف: القليل. قوله: "يرحلون" بفتح أوله والتخفيف، رحلت البعير: شددت عليه رحله. قوله: "بعدما استمر الجيش" أي: ذهب ماضياً. قوله [376/ ب]: "وكان صفوان بن المعطل" ذكروا في سبب تأخره أنه كان يكون على ساقة (¬5) العسكر، يلتقط ما يسقط من متاع المسلمين حتى يأتيهم به، ولذلك تخلف في هذا الحديث الذي قال فيه أهل الإفك ما قالوا، وروي في تخلفه سبب آخر أنه كان كثير النوم لا يستيقظ حتى يرتحل الناس. ¬

_ (¬1) (8/ 459). (¬2) أي: الحافظ في "الفتح" (8/ 459). (¬3) ذكره الحافظ في "الفتح" (8/ 459). (¬4) في "المفهم" (7/ 367). (¬5) ذكره الحافظ في "الفتح" (8/ 461).

وقيل: صفوان شهد أيام معاوية واندقت رجله يوم قتل فطاعن بها وهي منكسرة حتى مات، وذلك بالجزيرة بموضع يقال له: سمطاط، قاله السهيلي. قوله: "فأدلج (¬1) " بسكون الدال مع قطع الهمزة، وبتشديدها مع الوصل. وقيل: الأول سير أول الليل، والثاني: سير آخره. قوله: "تولى كبر الإفك" أي: تصدى لمعظمه وكبره الشيء معظمه، عن الزهري (¬2) قال: قال عروة: لم يسم من أهل الإفك غير عبد الله بن أبي، وحسان، ومسطح بن أثاثة، وحمنة بنت جحش، في ناس آخرين لا علم لي بهم، غير أنهم عصبة كما قال الله: والعصبة من ثلاثة إلى عشرة، وقد يطلق على الجماعة من غير حصر في عدد. قوله: "يريبني" بفتح أوله من رابه، وبضمه من أرابه. قوله: "نقهت (¬3) " بفتح القاف أشهر من كسرها، والناقه [377/ ب] الذي أفاق من مرضه ولم تتكامل صحته. قوله: "قبل المناصع" بالنون وكسر الصاد المهملة، أماكن معروفة من ناحية البقيع (¬4). قوله: "أمر العرب الأول" بفتح الهمزة وتشديد الواو صفة أمر، وبضمها والتخفيف صفة العرب (¬5). قوله: "وأم مسطح" اسمها: سلمى. ¬

_ (¬1) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (1/ 578). "المجموع المغيث" (1/ 669). (¬2) انظر: "فتح الباري" (8/ 464). (¬3) قال ابن الأثير في "النهاية في غريب الحديث" (2/ 791): نقه المريض ينقه فهو ناقه، إذا برأ وأفاق, وكان قريب العهد بالمرض لم يرجع إليه كمال صحته وقوته. انظر: "فتح الباري" (3/ 346). (¬4) انظر: "فتح الباري" (8/ 465). (¬5) قال النووي في "شرح صحيح مسلم" (17/ 106 - 107) وكلاهما صحيح.

قوله: "في مرطها" أي: إزارها. قوله: "تعس (¬1) " بفتح المثناة، وكسر المهملة، كب لوجهه، أو هلك، أو لزمه الشر، أو بعداً، أقوال (¬2). قوله: "يا هنتاه (¬3) " بفتح أوله وبالمثناة الفوقية بينهما نون ساكنة، وقد تفتح، وآخره هاء ساكنة وقد تضم، معناه: يا امراة! وقيل: يا بلهاء، وقيل: يا غافلة عن مكائد الناس. قوله: "وضيئة" بزنة عظيمة من الوضاءة الحسن (¬4)، أي: حسنة جميلة و"ضرائر" جمع ضرة، قيل: للزوجات ذلك؛ لأن كل واحدة يحصل لها الضرر من الأخرى. قوله: "أغمصه" بغين معجمة وصاد مهملة، أعيبه. و"الداجن" بالدال المهملة وجيم الشاة التي تألف البيت ولا تخرج للمرعى، وقيل: هي كلما يألف البيوت مطلقاً شاة أو طير [378/ ب]. قوله: "فاستعذر من عبد الله بن أبي بن سلول" أي: طلب من يعذره منه, أي: ينصفه منه. قال الخطابي (¬5): يحتمل أن يكون معناه: من يقوم يعذره فيما رمى به أهله من المكروه، ومن يقوم يعذرني إذا عاقبته على سوء ما صدر منه، ورجح النووي (¬6) هنا الثاني. ¬

_ (¬1) قال ابن الأثير في "النهاية في غريب الحديث" (1/ 190) تعس يتعس، إذا عشر وانكب لوجهه، وقد تفتح العين، وهو دعاء عليه بالهلاك. وانظر: "غريب الحديث" (1/ 175). (¬2) انظر: "فتح الباري" (8/ 466). (¬3) انظر: "المجموع المغيث" (3/ 513)، "النهاية في غريب الحديث" (2/ 916). (¬4) قاله ابن الأثير في "جامع الأصول" (2/ 273). (¬5) انظر: "غريب الحديث" للخطابي (2/ 359). (¬6) في شرحه لـ "صحيح مسلم" (17/ 110).

وقيل: معنى "من يعذرني" من ينصرني والعذير الناصر. وقيل: المراد من ينتقم لي منه, وهو كالذي قبله ويؤيده قول سعد: "أنا أعذرك منه" ذكره في "الفتح" (¬1). قوله: "فقام سعد بن معاذ" استشكل ذكره في هذه القصة؛ لأنه مات في غزوة الخندق سنة أربع، أو خمس، والإفك كان في غزوة المريسيع سنة ست، ولهذا لم يذكره ابن إسحاق في روايته، وجعل المراجعة أولاً وثانياً بين أسيد بن حضير وسعد بن عبادة. قال الحافظ ابن حجر (¬2): الراجح أن المريسيع والخندق كانتا في سنة واحدة، سنة خمس، وكانت المريسيع قبلها في شعبان؛ والخندق في شوال، وبهذا يرتفع الإشكال. قوله: "فثار الحيان" يريد الأوس والخزرج، أي: نهض بعضهم إلى بعض من الغضب (¬3)، وفي رواية: "فتثاور" بمثناة [379/ ب] ثم مثلثة من الثورة. قوله: "ألممت بذنب (¬4) " أي: وقع منك على خلاف العادة، وهذه حقيقة الإلمام. قوله: "قلص الدمع (¬5) " بفتح القاف واللام، استمسك نزوله فانقطع. ¬

_ (¬1) في "فتح الباري" (8/ 472). (¬2) في "فتح الباري" (8/ 471 - 472). وانظر: شرح صحيح مسلم (17/ 17/ 109 - 110 - نووي). (¬3) قال ابن الأثير في "جامع الأصول" (2/ 274, أي: ثاروا ونهضوا من أماكنهم، طلباً للفتنة. (¬4) قال ابن الأثير في "النهاية في غريب الحديث" (2/ 616) أي: قاربت. وقال في "جامع الأصول" (2/ 274) الإلمام: المقاربة, وهو من اللمم: صغار الذنوب، وقيل: اللمم، مقاربة المعصية من غير إيقاع فعل. انظر: "الفائق" للزمخشري (2/ 145). "المجموع المغيث" (3/ 151). (¬5) انظر: "المجموع المغيث" (2/ 745).

قوله: "ما رام مجلسه" فارقه [و] (¬1) مصدره الريم (¬2). قوله: "سري (¬3) " يروى بالتشديد والتخفيف، أي: كشف عنه فإنه قد برأك الله، قال السهيلي (¬4): كان نزول برائتها بعد قدومهم بسبع وثلاثين ليلة في قول بعض المفسرين. قوله: "قالت: لا أقوم إليه ولا أحمد إلا الله". قالت هذا الكلام، إدلالاً لكونهم شكوا في حالها مع علمهم بحسن (¬5) طريقتها، وجميل أحوالها، وارتفاعها عن هذا الباطل الذي افتراه قوم ظالمون لا حجة لهم فيه ولا شبهة [380/ ب]. "ولا يأتل (¬6) " من الألو، أي: لا يقصر، أو من الألية اليمين، أي: لا يحلف ويؤخذ منه مشروعية ترك المؤاخذة بالذنب ما دام احتمال عدمه موجوداً [109/ أ] لأن أبا بكر لم يقطع نفقته على مسطح إلا بعد تحقق ذنبه فيما وقع منه. في الفتح (¬7): قال عبد الله بن المبارك: "هذه أرجى آية في كتاب الله". ¬

_ (¬1) زيادة من (أ). (¬2) قال ابن الأثير في "جامع الأصول" (2/ 275) أي: ما برح من مكانه، رام يريم، إذا برح وزال، وقلَّما يستعمل إلا في النفي. (¬3) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (1/ 774). (¬4) في "الروض الأنف" (4/ 23). (¬5) انظر: "فتح الباري" (8/ 477). (¬6) "الفائق" للزمخشري (1/ 52, 65). "النهاية في غريب الحديث" (1/ 72). (¬7) في "فتح الباري" (8/ 478).

وإلى ذلك أشار القائل: وإن عذر الذنب عن مسطح ... يحط قدر النجم عن أفقه وقد جرى منه الذي قد جرى ... وعوتب الصديق في حقه انتهى. قلت: ويحسن أن يكون قبلهما: لا تقطع الرزق على مذنب ... واعطه المعتاد من رزقه قوله: "أحمي سمعي وبصري" أي: لا أنسب [إليها] (¬1) ما لم أسمع ولا أبصر. قوله: "تساميني (¬2) " من السمو والرفعة، أي: تطلب من العلو والرفعة والحظوة عند النبي - صلى الله عليه وسلم - ما أطلب. قوله: "أختها حمنة تحارب لها" أي: تجادل وتتعصب لأختها وتحكي قول أهل الإفك لتنخفض مرتبة عائشة [381/ ب] وتسمو مرتبة أختها زينب. وقولها: "فهلكت" أي: بالإثم لا بجلد. قوله: "يشبب به" التشبيب: ذكر الشاعر ما يتعلق بالنساء ونحوه. أي: يتغزل. قوله في حديث عائشة: "وتلا القرآن" أي: الذي نزل في عذرها. زاد في الترمذي: "فلما نزل أمر برجلين وامرأة فضربوا حدهم". قوله: "أخرجه الترمذي (¬3) ". ¬

_ (¬1) في (أ. ب) إليهما ولعل الصواب ما أثبتناه. وقال ابن الأثير في "جامع الأصول" (2/ 275) حميت سمعي وبصري: إذا منعتهما من أن أنسب إليهما ما لم يدركاه. (¬2) أي: تعاليني وتفاخرني وهو مفاعلة من السمو، أي: تطاولني في الخطوة عنده. "النهاية في غريب الحديث" (1/ 810) "الفائق" للزمخشري (4/ 200). (¬3) في "السنن" رقم (3181) وهو حديث حسن.

قلت: ثم قال (¬1): هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث محمد بن إسحاق. انتهى. هكذا لفظه: "رجلين وامرأة" ولفظ التيسير: "بامرأتين ورجل" في نسختين من التيسير والذي في الجامع (¬2) بلفظ: "رجلين وامرأة" فكأنه وقع من المصنف سبق قلم [] (¬3) أي: بالحديث في حد القذف على الصواب، والرجلان حسان بن ثابت ومسطح بن أثاثة، والمرأة حمنة بنت جحش [382/ ب]. 5 - وعنها - رضي الله عنها - قَالَتْ: يَرْحَمُ الله نِسَاءَ الْمُهَاجِرَاتِ الأُوَلَ، لَمَّا نَزَلْ: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور: 31] الآية، شَقَّقْنَ مُرُوطَهُنَّ فَاخْتَمَرْنَ بِهَا. أخرجه البخاري (¬4) وأبو داود (¬5). [صحيح] 6 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} [النور: 31] الآيَةَ، فَنُسِخَ، وَاسْتُثْنِىَ مِنْ ذَلِكَ: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا} [النور: 60] الآيَةَ. أخرجه أبو داود (¬6). [إسناده حسن] ¬

_ (¬1) أي: الترمذي في "السنن" (5/ 336). (¬2) (2/ 279). (¬3) كلمة غير مقروءة. (¬4) في "صحيحه" رقم (4758، 4759). (¬5) في "السنن" رقم (4102). (¬6) في "السنن" رقم (4111) بسند حسن.

7 - وَعَنْ جَابِرٍ - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَ عبد الله بْنُ أُبَيًّ بْنُ سَلُولَ يَقُولُ لجارِيةٍ لَهُ: اذْهَبِي فابْغِينَا شَيْئًا؛ فَأَنْزَلَ الله تَعَالَى: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا} [النور: 33] الآية". أخرجه مسلم (¬1) وأبو داود (¬2). [صحيح] قوله في حديث جابر: "فأنزل الله: {إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا} " البغاء: الزنا وأخرج الشرط على الغالب؛ لأن الإكراه إنما هو لمريد التحصن؛ لأن غيرها تبادر إلى الزنا من غير إكراه، ويتصور الإكراه مع عدم إرادة التحصن إن تريد الزنا بشخص فيكرهها على الزنا بغيره. 8 - وَعَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: إِنَّ نَفَرًا مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ قَالُوا لابْنَ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: كَيْفَ تَرَى فِي هَذِهِ الآيَةِ الَّتِي أُمِرْنَا بِهَا وَلاَ يَعْمَلُ بِهَا أَحَدٌ؛ قَوْلُ الله - عز وجل -: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النور: 58] الآية، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ الله حَلِيمٌ رَحِيمٌ بِالْمُؤْمِنِينَ يُحِبُّ السَّتْرَ، وَكَانَ النَّاسُ لَيْسَ لِبُيُوتِهِم سُتُورٌ وَلاَ حِجَالٌ فَرُبَّمَا دَخَلَ الْخَادِمُ أَوِ الْوَلَدُ أَوْ الْيَتِيمَةُ وَالرَّجُلُ عَلَى أَهْلِهِ؛ فَأَمَرَهُمُ الله بِالِاسْتِئْذَانِ فِي تِلْكَ الْعَوْرَاتِ، فَجَاءَهُمُ الله بِالسُّتُورِ وَبِالْخَيْرِ فَلَمْ أَرَ أَحَدًا يَعْمَلُ بِذَلِكَ بَعْدُ. أخرجه أبو داود (¬3). [إسناده صحيح] ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (3029). (¬2) في "السنن" رقم (2311). قلت: وأخرجه الطبري في "جامع البيان" (15/ 290 - 291) والنسائي في "السنن الكبرى" (11365) والحاكم (2/ 397) وابن أبي شيبة (4/ 375، 276) وابن أبي حاتم في تفسيره (8/ 2591) وأبو يعلى رقم (2304) من طرق وهو حديث صحيح. (¬3) في "السنن" رقم (5191، 5192) بسند صحيح. وانظر: "جامع البيان" (15/ 352 - 354).

(سورة الفرقان)

قوله في حديث عكرمة: "فلم أر أحداً يعمل بذلك بعده" لا يريد أنها منسوخة، بل يريد أنه لم يبق للاستئذان حاجة لارتفاع سببه وعلته. (سورة الفرقان) 1 - عن ابن عباس (¬1) - رضي الله عنهما - فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ} [الفرقان: 27] قَالَ: الظَّالِمُ عُقْبَةُ بنُ أَبي مُعَيْطٍ، وَيَعْنِي بِالْخَليلِ أُمَيَّةَ بن خَلَفٍ، وَقِيلَ أُبيٌّ، وَذَلِكَ أَنَّ عُقْبَةَ صَنَعَ طَعَامَاً فَدَعَا أَشْرَافَ قُرَيْشَ، وَكَانَ فِيْهِمْ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فَامْتَنَعَ أَنْ يَطعَمَ أوْ يَشْهدَ عُقْبَةُ شَهَادَةَ التَّوْحِيدِ فَفَعلَ، فَأَتَاهُ أَمَّيَةُ بنُ خَلْفِ أَوْ أُبيٌّ، وَكَانَ خَلِيلَهُ، وقالَ أَصَبَأْتَ؟ قالَ: لَا؛ وَلَكِنِ اسْتَحْيَيْتُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ مَنْزِلي أَوْ يَطْعَمَ مِنْ طَعَامِي، قَالَ: فَقَالَ مَا كُنْتُ أَرْضَى حَتَّى تَأْتِيَهُ فتَبْصُقَ فِي وَجْهِهِ، فَفَعَلَ عُقْبَةُ، فَقُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ صَبْراً كَافِراً. أخرجه رزين. "الصَّبْرُ" حبس القتيل على السلاح. قوله في حديث ابن عباس: "عقبة بن أبي معيط" [أي] (¬2) ابن أبي أمية بن عبد شمس بن عبد مناف. قوله: "صبراً" قيل: الصبر هو أن تمسك من ذوات الروح شيئاً حياً ثم ترميه بشيء حتى يموت، وكل من قتل في غير معركة ولا حرب ولا خطأ فإنه مقتول صبراً. ¬

_ (¬1) انظر: "الدر المنثور" (56/ 250 - 252). (¬2) زيادة من (أ).

قوله: "أخرجه رزين" تقدم الكلام على عبارته، والحديث أخرجه أبو نعيم (¬1) من طريق الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس لفظه: "كان عقبة بن أبي معيط لا يقدم من سفر إلا صنع طعاماً ودعا إليه أهل مكة كلهم، وكان يكثر مجالسة النبي - صلى الله عليه وسلم - ويعجبه حديثه, وغلب عليه الشقاء، فقدم ذات يوم من سفر فصنع طعاماً ثم دعا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إلى طعامه، فقال: ما أنا من الذي يأكل من طعامك حتى تشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، فقال: اطعم يا ابن أخي! فقال: ما أنا بالذي أفعل حتى تقول، فتشهد بذلك وطعم من طعامه، فبلغ ذلك [383/ ب] أبي بن خلف، فأتاه وقال: صبوت يا عقبة! وكان خليله، قال: لا والله ما ¬

_ (¬1) في "دلائل النبوة" (ص 404، 405) وهو حديث موضوع. أخرج ابن جرير في "جامع البيان" (15/ 440 - 441) وعبد الرزاق في تفسيره (2/ 68) وفي مصنفه رقم (9731) عن قتادة وعثمان الجزري، عن مقسم في قوله: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَالَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27)} قال: اجتمع عقبة بن أبي معيط، وأبي ابن خلف، وكانا خليلين، فقال أحدهما لصاحبه, بلغني أنك أتيت محمداً، فاستمعت منه, والله لا أرضى عنك حتى تتفل في وجهه وتكذبه, فلم يسلطه الله على ذلك، فقتل عقبة يوم بدر صبراً، وأما أبي بن خلف، فقتله النبي - صلى الله عليه وسلم - بيده يوم أحد في القتال، وهما اللذان أنزل الله فيهما: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ} وهو مرسل صحيح الإسناد. وقال ابن كثير في "تفسيره" (10/ 302): وسواء كان سبب نزولها في عقبة بن أبي معيط أو غيره من الأشقياء، فإنها عامة في كل ظالم، كما قال تعالى: {يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَالَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا (66) وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (67) رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا (68)} [الأحزاب: 66 - 68] , فكل ظالم يندم يوم القيامة غاية الندم، وبعض على يديه قائلا: {يَالَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَاوَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28)} [الفرقان: 27 - 28] لمن صرفه عن الهدى، وعدل به إلى طريق الضلالة، وسواء في ذلك أمية بن خلف، أو أخوه أبي بن خلف، أو غيرهما.

صبوت، ولكن دخل علي رجل فأبى أن يأكل من طعامي إلا أن أتشهد له فاستحييت أن يخرج من بيتي قبل أن يطعم، فتشهدت له فطعم، فقال: ما أنا بالذي أرضى عنك حتى تأتيه فتبزق في وجهه, ففعل عقبة, فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا ألقاك خارجاً من مكة إلا علوت رأسك بالسيف" فأسر عقبة يوم بدر، فقتل صبراً، ولم يقتل من الأسارى يومئذٍ غيره (¬1). 2 - وَعَنِ ابْنِ مَسْعُود - رضي الله عنه - قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ؟ قَالَ: "أَنْ تَجْعَلَ لله نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ" قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: "أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ مَخَافَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ"، قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: "أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ" قَالَ فَأَنْزَلَ الله - عز وجل - تَصْدِيقَاً لِذَلِكَ: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ} [الفرقان: 68] " أخرجه الخمسة (¬2). [صحيح] قوله في حديث ابن مسعود: "تصديقاً لذلك" وقد دخل قتل الولد مخافة أن يأكل تحت عموم: {وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} (¬3)، والزنا بحليلة الجار دخل تحت عموم (لا يزنون) وإنما خص حليلة الجار لزيادة قبحه. ¬

_ (¬1) في هامش المخطوط (ب) ما نصه: كذا قال الإمام محمد الأمير، وقد روى أهل السير أن ممن قتل صبراً في بدر: النضر بن الحارث التي تقول أخته للنبي - صلى الله عليه وسلم - من أبيات لها: ما كان ضرك لو مننت وربما ... من الفتى وهو الغيظ المحنق والقصة مشهورة تمت: قلت: انظر: "الطبقات الكبرى" لابن سعد (5/ 448). (¬2) أخرجه البخاري رقم (6001) ومسلم رقم (86، 142) وأبو داود رقم (2310) والترمذي رقم (3182، 3183) والنسائي رقم (4013، 4014، 4015). (¬3) سورة الفرقان الآية 68.

(سورة الشعراء)

(سورة الشعراء) 1 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214)} [الشعراء: 214] صَعِدَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى الصَّفَا فَجَعَلَ يُنَادِى: "يَا بَني فِهْرٍ! يَا بَني عَدِيٍّ!، لِبُطُونِ قُرَيْشٍ حَتَّى اجْتَمَعُوا، فَقَالَ: "أَرَأَيْتَكُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلاً بِالْوَادِي تُرِيدُ أَنْ تُغِيرَ عَلَيْكُمْ، أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟ " قَالُوا: نَعَمْ، مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ إِلاَّ صِدْقًا، قَالَ: "فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ"، قَالَ أَبُو لَهَبٍ: تَبًّا لَكَ يَا مُحَمَّد! أَلهذَا جَمَعْتَنَا؟ فَنَزَلَتْ: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1)} [المسد: 1] " أخرجه الشيخان (¬1) والترمذي (¬2). [صحيح] وفي رواية: وَقَدْ تَبَّ. قوله: "وقد تب" هكذا قرأها (¬3) مجاهد والأعمش، وهي - والله أعلم - قراءةً مأخوذة عن ابن مسعود؛ لأن في قراءته ألفاظاً كثيرة تعين على التفسير، وقال مجاهد: لو كنت قرأت قراءة ابن مسعود قبل أن أسأل ابن عباس لما رجحت أن أسأله عن كثير مما كنت سألته. فقوله: "وقد تب" أي: خسر (¬4) أهله وماله، واليدان آلة الكسب، وأهله وماله مما كسب، والتباب: كالهلاك والخسار لفظاً ومعنى [384/ ب]. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (2753) بنحوه، ومسلم رقم (204، 206). (¬2) في "السنن" رقم (3185). قلت: وأخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (5/ 657) والنسائي رقم (3644 - 3648) وابن حبان رقم (646) وابن أبي حاتم في تفسيره (9/ 2825) والبيهقي في "الدلائل" (2/ 177). (¬3) انظر: "روح المعاني" (30/ 337) "الجامع لأحكام القرآن" (20/ 238). "معجم القراءات" (10/ 629 - 630). (¬4) قال الأصبهاني في "مفردات ألفاظ القرآن (ص 162) التبُّ والتباب: الاستمرار في الخسران. وانظر: "النهاية في غريب الحديث" (1/ 179).

(سورة النمل)

2 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - فِي قوْلِهِ تَعَالى: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (224)} [الشعراء: 224] قَالَ: اسْتَثْنَى الله تَعَالَى مِنْهُمْ {الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [البقرة: 25] الآية. أخرجه أبو داود (¬1). [إسناده حسن] (سورة النمل) 1 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: "تَخْرُجُ الدَّابَّةُ وَمَعَهَا عَصَا مُوسَى وَخَاتَمُ سُلَيْمَانَ، فَتَجْلُو وَجْهَ الْمُؤْمِنِ بِالْعَصَا وَتَخْطِمُ أَنْفَ الْكَافِرِ بِالْخَاتَمِ حَتَّى أَنَّ أَهْلَ الخِوَانِ لَيَجْتَمِعُونَ فَيَقُولُ هَذَا يَا مُؤْمِنُ، وَيَقُولُ هَذَا يَا كَافِرُ". أخرجه الترمذي (¬2). [ضعيف] قوله: "تخرج الدابة" وهي الجساسة (¬3): روي أن طولها ستون ذراعاً، ولها قوائم وزغب وريش وجناحان، لا يفوتها هارب، ولا يدركها طالب. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (5016) بسند حسن. (¬2) في "السنن" رقم (3187). قلت: وأخرجه ابن ماجه رقم (4066) وابن جرير في "جامع البيان" (18/ 125) وابن أبي حاتم في تفسيره (9/ 2923) والحاكم (4/ 485) والطيالسي في مسنده رقم (2687) وهو حديث ضعيف. وقد جاء في خروج الدابة أحاديث صحيحة منها: ما أخرجه مسلم في صحيحه رقم (2901) والترمذي رقم (2183) وأبو داود رقم (4311) وابن ماجه رقم (4041، 4055) عن حذيفة بن أسيد قال: أشرف علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من عرفة ونحن نتذاكر الساعة فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تقوم الساعة حتى تروا عشر آيات: طلوع الشمس من مغربها، ويأجوج ومأجوج، والدابة .... ". وهو حديث صحيح. (¬3) قاله البيضاوي في تفسيره (2/ 575).

(سورة القصص)

وروي (¬1) أنه سئل - صلى الله عليه وسلم - عن مخرجها فقال: "من أعظم المساجد حرمة على الله" يعني المسجد الحرام، قاله البيضاوي (¬2). قوله: "وتخطم أنف الكافر بالخاتم" أي: تسمه به من خطمت (¬3) البعير إذا كويته خطا من الأنف إلى أحد خديه، وسمي بذلك السِّمةُ الخطام. [110/ أ]. قوله: "أخرجه الترمذي". قلت: وقال (¬4): هذا حديث حسن، وقد روي هذا الحديث عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من غير هذا الوجه في دابة الأرض، وفي الباب عن أبي أمامة (¬5). (سورة القصص) 1 - عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: أَيَّ الأَجَليْنِ قَضَى مُوسَى؟ فَقَالَ قَضَى أَكْثَرَهُمَا وَأَطْيَبَهُمَا، إِنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - إِذَا قَالَ فَعَلَ. أخرجه البخاري (¬6). [صحيح] 2 - وَعَن أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [القصص: 56] قَالَ: نَزَلَتْ فِي رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - حَيْثُ يُرَاوِدُ عَمَّهُ أَبَا طَالِبٍ عَلَى الْإِسْلَامِ". أخرجه مسلم (¬7) والترمذي (¬8). [صحيح] ¬

_ (¬1) أخرجه ابن مردويه كما في "الدر المنثور" (6/ 382). (¬2) في تفسيره المسمى: "أنوال التنزيل وأسرار التأويل" (2/ 575). (¬3) انظر: "غريب الحديث" للخطابي (1/ 136) "الفائق" للزمخشري (1/ 382). (¬4) في "السنن" (5/ 340). (¬5) كذا في المخطوط، والذي في "السنن" (5/ 340) وفيه عن أبي أمامة وحذيفة بن أسيد. (¬6) في "صحيحه" رقم (2684)، وانظر: "جامع البيان" (18/ 235 - 236). (¬7) في صحيحه رقم (25) وانظر البخاري رقم (4772). (¬8) في "السنن" (3188). =

قوله في حديث أبي هريرة: "إنك لا تهدي من أحببت". اختلفوا في المراد (¬1) بمتعلق أحببت فقيل: التقدير أحببت هدايته، وقيل: أحببته هو لقرابته منك. قوله: "يراود عمه أبا طالب على الإسلام" بينت المراودة حديث الترمذي أنه قال لعمه: "قل: لا إله إلا الله أشهد لك بها يوم القيامة" قال: لولا أن تعيرني قريش - إنما يحمله عليه الجزع - لأقررت بها عينك، وهو في البخاري (¬2) بأتم من هذا السياق، وابن الأثير (¬3)، والمصنف اقتصر على نسبة الحديث إلى مسلم والترمذي. وقال الترمذي (¬4) [385/ ب] بعد إخراجه: هذا حديث حسن لا نعرفه إلا من حديث يزيد بن كيسان. انتهى. وهو في البخاري بزيادات فيه. 3 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسِ - رضي الله عنهما - فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ} [القصص: 85] قَالَ: إِلَى مَكَّةَ. أخرجه البخاري (¬5). [صحيح] قوله في حديث ابن عباس: "قال: إلى مكة" هكذا في هذه الرواية. ¬

_ = قلت: وأخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (18/ 283) والبيهقي في "الدلائل" (2/ 322) والواحدي في "أسباب النزول" (ص 255). وهو حديث صحيح. (¬1) انظر: "البحر المحيط" (8/ 315). "جامع البيان" (18/ 282). "الجامع لأحكام القرآن" (13/ 299). (¬2) في "صحيحه" رقم (4772). (¬3) في "جامع الأصول" (2/ 296 رقم 747). (¬4) في "السنن" (5/ 341). (¬5) في "صحيحه" رقم (4773). قلت: وأخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (18/ 350) والنسائي في "الكبرى" رقم (11386) والبيهقي في "الدلائل" (2/ 520، 521).

(سورة العنكبوت)

وروى عبد الرزاق (¬1) عن معمر عن قتادة قال: كان ابن عباس يكتم تفسير هذه الآية. وروى الطبري (¬2) من وجه آخر عن ابن عباس قال: {لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ} قال: إلى الجنة، وإسناده ضعيف، ومن وجه آخر: إلى الموت، وفيه أقوال (¬3) أخر مضعفة. (سورة العنكبوت) 1 - عَنْ أُمِّ هَانِئٍ - رضي الله عنها - قَالَتْ: سَأَلْتُ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الْمُنْكَرِ الَّذِي كَانُوْا يَأْتُونَهُ فِي نَادِيهمْ فَقَالَ: "كَانُوا يَحْبِقُونَ (¬4) فِيهِ وَالْخَذْفُ وَالسُّخْرِيَّةُ بِمَنْ مَرَّ بِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ. أخرجه الترمذي (¬5). [ضعيف] ¬

_ (¬1) في "تفسيره" (2/ 79 رقم 2237). (¬2) في "جامع البيان" (18/ 346) وأخرجه ابن أبي حاتم في "تفسيره" (9/ 3026) والطبراني في "الكبير" رقم (12032). (¬3) انظر: "جامع البيان" (18/ 351، 354). (¬4) لم نجد هذه الرواية بهذا اللفظ. ولكن أخرج ابن جرير في "جامع البيان" (18/ 389) وابن أبي حاتم في تفسيره (9/ 3054) والبخاري في "التاريخ الكبير" (6/ 196) عن عائشة - رضي الله عنها - في قوله: {وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ} قالت: الضراط. وهو حديث ضعيف, والله أعلم. (¬5) أخرج الترمذي في "السنن" رقم (3190) عن أم هانئ قالت: سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن قوله: {وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ} قال: كانوا يخذفون أهل الطريق، ويسخرون منهم، فهو المنكر الذي يأتونه. وأخرجه أحمد (6/ 341) وابن أبي الدنيا في "الصمت" رقم (282) وابن جرير في "جامع البيان" (18/ 389) وابن أبي حاتم في تفسيره (9/ 3054) والطبراني في "الكبير" (24/ 412 رقم1001) والحاكم في "المستدرك" (2/ 409).

"الحَبَقُ (¬1) " الضراط "وَالخَذْفُ (¬2) " بالمعجمة: رمي الحصاة من طرف الأصبعين. قوله في حديث أم هانئ: "أخرجه الترمذي". قلت: وقال (¬3) عقب إخراجه: هذا حديث حسن، وإنما نعرفه من حديث حاتم بن أبي صغيرة عن سماك. انتهى. ووثق الحافظ في "التقريب (¬4) " حاتماً، وقال: أبو صغيرة اسمه مسلم. 2 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاس - رضي الله عنهما - فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} [العنكبوت: 45] قَالَ: ذِكْرُ الْعبد الله تَعَالَى بِلِسَانِهِ كَبِيْرٌ، وَذِكْرُهُ لَهُ وَخَوْفُهُ مِنْهُ إِذَا أَشْفَى عَلَى ذَنْبٍ فَتَرَكَهُ مِنْ خَوْفِهِ أَكْبَرُ مِنْ ذِكْرِهِ بِلِسَانِهِ مِن غَيْرِ نَزْعٍ عَنِ الذَّنبِ. أخرجه رزين. قوله في حديث ابن عباس: "أخرجه رزين". قلت: لم أجده بلفظه عن ابن عباس، لكنه أخرج ابن جرير (¬5)، وابن المنذر (¬6)، وابن أبي حاتم (¬7)، عن ابن عباس في قوله: {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} يقول: "ولذكر الله لعباده إذا ذكروه ¬

_ (¬1) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (1/ 325). (¬2) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (1/ 476). (¬3) في "السنن" (5/ 343). (¬4) (1/ 137 رقم 7). (¬5) في "جامع البيان" (18/ 412). (¬6) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (6/ 467). (¬7) في تفسيره (9/ 3067). وقال ابن جرير في "جامع البيان" (18/ 411) وقوله: {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} اختلف أهل التأويل في تأويله، فقال بعضهم: معناه: ولذكر الله إياكم أفضل من ذكركم. وقال آخرون بل معنى ذلك: ولذكركم الله أفضل من كل شيء. =

(سورة الروم)

أكبر من ذكرهم إياه". انتهى من "الدر المنثور (¬1) " وفيه روايات أخر عن غير ابن عباس كلها موقوفة. (سورة الروم) 1 - عَنْ أَبِي سَعِيدٍ - رضي الله عنه - قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ ظَهَرَتِ الرُّومُ عَلَى فَارِسَ فَأَعْجَبَ ذَلِكَ الْمُؤْمِنِينَ، فَنَزَلَتْ: {الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2)} إِلَى قَوْلِهِ: {يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ} [الروم: 1 - 5] قَالَ: فَفَرِحَ الْمُؤْمِنُونَ: بِظُهُورِ الرُّومِ عَلَى فَارِسَ. أخرجه الترمذي (¬2) وَقَالَ (¬3): هكَذَا قَرَأَ (¬4) نَصْرُ ابنُ عليٍّ: غَلَبَتْ. [ضعيف] قوله في حديث أبي سعيد: "فأعجب ذلك [المؤمنين (¬5)] " وذلك لكونهم أهل كتاب، وكان الروم نصارى، وفارس [386/ ب] أميون. قوله: "أخرجه الترمذي". ¬

_ = وقال آخرون: هو يحتمل الوجهين جميعاً، يعنون القول الأول الذي ذكرناه، وقال آخرون: بل معنى ذلك: وللصلاة التي أتت بها، وذكرك الله فيها، أكبر مما نهتك الصلاة من الفحشاء والمنكر. ثم قال ابن جرير: وأشبه هذه الأقوال بما دلَّ عليه ظاهر التنزيل قول من قال ولذكر الله إياكم أفضل من ذكركم إيَّاه. (¬1) (6/ 467 - 468). (¬2) في "السنن" رقم (3192). قلت: وأخرجه ابن جرير في جامع البيان (18/ 457) والواحدي في "أسباب النزول" (ص 232) وهو حديث ضعيف. (¬3) أي: الترمذي في "السنن" (5/ 343). (¬4) انظر: "الجامع لأحكام القرآن" (14/ 5)، "روح المعاني" (21/ 19)، "معجم القراءات" (7/ 137). (¬5) في (أ، ب) الروم، وما أثبتناه من مصدر الحديث.

(سورة لقمان - عليه السلام -)

قلت: وقال: هذا حديث غريب من هذا الوجه. قوله: "نصر بن علي (¬1) " هو: نصر بن علي بن صهبان الأزدي [الحمصي] (¬2) الحافظ أحد أئمة البصرة روي عنه السند. وقوله: "بالفتح" أي: للغين المعجمة. (سورة لقمان - عليه السلام -) 1 - عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَفَاتِيحُ الْغَيْبِ خَمْسٌ: ثُمَّ قَرَأ: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ} " (¬3) إلى آخرها. أخرجه البخاري (¬4). [صحيح] قوله في حديث ابن عمر: "مفاتيح الغيب خمس": قال ابن أبي حمزة (¬5): عبر بالمفاتيح؛ لتقريب الأمر على السامع؛ لأن كل شيء جعل بينك وبين حجاب، فقد غيب عنك، والتوصل إلى معرفته في العادة من الباب، فإذا أغلق الباب احتيج إلى المفاتيح، فإذا كان الشيء الذي لا يطلع على المغيب إلا بتوصل لا يعرف موضعه فكيف يعرف المغيب؟! ¬

_ (¬1) انظر: "التقريب" (2/ 299 رقم 68). (¬2) كذا في المخطوط، والذي في "التقريب" الجهضمي. (¬3) سورة لقمان آية: (34). (¬4) في "صحيحه" رقم (1039) وله أطراف: [4627, 4697, 4778, 7379]. قلت: وأخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (18/ 586) وأحمد (41219) والطبراني في "الكبير" رقم (13344). (¬5) ذكره الحافظ في "الفتح" (8/ 514).

(سورة السجدة)

فإن قلت (¬1): إنه قد أخبرنا تعالى عن عيسى أنه قال: إنه يخبرهم بما يأكلون، وما يدخرون. وعن يوسف أنه ينبئهم بتأويل الطعام قبل أن يأتي إلى غير ذلك من المعجزات والكرامات. قلت: قال الحافظ ابن حجر (¬2): إن كل ذلك يمكن أن يستفاد من الاستثناء في قوله: {إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} (¬3) فإنه يقتضي إطلاع على بعض الغيب، وذلك أنه قال: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} (¬4). (سورة السجدة) 1 - عَنْ جَابِرٍ - رضي الله عنه - أَنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كَانَ لاَ يَنَامُ حَتَّى يَقْرَأَ: {الم (1) تَنْزِيلُ} وَ {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ}. قَالَ طَاوُوسٌ - رحمه الله -: تَفْضُلاَنِ عَلَى كُلِّ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ بِسَبْعِينَ حَسَنَةً. أخرجه الترمذي (¬5). [صحيح] قوله في حديث جابر: "أخرجه الترمذي": ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (8/ 514). (¬2) في "الفتح" (8/ 514). وانظر "تفسير ابن كثير" (11/ 82) "جامع البيان" (18/ 584). (¬3) سورة الجن آية: (27). (¬4) سورة الجن آية: (26 - 27). (¬5) في "السنن" رقم (2892، 3404) وهو حديث صحيح. وأخرجه أحمد (3/ 340) والدارمي رقم (3414) والبخاري في "الأدب المفرد" رقم (1209) والنسائي في "الكبرى" رقم (10542، 15043، 10544).

قلت: أخرجه في الفضائل من "جامعه" (¬1) لا في التفسير، ثم قال (¬2) عقب إخراجه: هذا حديث رواه غير واحد عن ليث بن أبي سليم مثل هذا، ورواه مغيرة بن مسلم عن أبي الزبير عن جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحو هذا. وروى زهير قال: قلت لأبي الزبير: سمعت من جابر هذا [387/ ب] الحديث؟ فقال أبو الزبير: إنما أخبرَنيه صفوان أو ابن صفوان، وكأن زهيراً أنكر أن يكون هذا الحديث عن أبي الزبير عن جابر. انتهى. قوله: "قال طاووس ... " إلى آخره. هكذا رواه "المصنف" منقطعاً، وأوهم كلامه أنه هكذا في الترمذي، وليس كذلك، بل هو [أي: كلام طاووس في الترمذي رواية أخرى موصلة إلى طاووس ولفظه: "حدثنا هزيم ابن مسعر قال: حدثني الفضيل] (¬3)، ولم أجده في "الجامع" لا في التفسير كما هنا، ولا في الفضائل. 2 - وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - فِي هَذِهِ الآيَةِ: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} نَزَلَتْ فِي انْتِظَارِ الصَّلاَةِ الَّتِي تُدْعَى الْعَتَمَةَ. أخرجه أبو داود (¬4) والترمذي (¬5) وصححه. [صحيح] ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (2892). (¬2) أي: الترمذي في "السنن" (5/ 165). (¬3) زيادة من (أ). (¬4) في "السنن" رقم (1321)، وهو حديث صحيح. (¬5) في "السنن" رقم (3196)، وهو حديث صحيح.

(سورة الأحزاب)

3 - وعند أبي داود (¬1) قال: كَانُوا يَتَنَفَّلُون مَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَقالَ الْحَسَنُ - رحمه الله -: هُوَ قِيَامُ اللَّيْلِ. [صحيح] 4 - وَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ - رضي الله عنه - فِي قَوْلِهِ تعَالَى: {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى} (¬2) قَالَ: مَصَائِبُ الدُّنْيَا وَاللزُومُ (¬3) وَالْبَطْشَةُ وَالدُّخَانُ. أخرجه مسلم (¬4). [صحيح] (سورة الأحزاب) 1 - عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - أَنَّ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ - رضي الله عنه - مَوْلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - مَا كُنَّا نَدْعُوهُ إِلاَّ زَيْدَ بْنَ مُحَمَّدٍ حَتَّى نَزَلَ الْقُرانُ: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ} أخرجه الشيخان (¬5) والترمذي (¬6). [صحيح] قوله: "ما كنا ندعوه إلا زيد بن محمد": أقول: وذلك أنه - صلى الله عليه وسلم - تبناه بمكة بسبب أنه [111/ أ] [........] (¬7). قوله: "والترمذي": قلت: وقال: حسن صحيح. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (1322)، وهو حديث صحيح. (¬2) سورة السجدة آية: (21). (¬3) قال ابن الأثير في "النهاية في غريب الحديث" (1/ 599): اللَّزام، وفسر بأنه يوم بدر، وهو في اللغة: الملازمة للشيء، والدوام عليه، وهو أيضاً الفصل في القضية، فكأنه من الأضداد. (¬4) في "صحيحه" (2799)، وانظر "جامع البيان" (18/ 628). (¬5) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (4782) ومسلم رقم (2425). (¬6) في "السنن" رقم (3209، 3814). (¬7) إلى هنا انتهى الكلام في (أ - ب) وفي (ب) بياض بمقدار صفحة

2 - عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَا مِنْ مُؤْمِنٍ إِلاَّ وَأَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِه فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} فَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ تَرَكَ مَالاً فَلْترِثْهُ عَصَبَتُهُ مَنْ كَانُوا، وإنْ تَرَكَ دَيْناً أَوْ ضَيَاعاً فَلْيَأْتِنِي فَأنَا مَوْلاَهُ". أخرجه الشيخان (¬1). [صحيح] "الضياعُ" (¬2): العيال. 3 - وَعَن ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - فِي قَولِه تَعَالَى: {مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} قَالَ: قَامَ نَبِيُّ الله يَوْمَاً ليُصَلِّي فَخَطَرَ خَطْرَةً، فَقَالَ الْمُنَافِقُونَ الَّذِينَ يُصَلُّونَ مَعَهُ: أَلاَ تَرَى أَنَّ لَهُ قَلْبَيْنِ: قَلْباً مَعَكُمْ، وَقَلْباً مَعَهُمْ. فَنزَلَت. أخرجه الترمذي (¬3). [ضعيف] قوله في حديث ابن عباس: "ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه": قال الواحدي في "أسباب النزول" (¬4): أنزلت في جميل بن يعمر الفهري كان رجلاً لبيباً حافظاً لما يسمع، فقالت قريش: ما حفظ هذه الأشياء إلا وله قلبان في جوفه، وكان يقول: إن لي قلبين أعقل بكل واحد منهما أفضل من عقل محمد، فلما كان يوم بدرٍ وهزم المشركون وجميلٌ منهم. تلقاه أبو سفيان وهو معلق إحدى نعليه بيده والأخرى في رجله، فقال: يا أبا يعمر! ما حال الناس؟ قال: انهزموا. قال: فما بالك إحدى نعليك في يدك والأخرى في ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (47811) ومسلم رقم (1619). (¬2) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 97) "الفائق" للزمخشري (2/ 335). (¬3) في "السنن" رقم (3199). وأخرجه ابن خزيمة في "صحيحه" رقم (865) والطحاوي في "المشكل" رقم (3371) وأحمد (4/ 233) وابن جرير في "جامع البيان" (19/ 7) والطبراني في "المعجم الكبير" (12/ 83، 84 رقم 1260) والحاكم "المستدرك" (2/ 415) والضياء في "المختارة" (9/ 539 - 541 رقم 528، 529، 530، 531)، وهو حديث ضعيف، والله أعلم. (¬4) (ص 561).

رجلك؟ قال: ما شعرت بها آنفاً في رجلي. فعرفوا يومئذٍ أنه لو كان له قلبان لما نسي نعله في يده. قوله: "فخطر خطرة": بالخاء المعجمة والطاء المهملة. ذكره المصنف في "النهاية" (¬1) وبيض له في الغريب، وذكر في "النهاية" أنه يقال: خطر في مشيته إذا تمايل. 4 - وَعَنْ عَائِشَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ} (¬2) الآية. قَالَتْ: كَانَ ذَلِكَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ. أخرجه الشيخان (¬3). [صحيح] قوله في حديث عائشة: "كان ذلك يوم الخندق": قلت: يريد الله بالذين جاءوهم من فوقهم. أي: من قبل المشرق، وهم أسد وغطفان في ألف عليهم عوف بن مالك وعيينة بن حصن في قبائل أخرى، ونزلوا إلى جانب أحد. وقوله: "من أسفل منكم" يريد قريشاً وكنانة، ومن انضم إليهم عليهم أبو سفيان، فنزلوا برومة من وادي العقيق. 5 - وَعَنْ أَنَسِ - رضي الله عنه - قَالَ: نُرَى هَذه الآيَةَ نَزَلَتْ فِي عَمِّي أَنَسِ بْنِ النَّضْرِ: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ}. أخرجه الشيخان (¬4). [صحيح] ¬

_ (¬1) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 504). (¬2) سورة الأحزاب آية: (10). (¬3) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (4103) ومسلم رقم (320)، وأخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (19/ 30) وابن أبي شيبة في "مصنفه" (14/ 416) والنسائي في "الكبرى" رقم (11398) والبيهقي في الدلائل (3/ 433). (¬4) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (4783) مختصراً. وأخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (2805) وطرفاه (4048، 4783) ومسلم في "صحيحه" رقم (1903) وابن حبان رقم (4772) والنسائي في "الكبرى" رقم (11402) والطيالسي في مسنده رقم =

قوله في حديث أنس: "في عمي أنس بن النضر": أقول: وذلك أنه غاب [عن] (¬1) قتال بدر، فقال: غبت عن أول قتالٍ قاتله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع المشركين لئن [389/ ب] أشهدني الله قتالاً للمشركين ليرين الله - عز وجل - كيف أصنع فقتل يوم أحد ووجد فيه بضع [وثمانون] (¬2) ضربة بسيف، وطعنة برمح، ورمية بسهم. وفي سنن الترمذي (¬3): أنه لما كان يوم أحد انكشف المسلمون فقال: اللهم! إني أبرأ إليك مما جاءوا به هؤلاء - يعني المشركون - وأعتذر إليك مما صنع هؤلاء - يعني أصحابه - تم تقدم فلقيه سعد فقال: يا أخي! ما فعلت، فأنا معك فلم أستطع أن أصنع ما صنع، فوجد فيه بضع وثمانون ... الحديث. ¬

_ = (2157) والترمذي رقم (3200) عن أنس - رضي الله عنه - قال: غاب عمي أنس بن النضر عن قتال بدر، فقال: يا رسول الله! غبت عن أول قتالٍ قاتلت المشركين، لئن الله أشهدني قتال المشركين ليرين الله ما أصنع، فلما كان يوم أحد وانكشف المسلمون قال: اللهم! إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء - يعني: أصحابه - وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء - يعني: المشركين - تم تقدم سعدٌ: فما استطعت يا رسول الله! ما صنع. قال أنس: فوجدنا به بضعاً وثمانين ضربة بالسيف، أو طعنة برمح، أو رمية بسهم، ووجدناه قد قتل، وقد مثل به المشركون فما عرفه أحد إلا أخته ببنانه، قال أنس: كنا نرى أو نظن أن هده الآية نزلت فيه وفي أشباهه: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} [الأحزاب: 23] إلى آخر الآية. (¬1) زيادة من (أ). (¬2) في (ب) ثمان. (¬3) في "السنن" رقم (3201).

والنحب (¬1): النذر، والنفس، والخطر العظيم. قال بعضهم: النحب والأصل النذر، ثم استعمل في آخر كل شيء، وقد ثبت عن عائشة أن طلحة - رضي الله عنه - دخل على النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أنت يا طلحة! ممن قضى نحبه" (¬2): 6 - وَعَنْ أُمِّ عُمَارَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رسولُ الله! مَا أَرَى كُلَّ شَيْءٍ إِلاَّ لِلرِّجَالِ، وَمَا أَرَى النِّسَاءَ يُذْكَرْنَ بِشَيْءٍ، فَنَزَلَتْ: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ} (¬3) الآيَةَ. أخرجه الترمذي (¬4). [حسن] قوله: "في حديث أم عمارة": أقول: قال ابن حجر (¬5): يقال: اسمها: نسيبة بنت كعب بن عمرو ووالدة عبد الله بن زيد صحابية مشهورة. 7 - وَعَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: لَوْ كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - كَاتِماً شَيْئاً مِنَ الْوَحْي لَكَتَمَ هَذِهِ الآيَةَ: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ} يَعْنِي: بِالإِسْلاَمِ {وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ} بِالْعِتْقِ {أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (37)} وَإِنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا تَزَوَّجَهَا قَالُوا: تَزَوَّجَ حَلِيلَةَ ابْنِهِ. فَأَنْزَلَ الله تَعَالَى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ ¬

_ (¬1) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 718) "الفائق" للزمخشري (3/ 411). (¬2) أخرجه الترمذي في "السنن" رقم (3202) ورقم (3740) وابن ماجه رقم (126، 127) وابن جرير في "جامع البيان" (19/ 67) وابن أبي عاصم رقم (1401) والطبراني في "الأوسط" رقم (5000) عن موسى بن طلحة قال: قام معاوية بن أبي سفيان، فقال: إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "طلحة ممن قضى نحبه". وهو حديث حسن. (¬3) سورة الأحزاب آية: (35). (¬4) في "السنن" رقم (3211)، وهو حديث حسن. (¬5) في "التقريب" (2/ 623 رقم 60).

وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} وَكَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - تَبَنَّاهُ وَهُوَ صَغِيرٌ، فلبِث حَتَّى صَارَ رَجُلاً يُقَالُ لَهُ: زَيْدُ ابْن محَمَّدٍ، فَأَنْزَلَ الله تَعَالَى: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ} الآية. فُلاَنٌ ابْنِ فُلاَنٍ وَفُلاَنٌ أَخُو فُلاَنٍ. أخرجه الترمذي (¬1) وصححه. [سنده ضعيف جداً] قوله في حديث عائشة: "لكتم هذه الآية": أقول: كأنه لما فيها من العتب بقوله: {وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ} (¬2). قوله: "أخرجه الترمذي وصححه". أقول: لكنه بعد سياق هذه الرواية التي ساقها المصنف عن الشعبي عن عائشة، ثم قال (¬3): هذا حديث قد روي (¬4) عن داود بن أبي هند عن الشعبي عن مسروق عن عائشة قالت: لو كان النبي - صلى الله عليه وسلم - كاتماً شيئاً من الوحي لكتم هذه الآية: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ} (¬5)، هذا الحرف لم يرو بطوله. انتهى. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (3207) وأخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (19/ 117) وأحمد (6/ 2410، 2660) والطبراني في "المعجم الكبير" (24/ 41 رقم 111) من طريق داود بن أبي هند عن عامر، عن عائشة. سنده ضعيف جداً. وأخرج الترمذي في "السنن" رقم (3208) ومسلم رقم (287/ 177) والنسائي في "السنن الكبرى" رقم (11408) من طريق داود بن أبي هند عن عامر الشعبي عن مسروق عن عائشة, وهو حديث صحيح. (¬2) سورة الأحزاب آية: (37). (¬3) أي: الترمذي في "السنن" رقم (5/ 353). (¬4) تقدم تخريجه. (¬5) سورة الأحزاب آية: (37).

ثم ساقه أيضاً عن الشعبي عن مسروق عن عائشة من طريق أخرى بهذا اللفظ المختصر، ثم قال (¬1): هذا حديث حسن، وصحح اللفظ المختصر، وأشار إلى أن المطول فيه الشعبي عن عائشة، والمختصر فيه عن [390/ ب] مسروق عن عائشة فالتصحيح للمختصر. وابن الأثير في "الجامع" (¬2) أشار إلى مختصره بقوله: وفي رواية مختصراً وذكرها. فالذي أظنه أن تصحيح الترمذي للمختصرة (¬3) التي عن مسروق عن عائشة لا للمطولة التي ذكرها المصنف. ولا ريب أن الشعبي أدرك عائشة، وروى عنها فهو موصول على الروايتين، والله أعلم. ثم رأيت في "فتح الباري" (¬4): أن المختصرة رواها مسلم، وأظن الزائد بعده مدرجاً في الخبر، فإن الراوي له عن داود لم يكن بالحافظ. قلت: وهو داود بن الزبرقان الرقاشي البصري نزيل بغداد. قال الحافظ في "التقريب" (¬5): متروك وكذبه الأزدي. انتهى. وروى المختصرة الترمذي عن ابن أبي عدي، عن داود بن أبي هند. قال الحافظ (¬6): ابن أبي عدي هو: محمد بن إبراهيم بن أبي عدي، وقيل: هو إبراهيم أبو عمرو البصري ثقة من التاسعة. انتهى. ¬

_ (¬1) أي: الترمذي في "السنن" رقم (5/ 353). (¬2) في "جامع الأصول" (2/ 308). (¬3) وهو الحديث رقم (3208)، وهو حديث صحيح. (¬4) (8/ 524). (¬5) (1/ 231 رقم 11). (¬6) في "التقريب" رقم (2/ 141 رقم 11).

فتبين لك - بحمد الله - ما ظنناه من أن تصحيح الترمذي للمختصرة إذ كيف يصحح لمن فيها متروك. 8 - وَعَنْ أَنَسِ - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عرُوسًا بِزَيْنَبَ فَقَالَتْ لِي أُمُّ سُلَيْمٍ: لَوْ أَهْدَيْنَا لِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - هَدِيَّةً؟ فَقُلْتُ لَهَا: افْعَلِي. فَعَمَدَتْ إِلَى تَمْرٍ وَسَمْنٍ وَأَقِطٍ، فَاتَّخَذَتْ حَيْسَةً فِي بُرْمَةٍ، فَأَرْسَلَتْ بِهَا مَعِي، فَانْطَلَقْتُ بِهَا إِلَيْهِ فَقَالَ: "ضَعْهَا" ثُمَّ أَمَرَنِي فَقَالَ: "ادْعُ لِي رِجَالاً - سَمَّاهُمْ - وَادْعُ لِي مَنْ لَقِيتَ" قَالَ: فَفَعَلْتُ ثُمَّ رَجَعْتُ، فَإِذَا الْبَيْتُ غَاصٌّ بِأَهْلِهِ، فَوَضَعَ - صلى الله عليه وسلم - يَدَهُ عَلَى تِلْكَ الْحَيْسَةِ، وَتَكَلَّمَ بِهَا مَا شَاءَ الله، ثُمَّ جَعَلَ يَدْعُو عَشَرَةً عَشَرَةً, يَأْكُلُونَ مِنْهُ، وَيَقُولُ لَهُمُ: "اذْكُرُوا اسْمَ الله تَعَالَى عَلَيْهِ, وَلْيَأْكُلْ كُلُّ رَجُلٍ مِمَّا يَلِيهِ حَتَّى تَصَدَّعُوا كُلُّهُمْ عَنْهَا، فَخَرَجَ مِنْهُمْ مَنْ خَرَجَ، وَبَقِيَ نَفَرٌ يَتَحَدَّثُونَ، ثُمَّ خَرَجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - نحْوَ الْحُجُرَاتِ، وَخَرَجْتُ فِي إِثْرِهِ فَقُلْتُ: إِنَّهُمْ قَدْ ذَهَبُوا. فَرَجَعَ فَدَخَلَ الْبَيْتَ، وَأَرْخَى السِّتْرَ، وَإِنِّي لَفِي الْحُجْرَةِ وَهْوَ يَقُولُ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ}، {لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ} أخرجه الخمسة (¬1) إلا أبا داود. [صحيح] قوله في حديث أنس في قصة زواجه - صلى الله عليه وسلم -[112/ أ] بزينب بنت جحش. قال الحافظ ابن حجر في "الفتح" (¬2): محصل [القضية] (¬3) أن الذين حضروا الوليمة جلسوا يتحدثون، واستحيى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يأمرهم بالخروج، فتهيأ للقيام ليفطنوا لمراده ليقوموا لقيامه، فلما ألهاهم الحديث عن ذلك قام وخرج، وخرجوا لخروجه إلا الثلاثة الذين ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (4791) وأطرافه في (4792، 4793، 5154، 5163، 5166، 5168، 5170، 5171، 54566، 6238، 6239، 6271، 6421)، ومسلم رقم (1428) والترمذي رقم (3218) والنسائي رقم (3387). (¬2) (8/ 530). (¬3) زيادة من (ب).

لم يفطنوا لذلك لشدة شغل بالهم بما كانوا [391/ ب] فيه من الحديث، وفي غضون ذلك كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يريد أن يقوموا من غير أمرهم بمواجهتهم بالأمر بالخروج لشدة حيائه فيطيل الغيبة عنهم بالتشاغل بالسلام على نسائه، وهم في شغل بالهم، وكان أحدهم في أثناء ذلك أفاق عن غفلته، فخرج وبقي الاثنان، فلما طال ذلك، ووصل النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى منزله، فرآهما فرجع فرأياه لما رجع، فحينئذ فطنا فخرجا، فدخل النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأنزلت الآية، وأرخى (¬1) الستر بينه وبين خادمه أنس أيضاً، ولم يكن له عهد بذلك. انتهى. قوله: "وأقط": في "النهاية" (¬2) قد تكرر في الحديث ذكر الأقط، وهو لبن مجفف يابس متحجر يطبخ به. "والحيس" (¬3): بالمهملتين أوله وأخره بينهما مثناة تحتيه: هو الطعام المتخذ من التمر والأقط والسمن، وقد يجعل عوض الأقط الدقيق. قوله: "عشرة عشرة": إنما دعاهم كذلك؛ لأن الإناء الذي فيه الطعام لا يتحلق عليه أكثر من عشرة إلا لضرر، والقصد الرفق بهم. 9 - وَعَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: كَانَتْ خَوْلَة بِنْتُ حَكِيم مِنْ اللاَّتي وَهِبْنَ أَنْفُسَهُنَّ للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَتْ عَائِشَةُ - رضي الله عنها -: أَمَا تَسْتَحِي الْمَرْأَةُ أَنْ تهَبَ نَفْسَهَا لرجُل؟ فَلَمَّا نَزَلَتْ: {تُرْجِي مَنْ ¬

_ (¬1) قال الحافظ في "الفتح" (8/ 530) ووقع رواية الجعد: "فرجع فدخل البيت، وأرخى الستر .... ". (¬2) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 68) وانظر: "الفائق" للزمخشري (1/ 179). (¬3) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 458).

تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ} قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله! مَا أَرَى رَّبكَ إِلاَّ يُسَارعُ فِي هَوَاكَ. أخرجه الخمسة (¬1) إلا الترمذي. [صحيح] قوله في حديث عروة: "من اللاتي وهبن أنفسهن للنبي - صلى الله عليه وسلم -": قلت: عدَّ (¬2) منهن خولة بنت حكيم، وأم شريك، وفاطمة بنت شرحي، وليلى بنت الحطيم، وميمونة بنت الحارث. قاله في "التوشيح". وليس المراد بميمونة بنت الحارث التي تزوجها - صلى الله عليه وسلم - بسرف خالة ابن عباس، فتلك خطبها - صلى الله عليه وسلم -، وكان من خصائصه أن من وهبت نفسها له فلا مهر لها، ولذا قال تعالى: [392/ ب]: {خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ}. قوله: "يسارع في هواك". أي: في رضاك. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (4788) ومسلم رقم (1464) وأبو داود رقم (2136) والنسائي (6/ 54). وانظر "جامع البيان" (19/ 141 - 143). (¬2) قال الحافظ في "الفتح" رقم (8/ 525) ومن طريق الشعبي قال: من الواهبات أم شريك، وأخرجه النسائي من طريق عروة، وعند أبي عدة معمر بن المثنى أن من الواهبات فاطمة بنت شريح، وقيل: إن ليلى بنت الحطيم ممن وهبت نفسها له. ومنهن زينب بنت خزيمة, وجاء عن الشعبي، وليس بثابت، وخولة بنت حكيم، وهو في هذا الصحيح، ومن طريق قتادة عن ابن عباس قال: التي وهبت نفسها للنبي - صلى الله عليه وسلم - هي ميمونة بنت الحارث، وهذا منقطع، وأورده من وجه آخر مرسل، وإسناده ضعيف.

قال القرطبي (¬1): هذا القول أبرزه الدلال والغيرة، وإلا فلا يجوز نسبة الهوي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - لكن الغيرة، ويغتفر (¬2) لأجلها إطلاق مثل ذلك. قال النووي (¬3): هو بفتح همزة: "أرى" أي: يخفف عنك ويوسع عليك في الأمور، ولهذا أخيرك. 10 - وَعَنْ أُمِّ هَانِئٍ - رضي الله عنها - قَالَتْ: خَطَبَنِي رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فَاعْتَذَرْتُ إِلَيْهِ فَعَذَرَنِي، ثُمَّ أَنْزَلَ الله تَعَالَى: {إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ} الآيَةَ. قَالَتْ: فَلَمْ أَكُنْ أَحِلُّ لَهُ؛ لأَنِّي لَمْ أُهَاجِرْ، كُنْتُ مِنَ الطُّلَقَاءِ. أخرجه الترمذي (¬4). [ضعيف] "الطليق" (¬5): الأسير إذا خُلىَ سبيلُه. قوله في حديث أم هانئ: "لأني لم أكن أحل له لأني لم أهاجر": ¬

_ (¬1) في "المفهم" رقم (4/ 211) وإليك نص عبارته: قولٌ أبرزته الغيرة والدلال، وهذا من نوع قولها: "ما أهجر إلا اسمك" البخاري رقم (5228) ومسلم رقم (2439) "ولا أحمد إلا الله" البخاري رقم (4750) ومسلم رقم (2770) وإلا فإضافة الهوى إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - مباعداً لتعظيمه وتوقيره، الذي أمرنا الله تعالى به، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - منزه عن الهوى بقوله تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3)} [النجم: 3]، وهو ممن نهى النفس عن الهوى، ولو جعلت مكان (هواك) مرضاتك، لكان أشبه وأولى، لكن أبعد هذا في حقها عن نوع الذنوب: أن ما يفعل المحبوب محبوب. (¬2) ذكره الحافظ في "الفتح" (9/ 165). (¬3) في شرح "صحيح مسلم" (49 - 50). (¬4) في "السنن" رقم (3214). قلت: وأخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (19/ 131) وابن سعد في "الطبقات الكبرى" (8/ 153) والطبراني (ج 24 رقم 1007) والحاكم رقم (2/ 420) والبيهقي رقم (7/ 54)، وهو حديث ضعيف. (¬5) انظر "النهاية في غريب الحديث" (2/ 121) "المجموع المغيث" (2/ 364).

أقول: قال المحب الطبري: اختلف العلماء في أن الهجرة هل كانت شرطاً في إحلال النساء لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وقيل: المراد بالهجرة: الإسلام، والمراد ببنات العم والعمة الهاشميات، وبنات الخال والخالة الزهريات، لأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يكن له خال ولا خالة، وآمنة أمه لم يكن لأبويها غيرها كما لم يكن لأبويه - صلى الله عليه وسلم - غيره. قاله الطبري في "السمط (¬1) الثمين". 11 - وَعَن ابْنُ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: نُهِيَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنْ أَصْنَافِ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا كَانَ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ الْمُهَاجِرَاتِ قَالَ: {لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ} فَأَحَلَّ الله تَعَالَى فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ: {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ} وَحَرَّمَ كُلَّ ذَاتِ دِينٍ غَيْرَ الإِسْلاَمِ، ثُمَّ قَالَ: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (5)} وَقَالَ: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ} إِلَى قَوْلِهِ: {خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} وَحَرَّمَ مَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ أَصْنَافِ النِّسَاءِ. أخرجه الترمذي (¬2). [ضعيف] قوله في حديث ابن عباس: "لا يحل لك النساء من بعد". [أقول: أي: من بعد] (¬3) التسع، فهن في حقه كالأربع في حقنا، أو من بعد اليوم حتى لو ماتت واحدة لا يحل [لك] (¬4) نكاح أخرى، ولا أن تبدل بهن من أزواج، فتطلق واحدةً، وتنكح مكانها أخرى، و (من) مزيدة. ¬

_ (¬1) لم أجده. (¬2) في "السنن" رقم (3215)، وهو حديث ضعيف. (¬3) زيادة من (أ). (¬4) في (أ) له.

{وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ} [393/ ب] حسن الأزواج المستبدلة. واختلف في أن الآية (¬1) محكمة أو منسوخة بقوله: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ} الآية. قوله: "أخرجه الترمذي": ¬

_ (¬1) قال ابن جرير في "جامع البيان" (19/ 150): وأولى الأقوال عندي بالصحة قول من قال: معنى ذلك: لا يحل لك النساء من بعد اللواتي أحللتهن لك بقولي: {إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ} إلى قوله: {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ}: [الأحزاب: 50]. وإنما قلت ذلك أولى بتأويل الآية؛ لأن قوله: {لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ} [الأحزاب: 52]. عقيب قوله: {إِنَّا أَحْلَلْنَا} وغير جائز أن يقول: قد أحللت لك هؤلاء، ولا يحللن لك، إلا بنسخ أحدهما صاحبه، وعلى أن يكون وقت فرض إحدى الآيتين، فعل الأخرى منهما. فإن كان ذلك كذلك، ولا برهان ولا دلالة على نسخ حكم إحدى الآيتين حكم الأخرى، ولا تقدم تنزيل إحداهما قبل صاحبتها، وكان غير مستحيل مخرجهما على الصحة، لم يجز أن يقال: إحداهما ناسخة الأخرى. وإذ كان ذلك كذلك، ولم يكن لقول من قال: معنى ذلك: لا يحل من بعد المسلمات، يهودية ولا نصرانية، ولا كافرة، معنى مفهوم، إذ كان قوله: {مِنْ بَعْدُ} إنما معناه: من بعد المسميات المتقدم ذكرهن في الآية قبل هذه الآية، ولم يكن في الآية المتقدمة فيها ذكر المسميات بالتحليل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكر إباحة المسلمات كلهن، بل كان فيها ذكر أزواجه وملك يمينه الذي يفيء الله عليه، وبنات عمه وبنات عماته, وبنات خاله، وبنات خالاته اللاتي هاجرن معه, وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي، فتكون الكوافر مخصوصات بالتحريم - صح ما قلنا في ذلك دون قول من خالف قولنا فيه. وانظر "تفسير القرآن العظيم" لابن كثير (11/ 197).

قلت: وقال (¬1): هذا حديث حسن، إنما نعرفه من حديث عبد الحميد بن بهرام قال: سمعت أحمد بن الحسن يذكر عن بن حنبل أنه قال: لا بأس بحديث عبد الحميد بن بهرام عن شهر بن حوشب. قوله: "وصححه": قلت: قد عرفت أنه إنما حسنه فقط. 12 - وَعَنْ عَائِشَةُ - رضي الله عنها - قَالَتْ: مَا مَاتَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى أُحِلَّ لَهُ النِّسَاءُ. أخرجه الترمذي (¬2) وصححه، والنسائي (¬3). [صحيح] قوله في حديث عائشة: "حتى أحل له النساء": أقول: بعد التحريم عليه بقوله: {لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ} وآية التحليل قوله: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ} الآية. قوله: "أخرجه الترمذي": قلت: وقال (¬4): حسن صحيح. 13 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ مُوسَى - عليه السلام - كَانَ رَجُلاً حَيِيًّا سِتِّيرًا لاَ يُرَى شَيءٌ مِنْ جِلْدِهِ اسْتِحْيَاءً مِنْهُ فَآذَاهُ مَنْ آذَاهُ مِنْ بَني إِسْرَائِيلَ. فَقَالُوا: مَا يَسْتَتِرُ هَذَا السِّتْرَ إِلاَّ مِنْ عَيْبٍ بِجِلْدِهِ، إِمَّا بَرَصٌ، وَإِمَّا أُدْرَةٌ، وَإِمَّا آفَةٌ، وَإِنَّ الله تَعَالَى أَرَادَ أَنْ يُبَرِّئهُ مِمَّا ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (6/ 356). (¬2) في "السنن" رقم (3216). (¬3) في "السنن" رقم (3204) وفي "الكبرى" رقم (5311). قلت: وأخرجه الحميدي رقم (235) وأحمد (6/ 41) والبيهقي في "السنن الكبرى" (7/ 54) والطحاوي في مشكل الآثار رقم (521)، وهو حديث صحيح. (¬4) في "السنن" رقم (5/ 356).

قَالُوا، فَخَلاَ يَوْماً وَحْدَهُ فَوَضَعَ ثِيَابَهُ عَلَى الحَجَر، ثُمَّ اغْتَسَلَ، فَلَمَّا فَرَغَ أَقْبَلَ إِلَى ثِيَابِهِ لِيَأخُذَهَا، وَإِنَّ الْحَجَرَ عَدَا بِثَوْبِهِ، فَأَخَذَ مُوسَى عَصَاهُ فَطَلَبَ الْحَجَرَ، وَجَعَلَ يَقُولُ: ثَوْبِي حَجَرُ .. ثَوْبِي حَجَرُ حَتَّى انْتَهَى إِلَى مَلإٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَرَأَوْهُ عُرْيَانًا أَحْسَنَ مَا خَلَقَ الله تَعَالَى وَأَبْرَأَهُ مِمَّا يَقُولُونَ، وَقَامَ الْحَجَرُ، فَأَخَذَ ثَوْبَهُ وَلَبِسَهُ وَطَفِقَ بِالْحَجَرِ ضَرْبًا بِعَصَاهُ فَوَالله! إِنَّ بِالْحَجَرِ لنَدَبًا مِنْ أَثَرِ ضَرْبِه ثَلاَثًا أَوْ أَرْبَعًا أَوْ خَمْسًا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا (69)}. أخرجه الشيخان (¬1) والترمذي (¬2). [صحيح] "الأدَرَةُ" (¬3): اتنفاخ الخصية. و"النَّدَبُ" (¬4) بالتحريك: أثر الجرح إذا لم يرتفع عن الجلد. شُبِّه أثر الضرب في الحجر به. قوله في حديث أبي هريرة: "إن موسى كان رجلاً حيياً ستيراً ... " إلى آخره. أقول: الستير بزنة قنديل الكثير التستر [113/ أ] وقد بينه قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يرى شيء من جلده استحياء منه". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (278) وطرفاه (3404، 4799) ومسلم رقم (339). (¬2) في "السنن" رقم (3221). وانظر "جامع البيان" (19/ 192 - 193). (¬3) انظر "النهاية في غريب الحديث" (1/ 45) "المجموع المغيث" (1/ 44). (¬4) قاله ابن الأثير في "النهاية في غريب الحديث" (2/ 724).

(سورة سبأ)

أقول: هذا يدل أن بني (¬1) إسرائيل كانوا يغتسلون عراة بمحضر منهم، وأنه كان جائز في شرعهم، وإنما كان ينفرد عنهم موسى عند اغتساله استحياءً (¬2). قوله: "فوضع ثيابه". في روايةٍ لأحمد (¬3): "أن موسى كان إذا أراد أن يدخل الماء لم يلق بثوبه حتى توارى عورته بالماء". قوله: "عدا": بالعين المهملة، أي: مضى مسرعاً. قوله: "ثوبي حجر .. ثوبي حجر" [394/ ب] أي: أعطني ثوبي. أو ردَّ ثوبي. وحجرُ بالضم على حذف حرف النداء. وفي رواية في البخاري (¬4): "ثوبي يا حجر". قوله: "والله! إن بالحجر لندباً": أي: أثراً من ضرباته، وفي رواية عند ابن مردويه (¬5) الجزم عن أبي هريرة أنها ست ضربات. واعلم! أن ظاهره أن هذا اللفظ من الحديث، وقد بين البخاري (¬6) في الغسل أنه قول أبي هريرة. (سورة سبأ) 1 - عَنْ فَرْوَةَ بْنِ مُسَيْكٍ الْمُرَادِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله! أَلاَ أُقَاتِلُ مَنْ أَدْبَرَ مِنْ قَوْمِي بِمَنْ أَقْبَلَ مِنْهُمْ؟ فَأَذِنَ لِي فِي قِتَالِهمْ وَأَمَّرَنِي، فَلَمَّا خَرَجْتُ سَأَل عَنِّي مَا فَعَلَ ¬

_ (¬1) انظر "فتح الباري" رقم (1/ 386). (¬2) قال الحافظ في "الفتح" (1/ 386): وكان هو - عليه السلام - يغتسل وحده أخذاً بالأفضل. (¬3) في "المسند" (2/ 154). (¬4) في "صحيحه" رقم (278). (¬5) ذكره الحافظ في "الفتح" (6/ 237). (¬6) في "صحيحه" رقم (278).

الْغُطَيْفِيُّ؟ فَأُخْبِرَ أَنِّي قَدْ سِرْتُ، فَأَرْسَلَ فِي أَثَرِي فَرَدَّنِي، فَقَالَ: "ادْعُ الْقَوْمَ، فَمَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ فَاقْبَلْ مِنْهُ, وَمَنْ لَمْ يُسْلِمْ فَلاَ تَعْجَلْ حَتَّى أُحْدِثَ إِليْكَ" قَالَ: وَأُنْزِلَ فِي سَبَإٍ مَا أُنْزِلَ. فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ الله! وَمَا سَبَأٌ؛ أَأَرْضٌ أَوِ امْرَأَةٌ؟ قَالَ: "لَيْسَ بِأَرْضٍ وَلاَ بِامْرَأَةٍ، وَلَكِنَّهُ رَجُلٌ وَلَدَ عَشَرَةً مِنَ الْعَرَبِ، فَتَيَامَنَ مِنْهُمْ سِتَّةٌ وَتَشَاءَمَ أَرْبَعَةٌ، فَأَمَّا الَّذِينَ تَشَاءَمُوا: فَلَخْمٌ، وَجُذَامٌ وَغَسَّانُ، وَعَامِلَةٌ, وَأمّا الَّذِينَ تيَامَنُوا: فَالأَزْدُ، وَالأَشْعَرِيُّونَ، وَحِمْيَرُ، وَكِنْدَةُ، وَمَذْحِجٌ، وَأَنْمَارُ" فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ الله! وَمَا أَنْمَارُ؟ قَالَ: "الَّذِينَ مِنْهُمْ خَثْعَمُ، وَبَجِيلَةُ". أخرجه أبو داود (¬1) والترمذي (¬2). [حسن] قوله: "عن فروة بن مسيك المرادي" (¬3): بفتح الفاء وسكون الراء وفتح الواو فهاء. ومسيك: بضم الميم وفتح السين المهملة وسكون المثناة التحتية والكاف. والمرادي: نسبة إلى جده مراد الغطيفي من أهل اليمن، قدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سنة تسع فأسلم. وقيل: سنة عشر، وانتقل إلى الكوفة زمن عمر بن الخطاب [وسكنها] (¬4) روى عنه الشعبي وغيره. قوله: "الغطيفي": بضم الغين المعجمة فطاء فمثناة تحتيه ففاء نسبة إلى غطيف بطن من مراد. قوله: "أخرجه أبو داود والترمذي": قلت: وقال الترمذي (¬5): غريب حسن [395/ ب]. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (3988). (¬2) في "السنن" رقم (3222)، وهو حديث حسن. (¬3) انظر "التقريب" (2/ 108 رقم 21) "تهذيب التهذيب" (3/ 385). (¬4) زيادة من (أ). (¬5) في "السنن" رقم (5/ 361) وفيه حسن غريب.

2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: إِنَّ نَبِيَّ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِذَا قَضَى الله تَعَالَى الأَمْرَ فِي السَّماءِ ضَرَبَتِ الْمَلاَئِكَةُ - عليهم السلام - بِأَجْنِحَتِهَا خُضْعَانًا لِقَوْلهِ كَأنَّه سلْسِلَةِ عَلَى صَفْوَانٍ، فَإِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا: مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ قَالُوا: لِلَّذِي قَالَ: الْحَقَّ وَهْوَ الْعَليُّ الْكَبِيرُ، فَيَسْمَعُهَا مُسْتَرِقُ السَّمْعِ، وَمُسْتَرِقُ السَّمْعِ هَكَذَا بَعْضهُ فَوْقَ بَعْض، وَوَصَفَ سُفْيَانُ بِكَفِهِ، فَحَرَّفَهَا وَبَدَّدَ بَيْنَ أصَابِعِه فَيَسْمَعُ الْكَلِمَةَ, فَيُلْقِيهَا إِلَى مَنْ تَحْتهُ, حَتَّى يُلْقِيَهَا عَلَى لِسَانِ السَّاحِرِ أَوِ الْكَاهِنِ، فَرُبَّمَا أَدْرَكَ الشِّهَابُ قَبْلَ أَنْ يُلْقِيَهَا، وَرُبَّمَا أَلْقَاهَا قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَهُ، فَيَكْذِبُ مَعَهَا مِائَةَ كَذْبَةٍ, فَيُقَالُ: أَلَيْسَ قَدْ قَالَ لَنَا يَوْمَ كَذَا وكَذَا كَذَا وَكَذَا؟! فَيُصَدَّقُ بِتِلْكَ الْكَلِمَةِ الَّتِي سَمِعَ مِنَ السَّمَاءِ". أخرجه "البخاري" (¬1) والترمذي (¬2). [صحيح] قوله في حديث أبي هريرة: "خضعاناً" (¬3): مصدر بزنة غفران بمعنى: خاضعين وفي "الفتح" (¬4): بفتحتين من الخضوع. وفي رواية: بضم أوله وسكون ثانيه. ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (4701، 4800، 7481). (¬2) في "السنن" رقم (3989). قلت: وأخرجه الترمذي في "السنن" رقم (3223) وابن ماجه رقم (194) وابن جرير في "جامع البيان" (19/ 277) وابن خزيمة في التوحيد (ص 97) وابن حبان في "صحيحه" رقم (36) والبيهقي في "الأسماء والصفات" (431 - 434) وفي "دلائل النبوة" (2/ 235). (¬3) قال ابن الأثير في "النهاية في غريب الحديث" (1/ 501): الخضعان: مصدر خضع يخضع خضوعاً وخضعاناً، كالغفران والكفران، ويروى بالكسر: كالوجدان, ويجوز أن يكون جمع خاضع، وفي رواية: خُضعاً لقوله: جمع خاضع. وانظر "المجموع المغيث" (1/ 587). (¬4) (8/ 538).

قوله: "كأنه": أي: القول المسموع، وهو صوت الملك، والصلصلة: جر السلسلة من الحديد على الصفوان الذي هو الحجر الأملس. وزيد في رواية: "فلا ينزل على أهل السماء إلا صعقوا" وفي رواية: "ويروى أنه من أمر الساعة". قوله: "ووصف سفيان بكفيه فحرفها". أقول: هو ابن عيينة. وبدد: بالباء ومهملتين. أي: فرق بينهما (1)، وفي رواية عن ابن عباس عند ابن مردويه (¬1): "لكل قبيل من الجن مقعد في السماء يستمعون منه الوحي". قوله: "أي الساحر أو الكاهن معها": مع تلك الكلمة التي سمع. قوله: "فيصدق" أي: يصدقه الناس فيما يقوله من كذب بسبب تلك الكلمة التي تلقفها من مسترق السمع. 3 - عَنْ ابْنِ مَسْعُوْد - رضي الله عنه - قَالَ: "إِذَا تَكَلَّمَ الله تَعَالَى بِالْوَحْي سَمِعَ أَهْلُ السَّماءِ صَلْصَلَةً كَجَرِّ السِّلْسِلَةِ عَلَى الصَّفَا، فَيُصْعَقُونَ، فَلاَ يَزَالُونَ كَذَلِكَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ جبرِيلُ - عليه السلام -، حَتَّى إِذَا جَاءَ فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ، فَيَقُولُونَ: يَا جِبْرِيلُ! مَاذَا قَالَ رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ: الْحَقَّ فَيَقُولُونَ: الْحَقَّ .. الْحَقَّ". أخرجه أبو داود (¬2). [صحيح] ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (8/ 538). (¬2) في "السنن" رقم (4738) وهو حديث صحيح. وأخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (19/ 277) وابن خزيمة في "التوحيد" (ص 96) والبخاري في خلق أفعال العباد (ص 138) والبيهقي في "الأسماء والصفات" (432 - 434) وابن حبان في "صحيحه" رقم (37)، وهو حديث صحيح.

(سورة فاطر)

(سورة فاطر) 1 - عَنْ أَبِي سَعِيدٍ - رضي الله عنه - أنَّ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ فِي هَذِهِ الآيَةِ: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ} قَالَ: "هَؤُلاَءِ كُلُّهُمْ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ، وَكُلُّهُمْ فِي الْجَنَّةِ". أخرجه الترمذي (¬1). [ضعيف] قوله: "فمنهم ظالم لنفسه": تقديم الظالم لكثرة الظالمين. ومنهم مقتصد. [قوله] (¬2): "أخرجه الترمذي": قلت: وقال (¬3): هذا حديث [396/ ب] غريب حسن. انتهى. وقد ساق إسناده الترمذي عن رجل من ثقيف عن رجل (¬4) من كنانة، وهما مجهولان، فكيف يصفه بالحسن (¬5) وفيه نكارة أيضاً؟ وهو جعل الثلاثة سواء في المنزلة، وكلهم في الجنة، وهو خلاف عدل الله وحكمته: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36)} (¬6). ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (3225) وهو حديث ضعيف. وأخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (19/ 376) والطيالسي في "مسنده" رقم (2350) والبيهقي في "البعث" رقم (62). (¬2) زيادة يقتضيها السياق. (¬3) في "السنن" رقم (5/ 363) وفيه: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. (¬4) كذا في المخطوط، والذي في "السنن" رجال. (¬5) بل قال حديث غريب. (¬6) سورة الصافات آية: (53 - 54).

وأخرج ابن أبي حاتم (¬1) وابن جرير (¬2) وابن المنذر (¬3) والبيهقي في "البعث" (¬4) عن ابن عباس في قوله: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} (¬5) قال: "هم أمة محمد - صلى الله عليه وسلم -، أورثهم الله كل كتاب أنزل، فظالمهم مغفور له، ومقتصدهم يحاسب حساباً يسيراً، وسابقهم يدخل الجنة بغير حساب". وأخرج الطيالسي (¬6) وعبد بن حميد (7) وابن أبي حاتم (¬7) والطبراني في "الأوسط" (¬8)، والحاكم (¬9) وابن مردويه (¬10) عن عقبة بن صهبان قال: قلت لعائشة: أرأيت قول الله: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ} الآية؟ قالت: "أما السابق فمن مضى في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فشهد له بالجنة، وأما المقتصد فمن تبع آثارهم، فعمل عملهم حتى لحق بهم، وأما الظالم لنفسه فمثلي ومثلك، ومن اتبعنا، وكل في الجنة". ¬

_ (¬1) في "تفسيره" (10/ 3181 رقم 17985). (¬2) في "جامع البيان" (19/ 368). (¬3) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (7/ 23). (¬4) في "البعث والنشور" رقم (73). (¬5) سورة فاطر آية: (32). (¬6) في مسنده رقم (1489) وهو ضعيف جداً. (¬7) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (7/ 24). (¬8) في "الأوسط" رقم (6094). (¬9) في "المستدرك" (2/ 426 - 427). (¬10) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (7/ 24).

وأخرج ابن النجار (¬1) عن أنس قال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "سابقنا سابق، ومقتصدنا ناج، وظالمنا (¬2) مغفور له". وأخرج البيهقي في "الشعب" (¬3) وغيره مثله عن عمر مرفوعاً. وفي "الدر المنثور" (¬4) روايات أن الظالم (¬5) لنفسه الكافر. وروايات أنه المنافق، وفي الآية عن السلف اختلاف كثير، ويأبى إرادة المنافق والكافر قوله: {اصْطَفَيْنَا}. 2 - وَعَنِ ابْن عبَّاس - رضي الله عنهما - في قوله تعالى: {وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ} (¬6). قال: هُوَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بالقُرآنِ. أخرجه رزين. قوله: " {وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ} ": قال: هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وقيل: هو الكتاب. وقيل: هو العقل. وقيل: الشيب. وقيل: موت الأقارب. ¬

_ (¬1) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (7/ 25). (¬2) قال ابن كثير في تفسير (11/ 323): والصحيح أن الظالم لنفسه من هذه الأمة، وهذا اختيار ابن جرير كما هو ظاهر الآية, وكما جاءت به الأحاديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من طرق يشد بعضها بعضاً. انظر "جامع البيان" (19/ 368 - 374). (¬3) بل هو في "البعث والنشور" (61) تم قال: فيه إرسال بين ميمون بن سياه، وبين عمر - رضي الله عنه -، وروي من وجه آخر غير قوي عن عمر موقوفاً عليه. (¬4) (7/ 23 - 28). (¬5) قال ابن جرير في "جامع البيان" (19/ 374) ... : وأما الظالم لنفسه فإنه لأن يكون من أهل الذنوب والمعاصي التي هي دون النفاق، والشرك عندي، أشبه بمعنى الآية من أن يكون المنافق والكافر، وذلك أن الله تعالى ذكره أتبع هذه الآية قوله: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا} [فاطر: 33]، فعمَّ بدخلوها جميع الأصناف الثلاثة. (¬6) سورة فاطر آية: (37).

قوله: "أخرجه رزين": قد قدمنا لك ما في هذا. وأخرجه ابن أبي حاتم (¬1) عن السدي في قوله: {وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ} قال: محمد - صلى الله عليه وسلم -. وأخرج ابن جرير (¬2) وابن أبي حاتم (¬3) عن زيد [397/ ب] في قوله: {وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ} قال: محمد - صلى الله عليه وسلم -، وقرأ: {هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى (56)}. وأخرج عبد بن حميد (4) وابن المنذر (¬4) وابن أبي حاتم (¬5) عن عكرمة في قوله: {وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ} قال: الشيب. ومثله (¬6) أخرجه جماعة عن ابن عباس [114/ أ]. ¬

_ (¬1) في "تفسيره" (10/ 3185) رقم (18010). (¬2) في "تفسيره" (19/ 317). (¬3) في "تفسيره" (10/ 3185) رقم (18011). (¬4) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (7/ 32). (¬5) في "تفسيره" (10/ 3185) رقم (18012). (¬6) انظر تفسير ابن كثير (11/ 336). قال ابن كثير في "تفسيره" (11/ 336): وقوله: {وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ} [فاطر: 37]: روى عن ابن عباس، وعكرمة، وأبي جعفر الباقر، وقتادة، وسفيان بن عيينة أنهم قالوا: يعني الشيب. وقال السدي وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم: يعني: الرسول - صلى الله عليه وسلم - وقرأ ابن زيد: {هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى (56)}، وهذا هو الصحيح عن قتادة بما رواه شيبان عنه أنه قال: احتج عليهم بالعمر والرسل. وهذا اختيار ابن جرير، وهو الأظهر، لقوله تعالى: {وَنَادَوْا يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ (77) لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ (78)} [الزخرف: 77 - 78] أي: لقد بينا لكم الحق على ألسنة الرسل، فأبيتم وخالفتم، وقال تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (15)} =

(سورة يس)

(سورة يس) 1 - عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - أَنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لِكُلِّ شيْءٍ قَلْبٍ وَقَلْبُ الْقُرآنِ يس؛ وَمَنْ قَرَأَهَا كَتَبَ تَعَالَى لهُ بِقِرَاءَتِهَا قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ عَشْرَ مَرَّاتٍ [دُوْنَ يَس] (¬1) ". أخرجه الترمذي (¬2). [موضوع] قوله في حديث أنس: "لكل شيء قلب": قلب كل شيء لبه وخالصه. قوله: "أخرجه الترمذي": قلت: وقال (¬3): حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث حميد بن عبد الرحمن، وبالبصرة لا يعرفونه من حديث قتادة إلا من هذا الوجه. وهارون بن محمد شيخ مجهول. انتهى. ويريد بهارون أحد رواته فإنه ساقه عنه. 2 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَتْ بَنُو سَلِمَةَ فِي نَاحِيَةِ الْمَدِينَةِ، فَأَرَادُوا النُّقْلَةَ إِلَى قُرْبِ الْمَسْجِدِ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ} (¬4) فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ آثَارَكُمْ تُكْتَبُ" فَلَمْ يَنْتَقِلُوا. ¬

_ = وقال تبارك وتعالى: {كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8) قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ (9)}. (¬1) كذا في المخطوط، والذي في "جامع الأصول" (8/ 481) زاد في رواية دون يس. (¬2) في "السنن" رقم (2887)، وهو حديث موضوع. قلت: وأخرجه ابن كثير في "تفسيره" (11/ 342) والدارمي في "فضائل القرآن" رقم (3419). (¬3) في "السنن" رقم (5/ 162) وفيه: هذا حديث غريب .. (¬4) سورة يس آية: (12).

أخرجه الترمذي (¬1). [صحيح] قوله: "كانت بنو سلمة": هم بطن كبير من الخزرج، وكانت منازلهم بسلع بينه وبين المسجد قدر ميل. قوله: "أخرجه الترمذي": قلت: وقال (¬2): هذا حديث حسن غريب من حديث الثوري، وأبو سفيان هو طريف السعدي. انتهى. يريد بأبي سفيان أحد رواته. قال الحافظ في "التقريب" (¬3): طريف بن شهاب أو ابن سعد السعدي الأشل بالمعجمة، ويقال له: الأعسم بمهملتين، ضعيف. 3 - وَعَن ابْنِ عبَّاس - رضي الله عنهما - قَالَ: كَانَ بِمَدِينةِ أنْطَاكِيَّة فِرْعَونٌ مِنَ الفَرَاعِنةِ، فَبَعَثَ الله تَعالَى إليهم المرسلين، وهُمْ ثلاثةٌ قَدمَ اثنينِ فكذبُوهمَا فقوَّاهم بثالثٍ، فَلَمَّا دَعتْه الرسلُ وَصَدَعَتَ بالذي أمِرت به، وعَابَتْ دينهُ. قال لهم: إنا تطيرنا بكُم. قَالَوا طائركم معكم: أي: مصائبكم (¬4). ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (3226). وأخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (19/ 410) وعبد الرزاق في مصنفه رقم (1982) والواحدي في أسباب النزول (ص 274) والحاكم (2/ 428) والبيهقي في "الشعب" رقم (2890) وفي "السنن الكبرى" (10/ 78)، وهو حديث صحيح. (¬2) في "السنن" رقم (5/ 364). (¬3) (1/ 377 رقم 19). (¬4) أخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (19/ 414) عن ابن عباس، وعن كعب الأحبار، وعن وهب بن منبه قال: كان بمدينة أنطاكية فرعون من الفراعنة ... ".

4 - وَعَنْه (¬1) - رضي الله عنه - فِي قوله تَعَالَى: {وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى} إلى قوله: {وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (27)} (¬2) قال: نَصَح قَومَه حيَّاً وَميَّتَاً. أخرجهما رزين. قوله: "أخرجهما رزين": قلت: لم أجدهما في "الدر المنثور" (¬3) بل الروايات فيه المرسل لهما (¬4) عيسى [398/ ب]). ¬

_ (¬1) أخرجه ابن أبي حاتم كما في "تفسير القرآن العظيم" (11/ 355). (¬2) سورة يس آية: (20 - 27). (¬3) (7/ 48 - 52). (¬4) قال ابن كثير في "تفسيره" (11/ 357 - 358). قال المفسرون: بعث الله إليهم جبريل - عليه السلام - فأخذ بعضادتي باب بلدهم، ثم صاح بهم صيحة واحدة فإذا هم خامدون عن آخرهم، لم تبق فيهم روح تردد في جسد. وقد تقدم عن كثير من السلف أن هذه القرية هي أنطاكية، وأن هؤلاء الثلاثة كانوا رسلاً من عند المسيح - عليه السلام -؛ كما نص عليه قتادة وغيره، وهو الذي لم يذكر عن واحد من متأخري المفسرين غيره، وفي ذلك نظر من وجوه: أحدهما: أن ظاهر القصة يدل على أن هؤلاء كانوا رسل الله عز وجل، لا من جهة المسيح، كما قال تعالى: {إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (14)} إلى أن قالوا: {رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (16) وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (17)} [يس: 14 - 17]، ولو كان هؤلاء من الحوارين لقالوا عبارة تناسب أنهم من عند المسيح - عليه السلام -، والله أعلم. ثم لو كانوا رسل المسيح لما قالوا لهم: {إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا} [إبراهيم: 10]. =

5 - وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ - رضي الله عنه - قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - فِي الْمَسْجِدَ عِنْدَ غُرُوب الشَّمسِ فَقَالَ: "يَا أَبَا ذَرٍّ! أَتَدْرِي أَيْنَ تَذْهَبُ الشَّمْسُ؟ " قَالَ: قُلْتُ الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: "تَذْهَبُ تَسْجُدُ تَحْتَ الْعَرْشِ، فَتَسْتَأْذِنَ فَيُؤْذَنَ لهَا، وَيُوشِكُ أَنْ تَسْجُدَ فَلاَ يُقْبَلَ مِنْهَا، وَتَسْتَأْذِنَ فَلاَ يُؤْذَنَ لهَا، فَيُقَالُ لهَا: ارْجِعِي مِنْ حَيْثُ جِئْتِ. فَتَطْلُعُ مِنْ مَغْرِبِهَا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالشَّمْسُ ¬

_ = الثاني: أن أهل أنطاكية آمنوا برسل المسيح إليهم، فكانوا أول مدينة آمنت بالمسيح؛ ولهذا كانت عند النصاري إحدى المدائن الأربعة اللاتي فيهن بتاركةٌ، وهن القدس لأنها بلد المسيح، وأنطاكية؛ لأنها أول بلدة آمنت بالمسيح عن آخر أهلها. والإسكندرية لأن فيها اصطلحوا على اتخاذ البتاركة والمطارنة، والأساقفة، والقساوسة, والشمامسة، والرهابين، ثم رومية لأنها مدينة الملك قسطنطين الذي نصر دينهم وأطده, ولما أبتني القسطنطينية نقلوا البترك من رومية إليها، كما ذكره غير واحد ممن ذكر تواريخهم كسعيد بن بطريق وغيره من أهل الكتاب والمسلمين، فإذا تقرر أن أنطاكية أول قرية آمنت، فأهل هذه القرية قد ذكر الله تعالى أنهم كذبوا رسلهم، وأنه أهلكهم بصيحة واحدة، فأخذتهم، فالله أعلم. الثالث: أن قصة أنطاكية مع الحواريين أصحاب المسيح بعد نزول التوراة، وقد ذكر أبو سعيد الخدري وغير واحد من السلف؛ أن الله تعالى بعد إنزاله التوراة لم يهلك أمة من الأمم عن آخرهم بعذاب يبعثه عليهم، بل أمر المؤمنين بعد ذلك بقتال المشركين، ذكروه عند قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى} [القصص: 43]، فعلى هذا يتعين أن هذه القرية المذكورة في القرآن قرية أخرى غير أنطاكية، كا أطلق ذلك غير واحد من السلف أيضاً. أو تكون أنطاكية إن كان لفظها محفوظاً في هذه القصة، مدينة أخرى غير هذه المشهورة المعروفة, فإن هذه لم يعرف أنها أهلكت لا في الملة النصرانية، ولا قبل ذلك، والله سبحانه وتعالى أعلم.

تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا} الآية. قال: "أَتَدْرُونَ مَتَى ذَالِكُمْ؟ ذَلِكَ حِينَ لاَ يَنْفَعُ نَفْسًا إِيَمانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ. أخرجه الشيخان (¬1) والترمذي (¬2). [صحيح] قوله في حديث أبي ذر: "تسجد تحت العرش": قال الخطابي (¬3): وأما قول الله تعالى: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ} (¬4) فإنه لا يخالف هذا، لأن المذكور في الآية: إنما هو نهاية مدرك البصر إياها حال الغروب، ومصيرها تحت العرش للسجود إنما هو بعد غروبها، وليس معنى قوله: {تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ} أنها تسقط في تلك العين فتغمرها، وإنما هو خبر عن الغاية التي بلغها ذو القرنين في مسيره حتى لم يجد وراءها مسلكاً، فوجد الشمس تتدلى عند غروبها فوق هذه العين، أو على سمت هذه العين، وكذلك يتراءى غروب الشمس لمن في البحر [وهو لا يرى الساحل يرى الشمس كأنها تغيب في البحر] (¬5) وإن كانت حقيقة وراء البحر و (في) ها هنا بمعنى: فوق. أو بمعنى: على، وحروف الصفات تتبدل بعضها مكان بعض. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (3199) وأطرافه: (4802، 4803، 7424، 7433) ومسلم في "صحيحه" رقم (159). (¬2) في "السنن" رقم (2186، 3227). وأخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (19/ 435) والطيالسي رقم (462) وأحمد (5/ 152، 158، 177) والنسائي في الكبرى رقم (11430) وابن حبان رقم (6154) من طريق الأعمش به. وأخرج مسلم رقم (159) وأبو داود رقم (4002) وابن حبان رقم (6153) من طريق إبراهيم التيمي به. (¬3) في "أعلام الحديث" (3/ 1894 - 1895). (¬4) سورة الكهف آية: (86). (¬5) زيادة من (أ).

وقد اختلف المفسرون في هذا المقام: فقال جماعة بظاهر الحديث (¬1)، فعليه أنها إذا غربت كل يوم استقرت تحت العرش إلى أن تطلع. وقال قتادة (¬2): ومقاتل (¬3): بل تجري إلى وقت لها وأجل لا تعداه, وعلى هذا مستقرها انتهاء سيرها، وهو انقضاء الدنيا. وقال الكلبي (¬4): تسير في منازلها حتى تنتهي إلى مستقرها الذي لا تجاوزه، ثم ترجع إلى أول منازلها، واختاره ابن قتيبة. وقال الحافظ ابن حجر (¬5): ظاهر الحديث أن المراد بالاستقرار وقوعه كل يوم وليلة عند سجودها، ومقابل الاستقرار السير الدائم المعبر عنه بالجري والعلم عند الله تعالى. وروى عبد الرزاق (¬6) من [399/ ب] طريق وهب بن جابر عن عبد الله بن عمر في هذه الآية قال: "مستقرها أن تطلع، وتردها ذنوب بني آدم، فإذا غربت سلمت وسجدت واستأذنت، فلا يؤذن لها، فتقول: إن السير بعيد، وإني لا يؤذن لي لا أبلغ، فتحبس ما شاء الله، ثم يقال: "اطلعي من حيث غربت". قوله: "حين لا ينفع نفساً إيمانها ... " الآية. ¬

_ (¬1) انظر: "جامع البيان" (19/ 434 - 435). (¬2) أخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (19/ 435). (¬3) في "تفسيره" (3/ 579 - 580). (¬4) ذكره القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" (15/ 28). (¬5) في "فتح الباري" (8/ 542). (¬6) في "تفسيره" (2/ 142).

(سورة الصافات)

قلت: وبهذا يعرف صحة تفسير بعض آيات ربك في آية الأنعام بطلوع الشمس من مغربها. قوله: "والترمذي": إلا أن لفظه أنه - صلى الله عليه وسلم - قال له: "أتدري أين تذهب؟ " قلت: الله ورسوله أعلم. قال: "فإنها تذهب فتستأذن في السجود، فيؤذن لها، وكأنها قد قيل لها: اطلعي من حيث جئت، فتطلع من مغربها، ثم قرأ: {تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا} " وذلك قراءة عبد الله، ثم قال (¬1): هذا حديث حسن صحيح. (سورة الصافات) 1 - عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ - رضي الله عنه - فِي قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ (77)} قَالَ - صلى الله عليه وسلم -: "حَامٌ، وسَامٌ، وَيَافِثُ، فَسَامٌ أَبُو الْعَرَبِ وَحَام أَبُو الْحَبَشِ، وَيَافِتُ أَبُو الرُّومِ". أخرجه الترمذي (¬2). [ضعيف] قوله في حديث سمرة: "ويافث" في الترمذي بالثاء. ويقال: يافت بالتاء والثاء. ويقال: يفث. [قوله] (¬3): "أخرجه الترمذي": قلت: وقال (¬4): هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث سعيد بن بشير. انتهى. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (5/ 364). (¬2) في "السنن" رقم (3230)، وهو حديث ضعيف. وانظر: "جامع البيان" (19/ 561 - 562). (¬3) زيادة يقتضيها السياق. (¬4) في "السنن" (5/ 365).

قلت: في "التقريب" (¬1): سعيد بن بشير الأزدي أبو عبد الرحمن أو سلمة الشامي أصله من البصرة أو واسط ضعيف. 2 - وَعَن ابْنِ عبَّاس وابْنِ مَسْعود - رضي الله عنهما -: فِيمَا يُذْكَرُ عنهُمَا: أَنَّ إليَاس هُوَ إدريسُ، وكان ابنُ مَسعُود يَقرأَ سَلامٌ علَى إدْرَاسِينَ. أخرجه رزين. قُلْتُ: وأخرج البخاريُّ (¬2) شَطْرَهُ الأول فِي تَرْجَمَتَهِ. [والله أعلم]. قوله في حديث ابن عباس وابن مسعود: "أخرجه رزين": قلت: لم أجده في "الدر المنثور" (¬3) إنما فيه أنه أخرج ابن أبي حاتم (¬4) عن الضحاك أنه قرأ: "سلام على إدراسين": وقال: هو مثل إلياس، ومثل عيسى والمسيح، ومحمد، وأحمد، ¬

_ (¬1) (1/ 92 رقم 130). (¬2) في "تهذيب التهذيب" (3/ 44) ترجمة عبيدة بن ربيعة، حيث قال ابن حجر: عبيدة بن ربيعة كوفي، روى عنه ابن مسعود، وأبو إسحاق السبيعي. ثم قال: وذكره ابن حبان في "الثقات" وقرنه بالذي قبله، كذا البخاري. وقال العجلي: تابعي ثقة. والأثر الذي أخرجه له ابن ماجه عن ابن مسعود، علقه البخاري في أحاديث الأنبياء، فقال: ويذكر عن ابن مسعود: إلياس: هو إدريس. وهو موصول عند عبد بن حميد، والطبري، وابن أبي حاتم من طريق إسرائيل عن عبيدة بن ربيعة هذا، عن ابن مسعود، فهو على شرط المزي في ذكره عبد الرحمن بن فروخ. (¬3) (7/ 117). (¬4) في "تفسيره" (10/ 3225 رقم 18253) عن الضحاك أنه قرأ: (سلام على آل يس). وقال ابن كثير في "تفسيره" (12/ 53 - 54) قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا أبو نعيم، حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق، عن عبيدة بن ربيعة عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: إلياس هو إدريس، وكذا قال الضحاك. =

ويعقوب، وإسرائيل. انتهى. يريد أن إدريس وإلياس اسم لنبي واحد، ولكن الرواية والقراءة (¬1) [400/ ب] للضحاك لا لابن مسعود كما هنا. 3 - وَعَنْ أبَيِّ بْنِ كَعْبٍ - رضي الله عنه - قَالَ: سَأَلْتُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (147)} قَالَ: "يَزيدُونَ عِشْرينَ أَلْفًا". أخرجه الترمذي (¬2). [ضعيف] ¬

_ = • وعلقه البخاري في "صحيحه" رقم (6/ 373 الباب رقم (4) باب: {وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (123) إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ} إلى قوله: {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (78)} [الصافات: 78]. قال ابن عباس يذكر بخبر: {سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ (130)} [الصافات: 130] {إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (80) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (81)} [الصافات: 80، 81] يذكر عن ابن مسعود وابن عباس أن إلياس هو إدريس. قال الحافظ في "الفتح" (6/ 373): قوله: ويذكر عن ابن مسعود وابن عباس: أن إلياس هو إدريس. أما قول ابن مسعود فوصله عبد بن حميد، وابن أبي حاتم بإسناد حسن عنه، قال: إلياس هو إدريس، ويعقوب: هو إسرائيل، وأما قول ابن عباس فوصله جويبر في "تفسيره" عن الضحاك عنه، وإسناده ضعيف، ولهذا لم يجزم البخاري به. (¬1) انظر: "جامع البيان" (19/ 619) و"زاد المسير" (7/ 79). • قرأ ابن مسعود، وقتادة: (إدرسين). وقرأ قتادة (إدريسين) كذا بياء قبل السين. وقرأ ابن مسعود ويحيى الأعمش، والمنهال بن عمرو، وقتادة, وقطرب، والحكم بن عيينة: (على إدراسين). قال العكبري: منسوبون إلى إدريس. انظر "الجامع" لأحكام القرآن (15/ 118) "زاد المسير" (7/ 84) "روح المعاني" (23/ 142) "جامع البيان" (19/ 619). (¬2) في "السنن" رقم (3229)، وهو حديث ضعيف. =

قوله في رواية أبي بن كعب: "أخرجه الترمذي": قلت: وقال (¬1): هذا حديث غريب. 4 - وَعَن ابْن عَبَّاس (¬2) - رضي الله عنهما - فِي قَوْلهِ تَعَالَى: {وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (165)} قَالَ: الْمَلاَئِكَةُ تُصَفُّ عِنْدَ رَبَّهَا تَعَالَى بِالتَّسبيح. أخرجه رزين. قوله في رواية ابن عباس: "أخرجه رزين": قلت: في "الدر المنثور" (¬3) أنه أخرجه ابن أبي شيبة (¬4) ومسلم (¬5) وأبو داود (¬6) والنسائي (¬7) وابن ماجه (¬8) عن جابر بن سمرة قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "ألا تصفون كما ¬

_ = قلت: وأخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (19/ 637)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" (10/ 3230) رقم (18297). (¬1) في "السنن" (5/ 365). (¬2) أخرج ابن جرير في "جامع البيان" (19/ 654) عن ابن عباس قوله: {وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (165)} [الصافات: 165] قال: يعني: الملائكة: {وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ (166)} [الصافات: 166]، قال: الملائكة صافون تسبح لله عز وجل. (¬3) (7/ 135 - 136). (¬4) في "مصنفه" (1/ 353). (¬5) في "صحيحه" رقم (430). (¬6) في "السنن" رقم (661). (¬7) في "السنن" رقم (816). (¬8) في "السنن" رقم (992). قلت: وأخرجه أحمد (5/ 106) وابن خزيمة رقم (1544) وأبو عوانة (2/ 85) وابن حبان رقم (2154) و (2162) وأبو يعلى رقم (7474) و (7481) و (7482) والبيهقي (3/ 101) والبغوي رقم (809) وعبد الرزاق في "مصنفه" رقم (2432)، وهو حديث صحيح.

(سورة ص)

تصف الملائكة عند ربهم؟ " قلنا: وكيف تصف الملائكة عند ربهم؟ قال: "يتمون الصفوف المقدمة يتراصون في الصف". وفيه روايات (¬1) واسعة في الترغيب [115/ أ] في اتصال الصفوف. (سورة ص) 1 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: مَرِضَ أَبُو طَالِبٍ فَجَاءَتْهُ قُرَيْشٌ، وَجَاءَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَعِنْدَ أَبِي طَالِبٍ مَجلِسُ رَجُلٍ، فَقَامَ أَبْو جَهْلٍ كَيْ يَمْنَعَهُ مِنَ الجُلُوْسِ فِيْهِ. قَالَ: وَشَكَوْهُ إِلَى أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي! مَا تُرِيدُ مِنْ قَوْمِكَ؟ قَالَ: "إِنِّي أُرِيدُ مِنْهُمْ كَلِمَةً تَدِينُ لَهُمْ بِهَا الْعَرَبُ، وَيُؤَدِّي إِلَيْهِمُ الْعَجَمُ بِهَا الجزْيَةَ" قَالَ: كَلِمَةً وَاحِدَةً؟ قَالَ: "كَلِمَةً وَاحِدَةً يَا عَمِّ! قُولُوا: لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله" فَقَالُوا: إِلَهًا وَاحِدًا: {مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ (7)} (¬2) قَالَ ¬

_ (¬1) منها: ما أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (723) ومسلم رقم (124/ 433) وأحمد (3/ 177) وأبو يعلى رقم (2997) وابن خزيمة رقم (1543) والطيالسي رقم (1982) وأبو عوانة (2/ 38) و (2/ 38 - 39) وأبو داود رقم (668) وابن ماجه رقم (993) وابن حبان رقم (2171) و (2174) والبيهقي في "السنن الكبرى" (3/ 99 - 100) عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "سووا صفوفكم، فإن تسوية الصف من تمام الصلاة" وهو حديث صحيح. ومنها: ما أخرجه أحمد (4/ 276) ومسلم رقم (128/ 436) والترمذي رقم (227) والنسائي (2/ 89) وأبو داود رقم (663) وابن ماجه رقم (994) عن النعمان بن بشير قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسوي صفوفنا كأنما يسوي به القداح حتى رأى أنا قد عقلنا عنه، ثم خرج يوماً فقام حتى كاد أن يكبر، فرأى رجلاً بادياً صدره من الصف، فقال: "عباد الله لتسون صفوفكم، أو ليخالفن الله بين وجوهكم". وهو حديث صحيح. (¬2) سورة ص آية: (7).

(سورة الزمر)

فَنَزَلتْ {ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (1)} إلى قوله: {إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ (7)}. أخرجه الترمذي (¬1) وصححه. [ضعيف] قوله في حديث ابن عباس: "في الملة الآخرة": هي ملة آبائهم الذين أدركوهم عليها، أو في ملة عيسى التي هي آخر الملل، فإن النصارى يثلثون. قوله: "إلا اختلاق": كذب اختلقه. قوله: أخرجه الترمذي وصححه": قلت: قال (¬2): هذا حديث حسن صحيح. (سورة الزمر) 1 - عَنْ عبد الله بْنِ الزُّبَيْرِ - رضي الله عنهما - قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: {ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ (31)} (¬3) قَالَ الزُّبَيْرُ: يَا رَسُولَ الله! أَتُكَرَّرُ عَلَيْنَا الْخُصُومَةُ بَعْدَ الَّذِي كَانَ بَيْنَنَا فِي الدُّنْيَا؟ قَالَ: "نَعَمْ" قَالَ: إِنَّ الأَمْرَ إِذًا لَشَدِيدٌ. أخرجه الترمذي (¬4) وصححه. [حسن] ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (3232) بسند ضعيف. قلت: وأخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (20/ 20) وأبو يعلى في مسنده رقم (2583) والحاكم (2/ 432) والواحدي في أسباب النزول (ص 275) وابن أبي حاتم في "تفسيره" (10/ 3235) رقم 18326). (¬2) في "السنن" رقم (5/ 365). (¬3) سورة الزمر آية: (31). (¬4) في "السنن" رقم (3236). قلت: وأخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (20/ 201) وأبو نعيم في "الحلية" (1/ 91) والحميدي رقم (60) والبزار في مسنده رقم (964، 965) وأبو يعلى في مسنده رقم (668) والحاكم (2/ 435) وابن أبي حاتم في "تفسيره" (10/ 3250 رقم 18385)، وهو حديث حسن.

قوله في حديث ابن الزبير: "يختصمون": قيل: المراد به الاختصام العام تخاصم الإنس بعضهم بعضاً فيما دار بينهم في الدنيا [401/ ب]. قوله: "أخرجه الترمذي وصححه": وقال (¬1): هذا حديث حسن صحيح. 2 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: أَنَّ قَوْمًا قَتَلُوا فَأَكْثَرُوا، وَزَنَوْا فَأَكْثَرُوا، وَانْتَهَكُوا فَأَكْثَرُوا، فَأَتَوُا رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ! إِنَّ تَدْعُونَا إِلَيْهِ لَحَسَنٌ لَوْ تُخْبِرُنَا أَنَّ لِمَا عَمِلْنَا كَفَّارَةً. فَنَزَلَتْ: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} إِلَى قَوْلِهِ: {فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} (¬2) قَالَ: يُبَدِّلُ الله شِرْكَهُمْ إِيمَانًا، وَزِنَاهُمْ إِحْصَانًا، وَنَزَلَتْ: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ}. أخرجه النسائي (¬3). قوله في حديث ابن عباس: "أن ناساً ... " إلى قوله: "قالوا: يا محمد! ": في رواية الطبري (¬4) من وجه آخر عن ابن عباس أن السائل عن ذلك هو وحشي بن حرب قاتل الحمزة، قال: ونزل قوله: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ} (¬5). في "فتح الباري" (¬6): واستدل بعموم هذه الآية على غفران جميع الذنوب صغيرها وكبيرها سواءً تعلقت بحق الآدميين أم لا، والمشهور عند أهل "السنة" أن الذنوب كلها تغفر ¬

_ (¬1) في"السنن" (5/ 370). (¬2) سورة الفرقان آية: (68 - 70). (¬3) في "السنن" رقم (4003، 4865) وفي "التفسير" (469) قلت: وأخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (4810) ومسلم رقم (122) وأبو داود رقم (4274). (¬4) في "جامع البيان" (20/ 225). (¬5) سورة الزمر آية: (53). (¬6) (8/ 550).

بالتوبة، وأنها تغفر لمن شاء الله، ولو مات من غير توبة، لكن حقوق الآدميين إذا تاب صاحبها من العود إلى شيء من ذلك تنفعه التوبة من العود، وأما خصوص ما وقع منه فلا بد من رده لصاحبه، أو محاللته منه. نعم. في سعة فضل الله أن يعوض صاحب الحق عن حقه، ولا يعذب العاصي بذلك، ويرشد إليه: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}. انتهى. وذكر أنه أخرج أحمد (¬1) والطبراني في "الأوسط" (¬2) من حديث ثوبان قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ما أحب أن لي بهذه الآية الدنيا وما فيها: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا} الآية. فقال رجل: ومن أشرك؟ فسكت ساعة، ثم قال: "ومن أشرك" ثلاث مرات. انتهى. قلت: ولا يخفى أن المراد أنه تعالى يغفر الذنوب جميعاً لمن تاب، ومنها الشرك من تاب منه غفر له، ويدل لهذا قوله عقبها: {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ} الآية، ولأن سبب الآية إنما هو [402/ ب] فيمن أراد التوبة عن الشرك فالمغفرة هنا للتائب، ثم هي مخصوصة بقوله: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} الآية. 3 - وَعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ: {إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} وَلاَ يُبَالِى. أخرجه الترمذي (¬3) وصححه. [ضعيف] قوله في حديث أسماء بنت يزيد: "أخرجه الترمذي وصححه": ¬

_ (¬1) في "المسند" (5/ 275). (¬2) رقم (1890). قلت: وأخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (20/ 229) والبيهقي في "الشعب" رقم (7137) وابن أبي الدنيا في حسن الظن رقم (49). (¬3) في "السنن" رقم (3237)، وهو حديث ضعيف.

قلت: بل قال الترمذي (¬1): هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث ثابت عن شهر بن حوشب. انتهى بلفظه. وشهر قال في "التقريب" (¬2): صدوق كثير الإرسال والأوهام. انتهى. وفي "الميزان" (¬3) قال النسائي وابن عدي: ليس بالقوي، وكان على بيت المال، فأخذ منه دراهم فقال قائل: لقد باع شهر دينه بخريطة ... فمن يأمن القراء بعدك يا شهر وأطال في نقل كلام الأئمة فيه بما يقضي أنه لا يقولون بصحة حديثه، فما أدري كيف نقل المصنف لتصحيحه؟ 4 - وَعَنْ ابْنِ مَسْعُود - رضي الله عنه - قَالَ: جَاءَ حبْرٌ إِلَى النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فقَالَ: يَا مُحَمَّدُ! إِنَّ الله يَضَعُ السَّمَاءَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالأَرْضَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالجبَالَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالشَّجَرَ وَالأَنْهَارَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَسَائِرَ الْخَلْقِ عَلَى إِصْبَعٍ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ، فَضَحِكَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وَقَالَ: " {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} " أخرجه الشيخان (¬4) والترمذي (¬5). [صحيح] قوله في حديث ابن مسعود: "جاء حبر" (¬6): هو بفتح (¬7) الحاء وكسرها: العالم. ¬

_ (¬1) في السن (5/ 370). (¬2) (1/ 355 رقم 112). (¬3) (2/ 283 رقم 3756). (¬4) أخرجه البخاري رقم (4811، 7513) ومسلم رقم (2786). (¬5) في "السنن" رقم (3239). وانظر "جامع البيان" (20/ 247 - 252) تفسير ابن كثير (12/ 147 - 149). (¬6) انظر "فتح الباري" (8/ 550). (¬7) قال النووي في شرحه لـ "صحيح مسلم" (17/ 129) والفتح أفصح، وهو العالم.

قوله: "فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ". أقول: قال النووي (¬1): ظاهر السياق أنه ضحك تصديقاً لقول الحبر بدليل أنه قرأ الآية التي تدل على صدق ما قال الحبر. وقال ابن التين (2): تكلف الخطابي (¬2) في تأويل الأصبع، وبالغ حتى جعل ضحكه - صلى الله عليه وسلم - تعجباً وإنكاراً لما قال الحبر. وقال النووي (¬3) - بعد ذكر ما قدمنا عنه -: والأولى في هذه الأشياء الكف عن التأويل مع اعتقاده التنزيه، فإن كل ما يستلزم البعض من ظاهرها غير مراد. وقال (¬4): لأن قولك يحتمل أن يكون المراد بالأصبع أصبع بعض المخلوقات، وما ورد في بعض [403/ ب] طرقه: "أصابع الرحمن" (¬5) يؤول على القدرة والملك. ¬

_ (¬1) في شرحه لـ "صحيح مسلم" (17/ 129 - 130). (¬2) ذكره الحافظ في "الفتح" (8/ 550). (¬3) في شرحه لـ "صحيح مسلم" (17/ 133). (¬4) أي: ابن فورك كما في "فتح الباري" (8/ 550). (¬5) قال البغوي في "شرح السنة" (1/ 168) بعد ذكر الحديث السابق: والأصبع المذكورة في الحديث صفة من صفات الله عز وجل، وكذلك كل ما جاء به الكتاب أو "السنة" من هذا القبيل من صفات الله تعالى؛ كالنفس، والوجه، والعين، واليد، والرجل، والإتيان، والمجيء، والنزول إلى السماء الدنيا، والاستواء على العرش، والضحك، والفرح. اهـ. وقال ابن قتيبة في "تأويل مختلف الحديث" (ص 245) بعد أن ذكر حديث عبد الله بن عمرو: أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن قلوب بني آدم كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن ... " مسلم رقم (2654). ونحن نقول: إن هذا الحديث صحيح، وإن الذي ذهبوا إليه في تأويل الأصبع لا يشبه الحديث؛ لأنه - عليه السلام - قال في دعائه: "يا مقلب القلوب! ثبت قلبي على دينك" فقالت له إحدى أزواجه: أو تخاف يا رسول الله! على نفسك؟ فقال: "إن قلب المؤمن بين أصبعين من أصابع الله عز وجل"، فإن كان القلب عندهم بين نعمتين من =

قوله: "حتى بدت نواجذه": أي: أنيابه. 5 - وَعَنْ ابْن عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "يَطْوِي الله - عز وجل - السَّمَوَاتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، تُمَّ يَأْخُذُهُنَّ بِيَدِهِ الْيُمْنَى، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ! أَيْنَ الْجَبَّارُونَ؟! أَيْنَ الْمُتكَبِّرُونَ؟! ثُمَّ يَطْوِي الأَرَض بِشِمَالِه؟ ثُمَّ يَقُوُل: "أَنَا الْمَلِكُ، أَيْنَ الْجَبَّارُونَ؟! أَيْنَ الْمُتكَبِّرُونَ؟! ". أخرجه الشيخان (¬1) وأبو داود (¬2)، وهذا لفظ مسلم. [صحيح] ¬

_ = نعم الله تعالى؛ فهو محفوظ بتينك النعمتين؛ فلأي شيء دعا بالتثبيت؟ ولم احتج على المرأة التي قالت له: أتخاف على نفسك؟ بما يؤكد قولها؟ وكان ينبغي أن لا يخاف إذا كان القلب محروساً بنعمتين. فإن قال لنا: ما الإصبع عندك ها هنا؟ قلنا: هو مثل قوله في الحديث الآخر: "يحمل الأرض على أصبع"، وكذا على أصبعين، ولا يجوز أن تكون الأصبع ها هنا نعمة، وكقوله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر: 67]، ولم يجز ذلك. ولا نقول: أصبع كأصابعنا، ولا يد كأيدينا، ولا قبضة كقبضاتنا؛ لأن كل شيء منه عز وجل لا يشبه شيئاً منا. اهـ. انظر "الشريعة" للآجري (ص 316) "التوحيد" لابن خزيمة (1/ 187). (¬1) البخاري في "صحيحه" رقم (7412) دون قوله: "أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ " ومسلم في "صحيحه" رقم (2788). (¬2) في "السنن" رقم (4732). وأخرجه ابن ماجه رقم (198، 4275).

(سورة حم المؤمن)

(سورة حم المؤمن) 1 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ قَرَأَ حم الْمُؤْمِنَ إِلَى قَوْلهِ: {إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3)} وَآيَةَ الْكُرْسِيِّ حِينَ يُمْسِيَ حُفِظَ بِهِمَا حَتَّى يُصْبِحُ، وَمَنْ قَرَأَهُمَا حِينَ يُصْبِحُ حُفِظَ بِهِمَا حَتَّى يُمْسِيَ". أخرجه الترمذي (¬1). [ضعيف] قوله في حديث أبي هريرة: "أخرجه الترمذي": أقول: راجعت الترمذي في بحث "الفضائل" (¬2) وفي بحث التفسير فلم أجد هذا الحديث فيه، ولا وجدته فيه في قراءة القرآن عند النوم، والله أعلم. أو هو موجود في نسخة منه، ولا وجدته في "الجامع" (¬3) لا في التفسير هنا، ولا في الفضائل. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (2879) وهو حديث ضعيف. (¬2) بل هو في فضائل القرآن رقم (2879). وأخرجه ابن كثير في "تفسيره" والدارمي رقم (2389) والبيهقي في "الشعب" رقم (2774) والبغوي في "شرح السنة" (4/ 1198). (¬3) في "الفضائل" (8/ 494 رقم 6274) (ت - أبو هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من قرأ الدخان كلها، وأول حم غافر ... إلى قوله: {إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3)} وآية الكرسي حين يمسي حفظ بها حتى يصبح، ومن قرأها حين يصبح حفظ بها حتى يمسي" أخرجه الترمذي. • ولفضل آية الكرسي شواهد صحيحة. منها: ما أخرجه مسلم في "صحيحه" رقم (810) وأبو داود رقم (1460) وأحمد (5/ 142) عن أبي بن كعب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يا أبا المنذر! أتدري أيُ أية من كتاب الله معك أعظم؟ " قال: قلت: الله ورسوله أعلم، قال: "يا أبا المنذر أي آية من كتاب الله تعالى معك أعظم؟ قلت: الله لا إله إلا هو الحي القيوم" قال: فضرب في صدري وقال: "ليهنك العلم أبا المنذر! " وهو حديث صحيح.

2 - وَعَن الْعَلاَءُ بْنُ زِيَادٍ: أَنَّهُ كَانَ يُذَكِّرُ بِالنَّارِ، فَقَالَ رَجُلٌ: لِمَ تُقَنِّطُ النَّاسَ؟ فَقَالَ: وَأَنَا أَقْدِرُ أَنْ أقنِّطَ النَّاسَ؛ وَالله تَعَالَى يَقُولُ: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} (¬1) وَيَقُولُ: {وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ (43)} (¬2) وَلكِنَّكُمْ تُحِبُّونَ أَنْ تُبَشَّرُوا بِالْجَنَّةِ عَلَى مَسَاوِئِ أَعْمَالِكُمْ، وَإِنَّمَا بَعَثَ الله مُحَمَّدًا مُبَشِّرًا بِالْجَنَّةِ لِمَنْ أَطَاعَهُ، وَمُنْذِرًا بِالنَّارِ مَنْ عَصاهُ. أخرجه البخاري (¬3) معلقاً. قوله: "في حديث العلاء بن زياد": قلت: هو العلاء بن زياد (¬4) البصري تابعي زاهد قليل الحديث. قوله: "يذكر": هو بتشديد الكاف. قوله: "لم": بكسر اللام للاستفهام. قوله: "يقنط": بتشديد النون. قوله في حديث العلاء: "أخرجه "البخاري" معلقاً": قلت: لفظ ابن الأثير (¬5) ذكره "البخاري"، ولم يذكر له إسناداً. انتهى [116/ أ]. قلت: وذلك أنه قال البخاري: وقال العلاء بن زياد ... إلى آخره، وهذا لا يسمى معلقاً، ولا يقال فيه: أخرجه فلو أتى "المصنف" بلفظ ابن الأثير لكان الأولى. ¬

_ (¬1) سورة الزمر آية: (53). (¬2) سورة غافر آية: (43). (¬3) في "صحيحه" رقم (8/ 553 الباب رقم 40). (¬4) قال ابن حجر في "الفتح" (8/ 555): والعلاء هذا هو العلاء بن زياد البصري تابعي زاهد قليل الحديث، وليس له في البخاري ذكر إلا في هذا الموضع، ومات قديماً سنة أربع وتسعين. (¬5) في "جامع الأصول" (2/ 343).

(سورة حم السجدة)

(سورة حم السجدة (¬1)) 1 - عَنْ ابْنِ مَسْعُوْد - رضي الله عنه - قَالَ: اجْتَمَعَ عِنْدَ الْبَيْتِ ثَلاثَةُ نَفَرٍ: ثَقَفِيَّانِ، وَقُرَشِيٌّ، أَوْ قُرَشِيَّانِ وَثَقَفيٌّ، كَثِيرَةٌ شحْمُ بُطُونِهِمْ، قلِيلَةٌ فِقْهُ قُلُوبِهِمْ، فَقَالَ أَحَدُهُمْ: أَتُرَوْن أَنَّ الله تَعَالَى يَسْمَعُ مَا نَقُولُ؟ فَقَالَ الآخَرُ: يَسْمَعُ إِنْ جَهَرْنَا وَلاَ يَسْمَعُ إِنْ أَخْفَيْنَا. وَقَالَ الآخَرُ: إِنْ كَانَ يَسْمَعُ إِذَا جَهَرْنَا فَإِنَّهُ يَسْمَعُ إِذَا أَخْفَيْنَا فَأَنْزَلَ الله تَعَالَى: {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ} (¬2) الآيَةَ. أخرجه الشيخان (¬3) والترمذي (¬4). [صحيح] قوله في حديث ابن مسعود: "أو قرشيان وثقفي": قال [404/ ب] الحافظ في "الفتح" (¬5): الشك من أبي يعمر راويه عن ابن مسعود وهو عبد الله بن سخبرة، وقد أخرجه عبد الرزاق (¬6) بلفظ: "ثقفي وقرشيان" ولم يشك. قوله: "كثير شحم بطونهم": في البخاري (¬7): "كثيرة وقليلة" بزيادة تاء التأنيث. ¬

_ (¬1) أي: فصلت. (¬2) سورة فصلت آية: (22). (¬3) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (4816) وطرفاه (4817، 7521) ومسلم رقم (2775). (¬4) في "السنن" رقم (3248، 3249). وانظر "جامع البيان" (20/ 412 - 415). (¬5) في "فتح الباري" (8/ 562). (¬6) في "تفسيره" (2/ 185). (¬7) في "صحيحه" رقم (4817).

قال الحافظ (¬1): إنه - أي: (¬2) بإضافة بطونهم لشحم، وإضافة قلوب لفقه، وتنوين كثيرة وقليلة، ثم قال فيه - إشارة إلى أن الفطنة قل ما تكون مع البطنة. قال الشافعي (¬3): ما رأيت سميناً عاقلاً إلا محمد بن الحسن. قوله: "إن كان نسمع إذا جهرنا فهو يسمع إذا أخفينا" لفظه في البخاري (¬4): "لئن كان يسمع بعضه لقد سمع كله" أي: لأن نسبة جميع المسموعات إليه واحدة، فالتخصيص تحكم، وهذا يشعر بأن قائل ذلك كان أفطن أصحابه، وأخلق به أن يكون الأخنس بن شريق، لأنه أسلم بعد ذلك، وكذا صفوان بن أمية. قاله في "الفتح" (¬5). 2 - وَعَنْ أَنَسِ - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَرَأَ: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} قَالَ: "قَدْ قَالَ النَّاسُ، ثُمَّ كَفَرَ أَكْثَرُهُمْ، فَمَنْ مَاتَ عَلَيْهَا فَهُوَ مِمَّنِ اسْتَقَامَ". أخرجه الترمذي (¬6). قوله في حديث أنس: "أخرجه الترمذي": ¬

_ (¬1) في "الفتح" (8/ 562). (¬2) قال الحافظ: كذا للأكثر ... (¬3) ذكره الحافظ في "الفتح" (8/ 562). (¬4) في "صحيحه" رقم (4816). (¬5) (8/ 563). (¬6) في "السنن" رقم (3250). قلت: وأخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (20/ 422) والنسائي في "الكبرى" رقم (11406) وابن أبي عاصم في "السنة" رقم (20) وأبو يعلى رقم (3495) وابن عدي في "الكامل" (3/ 1288) من طرق، وهو حديث ضعيف.

قلت: وقال (¬1): هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. سمعت أبا زرعة يقول: روى عفان عن عمرو بن علي حديثاً. انتهى. قلت: يريد أبو زرعة بعمرو بن علي الفلاس، وهو شيخ الترمذي في هذا الحديث، لأنه ساقه عنه. وفي "التقريب" (¬2) أن عمرو بن علي الفلاس ثقة حافظ. انتهى. فلا أدري ما وجه قول أبي زرعة؟ 3 - وَعَن ابْن عَبَّاس - رضي الله عنهما - فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} قَالَ: الصَّبْرُ عِنْدَ الْغَضَبِ، وَالْعَفْوُ عِنْدَ الإِسَاءَةِ، فَإِذَا فَعَلُوهُ عَصَمَهُمُ الله تَعَالَى، وَخَضَعَ لَهُمْ عَدُوُّهُمْ. أخرجه البخاري (¬3) معلقاً. قوله في حديث ابن عباس: "أخرجه البخاري معلقاً": ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (5/ 376 - 377). (¬2) (2/ 75 رقم 740). وانظر "تهذيب التهذيب" (3/ 293 - 294). (¬3) في "صحيحه" رقم (8/ 555 - 556) الباب رقم (41). • وقد وصله ابن جرير في "جامع البيان" (20/ 432) من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [فصلت: 34]، قال: أمر الله المؤمنين بالصبرعند الغضب والحلم والعفو عند الإساءة، فإذا فعلوا ذلك عصمهم الله من الشيطان، وخضع لهم عدوهم، كأنه وليٌ حميم. وعلي بن أبي طلحة لم يسمع من ابن عباس، ووصله ابن جرير في "جامع البيان" (20/ 433) عن عبد الكريم الجزري، عن مجاهد: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [فصلت: 34] قال السلام عليك إذا لقيته. وأخرج أثر مجاهد عبد الرزاق في "تفسيره" (2/ 187) وفي مصنفه رقم (20225) والبيهقي في "شعب الإيمان" رقم (6623) عن معمر به.

(سورة حم عسق)

قلت: لفظ ابن الأثير (¬1) ذكره "البخاري"، ولم يذكر له إسناداً. انتهى. قلت: الذي في "البخاري" بلفظ: وقال ابن عباس ... إلى آخره: لم يعلقه، وقد حققنا لك التعليق بأنه ذكر السند محذوفاً من [405/ ب] أوله شيخ "البخاري" مثلاً، فهذا الحديث لا تعليق فيه أصلاً، فعبارة ابن الأثير أمتن وأحسن، ولا أدي لم يعدل عنها "المصنف" إلى عبارة منتقدة. (سورة حم عسق (¬2)) 1 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ: {إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} فَقَالَ سَعِيدُ ابْنُ جُبَيْرٍ: قُرْبَى آلِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ ابنُ عَبَّاس - رضي الله عنهما -: عَجِلْتَ، إِنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَكُنْ بَطْنٌ مِنْ قُرَيْشٍ إِلاَّ كَانَ لَهُ فِيهِمْ قَرَابَةٌ؛ فَقَالَ: "إِلاَّ أَنْ تَصِلُوا مَا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ مِنَ الْقَرَابَةً". أخرجه البخاري (¬3) والترمذي (¬4). ¬

_ (¬1) في "جامع الأصول" (2/ 345). (¬2) (حمَ عَسَقَ). أي: سورة الشورى. (¬3) في "صحيحه" رقم (4818). (¬4) في "السنن" رقم (3251). قلت: وأخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (20/ 495) والنسائي في "السنن الكبرى" رقم (11474) وابن حبان في "صحيحه" رقم (6262).

(سورة الزخرف)

(سورة الزخرف) 1 - عَنَ ابْن عَبَّاس - رضي الله عنهما - فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً} أي: لَوْلاَ أَنْ جَعَلَ النَّاسَ كُلَّهُمْ كُفَّارًا لَجَعَلْتُ لِبُيُوتِ الْكُفَّارِ سَقْفًا مِنْ فِضَّةٍ، وَمَعَارِجَ مِنْ فِضَّةٍ، وَهْىَ الدَّرَجٌ، وَسُرُرَاً مِن فِضَّةٍ. أخرجه البخاري (¬1) معلقاً. قوله في حديث ابن عباس: "لولا أن أجعل الناس كلهم كفاراً": قال الزمخشري (¬2): فإن قلت: فحين لم يوسع على الكافرين للفتنة التي كانت تؤدي إليها التوسعة عليهم من إطباق الناس على الكفر لمحبتهم للدنيا، وتهالكهم عليها، فهلا وسع عل المسلمين ليطبق الناس على الإسلام؟ قلت: التوسعة عليهم مفسدة أيضاً لما يؤدي إليه من الدخول في الإسلام لأجل الدنيا، والدخول في الدين لأجل الدنيا من دين المنافقين، فكانت الحكمة فيما دُبر حيث جعل في الفريقين أغنياء وفقراء، وغلب الفقر على الغنى. انتهى. قوله: "أخرجه البخاري معلقاً": قلت: في "الجامع" (¬3) ذكره البخاري، ولم يذكر له إسناداً. انتهى. والمصنف كما تراه ينسبه تخريجاً للبخاري، ويصفه بالتعليق، ولم يخرجه ولا علقه بل قال: وقال ابن عباس إلى آخره: هذا لفظه في "صحيحه". ¬

_ (¬1) في "صحيحه" (8/ 565) الباب رقم (43) سورة حم الزخرف). (¬2) في "الكشاف" (5/ 440 - 441). (¬3) في "جامع الأصول" (2/ 347).

(سورة الدخان)

وفي "فتح الباري" (¬1): وصله الطبري (¬2) وابن أبي حاتم (¬3) من طريق علي بن طلحة عن ابن عباس بلفظه. (سورة الدخان) 1 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ قَرَأَ سُوْرَةَ الدُّخَانَ فِي لَيْلَةٍ أَصْبَحَ يَسْتَغْفِرُ لَهُ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ". أخرجه الترمذي (¬4). [موضوع] وقَالَ: أحد رواته ضعيف. قوله: "أخرجه الترمذي، وقال (¬5): أحد رواته ضعيف": أقول: لفظ الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه وعمر (¬6) بن أبي خثعم يضعف. قال محمد: هو منكر الحديث. 2 - وفي رواية له (¬7): "مَنْ قَرَأَ حم الدُّخَانَ فِي لَيْلَة الجُمُعَةِ غُفِرَ لَه". قوله: "وفي رواية له": أي: للترمذي. ¬

_ (¬1) (8/ 56). (¬2) في "جامع البيان" (20/ 587). (¬3) في "تفسيره" (10/ 3282) رقم (18504). وأخرج ابن جرير في "جامع البيان" (20/ 587) عن الحسن في قوله: {وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً} قال: لولا أن يكون الناس كفاراً أجمعون، يميلون إلى الدنيا، لجعل الله تبارك وتعالى الذي قال، ثم قال: والله لقد مالت الدنيا بأكثر أهلها، وما فعل ذلك، فكيف لو فعله. (¬4) في "السنن" رقم (2888) وهو حديث موضوع. (¬5) في "السنن" (5/ 163). (¬6) انظر "ميزان الاعتدال" (3/ 192 رقم 6091، 6101) "تهذيب التهذيب" (3/ 221). (¬7) أي: للترمذي في "السنن" رقم (2889) وهو حديث ضعيف.

أقول: قال عقبها (¬1): هذا حديث [406/ ب] لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وهشام (¬2) أبو المقدام يضعَّف، ولم يسمع الحسن من أبي هريرة، هكذا قال أيوب، ويونس بن عبيد، وعلي بن زيد. انتهى بلفظه. 3 - وَعَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ ابْن مَسْعود - رضي الله عنه - وَهُوَ مُضْطَجِعٌ بَيْنَنَا، فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا أَبَا عبد الرَّحْمَنِ! إِنَّ قَاصًّا يَزْعُمُ أَنَّ آيَةَ الدُّخَانِ تَجِيءُ فتَأْخُذُ بِأَنْفَاسِ الْكُفَّارِ، وَيَأْخُذُ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ كَهَيْئَةِ الزُّكَامِ، فَقَالَ وَجَلَسَ وَهُوَ غَضْبَانُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ! اتَّقُوا الله! مَنْ عَلِمَ مِنْكُمْ شَيْئًا فَلْيَقُلْ بِمَا يَعْلَمُ، وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ فَلْيَقُلِ: الله أَعْلَمُ، فَإِنَّهُ أَعْلَمُ لأَحَدِكُمْ أَنْ يَقُولَ لِمَا لاَ يَعْلَمُ: الله أَعْلَمُ، فَإِنَّ الله تَعَالَى قَالَ لِنَبِيِّهِ عليه الصلاة والسَّلام: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (86)} (¬3) إِنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا رَأَى مِنَ النَّاسِ إِدْبَارًا فَقَالَ: "اللهمَّ! سَبْعٌ كَسَبْعِ يُوسُفَ، فَأَخَذَتْهُمْ سَنَةٌ حَصَّتْ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى أَكَلُوا الْجُلُودَ وَالْمَيْتةَ مِنَ الْجُوعِ، وَيَنْظُرُ أَحَدُهُمْ إِلَى السَّمَاءِ فَيَرَى كَهَيْئَةِ الدُّخَانِ، فَأَتَاهُ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ! إِنَّكَ جِئْتَ تَأْمُرُ النَّاس بِطَاعَةِ الله، وَبِصِلَةِ الرَّحِمِ، وَإِنَّ قَوْمَكَ قَدْ هَلكُوا فَادْعُ الله تَعَالَى لَهُمْ. قَالَ: فَهَذا قولُ الله تَعَالَى: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (10)} إِلَى قَوْلِهِ: {إِنَّكُمْ عَائِدُونَ (15)} (¬4) ¬

_ (¬1) أي الترمذي في "السنن" (5/ 163). (¬2) قال ابن حجر في "التقريب" (2/ 318 رقم 79) هشام بن زياد بن أبي يزيد، وهو هشام بن أبي هشام وأبو المقدام، ويقال له أيضاً: هشام بن أبي الوليد المدني، متروك من السادسة. (¬3) سورة ص آية: (68). (¬4) سورة الدخان آية: (10 - 15).

قَالَ عبد الله - رضي الله عنه -: أَفَيُكْشَفُ عَذابُ الآخِرَةِ؟ {يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ (16)} (¬1) فَالْبَطْشَةُ يَوْمَ بَدْرٍ. أخرجه الشيخان (¬2) والترمذي (¬3). قوله في حديث ابن مسعود: "أن قاصاً": في "النهاية" (¬4): هو الذي يأتي بالقصة على وجهها كأنه يتتبع معانيها وألفاظها. قوله: "من المتكلفين": التكلف (¬5): هو فعل أو قول ما لا مصلحة فيه بمشقة. قوله: "سنة": "السنة" (¬6): القحط والجدب. قوله: "حصت" بالمهملتين أذهبت، والحص (¬7) إذهاب الشعر عن الرأس بحلق ومرض. قوله: "أفيكشف عذاب الآخرة": أقول: استفهام إنكار على من يقول: إن الدخان يكون يوم القيامة. ¬

_ (¬1) سورة الدخان آية: (16). (¬2) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (1007) وأطرافه (1020، 4693، 4767، 4774، 4809، 4820، 4821، 4822، 4823، 4824، 4825)، ومسلم في "صحيحه" رقم (2798). (¬3) في "السنن" رقم (3254). (¬4) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 461). (¬5) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 559). (¬6) "الفائق" للزمخشري (2/ 202) و"المجموع المغيث" (2/ 141). (¬7) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 387).

قال ابن مسعود (¬1): وهو قول باطل؛ لأنه تعالى قال: {إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ (15)} (¬2). ومعلوم أن كشف العذاب وعودهم لا يكون في الآخرة، إنما هو في الدنيا. واعلم أن هذا الذي أنكره ابن مسعود قد جاء عن علي - عليه السلام - فأخرج عبد الرزاق (¬3) وابن أبي حاتم (¬4) من طريق الحارث عن علي - عليه السلام - قال: "آية الدخان لم تمض بعد يأخذ المؤمن كهيئة الزكام، وتنفح الكافر حتى ينفذ". وفي رواية عن الحسن (¬5) بلاغاً عنه - صلى الله عليه وسلم - وفيه: "أن الدخان إذا جاء نفح الكافر حتى يخرج من كل مسمع من مسامعه [407/ ب] ". 4 - وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا مِنْ مُؤْمِنٍ إِلَّا وَلَهُ بَابَانِ: بَابٌ يَصْعَدُ مِنْهُ عَمَلُهُ، وَبَابٌ يَنْزِلُ مِنْهُ رِزْقُهُ، فَإِذَا مَاتَ بَكَيَا عَلَيْهِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ} (¬6). أخرجه الترمذي (¬7). [ضعيف] قوله في حديث أنس: "أخرجه الترمذي": ¬

_ (¬1) انظر تفسير القرآن العظيم لابن كثير (12/ 336) "فتح الباري" (8/ 572). (¬2) سورة الدخان آية: (15). (¬3) في "تفسيره" (2/ 206). (¬4) في "تفسيره" (10/ 3288 رقم 18534). (¬5) أخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (21/ 19) وعزاه السيوطي في "الدر المنثور" (7/ 407) إلى عبد بن حميد وابن جرير. (¬6) سورة الدخان آية: (29). (¬7) في "السنن" رقم (3255) وهو حديث ضعيف.

قلت: وقال (¬1): هذا حديث غريب لا نعرفه مرفوعاً إلا من هذا الوجه، وموسى بن عبيدة، ويزيد بن أبان الرقاشي يضعفان في الحديث. انتهى. 5 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ - رضي الله عنه - في قَوْلِهِ تَعالَى: {كَالْمُهْلِ} قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - "كَعَكَرِ الزَّيْتِ، فَإِذا قَرَّبَهُ إِلَى وَجْهِهِ سَقَطَتْ فَرْوَةُ وَجْهِهِ فِيهِ". أخرجه الترمذي (¬2) [ضعيف] "عَكَرِ الزَّيْتِ" بالتحريك: دُبْسُه (¬3)، ودَرَنَهُ الذي يرسُب في أسْفلِه. "وفروة الوجه" (¬4): جلدته. قوله في حديث أبي سعيد: "أخرجه الترمذي": قلت: وراجعنا الترمذي فلم نجده ذكر حديث أبي سعيد في تفسير سورة الدخان [117/ أ]، بل ذكر في تفسير (¬5) سورة سأل سائل في قوله تعالى: [{يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ] (¬6) كَالْمُهْلِ (8)} فساقه هنالك بلفظه، ثمَّ قال (¬7): هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث رشدين. انتهى بلفظه ولم يسق في سورة سأل سواه، والعجب أن ابن الأثير (¬8) ساقه هنا ولم يأت في سورة سأل بحديث، وتبعه "المصنف". ¬

_ (¬1) في "السنن" (5/ 380). (¬2) في "السنن" رقم (3322) في باب ومن سورة سأل سائل، وفي باب: ما جاء في صفة شراب أهل الجنة رقم (2581، 2584)، وهو حديث ضعيف. (¬3) انظر "النهاية في غريب الحديث" (2/ 243) "المجموع المغيث" (2/ 487). (¬4) قاله ابن الأثير في "جامع الأصول" (2/ 352). (¬5) في "السنن" رقم (3322)، وهو حديث ضعيف. (¬6) زيادة من (أ). (¬7) في "السنن" (5/ 426). (¬8) في "جامع الأصول" (2/ 352 رقم 802).

قوله: "سورة الأحقاف": أقول: سقط تفسير سورة الجاثية وهو ثابت في صحيح البخاري (¬1) وأخرج فيها حديث أبي هريرة في قوله: {وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} فقال: حدثنا الحميدي قال: أنا سفيان قال: حدثني الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: قال الله تبارك وتعالى: "يؤذيني ابن آدم يسب الدهر، وأنا الدهر بيدي الأمر أقلب الليل والنهار" انتهى بلفظه. قال القرطبي (¬2): معناه: يخاطبني مرّ القول ما يتأذَّى به من يجوز في حقه التأذي والله منزه عن أن يصل إليه الأذى، وإنما هو من التوسع في الكلام، والمراد أن من وقع ذلك منه تعرض لسخط الله. قوله: "وأنا الدهر": قال الخطابي (¬3): أنا صاحب الدهر ومدبر الأمور التي ينسبونها إلى الدهر، فمن سب الدهر من أجل أنه فاعل هذه الأمور عاد سبه إلى ربه الذي هو فاعلها، وإنما الدهر زمان جعل ظرفاً لمواقع الأمور، وكانت عادتهم إذا أصابهم مكروه أضافوه إلى الدهر، فقالوا: بؤساً للدهر ذماً له. وقوله: [408/ ب]: "أنا الدهر": قال النووي (¬4): بالرفع في ضبط الأكثرين والمحققين. ويقال: بالنصب على الظرف والرفع الأكثر. ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (4826) وطرفاه في (6171، 7491) وأخرجه مسلم في "صحيحه" رقم (2246). (¬2) في "المفهم" (5/ 547) وانظر "فتح الباري" (8/ 575). (¬3) ذكره الحافظ في "الفتح" (8/ 575). (¬4) في شرح "صحيح مسلم" (15/ 3 - 4).

(سورة حم الأحقاف)

(سورة حم الأحقاف) 1 - عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ قَالَ: كَانَ مَرْوَانُ عَلَى الْحِجَازِ اسْتَعْمَلَهُ مُعَاوِيَةُ - رضي الله عنه -، فَخَطَبَ، فَجَعَلَ يَذْكُرُ يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ، لِكَي يُبَايِعَ لَهُ بَعْدَ أَبِيهِ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ - رضي الله عنهما - شَيْئًا، فَقَالَ: خُذُوهُ. فَدَخَلَ بَيْتَ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ, فَقَالَ مَرْوَانُ: إِنَّ هَذَا الَّذِى أَنْزَلَ الله فِيهِ: {وَالَّذِى قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِى} فَقَالَتْ عَائِشَةُ - رضي الله عنها - مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ: مَا أَنْزَلَ الله فِينَا شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ إِلاَّ ما أَنْزَلَ في سُورَة النُّور مِنْ بَراءتي. أخرجه البخاري (¬1). [صحيح] قوله: "ماهَك" (¬2): بفتح الهاء وكسرها، ويجوز صرفه وعدمه. قوله: "كان مروان": ابن الحكم بن أبي العاص بن أمية. قوله: "على الحجاز": أي: أميراً على المدينة من قبل معاوية. في رواية الإسماعيلي (¬3): أنه أراد معاوية أن يستخلف يزيد فكتب إلى مروان بذلك فجمع [مروان] (¬4) الناس فخطبهم، فذكر يزيد، ودعا إلى بيعته وقال: إن الله أرى أمير المؤمنين في يزيد رأياً حسناً أن يستخلفه، وقد استخلف أبو بكر وعمر. قوله: "فقال له عبد الرحمن بن أبي بكر شيئاً": قال الإسماعيلي (¬5): قال عبد الرحمن: "ما هي إلا هِرَقْلِية". وفي رواية أنه قال: "سنة هرقل وقيصر". ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (4827). (¬2) انظر "التقريب" (2/ 382 رقم 449). (¬3) ذكره الحافظ في "الفتح" (8/ 576). (¬4) زيادة من (أ). (¬5) ذكره الحافظ في "الفتح" (8/ 577).

وفي رواية أنه لما قال مروان: إن يستخلف - يعني: معاوية - فقد استخلف أبو بكر وعمر. فقال عبد الرحمن: "هرقلية إن أبا بكر ما جعلها والله في أحد من ولده، ولا في أهل بيته، وما جعلها معاوية إلا كرامة لولده". قوله: "فقال مروان: إن هذا الذي أنزل الله فيه": أقول: قد اختلف فيمن نزلت الآية، وذكر في "الفتح" (¬1) روايات، ورجح قول عائشة: "إنها لم تنزل في عبد الرحمن" (¬2) لأن إسناده أصح. قال الحافظ (¬3): وقد [شعب بعض] (¬4) وقال: هذا يدلّ على أن قوله تعالى: {ثَانِيَ اثْنَيْنِ} (¬5) ليس هو أبا بكر. قال: وليس كما فهم هذا الرافضي، بل المراد بقول عائشة: "فينا" أي: في بني أبي بكر. انتهى. قلت: ومعلوم أنها إنما تريد أنه يذم بها آل أبي بكر كما قاله مروان. ¬

_ (¬1) في "فتح الباري" (8/ 577). (¬2) انظر "جامع البيان" (21/ 144 - 145) تفسير القرآن العظيم (13/ 19 - 22). (¬3) في "فتح الباري" (8/ 577). (¬4) كذا في المخطوط، والذي في "الفتح" شغب بعض الرافضة. قال ابن كثير في "تفسيره" (13/ 18): لما ذكر تعالى حال الداعين للوالدين البارين بهما وما لهم عنده من الفوز والنجاة، عطف بحال الأشقياء العاقين للوالدين فقال: {وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا} [الأحقاف: 17]، وهذا عام في كل من قال هذا، ومن زعم أنها نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر فقوله: ضعيف، لأن عبد الرحمن ابن أبي بكر أسلم بعد ذلك وحسن إسلامه، وكان من خيار أهل زمانه. وانظر "جامع البيان" (21/ 144) "فتح الباري" (8/ 577). (¬5) سورة التوبة آية: (40).

وقوله: "أف لكما": قال ابن الأثير (¬1): أي: صوت إذا صوت به الإنسان علم أنه متضجر، واللام في "لكما" للبيان ومعناه هذا التأفيف [409/ ب] خاصة دون غيركما، والمعنى الكراهية. 2 - وعَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: قُلْتُ لابْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه -: هَلْ صَحِبَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْكُمْ أحَدٌ لَيْلَةَ الجِنِّ؟ قَالَ: مَا صَحِبَهُ أَحَدٌ مِنَّا، وَلَكِنْ كُنَّا مَعَهُ ذَاتَ لَيْلَةٍ ففقَدْنَاهُ فالتمسناه في الأوْدِيَة والشِّعابِ، فَقُلْنَا: اسْتُطِيرَ أَوِ اغْتِيلَ؟ فَبِتْنَا بِشَرِّ لَيْلَةٍ بَاتَ بِهَا قَوْمٌ، حَتَّى إِذَا أَصْبَحْنَا فَإِذَا هُوَ جَاء مِنْ قِبَلِ حِرَاءَ فَقُلْنَا: يا رسول الله! فَقَدْنَاكَ فَطَلَبْنَاكَ فَلَمْ نَجِدْكَ فَبِتْنَا بِشَرِّ لَيْلَةٍ باتَ بِها قَوْمٌ، فَقَالَ: "أَتَانِي دَاعِي الْجِنِّ، فَذَهَبْتُ مَعَهُ فَقَرَأْتُ عَلَيْهِمْ الْقرْآنَ" قَالَ: فَانْطَلَقَ بِنَا فَأَرَانَا آثَارَهُمْ وَآثَارَ نِيرَانِهِمْ، وَسَأَلُوهُ الزَّادَ فَقَالَ: "كُلُّ عَظْمٍ ذُكَرُ اسْمُ الله تَعَالَى عَلَيْهِ يَقَعُ فِي أَيْدِيكُمْ أَوْفَرَ مَا يَكُونُ لَحْمًا، وَكُلُّ بَعْرَةٍ أَوْ رَوْثَةٍ عَلَفٌ لِدَوَابِّكُمْ". فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: "فَلَا تَسْتَنْجُوا بِهِمَا، فَإِنَّهُمَا طَعَامُ إِخْوَانِكُمْ". أخرجه مسلم (¬2) وأبو داود (¬3) والترمذي (¬4). [صحيح] قوله في حديث علقمة عن ابن مسعود: "استطير": استفعل (¬5) من الطيران كأنه أخذ شيء وطار به. قوله: "اغتيل" (¬6): بالغين المعجمة فمثناة فوقية فتحتيه أخذ غيلة، والاغتيال: الاحتيال. ¬

_ (¬1) في"جامع الأصول" (2/ 353)، وانظر: "مفردات ألفاظ القرآن" للأصفهاني (ص 79). (¬2) في "صحيحه" رقم (450). (¬3) في "السنن" رقم (85). (¬4) في "السنن" رقم (3258). (¬5) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 134). (¬6) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 335).

(سورة الفتح)

قوله: "من قبل حِراء" بالمهملة مكسورة فراء فمد: جبل من جبال مكة معروف، ومنهم من يؤنثه ولا يصرفه. قال الخطابي (¬1): كثير من المحدثين يغلطون فيه, فيفتحون حاءه، ويقصرونه ويميلونه، ولا تجوز إمالته، لأن الراء قبل الألف مفتوحة كما لا يجوز إمالة راء سدوراً. قاله في "النهاية" (¬2). قال النووي (¬3): بينه وبين مكة نحو ثلاثة أميال إذا سرت إلى منى. قوله: "وآثار نيرانهم": قال الشعبي (¬4): وكانوا من الجزيرة. قوله: "والترمذي": قلت: وقال (¬5): حسن صحيح. (سورة الفتح) 1 - وَعَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - قَال: نزلَ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} (¬6) مَرْجِعَهُ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ. فالفتح المبين هُوَ فَتْحَ الحديبية. فَقالُوا: هَنِيئًا مَرِيئًا يا رسولَ الله! لَقَد بَيَّنَ الله تَعالَى لَكَ مَاذَا يُفْعَلُ بِكَ، فَمَاذَا يُفْعَلُ بِنَا؟ ¬

_ (¬1) في "غريب الحديث" (3/ 240). (¬2) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 368). (¬3) في شرحه لـ "صحيح مسلم" (2/ 198). (¬4) قال النووي في شرحه لـ "صحيح مسلم" (4/ 170) قال الدارقطني: انتهى حديث ابن مسعود عند قوله: فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم، وما بعده من قوله الشعبي كذا رواه أصحاب داود الراوي عن الشعبي، وابن علية, وابن زريع، وابن أبي زائدة, وابن إدريس وغيرهم. (¬5) في "السنن" (5/ 383). (¬6) سورة الفتح آية: (1 - 2).

فَنَزَلَتْ عَلَيْهِ: {لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} (¬1) الآية. أخرجه الشيخان (¬2) والترمذي (¬3). [صحيح] قوله في حديث أنس: "هو فتح الحديبية": قلت: وهو قول الأكثرين، ومعنى الفتح: فتح المتغلق، والصلح مع المشركين قبل الحديبية (¬4) كان متعذراً حتى فتحه الله - عز وجل -. قال الزهري: لم يكن فتح أعظم من صلح الحديبية، وذلك أن المشركين اختلطوا بالمسلمين، فسمعوا كلامهم، فتمكن الإسلام في قلوبهم، وأسلم في ثلاث سنين خلق كثير، وكثر بهم سواد الإسلام. قوله: "والترمذي": قلت: وقال (¬5): حسن صحيح. وزاد في روايته: "إنهما لما أنزلت: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ} الآية. فقال: "لقد أنزلت [410/ ب] علي آية أحب إلي مما على الأرض" فقرأها عليهم فقالوا: هنيئاً ... إلى آخره. 2 - وَعَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ ثَمَانِينَ رَجُلًا نَزَلُوا عَلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - مِنْ جَبَلِ التَّنْعِيمِ عِنْدَ صَلاَةِ الصُّبْحِ يُرِيدُونَ قتلهُ، فَأُخِذُوا، فَأَعْتَقَهُمْ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فَنزَلَت: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ ¬

_ (¬1) سورة الفتح آية: (5). (¬2) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (4172) وطرفه (4834) ومسلم في "صحيحه" رقم (1786). (¬3) في "السنن" رقم (3263). (¬4) قال الحافظ في "الفتح" (8/ 584) وسمي ما وقع في الحديبية فتحاً؛ لأنه كان مقدمة "الفتح" وأول أسبابه. (¬5) في "السنن" رقم (5/ 386).

أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ} (¬1) الآيَةَ. أخرجه مسلم (¬2) وأبو داود (¬3) والترمذي (¬4). [صحيح] قوله في حديث أنس: "أن ثمانين رجلاً": قلت: زاد في "الجامع" (¬5) من أهل مكة. قوله: "من جبل التنعيم": أقول: زاد ابن الأثير (6): "مسلمين" [118/ أ] وقال (6) في غريبه: أي: معهم سلاح. قوله: "يريدون قتله" لفظ "الجامع" (6) يريدون غرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال في "الغريب" (¬6): الغرة: الغفلة، وهي بكسر الغين المعجمة وتشديد الراء. قوله: "فأخذوا" لفظ "الجامع" (¬7): "فأخذهم سلماً" وقال في "الغريب" (¬8): السِلم. بكسر السين وفتحها: الصلح، وهو المراد في الحديث على ما فسره الحميدي (¬9) في غريبه. وقال الخطابي (¬10): يريد السلم بفتح السين واللام يريد الاستسلام والإذعان. ¬

_ (¬1) سورة الفتح آية: (24). (¬2) في "صحيحه" رقم (1808). (¬3) في "السنن" رقم (2688). (¬4) في "السنن" رقم (3264). (¬5) (2/ 359). (¬6) في "جامع الأصول" (2/ 359). (¬7) (2/ 359). (¬8) ابن الأثير في "جامع الأصول" (2/ 359). (¬9) في تفسير غريب ما في الصحيحين (73/ 444). (¬10) في "غريب الحديث" (1/ 214).

قال (¬1): والذي ذهب إليه الخطابي هو الأشبه بالقضية، فإنهم لم يؤخذوا عن صلح إنما أخذوا قهراً. قوله: "أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي": قلت: ورواية المصنف هي لفظ الترمذي، ثم قال: وأخرجه أبو داود بنحو من مجموع الروايتين، فكان على "المصنف" أن يقول: واللفظ للترمذي. 3 - وعَن أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - في قَوْلِهِ تَعالَى: {وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى} قالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لا إِلَهَ إِلاَّ الله" أخرجه الترمذي (¬2). [صحيح] قوله في حديث أبي بن كعب: "أخرجه الترمذي": قلت: وقال (¬3): هذا حديث غريب لا نعرفه مرفوعاً إلا من رواية الحسن بن قزعة، وسألت أبا زرعة عن هذا الحديث فلم يعرفه مرفوعاً إلا من هذا الوجه. انتهى كلامه. قلت: في "التقريب" (¬4): الحسن بن قزعة الهاشمي مولاهم البصري صدوق. [استدراك الإمام على ما أهمله ابن الأثير والمصنف من تفسير سورة محمَّد - صلى الله عليه وسلم -] (¬5). ¬

_ (¬1) ابن الأثير في "جامع الأصول" (2/ 360). (¬2) في "السنن" رقم 3265)، وهو حديث صحيح. وانظر "جامع البيان" (21/ 310). (¬3) أي: الترمذي في "السنن" (5/ 386). (¬4) (1/ 170 رقم 311). (¬5) ما بين الحاصرتين زيادة من هامش (ب) والصواب: تقديم هذا الاستدراك من سورة محمَّد قبل سورة "الفتح".

واعلم أني لا أدري ما وجه إسقاط ابن الأثير، ثم "المصنف" لتفسير سورة محمَّد - صلى الله عليه وسلم - مع ثبوته في البخاري وفي الترمذي، وسرد "البخاري" في تفسيرها [411/ ب]، ثلاثة أحاديث [مرفوعة] (¬1). الأول: عن أبي هريرة (¬2) عنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "خلق الله الخلق، فلما فرغ منه قامت الرحم فأخذت بحقو الرحمن، فقال: مَهْ. قالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة قال: ألا ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى يا رب! قال: فذلك لك" قال أبو هريرة: اقرءوا إن شئتم: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22)} (¬3). الحديث الثاني (¬4) عنه بهذا، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اقرءوا إن شئتم: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ} ". والثالث (¬5): مثله عن أبي هريرة. ¬

_ (¬1) في (أ) مرفوعاً. (¬2) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (4830) وفي "الأدب" رقم (50) ومسلم رقم (2554) وابن جرير في "جامع البيان" (21/ 214) والبغوي في "شرح السنة" رقم (3431) والنسائي في "السنن الكبرى" رقم (11497) وابن حبان في "صحيحه" رقم (441) والحاكم (4/ 162) والبيهقي في "الشعب" رقم (7934) وفي "السنن الكبرى" رقم (11497). (¬3) سورة محمد الآية: (22). (¬4) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (4831). (¬5) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (4832).

والاستشهاد بالآية ظاهرة في الأول أنه موقوف (¬1)، وفي الآخرين أنه مرفوع، فهذا ما في "البخاري" من تفسير سورة محمد - صلى الله عليه وسلم -. وأخرج الترمذي في تفسيرها ثلاثة أحاديث أيضاً: الأول: من حديث أبي هريرة (¬2) في قوله: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} (¬3) فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إني لأستغفر الله في اليوم سبعين مرة" قال (¬4): هذا حديث حسن صحيح. قال: ويروى عن أبي هريرة عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة". [و] (¬5) الثاني: عنه (¬6) أيضاً قال: تلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ (38)} (¬7) قالوا: ومن يستبدل بنا؟ قال: فضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على منكب سلمان قال: "هذا وقومه، هذا وقومه"، ثم قال (¬8): هذا حديث غريب، وفي إسناده مقال، وقد روى عبد الله بن جعفر هذا الحديث عن العلاء بن عبد الرحمن، ثم ساق الثالث. ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (8/ 580 - 581). (¬2) في "السنن" رقم (3259)، قلت: وأخرجه البخاري رقم (6307). (¬3) سورة محمد آية: (19). (¬4) أي: الترمذي في "السنن" (5/ 383). (¬5) زيادة من (ب). (¬6) أخرجه الترمذي في "السنن" رقم (3360) وهو حديث ضعيف. (¬7) سورة محمد آية: (38). (¬8) في "السنن" (5/ 383).

(سورة الحجرات)

وهو حديث (¬1) عبد الله بن جعفر بن نجيح الذي أشار إليه [412/ ب] ولفظه كالذي قبله إلا أنه قال: "هذا وأصحابه" عوض قوله: "قومه" في الأول، ثم زاد فيه: "والذي نفسي بيده! لو كان الإيمان منوطاً بالثريا لتناوله رجال من فارس". قال الترمذي (¬2): عبد الله بن جعفر بن نجيح هو والد علي بن المديني. انتهى. قلت: في "التقريب" (¬3): عبد الله بن جعفر بن نجيح السعدي مولاهم أبو جعفر المديني والد علي بصري أصله من المدينة ضعيف. انتهى. (سورة الحجرات) بضمتين جمع الحجرة، والمراد بيوت أزواجه - صلى الله عليه وسلم -. 1 - عَنْ عبد الله بْنِ الزُّبَيْرِ - رضي الله عنهما - قَالَ: قَدِمَ رَكْبٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ عَلَى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ - رضي الله عنه -: أَمِّرِ الْقَعْقاعَ بْنَ مَعْبَدٍ بِن زُرَارَةَ؛ وَقالَ عُمَرُ - رضي الله عنه -: أَمِّرِ الأَقْرَعَ بْنَ حابِسٍ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا أَرَدْتَ إِلاَّ خِلاَفِي. وَقَالَ عُمَرُ: ما أَرَدْتُ خِلاَفَكَ. فَتَزريَا حَتَّى ارْتَفَعَتْ أَصْواتُهُمَا، ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي في "السنن" رقم (3260)، وهو حديث ضعيف. • والصحيح ما أخرجه البخاري رقم (4897) ومسلم رقم (2546) والترمذي رقم (3310) و (3933) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: كنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين أنزلت سورة الجمعة فتلاها، فلما بلغ: {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ} [الجمعة: 3] قال له رجل: يا رسول الله! من هؤلاء الذين لم يلحقوا بنا؟ فلم يكلمه، قال: وسلمان الفارسي فينا، قال: فوضع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يده على سلمان فقال: والذي نفسي بيده! لو كان الإيمان بالثريا لتناوله رجال من هؤلاء". (¬2) في "السنن" (5/ 384). (¬3) (2/ 406 رقم 232).

فَنَزَلَ قولُهُ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} إلى قوله: {لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ} (¬1) حتى انقضت. أخرجه البخاري (¬2) والترمذي (¬3) والنسائي (¬4). [صحيح] قوله: "ما أردت إلا خلافي، قال: ما أردت خلافك فتماريا": أي: تجادلاً. قال ابن أبي مليكة (¬5): كاد الخيران أن يهلكا أبو بكر وعمر رفعا أصواتهما عنده - صلى الله عليه وسلم -. قال ابن الزبير: كان عمر بعد نزول الآية لا يسمع النبي - صلى الله عليه وسلم - كلامه حتى يستفهمه. وأبى أبو بكر أن يكلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا كأخي السرار (¬6). قوله: "أخرجه البخاري والترمذي والنسائي": ¬

_ (¬1) سورة الحجرات آية: (2). (¬2) في "صحيحه" رقم (4367، 4845). (¬3) في "السنن" رقم (3266). (¬4) في "السنن" رقم (5386). (¬5) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (4845). (¬6) قال الحافظ في "الفتح" (8/ 591): في رواية وكيع في الاعتصام: فكان عمر بعد ذلك إذا حدث النبي - صلى الله عليه وسلم - بحديث حدثه كأخي السرار لم يسمعه حتى يستفهمه. قلت: وقد أخرج ابن المنذر من طريق محمَّد بن عمرو بن علقمة أن أبا بكر الصديق قال مثل ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وهذا مرسل. وقد أخرجه الحاكم موصولاً من حديث أبي هريرة نحوه. وأخرجه ابن مردويه من طريق طارق بن شهاب عن أبي بكر قال: لما نزلت لا ترفعوا أصواتكم الآية قال أبو بكر: قلت: يا رسول الله! آليت ألا أكلمك إلا كأخي السرار.

قلت: قال الترمذي (¬1): هذا حديث غريب حسن، وقد رواه بعضهم عن ابن أبي مليكة مرسلاً، ولم يذكر فيه عن عبد الله بن الزبير. 2 - وعَنِ الْبَراءِ بْنِ عازِبٍ - رضي الله عنه - في قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (4)} قالَ: فَقامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يا رَسُولَ الله! إِنَّ حَمْدِي زَيْنٌ، وَذَمِّي شَيْنٌ فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "ذاكَ الله - عز وجل -". أخرجه الترمذي (¬2). [صحيح] قوله في حديث البراء: "قال قام رجل": هو الأقرع بن حابس. قوله: "أخرجه الترمذي": قلت: وقال (¬3): هذا حديث حسن غريب. 3 - وَعَنْ أَبِي نَضْرَةَ قالَ: قَرَأَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ - رضي الله عنه -: {وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ} قَالَ: هَذَا نَبِيُّكُمْ - صلى الله عليه وسلم - يُوحَى إِلَيْهِ، وَخِيارُ أَئِمَّتِكُمْ لَوْ أَطاعَهُمْ في كَثِيرٍ مِنَ الأَمْرِ لَعَنِتُوا، فكَيْفَ بِكُمُ الْيَوْمَ. أخرجه الترمذي (¬4) وصححه. [صحيح] ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (5/ 387). (¬2) في "السنن" رقم (3267). قلت: وأخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (21/ 345) والنسائي في "السنن الكبرى" رقم (11515) وعزاه السيوطي في "الدر المنثور" (7/ 547) إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم، وهو حديث صحيح. (¬3) أي: الترمذي في "السنن" (5/ 388). (¬4) "السنن" رقم (3269) وهو حديث صحيح.

قوله: "عن أبي نضرة" (¬1): بالنون [413/ ب] والضاد المعجمة اسمه: المنذر بن مالك بن قطعة بكسر القاف وسكون الطاء وفتح المهملة. ثم قوله: "أخرجه الترمذي وصححه": قلت: قال (¬2): هذا حديث غريب حسن صحيح. قال علي بن المديني: سألت يحيى بن سعيد القطان عن المستمر (¬3) بن الريان؟ فقال: ثقة. انتهى. 4 - وَعَن أَبِي جُبَيْرَةَ بْنُ الضَّحَّاكِ - رضي الله عنه - قَالَ: فِينَا بَنِي سَلمَة نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: قَدِمَ عَلَيْنَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، وَلَيْسَ مِنَّا رَجُلٌ إِلَّا وَلَهُ اسْمانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ، فَجَعَلَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "يا فُلاَنُ". فَيَقُوُلونَ لَهه: مَهْ يا رَسُولَ الله! إِنَّهُ يَغْضَبُ مِنْ هَذا الِاسْمِ فَأُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيةُ: {وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ} (¬4) أخرجه أبو داود (¬5) والترمذي (¬6). [صحيح] ¬

_ (¬1) انظر "التقريب" (2/ 275 رقم 1372). (¬2) أي: الترمذي في "السنن" رقم (5/ 389). (¬3) قال ابن حجر في "التقريب": (2/ 241 رقم 1045): المستمر بن الريان بالتحتانية الإيادي الزهراني أبو عبد الله البصري ثقة عابد من السادسة. (¬4) سورة الحجرات آية: (11). (¬5) في "السنن" رقم (4962). (¬6) في "السنن" بإثر الحديث (3268). قلت: وأخرج ابن ماجه رقم (3741) وابن جرير في "جامع البيان" (21/ 368) والنسائي في "الكبرى" رقم (11516) وابن حبان رقم (5709) والبخاري في "الأدب" رقم (330) والطبراني في "الكبير" (ج 22 رقم 968) والبيهقي في "الشعب" رقم (6747) والواحدي في "أسباب النزول" (ص 295). وهو حديث صحيح.

قوله: "وعن أبي جبيرة": بفتح الجيم فموحدة فمثناة تحتيه وهو ابن الضحاك (¬1) الأنصاري المدني صحابي. وقيل: لا صحبة له. قوله: "أخرجه الترمذي": قلت: وقال (¬2): هذا حديث حسن. 5 - وَعَنِ ابْنِ عَبّاسِ - رضي الله عنهما - في قوله تعالى: {وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} (¬3) قالَ الشُّعُوبُ: الْقَبائِلُ الْعِظامُ، والْقَبائِلُ: الْبُطُونُ. أخرجه البخاري (¬4). [صحيح] قوله في حديث ابن عباس: "الشعوب: القبائل الكبار": أقول: الشعوب (¬5): جمع: شعب بفتح الشين، وهم رؤوس القبائل، مثل ربيعة، ومضر، والأوس، والخزرج، سموا [119/ أ] شعوباً لتشبعهم واجتماعهم كشعب أغصان الشجرة. والقبائل: دون الشعوب واحدها: قبيلة. ودون القبائل العمائر واحدتها: عمارة بفتح العين، ودون العمائر البطون، واحدهم: بطن، وهم كبني غالب، ولؤي قريش، ودون البطون الأفخاذ واحدتها: فخذ، وهم كبني هاشم، وأمية من بني لؤي، ثم الفصائل، والعشائر، وليس بعد العشيرة حي يوصف. ¬

_ (¬1) قال ابن حجر في "التقريب" (2/ 405 رقم 4). (¬2) في "السنن" (5/ 388). (¬3) سورة الحجرات آية: (13). (¬4) في "صحيحه" رقم (3489). وانظر "جامع البيان" (210/ 384 - 385). (¬5) انظر "فتح الباري" (6/ 528).

(سورة ق)

قوله: "أخرجه البخاري": قلت: هكذا في "الجامع" الكبير, وبحثت البخاري (¬1) في تفسير سورة الحجرات فلم أجده فيه، وكأنه ذكر في محل آخر فينظر. (سورة ق) 1 - وَعَن ابْنُ عَبّاسٍ - رضي الله عنهما - في قولهِ تَعالَى: {وَأَدْبَارَ السُّجُودِ (40)} (¬2)، قَالَ: أَمَرَهُ أَنْ يُسَبِّحَ في أدْبَارِ الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا. أخرجه البخاري (¬3). [صحيح] قلت: في البخاري في تفسيرها خمسة أحاديث [414/ ب] لا أدري لم أقتصر صاحب ["الجامع"] (¬4) والمصنف على رواية ابن عباس هذه الموقوفة في التسبيح عقب الصلوات. (سورة والذاريات) 1 - عَنْ أَنَسٍ في قَوْلِهِ تَعالَى: {كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17)} (¬5) قَالَ: كَانُوا يُصلُّونَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ والْعِشاءِ. أخرجه أبو داود (¬6). [صحيح] ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (3489) في كتاب أحاديث الأنبياء. (¬2) سورة ق آية: (40). (¬3) في "صحيحه" رقم (4852). وأخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (21/ 473) وابن أبي حاتم في "تفسيره" (10/ 3310) رقم (18646) وابن نصر في مختصر قيام الليل (ص 86). (¬4) زيادة من (أ). (¬5) سورة الذاريات آية: (17). (¬6) في "السنن" رقم (1221) و (1322) وهو حديث صحيح.

(سورة والطور)

وزاد (¬1) في رواية: وَكَذَلِكَ تَتَجافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ. فيها حديث موقوف على أنس. (سورة والطور) 1 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّهُ رَأَى الْبَيْتَ الْمَعْمُورَ يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ. أخرجه البخاري (¬2). [صحيح] قوله في حديث أبي هريرة: "في البيت المعمور ... أخرجه البخاري": لم أجده فيه في تفسير والطور هنا، نعم هو ثابت في حديث الإسراء أنه يدخله سبعون ألف ملك بزيادة: "ثم لا يعودون". 2 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِدْبَارُ النُّجُومِ الرَّكْعَتَانِ قَبْلَ الْفَجْرِ، وَإِدْبَارُ السُّجُودِ الرَّكْعَتَانِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ". أخرجه الترمذي (¬3). [ضعيف] قوله: "وعن ابن عباس ... أخرجه الترمذي": أقول: وقال عقيب (¬4) إخراجه: هذا حديث غريب لا نعرفه مرفوعاً إلا من هذا الوجه في حديث محمَّد بن فُضَيل عن رشدين بن كريب، سألت محمَّد بن إسماعيل عن محمَّد ورشدين ابني كريب أيهما أوثق؟ قال: ما أقربهما ومحمد عندي أرجح، وسألت عبد الله بن عبد الرحمن عن هذا؟ فقال: ما أقربهما ورشدين بن كريب أرجحهما عندي (¬5). انتهى بلفظه. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (1322) وهو حديث صحيح. (¬2) في "صحيحه" رقم (2207) وأطرافه في (3393، 3430، 3887). (¬3) في "السنن" رقم (3275)، وهو حديث ضعيف. (¬4) في "السنن" رقم (5/ 393). (¬5) وتمام العبارة قال: والقول عندي ما قال أبو محمَّد، ورشدين أرجح من محمَّد وأقدم، وقد أدرك رشدين ابن عباس ورآه.

(سورة النجم)

(سورة النجم) 1 - عَن ابن مَسْعود - رضي الله عنه -: في قَوْلِهِ تَعالَى: {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9)} وفِي قَوْلِهِ: {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11)} وفِي قَوْلِهِ: {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (18)} قَالَ: فِيْهَا كُلّهَا: رَأى جبْرِيلَ - عليه السلام - لَهُ سِتْمائِة جَناح. أخرجه الشيخان (¬1) والترمذي (¬2). [صحيح] 2 - وفي رواية مسلم (¬3) - رحمه الله -: رَأَى جِبْرِيلَ في صُورَتِهِ. 3 - وفي رواية الترمذي (¬4) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: رَأَى مُحَمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم - رَبَّهُ, قَالَ عِكْرِمَة: قُلْتُ: أَليْسَ يَقُولُ الله تَعالَى: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} (¬5) قالَ: وَيْحَكَ! ذاكَ إِذا تَجَلَّى بِنُورِهِ الَّذِي هُوَ نُورُهُ, وَقَدْ رَأَى رَبَّهُ تَعالَى مَرَّتَيْنِ. [ضعيف] قوله في حديث ابن مسعود: "رأى جبريل": قال في "الفتح" (¬6): إن ابن مسعود كان يذهب في ذلك إلى أن الذي رآه النبي - صلى الله عليه وسلم -[415/ ب] هو جبريل كما ذهبت إلى ذلك عائشة - رضي الله عنها -، والتقدير على رأيه: فأوحى جبريل إلى عبده عبد الله محمَّد لأنه يرى أن الذي دنى [منه] (¬7) فتدلى هو جبريل، وأنه هو الذي أوحى إلى محمَّد، وكلام أكثر المفسرين من السلف إلى أن الذي أوحى هو الله أوحى إلى عبده محمَّد. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (3232) ورقم (4856، 4857) ومسلم رقم (174). (¬2) في "السنن" رقم (3277). (¬3) في "صحيحه" رقم (175). (¬4) في "السنن" رقم (3279) وهو حديث ضعيف. (¬5) سورة الأنعام آية: (103). (¬6) في "فتح الباري" (8/ 610 - 611). (¬7) زيادة من (ب).

قوله: "له ستمائة جناح": زاد في رواية (¬1) النسائي: "تناثر من ريشه التهاويل (¬2) من الدار والياقوت". قوله: "لقد رأى من آيات ربه الكبرى": أخرج النسائي وغيره عن ابن مسعود قال: "أبصر نبي الله - صلى الله عليه وسلم - جبريل على رفرف أخضر قد ملأ بين السماء والأرض". وفي رواية عند أحمد (¬3) والترمذي (¬4) وصححها: "رأى جبريل في حلة من رفرف"، والرفرف (¬5): ما كان من الديباج رقيقاً حسن الصنعة. قوله: "قال عكرمة: أليس يقول الله: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} (¬6) ". أقول: الذي في البخاري (¬7) أن مسروقاً قال لعائشة: يا أمتاه! هل رأى محمَّد ربه؟ فقالت: "لقد وقف شعري مما قلت - ثم قالت -: من حدثك أن محمداً رأى ربه فقد كَذِبْ" ثم قرأت: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ}. ¬

_ (¬1) في "السنن الكبرى" رقم (11478). (¬2) في هامش (ب) ما نصه: أي: الأشياء المختلفة، ومنه يقال: لا يخرج في الرياض من ألوان الزهر التهاويل، كما في "النهاية" تمت. انظر "النهاية في غريب الحديث" (2/ 919). (¬3) في "المسند" (1/ 394) و (1/ 407) بلفظ: عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أتاني جبريل في خضر معلّق به الدَّر"، وإسناده صحيح. (¬4) في "السنن" رقم (3283) عن عبد الله بن مسعود: {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11)} قال: رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جبريل في حلة من رفرف قد ملأ ما بين السماء والأرض. وهو حديث صحيح. (¬5) انظر "النهاية في غريب الحديث" (1/ 673). (¬6) سورة الأنعام آية: (103). (¬7) في "صحيحه" رقم (4855).

وفي رواية "المصنف" أن الذي تلا الآية عكرمة، وكأنه وقع الأمران لمسروق مع عائشة، ولعكرمة مع ابن عباس. قال النووي (¬1): - تبعاً لغيره في رواية عائشة -: لم تنف عائشة الرؤية بحديث مرفوع، ولو كان معها لذكرته، وإنما اعتمدت الاستنباط على ما ذكرت من ظاهر الآية، وقد خالفها غيرها من الصحابة، والصحابي إذا قال قولاً وخالفه غيره منهم لم يكن ذلك القول حُجة اتفاقاً، والمراد بالإدراك في الآية الإحاطة، وذلك لا ينافي الرؤية. انتهى. قال الحافظ ابن حجر (¬2) - بعد نقله لكلامه وجزمه بأن عائشة لم تنف وقوع الرؤية بحديث مرفوع -: تبع فيه ابن خزيمة (¬3) وهو عجيب، فقد ثبت ذلك عنها في "صحيح مسلم" الذي شرحه الشيخ، قال مسروق: فقلت: - أي: لعائشة -[416/ ب]: ألم يقل الله: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13)} (¬4) قالت: "أنا أول هذه الأمة سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك" فقال: "إنما هو جبريل". وأخرج ابن مردويه (¬5) من طريق أخرى وفيه فقلت: يا رسول الله! هل رأيت ربك؟ قال: "لا إنما رأيت جبريل منهبطاً" وقد أطال الحافظ (¬6) البحث في الوارد في الرؤية، وفي تأويل الآية. ¬

_ (¬1) في شرحه لـ "صحيح مسلم" (3/ 5). (¬2) في "فتح الباري" (8/ 607). (¬3) في "كتاب التوحيد" (2/ 556 - 557). (¬4) سورة النجم آية: (13). (¬5) ذكره الحافظ في "الفتح" (8/ 607). (¬6) في "فتح الباري" (8/ 607 - 610).

4 - وَعَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: لَقِيَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - كَعْبًا بِعَرَفَةَ فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ، فَكَبَّرَ حَتَّى جَاوَبَتْهُ الجِبَالُ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: إِنَّا بَنُو هَاشِمٍ. فَقَالَ كَعْبٌ: إِنَّ الله قَسَمَ رُؤْيَتَهُ وَكَلاَمَهُ بَيْنَ مُحَمَّدٍ وَمُوسَى صل الله عليهما وسلم، فَكَلَّمَ مُوسَى مَرَّتَيْنِ، وَرَآهُ مُحَمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم - مَرَّتَيْنِ. قَالَ مَسْرُوقٌ - رحمه الله -: فَدَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ - رضي الله عنها - فَقُلْتُ: هَلْ رَأَى مُحَمَّدٌ رَبَّهُ؟ فَقَالَتْ: لَقَدْ تَكَلَّمْتَ بِشَيءٍ قَفَّ لَهُ شَعْرِي. قُلْتُ: رُوَيْدًا، ثُمَّ قَرَأْتُ: {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الكُبْرَى (18)} (¬1) فَقَالَتْ: أَيْنَ يُذْهَبُ بِكَ؟ إِنَّمَا هُوَ جِبْرِيلُ - عليه السلام - مَنْ أَخْبَرَكَ أَنَّ مُحَمَّدًا رَأَى رَبَّهُ، أَوْ كَتَمَ شَيْئًا مِمَّا أُمِرَ بِهِ، أَوْ يَعْلَمُ الخَمْسَ الَّتِي قَالَ الله تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الغَيْثَ} (¬2) فَقَدْ أَعْظَمَ الفِرْيَةَ عَلَى الله تَعَالى الفِرْيَةَ، وَلَكِنَّهُ رَأَى جِبْرِيلَ لَمْ يَرَهُ فِي صُورَتِهِ إِلاَّ مَرَّتَيْنِ: مَرَّةً عِنْدَ سِدْرَةِ المُنْتَهَى، وَمَرَّةً فِي جِيَادٍ لَهُ سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ قَدْ سَدَّ الأُفُقَ. أخرجه الترمذي (¬3). [ضعيف] (قف شعري) (¬4) أي: قام شعر رأسي وبدني فزعاً: (والفرية) (¬5): الكذب. قوله في حديث الشعبي: "إنا بنو هاشم". ¬

_ (¬1) سورة النجم آية: (18). (¬2) سورة لقمان آية: (34). (¬3) في "السنن" رقم (3278) وهو حديث ضعيف. وصح بمعناه من طرق أخرى، منها ما أخرجه البخاري رقم (3234) ومسلم رقم (177) والترمذي رقم (3068). (¬4) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 477). (¬5) انظر: "تفسير غريب ما في الصحيحين" للحميدي (106/ 1) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 368).

أقول: فيه حذف بينه عبد الرزاق (¬1) في روايته من هذا الوجه فقال: إنا بنو هاشم نقول: إن محمداً رأى ربه مرتين، فكبر كعب وقال: إن الله قسم رؤيته بين موسى ومحمد، فكلم موسى مرتين ورآه محمَّد مرتين. قوله: "قف له شعري": أي: قام من الفزع لما حصل بجسده من هيبة الله تعالى، واعتقدته من تنزيهه واستحالة وقوع ذلك. قال النضر بن شميل (¬2): القف بفتح القاف وتشديد الفاء كالقشعريرة. قوله: "أخرجه الترمذي": قلت: وسكت عليه لكنه ساقه من طريق [120/ أ] مجالد وهو عندهم ليس بالقوي. 5 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - في قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19)} قال: كان اللات رجلاً يلتُّ سويقَ الحاجَّ. أخرجه البخاري (¬3). [صحيح] قوله: "كان رجلاً يلت السويق للحاج": قال الإسماعيلي (¬4): هذا التفسير على من قرأ اللات بتشديد التاء. قال ابن حجر (¬5): فليس ذلك بلازم، إذ يحتمل أن يكون هذا أصله، وخفف لكثرة الاستعمال، والجمهور على القراءة بالتخفيف. وقد روي (¬6) عن ابن عباس أنه قرأ بالتشديد. ¬

_ (¬1) في "تفسيره" (2/ 255). (¬2) ذكره الحافظ في "الفتح" (8/ 607). (¬3) في "صحيحه" رقم (4859). (¬4) ذكره الحافظ في "الفتح" (8/ 612). (¬5) في "الفتح" (8/ 612). (¬6) انظر "جامع البيان" (22/ 47) تفسير ابن كثير (13/ 266).

وأخرج الفاكهي (¬1) من طريق مجاهد قال: كان رجل في الجاهلية على صخرة بالطائف وعليها صنم، وكان من زبيب الطائف [417/ ب] والأقط ليجعله منه حيساً ويطعم من يمر به من الناس، فلما مات عبدوه. قال هشام الكلبي (¬2): كانت مناة أقدم من اللات فهدمها عام "الفتح" بأمر النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكانت اللات أحدث من مناة فهدمها المغيرة بن شعبة بأمره - صلى الله عليه وسلم - لما أسلمت ثقيف، وكانت العزى أحدث من اللات، اتخذها ظالم بن سعد بوادي نخلة فوق ذات عرق، فهدمها خالد بن الوليد بأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - عام الفتح. 6 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قاَلَ: مَا رَأَيْتُ شَيْئاً أَشْبَهَ باللَّمَمِ مِمَّا قَالَ أبُو هُرَيرَةَ إِنَّ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إنَّ الله كَتَبَ عَلَى ابنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنَ الزِّنَا أدْرَكَ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ: فَزِنَا العَيْنِ النَّظَرُ، وزِنَا اللِّسَانِ النطِقُ، والنَّفْسُ تَمَنَّى وتَشْتَهِي، والفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ أَوْ يُكَذِّبُهُ". أخرجه الشيخان (¬3) وأبو داود (¬4). [صحيح] قوله في حديث ابن عباس: "ما رأيت شيئاً - إلى آخره - أخرجه البخاري": ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (8/ 612). (¬2) ذكره الحافظ في "الفتح" (8/ 612)، وانظر: "جامع البيان" (22/ 46 - 47). (¬3) أخرجه البخاري رقم (6243) وطرفه رقم (6612) ومسلم رقم (20/ 2657). (¬4) في "السنن" رقم (2152). قلت: وأخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (22/ 62) وعبد الرزاق في "تفسيره" (2/ 253) وأحمد (3/ 152، 153) والنسائي في "السنن الكبرى" رقم (11544) وابن حبان في "صحيحه" رقم (4420) والبيهقي في "السنن الكبرى" (7/ 89) و (10/ 186) وفي "الشعب" رقم (5427).

قلت: لم أجده في صحيحه في تفسير سورة النجم، وكأنه أخرجه في محل (¬1) آخر، لكن ما كان يليق من المصنف، وقبله ابن الأثير هذا الصنيع. 7 - وعنه - رضي الله عنه - في قَوْلِهِ تَعَالَى: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ} (¬2) قَالَ: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنْ تَغْفِرِ اللهمَّ تَغْفِرْ جَمَّا ... وَأَيُّ عَبْدٍ لَكَ لاَ أَلَمَّا" أخرجه الترمذي وصححه (¬3). [صحيح] قوله في حديث ابن عباس الثاني: "إن تغفر اللهم تغفر جماً": البيت لأمية بن أبي الصلت تمثل به النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا ينافي قوله: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ} (¬4) لأن المراد إنشاؤه لا إنشاده. قوله: "أخرجه الترمذي وصححه": قلت: قال (¬5): هذا حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من حديث زكريا بن إسحاق. انتهى بلفظه. وفي "التقريب" (¬6) زكريا بن إسحاق ثقة رمي بالقدر. ¬

_ (¬1) في الاستئذان باب: زنى الجوارح دون الفرج، الحديث رقم (6243)، وفي القدر الحديث رقم (6612). (¬2) سورة النجم آية: (32). (¬3) في "السنن" رقم (3284)، وهو حديث صحيح. قلت: وأخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (10/ 185) وفي "الشعب" رقم (7055) وابن جرير في "جامع البيان" (22/ 64) والحاكم (2/ 469)، وهو حديث صحيح. (¬4) سورة يس آية: (69). (¬5) في "السنن" (5/ 397). (¬6) (1/ 261 رقم 50).

(سورة القمر)

(سورة القمر) 1 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: جَاءَ مُشْرِكُو قُرَيْشٍ يُخَاصِمُونَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي الْقَدَرِ، فأَنْزَلَ الله تَعالَى: {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (48) إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49)} [القمر: 48 - 49] أخرجه مسلم (¬1) والترمذي (¬2). [صحيح] قوله: "يخاصمونه في القدر" كأنهم ينكرون أن الله قدر المقادير، أو يقولون بعد التقدير السابق لا اختيار للعبد، وفي [418/ ب] "الدر المنثور" (¬3) من طريق جماعة من المحدثين عن زرارة (¬4) عنه - صلى الله عليه وسلم - إنه تلا هذه الآية قال: "نزلت في أناس من أمتي يكونون آخر الزمان يكذبون بالقدر". وأخرج سعيد بن منصور (¬5) وغيره (¬6) عن إبراهيم بن محمَّد بن علي بن عبد الله بن جعفر قال: كنت أزور جدي ابن عباس في كل جمعة قبل أن يكف بصره فسمعته يقرأ في المصحف، ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (2656). (¬2) في "السنن" رقم (2157، 3290). قلت: وأخرجه ابن ماجه رقم (83) والبخاري في "خلق أفعال العباد" رقم (104) وابن جرير في "جامع البيان" (22/ 161) وابن أبي عاصم في "السنة" رقم (946) واللالكائي في "السنة" رقم (946، 947) والبيهقي في "الشعب" رقم (183)، وهو حديث صحيح. (¬3) (7/ 683). (¬4) أخرجه ابن أبي حاتم في "تفسيره" (10/ 3321) رقم (18714)، والطبراني في "الكبير" (5/ 276 رقم (5316)، وقد صححه الألباني في "الصحيحة" برقم (1539). (¬5) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (7/ 683). (¬6) كابن سعيد وابن المنذر كما في "الدر المنثور" (7/ 683).

فلما أتى على هذه الآية: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ (47)} (¬1) الآية إلى آخرها قال: يا بني! ما أعرف أصحاب هذه الآية ما كانوا بعد، وليكونن. قوله: "أخرجه الترمذي": قلت: وقال (¬2): حسن صحيح. (سورة الرحمن - عزّ وجلّ -) 1 - عَنْ جَابِرٍ - رضي الله عنه - قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَلَى أَصْحَابِهِ فَقَرَأَ عَلَيْهِمْ سُورَةَ الرَّحمَنِ إِلَى آخِرِهَا فَسَكَتُوا. فَقَالَ: "لَقَدْ قَرَأْتُهَا عَلَى الْجِنِّ، فَكانُوا أَحْسَنَ مَرْدُودًا مِنْكُمْ، كُنْتُ كُلَّمَا أَتَيْتُ عَلَى قَوْلهِ تَعالَى: {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (13)} قَالُوا: لا بِشَيْءٍ مِنْ نِعَمِكَ رَبَّنا نُكَذِّبُ فَلَكَ الْحَمْدُ". أخرجه الترمذي (¬3). [حسن] قوله: "قرأتها على الجن" زاد الترمذي: "ليلة الجن": قوله في حديث جابر: "أخرجه الترمذي": قلت: وقال (¬4): هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث الوليد بن مسلم عن زهير بن محمَّد. قال أحمد بن حنبل: كان زهير بن محمَّد الذي وقع بالشام ليس هو الذي يروى عنه بالعراق كأنه رجل آخر قلبوا اسمه يعني: لما يروونه عنه من المناكير. ¬

_ (¬1) سورة القمر آية: (24). (¬2) في "السنن" (5/ 399). (¬3) في "السنن" رقم (3291) وهو حديث حسن. (¬4) في "السنن" (5/ 399).

(سورة الواقعة)

وسمعت محمَّد بن إسماعيل يقول: أهل الشام يروون عن زهير بن محمَّد مناكير وأهل العراق، يروون عنه أحاديث مقاربة (¬1). انتهى كلامه. (سورة الواقعة) 1 - عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "مَنْ قرَأَ سُورةَ الواقِعِة كل ليلة لم تصبه فاقة, وفي المسبحات آيةٌ كألف آية". أخرجه (¬2) رزين. قوله في حديث ابن مسعود: "وفي المسبحات" أي: السور المفتتحة بالتسبيح، وهي ست (¬3) سور. "آية كألف آية" لم يحد من بينها، ويحتمل أنها التي في آخر سورة الحشر من قوله: [419/ ب] {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ} إلى آخر السورة. والمراد أنها كألف آية في فضلها، والله أعلم. قوله: "أخرجه رزين": قلت: حذرناك عن هذا، وابن الأثير لمخرجه، ورأيته في "الدر المنثور" (¬4) أخرج أبو عبيد في "فضائله" (¬5). ¬

_ (¬1) قال البخاري: ما روى عنه أهل الشام فإنه مناكير، وما روى عنه أهل البصرة، فإنه صحيح. "تهذيب التهذيب" (3/ 301) رقم (645) ط: الفكر. • وللحديث شاهد من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما -، أخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (22/ 190) وابن أبي الدنيا في كتاب الشكر رقم (68) والبزار في "مسنده" رقم (2269 - كشف). (¬2) سيأتي تخريجه. (¬3) وهي: الحديد، الحشر، الصف، الجمعة، التغابن، الأعلى. (¬4) (8/ 3 - 4). (¬5) (1/ 67 رقم 496).

وابن الضريس (¬1) والحارث (¬2) بن أبي أسامة وأبو يعلى (¬3) وابن مردويه (¬4) والبيهقي في "شعب الإيمان" (¬5) عن ابن مسعود: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من قرأ سورة الواقعة كل ليلة لم تصبه فاقة أبداً". انتهى. 2 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ - رضي الله عنه - في قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ (34)} قَالَ: "ارْتِفَاعُهَا لَكَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ والأَرْضِ مَسِيرَةَ خَمْسِمِائَةِ سَنَةٍ". أخرجه الترمذي (¬6). ¬

_ (¬1) في فضائل القرآن (ص 103 رقم 226). (¬2) في "بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث" (2/ 729 رقم 721). (¬3) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (7/ 3). (¬4) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (7/ 3). (¬5) رقم (2498). قلت: وأخرجه ابن السني في "عمل اليوم والليلة" (196 رقم 678) وابن الجوزي في العلل المتناهية (1/ 105) وقال الألباني في "الضعيفة": (ص 304) رقم (289): ضعيف أخرجه الحارث .. ثم قال: وهذا سند ضعيف، قال الذهبي أبو شجاع: نكرة لا يعرف عن أبي طيبة، ومن أبي طيبة عن ابن مسعود، ثم إن في سند الحديث اضطراباً من وجوه ثلاثة بينهما الحافظ في "اللسان". وقال الزيلعي تبعاً لجمع: هو معلوم من وجوه: أحدها: الانقطاع كما بينه الدارقطني وغيره. الثاني: نكارة متنه كما ذكره أحمد. الثالث: ضعف رواته كما قال ابن الجوزي. الرابع: اضطرابه، وقد أجمع على ضعفه أحمد، وأبو حاتم، وابنه، والدارقطني، والبيهقي وغيرهم. وانظر "تنزيه الشريعة" (1/ 301). (¬6) في "السنن" رقم (254، 3294)، وهو حديث ضعيف. قلت: وأخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (22/ 319) وابن أبي الدنيا في صفة الجنة رقم (157)، وأبو يعلى في مسنده رقم (1395) وهو حديث ضعيف.

قوله في حديث أبي سعيد: "أبي الترمذي": قلت: وقال (¬1): هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث رشدين بن سعد، وقال بعض أهل العلم بمعنى هذا الحديث: وارتفاعها كما بين السماء والأرض يقول: ارتفاع الفرش المرفوعة في الدرجات، والدرجات ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض. انتهى بلفظه [121/ أ] [وكان] (¬2) يحسن من المصنف ذكر هذا التفسير لكنه في باب ابن الأثير فتبعه المصنف. 3 - عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - في قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً (35)} إِنَّ مِنَ المُنْشَآتِ اللاَّئِي كُنَّ فِي الدُّنْيَا عَجَائِزَ عُمْشًا رُمْصَاً. أخرجه الترمذي (¬3). [ضعيف جداً] قوله في حديث أنس: "أخرجه الترمذي": قلت: وقال (¬4): هذا حديث غريب لا نعرفه مرفوعاً إلا من حديث موسى بن عبيدة، وموسى بن عبيدة، ويزيد بن أبان الرقاشي يضعفان في الحديث. انتهى بعد أن ساقه عن موسى بن عبيدة عن يزيد بن أبان. ¬

_ (¬1) في "السنن" (5/ 401). (¬2) زيادة من (ب). (¬3) في "السنن" رقم (3296). قلت: وأخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (22/ 320) وهناد في "الزهد" رقم (61) وابن أبي الدنيا في "صفة الجنة" رقم (287) والبيهقي في "البعث والنشور" (380)، وهو حديث ضعيف جداً. • والعمش: ضعف البصر مع سيلان الدمع في أكثر الأوقات. "القاموس المحيط" (ص 773). الرمص: هو البياض الذي تقطعه العين، ويجتمع في زوايا الأجفان. "النهاية في غريب الحديث" (1/ 690) "الفائق" للزمخشري (2/ 87). (¬4) في "السنن" رقم (5/ 402).

4 - وَعَنْ عبد الله بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ - رضي الله عنه - أَنَّ في الْكِتابِ الَّذِي كَتبَهُ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ - رضي الله عنه -: "أَنْ لا يَمَسَّ الْقُرْآنَ إِلاَّ طاهِرٌ". أخرجه مالك (¬1). [صحيح لغيره] 5 - وَعَن ابْنُ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: مُطِرَ النَّاسُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: "أَصْبَحَ مِنَ النَّاسِ شَاكِرٌ وَمِنْهُمْ كَافِرٌ، قَالُوا: هَذِهِ رَحْمَةُ الله. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَقَدْ صَدَقَ نَوْءُ كَذَا وَكَذَا". فَأَنَزَلَ الله تَعَالَى: {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75)} حَتَّى بَلَغَ: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (82)} (¬2). أخرجه مسلم (¬3). [صحيح] ¬

_ (¬1) في "الموطأ" (1/ 199 رقم 1)، وهو صحيح لغيره. قال ابن عبد البر: لا خلاف عن مالك في إرسال هذا الحديث، وقد روى مسنداً من وجه صالح، وهو كتاب مشهور عند أهل السير معروف عند أهل العلم معرفة يستغني بها في شهرتها عن الإسناد. (¬2) سورة الواقعة آية: (82). (¬3) في "صحيحه" رقم (73)، وهو حديث صحيح. وانظر: أسباب نزول القرآن للواحدي (ص 638). قال النووي في شرحه لـ "صحيح مسلم" (2/ 60 - 61): وأما معنى الحديث: فاختلف العلماء في كفر من قال: مطرنا بنوء كذا على قولين: أحدهما: هو كفر بالله سبحانه وتعالى سالب لأصل الإيمان، فخرج من ملة الإسلام، قالوا: وهذا فيمن قال ذلك معتقداً أن الكواكب فاعل مدبر منشئ للمطر، كما كان بعض أهل الجاهلية يزعم، ومن اعتقد هذا فلا شك في كفره، وهذا القول هو الذي ذهب إليه جماهير العلماء، والشافعي منهم، وهو ظاهر الحديث قالوا: وعلى هذا لو قال: مطرنا بنوء كذا معتقداً أنه من الله تعالى وبرحمته, وأن النوء ميقات له، وعلامة اعتباراً بالعادة، فكأنه قال: مطرنا في وقت كذا، فهذا لا يكفر، واختلفوا في كراهته, والأظهر كراهته؛ لكنها كراهة تنزيه، لا إثم فيها، وسبب الكراهة أنها كلمة مترددة بين الكفر وغيره، فيساء الظن بصاحبها، ولأنها شعار الجاهلية، ومن سلك مسلكهم. =

6 - وَعَنْ عَلِيٍّ - رضي الله عنه - فِي قَولِهِ تَعَالَى: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (82)} قَالَ: شُكْرُكُمْ، تَقُوُلونَ: مُطِرْنا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا، وَبِنَجْمِ كَذَا وَكَذَا". أخرجه الترمذي (¬1). [إسناده ضعيف] قوله في حديث علي - عليه السلام -: "مطرنا بنوء كذا": النوء (¬2): [420/ ب] سقوط النجم من الأنجم الثمانية والعشرين التي هي منازل من ناء إذا سقط. وقيل (¬3): من طلوعه من ناء إذا نهض، وكانوا في الجاهلية يظنون أن نزول الغيث بواسطته وصنعته وهو كفر. قوله: "أخرجه الترمذي": قلت: قال (¬4): هذا حديث حسن غريب، وروى سفيان عن عبد الأعلى هذا الحديث بهذا الإسناد ولم يرفعه. ¬

_ = والقول الثاني: في أصل الحديث أن المراد كفر نعمة الله؛ لاقتصاره على إضافة الغيث إلى الكواكب، وهذا فيمن لا يعتقد تدبير الكواكب، ويؤيد هذا التأويل الرواية الأخيرة في الباب أصبح من الناس شاكر، وكافر. وفي الرواية الأخرى: "ما أنزل الله تعالى من السماء من بركة إلا أصبح فريق من الناس بها كافرين". فقوله بها: يدل على أنه كفر النعمة، والله أعلم. (¬1) في "السنن" رقم (3295)، وهو حديث ضعيف الإسناد. (¬2) انظر: "غريب الحديث" للخطابي (1/ 241) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 799 - 800). (¬3) انظر: "الفائق" للزمخشري (1/ 253). (¬4) في "السنن" (5/ 402) حيث قال: هذا حديث حسن غريب صحيح لا نعرفه مرفوعاً إلا من حديث إسرائيل. ورواه سفيان الثوري عن عبد الأعلى عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي نحوه ولم يرفعه.

(سورة الحديد)

(سورة الحديد) 1 - عَن ابْنَ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - قَالَ: مَا كَانَ بَيْنَ إِسْلاَمِنَا، وَبَيْنَ أَنْ عاتَبَنَا الله تَعَالَى بِقَوْلِه: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ} إِلاَّ أَرْبَعُ سِنِينَ. أخرجه مسلم (¬1). [صحيح] قوله: "إلا أربع سنين": قلت: وأخرج ابن المبارك (¬2) وعبد الرزاق (¬3) وابن المنذر (¬4) عن الأعمش قال: لما قدم أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة، فأصابوا من لين العيش ما أصابوا بعد ما كان بهم من الجهد، فكأنهم فتروا عن بعض ما كانوا عليه، فعوتبوا، فنزلت: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا} (¬5). 2 - وَعَن ابن عبَّاس - رضي الله عنهما - فِي قوْلِهِ تَعَالَى: {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} (¬6). قَالَ: يُلينُ القُلُوب بعدَ قسْوَتَهَا، فيجعلها مخبتةً مُنيبَة يحي القُلوب الميتة بالعِلْم والحِكْمَة. وإلا فقد علم إحياء بالمطر مشاهدة. أخرجه رزين. قوله في حديث ابن عباس: "أخرجه رزين": في "الجامع": أخرجه وبيض الاسم مخرجه على قاعدته فيما وجدته في كتاب رزين غير منسوب. ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (3027)، وانظر "تفسير ابن كثير" (13/ 421). (¬2) في "تفسيره" (2/ 223 رقم 3163). (¬3) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (8/ 58). (¬4) في "تفسيره" (2/ 223 رقم 3163). (¬5) سورة الحديد آية: (16). (¬6) سورة الحديد آية: (17).

وفي "الدر المنثور" (¬1) أخرج ابن المبارك عن ابن عباس: {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا}: يلين القلوب بعد قسوتها. 3 - وَعَنه - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَتْ مُلُوكٌ بَعْدَ عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ بَدَّلُوا التَّوْرَاةَ والإِنْجِيلَ، وَكانَ بَينهمْ مُؤْمِنُونَ يَقْرَءُونَ التَّوْراةَ والإِنْجِيْلِ، فَقِيلَ لِمُلُوكِهِمْ: ما نَجِدُ شَتْمًا أَشَدَّ مِنْ شَتْمٍ يَشْتِمُونَّا هَؤُلاَءِ، إِنَّهُمْ يَقْرَءُونَ: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44)} (¬2) مَعَ مَا يَعِيبُوننَا بِهِ فِي أَعْمَالِنَا فِي قِرَاءَتِهِمْ، فادْعُهُمْ فَلْيَقْرَءُوا كَمَا نَقْرَأُ، وَلْيُؤْمِنُوا كَمَا نُؤمِنْ، فَدَعَاهُمْ، فَعَرَضَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلَ، أَوْ يتْرُكُوا قِراءَةَ التَّوْراةِ والإِنْجِيلِ إِلاَّ مَا بَدَّلُوا مِنْهَا فَقَالُوا: مَا تُرِيدُونَ إِلَى ذَلِكَ؟ دَعُونَا، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمُ: ابْنُوا لَنَا أُسْطُوَانَاً، ثُمَّ ارْفَعُونَا إِلَيْهَا، ثُمَّ أعْطُونَا شَيْئًا نَرْفَعُ بِهِ طَعامَنَا وَشَرَابَنَا، وَلا نَرِدُّ عَلَيْكُمْ. وَقالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ: دَعُونَا نَسِيحُ فِي الأَرْضِ وَنَهِيمُ وَنَشْرَبُ كَمَا يَشْرَبُ الْوَحْشُ، فَإِنْ قَدَرْتُمْ عَلَيْنا فِي أَرْضِكُمْ فَاقْتُلُونَا. وَقالَتْ طَائِفَةٌ: ابْنُوا لَنَا دُورًا فِي الْفَيَافِي وَنَحْتَفِرُ الآبَارَ، وَنَحترِثُ الْبُقُولَ، فَلا نَرِدُ عَلَيْكُمْ، وَلا نَمُرُّ بِكُمْ، وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الْقَبائِلِ إِلاَّ وَلَهُ فِيهِمْ حَمِيمٌ. فَفَعَلُوا ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ الله تَعالَى: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا} (¬3) والآخَرُونَ قَالُوا: نَتَعَبَّدُ كَمَا تَعَبَّدَ فُلاَنٌ، وَنَسِيحُ كَمَا سَاحَ فُلاَنٌ، وَنَتَّخِذُ دُورًا كَمَا اتَّخَذَ فُلاَنٌ، وَهُمْ عَلَى شِرْكِهِمْ لا عِلْمَ لَهُمْ بِإِيمَانِ الَّذِينَ اقْتَدَوْا بِهِم، فَلَمَّا بُعِثَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ، انْحَطَّ رَجُلٌ مِنْ صَوْمَعَتِهِ وَجاءَ سائِحٌ مِنْ سِياحَتِهِ وَصاحِبُ الدَّيْرِ مِنْ دَيْرِهِ، فَآمَنُوا بِهِ، وَصَدَّقُوهُ فَقَالَ الله ¬

_ (¬1) (8/ 57) وانظر: تفسير القرآن العظيم لابن كثير (13/ 421). (¬2) سورة المائدة آية: (44). (¬3) سورة الحديد آية: (27).

تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ} (¬1) يَعْنِي: أَجْرَيْنِ بِإِيمَانِهِمْ بِعِيسَى، وَبِالتَّوْراةِ والإِنْجِيلِ، وَبِإِيمَانِهِمْ بِمُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - وتَصْدِيقِهِمْ بِه، {وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ} (¬2) الْقُرْآنَ واتَّبَاعَهُمُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: {لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ} يَتَشَبَّهُونَ بِكُمْ {أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} (¬3) الآيَةَ. أخرجه النسائي (¬4). [صحيح الإسناد موقوف] قوله في حديث ابن عباس: "اسطواناً" [421/ ب] الاسطوانة (¬5): بضم الهمزة والطاء بينهما مهملة ساكنة والغالب أنها تكون في بناء بخلاف العمود، فإنه من حجر واحد. قوله: "رهبانية ابتدعوها": الرهبانية (¬6) [هي] (¬7): المبالغة في العبادة والرياضة والانقطاع (¬8) عن الناس منسوبة إلى الرهبان، وهو المبالغ من رهب كالخشيان من خشي، وقرئت بالضم كأنها منسوبة إلى الرهبان، وهو جمع راهب كراكب وركبان. ¬

_ (¬1) سورة الحديد آية: (28). (¬2) سورة الحديد آية: (28). (¬3) سورة الحديد آية: (29). (¬4) في "السنن" رقم (540) وفي "الكبرى" رقم (11567) بسند صحيح الإسناد موقوف. (¬5) انظر: "القاموس المحيط" (ص 1555). (¬6) انظر: "مفردات ألفاظ القرآن" (ص 367). (¬7) زيادة من (أ). (¬8) قال ابن الأثير في "النهاية في غريب الحديث" (1/ 705 - 706): هي من رهْبنة النصارى، وأصلها من الرهبة: الخوف، كانوا يترهبون بالتخلي من أشغال الدنيا، وترك ملاذها، والزهد فيها، والعزلة عن أهلها، وتعمد مشاقها، حتى إن منهم من كان يخصي نفسه، ويضع السلسلة في عنقه، وغير ذلك من أنواع التعذيب =

(سورة المجادلة)

(سورة المجادلة) 1 - عَن عائِشَةَ أَنَّهَا قالَتِ: الْحَمْدُ لله الَّذِي وَسِعَ سَمْعُهُ الأَصْواتَ، لَقَد جاءَتْ المُجادِلَةُ خَوْلَةُ إِلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي جانِبِ البَيْتِ، ما أسْمَعُ ما تَقُول، فَأَنْزَلَ الله - عزّ وجلّ -: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ} (¬1) الآية. أخرجه البخاري (¬2) والنسائي (¬3). [صحيح] قوله في حديث عائشة: "وسع سمعه الأصوات": ¬

_ = فنفاها النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الإسلام، ونهى المسلمين عنها، والرهبان جمع: راهب، وقد يقع على الواحد، ويجمع على رهابين، ورهبابنة. والرهبنة: فعلنه، منه أو فعلله على تقدير أصلية النون وزيادتها، والرهبانية منسوبة إلى الرهبنة بزيادة الألف. وانظر "الفائق" للزمخشري (2/ 122). (¬1) سورة المجادلة آية: (1). (¬2) في "صحيحه" رقم (13/ 372) الباب رقم (9) باب: {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (134)} قال الأعمش عن تميم عن عروة عن عائشة قالت: الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات, فأنزل الله تعالى عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} [المجادلة: 1] معلقاً بصيغة الجزم، وقد وصله النسائي في "السنن" رقم (3460). وأخرجه أحمد (6/ 46) وابن ماجه رقم (2063) وأبو يعلى في "مسنده" رقم (4780) والحاكم (2/ 481) والبيهقي في "السنن" (7/ 382) وسعيد بن منصور في "سننه" (2/ 13) وعبد بن حميد في "مسنده" (3/ 235) والواحدي في "أسباب النزول" (ص 304). (¬3) في "السنن" رقم (3460) وانظر التعليقة المتقدمة، وهو حديث صحيح.

قال ابن بطال (¬1): معنى وسع هنا أدرك لأن الذي يوصف بالاتساع يصح وصفه بالضيق، وذلك من صفات الأجسام فيجب صرفه عن ظاهره. انتهى. قلت: هذا تأويل لكلام عائشة، وأما الآية فما فيها ما يشكل. قوله: "أخرجه البخاري والنسائي": قلت: لم أجده في البخاري في تفسير المجادلة، بل قال الحافظ ابن حجر (¬2): إنه لم يخرج فيها حديثاً مرفوعاً، ويدخل فيه - أي: في تفسير سورة المجادلة - حديث التي ظاهر منها زوجها. وقد أخرجه النسائي (¬3)، وأورد منه البخاري (¬4) [422/ ب] طرفاً في كتاب التوحيد ¬

_ (¬1) في شرحه لـ "صحيح البخاري" (10/ 417). بل إن الله سميع بسمع يليق بجلاله وعظمته، كما أنه بصير ببصر: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)} [الشورى: 11]. وقال أبو الحسن الأشعري في "رسالة إلى أهل الثغر" (ص 225): وأجمعوا على أنه عَزَّ وَجَلَّ يسمع ويرى. وقال ابن كثير في رسالته "العقائد": فإذا نطق الكتاب العزيز، ووردت الأخبار "الصحيحة" بإثبات السمع، والبصر، والعين، والوجه، والعلم، والقدرة، والقوة، والعظمة، والمشيئة، والإرادة, والقول، والكلام، والرضى، والسخط، والحب، والبغض، والفرح، والضحك؛ وجب اعتقاد حقيقته من غير تشبيه بشيء من ذلك بصفات المربوبين المخلوقين، والانتهاء إلى ما قاله الله سبحانه وتعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - من غير إضافة، ولا زيادة عليه، ولا تكييف له، ولا تشبيه ولا تحريف، ولا تبديل ولا تغيير، وإزالة لفظ عما تعرفه العرب، وتصرفه عليه، والإمساك عما سوى ذلك. انظر: "علاقة الإثبات والتفويض" (ص 51) لرضا نعسان معطي. (¬2) في "فتح الباري" (8/ 628). (¬3) في "السنن" رقم (3460). (¬4) في "صحيحه" رقم (13/ 372 الباب رقم 9)، وقد تقدم نصه.

معلقاً. انتهى. فعرفت أنه لم يخرجه البخاري في تفسير السورة، وأتى بطرف منه في التوحيد معلقاً. قلت: لفظ البخاري (¬1) في التوحيد: وقال الأعمش عن تميم عن عروة عن عائشة قالت: الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات، فأنزل الله على النبي - صلى الله عليه وسلم -: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} (¬2). انتهى. فهذه الرواية التي أراد الحافظ ابن حجر، وهي كما قال معلقة غير مستوفاه إنما هي طرف من الحديث، فلا أدري كيف هذا الصنيع مع "المصنف" وابن الأثير، فلا يشق بهذا المنقول في البحث من المنقول منه، وكان الصواب أن يقول: أخرجه النسائي، وأخرج البخاري طرفاً منه في كتاب التوحيد معلقاً. وقوله: ويدخل فيه: يريد في تفسير سورة المجادلة أن يصلح أن يدخل فيه. 2 - عَنْ خُوَيْلَةَ بِنْتِ مَالِكِ بْنِ ثَعْلَبَةَ قالَتْ: ظَاهَرَ مِنِّي زَوْجِي أَوْسُ بْنُ الصَّامِتِ فَجِئْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - أَشْكُو إِلَيْهِ، وَرَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يُجَادِلُنِي فِيهِ وَيَقُولُ: "اتَّقِ الله، فَإِنَّهُ ابْنُ عَمِّكِ"، فَمَا بَرِحْتُ حَتَّى نَزَلَ الْقُرْآنُ: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} (¬3) إِلَى الْفَرْضِ فَقَالَ: "يُعْتِقُ رَقَبَةً". قَالَتْ: لاَ يَجِدُ قَالَ: "فَيَصُومُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ". قُلْتْ: يا رَسُولَ الله! إِنَّهُ شَيْخٌ كَبِيرٌ مَا بِهِ مِنْ صِيَامٍ. قَالَ: "فَلْيُطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا" قُلْتُ: ما عِنْدَهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَصَدَّقُ بِهِ. قالَتْ: فَأُتِىَ سَأَعَينُهُ بِعَرَقٍ مِنْ تَمْرٍ. قُلْتُ: يا رَسُولَ الله! وَأَنا أُعِينُهُ بِعَرَقٍ آخَرَ. قَالَ: "قَدْ أحْسَنْتِ ¬

_ (¬1) في "صحيحه" (13/ 372 الباب رقم 9). (¬2) سورة المجادلة آية: (1). (¬3) سورة المجادلة آية: (1).

اذْهَبِي فَأَطْعِمِي بِهَا عَنْهُ سِتِّينَ مِسْكِينًا، وَأرْجِعِي إِلَى ابْنِ عَمِّكِ". قَالَ: والْعَرَقُ: سِتُّونَ صَاعاً. أخرجه أبو داود (¬1). [صحيح] قوله في حديث خولة أنها قالت [خولة] (¬2): "ظاهر مني": أقول: كان الظهار (¬3) والإيلاء من طلاق الجاهلية، وكان هذا أول ظهار في الإسلام. قوله: "وعن خولة": كانت خولة حسنة الجسم، وكان أوس به لمم، قال في "النهاية" (¬4): أي: شدة إلمام بالنساء وشدة حرص عليهن، وليس من الجنون، فإنه لو ظاهر في تلك الحال لم يلزمه شيء [فإنَّه] (¬5) أرادها. قلت: فقال: أنت علي كظهر أمي، ثم ندم على ما قال. قوله: "ويقولون: اتق الله! فإنه ابن عمك": الله أعلم أنه كان يصح بعد الظهار للزوج المراجعة، فوعظها - صلى الله عليه وسلم - لتراجعه، فإنه قدم ندم، ولم تسعده حتى أنزل الله الحكم في ذلك. قوله: "فأطعمي عنه": قال [423/ ب] أبو داود (¬6) في هذا: أنها كفرت عنه من غير أن تستأمره. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (2214). قلت: وأخرجه أحمد (6/ 410) وابن حبان في "صحيحه" رقم (1334 - موارد) والطبراني في "المعجم الكبير" (ج 1 رقم 616) والبيهقي في "السنن الكبرى" (7/ 389، 391) من طريق ابن إسحاق، عن معمر عن عبد الله بن حنظلة عن يوسف بن عبد الله بن سلام عن خويلة بنت مالك بن ثعلبة، به. والحديث إسناده ضعيف، لكن الحديث صحيح. والله أعلم. (¬2) زيادة من (أ). (¬3) انظر: "المغني" (11/ 57) "بدائع الصنائع" (3/ 233) "البيان" للعمراني (10/ 336 - 337). (¬4) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 617). (¬5) في (ب) فإنها. (¬6) في "السنن" (2/ 664).

قوله: "ستون صاعاً": [كذا في أبي داود، والمشهور أنّ العرق زنبيل يسع قدر خمسة (¬1) عشر صاعاً] (¬2). قوله: "أخرجه أبو داود": قلت: أخرجه (¬3) بألفاظ، وفي رواياته كلها ابن إسحاق، ولهم فيه كلام. 3 - وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رضي الله عنه - قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً} [المجادلة: 12]. قَالَ لِي رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما تَرَى دِينَارًا؟ " قُلْتُ: لا يُطِيقُونَهُ. قَالَ: "فَنِصْفُ دِينَارٍ؟ " قُلْتُ: لا يُطِيقُونَهُ. قال: "فَكَمْ؟ " قُلْتُ: شَعِيرَةٌ. قَالَ: "إِنَّكَ لَزَهِيدٌ" فَنَزَلَ: {أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ} (¬4) الآيَةَ. قَالَ: فَبِي خَفَّفَ الله تَعَالَى عَنْ هَذِهِ الأُمَّةِ. أخرجه الترمذي (¬5). [إسناده ضعيف] ¬

_ (¬1) قاله الترمذي بإثر الحديث رقم (1200). (¬2) زيادة من (أ). • العرق على الصحيح: ما يسع خمسة عشر صاعاً. وقوله: ستون صاعاً، هو من تفرد معمر بن عبد الله بن حنظلة، وهو ضعيف لا يعرف. قاله الذهبي في "الميزان" (4/ 155) رقم (8686). وانظر: "الإيضاحات العصرية" (ص 89 - 92). (¬3) في "السنن" رقم (2213 - 2225). وانظر: تخريجها في "نيل الأوطار" (12/ 480 - 504). (¬4) سورة المجادلة آية: (12). (¬5) في "السنن" رقم (3301) بإسناد ضعيف. قلت: وأخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (22/ 485) وابن أبي شيبة في مصنفه (12/ 81) وعبد بن حميد رقم (90) والنسائي في خصائص علي رقم (152) وأبو يعلى في "مسنده" رقم (400) وابن حبان في =

وقال: يَعْني شَعيْرَة مِنْ ذَهَب. 4 - وفي رواية (¬1) لرزين قال عليٌ - رضي الله عنه -: مَا عَمِلَ بِهَذِهِ الآية غَيْري. قوله في حديث علي - عليه السلام -: "زهيد": أي: قليل الشيء، والشعيرة: ضرب من الحلي أمثال الشعير. قوله: "أخرجه الترمذي": قلت: وقال: هذا حديث حسن غريب، إنما نعرفه من هذا الوجه. ومعنى قوله: "شعيرة" (¬2): يعني: وزن شعيرة من ذهب. انتهى. [122/ أ]. ¬

_ = "صحيحه" رقم (6941، 6942) والنحاس في ناسخه (ص 701) وابن الجوزي في "نواسخ القرآن" (ص 478). (¬1) وأخرج ابن كثير في "تفسيره" (13/ 463): عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: نهوا عن مناجاة النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى يتصدقوا، فلم يناجيه إلا علي بن أبي طالب، قدم ديناراً صدقة تصدق به، ثم ناجى النبي - صلى الله عليه وسلم - فسأله عن عشر خصال، ثم أنزلت الرخصة. وقال ليث بن أبي سليم عن مجاهد: قال علي - رضي الله عنه -: آية في كتاب الله عَزَّ وَجَلَّ لم يعمل بها أحد قبلي، ولا يعمل بها أحد بعدي، كان عندي دينار فصرفته بعشرة دراهم، فكنت إذا ناجيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تصدقت بدرهم، فنسخت، ولم يعمل بها أحد قبلي، ولا يعمل بها أحد بعدي، ثم تلا الآية: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً} [المجادلة: 12] الآية. (¬2) الدرهم: خمسين شعيرة وخمسين شعيرة. الدرهم: 2/ 50.5 = 4، 50 شعيره. فالشعيرة = 0.04628 غراماً. "الإيضاحات العصرية" (ص 182).

(سورة الحشر)

(سورة الحشر) 1 - عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسارٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ ثَلاَثَ مَرّاتٍ: أَعُوذُ بِالله السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، وَقَرَأَ ثَلاَثَ آيَاتٍ مِنْ سُورَةِ الْحَشْرِ، وَكَّلَ الله تَعالَى بِهِ سَبْعِينَ أَلْفَ مَلَكٍ يُصَلُّونَ عَلَيْهِ حَتَّى يُمْسِيَ، وَإِنْ ماتَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ مَاتَ شَهِيدًا، وَمَنْ قَرَأَها حِينَ يُمسِي فَكَذَلِك". أخرجه الترمذي (¬1). [ضعيف] قلت: لم أجده فيه في تفسير سورة الحشر، ولا وجدته فيه في فضائل (¬2) السورة، ولا في أذكار الصباح، فينظر (¬3). 2 - عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: حَرَّقَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ وَقَطَعَ، وَهْىَ الْبُوَيْرَةُ، فَأَنْزَلَ الله تَعالَى: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ} (¬4) الآية. أخرجه الخمسة (¬5) إلا النسائي. "اللينة": ما دون العجوة من النخل. قوله في حديث ابن عمر: "ما قطعتم من لينة": اللينة (¬6): ألوان التمر ما عدا العجوة والبرني، وكانوا يقتاتون العجوة، وفي الحديث: "العجوة من الجنة وتمرها يغذوا غذاء حسناً"، ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (2922) وهو حديث ضعيف. (¬2) بل هو في فضائل القرآن الحديث رقم (2922). (¬3) في هامش (ب): هذا الحديث موجود في جامع الترمذي، باب: فضل القرآن كما حكاه في "التيسير". (¬4) سورة الحشر آية: (5). (¬5) أخرجه البخاري رقم (4031) ومسلم رقم (29/ 1446) وأبو داود رقم (2615) والترمذي رقم (1552) و (3302) وابن ماجه رقم (2844). (¬6) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 621) "المجموع المغيث" (3/ 157).

وكذلك البرني، واللينة (¬1): خصلة من اللون، وقيل: من اللين، ومعناها النخلة الكريمة، وجمعها ليان. واستدل به على جواز تخريب ديار الكفار، وقطع أشجارهم وقال الشافعي (¬2): لا بأس بالتخريب في أرض العدو، وقطع أشجارهم، وخالف الأوزاعي (¬3) فكره ذلك، ونهى (¬4) أبو بكر عن أن يقطع شجر مثمر، وعن أن يخرب عامر. ¬

_ (¬1) قال السهيلي في "الروض الأنف" (3/ 250) في تخصيص اللينة بالذكر إيماءٌ إلى أن الذي يجوز قطعه من شجر العدو، وهو ما لا يكون معداً للاقتيات, لأنهم كانوا يقتاتون العجوة والبرني دون اللينة, وكذا ترجم البخاري في "التفسير" (8/ 629 رقم الباب 2 - مع الفتح). فقال: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ} نخلة ما لم تكن برنية أو عجوة. وقال البغوي في معالم التنزيل (8/ 71) اللينة: فعلة من اللون، وتجمع على ألوان، وقيل: من اللين، ومعناه: النخلة الكريمة، وجمعها: ليان. وانظر: "القاموس المحيط" (ص 1590). • البويرة: بالباء والموحدة تصغير بورة، وهي الحفرة, وهي هنا فكان معروف بين الحديبية وتيماء، وهي من جهة قبلة مسجد قباء إلى جهة الغرب، ويقال لها أيضاً: البويلة باللام بدل الراء. (¬2) في "البيان" للعمراني (12/ 137). (¬3) ذكره ابن قدامة في "المغني" (13/ 140 - 141). وانظر: "فتح الباري" (6/ 155). (¬4) أخرجه مالك في "الموطأ" (2/ 447 رقم 10) بإسناد ضعيف لانقطاعه, فإن يحيى بن سعيد لم يدرك أبا بكر، وبه أعله البيهقي في "السنن الكبرى" (9/ 89) و"المعرفة" (7/ 28 رقم 5416 - العلمية) وهو أثر موقوف ضعيف. • وجميع ما اشتمل عليه هذا الأثر في حديث بريدة، وهو حديث صحيح. وانظر: "فتح الباري" (6/ 155).

3 - وَعَن كَعْبٍ - رضي الله عنه - قَالَ: نَزَل قَوْلُهُ تَعَالَى: {يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ} (¬1) فِي اليَهَود حِينَ أجْلاهُم رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَلَى أنَّ لَهُم مَا أَقَلَّتْ إبلهُمْ مِنْ أمتِعَتْهِم، وَكَانوا يُخرِبون البَيْتَ عَنْ عَتبَتَه وبَابَهُ وخَشَبَه، وكانَت نخيلُ بني النضير لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - خاصَّةً خصَّه الله تعالى بها (¬2). أخرجه رزين. [إسناده صحيح] قوله في حديث كعب: "أخرجه رزين": قلت: على قاعدته [424/ ب] وابن الأثير (¬3) بيض له إلا أن معنى الحديث ثابت في جملة روايات، فهو معلوم كل جملة منه لها شواهد. 4 - وَعَن مَحَمَّد بِن شَهَاب الزُّهْرِيِّ (¬4) في قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ} (¬5) قَالَ: صَالَحَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَهْلَ فَدَكَ, وَقُرًى قَدْ سَمَّاهَا لاَ أَحْفَظُهَا وَهُوَ مُحاصِرٌ قَوْمًا آخَرِينَ، فَأَرْسَلُوا إِلَيْهِ للصُّلْحِ قَالَ: {فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ} وَكَانَ يَقُولُ: بِغَيْرِ قِتالٍ، قَالَ الزُّهْرِيُّ - رحمه الله -: وَكانَتْ بَنُو النَّضِيرِ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - خَالِصًا لَمْ يَفْتَحُوهَا عَنْوَةً، فَفَتَحُوهَا عَلَى صُلْحٍ، فَقَسَمَهَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ لَمْ يُعْطِ الأَنْصَارَ شَيْئًا، إِلاَّ رَجُلَيْنِ كانَتْ بِهِمَا حَاجَةٌ (¬6). ¬

_ (¬1) سورة الحشر آية: (2). (¬2) أخرجه أبو داود في "السنن" رقم (3004) معناه في حديث طويل بإسناد صحيح. (¬3) في "جامع الأصول" (2/ 382). (¬4) في (أ) ابن عمر - رضي الله عنه -، وفي (ب) عمر - رضي الله عنه -. وما أثبتناه من "جامع الأصول" (2/ 382 رقم 840). (¬5) سورة الحشر آية: (6). (¬6) أخرجه أبو داود في "السنن" رقم (2971)، وهو حديث صحيح. قلت: وأخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (22/ 513) والبيهقي في "السنن الكبرى" (6/ 296) وعبد الرزاق في "تفسيره" (2/ 283).

5 - وَعَنه (¬1) - رضي الله عنه -: أَنَّ أَمْوَالُ بَنِي النَّضِيرِ كَانَتْ مِمَّا أَفَاءَ الله عَلَى رَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم - مِمَّا لَمْ يُوجِفِ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ بِخَيْلٍ وَلاَ رِكَابٍ، فَكانَتْ لِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - خَاصَّةً، قُرَى عُرَيْنَة وَفَدَكْ وَكَذا وَكَذا، يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ مِنْها نَفَقَةَ سَنَتِهِمْ، ثُمَّ يَجْعَلُ ما بَقِيَ في السِّلاَحِ والْكُرَاعِ عُدَّةً في سَبِيلِ الله تَعَالَى، وَتَلاَ: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ} (¬2) الآية. وَقَالَ: اسْتَوْعَبْتْ هذِهِ الآيةُ هؤلاءِ وَللفُقَراء المُهاجِرِيْن الذينَ أخرجُوا مِن دِيارِهم وأمْوَالِهم؛ والذين تبوؤا الدّار والإيمانَ مِنْ قَبْلِهِم، والذينَ جاءوُا مِنْ بَعْدِهِم، فاسْتَوْعَبَتْ هَذِهِ النّاسَ، فَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلاَّ لَهُ فِيهَا حَظٌ وحَقٌّ، إِلاَّ بَعْضَ مَنْ تَمْلِكُونَ مِنْ أَرِقَّائِهمْ. أخرجهما أبو داود (¬3). [بإسناد رجاله ثقات] قوله في حديث [ابن عمر] (¬4). "فما أوجفتم": هو من الوجيف: سرعة السير، أي: ما أجريتم، وقد فسره قوله بغير قتال. قوله: "إلا رجلين": في البغوي (¬5): "إلا ثلاثة نفر كانت بهم حاجة وهم: أبو دجانة سماك بن حرسه, وسهل بن حنيف، والحارث بن الصمة" فطابت بذلك نفس الأنصار، وأثنى ¬

_ (¬1) عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -. (¬2) سورة الحشر آية: (7). (¬3) في "السنن" رقم (2966) بإسناد رجاله ثقات. (¬4) في هامش (ب) كذا في "الأم" وفي المتن عن عمر، وقد تقدم أنه عن محمَّد بن شهاب الزهري. انظر: "جامع الأصول" (2/ 382 رقم 840). (¬5) في "معالم السنن" (8/ 72). وقال ابن حجر في "الكافي الشاف" (ص 284) ذكره الثعلبي هكذا بدون سند.

عليهم بذلك العزيز الجبار، وقال: {وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً} (¬1) أي: حسداً {مِمَّا أُوتُوا} يعني: المهاجرين. قوله: "كانت مما أفاء الله": أي: أعاده (¬2) على رسوله بمعنى: صيّره له أَوْ ردَّه عليه، لأن التحقيق أنه تعالى ما خلق المال إلا لأهل طاعته يتقربون به إليه، فإذا كان في يد غيرهم من الكفار، فهم لا يستحقونه، لأنهم ينفقونه في محاربة الله ورسله، فإذا غنمه المسلمون فقد رد الله ما هو لهم إليهم، فلذا سمي فيئاً. 6 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} (¬3) الآية. أَنَّ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ بَاتَ بِهِ ضَيْفٌ وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ إِلاَّ قُوتُهُ وَقُوتُ صِبْيانِهِ، فَقَالَ لاِمْرَأَتِهِ: نَوِّمِي الصِّبْيَةَ وَأَطْفِئِي السِّرَاجَ، وَقَرِّبِي لِلضَّيْفِ مَا عِنْدَكِ، فَنَزَلَتْ الآيَةُ. أخرجه الترمذي (¬4). [صحيح] قوله في حديث [425/ ب] أبي هريرة: "بات به ضيف" الضيف هو أبو هريرة، والمضيف هو أبو طلحة زيد بن سهيل، وقيل (¬5): ثابت بن قيس، وقيل: عبد الله بن رواحة. "والخصاصة" (¬6): الحاجة والفقر مأخوذ من خصاص البناء، وهي فرجه. ¬

_ (¬1) سورة الحشر آية: (10). (¬2) انظر: "جامع البيان" (22/ 512 - 514) "معالم التنزيل" (8/ 73). (¬3) سورة الحشر آية: (10). (¬4) في "السنن" رقم (3304). قلت: وأخرجه البخاري رقم (3798) وطرفه رقم (4889) ومسلم في "صحيحه" رقم (2054). (¬5) انظر: "فتح الباري" (8/ 632). (¬6) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (1/ 495).

(سورة الممتحنة)

قوله: "أخرجه الترمذي وصححه": قلت: قال (¬1): هذا حديث حسن صحيح. 7 - وعَنْ أنَسٍ - رضي الله عنه - فِي قولهِ تَعالَى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ} (¬2) هو ابن أُبي قالهُ (¬3) ليهود بني النضير إذْ أرادَ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - إجلاءهم فنَزَلتْ. أخرجه رزين. (سورة الممتحنة) 1 - عَن عَائِشَةُ - رضي الله عنها - قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يُبَايعُ النِّسَاءَ بِالْكَلاَمِ بِهَذِهِ الآيَةِ: {أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا} (¬4) وَمَا مَسَّتْ يَدُ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - يَدَ امْرَأَةٍ قَطُّ لا يَمْلِكُهَا، وَكَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إِذَا أَقْرَرْنَ بِذَلِكَ مِنْ قَوْلهِنَّ يَقولُ: "انْطَلِقْنَ فَقَدْ بايَعْتكُنَّ"، لاَ وَالله! ما مَسَّتْ يَدُهُ يَد امْرَأَةٍ قَطُّ، غَيْرَ أَنَّهُ بايَعَهُنَّ بِالْكَلاَمِ. أخرجه الشيخان (¬5) والترمذي (¬6). [صحيح] ¬

_ (¬1) في "السنن" (5/ 402). (¬2) سورة الحشر آية: (11). (¬3) انظر: "معالم التنزيل" (8/ 80) "تفسير ابن كثير" (13/ 495 - 496) "جامع البيان" (22/ 534). (¬4) سورة الممتحنة آية: (12). (¬5) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (4891) ومسلم رقم (1866). (¬6) في "السنن" رقم (3306). قلت: وأخرجه أبو داود رقم (2941) وابن ماجه رقم (2875).

المشهور في هذه التسمية: فتح الحاء وقد تكسر، وبه جزم السهيلي (¬1) فمعنى الأول: هي صفة المرأة التي نزلت السورة بسببها، والمشهور أنها أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط، ومن كسر جعلها صفة للسورة كما قيل في براءة: الفاضحة. قوله: "وما مست يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يد امرأة قط"، وروي (¬2) أنهن كن يأخذن بيده في البيعة من فوق ثوب، وهو قول عامر الشعبي ذكره عنه ابن سلام في "تفسيره" (¬3)، والصحيح قول عائشة، وفيه أقوال أخر سردها في "الفتح" (¬4). [قوله] (¬5) "أخرجه الشيخان والترمذي". وقال (¬6): حسن صحيح. 2 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ} (¬7) قَالَ: إِنَّما هُوَ شَرْطٌ شَرَطَهُ الله لِلنِّسَاءِ. أخرجه البخاري (¬8). [صحيح] قوله في حديث ابن عباس: "ولا يعصينك في معروف": أي: في كل أمر وافق طاعة الله. ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (8/ 633). (¬2) أخرجه أبو داود في "المراسيل" رقم (373). (¬3) ذكره الحافظ في "الفتح" (8/ 637). (¬4) "فتح الباري" (8/ 637). (¬5) زيادة من (ب). (¬6) أي: الترمذي في "السنن" (5/ 411). (¬7) سورة الممتحنة آية: (12). (¬8) في "صحيحه" رقم (4893).

والمعروف (¬1): اسم جامع لمكارم الأخلاق، وما عرف حسنه ولم تنكره القلوب. قوله: "وإنما هو شرط شرطه الله للنساء": أي: عليهن. في الترمذي (¬2) من حديث أم سلمة قالت امرأة من النسوة: ما هذا المعروف الذي لا ينبغي لنا أن نعصيك فيه؟ قال: "لا تَنُحْنَّ". قال الحافظ ابن حجر (¬3): واختلف في الشرط، فالأكثر على أنه [426/ ب] النياحة. وأخرج الطبري (¬4) في قوله: {وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ} قال: لا يخلوا الرجل بامرأة، وجمع بينهما (¬5) قتادة فأخرج [عنه] (¬6) الطبري (¬7) قال: "لا ينحن ولا يخلون بالرجال". ¬

_ (¬1) قال ابن الأثير في "النهاية في غريب الحديث" (2/ 189): المعروف: كل اسم جامع لكل ما عرف من طاعة الله، والتقرب إليه، والإحسان إلى الناس، وكل ما ندب إليه الشرع، ونهى عن من المحسنات, والمقبحات، وهو من الصفات الغالية. وانظر: "مفردات ألفاظ القرآن الكريم" (ص 561). (¬2) في "السنن" رقم (3307). قلت: وأخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (22/ 599) وابن أبي شيبة (3/ 389) وأحمد (6/ 320) وابن ماجه رقم (1579)، وهو حديث حسن. (¬3) في "فتح الباري" (8/ 639). (¬4) في "جامع البيان" (22/ 601) عن عمرو بن أبي سلمة عن زهير. (¬5) في (ب) زيادة أبو. (¬6) في (أ، ب) عنهن: والصواب: ما أثبتناه. (¬7) في "جامع البيان" (22/ 596 - 597).

(سورة الصف)

(سورة الصف) 1 - وَعَنْ عبد الله بْنِ سَلاَمٍ - رضي الله عنه - قَالَ: كُنْتُ جالساً في نفَرٍ مِنْ أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يَتَذاكرونَ ويقُولُونَ: فَقُلْنا: لَوْ نَعْلَمُ أَيَّ الأَعْمالِ أَحَبُّ إِلَى الله لَعَمِلْنَاهُ؟ فَأَنْزَلَ الله تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2)} (¬1) الآية. فَخرَجَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَرَأَهَا عَلَيْنَا. أخرجه الترمذي (¬2). [صحيح] قوله: "لم تقولون": (لم) مركبة من لام الجر و (ما) الاستفهامية (¬3)، والأكثر حذف ألفها (¬4) مع حرف الجر لكثرة الاستعمال. قوله: "مقتاً" (¬5): المقت: أشد البغض. قوله: "فقرأها علينا": لفظ الترمذي: رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال أبو سلمة: فقرأها علينا ابن سلام، قال يحيى: فقرأها علينا [أبو سلمة قال ابن كثير: فقرأها علينا الأوزاعي قال عبد الله: فقرأها علينا] (¬6) ابن كثير. ¬

_ (¬1) سورة الصف آية: (2). (¬2) في "السنن" رقم (3309)، وهو حديث صحيح. وأخرجه ابن كثير في "تفسيره" (13/ 538). وانظر: "جامع البيان" (22/ 606 - 607). (¬3) قال القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" (18/ 80) استفهام على جهة الإنكار والتوبيخ! على أن يقول الإنسان عن نفسه من الخير ما لا يفعله، أما في الماضي، فيكون كذباً، وأما في المستقبل فيكون خلفاً، وكلاهما مذموم. (¬4) انظر: "الفريد في إعراب القرآن المجيد" (4/ 461). (¬5) قاله ابن الأثير في "جامع الأصول" (2/ 387). (¬6) زيادة من (أ).

(سورة الجمعة)

قلت: يصلح أن يقال فيه: الحديث المسلسل يقرؤها [123/ أ] علينا، ثم قال الترمذي (¬1): وقد خولف محمَّد بن كثير في إسناد هذا الحديث عن الأوزاعي [فروى] (¬2) ابن المبارك عن الأوزاعي عن يحيى بن كثير عن هلال بن أبي ميمونة عن عطاء بن يسار عن عبد الله بن سلام أو عن أبي سلمة عن عبد الله بن سلام، وروى الوليد بن مسلم هذا الحديث عن الأوزاعي نحو رواية محمَّد بن كثير. انتهى. (سورة الجمعة) 1 - عَنْ جابِرٍ - رضي الله عنه - قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ نُصَلِّي مَعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذْ أقْبَلَتْ عِيرٌ تَحْمِلْ طَعامَاً فالتَفَتُوا إِليْها ما بَقِيَ مَعَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِلاَّ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ - رضي الله عنهما -. فَنَزَلَتِ: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} الآية. أخرجه الشيخان (¬3) والترمذي (¬4). [صحيح] وفي رواية: "أَنَّهُ كَانَ قَائمَاً يَخْطُبُ وَذَكَرَ نحوهُ. قوله في رواية جابر: "إذ أقبلت عير": أقول: بكسر (¬5) العين المهملة الإبل التي تحمل التجارة سواءً كانت طعاماً أو غيره، وهي مؤنثة لا واحد لها من لفظها. ¬

_ (¬1) في "السنن" (5/ 413). (¬2) في (ب) بحروف. (¬3) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (936) وأطرافه (2058، 2064، 4899) ومسلم في "صحيحه" رقم (863). (¬4) في "السنن" رقم (3310). (¬5) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 423).

(سورة المنافقين)

وفي تفسير ابن مردويه (¬1) عن ابن عباس أنها كانت لعبد الرحمن بن عوف، وفي تفسير (¬2) ابن جرير أن الذي قدم بها من الشام دحية الكلبي. قوله: "بينا نحن نصلي": أقول: ثبت من طريق لمسلم (¬3) وغيره أن انفضاضهم كان في الخطبة، فيحمل قوله: "نصلي" أي: ننتظر الصلاة، وفي "التوشيح" [427/ ب] أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي الجمعة قبل الخطبة كالعيد، وأن هذه الواقعة كانت سبباً لتقديم الخطبة. أخرجه أبو داود في "المراسيل" (¬4) وغيره. فظهر بهذا أن العير قدمت وهم في الصلاة، فلما فرغوا، وأخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - في الخطبة انفضوا. والانفضاض (¬5): التفرق مطاوع قولك فضضت. (سورة المنافقين) 1 - عَنْ جابِر - رضي الله عنه - في قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ} قَالهَ عبد الله بنُ أُبيَّ بِن سَلولَ. أخرجه الشيخان (¬6) والترمذي (¬7). [صحيح] ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 423) وعزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (8/ 165). (¬2) في "جامع البيان" (22/ 645) وانظر: "فتح الباري" (2/ 423). (¬3) في "صحيحه" رقم (36/ 863) وانظر: "جامع البيان" (22/ 645 - 647) "فتح الباري" (2/ 423). (¬4) رقم (63 - الصميعي). قال الحافظ في "الفتح" (2/ 425) لكن مع شذوذ ومعضل، وانظر: الاعتبار للحازمي رقم (120). (¬5) قاله ابن الأثير في "جامع الأصول" (2/ 388). (¬6) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (3518) وطرفاه في (4905، 4907) ومسلم رقم (2584). (¬7) في "السنن" رقم (3315).

2 - وَعَنْ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ - رضي الله عنه - قَالَ. خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - في سَفَرٍ أَصَابَ النَّاسَ فِيهِ شِدَّةٌ، فَقَالَ عبد الله بْنُ أُبَيٍّ بنُ سَلُولَ: لا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ الله حَتَّى يَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِهِ. وَقَالَ: {لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ} (¬1). فَأَتيْتُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخْبَرءتُهُ بِذَلِك. فَأَرْسَلَ إِلَى ابْنِ أُبَيٍّ فَسَأَلَهُ: فاجْتَهَدَ يَمِينَهُ مَا فَعَلَ، فَقَالُوا: كَذَبَ زَيْدٌ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فَوَقَعَ فِي نَفْسِي مِمَّا قَالُوا شِدَّةٌ، حَتَّى أَنْزَلَ الله - عز وجل - تَصْدِيقِي: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ} (¬2) قَالَ: ثُمَّ دَعَاهُمْ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِيَسْتَغْفِرَ لَهُمْ فَلَوَّوْا رُءُوسَهُمْ. وَقَولُهُ: {كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ} (¬3) قَالَ: كَانُوا رِجَالاً أَجْمَلَ شَيْءٍ. أخرجه الشيخان (¬4) والترمذي (¬5). [صحيح] قوله: "في سفر": قيل (¬6): كان في غزوة المريسيع، وقيل (¬7): في غزوة تبوك، وفي "الجامع" (¬8) قال سفيان: يرون أنها غزوة بني المصطلق. قوله: "لووا رؤوسهم" (¬9) بالتخفيف والتشديد، أي: عطفوها وأعرضوا بوجوههم رغبة عن الاستغفار. ¬

_ (¬1) سورة المنافقون آية: (8). (¬2) سورة المنافقون آية: (1). (¬3) سورة المنافقون آية: (4). (¬4) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (4900) ومسلم رقم (2772). (¬5) في "السنن" رقم (3312). (¬6) انظر: "فتح الباري" (8/ 649). (¬7) أخرجه الترمذي في "السنن" رقم (3314) وهو حديث ضعيف، والله أعلم. (¬8) (2/ 390). • وأخرجه الترمذي في "السنن" رقم (3315)، وهو حديث صحيح، وقد تقدم. (¬9) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 621).

قوله (¬1): "تعجبك أجسامهم": [قوله] (¬2): "كأنهم خشب مسندة" أي: بضخامتهم وصباحتهم، وكان ابن أبي جسيماً فصيحاً: "كأنهم خشب مسندة" أي: منصوبة مسندة إلى الجدار في كونهم أشباحاً خالية عن العلم والنظر. 3 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: مَنْ كَانَ لَهُ مالٌ يُبَلِّغُهُ بَيْتِ رَبِّهِ أَوْ تَجِبُ فِيهِ الزَّكاةُ، فَلَمْ يَفْعَلْ سَأَلَ الرَّجْعَةَ عِنْدَ الْمَوْتِ. فَقالَ رَجُلٌ: يا ابْنَ عَبّاسٍّ! اتَّقِ الله! فإِنَّمَا يَسَأَلَ الرَّجْعَةَ الْكُفَّارُ. فَقَالَ: سَأَتْلُوا عَلَيْكَم بِذَلِكَ قُرْآنًا: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (9) وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ} (¬3) إلى آخرها. فَقَالَ الرَّجُل: فَمَا يُوجِبُ الزَّكَاةَ؟ قَالَ: إِذا بَلَغَ الْمَالُ مِائَتَينِ فَصاعِدًا. قَالَ: فَمَا يُوجِبُ الْحَجَّ؟ قَالَ: الزَّادُ والْبَعِيرُ. أخرجه الترمذي (¬4). [إسناده ضعيف] قوله في حديث ابن عباس: "أخرجه الترمذي": قلت: وقال (¬5) بعد سياقه بحديث الكتاب: حدثنا عبد بن حميد قال: ثنا عبد الرزاق عن الثوري عن يحيى بن أبي حيَّة عن الضحاك عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بنحوه. وقال: هكذا روى ابن عيينة وغير واحد هذا الحديث عن أبي جناب عن الضحاك عن ابن عباس قوله: ¬

_ (¬1) زيادة من (أ). (¬2) انظر: "فتح الباري" (8/ 647). (¬3) سورة المنافقون آية: (10). (¬4) في "السنن" رقم (3316) بإسناد ضعيف. (¬5) في "السنن" (5/ 419).

(سورة التغابن)

"ولم يرفعوه": وهذا أصح من رواية [428/ ب] عبد الرزاق، وأبو جناب القصاب اسمه: يحيى بن أبي حية، وليس بالقوي في الحديث. انتهى كلامه. قلت: وأبو جناب (¬1) هو في الروايتين الموقوفة التي أتى بها "المصنف"، والمرفوعة التي لم يأت بها. (سورة التغابن) 1 - وَعَنْ عَلْقَمَةُ عَنْ ابْن مَسْعُود - رضي الله عنه - فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} قالَ: هِيَ المَصَائِب تُصِيْبُ الرَّجُلُ، فَيَعْلَمُ أَنَّهَا مِنْ عِنْدِ الله تَعَالَى فيُسَلِّمُ وَيرَضَى. أخرجه البخاري (¬2). [صحيح] قوله: "يهد قلبه": لليقين حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن (¬3) ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، فيسلم لقضاء الله. ¬

_ (¬1) هو يحيى بن أبي حية الكلبي، ضعفوه لكثرة تدليسه. "التقريب" (2/ 346 رقم 50). (¬2) في "صحيحه" (8/ 652) الباب رقم (64 - الفتح). قال الحافظ في "الفتح" (8/ 252): وهذا التعليق وصله عبد الرزاق عن ابن عيينة عن الأعمش عن أبي ظبيان عن علقمة مثله، لكن لم يذكر ابن مسعود، وكذا أخرجه الفريابي عن الثوري، وعبد بن حميد، عن عمر بن سعد، عن الثوري، عن الأعمش، والطبري من طريق الأعمش. قلت: أخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (23/ 12) والبيهقي في "الشعب" (9976)، وعبد الرزاق في "تفسيره" (2/ 295) وابن أبي حاتم كما في "تفسير ابن كثير" (14/ 20). (¬3) أخرج ابن جرير في "جامع البيان" (3/ 12) وابن كثير في "تفسيره" (14/ 20) عن ابن عباس قوله: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} يعني: يهد قلبه لليقين، فيعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه.

قوله: "أخرجه البخاري": قلت: هكذا في "الجامع" (¬1) وكان يتعين أن يقيده بقوله: معلقاً فإن لفظ البخاري قال علقمة عن عبد الله ... الحديث، وهذا تعليق (¬2)، وقد ذكر ابن حجر (¬3) من وصله. 2 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ} (¬4) الآية. هَؤُلاَءِ رِجالٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ أَسْلَمُوا، وَأَرَادُوا أَنْ يَأْتُوا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَبَى أَزْوَاجُهُمْ وَأَوْلاَدُهُمْ أَنْ يَدَعُوهُمْ، فَلَمَّا أَتَوْا رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - رَأَوُا النَّاسَ قَدْ فَقِهُوا فِي الدِّينِ، فَهَمُّوا أَنْ يُعَاقِبُوهُمْ فَنَزَلَتْ. أخرجه الترمذي (¬5) وصححه. [حسن] قوله في حديث ابن عباس: "أخرجه الترمذي وصححه": قلت: قال (¬6): حسن صحيح. ¬

_ (¬1) (2/ 395) رقم (851). (¬2) وهو كما قال، وقد تقدم توضيحه. (¬3) في "الفتح" (8/ 652). (¬4) سورة التغابن آية (14). (¬5) في "السنن" رقم (3317) وهو حديث حسن. وأخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (23/ 14) والحاكم (2/ 490) والطبراني رقم (11720) وابن أبي حاتم في "تفسيره" (10/ 3358 رقم 18904). (¬6) في "السنن" رقم (5/ 420).

(سورة الطلاق)

(سورة الطلاق) 1 - عَنْ عبد الله بْنَ عَبَّاس - رضي الله عنهما -: أَنَّه قَرأَ: فَطَلِّقُوهُنَّ لُقُبل عِدتِهِنَّ. أخرجه مالك (¬1). وَقَالَ (¬2): يعني بذلِكَ أنْ يُطلقَ في كلَّ طهرٍ مرةً. وللنسائي (¬3) عن ابن عباس مثله. (سورة التحريم) 1 - عَنْ عائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يُحِبُّ الْعَسَلَ والْحَلْو، وَكَانَ إِذَا انْصَرَفَ مِنَ صَلاةَ الْعَصْرِ دَخَلَ عَلَى نِسائِهِ، فَيَدْنُو مِنْ إِحدَاهُنَّ، فَدَخَلَ على حَفْصَةَ - رضي الله عنها -, فاحْتَبَسَ أَكْثَرَ ممَا كانَ يَحْتَبِسُ، فَغِرْتُ فَسَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ فَقِيلَ لِي: أَهْدَتْ لَهَا امْرَأَةٌ مِنْ قَوْمِهَا عُكَّةً مِنْ عَسَلٍ، فَسَقَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْهُ شَرْبَةً فَقُلْتُ: أَمَا وَالله! لَنَحْتَالَنَّ لَهُ. فَقُلْتُ لِسَوْدَةَ - رضي الله عنها -: إِنَّهُ سَيَدْنُو مِنْكِ، فَإِذَا دَنَا مِنْكِ فَقُولِي لَهُ: يَا رسولَ الله؟ أَكَلْتَ مَغافِيرَ فَإِنَّهُ سَيَقُولُ لَكِ: لاَ. فَقُولِي لَهُ: مَا هَذِهِ الرِّيحُ الَّتِي أَجِدُ مِنْكَ؟ وَكَانَ يَشْتَدُّ عَلَيْه أَنْ يُوجَدَ مِنْهُ الرِّيحُ، فَإِنَّهُ ¬

_ (¬1) في "الموطأ" (2/ 587) عن عبد الله بن دينار أنه قال: سمعت عبد الله بن عمر قرأ: (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لقبل عدتهن)، وهو موقوف صحيح. (¬2) قاله مالك في "الموطأ" (2/ 587). • وأثر ابن عباس أخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (23/ 23 - 25) وأبو عبيد في فضائل القرآن (ص 187) وأبو داود رقم (2197) والبيهقي في "السنن الكبرى" (7/ 231) والدارقطني (4/ 61) والطبراني في "الكبير" رقم (11139) وعبد الرزاق في "المصنف" رقم (11352)، وهو أثر صحيح. (¬3) قاله مالك في "الموطأ" (2/ 587). • وأثر ابن عباس أخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (23/ 23 - 25) وأبو عبيد في فضائل القرآن (ص 187) وأبو داود رقم (2197) والبيهقي في "السنن الكبرى" (7/ 187) وأبو داود رقم (2197) والبيهقي في "السنن الكبرى" (7/ 231) والدارقطني (4/ 61) والطبراني في "الكبير" رقم (11139) وعبد الرزاق في "المصنف" رقم (11352)، وهو أثر صحيح.

سَيَقُولُ: سَقَتْنِي حَفْصَةُ شَرْبَةَ عَسَلٍ، فَقُولِي لَهُ: جَرَسَتْ نَحْلُهُ الْعُرْفُطَ. وَسَأَقُولُ ذَلِكَ، وَقُولِي أَنْتِ يَا صَفِيَّةُ! ذَلكَ. قالَتْ: تَقُولُ سَوْدَةُ: فَوَالله! الذِي لا إلهَ إلَّا هُوَ ما هُوَ إِلاَّ أَنْ قَامَ عَلَى الْبَابِ، فَأَرَدْتُ أَنْ أُبَادِيَهُ بِمَا أَمَرْتِنِي بِهِ فَرَقًا مِنْكِ، فَلَمَّا دَنَا مِنْهَا قَالَتْ لَهُ سَوْدَةُ: يا رَسُولَ الله! أَكَلْتَ مَغافِيرَ؟ قَالَ: "لاَ" قَالَتْ: فَمَا هَذِهِ الرِّيحُ الَّتِي أَجِدُ مِنْكَ؟ قَالَ: "سَقَتْنِي حَفْصَةُ شرْبَةَ عَسَلٍ" قَالَتْ: لَعَلَّ نَحْلَهُ جَرَسَتْ الْعُرْفُطَ. قَالَتْ عائِشَة - رضي الله عنها -: فلَمَّا دَارَ إِلَيَّ قُلْتُ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَلمَّا دارَ إِلَى صَفِيَّةَ قَالَتْ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَلَمَّا دَارَ إِلَى حَفْصَةَ قالَتْ: يَا رَسُولَ الله! أَلا أَسْقِيكَ مِنْهُ؟ قَالَ: "لا حاجَةَ لِي فِيهِ" قالَتْ سَوْدَةُ - رضي الله عنها -: وَالله لَقَد حَرَمْنَاهُ. فُقُلْتُ لَهَا: اسْكُتِى. أخرجه الخمسة (¬1) إلا الترمذي. [صحيح] 2 - وفي رواية (¬2): "شَرِبْتُ عَسَلاً عِنْدَ زَيْنَبَ بِنَت جَحْشٍ وَلَنْ أَعُودَ لَهُ". فَنَزَلَتْ: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} إِلَى: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ} (¬3) لحَفْصَةَ وَعَائِشَةَ: {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا} (¬4) هُوَ قَوْلُهُ: "بَلْ شرِبْتُ عَسَلاً، وَلَنْ أَعُودَ لَهُ، وَقَدْ حَلَفْتُ، فَلا تُخْبرِي بِذَلِكَ أَحَدًا". [صحيح] "المغافير" (¬5): بغين معجمة وفاء وياء مثناة من تحت: شيء ينضحه العُرْفط حلوٌ كالناطِف له ريح كريهة. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (4912) وأطرافه في (5216، 5267، 5268، 5431، 5599، 5614، 5682، 6691، 6972) ومسلم رقم (1474) وأبو داود رقم (3715) والنسائي في "السنن" رقم (3421، 3795، 3958). (¬2) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (6691) وابن كثير في "تفسيره" (14/ 50). (¬3) سورة التحريم آية: (4). (¬4) سورة التحريم آية: (3). (¬5) قال ابن الأثير في "جامع الأصول" (2/ 400) وفي "النهاية في غريب الحديث" (2/ 312).

ومعنى: "جَرَسَت" (¬1) أكلت. "والعرفط" (¬2): شجر من العضاه زهرته مدحرجة. "والعضاه" (¬3) كل شجرة تعظم، ولها شوك كالطلح، والسمر، والسلم، ونحو ذلك، "والفرق" (¬4) بفتح الراء الخوف والفزع. قوله في حديث عائشة: "يحب الحلواء" هو بالمد والقصر لغتان: كل حلو يؤكل، وقيل: خاص بما دخلته الصنعة، وقال ابن سيده (¬5): هو ما عولج من الطعام بحلاوة، وذكر الثعالبي (¬6): أن الحلواء التي كان يحبها - صلى الله عليه وسلم - هي المجيع بوزن عظيم، وهي تمر يعجن بلبن. قوله: "على حفصة فاحتبس عندها ... " إلى آخره: في "صحيح مسلم" (¬7) أن التي [429/ ب] شرب عندها العسل زينب، وأن [المتظاهرتين] (¬8) عائشة، وحفصة. ¬

_ (¬1) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 255). (¬2) قال ابن الأثير في "النهاية في غريب الحديث" (2/ 191) العُرفط بالضم: شجر الطلح، وله صمغ كريه الرائحة، فإذا أكلته النَّحل حصل في عسلها من ريحه. وانظر "الفائق" للزمخشري (3/ 221). (¬3) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 221). (¬4) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 365). (¬5) في "المحكم والمحيط الأعظم" (4/ 3). (¬6) انظر: "تهذيب اللغة" (5/ 232 - 233). (¬7) في "صحيحه" رقم (20/ 1474). وأخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (4912، 5267، 6691). (¬8) في (أ، ب) المتظاهر والصواب ما أثبتناه من مصادر الحديث.

وكذلك ثبت في حديث (¬1) عمر بن الخطاب، وابن عباس أن المتظاهرتين عائشة، وحفصة. وذكر مسلم (¬2) في رواية أخرى أن حفصة هي التي شرب عندها العسل، وأن عائشة وسودة وصفية هن اللواتي تظاهرن عليه. قال (¬3): والأول أصح فإنه أومى بالقرآن، فإنه ذكر قال: {وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ} فذكر اثنتين لا ثلاثاً. كما أن الصحيح في نزول الآية أنها في قصة (¬4) العسل لا في قصة مارية المذكور في غير الصحيحين (¬5)، ولم تأت قصة مارية من طريق صحيح، هذا كلام القاضي عياض في شرح مسلم (¬6)، ثم قال: والصواب أن شرب العسل كان عند زينب. قوله: "لنحتالن له". من الحيلة بكسر الحاء المهملة ومثناة تحتية، وهي ما يتوصل به إلى مقصود بطريق خفي. قوله: "أن أناديه": بالموحدة، ويروى بالنون من المناداة. ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد (1/ 33 - 34). وانظر: "تفسير ابن كثير" (14/ 52 - 53) "جامع البيان" (23/ 95 - 97). (¬2) في "صحيحه" رقم (21/ 1473). وأخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (5216، 5268، 5431، 5599، 5614، 5682، 6972). (¬3) قاله القاضي عياض في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (7/ 29). (¬4) انظر: "فتح الباري" (9/ 374، 377). (¬5) أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" رقم (1113). وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" ورواه الطبراني في "الأوسط" من طريق موسى بن جعفر بن أبي كثير عن عمه، وقال الذهبي: مجهول وخبره ساقط. (¬6) في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (7/ 29).

(سورة الملك)

قوله: "قالت لها: اسكتي": كأنها خشيت أن يفشو ذلك، فيظهر ما دبرته من كيدها لحفصة. وفيه من الفوائد [430/ ب] ما قيل: عليه النساء من الغيرة, وأن المرأة الغيراء تعذر مما وقع منها. 3 - وَعَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كَانَ لَهُ أَمَةٌ يَطَؤُهَا، فَلَمْ تَزَلْ بِهِ عائِشَةُ وَحَفْصَةُ - رضي الله عنهما - حَتَّى حَرَّمَهَا عَلَى نَفْسِهِ، فَنزَلَ: {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ}. أخرجه النسائي (¬1). [إسناده صحيح] (سورة الملك) 1 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مِنَ الْقُرْآنِ سُورَةً ثَلاَثُونَ آيَةً شَفَعَتْ لِرَجُلٍ حَتَّى غَفَرَ الله لَهُ، وَهِيَ سُورَةُ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ". أخرجه أبو داود (¬2) والترمذي (¬3). [حسن] وعند أبي داود: "تَشْفَعُ لصاحِبِهَا". ¬

_ (¬1) في "السنن الكبرى" رقم (11607) وابن كثير في "تفسيره" (14/ 47) والحاكم في "المستدرك" (2/ 493). قال الحافظ في "الفتح" (9/ 376): وقد أخرج النسائي بسند صحيح عن أنس، ثم قال: وهذا أصح طرق هذا السبب. (¬2) في "السنن" رقم (1400). (¬3) في "السنن" رقم (2891). قلت: وأخرجه أحمد في "المسند" رقم (8259 - شاكر) وابن ماجه رقم (3786) والحاكم (2/ 497 - 498) والنسائي في "الكبرى" رقم (11612/ 1)، وهو حديث حسن.

2 - وللترمذي (¬1) في أخرى عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "هِيَ الْمَانِعَةُ هِيَ الْمُنْجِيَةُ تُنْجِيهِ مِنْ عَذابِ الْقَبْرِ". [ضعيف] زَادَ رزين: فَقَالَ ابن شِهاب: أخْبَرني حُمْيد بن عبد الرحمن عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أنها تُجادِلُ عَنْ صاحِبِهَا فِي قَبْرِه (¬2). قوله في حديث ابن عباس: "أخرجه الترمذي": قلت: وقال: هذا حديث حسن [124/ أ]. قوله في حديث ابن عباس: "هي المانعة هي المنجية" في الترمذي ذكر سبب عن ابن عباس قال: ضرب بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - خباءه على قبر، وهو لا يحسب أنه قبر، فإذا قبر إنسان يقرأ سورة الملك حتى ختمها، فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله! ضربت خباي على قبر، وأنا لا أحسب أنه قبر، فإذا قبر إنسان يقرأ سورة الملك حتى ختمها فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "هي المانعة هي المنجية، تنجيه من عذاب القبر". قوله: أخرجه الترمذي": قلت: وقال (¬3): هذا حديث غريب من هذا الوجه. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (2890)، وهو حديث ضعيف. (¬2) أخرج ابن الضريس عن مرة الهمداني قال: أتى رجل من جوانب قبره، فجعلت سورة من القرآن ثلاثون آية تجادل عنه حتى منعته عن عذاب القبر، فنظرت أنا ومسروق، فلم نجدها إلا تبارك. "الدر المنثور" (8/ 233). (¬3) في "السنن" (5/ 164).

(سورة "ن")

(سورة "ن") 1 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (¬1) - رضي الله عنهما - في قوله تَعَالَى: {عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ (13)} قَالَ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ كانَتْ لَهُ زَنَمَةٌ مِثْلُ زَنَمَةِ الشَّاةِ. قوله في حديث ابن عباس: "عتل": قيل: هو الأسود بن عبد يغوث، وقيل: الأخنس بن شريق (¬2). والعتل: كل رحب الجوف وثيق الخلق أكول شروب جموع للمال منوع له. أخرجه (¬3) عن عروة عن أبي الدرداء. وقال ابن الأثير: (¬4) إنه الفظ [431/ ب] الغليظ. وقيل: الجافي الشديد الخصومة. قوله: "زنيم" الزنمة: الهناة المعلقة عند حلق المعزي، والمراد بالزنيم الدعي في النسب الملحق بالقوم، وليس منهم تشبيهاً له بالزنمة، قاله ابن الأثير (¬5)، وفي غيره (¬6) أنه كانت له زنمة حقيقة في عنقه يعرف بها، وهو ظاهر كلام ابن عباس. 2 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ (¬7) - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "يَكْشِفُ رَبُّنَا عَنْ ساقِهِ فَيَسْجُدُ لَهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ، وَيَبْقَى مَنْ كانَ يَسْجُدُ في الدُّنْيا رِياءً وَسُمْعَةً، فَيَذْهَبُ لِيَسْجُدَ فَيَعُودُ ظَهْرُهُ طَبَقًا واحِدًا". أخرجهما البخاري. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (4917). (¬2) انظر: "جامع البيان" (23/ 164). (¬3) عزاه السيوطي في "الدر المنثور" (8/ 248) إلى الشيخ، وابن مردويه والديلمي. (¬4) في "النهاية في غريب الحديث" (2/ 159). وانظر "جامع الأصول" (2/ 411). (¬5) في "جامع الأصول" (2/ 411 - 412) وفي "النهاية في غريب الحديث" (1/ 733). (¬6) "مفردات ألفاظ القرآن" للأصفهاني (ص 383 - 384) "جامع البيان" (23/ 164). (¬7) أخرجه البخاري رقم (4919) ومسلم رقم (183).

"وكشف الساق" هنا عبارة عن شدة الأمر (¬1). ¬

_ (¬1) الساق: صفة من صفات الذات الخبرية ثابتة لله تعالى بالكتاب في قوله تعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ (42)} [القلم: 42]. ومن "السنة" عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -: .... فيكشف عن ساقه فيسجد له كل مؤمن. تقدم تخريجه. • قال شيخ الإِسلام ابن تيمية في: نقض أساس التقديس. ورقة (261): الوجه السادس: أنه من أين في ظاهر القرآن أن لله ساقاً، وليس معه إلا قوله: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} والصحابة قد تنازعوا في تفسير الآية, هل المراد به الكشف عن الشدة، أو المراد به أنه يكشف الرب عن ساقه؟ ولم يتنازع الصحابة، والتابعون فيما يذكر من آيات الصفات إلا في هذه الآية بخلاف قوله: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: 75]، {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ} [الرحمن: 27]، ... ونحو ذلك؛ فإنه لم يتنازع فيها الصحابة والتابعون، وذلك أنه ليس في ظاهر القرآن أن ذلك صفة لله تعالى؛ لأنه قال: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} [القلم: 42] , ولم يقل: عن ساق الله، ولا قال: يكشف الرب عن ساقه، وإنما ذكر ساقاً نكرة غير معرفة ولا مضافة، وهذا اللفظ بمجرده لا يدل على أنها ساق الله، والذين جعلوا ذلك من صفات الله تعالى أثبتوه بالحديث الصحيح المفسر للقرآن، وهو حديث أبي سعيد الخدري المخرج في "الصحيحين" الذي قال فيه: "فيكشف الرب عن ساقه"، وقد يقال: إن ظاهر القرآن يدل على ذلك من جهة أنه أخبر أنه يكشف عن ساق، ويدعون إلى السجود، والسجود لا يصلح إلا لله، فعلم أنه هو الكاشف عن ساقه. وأيضاً فحمل ذلك على الشدة لا يصح؛ لأن المستعمل في الشدة أن يقال: كشف الله الشدة؛ أي: أزالها؛ كما قال: {فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ (50)}، وقال: {فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ}، وقال: {وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (75)} , وإذا كان المعروف من ذلك في اللغة أن يقال: كشف الشدة؛ أي: أزالها؛ فلفظ الآية: {يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ}، وهذا يراد به الإظهار والإبانة؛ كما قال: {كَشَفْنَا عَنْهُمُ}، وأيضاً فهناك تحدث الشدة لا يزيلها، فلا يكشف =

قوله في حديث أبي سعيد: "عن ساقه": قال الحافظ (¬1): وقع هنا عن ساقه وهو من رواية سعيد بن أبي هلال عن زيد بن أسلم، وأخرجهما الإسماعيلي (¬2) كذلك، ثم قال في قوله: "عن ساقه": ثم أخرجه بلفظ عن ساق، ثم قال: هذا أصح لموافقته لفظ القرآن. قال الحافظ (¬3): وعلى الجملة لا يظن أن الله ذو أعضاء جوارح لما في ذلك من مشابهة المخلوقين تعالى عن ذلك، فليس كمثله شيء. قول "المصنف": "وكشف الساق هنا عبارة عن شدة الأمر": قلت: وفي "الفتح" (¬4) عن نور عظيم يخرون له سجداً. وقال عبد الرزاق (¬5) عن معمر عن قتادة في قوله في: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} أي: عن شدة. وعند الحاكم (¬6) من طريق عكرمة عن ابن عباس قال: هو يوم كرب وشدة. ¬

_ = الشدة يوم القيامة، لكن هذا الظاهر ليس ظاهر من مجرد لفظة: {سَاقٍ}، بل بالتركيب بالسياق، وتدبر المعنى المقصود. اهـ. وانظر "الصواعق المرسلة" (1/ 252). (¬1) في "الفتح" (8/ 664). (¬2) ذكره الحافظ في "الفتح" (8/ 664). (¬3) في "الفتح" (8/ 664)، وهو من كلام الإسماعيلي. (¬4) قال الحافظ في "الفتح" (8/ 664) أخرج أبو يعلى بسند فيه ضعف عن أبي موسى مرفوعاً في قوله: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} قال: عن نور عظيم، فيخرون له سجداً. (¬5) في "تفسيره" (2/ 300). (¬6) في "المستدرك" (2/ 499 - 500). =

(سورة نوح - عليه السلام -)

قال الخطابي (¬1): فيكون المعنى يوم يكشف عن قدرته التي تكشف عن الشدة والكرب، وذكر غير ذلك من التأويلات. (سورة نوح - عليه السلام -) 1 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: صَارَتِ الأَوْثَانُ الَّتِي كَانَتْ فِي قَوْمِ نُوحٍ في الْعَرَبِ بَعْدُ، أَمَّا وُدٌّ فَكَانَتْ لِكَلْبٍ بِدَوْمَةِ الْجَنْدَلِ، وَسُوَاعٌ لِهُذَيْلٍ، وَيَغُوثُ لمُرَادٍ، ثُمَّ صَارَتْ لِبَنِي غُطَيْفٍ بِالْجُرُفِ عِنْدَ سَبَإٍ، وَأَمَّا يَعُوقُ فَكانَتْ لِهَمْدانَ، وَأَمَّا نَسْرٌ فَلِحِمْيَرَ، لآلِ ذِي الْكَلاعِ. أَسْمَاءُ رِجَالٍ صَالحِينَ مِنْ قَوْمِ نُوحٍ، فَلَمَّا هَلَكُوا أَوْحَى الشَّيْطانُ إِلَى قَوْمِهِمْ أَنِ انْصِبُوا إِلَى مَجَالِسِهِمُ الَّتِي كانُوا يَجْلِسُونَ أَنْصَابًا، وَسَمُّوها بِأَسْمائِهِمْ فَفَعَلُوا، فَلَمْ تُعْبَدْ حَتَّى إِذا هَلَكَ أُولَئِكَ وَتَنَسَّخَ الْعِلْمُ عُبِدَتْ. أخرجه البخاري (¬2). [صحيح] لم أجد فيها ما يحتاج إلى الكلام عليه (سورة الجن) 1 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: مَا قَرَأَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَلَى الْجِنِّ وَلاَ رَآهُمُ، انْطَلَقَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي طائِفَةٍ مِنْ أَصْحابِهِ عَامِدِينَ إِلَى سُوقِ عُكاظٍ، وَقَدْ حِيلَ بَيْنَ الشَّياطِينِ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ، وَأُرْسِلَ عَلَيْهِمُ الشُّهُبُ، فَرَجَعَتِ الشَّيَاطِينُ إِلَى قَوْمِهِمْ. فَقَالُوا: مَا لَكُمْ؟ قالُوا: حِيلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ خَبَرِ السَّماءِ، وَأُرْسِلَتْ عَلَيْنا الشُّهُبُ. قالُوا: مَا ذَاكَ إِلاَّ مِنْ شَيْءٍ حَدَثَ، فاضْرِبُوا ¬

_ = قلت: وأخرجه البيهقي في "الأسماء والصفات" رقم (746) وابن أبي الدنيا في الأهوال رقم (161) وابن جرير في "جامع البيان" (23/ 187) من طرق. (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (8/ 664). (¬2) في "صحيحه" رقم (4920). وانظر "جامع البيان" (23/ 303 - 305) "تفسير ابن كثير" (14/ 142).

مَشارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا، فَمَرَّ النَّفَرُ الَّذِينَ أَخَذُوا نَحْوَ تِهَامَةَ بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يُصَلِّي بِأَصْحابِهِ صَلاَةَ الْفَجْرِ، فَلَمَّا سَمِعُوا الْقُرْآنَ اسْتَمَعُوا لَهُ وَقالُوا: هَذا الَّذِي حالَ بَيْنَنا وَبَيْنَ خَبَرِ السَّماءِ، فَرَجَعُوا إِلَى قَوْمِهِمْ فَقالُوا: يا قَوْمَنَا! {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (1)} {يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا (2)} فَأَنْزَلَ الله تَعَالَى عَلَى نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ}. أخرجه الشيخان (¬1) والترمذي (¬2). [صحيح] قوله: "إلى سوق عكاظ": بضم العين (¬3) المهملة وخفة الكاف والظاء المعجمة يصرف [432/ ب] ولا يصرف سوق للعرب بناحية مكة، وهو إلى الطائف أقرب بينهما عشرة أميال قال: وهي وراء قرن المنازل بمرحلة من طريق صنعاء، كانوا يجتمعون بها في كل سنة، فيقيمون شهراً يتبايعون ويتناشدون الأشعار، ويتفاخرون. قوله: "وأرسل عليهم الشهب": اعلم أن هذا لم يكن ظاهراً قبل مبعثه (¬4) - صلى الله عليه وسلم - ولا يذكره العرب قبل زمانه، وإنما ظهر في بِدوَّ أمره، وكان ذلك أساساً لنبوته. قوله: "فمر النفر" قيل: كانوا سبعة أو تسعة من جن نصيبين من أشراف الجن وساداتهم. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (773) و (4921) ومسلم رقم (149/ 449). (¬2) في "السنن" رقم (3323). (¬3) قاله الحافظ في "الفتح" (8/ 670). وانظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 243). (¬4) ذكره الحافظ في "الفتح" (8/ 671).

(سورة المزمل)

قوله: "يصلي بأصحابه صلاة الفجر": قال ابن حجر (¬1): أي: الصلاة التي أمر بها قبل فرض الخمس، لأن الحيلولة وإرسال الشهب كان قبل البعثة، وهذا على قول من قال [كان] (¬2) فرض عليه - صلى الله عليه وسلم - أولاً صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها، والحجة فيه: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (39)} ونحوها من الآيات، فيراد بصلاة الفجر هنا باعتبار الزمان لا بكونها إحدى الخمس. قال الماوردي (¬3): ظاهر هذا: أنهم آمنوا عند سماع القرآن قال: والإيمان يقع بأحد أمرين: إما بأن حقيقة الإعجاز، وشروط المعجزة فيقع له العلم بصدق الرسول، أو يكون عنده علم من الكتب الأولى، وفيها دلائل على أنَّه النَّبي المبشر به. (سورة المزمل) 1 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - في قَوْلِهِ تَعَالَى: {قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ} (¬4) نَسَخَتْهَا الآيَةُ الَّتِي فِيها: {عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ} الآية. قَالَ: وَناشِئَةُ اللَّيْلِ أَوَّلُهُ, يَقُول: هَذا هُوَ أَجْدَرُ أَنْ تُحْصُوا ما فَرَضَ الله عَلَيْكُمْ مِنْ قِيامِ اللَّيْلِ، وَذَلِكَ أَنَّ الإِنْسَانَ إِذَا نَامَ لَمْ يَدْرِ مَتَى يَسْتَيْقِظُ، ¬

_ (¬1) في "الفتح" (8/ 671). (¬2) زيادة من (أ). (¬3) ذكره الحافظ في "الفتح" (8/ 675). (¬4) سورة المزمل آية: (2 - 3).

(سورة المدثر)

وَقَوْلُهُ: {أَقْوَمُ قِيلًا (6)} (¬1) يَقُولُ: هُوَ أَجْدَرُ أَنْ يُفْقَهَ في الْقُرآنِ. وَقَوْلُهُ: {إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا (7)} (¬2) يَقُولُ: فَراغًا طَوِيلاً. أخرجه أبو داود (¬3). [حسن] 2 - وفي رواية (¬4): لَمَّا نَزَلَ أَوَّلُ الْمُزَّمِّلِ كَانُوا يَقُومُونَ نَحْوًا مِنْ قِيَامِهِمْ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ حَتَّى نَزَلَ آخِرُهَا، وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ سَنَةٍ. سقطت السورة من سنن الترمذي لم يذكرها، ولا ذكر فيها رواية، والمزمل أصله المتزمل (¬5) أدغمت التاء في الزاي من تزمل ثيابه إذا تلفف بها. قوله: "سبحاً" (¬6): السبح: التقلب ومن السابح في الماء لتقلبه فيه بيديه ورجليه [433/ ب]. (سورة المدثر) قوله: "المدثر (¬7) " أصله المتدثر، وهو لابس الدثار، وهو ما فوق (¬8) الشعار والشعار الثوب الذي يلي الجسد، ويماس الشعر ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم -: "الأنصار شعار والناس دثار (¬9) ". ¬

_ (¬1) سورة المزمل آية: (6). (¬2) سورة المزمل آية: (7). (¬3) في "السنن" رقم (1304)، وهو حديث حسن. (¬4) في "السنن" رقم (1305)، وهو حديث صحيح. (¬5) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (1/ 731) "غريب الحديث" للهروي (2/ 72) "مفردات ألفاظ القرآن" (ص 383). (¬6) انظر: "مفردات ألفاظ القرآن" (ص 392) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 745 - 746). (¬7) "مفردات ألفاظ القرآن" (ص 308). (¬8) قاله ابن الأثير في "النهاية" (1/ 553)، وانظر: "غريب الحديث" للهروي (1/ 311). (¬9) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (4330) ومسلم رقم (2443).

1 - عَنْ أَبِي سَعِيْد - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "الصُّعُوْدُ عَقَبَةٌ فِي النّارِ يَتَصَعَدَّهَا الْكَافِرُ سَبْعِيْنَ خَرِيْفَاً، ثُّمَّ يَهْوِي في النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفَاً فَهُوَ فِيْها كَذَلِكَ أَبَدًا" أخرجه الترمذي (¬1) [ضعيف] قوله: "أخرجه الترمذي". قلت: وقال (¬2): هذا حديث غريب إنما نعرفه مرفوعاً من حديث ابن لهيعة، وقد روى شيء من هذا عن عطية (¬3) عن أبي سعيد قوله موقوفاً. 2 - وَعَنْ جابِرِ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ نَاسٌ مِنَ الْيَهُودِ لأُنَاسٍ مِنْ أَصْحابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: هَلْ يَعْلَمُ نَبِيُّكُمْ عَدَدُ خَزَنَةِ جَهَنَّمَ؟ قَالُوا: لا نَدْرِى حَتَّى نَسْأَلَهُ، فَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ! غُلِبَ أَصْحَابُكَ الْيَوْمَ، قالَ: "وَبِمَ غُلِبُوا؟ "، قَالَ: سَأَلَهُم يَهُودُ: هَلْ يَعْلَمُ نَبِيُّكُمْ كَمْ عَدَدُ خَزَنَةِ جَهَنَّمَ؟ قَالَ: "فَمَا قَالُوا؟ "، قَالَ: قَالُوا: لا نَدْرِى حَتَّى نَسْأَلَ نَبِيَّنَا، قَالَ: "أَفَغُلِبَ قَوْمٌ سُئِلُوا عَمَّا لا يَعْلَمُونَ فَقَالُوا لا نَعْلَمُ، لَكِنَّهُمْ قَدْ سَأَلُوا نَبِيَّهُمْ فَقَالُوا: أَرِنَا الله جَهْرَةً، عَلَيَّ بِأَعْداءِ الله إِنِّي سَائِلُهُمْ عَنْ تُرْبَةِ الْجَنَّةِ وَهِيَ الدَّرْمَكُ", فَلَمَّا جَاءُوا قالُوا: يَا أَبَا الْقاسِمِ! كَمْ عَدَدُ خَزَنَةِ جَهَنَّمَ؟ قَالَ "هَكَذَا وَهَكَذَا"، في مَرَّةٍ عَشْرَةٌ، وَفِي مَرَّةٍ تِسْعٌ، قَالُوا نَعَمْ، قَالَ لَهُمُ رَسُوْلُ الله - صلى الله عليه وسلم -: ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (2576، 3164) وهو حديث ضعيف. قلت: وأخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (23/ 427) وابن أبي الدنيا في "صفة النار" رقم (28) والحاكم في "المستدرك" (2/ 507) والبيهقي في "البعث والنشور" رقم (513) وابن المبارك في "الزهد" (334). (¬2) في "السنن" (5/ 320). (¬3) أخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (23/ 427) وابن أبي حاتم في تفسيره (10/ 3383 رقم 19034) والطبراني في "الأوسط" رقم (5573) والبيهقي في "البعث والنشور" (539) وابن أبي الدنيا في "صفة الجنة" (30) وعبد الرزاق في تفسيره (2/ 331).

"مَا تُرْبَةُ الْجَنَّةِ؟ "، فَسَكَتُوا هُنَيْهَةً، ثُمَّ قَالُوا: أَخْبِرنَا يَا أَبَا الْقاسِمِ، فَقالَ: "الخُبْزُ مِنَ الدَّرْمَكِ"، أخرجه الترمذي (¬1). [ضعيف] قوله في حديث جابر: "ثم قالوا: أخبرنا يا أبا القاسم". قلت: لفظ الترمذي: هنا: "فسكتوا هنيهه، ثم قالوا: خبزه يا أبا القاسم، فقال رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "الخبز من الدّرمك" انتهى، وهو الدقيق الحواري. قوله: "أخرجه الترمذي". قلت: وقال (¬2): هذا حديث إنما نعرفه من هذا الوجه من حديث مجالد (¬3). انتهى. وفي التقريب: أن مجالداً ليس بالقوي. 3 - وَعَنْ أنَسِ - رضي الله عنه - فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ (56)} قَالَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -: قَالَ الله تَعَالَى: "أَنَا أَهْلٌ أَنْ أُتَّقَى، فَمَنِ اتَّقَانِي فَلَمْ يَجْعَلْ مَعِي إِلهًا فَأَنَا أَهْلٌ أَنْ أَغْفِرَ لَهُ"، أخرجه الترمذي (¬4). [ضعيف] قوله في حديث أنس: "من اتّقاني فلم يجعل معي إلهًا" هذا فيه بشرى أن التقوى أن لا يجعل معه إلهًا. قوله: "أخرجه الترمذي". ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (3327) وهو حديث ضعيف، انظر: "تفسير ابن كثير" (14/ 184). والدرمك: هو الدقيق الحواري. "النهاية في غريب الحديث" (1/ 565). "المجموع المغيث" (1/ 651). (¬2) في "السنن" (5/ 430). (¬3) مجالد بن سعيد بن عمير الهمداني، أبو عمرو الكوفي، ليس بالقوي "التقريب" (2/ 229 رقم 919). (¬4) في "السنن" رقم (3328) وهو حديث ضعيف. وأخرجه ابن ماجه رقم (4299) وأحمد (3/ 142) والنسائي في "الكبرى" رقم (11630) وأبو يعلى في "مسنده" رقم (3317).

(سورة القيامة)

قلت: وقال (¬1): هذا حديث حسن غريب، وسهيل ليس بالقوي في الحديث، وقد تفرد سهيل بهذا الحديث عن ثابت، انتهى، وفي التقريب (¬2): سهيل هو ابن عبد الله القُطَعي، بضم القاف وفتح الطاء، ضعيف. (سورة القيامة) 1 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - في قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16)} [القيامة: 16] قَالَ: كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يُعالِجُ مِنَ التَّنْزِيلِ شِدَّةً, فَكَانَ يحرِّكُ بِهِ شَفَتَيْهِ فَنَزَلَ: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17)} [القيامة: 16 - 17] قَالَ: جَمْعُهُ لَهُ في صَدْرِكَ ثُمَّ تَقْرَؤُهُ، {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18)} قَالَ: فاسْتَمِعْ لَهُ وَأَنْصِتْ: ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا أَنْ تَقْرَأَهُ، فَكَانَ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا أَتَاهُ جِبْرِيلُ بَعْدَ ذَلِكَ اسْتَمَعَ: فَإِذا انْطَلَقَ جِبْرِيلُ قَرَأَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - كَمَا قَرَأَهُ. أخرجه الخمسة (¬3) إلا أبا داود. [صحيح] قوله: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعالج من الوحي [434/ ب] شدة". قال ابن حجر في "الفتح (¬4) ": هذه الجملة توطئة لبيان سبب النزول، وكانت الشدة تحصل عند نزول الوحي لثقل القول كما تقدم. ¬

_ (¬1) في "السنن" (5/ 430). (¬2) (1/ 338 رقم 576). (¬3) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (5) وأطرافه (4927، 4928، 4929، 5044، 7524) ومسلم رقم (448) والترمذي رقم (3329) والنسائي رقم (935). (¬4) (8/ 682).

قوله: "فكان يحرك به شفتيه" في رواية البخاري (¬1) "لسانه وشفتيه"، وفي رواية الاقتصار على الشفتين (¬2)، وفي أخرى (¬3) على اللسان، والجميع مراد؛ لأن التحريكتين متلازمان. قوله: "إن علينا جمعه" بأن نجمعه في صدرك، أي: لنحفظه. قوله: "فإذا قرأناه" أي: قرأه عليك الملك "فاتبع قرآنه" أي: إذا أنزلناه فاستمع. قوله: "ثم إن علينا بيانه" أي: نبينه بلسانك، واستدل به (¬4) على جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب لما يقتضيه (ثم) من التراخي، [ثم والجمهور] (¬5) قاله ابن حجر (¬6). وهذا لا يتم إلا بتأويل البيان ببيان المعنى، وإلا ماذا حمل على أن المراد استمرار حفظه له وظهوره على لسانه فلا. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (4929) ومسلم رقم (448). (¬2) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (5) و (4928) ومسلم رقم (448). (¬3) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (4927). (¬4) انظر: "إرشاد الفحول" (ص 574 - 575) بتحقيقي، "البحر المحيط" (3/ 494) "تيسير التحرير" (3/ 174). (¬5) كذا في المخطوط غير واضحة, ولعلها وهو مذهب الجمهور من أهل السنة، قاله ابن حجر في "الفتح" (8/ 683). (¬6) في "فتح الباري" (8/ 683).

(سورة والمرسلات)

(سورة والمرسلات) كذا هنا وفي الجامع بإسقاط تفسير سورة {هَلْ أَتَى} وتفسيرها [ثابت] (¬1) في صحيح البخاري (¬2)، وسقطت من سنن الترمذي تفسير {هَلْ أَتَى} و (المرسلات) و {عَمَّ} و (النازعات) جميعاً. 1 - عَن ابْنَ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ (32)} [المرسلات: 32] كُنَّا نَرْفَعُ الْخَشَبَ لِلشِّتَاءِ ثَلاَثَةَ أَذْرُعٍ أَوْ أَقلَّ وَنُسَمِّيهِ الْقَصَرَ: {كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ (33)} [المرسلات: 33] حِبَالُ السُّفْنِ تُجْمَعُ حَتَّى تَكُونَ كَأَوْساطِ الرِّجالِ. أخرجه البخاري (¬3). [صحيح] قوله في حديث ابن عباس: "ونسميه القصر". أقول: في البغوي (¬4): القصر البناء العظيم، قال ابن مسعود (¬5): يعني: الحصون، وقال سعيد بن جبير (¬6) والضحاك: هي أصول النخل والشجر العظام واحدتها قصره مثل تمرة ¬

_ (¬1) زيادة من (أ). (¬2) (8/ 685 - 687 الباب رقم 77 الحديث رقم (4930) و (4931، 4932، 4933، 4934 - مع الفتح). (¬3) في "صحيحه" رقم (4932) وطرفه رقم (4933)، وأخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (23/ 602) وعبد الرزاق في تفسيره (2/ 341) والحاكم (2/ 511) والبيهقي في "البعث" رقم (572). (¬4) في "معالم السنن" (8/ 306). (¬5) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (10/ 3393 رقم 19091) وعزاه السيوطي في "الدر المنثور" إلى سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني في "الأوسط" وذكره ابن كثير في تفسيره (14/ 223). (¬6) أخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (23/ 32 - 33) وذكره البغوي في "معالم التنزيل" (8/ 306).

(سورة عم)

وتمر، وقرأ علي (¬1) وابن عباس {كَالْقَصْرِ (32)} بفتح الصاد، أي: أعناق الفحل، والقصر (¬2) العنق. وقوله: "جمالات" بكسر الجيم لجمع الجمال، "وصفر" جمع الأصفر، يعني: لون النار، وقيل: الصفر معناها السود كما في الغريب (¬3)، جاء في الحديث: "إن شرر نار جهنم [435/ ب] سود كالقير، والعرب تسمي سواد الإبل صفر؛ لأنه مشوب بسوادها شيء من الصفرة. قوله: "حبال السفن". قال الخطابي (¬4): فأما حبال السفن فإنما هو إذا قُرئ جمالات بالضم. (سورة عم) 1 - عن عكرمة فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَكَأْسًا دِهَاقًا (34)} [النبأ: 34] قال: ملأى متتابعة. أخرجه البخاري (¬5). [صحيح] ¬

_ (¬1) انظر: "جامع البيان" (23/ 604) "فتح الباري" (8/ 528) "روح المعاني" (29/ 222) "الجامع لأحكام القرآن" (19/ 164). (¬2) قال ابن الأثير في "النهاية في غريب الحديث" (2/ 459) القصر قصر النخل، وهو ما غلظ من أسلفها أو أعناق الإبل واحدتها قصرة. (¬3) انظر: "مفردات ألفاظ القرآن" (ص 487). "جامع البيان" (23/ 605 - 608). (¬4) في "غريب الحديث" (1/ 254). (¬5) في "صحيحه" رقم (3839). وأخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (24/ 42) والحاكم (2/ 512) والبيهقي في "البعث والنشور" رقم (358).

[قوله] (¬1): سورة عبس 1 - عَن عُرْوَةَ أَنَّ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: أُنْزِلَ {عَبَسَ وَتَوَلَّى (1)} [عبس: 1] فِي ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ الأَعْمَى: أَتَى رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فَجَعَلَ يَقُولُ: يَا رَسُولَ الله! أَرْشِدْنِي، وَعِنْدَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - رَجُلٌ مِنْ عُظَمَاءِ الْمُشْرِكِينَ، فَجَعَلَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يُعْرِضُ عَنْهُ وَيُقْبِلُ عَلَى الآخَرِ وَيَقُولُ: أَتَرَى بِمَا أَقُولُ بَأْسًا؟ فَيُقالُ لاَ، فَفِي هَذا أُنْزِلَ. أخرجه مالك (¬2) والترمذي (¬3). [صحيح] سقط تفسيره سورة النازعات، وهو ثابت في البخاري. قوله: "ابن أم مكتوم الأعمى". أقول: اسمه عبد الله بن سريح بن مالك بن ربيعة الفهري، من بني عامر بن لؤي وأم مكتوم اسمها عاتكة بنت عبد الله، وفي "الفتح (¬4) ": أن اسم ابن أم مكتوم عمرو وقيل: كان اسمه الحصين فسماه النبي - صلى الله عليه وسلم - عبد الله، وهو قرشي عامري أسلم قديماً، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يكرمه ويستخلفه على المدينة، وشهد القادسية في خلافة عمر واستشهد بها، وقيل: بل رجع إلى المدينة فمات بها، قال السهيلي في "الروض (¬5) " في قوله: {أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى (2)} [عبس: 2] من القصة: أنه لا غيبة في ذكر الرجل بما ظهر في خلقه من عمى أو عرج إلا أن يقصد به الإزدراءُ وفي ذكره إياه بالعمى من الحكمة والإشارة اللطيفة البينة على موضع الغيب؛ لأنه ¬

_ (¬1) زيادة من (أ). (¬2) في "الموطأ" (1/ 203 رقم 8). (¬3) في "السنن" رقم (3331) وهو حديث صحيح. وأخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (24/ 103) وأبو يعلى في "مسنده" رقم (4848) والواحدي في "أسباب النزول" (ص 322) والحاكم (2/ 514). (¬4) (2/ 99 - 100). (¬5) (2/ 118 - 119).

قال: {أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى (2)} [عبس: 2] فذكر المجيء مع العمى، وذلك ينبي عن تجشم كلفة، ومن تجشم القصد إليك على ضعف فحقك الإقبال عليه لا الإعراض عنه، هذا مع أنه لم يكن ابن أم مكتوم آمن بعد ألا تراه يقول: {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3)} [عبس: 3] ولو كان قد صح إيمانه لم يعرض عنه - صلى الله عليه وسلم -، ولو أعرض عنه لكان العتب أشد، وكذلك لم يكن ليخبر عنه ويسميه بالاسم المشتق من العمى دون الاسم المشتق من الإيمان والإِسلام، لو كان قد دخل في الإيمان [436/ ب] قبل ذلك وإنما دخل بعد نزول الآية. قوله: "من عظماء المشركين" هو الوليد بن المغيرة وقيل: أمية بن خلف، وقيل: عتبة وشيبة ابنا ربيعة (¬1): وقيل: عتبة وأبو جهل وعباس. قوله: "أخرجه مالك والترمذي". قلت: وقال الترمذي (¬2): هذا حديث غريب، وروى بعضهم هذا الحديث عن هشام ابن عروة عن أبيه قال: أنزل {عَبَسَ وَتَوَلَّى (1)} [عبس: 1] في ابن أم مكتوم ولم يذكر فيه عن عائشة انتهى. أي: فيكون منقطعاً. 2 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّكُم تُحْشَرُونَ حُفاةً عُراةً غُرْلًا"، فَقَالَتِ امْرَأَةٌ: "أيُبْصِرُ أَوْ يَرَى بَعْضُنَا عَوْرَةَ بَعْضٍ؟ قَالَ: "يَا فُلانَةُ! {لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (37)} [عبس: 37] ". أخرجه الترمذي (¬3). [صحيح] ¬

_ (¬1) انظر: "جامع البيان" (24/ 106 - 107). (¬2) في "السنن" (5/ 432). (¬3) في "السنن" رقم (2423، 3167، 3332). قلت: وأخرجه البخاري رقم (3349) ومسلم رقم (2860) والنسائي رقم (2081، 2082، 2087).

(سورة كورت)

(غُرْلاً) جمع أغرل، وهو الأقلف (¬1) الذي لم يختتن. قوله في حديث ابن عباس: "فقالت امرأة" هي: سودة بنت زمعة. قوله: "أخرجه الترمذي" وقال (¬2): هذا حديث حسن صحيح، وقد روي من غير وجه عن ابن عباس. (سورة كورت) 1 - عَنِ ابْنَ عُمَرَ - رضي الله عنهما - أَنَّ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُ رَأْىُ عَيْنٍ فَلْيَقْرَأْ: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1)} وَ {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ (1)} وَ {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1)} ". أخرجه الترمذي (¬3). [صحيح] قوله في حديث ابن عمر: "أخرجه الترمذي". قلت: وسكت عليه. 2 - وَعَنِ ابْنِ مَسْعُود - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "الْوَائِدَةُ والْمَوْءُوْدَةُ في النَّارِ" أخرجه أبو داود (¬4). [صحيح] "وَالْمَوْءُوْدَةُ (¬5) " البنت الصغيرة تدفن وهي حية، وكانوا في الجاهلية يفعلون ذلك "وَالْوائِدَةُ" التي تفعل ذلك، فحرم ذلك الإِسلام. ¬

_ (¬1) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 303)، "غريب الحديث" للخطابي (2/ 477). (¬2) في "السنن" (5/ 433). (¬3) في "السنن" رقم (3333) وهو حديث صحيح، صححه الألباني في "الصحيحة" رقم (1081). (¬4) في "السنن" رقم (4717) وهو حديث صحيح. (¬5) انظر: "جامع البيان" (24/ 146 - 147).

(سورة المطففين)

(سورة المطففين) 1 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا أَخْطَأَ خَطِيئَةً نُكِتَتْ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةٌ, فَإِذَا هُوَ نَزَعَ واسْتَغْفَرَ وَتَابَ صُقِلَ قَلْبُهُ، وإِنْ عادَ زِيدَ فِيهَا حَتَّى تَعْلُوَ قَلْبَه وَهُوَ الرَّانُ الَّذِي ذَكَرَ الله تَعَالَى". أخرجه الترمذي (¬1) وصححه. [حسن] "النَّكْتُ (¬2) " الأثر في الشيء، "وَرَانَ (¬3) عَلَى قَلْبِهِ" أي غطى. قوله: "وهو الران" أصل الرين الغلبة، يقال: رانت الخمر على عقله يرين ريناً وروناً إذا غلبت عليه وسكر، وقال مجاهد (¬4): بل ران انبثت الخطايا على قلوبهم والرين، والران الغشاوة وهو كالصدى على الشيء الصقيل. (سورة انشقت) 1 - عَنِ ابْنِ عَبَّاس - رضي الله عنهما - فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ (19)} [الانشقاق: 19] قالَ: حَالَاً بَعْدَ حَالَ، قَالَ هَذا نَبِيُّكُّمْ - صلى الله عليه وسلم -. أخرجه البخاري (¬5). [صحيح] ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (3334)، وأخرجه ابن ماجه رقم (4244) وهو حديث حسن. (¬2) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 793). (¬3) قال الراغب في "مفرداته" (ص 373) الرين: صدأ يعلوا الجلي قال: {بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ} [المطففين: 14] أي: صار ذلك كصدأً على جلاء قلوبهم، فعمي عليهم معرفة الخير من الشر. (¬4) أخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (24/ 202) والبيهقي في "الشعب" رقم (7208) وانظر تفسير مجاهد (ص 711) حيث قال: أي: انبثت على قلبه الخطايا حتى غمرته. (¬5) في "صحيحه" رقم (4940). قلت: وأخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (24/ 251) والبغوي في تفسيره (8/ 375، 376).

قوله: "هذا نبيكم" أي: الخطاب له وهو على قراءة فتح الموحدة، وبها قرأ (¬1) ابن كثير والأعمش والأخوان، وقرأ بها ابن مسعود وابن عباس وعامة قُرَّاء مكة والكوفة [347/ ب] وقرأ (¬2) الباقون: بالضم على أنه خطاب للأمة ورجحها أبو عبيدة (¬3) بسياق ما قبلها وما بعدها. وقال الطبري (¬4): الطبق الشدة، ومعنى قوله: "حالاً بعد حال" أي: حال مطابقة للشيء قبلها في الشدة، أو هي جمع طبقة وهي المرتبة، أي: طبقات بعضها أشد من بعض، وقيل: المراد اختلاف أحوال (¬5) المولود منذ يكون حديثاً إلى أن يصير إلى أقصى العمر فهو قبل أن يولد جنين، ثم إذا ولد صبي، ثم إذا فطم غلام، فإذا بلغ سبعاً يافع (¬6) ... إلى آخر وله، وهو أنه [يصيرهما] (¬7) إذا بلغ ثمانين، فإذا بلغ تسعين كان فانياً. ¬

_ (¬1) انظر: "النشر" (2/ 298) "البحر المحيط" (8/ 447) "جامع البيان" (24/ 250 - 251). (¬2) انظر: "جامع البيان" (24/ 256) "روح المعاني" (30/ 105) "الجامع لأحكام القرآن" (9/ 278) "الكشف عن وجوه القراءات" (2/ 37). (¬3) ذكره الحافظ في "الفتح" (8/ 698). (¬4) في "جامع البيان" (24/ 256). (¬5) ذكره البغوي في تفسيره (8/ 376) عن عكرمة. (¬6) قال الحافظ في "الفتح" (8/ 698) فإذا بلغ عشراً حزور، فإذا بلغ خمس عشرة قمد، فإذا بلغ خمساً وعشرين عنطنط، فإذا بلغ ثلاثين صمل، فإذا بلغ أربعين كهلاً، فإذا بلغ خمسين شيخ، فإذا بلغ ثمانين هم، فإذا بلغ تسعين فان. (¬7) كذا في المخطوط غير واضحة.

([سورة] البروج)

([سورة] (¬1) البروج) 1 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "الْيَوْمُ الْمَوْعُودُ: يَوْمُ الْقِيَامَةِ والْيَوْمُ الْمَشْهُودُ: يَوْمُ عَرَفَةَ، والشَّاهِدُ: يَوْمُ الْجُمُعَةِ، قَالَ: وَما لمَعَتْ الشَّمْسُ وَلا غَرَبَتْ عَلَى يَوْمٍ أَفْضَلَ مِنْهُ، فِيهِ ساعَةٌ لا يُوافِقُها عَبْدٌ مُؤْمِنٌ يَدْعُو الله تَعَالَى فِيْها بِخَيْرٍ إِلاَّ اسْتَجَابَ لَهُ، وَلاَ يَسْتَعِيذُ مِنْ شَرٍّ أَعاذَهُ الله مِنْهُ". أخرجه الترمذي (¬2). [حسن] قوله: "أخرجه الترمذي". قلت: وقال (¬3): هذا حديث لا نعرفه إلا من حديث موسى بن عبيدة، وموسى بن عبيدة يضعف في الحديث، ضعفه يحيى بن سعيد وغيره من قبل حفظه، وقد روى شعبة وسفيان الثوري وغير واحد من الأئمة عن موسى بن عبيدة، انتهى كلامه. قلت: وفي التقريب (¬4): ابن عبيدة بضم أوله أبو عبد العزيز المدني، ضعيف لا سيما في عبد الله بن دينار وكان عابداً. انتهى. (سورة سبح [اسم ربك الأعلى (¬5)]) 1 - عَن أَبِي ذَرٍّ - رضي الله عنه - قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - الْمَسْجِد فَقَالَ: يَا أَبَا ذَرٍّ! إِنَّ لِلْمَسْجِدِ تَحِيَّةً، قُلْتُ: وَمَا تَحِيَّتُهُ؟ قَالَ: رَكَعَتَانِ تَرْكَعْهُما، قُلْتُ: يا رَسُولُ الله! هَلْ أُنْزِلَ عَلَيْكَ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ في صُحُفِ إِبْراهِيمُ وَمُوْسَى؟ قَالَ: يَا أَبَا ذَرٍ! {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14)} ¬

_ (¬1) زيادة من (أ). (¬2) في "السنن" رقم (3339) وهو حديث حسن. (¬3) في "السنن" (5/ 436). (¬4) (2/ 286 رقم 1483). (¬5) زيادة من (أ).

[الأعلى: 14]، حَتَّى بَلَغَ: {إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى (18) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى (19)} [الأعلى: 18، 19] قُلْتُ: يا رَسُولُ الله! وَمَا كانَتْ صُحُفُ إِبْراهيمَ وَمُوسَى؟ قَالَ: كَانَتْ عِبَرَاً كُلُّها، عَجِبْتُ لمِنْ أَيْقَنَ بِالْمَوْتِ ثُمَّ يَفْرَح! عَجِبْتُ لمِنْ أَيْقَنَ بِالنَّارِ كَيْفَ يَضْحَكُ! عَجِبْتُ لِمَن رَأَى الدُّنْيا وَتَقَلُّبَها بِأَهْلِها ثُمَّ يَطْمَئِنُّ إِلَيْهَا! عَجِبْتُ لمِنْ أَيْقَنَ بِالْقَدَرَ ثُمَّ يَنْصَبُ! عَجِبْتُ لِمَنْ أَيْقَنَ بِالْحسَابِ ثُمَّ لا يَعْمَلُ. أخرجه رزين. قوله: "أخرجه رزين". قلت: على قاعدة المصنف وبيض له ابن الأثير، ولكنه أخرجه عبد بن حميد (¬1) وابن مردويه، وابن عساكر، عن أبي ذر بزيادات ولفظه: قال أبو ذر: قلت: يا رسول الله! كم أنزل الله من كتاب؟ قال: "مائة كتاب وأربعة كتب، أنزل على شيث خمسين صحيفة، وعلى إدريس ثلاثين صحيفة، وعلى إبراهيم عشر صحائف، وعلى موسى قبل التوراة عشر صحائف، وأنزل التوراة والإنجيل والزبور والفرقان" قلت: يا رسول الله! فما كانت صحف إبراهيم؟ قال: "أمثال [438/ ب] كلها، أيها الملك المتسلط المبتلى المغرور، لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها إلى بعض، ولكن بعثتك لترد عني دعوة المظلوم فإني لا أردها ولو كانت من كافر، وعلى العاقل ما لم يكن مغلوباً على عقله ثلاث ساعات: ساعة يناجي فيها ربه وساعة يحاسب فيها نفسه, ويتفكر فيما صنع بها، وساعة يخلو فيها لحاجته من الحلال، فإن هذه الساعة عون لتلك الساعات واستجماماً للقلوب، وتعريفاً لها، وعلى العاقل أن يكون بصيراً بزمانه، مقبلاً على شأنه، حافظاً للسانه، فإن من حسب كلامه من عمل أقل الكلام إلا فيما يعنيه, وعلى العاقل أن يكون طالباً لثلاث؛ توجه لمعاش، أو تزود لمعاد، أو تلذذ في غير محرم" قلت: يا رسول الله، فما كانت صحف موسى؟ قال: "كانت كلها عبراً، عجبت لمن أيقن بالموت كيف يفرح، ولمن ¬

_ (¬1) ذكره عنهم السيوطي في "الدر المنثور" (8/ 488).

(سورة الفجر)

أيقن بالنار كيف يضحك، ولمن رأى الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها، ولمن أيقن بالقدر ثم ينصب، ولمن أيقن بالحساب ثم لا يعمل". قلت: يا رَسُولُ الله! هل أنزل عليك شيء مما كان في صحف إبراهيم وموسى؟ قال: "يا أبا ذر" نعم: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (15) بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (17) إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى (18) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى (19)} [الأعلى: 14 - 19] " انتهى. وسقط من التيسير وأصله تفسير الغاشية وهو ثابت في البخاري (¬1) والترمذي (¬2). (سورة الفجر) 1 - عَن عُمْرَان بنِ حُصَيْن - رضي الله عنهما - قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عنِ الشَّفْعِ والْوِتْرِ، فَقَالَ: هِيَ الصَّلاةِ بَعْضَهَا شَفْعٌ، وَبَعْضُهَا وَتْرٌ". أخرجه الترمذي (¬3). [ضعيف] قوله: "أخرجه الترمذي". قلت: وقال (¬4): هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث قتادة، وقد رواه أيضاً خالد بن قيس عن قتادة. انتهى. ¬

_ (¬1) في صحيحه (8/ 700 - 701 الباب رقم 88 - مع الفتح). (¬2) في "السنن" (5/ 439 الباب رقم (78) الحديث رقم (3341). (¬3) في "السنن" رقم (3342) وهو حديث ضعيف. (¬4) في "السنن" (5/ 440).

(سورة الشمس)

وفي "الدر المنثور (¬1) " [أنه] (¬2) أخرجه أحمد (¬3)، وعبد بن حميد (¬4)، والترمذي (¬5)، وابن جرير (¬6)، وابن المنذر (¬7)، وابن أبي حاتم (¬8) وصححه، وابن مردويه (¬9)، عن عمران بن الحصين وساقه بلفظه الذي هنا [439/ ب]. (سورة الشمس) 1 - عَن عبد الله بْنُ زَمْعَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ وَذَكَرَ النّاقَةَ والَّذِي عَقَرَهَا، فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: " {انْبَعَثَ أَشْقَاهَا (12)} [الشمس: 12]، انْبَعَثَ لهَا رَجُلٌ عَزِيزٌ عَارِمٌ، مَنِيعٌ فِي رَهْطِهِ, مِثْلُ أَبِي زَمْعَةَ"، وَذَكَرَ النِّسَاءَ فَوَعَظَ فِيْهِنَّ فَقالَ: "يَعْمِدُ أَحَدُكُمْ فَيَجْلِدُ امْرَأَتَهُ جَلْدَ الْعَبْدِ، فَلَعَلَّهُ يُضَاجِعُهَا مِنْ آخِرِ يَوْمِهِ" ثُمَّ وَعَظَهُمْ في ضَحِكِهِمْ مِنَ الضَّرْطَةِ فَقالَ: "لِمَ يَضْحَكُ أَحَدُكُمْ مِمَّا يَفْعَلُ". أخرجه الشيخان (¬10) والترمذي (¬11). [صحيح] ¬

_ (¬1) (8/ 502). (¬2) زيادة من (أ). (¬3) في "المسند" (4/ 438). (¬4) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (8/ 502). (¬5) في "السنن" رقم (3342) وهو حديث ضعيف كما تقدم. (¬6) في "جامع البيان" (24/ 354). (¬7) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (8/ 502). (¬8) في تفسيره (10/ 3423 رقم 19236). (¬9) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (8/ 502). قال ابن كثير في "تفسيره" (14/ 341) وعندي أن وقفه على عمران بن حصين أشبه. والله أعلم. (¬10) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (4942) ومسلم رقم (2855). (¬11) في "السنن" رقم (3343).

(سورة الليل)

"العارم (¬1) " الشديد الممتنع. سقط تفسير سورة لا أقسم وهو ثابت في البخاري (¬2)، وسقط من الترمذي أيضاً. قوله: "انبعث" أي: قام. قوله: "عزيز عارم (¬3) " عزيز قليل المثل، عارم بالمهملتين صعب على من يرومه، كثير الشهامة والشره، منيع قوي ذو منعة في رهطه، يمنعونه من الضيم. قوله: "مثل أبي زمعة" هو الأسود بن عبد العزى الأسدي، جدَّ عبد الله بن زمعة، راوي الحديث. قوله: "يعمد" بكسر الميم. قوله: "الشيخان والترمذي". قلت: وقال (¬4): هذا حديث حسن صحيح. (سورة الليل) سقط تفسيرها من التيسير، واصله وهو ثابت في البخاري (¬5) والترمذي (¬6) [قوله] (¬7) ¬

_ (¬1) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 194)، "المجموع المغيث" (2/ 434). (¬2) في "صحيحه" (8/ 703 الباب رقم 90 - مع الفتح). (¬3) "غريب الحديث" للخطابي (2/ 28)، "النهاية في غريب الحديث" (2/ 199). (¬4) في "السنن" (5/ 441). (¬5) في "صحيحه" (8/ 706 - 709 الأحاديث رقم (4943 - 4949 - مع الفتح). (¬6) في "السنن" (5/ 441 رقم 3344). (¬7) زيادة من (أ).

(سورة والضحى)

(سورة والضحى) 1 - عَن جُنْدب بِن سُفْيان قَالَ: اشْتَكَى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فَلَمْ يَقُمْ لَيْلَةً أَوْ لَيْلَتَيْنِ فَجاءَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: يَا مُحَمَّدُ! إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ شَيْطانَكَ قَدْ تَرَكَكَ لَمْ أَرَهُ قَرَبَكَ مُنْذُ لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلاثِ، فَنَزَلَ: {وَالضُّحَى (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (3)} ". أخرجه الشيخان (¬1) والترمذي (¬2). [صحيح] 2 - وفي رواية (¬3): أَبْطَأَ جِبْرِيلُ عَلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: قَدْ وَدِّعَ مُحَمَّدٌ فَنَزَلَتْ قلاه إذا هجره. قوله: "جندب" هو بضم الجيم وفتح الدال المهملة وضمها لغتان، ابن عبد الله بن سفيان العلقي، بفتحات نسبة إلى علقة فخذ من بجيلة. قوله: "فجاءته امرأة" قيل: هي أم جميل العوراء امرأة أبي لهب. قوله: "قربك" بكسر الراء ومضارعه يقرب بفتحها. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (4950) (4951) ومسلم رقم (1797). (¬2) في "السنن" رقم (3345). قلت: وأخرجه أحمد (4/ 312) وابن جرير في "جامع البيان" (24/ 485) والطبراني في "الكبير" رقم (1711) والبيهقي في "الدلائل" (7/ 59). (¬3) أخرجه مسلم في صحيحه رقم (114/ 1797) وابن جرير في "جامع البيان" (24/ 485) والطبراني رقم (1712) وعبد الرزاق في تفسيره (2/ 379) والحميدي في "مسنده" (777).

(سورة اقرأ)

قوله: "ما ودعك" قال ابن عباس (¬1): "ما ودعك: ما قطعك منذ أرسلك، وما قلى: ما أبغضك، وسمى الوداع وداعاً؛ لأنه فراق ومتاركة" وقرئ: (وما ودعك) بتخفيف (¬2) الدال شاذاً من ودعه يدعه تركه. قوله: "وفي رواية". قلت: للبخاري [440/ ب] والترمذي، واختلف في مدة (¬3) بطائه عليه، فقيل: اثني عشر يوماً، وقيل: خمسة عشر يوماً، وقيل: أربعون يوماً. وقد سقط هنا تفسير سورتي {أَلَمْ نَشْرَحْ} وسورة (التين) وهو ثابت في البخاري (¬4) وفي الترمذي (¬5) (¬6). (سورة اقرأ) 1 - عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: كانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي، فَجاءَ أبو جَهْلٍ فَقالَ: أَلَمْ أَنْهَكَ عَنْ هَذا؟ أَلَمْ أَنْهَكَ عَنْ هَذا؟ فانْصَرَفَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَزَبَرَهُ فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: إِنَّكَ لَتَعْلَمُ ما بِهَا نَادٍ أَكْثَرُ ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في "صحيحه" (8/ 711 الباب رقم 2 - مع الفتح معلقاً، ووصله ابن أبي حاتم في تفسيره (10/ 3442 رقم 19373). وانظر: "جامع البيان" (24/ 484) والإتقان (2/ 56). (¬2) انظر: "الجامع لأحكام القرآن" (20/ 94)، "روح المعاني" (30/ 197)، "إعراب القراءات السبع وعللها" (2/ 495). (¬3) انظر: "فتح الباري" (8/ 710 - 711). (¬4) في "صحيحه" (8/ 711 - 712 الباب رقم 95) سورة التين. (¬5) في "السنن" (5/ 442 الحديث رقم 3346) الباب رقم 83) باب: ومن سورة ألم نشرح. وفي السنن (5/ 443 رقم 3347) الباب رقم 84 باب ومن سورة التين. (¬6) في (أ) زيادة وذكر.

(سورة القدر)

مِنِّي، فَأَنْزَلَ الله: {فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ (17) سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ (18)} [العلق: 17، 18]، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَوَالله لَوْ دَعَا نَادِيَهُ لأَخَذَتْهُ زَبانِيَةُ الله تَعَالَى. أخرجه الترمذي (¬1) وصححه. [صحيح] قوله: "فزبره (¬2) " أي: انتهره. قوله: "ناديه (¬3) " أي: قومه وعشيرته. قوله: "الزبانية (¬4) " جمع زبني، مأخوذ من الزبن (¬5) وهو الدفع، قال ابن عباس: "يريد زبانية جهنم، سمو بها؛ لأنهم يدفعون أهل النار". قوله: "أخرجه الترمذي وصححه". قلت: قال (¬6): هذا حديث حسن غريب صحيح. (سورة القدر) 1 - عن مَالِكٍ (¬7): أنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - أُرِيَ أَعْمَارَ أُمَّتَهُ، فَكَأنَّهُ تَقَاصَرَ أَعْمَارَهُم أَنْ لا يَبْلُغُوا مِنَ الْعَمَلِ مِثْلَ ما بَلَغَ غَيْرُهُمْ في طُولِ الْعُمْرِ فَأَعْطاهُ الله تَعَالَى لَيْلَةَ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ. [إسناده صحيح] ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (3349) وهو حديث صحيح. وأخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (24/ 539) والطبراني في "الأوسط" رقم (8398) وفي "الكبير" رقم (12693). (¬2) قال ابن الأثير في "النهاية" (1/ 716) أي: تنهره, وتغلظ له في القول والردَّ. (¬3) انظر: "الفائق" للزمخشري (3/ 49)، "النهاية في غريب الحديث" (2/ 726). (¬4) انظر: "جامع البيان" (24/ 539 - 540)، وقال ابن كثير في تفسيره (14/ 400) هم ملائكة العذاب. (¬5) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (1/ 717). (¬6) في "السنن" (5/ 444). (¬7) في "الموطأ" (8/ 321 رقم 15) بإسناد صحيح إلى مالك.

قوله: "عن مالك أنه بلغه" [127/ أ]. قلت: وأخرجه البيهقي في "شعب الإيمان (¬1) "، وأخرجه ابن أبي حاتم (¬2)، وابن المنذر (¬3)، والبيهقي في سننه (¬4) عن مجاهد، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر رجلاً من بني إسرائيل لبس السلاح في سبيل الله ألف شهر، فعجب المسلمون من ذلك، فأنزل الله: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3)} [القدر: 1 - 3] التي لبس ذلك السلاح في سبيل الله ألف شهر. 2 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ، فَقَالَ: "هِيَ في كُلِّ رَمَضَانَ" أخرجه أبو داود (¬5). [صحيح موقوف] 3 - وَعَنْهُ - رضي الله عنه -: أَنَّ رِجَالاً مِنْ أَصحابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أُرُوا لَيْلَةَ الْقَدْرِ في الْمَنَامِ فِي السَّبْعِ الأَوَاخِرِ، فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: "أَرَى رُؤْيَاكُمْ قَدْ تَوَاطَأَتْ فِي السَّبْعِ الأَوَاخِرِ، فَمَنْ كَانَ مُتَحَرِّيَهَا فَلْيَتَحَرَّهَا فِي السَّبْعِ الأَوَاخِرِ". أخرجه الثلاثة (¬6) والترمذي. [صحيح] ¬

_ (¬1) رقم (3668). (¬2) في تفسيره (10/ 3452 رقم 19424). (¬3) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (8/ 568). (¬4) في "السنن الكبرى" (4/ 306). (¬5) في "السنن" رقم (1387) صحيح موقوفاً على ابن عمر. وأخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (24/ 545) وابن أبي شيبة في مصنفه (3/ 75). (¬6) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (1158) وأطرافه في (2015، 6991) ومسلم في صحيحه رقم (205/ 1165) وأبو داود رقم (1385).

4 - وفي أخرى للبخاري (¬1): عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْعَشْرِ الأَواخِرِ مِنْ رَمَضانَ". [صحيح] قوله في حديث ابن عمر [441/ ب]: "قد تواطأت" بالهمز، أي: توافقت لفظاً ومعنى، وسميت ليلة القدرة لأنها ليلة تقدير الأمور والأحكام يقدر الله فيها أمر السنة في عباده وبلاده إلى السنة المقبلة كقوله: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4)} (¬2) قيل: للحسين (¬3) بن الفضل: أليس الله قد قدر المقادير قبل أن يخلق السموات والأرض؟ قال: نعم، قيل: فما معنى ليلة القدر؟ قال: سوق المقادير إلى المواقيت وتنفيذ القضاء المقدر. 5 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أُرِيتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ وَرَأَيْتُني أَسْجُدُ في صُبِيحَتَها فِي مَاء وَطِينٍ، فَهاجَتِ السَّمَاءُ وَكانَ الْمَسْجِدِ مِنْ عِرِيشٍ فَلَقَدْ رَأيْتُهُ وَعَلَى أَنْفِهِ وَأرْنبَتِهِ أَثَرُ الْمَاءِ والطِّينِ، وَذلِكَ صَبِيحَةَ إِحدَى وَعِشْرِين" أخرجه الستة (¬4) إلا الترمذي. [صحيح] قوله: "رأيتني" في حديث أبي سعيد، بضم التاء والفاعل والمفعول ضميران لشيء واحد، وهو من خصائص أفعال القلوب. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (2017) وطرفاه رقم (2019، 2020) ومسلم رقم (1169). (¬2) سورة الدخان الآية (4). (¬3) ذكره البغوي في "معالم التنزيل" (8/ 485). (¬4) أخرجه البخاري رقم (813) وأطرافه (669، 836، 2016، 2018، 2027، 2036، 2040) ومسلم رقم (215/ 1167). وأبو داود رقم (1382) وابن ماجه رقم (1766) والنسائي رقم (1095، 1356).

6 - وَعَنْ عبد الرَّحْمنِ بْن عبيد الصَّنَابحيّ: عَمَّنْ أَخْبَرَهُ عَنْ بِلاَل - رضي الله عنه - أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ: "إِنَّهَا أَوَّلُ السَّبْعِ مِنَ الْعَشْرِ الْأَواخِرِ" يَعْنِي: لَيْلَة ثَلاثٍ وَعِشْرينَ. أخرجه البخاري (¬1). [صحيح] قوله في حديث (¬2) بلال: "فالتمسوها في أربع وعشرين". قد استشكل هذا مع قوله في الطريق الأخرى أنها وتر، وأجيب بأن الجمع بين الروايتين أن يحمل ما ورد مما ظاهره الشفع أن يكون باعتبار الابتداء بالعدد من آخر، فتكون ليلة الرابع والعشرين هي السابعة، ويحتمل أن يراد بقوله: "في أربع وعشرين" أي: أول ما يرجى من السبع البواقي فيوافق ما تقدم من التماسها في السبع البواقي. 7 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "الْتَمِسُوهَا فِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ". أخرجه الشيخان (¬3). [صحيح] 8 - وعن زر بن حبيش قَالَ: قُلْتُ لأُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ إِنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: مَنْ قَامَ سُنَّتهُ أَصَابَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ، قَالَ: والله الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ: إِنَّهَا لَفِي رَمَضانَ، وَإِنَّها لَلَيْلَةٍ الَّتِي أَمَرَنا بِهَا ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (4470). (¬2) أخرجه أحمد (6/ 12). قال ابن كثير في "تفسيره" (14/ 411) بعد ذكر حديث بلال: ابن لهيعة ضعيف، وقد خالفه ما رواه البخاري عن أصبغ، عن ابن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الخير، عن أبي عبد الله الصنابحي، قال: أخبرني بلال مؤذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنها أول السبع من العشر الأواخر، فهذا الموقوف أصح، والله أعلم. وهكذا روى عن ابن مسعود، وابن عباس، وجابر، والحسن، وقتادة, وعبد الله بن وهب: أنها ليلة أربع وعشرين. انظر: "فتح الباري" (4/ 263 - 266). (¬3) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (2022).

رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بقِيَامِهَا هِيَ لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ، وَأَمَارَتُهَا أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ في صَبِيحَةِ يَوْمِهَا بَيْضاءَ لا شُعاعَ لَهَا. أخرجه مسلم (¬1). [صحيح] 9 - وَعَنْ يُوسُفَ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: قامَ رَجُلٌ إِلَى الْحَسَنِ بْنِ عَليٍّ - رضي الله عنهما - بَعْدَ ما بايَعَ مُعاوِيَةَ، فَقَالَ: سَوَّدْتَ وُجُوهَ الْمُؤْمِنِينَ، أَوْ يَا مُسَوِّدَ وُجُوهِ الْمُؤْمِنِينَ، فَقالَ: لا تُؤَنِّبْنِي رَحِمَكَ الله، فَإِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أُرِىَ بَنِي أُمَيَّةَ عَلَى مِنْبَرِهِ فَسَاءَهُ ذَلِكَ فَنَزَلَتْ: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1)} [الكوثر: 1] وَنَزَلَ: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3)} [القدر: 1 - 3] يَمْلِكُهَا بَعْدَكَ بَنُو أُمَيَّةَ، قَالَ الْقاسِمُ بْنِ الْفَضْلِ - رحمه الله -: فَعَدَدْنَاهَا فَإِذَا هِيَ أَلْفُ شَهْرٍ لا تَزِيدُ وَلا تَنْقُصُ. أخرجه الترمذي (¬2). [ضعيف، ومتنه منكر] قوله في حديث يوسف بن سعد: "لا تؤنبني" التأنيب: المبالغة في التعنيف والتوبيخ. قوله: "قال القاسم بن الفضل" هو الحُدَّاني، يروي عن يوسف بن سعد، وهو ثقة [442/ ب] وثقه يحيى بن سعيد، و [عبد الرحمن بن مهدي] (¬3). قوله: "أخرجه الترمذي (¬4) ". ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (179/ 762). قلت: وأخرجه أبو داود رقم (1378) والترمذي رقم (3351) وأحمد (5/ 131) وهو حديث صحيح. (¬2) في "السنن" رقم (3350) بسند ضعيف، ومتنه منكر. وقال ابن كثير في "تفسيره" (14/ 404) " ... ثم هذا الحديث على كل تقدير منكر جداً، قال شيخنا الإمام الحجة أبو الحجاج المزي: هو حديث منكر. ثم قال: وقول القاسم بن فضل الحُدَّاني: إنه حسب مدة بني أمية فوجدها ألف شهر لا تزيد يوماً ولا تنقص، ليس بصحيح ... ". (¬3) في (أ) ابن مهدي. (¬4) في "السنن" (5/ 445).

(سورة الزلزلة)

قلت: وقال: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث القاسم بن الفضل، وقد قيل: عن القاسم بن الفضل عن يوسف بن مازن، والقاسم بن الفضل الحُدَّاني هو (¬1) ثقة وثقه يحيى بن سعيد، وعبد الرحمن بن مهدي، ويوسف بن سعد (¬2) رجل مجهول ولا يعرف هذا الحديث على هذا اللفظ إلا من هذا الوجه، انتهى كلامه. قال ابن الأثير (¬3): كان أول ولاية بني أمية منذ بيعة الحسن بن علي لمعاوية بن أبي سفيان، وذلك على رأس ثلاثين سنة من وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو في آخر سنة أربعين من الهجرة، وكان إنقضاء دولتهم على يد أبي مسلم الخراساني في سنة اثنتان وثلاثين ومائة، فيكون ذلك اثنتين وتسعين سنة سقط منها مدة خلافة عبد الله بن الزبير، وهي ثمان سنين وثمانية أشهر، يبقى ثلاث وثمانون سنة وأربعة أشهر، وهي ألف شهر [انتهى] (¬4). (سورة الزلزلة) 1 - عَنْ عبد الله بْنِ عَمْرٍو بنَ الْعاص - رضي الله عنهما - قَالَ: أَتَى رَجُلٌ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "أَقْرِئْنِي سُورَةً جَامِعَةً، فَأَقْرَأَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - {إِذَا زُلْزِلَتِ} [الزلزلة: 1] فَقَالَ: والَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ! لا أَزِيدُ عَلَيْها أبدًا، فَلَمَّا أَدْبَرَ قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - "أَفْلَحَ الرُّوَيْجِلُ". مَرَّتَيْنِ". أخرجه أبو داود (¬5). [حسن] ¬

_ (¬1) انظر: "التقريب" (2/ 119 رقم 41). (¬2) انظر: "التقريب" (2/ 380 رقم 434). (¬3) في "جامع الأصول" (2/ 433)، وانظر: "تفسير ابن كثير" (14/ 404). (¬4) زيادة من (أ). (¬5) في "السنن" رقم (1399). قلت: وأخرجه النسائي في "الكبرى" رقم (10553) وابن جرير في "جامع البيان" (14/ 426) وأحمد في "المسند" رقم (6575) وهو حديث حسن.

"ومعنى" جامعة أنها تجمع أشتات الخير وما يتوقع من البركة "والرُّوَيْجِلُ" تصغير رجل على غير قياس، وهو في العربية كثير. 2 - وعن أنس - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِذا زُلْزِلَتْ تَعْدِلُ رُبُعَ الْقُرْآنِ". أخرجه الترمذي (¬1). [ضعيف] سقط تفسير سورة {لَمْ يَكُنِ} وهو ثابت في البخاري (¬2) وفي سنن الترمذي (¬3). قوله: "تعدل ربع القرآن" قيل: لأجل أنها مشتملة على الحساب، وهو بالنسبة إلى الحياة والموت والبعث والحساب ربع. 3 - وله (¬4) في أخرى عن ابن عباس - رضي الله عنهما -: "أَنَّهَا تَعْدِلُ نِصْفَ الْقُرْآنِ، وَقُلْ هُوَ الله أَحَدٌ تَعْدِلُ ثُلْثَ الْقُرْآنِ، وَقُلْ يَا أَيُّهَا الْكافِرُونَ تَعْدِلُ رُبُعَ الْقُرْآنِ". [ضعيف] وقوله: "تعدل نصف القرآن" قيل: لأنها تشتمل على أحوال الآخرة، وأحوال الآخرة بالنسبة إلى أحوال الدنيا نصف، فهي ربع من وجه نصف من وجه، وكونها جامعة؛ لأن من تأمل قوله: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7)} [الزلزلة: 7] إلى آخرها، فقد جمع له الخير [443/ ب]. قوله: "تعدل ثلث القرآن"، وذلك؛ لأنَّ القرآن العظيم لا يتجاوز ثلاثة أقسام (¬5) وهي: الإرشاد إلى معرفة ذات الله وتقديسه، ومعرفة صفاته وأسمائه؛ أو معرفة أفعاله وسنته في ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (2895) وهو حديث ضعيف. (¬2) في "صحيحه" (8/ 725 الحديث 4959، 4960، 4961). (¬3) في "السنن" (5/ 446 الحديث رقم 3352). (¬4) أي: الترمذي في "السنن" رقم (2894) وهو حديث ضعيف. (¬5) قاله ابن الأثير في "جامع الأصول" (8/ 486).

عباده، ولما اشتملت سورة الإخلاص على أحد هذه الأقسام الثلاثة، وهو التقديس وازنها - صلى الله عليه وسلم - بثلث القرآن؛ لأن منتهى التقديس أن يكون واحداً من ثلاثة أمور لا يكون حاصلاً منه من هو من نوعه وشبهه، ودل عليه: {لَمْ يَلِدْ} ولا يكون هو حاصلاً ممن هو نظيره وشبهه، ودل عليه: (لم يولد) ولا يكون في درجته، وإن لم يكن أصلاً ولا فرعاً من هو مثله، ودل عليه قوله: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)} [الإخلاص: 4] , ويجمع جميع ذلك قوله: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} [الإخلاص: 1]، وجملته تفصيل قولك لا إله إلا الله، فهذا من أسرار القرآن ولا يتناهى. قوله: "أخرجه الترمذي". قلت: وقال (¬1): هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث هذا الشيخ الحسن بن سلم، انتهى كلامه. قلت: في التقريب (¬2): الحسن بن سلم بن صالح العجلي، ويقال: اسم أبيه سيار، وقد ينسب إلى جده مجهول، ورمز فوقه رمز الترمذي فقط، ولم يذكر الحسن بن سلم غير هذا إلا أنه ذكر آخر للتمييز فقط [128/ أ]. 4 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَرَأَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4)} [الزلزلة: 4] قَالَ: "أَتَدْرُونَ ما أَخْبارُهَا؟ " قَالُوا: الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: "هُوَ أَنْ تَشْهَدَ عَلَى كُلِّ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ بِما عَمِلَ عَلَى ظَهْرِها، تَقُولَ: عَمِلَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا وَكَذَا وكَذَا، فَهَذِه أَخْبَارُهَا". أخرجه الترمذي (¬3) وصححه. [سنده ضعيف] ¬

_ (¬1) في "السنن" (5/ 166). (¬2) (1/ 166 رقم 277). (¬3) في "السنن" رقم (2429، 3353) بسند ضعيف، وانظر: "جامع البيان" (24/ 560).

(سورة التكاثر)

قوله: "أخرجه الترمذي وصححه". قلت: قال (¬1): هذا حديث حسن غريب صحيح. (سورة التكاثر) 1 - عَنْ الزُّبَيْرِ - رضي الله عنه - فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (8)} [التكاثر: 8] قَالَ: قُلْتُ: يا رَسُولَ الله! فَأَيُّ النَّعِيمِ نُسْأَلُ عَنْهُ؟ إِنَّمَا هُمَا الأَسْوَدانِ التَّمْرُ والْمَاءُ، قَالَ: "أَمَا إِنَّهُ سَيَكُونُ" (¬2). [حسن] 2 - وَعَنِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ أَوَّلَ ما يُسْأَلُ عَنْهُ الْعَبْدَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ النَّعِيمِ أَنْ يُقَالَ لَهُ: أَلَمْ نُصِحَّ لَكَ جِسْمَكَ وَنُرْوِيكَ مِنَ الْماءِ الْبَارِدِ". أخرجهما الترمذي (¬3). [صحيح] وسقط تفسير سورتين العاديات والتي تليها، وسقطا من سنن الترمذي، وثبت تفسيرهما في صحيح البخاري (¬4). قوله: "أخرجهما الترمذي". ¬

_ (¬1) في "السنن" (4/ 620). (¬2) في "السنن" (3357) وهو حديث حسن. وأخرجه أحمد (5/ 429) وابن جرير في "جامع البيان" (24/ 608) وهناد في "الزهد" (768) وابن أبي شيبة في "مصنفه" (13/ 231) والبيهقي في "شعب الإيمان" رقم (4598). (¬3) في "السنن" رقم (3358) وهو حديث صحيح. وأخرجه البغوي في "معالم التنزيل" (8/ 519) وعبد الله بن أحمد في "زوائد المسند (ص 31) والحاكم في "المستدرك" (4/ 138) والبيهقي في "شعب الإيمان" رقم (4607) وابن حبان في "صحيحه" رقم (7364). (¬4) في "صحيحه" (8/ 727 الباب رقم (100) سورة والعاديات، والقارعة، والباب رقم (101) سورة القارعة.

(سورة أرأيت)

قلت: وقال (¬1) في حديث الزبير: إنه حسن، وقال (¬2) في الثاني وهو حديث أبي هريرة: هذا حديث غريب، والضحاك هو أبو عبد الرحمن بن عرزب ويقال: ابن عرزم. انتهى بلفظه، وفي التقريب (¬3): عَرْزَب: بفتح المهملة، وسكون الراء بعدها زاي ثم موحدة أو ميم وأنه الضحاك [444/ ب] مجهول. انتهى. (سورة أرأيت) 1 - عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قَالَ: كُنَّا نَعُدُّ الْمَاعُونَ عَلَى عَهْدِ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَارِيَةً الدَّلْوِ وَالْقِدرِ. أخرجه أبو داود (¬4). [حسن] قد طوى تفسير أربع سور وتفسيرها في البخاري (¬5)، إلا أن غالبها ليس فيها حديث مرفوع. (سورة الكوثر) 1 - عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: بَيْنَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي الْمَسْجِدِ إِذْ أَغْفَى إِغْفَاءَةً ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ ضَاحِكَاً فَقِيْلَ: ما أَضْحَكَكَ يا رَسُولَ الله؟ قَالَ: "نَزَلَتْ عَلَيَّ سُورَةٌ آنِفًا" فَقَرَأَ: "بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1)} [الكوثر: 1] حتى ختمها قَالَ: "أتدْرُونَ مَا الْكَوْثَرُ؟ " قُلْنَا: الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: "إِنَّهُ نَهْرٌ وَعَدَنِيهِ رَبِّي - عز وجل - عَلَيْهِ خَيْرٌ كَثِيرٌ, هُوَ حَوْضٌ ¬

_ (¬1) أي: الترمذي في "السنن" (5/ 448). (¬2) أي: الترمذي في "السنن" (5/ 448 - 449). (¬3) (1/ 372 رقم 10). (¬4) في "السنن" رقم (1657) وهو حديث حسن. (¬5) في "صحيحه" (8/ 728 - 730 الباب رقم 103، 104، 105، 106 - مع الفتح).

تَرِدُ عَلَيْهِ أُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، آنِيَتُهُ عَدَدُ نُجُومِ السَّمَاءِ فَيُخْتَلَجُ الْعَبْدُ مِنْهُمْ فَأَقُولُ رَبِّ إِنَّهُ مِنْ أُمَّتِي، فَيَقُولُ: ما تَدْرِي ما أَحْدَثَتْ بَعْدَكَ". أخرجه الخمسة (¬1). [صحيح] قوله: "آنفاً" بالمد أي: قريباً، ويجوز القصر في لغة قليلة، وقرئ (¬2) به في السبع. قوله: "فقرأ" قال الرافعي في "أماليه (¬3) ": فهم فاهمون من الحديث أن السورة نزلت في تلك الإغفاءة، وقالوا: [القرآن] (¬4) من الوحي ما كان يأتيه في النوم؛ لأن رؤيا الأنبياء وحي، وهو صحيح، لكن الأشبه أن يقال: القرآن كله نزل في اليقظة، وكأنه خطر له في النوم سورة الكوثر المنزلة في اليقظة، أو عرض عليه الكوثر الذي وردت فيه السورة فقرأها عليهم، وفسرها لهم قال: وورد في بعض الروايات أنه أغمي عليه، وقد يحمل ذلك على الحالة التي كانت تعتريه عند نزول الوحي، ويقال لها: برحاء الوحي. انتهى. قلت: الذي قاله في غاية الإتجاه، وهو الذي كنت أميل إليه قبل الوقوف عليه، والتأويل الأخير أصح من الأول؛ لأن قوله: "أنزل عليَّ آنفاً" يدفع كونها نزلت قبل ذلك بل نقول: نزلت في تلك الحالة [وليس الإغفاء إغفاءة نوم بل الحالة] (¬5) التي كانت تعتريه عند الوحي [قاله] (¬6) السيوطي في الإتقان (¬7). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (4964، 6581) ومسلم في "صحيحه" رقم (53/ 400) وأبو داود رقم (4847) والترمذي رقم (3359) والنسائي رقم (904). (¬2) انظر: "روح المعاني" (26/ 250 "إعراب القراءات السبع وعللها" (2/ 324). (¬3) قاله السيوطي في "الإتقان" (1/ 73). (¬4) زيادة من (أ). (¬5) زيادة من (ب). (¬6) في (ب) قال. (¬7) في "الإتقان في علوم القرآن" (1/ 73).

قوله: "فيختلج" الاختلاج (¬1): الاستلاب [445/ ب] والاجتذاب. قوله: "منهم" أي: من الأمة، وفي لفظ للبخاري ومسلم "ممن صحبني إذا رأيتهم رفعوا إليَّ اختلجوا دوني فلأقولن: أي رب! أصحابي أصحابي! فيقولن لي: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك". 2 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَتْ قُرَيْشٌ: إِنَّ مُحَمَّداً لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ، وَسَيَمُوتُ وَيَنْقَطِع أَثَرُهُ، فَأَنْزَلَ الله تَعَالَى: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1)} إلَى قَوْلِهِ: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3)} [الكوثر: 1 - 3] أخرجه رزين (¬2). قوله في حديث ابن عباس ... إلى آخره، روى الواحدي في أسباب النزول (¬3) عن محمد ابن إسحاق قال: حدثني يزيد بن رومان قال: كان العاص بن وائل السهمي إذا ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: دعوه، فإنما هو رجل أبتر لا عقب له، فلو هلك انقطع ذكره، واسترحتم منه، فأنزل الله: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1)} [الكوثر: 1] السورة. قوله في حديث ابن عباس: "أخرجه رزين". قلت: معناه في عدة روايات في "الدر المنثور (¬4) " عن ابن عباس وغيره بألفاظ تختلف وتتفق. ¬

_ (¬1) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (1/ 516)، "الفائق" للزمخشري (1/ 394). (¬2) أخرجه ابن كثير في "تفسيره" (14/ 482) وابن جرير في "جامع البيان" (24/ 697) والواحدي في "أسباب النزول" (ص 743). (¬3) (ص 743). (¬4) (8/ 651 - 653).

(سورة النصر)

(سورة النصر) 1 - عَن أنس - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: " {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1)} [النصر: 1] تَعْدِلُ رُبُعَ الْقُرْآنِ". أخرجه الترمذي (¬1). [ضعيف] قوله في رواية أنس: "أخرجه الترمذي". قلت: هو حديث أخرجه بلفظ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لرجل: "تزوجت يا فلان؟! " قال: لا والله يا رسول الله! ولا عندي ما أتزوج به، قال: "أليس معك قل هو الله أحد؟ " قال: بلى، قال: "ثلث القرآن" قال: "أليس معك إذا جاء نصر الله والفتح؟ " قال: بلى، قال: "ربع القرآن" قال: "أليس معك قل يا أيها الكافرون؟ " قال: بلى، قال: "ربع القرآن" قال: "أليس معك إذا زلزلت الأرض؟ " قال: بلى، قال: "ربع القرآن تزوج تزوج". هذا (¬2) حديث حسن. انتهى بلفظه. 2 - عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: كَانَ عُمَرُ - رضي الله عنه - يُدْخِلُنِي مَعَ أَشْياخِ بَدْرٍ، فَكَأَنَّ بَعْضَهُمْ وَجَدَ في نَفْسِهِ، فَقَالَ: لِمَ تُدْخِلُ هَذَا مَعَنَا وَلَنَا أَبْنَاءٌ مِثْلُهُ؟ فقَالَ عُمَرُ - رضي الله عنه -: إِنَّهُ مِمَّنْ عَلِمْتُمْ، فَدَعَانِي ذاتَ يَوْمٍ فَأَدْخَلَنِي مَعَهُمْ، فَعَلِمْتُ أَنَّهُ ما دَعانِي إِلاَّ لِيُرِيَهُمْ، فَقالَ: ما تَقُولُونَ في قَوْل الله - عز وجل -: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1)} [النصر: 1] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أُمِرْنا أَنْ نَحْمَدَ الله وَنَسْتَغْفِرَهُ، إِذا نُصِرْنا وَفُتِحَ عَلَيْنا، وسكت بَعْضُهُمْ فَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا، فَقالَ: أَكَذَاك تَقُولُ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ؟ قُلْتُ: لاَ، قالَ: فَمَا تَقُولُ؟ قُلْتُ: هُوَ أَجَلُ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - أَعْلَمَهُ لَهُ فقال: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1)} [النصر: 1] فَذَاكَ عَلاَمَةُ أَجَلِكَ: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (2895) وهو حديث ضعيف. (¬2) قاله الترمذي في "السنن" (5/ 450).

كَانَ تَوَّابًا (3)} [النصر: 3] فَقَالَ عُمَرُ - رضي الله عنه -: مَا أَعْلَمُ مِنْهَا إِلاَّ مَا تَقُولُ. أخرجه البخاري (¬1) والترمذي (¬2). [صحيح] قوله في حديث ابن عباس: "فكأن بعضهم وجد في نفسه" هو عبد الرحمن بن عوف كما صرح به في البخاري (¬3) في علامات النبوة، وهو هنا في رواية الترمذي. قوله: "إنه ممن علمتم" أشار بذلك إلى قرابته من رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، وفي رواية (¬4) أنه قال عمر: "ذاك فتى الكهول [446/ ب] إن له لساناً سؤولاً، وقلباً عقولاً". وروي أن العباس قال لابنه: "إن هذا الرجل - يعني: عمر - يدينك فلا تُفشين له سراً، ولا تغتابن عنده أحداً، ولا يسمع منك كذباً". قوله: "ليريهم" زاد البخاري (¬5) في غزوة الفتح "مني" أي: مثل ما رآه هو مني من العلم، وفي رواية ابن سعد: "أما إني سأريكم اليوم منه ما تعرفون به فضله". قوله: "فقال: أكذا تقول [129/ أ] يا ابن عباس؟ قلت: لا، قال: فما تقول؟ قلت: هو أجل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعلمه الله". ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (3627) وأطرافه في (4294، 4430، 4969، 4970). (¬2) في "السنن" رقم (3362). (¬3) في "صحيحه" رقم (3627). (¬4) أخرجه الخرائطي في "مكارم الأخلاق" كما في "فتح الباري" (8/ 735). (¬5) في "صحيحه" رقم (4294).

أقول: وأخرج الطبراني (¬1) من طريق عكرمة عن ابن عباس قال: "لما نزلت: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1)} [النصر: 1] نعيت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نفسه فأخذ بأشد ما كان اجتهاداً في أمر الآخرة". قوله: "إلا ما تقول" في رواية الترمذي: "والله ما أعلم منها إلا ما تقول". وفي رواية قال عمر: "فكيف تلوموني على حب ما ترون". نعم، ويروى أنها نزلت يوم النحر وهو بمنى في حجة الوداع، قيل: عاش بعدها أحد وثمانين يوماً، وعند ابن أبي حاتم (¬2) من حديث ابن عباس: "توفي بعدها بتسع ليالٍ" وعن مقاتل سبعاً، وعن بعضهم: ثلاثاً (¬3). قال ابن القيم في الهدي (¬4): كأنه - أي: ابن عباس - أخذه من قوله: (استغفره)؛ لأنه كان يجعل الاستغفار في خواتم الأمور، فيقول: إذا سلَّم من الصلاة: استغفر الله ثلاثاً، وإذا خرج من الخلاء قال: غفرانك، وورد الأمر بالاستغفار عند انقضاء المناسك: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ} [البقرة: 199]. قوله: "البخاري والترمذي". قلت: وقال (¬5): هذا حديث حسن صحيح. ¬

_ (¬1) انظر: "جامع البيان" (24/ 707). (¬2) ذكره الحافظ في "الفتح" (8/ 734). (¬3) قال الحافظ في "الفتح" (8/ 734) وهو باطل. (¬4) انظر: "زاد المعاد" (2/ 266) وهو نصاً في "مدارج السالكين" (3/ 515). (¬5) في "السنن" رقم (5/ 450).

(سورة الإخلاص)

(سورة الإخلاص) 1 - عَنْ أَبِي سَعِيدٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لأصْحَابِهِ: "أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَقْرَأَ ثُلُثَ الْقُرْآنِ في لَيْلَةٍ؟ " قَالُوا: وأَيُّنَا يُطِيقُ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: "الله أحَد، الله الصَّمَدُ، ثُلُثُ الْقُرْآنِ". أخرجه البخاري (¬1)، ومالك (¬2)، وأبو داود (¬3)، والنسائي (¬4). [صحيح] قوله: "أن يقرأ ثلث القرآن"، قدمنا كلاماً في هذا قريباً فتذكر، والذي يظهر لي أنه ثلث في أجر قراءتها لسر يعلمه الله. 2 - وَعَن أَنَس - رضي الله عنه -: أَنَّ رَجُلَاً قَالَ: يَا رَسُولُ الله! إِنِّي أُحِبُّ هَذِهِ السُّوْرَةَ، قَالَ: "إنَّ حُبَّكَ إِيَّاهَا أَدْخَلَكَ الْجَنَّةَ" (¬5). [حسن] قوله في حديث أنس: "أن رجلاً ... " إلى آخره، هو كلثوم بن الهِدْم [447/ ب] بكسر الهاء وسكون الدال، وقيل: ابن زهدم، وقيل: كرز بن زهدم، وقصته هذه غير قصة الذي كان يختم قراءته في صلاته بـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} [الإخلاص: 1]، فإنه أخرج البخاري (¬6) من حديث أنس: كان رجل من الأنصار يؤمهم في مسجد قباء، فكان يفتح بـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} [الإخلاص: 1] ثم يقرأ بسورة أخرى معها يفعل ذلك في كل ركعة. ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (5013). (¬2) في "الموطأ" (1/ 208 رقم 17). (¬3) في "السنن" رقم (1461). (¬4) في "السنن" رقم (995) وفي "عمل اليوم والليلة" رقم (698). (¬5) أخرجه الترمذي في "السنن" رقم (2901) وهو حديث حسن. (¬6) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (774) معلقاً.

قال ابن حجر (¬1): ولا يصح أنه كلثوم بن الهدم؛ لأن في هذه القصة أنه كان أمير سرية، وكلثوم بن الهدم مات في أوائل الهجرة قبل بعث السرايا، وعلى هذا فالذي يؤم في مسجد قباء غير أمير السرية، ويدل على التغاير أن هذه كان يقرأ بـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} [الإخلاص: 1] وأمير السرية كان يختم بها. قوله: "أدخلك الجنة" سيأتي أنه أخرجه الترمذي، وفي الترمذي حديثان فيهما هذا اللفظ كلاهما عن أنس. الأول (¬2) عنه كان رجل من الأنصار يؤمهم في مسجد قباء، فكان كلما افتتح سورة فقرأ لهم في الصلاة يقرأ بها افتتح بـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} [الإخلاص: 1] حتى يفرغ منها، ثم يقرأ سورة أخرى معها، وكان يصنع ذلك في كل ركعة، فكلمه أصحابه فقالوا: إنك تقرأ بهذه السورة ثم ترى أنها لا تجزيك حتى تقرأ بسورةٍ أخرى، فإما أن تقرأ بها، وإما أن تدعها وتقرأ سورة أخرى؟ قال: ما أنا بتاركها إن أجببتم أن أؤمكم فعلت، وإن كرهتم تركتكم، وكانوا يرونه أفضلهم، وكرهوا أن يؤمهم غيره، فلما أتاهم النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبروه الخبر فقال: "يا فلان! وما يمنعك مما يأمر به أصحابك، وما يحملك أن تقرأ هذه السورة في كل ركعة؟ " قال: يا رسول الله! إني أحبها، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن حبها أدخلك الجنة". وقال الترمذي (¬3) بعد [448/ ب] سياقه: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه من حديث عبيد الله بن عمر، عن ثابت البناني، وروى (¬4) مبارك بن فضالة عن ثابت البناني، عن ¬

_ (¬1) في "فتح الباري" (2/ 258). (¬2) أخرجه الترمذي في "السنن" رقم (2901) وهو حديث حسن. (¬3) في "السنن" (5/ 170). (¬4) أخرجه الترمذي في "السنن" (5/ 170) بإثر الحديث رقم (2901).

أنس أن رجلاً قال: يا رسول الله! إني أحب هذه السورة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} [الإخلاص: 1]، قال: "إن حبك إياها يدخلك الجنة". انتهى كلام الترمذي وفيه: "يدخلك" وفي التيسير (¬1) "أدخلك" وهو لفظه في الرواية الأولى. 3 - وعنه - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ قَرَأَ كُلَّ يَوْمٍ مِائَتَيْ مَرَّةٍ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} [الإخلاص: 1] مُحِيَ عَنْهُ ذنوبُ خَمْسِينَ سَنَةً إِلاَّ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ دَيْنٌ" (¬2). [ضعيف] 4 - وعنه - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنامَ عَلَى فِراشِهِ فَنَامَ عَلَى يَمِينِهِ ثُمَّ قَرَأَ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} [الإخلاص: 1] مِائَةَ مَرَّةٍ قالَ لَهُ الرَّبُّ تَعَالَى يَوْمَ الْقِيامَةِ: ادْخُلْ عَلَى يَمِينِكَ الْجَنَّةَ" (¬3). أخرج هذه الأحاديث الثلاثة الترمذي. [ضعيف] 5 - وَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ - رضي الله عنه -، أَنَّ الْمُشْرِكِينَ قالُوْا لِلنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: انْسُبْ لَنَا رَبَّكَ، فَنَزَلَ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3)} [الإخلاص: 1 - 3] لأَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ يُولَدُ إِلاَّ سَيَمُوتُ، وَلَيْسَ شَيْءٌ يَمُوتُ إِلاَّ سَيُورَثُ، وَإنَّ الله - عز وجل - لاَ يَمُوتُ وَلا يُورَثُ، {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)} [الإخلاص: 4] قَالَ: "لَمْ يَكُنْ لَهُ شَبِيهٌ وَلا عِدْيلٌ، وَلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ". أخرجه الترمذي (¬4). [ضعيف] ¬

_ (¬1) انظر: "جامع الأصول" (8/ 489). (¬2) أخرجه الترمذي في "السنن" رقم (2898) وهو حديث ضعيف. وأخرجه ابن كثير في "تفسيره" (14/ 509) وأبو يعلى في مسنده رقم (3365). (¬3) أخرجه الترمذي في "السنن" رقم (2898 م) وهو حديث ضعيف. (¬4) في "السنن" رقم (3364) وهو حديث ضعيف. =

قوله في حديث أبي: "أخرجه الترمذي". قلت: أخرجه (¬1) مرفوعاً، ثم أخرجه عن أبي العالية (¬2) مرسلاً وقال (¬3): هذا أصح. قال الحافظ ابن حجر (¬4): وصحح الموصول ابن خزيمة (¬5) والحاكم (¬6)، وله شاهد من حديث جابر عند أبي يعلى (¬7) والطبراني في "الأوسط (¬8) ". 6 - وَعَن أَبِي وائِلٍ - رحمه الله - قَالَ: الصَّمَدُ: السَّيِّدُ الَّذِي انْتَهى سُؤْدَدُهُ. أخرجه البخاري (¬9). [صحيح] قوله في حديث أبي وائل: "الصمد" إلى قوله: "أخرجه البخاري". قلت: تعليقاً (¬10) فإنه قال: وقال أبو وائل: الصمد: السيد الذي انتهى سؤدده. ¬

_ = أخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (24، 727) وابن كثير في "تفسيره" (14/ 500) وأحمد في "مسنده" (5/ 133 - 134) والبيهقي في "الأسماء والصفات" رقم (607) وفي "الاعتقاد" (ص 38) والحاكم (2/ 540) وابن خزيمة في "التوحيد" (ص 30)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" (10/ 3474 رقم 19532). (¬1) الحديث رقم (3364) وهو حديث ضعيف. (¬2) الحديث رقم (3365) وهو حديث ضعيف. (¬3) أي: الترمذي في "السنن" (5/ 452). (¬4) في "فتح الباري" (8/ 739). (¬5) في "التوحيد" (ص 30). (¬6) في "المستدرك" (2/ 540). (¬7) في "مسنده" (2044). (¬8) رقم (5687). (¬9) في صحيحه (8/ 739 الباب رقم 2 - مع الفتح). (¬10) وهو كما قال.

قال الحافظ ابن حجر (¬1): ووصله الفريابي من طريق الأعمش عنه وقال أبو عبيدة (¬2): الصمد: السيد الذي يصمد إليه، فعلى هذا هو فعل بفتحتين بمعنى مفعول. 7 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "يَقُولُ الله تَعَالَى: يَشْتِمُني ابْنُ آدَمَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَشْتِمَنِي وَيُكَذِّبُنِي وَما يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُكَذِّبَنِي، أَمَّا شَتْمُهُ إِيَّايَ، فَيَقُول: إِنَّ لِي وَلَدًا، وَأَمَّا تَكْذِيبُهُ إيَّايَ فَيَقُولُ: لَيْسَ يُعِيدَنِي كَمَا بَدَأَنِي، وَلَيْسَ أَوَّلُ الْخَلْقِ بِأَهْوَنَ عَلَيَّ مِنْ إِعادَتِهِ". أخرجه البخاري (¬3) والنسائي (¬4). [صحيح] 8 - وفي رواية لهما (¬5): وَأَمَّا شَتْمُهُ إِيَّايَ فَقَوْلُهُ: اتَّخَذَ الله وَلَدًا، وَأَنَا الأَحَدُ الصَّمَدُ، الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُوْلَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ". [صحيح] قوله في حديث أبي هريرة: "بأهون علي من إعادته" أريد بالنظر إلى ما عند المخاطبين من أن إعادة الشيء أهون من ابتدائه، وإلا فهما عنده تعالى سواء في السهولة [130/ أ] وقد يجيء أفعل بمعنى الفاعل كقول الفرزدق (¬6): إن الذي سمك السماء بني لنا ... بيتاً دعائمه أعز وأطول أي: عزيزة طويلة. ¬

_ (¬1) في "الفتح" (8/ 740). (¬2) ذكره الحافظ في "الفتح" (9/ 740). (¬3) في صحيحه رقم (3193، 4974، 4975). (¬4) في "السنن" رقم (2078). (¬5) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (4975) والنسائي في "السنن" رقم (2078). (¬6) أخرجه مسلم في صحيحه رقم (814) والترمذي رقم (2902) و (3367) وأبو داود رقم (1462) والنسائي رقم (954، 5440).

(سورة المعوذتين)

(سورة المعوذتين) 1 - عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "أَلمْ تَرَ: آيَاتٍ أُنْزِلَتِ هَذِهِ اللَّيْلَةَ لَمْ يُرَ مِثْلُهُنَّ قَطُّ؟ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1)} [الفلق: 1] وَ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1)} [الناس: 1] ". أخرجه الخمسة (¬1) إلا البخاري. [صحيح] 2 - وَفِي رِوايِةٍ لِلتِّرمِذِي (¬2) عَن عُقْبَةُ بْن عَامِرٍ قالَ: "أَمَرَنِي رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أَنْ أَقْرَأَ الْمَعَوِّذَتَيْنَ فِي دُبُرَ كُلَّ صَلاةٍ". [صحيح] قوله في حديث عقبة بن عامر: "لم ير مثلهن" فيه بيان عظم فضل هاتين السورتين [449/ ب] وأن لفظ: (قل) من القرآن ثابت أول السورتين بعد البسملة، وقد أجمعت الأمة على ذلك. وقوله: "أخرجه الخمسة". قلت: وقال الترمذي (¬3): إنه حسن صحيح. قوله: "في دبر كل صلاة". قال الترمذي (¬4) بعد إخراجه: هذا حديث غريب. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم في صحيحه رقم (814) والترمذي رقم (2902) و (3367) وأبو داود رقم (1462) والنسائي رقم (954، 5440). (¬2) في "السنن" رقم (2903). وأخرجه أبو داود رقم (1523) والنسائي رقم (1336)، وهو حديث صحيح. (¬3) في "السنن" (5/ 170). (¬4) في "السنن" (5/ 171).

3 - وَعَنْ عبد الله بْن خُبَيْبٍ - رضي الله عنه - قَالَ: "أَصَابَنَا طَشٌّ وَظُلْمَةٌ فانْتَظَرْنا رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فَصَلَّى بِنا ثُمَّ ذَكَرَ كَلاَمًا مَعْناهُ: فَخَرَجَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "قُلْ"، قُلْتُ: ما أَقُولُ؟ قالَ: " {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} وَالْمُعَوَّذَتَيْنِ حِينَ تُمْسِي وَحِينَ تُصْبِحُ ثَلاَثًا تَكْفِيكَ كُلَّ شَيْءٍ". أخرجه النسائي (¬1). [حسن] "الطَّشُّ (¬2) " أقلّ ما يكون من المطر. قوله [في حديث] (¬3) عبد الله بن خبيب (¬4)، بضم الخاء المعجمة فموحدة فمثناة تحتية فموحدة الجهني حليف الأنصار له ولأبيه صحبة. 4 - وَعَنْ جَابِرِ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ لِي رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اقْرَأْ يَا جابِرُ! " قُلْتُ: وَمَاذَا أَقْرأُ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي؟ قَالَ: "اقْرَأْ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1)} [الفلق: 1] وَ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1)} [الناس: 1] " فَقَرَأْتُهُمَا فَقَالَ: "اقْرَأْ بِهِمَا وَلَنْ تَقْرَأَ بِمِثْلِهِمَا". أخرجه النسائي (¬5). [إسناده حسن] 5 - وَعَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ قالَ: "سَأَلْتُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ - رضي الله عنه - عَنِ الْمَعَوِّذَتيْنِ قُلْتُ: أَبَا الْمُنْذِرِّ! إِنَّ أَخَاكَ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُوُل كَذَا وَكَذَا. فَقَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: قِيلَ لِي، فَقُلْتُ، فَنَحْنُ نَقُولُ كَمَا قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -". أخرجه البخاري (¬6). [صحيح] ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (5428) وهو حديث حسن. (¬2) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 111)، "المجموع المغيث" (2/ 352). (¬3) في (أ) وعن. (¬4) انظر: "التقريب" (1/ 412 رقم 273). (¬5) في "السنن" رقم (5441) بسند حسن. (¬6) في صحيحه رقم (4976، 4977).

قوله في حديث زر بن حبيش: "فقلت أبا المنذر" هي كنية أبي بن كعب. قوله: "يقول: كذا وكذا" هكذا وقع هذا اللفظ منهما، وكأن بعض الرواة أبهمه استعظاماً، وقد وقع مبيناً في رواية أحمد: "قلت: إن أخاك يحكهما من المصحف". وأخرج أحمد (¬1) وابن حبان (¬2) أن ابن مسعود كان لا يكتب المعوذتين في مصحفه. وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد (¬3) المسند أنه كان عبد الله يحك المعوذتين من المصحف ويقول: "إنهما [ليستا (¬4)] من كتاب الله". قال البزار (¬5): لم يتابع ابن مسعود على ذلك أحد من الصحابة، وقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قرأ بهما في الصلاة. وقال النووي في "شرح المهذب (¬6) ": أجمع المسلمون على أن المعوذتين والفاتحة من القرآن، وأن من جحد شيئاً منها كفر، قال: وما نقل عن ابن مسعود باطل ليس بصحيح، وسبقه إلى نحو ذلك ابن حزم (¬7) وقال: وما نقل عن ابن مسعود من إنكار قرآنية المعوذتين فهو ¬

_ (¬1) في "المسند" (5/ 129). (¬2) في صحيحه رقم (797) (4429). (¬3) في "زوائد المسند" (5/ 129، 130). قلت: وأخرجه الطبراني في "الكبير" (ج 9 رقم 9150). وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (7/ 529) ثم قال: رواه عبد الله بن أحمد والطبراني، ورجال عبد الله رجال الصحيح ورجال الطبراني في "الثقات". (¬4) في (أ) ليست. (¬5) ذكره الحافظ في "الفتح" (8/ 743). (¬6) في "المجموع شرح المهذب" (3/ 396). (¬7) في "المحلى" (1/ 13).

كذب باطل، وقال الفخر الرازي في أوائل تفسيره (¬1): الأغلب على الظن أن هذا النقل عن ابن مسعود باطل. قال الحافظ (¬2) [450/ ب] ابن حجر بعد نقله لهذه الأقوال: الطعن في الروايات الصحيحة بغير مستند باطل لا يقبل، بل الرواية صحيحة والتأويل محتمل، والإجماع الذي ذكره إن أراد شموله لكل عصر فهو مخدوش، وإن أراد استقراره فهو مقبول، وقد استشكل الرازي (¬3) هذا الموضع وقال: إن قلنا: إن كونهما من القرآن كان متواتراً في عصر ابن مسعود لزم تكفير من أنكرهما!. وإن قلنا: إنه لم يتواتر لزم أن بعض القرآن لم يتواتر قال: وهذه عقدة صعبة، وأجيب: إنه كان متواتراً في عصر ابن مسعود، ولكن لم يتواتر عند ابن مسعود فانحلت العقدة بعون الله تعالى. قوله: "قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: قيل لي". أقول: كأنه يريد قيل لي {قُلْ أَعُوذُ} فيهما، والقائل له - صلى الله عليه وسلم - هو جبريل عن ربه تعالى. قال ابن حجر (¬4): ليس في جواب أبي تصريح بالمراد، إلا أن في الإجماع على كونهما من القرآن غنية. 6 - وَعَنْ عائِشَةَ - رضي الله عنها -، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَظَرَ إِلَى الْقَمَرِ فَقَالَ: "يَا عَائِشَةُ! اسْتَعِيذِي بِالله مِنْ شَرِّ هَذا، فَإِنَّ هَذا الْغَاسِقُ إِذَا وَقَبَ". أخرجه الترمذي (¬5) وصححه. ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (8/ 743). (¬2) في "الفتح" (8/ 743). (¬3) ذكره الحافظ في "الفتح" (8/ 743). (¬4) في "الفتح" (8/ 743). (¬5) في "السنن" رقم (3366) وهو حديث حسن. =

قوله في حديث عائشة: "الغاسق إذا وقب" فعلى هذا المراد به القمر إذا خسف واسودَّ، أي: دخل في الخسوف وأخذ في الغيبوبة وأظلم (¬1). وقال ابن عباس (¬2): الغاسق الليل إذا أقبل بظلمته من المشرق ودخل في كل شيء وأظلم والغسق الظلمة والوقوب (¬3) الدخول، وهو دخول الليل بغروب الشمس. قوله: "أخرجه الترمذي وصححه" قلت: قال (¬4): هذا حديث حسن صحيح [451/ ب]. 7 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسِ - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "الشَّيْطَانُ جائِمٌ عَلَى قَلْبِ ابْنِ آدَمَ، فَإِذَا ذَكَرَ الله تَعَالَى خَنَسَ، وَإِذَا غَفَلَ وَسْوَسَ". أخرجه البخاري (¬5) تعليقاً. ¬

_ = وأخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (24/ 749) والنسائي في "الكبرى" رقم (10138) وأحمد (6/ 237) والحاكم (2/ 540) وأبو الشيخ في "العظمة" رقم (681). (¬1) انظر: "جامع البيان" (24/ 749). (¬2) أخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (24/ 746). (¬3) انظر: "جامع البيان" (24/ 746 - 747)، "تفسير ابن كثير" (14/ 524 - 525). (¬4) في "السنن" (5/ 453). (¬5) في صحيحه (8/ 741 الباب رقم 114 - مع الفتح). وأخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (24/ 754) وابن أبي شيبة في مصنفه (13/ 369) والضياء في "المختارة" رقم (393)، والبيهقي في "الشعب" رقم (676) وعبد الرزاق في تفسيره (2/ 410).

كتاب: تلاوة القرآن وقراءته

[بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (¬1)] كتاب: تلاوة القرآن وقراءته [وفيه بابان الباب الأول: (في التلاوة) وفيه ثلاثة فصول الفصل الأول: في الحث عليها (¬2)] 1 - عَنْ أَبِي مُوسَى - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "تَعَاهَدُوا هَذَا الْقُرْآنَ، فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَهُوَ أَشَدُّ تَفَلُّتًا مِنَ صُدُورِ الرِّجَالِ مِنَ الإِبِلِ فِي عُقُلِهَا". أخرجه الشيخان (¬3). [صحيح] قوله في حديث أبي موسى: "تعاهدوا هذا القرآن" أي (¬4): جددوا العهد بملازمة تلاوته. قوله: "في عقلها (¬5) " بضمتين ويجوز سكون القاف جمع عقال بكسر أوله، وهو الحبل. ¬

_ (¬1) زيادة من (أ). (¬2) زيادة من (ب). (¬3) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (5033) ومسلم في صحيحه رقم (79). (¬4) قاله الحافظ في "الفتح" (9/ 79). (¬5) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 242)، "الفائق" للزمخشري (3/ 107).

2 - وفي أخرى (¬1) للثلاثة والنسائي عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - مَرْفُوعَاً: "إِنَّمَا مَثَلُ صَاحِبِ الْقرْآنِ كَمَثَلِ صَاحِبِ الإِبِلِ الْمُعَقَّلَةِ: إِنْ عَاهَدَ عَلَيْها أَمْسَكَهَا، وَإِنْ أَطْلَقَهَا ذَهَبَتْ". [صحيح] قوله في حديث [أنس] (¬2) "المعقلة" بضم الميم وفتح المهملة، وتشديد القاف المشدودة بالعقال، وهو الحبل الذي يشد في ركبة البعير، شبه درس القرآن واستمرار تلاوته بضبط البعير الذي يخشى منه الشراد، فما دام التعاهد موجود فالحفظ موجود كما أن البعير ما دام مشدود بالعقال فهو محفوظ، وخص الإبل لأنها أشد الحيوان الإنسي نفوراً، وفي تحصيلها بعد استكمال نفورها صعوبة (¬3). قوله: [إن] (¬4) عاهد عليها أمسكها" أي: استمر إمساكه لها. وقوله: "ذهبت" أي: انفلتت. قوله في حديث (¬5) ابن مسعود (¬6): "بئسما لأحدهم [131/ أ] أن يقول نسيت" بفتح النون وتخفيف السين اتفاقاً، بل هو نُسي، بضم النون وتشديد المهملة المكسورة. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (5032، 5039) ومسلم رقم (789) ومالك في "الموطأ" (1/ 202) والنسائي في "السنن" رقم (943). (¬2) كذا في "الأم" وفي المتن ابن عمر، هامش (ب). (¬3) قاله الحافظ في "الفتح" (9/ 79). (¬4) زيادة من (ب). (¬5) أخرجه البخاري في صحيحه (5032) ومسلم رقم (790) عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "بئسما لأحدهم يقول: نسيت آية كيت وكيت، بل هو نسي، استذكروا القرآن، فلهو أشد تفصياً من صدور الرجال من النعم بعقلها". (¬6) في هامش (ب) كذا في الأصل، وهو في المتن غير موجود.

قال ابن حجر (¬1): التشديد هو الذي وقع في جميع روايات البخاري، قال القرطبي (¬2): التثقيل يفيد أنه عوقب بوقوع النسيان، وهو لا صنع له فيه، وإذا نسبه إلى نفسه أوهمه أنه انفرد بفعله، فكان ينبغي أن يقول أُنسيت أو نُسِّيت بالتثقيل على البناء للمفعول فيهما، أي: أن الله هو الذي أنساني كما قال: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال: 17] وبهذا الوجه جزم ابن بطال (¬3). وأورد عليهما أنه - صلى الله عليه وسلم - نسب النسيان إلى نفسه كما يأتي في باب [452/ ب] نسيان القراءة ونسبه يوشع إلى نفسه حيث قال: {نَسِيتُ الْحُوتَ} [الكهف: 63] وموسى حيث قال: {لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ} [الكهف: 73] وساق تعالى قول الصحابة: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا} [البقرة: 286] وأجيب بأجوبة غير ناهضة وأقربها قول النووي (¬4): إن النهي للتنزيه. قوله: "تفصّيا (¬5) " بفتح الفاء وكسر الصاد المهملة الثقيلة، بعدها تحتانية خفيفة، أي: تفلتاً وتخلصاً، والأحاديث ظاهرة فيمن يحفظه على ظهر قلبه، ويشمل من يتلو في المصحف، فإنه إذا طال تعاهده للتلاوة ثقلت عليه ألفاظه. 3 - وَعَنْ جَابِرِ - رضي الله عنه - قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وَنَحْنُ نَقْرَأُ الْقُرْآنَ، وَفِينَا الأَعْرابِيُّ والأَعْجَمِيُّ فَقَالَ: "اقْرَءُوا فَكُلٌّ حَسَنٌ وَسَيَجِيءُ أَقْوامٌ يُقِيمُونَهُ كَمَا يُقَامُ الْقِدْحُ، يَتَعَجَّلُونَهُ وَلا يَتَأَجَّلُونَهُ". أخرجه أبو داود (¬6). [صحيح] ¬

_ (¬1) في "الفتح" (9/ 80). (¬2) في "المفهم بفوائد مسلم" (2/ 419). (¬3) في شرحه لصحيح البخاري (10/ 270 - 271). (¬4) في شرحه لصحيح مسلم (6/ 76 - 77). (¬5) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 376)، "غريب الحديث" للخطابي (2/ 148). (¬6) في "السنن" رقم (830) وهو حديث صحيح. وأخرجه أحمد في المسند (3/ 397) والبغوي في شرح السنة، رقم (609) والبيهقي في "الشعب" رقم (2642).

[الفصل الثاني: في آداب التلاوة]

قوله في حديث [جابر] (¬1) "القدح (¬2) " بكسر القاف، وسكون الدال المهملة النصال قبل أن تراش. قوله: "ولا يتأجلونه" كان المراد يتعجلون أجر تلاوة سؤال الناس تعجيل شيء من الدنيا، ولا يتأجلونه لا يدخرون أجره. [الفصل الثاني: في آداب التلاوة (¬3)] 1 - عَنِ اْلبَرَاء - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "زَيِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْواتِكُمْ" أخرجه أبو داود (¬4) والنسائي (¬5). [صحيح] قلت: وأخرجه البخاري (¬6) في آخر صحيحه ترجمة، والمراد بقوله: "زَيِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ" رفع الصوت بالقراءة، والله أعلم. قوله: قلت: وأخرجه البخاري في آخر صحيحه ترجمة. أقول: لفظه في صحيحه: باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة" "زينوا القرآن بأصواتكم". انتهى. ¬

_ (¬1) في هامش (ب) كذا في "الأم" وفي المتن عن عمر. (¬2) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 420) "المجموع المغيث" (2/ 673). (¬3) زيادة من (ب). (¬4) في "السنن" رقم (1468) وهو حديث صحيح. (¬5) في "السنن" رقم (1015). (¬6) في صحيحه (13/ 518 - الباب رقم 52 - مع الفتح).

فلم يخرجه البخاري بل ذكره معلقاً، قال الحافظ في "الفتح (¬1) " هذا من الأحاديث التي علقها البخاري، ولم يصلها في موضع آخر من كتابه، وقد أخرجه في كتاب "خلق الأفعال (¬2) " من رواية عبد الرحمن بن عوسجة، عن البراء بهذا، وأخرجه أحمد (¬3)، وأبو داود (¬4)، والنسائي (¬5)، وابن ماجه (¬6)، والدارمي (¬7)، وابن خزيمة (¬8)، وابن حبان (¬9)، في صحيحهما من هذا الوجه وساق جماعة من الأئمة أخرجوه. قال ابن بطال (¬10): المراد [و] (¬11) "زينوا القرآن بأصواتكم" المد والترتيل، انتهى. والمصنف قال: المراد بالتزين: رفع الصوت بالقراءة وفي النهاية (¬12): "زينوا [453/ ب] القرآن بأصواتكم" قيل: هو مقلوب، أي: زينوا أصواتكم بالقرآن، والمراد ابهجوا بقراءته وتزينوا به، وليس ذلك على تطريب القول والتخزين كقوله: "ليس منا من لم ¬

_ (¬1) (13/ 519). (¬2) (ص 50). (¬3) في "المسند" (4/ 283، 285، 296، 304). (¬4) في "السنن" رقم (1468). (¬5) في "السنن" رقم (1015). (¬6) في "السنن" رقم (1342). (¬7) في "السنن" رقم (3501). (¬8) في "صحيحه" رقم (1556). (¬9) في "صحيحه" رقم (749)، وهو حديث صحيح. (¬10) في شرحه لصحيح البخاري (10/ 542 - 543). (¬11) زيادة من (ب). (¬12) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 740 - 741).

يتغن بالقرآن" أي: يلهج بتلاوته كما يلهج سائر الناس بالغناء والطرب، هكذا قال الهروي (¬1) والخطابي (¬2) ومن تقدمهما، وقال آخرون: لا حاجة إلى القلب، وإنما معناه الحث على الترتيل الذي نعرفه من قوله: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (4)} (¬3)، فكأن الزينة للمرتل لا للقرآن كما يقال: ويل للشعر من رواية السوء، فهو راجع إلى الراوي لا للشعر، فكأنه تنبيه للمقصر في الرواية على ما يلام عليه من اللحن والتصحيف وسوء الأداء، وحث لغيره على التوقي من ذلك، فكذلك قوله: "زينوا القرآن" (¬4) يدل على ما يزين من الترتيل والتدبر ومراعاة الإعراب، وقيل: أراد بالقرآن القراءة، أي: زينوا قراءتكم القرآن بأصواتكم ويشهد له حديث أبي موسى وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لقد أوتيت مزماراً من مزامير آل داود" (¬5) فقال: لو علمت أنك تسمعه لحبرته تحبيراً، أي: حسنته تحسيناً، ويؤيد ذلك تأييداً لا شبهة فيه حديث (¬6) ابن ¬

_ (¬1) في "غريب الحديث" (2/ 233). (¬2) في "غريب الحديث" (1/ 129). (¬3) سورة المزمل الآية (4). (¬4) تقدم تخريجه، وهو حديث صحيح. (¬5) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (5048) ومسلم رقم (1848). (¬6) أخرجه الطبراني في "الأوسط" (7531). وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (7/ 171) وقال: رواه الطبراني في "الأوسط" وفيه إسماعيل بن عمرو البجلي وهو ضعيف. وأخرجه البزار في مسنده رقم (2330 - كشف) من حديث أنس - رضي الله عنه - قال البزار: تفرد به عبد الله بن المحرز، وهو ضعيف الحديث. وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (1/ 171) وقال: رواه البزار وفيه عبد الله بن المحرز وهو متروك.

عباس أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "لكل شيء حلية، وحلية القرآن حسن الصوت"، انتهى كلام النهاية (¬1)، ولم أجد تفسير تزيين القرآن برفع الصوت بقراءته إلا للمصنف. 2 - وعن حذيفة - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "اقْرَءُوا الْقُرْآنَ بِلُحُونِ الْعَرَبِ وَأَصْواتِهَا، وَإِيَّاكُمْ وَلحُونَ أَهْلِ الْعِشْقِ وَلحُونَ أَهْلِ الْكِتابَيْنِ، وَسَيَجِيءُ بَعْدِي قَوْمٌ يُرَجِّعُونُ بِالْقُرْآنِ تَرْجِيعَ الْغِناءِ والنَّوْحِ لا يُجَاوِزُ حَناجِرَهُمْ مَفْتُونَةٌ قُلُوبُهُمْ وَقُلُوبُ الَّذِينَ يُعْجِبْهُمْ شَأْنُهُمْ" (¬2). أخرجه رزين. وقوله: "وإياكم ولحون أهل العشق" اللحون والألحان جمع لحن، وهو التطريب وترجيع الصوت، وتحسين القراءة للقرآن أو الشعر أو الغناء. قال ابن الأثير (¬3): ويشبه أن يكن هذا الذي يفعله قرآء زماننا بين يدي الوعاظ، وفي المجالس من اللحون الأعجمية، التي يقرأون بها مما نهي عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ¬

_ (¬1) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 740 - 741). (¬2) أخرجه الطبراني في "الأوسط" رقم (7223). وأورده الهيثمي في "المجمع" (7/ 169) وقال: رواه الطبراني في "الأوسط" وفيه راو لم يسم. وأخرجه ابن الجوزي في "العلل المتناهية" (1/ 111 رقم 160) ثم قال: هذا حديث لا يصح وأبو محمد مجهول، وبقية يروي عن الضعفاء ويدلسهم. وأورده الذهبي في "الميزان" (1/ 553) عن رجل عن حذيفة، وقال: تفرد عنه بقية، ليس بمعتمد، والخبر منكر. وأخرجه البيهقي في "الشعب" رقم (2649) وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع الصغير" رقم (106). (¬3) في "النهاية في غريب الحديث" (2/ 594 - 595).

3 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ - رضي الله عنه - قَالَ: اعْتَكَفَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي الْمَسْجِدِ فَسَمِعَهُمْ يَجْهَرُونَ بِالْقِراءَةِ فَكَشَفَ السِّتْرَ فَقَالَ: "أَلاَ إِنَّ كُلَّكُمْ يُناجِي رَبَّهُ فَلا يُؤْذِيَنَّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَلا يَرْفَعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ في الْقِراءَةِ". أَوْ قالَ: "في الصَّلاَةِ". أخرجه أبو داود (¬1). [صحيح] 4 - وَعَنْ عائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: قَامَ رَجُلاً مِنَ اللَّيْلِ فَقَرَأَ وَرَفَعَ صَوْتَهُ، فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "كَأَيَّنْ مِنْ آيَةٍ أَذْكَرَنِيهَا اللَيْلَةَ كُنْتُ أَسْقَطْتُهَا". أخرجه الشيخان (¬2) وأبو داود (¬3) وهذا لفظه. [صحيح] قوله [454/ ب] في حديث عائشة: "قام رجل" هو عبد الله بن يزيد الخطمي قاله عبد الغني بن سعيد، قال الجمهور (¬4): يجوز على النبي - صلى الله عليه وسلم - أن ينسى شيئاً بعد التبليغ لكنه لا يقرَّ عليه. 5 - وَعَنْ أُمِّ هَانِئ - رضي الله عنها - قَالَتْ: كُنْتُ أَسْمَعُ قِراءَةَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وَأَنَا عَلَى عَرِيْشِي. أخرجه النسائي (¬5). [حسن] 6 - وَعَنْ عبد الله بْنِ أَبِي قَيْسٍ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - كَيْفَ كَانَتْ قِرَاءَةُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بِالَّلْيلِ، أَكانَ يُسِرُّ بِالْقِراءَةِ أَمْ يَجْهَرُ؟ قَالَتْ: "كُلَّ ذَلِكَ قَدْ كانَ يَفْعَلُ، رُبَّمَا أَسَرَّ، وَرُبَّمَا جَهَرَ، ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (1332) وهو حديث صحيح. وأخرجه النسائي في "الكبرى" (7/ 288 - 289 رقم 8038). (¬2) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (2655) و (5037) ومسلم رقم (788). (¬3) في "السنن" رقم (1332، 3970). (¬4) انظر: "فتح الباري" (9/ 85 - 86). (¬5) في "السنن" رقم (1013) وهو حديث حسن.

فَقُلْتُ: الْحَمْدُ للهِّ الَّذِي جَعَلَ في الْأَمْرِ سَعَةً". أخرجه أصحاب السنن (¬1)، وصححه الترمذي. [صحيح] 7 - وَعَنْ قَتَادَةُ قَالَ: سَأَلْتُ أنَسًا - رضي الله عنه - عَنْ قِراءَةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: كَانَ يَمُدُّ مَدًّا، ثُمَّ قَرَأَ: بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، يَمُدُّ بِسْمِ الله، وَيمُدُّ بِالرَّحْمَنِ، وَيَمُدُّ بِالرَّحِيمِ. أخرجه البخاري (¬2) وأبو داود (¬3) والنسائي (¬4). [صحيح] [قوله في حديث أنس: "كان يمد مداً". قال الحافظ (¬5): المد عند القرآء على ضربين؛ أصلي وهو إشباع [455/ ب] الحرف الذي بعد ألف، أو واو، أو ياء؛ وغير أصلي؛ وهو ما إذا عقب الحرف الذي هذه صفته همزة وهو متصل ومنفصل، فالمتصل ما كان من نفس الكلمة، والمنفصل ما كان من كلمة أخرى، فالأول يؤتى فيه بالألف والواو والياء، ممكنات من غير زيادة، والثاني: يزاد في تمكين الألف والواو، والياء من غير إسراف، والمذهب الأعدل أن يمد كل حرف منها ضعفي ما كان يمده أولاً، وقد يزاد على ذلك قليلاً، وأما الإفراط فهو غير محمود، انتهى كلامه. قوله: "يمد بسم الله ويمد الرحمن" أي: يمد اللام التي قبل الهاء من الجلالة، والميم التي قبل النون من الرحمن والحاء من الرحيم] (¬6). ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود في "السنن" رقم (1437) والترمذي في "السنن" رقم (448، 2924) والنسائي رقم (1662) وابن ماجه رقم (1354)، وهو حديث صحيح. (¬2) في صحيحه رقم (5045، 5046). (¬3) في "السنن" رقم (1465). (¬4) في "السنن" رقم (1014)، وأخرجه ابن ماجه رقم (1353)، وهو حديث صحيح. (¬5) في "فتح الباري" (9/ 91). (¬6) شرح هذا الحديث متأخر في (ب. أ) وقد قدمناه لتقدم الحديث.

8 - وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ - رضي الله عنها -، أَنَّهَا نَعَتَتْ قِرَاءَةَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - قِراءَةً مُفَسَّرَةً حَرْفَاً حَرْفَاً. أخرجه أصحاب السنن (¬1)، واللفظ للنسائي. [إسناده ضعيف] 9 - وفي أخرى عَنِ ابْنِ مُغَفَّلٍ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَلَى ناقَتهِ يَقْرَأُ سوْرَةُ الْفَتْحِ وَيُرَجِّعُ في قِراءَتِهِ. أخرجه الشيخان (¬2) وأبو داود (¬3). [صحيح] [قوله في حدث ابن مغفل: ترجم له البخاري (¬4) باب القراءة على الدابة. قال ابن بطال (¬5): إنما أراد بهذه الترجمة أن القراءة على الدابة سنة موجودة، وأصل هذه السنة قوله تعالى: {لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ} (¬6) الآية، انتهى. وذكر البخاري حديث ابن مغفل في عدة أبواب، وهو عبد الله بن مغفل المزني الصحابي ابن الصحابي، وكان عبد الله من أهل بيعة الرضوان، وقال: إني لممن رفع أغصان الشجرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وهو مُغَفَّل، بضم الميم وفتح الغين المعجمة والفاء المشددة ذكره ابن عبد البر (¬7) في الصحابة. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود رقم (1466) والترمذي رقم (2923) والنسائي رقم (1628) و (1629) بإسناد ضعيف. (¬2) البخاري في صحيحه رقم (4281) ومسلم رقم (794). (¬3) في "السنن" رقم (1467). (¬4) في صحيحه (9/ 183 الباب رقم 24 - مع الفتح). (¬5) في شرحه لصحيح البخاري (1/ 268 - 269). (¬6) سورة الزخرف الآية (13). (¬7) في "الاستيعاب" رقم (2626 - الأعلام).

قوله: "يرجع" الترجيح هو تقارب ضروب [132/ أ] في القراءة، واصله الترديد وفيه قدر زائد على الترتيل (¬1)]. 10 - وَفِي أُخْرَى عَنْ عَائِشَةُ - رضي الله عنها - قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2)} [الفاتحة: 1 - 2] يُرَتِّلُ آيَةً آيَةً (¬2) ". أخرجه رزين. 11 - وَعَنِ ابْنِ مَسْعُود - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - "قْرَأْ عَلَيَّ الْقُرْآنَ"، فَقُلْتُ: أَقْرَأُ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أنْزِلَ؟ فَقَالَ: "إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي" فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ سُورَةِ النِّسَاءِ حَتَّى بَلَغْتُ هَذِهِ الْآَيَةَ {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا (41)} [النساء: 41] فَقَالَ: حَسْبُكَ، فالْتَفَتُّ فَإِذَا عَيْناهُ تَذْرِفانِ". أخرجه الخمسة (¬3) إلا النسائي. [صحيح] قوله في حديث ابن مسعود: "إني أحب أن أسمعه من غيري". ¬

_ (¬1) هذا الشرح مقدم في (أ. ب) وقد أخرناه لتأخر الحديث. (¬2) لم أجده. وقد أخرج ابن كثير في تفسيره (1/ 181) وأبو داود في "السنن" رقم (4001) والترمذي رقم (2927) وفي "الشمائل" (2/ 131) والحاكم (1/ 232) وأحمد في "المسند" (6/ 302) والدارقطني (1/ 111) من حديث أم سلمة أنها سئلت عن قراءة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: كان يقطع قراءته آية آية: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)} [الفاتحة: 1 - 4]. وهو حديث صحيح. (¬3) أخرجه البخاري رقم (4582) ومسلم رقم (800) وأبو داود رقم (3668) والترمذي رقم (3025).

قال ابن بطال (¬1): لأن المستمع أقوى على التدبر ونفسه أجلى وأبسط لذلك من القارئ لاشتغاله بالقراءة وأحكامها. قال النووي (¬2): وفيه استحباب طلب القراءة من الحافظ للاستماع؛ لأن الاستماع أنفع في التدبر والتفهم، وفيه تواضع أهل العلم والفضل ولو مع اتباعهم. قوله: "فإذا عيناه تذرفان". قال النووي (¬3): البكاء عند قراءة القرآن صفة العارفين، وشعار الصالحين. قال الغزالي (3): يستحب البكاء مع القراءة وعندها، وطريق تحصيله أن يحضر قلبه الحزن والخوف بتأمل ما فيه من التهديد والوعيد الشديد والوثائق والعهود ثم ينظر ببصيرة في ذلك فإن لم يحضره حزن فليبك على فقد ذلك [456/ ب] فإنه من المصائب، قال ابن بطال (¬4): إنما بكى - صلى الله عليه وسلم - عند تلاوة هذه الآية؛ لأنه مثل بنفسه أهوال القيامة وشدة الحال الداعية له إلى شهادته لأمته بالتصديق وسؤاله الشفاعة لأهل الموقف، وهو أمر يحق له البكاء. انتهى. والذي يظهر أنه بكاء رحمة لأمته؛ لأنه علم أنه لا بد أن يشهد عليهم بعملهم، وعملهم قد لا يكون مستقيماً فقد يُفضي إلى تعذيبهم، قاله في "فتح الباري" (¬5). ¬

_ (¬1) في شرحه لصحيح البخاري (10/ 277 - 278). (¬2) في شرحه لصحيح مسلم (6/ 88). (¬3) ذكره الحافظ في "الفتح" (9/ 98). (¬4) في شرحه لصحيح البخاري (10/ 281) (¬5) (9/ 99).

12 - وَعَن أَسْمَاءِ - رضي الله عنها - قَالَتْ: مَا كَانَ أَحَدٌ مِنَ السَّلَفِ يُغْشَى عَلَيْهِ وَلا يَصْعَقُ عِنْدَ تِلاَوَةِ الْقُرْآن، وَإِنَّمَا كَانُوا يَبْكُونَ وَيَقْشَعُّرونَ، ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ الله (¬1). أخرجه رزين. 13 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - "مَنْ قَرَأَ مِنْكُمْ بـ {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1)} [التين: 1] فانْتَهَى إِلَى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ (8)} [التين: 8] فَلْيَقُلْ: بَلَى، وَأَنَا عَلَى ذَلِكَ مِنَ الشَّاهِدِينَ، وَمَنْ قَرَأَ {لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (1)} [القيامة: 1] فَانْتَهَى إِلَى: {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى (40)} [القيامة: 40] فَلْيَقُلْ: بَلَى، وَعِزَّةِ رَبّنَا، وَمَنْ قَرَأَ {وَالْمُرْسَلَاتِ} [المرسلات: 1] فَبَلَغَ: {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (50)} [المرسلات: 50]، فَلْيَقُلْ: آمَنَّا بِالله تَعَالَى". أخرجه أبو داود (¬2) بطوله، والترمذي (¬3) إلى الشاهدين. [ضعيف] 14 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - "إِذا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنَ اللَّيْلِ فاسْتَعْجَمَ الْقُرْآنُ عَلَى لِسَانِهِ فَلَمْ يَدْرِ ما يَقُولُ فَلْيَضْطَجعْ". أخرجه مسلم (¬4) وأبو داود (¬5). [صحيح] ¬

_ (¬1) أخرجه البغوي في تفسيره (7/ 116) وذكره القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" (15/ 249) وعزاه السيوطي في "الدر المنثور" (7/ 222) لسعيد بن منصور، وابن المنذر، وابن مردويه، وابن أبي حاتم، وابن عساكر. (¬2) في "السنن" رقم (881). (¬3) في "السنن" رقم (3347)، وهو حديث ضعيف. (¬4) في صحيحه رقم (787). (¬5) في "السنن" رقم (1311)، وهو حديث صحيح.

[الفصل الثالث: في تحزيب القرآن وأوراده]

قوله في حديث أبي هريرة: "فاستعجم (¬1) " أي: استغلق فلم ينطلق به لسانه لغلبة النعاس. 15 - وَعَنْ حُذَيْفَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: يَا مَعْشَرَ الْقُرَّاءِ! اسْتَقِيمُوا فَقَدْ سُبِقْتُمْ سَبْقًا بَعِيدًا، وَإِنْ أَخَذْتُمْ يَمِينًا وَشِمالاً، لَقَد ضلَلْتُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا. أخرجه البخاري (¬2). [صحيح] قوله فيه: "فقد سبقتم (¬3) " يروى بفتح السين وضمها على ما لم يسم فاعله، والأول أولى لقوله بعده "وإن أخذتم يميناً وشمالاً لقد ضللتم". [الفصل الثالث: في تحزيب القرآن وأوراده (¬4)] 1 - فيه حديث عبد الله بن عمرو بن العاص: أَلَمْ أَخْبرِ أَنَّكَ تَصُوْمُ النَّهَارُ وَتَقُوْمُ الَّلْيلَ؟ (¬5) وتقدم في باب الاقتصاد في الأعمال. [صحيح] 2 - وَعَنْ عبد الرَّحْمَنِ بْنِ عبد القَارِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ نَامَ عَنْ حِزْبِهِ مِنَ الَّليْل أَوْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ فَقَرَأَهُ مَا بَيْنَ صَلاَةِ الْفَجْرِ وَصَلاَةِ الظُّهْرِ كُتِبَ لَهُ كَأَنَّمَا قَرَأَهُ مِنَ اللَّيْلِ". أخرجه الستة (¬6) إلا البخاري. [صحيح] ¬

_ (¬1) قال ابن الأثير في "النهاية في غريب الحديث" (2/ 165) أي: أرتج عليه فلم يقدر أن يقرأ، كأنه صار به عجمة. (¬2) في صحيحه رقم (7282). (¬3) قاله ابن الأثير في "النهاية في غريب الحديث" (1/ 752). (¬4) زيادة من (ب). (¬5) أخرجه البخاري رقم (1976) ومسلم رقم (1159) وأبو داود رقم (2427) والنسائي رقم (2392، 2394، 2395، 2397). (¬6) أخرجه مسلم في صحيحه رقم (747) وأبو داود رقم (1313) والترمذي رقم (581) وابن ماجه رقم (1343) والنسائي رقم (1791) ومالك في "الموطأ" (1/ 200).

الباب الثاني: في القراءات

قوله: "وعبد الرحمن بن عبدٍ (¬1) " بالتنوين غير مضاف "القارّي" بتشديد المثناة التحتية نسبة إلى القارة بطن من خزيمة بن مدركة، والقارة لقب واسمه أُثيع بالمثلثه مصغراً، بن مليح بالتصغير وآخره مهملة. الباب الثاني: في القراءات [وفيه فصلان: الفصل الأول: في جواز اختلافها] (¬2) [457/ ب] 1 - عَنْ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ حَكِيمٍ بنِ حِزَامٍ يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ عَلَى حُرُوفٍ كَثِيرَةٍ لَمْ يُقْرِئْنِيهَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فَكِدْتُ أُساوِرُهُ فِي الصَّلاَةِ فَتَرَبَّصْتُ بِهِ حَتَّى سَلَّمَ فَلَبَّبْتُهُ بِرِدائِهِ فَقُلْتُ: مَنْ أَقْرَأَكَ هَذِهِ السُّورَةَ؟ قَالَ: أَقْرَأَنِيهَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْتُ: كَذَبْتَ، إِنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - أقْرَأَنِيهَا عَلَى غَيْرِ مَا قَرَأْتَ، فانْطَلَقْتُ بِهِ أَقُودُهُ إِلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْتُ: يَا رَسُولُ الله! إِنِّي سَمِعْتُ هَذا يَقْرَأُ سُورَةِ الْفُرْقانِ عَلَى حُرُوفٍ كَثِيْرَةٍ لَم تُقْرِئْنِيهَا، فَقَالَ: "أَرْسِلْهُ اقْرَأْ يَا هِشَامُ"، فَقَرَأَ الْقِراءَةَ الَّتِي سَمِعْتُهُ يَقْرَأُ" فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "هَكَذَا أُنْزِلَتْ"، ثُمَّ قَالَ لِي: "اقْرَأْ يا عُمَرُ"، فَقَرَأْتُ الْقِراءَةَ الَّتِي أَقْرَأَنِي، فَقالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "هَكَذَا أُنْزِلَتْ، إِنَّ هَذَا القُرْآنَ أُنْزِلَ عَلى سَبْعَةِ أحْرُفٍ فاقرَءُوا ما تيَسَّرَ مِنْهُ". أخرجه الستة (¬3). [صحيح] "المُسَاوَرَةُ (¬4) " المواثبة. ¬

_ (¬1) انظر: "التقريب" (1/ 489 رقم 1029). (¬2) زيادة من (ب). (¬3) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (2419، 4992) ومسلم رقم (818) وأبو داود رقم (1475) والترمذي رقم (2944) والنسائي رقم (936، 938) ومالك في "الموطأ" (1/ 201). (¬4) قال ابن الأثير في "النهاية في غريب الحديث" (1/ 823) أي: أواثبه وأقاتله.

قوله في حديث عمر: "هشام بن حكيم (¬1) " أي: الأسدي له ولأبيه صحبة وإسلاماً يوم الفتح. قوله: "على حروف كثيرة". قال الحافظ ابن حجر (¬2) في تفسير (¬3) سورة الفرقان: لم أقف على شيء من طرق حديث عمر على تعيين الأحرف التي اختلف فيها عمر وهشام. قلت: ثم قال ابن حجر (¬4): وقد تتبع أبو عمر بن عبد البر: ما اختلف فيه القراء من ذلك من لدن عصر الصحابة ومن بعدهم من هذه السورة فعدَّ الحافظ عن أبي عمر وما ألحقه من عنده مائة وثلاثين (¬5) موضعاً بعد أن سردها بألفاظها ونسبتها إلى من قرأ بها. قوله: "لببته (¬6) " بفتح اللام وموحدتين: الأولى: مشددة، والثانية: ساكنة، أي: جمعت عليه ثيابه عند لببه لئلا ينفلت عني، وكان عمر شديداً في الأمر بالمعروف، وفعل ذلك عن اجتهاد منه لظنه أن هشاماً خالف الصواب، ولهذا لم ينكر النبي - صلى الله عليه وسلم - عليه. قوله: "على سبعة أحرف". ¬

_ (¬1) انظر: "التقريب" (2/ 318 رقم 77). (¬2) في "الفتح" (9/ 33). (¬3) ليس كذلك، بل هو في "فضائل القرآن"، انظر: "فتح الباري" (9/ 33). (¬4) في "الفتح" (9/ 33 - 34). (¬5) انظر: "فتح الباري" (9/ 33 - 34). (¬6) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 580)، "الفائق" للزمخشري (2/ 294).

الفصل الثاني: فيما جاء من القراءات مفصلا

قال السيوطي (¬1): اختلف في المراد بها على نحو أربعين قولاً بسطتها في الإتقان (¬2) وأقربها قولان: أحدهما: أن المراد سبع لغات، وعليه أبو عبيد، وثعلب، والأزهري وآخرون، وصححه ابن عطية، والبيهقي. والثاني: أن المراد سبعة أوجه من المعاني المتفقة الألفاظ [المختلفة] (¬3) نحو: أقبل وتعال وهلم وعجل وأسرع، وعليه سفيان بن عيينة وخلائق، ونسبه ابن عبد البر لأكثر العلماء. والمختار أن هذا الحديث من المشكل الذي لا يُدري معناه كمتشابه القرآن والحديث، وعليه ابن سعدان النحوي، انتهى. قوله: "أن أساوره (¬4) " [458/ ب] بالسين المهملة، أي: أن آخذ برأسه. قوله: "فتربصت" في البخاري (¬5): "فتصبرت" وفي رواية مالك (¬6): "ثم أمهلته" [133/ أ]. الفصل الثاني: فيما جاء من القراءات مفصلاً 1 - عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ -وَأُراهُ قَالَ - وَعُثْمَانَ - رضي الله عنهم - كَانُوا يَقْرَءُونَ {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)} [الفاتحة: 4] بِالْأَلِفْ. ¬

_ (¬1) انظر: "فتح الباري" (9/ 27 - 31). (¬2) "الإتقان في علوم القرآن" (1/ 250 - 254). (¬3) في (أ) مختلفة المعاني. (¬4) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (1/ 823). (¬5) في صحيحه رقم (4992). (¬6) في "الموطأ" (1/ 201).

أخرجه أبو داود (¬1) والترمذي (¬2). [إسناده ضعيف] وزاد أبو داود: وَأَوَّلُ (¬3) مَنْ قَرَأَ (مَلِكِ) مَرْوَان. قوله: "عن أنس" إلى قوله: "أخرجه الترمذي". قلت: وقال (¬4): هذا حديث غريب لا نعرفه من حديث الزهري عن أنس بن مالك، إلا من حديث هذا الشيخ أيوب بن سويد المؤمل، قال (¬5): وقد روى بعض أصحاب الزهري ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (4000). (¬2) في "السنن" رقم (2928) بإسناد ضعيف. (¬3) قال ابن كثير في تفسيره (1/ 211) قرأ بعض القراء (مالك) وقرأ آخرون (مَلِك)، وكلاهما صحيح متواتر في السبع. ثم قال: وقد روى أبو بكر بن أبي داود في ذلك شيئاً غريباً حيث قال: حدثنا أبو عبد الرحمن الأذرميُّ، حدثنا عبد الوهاب، عن عدي بن الفضل، عن أبي المطرف، عن ابن شهاب, أنه بلغه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر، وعمر، وعثمان، ومعاوية، وابنه يزيد بن معاوية، كانوا يقرءون: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)} [الفاتحة: 4] قال ابن شهاب: وأول من أحدث (ملك) مروان. قال ابن كثير: مروان عنده علم بصحة ما قرأه, لم يطلع عليه ابن شهاب. وقد أخرج ابن أبي داود في المصاحف (ص 94) عن هشام بن يونس، عن حفص - يعني: ابن غياث - عن ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، عن أم سلمة قالت: قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الليل فقرأ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ} فقطعها وقرأ: (ملك يوم الدين) وروى نحوه (ص 94) عن بعض أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -. وأخرج الحاكم في "المستدرك" (2/ 232) من طريق ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، عن أم سلمة أنها كانت تقرأ: (مَلِك يوم الدين)، انظر: "معجم القراءات" (1/ 8 - 10)، "جامع البيان" (1/ 154 - 156)، "النشر" (1/ 271). (¬4) في "السنن" (5/ 186). (¬5) أي: الترمذي في "السنن" (5/ 186).

هذا الحديث عن الزهري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر وعمر كانوا يقرءون: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)} [الفاتحة: 4] وروى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري، عن سعيد بن المسيب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر وعمر كانوا (¬1) يقرءون: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)} [الفاتحة: 4] انتهى بلفظه. وفي التقريب (¬2): أن أيوب بن سويد صدوق يخطئ. انتهى. 2 - وعن أبي سعيد - رضي الله عنه - قال: قال رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "قال الله - عز وجل - لبني إسرائيل: {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ} [البقرة: 58] " يعني: بالتاء المثناة فوق (¬3). [صحيح] 3 - وَعَنْ جَابِر - رضي الله عنه - أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَرَأَ: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125] بِكَسْرِ الْخَاء" (¬4). [إسناده حسن] 4 - وَعَنْ زَيْد بْنِ ثَابِتٍ - رضي الله عنه -: "أَنَّ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَقْرَأُ: (غيرَ أولي الضرر) [النساء: 95] بِنَصْبِ الرَّاءِ" (¬5). أخرج الثلاثة أبو داود. [حسن] ¬

_ (¬1) انظر: "جامع البيان" (1/ 151 - 152). (¬2) أخرجه أبو داود في "السنن" رقم (4006) بسند حسن، وانظر "النشر" (2/ 215) "الكشف عن وجوه القراءات" (1/ 243)، "المحرر الوجيز" (1/ 308). (¬3) أخرجه أبو داود في "السنن" رقم (3969). قلت: وأخرجه مسلم رقم (1218) والترمذي رقم (856) وابن ماجه رقم (2960)، والنسائي رقم (2961 - 2963)، وانظر: "فتح الباري" (8/ 128) "الكشف عن وجوه القراءات" (1/ 264) "الجامع لأحكام القرآن" (2/ 111). (¬4) أخرجه أبو داود في "السنن" رقم (2507) (3975) بسند حسن. انظر: "الجامع لأحكام القرآن" (5/ 343)، "معاني الفراء" (1/ 284) "معجم القراءات" (1/ 135). (¬5) أخرجه أبو داود في "السنن" رقم (3975) بسند حسن.

5 - وَعَنْ مَعاَذ بْنِ جَبَل - رضي الله عنه - "أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَقْرَأُ: هَلْ تَسْتَطِيْعُ رَبَّكَ" أخرجه الترمذي (¬1). [ضعيف] قوله في حديث معاذ أنه: "أخرجه الترمذي". قلت: وقال (¬2): هذا حديث غريب ولا نعرفه إلا من حديث رشدين وليس إسناده بالقوي ورشدين بن سعد، وعبد الرحمن بن أنعم الإفريقي يضعفان في الحديث. 6 - وَعَن ابْنِ عَبَّاس - رضي الله عنهما -: "أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَقْرَأُ: (والعينُ بالعين) [المائدة: 45] بِالرَّفْعِ في الْأُوْلَى" أخرجه أبو داود (¬3) والترمذي (¬4). [ضعيف] ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (2930) وهو حديث ضعيف. قراءة الجمهور: {هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ} [المائدة: 112] بالياء، وضم الباء، ورجح الطبري هذه القراءة. وقرأ الكسائي، وعلي، ومعاذ بن جبل، وابن عباس، والأعمش، ومجاهد، وابن جبير، وعائشة، وجماعة من الصحابة والتابعين: (هل تستطيع ربك) بالتاء، ونصب الباء، وهي خطاب لعيسى، أي: (هل تستطيع) سؤال ربك، وهو على التعظيم. انظر: "الكشف عن وجوه القراءات" (1/ 422) "الجامع لأحكام القرآن" (6/ 264) "معاني الفراء" (2/ 352)، "جامع البيان" (9/ 118). (¬2) في "السنن" (5/ 186). (¬3) في "السنن" رقم (3976). (¬4) في "السنن" رقم (2929) وهو حديث ضعيف. قرأ الكسائي وأنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبو عبيد: "والعينُ ... والأنفُ ... والأذن ... " برفع العين وما بعدها، والواو عطفت جملاً اسمية على أن واسمها باعتبار المعنى، والمحل مرفوع. انظر: "مشكل إعراب القرآن" (1/ 231)، "جامع الأحكام" (6/ 193) "روح المعاني" (6/ 147) "الكشف عن وجوه القراءات" (1/ 424). =

7 - وعن أبي بن كعب - رضي الله عنه - "أَنَّ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَقْرَأُ: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْتَفْرَحُوا) بِالتَّاء". أخرجه أبو داود (¬1). [شاذ مرفوعاً، حسن موقوفًا] 8 - وَعَنْ أَسْماء بِنْت (¬2) يَزِيْد وَأُمَّ سَلَمَةَ - رضي الله عنها - "أَنَّ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَقْرَأُ: {إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ} ". أخرجه أبو داود (¬3) والترمذي. [حسن] ¬

_ = وقرأ نافع، وحمزة، وعاصم، وخلف، ويعقوب، والأعمش: "والعينَ ... والأنفَ ... والأذنَ .. والسنَّ ... والجروحَ ... " بالنصب في العين وما بعدها من المعاطيف على التشريك في عمل "إن" النصب، وخبر "إن" هو المجرور. والجروح خبر "قصاص" وهو من عطف الجمل، عطف الاسم على الاسم، والخبر على الخبر، مثل قوله: إن زيداً قائم، وعمراً قاعدٌ. انظر: "معجم القراءات" (2/ 279)، "روح المعاني" (6/ 147). (¬1) في "السنن" رقم (3981) وهو شاذ مرفوعاً، حسن موقوفاً. قراءة الجمهور: "فليفرحوا" بالياء أمراً للغائب، وهي رواية عن ابن عامر. انظر: "روح المعاني" (11/ 141) "الكشف عن وجوه القراءات" (1/ 520)، "الجامع لأحكام القرآن" (8/ 354). (¬2) أخرجه أبو داود في "السنن" رقم (3982) وهو حديث صحيح. (¬3) أخرجه أبو داود في "السنن" رقم (3983) والترمذي في "السنن" رقم (2931، 2932) وهو حديث حسن. قرأ الكسائي، ويعقوب، وسهل، وعلي، وأنس، وابن عباس، وعروة, وعكرمة، وعائشة, وأم سلمة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: " (إنه عَمِلَ غير صالح) ". وقرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وعاصم، وحمزة، وابن مسعود، والشعبي، والحسن، وأبو جعفر، وشيبة، والأعمش، وابن سيرين: {إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ} [هود: 46]، جعله نفسه العمل مبالغة في دقه، ورجح الطبري هذه القراءة، وقال الفراء: "وعامة القراء عليه". =

9 - وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٌ - رضي الله عنه -: أَنَّهُ قَرَأَ (هِيْتَ لَكَ)؛ و: (بَلْ عَجِبْتُ ويَسْخَرُونَ)، يَعْنِي: بِالرَّفْعِ. أخرجه البخاري وأبو داود (¬1). [صحيح] قوله في حديث ابن مسعود: "بل عجبتُ" إلى قوله: "بالرفع" قرأ حمزة والكسائي بضم التاء وهي قراءة (¬2) [459/ ب] ابن مسعود وابن عباس. ¬

_ = انظر: "جامع البيان" (12/ 433) "الكشف عن وجوه القراءات" (1/ 503) "روح المعاني" (1/ 69) "معاني الفراء" (2/ 17). (¬1) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (4692) وأبو داود رقم (4005). (¬2) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (4692). قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وعاصم، وابن عامر: (عجبت) بتاء الخطاب للرسول - صلى الله عليه وسلم -. والمعنى: عجبت من قدرة الله على هذه الخلائق العظيمة، وهم يسخرون منك ومن تعجبك، وقرأ حمزة، والكسائي، وابن سعدان، وابن مقسم، وأبو بكر، وطلحة، وابن أبي ليلى، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود النخعي، وابن وثاب، والسلمي، وخلف، وطلحة، وسفيان، والأعمش، وابن عباس، وأبو عبيد وغيرهم (عجبتُ) بالضم. وقال الفراء في "معاني القرآن" (2/ 384) قرأها الناس بنصب التاء، ورفعها أحب إلي؛ لأنها قراءة علي، وابن مسعود، وعبد الله بن عباس. انظر: "الجامع" لأحكام القرآن" (15/ 69) "روح المعاني" (23/ 76)، "الكشف عن وجوه القراءات" (2/ 223) "جامع البيان" (19/ 513 - 514). قال ابن جرير في "جامع البيان" (19/ 503 - 514): "قوله: {بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ (12)} [الصافات: 12] اختلف القرَّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء الكوفة: (بَلْ عَجِبْتُ وَيَسْخَرُونَ) بضم التاء من {عَجِبْتَ} بمعنى: بل عظم عندي وكبر اتخاذهم لي شريكاً وتكذيبهم تنزيلي وهم يسخرون، وقرأ ذلك عامة قراء المدينة والبصرة, وبعض قراء الكوفة: {بَلْ عَجِبْتَ} بفتح التاء؛ بمعنى: بل عجبت أنت يا محمد ويسخرون من هذا القرآن. =

والعجب من الله ليس كالتعجب من الآدميين كما قال تعالى: {فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ} [التوبة: 79] وقال: {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} [التوبة: 67] فالعجب من الآدميين إكباره وتعظيمه، والعجب (¬1) من الله فيكون بمعنى الإنكار والذم، وقد يكون بمعنى الاستحسان ¬

_ = والصواب من القول في ذلك أن يقال: إنهما قراءتان مشهورتان في قراء الأمصار، فبأيتهما قرأ القارئ؛ فمصيب. فإن قال قائل: وكيف يكون مصيباً القارئ بهما مع اختلاف معنييهما؟! قيل: إنها وإن اختلف معنياهما؛ فكل واحد من معنييه صحيح، قد عجب محمد مما أعطاه الله من الفضل، وسخر منه أهل الشرك بالله، وقد عجب ربنا من عظيم ما قاله المشركون في الله، وسخر المشركون بما قالوه" اهـ وقال أبو زرعة عبد الرحمن بن زنجلة في كتابه "حجة القراءات" (ص 606) "قرأ حمزة والكسائي: {بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ (12)} [الصافات: 12]، بضم التاء، وقرأ الباقون بفتح التاء ... "، ثم قال: قال أبو عبيد قوله: {بَلْ عَجِبْتَ}؛ بالنصب: بل عجبت يا محمد من جهلهم وتكذيبهم وهم يسخرون منك، ومن قرأ: {عَجِبْتَ} فهو إخبار عن الله عَزَّ وَجَلَّ" اهـ. وقد صحت القراءة بالضم عن ابن مسعود - رضي الله عنه -. (¬1) العجب: صفة من صفات الله عَزَّ وَجَلَّ الفعلية الخبرية الثابتة له بالكتاب والسنة. الدليل من الكتاب: قوله تعالى: {بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ (12)} وقد تقدم شرحها. قوله تعالى: {وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} [الرعد: 5]. نقل ابن جرير في تفسير هذه الآية بإسناده إلى قتادة قوله: "قوله: {وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ} إن عجبت يا محمَّد؛ فعجب: {قَوْلُهُمْ أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} عجب الرحمن تبارك وتعالى من تكذيبهم بالبعث بعد الموت. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = قال ابن زنجلة في "حجة القراءات" (ص 607) بعد ذكر قراءة {بَلْ عَجِبْتَ} بالضم، قال أبو عبيد: والشاهد لها مع هذه الأخبار قوله تعالى: {وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ} فأخبر جل جلاله أنه عجيب. الدليل من السنة: حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: "لقد عجب الله عَزَّ وَجَلَّ - أو ضحك - من فلان وفلانة" رواه البخاري (4889)، ومسلم (2054) بلفظ: "قد عجب الله من صنيعكما بضيفكما الليلة". حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: "عجب الله من قوم يدخلون الجنة في السلاسل". رواه البخاري. (3010). روى الحاكم في "المستدرك" (2/ 430) ومن طريقه البيهقي في "الأسماء والصفات" (2/ 225)؛ بسند صحيح، عن الأعمش، عن أبي وائل شقيق بن سلمة؛ قال: "قرأ عبد الله - يعني: ابن مسعود - رضي الله عنه -: (بل عجبتُ ويسخرون)؛ قال شريح: إن الله لا يعجب من شيء، إنما يعجب من لا يعلم، قال الأعمش: فذكرت لإبراهيم، فقال: إن شريحاً كان يعجبه رأيه، إن عبد الله كان أعلم من شريح، وكان عبد الله يقرأها: (بل عجبتُ)، قال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط البخاري ومسلم ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. قال أبو يعلى الفراء في "إبطال التأويلات" (ص 245) بعد أن ذكر ثلاثة أحاديث في إثبات صفة العجب: "اعلم أن الكلام في هذا الحديث - يعني: الثالث - كالكلام في الذي قبله، وأنه لا يمتنع إطلاق ذلك عليه وحمله على ظاهره؛ إذ ليس في ذلك ما يحيل صفاته، ولا يخرجها عما تستحقه؛ لأنا لا نثبت عجباً هو تعظيم لأمر دهمه استعظمه لم يكن عمالاً به؛ لأنه مما لا يليق بصفاته بل نثبت ذلك صفة كما أثبتنا غيرها من صفاته". وقال قوام السنة الأصبهاني في "الحجة" (2/ 457): "وقال قوم: لا يوصف الله بأنه يعجب؛ لأن العجب ممن يعلم ما لم يكن يعلم، واحتج مثبت هذه الصفة بالحديث، وبقراءة أهل الكوفة: (بل عجبتُ ويسخرون) على أنه إخبار من الله عَزَّ وَجَلَّ عن نفسه). وقال ابن أبي عاصم في "السنة" (1/ 249): "باب: في تعجب ربنا من بعض ما يصنع عباده مما يتقرب به إليه" ثم سرد جملة من الأحاديث التي تثبت هذه الصفة لله عَزَّ وَجَلَّ. انظر: "مجموع الفتاوى" لشيخ الإِسلام ابن تيمية (4/ 181، 6/ 123 و124).

والرضا كما جاء في الحديث: "عجب ربكم من شاب ليست له صبوة (¬1) "، وسئل الجنيد عن هذه الآية فقال: إن الله لا يعجب من شيء، ولكن الله وافق رسوله لما عجب فقال: {وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ} [الرعد: 5] أي: هو كما تقوله، أفاده البغوي (¬2). قوله في حديث أسماء بنت يزيد: "أخرجه الترمذي". قلت: وقال (¬3): هذا حديث غريب قد رواه غير واحد عن ثابت البناني، وقد روي هذا الحديث أيضاً عن شهر بن حوشب، عن أسماء بنت يزيد، وسمعت عبد بن حميد يقول: أسماء بنت يزيد هي أم سلمة الأنصارية. قال أبو عيسى (¬4): كلا [الحديثين] (¬5) عندي واحد، وقد روى شهر بن حوشب غير حديث عن أم سلمة الأنصارية، وهي أسماء بنت يزيد، وقد روى عن عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحو هذا. انتهى. 10 - وَعَنْ أُبَيّ بْنِ كَعْب - رضي الله عنه -: "أَنَّ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - قَرَأَ: (قد بلغت من لدني عذرا) [الكهف: 76] مُثَقّلَةً" (¬6). [صحيح] ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد (4/ 151) والطبراني في "الكبير" (رقم 853) وأبو يعلى في مسنده رقم (1749) وابن أبي عاصم في السنة رقم (571) وابن عدي في "الكامل" (4/ 1465، 1466) والقضاعي في "مسند الشهاب" رقم (576) من طرق، وهو حديث حسن لغيره. (¬2) في "معالم التنزيل" (7/ 36). (¬3) أي: الترمذي في "السنن" (5/ 187). (¬4) في "السنن" (5/ 187). (¬5) في (أ. ب) الحديث، وما أثبتناه من "سنن الترمذي" (5/ 187). (¬6) أخرجه أبو داود رقم (3985) والترمذي رقم (2933) وهو حديث صحيح. =

قوله في حديث أبي بن كعب: "أخرجه أبو داود والترمذي". قلت: وقال (¬1): هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وأمية بن خالد ثقة، وأبو الجارية العبدي شيخ مجهول [و] (¬2) لا نعرف اسمه، انتهى كلامه. وأبو الجارية أحد رواته ففيه مجهول. 11 - وَعَنْهُ - رضي الله عنه -: "أَنَّ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - قَرَأَ: فِي عَيْنٍ حَمِيْئَةٍ" (¬3). [صحيح موقوف] قوله: "وعنه" أي: أبي بن كعب. وقوله: "أخرجهما أبو داود والترمذي". قلت: وقال (¬4): هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، والصحيح ما روي عن ابن عباس قراءته، ويروى أن ابن عباس وعمرو بن العاص اختلفا في قراءة هذه الآية، وارتفعا إلى كعب الأحبار في ذلك، فلو كانت عنده رواية عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لاستغنى [460/ ب] بروايته ولم يحتج إلى كعب. انتهى. ¬

_ = انظر: "الكشف عن وجوه القراءات" (2/ 69)، "روح المعاني" (16/ 2) "الجامع لأحكام القرآن" (11/ 23). (¬1) في "السنن" (5/ 188). (¬2) زيادة من (أ). (¬3) أخرجه أبو داود في "السنن" رقم (3986) والترمذي رقم (2934) وهو صحيح موقوفاً على ابن عباس. انظر: "الجامع لأحكام القرآن" (11/ 49) "النشر" (2/ 314) "روح المعاني" (16/ 31) "الكشف عن وجوه القراءات" (2/ 73). (¬4) في "السنن" (5/ 188).

12 - وَعَنْ عُمْرَان بْنِ الْحُصَيْن - رضي الله عنهما -: "أَنَّ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - قَرَأَ: {وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى} [الحج: 2] " أخرجه الترمذي (¬1). [صحيح] قوله: في رواية عمران بن الحصين: "أخرجه الترمذي". قلت: وقال (¬2): هذا حديث حسن، وهكذا روى الحكم بن عبد الملك عن قتادة، ولا نعرف لقتادة سماعاً من أحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا من أنس وأبي الطفيل، وهذا عندي مختصراً لما يروى عن قتادة، عن الحسن، عن عمران بن حصين قال: كنا في سفر مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فقرأ: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ} [النساء: 1] ... الحديث بطوله، وحديث الحكم بن عبد الملك عندي مختصر من هذا الحديث. انتهى كلامه. وقد ساق الحديث عن الحكم بن عبد الملك، عن قتادة، عن عمران بن حصين، ثم ذكر ما تراه من أن قتادة لم يسمع من عمران بن الحصين فهو منقطع. 13 - وَعَنْ عائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: "قَرَأَ عَلَيْنَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: {سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا} [النور: 1] يَعْنِي: مُخَفَّفَةُ الرَّاء" أخرجه أبو داود (¬3). [صحيح] ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (2941) وهو حديث صحيح. انظر: "معاني القرآن" للفراء (2/ 214)، "فتح الباري" (8/ 335) "الجامع لأحكام القرآن" (12/ 5)، "الكشف عن وجوه القراءات" (2/ 116)، "روح المعاني" (17/ 113). (¬2) في "السنن" (5/ 192). (¬3) في "السنن" رقم (4008) وهو حديث صحيح. قرأ نافع، وابن عامر، وحمزة، والكسائي، وعاصم، والأعمش، وابن أبي عبلة والسلمي، وابن مسعود، والحسن، وعكرمة، والضحاك، والزهري، وأبو جعفر، وابن يعمر "وفرضناها" مخففة الراء والمعنى: جعلناها واجبة مقطوعاً بها. =

14 - وَعَنْهَا - رضي الله عنها -: أَنَّهَا كَانَتْ تَقَرَأُ: {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ} [النور: 15] وَتَقُوْلُ: الْولْقُ الْكَذبُ. أخرجه البخاري (¬1). [صحيح] قوله في حديث عائشة (¬2) أنها قرأت: {تَلِقَّوْنَهُ} أي: بكسر اللام وتخفيف القاف من الولْق، بسكون اللام، وهو الكذب، وبفتحها أيضاً، والقراءة (¬3) المشهورة {تَلَقَّوْنَهُ} أي: يرويه بعضكم عن بعض من التلقي للشيء، وهو أخذه وقبوله. 15 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أنَّهُ قَرَأَ عَلَى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: {مِنْ ضَعْفٍ} [الروم: 54]، فَقَالَ: (من ضُعف). أخرجه أبو داود (¬4) والترمذي (¬5). [حسن] ¬

_ = وقرأ أبو عمر، وعبد الله بن مسعود، وعمر بن عبد العزيز، ومجاهد، وقتادة وابن محيصن اليزيدي، "وفرّضناها" بالتشديد على أنه تكثير من الفرائض، أو على تأكيد إيجاب العمل بما فيها. انظر: "الكشف عن وجوه القراءات" (2/ 132)، "روح المعاني" (18/ 75) "الجامع لأحكام القرآن" (12/ 158). (¬1) في صحيحه رقم (4752). (¬2) انظر: "روح المعاني" (18/ 119) "الجامع لأحكام القرآن" (12/ 204)، "فتح الباري" (8/ 483 - 484)، "زاد المسير" (6/ 21). (¬3) انظر: "النشر" (2/ 2 - 3) "المحرر الوجيز" (1/ 461)، "الجامع لأحكام القرآن" (12/ 204). (¬4) في "السنن" رقم (3978). (¬5) في "السنن" رقم (2936)، وهو حديث حسن. قرأ أبو بكر وحفص بخلف عنه, عن عاصم، وحمزة, والأعمش، وعبد الله بن مسعود، وأبو رجاء "ضَعْف" بفتح الضاد في الثلاثة. وهي لغة تميم [من ضعفٍ ... من بعد ضعفٍ ... ضَعفاً]، وقرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، والكسائي، وحفص، في اختياره لا عن عاصم، وعيسى بن عمرو، وأبو جعفر، ويعقوب، والجحدري، والضحاك، وأبو عبد الرحمن، وخلف "ضُعْفٍ" بضم الضاد في الثلاثة، وهي لغة قريش. =

قوله في حديث ابن عمر أنه قرأ عليه - صلى الله عليه وسلم -: {مِنْ ضَعْفٍ} أي: بفتح الضاد، فرد - صلى الله عليه وسلم -[عليه] (¬1) بضمها. قوله: "أخرجه الترمذي". قلت: وأخرجه (¬2) من طريق أخرى، ثم قال (¬3): هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث فضيل بن مرزوق. انتهى. وفي التقريب (¬4): فضيل بن مرزوق صدوق يهم. انتهى. 16 - وَعَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّة - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ عَلَى الْمِنْبَرِ: {وَنَادَوْا يَامَالِكُ} [الزخرف: 77]، قَالَ أَبُو دَاوُد: يَعْنِي بَلَا تَرْخِيمٍ، قَالَ سُفْيَانَ: في قِرَاءَةِ عبد الله: (وَنَادُوْا يَا مَالٍ) مرخماً. أخرجه الأربعة (¬5) إلا النسائي. [صحيح] 17 - وَعَنِ ابْنِ مَسْعُود - رضي الله عنه - قَالَ: أَقْرَأْنِي رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: (إِنِّي أَنَا الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) (¬6). [صحيح] ¬

_ = انظر: "روح المعاني" (21/ 58 - 59) "الجامع لأحكام القرآن (14/ 46) "الكشف عن وجوه القراءات" (2/ 186). (¬1) زيادة من (أ). (¬2) في "السنن" رقم (2936 م). (¬3) في "السنن" (5/ 189). (¬4) (2/ 113 رقم 73). (¬5) أخرجه البخاري رقم (3230) ومسلم رقم (871) وأبو داود رقم (3992) والترمذي رقم (508). انظر: "روح المعاني" (25/ 102) "الجامع لأحكام القرآن" (16/ 116) "فتح الباري" (8/ 437) "فتح القدير" (4/ 565). (¬6) أخرجه أبو داود في "السنن" رقم (3993) والترمذي رقم (2940) وهو حديث صحيح.

18 - وَعَنْ عَائِشَةُ - رضي الله عنها - قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ: (فَرُوْحٌ وَرَيْحَانٌ) (¬1) ". أخرجهما أبو داود والترمذي، وصحح الأول. [صحيح] قوله: "وصحح الأول". قلت: قال (¬2): حسن صحيح، وقال (¬3) في الثاني: حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث هارون الأعور. انتهى. قلت: في التقريب (¬4): هارون بن موسى الأزدي العتكي مولاهم الأعور النحوي البصري، ثقة مقرئ، إلا أنه رمي بالقدر. انتهى. 19 - وَعَنِ ابْنِ مَسْعُود - رضي الله عنه - قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: (مذكر) فَرَدَّهَا عَلَيَّ: {مُدَّكِرٍ (15)} بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ أخرجه الخمسة (¬5) إلا النسائي. [صحيح] ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود رقم (3991) والترمذي رقم (2938) وهو حديث صحيح. قرأ الجمهور: "فَرَوحٌ" بفتح الراء، وهي قراءة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقرأت عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وابن عباس، وابن يعمر، والحسن، وقتادة، ونوح القارئ، والضحاك، والأشهب العقيلي، وشعيب بن الحجاب، وسليمان التميمي وغيرهم، عن عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر الصديق، وابن أبي سريج، عن الكسائي "فَرُوح" بضم الراء. انظر: "روح المعاني" (27/ 160) تأويل مشكل القرآن (ص 487 - 488)، "الجامع لأحكام القرآن" (17/ 232)، "النشر" (2/ 92)، "زاد المسير" (8/ 156 - 157). (¬2) في "السنن" (5/ 192). (¬3) في "السنن" (5/ 190). (¬4) (2/ 313 رقم 39). (¬5) أخرجه البخاري رقم (3341) ومسلم رقم (281/ 823)، وأبو داود رقم (3994)، والترمذي رقم (2937). انظر: "معاني القرآن" للفراء (3/ 107)، "روح المعاني" (27/ 83)، "معجم القراءات" (9/ 224 - 225).

قوله في حديث ابن مسعود [134/ أ] [461/ ب]: "أخرجه الأربعة". قلت: لفظ الترمذي (¬1) أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ مدكر. انتهى. وليس فيه أنه قرأ ابن مسعود فرد عليه. 20 - وَعَنِ ابْنِ شَهابٍ: أَنَّ عُمَرَ - رضي الله عنه - كَانَ يَقْرَأُ: (إِذَا نُودِيَ لِلصلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَامْضُوا إِلَى ذِكْرِ الله). أخرجه مالك (¬2). [موقوف صحيح] 21 - وَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لَهُ: "إِنَّ الله أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ"، فَقَرَأَ عَلَيْهِ: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا} [البينة: 1] وَقَرَأَ فِيهَا: "إِنَّ الدِّينِ عِنْدَ الله الْحَنِيفِيَّةُ الْمُسْلِمَةُ لاَ الْيَهُودِيَّةُ وَلاَ الْمَجُوسِيَّةُ، وَمَنْ يَعْمَلْ خَيْرًا فَلَنْ يُكْفَرَهُ". وَقَرَأَ عَلَيْهِ: "لَوْ أَنَّ لاِبْنِ آدَمَ وَادِيًا مِنْ مَالٍ لاَبْتَغَى إِلَيْهِ ثَانِيًا، وَلَوْ كَانَ لَهُ ثَانِيًا لاَبْتَغَى إِلَيْهِ ثَالِثًا، وَلاَ يَمْلأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلاَّ التُّرَابُ، وَيَتُوبُ الله عَلَى مَنْ تَابَ". أخرجه الترمذي (¬3) وصححه. [إسناده حسن] ¬

_ (¬1) في "السنن" (5/ 190 رقم 2937). (¬2) في "الموطأ" (1/ 106 رقم 13) وهو موقوف صحيح. قرأ الجمهور "فاسعوا" من السعي. وقرأ علي بن أبي طالب، وعمر بن الخطاب, وابن مسعود، وابن عباس، وأبي بن كعب، وابن عمر، وابن الزبير، وأبو العالية، والسلمي، ومسروق، وطاوس، وسالم بن عبد الله، وطلحة بخلاف، وابن شهاب، وابن شنبوذ "فامضوا". قال أبو حيان في "البحر المحيط" (8/ 268) "وينبغي أن يحمل على التفسير من حيث إنه لا يراد بالسعي هنا الإسراع في المشي، ففسَّروه بالمضي، ولا يكون قرآناً لمخالفته سواد ما أجمع عليه المسلمون. انظر: "زاد المسير" (8/ 264)، "روح المعاني" (28/ 102)، "معاني الفراء" (3/ 156)، "الجامع لأحكام القرآن" (18/ 102). (¬3) في "السنن" رقم (3898) بسند حسن. =

قوله في حديث أبي بن كعب: "إن الله أمرني أن أقرأ عليك". توهم كثير من الناظرين أن المراد أن آخذ عنك قراءة السورة كأخذ التلميذ على شيخه، وليس هذا بمراد، بل المراد أن أملي عليك هذه السورة تسمعها مني كما كان - صلى الله عليه وسلم - يقرأ على أصحابه، أي: يقرئهم، وإنما خص أُبيا بأن الله أمره أن يملي عليه السورة بخصوصه فضيلة لأُبي، ولذا بكى وقال: وسماني الله، ففي رواية أقرائه الشيخين (¬1) وغيرهما (¬2) أنه قال أُبي: وسماني ربك. قال: "نعم" فبكى. وفي تفسيره بأن يتلمذ له تفسير بالعرف الطارئ على الناس أنه يقال [قرأ] (¬3) عليه إذا تتلمذ له وأخذ عنه، وفي حواشي التيسير نقلاً على هذا التفسير العرفي واستنباطات غير صحيحة. قوله: "أخرجه الترمذي". قلت: لم يخرجه هنا في القراءات، بل أخرجه في مناقب (¬4) أبي بن كعب، ثم قال: هذا حديث حسن صحيح، وقد روي من غير هذا الوجه، رواه عبد الله بن عبد الرحمن، عن أبي أبزى، عن أبيه، عن أبي بن كعب، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن"، ¬

_ = قلت: وأخرجه أحمد (5/ 132)، والطيالسي رقم (539)، والشاشي رقم (1484، 1485، 1486، 1487)، والحاكم (2/ 224)، وأبو نعيم في "الحلية" (4/ 187)، والضياء في "المختارة" رقم (1162). (¬1) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (3809، 4959) ومسلم رقم (246/ 799). (¬2) كأحمد في "المسند" (3/ 130) والترمذي رقم (3792) وأبو يعلى في مسنده رقم (2995)، والبغوي في "معالم التنزيل" (4/ 54). (¬3) في (ب) اقرأ. (¬4) في "السنن" (5/ 711).

وقد روى قتادة عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأُبي: "إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن". انتهى كلامه. ومما يدل على أن المراد بأن يقرأ عليه هو ما فسرناه به، ما أخرجه أحمد (¬1) وغيره (¬2) عن [أبي] (¬3) حبَّة البدري أنه قال جبريل لما نزلت: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا} [البينة: 1] إلى آخرها: يا رسول الله! إن ربك يأمرك أن تقرئها أُبياً، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -[462/ ب] لأُبي: إن جبريل أمرني أن أقرئك هذه السورة، قال أُبي: قد ذكرت ثمة، قال: نعم، فبكى. وما أخرجه أحمد (¬4) عن أُبي بن كعب قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله أمرني أن أقرأ عليك" فقرأ علي: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا} [البينة: 1] السورة. وأخرج ابن مردويه (¬5) عن أبي بن كعب، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "يا أبي! إني أمرت أن أقرئك سورة فأقرئنيها". قوله: "ولو أن لابن آدم وادياً ... " إلى آخره، كان أبي يرى أنه من القرآن كما أخرجه أحمد (¬6) عن ابن عباس قال: جاء رجل إلى عمر يسأله, فجعل عمر ينظر إلى رأسه مرة، وإلى رجليه أخرى، هل يرى عليه من البؤس ثم قال عمر: كم مالك؟ قال: أربعون من الإبل، قال ابن عباس: قلت: صدق الله ورسوله، لو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغى الثالث، ولا ¬

_ (¬1) في "المسند" (3/ 489). (¬2) كالطبراني في "الكبير" (ج 22 رقم 823)، وابن أبي شيبة في "مصنفه" (10/ 520)، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" رقم (1965)، وهو حديث صحيح لغيره. (¬3) زيادة من (أ). (¬4) في "المسند" (5/ 132) وقد تقدم تخريجه. (¬5) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (8/ 586 - 587). (¬6) في "المسند" (5/ 118)، بإسناد صحيح.

يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب، فقال: ما هذا؟ قال: هكذا أقرأني أبي، قال: فمرّ بن إليه، فجاء إلى أبي، فقال: ما يقول هذا؟ قال أبي: هكذا أقرأنيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: [أفأثبتها] (¬1) في المصحف؟ قال: نعم، إلا أنه قد ورد عن ابن عباس (¬2) ما يدل على تشكك أُبي في أنها آية. فأخرج ابن الضريس (¬3) عن ابن عباس قال: قلت: يا أمير المؤمنين! إن أبياً يزعم أنك تركت آية من كتاب الله لم تكتبها، قال: والله لأسألن أبياً، فإن أنكر لتكذبن، فلما صلى صلاة الغداة، غدا على أُبي فأذن له وطرح له وسادة وقال: يزعم هذا أنك تزعم أني تركت آية من كتاب الله لم أكتبها، فقال: إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لو أن لابن آدم واديين من مال لابتغى إليهما وادياً ثالثاً، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب" قال: أنكتبها؟ قال: لا أنهاك، قال: فكأن أبياً شك، أقول: أحديث أم قرآن (¬4) منزل. [463/ ب] ¬

_ (¬1) في (ب) فأثبتها. (¬2) أخرجه أحمد في "المسند" (5/ 118)، والضياء في "المختارة" رقم (1206)، وابن أبي شيبة في مصنفه (1/ 9 - 91)، وهو حديث صحيح. (¬3) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (8/ 587). (¬4) قال الحافظ في "الفتح" (11/ 257 - 258) " ... وهذا يحتمل أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبر به عن الله تعالى على أنه من القرآن، ويحتمل أن يكون من الأحاديث القدسية, والله أعلم، وعلى الأول فهو مما نسخت تلاوته جزماً، وإن كان حكمه مستمراً .... ".

كتاب: تأليف القرآن [وترتيبه وجمعه]

كتاب: تأليف القرآن [وترتيبه وجمعه (¬1)] قال ابن حجر (¬2): أي: جمع آيات السورة الواحدة, أو جمع السور مرتبة في المصحف. قوله: "وترتيبه" أي: ترتيب سوره لما يأتي أن ترتيب الآيات (¬3) توقيفي، ويأتي ما يدل على خلافه (¬4). قوله: "وجمعه" أي: ضم بعضه إلى بعض في المصحف. 1 - عَنْ زَيْدَ بْنَ ثابِتٍ - رضي الله عنه - قَالَ: أَرْسَلَ إِلَيَّ أبو بَكْرٍ - رضي الله عنه - مَقْتَلَ أَهْلِ الْيَمَامَةِ، فَإِذَا عُمَرُ جَالِسٌ عِنْدَهُ فَقاَلَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّ عُمَرَ أَتَانِي فَقَالَ: إِنَّ الْقَتْلَ قَدِ اسْتَحَرَّ يَوْمَ الْيمامَةِ بِقُرَّاءِ الْقُرْآنِ؛ وَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَسْتَحِرَّ الْقَتْلُ بِالْقُرَّاءِ فِي كُلِّ الْمَواطِنِ، فَيَذْهَبَ مِنَ الْقُرْآنِ كَثِيرٌ، وإنِّي أَرَى أَنْ تَأْمُرَ بِجَمْعِ الْقُرْآنِ، فَقُلْتُ: وَكَيْفَ أَفْعَلُ ما لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فَقَالَ عُمَرُ - رضي الله عنه -: هُوَ وَالله خَيْرٌ، فَلَمْ يَزَلْ عُمَرُ يُراجِعُنِي في ذَلِكَ حَتَّى شَرَحَ الله صَدْرِي لِلَّذِي شَرَحَ لَهُ صَدْرَ عُمَرَ، وَرَأَيْتُ في ذَلِكَ الَّذِي رَأَى، قالَ زَيْدٌ: فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّكَ رَجُلٌ شَابٌّ عاقِلٌ لا نَتَّهِمُكَ، وَقَدْ كُنْتَ تَكْتُبُ الْوَحْيَ لِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فَتَتَبَّعِ الْقُرْآنَ واجْمَعْهُ، قَالَ زَيْدٌ: فَوالله لَوْ كَلَّفَنِي نَقْلَ جَبَلٍ مِنَ الجِبَالِ مَا كَانَ أَثْقَلَ عَلَيَّ مِمَّا أَمَرَنِي بِهِ، فَقُلْتُ: كَيْفَ تَفْعَلاَنِ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: هُوَ وَالله خَيْرٌ، فَلَمْ يَزَلْ أَبُو بَكْرٍ يُرَاجِعُنِي حَتَّى شَرَحَ الله صَدْرِي لِلَّذِي شَرَحَ لَهُ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ، فَتَتَبَّعْتُ الْقُرآنَ أَجْمَعُهُ مِنَ الْعُسُبِ واللِّخَافِ وَصُدُورِ الرِّجالِ، حَتَّى وَجَدْتُ آخِرَ سُورَةِ التَّوْبَةِ مَعَ خُزَيْمَةَ أَوْ أَبِي خُزَيْمَةَ الأَنْصارِيِّ لَمْ أَجِدْها مَعَ أَحَدٍ غَيْرَهُ، وَكَانَتِ ¬

_ (¬1) زيادة من (ب). (¬2) في "فتح الباري" (6/ 39). (¬3) تقدم توضيحه مفصلاً. (¬4) تقدم الرد على ذلك، وأن ترتيب الآيات توقيفي بالإجماع.

الصُّحُفُ عِنْدَ أَبي بَكْرٍ حَتَّى تَوَفَّاهُ الله تَعَالَى، ثُمَّ عِنْدَ عُمَرَ حَتَّى تَوَفَّاهُ الله تَعَالَى، ثُمَّ عِنْدَ حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ - رضي الله عنهم -. أخرجه البخاري (¬1) والترمذي (¬2). [صحيح] وقوله: "اسْتَحَرَّ الْقَتْلُ (¬3) " أي: كثر، "واللِّخَافُ (¬4) " جَمْعُ لَخْفَةٍ، وهي حجارة بيض رقاق. قوله: "عن زيد بن ثابت" هو زيد بن ثابت (¬5) بن الضحاك، من بني النجار من الأنصار، كان كاتباً للنبي - صلى الله عليه وسلم -، ولما مات قال ابن عباس: هكذا ذهاب العلماء، دفن اليوم علم كثير، وهو الفرضي العالم الكبير. قوله: "مقتل أهل اليمامة" أي: عقب قتل من قتل من الصحابة في جهادهم مسيلمة الكذاب، وذلك أنه كان قد ادعى النبوة، وعظم أمره بعد وفاته - صلى الله عليه وسلم - بارتداد كثير من العرب، فجهز إليه أبو بكر خالد بن الوليد [135/ أ] في جمع كثير من الصحابة، فحاربوه أشد محاربة إلى أن خذله الله وقتله، وقتل هنالك من الصحابة جماعة كثيرة. قوله: "قد استحر"، بسين مهملة ساكنة، ومثناة فوقية مفتوحة، وحاء مهملة مفتوحة وراء مشددة. أي: كثر واشتد. قوله: "لا وكيف أفعل ما لم يفعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -". ¬

_ (¬1) في صحيحه رقم (4679). (¬2) في "السنن" رقم (3103). (¬3) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (1/ 356)، "الفائق في غريب الحديث" للزمخشري (1/ 396). (¬4) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 595). (¬5) "الاستيعاب" رقم (805) ط: الأعلام.

قال الخطابي (¬1): إنما لم يجمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القرآن في مصحف واحد، لما كان يترقبه من ورود ناسخ لبعض أحكامه، أو تلاوته، فلما انقضى نزوله بوفاته ألهم الله الخلفاء الراشدين ذلك، وفاءً بوعده الصادق بحفظه على هذه الأمة. قوله: "العُسُب (¬2) " بمهملتين مضمومتين فموحدة، جمع عسيب، وهو جريد [464/ ب] النخل، كانوا يكشطون الخوص ويكتبون في الطرف [العريض] (¬3)، واللخاف (¬4) بكسر اللام وتخفيف الخاء المعجمة، وفاء جمع لَخفة بفتح اللام وسكون المعجمة صفائح الحجارة الرقاق فيها عرض ورقة. واعلم أنهم نقلوه فيما ذكر إلى أوراق وقراطيس. قوله: "آخر سورة التوبة مع خزيمة" قال في أي مكتوبة مع كونها محفوظة عنده وعند غيره؛ لأن القرآن لا يثبت إلا بالتواتر. انتهى. قلت: ولا يخفى أنه خلاف صريح كلام زيد سيما مع قوله الآتي: "ولم أجدها عند أحد غيره". قوله: "أو أبي خزيمة" في الترمذي وعند أحمد "خزيمة" من غير شك. قال الحافظ ابن حجر (¬5): الصواب أن الذي وجد معه آخر سورة التوبة أبو خزيمة بالكنية، واسمه الحارث بن خزيمة، والذي وجد معه آية الأحزاب خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين [135/ أ]. ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (8/ 345). (¬2) انظر: "غريب الحديث" للهروي (3/ 156)، "الفائق" للزمخشري (2/ 431). (¬3) في المخطوط العرض، وما أثبتناه من "فتح الباري" (9/ 14). (¬4) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 595). (¬5) في "فتح الباري" (8/ 345).

2 - وَعَن الزُّهْرِي أَنَّ أنَسَ - رضي الله عنه -: أَنَّ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ قَدِمَ عَلَى عُثْمَانَ - رضي الله عنهما - فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! أَدْرِكْ هَذِهِ الأُمَّةَ قَبْلَ أَنْ يَخْتَلِفُوا في الْكِتَابِ اخْتِلاَفَ الْيَهُودِ والنَّصارَى، فَأَرْسَلَ إِلَى حَفْصَةَ أَنْ أَرْسِلِي إِلَيْنَا بِالصُّحُفِ نَنْسَخُهَا فِي الْمَصَاحِفِ وَنَرُدُّهَا إِلَيْكِ فَأَرْسَلَتْ بِهَا، فَأَمَرَ زَيْدَ بْنَ ثابِتٍ، وَعبد الله بْنَ الزُّبَيْرِ، وَسَعِيدَ بْنَ الْعاصِ، وَعبد الرَّحْمَنِ بْنَ الْحارِثِ بْنِ هِشَامٍ - رضي الله عنهم - فَنَسَخُوهَا، وَقَالَ لِلرَّهْطِ الْقُرَشِيِّينَ: إِذا اخْتَلَفْتُمْ أَنْتُمْ، وَزَيْدُ بْنُ ثابِتٍ، فِي شَيْءٍ مِنَ الْقُرْآنِ فاكْتُبُوهُ بِلِسانِ قُرَيْشٍ، فَإِنَّمَا نَزَلَ بِلِسَانِهِمْ، فَفَعَلُوا حَتَّى إِذا نَسَخُوا الصُّحُفَ فِي الْمَصَاحِفِ أَرْسَلَ إِلَى كُلِّ أُفُقٍ بِمُصْحَفٍ، وَأَمَرَ بِما سِوَى ذَلِكَ مِنَ الْقُرْآنِ في كُلِّ صَحِيفَةٍ أَوْ مُصْحَفٍ أَنْ يُحْرَقَ. قالَ زَيْدَ - رضي الله عنه -: فَفَقَدْتُ آية مِنْ سُورةِ الأَحْزابِ قَدْ كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَؤُهَا، فالْتَمَسْتُهَا فَوَجَدْتُهَا مَعَ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيَّ - رضي الله عنه - الَّذِي جَعَلَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - شَهادَتْهُ بِشَهادَةِ (¬1) رَجُلَيْنِ، وَهِيَ: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} [الأحزاب: 23] فَأَلْحَقْنَاهَا فِي سُورَتِهَا مِنَ الْمُصْحَفِ. أخرجه البخاري (¬2) والترمذي (¬3). [صحيح] 3 - وفي رواية: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ (¬4): وَاخْتَلَفُوا يَوْمَئِذٍ فِي التَّابُوتِ فَقَالَ زَيْدٌ: التَّابُوهُ، وَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ وَسَعِيدُ بْنُ الْعاصِ: التَّابُوتُ، فَرَفَعُوا اخْتِلاَفَهُمْ إِلَى عُثْمَانَ - رضي الله عنه - فَقَالَ: اكْتُبُوهُ التَّابُوتُ فَإِنَّهُ بِلِسانِ قُرَيْشْ. [صحيح] ¬

_ (¬1) أخرج القصة أبو داود في "السنن" رقم (3607)، والنسائي رقم (4647)، من حديث عمارة بن خزيمة. (¬2) في صحيحه رقم (4987، 4988). (¬3) في "السنن" رقم (3104). (¬4) أخرجه الترمذي في "السنن" رقم (3607)، و (3104).

قوله: "يحرق (¬1) " روى بالخاء المعجمة وبالمهملة، والإحراق إذا كان للصيانة لا للإهانة لا بأس به. قوله في حديث الزهري: "أن حذيفة قدم على عثمان" كان قدومه من الشام فأفزعه اختلافهم في القراءة، فقال لعثمان: ما قال، قال له عثمان؟ وما ذاك؟ قال: غزوت أرمينية فإذا أهل الشام يقرءون بقراءة أبي بن كعب، ويأتون بما لم أسمع أهل العراق، وأهل العراق يقرءون بقراءة عبد الله بن مسعود فيأتون بما [465/ ب] لم أسمع أهل الشام فيكفر بعضهم بعضاً. [قوله] (¬2): "فقال للرهط القرشيين" وهم (¬3) من عدى زيد بن ثابت فإنه أنصاري. قوله: "فإنما نزل بلسانهم" يريد معظمه, وإلا ففيه بلسان غيرهم أشياء. قال الداودي (¬4): أي: إذا اختلفتم من الهجاء لا الإعراب، وقيل: أراد الإعراب، وقيل: أرادهما معاً، ألا ترى أن لغة أهل الحجاز: {مَا هَذَا بَشَرًا} [يوسف: 31] فلم بشر. قوله: "إلى كل أفق بمصحف". قال أبو حاتم السجستاني (¬5): نسخوا سبعة مصاحف فأرسل بستةٍ إلى مكة، والشام، واليمن، والبحرين، والبصرة، والكوفة، وبقي واحدة بالمدينة. ¬

_ (¬1) انظر: "فتح الباري" (9/ 20 - 21). (¬2) زيادة من (ب). (¬3) يعني: سعيداً، وعبد الله، وعبد الرحمن؛ لأن سعيد أُموي، وعبد الله أسدي، وعبد الرحمن مخزومي، وكلها من بطون قريش، "فتح الباري" (9/ 20). (¬4) انظر: "فتح الباري" (9/ 18، 22). (¬5) انظر: "المصاحف" لابن أبي داود (ص 34 - 35)، "فتح الباري" (9/ 20).

قوله: "أن يحرق" الأكثر (¬1) أنه بالخاء المعجمة والزاي، وقال ابن عطية: بالحاء المهملة، أي: والراء، ولبعض رواة البخاري بهما. (فائدة): أول من سمى المصحف (¬2) مصحفاً عتبة بن مسعود، أخو عبد الله، والمصحف مثلث الميم، والفرق بين الصحف والمصحف: أن الصحف الأوراق المجردة التي جمع فيها القرآن في عصر أبي بكر، وكان سوراً مفرقة، كل سورة مرتبة بآياتها، لكن لم ترتب بعضها إثر بعض، فلما نسخت ورتب بعضها إثر بعض صارت مصحفاً. 4 - وَعَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: جَمَعَ الْقُرْآنَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَرْبَعَةٌ، كُلُّهُمْ مِنَ الأَنْصَارِ: أُبَيٌّ بْن كَعْبٍ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَزَيْدُ بْنُ ثابِتٍ، وَأَبُو زَيْدٍ، قِيْلَ لأَنَسِ: مَنْ أَبُو زَيْدٍ؟ قالَ: أَحَدُ عُمُومَتِي. أخرجه الشيخان (¬3) والترمذي (¬4). [صحيح] 5 - وَفِي أُخْرَى لِلْبُخَارِي (¬5): عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: جَمَعْتُ الْمُحْكَمَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - قِيْلَ لَهُ: وَما الْمُحْكَمُ؟ قالَ الْمُفَصَّلُ. [صحيح] قوله في حديث أنس: "أربعة كلهم من الأنصار" اختلف [466/ ب] في توجيهه، فإنه قد جمعه (¬6) جماعة سواهم، فقيل: المراد لم يجمعه على جميع الوجوه والقراءات التي نزل بها إلا أولئك، وقيل: قاله أنس باعتبار ما وصل إليه علمه، وجمع بعضهم أسماء من جمع القرآن من مجموع الروايات. ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (9/ 20). (¬2) انظر: "فتح الباري" (9/ 30 - 32). (¬3) أخرجه البخاري رقم (3810) ومسلم رقم (2465). (¬4) في "السنن" رقم (3794). (¬5) في صحيحه رقم (5036). (¬6) انظر: "فتح الباري" (7/ 128).

فقال: أُبي وسعد مع معاذ مجمع ... وزيد أبو الدرداء ثم أبو زيد وأبو زيد (¬1) هو: سعيد بن عبيد مصغر الأوسي البدري يعرف بسعيد القارئ. وقيل: هو قيس بن السكن، ولذلك قال أنس: أحد عمومتي، وقال ابن معين: هو ثابت بن زيد بن مالك الأشهلي. قوله: "المفصل" يأتي بيانه والخلاف من ابتدائه، وانتهاؤه سورة الناس اتفاقاً. ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (7/ 127 - 128).

كتاب: التوبة

كتاب: التوبة هي الرجوع (¬1) من باب يتوب توبة إذا رجع ثم أريد بها الرجوع عن مخالفة أمر الله إلى موافقته مع الندامة على المخالفة. وفي التعريفات: التوبة: الرجوع من مذموم الشرع إلى محموده، والتوبة النصوح توثيق العزم على أن لا يعود. 1 - عَنِ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عبد الله بْنِ مَسْعُودٍ حَدِيثَيْنِ: أَحَدُهُمَا: عَنِ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وَالآخَرُ عَنْ نَفْسِهِ، فَقَالَ: "إِنَّ الْمُؤْمِنَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَأَنَّهُ قَاعِدٌ تَحْتَ جَبَلٍ يَخَافُ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ، وَإِنَّ الْفَاجِرَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَذُبَابٍ مَرَّ عَلَى أَنْفِهِ". فَقَالَ بِهِ هَكَذَا فَذَبَّهُ عَنْهُ, ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "لله أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ مِنْ رَجُلٍ نَزَلَ فِي أَرْضٍ دَوِيَّةٍ مَهْلكَةٌ مَعَهُ راحِلَتُهُ عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَوَضَعَ رَأْسَهُ فَنَامَ نَوْمَةً، فاسْتَيْقَظَ وَقَدْ ذَهَبَتْ راحِلَتُهُ, فَطَلَبَهَا حَتَّى إِذا اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْجُوعُ والْعَطَشُ قَالَ: أَرْجِعُ إِلَى مَكَانِي الَّذِيْ كنْتُ فِيْهِ، فأَنَامُ حَتَّى أَمُوْتُ، فَوَضَعَ رَأْسَهُ عَلَى ساعِدِه لِيَمُوتَ فاسْتَيْقَظَ فَإِذَا راحِلَتُهُ عِنْدَهُ عَلَيْهَا زادَهُ وشَرَابُهُ، فَالله أَشَدُّ فَرَحَاً بِتَوْبَةِ الْعبد المُؤْمِنِ مِنْ هَذَا بِرَاحِلَتِهِ وَزَادِهِ". أخرجه الشيخان (¬2) والترمذي (¬3). [صحيح] وَزَادَ فِي رِوَايَة (¬4) مُسْلِم ثُّمَّ قاَلَ: اللهمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ، أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ. "الدَّوِيَّةُ (¬5) " الصحراء التي لا نبات فيها. ¬

_ (¬1) انظر: "فتح الباري" (11/ 103 - 104). (¬2) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (6308) ومسلم رقم (2744). (¬3) في "السنن" رقم (2498/ 3538). (¬4) في صحيحه رقم (4/ 2744). (¬5) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (1/ 590)، "الفائق" للزمخشري (2/ 386).

قوله: "فقال: إن المؤمن" هذا هو الذي عن نفسه. قوله: "يخاف أن يقع عليه" قال ابن أبي حمزة (¬1): السبب في ذلك أن قلب [ابن آدم] (¬2) منور، فإذا رأى من نفسه ما يخالف ما ينور به قلبه، عظم الأمر عليه فلم يأمن العقوبة بسببه، وهذا شأن المؤمن أنه دائم الخوف والمراقبة، يستصغر عمله الصالح، ويخشى من صغير عمله السيئ، والفاجر قلبه مظلم [فذنبه] (¬3) سهل عليه، لا يعتقد أنه يحصل له بسببه ضرر، كما أن ضرر الذباب عنده سهل، وكذا دفعه عنه. قوله: "أفرح" [467/ ب] أي: أرضى بالتوبة وأشد قبولاً لها فإن حقيقة الفرح (¬4) عليه تعالى محال. ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (11/ 105). (¬2) كذا في المخطوط والذي في "الفتح" (11/ 105) المؤمن. (¬3) زيادة من (أ). (¬4) الفرح صفة فعلية خبرية ثابتة لله عَزَّ وَجَلَّ بالأحاديث الصحيحة ومنها هذا الحديث. قال الهراس في شرح "العقيدة الواسطية" (ص 166): عند شرحه لهذا الحديث: "وفي هذا الحديث إثبات صفة الفرح لله عَزَّ وَجَلَّ، والكلام فيه كالكلام في غيره من الصفات، أنه صفة حقيقية لله عَزَّ وَجَلَّ على ما يليق به، وهو من صفات الفعل التابعة لمشيئته تعالى وقدرته، فيحدث له هذا المعنى المعبَّر عنه بالفرح عندما يحدث عبده المثوبة والإنابة إليه، وهو مستلزم لرضاه عن عبده التائب، وقبوله توبته. وإذا كان الفرح في المخلوق على أنواع، فقد يكون فرح خفة، وسرور، وطرب، وقد يكون فرح أشرٍ وبطر، فالله عَزَّ وَجَلَّ منزه عن ذلك كله، ففرحه لا يشبه فرح أحد من خلقه، لا في ذاته، ولا في أسبابه، ولا في غاياته، فسببه كمال رحمته وإحسانه التي يحب من عباده أن يتعرّضوا لها، وغايته إتمام نعمته على التائبين المنيبين. =

قلت: وطريقة السلف (¬1) السكوت عن التأويل كما قدمناه مراراً. قوله: "عبده المؤمن"، كأنه قيد واقعي، وإلا فإن توبة الكافر بإسلامه مما يحبه الله. وقوله: "الدَوِيَّة (¬2) " بفتح الدال المهملة، وتشديد الواو والياء جميعاً، وهي: الفلاة والمفازة. وقوله: "مهلكة (¬3) " بفتح الميم واللام وسكون الهاء، أي: يهلك من حصل بها. [ويروى بضم الميم وكسر اللام أي: تهلك هي من حصل بها (¬4)] قوله: "عليها زاده وشرابه" زاد في رواية (¬5): "فقال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك" أي: غلب الفرح على عقله فقال ما قال. قوله: "فالله أشد فرحاً". قال المازري (¬6): الفرح ينقسم على وجوه: منها: السرور، والسرور يقارنه الرضا بالمسرور به، قال: فالمراد هنا أن الله [636/ أ] رضي توبة عبده أشد مما يرضى واجد ضالته بالفلاة، فعبر عن الرضا بالفرح تأكيداً لمعنى الرضا في نفس السامع، ومبالغة في تقريره. ¬

_ = وأما تفسير الفرح بلازمه، وهو الرضا، وتفسير الرضا بإرادة الثواب، فكل ذلك نفيٌ وتعطيل لفرحه ورضاه سبحانه أوجبه سوء ظنّ هؤلاء المعطلة بربهم، حيث توهَّموا أن هذه المعاني تكون فيه كما هي في المخلوق، تعالى الله عن تشبيههم وتعطيلهم". "عقيدة السلف أصحاب الحديث" (ص 5). (¬1) انظر: "التعليقة المتقدمة". (¬2) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (1/ 590) وقد تقدم. (¬3) انظر: "القاموس المحيط" (ص 1264)، "فتح الباري" (11/ 106). (¬4) زيادة من (أ). (¬5) أخرجه مسلم في صحيحه رقم (7/ 2747). (¬6) في "المعلم بفوائد مسلم" (3/ 187 - 188).

2 - وَعَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ قَالَ: حَدَّثَنَا صَفْوَانَ بْنَ عَسَّالٍ الْمُرادِيَّ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "بَابٌ مِنْ قِبَلِ الْمَغْرِبِ مَسِيرَةُ عَرْضِهِ أَوْ يَسِيرُ الرّاكِبُ في عَرْضِهِ أَرْبَعِينَ أَوْ سَبْعِينَ سَنَة، خَلَقَهُ الله يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ والأَرْضَ، مَفْتُوحٌ لِلتَّوْبَةِ، لا يُغْلَقُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبَهَا". أخرجه الترمذي (¬1) وصححه. [حسن] قوله في حديث زر بن حبيش: "حتى تطلع الشمس من مغربها". هذا حد لقبول التوبة، وهو معنى قوله تعالى: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا} (¬2)، ودال على أن بعض الآيات المراد في الآية هو طلوع الشمس من مغربها. 3 - ولمسلم (¬3) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ تَابَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْس مِنْ مَغْرِبِهَا تَابَ الله عَلَيْهِ". [صحيح] 4 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أَنَّ رَسُولُ الله في - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّ الله يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَم يُغَرْغَرْ". أخرجه الترمذي (¬4) وصححه. [حسن] قوله في حديث ابن عمر: "ما لم يغرغر" الغرغرة (¬5): هي حالة النزع لا يقبل فيها توبة، ولا غيرها، ولا تنفذ فيها وصية ولا غيرها. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (3535، 3531). وأخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" رقم (7076)، وهو حديث حسن. (¬2) سورة الأنعام الآية (158). (¬3) في صحيحه رقم (2703) هو حديث صحيح. (¬4) في "السنن" رقم (3437). وأخرجه ابن ماجه رقم (4253)، وهو حديث حسن. (¬5) قال ابن الأثير في "النهاية" (2/ 302): أي: ما لم تبلغ روحه حلقومه، فيكون بمنزلة الشيء الذي يتغّر به المريض. =

5 - وَعَنْ أَبِي مُوسَى - رضي الله عنه -، أَنَّ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّ الله - عز وجل - يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا". أخرجه مسلم (¬1). [صحيح] "اليَدُ" هنا: كناية عن العطاء والفضل. 6 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ - رضي الله عنه -، أَنَّ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا، فَسَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الأَرْضِ فَدُلَّ عَلَى راهِبٍ فأتَاهُ فَقَالَ: إِنَّهُ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا فَهَلْ لَهُ مِنَ تَوْبَةٍ؟ فَقَالَ لاَ، فَقَتَلَهُ فَكَمَّلَ بِهِ مِائَةَ، ثُمَّ سَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الأَرْضِ فَدُلَّ عَلَى رَجُلٍ عَالمٍ فَقَالَ: إِنَّهُ قَتَلَ مِائَةَ نَفْسٍ، فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، وَمَنْ يَحُولُ بَيْنَكَ وَبَيْنَ التَّوْبَةِ؟ انْطَلِقْ إِلَى أَرْضِ كَذَا وَكَذَا فَإِنَّ بِها أنَاسًا يَعْبُدُونَ الله فَاعبد الله مَعَهُمْ، وَلا تَرْجِعْ إِلَى أَرْضِكَ فَإِنَّها أَرْضُ سَوْءٍ، فانْطَلَقَ حَتَّى إِذا انتَصَفَ الطَّرِيقَ أَتَاهُ الْمَوْتُ فاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلاَئِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلاَئِكَةُ الْعَذابِ، فَقالَتْ مَلاَئِكَةُ الرَّحْمَةِ: إِنَّهُ جاءَ تَائِبًا مُقْبِلًا بِقَلْبِهِ إِلَى الله تَعَالَى، وَقالَتْ مَلاَئِكَةُ الْعَذابِ: إِنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ، فَأَتَاهُمْ مَلَكٌ في صُورَةِ آدَمِيٍّ فَجَعَلُوهُ بَيْنَهُمْ، فَقَالَ: قِيسُوا مَا بَيْنَ الأَرْضَيْنِ فَفِي أَيِّهمَا كَانَ أَدْنَى فَهُوَ لَهُ، فَقاسُوا فَوَجَدُوهُ أَدْنَى إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أَرَادَ بِشِبْرٍ، فَقَبَضَتْهُ مَلاَئِكَةُ الرَّحْمَةِ". أخرجه الشيخان (¬2). [صحيح] زاد في رواية (¬3): فَلَمَّا كانَ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ فَجَعَل يَنوءُ بِصَدْرِهِ نَحْوَ الْقَرْيةِ الصّالِحَةِ فَجُعِلَ مِنْ أَهْلِهَا. [صحيح] ¬

_ = انظر: "المجموع المغيث" (2/ 132). (¬1) في صحيحه رقم (2759). وأخرجه النسائي في "السنن الكبرى" (5/ 11180). وهو حديث صحيح. (¬2) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (3470) ومسلم رقم (2766). (¬3) أخرجه مسلم في صحيحه رقم (47/ 2766).

7 - وفي أخرى (¬1). فَأَوْحَى الله تَعَالَى إِلَى هَذِهِ أَنْ تَبَاعَدِي، وَإِلَى هَذِهِ أَنْ تَقَرَّبِي، وَقَالَ: قِيْسُوا مَا بَيْنَهُمَا". [صحيح] قوله [468/ ب] في حديث أبي سعيد: "كان في بني إسرائيل رجل". قال الحافظ ابن حجر (¬2): لم نقف على اسمه، ولا على اسم أحد من الرجال ممن ذكر في القصة. قوله: "فأتى راهباً" فيه إشعار بأن ذلك كان بعد رفع (¬3) عيسى - عليه السلام -؛ لأن الرهبانية إنما ابتدعها أصحابه كما نص عليه القرآن. قوله: "فإنها أرض سوء" فيه أن بعض البقاع من الأرض يكون سكونها إعانة على المعاصي وعن البعد عن الطاعات، وبعضها على خلاف ذلك، وأنه ينبغي لمن اعتاد العصيان في أرض أن يفارقها ويخرج منها إلى أرض فيها قوم يعبدون الله، وظاهره أنه قد تاب لما أفتاه العالم أنها تقبل توبته، ولا يحال بينه وبينها، وأشار عليه بما يعينه على الطاعة وهو إتيانه الأرض التي يعبد الله فيها، ومثل هذا أنه - صلى الله عليه وسلم - لما نام في الوادي عن صلاة (¬4) الفجر هو وأصحابه أمرهم بالخروج منه وصلى في غيره، وأخبرهم أنه حضرهم فيه الشيطان. قوله: "فقبضته ملائكة الرحمة" في الرواية الآتية: "فجعل من أهلها". ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم في صحيحه رقم (48/ 2766). (¬2) في "فتح الباري" (6/ 517). (¬3) ذكره الحافظ في "الفتح" (6/ 517). (¬4) أخرجه أحمد (5/ 298) ومسلم رقم (681)، من حديث أبي قتادة - رضي الله عنه -، وأخرجه أحمد في "المسند" (4/ 431، 4/ 441) من حديث عمران بن حصين - رضي الله عنه -.

في الحديث مشروعية (¬1) التوبة من جميع الكبائر، حتى من قتل الأنفس، ويحمل على أن [469/ ب] الله إذا قبل توبة القاتل تكفل بإرضاء خصمه، وفيه (¬2) أن الملائكة الموكلين ببني آدم يختلف اجتهادهم في حقهم بالنسبة إلى من يكتبونه مطيعاً أو عاصياً، وأنهم يختصمون في ذلك حتى يقضي الله بينهم، وفيه فضل العالم على العابد فإن الذي أفتاه أولاً أنه لا توبة له على غلبت عليه العبادة، فاستعظم وقوع ما وقع من ذلك القاتل من جرأته على قتل العدد الكثير، وأما الثاني فغلب عليه العلم فأفتاه بالصواب ودله على طريق النجاة (¬3). قال عياض (¬4): وفيه أن التوبة تنفع من القتل كما تنفع من سائر الذنوب، وفيه حجة لمن أجاز التحكيم، وأن من رضي الفريقان بتحكيمه فحكمه جائز عليهم. قوله: "فجعل ينوء" أي: ينهض. قوله: "فأوحى الله إلى هذه أن تباعدي" أي: إلى أرض السوء، وهذا من محبته تعالى لتوبة عبده ورجوعه إليه. 8 - وَعَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: إِنَّ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطّاءٌ، وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ". أخرجه الترمذي (¬5). [حسن] ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (6/ 517 - 518). (¬2) ذكره الحافظ في "الفتح" (6/ 517 - 518). (¬3) ذكره الحافظ في "الفتح" (6/ 518). (¬4) في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (8/ 269). (¬5) أخرجه الترمذي في "السنن" رقم (2501) وابن ماجه رقم (4251) وأحمد (3/ 198) والحاكم (4/ 244). وهو حديث حسن.

كتاب: تعبير الرؤيا

كتاب: تعبير الرؤيا وفيه فصلان: الفصل الأول: في ذكر الرؤيا وآدابها أقول: التعبير (¬1) خاص بتفسير الرؤيا، وهو العبور من ظاهرها إلى باطنها. وقيل: النظر في الشيء فيعتبر بعضه ببعض حتى يحصل على فهمه، وأصله من العبر بفتح فسكون، وهو التجاوز من حال إلى حال (¬2). وأما الرؤيا فهي ما يراه الشخص في منامه، وأما حقيقتها فقال ابن العربي (¬3): الرؤيا إدراكات علقها الله في قلب العبد على يد ملك أو شيطان، إما بأسمائها أي: حقيقتها، أي: عبارتها، وإما تخليط، قال: ونظيرها في اليقظة الخواطر، فإنها قد تأتي على شيء وقصد، وقد تأتي مسترسلة غير محصلة. وقال المازري (¬4): أكثر كلام الناس [470/ ب] في حقيقة الرؤيا، وقال فيها غير الإسلاميين أقاويل كثيرة منكرة، لما حاولا الوقوف على حقائق لا تدري بالعقل، ولا يقوم عليها برهان، وهم لا يصدّقون بالسمع، وذكر أقاويلهم. ثم قال: والصحيح ما عليه أهل السنة، أن الله يخلق في قلب النائم اعتقادات كما يخلقها في قلب اليقظان (¬5) فإذا خلقها فكأنَّه جعلها علماً على أمور أخرى يخلقها في [باقي] (¬6) الحال، ¬

_ (¬1) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 151)، "الفائق" للزمخشري (3/ 280). (¬2) قاله الأصبهاني في "مفردات ألفاظ القرآن" (ص 543). (¬3) في "عارضة الأحوذي" (9/ 123). (¬4) في "المعلم بفوائد مسلم" (3/ 115). (¬5) وتمام العبارة: وهو تبارك اسمه يفعل ما يشاء ولا يمنعه من فعله نوم ولا يقظة. (¬6) كذا في المخطوط والذي في "المعلم" ثاني.

وما وقع منها على خلاف المعتقد فهو كما يقع لليقظان، قال: ونظيره إن الله خلق الغيم علامة للمطر، وقد يتخلف، وتلك الاعتقادات تقع تارة بحضرة الملك فيقع بعدها ما يسر، وتقع بحضرة الشيطان فيقع منها ما يضر، والعلم عند الله. انتهى. قلت: وقد فصل - صلى الله عليه وسلم - الرؤيا فيما أخرجه مسلم (¬1) ولفظه: "والرؤيا ثلاث: فالرؤيا الصالحة بشرى من الله، ورؤيا تحزين من الشيطان، ورؤيا مما يحدث به المرء نفسه" انتهى. 1 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أن رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا اقتَرَبَ الزَّمَانُ لَمْ تَكَدْ رُؤْيَا الْمُؤْمِنِ تَكْذِبُ، وَرُؤْيَا الْمُؤْمِنِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ". أخرجه الخمسة (¬2) إلا النسائي. [صحيح] وزاد بعضهم: "وَمَا كَانَ مِنَ النُّبُوَّةِ فَإِنَّهُ لاَ يَكْذُبُ". قوله في حديث أبي هريرة: "إذا اقترب الزمان" قيل (¬3): معناه تقارب زمان الليل والنهار، وهو وقت استوائهما أيام الربيع، وذلك وقت اعتدال الطبائع الأربع غالباً، والمعبرون يزعمون أصدق الرؤيا ما كان وقت اعتدال الليل والنهار، وقيل: معناه اقتراب الساعة وهو الصواب، وذلك أن أكثر أهل العلم يقبض حينئذٍ وتندرس معالم الديانة، فيكون الناس على مثل الفترة إلى مذكر ومجدد لما درس من الدين كما كانت الأمم تذكر بالأنبياء، لكن لما كان نبينا - صلى الله عليه وسلم - خاتم الأنبياء عوضوا [472/ ب] بالرؤيا الصادقة التي هي جزء من النبوة. ¬

_ (¬1) في صحيحه رقم (2263). وأخرجه البخاري في صحيحه رقم (7017) وأبو داود رقم (5019) والترمذي رقم (2270، 2280) وابن ماجه مقطعاً برقم (3906، 3917، 3926). (¬2) أخرجه أبو داود رقم (7017) ومسلم رقم (2263) وانظر "التعليقة المتقدمة". (¬3) انظر: تفصيل هذه الأقوال في "فتح الباري" (12/ 405 - 406).

وقال ابن أبي حمزة (¬1): إن المؤمن في ذلك الوقت يكون غريباً (¬2) فيقل أنيسه ومعينه فيكرم بالرؤيا الصادقة. قوله: "جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة". أقول: ولمسلم (¬3): "من خمسة وأربعين" وله (¬4) "من سبعين" وللطبراني (¬5) "من ستة وسبعين" ولابن عبد البر (¬6): "من ستة وعشرين" وللترمذي (¬7): "من أربعين" ولأحمد (¬8) "من تسعة وأربعين" وجمع بأن ذلك بحسب مراتب الأشخاص. قال القرطبي (¬9): المسلم الصادق على الغيب بخلاف الكافر والفاسق والمخلط. وقال غيره (¬10): معنى كونها جزءاً من أجزاء النبوة على سبيل المجاز، وهو أنها تجيء على موافقة النبوة لا أنها جزء باقٍ من النبوة؛ لأن النبوة قد انقطعت بموته - صلى الله عليه وسلم -، وقيل (¬11): إنها جزء من علمها؛ لأنها وإن انقطعت فعلمها باقٍ. ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (12/ 406). (¬2) واستدلَّ بالحديث الذي أخرجه مسلم رقم (145) "بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً". (¬3) في صحيحه رقم (2263) وقد تقدم، وانظر: "الاستذكار" برقم (40456). (¬4) أي: لمسلم في صحيحه رقم (9/ 2265). (¬5) في "المعجم الأوسط" رقم (393 - 955). (¬6) في "التمهيد" (1/ 282)، و"الاستذكار" رقم (40445، 40446). (¬7) في "السنن" رقم (2278). وأخرجه أبو داود رقم (5020) وابن ماجه رقم (3914). (¬8) في "المسند" (2/ 220) وهو حديث صحيح لغيره. (¬9) في "المفهم" (6/ 15). (¬10) انظر: "فتح الباري" (12/ 363). (¬11) انظر: "فتح الباري" (12/ 363 - 364).

وقيل: إنها تشابهها في صدق الأخبار عن الغيب، وأما تخصيص عدد الأجزاء وتفصيلها فمما لا مطمع لنا في الإطلاع عليه، ولا يعلم حقيقته إلا نبي. قوله: "وزاد بعضهم: وما كان من النبوة فإنه لا يكذب"، هذا مدرج من قول ابن سيرين كما نقله ابن الأثير فإنه قال في "الجامع (¬1) " قال ابن سيرين: فأنا أقول هذه. 2 - وَفِي أُخْرَى (¬2) لِلسِّتَةِ إِلّا النَّسَائِي عَنْ أَبِي قَتَادَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "الرُّؤْيَا مِنَ الله، والْحُلْمُ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإِذَا حَلَمَ أَحَدُكمُ الْحُلُمَ يَكْرَهُهُ فَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسارِهِ وَلْيَسْتَعِذْ بِالله مِنْهُ، فَلَنْ يَضُرَّهُ". [صحيح] 3 - وَفِي أُخْرَى لِلْبُخارِي (¬3) قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ رَآَنِي فِي الْمَنامِ فَقَدْ رَآَنِي فَإِنَّ الشَّيْطَانُ لا يَتَمَثَّلُ بِي". [صحيح] قوله في حديث أبي قتادة: "والحلم من الشيطان" في النهاية (¬4): الرؤيا والحلم عبارة عما يراه النائم في نومه من الأشياء، لكن غلبت الرؤيا على ما يراه من الخير والشيء الحسن، وغلب الحلم على [472/ ب] ما يراه من الشر والقبيح. انتهى. قال المنذري (¬5): الحُلم بضم الحاء وسكون اللام، وضمها هو الرؤيا، وبالضم والسكون فقط هو رؤية الجماع في النوم، وهو المراد هنا. انتهى. ¬

_ (¬1) (2/ 516). (¬2) أخرجه البخاري رقم (5747) ومسلم رقم (2261) وأبو داود رقم (5021) والترمذي رقم (2277) وابن ماجه رقم (3909). (¬3) في صحيحه رقم (6995). (¬4) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 425 - 426). (¬5) في "مختصر السنن" (7/ 300).

وفي "القاموس (¬1) " مثله لكن قوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث: "يكرهه" يشعر أنه لم يرد منه الإحتلام بل أريد به الرؤيا، وقال ابن حجر (¬2): إن تخصيص الرؤيا بكونها من الله، والحلم من الشيطان تصرف شرعي، وإن كان في الأصل لما يراه النائم. انتهى. قوله: "فليبصق عن يساره وليتعوذ" هذا دواء ما يكرهه من قبح الرؤيا وأنها لا تضر، أي: لا يصيبه ما يكرهه منها ولفظ الترمذي (¬3): "فليبصق عن يساره ثلاث مرات ويستعيذ بالله من شرها" وقال (¬4): حسن صحيح. قوله: "فقد رآني". أقول: اختلف العلماء في معنى قوله: "فقد رآني" قال ابن الباقلاني (¬5): معناه أن رؤياه صحيحة ليست بأضغاث ولا من شبهات الشيطان، ويؤيده رواية فقد رأى الحق وقال آخرون (¬6): بل الحديث على حقيقته وظاهره، والمراد أن من رآه قد أدركه ولا مانع يمنع من ذلك، والعقل لا يحيله حتى يضطر إلى صرفه عن ظاهره، قالوا: وأما كونه قد يرى على خلاف صفته أو في مكانين معاً، فإن ذلك غلط في صفاته وتخيل لها على خلاف ما هي عليه، وقد يظن ¬

_ (¬1) "القاموس المحيط" (ص 1416 - 1417). (¬2) في "فتح الباري" (12/ 319). (¬3) ليس كذلك، بل أخرجه بهذا اللفظ مسلم في صحيحه رقم (2262) وأبو داود رقم (5022) وابن ماجه رقم (2908). (¬4) أي: الترمذي في "السنن" (4/ 532) بإثر الحديث رقم (2270)، وفيه: فليتفل. وفي "السنن" (4/ 533) بإثر الحديث رقم (2277). وفيه: "فلينفث عن يساره ثلاث مرات وليستعذ بالله من شرها فإنها لا تضره". (¬5) ذكره الحافظ في "الفتح" (12/ 384). (¬6) انظر: "فتح الباري" (12/ 383 - 385).

الظان بعض الخيالات مريعاً لكون ما تخيله مرتبطاً بما في منامه، فتكون ذاته - صلى الله عليه وسلم - مرئية وصفاته متخيلة غير مرئية، والإدراك لا يشترط فيه تحديق الإبصار ولا قرب المسافة ولا كون المرئي مدفوناً في الأرض وظاهراً عليها، وإنما يشترط كونه موجوداً ولم يقم دليل على فناء جسده - صلى الله عليه وسلم -، بل جاء في الأحاديث (¬1) ما يقتضي بقاؤه حياً. 4 - وفي أخرى لأبي داود (¬2) والترمذي (¬3): عَنْ أَبِي رَزِينٍ الْعُقَيْلِيِّ: "رُؤْيَا الْمُؤْمِنِ جُزْءٌ مِنْ أَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ، وَهِيَ عَلَى رِجْلِ طائِرٍ مَا لَمْ يَتَحَدَّثْ بِهَا، فَإِذَا تَحَدَّثَ بِها سَقَطَتْ". [ضعيف] قوله في حديث أبي رزين: "وهي على رجل طائر" في النهاية (¬4) [473/ ب] أراد على رجل [قدر ما رآه بمعنى خاص] (¬5) من خير أو شر، وفي آخر وهي على رجل طائر ما لم تعبر أي: لا يستقر تأويلها حتى تعبر، يريد أنها سريعة السقوط، إذا عبرت كما أن الطائر لا يستقر في أكثر أحواله فكيف ما يكون على رحله. ¬

_ (¬1) سيأتي ذكرها. قال الحافظ في "الفتح" (12/ 387) فإذا رؤى النبي - صلى الله عليه وسلم - على صفته المتفق عليها وهو لا يجوز عليه الكذب كانت في هذه الحالة حقاً محضاً لا يحتاج إلى تعبير. وقال الطيبي: المعنى من رآني في المنام بأي صفة كانت فليستبشر، ويعلم أنه رأى الرؤيا الحق التي هي من الله وهي مبشرة، لا الباطل الذي هو الحلم المنسوب للشيطان، فإن الشيطان لا يتمثل بي، وكذا قوله: "فقد رأى الحق" أي: رؤية الحق لا الباطل، وكذا قوله: "فقد رآني" فإن الشرط والجزاء اتحدا دل على الغاية في الكمال أي: فقد رآني رؤيا ليس بعدها شيء، "فتح الباري" (12/ 388)، "المفهم" (6/ 22 - 27). (¬2) في "السنن" رقم (5020) وليس فيه: جزءٌ من أربعين جزءاً من النبوة. (¬3) في "السنن" رقم (2278، 2279). وهو حديث ضعيف. (¬4) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 132). (¬5) كذا في المخطوط، والذي في "النهاية" (2/ 132) قدر جارٍ، وقضاء ماضٍ.

5 - وفي أخرى للبخاري (¬1) ومالك (¬2) عَنْ أَبِي سَعِيْدٌ - رضي الله عنه - قَالَ: "رُؤْيَا الْمُؤْمِنِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ". [صحيح] 6 - وللترمذي (¬3) عَنْ أَبِي سَعِيْدٌ أَيْضَاً: أَنَّ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "أَصْدَقُ الرُّؤْيَا بِالْأَسْحَار". [ضعيف] قوله في حديث أبي سعيد: "أصدق الرؤيا بالأسحار أخرجه الترمذي". قلت: وسكت عليه لم يصفه بشيء، لكنه ساقه من حديث ابن لهيعة، عن دراج عن ابن الهيثم، وابن لهيعة لهم فيه كلام معروف، ودراج قال الذهبي (¬4) في "الميزان": قال أحمد: حديثه مناكير ولينه، وقال النسائي: منكر الحديث، وقال أبو حاتم: ضعيف، وقال الدارقطني: ضعيف، وقال مرة: متروك، ثم قال: ولابن وهب عن عمرو بن الحارث نسخه منها عن أبي الهيثم عن أبي سعيد مرفوعاً: "أصدق الرؤيا بالأسحار". انتهى. ¬

_ (¬1) في صحيحه رقم (6989) عن أبي سعيد الخدري أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "الرؤيا الصالحة جزء من ستةٍ وأربعين جزءاً من النبوة". (¬2) لم يخرجه مالك من حديث أبي سعيد الخدري. وأخرجه البخاري في صحيحه رقم (6983) ومالك في "الموطأ" (2/ 956 رقم 1) من حديث أنس - رضي الله عنه -، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "الرؤيا الحسنة من الرجل الصالح جزءٌ من ستةٍ وأربعين جزءاً من النبوة". وأخرجه البخاري رقم (6987) ومسلم رقم (2264) عن أنس بن مالك، عن عبادة بن الصامت، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "رؤيا المؤمن جزء من ستةٍ وأربعين جزءاً من النبوة". وأخرجه البخاري في صحيحه رقم (6988) ومسلم (2863) ومالك في "الموطأ" (2/ 956) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -. (¬3) في "السنن" رقم (2274)، وهو حديث ضعيف. (¬4) في "الميزان" (2/ 24 - 26 رقم 2667) وهو درّاج أبو السّمح المصري، صاحب أبي الهيثم المتوارى.

الفصل الثاني: فيما جاء من الرؤيا المفسرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه - رضي الله عنهم -

7 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَنْ يَبْقَى بَعْدِي مِنَ النُّبُوَّةِ إِلاَّ الْمُبَشِّرَاتُ" قَالُوا: وَمَا الْمُبَشِّرَاتُ؟ قَالَ: "الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ". أخرجه البخاري (¬1) متصلاً، ومالك (¬2) عن عطاء مرسلاً. وزاد: يَرَاهَا الرَّجُلَ الْمُسْلِمُ أَوْ تُرَى لُهُ. الفصل الثاني: فيما جاء من الرؤيا المفسرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه - رضي الله عنهم - 1 - عَنْ سَمُرَةُ بْنُ جُنْدَبٍ - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه سلم - مِمَّا يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ لأَصْحَابِهِ: "هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ رُؤْيَا؟ " فَيَقُصُّ عَلَيْهِ مَنْ شَاءَ الله أَنْ يَقُصَّ، وَإِنَّهُ قَالَ لَنَا ذَاتَ غَدَاةٍ: "هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ رُؤْيَا؟ " مَا مِنَّا أَحَدٌ رَأَى شَيْئَاً، فَقَالَ: "لَكِنَّي أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتِيَانِ، وَإِنَّهُمَا ابْتَعَثَانِي، فَقَالاَ لِي: انْطَلِقْ، فانْطَلَقْتُ: فأتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُضْطَجِعٍ، فَإِذَا آخَرُ قائِمٌ عَلَيْهِ بِصَخْرَةٍ، فَإِذَا هُوَ يَهْوِي بِالصَّخْرَةِ لِرَأْسِهِ، فَيَثْلَغُ رَأْسَهُ فَيَتَهَدْهَدُ الْحَجَرُ هَا هُنَا، فَيَتْبَعُ الْحَجَرَ فَيَأْخُذُهُ، فَلاَ يَرْجعُ إِلَيْهِ حَتَّى يَصِحَّ رَأْسُهُ كَمَا كَانَ، ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ، فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ ما فَعَلَ الْمَرَّةَ الأُولَى، قَالَ: قُلْتُ لَهُمَا سُبْحَانَ الله مَا هَذَا؟ قَالاَ لِي: انْطَلِقْ انْطَلِقْ، فانْطَلَقْنَا فَأتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُسْتَلْقٍ لِقَفَاهُ, وَإِذَا آخَرُ قَائِمٌ عَلَيْهِ بِكَلُّوبٍ مِنْ حَدِيدٍ، فَإِذَا هُوَ يَأْتِي أَحَدَ شِقَّيْ وَجْهِهِ فَيُشَرْشِرُ شِدْقَهُ إِلَى قَفَاهُ، وَمَنْخِرَهُ إِلَى قَفَاهُ, وَعَيْنَهُ إِلَى قَفَاهُ؛ ثُمَّ يَتَحَوَّلُ إِلَى الْجانِبِ الآخَرِ، فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ بِالْجانِبِ الأَوَّلِ، فَما يَفْرُغُ مِنْ ذَلِكَ الْجانِبِ حَتَّى يَصِحَّ ذَلِكَ الْجَانِبُ كَمَا كَانَ، ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ فَيَفْعَلُ مِثْلَ ما فَعَلَ الْمَرَّةَ الأُولَى، قُلْتُ: سُبْحانَ الله مَا هَذَا؟ قَالاَ انْطَلِقْ انْطَلِقْ، فانْطَلَقْنا فأتَيْنَا عَلَى مِثْلِ التَّنُّورِ فَإِذَا فِيهِ لَغَطٌ وَأَصْواتٌ، فَاطَّلَعْنَا فِيهِ, فَإِذَا فِيهِ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ، وإذَا هُمْ يَأْتِيهِمْ لَهبٌ مِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ، فَإِذَا أَتَاهُمْ ذَلِكَ اللهبُ ضَوْضؤُوْا قُلْتُ: ما هَؤُلاَءِ؟ قالاَ: انْطَلِقِ ¬

_ (¬1) في صحيحه رقم (6990) من طريق الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -. (¬2) في "الموطأ" (2/ 957 رقم 3) وهو حديث صحيح لغيره.

انْطَلِقْ، فانْطَلَقْنَا فَأَتَيْنَا عَلَى نَهَرٍ أَحْمَرَ مِثْلِ الدَّمِ، وَإِذَا فِي النَّهَرِ رَجُلٌ سَابِحٌ، وَإِذَا عَلَى شَطِّ النَّهَرِ رَجُلٌ عِنْدَهُ حِجارَةً كَثيرَةً، وَإِذا ذَلِكَ السّابِحُ يَسْبَحُ ما سَبح، ثُمَّ يَأْتِي ذَلِكَ الَّذِي عِنْدَهُ الْحِجَارَةَ فَيَفْغَرُ لَهُ فَاهُ فَيُلْقِمُهُ حَجَرًا فَيَنْطَلِقُ يَسْبَحُ، ثُمَّ يَرْجعُ إِلَيْهِ، كُلَّمَا رَجَعَ إِلَيْهِ فَغَرَ فَاهُ فَأَلْقَمَهُ حَجَرًا، قُلْتُ: مَا هَذَا؟ قَالاَ: انْطَلِقِ انْطَلِقْ، قَالَ: فانْطَلَقْنا فَأَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ كَرِيهِ الْمَرْآةِ كَأَكْرَهِ مَا أنْتَ راءٍ فَإِذَا عِنْدَهُ نَارٌ يَحُشُّهَا وَيَسْعَى حَوْلَها، قُلْتُ: مَا هَذَا؟ قَالاَ: انْطَلِقِ انْطَلِقْ، فانْطَلَقْنا فَأَتَيْنَا عَلَى رَوْضَةٍ مُعْتَمَّةٍ فِيهَا مِنْ كُلِّ نَوْرِ الرَّبِيعِ، وَإِذَا بَيْنَ ظَهْرَيِ تِلْكَ الرَّوْضَةِ رَجُلٌ طَوِيلٌ لاَ أَكَادُ أَرَى رَأْسَهُ طُولاً فِي السَّمَاءِ، وَإِذَا حَوْلَهُ مِنْ أَكْثَرِ وِلْدَانٍ رَأَيْتُهُمْ، قُلْتُ: ما هَؤُلاَءِ؟ قَالاَ: انْطَلِقِ انْطَلِقْ، فانْطَلَقْنَا فَأَتَيْنَا عَلَى دَوْحَةٍ عَظِيمَةٍ لَمْ أَرَ دَوْحَةً قَطُّ أَعْظَمَ مِنْهَا وَلاَ أَحْسَنَ، فَقَالاَ: ارْقَ فِيهَا، فارْتَقَيْنَا فِيهَا إِلَى مَدِينَةٍ مَبْنيَّةٍ بِلَبِنِ ذَهَبٍ وَلَبِنِ فِضَّةٍ، فَأتَيْنَا بَابَ الْمَدِينَةٍ فاسْتَفْتَحْنَا فَفُتِحَ لَنَا، فَدَخَلْنَاهَا فَتَلَقَّانَا فِيهَا رِجَالٌ شَطْرٌ مِنْ خَلْقِهِمْ كَأَحْسَنِ مَا أَنْتَ رَاءٍ، وَشَطْرٌ كَأَقْبَحِ مَا أَنْتَ رَاءٍ، فَقَالاَ لَهُمُ: اذْهبُوا فَقَعُوا فِي ذَلِكَ النَّهَرِ، وَإِذَا نَهَرٌ مُعْتَرِضٌ كَأَنَّ ماءَهُ الْمحْضُ فِي الْبَيَاضِ، فَذَهَبُوا فَوَقَعُوا فِيهِ، ثُمَّ رَجَعُوا وَقَدْ ذَهَبَ ذَلِكَ السُّوءُ عَنْهُمْ، فَصَارُوا فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ، فَقَالاَ: هَذِهِ جَنَّةُ عَدْنٍ، وَهَذاكَ مَنْزِلُكَ، فَسَما بَصَرِي صُعُدًا، فَإِذَا قَصْرٌ مِثْلُ الرَّبابَةِ الْبَيْضاءِ، فَقُلْتُ: فذَرَانِي فَأَدْخُلَهُ، قالاَ: أَمّا الآنَ فَلاَ، وَأَنْتَ داخِلُهُ، فَقُلْتُ: فَإِنِّي رَأَيْتُ مُنْذُ اللَّيْلَةِ عَجَباً فَمَا هَذَا الَّذِي رَأَيْتُ؟ قَالاَ: إِنَّا سَنُخبرُكَ, أَمَّا الرَّجُلُ الأَوَّلُ الَّذِي أَتَيْتَ عَلَيْهِ يُثْلَغُ رَأْسُهُ بِالْحَجَرِ، فَإِنَّهُ الرَّجُلُ يَأْخُذُ الْقُرآنَ فُيرْفُضُهُ وَيَنامُ عَنِ الصَّلاَةِ الْمَكْتُوبَةِ، وَأَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي أَتَيْتَ عَلَيْهِ يُشَرْشَرُ شِدْقُهُ إِلَى قَفاهُ، وَمَنْخِرُهُ إِلَى قَفاهُ، وَعَيْنُهُ إِلَى قَفَاهُ, فَإِنَّهُ الرَّجُلُ يَغْدُو مِنْ بَيْتِهِ فَيَكْذِبُ الْكَذْبَةَ تَبْلُغُ الآفَاقَ، وَأَمَّا الرِّجَالُ والنِّسَاءُ الْعُراةُ الَّذِينَ في مِثْلِ بِناءِ التَّنُّورِ فَإِنَّهُمُ الزُّنَاةُ والزَّوَانِي، وَأَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي أَتَيْتَ عَلَيْهِ يَسْبَحُ في النَّهَرِ وَيُلْقَمُ الْحَجَرَ، فَإِنَّهُ آكِلُ الرِّبَا، وَأَمَّا الرَّجُلُ الْكَرِيهُ الْمَرْآةِ الّذِي عِنْدَ النّارِ يَحُشُّها وَيَسْعَى حَوْلَها، فَإِنَّهُ مالِكٌ خازِنُ النَّارِ، وَأَمَّا الرَّجُلُ الطَّوِيلُ الَّذِي في الرَّوْضَةِ فَإِنَّهُ إِبْراهِيمُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، وَأَمَّا الْوِلْدانُ الَّذِينَ حَوْلَهُ فَكُلُّ مَوْلُودٍ ماتَ عَلَى

الْفِطْرَةِ". فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ الله! وَأَوْلاَدُ الْمُشْرِكِينَ؟ قَالَ - صلى الله عليه وسلم -: "وَأَوْلاَدُ الْمُشْرِكِينَ، وَأَمَّا الْقَوْمُ الَّذِينَ كانُوا شَطْرٌ مِنْهُمْ حَسَنًا وَشَطَرٌ مِنْهُمْ قَبِيحًا، فَإِنَّهُمْ قَوْمٌ خَلَطُوا عَمَلاً صالحِاً وآخَرَ سَيِّئًا، تَجاوَزَ الله عَنْهُمْ". أخرجه الشيخان (¬1) والترمذي (¬2). [صحيح] "الضوضاء (¬3) " أصوات الناس وجلبتهم، "وحشَّ النار (¬4) " إذا أوقدها "والمعتمة (¬5) " طويلة النبات "والنور (¬6) " بفتح النون: الزهر "والدوحة" الشجرة "والمحض (¬7) " من كل شيء الخالص منه، والمراد به هنا اللبن الخالص "والربابة (¬8) " السحابة. قوله: "ذات غداة" لفظ ذات زائد، وهو من إضافة الشيء إلى اسمه، قوله: "ابتعثاني" بموحدة ثم مثناة وعين مهملة بعدها مثلثة، والإنبعاث (¬9) افتعال من البعث، وهو الإنباه، والإثارة من النوم. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري مطولاً ومختصراً رقم (845، 1143، 1386، 2085، 2719، 3236، 3354، 4674، 6069، 7047). وأخرجه مسلم في صحيحه رقم (23/ 2275)، طرفاً منه وهو: عن سمرة بن جندب قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا صلى الصبح أقبل عليهم بوجهه، فقال: "هل رأى أحدٌ منكم البارحة رؤيا". (¬2) في "السنن" رقم (2294) مختصراً على الطرف الذي أخرجه مسلم، وقد تقدم ذكره. (¬3) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 96)، "الفائق" (1/ 172). (¬4) من حشش النار، أي: أوقدها، "النهاية في غريب الحديث" (1/ 381). (¬5) انظر: "المعجم الوسيط" (ص 582). (¬6) انظر: "المعجم الوسيط" (ص 962). (¬7) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 783) "الفائق" للزمخشري (2/ 278). (¬8) قال ابن الأثير في "النهاية" (1/ 623) الربابة بالفتح السحابة التي ركب بعضها بعضاً. (¬9) قاله ابن الأثير في "جامع الأصول" (2/ 535).

قوله: "فانطلقت معهما" في رواية: "إلى الأرض المقدسة" وعند أحمد (¬1): "إلى أرض فضاء أو أرض مستوية"، وفي حديث علي: "فانطلقا بي إلى السماء". قوله: "يهوي" بفتح أوله وكسر الواو، أي: [474/ ب] يسقط. قوله: "يثلغ (¬2) " بفتح أوله وسكون المثلثة وفتح اللام وبعدها غين معجمة. أي: شدخه، والشدخ كسر الشيء الأجوف. قوله: "فيتدهده (¬3) " بفتح المهملتين بينهما هاء ساكنة والمراد دفعه من علو إلى أسفل وتدهده إذا انحط. قوله: "ها هنا" أي: إلى جهة الضارب فيتبع الحجر الذي يرمي به فيأخذه. قوله: "حتى يصح رأسه" في رواية جرير: "حتى يلتئم" وعند أحمد (¬4): "عاد رأسه كما كان" وفي حديث علي (¬5): "فيقع دماغه جانباً وتقع الصخرة جانباً". قوله: "بكلوب (¬6) " هو حديدة معوجة الرأس. قوله: "فيشرشر (¬7) " أي: يقطع ويشق. ¬

_ (¬1) في "المسند" (5/ 14) بإسناد صحيح. (¬2) قال ابن الأثير في "النهاية" (1/ 217) الثلغ: الشّدخ، وقيل: هو ضربك الشيء الرطب بالشيء اليابس حتى ينشدخ. "الفائق للزمخشري" (3/ 138)، "غريب الحديث" للخطابي (1/ 254). (¬3) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 898). (¬4) في "المسند" (5/ 14). (¬5) انظر: "فتح الباري" (12/ 442 - 443). (¬6) انظر: "الفائق" (1/ 171) "غريب الحديث" للهروي (2/ 25). (¬7) انظر: "غريب الحديث" للهروي (2/ 26)، "النهاية في غريب الحديث" (1/ 855).

قوله: "لغط (¬1) " اللغطُ الفجة والجلبة. قوله: "ضوضاء (¬2) " [الضوضاء] (¬3) أصوات الناس وغلبهم يقال فيه: ضَوْضوْ بلا همز. قوله: "فغرفاه (4) " أي: فتحه. قوله: "كريه المرآة (¬4) " بفتح الميم وسكون الراء، وهمزة ممدوداً، أي: قبيح المنظر. قوله: "يحثها (¬5) " بفتح أوله وضم المهملة، وتشديد المعجمة، أي: يوقدها. قوله: "معتمة (¬6) " بضم الميم وسكون المهملة، وكسر المثناة وتخفيف الميم بعدها (تاء) تأنيث، ولبعضهم بفتح المثناة وتشديد الميم، أي: طويلة النبات يقال: اعتم النبات [475/ ب] إذا طال: "والنّور" بفتح النون الزهر. قوله: "ظهري (¬7) " يقال: قعدت بين ظهري القوم وظهرانيهم، أي: بينهم. قوله: "دوحة (¬8) " بالمهملتين الشجر العظام. قوله: "المحض (¬9) " هو الخالص من كل شيء. ¬

_ (¬1) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 604). (¬2) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 96)، "الفائق" للزمخشري (1/ 172). (¬3) زيادة من (أ). (¬4) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 383). (¬5) انظر: "الفائق في غريب الحديث" (3/ 255). (¬6) انظر: "المعجم الوسيط" (ص 582). (¬7) "المجموع المغيث" (2/ 393)، "النهاية في غريب الحديث" (2/ 148). (¬8) قاله ابن الأثير في "جامع الأثير" (2/ 536). (¬9) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 638)، "الفائق" للزمخشري (2/ 278).

قوله: "صُعُدا (¬1) " بضم المهملتين يقال لما أثبت صعدا، أي: ازداد طولاً يريد ارتفع بصره [إلى] (¬2) فوق. قوله: "الربابة (¬3) " بفتح الرآء السحابة وجمعها رباب، وتكون بيضاء وسوداء والمراد بها في الحديث البيضاء. قوله: "وينام عن الصلاة المكتوبة" قال ابن العربي (¬4): جعلت العقوبة في رأس هذا لنومه عن الصلاة والنوم موضعه الرأس. قوله: "فيكذب الكذبة" قال ابن العربي (¬5): شرشرة شدق الكاذب إنزال للعقوبة بمحل المعصية [476/ ب]. 2 - وَعَنْهُ (¬6) - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "نَحْنُ الْآَخِرُونَ السَّابِقُونَ، وَبَيْنا أَنَا نَائِمٌ إِذْ أُوتِيتُ خَزَائِنَ الأَرْضِ، فَوُضِعَ في يَدَيَّ سِوَارَانِ مِنْ ذَهَبٍ، فَكَبُرَا عَلَيَّ وَأَهَمَّانِي، فَأُوحِىَ إِلَيَّ أَنِ انْفُخْهُمَا، فَنَفَخْتُهُمَا فَطَارَا، فَأَوَّلْتُهُمَا الْكَذَّابَيْنِ اللَّذَيْنِ أَنَا بَيْنَهُمَا: صَاحِبَ صَنْعَاءَ، وَصاحِبَ الْيَمَامَةِ". أخرجه الشيخان (¬7) والترمذي (¬8). [صحيح] ¬

_ (¬1) قاله ابن الأثير في "جامع الأصول" (2/ 537). (¬2) زيادة من (أ). (¬3) تقدم، وانظر "النهاية في غريب الحديث" (1/ 623). (¬4) ذكره الحافظ في "الفتح" (12/ 441). (¬5) ذكره الحافظ في "الفتح" (12/ 441). (¬6) بل هو من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - كما في مصادر التخريج. (¬7) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (3621، 4375، 7034، 7035) ومسلم في صحيحه رقم (22/ 2274). (¬8) في "السنن" رقم (2292).

قوله: "وعنه" أي: سمره إذ هو المتقدم ذكره، ولكن [137/ أ] الذي في "الجامع الكبير" (¬1) وفي "صحيح البخاري (¬2) " نسبته إلى أبي هريرة فنسبة المصنف به إلى سمرة غلط. قوله: "أوتيت" قال الحافظ (¬3): أنه وجده في نسخة معتمدة من طريق أبي ذر، أتيت بدون واو، أو من الإتيان بمعنى المجيء، ويحذف الباء من خزائن وهي مقدرة، وعند غيره "أوتيت" بزيادة واو من الإتيان، بمعنى الإعطاء ولا إشكال في حذف الباء على هذه الرواية. قوله: "خزائن الأرض" قال الخطابي (¬4): المراد ما فتح الله على الأمة من الغنائم من ذخائر كسرى وقيصر وغيرهما، ويحتمل معادن الأرض التي فيها الذهب والفضة. وقال غيره [بل] (¬5) يحتمل على أعم من ذلك. قوله: "فوضع" بفتح أوله وثانيه (¬6)، وفي رواية بضم (¬7) أوله وفتح ثانيه وهو الموافق لقوله سواران، وفي رواية "سوارين" وهي تناسب لأوله. وقوله: "كبرا علي" أي: عظما علي، قال القرطبي (¬8): إنما عظما عليه لكون الذهب من حلية النساء ومما حرم على الرجال. ¬

_ (¬1) (2/ 537). (¬2) في صحيحه رقم (3621، 4079 ...) إلى آخر ما تقدم. (¬3) في "الفتح" (12/ 423). (¬4) ذكره الحافظ في "الفتح" (12/ 423). (¬5) زيادة من (أ). (¬6) ذكره الحافظ في "الفتح" (12/ 424). (¬7) وهي من رواية إسحاق بن نصر. "فتح الباري" (12/ 424). (¬8) في "المفهم" (6/ 43).

قوله: "فطارا" زاد في رواية: فوقع واحد باليمامة والآخر باليمن، وفي ذلك إشارة إلى حقارتهما؛ لأن الذي ينفخ فيذهب بالنفخ إنما يكون في غاية الحقارة، وفي طيرانهما إشارة إلى حقارة أمرهما واضمحلال شأنهما. قوله: "فأولتهما الكاذبين اللذين أنا بينهما" قال القرطبي (¬1): ما ملخصه: مناسبة هذا التأويل لهذه الرؤيا أن أهل صنعاء وأهل اليمامة كانوا قد أسلموا وكانوا كالساعدين للإسلام، فلما ظهر فيهما الكذابان [477/ ب] وبهرجا على أهلهما زخرفا أقوالهما، ودعواهما الباطلة، فانخدع أكثرهم بذلك، فكان اليدان بمنزلة البلدين، والسواران بمنزلة الكذابين، وهو ظاهر أنهما كانا حين قص الرؤيا موجودين، ووقع في صحيح مسلم (¬2) يخرجان بعدي. قال القاضي (¬3): أي: يظهر أمرهما وشأنهما بعده [- صلى الله عليه وسلم -] (¬4) وإلا فقد كانا موجودين في عصره، فإن الأسود العنسي ظهر بصنعاء في حياته - صلى الله عليه وسلم -، وادعى النبوة، وعظمت شوكته، وحارب المسلمين، وفتك فيهم وغلب على البلد، وآل أمره إلى أن قتل في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأما مسيلمة فادعى النبوة في حياته - صلى الله عليه وسلم - لكن لم تعظم شوكته ولم تقع محاربته إلا في عهد أبي بكر، قال ابن العربي (¬5): يحتمل أن التأويل منه - صلى الله عليه وسلم - كان بوحي، ويحتمل أن يكون تفاءل بذلك عليهما دفعاً لحالهما، وأخرج المنام عليهما؛ لأن الرؤيا إذا عبرت وقعت. 3 - وَعَنْ أَبِي مُوسَى - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ أَنَّي أُهاجِرُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى أَرْضٍ بِها نَخْلٌ، فَذَهَبَ وَهِلي إِلَى أَنَّهَا الْيَمَامَةُ أَوْ هَجَرُ، فَإِذَا هِيَ الْمَدِينَةُ يَثْرِبُ، وَرَأَيْتُ ¬

_ (¬1) في "المفهم" (6/ 44). (¬2) في صحيحه رقم (2274). (¬3) في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (7/ 234) للقاضي عياض. (¬4) زيادة من (أ). (¬5) في "العارضة" (9/ 159).

فِي رُؤْيَايَ هَذِهِ أَنِّي هَزَزْتُ سَيْفًا فانْقَطَعَ صَدْرُهُ، فَإِذا هُوَ ما أُصِيبَ مِنَ الْمُؤْمِنينَ يَوْمَ أحُدٍ، ثُمَّ هَزَزْتُهُ أُخْرَى فَعادَ أَحْسَنَ مَا كَانَ، فَإِذَا هُوَ مَا جَاءَ الله بِهِ مِنَ الْفَتْحِ واجْتَمَاعِ الْمُؤْمِنِينَ، وَرَأَيْتُ فِيهَا أَيْضًا بَقَرًا والله خَيْرٌ، فَإِذَا هُمُ النَّفَرُ مِنَ الْمُؤْمِنُونَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَإِذا الْخَيْرُ ما جاءَ الله تَعَالَى بِهِ مِنَ الْخَيْرِ، وَثَوابِ الصِّدْقِ الَّذِي آتَانَا الله تَعَالَى بَعْدَ يَوْمِ بدْرٍ". أخرجه الشيخان (¬1). [صحيح] "وَالْوَهَلُ (¬2) " بالتحريك الوهم. قوله في حديث أبي موسى: "وهلي" بفتح الهاء، وقيل: بسكونها، أي: وهمي واعتقادي. قوله: "اليمامة" هي مدينة معروفة، وهي قاعدة بالبحرين. قوله: "يثرب" جاء في حديث النهي عن تسميتها يثرب لكراهة يثرب، ولأنه من أسماء الجاهلية وسمَّاها هنا؟ فقيل: يحتمل أن هذا قبل النهي. وقيل: إنه لبيان الجواز وأن النهي للتنزيه. وقيل: سمَّاها لمن يعرفها به، ولهذا جمع بينه وبين اسمها الشرعي فقال: "المدينة يثرب". قوله: "ورأيت ... " إلى آخره. قال المهلب (¬3): هذه الرؤيا من ضرب المثل، ولما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصول بأصحابه عبر عن السيف بهم وبهزه عن أمره لهم بالحرب وعن القطع فيه بالقتل فيهم [478/ ب] وبالهزة ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (3622، 3987، 4081، 7035، 7041) ومسلم في صحيحه رقم (20/ 2272). (¬2) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 885)، "الفائق" للزمخشري (4/ 85). (¬3) ذكره الحافظ في "الفتح" (12/ 427).

الأخرى، فعاد إلى حالة من الاستواء عبر به عن اجتماعهم، والفتح عليهم، ولأهل التعبير في السيف تصرف على أوجه (¬1) وسردها. قوله: "ورأيت بقراً" زاد البخاري (¬2) "تنحر" قاله في الفتح (¬3): واجتماع المؤمنين - إلى قوله -: "يوم بدر" في البخاري (¬4) رواية بعد يوم بدر. قال الحافظ (¬5): والمراد بما بعد يوم بدر فتح خيبر ثم مكة، ووقع في رواية بعد بالضم أي: بعد أحد، ونصب يوم، أي: ما جاء الله به بعد بدر الثانية من تثبيت قلوب المؤمنين. 4 - وَعَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - قَالَ سَمِعْتُ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُوْلُ: "رَأَيْتُ الَّليْلَةَ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ كَأَنَّي فِي دَارِ عُقْبَةَ بْنِ رافِعٍ، وَأُتِيتُ بِرُطَبٍ مِنْ رُطَبِ ابْنِ طَابٍ فَأَوَّلْتُهُ أَنَّ الرِّفْعَةَ لَنَا فِي الدُّنْيَا، وَالْعاقِبَةَ فِي الآخِرَةِ، وَأَنَّ دينَنَا قَدْ طَابَ". أخرجه مسلم (¬6) وأبو داود (¬7). [صحيح] قوله في حديث أنس: "رطب ابن طاب" وعذق ابن طاب، وعرجون ابن طاب، هو مضاف إلى ابن طاب رجل في المدينة، قاله النووي (¬8). ¬

_ (¬1) منها: أن من نال سيفاً فإنه ينال سلطاناً إما ولاية، وإما وديعة، وإما زوجة وإما ولداً، فإن سله من غمده، فانثلم سلمت زوجته وأصيب ولده، فإن أنكر الغمد وسلم السيف فبالعكس، وإن سلما أو عطبا فكذلك، وقائم السيف يتعلق بالأب والعصبات ونصله بالأم وذوي الرحم، وإن جرد السيف وأراد قتل شخص فهو لسانه يجرده في خصومه، وربما عبر السيف بسلطان جائر. (¬2) في صحيحه (12/ 421 الباب رقم 39). (¬3) "فتح الباري" (12/ 421). (¬4) في صحيحه رقم (7035). (¬5) في "فتح الباري" (12/ 422). (¬6) في صحيحه رقم (2270). (¬7) في "السنن" رقم (5025). وهو حديث صحيح. (¬8) في شرحه لصحيح مسلم (15/ 31).

قوله: "ون ديننا قد طاب" أي: كمل واستقرت أحكامه، وتمهدت قواعده، والرفعة أخذها من رافع كأخذ العاقبة من عقبة، وفيه أن التعبير يؤخذ من ألفاظ الرؤيا. 5 - وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "رَأَيْتُ امْرَأةً سَوْدَاءَ ثَائِرَةَ الرَّأْسِ خَرَجَتْ مِنَ الْمَدِينَةِ حَتَّى نَزَلَتْ بِمَهْيَعَةَ وَهِيَ الْجُحْفَةُ؛ فَأَوَّلْتُ أَنَّ وَبَاءَ الْمَدِينَةِ نُقِلَ إِليْهَا. أخرجه البخاري (¬1) والترمذي (¬2). [صحيح] قوله في حديث ابن عمر: "رأيت امرأة سوداء ثائرة الرأس" أي: شعر (¬3) الرأس زاد في رواية: "تفلة (¬4) " بفتح المثناة وكسر الفاء، أي: كريهة الرائحة. قوله: "مهيعة (¬5) " بفتح الميم، وسكون الهاء بعدها مثناة تحتية، ثم عين مهملة، وقيل بوزن عظيمة وهي الجحفة، هذه اللفظة مدرجة (¬6) من قول موسى بن عقبة. قوله: "فأولت أن وباء المدينة نقل إلى الجحفة". قال [ابن التين (¬7)]: هذه الرؤيا من قسم المعبرة، وهي مما ضرب به المثل ووجه التمثيل أنه اشتق من لفظ السوداء السوء والذل، فتأول خروجها بما جمع اسمها، وتأول من ثوران شعر راسها أن الذي يسوء ويثير الشرّ يخرج من المدينة. ¬

_ (¬1) في صحيحه رقم (7038) وطرفاه رقم (7039، 7040). (¬2) في "السنن" رقم (2290). (¬3) ذكره الحافظ في "الفتح" (12/ 425). (¬4) انظر: "غريب الحديث" للهروي (1/ 264)، "الفائق" للزمخشري (1/ 151). (¬5) انظر: "غريب الحديث" للخطابي (1/ 206)، "النهاية في غريب الحديث" (2/ 693). (¬6) ذكره الحافظ في "فتح الباري" (12/ 425 - 426). (¬7) كذا في المخطوط، والذي في "فتح الباري" (12/ 426)، قال المهلب.

6 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ فِي حَياةِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - إذَا رَأَى رُؤْيَا قَصَّهَا عَلَيْه، وَكُنْتُ غُلاَمًا شَابًّا عَزَبًا أَنَامُ في الْمَسْجِدِ، فَرَأَيْتُ فِي النَّوْمِ كَأَنَّ مَلَكَيْنِ أَخَذَاني فَأَتَيَا بِي إِلَى النَّارِ، فَإِذَا هِيَ مَطْويَّةٌ كَطَيِّ الْبِئْرِ، وَإِذَا لَهَا قَرْنَانِ كَقَرْنَيِ الْبِئْرِ، فَإِذَا فِيهَا نَاسٌ قَدْ عَرَفْتُهُمْ فَجَعَلْتُ أَقُولُ: أَعُوذُ بِالله مِنَ النَّارِ ثلاثًا، فَلَقِيَهُمَا مَلَكٌ آَخَرُ فَقَالَ لِي: لَمْ تُرَعْ؟ فَقَصَصْتُهَا عَلَى حَفْصَةَ، فَقَصَّتْهَا حَفْصَةُ عَلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "نِعْمَ الرَّجُلُ عبد الله لَوْ كانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ"، قَالَ سالِمٌ. فَكَانَ عبد الله بَعْدَ ذَلِكَ لاَ يَنَامُ مِنَ اللَّيْلِ إِلاَّ قَلِيلاً. أخرجه الشيخان (¬1). [صحيح] 7 - وَفِي رِوَايَة (¬2) قَالَ: رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ فِي كَفِّي سَرَقَةً مِنْ حَرِير لا أُرِيدُ بِها مَكانَاً فِي الْجَنَّةِ إِلاَّ طارَتْ بِي إِلَيْهِ فَقَصَصْتَهَا عَلَى حَفْصَةَ فَقَصَّتْها عَلَى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: إِنَّ أَخَاكِ رَجُلٌ صَالِحٌ. [صحيح] "السرقة (¬3) " بتحريك الراء: قطعة من جَيِّد الحرير. قوله: "مطوية" أي: مبنية "والفرنان" الخشبتان [479/ ب] القائمتين تمد عليهما الخشبة العارضة التي تعلق فيها الحديدة التي فيها البكرة. قوله: "لم ترع" أي: لا تخف، قال القرطبي (¬4): إنما فسر الشارع من رؤيا عبد الله ما هو محمود؛ لأنه عرض على النار ثم عوفي منها، وقيل له: لا روع عليك، وذلك لصلاحه. ¬

_ (¬1) في صحيحه رقم (440) وأطرافه (1121، 1156، 3738، 3740، 7015، 7028، 7030). ومسلم في صحيحه رقم (139/ 2478). (¬2) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (3895) وأطرافه (5078، 5125، 7011، 7012) ومسلم في صحيحه رقم (2438). (¬3) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (1/ 772) "الفائق" للزمخشري (2/ 174). (¬4) في "المفهم" (6/ 410).

8 - وَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: ذَاتَ يَوْمٍ: "مَنْ رَأَى مِنْكُمْ رُؤْيَا؟ " فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا رَأَيْتُ كَأَنَّ مِيزانًا نَزَلَ مِنَ السَّماءِ فَوُزِنْتَ أَنْتَ وَأَبُو بَكْرٍ فَرُجِحْتَ أَنْتَ بِأَبِي بَكْرٍ، وَوُزِنَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَرُجِحَ أَبُو بَكْرٍ، وَوُزِنَ عُمَرُ وَعُثْمانُ فَرُجِحَ عُمَرُ، ثُمَّ رُفِعَ الْمِيزَانُ فَرَأَيْنَا الْكَرَاهَةَ فِي وَجْهِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -. أخرجه أبو داود (¬1) والترمذي (¬2). [صحيح] قوله في حديث أبي بكرة: "من رأى منكم رؤيا". قال القاضي عياض (¬3): في هذا الحديث الحث على علم الرؤيا، والسؤال عنها وتأويلها، قال العلماء: وسؤالهم محمول على أنه - صلى الله عليه وسلم - أراد تعليمهم تأويلها، وفضيلتها واشتمالها على ما شاء الله من الإخبار بالغيب. قوله: "فرأينا الكراهة في وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" كأنه كره رفع الميزان أو لغير ذلك. قوله: "والترمذي". قلت: وقال (¬4): حسن، وفي نسخة "صحيح". 9 - وَعَنِ ابْنَ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - أَتَى رَجُلٌ النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ كَأَنَّ ظُلَّةً تَنْظِفُ السَّمْنَ والْعَسَلَ، وَأَرَى النَّاسَ يَتكَفَّفُونَ مِنْهَا فالْمُسْتَكْثِرُ والْمُسْتَقِلُّ، وَإذَا سَبَبٌ وَاصِلٌ مِنَ الأَرْضِ إِلَى السَّمَاءِ، وَأَرَاكَ أَخَذْتَ بِهِ فَعَلَوْتَ، ثُمَّ أَخَذَ بِهِ رَجُلٌ بَعْدَكَ فَعَلاَ، ثُمَّ أَخَذَ بِهِ آخَرُ فَعَلاَ، ثُمَّ آخَرُ فَانْقَطَعَ بِهِ، ثُمَّ وُصِلَ لَهُ فَعَلاَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يا رَسُولَ الله! بأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، وَالله لَتَدَعَنِّي فَأُعَبِّرُهَا، فَقَالَ: "اعْبُرْهَا"، فَقَالَ: أَمَّا الظُّلَّةُ فَظُلَّةُ الإِسْلاَمِ، وَأَمَّا الَّذِي يَنْظِفُ مِنَ السَّمْنِ والْعَسَلِ فالْقُرْآنُ حَلاَوَتُهُ وَلِينُهُ، وَأَمَّا ما يَتَكَفَّفُ النَّاسُ مِنْ ذَلِكَ فَالمُسْتَكْثِرُ مِنَ ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (4634). (¬2) في "السنن" رقم (2287). وهو حديث صحيح. (¬3) في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (7/ 227). (¬4) في "السنن" (4/ 543).

الْقُرْآنِ والْمُسْتَقِلُّ، وَأَمَّا السَّبَبُ الْوَاصِلُ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ فالْحَقُّ الَّذِي أنَتَ عَلَيْهِ تَأْخُذُ بِهِ فَيُعْلِيكَ الله، ثُمَّ يَأْخُذُ بِهِ رَجُلٌ مِنْ بَعْدِكَ فَيَعْلُو بِهِ، ثُمَّ يَأْخُذُ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ فَيَعْلُو بِهِ، ثُمَّ يَأْخُذُ بِهِ رَجُلٌ فَيَنْقَطِعُ بِهِ، ثُمَّ يُوصَلُ لَهُ فَيَعْلُو بِهِ. فَأَخْبِرْنِي يَا رَسُولَ الله! بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي؛ أَصَبْتُ أَمْ أَخْطَأْتُ؟ فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَصَبْتَ بَعْضًا وَأَخْطَأْتَ بَعْضًا"، فقَالَ: وَالله لَتُحَدِّثَنِّي بِالَّذِي أَخْطَأْتُ فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: "لا تُقْسِمْ". أخرجه الخمسة (¬1) إلا النسائي. [صحيح] "الظلة (¬2) " شبه السحابة "والسبب (¬3) " الحبل. قوله في حديث ابن عباس: "أتى رجل". قال ابن حجر (¬4): لم أقف على اسمه. قوله: "ظلة" بضم الظاء المعجمة [480/ ب] أي: سحابة لها ظل، وكلما أظل من سقيفة ونحوها يسمى ظلة، قال الخطابي (¬5). قوله: "تنطف (¬6) " بنون وطاء مكسورة يقال: نطف الماء إذا سال. قوله: "يتكففون منها" أي: يأخذون بأكفهم، قال الخليل (¬7): تكفف بسط كله فالمستكثر والمستقل، أي: الآخذ كثيراً والآخذ قليلاً. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (700، 7046) ومسلم رقم (2269) وأبو داود رقم (4632) والترمذي رقم (2293) وابن ماجه رقم (3918). (¬2) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 143). (¬3) "المجموع المغيث" (2/ 46). (¬4) في "فتح الباري" (12/ 433). (¬5) في "معالم السنن" (5/ 27 - السنن). (¬6) انظر: "غريب الحديث" للخطابي (3/ 214) "الفائق" للزمخشري (3/ 265). (¬7) في "كتاب العين" (ص 846).

قوله: "وإذا سبب" أي: حبل. قوله: "لا تقسم" نهي لأبي بكر عن القسم وقد وقع، فالمراد لا تعيد الإقسام، والعجب أنه - صلى الله عليه وسلم - طوى عن أبي بكر موضع خطائه ونهاه عن الإقسام بأنه يخبره به، ولم يسكت العلماء عن البحث عن موضع الخطأ، فساق في "فتح الباري (¬1) " عدة أقوال في ذلك في تعيين محل خطأ أبي بكر وقد كتبنا على هامش "الفتح" ما فيه غنية، على أن ذلك لا يحسن التعرض له بل لا يجوز. 10 - وَعَنْ عائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: رَأَيْتُ ثَلاَثَةَ أَقْمَارٍ سَقَطْنَ فِي حُجْرَتِي فَقَصَصْتُ رُؤْيَايَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ الصّدِّيقِ، فَسَكَتْ، فَلَمَّا تُوُفِّىَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وَدُفِنَ فِي بَيْتِي قَالَ أَبُو بَكْرٍ: هَذَا أَحَدُ أَقْمَارِكِ وَهُوَ خَيْرُهَا. أخرجه مالك (¬2). [موقوف صحيح] 11 - وعنها - رضي الله عنها - قَالَتْ: سُئِلَ رَسُولُ الله عَنْ وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ فَقالَتْ خَدِيجَةُ - رضي الله عنها -: إِنَّهُ قَدْ صَدَّقَكَ، وَإِنَّهُ ماتَ قَبْلَ أَنْ تَظْهَرَ، فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: "أُرِيتُهُ فِي الْمَنَامِ وَعَلَيْهِ ثِيَابٌ بَيَاضٌ، وَلَوْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَكَانَ عَلَيْهِ لِبَاسٌ غَيْرُ ذَلِكَ". أخرجه الترمذي (¬3). [ضعيف] قوله في حديث عائشة [عن] (¬4) ورقة: "أخرجه الترمذي". قلت: ثم قال (¬5): هذا حديث غريب. ¬

_ (¬1) (12/ 436 - 438). (¬2) في "الموطأ" (1/ 232 رقم 30) وهو موقوف صحيح. (¬3) في "السنن" رقم (2288) وهو حديث ضعيف. (¬4) في (أ) في. (¬5) في "السنن" (4/ 541).

وعثمان (¬1) بن عبد الرحمن [481/ ب] ليس عند أهل الحديث بالقوي. انتهى. قلت: وعثمان المذكور هو راويه عن الزهري. 12 - وَعَنْ جَابِرٍ - رضي الله عنه - قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِي إِلَى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: إِنِّي حَلَمْتُ أَنَّ رَأْسِي قُطِعَ فأَنَا أَتَّبِعُهُ، فَزَجَرَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَقَالَ: "لاَ تُخبرْ بِتَلَعُّبِ الشَّيْطَانِ بِكَ فِي الْمَنَامِ". أخرجه مسلم (¬2). [صحيح] قوله في حديث جابر: "إني حلمت" إلى قوله: "ولا تخبر بتلعب الشيطان بك"، هذا نهي عن الإخبار بالرؤيا المكروهة [ومعرفة كراهة مثل هذه واضح وقد ثبت النهي عن الإخبار بالرؤية المكروهة] (¬3) قال النووي (¬4): سبب النهي أنه ربما فسرها سامعها بتفسير مكروه على ظاهر صورتها، وكان ذلك مجملاً فوقع ذلك بتقدير الله. قال المازري (¬5): قيل إن النبي - صلى الله عليه وسلم - علم أن منامه هذا من الأضغاث بوحي أو بدلالة في المنام دلته على ذلك، أو على أنه من تحزين الشيطان، وأما العابرون فتكلموا في كتبهم على قطع الرأس، ويجعلونه دلالة على مفارقة الرآئي ما هو معه من النعم، ومفارقة من فوقه، وبتغير حاله في جميع أموره إلا أن يكون عبداً، فيدل على عتقه، أو مريضاً فعلى شفائه، أو ¬

_ (¬1) انظر: "التقريب" (2/ 11 رقم 87) فقد قال ابن حجر: عثمان بن عبد الرحمن بن عمر بن سعد بن أبي وقاص الزهري الوقاصي أبو عمرو المدني، ويقال له المالكي ... متروك، وكذبه ابن معين، من السابعة مات في خلافة الرشيد. (¬2) في صحيحه رقم (2268). (¬3) زيادة من (أ). (¬4) في شرحه لصحيح مسلم (15/ 27). (¬5) في "المعلم بفوائد مسلم" (3/ 120).

مديوناً فعلى قضاء دينه، أو لم يحج فعلى أن يحج، أو مغموماً فعلى فرحه، أو خائفاً فعلى أمنه، انتهى. 13 - وَعَنْ أُمِّ الْعَلاَءِ الْأَنْصَارِيَّة - رضي الله عنها - قَالَتْ: لَمَّا قَدِمَ الْمَهَاجِرُونَ طَارَ لَنا عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ فِي السُّكْنَى، فاشْتَكَى فَمَرَّضْنَاهُ حَتَّى تُوُفِّيَ، قالَتْ: فَرَأَيْتُ لِعُثْمَانَ فِي النَّوْمِ عَيْنًا تَجْرِي، فَأَخْبَرْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: ذَاكِ عَمَلُهُ يَجْرِى لَهُ". أخرجه البخاري (¬1). [صحيح] قوله: "وعن أم العلاء" هي: أم خارجة (¬2) بن زيد [بن ثابت واسمها كنيتها، وأبوها الحارث بن زيد بن] (¬3) خارجة الخزرجي. قوله: "فاشتكى" أي: مرض وأصله لصدور الشكوى، ثم استعمل لكل مرض لأن الشكوى تلزم عنه غالباً. ¬

_ (¬1) في صحيحه رقم (1243) وأطرافه في (2687، 3929، 7003، 1804، 7018). (¬2) انظر: "الاستيعاب" (رقم 647)، "فتح الباري" (1/ 210). (¬3) زيادة من (أ).

كتاب: التفليس

كتاب: التفليس 1 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَدْرَكَ مَالَهُ بَعَيْنِهِ عِنْدَ رَجُلٍ أَفْلَسَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ" أخرجه الستة (¬1)، واللفظ للشيخين. [صحيح] وزاد مالك (¬2) وأبو داود (¬3): وَإِنْ مَاتَ الَّذِي ابْتَاعَهُ فَصَاحِبُ الْمَتَاعِ فِيهِ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ. [صحيح] وزاد أبو داود (¬4): وَإِنْ كَانَ قَضَى مِنْ ثَمَنِهَا شَيْئًا فَهُوَ أُسْوَةُ الْغُرُمَاءِ. [صحيح] قوله: "فهو أحق به من غيره". اختلف العلماء فيمن اشترى سلعة فأفلس، أو مات قبل أن يؤدي ثمنها ولا وفاء عنده، وكانت السلعة باقية بحالها. فقال الشافعي (¬5) وطائفة: بايعها بالخيار، إن شاء تركها وصارت مع الغرماء بثمنها، وإن شاء رجع [482/ ب] فيها بعينها في صورة الإفلاس والموت. وقال أبو حنيفة (¬6): لا يجعل له الرجوع فيها بل يتعين المضاربة. ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد (2/ 228، 258) والبخاري رقم (2402) ومسلم رقم (22/ 1559)، وأبو داود رقم (3519) والترمذي رقم (1262) والنسائي رقم (4676) وابن ماجه رقم (2358). وهو حديث صحيح. (¬2) في "الموطأ" (2/ 678 قم 87). (¬3) في "السنن" رقم (3520) وهو حديث صحيح. قال المنذري: وهذا مرسل أبو بكر بن عبد الرحمن تابعي. (¬4) في "السنن" رقم (3521). (¬5) "الأم" (4/ 433) "البيان" للعمراني (6/ 169 - 170). (¬6) "البناية في شرح الهداية" (10/ 246).

وقال مالك (¬1): يرجع في صورة الإفلاس، ويضارب في صورة الموت. واحتج الشافعي (¬2) بهذه الأحاديث وتأولها أبو حنيفة بتأويلات ضعيفة مردودة. 2 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: أُصِيبَ رَجُلٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي ثِمَارٍ ابْتَاعَهَا فكَثُرَ دَيْنُهُ فَأَفْلَسَ فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "تَصَدَّقُوا عَلَيْهِ"، فَتَصَدَّقَ النَّاسُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ وَفاءَ دَيْنِهِ، فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - لِغُرَمَائِهِ: "خُذُوا مَا وَجَدْتُمْ لَهُ لَيْسَ لَكُمْ إِلاَّ ذَلِكَ". أخرجه الخمسة (¬3) إلا البخاري. [صحيح] قوله في حديث أبي سعيد: "أصيب رجل" أي: أصابت [139/ أ] ثماره التي شراها جائحة أتلفتها، فأمر - صلى الله عليه وسلم - الناس بالصدقة فلم يف بقضاء كل دينه، فقال لغرمائه: "ليس لكم إلا ذلك". فيه دليل على أن الثمرة (¬4) غير مضمونة إذ لو كانت مضمونة لقال: وما بقي فنظرة إلى ميسرة أو نحوه، إذ الدين لا يسقط بإعسار المدين والحديث يذكر في باب الجوائح (¬5). ¬

_ (¬1) "مدونة الفقه المالكي وأدلته" (3/ 696)، "الاستذكار" (21/ 26 - 27). (¬2) انظر ذلك مفصلاً في "المغني" (6/ 561)، "الحاوي الكبير" (6/ 273)، "نيل الأوطار" (10/ 304 - 313 بتحقيقي). (¬3) أخرجه أحمد (3/ 36) ومسلم رقم (18/ 1556) وأبو داود رقم (3469) والترمذي رقم (655) والنسائي رقم (4530) وابن ماجه رقم (2356) وهو حديث صحيح. (¬4) انظر: "الأم" (4/ 118) شرح "معاني الآثار" (4/ 35 - 36)، "الاستذكار" (19/ 112). (¬5) عن جابر - رضي الله عنه - أن رسول الله وضع الجوائح. أخرجه أحمد (3/ 309) والنسائي رقم (4529) وأبو داود رقم (3470) وفي لفظ عند مسلم رقم (17/ 1554): أمر بوضع الجوائح. وفي لفظ قال: "إن بعت من أخيك تمراً فأصابتها جائحة فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئاً، بم تأخذ مال أخيك بغير حق". =

كتاب: [تمني الموت]

كتاب: [تمني الموت (¬1)] أقول: في التعريفات (¬2): التمني: طلب حصول الشيء ممكناً كان أو ممتنعاً، ذكره ابن الكمال (¬3). وقال الراغب (¬4): تقدير شيء في النفس وتصويره فيها، وذلك قد يكون عن تخمين وظن (¬5)، لكن لما كان أكثره تخميناً صار الكذب له أملك، فأكثر التمني تصوُّرُ ما لا حقيقة له، والأمنية الصورة الحاصلة في النفس. انتهى. وفي "الفتح (¬6) ": التمني إرادة معلقة بالمستقبل، فإن كان في خير من غير أن يعلق بجسد فهي مطلوبة، وإلا فهي مذمومة، وقد قيل: إن بين التمني والترجي عموماً وخصوصاً، فالترجي في الممكن والتمني في أعم من ذلك. وقيل: التمني يتعلق بما فات [483/ ب] وعبر عنه بطلب ما لا يمكن حصوله. قوله: "باب تمني الموت" أي: باب النهي عن تمنيه أو حكم تمنيه، أو كيفية التلفظ بتمنيه كما يدل له حديث أنس. ¬

_ = أخرجه مسلم رقم (14/ 1554) وأبو داود رقم (3470) والنسائي رقم (4527) وابن ماجه رقم (2219). وهو حديث صحيح. انظر: "المغني" (6/ 177)، "الاستذكار" (19/ 112)، "شرح معاني الآثار" (4/ 35 - 36). (¬1) في (أ) التمني. (¬2) "التعريفات" للشريف الجرجاني (ص 69). (¬3) في تعريفات (ص 47). (¬4) في "مفردات ألفاظ القرآن" (ص 779 - 780). (¬5) وتمام العبارة: ويكون عن روية وبناء على أصل. (¬6) في "فتح الباري" (13/ 217).

1 - عَنْ أَنَسِ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ مِنْ ضُرٍّ أَصَابَهُ، فَإِنْ كَانَ لاَ بُدَّ فَاعِلاً فَلْيَقُلِ: اللهمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتِ الْحَياةُ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّني إِذَا كانَتِ الْوَفاةُ خَيْرًا لِي". أخرجه الخمسة (¬1). [صحيح] قوله: "من ضر أصابه" هذا لا مفهوم له؛ لأنه لا يتمنى (¬2) الموت إلاَّ لذلك. إن قلت: لم نهى عن تمني الموت؟ قلت: قد نبه - صلى الله عليه وسلم - على علة ذلك بقوله: "لا يتمنين أحدكم الموت إما محسناً فلعله يزداد، وإما مسيئاً فلعله يستعتب"، هذه رواية البخاري (¬3) والنسائي (¬4)؛ ولأنه إنما يتمناه تبرماً وتحرجاً مما نزل به من الضر، فهو تسخط لما قدره الله عليه: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ} (¬5) ما يفيد بأنه بنزول التفسير مأمور بالرجوع إلى من لا يكشف كل ضر غيره، وهو رب العالمين. والمتمني للموت أراد خلاف ذلك؛ ولأن الموت مقدر بأجل إذا جاء لا يتأخر فتمنيه إرادة لإخراجه عما قدره الله من وقته. قوله: "وإن كان لا بد فاعلاً". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (5671) وطرفاه رقم (6351، 7233) ومسلم رقم (2680)، وأبو داود رقم (3108) والترمذي رقم (971)، والنسائي رقم (1820 - 1822). (¬2) انظر: "فتح الباري" (10/ 128). (¬3) في صحيحه رقم (5673). وأخرجه مسلم في صحيحه رقم (2682). (¬4) في "السنن" رقم (1819). (¬5) سورة الأنعام الآية (17).

أقول: كأن المراد لا فراق له عن التكلم بالتمني فلينتقل إلى غيره وهو سؤال الله - عز وجل - وتفويض (¬1) الأمر إليه. وقوله: "لا بد" قال أهل اللغة (¬2): معناه: لا إنفكاك ولا فراق ولا مندوحة، أي: هو للثلاثة. 2 - وَفِي رِوايَة لِلنِّسَائِي (¬3) عَنْ قَيْسٌ بْنِ أَبِي حَازِم قَالَ: "دَخَلْتُ عَلَى خَبَّابٍ وَقَدِ اكتَوَى فِي بَطْنِهِ سَبْعًا، وَقَالَ: لَوْلاَ أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - نَهَانَا أَنْ نَدْعُوَ بِالْمَوْتِ لدَعَوْتُ بِهِ". [صحيح] قوله حديث خباب: قدمه المصنف في البناء ونسبه إلى الشيخين (¬4)، وله ألفاظ أحدها: ما ذكره هنا، وفي رواية حارثة بن مُضِّرب عند الترمذي (¬5) والنسائي (¬6) قال: دخلت على خباب وقد اكتوى في بطنه فقال: ما أعلم أحداً من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقي من البلاء ما لقيت، لقد كنت وما أجد درهماً على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي ناحية بيتي أربعون ألفاً ... الحديث [484/ ب]. ¬

_ (¬1) انظر: "فتح الباري" (10/ 128 - 129). (¬2) "لسان العرب" (3/ 81)، "تهذيب اللغة" (14/ 77). (¬3) في "السنن" رقم (1823). (¬4) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (5672) وأطرافه في (6349، 6350، 6430، 6431، 7234) ومسلم رقم (2681) وقد تقدم. (¬5) في "السنن" رقم (970). (¬6) في "السنن" رقم (1823). وأخرجه البخاري رقم (5672) ومسلم رقم (2681) مختصراً، وابن ماجه في "السنن" رقم (4163).

حرف الثاء

حرف الثاء [أي: المثلثة] (¬1) [وفيه كتاب واحد] (¬2) [كتاب: الثناء والشكر] (¬3) قوله: "كتاب الثناء" بتقديم المثلثة، في التعريفات (¬4): الثناء على الشيء فعل ما يشعر بتعظيمه، والثناء (¬5) ما يذكر من محامد الناس فيثني حالاً محالاً. انتهى. وأما النثاء بتقديم النون على المثلثة ففي "القاموس (¬6) " نثا الحديث حدث به وأشاعه، والشيء فرقه وأذاعه، والنثا ما أخبر به عن الرجل من حسن أو سيئ. قوله: "والشكر" في التعريفات (¬7): الشكر اللغوي الوصف بالجميل على جهة التعظيم على النعمة من اللسان والجنان والأركان، والشكر العرفي صرف العبد كل ما أنعم ربه عليه إلى ما خلق لأجله والشكر عند القوم نشر التفضل بنعت التذلل، وصرف النعمة في وجه الخدمة، والإقرار بالإفضال على وجه الإدلال والإفضال. ¬

_ (¬1) زيادة من (أ). (¬2) زيادة من التيسير. (¬3) زيادة من (ب). (¬4) (ص 76). (¬5) ذكره المناوي في "التوقيف على مهمات التعاريف" (ص 224). (¬6) "القاموس المحيط" (ص 68). (¬7) للجرجاني (ص 133). وأما ما ذكره المصنف فهو نصاً في "التوقيف على مهمات التعاريف" (ص 435).

1 - عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْد - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ صُنِعَ إِلَيْهِ مَعْرُوفٌ فَقَالَ لِفَاعِلِهِ: جَزَاكَ الله خَيْرَاً، فَقَدْ أَبْلَغَ فِي الثَّنَاء". أخرجه الترمذي (¬1). [حسن] قوله: "معروف (¬2) " المعروف ما تقبله الأنفس، ولا تجد منه تكرها. وقال: ما قبله العقل وأقره الشرع وأحبه كرم الطبع. قوله: "فقد أبلغ في الثناء" أي: على فاعله إليه، فدل أن الدعاء لفاعل المعروف ثناء عليه بالغ، وفيه دليل على أن صانع المعروف يستحق على من ابتدأه إليه الثناء عليه، وأبلغ الثناء هو الدعاء، فإن فيه الإقرار بأنه لا يستطيع المكافأة له، على ما أسداه إلا الله، بجزائه عليه خيراً، ونكر الخبر تعظيماً له، قد يأتي في الحديث الثاني الأمر بالجزاء على العطية، فإن لم يجد أثنى فهو مقيد لهذا المطلق وأخص منه كما يأتي. قوله: "أخرجه الترمذي". قلت: وقال (¬3): هذا حديث حسن جيد غريب، لا نعرفه من حديث أسامة بن زيد إلا من هذا الوجه، وقد روي عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله. انتهى. 2 - وَعَنْ جابِرٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أُعْطِيَ عَطَاءً فَلْيَجْزِ بِهِ إِنْ وَجَدَ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيُثْنِ بِهِ، فَإِنَّ مَنْ أَثْنَى بِهِ فَقَدْ شَكَرَهُ، وَمَنْ كتَمَهُ فَقدْ كَفَرَهُ". أخرجه أبو داود (¬4) والترمذي (¬5). [صحيح] ¬

_ (¬1) في "السنن" (2035) وهو حديث حسن. (¬2) قال الجرجاني في "التعريفات" (ص 337) المعروف هو كل ما يحسن في الشرع. وقال الراغب في "مفردات" (ص 561) المعروف اسم لكل فعل يعرف بالعقل أو الشرع حسنه. (¬3) في "السنن" (4/ 380). (¬4) في "السنن" رقم (4813). (¬5) في "السنن" رقم (2034) وهو حديث صحيح. =

3 - وفي رواية الترمذي (¬1): "وَمَنْ تَحَلَّى بِمَا لَمْ يُعْطَهُ كَانَ كَلاَبِسِ ثَوْبَيْ زُوْرِ". قوله في حديث جابر [140/ أ]: "من أعطي عطاءً فليجز به"، هذا أخص من حديث أسامة؛ لأنه في العطية، وهي أخص من مطلق المعروف، لتبادرها إلى عطية الأعيان [485/ ب] والمعروف أعم، وقد أمر هنا بالجزاء إن وجد، فإن لم يجد أجزأه الثناء على من أعطاه، وتقدم أن أبلغه قوله جزاه الله خيراً، وعبارة لفظ الترمذي: "من أعطي عطاءً فوجد فليجز به (¬2) ". قوله: "ومن تحلى بما لم يعطه كان كلابس ثوبي زور" في "الجامع": إنما شبه المتحلي بما ليس عنده بلابس ثوبي زور، أي: ثوبي ذي زور، وهو الذي يزور على الناس، بأن يتزيا بزي أهل الزهد، ويلبس ثياب التقشف رياءً، أو أنه يظهر أن عليه ثوبين وليس عليه إلا ثوب واحد، وقال الأزهري (¬3): لابس ثوبي زور: هو أن يخيط كُماً على كُم ليظهر لمن يراه أن عليه قميصين وليس عليه إلا قميص واحد كمان من كل جانب. انتهى. قوله: "وفي أخرى للترمذي". قلت: وقال (¬4) الترمذي عقب إخراجه: هذا حديث حسن غريب. وقوله: "ومن كتم فقد كفر" يقول (¬5): كفر تلك النعمة. ¬

_ = وأخرجه البخاري في "الأدب" (215) وابن حبان في صحيحه رقم (2073) وانظر "الصحيحة" رقم (617). (¬1) في "السنن" رقم (2034) وهو حديث صحيح. (¬2) (2/ 559). (¬3) انظر: "تهذيب اللغة" (13/ 242 - 243)، وذكره ابن الأثير في "الجامع" (2/ 559). (¬4) في "السنن" (4/ 379). (¬5) ذكره أبو داود في "السنن" (4/ 380).

4 - وفي أخرى للترمذي (¬1) عَنْ أَبِي سَعِيْدٌ - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ لاَ يَشْكُرُ النَّاسَ لاَ يَشْكُرُ الله تَعَالَى". قوله: "وفي أخرى للترمذي عن أبي سعيد". قلت: وقال عقبها (¬2): هذا حديث حسن، وأخرج (¬3) قبله من حديث أبي هريرة بلفظ: "من لا يشكر النَّاس لا يشكر الله" بكلمة لا في الموضعين، ونسب هذا اللفظ إلى أبي هريرة. وأخرج حديث أبي سعيد بلفظ: "من لم يشكر" بكلمة لم في الموضعين، فاللفظ الذي أتى به المصنف هو لفظ حديث أبي هريرة لا أبي سعيد، وحديث أبي هريرة قال الترمذي (¬4) عقيبه: هذا حديث صحيح، وفي "الجامع (¬5) " ذكر لحديث أبي هريرة لفظين بكلمة لا فيهما والأخرى بكلمة لم فيهما. وأما حديث أبي سعيد فليس فيه إلا لفظ واحد بكلمة لا فيهما. ومعنى الحديث: أن من ترك شكر من أحسن إليه، فإنه قد ترك شكر الله، وذلك؛ لأن الله قد أمره بشكر من أحسن إليه، فإذا لم يشكره فلم يمتثل أمر الله، ومن لم يمتثل أمره تعالى فقد ترك شكر الله، إذ من شكره امتثال أمره ويحتمل أن يراد أن من ترك شكر من أحسن [486/ ب] إليه من العباد ترك شكر الله؛ لأنه بشكره العباد شكر لله حيث سخرهم ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (1955) عن أبي سعيد قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من لم يشكر الناس لم يشكر الله". وهو حديث صحيح. (¬2) في "السنن" (4/ 339) وقال: هذا حديث حسن صحيح. (¬3) في "السنن" رقم (1954) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من لا يشكر الناس لا يشكر الله" بسند حسن. (¬4) في "السنن" (4/ 339) وقال: هذا حديث حسن صحيح. (¬5) (2/ 559 - 560).

للإحسان إليه، وفي "الجامع (¬1) " معناه من كان من طبعه وعادته كفران نعمة الناس، وترك الشكر لهم، كان من عادته، كفران نعمة الله، وترك الشكر له، وقيل (¬2): معناه أن الله لا يقبل شكر العبد على إحسانه إليه إذا كان العبد لا يشكر إحسان الناس ويكفر معروفهم لاتصال أحد الأمرين بالآخر. انتهى. 5 - وَعَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: لَمَّا قَدِمَ الْمُهَاجِرُونَ الْمَدِينَةَ قَالُوا: يَا رَسُولَ الله! مَا رَأَيْنَا قَوْمًا أَبْذَلَ مِنْ كَثِيرٍ وَلا أَحْسَنَ مُوَاسَاةً مِنْ قَلِيلٍ مِنْ قَوْمٍ نَزَلْنَا بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ لَقَدْ كَفَوْنَا الْمُؤْنَةَ، وَأَشْرَكُونَا فِي الْمَهْنَإِ، حَتَّى خِفْنَا أَنْ يَذْهَبُوا بِالأَجْرِ كُلِّهِ، قَالَ: "لاَ، ما دَعَوْتُمُ لَهُمْ وَأَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِمْ". أخرجه أبو داود (¬3)، والترمذي (¬4) وصححه. [صحيح] قوله: "لقد كفونا المؤنة" في "القاموس (¬5) ": أنه مهموز قال: وقد لا يهمز، فإن القوم احتمل مونتهم، أي: قوتهم. قوله: "أخرجه أبو داود والترمذي". قلت: لفظ "الجامع (¬6) " بعد سياقه بلفظه: هذه رواية الترمذي، واختصره (¬7) أبو داود وقال: إن المهاجرين قالوا: يا رسول الله! ذهبت الأنصار بالأجر كله. قال: "لا ما دعوتم الله لهم وأثنيتم عليهم". انتهى. ¬

_ (¬1) (2/ 559 - 560). (¬2) قاله ابن الأثير في "الجامع" (2/ 560). (¬3) في "السنن" رقم (4811). (¬4) في "السنن" رقم (2487). وهو حديث صحيح. (¬5) "القاموس المحيط" (ص 1590). (¬6) (2/ 561). (¬7) وهو كما قال.

وقال الترمذي (¬1) عقب روايته: هذا حديث حسن صحيح غريب. [انتهى نقل الجزء الأول من التحبير من الأم التي بخط المصنف - رحمه الله -, ويليه الجزء الثاني أوله الكتاب الأول من حرف الجيم في الجهاد. كان تمام نقل هذا الجزء الأول ليلة الخميس 22/ المحرم سنة (1362 هـ)، بعناية مولانا أمير المؤمنين المتوكل على الله يحيى بن الإمام المنصور بالله محمَّد بن يحيى حميد الدين حفظه الله. كتبه بخطه محمَّد بن أحمد بن علي الحجري لطف الله به] (¬2). تم المجلد الثاني من التحبير لإيضاح معاني التيسير ويليه المجلد الثالث ويبدأ بحرف الجيم - الكتاب الأول في الجهاد ولله الحمد والمنة. ¬

_ (¬1) "في السنن" (4/ 653). (¬2) زيادة من (ب).

التَّحبير لإيضَاح مَعَاني التَّيسير (*) تَأليف العَلاّمَة محمَّد بن إسمَاعيل الأمير حَقّقه وعَلقّ عَليه وَخَرّجَ أحَاديثَه وَضبَط نصَّه محَمَّد صُبْحي بن حَسَن حَلّاق أبو مصعب الجُزء الثالث مَكتَبَةُ الرُّشد ناشرون

_ (*) العنوان في (أ): التحبير حاشية التيسير. وفي (ج): التحبير شرح التيسير. والمثبت من المخطوط (ب).

جميع الحقوق محفوظة الطبعة الأولى 1433 هـ - 2012 م مَكتَبَةُ الرُّشد - ناشرون المملكة الْعَرَبيَّة السعودية - الرياض الإدارة: مركز البستان - طريق الملك فهد هاتف 4604818 ص. ب. 17522 الرياض 11494 - فاكس 4602497 E-mail:[email protected] Website:www.rushd.com.sa فروع المكتبة داخل المملكة - الرياض: المركز الرئيسي: الدائري الغربي، بين مخرجي 27 و28 هاتف: 4329332 - الرياض: فرع طريق عثمان بن عفان، هاتف: 2690444 - 2051500 - فرع مكة المكرمة: شارع الطائف هاتف: 5585401 فاكس: 5583506 - فرع المدينة المنورة: شارع أبي ذر الغفاري هاتف: 8340600 فاكس: 8383427 - فرع جدة: مقابل ميدان الطائرة هاتف: 6776331 فاكس: 6776354 - فرع القصيم: بريدة - طريق المدينة هاتف: 3242214 فاكس: 3241358 - فرع أبها: شارع الملك فيصل: هاتف: 2317307 فاكس: 2242402 - فرع الدمام: شارع الخزان هاتف: 8150566 فاكس: 8418473 - فرع حائل: هاتف: 5322246 فاكس: 5662246 - فرع الإحساء: هاتف: 5813028 فاكس: 5813115 - فرع تبوك: هاتف: 4241640 فاكس: 4238927 - فرع القاهرة: شارع إبراهيم أبو النجا - مدينه نصر: هاتف: 22728911 - فاكس: 22712625 مكاتبنا بالخارج - القاهرة: مدينة نصر هاتف: 2744605 - موبايل: 01001622653 - بيروت: بئر حسن موبايل: 554353/ 03 - تلفاكس: 462895/ 05

التَّحبير لإيضَاح مَعَاني التَّيسير - 3 - الجزء الثالث

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

حرف الجيم

حرف الجيم وفيه كتابان الجهاد، والجدال والمراء الكتاب الأول: في الجهاد وفيه ثلاث أبواب الباب الأول: في فضله وفيه فصلان: الفصل الأول: في فضل الجهاد والمجاهدين 1 - عَنْ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ الله خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ يَوْمٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنَ المَنَازِلِ". أخرجه الترمذي (¬1) والنسائي (¬2). [بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وبه نستعين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه] (¬3). ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (1667) وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب. (¬2) في "السنن" (3169). قلت: وأخرجه ابن أبي عاصم في الجهاد رقم (299) وابن المبارك رقم (72) وابن حبان في "صحيحه" رقم (4609) والحاكم (2/ 68) والبيهقي في "الشعب" رقم (4233) وصححه الحاكم على شرط البخاري ووافقه الذهبي: رغم أن صالح مولى عثمان لم يخرجا له أو أحدهما. وهو حديث حسن. (¬3) زيادة من (ب).

قوله: الكتاب الأول في الجهاد، هو بكسر الجيم (¬1) لغةً: المشقة، وشرعاً: بذل الجهد في قتال الكفار لإعلاء كلمة الله تعالى، ويدخل فيه البغاة، واعلم أنه كان فرض الجهاد قبل وقعة بدر، وكانت بدر في رمضان في السنة الثانية وفيها فرض (¬2) الصيام، والزكاة. قوله: رباط يوم في سبيل الله. المرابط (¬3): الملازم للمكان الذي بين المسلمين، والكفار لحراسة المسلمين منهم. قوله: أخرجه الترمذي. قلت: من طريق أي: [] (¬4) صالح مولى عثمان بن عفان قال: سمعت عثمان، وهو على المنبر يقول: "إني كتمتكم حديثاً سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كراهية تفرقكم عني ثم بدا لي أن أحدثكموه ليختار امرؤٌ لنفسه ما بدا له"، وذكر الحديث، ثم قال الترمذي (¬5): هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه, قال محمد: أبو صالح [سليمان (¬6)] اسمه برْكَان انتهى. وفي "التقريب" (¬7) اسمه: الحارث، ويقال: تركان - بمثناة أوله ثم راء ساكنة - مقبول. ¬

_ (¬1) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (1/ 313). "فتح الباري" (6/ 30). (¬2) انظر: "الحاوي الكبير" (14/ 102 - 103)، "فتح الباري" (6/ 37). (¬3) قال الفيروزي آبادي (ص 861): والمرابطة أن يربط كل من الفريقين خيولهم في ثغره, وكل معد لصاحبه، فسمي المقام في الثغر رباطاً. وانظر "النهاية في غريب الحديث" (1/ 627)، "غريب الحديث" هدا للخطابي (1/ 99). (¬4) في المحفوظ (أ. ب) (الحد) ولا داعي لها. (¬5) في "السنن" (4/ 190). (¬6) كذا في المخطوط والذي في "السنن" مولى عثمان. (¬7) (2/ 436 رقم 15).

2 - وَعَن فَضَالَةَ بْنَ عُبَيْدٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولِ الله- صلى الله عليه وسلم -:"كُلُّ مَيِّتٍ يُخْتَمُ عَلَى عَمَلِهِ إِلاَّ المُرَابِطَ فِي سَبِيلِ الله فَإِنَّهُ يُنْمَى لَهُ عَمَلُهُ إِلَى يَوْم القِيَامَةِ وَيُؤَمَّنُ مِنْ فِتْنَةِ القَبْرِ". أخرجه أبو داود (¬1) والترمذي (¬2). [صحيح]. 3 - وفي رواية الترمذي (¬3) قال: قَالَ رَسُوْلُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "المُجَاهِدُ مَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ". قوله: "ينمي" (¬4) أي: يزاد ويكُثُر. قوله: في حديث فضالة يختم على عمله، معناه: أنَّ الرجل إذا مات لا يزاد في ثواب ما عمل، ولا ينقص منه إلَّا الغازي؛ فإنَّ ثواب مرابطته ينمو، ويتضاعف. قوله: أبو داود، والترمذي. قلت: [2 ب] لفظه (¬5): إلا الذي مات مرابطاً، وقال (¬6): حديث فضالة بن عبيد حديث حسن صحيح. 4 - وَعَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَغَدْوَةٌ فِي سَبِيلِ الله أوْ رَوْحَةٌ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا". أخرجه الشيخان (¬7) والترمذي (¬8). [صحيح]. ¬

(¬1) في "السنن" رقم (2500). (¬2) في "السنن" رقم (1621)، وهو حديث صحيح. (¬3) في "السنن" رقم (1621) وهو حديث صحيح. (¬4) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 799)، "غريب الحديث" للهروي (1/ 339). (¬5) أي: عند الترمذي. (¬6) في "السنن" (4/ 165). (¬7) أخرجه البخاري رقم (2792) ومسلم رقم (112/ 1880). (¬8) في "السنن" (1651).

قوله في حديث أنس: "الغدوة" (¬1) هي بفتح المعجمة المرة الواحدة من الذهاب، والروحة - بفتح الراء -[هي] (¬2) المرة الواحدة (¬3) من المجيء، وفي "التوشيح" (¬4) هي: النصف الأول من النهار، والروحة الخروج النصف الثاني منه، وأمَّا الغدوة - بالضم - فهي ما بين صلاة الغداة، وطلوع الشمس، واللام في لغدوة للابتداء، أو القسم. قوله [141/ أ]: خير من الدنيا وما فيها، قال ابن دقيق العيد (¬5): يحتمل أن يكون من تنزيل الغيب منزلة المحسوس تحقيقاً له في النفس لكون الدنيا محسوسة في النفس مستعظمة في الطباع؛ فلذلك وقعت المفاضلة بها، وإلا فمن المعلوم أن جميع ما في الدنيا لا يساوي ذرة مما في الجنة، ويحتمل أن المراد أن هذا القدر من الثواب خير من الثواب الذي يحصل له لو حصلت له الدنيا لأنفقها في طاعة الله. قوله: أخرجه الشيخان، والترمذي، قال ابن عبد الأثير (¬6): أخرج الترمذي هذا الحديث في أول حديث هو مذكور في صفة الجنة من كتاب القيامة من حرف القاف. 5 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ قَاتَلَ فِي سَبِيلِ الله فَوَاقَ نَاقَةٍ لِتكُونَ كَلِمَةُ الله هِيَ العُلْيَا وَجَبَتْ لَهُ الجَنَّةُ". أخرجه الترمذي (¬7) [حسن]. "وَفُوَاقُ النَّاقَةِ" (¬8) قدر ما بين الحَلْبتين من الاستراحة. ¬

_ (¬1) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 291). (¬2) زيادة من (أ). (¬3) "غريب الحديث" للهروي (1/ 329)، "النهاية في غريب الحديث" (1/ 699). (¬4) لم أقف عليه. (¬5) في "إحكام الأحكام" (ص 961). (¬6) في "الجامع" (9/ 471). (¬7) في "السنن" رقم (1650) وقال: هذا حديث حسن، وأخرجه أحمد في "المسند" (2/ 446)، وهو حديث حسن. (¬8) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 400)، "غريب الحديث" للهروي (4/ 176).

قوله: في حديث أبي هريرة فواق ناقة, الفواق: قدر ما بين الحلبتين بأن يحلب ثم يترك للفصيل يرضعها لتدر ثم يحلب، فالفواق ما بينهما، وقيل: ما بين رفع يدك عن ضرعها وقت الحلب ووضعها من الوقت. قوله: لتكون كلمة الله هي العليا، يريد لإعلاء كلمة الله فقط، قال الطبري (¬1): وإذا كان هذا هو الباعث أولاً لا يضره ما عرض بعد ذلك [3 ب]. قلت: وقد بين الحوامل على الجهاد حديث أبي موسى (¬2) أنَّه سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الرجل يقاتل شجاعة، ويقاتل حمية، ويقاتل رياءً، فأيّ ذلك في سبيل الله؟ قال: "من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله". 6 - وَعَنْ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ - رضي الله عنه - قَالَ: "مَنْ سَألَ القَتْلَ فِي سَبِيلِ الله تَعَالَى صَادِقَاً مِنْ نَفْسِهِ ثُمَّ مَاتَ أَوْ قُتِلَ كانَ لَهُ أَجْرَ شَهِيدٍ، وَمَنْ جُرِحَ جُرْحًا فِي سَبِيلِ الله أَوْ نُكِبَ نَكْبَةً فِي سَبِيلِ الله فَإِنَّهَا تَجِيءُ يَوْمَ القِيَامَةِ كأَغْزَرِ مَا كَانَتْ، لَوْنُهَا كَلَوْنُ الزَّعْفَرَانِ، وَرِيحُهَا رِيحُ المِسْكِ، وَمَنْ خَرَجَ بِهِ خُرَاجٌ فِي سَبِيلِ الله تَعَالَى فَإِنَّ عَلَيْهِ طَابَعَ الشُّهَدَاءِ". أخرجه أصحاب (¬3) السنن. قوله: "في حديث معاذ من سأل القتل" لفظه في الترمذي: "من قاتل في سبيل الله من رجل مسلم فواق ناقة وجبت له الجنة". قوله: "أو نكب نكبة" (¬4) هي ما يصيب الإنسان من الحوادث. ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (6/ 28). (¬2) أخرجه أحمد (4/ 397) والبخاري رقم (7458) ومسلم رقم (150/ 1904) وأبو داود رقم (2517) والترمذي رقم (1646) وابن ماجه رقم (2783) والنسائي رقم (3136) وهو حديث صحيح. (¬3) أخرجه أبو داود رقم (2541) والنسائي رقم (3141) وابن ماجه رقم (2792) والترمذي رقم (1654، 1657) وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وهو حديث صحيح. (¬4) انظر: "القاموس المحيط" (ص 178)، "فتح الباري" (6/ 19).

قوله: "خراج" هذا اللفظ ليس في رواية الترمذي والخراج (¬1) - بالضم - وَبَاءٌ معروف فإن عليه طابع الشهداء. قوله: "أصحاب السنن" في الجامع نسبة إلى أبي داود والنسائي، قال: وأخرجه الترمذي مفرقاً في موضعين انتهى، وكلام المصنف صحيح فقد أخرجه أصحاب السنن. 7 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -:"مَا مِنْ مَكْلُومٍ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِ الله إِلاَّ جَاءَ يَوْمَ القِيَامَةِ وَكَلْمُهُ يَدْمِي، اللَّوْنُ لَوْنُ دَمٍ وَالرِّيحُ رِيحُ مِسْكٍ". أخرجه الستة (¬2) إلا أبا داود. [صحيح]. قوله: "في حديث أبى هريرة يدمي" وفي رواية (¬3): "ينفجر دماً" وفي أخرى (¬4): "يثعب" وفي رواية (¬5): "والله أعلم بمن يكلم في سبيله"، قيل (¬6): والحكمة في كون الدم يأتي على هيئته أنه يشهد لصاحبه بفضله، وعلى قاتله بفعله، وفائدة رائحته الطيبة أن ينشر في أهل الموقف إظهاراً لفضله. قوله: "عرف المسك" العرف: الرائحة طيبةً كانت، أو خبيثة، والمراد هنا الطيبة. وقوله: "يثعب" (¬7) بالمثلثة، فعين مهملة، يسيل. قوله: "أخرجه الستة". ¬

_ (¬1) انظر: "القاموس المحيط" (ص 237). (¬2) أخرجه البخاري رقم (237) ومسلم رقم (1876) والترمذي رقم (1657) والنسائي رقم (3146، 3151) وابن ماجه رقم (2795). (¬3) أخرجه البخاري رقم (2803) ومسلم رقم (105/ 1876). (¬4) أخرجه البخاري رقم (237، 2972، 7227) ومسلم رقم (106/ 1876). (¬5) انظر: "التعليقة" رقم (2). (¬6) انظر: "فتح الباري" (6/ 20). (¬7) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (1/ 210).

قلت: بألفاظ مختلفة فيها زيادة، ونقصان قد ساقها ابن الأثير في "الجامع" (¬1). 8 - وَعَنْهُ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "تَضَمَّنَ اللهُ تَعَالَى لَمِنْ خَرَجَ فِي سَبِيلِهِ لاَ يُخْرِجُهُ إِلاَّ جِهَادٌ فِي سَبِيلي وَإِيمَانٌ بِي، وَتَصْدِيقٌ بِرُسُلي، فَهُوَ عَلَىَّ ضَامِنٌ أَنْ أُدْخِلَهُ الجَنَّةَ أَوْ أَرْجِعَهُ إِلَى مَسْكَنِهِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ نَائِلاً مَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ, وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ مَا مِنْ كلْمٍ يُكْلَمُ فِي سَبِيْلِ اللهِ إِلَّا جَاءَ يَوْمَ الْقِيامَةِ كهَيئَتِهِ يَوْمَ كُلِمَ، لَوْنُه لَوْنُ دَمٍ، وَرِيْحُهُ رِيْحُ مِسْكٍ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمدٍ بِيَدِه لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى المُسْلِمِينَ مَا قَعَدْتُ خِلاَفَ سَرِيَّةٍ تَغْزو فِي سَبِيلِ الله - عز وجل - أَبَدًا، وَلَكِنْ لاَ أَجِدُ سَعَةً فَأَحْمِلَهُمْ، وَلاَ يَجِدُونَ سَعَةً فَيَتَّبِعُونِي، وَيَشُقُّ عَلِيْهِمْ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنِّي، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوَدِدْتُ أَنِي أَغْزُوَ فِي سَبِيلِ الله فَأُقْتَلَ، ثُمَّ أَغْزُوَ فَأُقْتَلَ ثُمَّ أَغْزُوَ فَأُقْتَلَ" (¬2). أخرجه الثلاثة والنسائي. [صحيح]. "وَالكَلْمُ" (¬3) الجرح، و"وَالمَكْلُومُ" المجروح. قوله: "في حديث أبي هريرة الثاني من أجر" أي: فقط إن لم يغنم شيئاً، أو غنيمة، أي: معها أجر، هذا الضمان، والكفالة [4 ب] موافق لقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ} (¬4) الآية، وكأنه سكت عن الأجر الثاني الذي مع الغنيمة لنقصه بالنسبة إلى الأجر الذي بلا غنيمة، والحاصل على هذا التأويل أن ظاهر الحديث أنه إذا غنم لا يحصل له أجر، وليس ذلك مراداً، بل المراد أو غنيمة معها أجر أنقص من أجر من ¬

_ (¬1) (9/ 479). (¬2) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (36، 3123، 7457، 7463) ومسلم رقم (1876) والنسائي رقم (5030) ومالك في "الموطأ" (2/ 460 رقم 27). (¬3) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 561). (¬4) سورة التوبة الآية (111).

يغنم؛ لأن القواعد تقتضي أنه عند عدم الغنيمة أفضل منه, وأتم أجراً عند وجودها، فالحديث صريح في نفي الحرمان، وليس صريحاً في نفي الجمع قاله في "فتح الباري" (¬1). قلت: قد أخرج أبو داود من حديث عبد الله بن عمرو عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "ما من غازية تغزو في سبيل الله فيصيبون غنيمة إلا تعجلوا ثلثي أجرهم من الآخرة, ويبقى لهم الثلث، فإن لم يصيبوا غنيمة تم لهم أجرهم" (¬2). قوله: "لوددت" من الودادة, وهي إرادة وقوع الشيء على إرادة وجه مخصوص يراد، قال الراغب (¬3): الود محبة الشيء تمني حصوله، فمن الأول: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} (¬4)، ومن الثاني: {وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} (¬5) الآية، قوله: "فأُقتل"، إن قيل: كيف صدر منه - صلى الله عليه وسلم - هذا التمني مع علمه أنه لا يقتل: أجيب: أن التمني لا يستلزم الوقوع. 9 - وَعَنْهُ - رضي الله عنه - قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُوْلُ الله! مَا يَعْدِلُ الجِهَادَ فِي سَبِيلِ الله؟ قَالَ: "لاَ تَسْتَطِيعُونَهُ"، فَأَعَادُوا عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا كُلُّ ذَلِكَ يَقُولُ: "لاَ تَسْتَطِيعُونَهُ"، وَقَالَ فِي الثَّالِثَةِ: "مَثَلُ المُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ الله كَمَثَلِ الصَّائِمِ القَائِمِ القَانِتِ بِآيَاتِ الله لاَ يَفْتُرُ مِنْ صِيَامٍ وَلاَ صَلاَةٍ حَتَّى يَرْجعَ المُجَاهِدُ". أخرجه الستة (¬6) إلا أبا داود. [صحيح]. ¬

_ (¬1) (6/ 8). (¬2) أخرجه مسلم في "صحيحه" رقم (1906) وأبو داود رقم (2497) وابن ماجه رقم (2785) والنسائي رقم (3125). (¬3) في مفردات ألفاظ القرآن (ص 860). (¬4) سورة الشورى الآية (23). (¬5) سورة آل عمران (69). (¬6) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (2785) ومسلم رقم (1878) والترمذي رقم (1619) والنسائي رقم (3127, 3128).

قوله: في الثالث [5 ب] من أحاديث أبي هريرة: أنه أخرجه الستة إلا أبا داود. قلت: وقال الترمذي (¬1) بعد إخراجه أنه حسن صحيح، وقد روي من غير وجه عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: وفي الباب عن الشفاء، وعبد الله بن حبشي وأبي موسى، وأبي سعيد، وأم مالك البهرية، وأنس. قلت: وليس في لفظه: القانت بآيات الله، ليس إلا الصائم القائم، وللحديث ألفاظ سردها ابن الأثير (¬2). 10 - وعن أبي سعيد - رضي الله عنه - قال: قِيْلَ: يَا رَسُولَ الله! أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "مُؤْمِنٌ مُجَاهِدٌ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فِي سَبِيلِ الله"، قِيْلَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: "رَجُلٌ فِي شِعْبٍ مِنَ الشِّعَابِ يَتَّقي الله وَيَدَعُ النَّاسَ مِنْ شَرِّهِ". أخرجه الخمسة (¬3). [صحيح] 11 - وعنه - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ النَّاسِ وَشَرِّ النَّاسِ، إِنَّ مِنْ خَيْرِ النَّاسِ رَجُلاً عَمِلَ فِي سَبِيلِ الله عَلَى ظَهْرِ فَرَسِهِ أَوْ ظَهْرِ بَعِيرِهِ أَوْ عَلَى قَدَمِهِ حَتَّى يَأْتِيَهُ المَوْتُ وَإِنَّ مِنْ شَرِّ النَّاسِ رَجُلاً يَقْرَأُ كتَابَ الله لاَ يَرْعَوِي إِلَى شَيْءٍ مِنْهُ". أخرجه النسائي (¬4). [بسند ضعيف] قوله: "لَا يَرْعَوِي" (¬5) أي لا ينكفُّ ولا ينزجر. قوله: "في حديث أبي سعيد في شعب" بكسر الشين المعجمة الطريق في الجبل (¬6)، وبفتحها: القبيلة العظيمة قال العلماء: إنَّما وردت الأحاديث بذكر "الشعب"، والجبل؛ لأن ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (164). (¬2) (9/ 480 - 482). (¬3) أخرجه البخاري رقم (2786) ومسلم رقم (1888) والترمذي رقم (1660) وأبو داود رقم (2485) وابن ماجه رقم (3978) والنسائي رقم (3105). (¬4) في "السنن" رقم (3106) بسند ضعيف. (¬5) قاله ابن الأثير في "النهاية" (1/ 667). انظر: "غريب الحديث" للهروي (2/ 126). (¬6) "الفائق" للزمخشري (2/ 251)، "غريب الحديث" للهروي (4/ 213).

ذلك في الأغلب يكون خالياً من الناس، فكل موضع يبعد عن الناس فهو داخل في هذا المعنى. 12 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ النَّاسِ؟ رَجُلٌ مُمْسِكٌ بِعِنَانِ فَرَسِهِ فِي سَبِيلِ الله تَعَالَى أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِالَّذِي يَتْلُوهُ؟ رَجُلٌ مُعْتَزِلٌ فِي غُنَيْمَةٍ لَهُ يُؤَدِّي حَقَّ الله تَعَالَى فِيهَا أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِشَرِّ النَّاسِ؟ رَجُلٌ يُسْأَلُ بِالله وَلاَ يُعْطِى بِه". أخرجه مالك (¬1) والترمذي (¬2) والنسائي (¬3). [صحيح] قوله: "في حديث ابن عباس في غنيمة له فيه أنه يتخذ ما يقوم به من المعاش، وصغرها لئلا يستكثر منها فتشغله عن عبادة الله". قوله: "أخرجه مالك، والترمذي". قلت: وقال الترمذي (¬4) هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، ويروى هذا الحديث من غير وجهٍ عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. 13 - وَعَنْ أَبِي أُمَامة - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "سِيَاحَةُ أُمَّتِي الجِهَاُد في سَبِيلِ الله". أخرجه أبو داود (¬5). [حسن]. قوله: "في حديث أبي أمامة أخرجه أبو داود". قلت: وللحديث سبب أخرجه أبو داود [6 ب] قال: عن أبي أمامة أنَّ رجلاً قال: يا رسول الله! إيذن لي في السياحة فذكره. ¬

_ (¬1) في "الموطأ" (2/ 445 رقم 4). (¬2) في "السنن" رقم (1652). (¬3) في "السنن" رقم (2569)، وهو حديث صحيح. (¬4) في "السنن" (4/ 182). (¬5) في "السنن" (2486) وهو حديث حسن.

وقوله: "سياحة أمتي الجهاد" في النهاية (¬1): ساح في الأرض يسيح سياحة إذا ذهب فيها، وأصله في السيح، وهو الماء الجاري المنبسط على الأرض. انتهى. وكان من الأولين من يسيح في الأرض للعبادة، والتخلي، ونحو ذلك، فأخبر - صلى الله عليه وسلم - أن سياحة الأمة الجهاد, عوضاً عما كان عليه من سلف. 14 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يَلِجُ النَّارَ رَجُلٌ بَكَى مِنْ خَشْيَةِ الله تَعَالَى حَتَّى يَعُودَ اللَّبَنُ فِي الضَّرْعِ، وَلاَ يَجْتَمِعُ عَلَى عَبْدٍ غُبَارٌ فِي سَبِيلِ الله وَدُخَانُ جَهَنَّمَ". أخرجه الترمذي (¬2) وصححه والنسائي (¬3). [صحيح]. قوله: "في حديث أبي هريرة أخرجه الترمذي". قلت: وقال (¬4): هذا حديث حسن صحيح، ومحمد بن عبد الرحمن، أي: أحد رواته هو مولى آل طلحة مدني. 15 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "عَيْنَانِ لاَ تَمَسُّهُمَا النَّارُ: عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ الله، وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ الله". أخرجه الترمذي (¬5). [صحيح لغيره]. ¬

_ (¬1) (1/ 833) وانظر: "الفائق" للزمخشري (2/ 123). (¬2) في "السنن" رقم (1633). (¬3) في"السنن" رقم (3107 - 3115)، وأخرجه ابن ماجه رقم (2774)، وهو حديث صحيح. (¬4) في "السنن" (4/ 171). (¬5) في "السنن" رقم (1639) وقال حديث حسن غريب. قلت: وأخرجه ابن أبي عاصم في "كتاب الجهاد" رقم (146) وأبو نعيم في "الحلية" (5/ 209) والبيهقي في "شعب الإيمان" رقم (896) قال الترمذي: "وفي الباب عن عثمان، وأبي ريحانة, وحديث ابن عباس حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث شعيب بن زريق". قلت: شعيب وشيخه متكلم فيهما لكن الحديث حسن بشواهده. =

قوله: في حديث ابن عباس: أخرجه الترمذي. ¬

= • الأول: ما أخرجه أحمد في "المسند" (4/ 134 - 135) وابن أبي شيبة في "المصنف" (5/ 350) ومن طريقه ابن أبي عاصم في "كتاب الجهاد" رقم (145) وفي "الآحاد والمثاني" رقم (2325) بسند ضعيف, ولكن الحديث حسن لغيره. • والثاني: ما أخرجه ابن أبي عاصم في "كتاب الجهاد" رقم (147) وأبي يعلى في "المسند" رقم (4346) والطبراني في "الأوسط" رقم (5775 - المعارف) بسند ضعيف, ولكن الحديث حسن لغيره. • والثالث: ما أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" كما في "مجمع الزوائد" (5/ 288) من حديث العباس بن عبد المطلب. وقال الهيثمي: "فيه عثمان بن عطاء الخراساني وهو متروك، ووثقه دحيم". • والرابع: ما أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (ج 19 رقم 1003) من حديث معاوية بن حيدة, بلفظ: "ثلاثة لا ترى أعينهم النار، عين حرست في سبيل الله، وعين بكت من خشية الله، وعين غضت عن محارم الله". وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (5/ 288) وقال: "رواه الطبراني وفيه أبو حبيب العنقزي - ويقال: القنوي - ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات". • والخامس: ما أخرجه الحاكم (2/ 82) من حديث أبي هريرة بلفظ: "ثلاثة أعين لا تمسها النار، عين فقئت في سبيل الله، وعين حرست في سبيل الله, وعين بكت من خشية الله". وصححه الحاكم، وتعقبه الذهبي بقوله: "عمر - ابن راشد اليمامي - ضعفوه". وأخرجه الحاكم بإسناد آخر عن أبي هريرة, بلفظ: "حرم على عينين أن تنالها النار، عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس الإسلام وأهله من أهل الكفر". وسكت عنه الحاكم، وأعله الذهبي بالانقطاع. وخلاصة القول: أن حديث ابن عباس حديث حسن لغيره, والله أعلم.

قلت: وقال (¬1) حديث ابن عباس حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث شعيب ابن زريق. انتهى. [142/ أ] وفي "التقريب" (¬2): شعيب بن زريق الشامي أبو شيبة صدوق يخطئ. انتهى. 16 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يَجْتَمِعُ كَافِرٌ وَقَاتِلُهُ فِي النَّارِ أبداً، وَلاَ يَجْتَمِعُ فِي جَوْفِ عَبْدٍ غُبَارٌ فِي سَبِيلِ الله وَفَيْحُ جَهَنَّمَ، وَلاَ يَجْتَمِع فِي قَلْبِ عَبْدٍ الإِيمَانُ وَالحَسَدُ". أخرجه مسلم (¬3) وأبو داود (¬4) والنسائي (¬5). [صحيح]. 17 - عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: قال رَسُولَ الله- صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ رَضِيَ بِالله رَبًّا، وَبِالإِسْلاَمِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُوْلَاً، وَجَبَتْ لَهُ الجَنَّةُ". فَعَجِبْتُ لَهَا، فَقُلْتُ: أَعِدْهَا عَلَيَّ يَا رَسُولَ الله فَأَعَادَهَا، ثُمَّ قَالَ: "وَأُخْرَى يُرْفَعُ بِهَا العَبْدُ مِائَةَ دَرَجَةٍ فِي الجَنَّةِ, مَا بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ". قُلْتُ: وَمَا هِيَ يَا رَسُولَ الله؟ قَالَ: "الجِهَادُ فِي سَبِيلِ الله، الجِهَادُ فِي سَبِيلِ الله، الجِهَادُ فِي سَبِيلِ الله". أخرجه مسلم (¬6) والنسائي (¬7). [صحيح]. 18 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: "يَضْحَكُ الله تَعَالَى إِلَى رَجُلَيْنِ يَقْتُلُ أَحَدُهُمَا الآخَرَ كِلاَهُمَا [7 ب] يَدْخُلُ الجَنَّةَ، يُقَاتِلُ هَذَا فِي سَبِيلِ الله ثُمَّ يَسْتَشْهِدُ فَيَتُوبُ الله تَعَالَى عَلَى القَاتِلِ فَيُسْلِمُ فَيُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ الله - عز وجل - فَيَسْتَشْهَدُ". أخرجه الثلاثة (¬8). ¬

_ (¬1) أي: الترمذي في "السنن" (4/ 175). (¬2) (1/ 352 رقم 78). (¬3) في "صحيحه" رقم (1891). (¬4) في "السنن" رقم (2495) وهو حديث صحيح. (¬5) في "السنن" رقم (3109) وهو حديث حسن. (¬6) في "صحيحه" رقم (1884). (¬7) في "السنن" (3131) وهو حديث صحيح. (¬8) أخرجه البخاري رقم (2826) ومسلم رقم (1890) ومالك في "الموطأ" (2/ 460 رقم 28).

والنسائي (¬1). [صحيح]. ومعنى "الضحك" (¬2) هنا: الرضى. 19 - وعنه - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -:"مَنِ احْتبَسَ فَرَسًا فِي سَبِيلِ الله إِيمَانًا بِالله وَتَصْدِيقًا بِوَعْدِهِ, فَإِنَّ شِبَعَهُ وَرِيَّهُ وَرَوْثَهُ وَبَوْلَهُ فِي مِيزَانِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ - يعني الحسنات -". أخرجه البخاري (¬3) والنسائي (¬4). [صحيح]. 20 - وَعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِي - رضي الله عنه - قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ بِنَاقَةٍ مَخطُومَةٍ إِلَى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: هذه في سبيل الله تعالى، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "لَكَ بِهَا يَوْمَ القِيَامَةِ سَبْعُمِائَةِ نَاقِةٍ كُلُّهَا مَخْطُومَةٌ". أخرجه مسلم (¬5) والنسائي (¬6). [صحيح]. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (3166). (¬2) بل الضّحك: صفة من صفات الله عز وجل الفعلية الخبرية الثابتة بالأحاديث الصحيحة، ومنها هذا الحديث. اعلم أن أهل السنة والجماعة يثبتون هذه الصفة وغيرها من صفات الله عز وجل الثابتة له بالكتاب أو السنة من غير تمثيل ولا تكييف، ويسلمون بذلك، ويقولون: كل من عند ربنا. قال ابن خزيمة في "كتاب التوحيد" (2/ 563): "باب ذكر إثبات ضحك ربنا عز وجل؛ بلا صفة تصف ضحكه جل ثناؤه، ولا يشبه ضحكه بضحك المخلوقين، وضحكهم كذلك، بل نؤمن بأنه يضحك، كما أعلم النبي - صلى الله عليه وسلم -، أو نسكت عن صفة ضحكه جل وعلا، إذ الله عز وجل استأثر بصفة ضحكه, لم يطلعنا على ذلك، فنحن قائلون بما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -، مصدقون بذلك، بقلوبنا منصتون عما لم يبين لنا مما استأثر الله بعلمه". انظر "مجموع فتاوى" (6/ 121)، "الحجة في بيان المحجة" لقوّام السنة للأصبهاني (1/ 429) (2/ 456)، الشريعة للآجري (ص 277). (¬3) في "صحيحه" رقم (2371، 2860)، وأخرجه مسلم رقم (987). (¬4) في "السنن" رقم (3582) وهو حديث صحيح. (¬5) في "صحيحه" رقم (1892). (¬6) في "السنن" (3187) وهو حديث صحيح.

21 - وَعَنْ عَدِىِّ بْنِ حَاتِمٍ - رضي الله عنه - قال: سُئِلَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -أَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "إخْدَامُ عَبْدٍ فِي سَبِيلِ الله، أَوْ إِظْلَالُ فُسْطَاطٍ أَوْ طَرُوقَةُ فَحْلٍ". أخرجه الترمذي (¬1). [حسن]. قوله: "طرُوقَةُ فَحْلٍ" (¬2) هي الناقة إذا كبرت وصلحت أن يعلوها الفحل وهي الحِقَّةُ من الإبل. 22 - وَعَنْ زَيْدُ بْنُ خَالِدٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ الله فَقَدْ غَزَا، وَمَنْ خَلَفَ غَازِيًا فِي أَهْلِهِ بِخَيْرٍ فَقَدْ غَزَا". أخرجه الخمسة (¬3). [صحيح]. 23 - وعَنْ أَبِي أَيُّوبَ - رضي الله عنه - قال: سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -يَقُولُ: "سَتُفْتَحُ عَلَيْكُمُ الأَمْصَارُ وَسَتكُونُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ تُقْطَعُ عَلَيْكُمْ؛ فِيهَا بُعُوثٌ يَكْرَهُ الرَّجُلُ مِنْكُمُ البَعْثَ فِيهَا فَيَتَخَلَّصُ مِنْ قَوْمِهِ ثُمَّ يَتَصَفَّحُ القَبَائِلَ يَعْرِضُ نَفْسَهُ عَلَيْهِمْ يَقُوُل: مَنْ أَكْفِهِ بَعْثَ كَذَا وَكَذَا؟ أَلاَ وَذَلِكَ الأَجِيرُ إِلَى آخِرِ قَطْرَةٍ مِنْ دَمِهِ". أخرجه أبو داود (¬4). [إسناده ضعيف]. "البُعُوثُ" (¬5) جمع بَعْثٍ، وهم طائفة من الجيش يبعثون في الغزو كالسرية. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (1626)، وهو حديث حسن، والله أعلم. (¬2) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 109)، "غريب الحديث" للهروي (4/ 266). (¬3) أخرجه البخاري رقم (2843) ومسلم رقم (135/ 1895) وأبو داود رقم (2509) والترمذي رقم (1628 - 1631) وابن ماجه رقم (1895) والنسائي رقم (3180، 3182). (¬4) في "السنن" رقم (2525). قلت: وأخرجه أحمد (5/ 413) والشاشي في "مسنده" رقم (1130) والطبراني في الشاميين رقم (1380) والبيهقي في "السنن الكبرى" (9/ 27). - إسناده ضعيف لضعف ابن أخي أبي أيوب، وهو أبو سورة. قال البخاري: منكر الحديث، يروي عن أبي أيوب مناكير لا يتابع عليه. وقال الترمذي: يضعف في الحديث، ضعفه يحيى بن معين جداً، وقال الدارقطني: مجهول. "تهذيب التهذيب" (4/ 535)، وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف، والله أعلم. (¬5) "القاموس المحيط" (ص 211).

الفصل الثاني: في فضل الشهادة والشهداء

24 - وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ: "كَتَبَ أَبُو عُبَيْدَةَ إِلَى عُمَرَ - رضي الله عنهما - يَذْكُرُ لَهُ جُمُوعًا مِنَ الرُّومِ؛ وَمَا يَتَخَوَّفُ مِنْهُمْ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ: أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّهُ مَهْمَا يَنْزِلْ بِعَبْدٍ مُؤْمِنٍ مِنْ مُنْزَلِ شِدَّةٍ يَجْعَلِ الله تَعَالَى بَعْدَهُ فَرَجًا، وَإِنَّهُ لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ، وَإِنَّ الله تَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200)} [آل عمران: 200] ". أخرجه مالك (¬1). [موقوف صحيح]. الفصل الثاني: في فضل الشهادة والشهداء 1 - عَنْ أَنَسَ - رضي الله عنه - قَالَ: قال رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا أَحَدٌ يَدْخُلُ الجَنَّةَ يُحِبُّ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا، وَلَهُ مَا عَلَى الأَرْضِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا الشَّهِيدُ، ويَتَمَنَّى أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا فَيُقْتَلَ عَشْرَ مَرَّاتٍ لِمَا يَرَى مِنَ الكَرَامَةِ". أخرجه الخمسة (¬2) إلا أبا داود. [صحيح]. وفي رواية (¬3): إلّا الشّهِيدَ لِمَا يَرَى مِنْ فَضْلِ الشّهَادَةِ. [صحيح]. 2 - وعن ابن أبي عميرة - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -:"لَأَنْ أُقْتَلَ فِي سَبِيلِ الله [8 ب] تَعَالَى أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَكُوْنُ لِي أَهْلُ المَدَرِ وَالوَبَرِ". أخرجه النسائي (¬4). [حسن]. قوله: "وعن ابن أبي عميرة" بفتح أوله وكسر ثانيه، قال في "التقريب" (¬5): صحابي عنه جبير بن نفير. ¬

_ (¬1) في "الموطأ" (2/ 446 رقم 6) موقوف صحيح. (¬2) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (2795) ومسلم رقم (1877) والترمذي رقم (1643) والنسائي رقم (3160). (¬3) وهي عند الترمذي رقم (1643). (¬4) في "السنن" رقم (3153) وهو حديث حسن. (¬5) (2/ 518 رقم 55).

قوله: "أهل المدر والوبر، أهل المدر القرى (¬1)، وأهل الوبر الأعراب"، وقيل (¬2): أهل المدر أهل القرى، والأمصار، وأهل الوبر [...........] (¬3). 3 - وَعَنِ المُغِيرَة - رضي الله عنه - قال: أَخْبَرَنَا نَبِيُّنَا - صلى الله عليه وسلم - عَنْ رِسَالَةِ رَبِّنَا: "أَنَّهُ مَنْ قُتِلَ مِنَّا صَارَ إِلَى الجَنَّةِ؛ فنحن أحب في الموت منكم في الحياة". أخرجه البخاري (¬4) تعليقاً إلى قوله إلى الجنة، وأخرجه بطوله رزين. قوله: "في حديث المغيرة أخرجه البخاري تعليقاً" لفظ "الجامع" (¬5) بعد سياقه كله، أخرجه البخاري في ترجمة (¬6) باب هذا لفظه، وفي بعض نسخ "الجامع" ليس فيه أخرجه البخاري في ترجمة باب، ولا على المغيرة علامة البخاري، بل فيها أخرجه من غير علامة. انتهى. فالعجب من كلام المصنف أنَّه أخرج البخاري أوله، وأخرجه بطوله رزين فهذا شيء ليس في "الجامع" الذي عنه ينقل المصنف، ثم إنه ليس (¬7) من لازم كونه في ترجمة أن يكون تعليقاً كما قاله المصنف. 4 - وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ الله! أَرَأَيْتَ إِنْ قُتِلْتُ فِي سَبِيلِ الله أَتُكَفَّرُ عَنِّي خَطَايَايَ؟ فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "نَعَمْ؛ إِنْ قُتِلْتَ وَأَنْتَ صَابِرٌ مُحْتَسِبٌ مُقْبِلٌ غَيْرُ ¬

_ (¬1) الذي في "السنن" الوبر والمدر. • المدر: أهل القرى والأمصار واحدتها: مَدَرة, "النهاية في غريب الحديث" (2/ 643). (¬2) قاله ابن الأثير في "النهاية" (2/ 818). (¬3) كذا في (ب) بياض. (¬4) في "صحيحه" رقم (3159) وطرفه (7530). (¬5) (2/ 606 - 607). (¬6) رقم (58) كتاب الجزية والموادعة. باب رقم (1) الجزية والموادعة، مع أهل الذمة والحرب. (¬7) وهو كما قال. انظر "فتح الباري" (6/ 266 - 267).

مُدْبِرٍ، ثُمَّ قَالَ: "كَيْفَ قُلْتَ؟ " فَأَعَادَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: نَعَمْ؛ إِلاَّ الدَّيْنَ فَإِنَّ جِبْرِيلَ أَخْبَرَنِي ذَلِكَ". أخرجه مسلم (¬1) ومالك (¬2) والترمذي (¬3) والنسائي (¬4). [صحيح] 5 - وفي أخرى لمسلم (¬5) عن ابن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما -: أَنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "يُغْفَرُ لِلشَّهِيدِ كُلِّ ذَنْبٍ إِلاَّ الدَّيْنَ". [صحيح] قوله: "في حديث أبي قتادة إلا الدين" هو تنبيه على جميع حقوق المخلوقين، وأن الجهاد وسائر أنواع (¬6) البر لا تكفر حقوقهم، إنَّما تكفر حقوق الله. وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "نعم، إلا الدين" محمول على أنه أوحي إليه في الحال لقوله: "إنّ جبريل أخبرني بذلك" وفي لفظ النسائي: "سارني به جبريل آنفاً". أي: الآن [9 ب]. 6 - وَعَنْ فَضَالَةَ بْنَ عُبَيْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "الشُّهَدَاءُ أَرْبَعَةٌ: رَجُلٌ مُؤْمِنٌ جَيِّدُ الإِيمَانِ لَقِيَ العَدُوَّ فَصَدَقَ الله تَعَالَى حَتَّى قُتِلَ فَذَلِكَ الَّذِي يَرْفَعُ النَّاسُ أَعْيُنَهُمْ إِلَيْهِ يَوْمَ القِيَامَةِ هَكَذَا"، وَرَفَعَ رَأْسَهُ حَتَّى سَقَطَتْ قَلَنْسُوَتُهُ، فَلَا أَدْرِى قَلَنْسُوَةَ عُمَرَ أَرَادَ أَمْ قَلَنْسُوَةَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، "وَرَجُلٌ مُؤْمِنٌ جَيِّدُ الإِيمَانِ لَقِيَ العَدُوَّ فَكَأَنَّمَا ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (1885). (¬2) في "الموطأ" (2/ 461 رقم 31). (¬3) في "السنن" رقم (1712). (¬4) في "السنن" رقم (3156 - 3158)، وهو حديث صحيح. (¬5) في "صحيحه" رقم (119، 120/ 1886). قلت: وأخرجه أحمد (2/ 220) والحاكم (2/ 119) وأبو عوانة (5/ 52، 53) والبيهقي في "السنن الكبرى" (9/ 25) من طرق وهو حديث صحيح. (¬6) فيه دليل: على أن الجهاد بشرط أن يكون في سبيل الله مع الاحتساب وعدم الانهزام من مكفرات جميع الذنوب والخطايا، فيكون الشهيد بالشهادة مستحقاً للمغفرة العامة إلا ما كان من الديون اللازمة للآدميين، فإنها لا تغفر للشهيد، ولا تسقط عنه بمجرد الشهادة، وذلك لكونه حقاً لآدمي، وسقوطه إنما يكون برضاه واختياره، ولهذا امتنع من الصلاة على من عليه دين.

ضُرِبَ جِلْدُهُ بِشَوْكِ طَلْحٍ مِنَ الجُبْنِ أَتَاهُ سَهْمٌ غَرْبٌ فَقَتَلَهُ فَهُوَ فِي الدَّرَجَةِ الثَّانِيَة, وَرَجُلٌ مُؤْمِنٌ خَلَطَ عَمَلاً صَالحِاً وَآخَرَ سَيِّئًا لَقِيَ العَدُوَّ فَصَدَقَ الله تَعَالَى حَتَّى قُتِلَ فَذَلِكَ فِي الدَّرَجَةِ الثَّالِثَةِ، وَرَجُلٌ مُؤْمِنٌ أَسْرَفَ عَلَى نَفْسِهِ لَقِيَ العَدُوَّ فَصَدَقَ الله تَعَالَى حَتَّى قُتِلَ فَذَلِكَ فِي الدَّرَجَةِ الرَّابِعَةِ". أخرجه الترمذي (¬1). [ضعيف] يقال: "سهم غرب" بالإضافة (¬2) وغيرها إذا لم يعرف من رمى به. قوله: "في حديث فضالة القلنسوة" (¬3)، هي: ما يلبس في الرأس، والطلح (¬4): شجر معروف ذو شوك، والجبن - بضم الجيم وسكون الموحدة - هو: الخوف وعدم الإقدام. قوله: "سهم غرب" (¬5)، بالعين المعجمة والراء فموحدة، يقال: سهم غرب بالإضافة وبعدمها، وسكون الراء وتحريكها، وهو كما قال المصنف للذي لا يعرف راميه، ولا من أين جاء. وإنما اختلفت الدرجات؛ لأن الأول: امتاز بجودة الإيمان، وبأنه صدق الله، والثاني: بجودة الإيمان فقط، والثالث والرابع: لم يتصفا بجودة الإيمان، بل الأول له عمل صالح خلط به غيره, والرابع: ظاهره أنه ليس له عمل صالح، بل أسرف على نفسه. قوله: "أخرجه الترمذي". ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (1644) وهو حديث ضعيف. (¬2) قاله ابن الأثير في "النهاية في غريب الحديث" (2/ 294). انظر "الفائق للزمخشري" (3/ 63)، "غريب الحديث" للخطابي (1/ 74). (¬3) "القاموس المحيط" (ص 731). (¬4) قال ابن الأثير في "النهاية" (2/ 117) الطّلْح وهي شجر عظام من شجر العضاء. (¬5) قاله ابن الأثير في "النهاية في غريب الحديث" (2/ 294). انظر "الفائق للزمخشري" (3/ 63)، "غريب الحديث" للخطابي (1/ 74).

قلت: وقال (¬1) هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث عطاء بن دينار سمعت محمداً يقول: قد روى سعيد بن أيوب هذا الحديث عن أشياخ من خولان، ولم يذكر فيه عن أبي يزيد، وقال عطاء بن دينار ليس به بأس. انتهى. [143/ أ]. 7 - وَعَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - رَغَّبَ فِي الجِهَادِ وَذَكَرَ الجَنَّةَ، وَرَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ يَأْكُلُ تَمرَاتٍ فِي يَدِهِ فَقَالَ: إِنِّي لَحَرِيصٌ عَلَى الدُّنْيَا إِنْ جَلَسْتُ حَتَّى أَفْرُغَ مِنْهُنَّ، فَرَمَى مَا فِي يَدِهِ وَحَمَلَ بِسَيْفِهِ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ. أخرجه مالك (¬2). [ضعيف] قوله: "وعن يحيى بن سعيد" وفيه: ورجل من الأنصار يأكل تمرات هو عمر بن الحمام، ويقال: عمير الأنصاري [10 ب]، وكان هذا الفعل يوم أحد. 8 - وَعَنِ البَرَاءَ - رضي الله عنه - قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مُقَنَّعٌ بِالحَدِيدِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله! أُقَاتِلُ أوْ أُسْلِمُ؟ فَقَالَ: "أَسْلِمْ ثُمَّ قَاتِلْ"، فَأَسْلَمَ ثُمَّ قَاتَلَ، فَقُتِلَ، فَقَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "عَمِلَ قَلِيلاً وَأُجِرَ كَثِيرًا". أخرجه الشيخان (¬3)، وهذا لفظ البخاري. [صحيح] "المُقَنَّعُ" (¬4) هو المتغطِّي بالسلاح، وقيل: المغطى رأسه به فقط. قوله: "في حديث البراء المقنع" لفظ "الجامع" (¬5): رجل مقنع: إذا كان على رأسه بيضة وهي: الخوذة، وقيل: هو المتغطي بالسلاح. 9 - وَعَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ الصَّحَابَةِ: أَنَّ رَجُلاً قَالَ: يَا رَسُولَ الله! مَا بَالُ المُؤْمِنِينَ يُفْتَنُونَ فِي قُبُورِهِمْ إِلاَّ الشَّهِيدَ؟ قَالَ: "كفَى بِبَارِقَةِ السُّيُوفِ عَلَى رَأْسِهِ فِتْنَةً". ¬

_ (¬1) في "السنن" (4/ 178). (¬2) في "الموطأ" (2/ 466 رقم 42) ضعيف بهذا السياق، ووصله الشيخان عن جابر بن عبد الله، البخاري رقم (4046) ومسلم رقم (1899). (¬3) أخرجه البخاري رقم (2808) ومسلم رقم (1900). (¬4) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 495)، "المجموع المغيث" (2/ 754). (¬5) (9/ 507).

أخرجه النسائي (¬1). [صحيح] قوله: "في حديث راشد بن سعد يفتنون في قبورهم" أي: سؤال الملكين لهم منكر ونكير. وقوله: "بارقة السيوف" في "الجامع" (¬2) برق السيف إذا لمع تشبيهاً له بلموع البرق يعني: أن بارقة السيوف على رأس الشهيد وروعته منها جوزي عليها بأن لا يُسأل في قبره، وذلك؛ لأنَّ ثباته عند البارقة على الإيمان دليل قوة إيمانه وثبوت عقيدته، والفتنة في القبر إنما هي لبيان ثباته على الإيمان فقد تبين قبل وفاته فأيّ حاجة لسؤاله في قبره. 10 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَا يَجِدُ الشَّهِيْدُ مِنْ مَسِّ القَتْلِ إِلَّا كَمَا يَجِدُ أَحَدْكُمْ مِنْ مَسِّ القَرْصَةِ". أخرجه الترمذي (¬3) والنسائي (¬4). [بسند حسن] 11 - وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "عَجِبَ رَبُّنَا - عز وجل - مِنْ رَجُلٍ غَزَا فِي سَبِيلِ الله فَانْهَزَمَ أَصْحَابُهُ فَعَلِمَ مَا عَلَيْهِ فَرَجَعَ حَتَّى أُرِيقَ دَمُهُ فَيَقُولُ الله - عز وجل -لمِلاَئِكَتِهِ: انْظُرُوا إِلَى عَبْدِي رَجَعَ رَغْبَةً فِيمَا عِنْدِي وَشَفَقَاً مِمَّا عِنْدِي حَتَّى أُرِيقَ دَمُهُ, أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُ" (¬5). [حسن] قوله: "في حديث ابن مسعود عجب ربنا" في النهاية (¬6) قيل: معنى عجب ربك: أي: رضي وأثاب فسماه عجباً مجازاً (¬7)، وليس بعجب في الحقيقة، وقيل: أي: عظم عنده، وكبر لديه. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (2053) وهو حديث صحيح. (¬2) (9/ 507). (¬3) في "السنن" رقم (1668). (¬4) في "السنن" رقم (3161) بسند حسن. (¬5) فى "السنن" رقم (2536) وهو حديث حسن. (¬6) (2/ 162). (¬7) بل العجب صفة من صفات الله عز وجل الفعلية الخبرية الثابتة له بالكتاب والسنة. =

قوله: فعلم ما عليه، أي: من إثم الفرار من الزحف [11 ب]. 12 - وَعَنْ عَبْدِ الخَبِيرِ بْنِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ - رضي الله عنه - قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يُقَالُ لَهَا أُمُّ خَلاَّدٍ وَهِىَ مُتْنَقِّبَةٌ تَسْأَلُ عَنِ ابْنٍ لَهَا قُتِلَ فِي سَبِيلِ الله، فَقَالَ لَهَا بَعْضُ أَصْحَابِهِ: جِئْتِ تَسْأَلِينَ عَنِ ابْنِكِ وَأَنْتِ مُتَنَقِّبَةٌ؟ فَقَالَتْ: إِنْ أُرْزَإِ ابْنِي فَلَنْ أُرْزَأَ حَيَائِي. فَقَالَ لَهَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "ابْنُكِ لَهُ أَجْرُ شَهِيدَيْنِ"، قَالَتْ: وَلِمَ؟ قَالَ: "لأَنَّه قَتَلَهُ أَهْلُ الكِتَابِ" (¬1). أخرجهما أبو داود. [ضعيف] قوله: "في حديث عبد الخبير أن أُرْزَإِ ابني" الرزء (¬2) - بضم الراء - المصيبة بفقد الأحبة، وهو من الانتقاص، تقول: إن أصبت به وفقدته فلن أصب بحيائي، فلهذا [تنقبت (¬3)]. قوله: "لأنه قتله أهل الكتاب" فيه دليل على أن من قتله أهل الكتاب أفضل ممن قتله الكفار الذين لا كتاب لهم. وقوله: "منتقبة" بتقديم بتقديم النون على المثناة الفوقية، وضبط في "سنن أبي داود" بتقديم المثناة على النون، وضبط فيه كالأول وهو في النقاب، أي: فعلت النقاب على وجهها، وكان السائل لها يرى أن حرَّ المصيبة يذهلها عن النقاب. ¬

_ = قال أبو يعلى الفراء في "إبطال التأويلات" (ص 245) بعد أن ذكر ثلاثة أحاديث في إثبات صفة العجب: "اعلم أنه لا يمتنع إطلاق ذلك عليه وحمله على ظاهره, إذ ليس في ذلك ما يحيل صفاته, ولا يخرجها عما تستحقه، لأنا لا نثبت عجباً هو تعظيم لأمر دهمه استعظمه لم يكن عالماً به؛ لأنه مما لا يليق بصفاته بل نثبت ذلك صفة كما أثبتنا غيرها من صفاته. انظر "السنة" لابن أبي عاصم (1/ 249)، "مجموع فتاوى" لابن تيمية (4/ 181) (6/ 123). (¬1) في "السنن" رقم (2488) وهو حديث ضعيف. (¬2) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 652)، "المجموع المغيث" (1/ 756). (¬3) في (أ) انتقبت.

13 - وَعَن سَهْلِ بْنِ حُنَيْف - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ سَأَلَ الله الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ بَلَّغَهُ الله مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ، وَإنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ". أخرجه الخمسة (¬1) إلا البخاري. [صحيح] قوله: "في حديث سهل بن حُنَيْف من سأل الله الشهادة إلى آخره"، فيه دليل أن من سأل الله شيئاً بصدق أعطاه ثواب ما سأله، وفيه استحباب سؤال الشهادة، بل استحباب ما فيه الخير مطلقاً. 14 - وَعَنْ أَبِي مَالِكٍ الأَشْعَرِيَّ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -قَالَ: "مَنْ فَصَلَ فِي سَبِيلِ الله فَمَاتَ أَوْ قُتِلَ، أَوْ وَقَصَهُ فَرَسُهُ أَوْ بَعِيرُهُ, أَوْ لَدَغَتْهُ هَامَّةٌ، أَوْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ بِأَيِّ حَتْفٍ شَاءَ الله تَعَالَى مَاتَ فَهُوَ شَهِيدٌ". أخرجه أبو داود (¬2). [ضعيف] قوله: مَنْ فَصَل (¬3) - بالفاء وصاد مهملة - يأتي [تفسيره (¬4)] يخرج. قوله: وَقَصَهُ - بفتح الواو، فقاف، فصاد مهملة - والوقص (¬5): كسر العنق "أو لدغته" - بالمهملة وغين معجمة - أصابه لدغ من ذوات السم. قوله: "بأيّ حتف" الحتف - بفتح الحاء المهملة وسكون المثناة الفوقية ففاءٌ هو الموت، وقولهم: حتف (¬6) أنفه [12 ب] كانوا يتخيلون أنَّ روح المريض تخرج من أنفه. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم في "صحيحه" رقم (157/ 1909) وأبو داود رقم (1520) والترمذي رقم (1653) والنسائي 6/ 36 - 37) وابن ماجه رقم (2797) وهو حديث صحيح. (¬2) في "السنن" رقم (2499) وهو حديث ضعيف. (¬3) انظر: "غريب الحديث" للهروي (1/ 305)، "النهاية في غريب الحديث" (2/ 375). (¬4) في (أ) تفسير. (¬5) "الفائق للزمخشري" (4/ 74)، "غريب الحديث" للهروي (1/ 96). (¬6) قاله ابن الأثير في "النهاية" (1/ 331)، وانظر: "الفائق" للزمخشري (1/ 259).

قوله: "فهو شهيد" زاد في "الجامع" (¬1) في هذه الرواية: "وإنَّ له الجنة" كأنها سقطت على المصنف. 15 - وَفِي أُخْرَى لَهُ: قِيْلَ: يَا نَبِيَّ الله! مَنْ فِي الجَنَّةِ؟ قَالَ: "النَّبِيُّ فِي الجَنَّةِ, وَالشَّهِيدُ فِي الجَنَّةِ، وَالمَولُودُ فِي الجَنّةِ، وَالوئَيدُ في الجَنّةِ" (¬2). [حسن] ومعنى "فصل" أي: خرج. قوله: وفي أخرى له، ظاهره أن الرواية الأخرى لأبي داود عن أبي مالك الأشعري وليس كذلك، بل الذي في "الجامع" (¬3) حسناء (¬4) بنت معاوية الصريمية قالت: حدثني عمي قال: قلت: للنبي - صلى الله عليه وسلم - من في الجنة؟ الحديث. قوله: "والوئيد في الجنة" في النهاية (¬5) إنما هو فعيل بمعنى المفعول، وقد عارض هذا حديث: "الوائدة والموءودة في النار" ويأتي الكلام. 16 - وَعَنْ أَبِي النَّضْرِ (¬6) قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِشُهَدَاءِ أُحُدٍ فَقَالَ: "هَؤُلاَءِ أَشْهَدُ عَلَيْهِمْ"، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ - رضي الله عنه -: أَلَسْنَا بِإِخْوَانِهِمْ يَا رَسُولَ الله؟ أَسْلَمْنَا كَمَا أَسْلَمُوا، وَجَاهَدْنَا كَمَا جَاهَدُوا، فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "بَلَى؛ وَلَكِنْ لاَ أَدْرِى مَا تُحْدِثُونَ بَعْدِي". فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ قَالَ: وَإِنَّا لَكَائِنُونَ بَعْدَكَ؟. أخرجه مالك (¬7). ¬

_ (¬1) (9/ 509 الحديث رقم 7232). (¬2) أخرجه أبو داود في "السنن" رقم (2521) من حديث حسناء بنت معاوية الصّريميّة, وهو حديث حسن. (¬3) (9/ 510). (¬4) وهو كما قال. (¬5) (2/ 816). (¬6) وهو مولى عمر بن عبيد الله. (¬7) في "الموطأ" (2/ 461 - 462 رقم 32) وهو أثر ضعيف.

الباب الثاني: في الجهاد وما يتعلق به

الباب الثاني: في الجهاد وما يتعلق به وفيه خمسة فصول: الفصل الأول: في وجوبه والحث عليه 1 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "الجِهَادُ وَاجِبٌ عَلَيْكُمْ مَعَ كُلِّ أَمِيرٍ بَرًّا كَانَ أَوْ فَاجِرًا، وَالصَّلاَةُ وَاجِبَةٌ عَلَيْكُمْ خَلْفَ كُلِّ مُسْلِمٍ بَرًّا كَانَ أَوْ فَاجِرًا، وَإِنْ عَمِلَ الكَبَائِرَ، وَالصَّلاَةُ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ بَرًّا كَانَ أَوْ فَاجِرًا، وَإِنْ عَمِلَ الكَبَائِرَ". أخرجه أبو داود (¬1). قوله: "في حديث أبي هريرة, وإن عمل الكبائر" قال المنذري في مختصر (¬2) السنن: إنه حديث منقطع مكحول لم يسمع من أبي هريرة. انتهى. قلت: لأنه أخرجه أبو داود عن مكحول عن أبي هريرة إلا أنه أخرج أبو داود (¬3) من حديث أنس بن مالك حديث: "الجهاد ماضٍ منذ بعثني الله إلى أن يقاتل آخر أمتي الدجال لا يبطله جور جائر، ولا عدل عادل". قال المنذري (¬4): رواه مسلم والترمذي والنسائي [13 ب] فلو أتى المصنف بهذه الرواية (¬5) لكان أولى. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (594). قلت: وأخرجه الدارقطني في "السنن" (2/ 56) بمعناه, والبيهقي (3/ 121) وابن الجوزي في "العلل المتناهية" (1/ 425) من طريق مكحول عن أبي هريرة. وهذا منقطع؛ لأن مكحول لم يسمع من أبي هريرة كما قال أبو داود والدارقطني، فالحديث ضعيف، والله أعلم. (¬2) (3/ 380). (¬3) في "السنن" رقم (2532) وهو حديث ضعيف. (¬4) وليس كذلك، بل قال المنذري والرواية عن أنس يزيد بن أبي نشبة، وهو في معنى المجهول. (¬5) وهي رواية ضعيفة أيضاً.

2 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -:"جَاهِدُوا المُشْرِكِينَ بِأمْوَالِكُمْ وَأنْفُسِكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ". أخرجه أبو داود (¬1) والنسائي (¬2). [صحيح] قوله: "في حديث أنس جاهدوا المشركين بأموالكم" بأن يتجهز المجاهد من ماله، ويجهز غيره إن استطاع، وبنفسه [أن يخرج] (¬3) باذلاً لها في سبيل الله، وبلسانه، بالتحريص على جهادهم، وهجوهم بالشعر، وغير ذلك. [صحيح] 3 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما -: أن رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ يَوْمَ الفَتْحِ: "لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الفَتْحِ، وَلكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ, وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فانْفِرُوا". أخرجه الخمسة (¬4). قوله: "في حديث ابن عباس: لا هجرة بعد الفتح" قال في "التوشيح": أي: من مكة بعد ما فتحت، أما من سائر بلاد الكفر، فالهجرة منها باقية, ولفظ الإسماعيلي من حديث أبي عمر: "انقطعت الهجرة بعد الفتح إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا تنقطع الهجرة ما قوتل الكفار" أي: ما دام في الدنيا دار كفر. 4 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولَ الله- صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ وَلَمْ يُحَدِّثْ نَفْسَهُ بِغَزْوٍ مَاتِ عَلَى شُعْبَةٍ مِنَ النِّفَاقِ". قال ابن المبارك: فَنَرى أنَّ ذلكِ كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -. أخرجه مسلم (¬5) وأبو داود (¬6) والنسائي (¬7). [صحيح] ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (2504). (¬2) في "السنن" رقم (3096، 3192)، وهو حديث صحيح. (¬3) زيادة من (أ). (¬4) أخرجه البخاري رقم (2783) ومسلم رقم (83/ 1863)، وأبو داود رقم (2480) والترمذي رقم (1590) والنسائي رقم (4170) وهو حديث صحيح. (¬5) في "صحيحه" رقم (1910). (¬6) في "السنن" رقم (2502). (¬7) في "السنن" رقم (3097)، وهو حديث صحيح.

5 - وفي رواية لأبي داود (¬1): عَنْ أَبِي أُمَامَةُ - رضي الله عنه -: مَنْ لَمْ يَغْزُ وَلَمْ يُجَهّزْ غَازِيَاً أَوْ يَخْلُفْ غَازِيَاً فِي أَهْلِهِ بِخَيرٍ أَصَابَهُ الله تَعَالَى بِقَارعَةٍ قَبْلَ يَوْمِ القِيَامَةِ. [حسن] قوله: "في حديث أبي هريرة: قال ابن المبارك إلى آخره" هذا الذي قاله (¬2) ابن المبارك محتمل، وقال غيره أنه عام، والمراد أن من فعل هذا فقد أشبه المنافقين المتخلفين عن الجهاد في هذا الوصف، فإن ترك الجهاد أحد شعب النفاق. قوله: قارعة في النهاية (¬3): أي: بداهية مهلكة، يقال: قرعهُ أمر إذا أتاه فجاءة. انتهى. 6 - وَعَنْ أَبِي النَّضْرِ عَنْ عَبْدُ الله بْنُ أَبِي أَوْفَى - رضي الله عنهما - قال: إِنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي بَعْضِ أَيَّامِهِ الَّتِي لَقِيَ فِيهَا العَدُوَّ يَنْتَظِرُ حَتَّى مَالَتِ الشَّمْسُ فَقَامَ فِيهِمْ فَقَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ! لاَ تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ العَدُوِّ، وَاسْأَلُوا الله العَافِيَةَ، وَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا، وَاعْلَمُوا أَنَّ الجَنَّةَ تَحْتَ ظِلاَلِ السُّيُوفِ"، ثُمَّ قَالَ: "اللهمَّ مُنْزِلَ الكِتَابِ، وَمُجْرِيَ السَّحَابِ، وَهَازِمَ الأَحْزَابِ: اهْزِمْهُمْ، وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ". أخرجه الشيخان (¬4) وأبو داود (¬5). [صحيح] قوله: "في حديث ابن أبي أوفى: لا تتمنوا لقاء العدو" قال ابن بطال (¬6): الحكمة في النهي أن المرء لا يعلم ما يؤول [14 ب] إليه الأمر خصوصاً أن لقاء الموت من أشق الأشياء على النفس، فلا يأمن عدم الصبر عند ملاقاة العدو. ¬

_ (¬1) في "السنن" (2503) وهو حديث حسن. (¬2) قاله النووي في شرحه لـ "صحيح مسلم" (13/ 56). (¬3) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 441). (¬4) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (3024، 3025) ومسلم رقم (1742). (¬5) في "السنن" رقم (2631). (¬6) في شرحه لـ "صحيح البخاري" (5/ 185).

قال النووي (¬1): وقد كثرت الأحاديث بسؤال العافية، ومن الألفاظ العامة المتناولة [144/ أ] لدفع جميع المكروهات، اللهم إني أسألك العافية لي، ولجميع أحبائي، ولجميع المسلمين. قوله: "إن الجنة تحت ظلال السيوف" قال القرطبي (¬2): هذا من الكلام النفيس "الجامع" الموجز المشتمل على البلاغة، وعذوبة اللفظ فإنه أفاد الحض على الجهاد، والإخبار بالثواب عليه, والحث على مقاومة العدو، واستعمال السيوف، والاجتماع حين الزحف حتى تصير السيوف تظلل المقاتلين. انتهى. وفي "الجامع" (¬3) جعل ظلال السيوف في القتال شاملة للجنة؛ لأن من دخل تحت ظل السيف في سبيل الله فقد دخل الجنة, ومعناه: الدنو من القرن حتى يعلوه ظل سيفه، ولا يفر منه. قوله: "اللهم منزل الكتاب إلى آخره" [إشارة] (¬4) بهذا الدعاء إلى وجوه النصر عليهم "فبالكتاب" إلى قوله تعالى: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ} (¬5)، "وبمجري السحاب" إلى القدرة (¬6) الظاهرة إلى تسخير السحاب حيث تحركه الرياح بمشيئة الله، وحيث تستقر سحابة مع هبوب الريح، وحيث تمطر تارةً، وأخرى لا تمطر، فأشار بحركته إلى إعانة المجاهدين في حركتهم في القتال، وبوقوفه إلى إمساك أيدي الكفار عنهم، وبإنزال المطر إلى غنيمة ما معهم حيث يتفق قتلهم، وإلى هزيمتهم حيث لا يحصل الظفر بشيء منهم، وكلها أحوال صالحة ¬

_ (¬1) في شرحه لـ "صحيح مسلم" (12/ 46). (¬2) في "المفهم" (3/ 525). (¬3) (2/ 568 - 569) ولم أجده بهذا النص. (¬4) في (أ) أشار. (¬5) سورة التوبة الآية (14). (¬6) قاله الحافظ في "الفتح" (6/ 157).

للمسلمين، وأشار (¬1) "بهازم الأحزاب" إلى التوسل بالنعمة السابقة, وإلى تجريد التوكل، واعتقاد أن الله هو المنفرد بالفعل، وفيه التنبيه على عظم هذه النعم الثلاث، فإن بإنزال الكتاب حصلت النعمة الأخروية، وهو الإسلام وبتسخير السحاب حصلت النعمة [15 ب] الدنيوية، وهي الرزق، وبهزيمة الأحزاب حصل حفظ النعمتين، فكأنه قال: اللهم كما أنعمت بعظيم النعمتين الدنيوية والأخروية, وحفظهما فأبقهما، ذكره في "فتح الباري" (¬2). 7 - وَعَنْ سَلَمَةَ بْنِ نُفَيْلٍ الكِنْدِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يَزَالُ مِنْ أُمَّتِي أُمَّةٌ يُقَاتِلُونَ عَلَى الحَقِّ وَيُزِيغُ الله تَعَالَى لهُمْ قُلُوبَ أَقْوَامٍ وَيَرْزُقُهُمْ مِنْهُمْ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ, وَحَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ الله، وَالخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الخَيْرُ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، وَهُوَ يُوحَى إِلَيَّ أَنِّى مَقْبُوضٌ غَيْرَ مُلَبَّثٍ، [وَأَنْتُمْ] (¬3) تَتَّبِعُونِي، أَلاَ فَلَا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ، وَعُقْرُ دَارِ المُؤْمِنِينَ الشَّامُ". أخرجه النسائي (¬4). [صحيح] "عُقْرُ الدَّار" (¬5) بضم العين المهملة وفتحها: أصلها، وأشار بذلك إلى أن الشام تكون عند ظهور الفتن آمنة, والمسلمون بها أسلم. قوله: "في حديث سلمة بن نفيل: يُريع (¬6) الله لهم" بالراء، ومثناة تحتية, فعين مهملة من الريع النماء والزيادة، وكأن المراد يلقي لهم محبة زائدة في قلوب أقوام من الأمة فيصلونهم بالأرزاق قوله: حتى تقوم الساعة، فيه استمرار الجهاد، وداومه. ¬

_ (¬1) قاله الحافظ في "الفتح" (6/ 157). (¬2) (6/ 157). (¬3) في المخطوط (أ. ب) (وأنكم) وما أثبتناه من سنن النسائي. (¬4) في "السنن" رقم (3561) وهو حديث صحيح. (¬5) "الفائق" للزمخشري (2/ 169) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 236). (¬6) "غريب الحديث" للهروي (3/ 329)، "المجموع المغيث" (1/ 835).

الفصل الثاني: في آدابه

قوله: معقود في نواصيها الخير الناصية شعر مقدم الرأس، وقد جاء تفسير الخير بأنه الأجر والمغنم. الفصل الثاني: في آدابه 1 - عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - إِذَا غَزَا قَالَ: "اللهمَّ أَنْتَ عَضُدِي وَنَصِيرِي، بِكَ أَحُولُ وَبِكَ أَصُولُ وَبِكَ أقَاتِلُ". أخرجه أبو داود (¬1) والترمذي (¬2). [صحيح] "الفصل الثاني في آدابه" أي: الجهاد، والمراد بها ما حثهم رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عليه، كالدعاء الذي أفاده الحديث الأول في قوله: "عضدي" العضد: الناصر والمعين كما في "القاموس" (¬3) فعطف ونصيري كالتفسير له. قوله: "أحول" بالحاء المهملة، قال الخطابي (¬4) معناه: أحتال حال في الحرب حوله طاق، كما فيه - أيضاً -: وبك أصول صال على قرنه صولاً، وصيالاً [16 ب] وصوولا، وصولانا، سطا، واستطال، كما فيه - أيضاً -: قوله: "وبك أقاتل" أي: بنصرك وتأييدك، وأفاد بتقديم الجار والمجرور في الأفعال كلها حصر ذلك عليه تعالى، وفيه تفويض الأمر إليه تعالى. 2 - وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كَانَ هُوَ وَجُيُوشهُ إِذَا عَلَوُا الثّنَايَا كَبَّرُوا، وَإِذَا هَبَطُوا سَبَّحُوا فَوُضِعَتِ الصَّلَاةُ عَلَى ذلِكَ (¬5). ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (2632). (¬2) في "السنن" رقم (3584)، وهو حديث صحيح. (¬3) "القاموس المحيط" (ص 382). (¬4) في "معالم السنن" (3/ 96 - مع السنن". وانظر "النهاية في غريب الحديث" (1/ 453 - 454). (¬5) في "السنن" رقم (2599) وهو حديث صحيح.

قوله: "في حديث ابن عمرو: كبروا" قال العلماء: الحكمة في التكبير عند الارتفاع: استشعار كبرياء الله، وعلوه, والتسبيح عند الانحدار؛ لأنه تنزيه، فناسب تنزيه الله في الأماكن المنخفضة عن صفات الانخفاض. قوله: "فوضعت الصلاة على ذلك" أي: تكبر الله للإحرام، وللركوع حال الارتفاع، وتسبح خلال الركوع، والسجود للانحدار، وتكبير النقل بعضه في الانحدار، فالمراد الأغلب ثم إنه لا يخفى أن شرعية الصلاة قبل شرعية القتال والغزو، فكأنه إخبار بأن الصلاة وافقت هذا الصنيع في أسفارهم. 3 - وَعَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَع - رضي الله عنه - قَالَ: أَمَّرَ رَسُولُ الله عَلَيْنَا - صلى الله عليه وسلم - مَرَّةً أَبَا بَكْرٍ - رضي الله عنه - فِي غَزَاةٍ فَبَيَّتْنَا أُنَاساً مِنَ المُشْرِكِينَ فَقَتَلَهُمْ فَقَتَلْتُ بِيَدِي تِلْكَ اللَّيْلَةَ سَبعَةَ، هُمْ أَهْلُ أَبْيَاتٍ، وَكَانَ شِعَارُنَا: يَا مَنْصُورُ أَمِتْ أَمِتْ. أخرجه أبو داود (¬1). [حسن] قوله: "في حديث سلمة بن الأكوع: وكان شعارنا" الشعار (¬2): العلامة، وهو [ما ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (2596، 2638)، وأخرجه النسائي في "السنن الكبرى" "رقم 8665 - العلمية"، وابن ماجه رقم (2840) وابن حبان رقم (4744، 4747، 4748) والطبراني في "الكبير" رقم (6239) والحاكم (2/ 107) والبيهقي في "السنن الكبرى" (6/ 361)، (9/ 79) والبغوي في "شرح السنة" رقم (2699) من طرق. وصححه الحاكم على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي. وهو حديث حسن. • ولفظه: "غزونا مع أبي بكر زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - فكان شعارنا: أمتْ أمت". • وأما لفظ "يا منصور، أمتْ أمت"، أخرجه الحارث كما في "بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث" (2/ 700 رقم 687 - الجامعة الإسلامية"، وأبو الشيخ في أخلاق النبي - صلى الله عليه وسلم - رقم (469) وفي سنده ضعف وانقطاع. (¬2) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 872).

يتنادى (¬1)] به الناس في الحرب مما يكون علامة بينهم يتعارفون بها، وكان كل واحد ينادي صاحبه، ويتفاءلُ له بأنَّه منصور، ويأمره أن يميت قرنه من الكفار، ويؤكد أمره بالتكرار. 4 - وَعَنِ المُهَلّب: عَمَّنْ سَمِعَ النّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِنْ بَيَّتكُمُ العَدُوُّ فَقُولُوا (حم، لا يُنْصَرُونَ) ". أخرجه أبو داود (¬2) والترمذي (¬3). [صحيح] قوله: "في حديث المهلب: حم لا ينصرون". قيل: معناه: اللهم لا ينصرون، ويريد به الخبر، لا الدعاء؛ لأنه لو كان دعاءً؛ لقيل: لا ينصروا، مجزوماً، فكأنه قال: والله لا ينصرون، وقيل: إن السورة التي أولها حم سورة (¬4) لها شأن، فنبه بذكرها على شرف منزلتها، وأنها مما يستنزل بذكرها النصر من الله [17 ب]. وقوله: "لا ينصرون" مستأنف، كأنه قيل: قولوا لهم: حم، فقيل: ماذا يكون إذا قلناها قال: لا ينصرون، وهو حديث مرسل (¬5)، وفي رواية ذكرها رزين، ولم أجدها في الأصول، قال: سمعت المهلب وهو يخاف أن يبيته الخوارج، يقول سمعت علي بن أبي طالب - عليه السلام - يقول: وهو يخاف أن تبيته الحرورية سمعت رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول وهو يخاف أن يبيته أبو سفيان: "إن بيتم فإن شعاركم حم لا ينصرون" (¬6). ¬

_ (¬1) في (أ) يتنادى. (¬2) في "السنن" رقم (2597). (¬3) في "السنن" رقم (1682)، وهو حديث صحيح. (¬4) أي سورة. (¬5) وأخرجه الحاكم في "المستدرك" (2/ 107) موصولاً،، وقال: صحيح، والرجل الذي لم يسمعه المهلب هو البراء، وأخرجه أيضاً أحمد في "المسند" (4/ 289) والنسائي في "الكبرى" رقم (10451 - العلمية". (¬6) أي: سورة فصلت. وقيل: إن الحواميم السبع سور لها شأن. وقال القاري في شرح "مشكاة المصابيح" (7/ 494) فنبه - صلى الله عليه وسلم - على أن ذكرها لعظم شأنها، وشرف منزلتها عند الله مما يستظهر به المسلمون على استنزال النصر عليهم، والخذلان على عدوهم، فأمرهم أن يقولوا حم ثم =

ذكره ابن الأثير في "الجامع" (¬1). 5 - وَعَنْ كَعْبِ بْنِ مَالَكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - إِذَا أَرَادَ غَزْوَة وَرَّى لِغَيْرِهَا وَيَقُولُ: الحَرْبُ خِدْعَةٌ. أخرجه أبو داود (¬2). [صحيح] قوله: "في حديث كعب بن مالك: (ورّى (¬3) بغيرها) ". هي من التورية، وهو ذكره بلفظ يدل عليه، أو على بعضه دلالة خفية عند السامع، وهذا قطعة من حديث تخلف الثلاثة الطويل، وإنما يوري ليبغت العدو، وهو غير عالم به، ولا متأهب له، ولذا قال - صلى الله عليه وسلم - لما أراد غزو قريش: "اللهم اخف عنا العيون" (¬4). قوله: "والحرب خدعة" بفتح الخاء وضمها وكسرها، وبسكون الدال المهملة أمر باستعمال الحيلة فيه ما أمكن [145/ أ] وقال ابن المنير (¬5): معناه: الحرب الكاملة في مقصودها إنما هي المخادعة لا المواجهة، وذلك لخطر المواجهة وحصول الظفر مع المخادعة بغير خطر. ¬

_ = استأنف، وقال: لا ينصرون، جواباً لسائر عسى أن يقول: ماذا يكون إذا قلت هذه الكلمة؟ فقال: لا ينصرون. (¬1) انظر (2/ 574 - 575). (¬2) في "السنن" رقم (2637). وأخرجه أحمد (3/ 456) والبخاري رقم (2947) ومسلم رقم (54/ 2769) عن كعب بن مالك، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أنه كان إذا أراد غزوة ورّى بغيرها". (¬3) ورَّى: أي: ستره، ويستعمل في إظهار شيء مع إرادة غيره, وأصله من الوَرْي بفتح الواو وسكون الراء هو: ما يجعل وراء الإنسان؛ لأن من ورَّى بشيء كأنه جعله وراءه. انظر "القاموس المحيط" (ص 1730)، "النهاية في غريب الحديث" (2/ 843). (¬4) أخرجه ابن سعد في "الطبقات الكبرى" (2/ 134) وابن إسحاق في مغازية معلقاً، من حديث عائشة - رضي الله عنها -. وأخرجه البيهقي في "دلائل النبوة" (5/ 7). وله ألفاظ منها: "اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتى نبغتها في بلادها". انظر السيرة النبوية (4/ 57) وهو حديث صحيح. (¬5) ذكره الحافظ في "الفتح" (6/ 158).

6 - وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -: "الغَزْوُ غَزْوَانِ: فَأَمَّا مَنِ ابْتَغَى وَجْهَ الله، وَأَطَاعَ الإِمَامَ، وَأَنْفَقَ الكَرِيمَةَ، وَيَاسَرَ الشَّرِيكَ، وَاجْتَنَبَ الفَسَادَ: فَإِنَّ نَوْمَهُ وَنَبْهَهُ أَجْرٌ كُلُّهُ، وَأَمَّا مَنْ غَزَا فَخْرًا، وَرِيَاءً، وَسُمْعَةً، وَعَصَى الإِمَامَ، وَأَفْسَدَ فِي الأَرْضِ: فَإِنَّهُ لَمْ يَرْجِعْ بِالكَفَافِ". أخرجه الأربعة (¬1) إلا الترمذي. [حسن] قوله: "في حديث معاذ أنفق الكريمة" (¬2) أي: النفيسة من ماله في الجهاد "وياسر الشريك" أي: عامله باليسر و ["السماحة"] (¬3). قوله: "ونبهه" (¬4) قيده أبو علي بضم النون [18 ب] وسكون الموحدة، وفي "سنن أبي داود" ضبط فلم يفتحها، وفيه رواية نبهته بزيادة تاء. قوله: "رياء وسمعة" يقال: بذل الشيء رياء وسمعة أي: ليراه الناس، ويسمعوه. قوله: ["كفاف" (¬5)] (¬6) الكفاف السواء، والقدر، وهو الذي يفضل عليه، ولا يعوزه. قوله: "أخرجه الأربعة إلا الترمذي". قال المنذري في "مختصر السنن" (¬7): وأخرجه النسائي، وفيه [بقية (¬8)] (¬9) بن الوليد وفيه مقال. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود رقم (2515) والنسائي رقم (3188) ومالك في "الموطأ" (2/ 466 رقم 43). وهو حديث حسن. (¬2) انظر: "النهاية" (2/ 536) "القاموس المحيط" (ص 1489). (¬3) في (ب) الشجاعة. (¬4) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 705). (¬5) "القاموس المحيط" (ص 1098). (¬6) في (أ) كفافاً. (¬7) (3/ 372). (¬8) انظر: "التقريب" رقم الترجمة (734)، "تهذيب التهذيب" (1/ 213). (¬9) في (ب) سعيد.

7 - وَعَن قَيْس بْن عَبَّاد قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَكْرَهُونُ الصَّوْتَ عِنْدَ القِتَالِ. أخرجه أبو داود (¬1). [موقوف صحيح] قوله: "في حديث قيس بن عبّاد يكرهون الصوت .. إلى آخره" ابن عباد بضم العين المهملة، وبعدها موحدة مخففة بعد الألف دالٌ مهملة، وكراهية الصوت في القتال مثل أن ينادي بعضهم بعضاً [أو يقول بعضهم قولاً (¬2)] له أثر [يتضح (¬3)] ويعرف نفسه على وجه الفخر والعجب. 8 - وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاء - رضي الله عنه -: أنَّهُ كَانَ يَقِفُ حِينَ يَنْتَهِي إِلَى الدَّرْبِ في مَمرِّ النَّاسِ إِلَى الجِهَادِ فَيُنَادِي نِدَاءَ يُسْمِعُ النَّاسَ: يَا أيُّهَا النَّاسُ! مَنْ كانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَيَظُنُّ أَنَّهُ أُصِيبَ فِي وَجْهِه هذَا لَمْ يَدْلَهُ وَفَاءَ فَلْيَرْجِعُ وَلاَ يَتْبَعْنِي؛ فَإِنَّهُ لَا يَعُودُ كَفَافاً. أخرجه رزين. قوله: "وعن أبي الدرداء" وهو حديث موقوف عليه، والتحذير من الدين معلوم، وأحاديث (¬4) أنه "لا يغفر للشهيد" تقدمت. قوله: "أخرجه رزين" فيه ما عرفت. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (2656) وهو موقوف صحيح. (¬2) في (أ) أو يفعل بعضهم فعلاً. (¬3) في (أ) فيصح. (¬4) منها: حديث أبي قتادة - رضي الله عنه - وفيه: " ..... نعم وأنت صابرٌ محتسب مقبل غير مدبر إلا الدين، فإن جبريل - عليه السلام - قال لي ذلك". [أخرجه أحمد (5/ 303، 304)، ومسلم رقم (117/ 1885) والنسائي رقم (3157) والترمذي رقم (1712) وهو حديث صحيح]. ومنها: حديث عبد الله بن عمر: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "يغفر الله للشهيد كل ذنب إلا الدين، فإن جبريل قال لي ذلك".

الفصل الثالث: في صدق النية [والإخلاص]

[قوله (¬1)]: الفصل الثالث: في صدق النية [والإخلاص (¬2)] 1 - [عَنْ أَبِي مُوسَى - رضي الله عنه - قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الرَّجُلِ يُقَاتِلُ شَجَاعَةً، وَيُقَاتِلُ حَمِيَّةً، وَيُقَاتِلُ رِيَاءَّ أَيُّ ذَلِكَ فِي سَبِيلِ الله؟ فَقَالَ: "مَنْ قَاتَلَ لِتكُونَ كَلِمَةُ الله هِيَ العُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ الله]. (¬3) أخرجه الخمسة (¬4). قوله: "في حديث أبي موسى حَميَّة"، الحَميَّة (¬5): الأنفة، والاحتمال لمن يلزمك أمره. 2 - وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَجُلاً قَالَ: يَا رَسُولَ الله! رَجُلٌ يُرِيدُ الجِهَادَ فِي سَبِيلِ الله وَهُوَ يَبْتَغِي عَرَضًا مِنْ الدُّنْيَا؟ فَقَالَ:"لاَ أَجْرَ لَهُ"، فَأَعَادَ عَلَيْهِ ثَلَاثَاً كُلُّ ذلِكَ يَقُولُ: "لاَ أَجْرَ لَهُ". أخرجه أبو داود (¬6). [حسن] قوله: "في حديث أبي هريرة يبتغي عَرَضاً من الدنيا" بفتح العين المهملة والراء جميعاً ما (¬7) يفنى [19 ب] من مال وغيره، وقيل: هو ما عدا الدينار والدرهم. ¬

_ (¬1) زيادة من (أ). (¬2) زيادة من المطبوع. (¬3) في (أ) هذا الحديث جاء متقدم على الحديث السابق. (¬4) أخرجه البخاري رقم (7458) ومسلم رقم (150/ 1904) وأبو داود رقم (2517) والترمذي رقم (1646) وابن ماجه رقم (2783) والنسائي رقم (3136) وأحمد (4/ 397). (¬5) انظر: النهاية في "غريب الحديث" (1/ 439). • وفي رواية للبخاري رقم (2810): "والرجل يقاتل للذكر". • وفي رواية للبخاري رقم (2810): "والرجل يقاتل ليرى مكانه، والرجل يقاتل للمغنم". • وفي رواية للبخاري رقم (124): "والرجل يقاتل غضباً". (¬6) في "السنن" رقم (2516) وهو حديث حسن. (¬7) انظر "النهاية" (2/ 188).

قوله: "كل ذلك يقول: لا أجر له"، تقدم قريباً حديث أبي داود (¬1): "أن من غنم رجع بثلثي أجره"، ولكن هذا فيمن كان أصل مقصده العرض الدنيوي، وذلك فيمن قصده إعلاء كلمة الله، واتفق أنه حصل له ما غنمه. قوله: "أخرجه أبو داود". قلت: وفيه ابن مكرز الشامي، وفي هامش أبي داود: وقال أبو داود: هو أيوب بن مكرز. انتهى. وفي "التقريب" (¬2) لابن حجر: ابن مكرز، شامي، شيخ لبكير بن الأشج قيل: هو أيوب بن عبد الله، وقيل: هو زيد. انتهى. ذكره في الأبناء. وفي حرف الهمزة قال (¬3): أيوب بن عبد الله بن مكرز العامري القرشي الخطيب، مستور من الثالثة، ولم يثبت أنّ أبا داود روى له. انتهى. قلت: في "سنن أبي داود" حديث بكير بن عبد الله بن الأشج عن ابن مكرز .. إلى آخره، وقد قال ابن حجر (¬4): ابن مكرز شيخ لبكير بن الأشج وهذا هو الذي روى عنه أبو داود، وإنما نسبه ابن حجر إلى جده، وأبو داود نسبه إلى أبيه عبد الله بن الأشج، ولم يذكر الحافظ في "التقريب" زيد بن مكرز فتعين أنه أيوب وعنه روى أبو داود. وبكل حال ففي حديث أبي هريرة مستور (¬5). ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (2497). وأخرجه مسلم رقم (153/ 1906) وابن ماجه رقم (2785) والنسائي رقم (3125) وأحمد (2/ 169). وهو حديث صحيح وقد تقدم. (¬2) (2/ 527 رقم 35). (¬3) أي: ابن حجر في "التقريب" (1/ 90 رقم 701). (¬4) في "التقريب" (2/ 527 رقم 35). (¬5) في هامش (أ) مكتوب ارجع إلى الساقطة.

3 - وَعَنْ شَدَّادِ بْنِ الهَادِ- رضي الله عنه -: "أَنَّ رَجُلاً مِنَ الأَعْرَابِ جَاءَ فَآمَنَ بالنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ قَالَ: أُهَاجِرُ مَعَكَ؟ فَأَوْصَى بِهِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بَعْضَ أَصْحَابِهِ, فَكَانَتْ غَزَاةٌ غَنِمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِيْهَا شَيْئَاً فَقَسَمَ وَقَسَمَ لَهُ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فَقَالَ: "قَسَمْتُهُ لَكَ"، قَالَ: مَا عَلَى هَذَا اتَّبَعْتُكَ، وَلَكِنْ اتَّبَعْتُكَ عَلَى أَنْ أُرْمَى إِلَى هَا هُنَا، وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى حَلْقِهِ بِسَهْمٍ، فَأَمُوتَ فَأَدْخُلَ الجَنَّةَ. فَقَالَ:"إِنْ تَصْدُقِ الله يَصْدُقْكَ"، فَلَبِثُوا قَلِيلاً ثُمَّ نَهَضُوا فِي قِتَالِ العَدُوِّ فَأُتِىَ بِهِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مَحْمُوْلَاً قَدْ أَصَابَهُ سَهْمٌ حَيْثُ أَشَارَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -:"أَهُوَ هُوَ؟ "، قَالُوا نَعَمْ. قَالَ: "صَدَقَ الله فَصَدَقَهُ"، ثُمَّ كُفَّنَ فِي جُبَّةِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ قَدَّمَهُ فَصَلَّى عَلَيْهِ فَكَانَ فِيمَا ظَهَرَ مِنْ صَلاَتِهِ: "اللهمَّ هَذَا عَبْدُكَ خَرَجَ مُهَاجِرًا فِي سَبِيلِكَ فَقُتِلَ شَهِيدًا وأنا شَهِيدٌ عَلَى ذَلِكَ". أخرجه النسائي (¬1). [صحيح] قوله: "في حديث شداد فصلى عليه"، فيه دليل على الصلاة [20 ب] على الشهيد، وأنّ تركه (¬2) - صلى الله عليه وسلم - الصلاة على شهداء أحد، كان لعذر، أو أن هذا شاهد له وأنه - صلى الله عليه وسلم - صلى عليهم. 4 - وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عُقْبَةَ عَنْ أَبِيه - وَكَانَ مَوْلًى مِنْ أَهْلِ فَارِسَ - قَالَ: شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - أُحُدًا فَضَرَبْتُ رَجُلاً مِنَ المُشْرِكِينَ فَقُلْتُ: خُذْها وَأَنَا الغُلاَمُ الفَارِسِيُّ، فَالتَفَتَ إِلَيَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "هَلاَّ قُلْتَ وَأَنَا الغُلاَمُ الأَنْصَارِيُّ إِنَّ ابْنَ أُخْتْ القَوْمِ مِنْهُمْ، وإِنَّ مَوْلَى القَوْمِ مِنْهُمْ". أخرجه أبو داود (¬3). [إسناده ضعيف] قوله: "في حديث عبد الرحمن بن عقبة أخرجه أبو داود". قلت: قال ابن الأثير (¬4): وانتهت روايته عند قوله "الأنصاري"، ثم إنه ليس في لفظه في "الجامع" (¬5) "إن ابن أخت" بل فيه "ابن أخت" بدون كلمة "إنّ" ثم إنه لم ينسبه في "الجامع" (¬6) ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (1953) وهو حديث صحيح. (¬2) انظر: تفصيل ذلك في "نيل الأوطار" (7/ 299 - 308) بتحقيقي، "البناية في شرح الهداية" (3/ 308)، "المغني" لابن قدامه (3/ 467). (¬3) في "السنن" رقم (5123) بإسناد ضعيف, وأخرجه ابن ماجه في "السنن" رقم (2784). (¬4) في "الجامع" (2/ 586). (¬5) (2/ 586). (¬6) (2/ 586).

الفصل الرابع: في أحكام القتال والغزو

إلا إلى أبي داود فقط، وقد قال: إنها انتهت إلى "الأنصاري"، فلا أدري لمن زيادة "ابن أخت (¬1) القوم" إلى آخره. الفصل الرابع: في أحكام القتال والغزو 1 - عَنْ بُرَيْدَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إِذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ أَوْ سَرِيَّةٍ أَوْصَاهُ فِي خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى الله تعالى وَمَنْ مَعَهُ مِنَ المُسْلِمِينَ خَيْرًا، ثُمَّ قَالَ: "اغْزُوا بِاسْمِ الله فِي سَبِيلِ الله، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِالله، اغْزُوا وَلاَ تَغُلُّوا، وَلاَ تَغْدِرُوا، وَلاَ تَمْثُلُوا، وَلاَ تَقْتُلُوا وَليدًا، فَإِذَا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنَ المُشْرِكِينَ فَادْعُهُمْ إِلَى ثَلاَثِ خِلاَلٍ: فَإِنْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ، ادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلاَمِ، فَإِنْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى التَّحَوُّلِ مِنْ دَارِهِمْ إِلَى دَارِ المُهَاجِرِينَ، وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ إِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ فَلَهُمْ مَا لِلْمُهَاجِرِينَ، وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَيْهِمْ، فَإِنْ أَبَوْا أَنْ يَتَحَوَّلُوا مِنْهَا فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ يَكُونُونَ كَأَعْرَابِ المُسْلِمِينَ يَجْرِى عَلَيْهِمْ حُكْمُ الله تَعَالَى الَّذِي يَجْرِس عَلَى المُؤْمِنِينَ، وَلاَ يَكُونُ لهُمْ فِي الغَنِيمَةِ وَالفَيْءِ شَيْءٌ إِلاَّ أَنْ يُجَاهِدُوا مَعَ المُسْلِمِينَ، وُإِنْ هُمْ أبوْا فَسَلْهُمُ الجِزْيَةَ, فَإِنْ هُمْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ، فَإِنْ أَبَوْا فَاسْتَعِنْ بِالله تَعَالَى عَلَيْهِمْ وَقَاتِلْهُمْ، وَإِذَا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ فَأَرَادُوكَ أَنْ تَجْعَلَ لهُمْ ذِمَّةَ الله تَعَالَى وَذِمَّةَ نَبِيِّهِ فَلاَ تَفْعَلْ، وَلَكِنِ اجْعَلْ لهُمْ ذِمَّتَكَ وَذِمَّةَ أَصْحَابِكَ، فَإِنَّكُمْ أَنْ تُخْفِرُوا ذِمَتكُمْ وَذِمَّة أَصْحَابِكُمْ أَهْوَنُ مِنْ أَنْ تُخْفِرُوا ذِمَّةَ الله وَذِمَّةَ رَسُولهِ - صلى الله عليه وسلم -. وَإِذَا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ وَأَرَادُوكَ أَنْ تُنْزِلهُمْ عَلَى حُكْمِ الله فَلاَ تُنْزِلهمْ عَلَى حُكْمِ الله تَعَالَى، وَلَكِنْ أَنْزِلهُمْ عَلَى حُكْمِكَ، فَإِنَّكَ لا تَدْرِي أَتُصِيبُ فِيهِمْ حُكْمَ الله تعالى أَمْ لاَ". أخرجه مسلم (¬2)، وأبو داود (¬3). ¬

_ (¬1) هذه العبارة أخرجها أبو داود في "السنن" رقم (5122) من حديث أبي موسى قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ابن أخت القوم منهم"، وأخرجه البخاري رقم (6761) ومسلم رقم (133/ 1059) والترمذي رقم (3901) والنسائي رقم (2611) كلهم من حديث أنس - رضي الله عنه -. (¬2) في "صحيحه" رقم (1731). (¬3) في "السنن" (2612).

والترمذي (¬1). [صحيح] "على جيش" هو الجمع الكثير. "أو سرية" (¬2): السرية: طائفة من الجيش يبلغ أقصاها أربعمائة رجل. قوله: "في خاصته"، خاصة الرجل: نفسه ومن يلزمه أمره من أهله وأصحابه وقرابته. قوله: "لا تغلوا" (¬3)، الغل: الخيانة، والغلول: ما يخفيه أحد الغزاة من الغنيمة ولم يحضره إلى أمير الجيش ليدخل في القسمة. قوله: "لا تمثلوا" المثلة (¬4): تشويه خلقة القتيل والتنكيل به. قوله: "لا تغدروا" بكسر الدال المهملة. قوله:"وليداً"، الوليد: الصبي الصغير، والجمع [21 ب] ولدان. قوله: "إلى ثلاث خلال"، الخلال: جمع خلة، المراد بها الخصال، وفسّر الثلاث بقوله: "ادعهم إلى الإسلام" إلى آخره، والمراد دعوتهم قبل القتال. قوله: "كأعراب المسلمين" وهم سكان البادية من غير هجرة، تجري عليهم أحكام الإسلام، ولا حقَّ لهم في الفيء والغنيمة، إنما يكون لهم نصيب من [146/ أ] الزكوات إن كانوا بصفة المستحقين لها. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (1617) وقال حديث بريدة حديث حسن صحيح. قلت: وأخرجه أحمد (5/ 352) وابن ماجه رقم (2858). وهو حديث صحيح. (¬2) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 773)، "الفائق" للزمخشري (3/ 265). (¬3) وقال ابن الأثير في "النهاية" (2/ 316) وهو الخيانة في المغنم، والسرقة من الغنيمة قبل القسمة، يقال: غلَّ في المغنم يغلُّ غلولاً، فهو غال، وكلّ من خان في شيء خفية، فقد غلَّ. وانظر "غريب الحديث" للخطابي (2/ 138). (¬4) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 632).

قال الشافعي (¬1): الصدقات للمساكين ونحوهم ممن لا حقّ لهم في الفيء والغنيمة، والفيء للأجناد فلا يعطى أهل الفيء من الصدقات، ولا أهل الصدقات من الفيء واحتج بهذا الحديث. وقال مالك (¬2) وأبو حنيفة (¬3): المالان سواء يجوز أن يصرف إلى النوعين، قلت: وقوله - صلى الله عليه وسلم - عليه وآله وسلم هنا: "ألّا أن يجاهدوا مع المسلمين" دليل للشافعي. قوله: "وإن هم أبوا" أي: الإسلام. "فسلهم الجزية"، قال الجوهري (¬4): الجزية ما يؤخذ من أهل الذمة والجمع: جزي، مثل: لحية ولحي، فيه دليل على أنها تؤخذ من كل من يأبى الإسلام من عربي وعجمي، وفي المسألة خلاف أوضحناها في "حواشي ضوء النهار" (¬5). قوله: "فإن أبوا" أي: إعطاء الجزية "فاستعن بالله عليهم وقاتلهم". قوله: [22 ب] "وأرادوك أن تنزلهم على حكم الله فلا تنزلهم به". علّل النهي بقوله: "فإنّك لا تدري" إلى آخره، وهو دليل بأنّ حكم الله واحد، وأنه لا يصيبه كل مجتهد، والمسألة له مبسوطة في الأصول وبسطناها بسطاً شافياً في "إجابة السائل شرح بغية الآمل" (¬6) في الأصول. ¬

_ (¬1) انظر: "المجموع شرح المهذب" (6/ 166). (¬2) "البناية في شرح الهداية" (3/ 538). (¬3) "عيون المجالس" (2/ 597) "التسهيل" (3/ 758). (¬4) في "الصحاح" (6/ 2303). (¬5) (7/ 910 - 912 - بتحقيقي". (¬6) وقد أعاننا الله على تحقيقها، ط. ابن كثير - دمشق.

ولفظ رواية الترمذي (¬1): "وإذا حاصرت حصناً فأرادوك أن تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه, فلا تجعل لهم ذمة الله ولا ذمة نبيّه، واجعل لهم ذمتك وذمم أصحابك، فإنكم إن تخفروا ذمتكم وذمم أصحابكم خير من أن تخفروا ذمة الله ورسوله". ثم ذكر قوله "وإذا حاصرت أهل حصن" إلى قوله: "فلا تنزلوهم على حكم الله" إلى آخره كما سلف، فأفاد النهي عن إنزالهم على ذمة الله وذمة رسوله، وعن إنزالهم على حكم الله، وليس في أبي داود (¬2) ذكر ذمة الله وذمة رسوله، هذا والذمة هي الأمان، وأذمه: أجاره. وقوله: "تخفروا" بضم أوله، أخفرت الرجل إذا نقضت عهده، وخفرته: أمنته وحميته. وفي النهاية (¬3) يقال: خفرت الرجل أجرته وحفظته, وخفرته إذا كنت له خفيراً، أي: حامياً وكفيلاً، وتخفرت به: إذا استجرت به والخفارة بالكسر والضم: الذمام، وأخفرت الرجل: إذا انقضت عهده وذمامه، والهمزة فيه للإزالة، أي: أزلت خفارته كأَشْكَيته إذا أزلتَ [شكواه] (¬4)، وهو المراد في الحديث. انتهى. 2 - وَعَنْ عَبْدَ الله بْنِ عَوْنٍ قَالَ: كَتَبْتُ إِلَى نَافِعٍ أَسْأَلُهُ عَنْ الدُّعَاءِ قَبْلَ القِتَالِ، فَقَالَ: إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ الإِسْلاَمِ، وَقَدْ أَغَارَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَلَى بَنِي المُصْطَلِقِ وَهُمْ غَارُّونَ وَأَنْعَامُهُمْ تُسْقَى عَلَى المَاءِ فَقَتَلَ مُقَاتِلَتَهُمْ وَسَبَى ذَرَاريهَّم وَأَصَابَ يَوْمَئِذٍ جُوَيْرِيَةَ - رضي الله عنها -، حَدَّثَنِي بِذَلِكَ عَبْدُ الله بْنُ عُمَرَ - رضي الله عنهما - وَكَانَ فِي ذَاكَ الجَيْشِ. أخرجه الشيخان (¬5) وأبو داود (¬6)، ومعنى "غَارُّونَ" (¬7) أي: غافلون. [صحيح] ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (1617). (¬2) في "السنن" رقم (2612). (¬3) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 509 - 510)، وانظر: "الفائق" للزمخشري (1/ 385). (¬4) كذا في المخطوط والذي في "النهاية" شكايته. (¬5) أخرجه البخاري رقم (2541) ومسلم رقم (1730). (¬6) في "السنن" (2633). (¬7) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 297)، "المجموع المغيث" (2/ 549).

قوله: "في حديث عبد الله بن عون وهم غارُّون" بغين معجمة وراء مشددة [23 ب] جمع غارّ بالتشديد، أي: غافل، وهو دليل على جواز الإغارة على الكفار الذين بلغتهم الدعوة إلى الإسلام من غير تقديم إعلام. وفي المسألة: ثلاثة مذاهب: وجوب الإنذار مطلقاً وهو مذهب مالك (¬1)، وعدم وجوبه مطلقاً وهو ضعيف، أو باطل، وجوبه إن لم تبلغهم الدعوة، وعدمه إن بلغتهم لكن تستحب وهذا هو الصحيح، وبه قال الجمهور (¬2)، وقد تظافرت الأحاديث الصحيحة على معناه كهذا الحديث ونحوه. وفي "سنن الترمذي" (¬3) أنه ذهب بعض أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيرهم إلى الدعوة قبل القتال، وهو قول إسحاق بن إبراهيم قال: أن تقدم إليهم في الدعوة فحسن تدعوهم يكون ذلك أهيب. وقال بعض أهل العلم: لا دعوة اليوم، وقال أحمد (¬4): لا أعرف اليوم أحداً يُدعى، وقال الشافعي (¬5): لا تقاتلوا العدو حتى تدعو إلَّا أَنْ تعجلوا عن ذلك فإن لم تفعل فقد بلغهم الدعوة. انتهى كلام الترمذي. قوله: "وسبي ذراريهم" فيه دليل على جواز استرقاق العرب؛ لأن بني المصطلق عرب من خزاعة، وهو قول الشافعي (¬6) في الجديد وهو الصحيح وبه قال جمهور العلماء (¬7). ¬

(¬1) "بداية المجتهد ونهاية المقتصد" (2/ 342 - بتحقيقي". (¬2) انظر: "المغني" (13/ 142 - 144). (¬3) في "السنن" (4/ 163) ولم أجده. (¬4) في "المغني" (13/ 129 - 130). (¬5) انظر: شرح "صحيح مسلم" للنووي (12/ 36). (¬6) "الأم" (5/ 668)، شرح "صحيح مسلم" (2/ 36). (¬7) انظر: "فتح الباري" (5/ 170).

قوله: "أخرجه الشيخان وأبو داود" وقال (¬1): هذا حديث نبيل رواه ابن عون عن نافع لم يشركه فيه أحد. انتهى. 3 - وَعَنْ أَبِي مُوْسَى - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَ رَسُوْلُ الله - صلى الله عليه وسلم - إِذَا بَعَثَ أَحَدَاً مِنْ أَصْحَابِهِ فِي بَعْضِ أَمْرِهِ قَالَ: "بَشِّرُوا وَلَا تُنَفِّرُوا، وَيَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا". أخرجه مسلم (¬2). [صحيح] 4 - وَعَنْ سَمْرَة بْنِ جُنْدِبٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: "اقْتُلُوْا شُيُوخَ المُشْرِكِينَ، وَاسْتَبْقُوا شَرْخَهُمْ، يَعْني مَنْ لَم يَنْبُتْ". أخرجه أبو داود (¬3) والترمذي (¬4). قوله: "شرخهم" بالشين المعجمة، فراء ساكنة فخاء معجمة، في النهاية (¬5): أراد بالشيوخ: الرجال الشبان أهل الجلد والقوة على القتال ولم يرد الهرمى، والشرخ: الصغار الذين لم يدركوا، وقيل: أراد بالشيوخ: الهرمى الذين إذا سُبُوا لم ينتفع بهم في الخدمة، ¬

_ (¬1) أي: أبو داود في "السنن" (3/ 97). (¬2) في "صحيحه" رقم (1732) صحيح. قال النووي في شرحه لـ "صحيح مسلم" (12/ 41) وفي هذا الحديث الأمر بالتبشير بفضل الله وعظيم ثوابه وجزيل عطائه وسعة رحمته، والنهي عن التنفير بذكر التخويف, وأنواع الوعيد محضة من غير ضمها إلى التبشير، وفيه تأليف من قرب إسلامه وترك التشديد عليهم، وكذلك من قارب البلوغ من الصبيان، ومن بلغ، ومن تاب من المعاصي كلها يتلطف بهم، ويدرجون في أنواع الطاعة قليلاً قليلاً، وقد كانت أمور الإسلام في التكليف على التدريج فمتى يسر على الداخل في الطاعة أو المريد للدخول فيها سهلت عليه وكانت عاقبته غالباً التزايد منها، ومتى عسرت عليه أو شك أن لا يدخل فيها، وإن دخل أو شك أن لا يدوم أو لا يستحليها. (¬3) في "السنن" رقم (2670). (¬4) في "السنن" رقم (1583) وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب، وأخرجه أحمد في "المسند" (5/ 20)، وهو حديث ضعيف (¬5) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 853).

والشرخ: الشباب أوله، وقيل: [24 ب] نضارته وقوته، وهو مصدر يقع على الواحد والاثنين والجمع، وقيل: هو جمع شارخ مثل: شارب وشرب (¬1). 5 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: وُجِدَتِ امْرَأَةٌ مَقْتُولَةً فِي بَعْضِ مَغَازِي رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَنَهَى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ. أخرجه الستة (¬2) إلا النسائي. [صحيح] قوله: "في حديث ابن عمر فنهى عن قتل النساء والصبيان". قال الترمذي (¬3): هذا حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، وغيرهم كرهوا قتل النساء والصبيان وهو قول سفيان الثوري (¬4) والشافعي (¬5)، ورخص بعض أهل العلم في البيات وقتل النساء والولدان، وهو قول أحمد (¬6) وإسحاق ورخصا في البيات. انتهى. قوله [147/ أ]: "أخرجه الستة إلّا النسائي". قلت: زاد ابن الأثير (¬7): غير أنّ "الموطأ" (¬8) أرسله عن نافع عن ابن عمر. 6 - وَعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ مُقَرِّنٍ - رضي الله عنه - قَالَ: غَزَوْتُ مَعَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - غَزَوَاتٍ، فكَانَ إِذَا طَلَعَ الفَجْرُ أَمْسَكَ عَن القِتَال حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وإِذَا طَلَعَتْ قَاتَلَ حَتَّى إِذَا انْتَصَفَ النَّهَارُ أَمْسَكَ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ، فَإِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ قَاتَلَ حَتَّى العَصْرِ، ثُمَّ أَمْسَكَ حَتَّى يُصَلِّيَ ¬

_ (¬1) قاله ابن الأثير في "النهاية" (1/ 853 - 854). (¬2) أخرجه البخاري رقم (3015) ومسلم رقم (25/ 1744) وأبو داود رقم (2668) والترمذي رقم (1569) وابن ماجه رقم (2841) وأحمد في "المسند" (2/ 91). (¬3) في "السنن" (4/ 137). (¬4) انظر: "مختصر اختلاف العلماء" (3/ 434). (¬5) "البيان" للعمراني (12/ 129، 133). (¬6) "المغني" (3/ 142). (¬7) في "الجامع" (2/ 597). (¬8) (2/ 447 رقم 9) وهو صحيح.

العَصْرَ ثُمَّ قَاتل؛ وَكَانَ يَقُوْلُ عِنْدَ هَذِهِ الأَوْقَاتِ تَهِيجُ رِيَاحُ النَّصْرِ وَيَدْعُو المُؤْمِنُونَ لِجُيُوشِهِمْ فِي صَلَواتِهِمْ. أخرجه أبو داود (¬1) والترمذي (¬2). قوله: "في حديث النعمان بن مقرن أخرجه الترمذي". قلت: وقال (¬3): وقد روي هذا الحديث عن النعمان بن مقرن بأوصل من هذا، وقتادة لم يدرك النعمان بن مقرن، مات النعمان في خلافة عمر بن الخطاب. انتهى. ومنه يعرف أن الحديث منقطع ثم ساق (¬4) عن النعمان: "شهدت مع رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فكان إذا لم يقاتل أول النهار انتظر حتى تزول الشمس وتهب الرياح وينزل النصر". قال الترمذي (¬5): [و (¬6)] هذا حديث حسن صحيح، وكأنه هو [ما (¬7)] قال أنه أوصل. وأغرب ابن الأثير (¬8) فقال: إنه اختصره، أي: حديث النعمان أبو داود، وذكر هذا اللفظ الأخير من رواية الترمذي، فأوهم أنه اختصر أبو داود بهذا اللفظ وساق ابن الأثير (¬9) في أول الحديث قصة وأشار إليها الترمذي حيث قال الحديث بطوله ولم يذكرها. [25 ب]. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (2655). (¬2) في "السنن" رقم (1612). وأخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (3160) فقال النعمان: ربما أشهدك الله مثلها مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يندِّمك ولم يخزك ولكني شهدتُ القتال مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا لم يقاتل في أول النهار انتظر حتى تهب الأرواح، وتحضر الصلوات. (¬3) في "السنن" (4/ 160). (¬4) أي: الترمذي رقم (1613). (¬5) في "السنن" (4/ 160). (¬6) زيادة من (ب). (¬7) زيادة من (ب). (¬8) في "الجامع" (2/ 600). (¬9) في "الجامع" (2/ 600).

7 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال. "كَانَ رَسُول الله- صلى الله عليه وسلم - يُغِيْرُ عِنْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ، وَكَانَ يَسْتَمِعُ، فَإِذَا سَمِعَ أَذَانَاً أَمْسَكَ وَإِلَّا أَغَارَ" (¬1). أخرجه مسلم (¬2)، وأبو داود (¬3)، والترمذي (¬4). [صحيح] 8 - وَعَنْ عُصام المُزَنِيّ - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَ رَسُوْلُ الله - صلى الله عليه وسلم - إِذَا بَعَثَ جَيْشَاً أَوْ سَرِيَّةً يَقُولُ لَهُمْ: "إِذَا رَأَيْتمْ مَسْجِدَاً أَوْ سَمِعْتُمْ مُؤْذِّنَاً فَلَا تَقْتُلُوْا أَحَدَاً". أخرجه أبو داود (¬5) والترمذي (¬6). [ضعيف] 9 - وَعَنْ الحَارِثِ بْنُ مُسْلِمٍ بنِ الحَارِثِ عَنْ أَبِيهِ - رضي الله عنه -: بَعَثَنَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي سَرِيَّةٍ، فَلمَّا بَلَغْنَا المُغَارَ اسْتَحْثَثْتُ فَرَسِي فَسَبَقْتُ أَصْحَابِي فَتَلَقَّانِي أَهْلِ الحَيُّ بِالرَّنِينِ، فَقُلْتُ لَهُمْ: قُولُوا: لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله تُحْرَزُوا فَقَالُوهَا، فَلاَمَنِي أَصْحَابِي وَقَالُوا: حَرَمْتَنَا الغَنِيمَةَ، فَلمَّا قَدِمْنَا عَلَى. رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - أَخبُروهُ بِالَّذِي صَنَعْتُ فَدَعَانِي فَحَسَّنَ لِي مَا صَنَعْتُ ثُمَّ قَالَ لِي: "أَمَا إِنَّ الله تَعَالَى ¬

_ (¬1) أخرجه بهذا اللفظ, البخاري في "صحيحه" رقم (2944)، وأحمد في "المسند" (3/ 159) وابن حبان رقم (4745) والبغوي في شرح "السنة" رقم (2702). (¬2) في "صحيحه" رقم (9/ 382). (¬3) في "السنن" رقم (2634). (¬4) في "السنن" رقم (1618) ثلاثتهم بلفظ: "كان يغير إذا طلع الفجر، وكان يستمع الأذان, فإن سمع أمسك وإلا أغار وسمع رجلاً يقول: الله أكبر، الله أكبر، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "على الفطرة" ثم قال: "أشهد أن لا إله إلا الله، فقال: خرجت من النار". وأخرجه بهذا اللفظ أيضاً أحمد (3/ 132) وأبو يعلى رقم (3307) وابن خزيمة رقم (400) وابن حبان رقم (4753) والبيهقي (1/ 405)، وهو حديث صحيح. (¬5) في "السنن" (2635). (¬6) في "السنن" رقم (1549). وأخرجه أحمد (3/ 448 - 449) والنسائي في "السنن الكبرى" "رقم 8831 - العلمية"، وهو حديث ضعيف، والله أعلم.

قَدْ كتَبَ لَكَ مِنْ كُلِّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ كَذَا وَكَذَا مِنَ الأَجْرِ"، وَقَالَ: "أمَا إِنِّي سَأَكْتُبُ لَكَ بِالوَصَاةِ بَعْدِي"، فَفَعَلَ وَخَتَمَ عَلَيْهِ وَدَفَعَهُ إِلَيَّ. أخرجه أبو داود (¬1). [ضعيف] قوله: "في حديث الحارث بن مسلم بالرنين" (¬2) هو الصوت والاستغاثة، وهو بالراء المفتوحة فمثناة تحتية فَنُون. 10 - وَعَنْ جُنْدُبِ بْنِ مَكِيثٍ - رضي الله عنه - قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - سَرِيَّةٍ فَكُنْتُ فِيهِمْ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَشُنُّوا الغَارَةَ عَلَى بَنِي المُلَوَّحِ، فَخَرَجْنَا حَتَّى كُنَّا بِالكَدِيدِ لَقِينَا الحَارِثَ بْنَ البَرْصَاءِ اللَّيْثِيَّ فَأَخَذْنَاهُ فَقَالَ: إِنَّمَا جِئْتُ أُرِيدُ الإِسْلاَمَ، وَإِنَّمَا خَرَجْتُ إِلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَقُلْنَا: إِنْ تَكُ مُسْلِمًا لَمْ يَضُرَّكَ رِبَاطُنَا يَوْمًا وَلَيْلَةً، وَإِنْ يَكُنْ غيرُ ذَلِكَ نَسْتَوْثِقْ مِنْكَ فَشَدَدْنَاهُ وَثَاقًا. أخرجه أبو داود (¬3). [ضعيف] قوله: "جندب بن مكيث" (¬4) بفتح الميم وكسر الكاف ومثناة ساكنة فمثلثة, هو أخو رافع بن مكيث، يعد في أهل المدينة, وكان عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على صدقات جهينة. قوله: "أن يشنوا الغارة" يقال: شن وأشن، وشن الغارة تفريقها من كل وجهة, قاله الجوهري (¬5) قوله: "على بني الملوح" بضم الميم وفتح اللام وتشدد الواو فحاءٌ مهملة. و"الكديد" (¬6) بفتح الكاف، [ويضم (¬7)]. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (5080) وهو حديث ضعيف. (¬2) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (1/ 697). (¬3) في "السنن" رقم (2678) وهو حديث ضعيف. (¬4) انظر: "التقريب" (1/ 134 رقم 118) حيث قال: مدني له صحبة. (¬5) في "الصحاح" (5/ 2146). (¬6) انظر: النهاية في غريب الحديث" (2/ 527)، "المجموع المغيث" (3/ 21). (¬7) زيادة من (أ).

11 - وَعَنْ أَبِي سَعِيْدٍ - رضي الله عنه - قَالَ: بَعَثَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - بَعْثَاً إِلَى بَنِي لَحْيَانَ ثُمَّ قَالَ: "لِيَنْبَعِثُ مِنْ كُلِّ رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا وَالأَجْرُ بَيْنَهُما" (¬1). [صحيح] قوله: "في حديث أبي سعيد بعث بعثاً" في "القاموس" (¬2) بعثه كمنعه أرسله كابتعثه فانبعث. [قوله (¬3)]: "إلى بني لحيان" زاد في لفظه في "الجامع" (¬4) "من هذيل" ولحيان بكسر اللام أشهر من فتحها، وكانوا ذلك الوقت كفاراً. - وفي رواية: ثم قال للقاعد: "أيكم خلف الخارج في أهله وماله بخير فله مثل نصف أجر الخارج"، أخرجه مسلم (¬5) وأبو داود (¬6). [صحيح] وقوله: "خلف الخارج" بفتح المعجمة واللام الخفيفة، أي: قام بحال من يتركه وذلك أعم من أن يكون في حياته أو بعد وفاته [26 ب]. قوله: "كل رجلين" كأنه خطاب لجماعة معينين. قوله: "الأجر بينهما" أي: الثواب الذي يستحقه الخارج يكون نصفه للقاعد، وسبب استحقاق القاعد للأجر مبين في اللفظ بقوله: "أيكم خلف الخارج في أهله وماله بخير". وأما حديث زيد بن خالد الجهني مرفوعاً: "من جهز غازياً في سبيل الله فقد غزا، ومن خلف غازياً في أهله فقد غزا" أخرجه الترمذي (¬7) وقال: حسن صحيح؛ فإنّه دلَّ على أن ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم في "صحيحه" رقم (1896). (¬2) "القاموس المحيط" (ص 211). (¬3) زيادة من (ب). (¬4) (2/ 609 رقم 1090). (¬5) في "صحيحه" رقم (137/ 1896). (¬6) في "السنن" رقم (2510)، وهو حديث صحيح. (¬7) في "السنن" رقم (1628). =

للقاعد مثل أجر الخارج؛ لأنه حكم له بأنه قد غزا، وأن المجهز كأنه غزا، والمراد به من أعطى الخارج جهاز جهاده من النفقة وغيرها، والتوفيق بين حديث الكتاب وحديث الترمذي: أنها تختلف أحوال القاعدين في حسن الخلف، فمنهم من يستحق نصف (¬1) أجر الخارج، ومنهم من يستحق مثل أجره, فاستحقاق القاعد لأجل خلفه للخارج بخير. وقوله: "مثل [نصف (¬2)] أجر الخارج" هو تفسير "بينهما". 13 - وَعَنِ ابْنَ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: كُنْتُ فِي سَرِيَّةٍ فَحَاصَ النَّاسُ حَيْصَةً فَكُنْتُ فِيمَنْ حَاصَ، فَلمَّا نَفَرْنَا قُلْنَا كَيْفَ نَصْنَعُ وَقَدْ فَرَرْنَا مِنَ الزَّحْفِ وَبُؤْنَا بِالغَضَبِ؟ فَقُلْنَا نَدْخُلُ المَدِينَةَ فَلاَ يَرَانَا أَحَدٌ، فَلمَّا دَخَلْنَا المَدِيْنَةِ قُلْنَا: لَوْ عَرَضْنَا أَنْفُسَنَا عَلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَإِنْ كَانَ لَنَا تَوْبَةٌ أَقَمْنَا، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ ذَهَبْنَا، فَأتَيْنَاهُ فَقُلْنَا: نَحْنُ الفَرَّارُونَ، فَأَقْبَلَ إِلَيْنَا وَقَالَ: "لاَ بَلْ أَنْتُمُ ¬

_ = وأخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (3180) ومسلم رقم (1895) وأبو داود رقم (2509) وابن ماجه رقم (2759) والنسائي رقم (3180، 3181)، وقد تقدم. (¬1) قال القرطبي في "المفهم" (3/ 730): " ... فقد صارت كلمة نصف مقحمة هنا بين "مثل" و"أجر" وكأنها زيادة ممن تسامح في إيراد اللفظ, بدليل قوله: "والأجر بينهما"، ويشهد له. قال الحافظ في "الفتح" (6/ 50): لا حاجة لدعوى زيادتها بعد ثبوتها في الصحيح، والذي يظهر في توجيهها أنها أطلقت بالنسبة إلى مجموع الثواب الحاصل للغازي والخالف له بخير، فإن الثواب إذا انقسم بينهما نصفين كان لكل منهما مثل ما للآخر؛ فلا تعارض بين الحديثين. وأما من وعد بمثل ثواب العمل وإن لم يعمل إذا كانت له فيه دلالة، أو مشاركة, أو نية صالحة؛ فليس على إطلاقه في عدم التضعيف لكل أحد، وصرف الخبر عن ظاهره يحتاج إلى مستند. وكأن مستند القائل: أن العامل يباشر الشقة بنفسه بخلاف الدال ونحوه, لكن من يجهز الغازي بماله مثلاً، وكذا من يخلفه فيمن ترك بعده يباشر شيئاً من المشقة أيضاً، فإن الغازي لا يتأتى منه الغزو إلا بعد أن يكفى ذلك العمل، فصار كأنه يباشر معه الغزو بخلاف من اقتصر على النية مثلاً. (¬2) زيادة من (ب).

العَكَّارُونَ"، فَدَنَوْنَا فَقَبَّلْنَا يَدَهُ, فَقَالَ: أَنَا فِئَةُ المُسْلِمِينَ". أخرجه أبو داود (¬1) والترمذي (¬2). [ضعيف] "حاص الناس حيصة" أي: جالوا جولة يريدون الفرار "وَالعَكَّارُون" أي: الكرارون إلى الحرب، والعطافون نحوها. قوله: "في حديث ابن عمر حاص الناس حيصة" بالمهملات. قال ابن الأثير (¬3): حصت على الشيء حدت عنه وملت عن جهة, هكذا قال الخطابي، وقال الهروي (¬4): فحاص الناس حيصة، أي: حملوا حملة. قال: وحاص تحيص إذا مال والتجأ إلى جهة. قال: وجاض بالجيم (¬5) والضاد المعجمة قريب منه، وكذلك قرأته في كتاب الترمذي مضبوطاً بالجيم والضاد. قوله: "العكارون" (¬6) هم الذين يقطعون إلى الحرب وقيل: إذا حادَ الإنسان [27 ب] عن الحرب ثم عاد إليها، يقال: قد عكر وهو عاكر وعكّار. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (2647). (¬2) في"السنن" رقم (1716). وأخرجه أحمد (2/ 70، 86, 100، 111)، وابن ماجه رقم (3704) والبخاري في "الأدب المفرد" رقم (972) وابن الجارود في "المنتقى" رقم (1050) والبيهقي (9/ 76، 77). إسناده ضعيف، لضعف يزيد بن أبي زياد الهاشمي مولاهم، الكوفي؛ فقد قال الحافظ في "التقريب" رقم (7717) ضعيف، كبر فتغيَّر وصار يتلقن وكان شيعياً، من الخامسة. وهو حديث ضعيف والله أعلم. (¬3) في "النهاية في غريب الحديث" (1/ 459). (¬4) في "غريب الحديث" (4/ 439، 440). (¬5) أي: بمعنى حادوا، "النهاية في غريب الحديث" (1/ 318 - 319). (¬6) انظر: "القاموس المحيط" (ص 570) "الفائق" للزمخشري (1/ 250) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 242).

قوله: "فئة المسلمين" هو بيان لقوله تعالى: {أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ} (¬1)، وأنّ من فرّ إلى الإمام فهو متحيز إلى فئة، والفئة: الجماعة الذين يرجع إليهم من ولّى عن موقف الحرب يحتمون بهم. وفي الحديث دليل على تقبيل اليد. 13 - وَعَنْ نَجْدَةَ بْنِ عَامِرٍ الحَرُوْرِي: أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنه - يَسْأَلُهُ عَنْ خَمْسِ خِصَالٍ: أَمَّا بَعْدُ: فَأَخْبِرْنِي هَلْ كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَغْزُو بِالنِّسَاءِ؛ وَهَلْ كَانَ يَضْرِبُ لَهُنَّ سَهْمَاً؛ وَهَلْ كَانَ يَقْتُلُ الصِّبْيَانَ؛ وَمَتَى يَنْقَضِي يُتْمُ اليَتِيمِ؛ وَعَنِ الخُمْسِ لِمَنْ هُوَ؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: لَوْلاَ أَنْ أَكْتُمَ عِلْمًا لمَا كَتَبْتُ إِلَيْهِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ ابْنِ عَبَّاسٍ: كَتَبْتَ تَسْأَلُنِي: هَلْ كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَغْزُو بِالنِّسَاءِ؟ وَقَدْ كَانَ يَغْزُو بِهِنَّ فَيُدَاوِينَ الجَرْحَى، وَيُحْذَيْنَ مِنَ الغَنِيمَةِ، وَأَمَّا بِسَهْمٍ فَلَمْ يَضْرِبْ لَهُنَّ، وَإِنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَكُن يَقْتُلُ الصِّبْيَانَ فَلاَ تَقْتُلْهُمْ؛ وَكَتَبْتَ تَسْأَلُنِي مَتَى يَنْقَضِي يُتْمُ اليَتِيمِ: فَلَعَمْرِي إِنَّ الرَّجُلَ لَتَنْبُتُ لِحْيَتُهُ وَإنَّهُ لَضعِيفُ الأَخْذِ لِنَفْسِهِ، فَإِذَا كَانَ آخذَاً لِنَفْسِهِ مِنْ صَالِحِ مَا يَأْخُذُ النَّاسُ فَقَدْ ذَهَبَ عَنْهُ اليُتْمُ، وَكَتَبْتَ تَسْأَلنِي عَنِ الخُمْسِ لِمَنْ هُوَ، وَأَنَا أَقُوْلُ هُوَ لَنَا. فَأَبَى عَلَيْنَا قَوْمُنَا ذَلكَ. أخرجه مسلم (¬2) وأبو داود (¬3) والترمذي (¬4). [صحيح] قوله: "نجدة" هو بفتح النون وسكون الجيم فدال مهملة، هو ابن عامر الحروري بفتح الحاء المهملة وضم الراء الأولى، الحنفي، روى عن ابن عباس وكان إرساله إليه في فتنة ابن الزبير. قوله: "لما كتبتُ إليه" وذلك لأنه من الخوارج فلا يؤنسه بجوابه لكنه أجاب عليه لما ذكره. ¬

_ (¬1) سورة الأنفال الآية (16). (¬2) في "صحيحه" رقم (1812). (¬3) في "السنن" رقم (2727). (¬4) في "السنن" رقم (1556) وهو حديث صحيح.

قوله: "يحذين" (¬1) بضم حرف المضارعة فحاء مهملة، فذال معجمة فمثناة تحتية فضمير جماعة النساء، أي: يرضخ لهن بشيء من الغنيمة، وبهذا قال أكثر العلماء، وقال الأوزاعي (¬2): إنّ النساء يقسم لهن مع الرجال إن قاتلن أو داوين الجرحى، وقال مالك (¬3): لا يرضخ لهن، وهذان المذهبان مردودان (¬4) بهذا الحديث الصحيح. قوله: "متى ينقضي يتم اليتيم" أي: متى ينقضي حكم اليتم ويستقل اليتيم بالتصرف في ماله، وأمّا نفس اليتيم فينقضي بالبلوغ، وقد ثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يتم بعد حلم" (¬5)، وفي [كل (¬6)] كلام ابن عباس متمسك للشافعي (¬7) ومالك (¬8) وغيرهما (¬9) أنّ حكم اليتم لا ينقضي ¬

_ (¬1) أي: يُعْطَين، "النهاية في غريب الحديث" (1/ 351)، "المجموع المغيث" (1/ 416). (¬2) انظر: البيان للعمراني (12/ 218)، "المغني" (13/ 97). (¬3) انظر: "التهذيب في اختصار المدونة" (2/ 68). (¬4) انظر: "رؤوس المسائل" (5/ 754)، "المغني" (13/ 97 - 100)، "بدائع الصنائع" (7/ 126). (¬5) أخرجه أبو داود الطيالسي في "مسنده" رقم (1767) والبيهقي في "السنن الكبرى" (7/ 319) والحارث كما في "بغية الحارث عن زوائد مسند الحارث" رقم (354)، وابن عدي في "الكامل" (2/ 852)، عن جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا رضاع بعد فصال، ولا يُتم بعد احتلام"، وهو حديث حسن. وأخرج أبو داود في "السنن" رقم (2873)، عن علي بن أبي طالب قال: حفظت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يُتم بعد احتلام، ولا صُمات يوم إلى الليل"، وهو حديث صحيح. انظر "الإرواء" (5/ 79 - 83) رقم (1244)، وأخرجه الطبراني في "المعجم الصغير" من وجه آخر عن علي بن أبي طالب (2/ 158 رقم 952 - "الروض الداني") بلفظ: "لا رضاع بعد فصال، ولا يتم بعد حُلم"، وقد حسنه الزرقاني في "مختصر المقاصد الحسنة" رقم (1207)، وانظر "الإرواء" رقم (1244). (¬6) زيادة من (ب). (¬7) "البيان" للعمراني (8/ 229 - 230). (¬8) "مدونة الفقه المالكي وأدلته" (3/ 657 - 658). (¬9) انظر: "فتح الباري" (5/ 279) "البناية في شرح الهداية" (10/ 125)، "المغني" (6/ 598 - 599).

بالبلوغ ولا بعلو السن، بل لا بد من ظهور الرشد منه في دينه ودنياه، وهي مسألة معروفة [28 ب] والله تعالى شرط الرشد في دفع مال اليتيم إليه، وعليه [148/ أ] دل كلام ابن عباس هنا، وأفاد أنّ الرشد أن يتصرف تصرف [صالحي (¬1)] الناس. قوله: "فأبى علينا قومنا" يريد أنهم رأوا أنه لا يتعين صرفه إلينا، بل يصرفونه في المصالح، وأراد بقومه ولاة الأمر من بني أمية. هذا [و (¬2)] قد اختلف العلماء في الخمس، فقال الشافعي (¬3) كقول ابن عباس وهو أنّ خمس الخمس من الفيء والغنيمة يكون لذي القربى وهم عند الشافعي: بنو هاشم، وبنو المطلب، وقال النسائي في "المجتبى" (¬4): اختلفوا في هذين السهمين بعد وفاة رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - سهم الرسول وسهم ذي القربى، فقال قائل: سهم الرسول للخليفة من بعده، وقال قائل: سهم ذي القربى لقرابة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وقال قائل: سهم ذي القربى لقرابة الخليفة، فاجتمع رأيهم على جعل هذين السهمين في الخيل والعدة في سبيل الله، فكان كذلك في خلافة أبي بكر وعمر. وقيل (¬5): إنّ سهم النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الإمام يشتري الكراع منه، والسلاح ويعطي منه من يرى ممن فيه غنىً ومنفعة لأهل الإسلام وفي أهل العلم، والحديث والفقه والقرآن. وسهم ذي القربى وهم بنو هاشم وبنو المطلب سهم الغني منهم والفقير، وقيل: يختص به الفقير، ولا وجه له، وكلام ابن عباس دال بأنّ الخمس (¬6) لبني هاشم لكنه منعهم عنه بنو أمية. ¬

_ (¬1) في (ب) صالح. (¬2) زيادة يستلزمها السياق. (¬3) "البيان" للعمراني (12/ 229 - 230)، "المهذب" (5/ 301) "الأم" للشافعي (5/ 223). (¬4) (7/ 133). (¬5) انظر: "فتح الباري" (7/ 192). (¬6) انظر: "شرح معاني الآثار" (3/ 289 - 290)، "فتح الباري" (6/ 216).

14 - وَعَنْ أُمِّ عَطِيّة - رضي الله عنها - قَالَتْ: غَزَوْتُ مَعَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - سَبْعِ غَزَوَاتٍ أَخْلُفُهُمْ فِي رِحَالِهمْ: أَصْنَعُ لَهُمُ الطَّعَامَ، وَأُدَاوِي الجَرْحَى، وَأَقُومُ عَلَى المَرْضَى. أخرجه مسلم (¬1). قوله: "وعن أم عطية" [أم عطية (¬2)] هي الغاسلة (¬3) وهي من كبار الصحابيات وهي أنصارية، وأم عطية الأنصارية الحائضة غيرها. 15 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فقَالَ: "إِنْ وَجَدْتُمْ فُلاَنًا وَفُلاَنًا - رَجُلَيْنِ مِنْ قُرَيْشٍ - فَأَحْرِقُوهُمَا بِالنَّارِ" فَلمَّا أَرَدْنَا الخُرُوجَ قَالَ: "كنْتُ أَمَرْتُكُمْ أَنْ تُحْرِقُوا فُلاَنًا وَفُلاَنًا، وَإِنَّ النَّارَ لاَ يُعَذِّبُ بِهَا إِلاَّ الله، فَإِنْ وَجَدْتُمُوهُمَا فَاقْتُلُوهُمَا". أخرجه البخاري (¬4) وأبو داود (¬5) والترمذي (¬6). [صحيح] قوله: "في حديث أبي هريرة إن وجدتم فلاناً وفلاناً" هما: هبار بن الأسود [29 ب] ونافع بن عبد عمرو، وقيل: ابن عبد القيس قاله القسطلاني (¬7)، وكان هبّار نخس (¬8) بعير ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (142/ 1812). • وأخرجه أحمد (6/ 407) وابن ماجه رقم (2856)، وهو حديث صحيح. (¬2) زيادة من (أ). (¬3) انظر: "الاستيعاب" رقم (3545). (¬4) في "صحيحه" رقم (3016). (¬5) في "السنن" رقم (2674). (¬6) في "السنن" رقم (1571) وقال: هذا حديث حسن صحيح. (¬7) انظر: "فتح الباري" (6/ 150). (¬8) خبر ترويع هبَّار لزينب: صرح ابن إسحاق بالسماع وسنده منقطع، وأخرجه البيهقي في "دلائل النبوة" (3/ 155) من طريق ابن إسحاق. وأخرجه الطبراني في "الكبير" و"الأوسط" كما في "مجمع الزوائد" (9/ 212 - 213)، وأخرجه البزار كما في "مجمع الزوائد" (9/ 212 - 213) وقال الهيثمي ورجاله رجال الصحيح. انظر: "السيرة النبوية" لابن هشام (2/ 361 - 362).

زينب بنت رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - لما هاجرت فسقطت على صخرة وهي حامل فأسقطت جنينها، ولم تزل تهراق الدماء ومرضت، ولم يدركه النافذ فأسلم بعد ذلك، وعاش إلى أيام معاوية وكان المسلمون يسبونه بما فعل، حتى شكى ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "سبّ من سبك" فكفّ الناس عنه. وأما نافع بن عبد عمرو فقال الحافظ ابن حجر (¬1): لم أقف على ذكره في الصحابة فلعله لم يسلم، والحديث أفاد تحريم التحريق بالنار، ويأتي قوله - صلى الله عليه وسلم - وحرّق". 16 - وَعَنِ عُرْوَةُ قَالَ: حَدَّثَنِي أُسَامَةُ بْنِ زَيْدٍ - رضي الله عنهما -: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كَانَ عَهِدَ إِلَيْهِ قَالَ: "أُغِرْ عَلَى أُبْنَى صَبَاحًا وَحَرِّقْ" قِيْلَ لَأَبِي مِسْهَرٍ: أُبْنَى؟ قَالَ: نَعَمْ نَحْنُ أَعْلَمُ هِيَ يُبْنَى فَلَسْطِين. أخرجه أبو داود (¬2). [حسن لغيره] "ابْنَى وَيُبْنى" اسم موضع بين عسقلان والرملة من أرض فلسطين. قوله: "في حديث أسامة: ابنى" بضم الهمزة والقصر، ويقال: يبنى كما قال هي يبنى فلسطين (¬3). قوله: "وحرق" (¬4) يحتمل أن المراد زروعهم ودورهم ونحو ذلك، ما عدا الإنس، ويحتمل أنه عام منسوخ بالحديث الأول، إن عُرِف التاريخ والا رجع إلى الترجيح. ¬

_ (¬1) في "الفتح" (6/ 150). (¬2) في "السنن" رقم (2616). • وأخرجه أحمد (5/ 205) وابن ماجه رقم (2843) وفي إسناده صالح بن أبي الأخضر، قال البخاري في "التاريخ الكبير" (2/ 273 رقم 2778) هو ليّنٌ، وقال في "التقريب" رقم (2844) ضعيف. وقال يحيى بن معين: وهو ضعيف، وقال أحمد: يعتبر به، وقال العجلي: يكتب حديثه وليس بالقوي. وهو حديث حسن لغيره. (¬3) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (1/ 33). (¬4) انظر: "فتح الباري" (6/ 155)، "مختصر اختلاف العلماء" (3/ 432 - 433)، "المغني" لابن قدامه (13/ 140 - 141).

17 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا قَاتَلَ أَحَدْكُمْ فَلْيَجْتَنِبُ الوَجْهِ". أخرجه الشيخان (¬1). [صحيح] قوله: "في حديث أبي هريرة فليجتنب الوجه" فيه تحريم ضرب الوجه بالسيف ونحوه، وأنه لا يحل، وقد تكرر النهي عن ذلك، بل نهي (¬2) عن وسم الحيوانات في الوجه، وأذن فيه في الأذن. زاد ابن الأثير (¬3): أنه زاد مسلم في روايته (¬4): "إذا قاتل أحدكم أخاه"، وفي أخرى (¬5): "فلا يلطمن الوجه"، وفي أخرى (¬6): "فليتقِ الوجه" انتهى، وفي قوله: "أخاه" ما يشعر أنه إذا قاتل كافراً فلا عليه أن يتقي الوجه. قال الحافظ ابن حجر (¬7): أنه اختلف السلف في التحريق فكره ذلك عمر وابن عباس وغيرهما (¬8) مطلقاً سواء كان بسبب كفر أو غيره [30 ب] ومنهم من قيده بأن لا يكون فيهم نساء ولا صبيان، قال: وأجازه (¬9) علي وخالد بن الوليد وغيرهما. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (173، 2559) ومسلم رقم (2612). (¬2) عن جابر قال: "نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ضرب الوجه, وعن وسم الوجه". أخرجه أحمد (3/ 318، 378) ومسلم رقم (106/ 2116) والترمذي في "السنن" رقم (1710) وقال: هذا حديث حسن صحيح، وهو حديث صحيح. (¬3) في "الجامع" (2/ 617). (¬4) في "صحيحه" رقم (112/ 2612). (¬5) في "صحيحه" رقم (114/ 2612). (¬6) في "صحيحه" رقم (113/ 2612). (¬7) في "فتح الباري" (6/ 155). (¬8) انظر: "المغني" (13/ 140 - 141)، "فتح الباري" (6/ 155). (¬9) انظر: "مختصر اختلاف العلماء" للطحاوي (3/ 432 - 433)، "المغني" (13/ 141 - 142).

قال: وحديث الباب يريد هذا الحديث ظاهر في التحريم وهو نسخ (¬1) لأمره المتقدم وفيه جواز (¬2) نسخ الحكم قبل العمل به، أو قبل التمكن من العمل به. 18 - وَعَنِ ابْنِ تِعْلَى قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَالِدِ بْنِ الوَلِيدِ فَأُتِيَ بِأَرْبَعَةِ أَعْلاَجٍ مِنَ العَدُوِّ فَأَمَرَ بِهِمْ فَقُتِلُوا صَبْرًا بِالنَّبْلِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ أَبَا أيُّوبَ الأَنْصَارِيَّ - رضي الله عنه - فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَنْهَى عَنْ قَتْلِ الصَّبْرِ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَده لَوْ كَانَتْ دَجَاجَةٌ مَا صَبَرْتُهَا، فَبَلَغَ ذَلِكَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ فَأَعْتَقَ أَرْبَعَ رِقَابٍ. أخرجه أبو داود (¬3). [ضعيف] قوله: "وعن ابن تعلى" في "الجامع" (¬4) هو ابن تعلى (¬5) سمع أبا أيوب الأنصاري، روى عنه بكير بن الأشج. انتهى. قلت: تعلى بالمثناة الفوقية مكسورة وسكون العين المهملة. قوله: "مع عبد الرحمن بن خالد بن الوليد" أي: ابن المغيرة المخزومي أدرك النبي - صلى الله عليه وسلم - له رؤية ولأبيه صحبة، ولم يسمع عبد الرحمن من النبي - صلى الله عليه وسلم - وكان له فضل وشجاعة وكرم، وهذه الغزوة لعلّها في خلافة عمر بن الخطاب. قوله: "أعلاج" (¬6) جمع علج، وهو الرجل من كبار العجم، ويجمع أيضاً على علوج وعلجة. ¬

_ (¬1) انظر: "الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار" (ص 493 وما بعدها) "فتح الباري" (6/ 150). (¬2) انظر: شرح "الكوكب المنير" (3/ 531 - 532) "البحر المحيط" (4/ 90). (¬3) في "السنن" رقم (2687) وهو حديث ضعيف. (¬4) (2/ 618). (¬5) هو عبيد بن تعلى، بكسر المثناة الفوقانية, الطائي، الفلسطيني، صدوق. "التقريب" (1/ 542 رقم 1535). (¬6) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 245).

قوله: "صبراً" (¬1) صبرت القتيل على القتل، إذا حبسته عليه لتقتله بالسيف أو غيره من أنواع السلاح وسواه، وكل من قتل أي قتلة كانت إذا لم تكن في حرب ولا على غفلة ولا على غرة فهو مقتولٌ صبراً. قوله: "أخرجه أبو داود". قلت: ترجمه (¬2) بباب "في قتل الأسير بالنبل" ثم ذكر روايتين (¬3) الأولى: "فأمر بهم فقتلوا صبراً" قال أبو داود (¬4): قال لنا غير سعيد - يريد ابن منصور - الذي رواه عنه عن ابن وهب في هذا الحديث قال بالقتل صبراً. انتهى. 19 - وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودُ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَعَفُّ النَّاسِ قِتْلةً أَهْلُ الإِيْمَانِ". أخرجه أبو داود (¬5). [صحيح] قوله: "في حديث ابن مسعود أعف الناس قتلة" هي بكسر القاف وسكون المثناة الفوقية الحالة من القتل، وبفتحها [31 ب] المرة من القتل، والعفة النزاهة كأنه يريد أنهم لا يمثلون ولا يقتلون صبراً بغير السيف لعلمهم بأنّ هذا منهي عنه. 20 - وَعَنْ عَبْدُ الله بْنِ يَزِيْدٍ الأَنْصَارِيّ - رضي الله عنه - قَالَ: نَهَى رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنِ النُّهبى والمُثْلَةِ. أخرجه البخاري (¬6). قوله: "في حديث عبد الله بن يزيد الأنصاري عن النُّهبى". ¬

_ (¬1) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 9). (¬2) في "السنن" (3/ 136 الباب رقم 129). (¬3) في "السنن" رقم (2687 و2688). (¬4) في "السنن" (3/ 137). (¬5) في "السنن" رقم (2666)، وأخرجه ابن ماجه رقم (2681) و (2682)، وهو حديث صحيح. (¬6) في صحيحه رقم (2474) وطرفه رقم (5516).

قال ابن الأثير (¬1): النهبة المنهوب، والنهبى اسم ما انتهب من الأشياء، وتقدم تفسير المثلة. قال السهيلي (¬2): النهبى بضم النون وسكون الهاء وموحدة مقصور أخذ مال المسلم قهراً، قال [149/ أ] فإن قيل قد مثل - صلى الله عليه وسلم - بالعرنيين وقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم وتركهم بالحرة. قلنا: في ذلك جوابان أحدهما: أنه فعل ذلك بهم قصاصاً لأنهم قطعوا أيدي الرعاة وأرجلهم وسملوا أعينهم، الثاني: أنّ ذلك كان قبل تحريم المثلة. فإن قيل: فقد تركهم يستسقون فلا يسقونه حتى ماتوا عطشاً. قلنا: عطشهم لأنهم عطشوا أهل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - تلك الليلة، روي في ذلك حديث مرفوع: أنه - عليه السلام - بقي هو وأهله تلك الليلة بلا لبن قال: "اللهم عطش من عطش أهل بيت نبيك" (¬3)، انتهى. قلت: في تقييده النهبى أن يكون مال (مسلم) شيءٌ؛ لأنه سيأتي سبب الحديث أنه نهب الصحابة غنماً من مال المشركين. 21 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: كان المشركون على منزلتين من النبي - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين، كانوا مشركي أهل حرب يقاتلهم ويقاتلونه, ومشركي أهل عهد لا يقاتلهم ولا يقاتلونه، فكان إذا هاجرت المرأة من أهل الحرب لم تخطب حتى تحيض وتطهر، فإذا طهرت حل لها النكاح، فإن هاجر زوجها قبل أن تنكح ردت إليه، فإن هاجر منهم عبد أو أمة فهما حران، لهما ما للمهاجرين، ثم ذكر من أهل العهد مثل حديث مجاهد - رحمه الله -؛ فإن هاجر عبد أو أمة للمشركين من أهل العهد لم يردوا وردت أثمانهم، قال: وكانت قريبة بنت أبي أمية تحت عمر ¬

_ (¬1) في "غريب الجامع" (2/ 619). (¬2) في "الروض الأنف" (4/ 142، 166). (¬3) أخرجه النسائي في "السنن" رقم (4036) بسند ضعيف.

الفصل الخامس: في أسباب تتعلق بالجهاد

ابن الخطاب فطلقها فتزوجها معاوية بن أبي سفيان، وكانت أم الحكم تحت عياض بن غنم الفهري فطلقها فتزوجها عبد الله بن عثمان الثقفي. أخرجه البخاري (¬1). [صحيح] قوله: "وعن ابن عباس وكانت قريبة" تصغير قريبة (¬2) بالقاف والموحدة وهي أخت أم سلمة أم المؤمنين وقيل إنها بفتح القاف. "وكانت أم الحكم" هي بنت أبي سفيان أخت أم حبيبة أم المؤمنين، أسلمت يوم "الفتح" وهي أم عبد الرحمن بن عبد الله بن عثمان المعروف بابن أم الحكم (¬3). قوله: "عياض بن غنم الفهري" (¬4) غنم بفتح الغين المعجمة وسكون النون، وعياض له صحبة أسلم يوم الحديبية واستشهد وكان بالشام مع ابن عمه أبي عبيدة بن الجراح. [32 ب]. الفصل الخامس: في أسباب تتعلق بالجهاد 1 - عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرٍو بْنِ العَاصِ - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا مِنْ غَازِيَةٍ أَوْ سرِيَّةٍ تَغْزُو فِي سَبِيْلِ الله تَعَالَى فَيَسْلِمُونَ وَيُصِيبُونَ إِلاَّ تَعَجَّلُوا ثُلُثَيْ أَجْرِهِم، وَمَا مِنْ غَازِيَةٍ أَوْ سَرِيَّةٍ تُخفِقُ وَتُخَوِّفُ وَتُصَابُ إِلاَّ تَمَّ أَجْرهم". أخرجه مسلم (¬5) وأبو داود (¬6) والنسائي (¬7). [صحيح] "تَخُفُقُ" (¬8) أي: لا تصيب شيئاً من المغنم. ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (5287). (¬2) انظر: "التقريب" (2/ 611 رقم 3). (¬3) انظر: "الاستيعاب" رقم الترجمة (3505). (¬4) انظر: "الاستيعاب" رقم الترجمة (1939). (¬5) في "صحيحه" رقم (153/ 1906). (¬6) في "السنن" رقم (2497). (¬7) في "السنن" رقم (3125). وأخرجه أحمد (2/ 169) وابن ماجه رقم (2785) وهو حديث صحيح وقد تقدم. (¬8) تقدم توضيحه، وانظر: "المفهم" (3/ 730) "فتح الباري" (6/ 50).

قوله: "إلا تعجلوا ثلثي أجرهم" ظاهره أنه لما نالوه من السلامة، والغنيمة، وقد استشكل نقص (¬1) ثواب المجاهدين بأخذ الغنيمة؛ لأنه مخالف لما ثبت من حل الغنيمة، ولمدح النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنها أحلت له، ولم تحل لغيره، ولو كانت تنقص الأجر ما وقع النفع بها، ثم إنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "وجعل رزقي تحت ظل رمحي" (¬2) وهو المغانم، فكيف يجعله الله رزقاً لرسوله - صلى الله عليه وسلم - وينقص به الأجر، وكان - صلى الله عليه وسلم - يرغّب في السلب ويقول: "من قتل قتيلاً فله سلبه" (¬3) وغير ذلك. وإشكال آخر وهو: أنه يلزم أن يكون أجر أهل بدر أنقص من أجر أهل أحد مع أنّ أهل بدر أفضل بالاتفاق. قال القاضي عياض (¬4): أنه أجاب بأنّ حديث (¬5) عبد الله بن عمرو ضعيف، لأنه من رواية حميد بن هاني وليس بمشهور. قال الحافظ ابن حجر (¬6): هذا مردود؛ لأنه ثقة محتج به عند مسلم، وقد وثقه النسائي وابن يونس وغيرهما، ولا يعرف فيه تجريح عن أحد. ¬

_ (¬1) تقدم توضيحه، وانظر: "المفهم" (3/ 730) "فتح الباري" (6/ 50). (¬2) ذكره البخاري في "صحيحه" (6/ 98) الباب رقم 88/ 87). عن ابن عمر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -:"جعل رزقي تحت ظل رمحي وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري". (¬3) أخرجه أحمد (5/ 295، 306)، والبخاري رقم (3142) ومسلم رقم (41/ 1751) من حديث أبي قتادة - رضي الله عنه -. (¬4) في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (6/ 330) حيث قال: حتى قال بعضهم: لا يصح الحديث، وأبو حميد بن هانئ راويه ليس بمشهور. (¬5) وهو حديث صحيح. (¬6) في "الفتح" (6/ 9).

قال (¬1): ومنهم من حمل نقص الأجر على غنيمةٍ أخذت بغير وجهها، وظهور فساد هذا الوجه يغني عن الأطناب، إذ لو كان الأمر كذلك لم يبق لهم ثلث الأجر ولا أقل. قلت: بل يكون وزراً. ومنهم من حمل نقص الأجر على من قصد الغنيمة في ابتداء جهاده، وحمل تمامه على من قصد الجهاد محضاً. وردّ هذا بأن في صدر حديث أبي هريرة: "لا يخرجه إلا إيمان بي وتصديق برسلي"، فالمقسم هو من أخلص، فالجواب عن أصل الإشكال أنه لا يلزم من [الحمل (¬2)] ثبوت وفاء [33 ب] الأجر لكل غاز، والمباح في الأصل لا يستلزم الثواب بنفسه، لكن ثبت أن أخذ الغنيمة واستيلائها من الكفار يحصل الثواب. قلت: كما قال تعالى: {وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ} (¬3)، فهم بأخذ الغنائم ينالون ثواباً آخر لعله يقاوم أو يقارب الثواب الذي [فات (¬4)] مع عدمها فالناقص، أجر الغزو، وقد ثبت أجر آخر بما نالوه من الكفار. وأما الإشكال (¬5) بأهل بدر فأجاب الحافظ عنه بقوله: بأنه لا يلزم من كونهم مع أخذ الغنيمة أنقص أجراً مما لو لم تحصل لهم الغنيمة أن يكونوا في حال أخذهم الغنيمة مفضولين بالنسبة إلى من بعدهم كمن شهد أُحداً؛ لكونهم لم يغنموا شيئاً، بل أجر البدري في الأصل أضعاف أجر من بعده, مثال ذلك: أن نقول: لو فرض أنّ أجر البدري بغير غنيمة ستمائة، ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "فتح الباري" (6/ 9). (¬2) في (أ) الحل. (¬3) سورة التوبة الآية (120). (¬4) في (ب) كان. (¬5) انظر: "فتح الباري" (6/ 8 - 9).

وأجر الأحدي مثلاً بغير غنيمة مائة فإذا نسبنا ذلك باعتبار حديث عبد الله بن عمرو كان للبدري لكونه آخذاً للغنيمة مائتان، وهي ثلث الستمائة فيكون أكثر أجراً من الأحدي. وإنما امتاز أهل بدر بذلك لكونها أول غزوة شهدها النبي - صلى الله عليه وسلم - في قتال الكفار، وكانت مبدأ اشتهار الإسلام وقوة أهله, فكان لمن شهدها مثل أجر من شهد المغازي بعدها جميعاً، فصارت لا يوازيها شيء في الفضل. انتهى (¬1). قلت: خلاصته أنّ أهل بدر خصصهم النبي - صلى الله عليه وسلم - عن عموم حديث [ابن عمرو (¬2)] وبقي إشكال ثالث ذكره الحافظ عن ابن دقيق (¬3) فقال: إنما المشكل العمل المتصل بأخذ الغنائم، ولو كانت تنقص الأجر لما كان السلف الصالح يثابرون عليها. ويمكن أن يجاب: بأن أخذها من جهة تقديم بعض المصالح الجزئية على بعض، لأنّ أخذ الغنائم أول ما شرع كان عوناً على الدين، وقوة لضعف المسلمين [34 ب] وهي مصلحة عظمى يغتفر لها نقص بعض الأجر [150/ أ] من حيث هو. قال الحافظ (¬4): وذكر بعض المتأخرين للتعبير بثلثي الأجر في حديث ابن عمرو حكمة لطيفة بالغة: وذلك أن الله أعدّ للمجاهدين ثلاث كرامات دنيويتان وأخروية فالدنيويتان: السلامة والغنيمة، والأخروية: دخول الجنة فإذا رجع سالماً غانماً فقد حصل له ثلثا ما أعد الله له وبقي له عند الله الثلث، وإن رجع بغير غنيمة عوضّه عن ذلك ثواباً في مقابلة ما فاته، فكان معنى الحديث أن يقال للمجاهد: إذا فات عليك شيء من أمر الدنيا عوضك الله ثواباً، وأما الثواب المختص بالجهاد فهو حاصل للفريقين معاً. قال (¬5): وغاية ما فيه عد ما يتعلق النعمتين الدنيويتين أجراً بطريق المجاز. انتهى. ¬

_ (¬1) انظره نصاً في "فتح الباري" (6/ 9). (¬2) في (أ) ابن عمر. (¬3) في "إحكام الأحكام" (ص 965). (¬4) أي الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (6/ 10). (¬5) أي الحافظ في "الفتح" (6/ 10).

2 - وَعَن جَابِرٍ - رضي الله عنه - قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي غَزَاةٍ فَقَالَ: إِنَّ بِالمَدِيْنَةِ رِجَالَاً مَا سِرْتُمْ مَسِيْراً، وَلَا قَطَعْتُمْ وَادِيَاً إِلَّا كَانُوا مَعَكُمْ حَبَسَهُمُ العُذْرُ". أخرجه مسلم (¬1)، وأخرجه البخاري (¬2)، وأبو داود (¬3) عن أنس. [صحيح] قوله: "في حديث جابر بن عبد الله حبسهم العذر" ترجم البخاري (¬4) لهذا الحديث بقوله: "باب من حبسه العذر عن الغزو"، وقال ابن حجر (¬5): العذر الوصف الطاري على المكلف، المناسب للتسهيل عليه، والمراد بالعذر ما هو أعم من المرض، وعدم القدرة على السفر، ووقع في مسلم (¬6): "حبسهم المرض" وكأنه حمل على الأغلب. قوله: "إلا كانوا معكم" ولابن حبان (¬7) وأبي عوانة (¬8) من حديث جابر: "إلّا شركوكم في الأجر" بدل قوله: "إلا كانوا معكم". ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (1911). (¬2) في "صحيحه" رقم (2838) وطرفاه (2839، 4423). (¬3) في "صحيحه" رقم (2508). (¬4) في "صحيحه" (6/ 46 الباب رقم 35 - مع "الفتح"). (¬5) في "الفتح" (6/ 47). (¬6) في "صحيحه" رقم (159/ 1911). (¬7) في "صحيحه" رقم (4714) عن جابر قال: كنا في غزاة, فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لقد شهدكم أقوام بالمدينة حبسهم المرض". (¬8) في "مسنده" (4/ 492 رقم 7453) عن جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لقد خلفتم بالمدينة رجالاً ما قطعتم وادياً ولا سلكتم طريقاً إلا شركوكم في الأجر؛ حبسهم العذر". وأخرجه مسلم في "صحيحه" عقب الحديث رقم (159/ 1911)، وأحمد في "المسند" (3/ 300) وأبو يعلى في "مسنده" رقم (2291) وابن ماجه رقم (2765) وعبد بن حميد رقم (1027) والبيهقي في "السنن الكبرى" (9/ 24). قال السندي: قوله: "لقد خلَّفتم" بالتشديد من التخليف، أي: تركتم خلفكم.

وأخرجه أبو داود (¬1) "بلفظ: "لقد تركتم بالمدينة أقواماً ما سرتم من مسير، ولا أنفقتم من نفقة ولا قطعتم من واد إلا وهم معكم فيم, قالوا: يا رسول الله! وكيف [35 ب] يكونون معنا وهم بالمدينة؟ قال: "حسبهم العذر" (¬2). قال المهلب: يشهد لهذا الحديث قوله تعالى: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} (¬3) الآية، فإنه فاضل بين المجاهدين والقاعدين، واستثنى أولي الضرر من القاعدين، فكأنه ألحقهم بالفاضلين، وفيه أن المؤمن تبلغّه نيته أجر العامل إذا منعه العذر عن العمل. 3 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "عَجِبَ رَبُّنَا مِنْ قَوْمٍ يُقَادُوْنَ إِلَى الجَنَّةِ بِالسَّلَاسِلِ". أخرجه البخاري (¬4) وأبو داود (¬5). [صحيح] وقال: يَعْنِي الأَسِيْرَ يُوثَقُ ثُمَّ يُسْلِمُ. قوله: "في حديث أبي هريرة عجب (¬6) [ربنا (¬7)] " الحديث .. في النهاية (¬8): اعلم أنه إنما يتعجب الآدمي من الشيء إذا عظم وقعه عنده وخفي عليه سببه فأخبرهم بما يعرفون ليعلموا موقع هذه الأشياء عنده. ¬

_ "إلا شركوكم" من شرك في المال، كسمع، أي: صار شريكاً فيه. "حبسهم المرض" فيه فضل النية، وأن من نوى عملاً ومنعه عنه مانع فهو مثل العامل. (¬1) في "السنن" رقم (2508) وقد تقدم. (¬2) ذكره الحافظ في "الفتح" (6/ 47). (¬3) سورة النساء الآية (95). (¬4) في "صحيحه" رقم (3010). (¬5) في "السنن" رقم (2677). (¬6) تقدم توضيحه مفصلاً. (¬7) في "أ. ب" ربك. (¬8) (2/ 162).

وقيل: معنى عجب ربك، أي: رضي وأثاب فسماه عجباً (¬1) مجازاً وليس بعجب في الحقيقة والأول الوجه انتهى. 4 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّما الإِمَامَ جُنَّةٌ يُقَاتَلُ بِهِ". أخرجه الخمسة (¬2) إلا الترمذي. [صحيح] قوله: "في حديثه الآخر إنّ الإمام جُنَّة" في النهاية (¬3): لأنه يقي المأموم الزَّللَ والسّهوة، وفي "الجامع" (¬4): الجنة ما يستجن به أي: يتقى به الحوادث ويكون كالمجن لمن وراءه وهو الترس. قوله: "أخرجه أبو داود" قال في "الجامع" (¬5): وقد أخرج البخاري ومسلم والنسائي هذا المعنى في جملة حديث يرد في كتاب الخلافة (¬6) والإمارة من حرف الخاء. 5 - وَعَنْ أَنَسْ - رضي الله عنه -: أَنَّ فَتًى مِنْ أَسْلَمَ قَالَ: يَا رَسُولَ الله! إِنِّي أُرِيدُ الغَزْوَ وَلَيْسَ مَعِي مَا أَتَجَهَّزُ بِهِ, قَالَ: "ائْتِ فُلاَنًا فَإِنَّهُ قَدْ كَانَ تَجَهَّزَ فَمَرِضَ". فَأَتَاهُ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلاَمَ وَيَقُولُ: أَعْطِنِي الَّذِي تَجَهَّزْتَ بِهِ, فَقَالَ لَأَهْلِهِ: يَا فُلاَنَةُ! أَعْطِيهِ الَّذِي تَجَهَّزْتُ بِهِ، ¬

_ (¬1) بل العجب صفة من صفات الله عز وجل الفعلية الخبرية الثابتة له بالكتاب والسنة، تقدم توضيحه مفصلاً. (¬2) أخرجه البخاري رقم (2957) ومسلم رقم (1841) وأبو داود رقم (2757) والنسائي رقم (4196). (¬3) (1/ 301 - 302). (¬4) (2/ 623). (¬5) (2/ 623 - 624). (¬6) سيأتي وقد تقدم.

وَلاَ تَحْبِسِي عَنْهُ شَيْئًا منه، فَوَالله لاَ تَحْبِسِي مِنْهُ شَيْئًا فَيُبَارَكَ لَكِ فِيهِ. أخرجه مسلم (¬1) وأبو داود (¬2). [صحيح] قوله: "في حديث أنس فيبارك لك فيه" فضيلة الدلالة على الخير، وفيه أنّ من نوى صرف شيء إلى جهة بر فتعذر عليه، استحب بذله في جهة بر أخرى، ولا يلزمه من ذلك ما لم يلتزمه بنذر. 6 - وَعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ - رضي الله عنه - قَالَ: أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -سَمَّى خَيْلَنَا خَيْلَ الله تَعَالَى، وَكَانَ يَأْمُرُنَا بِالجَمَاعَةِ إِذَا فَزِعْنَا، وَالصَّبْرِ وَالسَّكِينَةِ إِذَا قَاتَلْنَا. أخرجه أبو داود (¬3). [ضعيف] قوله: "في حديث سمرة خيل الله" على حذف مضاف تقديره: خيل أولياء الله أولها كانت يقاتل عليها في سبيل الله من أجله جعلت له. قوله: "وكان إذا فزعنا" لفظ "سنن أبي داود" (¬4) بعد قوله: "خيل الله إذا فزعنا" ومثله في "الجامع" (¬5) ثم قال: وكان رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - إذا فزعنا [36 ب] بالجماعة، فسقط من الحديث على "المصنف" قوله بعد "خيل الله" "إذا فزعنا" (¬6). 7 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: "خيْرُ الصَّحَابَةِ أَرْبَعَةٌ، وَخَيْرُ السَّرَايَا أَرْبَعُمِائَةٍ، وَخَيْرُ الجُيُوشِ أَرْبَعَةُ آلاَفٍ، وَلَنْ يُغْلَبَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا مِنْ قِلَّةٍ". أخرجه أبو داود (¬7). ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (1894). (¬2) في "السنن" رقم (2770). وهو حديث صحيح. (¬3) في "السنن" رقم (2560) وهو حديث ضعيف، والله أعلم. (¬4) في "السنن" رقم (2560). (¬5) (2/ 624). (¬6) هذا الحديث وشرحه مقدم على الذي قبله. (¬7) في "السنن" رقم (2611).

والترمذي (¬1). [صحيح] قوله: "خير الصحابة أربعة" كأن المراد بهم الذين يصطحبون في السفر أو نحوه، أو الجلساء. و"الأربعمائة خير السرايا" وهي جمع سرية (¬2) بزنة عطية، قطعة من الجيش من مائة إلى خمسمائة، فإن زاد على الخمسمائة فهو منسر بالنون ثم المهملة، فإن زاد على ثمانمائة فجيش، فإن زاد على أربعة آلاف سمي جحفلاً، وإن زاد فجيش جرّار، والمراد فلا تزيد ولا تنقص، وإلا فاتت الخيرية وهي مطلوبة في كل شيء. قوله: "أخرجه أبو داود والترمذي". ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (1555). وأخرجه أحمد (1/ 294) وعبد بن حميد رقم (652) وأبو يعلى رقم (2587) وابن خزيمة رقم (2538) والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (1/ 238) وابن حبان رقم (4717) والحاكم (1/ 443) و (2/ 101) والبيهقي في "السنن الكبرى" (9/ 156) من طرق. قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه لخلاف بين الناقلين فيه عن الزهري، ووافقه الذهبي. وقال البيهقي: تفرد به جرير بن حازم موصولاً. وتعقبه ابن التركماني بقوله: هذا ممنوع؛ لأن جريراً ثقة، وقد زاد الإسناد فيقبل قوله، كيف وقد تابعه عليه غيره. وقال المناوي في "فيض القدير" (3/ 474): ولم يصححه الترمذي؛ لأنه يروى مسنداً ومرسلاً ومعضلاً. قال ابن القطان في "بيان الوهم والإيهام" (3/ 484): " ... فالحديث صحيح، فيستحق على هذا أن يكتب في باب الأحاديث التي ضعفها بما ليس بعلة، أو حسنها وهي صحيحة، وبالله التوفيق" اهـ. وهو حديث صحيح إن شاء الله. (¬2) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (1/ 773).

قلت: وقال (¬1) هذا حديث حسن غريب، لا يُسنده كبيرُ أحدٍ غيرُ جرير بن حازم، وإنما هذا الحديث عن الزهري، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلاً. وقد رواه [حبان] (¬2) بن علي [العنزيُّ] (¬3) عن عُقيل عن الزهري عن عبيد الله [بن عبد الله] (¬4) عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. ورواه الليث بن سعد عن عقيل، عن الزهري، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلاً. انتهى كلام الترمذي (¬5). وقال أبو داود (¬6): بعد إخراجه والصحيح أنه مرسل. 8 - وَعَنْ أَبِي طَلْحَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - إِذَا ظَهَرَ عَلَى قَوْمٍ أَقامَ بِالعَرْصَةِ ثَلَاثَ لَيَالِ. أخرجه الخمسة (¬7) إلا النسائي. [صحيح] قوله: "في حديث أبي طلحة أقام بالعرصة" (¬8) بفتح المهملتين وسكون الراء بينهما البقعة الواسعة والمراد هنا موضع الحرب. ¬

_ (¬1) في "السنن" (4/ 125). (¬2) في (ب) حسَّان. (¬3) في المخطوط "أ. ب" العامري، وما أثبتناه من "سنن الترمذي". (¬4) زيادة من "سنن الترمذي". (¬5) في "السنن" (4/ 125). (¬6) في "السنن" (3/ 83). (¬7) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (3065) ومسلم رقم (78/ 2875) وأبو داود رقم (2695) والترمذي رقم (1551) وأحمد (4/ 29) وهو عندهم بألفاظ. (¬8) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 183)، "فتح الباري" (6/ 181). قال المهلب: حكمة الإقامة لإراحة الظهر والأنفس، ""فتح الباري" (6/ 181) وقال ابن الجوزي في "كشف المشكل" (2/ 74) إنما كان ذلك لإظهار تأثير الغلبة وتنفيذ الأحكام، وقلة الاحتفال بالعدو، وكأنه يقول: من كانت فيه قوة منكم فليرجع إلينا.

9 - وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ الحُصَيْنٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: كَانَتْ ثَقِيفُ حُلَفَاءَ لِبَنِي عُقَيْلٍ، فَأَسَرَتْ ثَقِيفُ رَجُليْنِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، وَأَسَرَ أَصْحَابُ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - رجُلاً مِنْ بَنِي عُقَيْلٍ، وَأَصَابُوا مَعَهُ العَضْبَاءَ، فَأَتَى عَلَيْهِ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وهْوَ فِي الوَثَاقِ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، فَقَالَ: "مَا شَأْنُكَ؟ "، فَقَالَ: بِمَ أَخَذْتَنِي وَأَخَذْتَ سَابِقَةَ الحَاجِّ؟ يَعْنِي العَضْبَاءَ، قَالَ: "أَخَذْتُكَ بِجَرِيرَةِ حُلَفَائِكَ ثَقِيفَ"، ثُمَّ انْصَرَفَ عَنْهُ فَنَادَاهُ يَا مُحَمَّدُ! يَا مُحَمَّدُ! وَكَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - رَفِيقًا رَحِيمًا فَرَجَعَ إِلَيْهِ فَقَالَ: "مَا شَأْنُكَ؟ "، قَالَ: إِنِّي مُسْلِمٌ. فَقَالَ: "لَوْ قُلْتَهَا وَأَنْتَ تَمْلِكُ أَمْرَكَ أَفْلَحْتَ كُلَّ الفَلاَحِ"، ثُمَّ انْصَرَفَ فَنَادَاهُ فَأَتَاهُ، فَقَالَ: "مَا شَأْنُكَ؟ ". قَالَ: إِنِّي جَائِعٌ فَأَطْعِمْنِي، وَظَمْآنُ فَأَسْقِنِي، قَالَ:"هَذِهِ حَاجَتُكَ؟ "، فَافْتَدِيَ بِرَجُليْنِ قَالَ: وَأُسِرَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ، وَأُصِيبَتِ العَضْبَاءُ، فَكَانَتِ المَرْأَةُ فِي الوَثَاقِ، فَكَانَ القَوْمُ يُرِيحُونَ نَعَمَهُمْ بَيْنَ يَدَيْ بُيُوتِهِمْ، فَانْفَلَتَتْ ذَاتَ لَيْلَةٍ مِنَ الوَثَاقِ فَأَتَتِ الإِبِلَ، فَجَعَلَتْ إِذَا دَنَتْ مِنَ البَعِيرِ رَغَا فَتَتْرُكُهُ حَتَّى انْتَهَتْ إِلَى العَضْبَاءِ، فَلَمْ تَرْغُ وَهِي نَاقَةٌ مُنَوَّقَةٌ، أَيْ: مُدَرِّبَةٌ، وَرُوي مُدَرَّبَةٌ، وَرُويَ: مُجَرَّسَةٌ، قَالَ: فَقَعَدَتْ فِي عَجُزِهَا ثُمَّ زَجَرَتْهَا فَانْطَلَقَتْ وَنَذِرُوا بِهَا فَطَلَبُوهَا فَأَعْجَزَتْهُمْ، قَالَ: وَنَذَرَتْ لله تَعَالَى إِنْ نَجَّاهَا الله عَلَيْهَا لَتَنْحَرَنَّهَا، فَلمَّا قَدِمَتِ المَدِينَةَ رَآهَا النَّاسُ. فَقَالُوا العَضْبَاءُ نَاقَةُ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَتْ: إِنَّهَا نَذَرَتْ إِنْ نَجَّاهَا الله تَعَالَى عَلَيْهَا لَتَنْحَرَنَّهَا، فأَتَوْا رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فذَكَرُوا ذَلِكَ لَهُ. فَقَالَ: "سُبْحَانَ الله! بِئْسَمَا جَزَتْهَا، نَذَرَتْ إِنْ نَجَّاهَا الله تَعَالَى عَلَيْهَا لتَنْحَرَنَّهَا، لاَ وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةٍ وَلاَ فِيمَا لاَ يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ". أخرجه مسلم (¬1) وأبو داود (¬2)، وأخرج الترمذي (¬3) منه طرفاً يسيراً. [صحيح] ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (8/ 1641). (¬2) في "السنن" رقم (3316) وهو حديث صحيح. (¬3) في "السنن" رقم (1527 مختصر" ورقم (2636 مطولاً" عن ثابت بن الضحاك، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ليس على العبد نذر فيما لا يملك ... ". وأخرجه البخاري رقم (6047) ومسلم رقم (110) وأبو داود رقم (3257) والنسائي رقم (3813).

"المُدَرَّبَةُ" (¬1) المخرّجة المؤدّبة التي ألفِتِ الركوب وعُوِّدت المشي في الدروب. "وَالمُجَرَّسَةُ" (¬2) بالجيم والسين المهملة: المجربة المدربة في الركوب والسير. قوله: "في حديث عمران بن الحصين كانت ثقيف حلفاء لبني عقيل". الحلفاء جمع حليف، وهو الذي يحالفك على الشيء أي: يعاهدك. وقوله: "لبني عقيل" هو مصغّر. قوله: "العضباء" هي ناقة (¬3) [37 ب] رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والناقة العضباء (¬4) هي المشقوقة الأذن، ولم تكن ناقة رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عضباء، وإنما هذا اسم لها. قوله: "سابقة الحاج" أراد بسابقة الحاج ناقته كأنها كانت لسرعتها تسبق الحاج. قوله: "بجريرة [151/ أ] حلفائك ثقيف" يريد أنها كانت بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وبين ثقيف موادعة، فلما نقضوها ولم ينكر عليهم بنو عقيل صاروا مثلهم في نقض العهد، وقد استشكل المازري (¬5) رده إلى دار الكفر، وأجاب ابن الأثير (¬6) فقال: وإنَّما ردَّه إلى دار الكفر بعد إظهار كلمة الإسلام؛ لأنه علم أنه غير صادق، وأنّ ذلك لرغبة أو رهبة، وهذه خاصة برسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ¬

_ (¬1) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 562). (¬2) "غريب الحديث" للهروي (1/ 183). "الفائق" للزمخشري (2/ 172). (¬3) انظر: "الطبقات الكبرى" لابن سعد (6/ 492) "الرصف لما روي عن النبي من الفعل والوصف". (¬4) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 218). (¬5) في "المعلم بفوائد مسلم" (2/ 238). ثم قال النووي: وليس في هذا الحديث أنه حين أسلم وفادى به رجع إلى دار الكفر ولو ثبت رجوعه إلى دارهم وهو قادر على إظهار دينه لقوة شوكة عشيرته أو نحو ذلك لم يحرم ذلك، فلا إشكال في الحديث، وقد استشكله المازري وقال: كيف يرد المسلم إلى دار الكفر، وهذا الإشكال باطل مردود. (¬6) في "الجامع" (2/ 629).

وقيل: معناه: أخذت لندفع بك جريرة حلفائك من ثقيف، ويدل على صحة ذلك أنه فدي بعد بالرجلين الذي أسرهما ثقيف من المسلمين، وفيه دليل أنّ الحليف يعقل مع العاقلة إذا وجبت الدية وذهب إلى هذا طائفة من الفقهاء، والجريرة (¬1): الجناية والذنب. قوله: "لو قلتها وأنت تملك أمرك فلحت كل الفلاح" يريد: إذا أسلمت قبل الأسر أفلحت الفلاح التام، بأن يكون مسلماً حراً؛ لأنه إذا أسلم بعد الأسر كان مسلماً عبداً. قوله: "ففدي بالرجلين" يقال: فدي الأسير إذا أعطى عوضه مال أو غيره وأطلق سبيله. [قوله (¬2)] "قال" أي: عمران. "وأصيب امرأة من الأنصار" هي امرأة أبي ذر. "وأصيبت العضباء" يحتمل أنها كانت العضباء معها، وأنها أصيبت المرأة بالأسر وأخذت العضباء، ويحتمل أن العضباء كانت مع غيرها أخذها من أسر المرأة. [38 ب]. قوله: "في الوثاق" (¬3) بكسر الواو فمثلثة هو قيد، أو حبل يشد به الأسير. قوله: "فانفلتت" أي: المرأة ذات ليلة. قوله: "رغا" (¬4) بالراء فغين معجمة، هو صوت ذوات الخف، يقال: رغا البعير إذا صاح فتتركه لئلا يسمعوا صوته فيتنبهوا لها. قوله: "مدربة" (¬5) هي المتخرجة التي قد ألفت الركوب والسير، ويأتي تفسير "المصنف" لها بزيادة، وعودت المشي في الكروب فهي مشتقة من ذلك. ¬

_ (¬1) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 252)، "الفائق" للزمخشري (2/ 442). (¬2) زيادة من (أ). (¬3) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 822). (¬4) "غريب الحديث" للخطابي (3/ 230)، "النهاية في غريب الحديث" (1/ 670). (¬5) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 562) وقد تقدم.

ويأتي تفسيره المجرسة (¬1) وهي بالجيم وراء وسين مهملتين. قوله: "ورويَ مدرنة" أي: بالنون عوضاً عن الموحدة، إلا أني لم أجده في النهاية (¬2)، ولا "القاموس" (¬3)، ولا في غريب "الجامع" (¬4) بهذا المعنى. و [أما] (¬5) ما في حديث (¬6) الزكاة "ولا يعطي الدرنة" (¬7) فالمراد بها الجرباء ولا يناسب هنا. وعلى أنه ليس في رواية "الجامع" (¬8) هذا اللفظ فلا أدري من أين أتى به "المصنف" والذي فيه "مدربة" بالموحدة. قال: وعند أبي داود (¬9) مجرسة، وقد تصحف "منوقة" من النون إلى المثناة الفوقية، قال الحرمي (¬10): إنما هي منوقة بالنون وهي التي قد ريضت وأدبت. قوله: "ونذروا بها" بكسر المعجمة، أي: علموا، وفيه دليل على جواز سفر المرأة وحدها للضرورة كالهجرة من دار الحرب إلى دار الإسلام، وكالهرب ممن يريد منها فاحشة، فالنهي عن سفرها وحدها محمول على غير حال الضرورة. ¬

_ (¬1) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 255)، وانظر: "الفائق" للزمخشري (2/ 172). (¬2) انظر: (1/ 562). (¬3) "القاموس المحيط" (ص 1543). (¬4) (2/ 630). (¬5) زيادة من (أ). (¬6) أخرجه أبو داود في "السنن" رقم (1582) من حديث عبد الله بن معاوية الغاضري. وهو حديث صحيح. (¬7) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 566). (¬8) (2/ 638). (¬9) في "السنن" رقم (3316). (¬10) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 805)، "الفائق" للزمخشري (4/ 30).

وفيه دليل لما يقوله الشافعي (¬1) من أنّ الكفار لا يملكون مال المسلم إذا غنموه، وقال أبو حنيفة (¬2): يملكونه إذا حازوه إلى دار الحرب، وحجة الشافعي [في قوله (¬3)] "فيما لا يملك العبد". قوله: "فيما لا يملك العبد" قالوا: هو محمول على ما إذا أضاف النذر إلى معين لا يملكه [39 ب] كإن شفى الله مريضي فلله عليّ أن أعتق عنه فلان ونحو ذلك. أمّا إذا التزم شيئاً في الذمة لا يملكه فيصح نذره كإن شفى الله مريضي فعليّ عتق رقبة، وهو حينئذ لا يملكها ولا يملك قيمتها، فيصح نذره، فإذا شفى الله مريضه ثبت العتق ولزمه أخذ رقبة. قوله: "في الدروب" زاد في "النهاية" (¬4): فصارت تألفها وتعرفها ولا تنفر. 10 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسِ - رضي الله عنهما - قَالَ: المُشْرِكِينَ أَرَادُوا أَنْ يَشْتَرُوا جَسَدَ رَجُلٍ مِنَ المُشْرِكِينَ فَأَبَى رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - أنْ يِبِيعَهُمْ. أخرجه الترمذي (¬5). [ضعيف] قوله: "في حديث ابن عباس أخرجه الترمذي". قلت: وقال (¬6): هذا حديث لا نعرفه إلا من حديث الحكم، ورواية الحجاج بن أرطأة أيضاً عن الحكم. وقال [أحمد بن الحسن (¬7)]: سمعت أحمد بن حنبل يقول: ابن أبي ليلى لا يحتج بحديثه. ¬

_ (¬1) "البيان" للعمراني (12/ 190 - 191). (¬2) "البناية في شرح الهداية" (6/ 605)، "مختصر اختلاف العلماء" للطحاوي (3/ 466). (¬3) زيادة من (أ). (¬4) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 562). (¬5) في "السنن" رقم (1715) وهو حديث ضعيف. (¬6) في "السنن" (4/ 214). (¬7) زيادة من المخطوط غير موجودة في "السنن" (4/ 214).

الباب الثالث: في فروع الجهاد

قال محمد بن إسماعيل: إنّ ابن أبي ليلى صدوق، ولكن لا يعرف صحيح حديثه من سقيمه، ولا أروي عنه شيئاً، وابن أبي ليلى هو صدوق فقيه وربما يهم في الإسناد. انتهى كلامه. [قوله (¬1)]: الباب الثالث: في فروع الجهاد [وفيه أربعة فصول (¬2)] الفصل الأول: في الأمان والهدنة 1 - عَنْ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ صَخْرٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - غَزَا ثَقِيفًا، فَلمَّا سَمِعَ بِذَلِكَ صَخْرٌ رَكِبَ فِي خَيْلٍ يُمِدُّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فَوَجَدَهُ وَقَدِ انْصَرَفَ، وَلَمْ يَفْتَحْ فَجَعَلَ صَخْرٌ - رضي الله عنه - حِيْنَئِذٍ عَهْدَ الله وَذِمَّتَهُ أَنْ لاَ يُفَارِقَ القَصْرَ حَتَّى يَنْزِلُوا عَلَى حُكْمِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمْ يُفَارِقْهُمْ حَتَّى نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَكَتَبَ إِلَيْهِ صَخْرٌ: أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ ثَقِيفًا قَدْ نَزَلوا عَلَى حُكْمِكَ يَا رَسُولَ الله، وَإِنِّي مُقْبِلٌ بِهِمْ فِي خَيْلٍ، فَأَمَرَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بِالصَّلاَةِ جَامِعَةً، فَدَعَا لأَحْمَسَ عَشْرَ دَعَوَاتٍ: "اللهمَّ بَارِكْ لأَحْمَسَ فِي خَيْلِهَا ورِجْلِهَا"، وَأتَاهُ القَوْمُ فَكَلَّمَهُ المُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله! إِنَّ صَخْرًا أَخَذَ عَمَّتِي، وَقَدْ دَخَلَتْ فِيمَا دَخَلَ فِيهِ المُسْلِمُونَ. فَدَعَاهُ فَقَالَ: "يَا صَخْرُ! إِنَّ القَوْمَ إِذَا أَسْلَمُوا فَقَدْ أَحْرَزُوا دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالهُمْ فَادْفَعْ إِلَى المُغِيرَةِ عَمَّتَهُ"، فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ، وَسَأَلَ نَبِيَّ الله - صلى الله عليه وسلم - مَاءً كَانَ لِبَنِي سُلَيْمٍ قَدْ هَرَبُوا عَنِ الإِسْلاَمِ وَتَرَكُوا ذَلِكَ المَاءَ. فَقَالَ: أَنْزِلُ فِيْهِ أَنَا وَقَوْمِي، فَأَنْزَلَهُ وَأَسْلَمَوا - يَعْنِي بَنِي سُلَيْمٍ - فَأَتَوْا صَخْرًا وَسَأَلُوهُ أَنْ يَدْفَعَ إِلَيْهِمُ ذَلِكَ المَاءَ، فَأَبَى فَأَتَوُا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فقَالُوا: يَا رَسُوْلَ الله! قَدْ أَسْلَمْنَا فَأَتيْنَا صَخْرًا لِيَدْفَعَ إِلَيْنَا مَاءَنَا فَأَبَى عَلَيْنَا، فَدَعَاهُ فَقَالَ: "يَا صَخْرُ! إِنَّ القَوْمَ إِذَا أَسْلَمُوا أَحْرَزُوا ¬

_ (¬1) زيادة من (أ). (¬2) زيادة من (ب).

دِمَاءَهُمْ وَأمْوَالُهمْ فَادْفَعْ إِلَيْهِمْ مَاءَهُمْ"، قَالَ: نَعَمْ يَا رَسُوْلَ الله، وَرَأَيْتُ وَجْهَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - يَتَغَيَّرُ عِنْدَ ذَلِكَ حُمْرَةً حَيَاءً مِنْ أَخْذِ الجَارِيَةِ وَأَخْذِهِ المَاءَ. أخرجه أبو داود (¬1). [ضعيف] قوله: "في حديث عثمان بن أبي حازم عن جده صخر" هو صخر بن العيلة عبد الله بن ربيعة الأحمسي يكنى: أبا حازم، وقيل: أن العيلة أمه، ذكره ابن عبد البر (¬2). قوله: "ودعا لأحمس عشر دعوات" ذكر منها هنا دعوتين. قوله: "فادفع [40 ب] إليهم أموالهم". قال الخطابي (¬3): يشبه أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما أمره بردِّ الماء على معنى الاستطابة والسؤال، ولذلك كان يظهر في وجهه أثر الحياء، والأصل أن الكافر إذا هرب عن ماله فإنه يكون فيئاً لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ورسول الله جعله لصخر، وحيث ملكه صخر فلا ينتقل عن ملكه بدون رضاه، وإنما ردّه - صلى الله عليه وسلم - تآلفاً لهم على الإسلام. وأما رده المرأة: فيحتمل أن يكون ذلك كما فعله في سبي هوازن بعد أن استطاب أنفس [الناس (¬4)] عنها، [152/ أ]، ويحتمل أن يكون ذلك [الأمر فيها بخلاف ذلك (¬5)] لأنهم نزلوا على حكم رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فرأى أن يرد المرأة والأسبى؛ لأن دمائهم وأموالهم وسبيهم كان موقوفاً على ما يريه الله فيهم فكان ذلك حكمه، انتهى. قلت: إلا أنه يعكر عليه في المرأة قوله - صلى الله عليه وسلم -: "يا صخر! إن القوم إذا أسلموا فقد أحرزوا دمائهم وأموالهم" وقد قال المغيرة: أن عمته قد دخلت فيما دخل فيه المسلمون، فإنه ظاهر أنه أخذها صخر وهي مسلمة. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (3067) وهو حديث ضعيف. (¬2) في "الاستيعاب" رقم (1212 - الأعلام". (¬3) في معالم "السنن" (3/ 450 - مع السنن". (¬4) كذا في المخطوط والذي في المعالم: الغانمين. (¬5) زيادة من معالم "السنن" (3/ 450 - مع "السنن").

ويعكر على قصة الماء إخباره لصخر: "إن القوم إذا أسلموا (¬1) ... " إلى آخره، فإنه ظاهر أن إسلام بني سليم ردّ عليهم ما أخذ منهم فهو مشكل. وأما قوله: "يتغير حمرة حياء" فهو من فهم الراوي [41 ب] ويحتمل أنه - صلى الله عليه وسلم -استحيا من طلبه لصخر ما أخذه. قوله: "أخرجه أبو داود" في إسناده عثمان (¬2)، قال أبو حاتم (¬3): كان ممن فحش خطؤه وانفرد بالمناكير قاله [المنذري (¬4)] (¬5). 2 - وَعَنْ يَزِيدَ بْنَ عَبْدِ الله قَالَ: كُنَّا بِالمِرْبَدِ بِالبَصْرَةِ، فَإِذَا رَجُلٌ أَشْعَثُ الرَّأْسِ بِيَدِهِ قِطْعَةُ أَدَمٍ أَحْمَرَ، فَقُلْنَا: كَأنَّكَ مِنْ أَهْلِ البَادِيَةِ؟ فَقَالَ: أَجَلْ، قُلْنَا: نَاوِلْنَا هَذِهِ القِطْعَةَ الأَدَمَ الَّتِي فِي يَدِكَ، فَنَاوَلَنَا فَإِذَا فِيهَا: "مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - إِلَى بَنِي زُهَيْرِ بْنِ قَيْس: إِنَّكُمْ إِنْ شَهِدْتُمْ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله، وَأَقَمْتُمُ الصَّلاَةَ وَآتيْتُمُ الزَّكَاةَ، وَأَدَّيْتُمُ الخُمُسَ مِنَ المَغْنَمِ، وَسَهْمَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَسَهْمَ الصَّفِيِّ: أَنْتُمْ آمِنُونَ بِأَمَانِ الله تَعَالَى وَرَسُولهِ"، فَقُلْنَا: مَنْ كَتَبَ لَكَ هَذَا؟ قَالَ: رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -. ¬

_ (¬1) وقد ذهب الجمهور إلى أن الحربي إذا أسلم طوعاً كانت جميع أمواله في ملكه، ولا فرق بين أن يكون إسلامه في دار الإسلام أو دار الكفر على ظاهر الدليل. انظر "المغني" (13/ 115 - 116) "عيون المجالس" (2/ 725 - 727) "البيان" للعمراني (2/ 167 - 168). وقال بعض الحنفية: أن الحربي إذا أسلم في دار الحرب وأقام بها حتى غلب المسلمون عليها فهو أحق بجميع ماله، إلا أرضه وعقاره، فإنها تكون فيئاً للمسلمين. انظر: "البناية في شرح الهداية" (6/ 558 - 559)، "مختصر اختلاف الفقهاء" للطحاوي (3/ 452). (¬2) عثمان بن أبي حازم. (¬3) انظر "الجرح والتعديل" (6/ 148 رقم 809). (¬4) في مختصر "السنن" (4/ 263). (¬5) في (ب) الترمذي.

أخرجه أبو داود (¬1) والنسائي (¬2). [إسناده صحيح] قوله: "في حديث يزيد بن عبد الله فإذا رجل أشعث الرأس" هو النمر (¬3) بكسر النون ابن ثولب بفتح المثناة الفوقية آخره موحدة، الشاعر (¬4). قوله: "إلى بني زهير بن قيس" بقاف ومثناة تحتية وسين مهملة، كذا في نسخ التيسير، والذي في "جامع ابن الأثير" (¬5) "ابن أُقيش" بهمزة مضمومة فقاف ساكنة، فمثناة تحتية، فشين معجمة، فلعله تصحف على المصنف. وراجعت "سنن أبي داود" (¬6)، وإذا الذي فيها أقيش كما في "الجامع" (¬7)، وفي رواية الأنصاري، وقيش بواو مضمومة عوض الهمزة، والباقي كما ضبطناه، فتقرر أنه تصحف على صاحب التيسير. يزيده وضوحاً أن في "القاموس" (¬8) في حرف الشين المعجمة ما لفظه أُقَيْش كزبير أبو حيٍّ من عكل، والحارث بن أقيش، أو وقيش صحابي. انتهى. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (2999) بسند صحيح. (¬2) في "السنن" رقم (4146) بسند صحيح. (¬3) قال ابن حجر في "التقريب" (2/ 306 رقم 145) النمر بين تولب، بمثناة ثم موحدة، العكلي، صحابي، له حديث في "السنن"، لم يسم فيه، وسماه فيه محمد بن سلام في طبقات الشعراء، وهو غير النمر بن تولب الشاعر المشهور على الصحيح. (¬4) انظر ما تقدم. (¬5) (2/ 633). (¬6) الذي في "سنن أبي داود" (3/ 400 رقم 2999) بني زهير بن أقيش. (¬7) (2/ 633). (¬8) "القاموس المحيط" (ص 753).

قوله: "وسهم الصفي" بالصاد المهملة والفاء، في "النهاية" (¬1): الصفي ما كان يختاره رئيس الجيش لنفسه من الغنيمة قبل القسمة ويقال له: الصفية. انتهى. قوله: "وسهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -". قال الشيخ (¬2): هو ما كان يسهم له - صلى الله عليه وسلم - كسهم رجل ممن شهد الوقيعة حضرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وغاب عنها. 3 - عَنْ عَامِرِ بْنِ شَهْرٍ - رضي الله عنه - قَالَ: لمَّا خَرَجَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَتْ لِي هَمْدَانُ: هَلْ أَنْتَ آتٍ هَذَا الرَّجُلَ وَمُرْتَادٌ لَنَا، فَإِنْ رَضِيتَ لَنَا شَيْئًا رَضِيْنَاهُ, وَإِنْ كَرِهْتَ شَيْئًا كَرِهْنَاهُ, قُلْتُ: نَعَمْ. فَجِئْتُ حَتَّى قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فرَضِيتُ أَمْرَهُ وَأَسْلَمَ قَوْمِي، وَكَتَبَ لِي رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - هذَا الكِتَابَ إِلَى عُمَيْرٍ ذِي مَرَّانَ، قَالَ: وَبَعَثَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - مَالِكَ بْنَ مِرَارَةَ الرَّهَاوِيَّ إِلَى اليَمَنِ جَمِيعًا، فَأَسْلَمَ عَكٌّ ذُو خَيْوَانَ، قَالَ: فَقِيلَ لِعَكٍّ: انْطَلِقْ إِلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -وَخُذْ مِنْهُ الأَمَانَ عَلَى بَلَدِكَ وَمَالِكَ، فَقَدِمَ: فَكَتَبَ لَهُ النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: لِعَكٍّ ذِي خَيْوَانَ: إِنْ كَانَ صَادِقًا فِي أَرْضِهِ وَمَالِهِ وَرَقِيقِهِ فَلَهُ الأَمَانُ، [وَذِمَّةُ الله] (¬3) وَذِمَّةُ [مُحَمَّد] (¬4) رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، وَكَتَبَ خَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ العَاصِ. أخرجه أبو داود (¬5). [إسناده ضعيف] قوله: "وعن عامر بن شهر" (¬6) الهمداني ويقال [42 ب] الناعطي ويقال: البكيلي، وكلاهما من همدان، وشهر بفتح الشين المعجمة، ويقال: هو أبو شهر، ويقال: أبو الكنود بفتح الكاف وضم النون ودال مهملة، كان أحد عمال النبي - صلى الله عليه وسلم - على اليمن، وكان أول من اعترض على الأسود العنسي في ناحيته. ¬

_ (¬1) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 40)، وانظر "الفائق" للزمخشري (2/ 212). (¬2) الخطابي في معالم "السنن" (3/ 400 - مع "السنن"). (¬3) سقطت من المخطوط (أ. ب). (¬4) سقطت من المخطوط (أ. ب). (¬5) في "السنن" رقم (3027) بسند ضعيف. (¬6) انظر: "التقريب" (1/ 387 رقم 48).

وهمدان بفتح الهاء وسكون الميم ودال مهملة قبيلة، وهمدان بالتحريك والمعجمة بلد. قوله: "ومرتاد" (¬1) المرتاد في الأصل طالب الكلأ، ثم نقل إلى كل متطلب أمر آخر، راد، يرود، فهو رائد. قوله: "إلى عمير" مصغر عمر، وهو ابن أفلح الهمداني جدّ مجالد بن سعيد (¬2). و"مران" بضم الميم وتشديد الراء بعد ألفه نون. قوله: "مالك بن مرارة" (¬3) بضم الميم وفتح الراء، بينهما ألف. وَ"الرهاوي" بفتح الراء والهاء قبيلة من مذحج. قوله: "عكّ" بفتح العين المهملة وتشديد الكاف. وَ"خيران" بفتح الخاء المعجمة وسكون المثناة التحتية والراء والنون، وفي "سنن أبي داود" (¬4) "ذي خيوان" بعد المثناة التحتية واو، وليس فيه رواية بذي خيران كما هنا، ومثل ما. هنا في "الجامع" (¬5). قال ابن الأثير (¬6): قدم على النبي - صلى الله عليه وسلم - وأسلم، وكتب له كتاباً. انتهى. يريد بالكتاب هو المذكور هنا. قوله: "وذمة الله" الذمة (¬7) والذمام هما بمعنى العهد والأمان والضمان، والحرمة والحق، وسمى أهل الذمة بدخولهم في عهد المسلمين وأمانهم. ¬

_ (¬1) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 701). (¬2) انظر "التقريب" (5/ 229 رقم 919). (¬3) انظر: "الاستيعاب" رقم (2323 - الأعلام). (¬4) في "السنن" رقم (3027) بسند ضعيف. (¬5) (2/ 634). (¬6) في "أُسد الغاية" (2/ 216 رقم 1543). وانظر "الإصابة" رقم الترجمة (2459). (¬7) قاله ابن الأثير في "النهاية" (1/ 611). وانظر: "الفائق" للزمخشري (2/ 16).

قوله: "خالد بن سعيد" (¬1) هو أبو سعيد خالد بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي الأموي، أسلم قديماً، يقال أنه كان ثالثاً أو رابعاً [43 ب] أو خامساً في الإسلام فهو من السابقين الأولين. 4 - وَعَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ كَعْبُ بْنُ الأَشْرَفِ كَانَ يَهْجُو النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَيُحَرِّضُ عَلَيْهِ كُفَّارَ قُرَيْشٍ، فَكَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ قَدِمَ المَدِينَةَ وَكَانَ أَهْلُهَا أَخْلاَطَاً مِنْهُمُ المُسْلِمُونَ وَمِنْهُمُ المُشْرِكُونَ يَعْبُدُونَ الأَوْثَانَ، وَمِنْهُمُ اليَهُودُ، وَكَانُوا يُؤْذُونَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - وَأَصحَابَهُ، فَأَمَرَ الله - عز وجل - نَبِيَّهُ - صلى الله عليه وسلم - بِالصَّبْرِ وَالعفْوِ، فَفِيهِمْ أَنْزَلَ الله تعالى: {وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا}، فَأَبَى كَعْبُ بْنُ الأَشْرَفِ أَنْ يَنْزِعَ عَنْ أَذَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَمَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ أَنْ يَبْعَثَ إِلَيْهِ مَنْ يَقْتُلُهُ فَقَتَلَهُ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ - رضي الله عنه -، فَلمَّا قَتْلِهِ فَزِعَتِ اليَهُودُ وَالمُشْرِكُونَ فَغَدَوْا عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَقَالُوا: طُرِقَ صَاحِبُنَا فَقُتِلَ، فَذَكَرَ لَهُمُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - الَّذِي كَانَ يَقُولُ، ثُمَّ دَعَاهُمُ إِلَى أَنْ يَكْتُبَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ كِتَابًا يَنْتَهُونَ إِلَى مَا فِيهِ، فَكَتَبَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ وَبيْنَ المُسْلِمِينَ عَامَّةً صَحِيفَةً. أخرجه أبو داود (¬2). [صحيح] قوله: "في حديث كعب: سعد بن معاذ" (¬3) وهو أبو عمرو سعد بن معاذ بن النعمان ابن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل، خزرجي (¬4)، أسلم بالمدينة بين العقبة الأولى والثانية على ¬

_ (¬1) انظر "التقريب" (1/ 214 رقم 38). (¬2) في "السنن" رقم (3000) وهو حديث صحيح. (¬3) هو سعد بن معاذ بن النُّعمان بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل بن جشم بن الحارث بن الخزرج بن النبيت، وهو عمرو بن مالك بن الأوس الأنصاري الأشهلي، يكنى: أبا عمرو. "الاستيعاب" رقم (892 - الأعلام). (¬4) كذا في "الأم" والصحيح أنه أوسي كما صرح به في حديث الإفك. • قال ابن حجر في "التقريب" (1/ 289 رقم 103) سعد بن معاذ بن النعمان الأنصاري الأشهلي، أبو عمرو، سيد الأوس، شهد بدراً، واستشهد من سهم أصابه بالخندق. وانظر: "الاستيعاب" رقم (892 - الأعلام).

يد مصعب بن عمير، وأسلم بإسلامه بنو عبد الأشهل، ودارهم أول دار أسلمت من الأنصار، وسمَّاه رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - سيد الأنصار، كان مقدماً مطاعاً شريفاً في قومه، من جلة الصحابة وأكابرهم وخيرهم، شهد بدراً وأحداً، وثبت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - يومئذٍ، ورمي يوم الخندق في أكحله فلم يرق له دم حتى مات به في شهر ذي القعدة، سنة خمس وهو ابن سبع وثلاثين سنة. قوله: "محمد بن مسلمة" (¬1) هو أبو عبد الله، وقيل: أبو عبد الرحمن أوسي أنصاري، أشهلي، شهد المشاهد كلها إلا تبوك، كان من فضلاء الصحابة، وكان من الذين أسلموا على يد مصعب بن عمير بالمدينة، وقصة قتله لكعب بن الأشرف مسوقة في كتب السيرة (¬2) وغيرها بطولها، وأخرجه أبو داود (¬3) من حديث جابر مفصلاً. ولفظه بعد أن ترجم له (¬4) "باب في العدو يؤتى على غره" فقال: "إنه - صلى الله عليه وسلم - قال: من لكعب بن الأشرف؟ فإنّه قد آذى [44 ب] الله ورسوله، فقام محمد بن مسلمة فقال: يا رَسُولَ الله! أتحب أني أقتله؟ قال: "نعم"، قال: فأذن لي أن أقول شيئاً؟ قال: "نعم"، فأتاه فقال: إن هذا الرجل قد سألنا الصدقة وقد عنَّانا .. الحديث سيأتي، فلم يذكر فيه أنه - صلى الله عليه وسلم - أمر معاذ بن جبل، والجمع بين الحديثين أنه أمر معاذاً أن يبعث إليه فبعث محمد بن مسلمة، فأتى رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يستأذنه فيما يقول فأذن له. وأخرج حديث جابر الشيخان (¬5) والنسائي (¬6) كما قاله الحافظ المنذري (¬7). ¬

_ (¬1) انظر: "الاستيعاب" رقم (2241)، "التقريب" (2/ 208 رقم 707). (¬2) انظر السيرة النبوية لابن هشام (3/ 381 - 384)، "الطبقات الكبرى" (2/ 91 - 92). (¬3) في "السنن" رقم (2768) وهو حديث صحيح. (¬4) في "السنن" (3/ 211 الباب رقم 169). (¬5) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (4037) ومسلم رقم (1801). (¬6) في "السنن الكبرى" رقم (8587 - الرسالة). (¬7) في مختصر "السنن" (4/ 82).

5 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: صَالَحَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -أَهْلَ نَجْرَانَ عَلَى ألْفَي حُلَّةٍ النِّصْفُ فِي صفَرٍ [وَالبَقِيَّةُ] (¬1) فِي رَجَبٍ يُؤَدُّونَهَا إِلَى المُسْلِمِينَ، وَعَارِيَةِ ثَلاَثِينَ دِرْعًا، وَثَلاَثِينَ فَرَسًا، وَثَلاَثِينَ بَعِيرًا، وَثَلاَثِينَ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ مِنْ أَصْنَافِ السِّلاَحِ يَغْزُونَ بِهَا، وَالمُسْلِمُونَ ضَامِنُونَ لَهَا حَتَّى يَرُدُّوهَا عَلَيْهِمْ، عَلَى أَنْ لاَ تُهْدَمَ لَهْمْ بَيْعَةٌ، وَلاَ يُخْرَجُ لَهُمْ قَسٌّ، وَلاَ يُفْتَنُوا عَنْ دِينِهِمْ مَا لَمْ يُحْدِثُوا حَدَثًا أَوْ يَأْكُلُوا الرِّبَا. أخرجه أبو داود (¬2). [إسناده ضعيف] قوله: "في حديث ابن عباس على ألفي حلة" هي برود يمانية، ولا تسمى حلة إلا أن تكون [153/ أ] ثوبين من جنس واحد (¬3). قوله: "حتى يردوها عليهم". قلت: زاد في رواية "الجامع" (¬4) لهذا الحديث بعد هذا اللفظ، لفظ: "إن كان باليمن كيدٌ أو غدرة" (¬5)، وظاهره أنه قيد لقوله: "وعارية .. " إلى آخره، فيفيد أنه لا عارية عليهم إلا إن كان باليمن ما ذكر، لا مطلقاً كما يفيده إسقاط هذا القيد. ولا أدري لماذا أسقطه المصنف؟! وراجعت "سنن أبي داود" وإذا هذا لفظه، أعني زيادة: "إن كان باليمن" كما أنه لفظ ابن الأثير. ¬

_ (¬1) في (أ. ب) والنِّصفُ، وما أثبتناه من سنن أبي داود. (¬2) في "السنن" رقم (3041) إسناده ضعيف، ورجاله موثقون، غير أن أسباط هذا كثير الخطأ، كما في "التقريب" رقم (321). وأعله المنذري في مختصره (4/ 251) حيث قال: "في سماع السدي من ابن عباس نظر، وإنما قيل: إنه رآه، ورأى ابن عمر، وسمع من أنس بن مالك - رضي الله عنهم -. وتعقبه الألباني في ضعيف أبي داود (10/ 445) حيث قال: "وما أرى لهذا الإعلال وجهاً". وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف الإسناد، والله أعلم. (¬3) قاله ابن الأثير في "النهاية في غريب الحديث" (1/ 423). (¬4) (2/ 636). (¬5) في المخطوط: ذا تغدرة وما أثبتناه من "الجامع".

واعلم أن لفظه في "الجامع" (¬1): "كيد ذا تعذره" وكتب في هامشه: صوابه: "كيد ذاتَ غَدْرٍ" كذا في "النهاية" (¬2)، و"المنتقى" (¬3) أي: حرب ذات غدر، وفي "الإرشاد" (¬4) كيد أو غدر. انتهى. ورأيته في لفظ "السنن" (¬5) وإذا لفظه "كيد ذا تعذره" بمثناة فوقية وذال معجمة، قال الخطابي (¬6) في "شرح السنن": كذا وقع [45 ب] في كتابي، وفي غيرها: ذات عذر. قوله: "بيعة" (¬7) بكسر الموحدة للنصارى، وقيل: هي كنيسة أهل الكتاب، وقيل: البيعة لليهود والكنيسة للنصارى. و"القس" (¬8) بفتح القاف وتشديد السين المهملة رئيس النصارى في العلم والدين. تمامه: قال أبو داود (¬9): قال إسماعيل: فقد أكلوا الربا، قال أبو داود (¬10): إذا نقضوا بعض ما اشترط عليهم فقد أحدثوا. انتهى. ¬

_ (¬1) بل الذي في "الجامع" كيدٌ أو غدرة. (¬2) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 574). (¬3) (4/ 398 - "نيل الأوطار" - بتحقيقي). (¬4) في "إرشاد الفقيه إلى معرفة أدلة التنبيه" لابن كثير (2/ 337). (¬5) (3/ 430) والذي فيه: "إن كان كيدٌ أو غدرة". (¬6) في "معالم السنن" 3/ 430 - مع السنن". (¬7) انظر: "القاموس المحيط" (ص 911). (¬8) "القاموس المحيط" (ص 729)، "مفردات ألفاظ القرآن" (ص 670). (¬9) في "السنن" (3/ 431). (¬10) في "السنن" (3/ 431).

قلت: ويريد أبو داود بإسماعيل هو ابن عبد الرحمن القرشي وهو المعروف بالسدي، وهو الذي رواه عن ابن عباس، ولكن (¬1) في سماعه من ابن عباس نظر، وإنما قيل أنه رآه ورأى ابن عمر وأنس بن مالك. 6 - وَعَنْ زِيَادِ بْنِ حُدَيْرٍ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ - رضي الله عنه -: لَئِنْ بَقِيتُ لِنَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ لأَقْتُلَنَّ المُقَاتِلَةَ وَلأَسْبِيَنَّ الذُّرِّيَّةَ، فَإِنِّي كَتَبْتُ الكِتَابَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عَلَى أَنْ لاَ يُنَصِّرُوا أَوْلَادَهُمْ (¬2). أخرجه رزين. [ضعيف] قوله: "في حديث زياد بن حدير: أخرجه رزين". قلت: الذي في "الجامع" (¬3) قال أبو داود (¬4): وهذا حديث منكر ذكره رزين، ولم أجده (¬5) في كتاب أبي داود. انتهى لفظ "الجامع". وأقول: بل أخرجه أبو داود (¬6) في باب (¬7) أخذ الجزية، عن زياد بن حدير قال: قال علي إلى آخره. قال أبو داود (¬8): وهذا حديث منكر، قال أبو داود (¬9): وبلغني عن أحمد أنه أنكره جداً وتكلم فيه. ¬

_ (¬1) انظر: "مختصر السنن" للمنذري (4/ 251). (¬2) أخرجه أبو داود في "السنن" رقم (3040)، وهو حديث ضعيف. (¬3) (2/ 637). (¬4) في "السنن" (3/ 429). (¬5) بل هو عند أبي داود في "السنن" برقم (3040). (¬6) في "السنن" (3/ 427 الباب رقم 30). (¬7) باب في أخذ الجزية. (¬8) في "السنن" (3/ 429). (¬9) في "السنن" (3/ 429) حيث قال: بلغني عن أحمد أنه كان ينكر هذا الحديث إنكاراً شديداً.

قال أبو داود (¬1) أيضاً: وأنكروا هذا الحديث على عبد الرحمن بن هانئ، قال أبو علي: ولم يقرأه أبو داود في العرضة الأخيرة. انتهى كلام أبي داود. قوله: قال أبو علي - يريد به اللؤلؤي، أحد رواة أبي داود، وليس هذه اللفظة من كلام أبي داود، بل من بعض الرواة. وقال المنذري في "مختصر سنن أبي داود" (¬2) في إسناده إبراهيم (¬3) بن مهاجر النخعي الكوفي، وشريك (¬4) بن عبد الله النخعي، وقد تكلم فيهما غير واحد من الأئمة، وفيه أيضاً عبد الرحمن (¬5) [46 ب] بن هانئ النخعي، قال الإمام أحمد: ليس بشيء، وقال ابن معين كذلك. انتهى. فأعجب لقول "المصنف": أخرجه رزين وكان المتعين عليه ذكر لفظ "الجامع" (¬6) أنه ذكره رزين، وأنه قال ابن الأثير: لم يجده في كتاب أبي داود. 7 - وَعَنِ العِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ السُّلَمِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: نَزَلْنَا مَعَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَلْعَةَ خَيْبَرَ وَمَعَهُ مَنْ مَعَهُ مِنْ المُسْلِمِينَ، وَكَانَ صَاحِبُ خَيْبَرَ رَجُلاً مَارِدًا [مُنْكَرًا (¬7)] فَأَقْبَلَ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ! أَلكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا حُمُرَنَا وَتَأْكُلُوا ثَمَرَنَا وَتَضْرِبُوا نِسَاءَنَا؟ فَغَضِبَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - وَقَالَ: "يَا ابْنَ عَوْفٍ! ارْكَبْ فَرَسَكَ ثُمَّ نَادِ: إِنَّ الجَنَّةَ لاَ تَحِلُّ إِلاَّ لمُؤْمِنٍ وَأَنِ اجْتَمِعُوا لِلصَّلاَةِ"، فَاجْتَمَعُوا ثُمَّ صَلَّى بِهِمُ، ثُمَّ قَامَ فَقَالَ: "أَيَحْسَبُ أَحَدُكُمْ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ قَدْ يَظُنُّ أَنَّ الله تَعَالَى لَمْ يُحَرِّمْ شَيْئًا إِلاَّ مَا فِي هَذَا القُرْآنِ، أَلاَ وَإِنِّي وَالله قَدْ وَعَظْتُ وَأَمَرْتُ وَنَهَيْتُ عَنْ أَشْيَاءَ إِنَّهَا لِمَثْلُ ¬

_ (¬1) في "السنن" (3/ 429). (¬2) (4/ 250). (¬3) انظر: "ميزان الاعتدال" (1/ 67 رقم 225). (¬4) انظر: "ميزان الاعتدال" (2/ 270 رقم 3697). (¬5) "ميزان الاعتدال" (2/ 595 رقم 4994). (¬6) (2/ 637) وهو موجود برقم (3040) وهو حديث ضعيف. (¬7) في المخطوط متكبراً، وما أثبتناه من "سنن أبي داود".

القُرْآنِ أَوْ أَكْثَرُ، وَأَنَّ الله تَعَالَى لَمْ يُحِلَّ لَكُمْ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتَ أَهْلِ الكِتَابِ إِلاَّ بِإِذْنٍ، وَلاَ ضَرْبَ نِسَائِهِمْ وَلاَ أَكْلَ ثِمَارِهِمْ إِذَا أَعْطُوا الَّذِي عَلَيْهِمْ". أخرجه أبو داود (¬1). [ضعيف] قوله: "في حديث العرباض مارد" المارد (¬2) من الرجال العاتي الشديد، قوله: "منكراً" (¬3) اسم فاعل من أنكر (¬4)، أي: منكراً للإسلام و [النبوة (¬5)]. قوله: "لكم أن تذبحوا حمرنا" كذا في "الجامع الكبير" (¬6) والذي في "سنن أبي داود" (¬7): "ألكم" بزيادة همزة الاستفهام. وقوله: "ثمرنا" ضبط بمثلثة ومثناة فوقية، وهما روايتان في "السنن". قوله: "فغضب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -"، كان غضبه أنهم فعلوا ذلك بغير إذنه - صلى الله عليه وسلم -. قوله: "أخرجه أبو داود". قلت: قال المنذري (¬8): في إسناده أشعث بن [شعبة (¬9)] المصّيصي وفيه مقال. انتهى. وفي "التقريب" (¬10): أنه مقبول ولم يقدح فيه بشيء. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (3050) وهو حديث ضعيف. (¬2) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 648). (¬3) كذا في "الأم" وفي المتن "متكبراً" تقدم توضيحه. (¬4) النُّكْر: بالضم وهو الدهاء، والأمر المنكر ويقال للرجل إذا كان فطناً: ما أشد نكره، بالضم والفتح. "النهاية في غريب الحديث" (2/ 794). (¬5) في (أ) للنبوة. (¬6) (2/ 638). (¬7) في "السنن" الحديث رقم (3050). (¬8) في "مختصر السنن" (4/ 255). (¬9) في المخطوط سعيد، وهو خطأ، انظر مصادر الترجمة. (¬10) (1/ 79 رقم 601).

وفي "الميزان" (¬1): أشعث بن [شعبة (¬2)] عن أرطأة بن المنذر وجماعة، قال أبو زرعة: لين، وقوّاه ابن حبّان. انتهى. فكأن المنذري (¬3) أشار إلى كلام أبي زرعة. 8 - وَعَنْ رَجُلٍ مِنْ جُهَيْنَةَ: أَنَّ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَعَلَّكُمْ تُقَاتِلُونَ قَوْمًا فَتَظْهَرُونَ عَلَيْهِمْ فَيَتَّقُوَنكُمْ بِأَمْوَالهِمْ دُونَ أَنْفُسِهِمْ وَذَرَارِيِّهِمْ، فَيُصَالِحُونَكُمْ عَلَى صُلْحٍ، فَلاَ تُصِيبُوا مِنْهُمْ فَوْقَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لاَ يَصْلُحُ لَكُمْ". أخرجه أبو داود (¬4). [ضعيف] قوله: "وعن رجل من جهينة" لفظ أبي داود (¬5): عن رجل من ثقيف عن رجل من جهينة. قوله: "وذراريهم". قلت: لفظ "السنن" "وأبناءهم". قوله: "فإنه لا يصلح لكم" أي: لا [47 ب] يحل بعد الصلح أخذ شيء منهم، فقد حقنوا دمائهم وأحرزوا أموالهم بالصلح فلا يحل نقضه. قوله: "أخرجه أبو داود" قال المنذري (¬6): في إسناده رجل مجهول. انتهى. قلت: هو الذي من ثقيف، وأمّا الذي من جهينة فإنه وإن كان مجهولاً لكنه صحابي، وجهالة عينه لا تضر كما عرف في "علوم الحديث" (¬7). ¬

_ (¬1) (1/ 265 رقم 997). (¬2) في المخطوط سعيد، وهو خطأ، انظر مصادر الترجمة. (¬3) في "المختصر" (4/ 255). (¬4) في "السنن" رقم (3051) بسند ضعيف لجهالة الرجل الثقفي، وهو حديث ضعيف، انظر "الضعيفة" رقم (2947). (¬5) في "السنن" رقم (3051) وهو حديث ضعيف. (¬6) في مختصره (4/ 255). (¬7) انظر: "الكفاية" (88 - 89)، "تدريب الراوي" (1/ 283).

9 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ المُسْلِمِينَ؛ إِلاَّ صُلْحًا حَرَّمَ حَلاَلاً أَوْ حَلَّلَ حَرَامًا". قَالَ: "وَالمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ إِلَّا شَرْطَاً حَرَّمَ حَلاَلاً أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا". أخرجه أبو داود (¬1) والترمذي. [صحيح لغيره] ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (3594) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، وأخرجه ابن الجارود رقم (637، 638) والدارقطني (3/ 27 رقم 96)، والحاكم (2/ 49) والبيهقي في "السنن الكبرى" (6/ 64، 65)، وأحمد في "المسند" (2/ 366) وابن حبان رقم (1199 - موارد) وابن عدي في "الكامل" (6/ 2088) كلهم من حديث كثير بن زيد عن الوليد بن رباح، عن أبي هريرة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "المسلمون على شروطهم والصلح جائز بين المسلمين"، زاد بعضهم: "إلا صلحاً حرَّم حلالاً وأحلَّ حراماً". قال الحاكم: "رواة هذا الحديث مدنيون" فلم يصنع شيئاً. ولهذا قال الذهبي: "لم يصححه، وكثير ضعفه النسائي وقوَّاه غيره"، وقال ابن حجر في "التقريب" (2/ 131 رقم 11): "صدوق يخطئ". قلت: لم يتفرد به، وله شواهد. • "منها" ما أخرجه الترمذي في "السنن" رقم (1352) وقال: هذا حديث حسن صحيح. وابن ماجه رقم (2353) والحاكم (4/ 101) والدارقطني (3/ 27 رقم 98)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (6/ 79) من طريق كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف, عن أبيه عن جده مرفوعاً، "الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحاً حرَّم حلالاً، أو أحلَّ حراماً". وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. قلت: فيه كثير بن عبد الله هذا مجمع على ضعفه، وقد قال ابن حجر في "التقريب" (2/ 132 رقم 17): "ضعيف، متهم من نسبه إلى الكذب". وسكت الحاكم على الحديث، وقال الذهبي: "واهٍ". • و"منها" حديث عائشة - رضي الله عنها - مرفوعاً بزيادة: "ما وافق الحق". أخرجه الدارقطني (3/ 27 رقم 99) والحاكم (2/ 49). =

قوله: "في حديث أبي هريرة: إلا صلحاً حرَّم حلالاً أو حلَّلَ حراماً". قال الأئمة: الصلح يجري مجرى المعاوضات، ولذلك لا يجوز إلا فيما أوجب المال، ولا يجوز في دعوى القذف أو دعوى الزوجية ولا في مجهول. ولا يجوز أن يصالح من دين هو عليه على حال نسيئة؛ لأنه يكون من بيع الكالئ بالكالئ، ولا يجوز الصلح على قول مالك (¬1) على الإقرار، ولا يجوز [154/ أ] على قول الشافعي (¬2) على الإنكار، وجوّزه أصحاب الرأي (¬3) على الإقرار والإنكار معاً. ونوع آخر من الصلح وهو: أن يصالحه من مال على بعضه نقداً، وهذا من باب الحط والإبراء، وإن كان يسمى صلحاً، قاله الخطابي (¬4). ¬

_ = قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً، من أجل عبد العزيز بن عبد الرحمن وهو البالسي الجزري، اتهمه الإمام أحمد، وقال النسائي وغيره: ليس بثقة، ولهذا قال الحافظ في "التلخيص" (3/ 23): "وإسناده واهٍ". وفي الباب شواهد أخر من حديث أنس، ورافع بن خديج، وابن عمر شديدة الضعف، ولذا قال الحافظ ابن حجر في "التلخيص" (3/ 23 رقم 1195): ضعيف. وقال الألباني في "الإرواء" (5/ 145 - 146): وجملة القول: أن الحديث بمجموع هذه الطرق يرتقي إلى درجة الصحيح لغيره. وهي وإن كان في بعضها ضعف شديد، فسائرها مما يصلح الاستشهاد به, لا سيما وله شاهد مرسل جيد، فقال ابن أبي شيبة - في مصنفه (6/ 568) -: نا يحيى بن زائدة، عن عبد الملك هو ابن أبي سليمان، عن عطاء، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلاً. وذكره ابن حجر في "التلخيص" وسكت عنه، وإسناده مرسل صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم" اهـ. • وأما الموقوف: فقد أخرجه البيهقي (6/ 65) موقوفاً على عمر كتبه إلى أبي موسى الأشعري. (¬1) انظر: مدونة الفقه المالكي وأدلته (3/ 704 - 705). (¬2) "البيان" للعمراني (6/ 246). (¬3) "بدائع الصنائع" (6/ 40)، "البناية في شرح الهداية" (9/ 3 - 4). (¬4) في "معالم السنن" (4/ 20 - مع "السنن").

قوله: "والمسلمون على شروطهم" هذا في الشروط الجائزة في حق الدين دون الشروط الفاسدة، وهو مما دخل في قوله تعالى: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} (¬1). قوله: "أخرجه أبو داود والترمذي" زاد في "الجامع" (¬2) إلا أن أبا داود انتهت روايته عند قوله: "شروطهم" انتهى. قلت: وقال (¬3) الترمذي حسن صحيح. 10 - وَعَنْ ابْنَ المُسَيَّبِ قَالَ: قَالَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - لِيَهُودِ خَيْبَرَ: "أُقِرُّكُمْ مَا أَقَرَّكُمُ الله تَعَالَى عَلَى أَنَّ التَّمْرَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ"، وَكَانَ - صلى الله عليه وسلم - يَبْعَثُ عَبْدَ الله بْنَ رَوَاحَةَ فَيَخْرُصُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ، ثُمَّ يَقُولُ: إِنْ شِئْتُمْ فَلَكُمْ، وَإِنْ شِئْتُمْ فَلِي فَكَانُوا يَأْخُذُونهَ. أخرجه مالك (¬4). [صحيح لغيره] قوله: "ابن المسيب" هو منقطع ولكنه ثابت من طرق مرفوعة صحيحة. قوله: "أقركم ما أقركم الله تعالى" [48 ب] قال ابن عبد البر (¬5): ليس فيه دليل على أن المساقاة إلى أجل مجهول أو إلى غير أجل جائزة؛ لأن قوله: "ما أقركم الله" فيه دليل على أن ذلك مخصوص به؛ لأنه كان ينتظر القضاء في ذلك من ربه، وليس كذلك غيره، وقد أحكمت الشريعة معاني الإجارات وسائر المعاملات، وجمهور (¬6) علماء المدينة وغيرها لا تجوز عندهم المساقاة إلا إلى سنين معلومة. ¬

_ (¬1) سورة المائدة الآية (1). (¬2) (2/ 639). (¬3) في "السنن" (3/ 635). (¬4) في "الموطأ" (2/ 703 رقم 1) وهو حديث صحيح لغيره. • وأخرج البخاري في "صحيحه" رقم (2328) ومسلم رقم (6/ 1551) وأحمد (2/ 149) عن ابن عمر، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما ظهر على خيبر سألته اليهود أن يقرهم بها على أن يكفوه عملها ولهم نصف الثمرة، فقال لهم: "نُقركم بها على ذلك ما شئنا". (¬5) "التمهيد" (12/ 300 - 301). (¬6) انظر: "المغني" (7/ 530)، "المحلى" (8/ 190)، "فتح الباري" (5/ 26).

قوله: "فيخرص" خرص (¬1) الرطب حرز ما فيه تخميناً وتقديراً. 11 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أَنَّ أَهْلَ خَيْبَرَ قَالُوْا: يَا مُحَمَّدٍ! دَعْنَا نَكُونُ فِي هَذِهِ الأَرْضِ نُصْلِحُهَا وَنَقُومُ عَلَيْهَا فَأَعْطَاهُمْ عَلَى أَنَّ لَهُمُ الشَّطْرَ مِنْ كُلِّ زَرْعٍ وَشَيْءٍ مَا بَدَا لِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَكَانَ عَبْدُ الله بْنُ رَوَاحَةَ - رضي الله عنه - يَأْتِيهِمْ كُلَّ عَامٍ فَيَخْرُصُهَا عَلَيْهِمْ ثُمَّ يُضَمِّنُهُمُ الشَّطْرَ، فَشَكَوْا إِلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - شِدَّةَ خَرْصِهِ وَأَرَادُوا أَنْ يَرْشُوهُ، فَقَالَ عَبْدُ الله: تُطْعِمُونِي السُّحْتَ، وَالله لَقَدْ جِئْتُكُمْ مِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ، وَلأنْتُمْ أَبْغَضُ إِلَيَّ مِنْ عِدَّتِكُمْ مِنَ القِرَدَةِ وَالخَنَازِيرِ، وَلاَ يَحْمِلُنِي بُغْضِي إِيَّاكُمْ عَلَى أَنْ لاَ أَعْدِلَ فِيْكُم، فَقَالُوا بِهَذَا قَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ، وَكَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يُعْطِي كُلَّ امْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِهِ ثَمَانِينَ وَسْقًا مِنْ تَمْرٍ كُلَّ عَامٍ، وَعِشْرِينَ وَسْقًا مِنْ شَعِيرٍ، فَلمَّا كَانَ زَمَنُ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ - رضي الله عنه - غَشُّوا المُسْلِمِينَ فَأَلْقَوُا ابْنَ عُمَرَ مِنْ فَوْقِ بَيْتِ فَفَدَعُوا يَدَيْهِ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ - رضي الله عنه -: مَنْ كَانَ لَهُ سَهْمٌ مِنْ خَيْبَرَ فَلْيَحْضُرْ حَتَّى نَقْسِمَهَا بَيْنَهُمْ، فَقَالَ رئِيسُهُمْ: لاَ تُخْرِجْنَا! دَعْنَا نَكُونُ فِيهَا كَمَا أَقَرَّنَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وَأَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ عُمَرُ - رضي الله عنه -: أَتُرَاهُ سَقَطَ عَلَى قَوْلُ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - كَيْفَ بِكَ إِذَا رَقَصَتْ بِكَ رَاحِلَتُكَ نَحْوَ الشَّامِ يَوْمًا ثُمَّ يَوْمًا ثُمَّ يَوْمًا، وَقَسَمَهَا عُمَرُ - رضي الله عنه - بَيْنَ مَنْ كَانَ شَهِدَ خَيْبَرَ مِنْ أَهْلِ الحُدَيْبِيَةِ. أخرجه البخاري (¬2) وأبو داود (¬3). [صحيح] قوله: "ففدعوا يديه [ورجليه (¬4)] " الفدع (¬5): بفتح الموحدة والدال، زوال المفصل من الكتف والساعد، ومن الرجل والساق، وفي "الجامع" (¬6) رجل أفدع بين الفدع وهو المعوجُّ ¬

_ (¬1) قال ابن الأثير في "النهاية في غريب الحديث" (1/ 482) خرص النخلة، والكرمة يخرصها خرصاً: إذا حزر ما عليها من الرطب تمراً، ومن العنب زبيباً، فهو من الخرص: الظن؛ لأن الحزر إنما هو: تقدير بظن. (¬2) في "صحيحه" رقم (2730). (¬3) في "السنن" رقم (3007) مختصراً. (¬4) هذه الكلمة غير موجودة في المتن. (¬5) انظر: "الفائق" للزمخشري (3/ 285). (¬6) (2/ 641). =

الرسغ من اليد أو الرجل، فيكون منقلب الكف إلى القدم إلى ما يلي الإبهام، وذلك الموضع هو الفدعة. قوله: "رئيسهم" في "الجامع" (¬1): أحد بني الحقيق. قوله: "أتراه سقط على قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .. إلى قوله: ثم يوماً". في "الجامع" (¬2): أنه أجاب رئيسهم المذكور على عمر بقوله: كان ذلك هزيلة من محمد وهي تصغير هزلة وهي المرة الواحدة من الهزل ضد الجد. وفي "الاستذكار" (¬3) لابن عبد البر: أن عمر أخبر أن رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال في وجعه الذي مات فيه: "لا يجتمعن دينان بأرض الحجاز" (¬4) ففحص عنه حتى [49 ب] وجد النص عليه، فقال: من كان عنده عهد من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فليأت به، وإلا فإني مجليكم فأجلاهم. قوله (¬5): فأجلاهم، الإجلاء: الإخراج من الوطن كرهاً. ¬

_ = وقال ابن الأثير في "النهاية" (2/ 350) الفدع بالتحريك: زيغٌ بين القدم، وبين عظم الساق، وكذلك في اليد، وهو أن تزول المفاصل عن أماكنها. (¬1) (2/ 640 الحديث رقم 1129). (¬2) (2/ 641). (¬3) (26/ 60 - 61). (¬4) أخرجه مالك في "الموطأ" (2/ 892 رقم 18) بسند ضعيف لإرساله، وله شاهد من حديث عائشة - رضي الله عنها - عند أحمد (6/ 274 - 275) بسند حسن، ويشهد له في الجملة، حديث عمر بن الخطاب عند مسلم رقم (1767). انظر: "نصب الراية" (3/ 454)، والخلاصة: أنه صحيح لغيره. (¬5) يشير إلى قول ابن عبد البر في "الاستذكار".

وقوله: "قلوصك" (¬1) بالقاف وصاد مهملة الناقة الشابة (¬2)، وقيل القوية على السير ولا يسمى (¬3) الذكر قلوصاً. 12 - وَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْت رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ قَتَلَ مُعَاهِدًا مُتْعَهِّدَاً فِي غَيْرِ كُنْهِهِ حَرَّمَ الله تَعَالَى عَلَيْهِ الجَنَّةَ". أخرجه أبو داود (¬4) والنسائي (¬5). [صحيح] قوله: "في غير كنهه" (¬6): أي: في غير وقته أو حاله الذي يجوز فيه قتله. 13 - وَعَنْ صَفْوَانَ بْنَ سُلَيْمٍ، عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَبْنَاءِ الصَّحَابَةِ عَنْ آبَائِهِمْ - رضي الله عنهم -: أَنَّ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِدًا، أَوِ انْتَقَصَهُ، أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ، أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ [نَفْسٍ] (¬7) فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ". أخرجه أبو داود (¬8). [حسن] قوله: "في حديث صفوان بن سليم: أخرجه أبو داود" ولفظ أبي داود: أن صفوان بن سليم أخبره عن عدة من أبناء أصحاب رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عن آبائهم دنيةٌ .. وساق الحديث، قال عليه الحافظ المنذري (¬9): فيه أيضاً مجهولون. انتهى. ¬

_ (¬1) كذا في الشرح، والذي في المتن: راحلتك. (¬2) قال ابن الأثير في "النهاية" (2/ 484) هي الناقة الشابة وقيل: لا تزال قلوصاً حتى تصير بازلاً وتجمع على قلاص وقلص. (¬3) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (2/ 641). (¬4) في "السنن" رقم (2760). (¬5) في "السنن" رقم (4747 و4748) وهو حديث صحيح. (¬6) قال ابن الأثير في "النهاية" (2/ 567، كنه الأمر: حقيقته، وقيل: وقته وقدره، وقيل: غايته، يعني: من قتله في غير وقته أو غاية أمره الذي يجوز فيه قتله. انظر "المجموع المغيث" (3/ 81). (¬7) في (أ. ب) نفسه، وما أثبتناه من سنن أبي داود. (¬8) في "السنن" رقم (3052) وهو حديث حسن. (¬9) في "مختصر السنن" (4/ 255).

وقوله: "دنية" بكسر الدال المهملة فنون ساكنة أي: الأقرب منهم. قوله: "معاهداً" المعاهد الذي بينك وبينه عهد وأمان. قوله: "حجيجه" (¬1) الحجيج: فعيل من المحاجة، المغالبة وإظهار الحجة. 14 - وَعَنْ أُمِّ هَانِئٍ - رضي الله عنها - قَالَتْ: أَجَرْتُ رَجُليْنِ مِنْ أَحْمَائِي، فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ. أخرجه الستة (¬2) إلا النسائي. قوله: "في حديث أم هانئ: رجلين" هما الحارث بن هشام وزهير بن أبي أمية المخزوميان، وفيه جواز إجارة (¬3) المرأة المسلمة، وفي الحديث قصة في كتب السيرة (¬4). قوله: "أخرجه الستة إلا النسائي". قلت: في "الجامع" (¬5) أن لفظ الشيخين (¬6) و"الموطأ" (¬7): أنها قالت: يا رسول الله! قد أجرتُ فلان بن هبيرة، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ". ولفظ الترمذي (¬8): "قد أجرت رجلين من أحمائي" .. الحديث. ¬

_ (¬1) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (2/ 652). (¬2) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (357) ومسلم رقم (82/ 336) وفيه: " ... فلما انصرفت قلت: يا رسول الله! زعم ابن أمي علي بن أبي طالب أنه قاتل رجلاً قد أجرته فلان بن هبيرة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ". وأخرجه الترمذي في "السنن" رقم (1579) عن أم هانئ: أنها قالت: أجرت رجلين من أحمائي، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قد أمنا من أمنت". (¬3) انظر "فتح الباري" (1/ 470) "التمهيد" (5/ 13 - 14). (¬4) "السيرة النبوية" لابن هشام (4/ 76). (¬5) (2/ 654). (¬6) البخاري رقم (357) ومسلم رقم (82/ 336). (¬7) (1/ 152). (¬8) في "السنن" رقم (1579).

الفصل الثاني: في الجزية وأحكامها

وفي رواية أبي داود (¬1): "أجارت رجلاً من المشركين وذكرت له - صلى الله عليه وسلم - ذلك فقال: "قد أجرنا من أجرت وأمّنا [50 ب] من أمّنت". 15 - وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: مَا خَتَرَ قَوْمٌ بِالعَهْدِ إِلَّا سَلّطَ الله تَعَالَى عَلَيْهِمْ العَدُوَّ. أخرجه مالك (¬2) بلاغاً. [موقوف صحيح] "الختر" (¬3) الغدر. [قوله (¬4)] الفصل الثاني: في الجزية وأحكامها واعلم أن الحكمة في وضع الجزية: أن الذي يلحقهم من الذل سببها يحملهم على الدخول في الإسلام مع ما في مخالطة المسلمين من الإطلاع على محاسن الإسلام. 1 - عَنْ مُعَاذٍ بْنِ جَبَلٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - لمَّا وَجَّهَهُ إِلَى اليَمَنِ أَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنَ كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا، أَوْ عِدْلَهُ مِنَ المَعَافِرِ، ثِيَابٌ تَكُونُ بِاليَمَنِ. أخرجه بو داود (¬5). [صحيح] قوله: "على كل حالم" فيه دليل على أن الجزية إنما تجب على (¬6) الذكر منهم دون الإناث والصبيان والمجانين، وفيه بيان أن الدينار مقبول من جماعتهم أغنيائهم وأوساطهم في ذلك سواء، وإلى ذلك ذهب الشافعي (¬7). ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (2763). (¬2) في "الموطأ" (1/ 449). (¬3) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 471). (¬4) زيادة من (أ). (¬5) في "السنن" رقم (1576 و3038). وأخرجه النسائي في "السنن" رقم (2450، 2453)، والترمذي رقم (623) وأحمد (5/ 230) وابن ماجه رقم (1803) وهو حديث صحيح. (¬6) انظر: "المغني" (3/ 210) "فتح الباري" (6/ 260) "البيان" للعمراني (12/ 256). (¬7) "البيان" للعمراني (12/ 269).

قوله: "المعافري" (¬1) هي برود منسوبة إلى معافر وهي قبيلة باليمن. 2 - وَعَنْ جَعْفَر بْنٍ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبَيْهِ: أَنَّ عُمَرَ بْن الخَطَّابِ - رضي الله عنه - ذَكَرَ المَجُوسَ فَقَالَ: مَا أَدْرِي مَا أَصْنَعُ فِي أَمْرِهِمْ؟ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ عَوْفٍ - رضي الله عنه -: أَشْهَدُ لَسَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُوْلُ: "سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الكِتَابِ" (¬2). [ضعيف] قوله: "وعن جعفر بن محمد عن أبيه" أي: محمد بن علي بن الحسين المعروف بالباقر. قوله: "أن عمر بن الخطاب" هذا منقطع، فإن محمد الباقر لم يدرك عمر. قوله: "أشهد لسمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... إلى آخره" في امتناع عمر من أخذ الجزية من المجوس حتى شهد عنده عبد الرحمن، دليل على أنّ رأي الصحابة أن الجزية لا تؤخذ من كل مشرك، بل لا تؤخذ (¬3) إلا من أهل الكتاب. واختلفوا هل المجوس [155/ أ] أهل كتاب أم لا؟ فروي (¬4) عن علي - عليه السلام - أنه قال: كان لهم كتاب يدرسونه فأصبحوا وقد أسري على كتابهم، فرفع من بين أظهرهم واتفقوا (¬5) على تحريم ذبائح المجوس ومناكحتهم بخلاف [51 ب] أهل الكتابين. ¬

_ (¬1) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 226) "الفائق" للزمخشري (3/ 9). (¬2) أخرجه مالك في "الموطأ" (1/ 278 رقم 42) وهو ضعيف. • وعن عمر: أنه لم يأخذ الجزية من المجوس حتى شهد عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذها من مجوس هجر. أخرجه أحمد (1/ 194) والبخاري رقم (3156، 3157) وأبو داود رقم (4043) والترمذي رقم (1587) وهو حديث صحيح. (¬3) انظر: "التمهيد" (2/ 116 - تيمية) شرح "فتح القدير" (6/ 46 - 47) "فتح الباري" (6/ 259). (¬4) أخرجه الشافعي في "الأم" (5/ 406 - 407 رقم 1923)، وعبد الرزاق في مصنفه رقم (19262) بإسناد حسن. انظر: "فتح الباري" (6/ 261) حيث قال ابن حجر: إسناده حسن. (¬5) قال ابن المنذر: ليس تحريم نكاحهم وذبائحهم متفقاً عليه، ولكن الأكثر من أهل العلم عليه. =

وفي "سنن أبي داود" (¬1) من حديث ابن عباس قال: إن أهل فارس لما مات نبيهم كتب لهم إبليس المجوسية. قوله: "سنة أهل الكتاب" أي: خذوهم على طريقتهم وأجروهم في أخذ الجزية مجراهم؛ لأن لهم شبهة كتاب. 3 - وَعَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - أخَذَ الجِزْيَةَ مِنْ مَجُوسِ البَحْرَيْنِ، وَأَنَّ عُمَرَ - رضي الله عنه - أَخَذَهَا مِنْ مَجُوسِ فَارِسَ، وَأَنَّ عُثْمَانَ - رضي الله عنه - أَخَذَهَا مِنَ البَرْبَرِ" (¬2). أخرجهما مالك. [صحيح لغيره] قوله: "وعن ابن شهاب" إلى قوله: "والبربر" بموحدة مكررة، وراء كذلك في "القاموس" (¬3) أنهم جيل، جمعه برابرة، قال: وهم بالمغرب، وأمة أخرى بين الحبوش، والزنج يقطعون مذاكير الرجال ويجعلونها مهور نسائهم، وكلهم ولد قيس عيلان أو هم بطنان من حمير. انتهى. قوله: "أخرجهما مالك". قلت: قد عرف أن الأول منقطع وهذا بلاغ, ولو ذكر المصنف ما في رواية "الجامع" (¬4) التي أخرجها أبو داود (¬5) بلفظ: "جاء رجل من الأسبذيين من أهل البحرين، وهم مجوس أهل هجر إلى رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فمكث عنده ثم خرج فسألته: ما قضى الله ورسوله فيكم؟ قال: شر، قلت: مه؟! قال الإسلام أو القتل. ¬

_ = "فتح الباري" (6/ 262) "التمهيد" (7/ 99 - الفاروق) "المغني" (13/ 205). (¬1) في "السنن" رقم (3042) وهو حديث ضعيف. (¬2) في "الموطأ" (1/ 278) بلاغاً. (¬3) "القاموس المحيط" (ص 445). (¬4) (2/ 657 - 658). (¬5) في "السنن" رقم (3044) بسند ضعيف، لجهالة قشير بن عمرو.

قال: وكان عند رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عبد الرحمن بن عوف فلما خرج سئل قال: قبل منهم الجزية, قال ابن عباس: فأخذ الناس بقول عبد الرحمن وتركوا حديثي أنا عن الأسبذي". انتهى. قوله: "الأسبذي" (¬1) بفتح الهمزة فسين مهملة ساكنة فذال معجمة، قيل: إن أسبذ اسم فرس كانوا يعبدونه فنسبوا إليه، وقيل فيه غير ذلك. 4 - وَعَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - أخَذَهَا مِنْ أُكَيْدِرِ دُومُةَ يَعْنِي الجِزْيَةَ (¬2). [حسن] قوله: "في حديث أنس: أكيدر دومة" بضم الهمزة [فكاف (¬3)] فمثناة تحتية فدال مهملة فراء، ودومة بدال مهملة مفتوحة وتضم، ودومة موضع، وأكيدر وهو صاحبها وهو أكيدر [52 ب] بن عبد الملك، قال الخطابي في "المعالم" (¬4): إنه رجل من العرب قيل: من غسان، وفيه دلالة على جواز (¬5) أخذ الجزية من العرب كجوازه من العجم، وكان أبو يوسف (¬6) يذهب إلى أن الجزية لا تؤخذ من عربي. ¬

_ (¬1) قال ابن الأثير في "النهاية" (1/ 747) هم قوم من المجوس لهم ذكر في حديث الجزية قيل: كانوا مَسْلَحَةَ لحصن المُشقَّر من أرض البحرين. "غريب الحديث" للهروي (1/ 85). (¬2) أخرجه أبو داود في "السنن" رقم (3037) وهو حديث حسن. (¬3) زيادة من (ب). (¬4) (3/ 427 - 428 - مع السنن). (¬5) قال الحافظ في "التلخيص" (4/ 225): "إن ثبت أن أكيدرا كان كندياً ففيه دليل على أن الجزية لا تختص بالعجم من أهل الكتاب؛ لأن كيدراً كان عربياً". انظر "البيان" للعمراني (12/ 250)، مدونة الفقه المالكي وأدلته (2/ 453) (6/ 259). (¬6) انظر: "المغني" (13/ 205) "فتح الباري" (6/ 259).

قال الأوزاعي (¬1) والشافعي (¬2): العربي والعجمي في ذلك سواء، وكان الشافعي يقول: إنما الجزية على الأديان لا على الإنسان. انتهى. 5 - وَعَنْ حَرْبٍ بْنِ عُبِيْدِ الله عَنْ جَدِّهْ أَبِي أُمَّه وَاسْمُهُ عُمَيْر الثَّقَفِي - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّمَا الخِرَاج عَلَى اليَهُودُ وَالنَّصَارَىَ، وَلَيْسَ عَلَى المُسْلِمِينَ خَرَاجٌ". وفي رواية: عُشُورٌ (¬3)، أخرجهما أبو داود. [ضعيف] قوله: "في حديث حرب بن عبيد الله: إنما العشور على اليهود والنصارى". قال بعضهم: يريد عشور التجارات والصناعات دون عشر الصدقات، والذي يلزم اليهود والنصارى من العشور هو ما صولحوا عليه وقت العقد، وإن لم يصالحوا عليه لا عشور عليهم ولا يلزمهم شيء أكثر من الجزية, فأما عشور غلات أرضهم فلا يؤخذ منهم، وهذا على مذهب الشافعي (¬4). وقال أصحاب الرأي (¬5): إن أخذوا منا العشور في بلادهم إذا اختلف المسلمون إليهم بالتجارات أخذنا منهم، وإلا فلا، قاله الخطابي (¬6). قوله: "أخرجهما أبو داود". ¬

_ (¬1) موسوعة فقه عبد الرحمن الأوزاعي (ص 193 - 194)، وانظر: "التمهيد" (7/ 99 - الفاروق". (¬2) "البيان" للعمراني (12/ 250). (¬3) أخرجه أبو داود في "السنن" رقم (3046) وهو حديث ضعيف. ورقم (3047) وهو ضعيف مرسل. ورقم (3048) وهو حديث ضعيف. ورقم (3049) وهو حديث ضعيف. (¬4) "المهذب" (5/ 346) "روضة الطالبين" (10/ 320). (¬5) "رؤوس المسائل" (5/ 796 - 797) "الفتاوى الهندية" (1/ 184). (¬6) في "معالم السنن" (3/ 434 - مع السنن".

قلت: قال المنذري (¬1): إنّ حديث حرب أخرجه البخاري في "التاريخ الكبير" (¬2) وساق اضطراب الرواة فيه وقال: لا يتابع عليه، وقد فرض النبي - صلى الله عليه وسلم - العشور فيما أخرجت الأرض من خمسة أوسق. انتهى. والعشور جمع عشر وهو واحد من عشرة. 6 - وَعَنِ ابْنِ عُمَر - رضي الله عنهما -: أَنَّ عُمَرَ كَانَ يَأْخُذُ مِنَ النَّبَطِ مِنَ الحِنْطَةِ وَالزَّيْتِ نِصْفَ العُشْرِ، يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنْ يَكْثُرَ الحَمْلُ إِلَى المَدِينَةِ وَيَأْخُذُ مِنَ القِطنِيَّةِ العُشْرَ. أخرجه مالك (¬3). [موقوف صحيح] قوله: "في حديث ابن عمر يأخذ من النبط" في "القاموس" (¬4): النبط جيل ينزلون بالبطائح بين العراقين. انتهى. قوله: "والقطنيةِ" بكسر القاف وطاء مهملة ساكنة والنون بعدها ياء النسبة قال ابن الأثير (¬5): واحده القطاني كالعدس ونحوه، انتهى. يريد بنحوه الحمص واللوبيا [53 ب] مثلاً. قلت: وهو اجتهاد من عمر وقد صرح بالعلة وهو تكثير الحمل إلى المدينة. ¬

_ (¬1) في "المختصر" (4/ 254). (¬2) (2/ 1/ 60) (¬3) في "الموطأ" (1/ 281 رقم 46). وأخرجه الشافعي في "المسند" (1/ رقم 657 - ترتيب" والبيهقي في "السنن الكبرى" (9/ 210) و"المعرفة" (7/ 133 رقم 5542 - العلمية" عن مالك به, بسند صحيح. وهو موقوف صحيح. (¬4) "القاموس المحيط" (ص 890). (¬5) في "غريب الجامع" (2/ 664).

وفي "الجامع" (¬1) قال مالك: سألت ابن شهاب: على أي وجه كان يأخذ عمر من النبط العشر؟ قال: كان ذلك يؤخذ منهم في الجاهلية فألزمهم ذلك عمر. انتهى. 7 - وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَا تَصْلُحُ قِبْلَتَان فِي أَرْضٍ وَاحِدَةٍ وَلَيْسَ عَلَى مُسْلمٍ جِزْيَةٌ" (¬2) [ضعيف] قال سفيان (¬3) - رحمه الله -: معناه إذا أسلم الذمي بعد ما وجبت عليه الجزية بطلت عنه. أخرجه أبو داود والترمذي. قوله: "في حديث ابن عباس لا تصلح قبلتان في أرض واحدة" هو مثل حديث إيجاب إخراج أهل الكتاب من جزير العرب، والمراد بالأرض الجزيرة. قوله: "وليس على مسلم جزية" قال ابن الأثير (¬4): له تأويلان أحدهما: أن معنى الجزية الخراج مثل أن يكون ذمياً أسلم، وكان في يده الأرض صولح عليه، فتوضع عن رقبته الجزية وعن أرضه الخراج. والثاني: أن الذمي إذا أسلم وقد مر بعض الحول لم يطالب بحصة ما مضى من السنة. انتهى. وهذا على رواية: "ليس على مسلم جزية". [156/ أ]. ¬

_ (¬1) (2/ 664). (¬2) أخرجه أبو داود رقم (3032، 3053) بسند ضعيف، لضعف قابوس بن أبي ظبيان. قال أبو حاتم وغيره: لا يحتج به، "الجرح والتعديل" (7/ 145). وقال أحمد: ليس بذاك، وقال النسائي: ليس بالقوي. "الميزان" (3/ 367) و"التقريب" (2/ 115) والخلاصة (ص 311). والخلاصة: أن الحديث ضعيف، والله أعلم. (¬3) أخرجه أبو داود في "السنن" رقم (3054). (¬4) في "جامع الأصول" (2/ 665 - 666).

8 - وَعَنْ مُعَاذ - رضي الله عنه -: مَنْ عَقَدَ الجِزْيَةَ فِي عُنُقِهِ فَقَدْ بَرِئَ مِمَّا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -. أخرجه أبو داود (¬1). [موقوف ضعيف الإسناد] والمراد بالجزية هنا الخراج: أي: من قرر (¬2) الخراج على نفسه كما تقرر الجزية على الكتابي. قوله: "في حديث معاذ: أخرجه أبو داود". قلت: قال المنذري (¬3): أبو عبد الله هذا لم ينسب - يريد راويه عن معاذ - فإنه قال أبو داود: حدثني أبو عبد الله عن معاذ. 9 - وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَخَذَ أَرْضًا بِجِزْيَتِهَا فَقَدِ اسْتَقَالَ هِجْرَتَهُ، وَمَنْ نَزَعَ صَغَارَ كَافِرٍ مِنْ عُنُقِهِ فَجَعَلَهُ فِي عُنُقِ نَفْسِهِ فَقَدْ وَلَّى الإِسْلاَمَ ظَهْرَهُ". قال سنان بن قيس: فسمع مني خالد بن معدان هذا الحديث فقال: أشبيب حدثك؟ قلت: نعم؛ قال: فإذا قدمت فاسأله يكتب إليَّ به, قال: فكتبه له، فلما قدمت سألني ابن معدان القرطاس فأعطيته فلما قرأه ترك ما في يده من الأرض. أخرجه أبو داود (¬4). [ضعيف] ومعنى: "استقال هجرته" (¬5) أي: رجع عنها وطلب الإقالة منها. قوله: "في حديث أبي الدرداء من نزع صغار كافر" كأنه يريد من تشبه بالكفار في زيهم وحالهم. قوله: "أشبيب حدثك؟ " يريد به شبيب بن نعيم أحد رواته في "السنن". ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (3081) موقوف ضعيف الإسناد. (¬2) قال ابن الأثير في "الجامع" (2/ 666) "عقد الجزية" تقريرها على نفسه, كما يعقد الذمة للكتابي على الجزية, كنى بالجزية عن الخراج الذي يؤدى عنها، كأنه لازم لصاحب الأرض، كما تلزم الجزية الذمي. (¬3) في "المختصر" (4/ 268). (¬4) في "السنن" رقم (3082) وهو حديث ضعيف. (¬5) قال ابن الأثير في "غريب الجامع" (2/ 667).

الفصل الثالث: في الغنائم والفيء

قوله: "قال سنان بن قيس" أي: أحد رواته وهو راويه عن شبيب, قال في "التقريب" (¬1) في سنان: أنه مقبول، وقال (¬2) في شبيب: أنه ثقة أخطأ من عده في الصحابة، وأما خالد (¬3) بن معدان فهو [54 ب] الكلاعي الحمصي أبو عبد الله ثقة عابد. قوله: "أخرجه أبو داود" قال المنذري (¬4): فيه بقية بن الوليد وفيه مقال. الفصل الثالث: في الغنائم والفيء الغنيمة (¬5): ما أصابه المسلمون من الكفار عنوة بقتال، والفيء (¬6): ما أصابه المسلمون من أموال الكفار بغير قتال بأن صولحوا على مال يؤدونه, ومال الجزية وما يؤخذ من أموالهم إذا دخلوا دار الإسلام للتجارة، أو يموت [أحدهم (¬7)] في دار الإسلام، ولا وارث له فهذا كله فيء. 1 - عَنْ مُجَمِّعِ بْنِ جَارِيَةَ الأَنْصارِيِّ - رضي الله عنه - قال: شَهِدْنَا الحُدَيْبِيَةَ مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمَّا انْصَرَفْنَا عَنْهَا إِذَا النَّاسُ يَهُزُّونَ الإِبِلَ، فَقُلْنَا: مَا لِلنَّاسِ؟ فَقَالُوا: أُوحِىَ إِلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَنَفَرْنَا مَعَ النَّاسِ نُوجِفُ الإِبِلِ، فَوَجَدْنَا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بِكُرَاعِ الغَمِيمِ وَاقِفًا عَلَى رَاحِلَتِهِ، فَلمَّا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ النَّاسُ قَرَأَ عَلَيْنَا: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1)} قَالَ رَجُلٌ: أَفَتْحٌ هُوَ؟ قَالَ: "نَعَمْ، ¬

_ (¬1) (1/ 334 رقم 539). (¬2) أي ابن حجر في "التقريب" (1/ 436 رقم 17). (¬3) انظر "التقريب" (1/ 218 رقم 80). (¬4) في "المختصر" (4/ 268). (¬5) انظر: "مفردات ألفاظ القرآن" (ص 615). "النهاية في غريب الحديث" (2/ 324). "غريب الحديث" للهروي (2/ 184). (¬6) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 402)، "الفائق" للزمخشري (3/ 204). (¬7) في (أ): واحد منهم.

وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ: إِنَّهُ لَفَتْحٌ"، حَتَّى بَلَغَ: {وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ}، يَعْنِي: خَيْبَرٍ، فَلمَّا انْصَرَفْنَا غَزَوْنَا خَيْبَرٍ فَقُسِّمَتْ عَلَى أَهْلِ الحُدَيْبِيَةِ، وَكَانُوا أَلْفًا وَخَمْسِمائَةٍ، مِنْهُم ثَلاَثُمِائَةِ فَارِسٍ، فَقُسِّمَتْ عَلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمَاً، فَأَعْطَى الفَارِسَ سَهْمَيْنِ، وَالرَّاجِلَ سَهْمًا. أخرجه أبو داود (¬1). [ضعيف] قوله: "عن مجمع بن جارية" (¬2) بضم الميم وفتح الجيم وتشديد الميم الثانية وكسرها، وبالعين المهملة، وجارية بالجيم فمثناة تحتية وبالراء، كان جارية صاحب مسجد الضرار، وكان يلقب جمار النار، وهو من المنافقين، وكان ابنه مجمع صالحاً وكان مجمع قارئاً، وكان أحد الذين جمعوا القرآن على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قوله: "الحديبية" يأتي في الغزوات ذكرها وبيان تفصيلها. قوله: "نوجف (¬3) الإبل" نسرع بها. قوله: "وكانوا ألف وخمسمائة" وروي عن البراء ألفاً وأربعمائة، وجمع بينهما بأنهم كانوا ألفاً وأربعمائة وزيادة لم تبلغ المائة، فالأول خبر الكثير، والآخر ألغاه. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (2736). وأخرجه أحمد (3/ 420) وابن أبي شيبة في "المصنف" (14/ 437) والحاكم (2/ 131) والبيهقي في "السنن" الكبرى" (6/ 325) وفي "دلائل النبوة" (4/ 239) والدارقطني في "السنن" (4/ 105 - 106 رقم 18) والطبراني في "الكبير" (ج 19 رقم 1082). قال ابن القطان في كتابه: "وعلة هذا الحديث الجهل بحال يعقوب بن مجمع ولا يعرف، روى عنه غير ابنه, وابنه مجمع ثقة, وعبد الرحمن بن يزيد أخرج له البخاري". اهـ. من التعليق "المغني" على الدارقطني (4/ 105). والخلاصة: أن الحديث ضعيف، والله أعلم. (¬2) انظر: "الاستيعاب" رقم (2372 - الأعلام". (¬3) انظر "مفردات ألفاظ القرآن" (ص 857)، "النهاية في غريب الحديث" (2/ 827).

وقوله: "منهم ثلاثمائة فارس" قال [55 ب] البغوي: هذا وهم، إنما كانوا مائتي فارس، قاله في "المصابيح" (¬1). قوله: "فأعطى الفارس سهمين" اختلف العلماء في هذا، فقال الجمهور (¬2): للفارس ثلاثة سهام، سهمان لفرسه وسهم لنفسه، وللراجل سهم واحد، وهذا لمالك (¬3) والشافعي (¬4) وجماعة من السلف، وقال أبو حنيفة (¬5): للفارس سهمان فقط. قالوا: ولم يقل بقوله أحد إلا ما روي عن أبي موسى وحجة الجمهور حديث ابن عمر (¬6): "أنه - صلى الله عليه وسلم - أسهم للرجل ولفرسه ثلاثة أسهم سهم له وسهمان لفرسه. 2 - وَعَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَسَمَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - خيْبَرَ نِصْفَيْنِ: نِصْفًا لِنوائِبِهِ وَحَاجَتِهِ، وَنِصْفًا بَيْنَ المُسْلِمِينَ، فَقَسَّمَهَا بَيْنَهُمْ عَلَى ثَمانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا. أخرجه أبو داود (¬7) [صحيح] ¬

_ (¬1) "مصابيح السنة" (3/ 102 - 103). (¬2) انظر: "الأوسط" لابن المنذر (11/ 155 - 156 رقم المسألة 1857) "فتح الباري" (6/ 68) "المغني" (13/ 85). (¬3) "عيون المجالس" (2/ 699). (¬4) "البيان" للعمراني (12/ 213). (¬5) "بدائع الصنائع" (7/ 126) "الاختيار" (4/ 399). (¬6) أخرجه أحمد (2/ 41) وأبو داود رقم (2733) وهو حديث صحيح. • وفي لفظ: "أسهم للفرس سمين وللرجل سهماً". [أخرجه أحمد (2/ 62) والبخاري رقم (2863) ومسلم رقم (57/ 1762)]. • وفي لفظ "أسهم يوم حنين للفارس ثلاثة أسهم، وللفرس سهمان, وللرجل سهم". [أخرجه ابن ماجه رقم (2854) وهو حديث صحيح]. (¬7) في "السنن" رقم (3010)، وأخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (6/ 317)، وهو حديث صحيح.

قوله: "وعن سهل بن أبي حثمة" (¬1) بفتح الحاء المهملة وسكون المثلثة، واسمه عبد الله ابن ساعدة بن عامر بن عدي ويقال: أن اسمه عبيد الله ويقال عامر. قوله: "نصفين .. " إلى آخره، قال المارزي: وقد يشكل أبي داود، وجوابه ما قاله بعضهم: أنه كان حولها ضياع وقرى أجلى عنها أهلها، فكانت خالصة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وما سواها للغانمين، وكان قدر الذي أجلى عنها أهلها النصف، فلهذا قسمها نصفين. وقال الخطابي (¬2): بيان ذلك أن خيبر كان لها قوى وضياع خارجة عنها، منها: البطيحة وغيرها، فكان بعضها مغنوماً وهي ما غلب عليه رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -والمسلمون وكان سبيلها القسم، وكان بعضها مما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، فكان خالصاً لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - يضعه حيث أراه الله من حاجته ونوائبه، ومصالح المسلمين، فنظروا إلى مبلغ ذلك فاستوت القسمة فيها على النصف [56 ب] والنصف، وقد ثبت ذلك عن الزهري (¬3). واعلم أنه قد اختلف في فتح خيبر هل كان عنوة أو صلحاً، أو تخلى أهلها عنها بغير قتال؟ أو بعضها صلحاً وبعضها عنوة، وبعضها أجلي عنها أهلها [رُعباً (¬4)] وبعضها صلحاً وبعضها عنوة، وهذا هو الصحيح، وعليه مدار "السنن" الواردة في ذلك، ويندفع التعارض على الأحاديث في كل أثر مروي. وأخرج أبو داود (¬5) عن ابن شهاب: أن خيبر كان بعضها عنوة وبعضها صلحاً، والكتيبة أكثرها عنوة وفيها صلح، قلت لمالك: وما الكتيبة؟ قال: أرض خيبر وهي أربعون ألف عذق. انتهى. ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في "الاستيعاب" رقم (1052 - الأعلام". (¬2) في "معالم السنن" (3/ 411 - 412 - مع السنن). (¬3) سيأتي قريباً. (¬4) كلمة في (ب) غير مقروءة. (¬5) في "السنن" رقم (3016) مرسل صحيح.

قال الشيخ (¬1): العذق بفتح العين النخل. قوله: "على ثمانية عشر سهماً" في "سنن أبي داود" (¬2) "على ستة وثلاثين سهماً" فجمع كل سهم مائة سهم، وفي لفظ (¬3): "قسمها على ستة وثلاثين سهماً" جمع، فعزل للمسلمين الشطر ثمانية عشر سهماً، النبي - صلى الله عليه وسلم - منهم، له سهم كسهم أحدهم وعزل - صلى الله عليه وسلم - ثمانية عشر سهماً لنوائبه وما ينزل به من أمر المسلمين. 3 - وَعَنِ ابْنِ شَهَابٍ قَالَ: خَمَّسَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - خيْبَرَ ثُمَّ قَسَمَ سَائِرُهَا عَلَى مَنْ شَهَدَهَا، وَمَنْ غَابَ عَنْهَا مِنْ أَهْلِ الحُدَيْبيَةِ. أخرجه أبو داود (¬4). [مرسل] قوله: "عن ابن شهاب خمس رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" إلى آخره .. هذا مرسل (¬5). 4 - وَعَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ - رضي الله عنهما - قَالَ: ضَرَبَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -عَامَ خَيْبَرَ لِلزُّبَيْرِ أَرْبَعَةَ أَسْهُمٍ: سَهْماً لِلزُّبَيْرِ، وَسَهْمَاً لِذِي القُرْبَى لِصَفِيَّةَ بِنْتِ عَبْدِ المُطَّلِبِ أُمِّ الزُّبَيْرِ - رضي الله عنهما -، وَسهْمَيْنِ لِلْفَرَسِ. أخرجه النسائي (¬6). [صحيح لغيره] ¬

_ (¬1) أي الخطابي في "معالم السنن" (3/ 414). (¬2) في "السنن" رقم (3012) وهو حديث صحيح. (¬3) أخرجه أبو داود في "السنن" رقم (3013) وهو صحيح لغيره. (¬4) في "السنن" رقم (3019) مرسلاً. (¬5) وهو كما قال. (¬6) في "السنن" (3593). وأخرجه الطحاوي في شرح "معاني الآثار" (3/ 283) والبيهقي (6/ 326) والدارقطني (4/ 110 - 111 رقم 28) و (4/ 111 رقم 29) من طريقين، وهو حديث صحيح لغيره, والله أعلم. وفي لفظ: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطى الزبير سهماً وأمه سهماً وفرسه سهمين". أخرجه أحمد (1/ 166) بسند ضعيف, فليح بن محمد لم يوثقه إلا ابن حبان (9/ 11) والمنذر بن الزبير، روى عن أبيه، وعنه ابنه محمد وفليح بن محمد بن المنذر ذكره ابن حبان في "ثقات التابعين" قاله الحافظ في "تعجيل المنفعة" (2/ 280)، ولكن الحديث صحيح لغيره، والله أعلم.

قوله: "عن ابن الزبير قال: ضرب رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - أربعة أسهم". قد بينها وفصلها، وسهم ذوي القربى من الخمس. 5 - وَعَنْ حَشْرَجُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ جَدَّتِهِ أُمِّ أَبِيهِ - رضي الله عنها -: أَنَّهَا خَرَجَتْ مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي غَزَاةِ خَيْبَرَ سَادِسَةَ ستِّ نِسْوَةٍ، قَالَتْ: فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فَبَعَثَ إِلَيْنَا فَجِئْنَا فَرَأَيْنَا فِيهِ الغَضَبَ فَقَالَ: "مَعَ مَنْ خَرَجْتُنَّ؟ وَبِإِذْنِ مَنْ خَرَجْتُنَّ؟ "، فَقُلْنَا: خَرَجْنَا نَغْزِلُ الشَّعَرَ وَنُعِينُ بِهِ فِي سَبِيلِ الله، وَنُنَاوِلُ السِّهَامَ وَمَعَنَا دَوَاءٌ للجَرْحَى؟ وَنَسْقِى السَّوِيقَ، قَالَ: "قُمْنَ إِذَاً"، فَلمَّا فَتَحَ الله تَعَالَى خَيْبَرَ أَسْهَمَ لَنَا كَمَا أَسْهَمَ لِلرِّجَالِ، قَالَ: فَقُلْتُ: يَا جَدَّةُ! مَا كَانَ ذَلِكَ؟ قَالَتْ: تَمْرًا. أخرجه أبو داود (¬1). [ضعيف] قوله: "وعن حشرج" بفتح الحاء المهملة وسكون الشين المعجمة وفتح الراء. قال ابن الأثير (¬2): روى عنه رافع بن سلمة قليل الحديث، وفي إسناد حديثه نظر. انتهى. قوله: " [عن جدته أم أبيه (¬3)] " [57 ب] قال المنذري (¬4): هي أم زياد الأشجعية ليس (¬5) لها سوى هذا الحديث. انتهى. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (2729). وأخرجه أحمد (5/ 271) وابن أبي شيبة في "المصنف" (12/ 525) و (14/ 466) والبيهقي في "السنن الكبرى" (6/ 332 - 333) والنسائي في "السنن الكبرى" رقم (8879 - العلمية). إسناده ضعيف لجهالة حشرج بن زياد. وهو حديث ضعيف, والله أعلم. (¬2) انظر: "أسد الغابة" رقم (1174). (¬3) في (أ) وأم جدة أبيه. (¬4) في "المختصر" (4/ 50). (¬5) الذي في "المختصر" وليس لها في كتابيهما سوى هذا الحديث.

وفي "التقريب" (¬1): أم زياد الأشجعية صحابية لها حديث ولم يذكر اسمها. [157/ أ]. قوله: "فيه الغضب" كأنه غضب لخروجهن بغير محرم ولا إذن من له منعهن. قوله: "قلنا: يا رَسُولَ الله! خرجنا نغزل الشعر ونعين به في سبيل الله .. إلى آخره". أجبن بخلاف ما سئلن عنه إبانة للعلة الحاملة على خروجهن، وقد أفاد جوابهن، الجواب عما سئلن عنه؛ لأنه من خرج لهذه المقاصد الصالحة لا يخرج إلا مع محرم وبإذنه من له الإذن في خروجهن. قوله: "أسهم لنا" تقدم عن الخطابي (¬2) أنه قال الأوزاعي (¬3): أنه يسهم للنساء، قال الخطابي (¬4) وأحسبه ذهب إلى هذا الحديث، وإسناده ضعيف لا تقوم به الحُجَّة، هذا آخر كلامه. قلت: في "التقريب" (¬5): حشرج بن زياد الأشجعي أو النخعي مقبول. 6 - وَعَنْ عُمَيْرٍ مَوْلَى آبِي اللَّحْمِ قَالَ: شَهِدْتُ خَيْبَرَ مَعَ سَادَتِي فَكَلَّمُوا فِيَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَقُلِّدْتُ سَيْفَاً فَأَخْبِرَ أَنَّنِي مَمْلُوكٌ فَأَمَرَ لِي بِشَيْءٍ مِنْ خُرْثِيِّ المتَاعِ، وَعَرَضْتُ عَلَيْهِ رُقْيَةً ¬

_ (¬1) (2/ 621 رقم 40). (¬2) في "معالم السنن" (3/ 171 - مع السنن). (¬3) موسوعة فقه عبد الرحمن الأوزاعي (ص 474 - 475). وهذا مما خالف به الأوزاعي جميع الفقهاء، "نوادر الفقهاء" (ص 167). • قال أبو يوسف: ما يعلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسهم للنساء في شيء من غزوه, وإنما أعطى - صلى الله عليه وسلم - النساء رضخاً، ولم يعطهم سهماً. "البيان" للعمراني (12/ 218 - 219) "المغني" (13/ 97) "بدائع الصنائع" (7/ 126) "رؤوس المسائل" (5/ 754). (¬4) في "معالم السنن" (3/ 171 - مع السنن). (¬5) (1/ 181 رقم 403).

كُنْتُ أَرْقِى بِهَا المَجَانِينَ فَأَمَرَنِي بَحَبْسِ بَعْضِهَا وَطَرْحِ بَعْضِهَا. أخرجه أبو داود (¬1) والترمذي (¬2). [صحيح] "خُرْثِيِّ المتاع" (¬3) أثاث البيت. قوله: "عن عمير مولى آبي اللحم" بهمزة مفتوحة ممدودة ثم موحدة مخففة تم مثناة تحتية من الإباء الامتناع، اسمه عبار، وقيل: عبد الله بن عبد الملك، وقيل: الحويرث بن عبد الله وقيل غير ذلك قتل يوم حنين. قال ابن الكلبي: آبي اللحم كان لا يأكل ما ذبح للأصنام ذكره ابن ماكولاً (¬4). وفي "سنن أبي داود" (¬5): قال أبو داود: قال أبو عبيد: كان حرّم اللحم على نفسه فسمي آبي اللحم. قوله: "فقلدت سيفاً" في لفظ أبي داود بعده "فإذا أنا أجرّه" وهو أيضاً لفظ "الجامع" (¬6) فسقط من كلام المصنف. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (2730). (¬2) في "السنن" رقم (1557) وقال: هذا حديث حسن صحيح، وأخرجه أحمد (5/ 223) والنسائي في "الكبرى" رقم (7535 - العلمية) والطحاوي في شرح "مشكل الآثار" رقم (5297) والحاكم (1/ 327) والبيهقي (9/ 31) من طرق. وهو حديث صحيح. (¬3) "القاموس المحيط" (ص 215) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 479). (¬4) في "الإكمال" (1/ 3 - 4). (¬5) (3/ 171 - 172) (¬6) (2/ 674).

قوله: "خرثي المتاع" بضم الخاء المعجمة وسكون الراء [58 ب] ومثلثة [وألف مقصورة (¬1)] أثاث البيت كما فسّره "المصنف"، قال أبو داود (¬2): معناه: أنه لم يسهم له، وفي هامش أبي داود: إنما لم يسهم له لصغره. قلت: ودليل صغره جرّه السيف الذي أفادته اللفظة التي حذفها المصنف. قوله: "أخرجه أبو داود والترمذي". قلت: وقال (¬3): حسن صحيح. 7 - وَعَنْ الزُّهْرِي قَالَ: أَسْهَمَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - لِقَوْمٍ مِنَ اليَهُودِ قَاتَلُوا مَعَهُ. أخرجه الترمذي (¬4). [إسناده صحيح] قوله: "وعن الزهري" إلى قوله: "أخرجه الترمذي". قلت: قال الترمذي (¬5): قالوا: لا سهم لأهل الذمة، وإن قاتلوا مع المسلمين العدو، قال (¬6): ورأى بعض أهل العلم أن يسهم لهم إذا شهدوا القتال مع المسلمين. ويروى عن الزهري: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أسهم لقوم من اليهود قاتلوا معه" حدثنا بذلك قتيبة بن سعيد قال: ثنا عبد الوارث بن سعيد عن عروة بن ثابت عن الزهري، بهذا انتهى كلامه. ¬

_ (¬1) كذا في الشرح والذي في المتن ياء مشددة. (¬2) في "السنن" (3/ 172). (¬3) في "السنن" (4/ 127). (¬4) في "السنن" رقم (1558 م) بإسناد صحيح. وأخرجه أبو داود في "المراسيل" رقم (281) بسند صحيح إلى الزهري. (¬5) في "السنن" (4/ 128). (¬6) أي الترمذي في "السنن" (4/ 128).

فهو حديث مرسل وقد عارضه حديث (¬1) عائشة - رضي الله عنها -: "أنه - صلى الله عليه وسلم - خرج إلى بدر فلحقه رجل مشرك يذكر منه جرأة ونجدة, فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: تؤمن بالله ورسوله؟ قال: لا، قال: ارجع فلن أستعين بمشرك"، أخرجه الترمذي (¬2) وقال (¬3): حسن غريب. 8 - وَعَنْ أَبِي مُوسَى - رضي الله عنه - قَالَ: قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - في نَفَرٍ مِنَ الأَشْعَرِيِّينَ بَعْدَ أَنِ افْتَتَحَ خَيْبَرَ فَقَسَمَ لَنَا وَلَمْ يَقْسِمْ لَأَحَدٍ لَمْ يَشْهَدِ الفتح غَيْرَنَا، إِلَّا أَصْحَابَ سَفِينَتِنَا جَعْفَراً - رضي الله عنه - وَأَصْحَابُهُ. أخرجه أبو داود (¬4) والترمذي (¬5). [صحيح] قوله: "في حديث أبي موسى فقسم ولم يقسم لأحد" قال ابن المنير (¬6): ظاهره أنه - صلى الله عليه وسلم - قسم لهم من أصل الغنيمة لا من الخمس، ولو كان من الخمس لم يكن لهم به خصوصية، والحديث ناطق بها. ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد (6/ 149) ومسلم رقم (150/ 1817) والنسائي في "السنن الكبرى" رقم (8761 - العلمية" والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" رقم (2575) وابن حبان رقم (4726) بسند صحيح على شرط مسلم. وهو حديث صحيح. (¬2) في "السنن" رقم (1558). وأخرجه أبو داود رقم (2732) وابن ماجه رقم (2832)، وانظر ما تقدم. (¬3) في "السنن" (4/ 128). (¬4) في "السنن" رقم (2725). (¬5) في "السنن" رقم (1559). • وأخرجه البخاري رقم (4233)، ومسلم رقم (2502 - مطولاً". (¬6) ذكره الحافظ في "الفتح" (6/ 241 - 242).

وقال [ابن المنير (¬1)] (¬2): يحتمل أنه يكون أعطاهم برضا بقية الجيش، ويحتمل [59 ب] أن يكون ما أعطاهم من الخمس وبه جزم أبو عبيد في كتاب "الأموال" (¬3)، ويمكن أنه أعطاهم من أصل الغنيمة؛ لأنهم وصلوا قبل قسمتها وبعد حوزها وهو أحد الأقوال للشافعي. يرجح هذا الاحتمال أنه قال: "أسهم لهم" والذي يعطى من الخمس لا يقال في حقه أسهم له إلّا تجوزاً. قوله: "أخرجه أبو داود والترمذي". قلت: وقال (¬4): هو حديث حسن صحيح غريب، قال: والعمل على هذا عند بعض أهل العلم، وقال الأوزاعي (¬5): من لحق بالمسلمين قبل أن يسهم للخيل أسهم له. انتهى. والحديث أخرجه أيضاً الشيخان (¬6) مختصراً ومطولاً. 9 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: إِنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَامَ - يَعْنِى يَوْمَ بَدْرٍ - فَقَالَ: "إِنَّ عُثْمَانَ انْطَلَقَ فِي حَاجَةِ الله وَحَاجَةِ رَسُوْلِهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَإِنِّي أُبَايعُ لَهُ". فَضَرَبَ لَهُ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بِسَهْمٍ وَلَمْ يَضْرِبْ لأَحَدٍ غَابَ غَيْرُهُ. أخرجه أبو داود (¬7). [صحيح بشواهده] قوله: "عن ابن عمر أن عثمان انطلق في حاجة الله وحاجة رسوله - صلى الله عليه وسلم - " وذلك أنه لم ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (6/ 241). (¬2) في (أ) ابن التين. (¬3) (ص 298). (¬4) في "السنن" (4/ 128). (¬5) انظر: "المغني" (13/ 104 - 105) "الأوسط" (11/ 148 - 151)، "مختصر اختلاف العلماء" (3/ 460). (¬6) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (4233) ومسلم رقم (2502). (¬7) في "السنن" (2726) وهو حديث صحيح بشواهده منها ما في التعليقة التالية.

يحضر بدراً؛ لأن امرأته بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانت مريضة (¬1) عند خروجه - صلى الله عليه وسلم - إلى بدر فتأخر عثمان لذلك، فجعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كالحاضرين في الإسهام له؛ لأنه تخلّف لعذر. 10 - وَعَنْ أَبُي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَيُّمَا قَرْيَةٍ أَتَيْتُمُوهَا أوْ أَقَمْتُمْ فِيهَا فَسَهْمُكُمْ فِيهَا، وَأَيُّمَا قَرْيَةٍ عَصَتِ الله وَرَسُولَهُ فَإِنَّ خُمُسَهَا لله وَلِرَسُولهِ ثُمَّ هِيَ لَكُمْ". أخرجه مسلم (¬2) وأبو داود (¬3). [صحيح] قوله: "في حديث أبي هريرة: أيما قرية .. إلى آخره" قال القاضي عياض (¬4): يحتمل أن يكون المراد بالأولى الفيء التي لم يوجف عليها المسلمون بخيل ولا ركاب، بل أجلى عنها أهلها، أو صالحوا عليه، فيكون سهمهم فيها، أي: حقهم من العطاء كما يصرف الفيء، ويكون المراد بالثانية: ما أخذوه عنوة فتكون غنيمة يخرج منها الخمس وباقيه للغانمين [60 ب] وهي معنى قوله: "فهي لكم". وقد احتج من لم يوجب الخمس في الفيء بهذا الحديث، وقد أوجب الشافعي (¬5) الخمس في الفيء كما أوجبوه كلهم في الغنيمة. ¬

_ (¬1) عن ابن عمر قال: لما تغيب عثمان عن بدر فإنه كان تحته بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكانت مريضة, فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن لك أجر رجل وسهمه". [أخرجه أحمد (2/ 101، 120) والبخاري رقم (3130) والترمذي رقم (3706)]. • وأخرج البخاري في "صحيحه" رقم (3698) "فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده اليمنى" أي: أشار بها، وقال: "هذه يد عثمان" أي بدلها: "فضرب بها على يده اليسرى فقال: "هذه - أي البيعة - لعثمان"، أي عن عثمان. (¬2) في "صحيحه" رقم (1756). (¬3) في "السنن" رقم (3036). • وأخرجه أحمد (2/ 317) وأبو عوانة في "مسنده" (4/ 131) وابن حبان رقم (4826) والبغوي في "شرح السنة" رقم (2719) والبيهقي (6/ 318). (¬4) في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (6/ 74). (¬5) "البيان" للعمراني (12/ 337 - 338).

وقال جميع العلماء (¬1) سواه: لا خمس في الفيء. قال ابن المنذر (¬2): لا أعلم أحداً قبل الشافعي قال بالخمس في الفيء. وفي "المعالم" (¬3): فيه دليل على أن أراضي العنوة حكمها حكم سائر الأموال التي تغنم، وأن خمسها لأهل الخمس، وأربعة أخماسها للغانمين. [158/ أ]. 11 - وَعَنْ رَافِعٍ بنِ خَدِيْج - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَجْعَلُ فِي قَسْمِ الغَنَائِمِ عَشْراً مِنَ الشَّاءِ بِبَعِيرٍ. أخرجه النسائي (¬4). [صحيح] 12 - وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: كَانَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يُنفِّلُ بَعْضَ مَنْ يَبْعَثُ مِنَ السَّرَايَا لِأَنْفُسِهِمْ خَاصَّةَ سِوَى قِسْمَةِ عَامَّةِ الجَيْشِ. زاد في رواية: والخُمُسُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ وَاجِبٌ، أخرجه الثلاثة (¬5) وأبو داود (¬6). [صحيح] قوله: "في حديث ابن عمر ينفل بعض من يبعث من السرايا" النفل (¬7) بفتح الفاء وقد تسكن الزيادة وهو ما يخص به رئيس الجيش بعض الغزاة زيادة على نصيبه من المغنم. قوله: "زاد في رواية" إلى قوله: "كله" هو مجرور تأكيد لذلك وهذا تصريح بوجوب الخمس في كل الغنائم وردّ على (¬8) من زعم أنه لا يجب فاغتر به بعض الناس. ¬

_ (¬1) انظر: "المغني" (4/ 189) "التهذيب في اختصار المدونة" (2/ 64). (¬2) في "الأوسط" (11/ 31). (¬3) (3/ 427 - مع "السنن"). (¬4) في "السنن" رقم (4391) وهو حديث صحيح. وأخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (2488) وله أطراف [2507، 3075، 5498، 5503, 5506، 5509، 5543، 5544] ومسلم في "صحيحه" رقم (1968). (¬5) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (3135) ومسلم رقم (1750) ومالك في "الموطأ" (2/ 450). (¬6) في "السنن" رقم (2746). (¬7) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 781). (¬8) انظر: "فتح الباري" (6/ 240).

وهذا مخالف للإجماع. قال النووي (¬1): وقد أوضحت هذا في جزء جمعته في قسمة الغنائم حين دعت الضرورة إلى ذلك في سنة أربع وستين وستمائة، وفي الحديث إثبات النفل وهو مجمع عليه، لكن اختلفوا في محله هل هو من أصل الغنيمة، أو من أربعة أخماسها، أو من خمس الخمس، وهي ثلاثة أقوال للشافعي (¬2) وبكل منها قال جماعة من العلماء (¬3). والأصح أنه من خمس الخمس وبه قال مالك (¬4)، وقال الحسن (¬5) وأحمد (¬6) هو من أصل الغنيمة، والتنفيل يكون لمن صنع صنعاً، جميلاً في الحرب [61 ب] انفرد به. 13 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: نفَّلني رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -يوم بدر سيف أبي جهل دون الذي كان قتله. أخرجه أبو داود (¬7). [ضعيف] قوله: "في حديث ابن مسعود دون الذي قتله" فيه دليل على أن ابن مسعود ليس (¬8) هو قاتل أبي جهل، ويأتي تحقيق من قتله في المغازي إن شاء الله. 14 - وَعَنْ أَبِي الجُوَيْرِيَةِ الجَرْمِيِّ قَالَ: أَصَبْتُ بِأَرْضِ الرُّومِ جَرَّةً حَمْرَاءَ فِيهَا دَنَانِيرُ فِي إِمْرَةِ مُعَاوِيَةَ, وَعَلَيْنَا رَجُلٌ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْ بَنِيْ سُلَيْمٍ فَقَسَمَهَا بَيْنِيْ وبَيْنَ المُسْلِمِينَ، وَأَعْطَانِي ¬

_ (¬1) في شرحه لـ "صحيح مسلم" (12/ 54 - 55). (¬2) "الأم" (5/ 306 - 315) "البيان" للعمراني (12/ 198). (¬3) "المغني" لابن قدامة (13/ 60). (¬4) "مدونة الفقه المالكي وأدلته" (2/ 464). (¬5) انظر: "التمهيد" (10/ 82). (¬6) "المغني" (13/ 60). (¬7) في "السنن" رقم (2722) وهو حديث ضعيف، والله أعلم. (¬8) وإنما أدرك ابن مسعود أبا جهل وبه رمق فأجهز عليه. انظر "فتح الباري" (7/ 247، 296)، "سيرة ابن هشام" (2/ 332 - 333).

مِثْلَ مَا أَعْطَى رَجُلاً مِنْهُمْ، ثُمَّ قَالَ: لَوْلاَ أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "لاَ نَفْلَ إِلاَّ بَعْدَ الخُمُسِ"، لأَعْطَيْتُكَ، ثُمَّ أَخَذَ يَعْرِضُ عَلَىَّ مِنْ نَصِيبِهِ فَأَبَيْتُ. أخرجه أبو داود (¬1). [صحيح] قوله: "وعن أبي الجويرية" تصغير جارية وهو حطان (¬2) بكسر الحاء المهملة وتشديد الطاء المهملة وبالنون، بن خفاف بضم الخاء المعجمة وتخفيف الفاء وَ"الجرمي" بفتح الجيم وسكون الراء. قوله: "وعلينا رجل من بني سُليم" زاد في "الجامع" (¬3): "يقال له: معن بن يزيد". قوله: "يقول: لا نقل إلا بعد الخمس" قال الأشخر: كذا وقع وصوابه: "لا نفل بعد الخمس" أي: بعد إحراز الغنيمة ووجوب الخمس. 15 - وَعَنْ سَعْدٍ بنِ أَبِي وَقَّاص - رضي الله عنه - قَالَ: أَعْطَى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - رَهْطًا وَأَنَا جَالِسٌ فَتَرَكَ مِنْهُمْ رَجُلاً هُوَ أَعْجَبُهُمْ إِلَيَّ، فَقُلْتُ: مَا لَكَ عَنْ فُلاَنٍ؟ وَالله إِنِّي لأَرَاهُ مُؤْمِنًا. فَقَالَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَوْ مُسْلِمًا"، ذَكَرَ ذَلِكَ سَعْدٌ ثَلَاثَاً فَأَجَابَهُ بِمِثْلِ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: "إِنِّي لأُعْطِى الرَّجُلَ، وَغَيْرُهُ أَحَبُّ إِليَّ مِنْهُ خَشْيَةَ أَنْ يُكَبَّ فِي النَّارِ عَلَى وَجْهِهِ". أخرجه الخمسة (¬4) إلا الترمذي. [صحيح] ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (2753، 2754). وأخرجه أحمد (3/ 470) والبيهقي في "السنن الكبرى" (6/ 314)، وسعيد بن منصور في "سننه" رقم (2713) والطحاوي في شرح "معاني الآثار" (3/ 242) والخطيب في "تاريخ بغداد" (5/ 150) وغيرهم من طرق. وهو حديث صحيح. (¬2) "تهذيب التهذيب" (4/ 504). (¬3) (2/ 683). (¬4) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (27) ومسلم رقم (150) , والنسائي رقم (4992، 4993) وأبو داود رقم (4683، 4685).

قوله: "في حديث سعد بن أبي وقاص رهطاً" الرهط (¬1) عدد من الرجال من ثلاثة إلى عشرة، قال القزاز (¬2): وربما جاوز ذلك قليلاً. قوله: "عن فلان" هو [جعيفر (¬3)] بن سراقة الضمري، أي: نسيته لعدو لك عنه. قوله: "لأراه" قال في "الفتح" (¬4): أنه في روايته من طريق أبي ذر وغيره بضم الهمزة، وقال الشيخ محيي الدين (¬5): بفتحها، أي: أعلمه ولا يجوز ضمها فيصير بمعنى أظنه؛ لأنه قال بعد ذلك للنبي ما أعلم منه. انتهى. قال في "الفتح" (¬6): ولا دلالة فيما ذكر على تعيين الفتح لجواز إطلاق العلم على الظن الغالب، ومنه قوله تعالى: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ} (¬7). قوله: "أو مسلماً" بسكون الواو، ولا يجوز بفتحها وهي للإضراب، وقال بعضهم: هي للتشريك وأنه أمره أن يقولهما [62 ب] معاً لأنه أحوط، ويرد هذا رواية ابن الأعرابي في "معجمه" (¬8) في هذا الحديث فقال: لا تقل مؤمن بل مسلم فوضح أنها للإضراب، وليس معناه الإنكار [على (¬9)] المعنى أن إطلاق المسلم على من لم يختبر [باطنة خبرة ظاهرة (¬10)] أولى ¬

_ (¬1) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (1/ 707)، "الفائق" للزمخشري (2/ 95). (¬2) ذكره الحافظ في "الفتح" (1/ 79). (¬3) كذا في المخطوط "أ. ب" والذي في "فتح الباري" (1/ 80) جعيل بن سراقة الضمري، وهو الصواب. انظر "التقريب" (1/ 133 رقم 106)، "الاستيعاب" رقم (326 - الأعلام). (¬4) (1/ 80). (¬5) ذكره الحافظ في "الفتح" (1/ 80). (¬6) (1/ 80). (¬7) سورة الممتحنة الآية (10). (¬8) ذكره الحافظ في "الفتح" (1/ 80). (¬9) كذا في المخطوط "أ. ب" والذي في "الفتح" "بل". (¬10) كذا في المخطوط "أ. ب" والذي في "الفتح" حاله الخبرة الباطنة.

من إطلاق المؤمن؛ لأن الإسلام معلوم بحكم الظاهر. 16 - وَعَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ: أَعْطَى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ يَوْمَ حُنَيْنٍ، وَصَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ، وَعُيَيْنَةَ بْنَ حِصْنٍ، وَالأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ، وَعَلْقَمَةَ بنَ عُلَاثَةَ كُلَّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ مِائَةً مِنَ الإِبِلِ، وَأَعْطَى عَبَّاسَ بْنَ مِرْدَاسٍ دُونَ ذَلِكَ. فَقَالَ عَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ في ذلك شعراً: أَتَجْعَلُ نَهْبِي وَنَهْبَ العُبَيْدِ ... بَيْنَ عُيَيْنَةَ وَالأقرَعِ فَمَا كَانَ حِصْنٌ وَلاَ حَابِسٌ ... يَفُوقَانِ مِرْدَاسَ فِي مَجْمَعِ وَمَا كُنْتُ دُونَ امْرِئٍ مِنْهُمَا ... وَمَنْ تَخْفِضِ اليَوْمَ لاَ يُرْفَعِ فَأَتَمَّ لَهُ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - مِائَةً. أخرجه مسلم (¬1). [صحيح] قوله: "في حديث رافع بن خديج: أبو سفيان" هو صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف الأموي القرشي، كان من رؤساء قريش في الجاهلية، أسلم يوم "الفتح" وكان من المؤلفة قلوبهم، أعطاه النبي - صلى الله عليه وسلم - من غنائم حنين مائة بعير وأربعين أوقية. قال ابن عبد البر (¬2): [واختلف في حسن إسلامه (¬3)] وفقئت عينه يوم الطائف [فلم يزل أعور (¬4)] إلى يوم اليرموك فأصاب عينه الأخرى حجر فعميت، مات بعد الثلاثين من الهجرة بالمدينة ودفن بالبقيع. قوله: "وصفوان بن أمية" (¬5) هو أبو أمية، وأبو وهب صفوان بن أمية بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح الجمحي القرشي، خرج معه - صلى الله عليه وسلم - إلى حنين والطائف وشهدهما كافراً، فأعطاه من المغانم فأكثر، فقال صفوان: أشهد بالله ما طابت بهذا إلا نفس نبي، فأسلم ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (1060). (¬2) في "الاستيعاب" رقم (1211). (¬3) هذه العبارة ليست من كلام ابن عبد البر، انظر "الاستيعاب" رقم (1211). (¬4) هذه العبارة ليست من كلام ابن عبد البر، انظر "الاستيعاب" رقم (1211). (¬5) انظر: "الاستيعاب" رقم (1201)، الطبقات الكبرى (4/ 23).

يومئذ، وأقام بمكة ثم هاجر إلى المدينة، وكان من المؤلفة قلوبهم، وحسن إسلامه ومات بمكة، وكان أحد أشراف قريش في الجاهلية، ومات بمكة سنة اثنتين وأربعين. قوله: "وعيينة" هو أبو مالك عيينة بن حصن (¬1)، أسلم بعد "الفتح"، وقيل قبله، وهو من المؤلفة قلوبهم [159/ أ] [63 ب] من الأعراب الجفاة وكان سيداً في قومه مطاعاً، وهو بضم العين المهملة وفتح المثناة التحتية الأولى وسكون الثانية وبالنون. قوله: "والأقرع بن حابس" (¬2) بفتح الهمزة فقاف ساكنة فراء مفتوحة فعين مهملة، ابن حابس بحاء مهملة وسين مهملة بينهما موحدة مكسورة، قيل: إن الأقرع لقب له واسمه فراس وهو من بني تميم، وفد على النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد فتح مكة في وفد بني تميم، وكان من المؤلفة قلوبهم، وكان شريفاً في الجاهلية والإسلام، استعمله عبد الله بن عامر على جيش أنفذه إلى خراسان، فأصيب هو والجيش بالجوزجان. قوله: "عباس بن مرداس" (¬3) [هو أبو الهيثم العباس بن مرداس] (¬4) بن أبي عامر بن حارثة السلمي الشاعر، عداده في المؤلفة قلوبهم، أسلم قبل فتح مكة وحسن إسلامه بعد ذلك، وكان ممن حرم الخمر في الجاهلية. قوله: "أتجعل نهبي" أضافه إليه؛ لأنه مشارك في ذلك. وَ"العبيد" اسم فرسه. وقوله: "بين عيينة والأقرع" كأنه اقتصر عليهما، وإلا فإن أبا سفيان وصفوان بن أمية ممن جهل نهبه ونهب العبيد بينهم؛ لأن أولئك من قريش لهم مزية إذا فضّلوا. ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في "الاستيعاب" رقم (2033 - الأعلام). (¬2) انظر ترجمته في "الاستيعاب" رقم (98 - الأعلام). (¬3) انظر ترجمته في "الاستيعاب" رقم (1892 - الأعلام). (¬4) زيادة من (أ).

[و (¬1)] قوله: "وما كان حصن ولا حابس" أي: أبوي عيينة والأقرع، يريد أن أباه إذا كان التفضيل بالآباء أعظم من [أبويهما (¬2)]، وهو إن كان التفضيل باعتبار النفس فهما مثله فانتفت جهتا التفضيل. 17 - وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ قَتَلَ قَتِيْلَاً لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلْبُهُ". أخرجه الستة (¬3) إلا النسائي. وهو طرف من حديث سيأتي في الغزوات. قوله: "في حديث أبي قتادة من قتل قتيلاً" هذا من مجاز المسارقة, والحقيقة من قتل حيَّاً ورجح المجاز عليها أنه تناول بأن العدو مقتول على كل حال. وقوله: "فله" أي: القاتل الدال عليه من قتل. "سلبه" في "القاموس" (¬4): سلبه سَلْبَاً وسَلَباً اختلسه كاستلبه إلى أن قال: وبالتحريك ما سلب [64 ب] فهو هنا بالتحريك لأن المراد أن القاتل له ما سلبه على القتيل. فالسلب بالتحريك أحد المصدرين واسم لما سلب، قال البغوي (¬5): السلب كل ما يكون على المقتول من ملبوس وسلاح وفرسه الذي هو راكبه. ¬

_ (¬1) زيادة من (أ). (¬2) في (أ) أبيهما. (¬3) أخرجه البخاري رقم (3142) ومسلم رقم (41/ 1751) وأبو داود رقم (2717) والترمذي رقم (1562) ومالك في "الموطأ" (2/ 454). (¬4) في "القاموس المحيط" (ص 125). (¬5) في "شرح السنة" (11/ 108).

وقال الشافعي (¬1) وأحمد (¬2) والليث (¬3) وأبو ثور (¬4): يستحق القاتل سلب القتيل في جميع الحروب سواء قال ذلك أمير الجيوش أو لا. قالوا (¬5): وهذا فتوى من النبي - صلى الله عليه وسلم - وإخبار عن حكم الشرع، فلا يتوقف على قول أحد، وقال أبو حنيفة (¬6) ومالك (¬7): لا يستحقه إلا أن يقوله الأمير قبل القتال، وإلا فهو للغانمين كسائر الغنيمة، وحملوا الحديث على هذا، وجعلوا هذا معنى الحديث وليس بفتوى وإخبار عام، وهذا القول ضعيف؛ لأن الحديث صريح في قوله ذلك بعد الفراغ من القتال واجتماع الغنائم. قال الشافعي (¬8): ولا يخمس السلب في الأصح من قوليه، وقال مالك (¬9): يخمس، وحديث أبي داود الآتي قريباً يرد قوله، ثم إنه لا يعطى إلا لمن له بينة كما هو صريح الحديث. وقال مالك (¬10): يعطى بقوله بلا بينة؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - أعطاه السلب في هذا الحديث بقول واحد ولم يحلَّفه. والجواب: أنه - صلى الله عليه وسلم - علم أنه القاتل بطريق من الطرق، وقد صرح - صلى الله عليه وسلم - بالبينة فلا تلغى. ¬

_ (¬1) "البيان" للعمراني (12/ 163 - 164). (¬2) "المغني" (13/ 64 - 66). (¬3) انظر "فتح الباري" (6/ 248). (¬4) موسوعة فقه الإمام أبي ثور (ص 784 - 785). (¬5) انظر "فتح الباري" (6/ 248 - 249). (¬6) الاختيار (4/ 402 - 403) و"البناية في شرح الهداية" (6/ 592). (¬7) "التهذيب في اختصار المدونة" (2/ 65) "مدونة الفقه المالكي وأدلته" (2/ 4658). (¬8) البيان" للعمراني (12/ 164). (¬9) انظر: مدونة الفقه المالكي وأدلته (2/ 465 - 466). (¬10) "عيون المجالس" (2/ 681).

18 - وَعَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ - رضي الله عنه - قَالَ: أَتَى رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عَيْنٌ مِنَ المُشْرِكِينَ وَهْوَ فِي سَفَرٍ، فَجَلَسَ عِنْدَ أَصْحَابِهِ يَتَحَدَّثُ ثُمَّ انْفَتَلَ، فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: "اطْلُبُوهُ فَاقْتُلُوهُ"، فَقَتَلْتُهُ فَنفَّلَنِي سَلبَهُ. أخرجه الشيخان (¬1). [صحيح] قوله: "في حديث سلمة عين" العين (¬2): الجاسوس، قال الحافظ ابن حجر (¬3): لم أقف على اسمه، وسمِّي الجاسوس عيناً؛ لأن جلّ عمله بعينيه، أو لشدة اهتمامه بالرؤية واستقرائه فيها، كأن جميع بدنة عيناً، ووقع في رواية مسلم (¬4): أن ذلك كان في غزاة هوازن. 19 - وَعَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ، وَخَالِدُ بْنِ الوَلِيْدُ -رضي الله عنهما - قَالَا: قَضَىَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فِيْ السَّلْبِ لِلْقَاتِلِ وَلَمْ يُخَمِّسِ السِّلَبَ. أخرجه أبو داود (¬5). [صحيح] قوله: "في حديث عوف بن مالك: أخرجه أبو داود". قلت: قال المنذري (¬6): فيه ابن عياش [65 ب] يريد به إسماعيل بن عياش. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (3051 - مختصراً" ومسلم رقم (1754). قلت: وأخرجه أحمد (4/ 49 - 50) وأبو داود رقم (2654) والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" رقم (3011) وفي "شرح معاني الآثار" (3/ 227) وابن حبان رقم (4843) والطبراني في "المعجم الكبير" رقم (6241) والبيهقي في "السنن الكبرى" (6/ 307) من طرق وهو حديث صحيح. (¬2) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 281)، "المجموع المغيث" (2/ 532). (¬3) في "الفتح" (6/ 168). (¬4) في "صحيحه" رقم (45/ 1754). (¬5) في "السنن" رقم (2721). وأخرجه أحمد (4/ 90) و (6/ 26) والطحاوي في "شرح المعاني" (3/ 226) والبيهقي في "السنن الكبرى" (6/ 310) وابن حبان رقم (4842) والطبراني في "الكبير" "ج 18رقم 86)، وهو حديث صحيح. (¬6) في "مختصر السنن" (4/ 45).

قال في "التقريب" (¬1): إسماعيل بن عياش بن سليم العنسي بالنون أبو عقبة الحمصي صدوق في روايته عن أهل بلده مخلط في غيرهم. انتهى. 20 - وَعَنْ عَبْدِ الله بْنِ أَبِي أَوْفَى - رضي الله عنهما - أَنَّهُ قِيْلَ لَهُ: هَلْ كُنْتُمْ تُخَمِّسُونَ الطَّعَامَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فَقَالَ: أَصَبْنَا طَعَامًا يَوْمَ خَيْبَرَ فكَانَ الرَّجُلُ يَجِيءُ فَيَأْخُذُ مِنْهُ قَدْرَ مَا يَكْفِيهِ ثُمَّ يَنْصَرِفُ. أخرجه أبو داود (¬2). [صحيح] قوله: "في حديث عبد الله بن أبي أوفى: يجيء الرجل فيأخذ منه قدر ما يكفيه". قد أفاد الجواب عن السؤال؛ لأنه لو كان يخمس لما أبيح الأخذ منه بلا تخميس؛ لأنه لم يذكره، واستدل بالحديث [160/ أ] على إباحة أكل الطعام في دار الحرب ونحو ذلك بإذن الإمام [وبغير إذنه، ولا يشترط أحد من العلماء إذن الإمام] (¬3) إلا الزهري (¬4)، والجمهور (¬5) على منع إخراج شيء منه إلى دار الإسلام، وإن أخرجه لزمه رده إلى المغنم بالإجماع، ولا يجوز ¬

_ (¬1) (1/ 73 رقم 541). (¬2) في "السنن" رقم (2704) بإسناد صحيح على شرط البخاري، وأخرجه الحاكم (2/ 126) من طريق أخرى عن أبي كريب - وهو محمد بن العلاء - وقال: "صحيح على شرط البخاري، فقد احتج بمحمد وعبد الله ابني أبي المجالد جميعاً"، ووافقه الذهبي. وتعقبهما الألباني في "صحيح أبي داود" (8/ 44) فقال: كذا قالا! وهو من أوهامهما؛ فإنهم لم يترجحوا لمحمد ابن أبي المجالد؛ لأنه لا وجود له، وإنما هو: عبد الله بن أبي المجالد، سماه بعض الرواة محمد كما في هذا الإسناد وغيره, والذهبي نفسه قال في ترجمة عبد الله من "الكاشف": ثقة، وسماه شعبة محمداً فوهم". اهـ. وأخرجه ابن الجارود رقم (1072) والحاكم (2/ 123) وعنه البيهقي (9/ 60) وأحمد (4/ 354) عن هشيم: أنا الشيباني .... به. وهو حديث صحيح، والله أعلم. (¬3) زيادة من (أ). (¬4) انظر: "الأوسط" لابن المنذر (11/ 69). (¬5) ذكره الحافظ في "الفتح" (6/ 255). وانظر الأوسط لابن المنذر (11/ 51).

[بيع شيء منه في دار الحرب ولا في غيرها ويجوز] (¬1) ركوب دوابهم ولبس ثيابهم واستعمال سلاحهم في حال الحرب بالإجماع ولا يحتاج فيه إلى إذن الإمام. 21 - وَعَنْ اَبْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أَنَّ جَيْشَاً غَنِمُوا فِي زَمَنِ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - طَعَامَاً وَعَسَلاً فَلَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ الخُمُسُ. أخرجه أبو داود (¬2). [صحيح] قوله: "في حديث ابن عمر فلم يؤخذ منه الخمس" ترجم له أبو داود (¬3): باب في إباحة الطعام في أرض العدو. قوله: "أخرجه أبو داود" قال المنذري (¬4): وأخرجه مسلم والنسائي. 22 - وَعَنْ عَمْرَو بْنَ عَبَسَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إِلَى بَعِيرٍ مِنَ المَغْنَمِ فَلمَّا سَلَّمَ صَلَّى أَخَذَ وَبَرَةً مِنْ جَنْبِ البَعِيرِ، ثُمَّ قَالَ: "لاَ يَحِلُّ لِي مِنْ غَنَائِمِكُمْ مِثْلُ هَذه إِلاَّ الخُمُسَ، وَالخُمُسُ مَرْدُودٌ فِيكُمْ". أخرجه أبو داود (¬5). [صحيح] ¬

_ (¬1) زيادة من (أ). (¬2) في "السنن" رقم (2701) بإسناد صحيح. وأخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (9/ 59) وهو حديث صحيح. • وأخرجه البخاري رقم (3154) عن ابن عمر قال: كنا نصيب في مغازينا العسل والعنب فنأكله ولا نرفعه". (¬3) في "السنن" (3/ 49 الباب رقم 137). (¬4) في "مختصر السنن" (4/ 34) قاله عقب الحديث رقم (2587) عن عبد الله بن مغفل قال: "دُلَى جراب من شحم يوم خيبر، قال: فأتيته فالتزمته, ثم قلت: لا أعطي من هذا أحداً اليوم شيئاً، قال: فالتفتُّ، فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتبسم إليَّ". قال المنذري: "وأخرجه البخاري رقم (5508) ومسلم (73/ 1772)، والنسائي رقم (4435). قلت: وهو عند أبي داود برقم (2702) وهو حديث صحيح. • أما حديث ابن عمر فقد سكت عنه المنذري. (¬5) في "السنن" رقم (2755) بسند صحيح. =

وأخرجه النسائي (¬1) من رواية عباد بن الصامت بنحوه. [حسن] 23 - وَعَنْ جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ - رضي الله عنه - قَالَ: أَتَيْتُ أَنَا وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ - رضي الله عنه -رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - نُكَلِّمُهُ فِيمَا يُقْسَمُ مِنَ الخُمُسِ فِي بَنِي هَاشِمٍ، وَبَنِي المُطَّلِبِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله! قَسَمْتَ لإِخْوَانِنَا بَنِي المُطَّلِبِ وَلَمْ تُعْطِنَا شَيْئًا، وَقَرَابَتُنَا وَقَرَابَتُهُمْ وَاحِدَةٌ. فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّمَا بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو المُطَّلِبِ شَيْءٌ وَاحِدٌ، وَلَمْ يَقْسِمْ لِبَنِي عَبْدِ شَمْسٍ وَلاَ لِبَني نَوْفَلٍ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ - رضي الله عنه - يَقْسِمُ الخُمُسَ نَحْوَ قَسْمِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُعْطِي قُرْبَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - مَا كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُعْطِيهِمْ، وَكَانَ عُمَرُ يُعْطِيهِمْ مِنْهُ، وَعُثْمَانُ بَعْدَهُ. أخرجه البخاري (¬2) وأبو داود (¬3) والنسائي (¬4)، وهذا لفظ أبي داود. [صحيح] قوله: "في حديث جبير بن مطعم فيما يقسم من الخمس" فيه دليل على ثبوت سهم ذوي القربى؛ لأن عثمان [66 ب] وجبير إنما طلباه بالقرابة, وقد كان عمل به الخلفاء بعد عمر وعثمان، وجاء في هذه الرواية "أن أبا بكر لم يقسم لهم"، وجاء في غيرها عن علي - عليه السلام -: "أن أبا بكر قسم لهم". ¬

_ = وأخرجه البيهقي (6/ 339) من طريق أبي داود. وأخرجه الحاكم (3/ 616 - 617) من طريقين آخرين، عن عبد الله بن العلاء عن أبي سلام قال: سمعت عمرو ... فذكره بسند صحيح. وفيه رد على أبي حاتم الذي جزم بأن رواية أبي سلام عن عمرو بن عبسة مرسلة, فقد صرح هنا بالسماع، فالحديث صحيح، والله اعلم. (¬1) في "السنن" رقم (4138). وأخرجه أحمد (5/ 319) والحاكم (3/ 49) والبيهقي (6/ 303) وحسن الحافظ "الفتح" (6/ 241) إسناده. وهو حديث حسن، والله أعلم. (¬2) في "صحيحه" رقم (3140, 4229). (¬3) في "السنن" رقم (2978). (¬4) في "السنن" رقم (4136).

وقد رواه أبو داود (¬1). وقد اختلف العلماء في ذلك. فقال الشافعي (¬2) ومالك (¬3): حقهم ثابت، وقال أصحاب الرأي (¬4): لا حق لذوي القربى وقسموا الخمس على ثلاثة أصناف. وقال بعضهم (¬5): إنما أعطى النبي - صلى الله عليه وسلم - بني المطلب في النصرة لا في القرابة، ألا تراه يقول: لم نفترق في جاهلية ولا إسلام فنبه على أن سبب الاستحقاق النصرة وقد انقطعت فوجب: أن تنقطع العطية. قال الخطابي (¬6): لو كان ذلك من أجل النصرة لكان بن وهاشم أولى الناس أن لا يعطوا شيئاً وإنما هي عطية بحسب القرابة كالميراث، وقد قيل: إنما أعطوه عوض عن الصدقة المحرمة عليهم وتحريم الصدقات باقٍ فليكن سهمهم باقياً. انتهى. قوله: "في حديث جبير بن مطعم وكان أبو بكر" إلى قوله: "غير أنه لم يكن يعطي قربى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" هذا من أدلة أهل الرأي كما تقدم. قالوا: لأنّ سهم ذوي القربى سقط بموته - صلى الله عليه وسلم -، وقد استدل لفعل أبي بكر بحديث الكلبي عن أبي صالح عن أم هانئ، "أنَّ فاطمة - رضي الله عنها - أتت أبا بكر تسأله سهم ذوي القربى فقال لها أبو بكر: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: لهم في حياتي وليس لهم بعد موتي". والجمهور على عدم سقوطه والحديث هذا باطل لا أصل له، فالكلبي متروك، وأبو صالح مولى أم هانئ ضعيف، والصحيح الثابت أن [67 ب] فاطمة - رضي الله عنها - جاءت تطلب ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (2979). (¬2) انظر: "البيان" للعمراني (12/ 229 - 232). (¬3) "عيون المجالس" (2/ 747 - 748). (¬4) انظر "شرح معاني الآثار" (3/ 308) الهداية (2/ 440). (¬5) ذكره الخطابي في "معالم السنن" (3/ 385 - مع "السنن")، وانظر: "فتح الباري" (6/ 246). (¬6) في "معالم السنن" (3/ 386 - مع "السنن").

ميراثها (¬1) هذا، والآية دالة على استحقاق ذوي القربى ذكرهم وأنثاهم، غنيهم وفقيرهم، وقد أعطى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العباس من الخمس، وكان من أغنياء بني هاشم فهو مبطل للقول بأنه لا يعطي إلا فقرائهم، وهو دليل على أن الإعطاء للقرابة لا لغيرها فحقهم باق إلى يوم القيامة كما قال ابن عباس (¬2) في جوابه على نجدة الحروري قال: كتبت إليَّ تسألني عن سهم ذوي القربى لمن هو؟ هو لنا أهل البيت ... الحديث. وهذا دليل (¬3) على أن المراد بذوي القربى بنو هاشم خاصة دون بني المطلب، وبه قال زيد بن أرقم وعمر بن عبد العزيز، إلا أن حديث جبير بن مطعم يقضي بأن بني المطلب يشاركوهم، وحديثه أبطل قول من قال: هم قريش كلها (¬4)، والحق أن لفظ "ذوي القربى" عام خصّصته السنة، وقد ثبت قوله - صلى الله عليه وسلم - لمن جاءه من بني هاشم يطلبه العمالة على أن لكم في خمس الخمس ما يغنيكم، ففعل أبي أبي بكر لا يدري ما وجهه؟ ثم إنه قد عارض القول بأن أبا ¬

_ (¬1) عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن فاطمة - رضي الله عنها - قالت لأبي بكر: من يرثك إذا مت؟ قال: ولدي وأهلي، قالت: فما لنا لا نرث النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن النبي لا يورث"، ولكن أعول من كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعول، وأنفق على من كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم - ينفق. [أخرجه أحمد (1/ 10، 13) والترمذي رقم (1608) وقال: حديث حسن صحيح]، وهو حديث صحيح. (¬2) عن يزيد بن هرمز: أن نجدة كتب إلى ابن عباس يسأله عن الخمس لمن هو؟ فكتب إليه ابن عباس: كتبت تسألني عن الخمس لمن هو؟ فإنا نقول: هو لنا، فأبى علينا قومنا ذلك. [أخرجه أحمد (1/ 294، 308) ومسلم رقم (137/ 1812) وهو حديث صحيح]. • وفي رواية: أن نجدة الحروري حين خرج في فتنة ابن الزبير أرسل إلى ابن عباس يسأله عن سهم ذي القربى لمن يراه, فقال: هو لنا لقربى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لهم، قسمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لهم .... ". [أخرجه أحمد (1/ 320) والنسائي رقم (4133) وأبو داود رقم (2982) والطبراني في "الكبير" رقم (10829) والبيهقي (6/ 344 - 345) وأبو يعلى رقم (2739) من طرق. وهو حديث صحيح]. (¬3) ذكره الحافظ في "الفتح" (6/ 245 - 246). (¬4) وبهذا قال أصبغ. انظر "فتح الباري" (6/ 246).

بكر لم يعط ذوي القربى حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى عند أبي داود (¬1) "أنه سمع علياً يقول: ولّاني رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - على خمس الخمس فوضعته مواضعه حياته وحياة أبي بكر وحياة عمر .. " الحديث [و (¬2)] سيأتي. ففيه دليل على أن علياً - عليه السلام - قبض الخمس من الخمس [68 ب] أيام أبي بكر، ويدل عليه قوله: "حتى كان آخر (¬3) سني عمر فأتاه مال كثير فعزل حقنا ثم أرسل إليّ .. الحديث (¬4)، فإنه دليل أن علياً - عليه السلام - كان الذي يتولى قبض ذلك ويفرقه. واعلم أنه قال في "فتح الباري" (¬5) في هذه الزيادة وهي: "وكان أبو بكر يقسم الخمس" إلى قوله: "غير أنه لم يكن يعطي قربى رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - .. إلى آخره"، ما لفظه: هذه الزيادة بين الذهلي في "جمع حديث الزهري" أنها مدرجة في كلام الزهري، وأخرج ذلك مفصلاً من رواية الليث عن يونس قال: وكان هذا هو السر في حذف البخاري لهذه الزيادة مع ذكره لرواية يونس. انتهى. وهذا كلام يقبله النظر فإنّ أبا بكر لا يغير أمراً كان على عهده - صلى الله عليه وسلم -، ولا يسكت عنه العباس وأمير المؤمنين علي - عليه السلام - وسائر ذوي القربى، ولا ينكره الصحابة أوّلهم عمر الذي أجراه لهم، وحديث علي - عليه السلام -: أنه - صلى الله عليه وسلم - ولاه ذلك وعمل به [161/ أ] حياة أبي بكر من أعظم الأدلة أنه كان يقبضه أيام أبي بكر ويضعه في مصارفه. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (2983) وهو حديث ضعيف الإسناد. (¬2) زيادة من (أ). (¬3) كذا في المخطوط والذي في "سنن أبي داود": "حتى إذا كانت آخر سنة من سني عمر فإنه أتاه مالٌ كثير فعزل حقنا ثم أرسل إليَّ فقلت: بنا عنه العام غنى وبالمسلمين إليه حاجة فاردده عليهم ... ". (¬4) أخرجه أبو داود في "السنن" رقم (2984) بسند ضعيف. (¬5) (6/ 245).

ومدرجات الزهري كثيرة لا حكم لها إن خالفت أقوى منها، وهنا خالفت ما هو أقوى وأولى، بل أم محمد بن علي المعروف بابن الحنفية أعطاها (¬1) أبو بكر علياً من سبي بني حنيفة أصحاب مسيلمة فهي من الخمس من حصة ذوي القربى. 24 - وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا - رضي الله عنه - يَقُولُ: اجْتَمَعْتُ أَنَا وَالعَبَّاسُ وَفَاطِمَةُ وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله! إِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُوَلِّيَنا حَقَّنَا مِنْ هَذَا الخُمُسِ فِي كِتَابِ الله تَعَالَى فَأَقْسِمَهُ حَيَاتَكَ كَيْ لاَ يُنَازِعنَا أَحَدٌ بَعْدَكَ, فَفَعَلَ، فَقَسَمْتُهُ حَيَاةَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ وِلَايَةَ أَبِي بَكْرٍ - رضي الله عنه - حَتَّى كَانَ آخِرُ سِنِي عُمَرَ - رضي الله عنه -، فَأَتَاهُ مَالٌ كَثِيرٌ فَعَزَلَ حَقَّنَا ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيَّ فَقُلْتُ بِنَا عَنْهُ العَامَ غِنًى، وَبِالمُسْلِمِينَ إِلَيْهِ حَاجَةٌ، فَارْدُدْهُ عَلَيْهِمْ، فَلَقِيتُ العَبَّاسَ - رضي الله عنه - بَعْدَ خُرُوجِي مِنْ عِنْدِ عُمَرَ - رضي الله عنه - فَأَخبَرْتُهُ فَقَالَ: لَقَدْ حَرَمْتَنَا الغَدَاةَ شَيْئًا لاَ يُرَدُّ عَلَيْنَا أَبدًا، وَكَانَ رَجُلاً دَاهِيًا. أخرجه أبو داود (¬2). [إسناده ضعيف] "الداهي" (¬3) من الرجال: الفطن الجيد الرأي. قوله: "وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: سمعت علياً .. إلى آخره" عبد الرحمن هو أبو عيسى عبد الرحمن بن أبي ليلى، واسم أبي ليلى يسار، بمثناة تحتية وسين مهملة مخففة، ويقال: داود بن بلال، ولد عبد الرحمن (¬4) لست سنين من خلافة عمر [69 ب] سمع من أبيه ومن علي بن أبي طالب وعثمان بن عفان وجماعة من الصحابة، وسمع منه الشعبي ومجاهد وجماعة. ¬

_ (¬1) انظر: "سير أعلام النبلاء" (4/ 114)، "الطبقات الكبرى" لابن سعد (5/ 91). (¬2) في "السنن" رقم (2984) بسند ضعيف. (¬3) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (2/ 695). (¬4) قاله ابن حجر في "تهذيب التهذيب" (2/ 548 - 549)، وانظر: الميزان (2/ 584 رقم 4948).

قوله: "ولَّاني رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -" في لفظ لأبي داود (¬1) في هذه الرواية أنه قال علي - عليه السلام -: اجتمعت أنا والعباس وفاطمة وزيد بن حارثة عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت: يا رسول الله! إن رأيت أن توليني حقنا من هذا الخمس في كتاب الله فاقسمه في حياتك كيلا ينازعني أحد بعدك فافعل، قال: ففعل ذلك فقسمته حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم ولانيه أبو بكر .. الحديث ففيه تفسير ذوي القربى أهل البيت فلذا قال: حقنا، وإنه ما زال علي - عليه السلام - والياً حتى رده هو على عمر، وتفطن العباس بعد رد علي - عليه السلام - له أنه لا يعود إليهم، فكان كما قال، ففي حديث علي - عليه السلام - بعد قوله: فرده عليهم ثم لم يدعني إليه أحد بعد عمر - رضي الله عنه -. قوله: "أخرجه أبو داود". قلت: قال المنذري في "مختصر السنن" (¬2): في إسناده حسين بن ميمون الخِنْدفي، أي: بالقاف (¬3)، قال أبو حاتم (¬4): ليس بقوي في الحديث يكتب حديثه، وقال علي بن المديني (¬5): ليس بمعروف، وذكر له البخاري في "تاريخه الكبير" (¬6) هذا الحديث وقال: وهو حديث لا يتابع عليه. انتهى. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (2984). وأخرجه أحمد (1/ 84) وأبو يعلى رقم (364) والبزار رقم (626) وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (9/ 14) وقال: ورجالهم ثقات. قلت: فيه الحسين بن ميمون لم يوثقه غير ابن حبان. انظر "الضعفاء الكبير" (1/ 253) و"العلل" للدارقطني (3/ 279 - 280). (¬2) (4/ 385). (¬3) بل بالفاء انظر "الميزان" (49) "تهذيب التهذيب" (1/ 438). (¬4) ذكره الذهبي في "الميزان" (1/ 549 رقم 2062). (¬5) ذكره ابن حجر في "تهذيب التهذيب" (1/ 438). (¬6) (2/ 385).

قلت: وأخرجه أبو داود (¬1) أيضاً من طريق أخرى لكن فيها أبو جعفر الرازي. قال المنذري (¬2): هو عيسى بن ماهان (¬3) وقيل: عبد الله بن ماهان، وثقه ابن المديني وابن معين، ونقل عنهما خلاف ذلك وتكلم فيه غير واحد. انتهى. وفي "التقريب" (¬4): اسمه عيسى بن أبي عيسى عبد الله بن ماهان وقال: صدوق سيئ الحفظ. 25 - وَعَنْ قتادَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إذَا غَزَا بِنَفْسِهِ يَكُوْنُ لَهُ سَهْمٌ صَفِيِّ يَأْخُذُهُ مِنْ حَيْثُ شَاءَ: عَبْدَاً أَوْ أَمَةً أَوْ فَرَسَاً يَخْتَارُهُ قَبْلَ الخُمُس، وَكَانَتْ صَفِيَّةُ - رضي الله عنها - مِنْ ذَلِكَ السَّهْمِ، وَكَانَ إِذَا لَمْ يَغْزُ بِنَفْسِهِ ضُرِبَ لَهُ بِسَهْمِهِ وَلَمْ يَخْتَرْ. أخرجه أبو داود (¬5). [إسناده ضعيف] قوله: "في حديث قتادة يختاره [70 ب] قبل الخمس" لفظ أبي داود هنا: "يأخذه من حيث شاء" وليس فيه: "قبل الخمس". قوله: "فكانت صفية من ذلك السهم". قلت: ومثله أخرجه أبو داود (¬6) أيضاً من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: "كانت صفية من الصفي". ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (2983) إسناده ضعيف لسوء حفظ أبي جعفر الرازي، وبه أعله المنذري. وأخرجه الحاكم (2/ 128) و (3/ 39 - 40) والبيهقي (6/ 343). (¬2) في "المختصر" (4/ 228). (¬3) انظر: "التقريب" رقم (8019). (¬4) رقم (8019). (¬5) في "السنن" رقم (2993) وهو حديث ضعيف الإسناد. (¬6) في "السنن" رقم (2994). وأخرجه ابن حبان رقم (2247 - موارد) والحاكم (2/ 128) و (3/ 39) والبيهقي (6/ 304). قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي، وهو حديث صحيح.

إلا أنه قد عارضه ما أخرجه أبو داود (¬1) أيضاً من حديث أنس قال: "وقع في سهم دحية جارية جميلة فاشتراها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسبعة أرؤس، ثم دفعها إلى أم سليم" .. الحديث. وفي لفظ له (¬2) عن أنس أيضاً: "جمع السبي يعني بخير فجاء دحية فقال: يا رسول الله! أعطني جارية من السبي قال: اذهب فخذ جارية، فأخذ صفية بنت حيي، فجاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: أعطيت دحية صفية بنت حيي ما تصلح إلا لك، قال: ادعوه بها فلما نظر إليها النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: خذ جارية من السبي غيرها ... الحديث". والجمع (¬3) بينهما أن هذه الرواية أخرجها مسلم (¬4)، ورواية قتادة مرسلة، فهذه مقدمة عليها فهي أرجح منها. 26 - وَعَنْ مَالِكَ بْنَ أَوْسٍ بنِ الحَدَثَانِ قَالَ: أَرْسَلَ إِلَىَّ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ - رضي الله عنه -فَجِئْتُهُ حِينَ تَعَالَى النَّهَارُ فَوَجَدْتُهُ فِي بَيْتِهِ جَالِسًا عَلَى سَرِيرٍ مُفْضِيًا إِلَى رِمَالِهِ مُتَّكِئًا عَلَى وِسَادَةٍ مِنْ أَدَمٍ. فَقَالَ: يَا مَالُ! إِنَّهُ قَدْ دَفَّ أَهْلُ أَبْيَاتٍ مِنْ قَوْمِكَ، وَقَدْ أَمَرْتُ فِيهِمْ بِرَضْخٍ فَخُذْهُ فَاقْسِمْهُ بَيْنَهُمْ، فَقُلْتُ: لَوْ أَمَرْتَ بِهَذَا غيْرِي؟ فَقَالَ: خُذْهُ يَا مَالُ، فَجَاءَ يَرْفَأ، مَوْلَى عُمَرَ - رضي الله عنه -، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ! هَلْ لَكَ فِي عُثْمَانَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَالزُّبَيْرِ وَسَعْدٍ - رضي الله عنهم -؟ فَقَالَ: نَعَمْ. فَأَذِنَ لَهُمْ فَدَخَلُوا فَسَلّمُوا وَجَلَسُوا، ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ: هَلْ لَكَ فِي عَبَّاسٍ وَعَليٍّ - رضي الله عنهما -؟ قَالَ: نَعَمْ. فَأَذِنَ لَهُمَا فَدَخَلَا فَسَلّمَا فَجَلَسَا، فَقَالَ العَبَّاسُ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ! اقْضِ بَيْنِي وَبَيْنَ هَذَا، وَهُمَا يَخْتَصِمَانِ، فَقَالَ القَوْمُ: أَجَلْ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، اقْضِ بَيْنَهُمْ وَأَرِحْهُمْ. فَقَالَ عُمَرُ - رضي الله عنه -: اتَّئِدُوا أَنْشُدُكُمْ بِالله الَّذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ؛ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لاَ نُورَثُ مَا تَرَكْنَا ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (2997)، وأخرجه مسلم في "صحيحه" رقم (87/ 1365) وهو حديث صحيح. (¬2) أي لأبي داود في "السنن" رقم (2998). وأخرجه البخاري رقم (371) ومسلم بإثر الحديث رقم (1427) والنسائي رقم (3342، 3343، 3380). (¬3) انظر: "الروض الأنف" (4/ 60)، "فتح الباري" (7/ 470). (¬4) انظر: التعليقة المتقدمة.

صَدَقَةٌ". قَالُوا نَعَمْ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى العَبَّاسِ وَعِليٍّ - رضي الله عنهما - فَقَالَ: أَنْشُدُكُمَا بِالله الَّذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ: أَتَعْلَمَانِ أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لاَ نُورَثُ مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ؟ ". قَالاَ نَعَمْ، فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّ الله تَعَالَى كَانَ خَصَّ رَسُولَهُ - صلى الله عليه وسلم - بِخَاصَّةٍ لَمْ يَخُصَّ بِهَا أَحَدًا غَيْرَهُ فَقَالَ: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ}، فَقَسَمَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -بَيْنَكُمْ أَمْوَالَ بَنِي النَّضِيرِ، فَوَالله مَا اسْتَأْثَرَ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَخَذَهَا دُونَكُمْ حَتَّى بَقِىَ هَذَا المَالُ، فَكَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَأْخُذُ مِنْهُ نَفَقَةَ سَنَةٍ ثُمَّ يَجْعَلُ مَا بَقِيَ أُسْوَةَ المَالِ (¬1). [صحيح] قوله: "وعن مالك بن أوس بن الحدثان" بفتح الحاء المهملة فدال مهملة مفتوحة فثاء مثلثة، في "التقريب" (¬2) مالك بن أوس بن الحدثان النصري بالنون أبو سعيد المدني له رؤية وروى عن عمر. انتهى. فهو صحابي على هذا، فأما أوس (¬3) فصحابي اتفاقاً، وأمّا مالك فقد ذكر في الصحابة، وقال أبو حاتم (¬4): لا تصح له صحبة وليس له في البخاري سوى هذا الحديث، وآخر في البيوع، قاله في "فتح الباري" (¬5). قوله: "مفضياً إلى رماله" رمال (¬6) السرير بكسر الراء وقد تضم وهي الخيوط [71 ب] التي تظفر على وجهه مشبكة، وأفضى إليه: ألقى بنفسه عليها لا حاجز بينهما. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (3094) ومسلم رقم (49/ 1757) وأبو داود رقم (2963) والترمذي رقم (1610) والنسائي رقم (4141) مختصراً. (¬2) رقم (860). (¬3) انظر: "الاستيعاب" رقم (58 - الأعلام). (¬4) في "الجرح والتعديل" (8/ 203 رقم 896). (¬5) (6/ 204). (¬6) قال ابن الأثير في "النهاية" (1/ 692) أنه كان السرير قد نسج وجهه بالسعف ولم يكن على السرير وطاء سوى الحصير. انظر: "فتح الباري" (6/ 205)، "الفائق" للزمخشري (2/ 83).

قوله: "يا مال" ترخيم مالك (¬1) للخف ويجوز في لامه الكسر والضم على أنه قد صار اسماً بنفسه. قوله: "من قومك" هم من بني نصر بن معاوية بن بكر بن هوازن. قوله: "دف" يقال: دفت (¬2) دافة من الأعراب بدال مهملة إذا جاءوا إلى المصر. [قوله (¬3)]: "يرضخ" (¬4) الرضخ العطاء ليس بالكثير. قوله: "يرفأ" بلا همز وقد يهمز وهو حاجب عمر، وفي "الفتح" (¬5) يرفا بفتح التحتانية وسكون الراء بعدها فاء مشبعة بغير همز وقد تهمز. قوله: "اتئدوا" (¬6) أي: بالتأني والتثبت من التوءدة وهي الرفق. قوله: "أنشدكم" أسائلكم وأقسم عليكم. قوله: "الذي بإذنه" أي: بأمره وعلمه. قوله: "لا نورث ما تركنا صدقة" قال في "الفتح" (¬7): وفي هذه القصة رد على من قرأ لا يورث بالتحتانية أوله [162/ أ]، وصدقة بالنصب على الحال وهي دعوى من بعض الرافضة ادّعى أن الصواب في قراءة هذا الحديث هكذا. ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (6/ 205). (¬2) "غريب الحديث" للهروي (3/ 390). "الفائق" للزمخشري (1/ 428). (¬3) زيادة من (ب). (¬4) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 661). (¬5) (6/ 205). وانظر "النهاية في غريب الحديث" (1/ 671). (¬6) "المجموع المغيث" (1/ 213)، "النهاية في غريب الحديث" (1/ 179). (¬7) (12/ 7).

والذي توارد عليه أهل الحديث في القديم والحديث "لا نورث" بالنون و"صدقة" بالرفع، وأن الكلام جملتان و"ما تركنا" في موضع الرفع بالابتداء وَ"صدقة" خبره، ويؤيده وروده في بعض طرق الصحيح "ما تركنا فهو صدقة" (¬1) انتهى. قلت: ولأنه لو كان كما قال من رواه بنصب "صدقة" لكان خبراً منه - صلى الله عليه وسلم -قليل الفائدة أو عديمها؛ لأنه معلوم أنه لا يأخذ الورثة من الميراث [72 ب] إلا ما كان ملكاً لمورثهم لا ما كان صدقة فإنه معلوم أنه لا يورث ويكون كقوله: لا يورث ما تركناه وديعة، أو أمانة أو نحو ذلك. قوله: "قالا" أي: علي والعباس. "نعم" أي: نعلم أنه قال: لا نورث .. الحديث. أقول: في هامش نسخة السيد العلامة الحسن بن أحمد الجلال - رحمه الله - من "جامع الأصول" ما لفظه: قالت الشيعة: هذا مشكل من وجهين أحدهما أنه لم يعرف حديث انتفاء الإرث إلا أبو بكر وحده، ذكر ذلك معظم المحدثين والأصوليين، ومقتضى هذه الرواية أن عبد الرحمن ومن معه يعرفونه، والثاني أن عمر ناشد علياً والعباس هل تعلمان ذلك؟ فقالا: نعم، فإذا كانا يعلمانه فكيف جاء العباس وفاطمة إلى أبي بكر يطلبان الإرث منه على ما قد صححه النقلة؟ وهل يجوز أن يكون العباس يعلم ذلك ثم يطلب الإرث؟ وهل يجوز أنّ علياً يعلم ذلك ثم يمكن زوجته أن تطلب ما لا تستحقه؟ وهل نازعت أبا بكر إلا بإذنه؟ انتهى. كتب عليه السيد الحسن ما لفظه: قلت: لا إشكال في الإشكال وقد [(¬2)] الحافظ البارع الناقد عبد الرحمن بن خراش بأن يتهم مالك بن أوس بن الحدثان بوضع هذا الحديث. ¬

_ (¬1) عن أبي بكر الصديق عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا نورث ما تركناه صدقة". [أخرجه البخاري رقم (6726) ومسلم رقم (54/ 1759)]. (¬2) في المخطوط بياض بمقدار كلمة.

ذكر ذلك الذهبي في ترجمة ابن خراش من "تذكرة الحفاظ" (¬1). فأمّا من خرّجه من الجماعة فلا يدل تخريجه له على حقيقة، فإنه لم يخرج من رتبة الآحاد. انتهى كلامه. وراجعنا تذكرة (¬2) [73 ب] الحفاظ في ترجمة ابن خراش فقال الذهبي: سمعت عبدان يقول: حمل ابن خراش إلى بندار كان عندنا جزئين صنفهما في مثالب (¬3) الشيخين فأجازه بألفي درهم بنى له بها حجرة فمات إذ فرغ منها. وقال أبو زرعة محمد بن يوسف: خرج ابن خراش مثالب الشيخين وكان رافضياً. وقال ابن عدي: سمعت عبدان يقول: قلت لابن خراش حديث "ما تركنا صدقة" قال: باطل، اتهم (¬4) مالك بن أوس، قال عبدان: وقد روى مراسيل وصلها، ومواقيف رفعها. قال الذهبي (¬5): قلت: جهلة الرافضة لم يدروا الحديث ولا السيرة ولا كيف ثم، وأما أنت أيها الحفاظ البارع الذي شربت بولك إن صنفت في الرجال فما عذرك عند الله مع خبرتك بالأمور فأنت زنديق معاند للحق فلا رضي الله عنك. انتهى لفظه من "التذكرة". وقوله: شربت بولك؛ لأنه روى عنه في صدر ترجمته (¬6) أنه قال: شربت بولي في هذا الشأن خمس مرات، فانظر إلى كلام الذهبي وعبدان وابن عدي في وصف ابن خراش [ما (¬7)] ¬

_ (¬1) (2/ 684 - 685). (¬2) (2/ 685). (¬3) قال الذهبي في "الميزان" (2/ 600) بعد ذكر كلام عبدان: هذا والله الشيخ المعثر الذي ضلّ سعيه، فإنه كان حافظ زمانه، وله الرحلة الواسعة والاطلاع الكثير والإحاطة، وبعد هذا فما انتفع بعلمه. (¬4) قال الذهبي في "الميزان" (2/ 600 رقم 5009) لعل هذا بدا منه وهو شاب، فإني رأيته ذكر مالك بن أوس بن الحدثان في "تاريخه" فقال: ثقة. (¬5) في تذكرة الحفاظ (2/ 685). (¬6) في تذكرة الحفاظ (2/ 684)، وفي "الميزان" (2/ 600). (¬7) في (أ) بما.

لا تقبل معه روايته، وهم أئمة هذا الشأن والناس عالة على ما قالوه ونقلوه، وقد وصفه بالزندقة والعناد للحق فكيف يقبل قوله: أنه اتهم بالحديث مالك بن أوس على أن الحديث رواه أبو بكر عقب وفاته - صلى الله عليه وسلم - قبل رواية مالك بن أوس لهذا الحديث بأعوام [74 ب] فما أسمج هذا الكلام الذي استروح إليه الجلال! وأمَّا الإشكالان فإنّ الأول يدفعه أنه رواه غير أبي بكر، جوابه: أن هذا الحديث (¬1) يقضي بأنه رواه عثمان وعبد الرحمن بن عوف والزبير وسعد فإنه لما قال لهم عمر: أتعلمون أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: لا نورث ما تركنا صدقة؟ قالوا: نعم، أي: نعلم أنه قال ذلك، وهذا دال على علمهم بالحديث من غير طريق عمر، ثم قال كذلك لعلي والعباس (¬2) وقالا: نعم، يدل على أنهما يعلمانه وهؤلاء ستة نفر مع أبي بكر، إلا أن يقال: ما علموا به إلا من رواية أبي بكر فإنه رواه جواباً على فاطمة - رضي الله عنها - ومعلوم أنهم علموا بمطالبتها بالميراث وجواب أبي بكر، وعرفوا الحديث منه، لا أنهم سمعوه من رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فهذا محتمل. فيتم أنه انفرد بروايته أبو بكر لكنهم كلهم صدقوه فيما رواه فإن رواية الآحاد مقبولة كما برهن عليه في أصول الفقه. وعن الثاني: أنّ العباس وعلياً - عليهما السلام - كانا غير عالمين بالحديث المذكور في أول الأمر فذهب العباس إلى أبي بكر يطلب ميراثه وفاطمة - رضي الله عنها - كذلك فروى لهما الحديث فقنعا وتركا طلب الميراث. [163/ أ]. قوله: "ما أفاء الله" أعلم أنه لا غناء عن ذكر ما كان من الأراضي تحت يد رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - وذلك سهمه من خيبر. ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد (1/ 25، 60، 162) والبخاري رقم (6728) ومسلم رقم (49/ 1757) وغيرهم وقد تقدم. (¬2) تقدم تخريجه.

كما أخرج أبو داود (¬1) عن سهل بن أبي حثمة قال: "قسم رسول الله [75 ب]- صلى الله عليه وسلم - خيبر نصفين نصفها لنوائبه وحاجته ونصفها بين المسلمين". ومنها فدك بفتح الفاء والمهملة بعدها كاف بلد بينهما وبين المدينة ثلاث مراحل [و (¬2)] ذكر أصحاب المغازي قاطبة أنّ أهل فدك كانوا من اليهود فلما فتحت خيبر أرسل أهل فدك يطلبون من النبي - صلى الله عليه وسلم - الأمان على أن يتركوا البلد ويرحلوا فكانت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - خاصة. ومنها صدقة بالمدينة وهي بعض بني النضير، فقد أخرج أبو داود (¬3) قصة بني النضير. وقال في آخره: فكانت تحل بني النضير لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - خاصة أعطاه الله إياها فقال: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ} (¬4) الآية، فأعطى - صلى الله عليه وسلم - أكثرها للمهاجرين وبقي منها صدقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التي في أيدي بني فاطمة. وروى عمر (¬5) بن شبّة عن الزهري قال: "كانت صدقة النبي - صلى الله عليه وسلم -بالمدينة أموالاً لمخيريق - بالمعجمة وبالقاف مصغر - وكان يهودياً من بقايا بني قينقاع نازلاً ببني النضير فشهد أحداً فقتل به فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مخيريق سابق يهود"، وأوصى مخيريق بأمواله للنبي - صلى الله عليه وسلم -" .. وفي وراية من طريق (¬6) الواقدي بسنده عن عبد الله بن كعب قال مخيريق: إن أُصبت فأموالي لمحمد يضعها حيث أراه الله، فهي عامة صدقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال: وكانت أموال مخيريق ببني النضير. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (3010)، وأخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (6/ 317) وهو حديث صحيح. (¬2) زيادة من (أ). (¬3) في "السنن" رقم (3004) بسند صحيح. (¬4) سورة الحشر الآية (6). (¬5) ذكره الحافظ في "الفتح" (6/ 203). (¬6) ذكره الحافظ في "الفتح" (6/ 203).

إذا عرفت هذا فقوله: وهما أي: عباس وعلي - رضي الله عنهما - يختصمان فيما أفاء الله على رسوله من بني النضير يشمل جميع ذلك. وفي "صحيح البخاري" (¬1): "فأما صدقته - أي: النبي - صلى الله عليه وسلم - فدفعها عمر [76 ب] إلى علي والعباس، وأما خيبر - أي: الذي كان يخص النبي - صلى الله عليه وسلم - منها - وفدك فأمسكها عمر، أي: لم يدفعها لغيره". فعرفت بهذا أن صدقته - صلى الله عليه وسلم - تختص بما كان من بني النضير، وأما سهمه بخيبر وفدك فكان حكمهما إلى نظر من يقوم بالأمر بعده، فكان أبو بكر يقدم نفقة نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيرها مما كان يصرفه مصرفه من مال خيبر وفدك، وما زاد من ذلك جعله في المصالح وعمل عمر بعده بذلك، فكانت كذلك في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر، فلما صار الأمر إلى عثمان (¬2) أقطع مروان بن الحكم به أرض فدك. قال الخطابي (¬3): إن عثمان تأول بأن الذي يختص بالنبي - صلى الله عليه وسلم - يكون للخليفة بعده فاستغنى عنها عثمان بأمواله فوصل بها بعض قرابته، ثم إنه لمّا ولي الخلافة عمر بن عبد العزيز جمع بني مروان فقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان ينفق من فدك على بني هاشم ويزوج الأيم منهم ثم أرجعها عمر لبني هاشم، أخرجه أبو داود (¬4) وهذا خلاصة ما في "فتح الباري" (¬5) وغيره. وأما صدقته وهي بنو النضير فيأتي الكلام فيها بعد هذا ولم أجد في البخاري ولا في "فتح الباري" ذكر العوالي مع أن المشهور أنها تطلق فدك مضمومة إليها العوالي. ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (3093) وطرفه في [3712، 4036، 4241، 6726]. (¬2) ذكره الحافظ في "الفتح" (6/ 204). (¬3) في "معالم السنن" (3/ 378 - 379). (¬4) في "السنن" رقم (2972) وهو حديث ضعيف. (¬5) (6/ 203، 204 - 207).

وفي "القاموس" (¬1) أن العوالي قرى بظاهر المدينة، وفدك (¬2) قرية بخيبر. قوله: "نفقة سنة" لا يعارضه حديث أنه كان "لا يدخر شيئاً لغد" لأن المنفي الادخار لنفسه وهذا لغيره يعني: نفقة أهله وفيه جواز (¬3) ادخار نفقة السنة، وجواز الادخار للعيال وأنه لا يقدح في التوكل. 27 - وفي رواية: ثُمَّ يَجْعَلُ مَا بَقِىَ مُجْعَل مَالِ الله تَعَالَى؛ ثُمَّ قَالَ: أَنْشُدُكُمْ بِالله الَّذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ أتَعْلَمُونَ ذَلِكَ؟ قَالُوا نَعَمْ؛ ثُمَّ نَشَدَ عَبَّاسًا وَعَلِيًّا بِمِثْلِ مَا نَشَدَ بِهِ القَوْمَ فَقَالاَ نَعَمْ. قَالَ: فَلمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ أَبُو بَكْرٍ - رضي الله عنه -: أَنَا وَلِيُّ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فَجِئْتُمَا تَطْلُبُ أَنْت مِيرَاثَكَ مِنَ ابْنِ أَخِيكَ، وَيَطْلُبُ هَذَا مِيرَاثَ امْرَأَتِهِ مِنْ أَبِيهَا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ - رضي الله عنه -: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَا نُورَثُ مَا ترَكْنَا صَدَقَةٌ"، ثم اتفقتما، ثُمَّ تُوُفِّيَ أَبُو بَكْرٍ - رضي الله عنه -، وَأَنَا وَلِيُّ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وَوَلِىُّ أَبِي بَكْرٍ - رضي الله عنه - فَوَلِيتُهَا ثُمَّ جِئْتَنِي أَنْتَ وَهَذَا وَأَنْتُمَا جَمِيعٌ وَأَمْرُكُمَا وَاحِدٌ، فَقُلْتُمَا ادْفَعْهَا إِلَيْنَا، فَقُلْتُ: إِنْ شِئْتُمْ دَفَعْتُهَا إِلَيْكُمَا عَلَى أَنَّ عَلَيْكُمَا عَهْدَ الله أَنْ تَعْمَلاَ فِيهَا بالَّذِي كَانَ يَعْمَلُ فيها رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فَأَخَذْتُمَاهَا بِذَلِكَ؛ أَكَذَلِكَ؟ قَالاَ: نَعَمْ. قَالَ: ثُمَّ جِئْتُمَانِي لأَقْضِىَ بَيْنَكُمَا، لاَ وَالله لاَ أَقْضِي بَيْنكُمَا بِغَيْرِ ذَلِكَ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ فَإِنْ عَجَزْتُمَا عَنْهَا فَرُدَّاهَا إِلَيَّ. أخرجه الخمسة (¬4)، وهذا لفظ الشيخين. [صحيح] "دَفَّ" (¬5) يقال دفت دافة من الأعراب إذا جاءوا إلى المصر، "وَالرَّضْخُ" (¬6) العطاء القليل. ¬

_ (¬1) "القاموس المحيط" (ص 1694). (¬2) "القاموس المحيط" (ص 1227). (¬3) انظر: "فتح الباري" (6/ 206). (¬4) أخرجه البخاري رقم (3094) ومسلم رقم (49/ 1757)، وأبو داود رقم (2963) والترمذي رقم (1610) والنسائي رقم (4141) مختصراً، وقد تقدم. (¬5) انظر: "غريب الحديث" للهروي (3/ 390). "الفائق" للزمخشري (1/ 428). (¬6) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 661).

"وَاتَّئدُوا" (¬1) أمر بالتأتي والتثبت في الأمر "وَالرَّهْطُ" (¬2) الجماعةُ من الرجال دون العشرة، "وَالفَيء" (¬3) ما أخذ من كافر بلا قتال "الِاسْتِئْثَارُ" (¬4) الاستبداد بالشيء والانفراد به. قوله: "فقالا: نعم" قال المازري (¬5): وأما الاعتذار عن علي والعباس وترددهما إلى الخليفتين مع قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا نورث ما [77 ب] تركنا صدقة"، وتقرير عمر عليهما أنهما يعلمان ذلك، فأمثل ما قيل فيه أنهما طلبا أن يقسمها بينهما نصفين فكره عمر أن يوقع عليها اسم القسمة لئلا يظن بذلك مع تطاول الزمان أنها ميراث، وأنهما ورثاها لا سيما وقسم الميراث بين العم والبنت نصفان، فيلتبس ذلك ويظن أنهم يملكون ذلك، ويدل لما قلنا قول أبي داود: لما صارت الخلافة إلى عليّ - عليه السلام - لم يغيرها عن كونها صدقة. قال (¬6): وبنحو هذا احتج السفاح فإنه لما خطب أول خطبة قام إليه رجل معلق في عنقه المصحف فقال: أنشدك الله إلا حكمت بيني وبين خصمي بهذا المصحف قال: من هو خصمك؟ قال: أبو بكر في منعه فدك، قال: أظلمك؟ قال: نعم، قال: فمن بعده؟ قال: عمر، قال: أظلمك؟ قال: نعم، ثم ذكر عثمان ثم قال: فمن بعده؟ قال: علي، قال: أظلمك؟ فسكت الرجل فأغلظ له السفاح. انتهى. وذكر الخطابي (¬7): أن الرجل من آل أبي طالب وأن السفاح (¬8) قال له: والله الذي لا إله إلا هو لولا أنه أول مقام قمته وأني لم أكن بعذر إليك في مثل هذا لأخذت الذي فيه عيناك، ¬

_ (¬1) "المجموع المغيث" (1/ 213)، "النهاية في غريب الحديث" (1/ 179). (¬2) تقدم توضيحه. (¬3) تقدم توضيحه. (¬4) "الفائق" للزمخشري (1/ 23). "النهاية في غريب الحديث" (1/ 37). (¬5) في "المعلم بفوائد مسلم" (3/ 17 - 18). (¬6) أي المازري في "المعلم" (3/ 17 - 18). (¬7) في "معالم السنن" (3/ 369). (¬8) هو أبو العباس السفاح كما ذكره الخطابي في "معالم السنن" (3/ 369).

وأقبل على الخطبة. انتهى. قلت: وبمثل هذا الذي قاله المازري: قاله (¬1) إسماعيل القاضي فيما رواه الدارقطني من طريقه أنه قال: لم يكن ينازعهما في الميراث إنما كان في ولاية الصدقة وفي صرفها كيف تصرف. قال الحافظ ابن حجر (¬2): كذا قال. لكن في رواية النسائي (¬3) وعمر بن شبة (¬4) ما يدل على أنهما أراد أن يقسمها بينهما على سبيل الميراث، ولفظه في آخره: "ثم جئتماني الآن تختصمان يقول هذا: أريد نصيبي من ابني أخي، ويقول: هذا [ويقول هذا (¬5)] "أريد نصيبي من امرأتي، والله لا أقضي بينكما إلا بذلك" أي: بما تقدم، وسلمها إليهما على سبيل الولاية. انتهى. واعلم أنه قد فهم هذا من سياق القصة إلا أن [78 ب] عمر استوفى الأمر من أوله، ولم يقتصر على محل النزاع بين الرجلين. قوله: "حتى تقوم الساعة" المراد بالساعة هنا الموت، أي: [164/ أ] حتى أموت. قوله: "فردّاها إليّ" زاد البرقاني: قال معمر فغلب عليها علي فكانت بيده ثم بيد الحسن ثم الحسين ثم علي بن الحسين والحسن بن الحسن ثم وليها بنو العباس. انتهى. زاد في "فتح الباري" (¬6) ثم بيد زيد بن الحسن وهي صدقة رسول الله حقاً. ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (6/ 207). (¬2) في "فتح الباري" (6/ 207). (¬3) قال الحافظ في "الفتح" (6/ 207) لكن في رواية النسائي وعمر بن شبة من طريق أبي البختري ما يدل على أنهما ..... وانظر: "السنن الكبرى" رقم (4434، 6276). ثم قال الحافظ: وكذا وقع عند النسائي من طريق عكرمة بن خالد عن مالك بن أوس نحوه. وهو عند النسائي في المجتبى برقم (4148). (¬4) انظر "فتح الباري" (6/ 207). (¬5) كذا في (ب) مكرره. (¬6) (6/ 207).

وبلغنا في هذا العصر سنة خمس وسبعين ومائة وألف: أن صدقة رسول الله بيد أولاد الحسين - عليه السلام -[الذين (¬1)] حول المدينة. واعلم أنه اشتهر بين علمائنا وأهل جهاتنا أنّ البتول - رضي الله عنها - بعد أن طلبت (¬2) الميراث من أبي بكر وأجاب بما رواه من الحديث جاءت تدّعي أنه أنحلها رسول الله فدك وأتت بأمير المؤمنين علي - عليه السلام -، وبأم أيمن شاهدان لها بذلك فقال أبو بكر: رجل مع الرجل وامرأة مع المرأة، يريد توفية الشهادة، إذ لم يكمل نصابها. وقال الإمام المهدي: وحكم أبي بكر في فدك صحيح قاله في "البحر" (¬3)، إلا أني لم أجد دعوى البتول النحلة في شيء من كتب الحديث ولا يدري من رواها، ويبعدها أنه - صلى الله عليه وسلم - كان حريصاً على منعها من الدنيا حتى لم يعطها خادماً يكفها الطحن والاستقاء، ثم من البعيد أن يملكها هذه الأراضي ويخفى ذلك إلا على نفرين، ثم يبعده غاية البعد أن أمير المؤمنين - عليه السلام - لما ولي لخلافة لم يرد ذلك إلى أولاد فاطمة، ولا غيَّر حكم أبي بكر [79 ب] ولو كان منكراً لوجب عليه الحكم بعلمه، فالله أعلم من أين جاءت هذه الرواية، ومرادنا من هذا هو المطالبة بسندها. 28 - وَعَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: أُتِيَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِمَالٍ مِنَ البَحْرَيْنِ فَقَالَ: "انْثُرُوهُ فِي المَسْجِدِ"، وَكَانَ أَكْثَرَ مَالٍ أُتِىَ بِهِ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَخَرَجَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إِلَى الصَّلاَةِ، وَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهِ، فَلمَّا قَضَى الصَّلاَةَ جَاءَ فَجَلَسَ إِلَيْهِ، فَمَا كَانَ يَرَى أَحَدًا إِلاَّ أَعْطَاهُ, فَجَاءَ العَبَّاسُ - رضي الله عنه -فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله! أَعْطِنِي فَإِنِّي فَادَيْتُ نَفْسِي وَفَادَيْتُ عَقِيلاً، فَقَالَ: "خُذْ"، فَحَثَا فِي ثَوْبِهِ، ثُمَّ ذَهَبَ يُقِلُّهُ فَلَمْ يَسْتَطِعْ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله، مُرْ بَعْضَهُمْ يَرْفَعُهُ إِلَيَّ، فَقَالَ: "لاَ"، قَالَ: فَارْفَعْهُ أَنْتَ عَلَيَّ، قَالَ: "لاَ"، قَالَ: فَنَثَرَ مِنْهُ، ثُمَّ ذَهَبَ يُقِلُّهُ فَلَمْ يَسْتَطِعْ، فَقَالَ: مُرْ بَعْضَهُمْ يَرْفَعْهُ إِلَيَّ، قَالَ ¬

_ (¬1) في (ب) الذي. (¬2) ذكره محمد بن يحيى بهران الصعدي (ت: 5957) في كتاب "جوهر الأخبار والآثار المستخرجة من لُجَّة البحر الزخار" (2/ 216 - 217 - حاشية البحر الزخار). (¬3) "البحر الزخار" (2/ 216 - 217).

"لاَ"، قَالَ: فَارْفَعْهُ أَنْتَ عَلَيَّ، قَالَ: "لاَ"، فَنَثَرَ مِنهُ، ثُمَّ احْتَمَلَهُ فَأَلْقَاهُ عَلَى كَاهِلِهِ ثُمَّ انْطَلَقَ، فَمَا زَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يُتْبِعُهُ بَصَرَهُ حَتَّى خَفِيَ عَلَيْهِ عَجَبًا مِنْ حِرْصِهِ، فَمَا قَامَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -[وَثَمَّ (¬1)] مِنْهُ دِرْهَمٌ. أخرجه البخاري (¬2). [صحيح] قوله: "في حديث أنس بمال من البحرين فقال: انثروه" أي: صبوه. "في المسجد وكان أكثر مال أتي به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -". قيل: كان ثمانين ألفاً، وفي "مصنف ابن أبي شيبة" (¬3) أنه كان مائة ألف، وأنه أول خراج حمل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -, وأنه أرسله العلاء بن الحضرمي. قوله: "وفاديت عقيلاً" يريد ابن أبي طالب، وكان أسر مع عمه العباس يوم بدر. قوله: "ثم ذهب يقله" (¬4) بضم حرف المضارعة فقاف، من الإقلال وهو الرفع والحمل. 29 - وَعَنْ عَوْفٍ بن مَالِكِ - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -إِذَا أَتَاهُ الفَيْءُ قَسَّمَهُ فِي يَوْمِهِ فَأَعْطى الآهِلَ حَظَّيْنِ، وَأَعْطَى العَزَبَ حَظَّاً. أخرجه أبو داود (¬5). [صحيح] ¬

_ (¬1) في المخطوط (ب) وثَّمة. (¬2) في "صحيحه" رقم (421, 3049، 3165) تعليقاً. قال الحافظ في "الفتح" (1/ 516): "وقد وصله أبو نعيم في مستخرجه, والحاكم في مستدركه من طريق أحمد ابن حفص بن عبد الله النيسابوري، عن أبيه، عن إبراهيم بن طهمان" اهـ. (¬3) الحافظ في "الفتح" (1/ 517) روى ابن أبي شيبة من طريق حميد بن هلال مرسلاً أنه كان مائة ألف ... ". (¬4) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 486) "الفائق" للزمخشري (3/ 224). (¬5) في "السنن" رقم (2953). وأخرجه ابن حبان رقم (1673 - موارد) والحاكم (2/ 140) والبيهقي (6/ 346) والطبراني في "المعجم الكبير" (ج 18 رقم 80، 81) وابن الجارود رقم (1112) وابن أبي شيبة (12/ 348) من طرق، وصححه الحاكم على شرط مسلم ووافقه الذهبي، وهو حديث صحيح.

"الآهل" (¬1) بالمد وكسر الهاء: المزوج وهو ضد العزب. 30 - وَعَنِ ابْنَ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: كَانَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يُعْطِي أَزْوَاجَهُ مِنْ خَيْبَر كَلَّ سَنَةٍ مِائَةَ وَسْقٍ ثَمَانِينَ وَسْقًا مِنْ تَمْرٍ وَعِشْرِينَ مِنْ شَعِيرٍ، فَلمَّا وَلِيَ عُمَرُ - رضي الله عنه - قَسَّمَهَا حِيْنَ أَجْلَى اليَهُودُ مِنْهَا فَخَيَّرَ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَ أَنْ يُقْطِعَ لَهُنَّ مِنْ المَاءَ والأَرْضَ، أَوْ يُمْضِيَ لَهْنَّ الأَوْسَاقَ: فَمِنْهُنَّ مَنِ اخْتَارَ الأَرْضَ وَالمَاءَ، وَمِنْهُنَّ عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ - رضي الله عنها -، وَاخْتَارَ بَعْضُهُنَّ الوَسْقَ. أخرجه الشيخان (¬2)، وأبو داود (¬3). 31 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "غَزَا نَبِيٌّ مِنَ الأَنبِيَاءِ -عليهم السلام -، فَقَالَ لِقَوْمِهِ: لاَ يَتْبَعْنِي رَجُلٌ مَلَكَ بُضْعَ امْرَأَةٍ وَهْوَ يُرِيدُ أَنْ يَبْنِىَ بِهَا، وَلمَّا يَبْنِ بِهَا، وَلاَ أَحَدٌ بَنَى بُيُوتًا وَلَمْ يَرْفَعْ سُقُوفَهَا، وَلاَ رَجُلٌ اشْتَرَى غَنَمًا أَوْ خَلِفَاتٍ وَهْوَ يَنْتَظِرُ وِلاَدَهَا، فَغَزَا فَدَنَا مِنَ القَرْيَةِ صَلاَةَ العَصْرِ أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ لِلشَّمْسِ: إِنَّكِ مَأْمُورَةٌ وَأَنَا مَأْمُورٌ، اللهمَّ احْبِسْهَا عَلَيْنَا، فَحُبِسَتْ، حَتَّى فَتَحَ الله عَلَيْهِ، فَجَمَعَ الغَنَائِمَ، فَجَاءَتْ - يَعْنِى النَّارَ - لِتَأْكُلَهَا، فَلَمْ تَطْعَمْهَا، فَقَالَ: إِنَّ فِيكُمْ غُلُولاً، فَلْيُبَايِعْنِي مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ رَجُلٌ، فَلَزِقَتْ يَدُ رَجُلٍ بِيَدِهِ، فَقَالَ: فِيكُمُ الغُلُولُ، فَلْتُبَايِعْنِي قَبِيلَتُكَ، فَلَزِقَتْ يَدُ رَجُلَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةٍ بِيَدِهِ فَقَالَ: فِيكُمُ الغُلُولُ، فَجَاءُوا بِمِثْلِ رَأْسٍ بَقَرَةٍ مِنَ الذَّهَبِ فَوَضَعَهَا فَجَاءَتِ النَّارُ فَأَكَلَتْهَا، فلَمْ تَحِلَّ الغَنَائِمُ لِأَحَدٍ قَبْلَنَا، ثُمَّ أَحَلَّ الله تَعَالَى لَنَا الغَنَائِمَ، لمَّا رَأَى مِنْ عَجْزَنَا وَضَعْفَنَا فَأَحَلَّهَا لَنَا" (¬4). [صحيح] قوله: "في حديث أبي هريرة: غزا نبي" أي: أراد أن يغزو، وهذا النبي هو يوشع بن نون كما ذكره الحاكم (¬5). ¬

_ (¬1) "النهاية غريب الحديث" (1/ 91)، "المجموع المغيث" (1/ 114). (¬2) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (2328) ومسلم رقم (1551). (¬3) في "السنن" رقم (3008). وأخرجه ابن ماجه رقم (2467 - مختصراً) والترمذي رقم (1383)، والنسائي رقم (3929، 3930). (¬4) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (3124، 5157) ومسلم رقم (1747). (¬5) في "المستدرك" (2/ 139).

قوله: "بضع امرأة" (¬1) بضم الموحدة وسكون المعجمة آخره عين يطلق على الفرج والتزويج والجماع والمعاني الثلاثة لائقة هنا. قوله: "ولما يبن بها" أي: لم يدخل (¬2) عليها لكن [80 ب] التعبير بـ (لما) مشعر بتوقيع ذلك. قوله: "أو خلفات" (¬3) بفتح الخاء المعجمة وكسر اللام وفاء، جمع خلفة وهي الحامل من النوق [وقد تطلق على غير النوق (¬4)] وأوفى قوله: غنماً أو خلفات للتنويع ويكون قد حذف وصف الغنم بالحمل لدلالة الثاني عليه أو هو على إطلاقه؛ لأن الغنم يقل صبرها فيخشى عليها الضياع بخلاف النوق فلا يخشى عليها إلا مع الحمل ووقع في رواية زيادة "أو بقر". قوله: "ولادها" هو بكسر الواو، وهو مصدر ولد ولاداً وولادة، والمراد من هذا كله أن لا يخرج أحد للغزو وقلبه معلق بشيء في بلده، فيكون سبباً لفتوره عن الجهاد. قوله: "فدنى من القرية" هي أريحا بفتح الهمزة وكسر الراء بعدها مثناة تحتية ساكنة فحاء مهملة مع القصر سماها الحاكم (¬5). ¬

_ (¬1) قال ابن الأثير في "النهاية في غريب الحديث" (1/ 139) البضع: يطلق على عقد النكاح والجماع معاً، وعلى الفرج. وانظر: "الفائق" للزمخشري (1/ 115). (¬2) قال السندي: يبني بها، أي يدخل عليها: ولما يبن، أي: ما بنى إلى الآن، كأنه أراد أنه من اشتغل قلبه بمثل ذلك يخاف عليه الفرار من العدو، وفرار البعض من العدو قد يؤدي إلى فرار الكل أو البعض. (¬3) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 523 - 524). (¬4) زيادة من (أ). (¬5) في "المستدرك" (2/ 139).

قوله: "فقال للشمس: أنت مأمورة وأنا مأمور" بيّن الحاكم (¬1) سبب ذلك عن كعب أنه وصل إلى القرية وقت عصر الجمعة فكادت الشمس أن تغرب. قوله: "اللهم احبسها علينا فحبست" قال القاضي عياض (¬2): اختلف هل رُدَّت على أدراجها، أو وقفت، أو بطئت حركتها، أقوال وكلها من معجزات النبوة. وحكى البيهقي (¬3): أن الشمس حبست لنبينا - صلى الله عليه وسلم - مرتين يوم الخندق والثانية صباح الإسراء حين أخبرهم بوصول العير. وردُّ الشمس ليوشع أمر مشهور أشارت إليه الشعراء كما قال [81 ب] أبو تمام (¬4): فوالله ما أدري أأحلام نائمٍ ... ألمَّت بنا أم كان في الركب يوشعُ قوله: "فجاءت، يعني النار" من السماء. "لتأكلها" فإنهم إذا غنموا غنيمة جمعوها وجاءت نار من السماء فأكلتها فلذا قال: "فلم تطعمها". قوله: "فقال: فيكم غلولاً" (¬5) بضم المعجمة واللام، الخيانة في المغنم سمي بذلك؛ لأن آخذه يغله في متاعه، أي: يخفيه وكان علامة الغلول [عندهم (¬6)] التزاق يد الغال، أي: يبايعوه فلزقت. قوله: "لما رأى ضعفنا وعجزنا" أي: تفضل علينا بإباحة ما حرمه على من كان قبلنا، فأحل لنا الغنائم وستر عنَّا الغلول. ¬

_ (¬1) في "المستدرك" (2/ 139). (¬2) في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (6/ 53). (¬3) انظر: "دلائل النبوة" (2/ 354)، (3/ 432). (¬4) انظر: شرح ديوان أبي تمام (ص 178) ومن قصيدةٍ يمدح أبا سعيد محمد بن يوسف. (¬5) انظر: "غريب الحديث" للخطابي (2/ 142)، "النهاية في غريب الحديث" (2/ 316). (¬6) زيادة من (أ).

32 - وَعَنْهُ - رضي الله عنه - قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ يَوْمٍ فَذَكَرَ الغُلُولَ وَعَظَّمَهُ وَعَظَّمَ أَمْرَهُ حَتَّى قَالَ: "لاَ أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ القِيَامَةِ على رَقَبَتِهِ بَعِيرٌ لَهُ رُغَاءٌ فَذَكَرَ جَمِيْعَ الكُرَاعِ وَالمَتَاعِ، فَيَقُولُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَغِثْنِي، فَأَقُوُل: لاَ أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ". أخرجه الشيخان (¬1). قوله: "في حديث أبي هريرة الثاني: لا ألفين" أي: لا أجدن، ومعناه: لا تعملوا [165/ أ] عملاً أجدكم بسببه على هذه الصفة. قوله: "لا أملك شيئاً" أي: من المغفرة؛ لأن الشفاعة أمرها إلى الله. قوله: "قد أبلغتك" أي: ليس لك عذر بعد الإبلاغ، فكأنه - صلى الله عليه وسلم - أبرز هذا الوعيد في مقام الزجر والتغليظ، وإلا فهو صاحب الشفاعة (¬2) في المذنبين. 33 - وَعَنْ سَمْرَةَ بْنِ جُندب - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ كَتَمَ غَالَّاً فَإِنَّهُ مِثْلُهُ" (¬3) [ضعيف]. 34 - وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو بْنِ العَاصِ - رضي الله عنهما - قَالَ: كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إِذَا أَصَابَ غَنِيمَةً أَمَرَ بِلاَلاً - رضي الله عنه - فَنَادَى فِي النَّاسِ فَيَجِيئُونَ بِغَنَائِمِهِمْ فَيُخَمِّسُهُ وَيُقَسِّمُهُ، فًجَاءَ رَجُلٌ يَوماً بَعْدَ النِّدَاءِ بِزِمَامٍ مِنْ شَعَرٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله! هَذَا كان فِيمَا [أَصَبْنَاهُ (¬4)] مِنَ الغَنِيمَةِ. فَقَالَ: "أَسَمِعْتَ بِلاَلاً يُنَادِي" ثَلاَثًا. [قَالَ نَعَمْ (¬5)]. قَالَ: "فما مَنَعَكَ أَنْ تَجِيءَ بِهِ". فَاعْتَذَرَ إِلَيْهِ فَقَالَ: "كَلَّا أنتَ تَجِيءُ بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ فَلَنْ أَقْبَلَهُ عَنْكَ" (¬6). أخرجهما أبو داود. [إسناده حسن]. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (3073) ومسلم رقم (1831). (¬2) سيأتي مفصلاً. (¬3) أخرجه أبو داود في "السنن" رقم (2716) بسند حسن وقد حسن الحديث الألباني. (¬4) في (ب) أصبنا. (¬5) زيادة من (ب). (¬6) أخرجه أبو داود في "السنن" رقم (2712) وهو حديث ضعيف، وقد حسَّنه الألباني.

قوله: "فلن أقبله عنك" هو نظير قصة ثعلبة بن حاطب في عدم قبول زكاته لمّا لم يعطها المصدق أول مرة، فليحذر العبد كل الحذر من تراخيه عما وجب عليه، فإن الله يقول: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ} (¬1) [82 ب]، ويأمر رسوله أن يقول لمن تخلف عن الخروج معه أول ما أمره فقل: {لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ} (¬2). 35 - وَعَنْهُ - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَ عَلَى ثَقَل النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ كَرْكَرَةُ فَمَاتَ، فَقَالَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: "هُوَ فِي النَّارِ" فَذَهَبُوا يَنْظِرُونَ إِلَيْهِ فَوَجَدُوا عَبَاءَةً قَدْ غَلَّهَا". أخرجه البخاري (¬3). [صحيح] قوله: "كركرة" (¬4) هو بكسر الكاف الآخرة، وفي الأولى الكسر والفتح وهو عبد نوبي (¬5) أسود، أهداه للنبي - صلى الله عليه وسلم - هوذة بن علي الحنفي صاحب اليمامة، وقصة كركرة كانت بخيبر وهي غير قصة مدعم الذي غلّ الشملة بوادي القرى فأصابه سهم عابر فقتله فقالوا: هنيئاً له الشهادة فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "كلا والذي نفس محمد بيده، إنّ الشملة التي غلها لتشتعل عليه ناراً" (¬6)، وكان الذي أهداه له رفاعة بن زيد الجذامي. 36 - وَعَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الجُهَنِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: تُوُفِّيَ رَجُلٌ مِنْ أَصحَابِ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ خَيْبَرَ؛ فَذُكِرَ لِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فقَالَ: "صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ"، فَتَغَيَّرَتْ وُجُوهُ النَّاسِ لِذَلِكَ ¬

_ (¬1) سورة الأنعام الآية (110). (¬2) سورة التوبة الآية (83). (¬3) في "صحيحه" رقم (3074). وأخرجه أحمد (2/ 160) وهو حديث صحيح. (¬4) انظر: "مشارق الأنوار على صحاح الآثار" (1/ 352). (¬5) رواه أبو سعيد النيسابوري في شرف المصطفى - صلى الله عليه وسلم - (3/ 269 رقم 997/ 30). (¬6) أخرجه البخاري رقم (4234) ومسلم رقم (183/ 115). • وفي رواية البخاري رقم (6707): "فينما مدعم يحط رحل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ".

فَقَالَ: "إِنَّ صَاحِبَكُمْ قَدْ غَلَّ فِي سَبِيلِ الله". فَفَتَّشْنَا مَتَاعَهُ فَوَجَدْنَاهُ قَدْ غَلَّ خَرَزًا مِنْ خرَزِ يَهُودَ لاَ يُسَاوِى درْهَمَيْنِ. أخرجه مالك (¬1) وأبو داود (¬2) والنسائي (¬3). [ضعيف] 37 - وَعَنْ صَالِحِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زَائِدَةَ قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ مَسْلَمَةَ أَرْضَ الرُّومِ فَأُتِيَ بِرَجُلٍ قَدْ غَلَّ فَسَأَلَ سَالِمًا عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: سَمِعْتُ أَبي - رضي الله عنه - يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيْهِ عُمَر - رضي الله عنه - أَنَّ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ غَلَّ فَأَحْرِقُوا مَتَاعَهُ وَاضْرِبُوهُ". قَالَ: فَوَجَدْنَا فِي مَتَاعِهِ مُصْحَفًا فَسُئِلَ سَالِمًا عَنْهُ فَقَالَ: بِيْعُوهُ وَتَصَدَّقوا بِثَمَنِهِ. أخرجه أبو داود (¬4) والترمذي (¬5). [ضعيف] ¬

_ (¬1) في "الموطأ" (2/ 58). (¬2) في "السنن" رقم (2710). (¬3) في "السنن" رقم (1959) وهو حديث ضعيف والله أعلم. (¬4) في "السنن" رقم (2713). (¬5) في "السنن" رقم (1461). • وأخرجه أحمد (1/ 22) وسعيد بن منصور رقم (2729) وابن أبي شيبة (10/ 52) والبزار رقم (123) وأبو يعلى رقم (204) والحاكم (2/ 127) والبيهقي (9/ 102 - 103) وابن عدي في "الكامل" (4/ 1377) والجوزقاني في "الأباطيل والمناكير" رقم (588) من طرق. قال الترمذي: غريب. وقال الجوزقاني: حديث منكر. وقال الدارقطني في "العلل" (2/ 52 - 53 س 103): وأبو واقد الليثي صالح بن محمد بن زائدة المدني - هذا ضعيف. والمحفوظ أن سالماً أمر بهذا ولم يرفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا ذكره عن أبيه ولا عمر" اهـ. وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف، والله أعلم.

قوله: "فسأل سالماً" هو سالم بن عبد الله بن عمر (¬1) أحد الفقهاء السبعة بالمدينة على أحد الأقوال، وكان أشبه ولد عبد الله بعبد الله وعبد الله أشبه ولد عمر بعمر، وكان عبد الله يلام على إفراطه في حبه لسالم، وكان يقبله ويقول: ألا تعجبون من شيخ يقبل شيخاً. قوله: "قال: من غلّ فأحرقوا متاعه واضربوه" اختلف العلماء في عقوبة الغال: فقال مالك (¬2): يعزّر بحسب ما يراه الإمام، وبه قال الشافعي (¬3) [83 ب] وأبو حنيفة (¬4) ومن لا يحصى من الصحابة والسابقين. وقال الحسن (¬5) والأوزاعي (¬6) ومكحول (¬7): يحرق متاعه إلا سلاحه وثيابه التي عليه، واحتجوا بحديث ابن عمر في تحريق رحله. وقال الأولون: هو حديث (¬8) ضعيف ولو صحّ لحمل على أنه كان قبل نسخ العقوبة بالمال. ¬

_ (¬1) سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب القرشي العدوي، أبو عمر، أو أبو عبد الله، المدني، أحد الفقهاء السبعة، وكان ثبتاً عابداً فاضلاً، كان يُشبَّه بأبيه في الهَدْي والسَّمت، من كبار الثالثة، مات سنة ست. "التقريب" (1/ 280 رقم 11). (¬2) "عيون المجالس" (2/ 707 رقم 460) "الإشراف" لعبد الوهاب (2/ 266). (¬3) "روضة الطالبين" (10/ 240). (¬4) المبسوط (10/ 50). (¬5) أخرج عبد الرزاق في "المصنف" رقم (9508) وسعيد بن منصور في "سننه" رقم (2730)، عن عمرو، عن الحسن قال: "كان يؤمر بالرجل إذا غلَّ، فيحرق رحله، ويحرم نصيبه من الغنيمة. (¬6) حكاه عنه ابن المنذر في "الأوسط" (11/ 55) والترمذي في "السنن" رقم (4/ 61). (¬7) أخرج عبد الرزاق في "المصنف" رقم (9511) عن يزيد بن يزيد بن جابر عن مكحول، قال: "يجمع رحله فيحرق". (¬8) قاله الطحاوي في "مختصر اختلاف العلماء" (3/ 476).

قال الخطابي (¬1): لا أعلم خلافاً بين العلماء في تأديب الغال في بدنه بما يراه الإمام، وأمّا إحراق متاعه فقد اختلف العلماء فيه فمنهم من قال به ومنهم من لم يقل به، وإليه ذهب الأكثرون ويكون الأمر بالإحراق على سبيل الزجر والوعيد لا الوجوب. قوله: "أخرجه أبو داود والترمذي"، قال المنذري (¬2): وقال غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وقد سألت محمداً عن هذا الحديث فقال: إنما روى هذا صالح بن محمد بن زائدة، وهو أبو واقد الليثي، وهو منكر الحديث، وقال محمد - يعني البخاري - وقد روي في غير هذا الحديث - يعني: عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الغال ولم يأمر بإحراق متاعه، هذا آخر كلامه. وصالح بن محمد بن زائدة تكلم فيه غير واحد من الأئمة وقد قيل: أنه تفرد به، وقال البخاري (¬3): عامة أصحابنا يحتجون بهذا في الغلول وهو باطل ليس بشيء. وقال الدارقطني (¬4): أنكروا هذا على صالح بن محمد، قال: وهذا حديث لم يتابع عليه، ولا أصل لهذا الحديث عن رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -. انتهى كلام المنذري. ثم قال أبو داود (¬5): حديث صالح بن محمد قال: غزونا مع الوليد بن هشام ومعنا سالم ابن عبد الله بن عمرو وعمر بن عبد العزيز، فغلَّ رجل متاعاً فأمر الوليد بمتاعه فأحرق وطيف به ولم يعطه سهمه. ¬

_ (¬1) في "معالم السنن" (3/ 157 - مع "السنن"). (¬2) في "مختصر السنن" (4/ 39 - 40). (¬3) في التاريخ كما في "فتح الباري" (6/ 187). ولم أقف على هذا اللفظ في "التاربح الكبير" (4/ 291 رقم 2862) ولا في "التاريخ الأوسط" (2/ 81) ط: دار الصميعي. (¬4) في "العلل" (2/ 52 - 53 س 103). (¬5) في "السنن" رقم (2714) وهو ضعيف مقطوع.

قال أبو داود (¬1): وهذا أصح الحديثين (¬2) رواه غير واحد: أن الوليد بن هشام حرق رحل [زياد شعر (¬3)] وكان قد غلّ وضربه، قال أبو داود (¬4): زياد شعر لقبه [84 ب]. 38 - وَعَنْ عَبْدِ الله بْنُ عمْرُو بْنِ العَاصِ - رضي الله عنهما -: أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - وأَبا بَكْر وَعُمَرَ - رضي الله عنهما - حَرَّقُوْا مَتَاعَ الغَالِ وَضَرَبُوهُ وَمَنَعُوهُ سَهْمَهُ (¬5). [ضعيف] قوله: ["أخربهما أبو داود" (¬6)] أي: رواية صالح بن محمد بن زائدة، ورواية عبد الله بن عمرو، فأما رواية صالح بن محمد فقد حققنا لك ما قيل فيها. وأما رواية عبد الله بن عمر فإنه قال أبو داود (¬7): أنا محمد بن عوف، ثنا موسى بن أيوب، قال: ثنا الوليد بن مسلم، أنا زهير بن محمد، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: ¬

_ (¬1) في "السنن" (3/ 158). (¬2) لا يعني صحة الحديث بل أقلّهما ضعفاً "النكت الظراف" (5/ 356 رقم 6763). (¬3) كذا في "أ. ب" والذي في "المختصر" (4/ 39) وسنن أبي داود (3/ 158) زياد بن سعد. (¬4) لم نجدها في "سنن أبي داود" (3/ 158) ولعلها في نسخة أخرى. وفي نسخة أخرى قال أبو داود: شعر لقب زياد. انظر: "بذل المجهود في حلِّ سنن أبي داود" (9/ 387) والذي فيه أيضاً زياد بن سعد. وقال الكاندهلوي في تعليقاته (9/ 387 - بذل المجهود) قال أبو داود: هذا: أي الموقوف "أصح الحديثين" أي المرفوع والموقوف "رواه غير واحد، أن الوليد بن هشام أحرق رحل زياد بن سعد" لم أقف على تعيينه وحاله "وكان قد غل، وضربه" أي تعزيراً. (¬5) في "السنن" رقم (2715) بسند ضعيف، زهير بن محمد الخراساني المكي: ضعيف في رواية الشاميين - وهذا منها - والوليد بن مسلم شامي يدلس تدليس التسوية. وقد ضعف الحديث البيهقي في "السنن الكبرى" (9/ 102) والألباني في ضعيف أبي داود. وهو حديث ضعيف، والله أعلم. (¬6) ما بين الحاصرتين جاء بعد حديث عاصم بن كليب من المتن في (ب). (¬7) في "السنن" (3/ 158).

"أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر وعمر ... الحديث". قال أبو داود (¬1): ثنا الوليد بن عقبة وعبد الوهاب بن نجدة قال: ثنا الوليد، عن زهير ابن محمد، عن عمرو بن شعيب قوله. انتهى. فعرفت أنه من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وفيها مقال معروف، وكان الأولى لابن الأثير (¬2) والمصنف بأن يقولا: وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، كما صنعه أبو داود (¬3) لإيهام عبارتهما بقولهما: وعن عبد الله بن عمرو كما قاله "المصنف"، أو ابن عمرو كما قال ابن الأثير، أنها قد صحت الرواية عن عبد الله، وأنها من غير طريق عمرو، ثم عرفت أن أبا داود قال: إنه روي من قول عمرو بن شعيب نفسه، أي: وأنه ليس عن أبيه عن جده فيكون منقطعاً. 39 - وَعَنْ عَاصِمٍ بْنَ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي سَفَرٍ فَأَصَابَ النَّاسَ حَاجَةٌ شَدِيدَةٌ وَجَهْدٌ، فَأَصَابُوا غَنَمًا فَانْتَهَبُوهَا فَإِنَّ قُدُورَنَا لَتَغلى إِذْ جَاءَنَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَمْشِي فَأَكْفَأَ القُدُورَ بِقَوْسِهِ ثُمَّ جَعَلَ يُرَمِّلُ اللَّحْمَ بِالتُّرَابِ ثُمَّ قَالَ: "إِنَّ النُّهْبَةَ لَيْسَتْ بِأَحَلَّ مِنَ المَيْتَةِ" أَوْ: "إِنَّ المَيْتَةَ لَيْسَتْ بِأَحَلَّ مِنَ النُّهْبَةِ". الشَّكُّ مِنْ هَنَّادٍ الرَّاوِي (¬4). أخرجهما أبو داود. [صحيح] قوله: "في حديث عاصم بن كليب وجهد" بفتح الجيم المشقة وبالضم الطاقة. قوله: "أكفأ القدور" (¬5) أي: قلبها وكبّها. ¬

_ (¬1) في "السنن" (3/ 158). (¬2) في "جامع الأصول" (2/ 723). (¬3) في "السنن" رقم (2715) وهو حديث ضعيف، وقد تقدم. (¬4) في "السنن" رقم (2705) بسند صحيح. * وأخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (9/ 61) من طريق أبي داود وله شواهد، انظرها في "الصحيحة" رقم (1673) وهو حديث صحيح، إن شاء الله. (¬5) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (2/ 724).

قوله: "يرمل" (¬1) رملت اللحم بتشديد اللام مرغته في الرمل. قوله: "الشك من هناد" بفتح الهاء وتشديد النون الراوي، وفي راوية لأبي داود [عن حماد بالحاء المهملة (¬2)] وهي المصدرة في "السنن"، ورواية الأنصاري هنّاد، كما هنا. 40 - وَعَنِ الصَّعْب بْنِ جَثَّامَة قَالَ: قَالَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -. "لَا حِمَى إِلَّا لله تَعَالَى وَلِرَسُوْلِهِ"، أخرجه البخاري (¬3) وأبو داود (¬4) [صحيح] قوله: "في حديث الصعب بن جثامة: لا حمى إلا لله ولرسوله" لفظ "حمى" بغير تنوين، والحصر أريد به إبطال [85 ب] حمى (¬5) الجاهلية، وذلك أنه كان الشريف في الجاهلية إذا نزل أرضاً استعوى كلباً فحمى مدعوي الكلب لا يشاركه فيه أحد وهو يشارك القوم في سائر ما يرعون فيه، فنهى - صلى الله عليه وسلم - (¬6) عن ذلك وأضاف الحمى إلى الله ورسوله، إلا ما يحمى للخيل التي ترصد للجهاد، والإبل التي يحمل عليها في سبيل الله، وإبل الزكاة وغيرها، كما حمى - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) أي: يُلَتّ بالرمل لئلا ينتفع به. قاله ابن الأثير في "النهاية في غريب الحديث" (1/ 692)، "المجموع المغيث" (1/ 806). (¬2) كذا في "أ. ب" "المجموع المغيث" (1/ 806)، والمصدرة في "السنن" هنّاد بن السِّريّ. (¬3) في "صحيحه" رقم (2370). (¬4) في "السنن" رقم (3083، 3084). وأخرجه الشافعي (2/ 115 رقم 1355 - "بدائع المنن") وأحمد (4/ 37، 71، 73)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (6/ 146) وفي المعرفة (9/ 13 رقم 12189) وابن أبي شيبة (7/ 303 رقم 3241) وهو حديث صحيح. (¬5) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (1/ 438)، "فتح الباري" (5/ 45). (¬6) انظر: "روضة الطالبين" (5/ 292 - 293)، "فتح الباري" (5/ 45 - 46).

النقيع (¬1) بالنون، لنعم الصدقة والخيل المعدة في سبيل الله، وصحف من قرأه بالموحدة وهو موضع على عشرين فرسخاً (¬2) من المدينة. 41 - وَفِي رِوَاية (¬3) قَالَ: وَبَلَغَنَا أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - حَمَى النَّقِيعَ، وَأَنَّ عُمَرَ حَمَى السَّرَفَ وَالرَّبَذَةَ. [صحيح] قوله: "في رواية قال: وبلغنا". قلت: ساق ابن الأثير (¬4) الرواية عند البخاري وأبي داود عن الصعب بلفظ: "لا حمى إلا لله ولرسوله"، قال: وبلغنا إلى قوله: "الربذة"، وقال: هذه رواية البخاري ثم قال: وعند أبي داود (¬5)، "أن رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا حمى إلا لله ولرسوله"، قال ابن شهاب: إن رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - حمى النقيع. انتهى. إذا عرفت هذا فقول "المصنف": "وفي رواية قال: وبلغنا" غير صحيح؛ لأنها كلها (¬6) رواية البخاري وكلامه يشعر بأنه قوله: "قال .. إلى آخره" في رواية أخرى وليس كذلك. قوله: "الشرف" (¬7) بفتح المعجمة والراء وفاء على الأشهر. ¬

_ (¬1) انظر "النهاية في غريب الحديث" (1/ 438). (¬2) الفرسخ = 5544 م = 544, 5 كم. 20 فرسخاً = 110880 م = 880، 110 كم. انظر: الإيضاحات العصرية (ص 62). (¬3) أخرجها البخاري في "صحيحه" رقم (2370) ونصه: "لا حمى إلا لله ولرسوله" وقال: بلغنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حمى النَّقيع، وأن عمر حمى شرف الربذة". (¬4) في "الجامع" (2/ 733). (¬5) في "السنن" رقم (3083، 3084) عن الصعب بن جثامة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حمى النقيع، وقال: "لا حمى إلا لله ولرسوله". (¬6) وهو كما قال. (¬7) انظر "فتح الباري" (5/ 45).

قوله: "والربذة" (¬1) بفتح الراء فموحدة مفتوحة فذال معجمة، قرية معروفة قرب المدينة بها قبر أبي ذر الغفاري. قوله: "السرف" بالمعجمة (¬2) والراء والفاء، ولفظ "الجامع" (¬3) سرف بالتنكير والمهملة وسرف بكسر السين موضع (¬4) من مكة على عشرة أميال. 42 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: "كُلُّ قَسْمٍ قُسِمَ في الجَاهِلِيَّةِ فَهُوَ عَلَى مَا قُسِمَ، وَكُلُّ قَسْمٍ أَدْرَكَهُ الإِسْلاَمُ فَهُوَ عَلَى قِسْمِ الإِسْلاَمِ". أخرجه أبو داود (¬5) موقوفاً (¬6). [صحيح] 43 - وَلِمَالَكِ (¬7) مُرْسَلَاً عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ الدِّئْلي قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "أَيُّمَا دَارٍ أَوْ أَرْضٍ قُسِّمَتْ فِي الجَاهِلِيَّةِ فَهِيَ عَلَى قَسْمِ الجَاهِلِيَّةِ, وَأَيُّمَا دَارٍ أَوْ أَرْضٍ أَدْرَكَهَا الإِسْلاَمُ ولَمْ تُقَسَّمْ فَهِيَ عَلَى قَسْمِ الإِسْلاَمِ". [صحيح] 44 - وَعَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَر - رضي الله عنهما -: أَنَّ عَبْدَاً لَهُ أَبَقَ فَلَحِقَ بِأَرْضِ الرُّومِ فَظَهَرَ عَلَيْهِمُ خَالِدُ بْنُ الوَلِيدِ - رضي الله عنه - فَرَدَّهُ [عَلَيْهِ (¬8)]، وَأَنَّ فَرَسَاً لَهُ [عَارَ (¬9)] فظهروا عليهم فرده إليه". ¬

_ (¬1) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 625). (¬2) بل هكذا رسمت بالمهملة لا بالمعجمة، وكذا في (ب) وفي المتن "السَّرف" بالمهملة, وذكر القاضي عياض في "مشارق الأنوار على صحاح الآثار" (2/ 233)، أنه عند البخاري بفتح المهملة وكسر الراء. وانظر: "فتح الباري" (5/ 45). (¬3) (2/ 734). (¬4) انظر: "المجموع المغيث" (2/ 81) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 772). (¬5) في "السنن" رقم (2914) عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " .... " أي: مرفوعاً. وأخرجه ابن ماجه رقم (2485) وأبو يعلى في "مسنده" رقم (2359) وهو حديث صحيح. (¬6) انظر: التعليقة المتقدم. (¬7) في "الموطأ" (2/ 746) وهو حديث صحيح. (¬8) في (ب) إليه، وما أثبتناه من (أ) ومصادر الحديث. (¬9) في المخطوط "غار" وما أثبتناه من "صحيح البخاري".

أخرجه البخاري (¬1)، وهذا لفظه، ومالك (¬2) وأبو داود (¬3). [صحيح] وفي رواية (¬4): فِي الفَرَس عَلَى عَهْدِ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -. وفي رواية في "الموطأ" (¬5): فِي العَبْدِ وَالفَرَسَ فَرُدَّا عَلَيْهِ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تُصِيْبَهُمَا المَقَاسِمُ. وقال أبو داود (¬6): فِي العَبْدِ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - وَلَمْ يُقْسَمْ. ومعنى "عَارَ" (¬7) أي هرب. قوله: [167/ أ] "في حديث نافع عن ابن عمر أنّ عبداً له أبق" إلى [86 ب] قوله: "فردّه [عليه" (¬8)] أي: ردّه خالد، وفي رواية أبي داود (¬9): "أن عبداً أبق" إلى قوله: "فردّه (¬10) رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - " ثم قال أبو داود (¬11): وقال غيره ردّه عليه خالد بن الوليد. ورواية (¬12): "في الفرس" أنه ردّه خالد بن الوليد. ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (3068) و (3069). (¬2) في "الموطأ" (2/ 452). (¬3) في "السنن" رقم (2699)، وهو حديث صحيح. (¬4) عند البخاري في "صحيحه" رقم (3067). (¬5) (2/ 452). (¬6) في "السنن" رقم (2698) وهو حديث صحيح. (¬7) في المخطوط "غار" وما أثبتناه من "صحيح البخاري" وفيه: "قال أبو عبد الله: عار مشتق من العير، وهو حمار وحش، أي هرب". وقال ابن الأثير في "النهاية" (2/ 278) عار: أفلت وذهب على وجهه. (¬8) في (ب) إليه، وما أثبتناه من (أ) ومصادر الحديث. (¬9) في "السنن" رقم (2698). (¬10) بل هو حديث صحيح بلفظ: فردَّه عليه خالد بن الوليد. (¬11) في "السنن" (3/ 148). (¬12) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (3067).

45 - وَعَنْ ابْنُ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: كُنَّا نُصِيْبُ فِي مَغَازِيْنَا العَسَلِ وْالعِنَبَ فَنَأْكُلُهُ وَلَا نَرْفَعُهُ. أخرجه البخاري (¬1). 46 - وَعَنْ عَائِشَةُ - رضي الله عنها - قَالَتْ: أَتَى النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - بِظَبْيَةٍ فِيْهَا خَرَزٌ فَقَسَّمَهَا لِلْحُرَّةِ وْالأَمَةِ، قَالَتْ وَكَانَ يَقْسِمُ لِلْحُرِّ وَالعَبْدِ. أخرجه أبو داود (¬2). [صحيح] 47 - وَعَنْ المِسْوَرَ بْنَ مخْرَمَةَ - رضي الله عنهما -: أَنَّ عَمْرَو بْنَ عَوفٍ - رضي الله عنه - أَخبَرَهُ: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَ أَبا عُبَيْدَةَ إِلَى البَحْرَيْنِ يَأْتِي بِجِزْيَتِهَا، فَلمَّا قَدِمَ بِالمَالِ سَمِعَتِ الأنْصَارُ بِقُدُومهِ فَوَافَوْا صَلاَةَ الفَجْرِ مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فَلمَّا انْصَرَفَ تَعَرَّضُوا لَهُ فَتَبَسَّمَ ثُمَّ قَالَ: "أَظُنُّكُمْ سَمِعْتُمْ أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ قَدِمَ بِشَيْءٍ"، فَقَالُوا: أَجَلْ، فَقَالَ: "أبْشِرُوا وَأَمِّلُوا مَا يَسُرُّكُمْ، فَوَالله مَا الفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلَكِنْ أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا، كَما بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوا فِيْهَا فَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ". أخرجه الشيخان (¬3) والترمذي (¬4). 48 - وَعَنْ ثَعْلَبَةُ بْنُ أَبِي مَالِكٍ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ - رضي الله عنه - قَسَمَ مُرُوطًا بَيْنَ نِسَاءِ أَهْلِ المَدِينَةِ، فَبَقِىَ مِنْهَا مِرْطٌ جَيِّدٌ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُ مَنْ عِنْدَهُ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ! أَعْطِ هَذَا ابْنةَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - الَّتِي عِنْدَكَ. يُرِيدُونَ أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ عَلِيٍّ، فَقَالَ: أُمُّ سَلِيطٍ أَحَقُّ بِهِ، فَإِنَّهَا مِمَّنْ بَايَعَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، وَكَانَتْ تُزْفِرُ لَنَا القِرَبَ يَوْمَ أُحُدٍ. أخرجه البخاري (¬5). "المِرْطُ" (¬6) كساء من خزّ أو صوف يؤتزر به، وقوله: "تزْفِرُ لَنَا القِرَبَ" (¬7). أي: تخيطها. ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (3154). (¬2) في "السنن" رقم (2952) وهو حديث صحيح. (¬3) أخرجه البخاري رقم (3158، 4015، 6425) ومسلم رقم (6/ 2961). (¬4) في "السنن" رقم (2462). (¬5) في "صحيحه" رقم (2881) وطرفه في (4074). (¬6) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (1/ 651)، "غريب الحديث" للهروي (1/ 227). (¬7) قال ابن حجر في "فتح الباري" (6/ 79) "تزفر" بفتح أوله وسكون الزاي وكسر الفاء، أي: تحمل وزناً ومعنى، قوله: قال أبو عبد الله "تزفر تخيط" كذا في رواية المستملي وحده، وتعقب بأن ذلك لا يعرف في =

اقوله: "في حديث ثعلبة بن أبي مالك مروطاً" هي جمع مرط (¬1) وهو كساء من خز أو صوف وبريّة. قوله: "أم سليط" (¬2) بزنة رغيف، اسمها [أم قيس بنت عتبة (¬3)] وكانت تحت أبي سليط (¬4) فمات عنها قبل الهجرة, فتزوجها مالك بن سنان [87 ب] فأولدها - أبا سعيد الخدري قاله في "التوشيح" وقال الكاشغري: أم بعطة بنت علقمة هاجرت إلى الحبشة مع زوجها سليط بن عمرو (¬5). ¬

_ = اللغة، وإنما الزفر الحمل وهو يوزفه ومعناه، قال الخليل: زفر بالحمل زفراً: نهض به، والزفر أيضاً: القربة نفسها، وقيل: إذا كانت مملوءة ماء، ويقال للإماء إذا حملن القرب زوافر، والزفر أيضاً البحر الفياض. وانظر: "كتاب العين" (ص 392). "المجموع المغيث" (2/ 19). "النهاية في غريب الحديث" (1/ 725). ثم قال ابن حجر في "فتح الباري" (6/ 80): "وقع عند أبي نعيم في المستخرج, بعد أن أخرجه من طريق عبد الله بن وهب عن يونس قال عبد الله: تزفر: تحمل، وقال أبو صالح كاتب الليث: تزفر تخرز قلت: فلعل هذا مستند البخاري في تفسيره". (¬1) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (1/ 651)، "غريب الحديث" للهروي (1/ 227). (¬2) قال ابن عبد البر في "الاستيعاب" رقم (3531): أم سليط امرأة من المبايعات، حضرت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد. (¬3) كذا في "أ. ب"، والصواب ما قاله ابن سعد في "الطبقات الكبرى" (10/ 389 - 390 رقم 5387) أم سليط النجارية, وهي أم قيس بنت عبيد بن زياد بن ثعلبة بن خنساء بن مبذول بن عمرو بن غنم بن مازن بن النجار. وانظر "فتح الباري" (6/ 79). (¬4) انظر: "الطبقات الكبرى" (10/ 392)، "فتح الباري" (10/ 392). (¬5) لم أجده.

الفصل الرابع: في الشهداء

قوله: "بالزاي والفاء" (¬1) تحمل وزناً ومعنى في "غريب الجامع" (¬2) زفر الحمل يزفره إذا حمله فقول المصنف: أي تخطيها، لم نجده (¬3) في غيره. الفصل الرابع: في الشهداء • جمع شهيد. 1 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا تَعُدُّونَ الشَّهِيدَ فِيكُمْ؟ "، قَالُوا: يَا رَسُولَ الله؟! مَنْ قُتِلَ فِي سَبِيلِ الله فَهُوَ شَهِيدٌ, قَالَ: "إِنَّ شُهَدَاءَ أُمَّتِي إِذًا لَقَلِيلٌ"، قَالُوا: فَمَنْ هُمْ يَا رَسُولَ الله؟! قَالَ: "مَنْ قُتِلَ فِي سَبِيلِ الله فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ مَاتَ فِي سَبِيلِ الله فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ مَاتَ فِي الطَّاعُونِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ مَاتَ فِي البَطْنِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَالغَرِيقُ شَهِيدٌ". أخرجه مسلم (¬4) ومالك (¬5) والترمذي (¬6) [صحيح] قوله (¬7): "والمطعون الذي مات به" (¬8): ¬

_ (¬1) هكذا في "أ. ب" دون إيراد كلمة تزفر. (¬2) (2/ 738). (¬3) تقدم توضيحه. (¬4) في "صحيحه" رقم (165/ 1915). (¬5) في "الموطأ" (1/ 231 - 232). (¬6) في "السنن" رقم (1063)، ولفظه عند مالك والترمذي: عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "الشهداء خمس: المطعون، والمبطون، والغريق، وصاحب الهدم، والشهيد في سبيل الله". (¬7) ملاحظة: هذا الشرح لألفاظ الحديث الذي عند مالك والترمذي وليس لحديث المتن. * وأخرج البخاري رقم (652، 653) ومسلم رقم (164/ 1914) عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "بينما رجلّ يمشي بطريقٍ، وجد غصن شوك على الطريق، فأخره فشكر الله له، فغفر الله له" وقال: "الشهداء خمسة المطعون، والمبطون والغرق، وصاحب الهدم، والشهيد في سبيل الله عز وجل". (¬8) الطاعون: المرض العام والوباء الذي يفسد له الهواء، فتفسد به الأمزجة والأبدان. "النهاية في غريب الحديث" (2/ 113) "غريب الحديث" للخطابي (3/ 437).

وقد فسّره - صلى الله عليه وسلم - بقوله: "هو غدة كغدة البعير يخرج في المراق" (¬1) وسمي طاعوناً لسرعة قتله. قوله: "والمبطون" هو الذي يموت بعلة البطن كالاستسقاء (¬2) والنفاخ والإسهال وقيل: الذي يشتكي بطنه ويموت بدائه. وقوله: "الحرق" أي: المحترق. وقوله: "الغرق" أي: الغريق، وهما اللذان يموتان بالنار والماء. 2 - وفي رواية مالك (¬3) والترمذي (¬4): قَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ، وَزَادَ: "وَصَاحِبُ الهَدْمِ شَهِيدٌ". [صحيح] وفي رواية عن جابر (¬5): "وَالمَرْأَةُ تموْتُ بِجَمْعٍ". [صحيح] وفي رواية أخرى (¬6) صحيحة عن ابن عمرو بن العاص: "ومنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيْدٌ". [صحيح] يُقَالُ: "مَاتَتْ المَرْأةُ بجُمْعٍ" إذا ماتت وولدها في بطنها. قوله: "تموت بجمع" بالضم بمعنى المجموع كالذخر بمعنى المذخور، وكسر الكسائي (¬7) الجيم، والمعنى أنها ماتت مع شيء مجموع فيها غير منفصل عنها من حمل أو بكارة، ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد في "المسند" (6/ 145، 255) بسند حسن وتمامه: "والإبط". انظر: "زاد المعاد" (4/ 35 - 36). (¬2) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (1/ 142)، "غريب الحديث" للخطابي (3/ 253). (¬3) في "الموطأ" (1/ 231 - 232). (¬4) في "السنن" رقم (1063) وقد تقدم بنصه. (¬5) أخرجه مالك في "الموطأ" (1/ 233 - 234) وأحمد (5/ 446) وأبو داود رقم (3111) والنسائي (4/ 13) والحاكم (1/ 351 - 352) وابن حبان في "صحيحه" رقم (3189) وهو حديث صحيح. (¬6) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (2480) ومسلم رقم (226/ 141). (¬7) ذكره ابن الأثير في "النهاية" (1/ 289).

قاله في "التوشيح" والمصنف اقتصر على الأول، وذكر ابن الأثير (¬1) المعنيين. واعلم أنه قد ورد في الأحاديث ذكر غير من ذكر، انتهوا إلى أربعين شهيد قد نظمناهم وذكرنا النظم [88 ب] في جمع الشتيت شرح (¬2) أبيات التثبيت. 3 - وَعَنْ أُمِّ حِزَامٍ - رضي الله عنها - قَالَتْ: قَالَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: "المَائِدُ فِي البَحْرِ الَّذِي يُصِيبُهُ القَيْءُ لَه أَجْرُ شَهِيدٍ، وَالغَرِقُ لَهُ أَجْرُ شَهِيدَيْنِ". أخرجه أبو داود (¬3). قوله: "في حديث أم حزام المائد (¬4) في البحر" أي: الذي (¬5) براسه من اضطراب السفينة بالأمواج، وظاهر الحديث إنالة الأجر بالميد وهو الميل وعد بالقيء أجر شهيد وإن لم يمت منه. قوله: "أخرجه أبو داود" قال المنذري (¬6): في إسناده هلال بن ميمون الرملي (¬7)، قال ابن معين: ثقة، وقال أبو حاتم الرازي: ليس بقوي يكتب حديثه. 4 - وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُوْلُ: "مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ". ¬

_ (¬1) في "النهاية في غريب الحديث" (1/ 288)، "الفائق" للزمخشري (1/ 231). (¬2) وهي الرسالة رقم (21) من كتابنا: "عون القدير من فتاوى ورسائل ابن الأمير" ط. ابن كثير - دمشق. (¬3) في "السنن" رقم (2493) وهو حديث شاذ. ويغني عنه الأحاديث الصحيحة التي يذكر فيها الموت غرقاً، وقد تقدم بعضها. (¬4) قال ابن الأثير في "النهاية" (2/ 694): المائد في البحر: هو الذي يدار برأسه من ريح البحر، واضطراب السفينة بالأمواج. "المجموع المغيث" (3/ 247) "الفائق" للزمخشري (3/ 398). (¬5) كذا في "أ. ب" والعبارة: الذي يدار برأسه من ريح البحر، وقد تقدم نصها. (¬6) في "مختصر السنن" (3/ 361). (¬7) انظر: "تهذيب التهذيب" (4/ 291 - 292).

أخرجه أصحاب "السنن" (¬1). [صحيح] 5 - وَعَنْ أَبِي سَلاَّمٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رضي الله عنهم - قَالَ: أَغَرْنَا عَلَى حَيٍّ مِنْ جُهَيْنَةَ فَطَلَبَ رَجُلٌ مِنَ المُسْلِمِينَ رَجُلاً مِنْهُمْ فَضَرَبَهُ فَأَخْطَأَهُ فَأَصَابَ نَفْسَهُ فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: "أَخُوكُمْ يَا مَعْشَرَ المُسْلِمِينَ"، فَابْتَدَرَهُ النَّاسُ فَوَجَدُوهُ قَدْ مَاتَ، فَكَفَّنهُ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بِثِيَابِهِ وَدِمَائِهِ وَصَلَّى عَلَيْهِ وَدَفَنَهُ فَقَالُوا: أَشَهِيدٌ يَا رَسُولَ الله؟ فَقَالَ: "نَعَمْ، وَأَنَا لَهُ شَهِيدٌ". أخرجه أبو داود (¬2). [ضعيف] قوله: "في حديث أبي سلام أخرجه أبو داود". قال المنذري (¬3): [وأخرجه مسلم بأتم منه والنسائي] (¬4). 6 - وَعَنِ العِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَة - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: "يَخْتَصِمُ الشُّهَدَاءُ وَالمُتَوَفَّوْنَ عَلَى فُرُشِهِمْ إِلَى رَبِّنَا فِي الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنَ الطَّاعُونِ فَيَقُولُ الشُّهَدَاءُ: إِخْوَانُنَا قُتِلُوا كَمَا قُتِلْنَا، وَيَقُوُل المُتَوَفَّوْنَ عَلَى فُرُشِهِمْ إِخْوَانُنَا مَاتُوا كَما مُتْنَا فَيَقُوُلُ رَبُّنَا: انْظُرُوا إِلَى جِرَاحِهِمْ، فَإِنْ ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود رقم (4772) والنسائي رقم (4090) وقد اقتصر على الجملة الأولى. والترمذي رقم (1421) وابن ماجه رقم (2580)، وهو حديث صحيح. (¬2) في "السنن" رقم (2539) وهو حديث ضعيف، والله أعلم. (¬3) في "مختصر السنن" (3/ 383) وسكت عنه. (¬4) ما بين الحاصرتين قول المنذري (3/ 283 رقم 2427) جاء عقب الحديث رقم (2528 - "سنن أبي داود") عن سلمة بن الأكوع قال: "لما كان يوم خيبر قاتل أخي قتالاً شديداً، فارتد عليه سيفه فقتله، فقال أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك، وشكوا فيه: رجل مات بسلاحه! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مات جاهداً مجاهداً". وهو حديث صحيح. قال المنذري في مختصره (3/ 383) وأخرجه مسلم والنسائي أتم منه. نعم أخرجه مسلم في "صحيحه" رقم (124/ 1802) والنسائي رقم (3150).

كتاب الجدال والمراء

أَشْبَهَت جِرَاحَ المَقْتُولِينَ فَإِنَّهُمْ مِنْهُمْ وَمَعَهُمْ، فَإِذَا جِرَاحُهُمْ قَدْ أشْبَهَتْ جِرَاحَهُمْ". أخرجه النسائي (¬1). [صحيح] 7 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما -: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ - رضي الله عنه -: غُسِّلَ وَكُفِّنَ وَصُلِّى عَلَيْهِ وَكَانَ شَهِيْدَاً. أخرجه مالك (¬2). [موقوف صحيح] (¬3) كتاب الجدال والمراء في "الجامع" (¬4): الجدال والمراء: المخاصمة والمحاجة وطلب المغالبة، وفي غيره (¬5): الجدال التشدد في الخصومة من الجدل وهو القتل. وفي البغوي (¬6): وهو شدة القتل وهو يريد قتل خصمه عن مذهبه بطريق الحجاج وقيل: الجدال من الجدالة وهي الأرض، فكل واحد من الخصمين يريد قهر صاحبه وصرعه على الجدالة. وفي "النهاية" (¬7): الجدال مغالبة الحجة بالحجة والمجادلة المناظرة والمخاصمة، والمراد به في الحديث - أي: الذي فيه ذمه - الجدال على الباطل وطلب المغالبة لا إظهار الحق فإن ذلك محمود لقوله: {وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (¬8). ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (3164) وهو حديث صحيح. (¬2) في "الموطأ" (2/ 463 رقم 36) وهو موقوف صحيح. (¬3) في (أ) زيادة قوله. (¬4) (2/ 749). (¬5) انظر: "مفردات ألفاظ القرآن" (ص 190). (¬6) انظر: "معالم السنن" (7/ 218 - 219). (¬7) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 243). (¬8) سورة النحل الآية (125).

1 - وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا ضَلَّ قَوْمٌ بَعْدَ هُدًى كَانُوا عَلَيْهِ إِلاَّ أُوتُوا الجَدَلَ". ثُمَّ تَلاَ: {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (58)} (¬1). أخرجه الترمذي (¬2) وصححه. [حسن] 2 - وعنه - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ تَرَكَ المِرَاءَ وَهُوَ مُبْطِلٌ بُنيَ لَهُ فِي رَبَضِ الجَنَّةِ، وَمَنْ تَرَكَهُ وَهُوَ مُحِقٌّ بُنِيَ لَهُ فِي وَسَطِهَا، وَمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ بُنيَ لَهُ فِي أَعْلاَهَا". أخرجه الترمذي (¬3) [حسن] "رَبَضُ الجَنَّةِ" (¬4) مشبه بِرَبَضِ المدينة، وهو ما حولها من العمارة. 3 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: "المِرَاءُ فِي القُرْآنِ كُفْرٌ". أخرجه أبو داود (¬5). ¬

_ (¬1) سورة الزخرف الآية (58). (¬2) في "السنن" رقم (3253). وأخرجه ابن ماجه رقم (48) وابن جرير في "جامع البيان" (20/ 628)، وهو حديث حسن، والله أعلم. (¬3) في "السنن" رقم (1993) "وفيه " ... من ترك الكذب وهو باطل ... " وهو حديث حسن، إن شاء الله. وأخرجه أبو داود رقم (4800) عن أبي أمامة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المرآء وإن كان محقاً، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه". وهو حديث حسن، إن شاء الله. (¬4) قال ابن الأثير في "النهاية" (1/ 626): ربض الجنة: هو بفتح الباء: ما حولها خارجاً عنها، تشبيهاً بالأبنية التي تكون حول المدن، وتحت القلاع. "المجموع المغيث" (1/ 724). (¬5) في "السنن" رقم (4603) سند صحيح. أخرجه ابن حبان في "صحيحه" رقم (1462).

قوله: "في حديث أبي هريرة المراء في [89 ب] القرآن كفر" قال الخطابي (¬1): قيل المراد بالمراء الشك [فيه (¬2)]، وقيل: الجدال المشكك فيه، وقيل: هو الجدال الذي يفعله أهل الأهواء في باب القدر ونحوه. 4 - وعن عائشة - رضي الله عنها - قَالَتْ: قَالَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إَنَّ أبْغَضُ الرِّجَالُ إِلَى الله تَعَالَى "الأَلَدُّ الخَصِمُ". أخرجه الخمسة (¬3) إلا أبا داود. [صحيح]. "الأَلَدُّ" الشديد الخصومة. "والخَصِمُ" الذي يخْصمُ إِخوانه ويُحَاجُّهم. قوله: "في حديث عائشة الألد الخصم" الألد (¬4) مأخوذ من لديدي العنق وهما صفحتاه، وتأويله أن خصمه في أي وجه آخذ من أبواب الخصومة من يمين أو شمال غلبه في ذلك. 5 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وَنَحْنُ نَتَنَازَعُ فِي القَدَرِ فَغَضِبَ حَتَّى كَأَنَّمَا فُقِئَ فِي وَجْهِهِ حَبُّ الرُّمَّانُ مِنْ حُمْرَةِ الغَضَبِ فَقَالَ: "أَبِهَذَا أُمِرْتُمْ؟ أَمْ بِهَذَا أُرْسِلْتُ إِلَيْكُمْ؟ إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلكُمْ كَثْرَةُ التَّنَازُعِ فِي أَمْرِ دِيْنِهْم وَاخْتِلَافُهُمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِم. زاد في رواية: "عَزَمْتُ عَلَيْكُمْ أَلَّا تنَازَعُوا فِيه". أخرجه الترمذي (¬5). [حسن]. قوله: "فغضب" إنما غضب - صلى الله عليه وسلم -[لأن (¬6)] القدر (¬7) سر من أسرار الله وطلب سر الله منهي عنه. ¬

_ (¬1) في "معالم السنن" (5/ 9). (¬2) زيادة من "معالم السنن" (5/ 9). (¬3) أخرجه البخاري رقم (2457) ومسلم رقم (2668) والترمذي رقم (2976) والنسائي رقم (5423). (¬4) ذكره ابن الأثير في "النهاية في غريب الحديث" (2/ 596). (¬5) في "السنن" رقم (2133) وهو حديث حسن. (¬6) في (ب) إن. (¬7) بل يجب الإيمان بالقدر إيماناً جازماً بلا جدال ولا اختلاف فيه أو عليه. =

قوله: "عزمت عليكم" يعني: أقسمت عليكم. قوله: "أخرجه الترمذي". قلت: وقال (¬1): وفي الباب عن عمر وعائشة وأنس وقال: هذا حديث حسن لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث صالح المري، وصالح المري له غرائب يتفرد بها. انتهى. قلت: وفي "تقريب التهذيب" (¬2) صالح بن بشير بن وادع المُرَّي، بضم الميم وتشديد الراء، أبو بشر القاضي الزاهد ضعيف. انتهى. [167/ أ]. ¬

_ = عن عبادة بن الصامت قال لابنه: يا بنيَّ! إنك إن تجد طعم حقيقة الإيمان حتى تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك, وما أخطأك لم يكن ليصيبك، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن أول ما خلق الله القلم فقال له: أكتب, قال: رب! وماذا أكتب؟ قال: أكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة"، يا بنيّ! إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من مات على غير هذا فليس مني". * أخرجه أبو داود في "السنن" رقم (4700) وأخرجه الترمذي في "السنن" رقم (2155، 3319) وأحمد في "المسند" (5/ 317) والطيالسي في "مسنده" رقم (577) والآجري في الشريعة (ص 177)، وهو حديث صحيح. * وعن وهب بن خالد الحمصي عن ابن الديلمي قال: أتيت أبي بن كعب فقلت له: وقع في نفسي شيء من القدر فحدثني بشيء لعل الله أن يذهبه من قلبي، فقال: لو أن الله عذب أهل سماواته وأهل أرضه عذبهم وهو غير ظالمهم، ولو رحمهم كانت رحمته خيراً لهم من أعمالهم، ولو أنفقت مثل أحد ذهباً في سبيل الله ما قبله منك حتى تؤمن بالقدر، وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، ولو مُتّ على غير هذا لدخلت النار". أخرجه أبو داود رقم (4699) وأحمد (5/ 185) وابن ماجه رقم (77) وابن حبان رقم (727) والبيهقي (10/ 204) والطبراني في "الكبير" رقم (4940) والآجري في الشريعة (ص 187) وهو حديث صحيح. (¬1) أي: الترمذي في "السنن" (4/ 443). (¬2) (1/ 358 رقم 4).

6 - وَعَنْ ابْنِ المُسَيَّبِ قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - جَالِسٌ فِي أَصْحَابه - رضي الله عنهم - وَقَعَ رَجُلٌ بِأَبِي بَكْرٍ - رضي الله عنه - فَآذَاهُ فَصَمَتَ عنه أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ آذَاهُ الثَّانِيَةَ فَصَمَتَ عَنْهُ, ثُمَّ آذَاهُ الثَّالِثَةَ فَانْتَصَرَ أَبُو بَكْرٍ - رضي الله عنه - فَقَامَ رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ أبُو بَكْرٍ: أَوَجَدْتَ عَلَيَّ يَا رَسولَ الله؟ قَالَ: "لا، وَلَكِنْ نَزَلَ مَلكٌ مِنَ السَّمَاءِ يُكَذِّبُهُ بِمَا قَالَ لَكَ، [فَلمَّا انْتَصَرْتَ ذهبَ المَلَكُ وَقَعَدَ الشَّيْطَانُ فَلَمْ أَكُنْ لأَجْلِسَ إِذا قَعَدَ] (¬1) الشَّيْطَانُ". أخرجه أبو داود (¬2). [حسن لغيره]. قوله: "إذا قعد الشيطان [90 ب] " وفيه أنه قد أذن الله في الانتصار: {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41)} (¬3)، وكأنه - صلى الله عليه وسلم - أحبّ للصديق الصبر والمغفرة لقوله: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43)} (¬4). قوله: "أخرجه أبو داود". قلت: أخرجه مرسلاً (¬5) فإنه قال: عن سعيد، بن المسيب قال: بينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... الحديث، ثم أخرجه (¬6) بأخصر منه من حديث أبي هريرة لكن قال المنذري (¬7): في إسناده - أي: حديث أبي هريرة - محمد بن عجلان وفيه مقال، قال: وذكر البخاري في "تاريخه" (¬8) المرسل وبعده "المسند" وقال: الأول أصح. انتهى. ¬

_ (¬1) كذا في (أ. ب) والذي في السنن: فلمّا انتصرتَ وقع الشيطان، فلم أكن لأجلس إذ وقع الشيطان. (¬2) في "السنن" رقم (4896) مرسلاً. وهو حديث حسن لغيره. (¬3) سورة الشورى الآية (41). (¬4) سورة الشورى الآية (43). (¬5) في "السنن" رقم (4896) مرسلاً، وهو حديث حسن لغيره. (¬6) في "السنن" رقم (4897) وهو حديث حسن. (¬7) في "مختصر السنن" (7/ 223). (¬8) (1/ 2/ 102 رقم 1841).

7 - وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسِ - رضي الله عنهما - أَنَّهُ قَالَ: لَا تُمَار أَخَاكَ فَإِنَّ المِرَاءَ لَا تُفْهَمُ حِكْمَتُهُ، وَلَا تُؤْمَنُ غَائِلَتُهُ، وَلَا تَعِدْ وَعَداً فَتُخْلِفهُ (¬1). أخرجه رزين. [ضعيف] ¬

_ (¬1) وأخرج الترمذي في "السنن" رقم (1995) عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تمار أخاك ولا تمازحه، ولا تعده موعده فتخلفه"، وهو حديث ضعيف.

حرف الحاء

[حرف الحاء وفيه ستة كتب الحج والعمرة، الحدود، الحضانة، الحسد، الحرص، الحياء كتاب الحج والعمرة الباب الأول: في فضائلهما (¬1)] حرف الحاء [قوله (¬2)]: "كتاب الحج" الحج لغة (¬3) [القصد (¬4)] إلى أي شيء، فخصّه الشرع بقصد معيّن ذي شروط معلومة، وفيه لغتان "الفتح" والكسر، وقيل: "الفتح" المصدر، والكسر الاسم والحجة بالفتح للمرة الواحدة على القياس، وقال الجوهري (¬5): الحجة بالكسر المرة الواحدة وهو من الشواذ وذو الحجة: بالكسر شهر الحج والحجيج الحجاج. 1 - عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله! نَرَى الجِهَادَ أَفْضَلَ الأَعْمَالِ أَفَلاَ نُجَاهِدُ؟ قَالَ: "لكِنَّ أَفْضَلَ الجِهَادِ وَأَجْمَلَهُ حَجٌّ مَبْرُورٌ [ثُمَّ لُزُومُ الحُصْر، قَالَتْ: فَلَا أَدعُ الحَجَّ بَعْدَ إِذَ سَمِعْتُ هَذَا] ". أخرجه البخاري (¬6) [صحيح] ¬

_ (¬1) ما بين الحاصرتين زيادة من (ب). (¬2) زيادة من (أ). (¬3) "لسان العرب" (1/ 457)، "القاموس المحيط" (ص 234). (¬4) زيادة من (أ). (¬5) في "الصحاح" (1/ 304). (¬6) في "صحيحه" رقم (1520، 2784، 2876) لفظه: عن عائشة - رضي الله عنها -: أنها قالت: يا رسول الله! نرى الجهاد أفضل العمل، أفلا نجاهد؟ قال: لا، لكن أفضل الجهاد حج مبرور".

إلا قوله: "ثُمَّ لُزُومُ الُحصْرِ" والنسائي (¬1) بطوله. [بإسناد حسن]. قوله: [91 ب] "في حديث عائشة" لكن يروى بلفظ خطاب النسوة وبالاستدراك أكثر ولأنه يشتمل على فضل الحج وعلى جواب سؤالها عن الجهاد وسماه جهاداً لما فيه من المشقة. قوله: "ثم لزوم الحُصْر" هو كناية عن البقاء في البيوت وعدم السفر للحج. وفي رواية (¬2) أنه - صلى الله عليه وسلم - قال لأزواجه هذه "ثم لزوم الحُصْر" والإشارة إلى حجتهن معه - صلى الله عليه وسلم -، وقد كان عمر يتوقف أولاً في الإذن لأزواجه - صلى الله عليه وسلم - في الخروج للحج اعتماداً على قوله: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنّ} (¬3)، وكان يرى تحريم السفر عليهن ثم ظهر له الجواز، فأذن لهن في آخر ¬

_ (¬1) في المجتبى رقم (2628) وفي "السنن الكبرى" رقم (3607) ولفظه: عن عائشة، قالت: قلت: يا رسول الله! ألا نخرج فنجاهد معك؟ فإني لا أرى عملاً في القرآن أفضل من الجهاد، قال: "لا، ولكن أحسن الجهاد وأجمله حجُّ البيت، حجٌّ مبرور". أما الزيادة التي بين الحاصرتين فقد أخرجها أحمد (6/ 324) وأبو يعلى في مسنده رقم (7154) والبزار في مسنده رقم (1077) عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لنسائه عام حجة الوداع: "هذه ثمَّ ظهور الحُصْر" قال: وكنَّ كلهنَّ يحججن إلا زينب بنت جحش، وسودة بنت زمعة رضي الله عنهنَّ، وكانتا تقولان: "والله لا تحرِّكنا دابَّةٌ بعد إذ سمعنا ذلك من النبي - صلى الله عليه وسلم - "، وإسناده حسن. وعن أم سلمة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع: "هي هذه الحجة، ثم الجلوس على ظهور الحصر". أخرجه أبو يعلى في "مسنده" رقم (6885)، وهو حديث صحيح. (¬2) أخرج أبو داود رقم (1722) وأحمد (5/ 218 - 219) عن ابن لأبي واقد الليثي عن أبيه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول لأزواجه في حجة الوداع: "هذه، ثم ظهور الحُصْر". وهو حديث صحيح لغيره (¬3) سورة الأحزاب الآية (33).

خلافته، ثم كان يحج بهن في خلافته فوقف بعضهن عند ظاهر الآية وهي زينب وسودة وقالتا (¬1): لا تحركنا دابة بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قوله: "مبرور" قال ابن خالويه (¬2): مقبول، وقال غيره (¬3): الذي لا يخالطه شيء من المآثم ورجّحه النووي (¬4)، وقال القرطبي (¬5): الأقوال في تفسيره متقاربة المعنى، وحاصلها أنه الحج الذي وفيت أحكامه ووقع موقعاً كما طلب من المكلف على الوجه الأكمل، وقد أخرج أحمد (¬6) والحاكم (¬7) من حديث جابر سألنا رسول الله ما بر الحج؟ قال: "إطعام الطعام، وإفشاء السلام" قال الحافظ (¬8): وفي إسناده ضعف، فلو ثبت لكان هو المتعين دون غيره. 2 - وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُلَبِّي إِلاَّ لَبَّى مَا عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ مِنْ حَجَرٍ أَوْ شَجَرٍ أَوْ مَدَرٍ حَتَّى تَنْقَطِعَ الأَرْضُ مِنْ هَا هُنَا وَهَا هُنَا". أخرجه الترمذي (¬9). [صحيح]. ¬

_ (¬1) أخرجها النسائي في "المجتبى" رقم (2628) وفي الكبرى رقم (3607)، وانظر التعليقة رقم (5). (¬2) انظر: تهذيب اللغة للأزهري (15/ 185). (¬3) أي: شمر، ذكره الأزهري في تهذيب اللغة (15/ 185). (¬4) في شرحه لـ "صحيح مسلم" (9/ 118 - 119). (¬5) في "المفهم" (3/ 463). (¬6) في "المسند" (3/ 425) بسند ضعيف. (¬7) في "المستدرك" (1/ 483) بسند ضعيف جداً. * وأخرجه الطيالسي في "مسنده" رقم (1718) وعبد بن حميد في المنتخب رقم (1091). وفي إسناده طلحة بن عمرو بن عثمان الحضرمي: متروك، "التقريب" (1/ 379). وهو حديث ضعيف، والله أعلم. (¬8) في "الفتح" (3/ 598). (¬9) في "السنن" رقم (828) وهو حديث صحيح. =

قوله: "في حديث سهل بن سعد أخرجه الترمذي". قلت: وسكت عليه. 3 - وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسِ - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: "تَابِعُوْا بَيْنَ الحَجِّ وَالعُمْرَةِ فَإنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الذُّنُوبَ كَمَا يَنْفِي الكِيرُ خَبَثَ الحَدِيْد". أخرجه النسائي (¬1). [صحيح]. قوله: "في حديث ابن عباس أخرجه النسائي". قلت: [92 ب] وأخرجه الترمذي (¬2) بلفظه وزاد بعد قوله: خبث الحديد "والذهب والفضة وليس للحجة المبرورة ثواب إلا الجنة"، أخرجه [عن] (¬3) ابن مسعود وقال (¬4): حسن صحيح، غريب من حديث عبد الله بن مسعود. 4 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: "العُمْرَةُ إِلَى العُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالحَجُّ المَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلاَّ الجَنَّةُ". أخرجه الستة (¬5) إلا أبا داود. [صحيح]. ¬

_ = وأخرجه ابن ماجه رقم (2921) والبيهقي في "السنن الكبرى" (5/ 43) وابن خزيمة رقم (2634) والحاكم (1/ 451). وهو حديث صحيح. (¬1) في "السنن" رقم (2630) وهو حديث صحيح. (¬2) في "السنن" رقم (810). وأخرجه النسائي في "السنن" رقم (2631). (¬3) زيادة من (أ). (¬4) أي: الترمذي في "السنن" (3/ 175). (¬5) أخرجه البخاري رقم (1733) ومسلم رقم (437/ 1349). والترمذي رقم (933) والنسائي (5/ 115) وابن ماجه رقم (2888)، وأخرجه أحمد (2/ 462) والبيهقي في "السنن الكبرى" (5/ 261) والبغوي في "شرح السنة" رقم (1843) وابن حبان رقم (3696) وابن خزيمة رقم (2513).

5 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ طَافَ بِالبَيْتِ خَمْسِينَ مَرَّةً خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ". أخرجه الترمذي (¬1). والمراد بذلك بذلك خمسون طوافاً كاملاً دون الأشواط. [ضعيف]. قوله: "في حديث ابن عباس خمسون طوافاً كاملاً" أي: ولو مفرقة في جميع عمره. قوله: "دون الأشواط" إشارة إلى ما حكى المحب الطبري: أنّ المراد بالمرة الشوط دورة وقال المراد: خمسون أسبوعاً وقد روي كذلك في رواية الطبراني في "الأوسط" (¬2) قال: وليس المراد أن يأتي بها متوالية في آن واحد بل المراد أن توجد في صحائف حسناته ولو في جميع عمره. قوله: "أخرجه الترمذي". قلت: وقال (¬3): وفي الباب عن أنس وابن عمر، قال أبو عيسى: حديث ابن عباس حديث غريب سألت محمداً عن هذا الحديث فقال: إنما يروى هذا الحديث عن ابن عباس. 6 - وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: قال رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ مِنَ المَسْجِدِ الأَقْصَى إِلَى المَسْجِدِ الحَرَامِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ أَوْ وَجَبَتْ لَهُ الجَنَّةُ"، شك الراوي أيتهما قال. أخرجه أبو داود (¬4). [ضعيف]. قوله: "في حديث أم سلمة أخرجه أبو داود" وأخرجه البيهقي في "الشعب" (¬5) ولفظه: "من أهل بالحج والعمرة" وقال فيه: "غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ووجبت له الجنة". وكذا رواه ابن ماجه (¬6) بإسناد صحيح: "من أهل بعمرة من بيت المقدس غفر له". ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (866) وهو حديث ضعيف. (¬2) رقم (8400) وفيه: "من طاف بالبيت سبعاً لا يتكلم إلا سبحان الله، ولا إله إلا الله، والله أكبر ... ". (¬3) أي: الترمذي في "السنن" (3/ 218). (¬4) في "السنن" رقم (1741) وهو حديث ضعيف. (¬5) رقم (4026). (¬6) في "السنن" رقم (2925، 3002) بإسناد ضعيف.

ورواه البخاري في "تاريخه الكبير" (¬1) ولم يذكر فيه: "وما تأخر" وقال في بعض (¬2) رواته لا يتابع في هذا الحديث؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - وقت المواقيت وأهلّ من [93 ب] ذي الحليفة. قلت: هذا الإهلال من بيت المقدس لا ينافي توقيت المواقيت؛ لأنه أمر خاص بفضل خاص. 7 - وَعَنْ ابْنَ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: أَنَّ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لِامْرَأَةٍ مِنَ الأَنْصَارِ يُقَالَ لَهَا أُمِّ سِنَانٍ: "مَا مَنَعَكِ أَنْ تَحُجِّي مَعَنَا؟ "، قَالَتْ: نَاضِحَانِ كَانَا لَأَبِي فُلَانٍ "زَوْجِهَا" حَجَّ هُوَ وَابْنُهُ عَلَى أَحَدِهِمَا، وَكَانَ الآَخَرُ يَسْقِي أَرْضَاً لَنَا. قَالَ: "فَعُمْرَةٌ فِي رَمَضَانَ تَقْضِي حَجَّةً، أَوْ حَجَّةً مَعِي: فَإِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فَاعْتَمِرِي فَإِنَّ عُمْرَةً فِيهِ تَعْدِلُ حَجَّةً". أخرجه الشيخان (¬3) إلى قوله: معي والنسائي بتمامه (¬4). [صحيح]. "النَّاضِحُ" البعير الذي يسقى عليه. قوله: "في حديث [ابن عباس (¬5)] لامرأة من الأنصار يقال لها أم سنان" ومثلها اتفق لأم سليم ومثلها لأم معقل كما في "الفتح" (¬6). قوله: " [في حديث ابن عباس (¬7)] ناضحان" بمعجمة فمهملة. ¬

_ (¬1) (1/ 1/ 161 رقم 477). (¬2) وإليك نص كلامه: " ... أبو يعلى محمد بن الصلت عن ابن أبي فديك، وقال لي عبد الله بن أبي شيبة عبد الأعلى عن ابن إسحاق سمع سليمان بن سحيم عن أم حكيم بنت أمية، عن أم سلمة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحوه، قال أبو عبد الله، ولا يتابع في هذا الحديث ... ". (¬3) البخاري في "صحيحه" رقم (1782) ومسلم رقم (1256). (¬4) في "السنن الكبرى" رقم (4209). (¬5) زيادة من (أ). (¬6) (3/ 603). (¬7) زيادة من (أ).

في "المحكم" (¬1) [(¬2)] الناضح: البعير أو الثور أو الحمار الذي يسقى عليه الماء، والأنثى بالهاء [لكن المراد هنا البعير] (¬3). قوله: "أن تكوني حججت معنا" الظاهر أنّ المراد حججت حجة الإسلام؛ لأنه من المعلوم أنه لا حج يفرض قبل حجه - صلى الله عليه وسلم -، إما؛ لأنه ما فرض الحج إلا في العاشرة، أو لأنه لم يتم زمن الحج وصحة الوقوف إلا في حجته - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن فيها استدار الدهر ورجع كل شهر إلى زمنه كما يأتي من قوله [قد (¬4)] استدار الزمان". الحديث. وأبو بكر وعلي وأبو هريرة - رضي الله عنهم - الذين أرسلهم - صلى الله عليه وسلم - إلى مكة في التاسعة لم يحجوا حجة الفرض كما يأتي. قوله: "تقضي حجة أو حجة معي" كأنه شك من الراوي، وفي "الفتح" (¬5): قال ابن خزيمة في هذا الحديث: إن الشيء يشبه بالشيء ويجعل عدله إذا شابهه في بعض المعاني لا في جميعها؛ لأن العمرة لا يقضى بها فرض الحج ولا النذر. انتهى. قال ابن حجر (¬6) بعد نقل كلامه: والظاهر أنه - صلى الله عليه وسلم - أعلمها أن العمرة في رمضان تقوم مقام الحج في الثواب، لا أنها تقوم مقامها في إسقاط الفرض للإجماع على أنّ الاعتمار [94 ب] لا يجزي عن حج الفرض. انتهى. وقال ابن الجوزي (¬7): إن ثواب العمل يزيد بزيادة شرف الوقت كما يزيد بحضور القلب وبخلوص القصد. ¬

_ (¬1) "المحكم والمحيط الأعظم" (3/ 132). (¬2) في المخطوط "أ. ب" ليس، وأسقطناها لأنها غير موجودة في "المحكم". (¬3) ما بين الحاصرتين مقدمة على الفقرة السابقة في (أ). (¬4) زيادة من (أ). (¬5) (3/ 604). (¬6) في "فتح الباري" (3/ 604). (¬7) ذكره الحافظ في "الفتح" (3/ 604).

8 - وَعَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ: إِنِّي كُنْتُ تَجَهَّزْتُ لِلْحَجِّ فَاعْتَرَضَ لِي، فَقَالَ: "اعْتَمِرِي فِي رَمَضَانَ فَإِنَّ عُمْرَةً فِيهِ كَحِجَّةٍ". أخرجه مالك (¬1) وأبو داود (¬2). [صحيح] قوله: "في حديث أبي بكر بن عبد الرحمن جاءت امرأة" قيل: هي أم سنان المذكورة أولاً وقيل: أم معقل وقيل: أم سليم. قوله: "فاعترض لي" أي: حصل لي عارض منعني، قيل: إنه مرض حملها. 9 - وَعَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: قَالَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا عَمِلَ آدَمِيٌّ عَمْلَاً يَوْمَ النَّحْرِ أَحَبَّ إِلَى الله مِنْ إِهْرَاقِ الدِّمَاءَ إِنَّهَا لتأْتِي يَوْمَ القِيَامَةِ بِقُرُونِهَا وَأَشْعَارِهَا وَأَظْلاَفِهَا، وإِنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِنَ الله تَعَالَى بِمَكَانٍ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ فِي الأَرْضِ فَطِيبُوا بِهَا نَفْسًا". أخرجه الترمذي (¬3). [ضعيف]. وزاد رزين: وإِنَّ لِصَاحِبِ الأضحِيَةِ بِكُلِّ شَعْرَةٍ حَسَنَةً. قوله: "في حديث عائشة: ما عمل ابن آدم عملاً .. إلى آخره" هذا يأتي في باب الضحايا وليس هذا مكانه. ¬

_ (¬1) في "الموطأ" (1/ 346 - 347 رقم 66) مرسلاً. (¬2) في "السنن" رقم (1988، 1989). وأخرجه ابن ماجه رقم (2993) والترمذي رقم (939) وقال الترمذي: حديث حسن غريب من هذا الوجه. وأخرجه النسائي في "السنن الكبرى" رقم (4214). وهو حديث صحيح. (¬3) في "السنن" رقم (1493)، وقال الترمذىِ: هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه من حديث هشام بن عروة إلا من هذا الوجه. وأخرجه ابن ماجه رقم (3126)، وهو حديث ضعيف، والله أعلم.

10 - وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيق - رضي الله عنه - قَالَ: سُئِلَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: أَيُّ الحَجِّ أَفْضَلُ؟ قَالَ: العَجُّ وَالثَّجُّ. أخرجه الترمذي (¬1). [صحيح]. "العَجُّ" (¬2) رفع الصوت بالتلبية. "وَالثَّجُّ" (¬3) إراقة دماء الهدي والضحايا. قوله: "في حديث أبي بكر العج والثج أخرجه الترمذي". قلت: ثم قال: قال أبو عيسى (¬4): حديث أبي بكر حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن أبي فديك عن الضحاك بن عثمان [169/ أ] ومحمد بن المنكدر لم يسمع من عبد الرحمن بن يربوع. انتهى. وعبد الرحمن بن يربوع هو راويه عن أبي بكر ثم له طريقاً أخرى وطعن فيها. 11 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: "جَهَادُ الصَّغِير وَالكَبِيْرِ وَالضَّعِيفِ والمَرْأَةِ: الحَجُّ والعُمْرَةُ". أخرجه النسائي (¬5). [حسن]. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (827). وأخرجه ابن ماجه رقم (2924) والحاكم (1/ 451) وأبو بكر المروزي في "مسند أبي بكر" رقم (25) والبزار في "مسنده" رقم (71) وابن خزيمة رقم (2631) والدارقطني في "العلل" (1/ 279) وأبو يعلى رقم (117) والبيهقي في "السنن الكبرى" (5/ 42) من طرق. قال الترمذي: "حديث أبي بكر حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن أبي فُديك، عن الضحاك بن عثمان، ومحمد بن المنكدر لم يسمع من عبد الرحمن بن يربوع ... ". وخلاصة القول: أن في سنده ضعيف، لكن الحديث صحيح، والله أعلم. (¬2) "غريب الحديث" للهروي (1/ 279). (¬3) النهاية في "غريب الحديث" (1/ 205)، "الفائق" للزمخشري (1/ 161). (¬4) في "السنن" (3/ 190). (¬5) في "السنن" رقم (2626) وهو حديث حسن.

[الباب الثاني]: في وجوب الحج

[الفصل الثاني]: (¬1) في وجوب الحج 1 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ! قَدْ فُرِضَ عَلَيْكُمُ الحَجَّ فَحُجُّوا". فَقَالَ رَجُلٌ: أَفِي كُلِّ عَامٍ يَا رَسُولَ الله؟! فَسَكَتَ حَتَّى قَالَهَا ثَلاَثاً، ثُمَّ قَالَ: ذَرُونِي مَا تَرَكْتكُمْ، لَوْ قلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ وَلمَا اسْتَطَعْتُمْ، إِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَثْرَةِ سُؤَالهِمْ وَاخْتِلاَفِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ". أخرجه مسلم (¬2) والنسائي (¬3). [صحيح]. قوله: "في حديث أبي هريرة فقال رجل ... إلى آخره" في "شرح مسلم" (¬4) أنه الأقرع بن حابس قال (¬5): واختلف الأصوليون (¬6) هل الأمر يقتضي التكرار؟ والصحيح عند أصحابنا (¬7) لا يقتضيه، والثالث يوقف ما زاد على مرة على البيان فلا يحكم [95 ب] [بالقضاء به ولا منعه] (¬8). ¬

_ (¬1) في (أ) الباب الثاني. (¬2) في "صحيحه" رقم (412/ 1337). (¬3) في "السنن" رقم (2619). وأخرجه أحمد (2/ 508)، وإسحاق بن راهويه رقم (60) وابن خزيمة رقم (2508) وابن حبان رقم (3704 و3705) والدارقطني (2/ 281) (2/ 281 - 282) والبيهقي في "السنن الكبرى" (4/ 325 - 326) والطحاوي في شرح "مشكل الآثار" رقم (1472) من طرق وهو حديث صحيح. (¬4) (9/ 101). (¬5) أي النووي في شرحه لـ "صحيح مسلم" (9/ 101). (¬6) انظر: "التبصرة" (ص 47 - 48)، المستصفى (1/ 224)، "إرشاد الفحول" (ص 351 - 353). (¬7) قال النووي في شرحه لـ "صحيح مسلم" (9/ 101): والصحيح عند أصحابنا لا يقتضيه، والثاني: يقتضيه، والثالث: يتوقف فيما زاد على مرة على البيان، فلا يحكم باقتضائه ولا يمنعه. (¬8) كذا في المخطوط، انظر نص كلام النووي.

وهذا الحديث قد يستدل به من يقول بالتوقف؛ لأنه سأل فقال: أكلّ عام؟ [ولو (¬1)] كان [مطلقاً لا يقتضي التكرار ولا عدمه (¬2)]، [لم يسأل ولقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬3)] لا حاجة إلى السؤال، بل مطلقه محمول على كذا، وقد [تحقق الآخرون (¬4)] عنه بأنه سأل استظهاراً واحتياطاً. وقوله: "ذروني ما تركتم" ظاهر (¬5) في أنه لا يقتضي التكرار، وفيه دليل على أنّ الأصل عدم الوجوب، وأنه لا حكم قبل ورود الشرع، وهذا هو الصحيح عند محققي الأصوليين لقوله: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (15)} (¬6) انتهى. قلت: وفيه بحث معروف في الأصول (¬7). قوله: "فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم" هذا [من] (¬8) قواعد الإسلام المهمة ومن جوامع الكلم التي أعطاها رسوله - صلى الله عليه وسلم -، فدخل فيها ما لا يحصى من الأحكام كالصلاة بأنواعها فإن عجز عن بعض أركانها أو عن بعض شرائطها أتى بالباقي. وإن عجز عن غسل بعض أعضاء الوضوء أو الغسل غسل الممكن وغير ذلك في كل باب من أبواب الواجبات. ¬

_ (¬1) في (ب) كان. (¬2) والعبارة كما في شرح النووي هكذا: مطلقه يقتضي التكرار أو عدمه ... (¬3) في (ب) ثم سأل فقال - صلى الله عليه وسلم -: وما أثبتناه من (أ) وشرح النووي. (¬4) كذا في "أ. ب" والذي في شرح النووي (9/ 101): يجيب الآخرون. (¬5) انظر: شرح "صحيح مسلم" (9/ 101 - نووي)، البرهان (1/ 224) "الإحكام" للآمدي (2/ 177). (¬6) سورة الإسراء الآية (15). (¬7) انظر: "المحصول" (1/ 225) شرح "الكوكب المنير" (1/ 512) "الإبهاج" (1/ 182). (¬8) في (ب) آخر.

والحديث مأخوذ من قوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (¬1)، وهي مبينة لقوله تعالى: {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} (¬2)، ومفسّرة بأنّ حق تقاته هو المستطاع لقوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا} (¬3) {إلاَّ وُسْعَهَا} (¬4)، {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (¬5). 2 - وَعَنْ عَلِيٍّ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ مَلَكَ زَادًا وَرَاحِلَةً تبَلِّغُهُ إِلَى بَيْتِ الله الحَرَام وَلَمْ يَحُجَّ فَلاَ عَلَيْهِ أَنْ يَمُوتَ يَهُوديًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا وَذَلِكَ أَنَّ الله تَعَالَى يَقُولُ: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} (¬6) الآية". أخرجه الترمذي (¬7). [ضعيف جداً] قوله: "في حديث علي - عليه السلام - أخرجه الترمذي". قلت: [و (¬8)] قال (¬9) هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وفي إسناده مقال، وهلال بن عبد الله (¬10) مجهول، والحارث [96 ب] يضعف في الحديث. انتهى. ¬

_ (¬1) سورة التغابن الآية (16). (¬2) سورة آل عمران الآية (102). (¬3) سورة الطلاق الآية (7). (¬4) قال تعالى: {لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا} سورة البقرة الآية (233)، وقال تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} سورة البقرة الآية (286). (¬5) سورة الحج الآية (78). (¬6) سورة آل عمران الآية (97). (¬7) في "السنن" رقم (812) وهو حديث ضعيف جداً. (¬8) في (أ) ثم. (¬9) أي الترمذي في "السنن" (3/ 177). (¬10) هو هلال بن عبد الله الباهلي مولاهم، أبو هاشم البصري، متروك من السابعة، قال البخاري: منكر الحديث، وقال الترمذي: مجهول. "الميزان" (4/ 315) "الضعفاء الكبير" للعقيلي (4/ 348).

هذا وعدّ هذا الحديث ابن الجوزي في "الموضوعات" (¬1) فقال القاضي عز الدين بن جماعة (¬2): لا التفات إلى قول ابن الجوزي وكيف يصفه بالوضع، وقد أخرجه الترمذي في جامعه؟ وقال: إنّ كل حديث في جامعه معمول به إلا حديثين. وقال الحافظ ابن حجر (¬3): له طرق مرفوعة وموقوفة، ومرسلة، وإذا انضم بعضها إلى بعض علم أنّ له أصلاً، ونحمله على من استحل الترك قال: وتبين بذاك خطأ من ادّعى أنه موضوع. وقال العراقي: هو محمول على التحذير والتخويف، ومن ترك ذلك مع القدرة كقوله: ليس بمؤمن من فعل كذا، وليس منا من فعل كذا، ويحتمل أن يراد من استحل ذلك مع القدرة عليه. 3 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: أَنَّ الأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ سَأَلَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: الحَجُّ فِي كُلِّ سَنَةٍ أَوْ مَرَّةً وَاحِدةً؟ فَقَالَ: "بَلْ مَرَّةً وَاحِدَةً فَمَنْ زَادَ فَتَطَوُّعٌ" (¬4). [صحيح]. قوله: "في حديث ابن عباس أخرجه أبو داود والنسائي". قلت: وقال المنذري (¬5): سفيان بن حسين صاحب الزهري، وقد تكلم فيه يحيى بن معين (¬6) وغيره، غير أنه قد تابعه عليه سليمان بن كثير وغيره فرووه عن الزهري كما رواه. وقد أخرج مسلم (¬7) في "صحيحه" من حديث أبي هريرة ثم ساق ما قدمه "المصنف". ¬

_ (¬1) رقم (1152). (¬2) انظر: "نصب الراية" (4/ 401). (¬3) انظر: "التلخيص الحبير" (2/ 425). (¬4) في "السنن" رقم (1721). وأخرجه أبن ماجه رقم (2886) والنسائي رقم (2620) وهو حديث صحيح. (¬5) في "مختصر السنن" (2/ 275). (¬6) انظر: "ميزان الاعتدال" (2/ 165 رقم 3311). (¬7) في "صحيحه" رقم (1337).

4 - وعنه - رضي الله عنه - قال: قال رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا صَرُورة في الإسلام" (¬1). أخرجهما أبو داود [ضعيف]. قوله: "في حديث ابن عباس لا صَرُورة في الإسلام" بالصاد المهملة وراء بعدها واو فراء، قال أبو عبيد (¬2): هو في الحديث التبتل وترك النكاح أي: ليس ينبغي لأحد أن يقول لا أتزوج لأنه ليس من أخلاق المؤمنين، وهو فعل الرهبان. والصرورة (¬3) أيضاً الذي لم يحج قط وهو من الصر: الحبس والمنع، وقيل أراد من قَتَل في الحرم قُتِل ولا يقبل منه أن يقول: إني صَرُورَةٌ ما حجبت [97 ب] ولا عرفت حرمة الحرم كان الرجل في الجاهلية إذا أحدث حدثاً فلجأ إلى الكعبة لم يُهَجْ، فكان إذا لقيه ولي الدم في الحرم قيل له: هو صرورة فلا تَهِجْه. قوله: "أخرجهما" أي هو والذي قبله "أبو داود". قلت: تقدم ما قاله المنذري (¬4) في الأول وقال (¬5) في هذا: فيه عمرو بن عطاء (¬6) وقد ضعّفه غير واحد من الأئمة. انتهى. قلت: وهم الحافظ المنذري فإن هذا هو عمر بن عطاء (¬7) يعني ابن أبي الخوار كما قاله أبو داود، وهو بضم الخاء المعجمة وهو موثق. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (1729). وأخرجه أحمد (1/ 312) والحاكم (1/ 448) وصححه الحاكم ووافقه الذهبي وهو حديث ضعيف. (¬2) في "غريب الحديث" (3/ 97). (¬3) انظر: النهاية في "غريب الحديث" (2/ 23)، "الفائق" للزمخشري (2/ 293). (¬4) في مختصره (2/ 275). (¬5) في مختصره. (2/ 278). (¬6) انظر: "الميزان" (3/ 213 رقم 6169). (¬7) انظر "التقريب" (2/ 61 رقم 587).

ولم يذكره الذهبي (¬1) في "الميزان" بجرح وإنما المضعف عمر بن عطاء بن ورَّاز وليس هو الراوي هنا. وفي "التقريب" (¬2): عمر بن عطاء بن أبي الخوار بضم الخاء المعجمة وتخفيف الواو مكّي مولى بني عامر ثقة، ثم قال: عمر بن عطاء بن وراز بفتح الواو والراء الخفيفة آخره زاي، حجازي ضعيف، انتهى. 5 - وَلَهُ عَنْهُ أَيْضَاً: قَالَ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَرَادَ الحَجَّ فَلْيَتَعَجَّلْ" (¬3). [حسن]. "الصَّرُورَةُ" (¬4) الذي لم يحج رجلاً كان أو امرأة. قوله: "وله" أي: أبي داود. "عنه" أي: عن ابن عباس. قوله: "فليتعجل" قالوا: إنه أمر ندب، وزاد فيه الإمام أحمد (¬5) وابن ماجه (¬6): "ما يذمه لمرض المريض وتضل الضالة وتعرض الحاجة". انتهى. قال الحافظ: أنه أخرجه البخاري والنسائي. 6 - وَعَنْ جَابِر - رضي الله عنه - قَالَ: سُئِلَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنِ العُمْرَةِ أَوَاجِبَةٌ هِيَ؟ فَقَالَ: "لَا، وَأَنْ تَعْتَمِرُوا هُوَ أَفْضَلُ (¬7). [ضعيف مرفوعاً]. ¬

_ (¬1) في "الميزان" (3/ 213 رقم 6169). (¬2) (2/ 61 رقم 587). (¬3) أخرجه أبو داود في "السنن" رقم (2883). وأخرجه أحمد (1/ 314) وابن ماجه رقم (2883). وهو حديث حسن. (¬4) تقدم شرحها. (¬5) في "المسند" (1/ 314). (¬6) في "السنن" رقم (2883). (¬7) أخرجه الترمذي في "السنن" رقم (931) ضعيف مرفوعاً والأصح وقفه على جابر.

7 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قَالَ: "العُمْرَةُ وَاجِبَةٌ" (¬1) أخرجهما الترمذي. قوله: "أخرجهما الترمذي". قلت: بوب (¬2) لهما "باب العمرة واجبة هي أم لا" ثم قال (¬3) في حديث جابر: هذا حديث حسن صحيح، وهو قول بعض أهل العلم قالوا: العمرة ليست بواجبة وكان يقال هما حجّان الحج الأكبر يوم النحر، والحج الأصغر العمرة. وقال الشافعي (¬4): العمرة سنة لا نعلم أحداً رخص في تركها وليس فيها شيء ثابت بأنها تطوع، قال الشافعي: وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو ضعيف لا تقوم بمثله الحجة، وقد بلغنا عن ابن عباس أنه كان يوجبها. انتهى كلام الترمذي [98 ب]. وأمّا قول ابن عباس: "العمرة واجبة" فلم يخرجه الترمذي إلا أن يريد بقوله هنا عن الشافعي: وبلغنا (¬5) عن ابن عباس، فيحتمل وفيه تأمل. ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي في "السنن" بإثر الحديث رقم (931). (¬2) أي الترمذي في "السنن" (3/ 207 الباب رقم 88). (¬3) أي الترمذي في "السنن" (3/ 270). (¬4) انظر: "سنن الترمذي" (3/ 270). وانظر "المجموع شرح المهذب" (7/ 11). (¬5) أخرج البخاري في "صحيحه" (3/ 597 الباب رقم (1) - مع الفتح). وقال ابن عباس - رضي الله عنهما -: أنها لقرينتها في كتاب الله: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196]. قال الحافظ في "الفتح" (3/ 597 - 598) هذا التعليق وصله الشافعي وسعيد بن منصور كلاهما عن سفيان ابن عيينة عن عمرو بن دينار، سمعت طاوساً يقول: سمعت ابن عباس يقول: "والله إنها لقرينتها في كتاب الله: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ}، وللحاكم (1/ 471) من طريق عطاء عن ابن عباس: "الحج والعمرة فريضتان"، وإسناده ضعيف والضمير في قوله: "لقرينتها" للفريضة, وكان أصل الكلام أن يقول لقرينته لأن المراد الحج.

الباب الثالث: في الميقات والإحرام

8 - وَمِثْلِهِ عَنِ ابْنَ مَسْعُودٍ: وكان يقرأ: وأتموا الحج والعمرة إلى البيت، وكان يقول: لَوْلاَ التَّحَرُّجُ، وَأَنِّي لَمْ أَسْمَعْ مِنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي ذَلِكَ شَيْئًا لَقُلْت العُمْرَةُ وَاجِبَةٌ. أخرجه رزين. قوله: "أخرجه رزين". قلت: وبيّض له ابن الأثير، ورأيته في "الدر المنثور" (¬1) فقال: أنه أخرجه عبد بن حميد وابن أبي داود في المصاحف (¬2). انتهى. [170/ أ]. الباب الثالث: في الميقات والإحرام [وفيه فصلان، وثلاثة فروع الفصل الأول: في الميقات (¬3)] قوله: "الفصل الأول في الميقات" اعلم أنه أراد به ميقات الزمان وميقات المكان. 1 - عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: أَشْهُرُ الحَجُّ شَوَّالَ وَذُو القَعْدَةِ وَعَشْرِ مِنْ ذِي الحِجَّةِ. أخرجه البخاري (¬4) ترجمة. [صحيح]. ¬

_ (¬1) (1/ 504). (¬2) (ص 55، 56). وانظر: "جامع البيان" (3/ 333 - 338). (¬3) زيادة من (ب). (¬4) في "صحيحه" (3/ 419 رقم الباب 33 - مع الفتح) تعليقاً. وقال الحافظ في "الفتح" (3/ 420): وصله الطبري والدارقطني (2/ 22 رقم 46) من طريق ورقاء، عن عبد الله بن دينار عنه قال: "الحج أشهر معلومات شوال وذو القعدة وعشر ذي الحجة". وروى البيهقي (4/ 342) من طريق عبد الله بن نمير، عن عبد الله بن عمر، عن نافع عن ابن عمر مثله، والإسنادان صحيحان" اهـ. فأثر ابن عمر صحيح، "في أشهر الحج" اهـ. - وأثر ابن عباس أثر صحيح، والله أعلم.

قوله: "وعشر من ذي الحجة" قال النووي (¬1): فلا يجوز الإحرام بالحج في غير هذا الزمان، وهذا مذهب الشافعي (¬2) فلو أحرم بالحج في غير هذا الزمان لم ينعقد حجاً وانعقدت عمرة. انتهى. قلت: ودليله الآية: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} (¬3) وكما يأتي من حديث ابن عباس .. إنّ من السنة أن لا يحرم بالحج إلا في أشهر الحج"، فهو مؤقت كتوقيت الصلوات والصوم. وأما قوله: وانعقدت عمرة، فما دليله؟ بل هذا عمل بلا نية والأعمال بالنيات، فالصواب أنه يلغو إحرامه. وظاهر كلام البخاري (¬4) عدم جواز الإحرام بالحج في غير أشهره وهو مذهب إسحاق وداود وغيرهما. قال في "الفتح" (¬5): ويؤيده القياس على الميقات الزماني، فقد أجمعوا أنه لا يجوز التقديم عليه، وفرّق الجمهور (¬6) بين الزماني والمكاني. قلت: فمنعوه في الأولى وأجازوه في الثاني، وأجمع (¬7) العلماء على أن أشهر الحج ثلاثة أولها [99 ب] شوال. ¬

_ (¬1) انظر: "المجموع شرح المهذب" (7/ 133). (¬2) انظر: "الأم" (3/ 387 - 388). (¬3) سورة البقرة الآية (197). (¬4) في "صحيحه" (3/ 419 رقم الباب 33 - مع الفتح) تعليقاً بصيغة الجزم. (¬5) أي الحافظ في "فتح الباري" (3/ 420). (¬6) انظر "المغني" (5/ 110 - 111). (¬7) ذكره الحافظ في "الفتح" (3/ 420).

ولكن اختلفوا هل هي بكمالها أو شهران وينقص الثالث، الأول لمالك (¬1) والثاني للباقين (¬2). قوله: "أخرجه البخاري في ترجمة" هكذا عبارة ابن الأثير (¬3)، إلا أنه قال في ترجمة والأولى ذكره البخاري؛ لأنه لم يخرجه بل قال: وقال ابن عمر فهو مقطوع. قال الحافظ (¬4): إنه وصله الطبري (¬5) والدارقطني (¬6) من طريق ورقاء عن عبد الله بن دينار عنه، وروى البيهقي (¬7) من طريق عبد الله بن نمير عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر مثله. والإسنادان صحيحان. 2 - وَعَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَة: أَنَّ عَبْدَ الله بْنِ الزبَيرِ - رضي الله عنهما -: أَقَامَ بِمَكَّةَ تِسْعَ سِنِيْنُ يُهِلُّ بِالحَجِّ لهِلَالِ ذِي الحِجَّةِ، وَعُرْوَةُ مَعَهُ يَفْعَلُ ذلِكَ (¬8). [موقوف صحيح]. قوله: "في حديث هشام بن عروة يهل بالحج لهلال ذي الحجة" هذا من الميقات الزماني بالنظر إلى أهل مكة، وقد ذهب الجمهور (¬9) إلى أن الأفضل لهم أن يهلوا يوم التروية؛ لأنه أهل أصحابه - صلى الله عليه وسلم - بأمره لما فسخوا الحج إلى العمرة يوم التروية. ¬

_ (¬1) "التسهيل" (2/ 866). وهو قول للشافعي: "المجموع شرح المهذب" (7/ 133). (¬2) "فتح الباري" (3/ 420)، "المغني" (5/ 110 - 111). (¬3) في "الجامع" (3/ 11 رقم 1275). (¬4) في "الفتح" (3/ 420). (¬5) في "جامع البيان" (4/ 115 رقم 3523 - شاكر). (¬6) في "السنن" (2/ 226 رقم 46). (¬7) في "السنن الكبرى" (4/ 342). (¬8) أخرجه مالك في "الموطأ" (1/ 339 رقم 50)، وهو أثر موقوف صحيح. (¬9) انظر: "المغني" (5/ 111 - 112)، "المجموع شرح المهذب" (7/ 135 - 137).

3 - وَعَنْ القَاسِمِ بْنَ مَحَمَّدٌ: أَنَّ عُمَرَ - رضي الله عنه - قَالَ: يَا أَهْلَ مَكَّةَ! مَا شَأْنُ النَّاسِ يَأْتُونَ شُعْثًا وَأَنْتُمْ مُدَّهِنُونَ أَهِلُّوا إِذَا رَأَيْتُمُ الهِلاَلَ (¬1). أخرجهما مالك. [موقوف ضعيف] "الشَّعِثُ" (¬2) البعيد العهد بِتَسْريح الشعر وغسله. قوله: "في حديث القاسم أهلوا إذا رأيتم الهلال" أي: هلال ذي الحجة فيطول إحرامهم فلا يقفون إلا شعثاً غبراً فيشابهون الآفاقيين. قوله: "أخرجه مالك" قال الحافظ ابن حجر (¬3) أنه أخرجه بإسناد منقطع، قال (¬4): وأخرج ابن المنذر (¬5) بإسناد متصل عن عمر "أنه قال لأهل مكة: ما لكم يقدم الناس شعثاً وأنتم ملطخون طيباً، مدهنين، إذا رأيتم الهلال فأهلوا بالحج". انتهى. وهذا رأي من عمر. 4 - وَعَنِ عَطَاءٌ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ المُجَاوِرِ مَتَى يُلَبِّي بِالحَجِّ؟ فَقَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ - رضي الله عنهما - إِذَا أَتَى مُتَمَتِّعَاً يُلَبِّي بِالحَجِّ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ إِذَا صَلَّى الظُّهْرَ وَاسْتَوَى عَلَى رَاحِلَتِهِ. أخرجه البخاري (¬6) ترجمة. [صحيح] "يَوْمُ التّرْوِيَةِ" (¬7) هو الثامن من ذ الحجة، سمي بذلك؛ لأنهم كانوا يرتوون من الماء فيه. قوله: "في حديث عطاء أخرجه البخاري ترجمة" هكذا في "الجامع" (¬8)، إلا أنه قال: في ترجمة، والبخاري لم يخرجه بل ذكره مقطوعاً فقال: وسُئل عطاء. ¬

_ (¬1) أخرجه مالك في "الموطأ" (1/ 339 رقم 49) وهو أثر موقوف ضعيف. (¬2) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (3/ 13). (¬3) في "فتح الباري" (3/ 506). (¬4) ذكره الحافظ في "الفتح" (3/ 506). (¬5) في المخطوط زيادة عن عمر، وانظر المصدر المتقدم. (¬6) في "صحيحه" (3/ 506 الباب رقم 82 - مع الفتح) تعليقاً بصيغة التمريض. (¬7) انظر: النهاية في "غريب الحديث" (1/ 705). (¬8) (3/ 13) وهو كما قال.

قال الحافظ ابن حجر (¬1): أنه وصله سعيد بن منصور من طريقه بلفظ: "رأيت ابن عمر في المسجد فقيل له: قد رؤي الهلال - "فذكر قصة فيها" - فأمسك حتى كان يوم [100 ب] التروية فأتى البطحاء، فلما استوت به راحلته أحرم". قوله: "يتروون (¬2) من الماء فيه"، هذا أحد الوجوه في تسميته، وهو أقواها بفتح المثناة الفوقية وسكون الراء وكسر الواو وتخفيف التحتية، وإنما كانوا يتروون من الماء؛ لأن تلك الأماكن لم تكن فيها آبار ولا عيون، وأمّا الآن فقد كثرت جداً واستغنوا عن حمل الماء. 5 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قَالَ: مِنَ السُّنَّةِ أَنْ لَا يُحْرَمَ بِالحَجِّ إِلَّا فِي أَشْهُرِ الحَجِّ. أخرجه البخاري (¬3) ترجمة أيضاً. [صحيح]. قوله: "في حديث ابن عباس أخرجه البخاري ترجمة" أي: في ترجمة، ولكنه لم يخرجه بل ذكره مقطوعاً كغيره مما قدمنا فقال: وقال ابن عباس. قال الحافظ (¬4): ¬

_ (¬1) في "الفتح" (3/ 506). (¬2) كذا في الشرح، والذي في المتن: يرتوون. (¬3) في "صحيحه" رقم (3/ 419 رقم الباب 33 - مع الفتح) تعليقاً. قال الحافظ في "الفتح" (3/ 420): وصله ابن خزيمة رقم (2596) والحاكم (1/ 448) والدارقطني (2/ 232 رقم 76) من طريق الحاكم عن مقسم عن ابن عباس قال: "لا يحرم بالحج إلا في أشهر الحج، فإن من سنة الحج أن يحرم بالحج في أشهر الحج". ورواه ابن جرير في "جامع البيان" (4/ 115 رقم 3523 - شاكر" من وجه آخر عن ابن عباس قال: "لا يصلح أن يحرم أحد بالحج إلا في أشهر الحج" اهـ. فأثر ابن عباس أثر صحيح، والله أعلم. (¬4) في "الفتح" (3/ 420).

وصله ابن خزيمة (¬1) والحاكم (¬2) والدارقطني (¬3) من طريق الحسن عن مقسم عنه قال: "لا يحرم بالحج إلا في أشهر الحج، فإن سنة الحج أن يحرم بالحج في أشهر الحج، ورواه ابن جرير (¬4) من وجه آخر عن ابن عباس قال: "لا يصح أن يحرم أحد بالحج إلا في أشهر الحج". انتهى. 6 - وَعَنْ اَبْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: "يُهِلُّ أَهْلُ المَدِينَةِ مِنْ ذِي الحُلَيْفَةِ, وَيُهِلُّ أَهْلُ الشَّأْمِ مِنَ الجُحْفةِ, وَيُهِلُّ أَهْلُ نَجْدٍ مِنْ قَرْنٍ". أخرجه الستة (¬5). [صحيح] 7 - وَفِي رِوَايَة (¬6): قَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَذُكِرَ لِي وَلَمْ أَسْمَعْ أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "وَيُهِلُّ أَهْلَ اليَمَن مِنْ يَلَمْلَمْ". [صحيح] 8 - وفي أخرى للبخاري (¬7): أَنَّ رَجُلَاً سَأَلَهُ: مِنْ أَيْنَ يَجُوزُ لِي أَنْ أَعْتَمِرَ؟ فَقَالَ: فَرَضَهَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: لأَهْلِ نَجْدٍ قَرْناً، وَلأَهْلِ المَدِينَةِ مِنْ ذَا الحُلَيْفَةِ، وَلأَهْلِ الشَّامِ الجُحْفَةِ، وَلَمْ يَزِدْ. [صحيح] قوله: "وعن ابن عمر" هذا ذكر الميقات المكاني والأول في الميقات الزماني، وذكر مسلم في "صحيحه" (¬8) الثلاثة الأحاديث التي أتى بها "المصنف"، إلا أنه قدم حديث ابن عباس (¬9)، ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (2596). (¬2) في "المستدرك" (1/ 448). (¬3) في "السنن" (2/ 233 رقم 76). (¬4) في "جامع البيان" (4/ 115 رقم 3523 - شاكر". (¬5) البخاري رقم (1525) ومسلم رقم (13/ 1182) والترمذي رقم (831) وأبو داود رقم (1737) وابن ماجه رقم (2914) والنسائي رقم (2651، 2652، 2655). (¬6) البخاري رقم (1527، 1528) ومسلم رقم (14/ 1182). (¬7) في "صحيحه" رقم (133) وله أطراف منها [1522، 1525]. (¬8) رقم (13/ 1182، 17/ 1182، 14/ 1182). (¬9) أخرجه مسلم في "صحيحه" رقم (11/ 1181).

قال النووي (¬1): قدمه؛ لأنه أكملها، فلهذا ذكره مسلم أول الباب فإنه صرح فيه بنقله المواقيت الأربعة عن رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم حديث ابن عمر (¬2)؛ لأنه لم يحفظ ميقات اليمن بل بلغه [101 ب] بلاغاً، ثم حديث جابر (¬3)؛ لأن أبا الزبير قال (¬4): أحسب جابراً [رفعه] (¬5) وهذا لا يقتضي ثبوته مرفوعاً. انتهى كلامه. والمصنف قدم حديث ابن عمر. قوله: "يهل أهل المدينة" عبارة ترجمة البخاري بلفظ: "مهل" قال ابن حجر (¬6): أشار "المصنف" بالترجمة إلى حديث ابن عمر؛ لأنه بلفظ: "مهل" أي: بضم الميم وفتح الهاء وتشديد اللام هو موضع الإهلال وأصله رفع الصوت؛ لأنهم كانوا يرفعون أصواتهم بالتلبية عند الإحرام، ثم أطلق على نفس الإحرام اتساعاً. قوله: "أهل المدينة" أي: مدينته - صلى الله عليه وسلم -. "ذا الحليفة" بالمهملة والفاء مصغراً مكان معروف بينه [171/ أ] وبين المدينة (¬7) ستة أميال، وبينه وبين مكة مئتا ميل غير ميلين قاله ابن حزم (¬8). وقال غيره (¬9): بينهما عشر مراحل وبها مسجد يعرف بمسجد الشجرة فخربت وبها بئر يقال لها بئر علي. ¬

_ (¬1) في شرحه لـ "صحيح مسلم" (8/ 81). (¬2) أخرجه مسلم في "صحيحه" رقم (13/ 1182). (¬3) أخرجه مسلم في "صحيحه" رقم (16/ 1183). (¬4) أي النووي في شرحه لـ "صحيح مسلم" (8/ 81). (¬5) في (ب) وقفه، وما أثبتناه من (أ) وشرح "صحيح مسلم" للنووي. (¬6) في "فتح الباري" (3/ 385). (¬7) وهي تساوي (9) كيلو متراً. (¬8) في "المحلى" (7/ 70). (¬9) وهو ابن الصباغ، وقد وهم. =

قوله: "من الجحفة" (¬1) بضم الجيم وسكون المهملة وهي خربة بينها وبين مكة خمس مراحل، سميت الجحفة؛ لأن السيل اجتحفها، وهي التي تسمى مهيعة كما في حديث ابن عمر [وهي] (¬2) بوزن علقمة وقيل بوزن لطيفة. قوله: "ولأهل نجد" في "الفتح" (¬3): أما نجد فهو كل مكان مرتفع وهو اسم لعشرة مواضع، والمراد منها هنا التي أعلاها تهامة واليمن، وأسفلها الشام والعراق وقرن المنازل اسم المكان ويقال: قرن (¬4) بغير إضافة بينه وبين مكة من جهة الشرق مرحلتان (¬5). ¬

_ = انظر: "فتح الباري" (3/ 385). (¬1) الجحفة: ميقات أهل الشام، ومن أتى من ناحيتها، تبعد (167) كيلو متراً مجاورة لمدينة "رابغ" الساحلية على بعد (16) كيلو متراً، إلى الجنوب الشرقي منها، ويفصلها عن البحر الأحمر في الغرب نحو (14) كيلو متراً. وقد ترك الناس الإحرام من الجحفة، ويحرمون من رابغ، وهي تبعد عن مكة نحو (183) كيلو متراً. وأعلم أن الإحرام يجوز من "رابغ" وذلك لحاذاتها الميقات، أو قبله بيسير، وهو أحوط. انظر "القاموس المحيط" (ص 1027)، "فتح الباري" (3/ 385). (¬2) زيادة من (أ). (¬3) (3/ 385). (¬4) انظر: "الصحاح" للجوهري (6/ 2181)، "القاموس المحيط" (ص 1578). * قرن: وتسمى: قرن المنازل، أو قرن الثعالب، وهو ما يسمى اليوم باسم: السيل الكبير، وما زال الوادي يسمى قرناً، والبلدة تسمى السيل، وهو على طريق الطائف من مكة (80) كيلو متراً، ومن الطائف (53) كيلو متراً. ويحاذيه اليوم "وادي محرم" الذي بني فيه مسجد الميقات. (¬5) انظره نصاً في "القاموس المحيط" (ص 1578).

قوله: "يلملم" بفتح المثناة التحتية واللام وسكون الميم بعدها لام مفتوحة [102 ب] ثم ميم، مكان على مرحلتين (¬1) من مكة ويقال فيه: ألملم (¬2) بالهمز وهو [الأصل] (¬3)، وحكى ابن السيد فيه يرمرم برائين بدل اللامين. 9 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: وَقَّتَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - لأَهْلِ المَدِينَةِ ذَا الحُلَيْفَةِ, وَلأَهْلِ الشَّامِ الجُحْفَةَ، وَلأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ المنَازِلِ، وَلأَهْلِ اليَمَنِ يَلَمْلَمَ. قَالَ: "فَهُنَّ لهُنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ مِمَّنْ أَرَادَ الحَجَّ وَالعُمْرَةَ, وَمَنْ كانَ دُونَهُنَّ فَمُهَلُّهُ أَهْلِهِ، وَكَذَلِكَ حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ يُهِلُّونَ مِنْهَا". أخرجه الخمسة (¬4) إلا الترمذي. [صحيح] 10 - وفي رواية (¬5): وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ. [صحيح]. قوله: "وقّت" أي: حدّد وأصل التوقيت أن تجعل للشيء وقتاً يختص به، ثم وسع فيه فأطلق على المكان أيضاً. قال ابن الأثير (¬6): التوقيت والتأقيت أن يجعل للشيء وقت يختص به وهو بيان مقدار المدة يقال: وقت بالتشديد ووقت بالتخفيف يقته إذا بيّن مدته. ¬

_ (¬1) ذكره صاحب "القاموس المحيط" (ص 1496)، وانظر: "فتح الباري" (3/ 385). (¬2) يلملم: ويقال ألملم، وهو ميقات أهل تهامة والقادمين من جهة اليمن، وهو جبل من جبال تهامة، ويسمى اليوم "السعدية" وهو في الطريق الساحلي الشمالي الجنوبي من الحجاز، وهي على بعد (100) كيلو متراً من مكة جنوباً. (¬3) في (ب) للأصل. (¬4) أخرجه البخاري رقم (1526) ومسلم رقم (11/ 1181). وأبو داود رقم (1738) والنسائي رقم (2654، 2657، 2658). (¬5) أخرجها البخاري رقم (1524، 1530) ومسلم رقم (12/ 1181). (¬6) في "النهاية في غريب الحديث" (2/ 869). وانظر: "غريب الحديث" للخطابي (1/ 233).

قوله: "فهنَّ لهنَّ" (¬1) أي: المواقيت لأهل البلاد المذكورة وهو ضمير جماعة المؤنث، وأصله لما يعقل وقد استعمل فيما لا يعقل. قوله: "ولمن أتى عليهن من غير أهلهن" أي: لمن أتى على المواقيت من غير أهل البلاد المذكورة، فيدخل في ذلك من دخل بلد ذات ميقات ومن لم يدخل فالذي لا يدخل لا إشكال فيه إذا لم يكن له ميقات معين، والذي يدخل فيه خلاف كالشامي إذا أراد الحج فدخل المدينة فميقاته ذو الحليفة لاجتيازه عليها، ولا يؤخر (¬2) حتى يأتي الجحفة التي هي ميقاته الأصلي. قوله: "فمن أراد الحج والعمرة" فيه دليل على جواز دخول مكة بغير إحرام. قوله: "فمن حيث أنشأ" أي: ميقاته من حيث أنشأ الإحرام. قوله: "حتى أهل مكة" يجوز فيه الرفع والكسر. قوله: "يهلون منها" فلا يحتاجون إلى الخروج إلى ميقات للإحرام، واعلم أنَّ هذا عام في الميقات لهم لعمرة وحج إلا أنه قال المحب الطبري (¬3): أنه لا يعلم أحداً جعل مكة ميقاتاً للعمرة. قلنا: هذا العموم [103 ب] في الكلام النبوي جعلهما (¬4) ميقاتاً لها، وأمّا أمره - صلى الله عليه وسلم - لعائشة بالخروج إلى التنعيم لتأتي بعمرة فليس فيه دليل على أنها لا تصح من مكة، بل أمرها بذلك لأنها أرادت أن تدخل مكة بعمرة كما دخلها أزواجه - صلى الله عليه وسلم - غيرها؛ لأنها حاضت فانتقلت إلى الحج ولم تدخل بعمرة, ويأتي تحقيقه. 11 - وَعَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ قَالَ: سُئِلَ جَابِرَ - رضي الله عنه - عَنِ المُهَلِّ فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مُهَلُّ أَهْلِ المَدِينَةِ مِنْ ذِي الحُلَيْفَةِ, وَالطَّرِيقُ الآخَرُ الجُحْفَةُ، وَمُهَلُّ أَهْلِ العِرَاقِ مِنْ ذَاتِ ¬

_ (¬1) يدل عليه ما أخرجه البخاري رقم (1524) ومسلم رقم (12/ 1181) بلفظ: "هن لهن أو لأهلهن". (¬2) انظر: شرح "صحيح مسلم" للنووي (8/ 82)، "الإقناع" لابن المنذر (1/ 204 - 205). (¬3) ذكره الحافظ في "الفتح" (3/ 387). (¬4) انظر: "المغني" (5/ 62).

عِرْقٍ، وَمُهَلُّ أَهْلِ نَجْدٍ مِنْ قَرْنٍ المَنَازِلِ، وَمُهَلُّ أَهْلِ اليَمَنِ مِنْ يَلَمْلَمَ". أخرجه مسلم (¬1). [صحيح لغيره]. قوله: "في حديث أبي الزبير ذات عرق" بكسر العين المهملة وسكون الراء بعدها قاف، تسمى به كونها منه عرقاً وهو الجبل الصغير، وهي أرض سبخة بينها وبين مكة مرحلتان، وهذا صريح في أن ذات عرق (¬2) ميقات أهل العراق، لكن ليس رفع الحديث ثابتاً كما ستعرفه، ولكنه قد وقع الإجماع (¬3) أنّ ذات عرق ميقات أهل العراق. قوله: "وذكر لي ولم أسمع" وفي البخاري (¬4): "وبلغني" وفيه في رواية (¬5) بلفظ: "وزعموا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم أسمعه"، وله في كتاب العلم (¬6) عنه: "لم أفقه هذه من النبي - صلى الله عليه وسلم - ". ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (18/ 1183) عن أبي الزبير، "أنه سمع جابر بن عبد الله يسأل عن المهل؟ فقال: سمعت - أحسبه رفع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال أهل المدينة من ذي الحليفة ... ". وأخرجه أحمد (3/ 336) وابن ماجه رقم (2915) ورفعاه من غير شك. وهو حديث صحيح لغيره. (¬2) ذات عرق: وتسمى: العقيق، وهو ميقات أهل العراق، ويسمى اليوم: الضريبة، لقربها من وادي الضريبة، وتقع على بعد (100) كيلو متراً إلى الشمال الشرقي من مكة، قريباً من أعلى وادي العقيق. وذات عرق يقال لها اليوم: الطريق الشرقي، وهي مندثرة، ويحرم الحاج من الضريبة، التي يقال لها: الخريبات, وهي بين المضيق ووادي العقيق، عقيق الطائف. انظر: "فتح الباري" (3/ 389). (¬3) انظر: "المغني" (5/ 57 - 58)، "البناية في شرح الهداية" (4/ 27)، "المجموع شرح المهذب" (7/ 197 - 198). (¬4) في "صحيحه" رقم (1525). (¬5) أخرجها البخاري في "صحيحه" رقم (1528). (¬6) عند البخاري في "صحيحه" رقم (133).

وقد ثبت ذلك من حديث ابن عباس (¬1) الآخر وثبت من حديث جابر عند مسلم (¬2)، ومن حديث عائشة عند النسائي (¬3)، ومن حديث الحارث (¬4) بن عمر السهمي عند أحمد، وأبي داود والنسائي. قوله: "أخرجه مسلم". قلت: لفظه في "الجامع" (¬5): "أن جابراً سئل عن المهل قال: سمعت - أحسبه رفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: مهل أهل المدينة ... " إلى آخره، والمصنف حذف قوله: "أحسبه رفعه" وجزم برفعه، وليس له ذلك، فإنّ الرفع (¬6) مشكوك فيه عند راويه. وفي لفظ لمسلم (¬7) [104 ب]: "أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله سئل عن المهل فقال: سمعته ... "، ثم انتهى فقال: أراه يعني النبي - صلى الله عليه وسلم -. ¬

_ (¬1) تقدم تخريجه. (¬2) في "صحيحه" (18/ 1183). (¬3) في "السنن" (5/ 123). وأخرجه أبو داود رقم (1739): عن عائشة - رضي الله عنها -: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقت لأهل العراق ذات عرق"، بإسناد صحيح. لكن نقل ابن عدي في "الكامل" (1/ 408) أن أحمد بن حنبل أنكر على أفلح بن حميد روايته هذه, وانفراده به أنه ثقة. (¬4) أخرجه أبو داود رقم (1742) والبيهقي (5/ 28) والدارقطني (2/ 236)، وقال البيهقي في "المعرفة" (7/ 96): وفي إسناده من هو غير معروف وتعقب, عن الحارث بن عمرو السهمي الصحابي - رضي الله عنه -: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقت لأهل العراق ذات عرق". (¬5) (3/ 16 رقم 1282). (¬6) انظر نصه وقد تقدم. (¬7) في "صحيحه" رقم (16/ 1183).

قال النووي (¬1): معنى هذا أنَّ [أبا (¬2)] الزبير قال: سمعت جابراً ثم انتهى. أي: وقف عن رفع الحديث إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال: أُراه بضم الهمزة أي: أظنه رفع هذا الحديث كما قال في الرواية الأخرى: "أحسبه - رفع الحديث إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - " [لا يحتج بهذا الحديث مرفوعاً لكونه] (¬3) لم يجزم برفعه، انتهى كلام النووي في "شرح مسلم". قلت: وأخرج ابن ماجه (¬4) حديث جابر من طريق أبي الزبير فذكره جازماً به إلا أنه قال المنذري: فيه إبراهيم بن يزيد الخوزي (¬5) لا يحتج بحديثه. وفي "التقريب" (¬6): الخوزي بضم المعجمة وبالزاي متروك الحديث [وفي حشيه] (¬7)، والعجب أنه حسن الترمذي (¬8) الحديث. 12 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: لمَّا فُتِحَ هَذَانِ المِصْرَانِ أَتَوْا عُمَرَ - رضي الله عنه - فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ! إِنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - حَدَّ لأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنًا، وَهُوَ جَوْرٌ عَنْ طَرِيقِنَا، وَإِنَّا إِنْ أَرَدْنَا أَنْ نَأْتِي قَرْنًا شَقَّ عَلَيْنَا، قَالَ: فَانْظُرُوا حَذْوَهَا مِنْ طَرِيقِكُمْ، فَحَدَّ لَهُمْ ذَاتَ عِرْقٍ. أخرجه البخاري (¬9). [صحيح]. ¬

_ (¬1) في شرحه لـ "صحيح مسلم" (8/ 86). (¬2) في (ب) أبي. (¬3) في المخطوط: "فلا يحتاج لهذا الحديث مرفوعاً لأنه"، وما أثبتناه من شرح "صحيح مسلم" للنووي (8/ 86). (¬4) في "السنن" رقم (2915) وهو حديث صحيح لغيره. (¬5) انظر: "الميزان" (1/ 75). (¬6) (1/ 46 رقم 303). (¬7) كذا رسمت في المخطوط غير مقروءة. (¬8) لعله يشير إلى الحديث الذي أخرجه الترمذي في "السنن" (832): عن ابن عباس: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقت لأهل المشرق العقيق"، وقال الترمذي: هذا حديث حسن. (¬9) في "صحيحه" رقم (1531).

"المِصْرُ" المدينة، والمراد بهما هنا: الكوفة والبصرة. قوله: "في حديث ابن عمر هذان المصران" المراد بهما البصرة (¬1) والكوفة وبفتحهما غلبة المسلمين على مكان أرضهما وإلا فهما من [مصر (¬2)] المسلمين. قوله: "جور" بفتح الجيم وسكون الواو ضد العدل، أي: مائل عن طريقهم (¬3). قوله: "فحدّ لهم ذات عرق" هو صريح في أنّ عمر حدّ لهم ذات عرق عن اجتهاد، وقد نص على ذلك الشافعي (¬4) والجمهور (¬5)، وقد وردت فيها أحاديث مرفوعة، ولكن قال ابن خزيمة (¬6) وغيره: لا يثبت منها شيء، وقال [المنذري (¬7)] لم يجد في ذات عرق حديثاً، وقال الحافظ ابن حجر (¬8) بعد أن ساق أحاديث في ذلك: لكن الحديث بمجموع طرقه يقوى كما ذكرنا. 13 - وعن عائشة - رضي الله عنها - قَالَتَ: وَقَّتَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ عِرْقٍ لَأَهْل العِرَاق. أخرجه أبو داود (¬9) والنسائي (¬10). [صحيح لغيره]. ¬

_ (¬1) انظر: "فتح الباري" (3/ 389). (¬2) في (أ) تمصير. (¬3) "القاموس المحيط" (ص 470). (¬4) "المجموع شرح المهذب" (7/ 197 - 198). (¬5) "المغني" (5/ 57 - 58). (¬6) في "صحيحه" (4/ 160). (¬7) كذا في المخطوط "أ. ب"، وصوابه ابن المنذر كما في "فتح الباري" (3/ 390). (¬8) في "فتح الباري" (3/ 390). (¬9) في "السنن" رقم (1739). (¬10) في "السنن" رقم (2656)، وهو حديث صحيح لغيره.

14 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قَالَ: وَقَّتَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - لَأَهْلِ المَشْرِقِ العَقِيقَ. أخرجه أبو داود (¬1) والترمذي (¬2). [منكر]. قوله [105 ب] "في حديث [عائشة] (¬3) وقّت رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - لأهل المشرق العقيق" اختلف في العقيق فقيل إنها ذات عرق وقيل غيره، وهذا من أدلة من قال (¬4): أنّ توقيت ذات عرق منصوص عليه. قوله: "أخرجه أبو داود والترمذي". قلت: أخرجاه أيضاً من حديث ابن عباس: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقّت لأهل المشرق العقيق" لكن تفرد به يزيد بن أبي زياد (¬5) وهو ضعيف. وحديث عائشة أنكره الإمام أحمد علي أفلح بن حميد (¬6) قاله المنذري (¬7)، إلا أن أفلح بن ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (1740). (¬2) في "السنن" رقم (832) وهو حديث منكر. (¬3) كذا في المخطوط, وهو خطأ، بل هو من حديث ابن عباس. (¬4) منهم الحنفية, انظر "البناية في شرح الهداية" (4/ 27)، والحنابلة: انظر "المغني" (5/ 57 - 58) وجمهور الشافعية, انظر "المجموع شرح المهذب" (7/ 197 - 198). (¬5) يزيد بن أبي زياد, أحد علماء الكوفة المشاهير على سوء حفظه. قال يحيى والنسائي: ليس بالقوي، وقال يحيى أيضاً: لا يحتج به. وقال أحمد: ليس بذاك، وقال الحافظ ضعيف (م 4). "التاريخ الكبير" (8/ 334) "الميزان" (9/ 265)، "التقريب" (2/ 365) المجروحين (3/ 99). (¬6) أفلح بن حميد بن نافع الأنصاري المدني، يكنى أبا عبد الرحمن. يقال له ابن صُفيراء ثقة من السابعة .. "خ م. د س ق". (¬7) في مختصره (2/ 283) وقال الذهبي في "الميزان" (1/ 274 رقم 1022)، وقال ابن صاعد: كان أحمد ينكر على أفلح بن حميد ...

حميد قال في "التقريب" (¬1) إنه ثقة [172/ أ] ورمز عليه بأنه أخرج له الشيخان. 15 - وعن مالك (¬2): أنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَهَلَّ مِنَ الجِعِرَّانَةِ بِعُمْرَةٍ. [موقوف صحيح]. قوله: "في حديث مالك من الجعرانة" بكسر الجيم، قال السهيلي (¬3): موضع لقيت به ريطة بنت سعد التي نزل فيها قوله تعالى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا} (¬4)، كانت تلقب الجعرانة, وكانت عمرته منها بعد عوده من غزوة حنين وكانت في ذي القعدة وهي أحد عمره الأربع. 16 - وعن الثقة عنده: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ مِنْ إِيليَاء. أخرجه مالك (¬5). "إيلياء" (¬6) بالمد والتخفيف: اسم بيت المقدس. [موقوف صحيح]. قوله: "وعن الثقة عنده" أي: عند مالك. 17 - وعن عثمان - رضي الله عنه -: أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُحْرِمَ الرَّجُلُ مِنْ خُرَاسَانِ وَكِرْمَانَ. أخرجه البخاري (¬7) ترجمة. [صحيح]. ¬

_ (¬1) (1/ 82 رقم 623). (¬2) في "الموطأ" (1/ 331 رقم 27) وهو موقوف صحيح. وأخرجه الترمذي في "السنن" رقم (935) والنسائي رقم (2863) وهو حديث حسن. عن محرش الكعبي: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج من الجعرانة ليلاً معتمراً، فدخل مكة ليلاً فقضى عمرته، ثم خرج من ليلته فأصبح بالجعرانة كبائتٍ ... ". (¬3) في "الروض الأنف" (4/ 165). (¬4) سورة النحل الآية (92). (¬5) في "الموطأ" (1/ 331 رقم 26). (¬6) ذكره ابن الأثير في "غريب الجامع" (3/ 20). (¬7) في "صحيحه" (3/ 419 الباب رقم 33) تعليقاً. =

الفصل الثاني: في الإحرام [وما يحرم فيه]

قوله: "في حديث عثمان أنه كره أن يحرم الرجل من خراسان أو كرمان" بفتح الكاف والكسر، واختار "الفتح" الشيخ مجد الدين الشيرازي وقال: إنه الذي قطع به الصغاني، ووجه التخصيص لخراسان بعرق فذكر قصة وهو: أنه روى أحمد بن سيار في "تاريخ مرو" (¬1) من طريق داود بن أبي هند قال: لما فتح عبد الله بن عامر خراسان قال: لأجعلن شكري لله أن اخرج من موضعي هذا محرماً فأحرم من نيسابور، فلمّا قدم على عثمان لامه على ما صنع، ووجه لومه له أن بين خراسان ومكة أكثر من مسافة أشهر الحج، فيستلزم أن يكون أحرم في غير أشهر الحج فكره ذلك عثمان [106 ب] وقد لزم أنه (¬2) أحرم من غير الميقات المكاني أيضاً. قوله: "أخرجه البخاري ترجمة" في ترجمة والبخاري لم يخرجه إنما ذكره مقطوعاً بلفظ: "وكره عثمان أن يحرم الرجل من خراسان أو كرمان". قال الحافظ ابن حجر (¬3): وصله سعيد بن منصور ثنا: هشيم ثنا يونس بن عبيد، أنّ الحسن - هو البصري -: أنّ عبد الله بن عامر أحرم من خراسان فلما قدم على عثمان لامه فيما صنع وكرهه. انتهى. الفصل الثاني: في الإحرام [وما يحرم فيه] (¬4) قال ابن الأثير (¬5): وفيه ثلاثة فروع؛ الفرع الأول: فيما يحل للمحرم وهو أحد عشر نوعاً ثم عدّها والمصنف سردها سرداً واحداً فطال عليه هذا الفصل. 1 - عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: سُئِلَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: مَا يَلْبَسُ المُحْرِمُ؟ قَالَ: "لاَ يَلْبَسُ المُحْرِمُ القَمِيصَ، وَلاَ العِمَامَةَ، وَلاَ البُرْنُسَ، وَلاَ السَّرَاوِيلَ، وَلَا ثَوْبَاً مَسَّهُ وَرْسٌ وَلَا زَعْفَرَانٌ، ¬

_ = قال الحافظ في "الفتح" (3/ 420) وصله سعيد بن منصور. (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (3/ 420). (¬2) ذكره الحافظ في "الفتح" (3/ 420). (¬3) في "الفتح" (3/ 420). (¬4) زيادة من (ب). (¬5) في "الجامع" (3/ 21).

وَلاَ الخُفَّيْنِ، إِلاَّ أَنْ لاَ يَجِدَ نَعْلَيْنِ فَلْيَقْطَعُهُمَا حَتَّى يَكُوْنَا أَسْفَلَ مِنَ الكَعْبَيْنِ". أخرجه الستة (¬1)، وهذا لفظ الشيخين. [صحيح]. وزاد البخاري (¬2): وَلَا تَنْتَقِبُ المَرْأَةُ المُحْرِمَةُ وَلَا تَلْبَسُ القُفَّازَيْنِ. [صحيح]. "القُفازَ" (¬3) بضم القاف وتشديد الفاء: شيء يعمل لليدين يُحْشَى بقطن ويكون له أزرار يزرَّر بها على الساعدين من البردِ تلبسه المرأة في يَدَيْها. قوله: "في حديث ابن عمر قال: لا يلبس المحرم" وقع السؤال عمّا يلبس فأجاب بما لا يلبس؛ لأنه محصور، فآثر التصريح به؛ لأنه أوجز وأخصر، لكن لأبي عوانة (¬4) "ما يترك". وفي رواية (¬5): "ما يجتنب المحرم" فعلى هذا الجواب على طبق السؤال، ونبه بالقميص والسراويل على كل (¬6) مخيط، وبالعمائم والبرانس على كل ما يغطي الرأس مخيطاً أو غيره، وبالخفاف على ما يستر الرجل، وفي رواية عند الطبراني (¬7) وغيره: "ولا القباء". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (1542) ومسلم رقم (1/ 1177) وأبو داود رقم (1824) والترمذي رقم (833) والنسائي رقم (2667) وابن ماجه رقم (2929)، وأحمد في "مسنده" (2/ 4) وهو حديث صحيح. (¬2) في "صحيحه" رقم (1838). وأخرجه أحمد (2/ 119) والنسائي رقم (2667) والترمذي رقم (833) وقال: هذا حديث حسن صحيح (¬3) قال ابن الأثير في "غريب الجامع" (3/ 24)، وانظر: "غريب الحديث" للهروي (4/ 272). (¬4) ذكره الحافظ في "الفتح" (3/ 402) وهي رواية شاذة. وأخرجه أحمد في "المسند" (2/ 8) وهو حديث صحيح. (¬5) أخرجها أحمد (2/ 34) وابن حبان رقم (3784) وأبو عوانة في "مسنده" كما ذكره الحافظ في "الفتح" (3/ 402) عن ابن عمر، أن رجلاً نادى، فقال: يا رسول الله! ما يجتنب المحرم من الثياب؟ ... الحديث، وهو حديث صحيح دون قوله: "من العقبين" فشاذ. (¬6) ذكره القاضي عياض في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (4/ 161). (¬7) في الأوسط رقم (5034).

قوله: "البرنس" (¬1) بضم الموحدة وسكون الراء المهملة ثوب رأسه ملتصق به، وقيل: قلنسوة (¬2) طويلة كان النساك يلبسونها. وَ"الورس" (¬3) نبت أصفر يكون باليمن تصبغ به الثياب، وهو بفتح الواو وسكون الراء بعدها مهملة. قوله: "ولا تنتقب المرأة" أي: المحرمة، أي: لا تجعل النقاب على وجهها، والنقاب الخمار الذي يسدل (¬4) على الوجه أو تحت المحاجر، والمراد نهيها [107 ب] عن لبس النقاب، وأما لغيره مما يستر الوجه فتفعله؛ لأنها مأمورة بتغطية وجهها، وفي ذكر حكم المرأة ما دل على أن المراد من قول السائل ما يلبس المحرم، أي: من ذكر وأنثى. 2 - وعنه - رضي الله عنه - قَالَ: "نَهَى رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - النِّسَاءَ فِي إِحْرَامِهِنَّ عَنِ القُفَّازَيْنِ وَالنِّقَابِ وَمَا مَسَّ الوَرْسُ وَالزَّعْفَرَانُ مِنَ الثِّيَابِ، وَلْتَلْبَسْ بَعْدَ ذَلِكَ مَا أَحَبَّتْ مِنْ أَلْوَانِ الثِّيَابِ مُعَصْفَراً أَوْ خَزًّا أَوْ حُلِيّاً أَوْ سَرَاوِيلَ أَوْ قَمِيصاً أَوْ خُفّاً". أخرجه أبو داود (¬5). [حسن] قوله: "في حديث ابن عمر أخرجه أبو داود". قلت: ثم قال عقبه: قال أبو داود (¬6): روي هذا الحديث عن ابن إسحاق عن نافع عبدةُ ¬

_ (¬1) قال ابن الأثير في "النهاية" (1/ 128): البرنس: هو كل ثوب رأسه منه ملتزق به، من درّاعة أو جبة أو مِمْطَرٍ، أو غيره, وانظر: "الفائق" للزمخشري (1/ 101). (¬2) قاله الجوهري في "الصحاح" (3/ 908). (¬3) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 840)، "غريب الحديث" للخطابي (1/ 97). (¬4) قال الحافظ في "الفتح" (4/ 53): النقاب: الخمار الذي يشدُّ على الأنف أو تحت المحاجر. (¬5) في "السنن" رقم (1827). وأخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (5/ 47) والحاكم في "المستدرك" (1/ 486) وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه, ووافقه الذهبي، وهو حديث حسن. (¬6) في "السنن" (2/ 413).

ابن سليمان ومحمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق إلى قوله: "وما من الورس والزعفران من الثياب" لم يذكر ما بعده. انتهى. وقال المنذري (¬1): فيه محمد بن إسحاق وقد تقدم الكلام عليه. 3 - وفي رواية (¬2) عن عائشة: أَنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - رَخَّصَ لِلنِّسَاءِ فِي الخُفَّيْنِ. [حسن]. 4 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ لَمْ يَجِدْ إَزَارَاً فَلْيَلْبَسُ سرَاوِيْلَ، وَمَنْ لَمْ يَجِدَ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ". أخرجه الخمسة (¬3). [صحيح]. قوله: "في حديث ابن عباس فليلبس سراويل" في "الجامع" (¬4): عن يحيى بن يحيى قال: سمعت مالكاً وقد سئل عما ذكره عن رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - أنه من لم يجد إزاراً فليلبس السراويل، يقول: لم أسمع بهذا ولا أرى أن يلبس المحرم سراويل؛ لأن رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن لبس السراويلات فيما نهى عنه من لبس الثياب التي لا ينبغي للمحرم أن يلبسها، ولم يستثن كما استثنى في الخفين. أخرجه "الموطأ" (¬5)، انتهى. وقال أبو داود (¬6) بعد إخراجه: قال أبو داود: هذا حديث أهل مكة ومرجعه إلى البصرة أي: جابر بن زيد والذي تفرد به جابر [108 ب] بن زيد ذكر السراويل ولم يذكر القطع في الخف. انتهى. ¬

_ (¬1) في "المختصر" (2/ 352). (¬2) أخرجها أبو داود في "السنن" رقم (1831) وهو حديث حسن. (¬3) أخرجه البخاري رقم (5804، 5853) ومسلم رقم (4/ 1178) وأبو داود رقم (1829) والترمذي رقم (834) والنسائي رقم (2671، 2672) وابن ماجه رقم (2931) وهو حديث صحيح. (¬4) (3/ 26 - 27 رقم 1296). (¬5) في "الموطأ" (1/ 325). (¬6) في "السنن" (2/ 414).

وأما المنذري (¬1) فقال: وأخرجه البخاري (¬2) ومسلم (¬3) والترمذي (¬4) والنسائي (¬5). انتهى. وأعرض عما ذكره أبو داود، وهذا نقلناه عن أبي داود في بعض الروايات عنه الملحقة في "السنن" تحت قوله: وقد أخرجه البخاري ومن ذكر ولم يتعرض في "الفتح" (¬6) لما ذكره أبو داود من انفراد جابر بن زيد، بل قال فيه: في شرح حديث ابن عباس وقد قال القرطبي (¬7): أخذ بظاهر هذا الحديث أحمد. وقال الجمهور (¬8): بشرط قطع الخف وفتق السراويل، ولم يأت الفتق في شيء من الروايات إنما قالوا: يلبس النظير (¬9) بالنظير لاستوائهما في الحكم. وعن أبي حنيفة (¬10) منع السراويل مطلقاً، ومثله عن مالك (¬11) وكأنّ حديث ابن عباس لم يبلغه. 5 - وَعَنْ نَافِعٍ: أَنَّهُ سَمِعَ أَسْلَمَ مَوْلَى عُمَرَ يَقُوْلُ لِابْنَ عُمَرَ: رَأَى عُمَرَ - رضي الله عنهما - عَلَى طَلْحَةَ ثَوْبًا مَصْبُوغًا وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فَقَالَ: إِنَّمَا هُوَ مَغْرَةٌ أو مَدَرٌ، فَقَالَ: إِنَّكُمْ أَيُّهَا الرَّهْطُ ¬

_ (¬1) في "مختصر السنن" (2/ 352). (¬2) في "صحيحه" رقم (1841). (¬3) في "صحيحه" رقم (1178). (¬4) في "السنن" رقم (834). (¬5) في "السنن" رقم (2671، 2672) وقد تقدم. (¬6) (4/ 57). (¬7) في "المفهم" (3/ 258). (¬8) انظر: "البناية في شرح الهداية" (4/ 54) "المغني" (5/ 120)، "المجموع شرح المهذب" (7/ 264). (¬9) في (أ) زيادة أي، وقد ضرب عليها. (¬10) "البناية في شرح الهداية" (4/ 54). (¬11) "عيون المجالس" (2/ 800) المدونة (1/ 295).

أَئِمَّةٌ يَقْتَدِى بِكُمُ النَّاسُ، فَلَوْ أَنَّ رَجُلاً جَاهِلاً رَأَى هَذَا لَقَالَ إِنَّ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ الله قَدْ كَانَ يَلْبَسُ الثِّيَابَ المُصْبَغَةَ فِي الإِحْرَامِ، فَلاَ تَلْبَسُوا أَيُّهَا الرَّهْطُ مِنْ هَذِهِ الثِّيَابِ (¬1). [موقوف صحيح]. قوله: "في حديث نافع إنما هو مغرة أو مدر" لفظ "الجامع" (¬2): "إنما هو مدر" وليس (¬3) فيه لفظ مغرة، وهي بفتح الميم وسكون الغين المعجمة فراء، فسّرها في "النهاية" (¬4) بالمدر الأحمر الذي تصبغ به الثياب، وفسر المدر في "غريب الجامع" (¬5) بقوله: المدر: الطين مستحجر. 6 - وعن عروة قَالَ: كَانَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ تَلْبَسُ المُعَصْفَرَاتِ وَهِيَ مُحْرِمَةٌ لَيْسَ فِيْهَا زَعْفَرَانٌ. أخرجه مالك (¬6). [موقوف صحيح]. 7 - وَعَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ بِالجِعْرَانَةِ قَدْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ وَهُوَ مُصَفِّرٌ لِحْيَتَهُ وَرَأْسَهُ وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ, فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله! أَحْرَمْتُ بِعُمْرَةٍ وَأَنا كَمَا تَرَى، فَقَالَ: "انْزِعْ عَنْكَ الجُبَّةَ وَاغْسِلْ عَنْكَ الصُّفْرَةَ". أخرجه الستة (¬7)، وهذا لفظ الشيخين. [صحيح]. وزاد أبو داود (¬8): "وَاصْنَعُ فِي عُمْرَتِكَ مَا صَنَعْتَ فِي حَجَّتِكَ". [صحيح]. ¬

_ (¬1) أخرجه مالك في "الموطأ" (1/ 326 رقم 10). (¬2) (3/ 27). (¬3) وكذلك غير موجودة في "الموطأ" (1/ 326 رقم 10). (¬4) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 669). (¬5) (3/ 28) والذي فيه: طينٌ متحجر. (¬6) في "الموطأ" (1/ 326 رقم 11) وهو موقوف صحيح. (¬7) أخرجه البخاري رقم (1536) ومسلم رقم (8/ 1180) وأبو داود رقم (1819) والترمذي رقم (835) والنسائي رقم (2710). (¬8) في "السنن" رقم (1819).

قوله: "في حديث يعلى بن أمية واغسل عنك الصفرة" استدل به على منع استدامة الطيب بعد الإحرام [109 ب]. وهو قول مالك (¬1) ومحمد بن الحسن (¬2)، وأجيب (¬3) عنه بأنّ قصة يعلى كانت بالجعرانة وهي سنة ثمان بلا خلاف، وقد ثبت (¬4) عن عائشة: "أنها طيّبت رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - بيدها عند إحرامه"، وذلك في حجة الوداع سنة عشر بلا خلاف، وإنما يؤخذ بالآخر من الأمرين على أن أمر الرجل بغسل الخلوق وهو لا يخلو عن الزعفران، والتزعفر منهي عنه مطلقاً لمحرمٍ وغيره. 8 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما -: أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ لُبْسَ المِنْطَقَةِ لْلْمُحرِمِ (¬5). [موقوف صحيح]. قوله: "في حديث ابن عمر المنطقة" (¬6) هي كل ما شددت على وسطك، وهذا اجتهاد منه لا دليل عليه. 9 - وعن القاسم بن محمد قال: أَخْبَرَنِي الفَرَافِصَةُ بنُ عُميرٍ الحَنَفِيُّ أَنَّهُ رَأَى عُثْمَانَ - رضي الله عنه - يُغَطِّي وَجْهَهُ وَهُوُ مْحْرِمٌ (¬7). [موقوف صحيح]. قوله: "في حديث القاسم بن محمد الفرافصة" بالضم للفاء ثم بعد الألف فاء فصاد مهملة اسم للأسد، وبالفتح اسم الرجل وهو الفرافصة المعروف بأبي نائلة صهر عثمان بن عفان وتغطية وجه المحرم غير منهي عنها. ¬

_ (¬1) "عيون المجالس" (2/ 797) "المنتقى" للباجي (2/ 196). (¬2) في كتابه "الأصيل" (2/ 398). (¬3) أي الجمهور، انظر: "المجموع شرح المهذب" (7/ 286 - 287). (¬4) أخرجه أحمد (6/ 162) والبخاري رقم (1539) ومسلم رقم (31/ 1189). (¬5) أخرجه مالك في "الموطأ" (1/ 326 رقم 12) وهو موقوف صحيح. (¬6) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 759). (¬7) أخرجه مالك في "الموطأ" (1/ 327 رقم 13) وهو موقوف صحيح.

10 - وعن نافع قال: كَانَ ابْنُ عُمَرَ - رضي الله عنهما - يَقُوْلُ: مَا فَوْقَ الذَّقَنِ مْنَ الرَّأْسِ فَلَا يُخَمِّرُهُ المُحْرِمُ (¬1). أخرج هذه الأحاديث الثلاثة مالك. 11 - وَعَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: كَانَ الرُّكْبَانُ يَمُرُّونَ بِنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - مُحْرِمَاتٌ، فَإِذَا حَاذَوْا بِنَا سَدَلَتْ إِحْدَانَا جِلْبَابَهَا مِنْ رَأْسِهَا عَلَى وَجْهِهَا فَإِذَا جَاوَزُونَا كَشَفْنَاهُ. أخرجه أبو داود (¬2). [حسن لغيره]. قوله: "في حديث عائشة أخرجه أبو داود" قال المنذري (¬3): وأخرجه ابن ماجه (¬4) وذكر سعيد بن يحيى بن سعيد القطان ويحيى بن معين أنّ مجاهد لم يسمع من عائشة. وقال أبو حاتم الرازي (¬5): مجاهد عن عائشة مرسل، وفي إسناده أيضاً يزيد بن أبي زياد (¬6) قد تكلم فيه غير واحد، وأخرج له [110 ب] مسلم في جماعة، غير محتج به. انتهى. ¬

_ (¬1) أخرجه مالك في "الموطأ" (1/ 327 رقم 13) وهو موقوف صحيح. (¬2) في "السنن" رقم (1833). وأخرجه أحمد (6/ 30) وابن ماجه رقم (2935) وابن خزيمة رقم (2691) وإسحاق بن راهويه في "مسنده" رقم (1189) وابن الجارود في "المنتقى" رقم (418) والدارقطني (2/ 294) والبيهقي في "السنن الكبرى" (5/ 48) وابن أبي شيبة في الجزء المفقود (ص 307) وابن عدي في "الكامل" (7/ 2597) من طرق. وهو حديث حسن لغيره. (¬3) في مختصره (2/ 354). (¬4) في "السنن" رقم (2935) وقد تقدم. (¬5) في كتابه "المراسيل" (ص 203) رقم (747). (¬6) قال الحافظ في "التقريب" (2/ 365 رقم 254) يزيد بن أبي زياد الهاشمي، مولاهم، الكوفي، ضعيف، كبر فتغيَّر، صار يتلقن، وكان شيعياً من الخامسة.

12 - وعن فاطمة بنت المنذر قالت: كُنَّا نُخَمِّرُ وُجُوهَنَا وَنَحْنُ مُحْرِمَاتٌ مَعَ أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْر - رضي الله عنها -. أخرجه مالك (¬1) [موقوف صحيح]. 13 - وَعَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: طَيَّبْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - بيَدَيَّ هَاتَيْنِ حِينَ أَحْرَمَ، وَلحِلِّهِ حِينَ أَحَلَّ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالبَيْتِ بِطِيْبٍ فِيْهِ مِسْكٌ. أخرجه الستة (¬2). [صحيح]. وفي رواية (¬3): بِذَرِيرَةٍ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ. [صحيح]. وفي أخرى (¬4): قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ ثُمَّ يُحْرِمُ. [صحيح]. وفي أخرى (¬5): بِأَطْيَبِ مَا أَجِدُ حَتَّى أَجِدَ وَبِيصَ الطِّيبِ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ. وفي أخرى (¬6): كَأَّنِّي أَنْظُرُ إِلَى وَبِيْصِ الطِّيبِ فِي مَفَارِقِ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - وهُوَ مُحْرِمٌ. [صحيح]. زاد في رواية (¬7): كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَدَّهِنُ بِالزَّيْتِ فَذَكَرْتُهُ لِإِبْرَاهِيْمَ، فَقَالَ: مَا تَصْنَعُ بِقَوْلِهِ: حَدَّثَنِي الأَسْوَدُ عَنْ عَائِشَةُ قَالَتْ: كَأَنِّي أْنْظُرُ إِلَى وَبِيْصِ الطِّيبِ. الحديث. [صحيح]. ¬

_ (¬1) في "الموطأ" (1/ 328 رقم 16) وهو موقوف صحيح. (¬2) أخرجه البخاري رقم (1539) ومسلم رقم (1189، 1191)، وأبو داود رقم (1745) والترمذي رقم (917) وابن ماجه رقم (2936) والنسائي (2684، 2692). (¬3) أخرجها البخاري في "صحيحه" رقم (5930). (¬4) البخاري في "صحيحه" رقم (1838، 5803). (¬5) أخرجها البخاري رقم (5923، 5928). (¬6) البخاري رقم (271) ومسلم رقم (1190) وأبو داود رقم (1746) وابن ماجه رقم (2927، 2928) والنسائي رقم (2693 - 2699). (¬7) البخاري رقم (1527، 1538).

زاد في رواية (¬1): وَذلِكَ طِيبُ إِحْرَامِه. [صحيح]. قوله: "في حديث عائشة حين أحرم" أي: حين أراد الإحرام كما تدل له الرواية الأخرى عنها بلفظ: "قبل أن يحرم ثم يحرم". قوله: "وبيص" (¬2) [173/ أ] الوبيص بفتح الواو فموحدة فمثناة تحتية فصاد مهملة هو البريق. قوله: "مفارق" (¬3) جمع مفرق وهو المكان الذي يفترق فيه الشعر في وسط الرأس وجمع لإرادة جوانب الرأس التي يفترق فيها الشعر. 14 - وفي أخرى: سُئِلَ ابْنَ عُمَرَ عَنِ الرَّجُلِ يَتَطَيَّبُ ثُمَّ يُصْبِحُ مُحْرِمًا؟ فَقَالَ: مَا أُحِبُّ أَنْ أُصْبِحَ مُحْرِمًا أَنْضَخُ طِيبًا لأَنْ أَطَّلِيَ بِقَطِرَانٍ أَحَبُّ إِلَىَّ مِنْ أَنْ أَفْعَلَ ذَلِكَ. فَأُخْبِرَتْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - بِقَوْلِ ابْنَ عُمَرَ فَقَالَتْ: أنَّا طَيَّبْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عِنْدَ إِحْرَامِهِ, ثُمَّ طَافَ فِي نِسَائِهِ, ثُمَّ أَصْبَحَ مُحْرِمًا يَنْضَخُ طِيْبَاً. (¬4) هذه ألفاظ الشيخين. [صحيح]. 15 - وفي أخرى للنسائي (¬5): كَانَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - إِذَا أَرَادَ أَنْ يُحْرِمَ أَدَّهَنَ بأَطْيَبِ دُهْن يَجْدُ حَتَّى أَرَى وَبِيصَهُ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ. [صحيح]. 16 - وله (¬6) في أخرى قالت: طَيَّبْتُهُ لِحَرَمِهِ حينَ أَحْرَمَ وَلحِلِّهِ بَعْدَ مَا رَمَى العَقَبَةَ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالبَيْتِ. [صحيح]. قوله: "لحرمه" بضم الحاء وكسرها، أي: لإحرامه. ¬

_ (¬1) أخرجها مسلم في "صحيحه" رقم (39/ 1190). (¬2) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 818)، "غريب الحديث" للهروي (4/ 333). (¬3) انظر: "الفائق" للزمخشري (2/ 227). (¬4) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (267) ومسلم رقم (1192). (¬5) في "السنن" رقم (2700) وهو حديث صحيح. (¬6) أي: للنسائي في "السنن" رقم (2687) وهو حديث صحيح.

17 - وفي أخرى (¬1): طِيبًا لاَ يُشْبِهُ طِيبَكُمْ هَذَا يَعْنِي لَيْسَ لَهُ بَقَاءٌ. [صحيح]. "الذَّرِيرَةُ" (¬2) ضربٌ من الطيب مجموع من أخلاط. "وَالوَبِيصُ" (¬3) البَصِيصُ وْالبَرِيقُ، "وَيَنْضَخُ" (¬4) بالخاء المعجمة: يفوح. 18 - وَعَنْ عَائِشَةُ - رضي الله عنها - قَالَتْ: كُنَّا نَخْرُجُ مَعَ رَسُوْلِ الله - صلى الله عليه وسلم - إِلَى مَكَّةَ فَنُضَمِّدُ جِبَاهَنَا بِالسُّكِّ المُطَيَّبِ عِنْدَ الإِحْرَامِ، فَإِذَا عَرِقَتْ إِحْدَانَا سَالَ عَلَى وَجْهِهَا فَيَرَاهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَلاَ يَنْهَاهَا. أخرجه أبو داود (¬5). [صحيح]. ومعنى "نُضَمِّدُ" (¬6) أي: نلطخ، و"السُّكُّ" نوع معروف من الطيب (¬7). قوله: "في حديث عائشة بالسُّك" بضم السين المهملة، قال "المصنف": إنه نوع من الطيب، في "النهاية" (¬8): [هو] (¬9) طيب معروف يضاف إلى غيره من الطيب ويستعمل. انتهى. فعبارة "المصنف" قاصرة لا سيما بعد قولها "المطيب"، هذا صريح في بقاء عين الطيب ولا يقال هذا خاص بالنساء؛ لأنهم أجمعوا على أن الرجال والنساء سواء في تحريم استعمال الطيب إذا كانوا محرمين. ¬

_ (¬1) أخرجها البخاري في "صحيحه" رقم (267، 270، 1539) ومسلم رقم (1189، 1191، 1192) والنسائي رقم (2688). (¬2) تقدم شرحها. (¬3) تقدم شرحها. (¬4) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 755). (¬5) في "السنن" (1830) وهو حديث صحيح. (¬6) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 91). (¬7) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (3/ 37). (¬8) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 791). (¬9) زيادة من (أ).

وقال بعضهم: كان ذلك طيباً لا رائحة، تمسكاً برواية عن الزهري عن عروة عن عائشة (¬1): "بطيب لا يشبه طيبكم"، قال بعض رواته: يعني لا بقاء له، أخرجه النسائي. قالوا: يرد هذا التأويل قولها "بطيب فيه مسك" وقولها "كأني أنظر إلى وبيص المسك" وفي رواية: "بالغالية الجيدة" وهذا يدل [111 ب] على أن قولها: "لا كطيبكم" أي: أطيب منه، وقال بعضهم: إن ذلك خاص به - صلى الله عليه وسلم -. قلت: فيقال: فما بال أزواجه في استعمالهن السُّك المطيب. 19 - وَعَنِ الصَّلْتِ بْنِ زيَيْدٍ (¬2) عَنْ غيرِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِهِ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ وَجَدَ رِيحَ طِيبٍ وَهُوَ بِالشَّجَرَةِ فَقَالَ: مِمَّنْ هَذَا؟ فَقَالَ كُثِّيرُ بْنِ الصلْتِ مِنِّي، لَبَّدْتُ رَأْسِي وَأَرَدْتُ أَنْ أَحْلِقَ. فَقَالَ عُمَرُ: فَاذْهَبْ إِلَى شَرَبَةٍ مِنَ الشَّرَبَاتِ فَادْلُكْ رَأْسَكَ حَتَّى تُنَقِيَهُ فَفَعَلَ ذَلِكْ. أخرجه مالك (¬3). [موقوف ضعيف]. قوله: "في حديث الصلت بن زيَيْد" هو بالزاي ثم يائين مثناتين من تحت، تصغير زيد. قوله: "وهو بالشجرة" (¬4) هو موضع على ستة أميال من المدينة. قوله: "إلى شربة" (¬5) بالمعجمة مفتوحة وراء مفتوحة يأتي تفسيرها. 20 - وَلَهُ فِي أُخْرَى عَنْ أَسْلَمَ مَوْلَى عُمَرَ: أَنَّ عُمَرَ وَجَدَ رِيحَ طِيبٍ فَقَالَ: مِمَّنْ هَذَا الطِّيبِ؟ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ: مِنِّي يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، فَقَالَ: مِنْكَ لَعَمْرُ الله؟ فَقَالَ: إِنَّمَا ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (267، 270، 1539) ومسلم رقم (1189، 1191، 1192) والنسائي رقم (2688). (¬2) تصغير زيد. (¬3) في "الموطأ" (1/ 329 رقم 20) وهو موقوف ضعيف. (¬4) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (1/ 844). (¬5) قال مالك: الشربة حفيرٌ تكون عند أصل النخلة. وقال ابن الأثير في "غريب الجامع" (3/ 37) الماء المجتمع حول النخلة كالحوض.

طَيَّبَتْنِي أُمَّ حَبِيبَةَ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ. فَقَالَ عُمَرُ: عَزَمْتُ عَلَيْكَ لَتَرْجِعَنَّ فَلْتَغْسِلَنَّهُ (¬1). (¬2) [موقوف صحيح]. "التَّبْلِيدُ" (¬3) أن يُسَرِّحَ شعر رأسه، ويجعل فيه شيئاً ممن صَمغ ليلتزق، ولا يتشعَّث في الإحرام، "وَالشَّرَبَة" (¬4) بفتح الشين والراء: الماء المجتمع حول النخلة كالحوض. 21 - وَعَنْ ابْنَ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أنَّهُ كَفَّنَ ابْنَهُ وَاقِدَاً وَمَاتَ بِالجُحْفَةِ مُحْرِمًا وَخَمَّرَ رَأْسَهُ وَوَجْهَهُ وَقَالَ: لَوْلاَ أَنَّا حُرُمٌ لَطَيَّبْنَاهُ. أخرجه مالك (¬5). [موقوف صحيح]. قوله: "وخمر رأسه" هو معارض حديث الذي (¬6) وقصته ناقته. وقوله: "لولا أنا حرم لطيبناه" جعل المانع كون الغاسلين حرم لا كونه محرماً، وتقدم في حديث الذي وقصته الناقة النهي عن تطييبه وتخمير رأسه؛ لأنه يبعث محرماً. 22 - وَعَنْ نَافِعٍ قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ - رضي الله عنهما - إِذَا أَرَادَ الخُرُوجَ إِلَى مَكَّةَ ادَّهَنَ بِدُهْنٍ لَيْسَ لَهُ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ، ثُمَّ يَأْتِي مَسْجِدَ ذِي الحُلَيْفَةِ فَيُصَلِّي ثُمَ يَرْكَبُ، فَإِذَا اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ قَائِمَةً أَحْرَمَ، ثُمَّ يَقُوْلُ: هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُوْلَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَفْعَلُ. أخرجه البخاري (¬7). [صحيح]. ¬

_ (¬1) في (ب) فلتغسله. (¬2) أخرجه مالك في "الموطأ" (1/ 329 رقم 19) موقوف صحيح. (¬3) قال ابن الأثير في "النهاية في غريب الحديث" (2/ 581) تلبيد الشّعر: أن يجعل فيه شيء من صمغ عند الإحرام، لئلا يشعث ويقمل، إبقاءً على الشعر، وإنما يلبد من يطول مكثه في الإحرام. (¬4) قال مالك: الشربة حفيرٌ تكون عند أصل النخلة. وقال ابن الأثير في "غريب الجامع" (3/ 37) الماء المجتمع حول النخلة كالحوض. (¬5) في "الموطأ" (1/ 327 رقم 14) وهو موقوف صحيح. (¬6) أخرجه أحمد (1/ 215) ومسلم رقم (98/ 1206) والنسائي رقم (2854، 2855) وابن ماجه رقم (3084)، وهو حديث صحيح. (¬7) في "صحيحه" رقم (1554).

23 - وفي رواية للترمذي (¬1) قال: كَانَ يَدَّهِنُ بِدُهْنٍ غيرِ مُقَتَّتٍ. يَعْنِي غَيْرِ مُطَيِّبٍ. [إسناده ضعيف]. "القَتُّ" (¬2) تطييب الدهن بالريحان. 24 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قَالَ: يَشُمُّ المُحْرِمُ الرَّيْحَانَ، وَيَنْظرُ فِي المرآةِ، وَيَتَدَاوَى بِمَا يَأْكُلُ الزَّيْتِ وَالسَّمْنِ. أخرجه البخاري (¬3) ترجمة. قوله: "في حديث [ابن عباس] (¬4) أخرجه البخاري ترجمة" مثله في "الجامع" (¬5) إلا أنه قال: في ترجمة، والبخاري ذكره منقطعاً فقال: وقال ابن عباس. قال الحافظ في "الفتح" (¬6): أمّا شم الريحان فقال سعيد بن منصور: ثنا ابن عيينة, عن أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس: أنه كان لا يرى بأساً للمحرم يشم الريحان. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (962). وأخرجه أحمد (2/ 29) وابن ماجه رقم (3083) إسناده ضعيف لضعف فرقد السبخي، قال عنه الحافظ في "التقريب" (2/ 108 رقم 16): صدوق عابد، لكنه ليَّن الحديث كثير الخطأ. وقال المحرران: بل ضعيف، فقد ضعفه أيوب السختياني، ويحيى بن سعيد القطان، وعلي بن المديني، والبخاري، والنسائي، وأبو حاتم، ويعقوب بن شيبة، وابن سعد، وأبو زرعة الرازي، وابن حبان والبزار، والدارقطني، وأحمد بن حنبل، وأبو أحمد الحاكم، واختلف فيه قول ابن معين، فضعفه مرّة ووثقه أخرى. (¬2) قال الفيروز آبادي في "القاموس المحيط" (ص 202) زيت مقتت: طبخ فيه الرياحين أو خلط بأدهان طيبة. (¬3) في "صحيحه" (3/ 395 - 396 الباب رقم 18 - مع "الفتح") تعليقاً. (¬4) زيادة من (ب). (¬5) (3/ 39 رقم 1313). (¬6) في "فتح الباري" (3/ 396).

وأما النظر في المرآة [112 ب] فقال [الثوري] (¬1) في جامعه (¬2): رواية عبد الله بن الوليد عنه عن هشام بن حسّان عن عكرمة عن ابن عباس قال: لا بأس أن ينظر في المرآة وهو محرم. وأمّا التداوي فقال أبو بكر بن أبي شيبة (¬3): ثنا أبو خالد الأحمر وعباد بن العوام، عن أشعث، عن عطاء، عن ابن عباس أنه كان يقول: يتداوى المحرم بما يأكل. وقال أيضاً (¬4): ثنا أبو الأحوص، عن أبي إسحاق، عن الضحاك، عن ابن عباس قال: إذا تشققت يد المحرم ورجلاه فليدهنهما بالزيت أو بالسمن. انتهى. [فهذا الأثر ومرّ نظائرها لم يخرجه] (¬5) البخاري بل ذكرها مقطوعة، وهذا تخريجها، فلا أدري كيف وقع لابن الأثير التعبير بقوله: أخرجه البخاري، مع أنه قد تقدم له في نظائر يقول: ذكره البخاري في ترجمة، وهو الصواب. 25 - وَعَنْ عَبْدِ الله بْنِ حُنَيْنٍ: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَالمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ - رضي الله عنهما - اخْتَلَفَا بِالأَبْوَاءِ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَغْسِلُ المُحْرِمُ رَأْسَهُ, وَقَالَ المِسْوَرُ: لاَ يَغْسِلُ المُحْرِمُ رَأْسَهُ، فَأَرْسَلني ابْنُ العَبَّاسِ إِلَى أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ - رضي الله عنه - فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ بَيْنَ القَرْنَيْنِ وَهُوَ يُسْتَرُ بِثَوْبٍ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ فَقُلْتُ: أنَّا عَبْدُ الله بْنُ حُنَيْنٍ، أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ ابْنُ العَبَّاسِ يَسْأَلُكَ كَيْفَ كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَغْسِلُ رَأْسَه وَهُوَ مُحْرِمٌ؟ فَوَضَعَ أَبُو أَيُّوبَ يَدَهُ عَلَى الثَّوْبِ فَطَأْطَأَهُ حَتَّى بَدَا لِي رَأْسُهُ, فَقَالَ لإِنْسَانٍ يَصُبُّ عَلَيْهِ: اصْبُبْ، فَصَبَّ عَلَى رَأْسِهِ، فَحَرَّكَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ، وَقَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُهُ - صلى الله عليه وسلم - يَفْعَلُ. أخرجه الستة (¬6) إلا الترمذي. [صحيح]. ¬

_ (¬1) في (ب) النووي، وما أثبتناه من (أ) و"فتح الباري" (3/ 396). (¬2) ذكره الحافظ في "الفتح" (3/ 396). (¬3) ذكره الحافظ في "الفتح" (3/ 396). (¬4) ذكره الحافظ في "الفتح" (3/ 396). (¬5) كذا العبارة في المخطوط, ولعلها: فهذه الآثار، ومرَّ نظائرها ولم يخرجها. (¬6) أخرجه البخاري رقم (1840) ومسلم رقم (91/ 1205) وأبو داود رقم (1840) والنسائي رقم (2665) وابن ماجه رقم (2934) وأحمد (5/ 418، 421) ومالك (1/ 323) وهو حديث صحيح.

زاد في رواية غير مالك: قَالَ المِسْوَرُ لَابْنِ عَبَّاسٍ: لَا أُمَارِيْكَ أَبَدَاً. "قَرْنَا البِئْرِ" عِضَادَتاها التي يجعل عليهما البكرة. "وَالمُمَارَاةٌ" المجادلة. قوله: "وعن عبد الله بن حنين" (¬1) بضم الحاء المهملة وفتح النون الأولى وسكون التحتية هو عبد الله بن حنين مولى العباس بن عبد المطلب، وقيل: مولى علي بن أبي طالب - عليه السلام - تابعي مشهور ثقة، روى عن علي وابن عباس وأبي أيوب - رضي الله عنهم -. قوله: "والمسور" (¬2) بكسر الميم وسكون السين المهملة وفتح الواو، و"مخرمة" بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة وفتح الراء، توفي النبي - صلى الله عليه وسلم - وله من العمر ثماني سنين وسمع منه وحفظ عنه، ومات بمكة في فتنة ابن الزبير، أصابه حجر من حجارة المنجنيق وهو يصلي في الحجر [113 ب] فقتله. قوله: "حرّك رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر" ففي فعله جواب السائل بالفعل، ثم إخباره أنه - صلى الله عليه وسلم - فعله، فدل على أنه يغتسل المحرم ويغسل رأسه. قال الحافظ (¬3): وفي هذا الحديث من الفوائد مناظرة الصحابة في الأحكام، ورجوعهم إلى النصوص وقبولهم لخبر الواحد ولو كان تابعياً، وأن قول بعضهم ليس بحجة على البعض. قال ابن عبد البر (¬4): لو كان معنى الاقتداء في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم" (¬5) يراد به الفتوى، لما احتاج ابن عباس إلى إقامة البينة على دعواه بل كان ¬

_ (¬1) انظر "التقريب" (1/ 411 رقم 267). (¬2) انظر "التقريب" (2/ 249 رقم 1136). (¬3) في "فتح الباري" (4/ 56 - 57). (¬4) في "الاستذكار" (11/ 16 رقم 15185). (¬5) وهو حديث موضوع. عن ابن عمر - رضي الله عنهما -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنّما أصحابي مثل النجوم، فأيهم أخذتم بقوله اهتديتم". =

يقول: أنت نجم وأنا نجم [فلا عليك] (¬1) فبأينا "اقتدى من بعدنا كفاه" (¬2) ولكن معناه كما قال المزني (¬3) وغيره من أهل النظر: أنه في النقل؛ لأن جميعهم عدول. 26 - وعن خارجة بن زيد عن أبيه - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - تجَرَّدَ لِإِهْلَالهِ وَاغْتَسَلَ. أخرجه الترمذي (¬4). [حسن]. وذكر رزين (¬5) رواية: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اغْتَسَلَ لِإِحْرَامِهِ وَلِطَوَافِهِ بِالبَيْتِ وَلوُقُوفِهِ بِعَرَفَةَ. 27 - وعن نافع قال: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَغْتَسِلُ لِإِحْرَامِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ، وَلدُخُوْلِهِ مَكَّةَ وَلِوُقُوْفِهِ بِعَرَفَةَ. أخرجه مالك (¬6). [موقوف صحيح]. زاد في رواية (¬7): وَكَانَ إِذَا أَحْرَمَ لَا يَغْسِلُ رَأْسَهُ إِلَّا مِنْ الاحْتِلَامِ. [موقوف صحيح]. ¬

_ = أخرجه ابن عدي في "الكامل" (2/ 785) في ترجمة: حمزة بن أبي حمزة الجزري، وقال فيه كل ما يرويه أو عامته مناكير موضوعة. وقال البخاري: منكر الحديث، وقال النسائي: متروك، وذكر له الذهبي في "الميزان" (1/ 607) أحاديث من موضوعاته, وهذا منها. وقال ابن حبان في المجروحين (1/ 270): ينفرد عن الثقات بالموضوعات، حتى كأنه المتعمد لها. ولا تحل الرواية عنه. وقال الألباني في "الضعيفة" (1/ 82 رقم 61) موضوع، وسيأتي تخريجه مفصلاً. (¬1) زيادة من "الاستذكار" (11/ 16 رقم 15185). (¬2) كذا في المخطوط وفي "الفتح" (4/ 57)، والذي في "الاستذكار": اقتدى المقتدي فقد اهتدى. (¬3) ذكره الحافظ في "فتح الباري" (4/ 57). (¬4) في "السنن" رقم (830) وهو حديث حسن. (¬5) انظر: "جامع الأصول" (3/ 43). (¬6) في "الموطأ" (1/ 322 رقم 3) وهو موقوف صحيح. وأخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (1573) ومسلم رقم (227/ 1259) من طريق آخر. (¬7) أي مالك في "الموطأ" (1/ 324 رقم 7) وهو موقوف صحيح.

28 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما -: أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - لَبَّدَ رَأْسَهُ بِالغَسْلِ. أخرجه أبو داود (¬1) والنسائي (¬2). [ضعيف]. وعنده سَمعتُهُ - صلى الله عليه وسلم - يُهِلُّ مُلَبِّدَاً. [صحيح]. قوله: "في حديث ابن عمر لبد رأسه" التلبيد (¬3) أن يجعل في الرأس شيئاً نحو الصمغ ليجتمع شعره لئلا يتشعث في الإحرام أو يقع فيه القمل. قوله: "بالعسل" قال ابن الصلاح (¬4): يحتمل أنه بفتح المهملتين ويحتمل أنه بكسر المعجمة وسكون المهملة، ما يغسل به الرأس من خطمي أو غيره. 29 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قَالَ: لَا يَدْخُلُ المُحْرِمُ الحَمَّامَ. أخرجه البخاري (¬5) ترجمة. قوله: "في حديث ابن عباس لا يدخل المحرم الحمام" كذا في "الجامع" (¬6) بالنفي، والذي في البخاري: وقال ابن عباس: "يدخل المحرم الحمام" بالإثبات ذكره مقطوعاً. وقال الحافظ ابن حجر (¬7): وصله الدارقطني والبيهقي من طريق أيوب عن عكرمة عنه قال: [114 ب] "يدخل المحرم الحمام وينتزع ضرسه، وإذا انكسر ظفره طرحه ويقول: أميطوا عنكم الأذى، فإن الله لا يصنع بأذاكم شيئاً". ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (1748) وهو حديث ضعيف. (¬2) في "السنن" رقم (2683). وأخرجه البخاري رقم (1540) ومسلم رقم (21/ 1184) وأبو داود رقم (1747) وابن ماجه رقم (3047) عن سالم بن عبد الله عن أبيه قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يُهلُّ مُلَبِّداً. (¬3) تقدم شرحه. انظر "النهاية في غريب الحديث" (2/ 581)، "الفائق" للزمخشري (4/ 74). (¬4) ذكره الحافظ في "الفتح" (3/ 400) عن ابن عبد السلام. (¬5) في "صحيحه" (4/ 55 الباب رقم 14 - مع "الفتح"). (¬6) (2/ 45). (¬7) في "الفتح" (4/ 56).

وروى البيهقي (¬1) عن ابن عباس أنه دخل حمّاماً [بالجحفة] (¬2) وهو محرم، وقال: "إن الله لا يعبأ بأوساخكم شيئاً" انتهى بلفظه، قال (¬3): وروى ابن أبي شيبة كراهة ذلك عن الحسن وعطاء. 30 - وعنه - رضي الله عنه - قَالَ: احْتَجَمَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - وهُوَ مُحْرِم. أخرجه الخمسة (¬4)، وهذا لفظ الشيخين. [صحيح]. وزاد البخاري (¬5) - رحمه الله - في أخرى: وَاحْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ. [صحيح]. وله (¬6) في أخرى: احْتَجَمَ فِي رَأْسِهِ وَهُوَ مُحْرِمٌ مِنْ وَجَعٍ كَان بِهِ. [صحيح]. وفي أخرى (¬7): مِنْ شَقيقةٍ كانَتْ بِهِ بِمَاءٍ يُقالُ لَهُ لَحْيُ جَمَلٍ مِنْ طَرِيقِ مَكَّةَ فِي وَسَطِ رَأْسِهِ. [صحيح]. قوله: (¬8) "ابن عباس الثاني احتجم وهو محرم" فيه جواز الحجامة للمحرم، وهو إجماع إن كان لعذر ولو قطع من الشعر قالوا: ويلزمه الفدية. ¬

_ (¬1) في "السنن الكبرى" (5/ 63). (¬2) في (ب) فأعجبه. (¬3) الحافظ في "الفتح" (4/ 56). (¬4) أخرجه البخاري رقم (1835) ومسلم رقم (87/ 1202)، وأبو داود رقم (1835) والترمذي رقم (839) والنسائي رقم (2845 - 2847). (¬5) في "صحيحه" رقم (1938، 1939). (¬6) البخاري في "صحيحه" رقم (5700). وأخرجه أبو داود رقم (1836) والنسائي رقم (2848) و (2849). (¬7) البخاري في "صحيحه" رقم (5701). (¬8) هكذا وردت دون إيراد جملة: في حديث.

قوله: "يقال له لحي جمل" بفتح اللام وحكي كسرها وسكون المهملة وبفتح الجيم والميم موضع (¬1) بطريق مكة [174/ أ] ووهم من ظن أنه الحيوان المعروف، وأنه كان آلة الحجم. قوله: "في وسط رأسه" بفتح السين متوسطة وهو ما فوق اليافوخ فيما بين أعلى القرنين، قال أهل اللغة: كل شيء مصمت لا يبين بعضه من بعض كالدار والساحة والوجه والرأس فوسطه بفتح السين. وما بان بعضه من بعض كالصف والقلادة والسبحة وحلقة الناس ونحو ذلك، فالوسط منه بسكون السين، قاله الأزهري (¬2) والجوهري (¬3) وغيرهما، وقد أجازوا في المفتوح الإسكان ولم يجيزوا في الساكن الفتح. 31 - وعن أنس - رضي الله عنه - قَالَ: احْتَجَمَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ مُحْرِمٌ عَلَى ظَهْرِ القَدَمِ مِنْ وَجَعٍ كَانَ بِهِ. أخرجه أبو داود (¬4) والنسائي (¬5). وعنده (¬6) مِنْ وثءٍ كان به. [صحيح]. "وَالوَثَى" (¬7) هو أن يصيب العظم وصم لا يبلغ الكسر. 32 - وَعَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: لاَ يَحْتَجِمُ المُحْرِمُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مُضطَرَّاً إِلَيْهِ مِمَّا لاَ بُدَّ مِنْهُ. أخرجه مالك (¬8). [موقوف صحيح]. ¬

_ (¬1) انظر: "معجم ما استعجم" (1/ 393، 955). (¬2) في "تهذيب اللغة" (13/ 29). (¬3) في "الصحاح" (3/ 1168). (¬4) في "السنن" رقم (1837). (¬5) في "السنن" رقم (2849)، وهو حديث صحيح. (¬6) أخرجه النسائي في "السنن" رقم (2848)، وهو حديث صحيح. (¬7) ذكره ابن الأثير في "الجامع" (3/ 48)، وانظر: "المجموع المغيث" (3/ 381). (¬8) في "الموطأ" (1/ 350 رقم 75) وهو أثر موقوف صحيح.

33 - وَعَنْ نُبَيْهِ بْنِ وَهْبٍ: أَنَّ [عُمَرُ بْنُ (¬1)] عُبَيْدِ الله بنِ مَعْمَرٍ اشْتَكَى عَيْنَيْهِ وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَأَرَادَ أَنْ يَكحِّلَهُمَا فنهاه أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُضَمِّدَهُمَا بِالصَّبِرِ، وَحَدَّثَهُ عَنْ عُثْمَانَ - رضي الله عنه - عَنْ النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُهُ. أخرجه الخمسة (¬2) إلا البخاري. [صحيح]. زاد أبو داود (¬3): "وَكَانَ أَبَانُ أمِيرَ المَوْسِمِ". [صحيح]. قوله: "فنهاه أبان بن عثمان" تضميد العين بالصبر ونحوه مما ليس [115 ب] بطيب جائز للمحرم ولا فدية عليه، ويجوز للمحرم الاكتحال بكحلٍ لا طيب فيه بالاتفاق، ويكره لمن قصد به الزينة عند الشافعي (¬4) ومنعه ابن حنبل (¬5). 34 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما -: أَنَّهُ نَظَرَ فِي مِرْآةٍ لِشَكْوَى بِعَيْنَيْهِ وَهُوَ مُحْرِمٌ. أخرجه مالك (¬6). [موقوف صحيح]. قوله: "نظر في مرآة" تقدم جوازه عن ابن عباس، والأصل جواز كل ما ذكر ما لم يأت دليل بتحريمه. 35 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قَالَ: تَزَوَّجَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - مَيْمُونَةَ وَهُوَ مَحْرِمٌ. أخرجه الخمسة (¬7) وهذا لفظ الشيخين. [صحيح]. ¬

_ (¬1) زيادة من (أ). (¬2) أخرجه مسلم في "صحيحه" رقم (1204) وأبو داود رقم (1838) والترمذي رقم (952) والنسائي رقم (2711) وهو حديث صحيح. (¬3) في "السنن" رقم (1838) وهو حديث صحيح. (¬4) انظر: "روضة الطالبين" (3/ 134). (¬5) انظر: "المغني" لابن قدامة (4/ 156 - 157). (¬6) في "الموطأ" (1/ 358 رقم 94) وهو موقوف صحيح. (¬7) أخرجه البخاري رقم (5114) ومسلم رقم (46/ 1410) والترمذي رقم (842) والنسائي رقم (2840) وأبو داود رقم (1844) وابن ماجه رقم (1965).

زاد البخاري (¬1) في أخرى: فِي عُمْرةِ القَضَاءِ وَبَنَى بِهَا وَهُوَ حَلَالٌ وَمَاتَتْ بِسَرِفَ. [صحيح]. وقال أبو داود (¬2): قال ابن المسيب: وَهِمَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - فِي تَزْوِيجِ مَيْمُوْنَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ. [صحيح مقطوع]. وفي أخرى للنسائي (¬3): تَزَوَّجَ النبي - صلى الله عليه وسلم - وهُوَ مُحْرِمٌ وَلَمْ يَذْكُرْ مَيْمُونَةَ - رضي الله عنها -. [شاذّ]. قوله: "في حديث ابن عباس تزوج ميمونة وهو محرم" أي: عقد عقد نكاحها وهو كذلك للإجماع على فساد الجماع للحج والعمرة, وقد اختلف في تزوجه - صلى الله عليه وسلم - ميمونة، فالذي قاله ابن عباس: "أنه كان - صلى الله عليه وسلم - محرماً"، وجاء نحوه عن عائشة وأبي هريرة، وجاء عن ميمونة نفسها أنه كان حلالاً، وعن أبي رافع مثله كما يأتي، وأنه كان السفير بينهما. وقد اختلف العلماء في هذه المسألة، فالجمهور (¬4) على المنع لحديث عثمان: "لا ينكح المحرم ولا ينكح" أخرجه مسلم (¬5)، وأجابوا (¬6) عن حديث ميمونة هذا بأنه اختلف في الواقعة كيف كانت فلا تقوم به حجة، ولأنه يحتمل الخصوصية فكان حديث النهي أولى أن يؤخذ به. ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (4258، 4259). (¬2) في "السنن" رقم (1845) وهو صحيح مقطوع. (¬3) في "السنن" رقم (2838) وهو حديث شاذ. (¬4) انظر: "المغني" (5/ 205 - 207) "المجموع شرح المهذب" (7/ 302). (¬5) في "صحيحه" رقم (41/ 1409) من حديث عثمان بن عفان - رضي الله عنه - وأخرجه أحمد (1/ 57) وأبو داود رقم (1841) والنسائي رقم (2842، 2843) وابن ماجه رقم (1966) والترمذي رقم (840) والبزار رقم (361) وابن خزيمة رقم (2649) وابن الجارود رقم (444) والطحاوي (2/ 268) وابن حبان رقم (4133) والبيهقي في "السنن الكبرى" (5/ 65) من طرق وهو حديث صحيح. (¬6) انظر: "فتح الباري" (4/ 52)، "المجموع شرح المهذب" (7/ 302).

وقال عطاء وعكرمة وأهل الكوفة (¬1): يجوز للمحرم أن يتزوج كما يجوز له أن يشتري الجارية للوطء، وتعقب بأنه قياس في مقابلة السنة فلا يعتد به. وتأولوا حديث عثمان بأن المراد به الوطء، وردَّ بأنه صريح بقوله: "ولا يُنكح" بضم أوله، وبقوله: "لا يخطب". قوله: "أخرجه الخمسة". قلت: وقال الترمذي (¬2) بعد روايته أنه حديث حسن صحيح، قال: والعمل على هذا عند بعض أهل العلم، وبه يقول سفيان الثوري وأهل الكوفة. انتهى. 36 - وعن أبي رافع - رضي الله عنه - قَالَ: تَزَوَّجَ النبي - صلى الله عليه وسلم - مَيْمُونَةَ وَهُوَ حَلَالٌ، وَبَنَى بِهَا وَهُوَ حَلَالٌ، وَكُنْتُ أَنَا الرَّسُولُ بَيْنَهُمَا. أخرجه الترمذي (¬3). [حسن]. ¬

_ (¬1) قال ابن عبد البر في "لاستذكار" (11/ 263 رقم 16285): وقال أبو حنيفة وأصحابه وسفيان الثوري: لا بأس أن يَنكح المحرم، وأن يُنكح، وهو قول القاسم بن محمد وإبراهيم النخعي: "الاستذكار" رقم (16286) قال عبد الرزاق: وقال النووي: لا يلتفت إلى أهل المدينة, حجة الكوفيين في جواز نكاح المحرم حديث ابن عباس: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نكح ميمونة وهو محرم. "الاستذكار" رقم (16289). رواه عن ابن عباس جماعة من أصحابه منهم: عطاء بن أبي رباح، ومجاهد، وجابر بن زيد أبو الشعثاء، وعكرمة, وسعيد بن جبير، "الاستذكار" (11/ 263 رقم 16290). * والحق أنه يحرم أن يتزوج المحرم أو يزوج غيره كما ذهب إليه الجمهور. انظر: "فتح الباري" (4/ 52 - 53)، "المجموع شرح المهذب" (7/ 302 - 304). (¬2) في "السنن" (3/ 202). (¬3) في "السنن" (841) وقال: هذا حديث حسن. وأخرجه أحمد (6/ 392 - 393)، والطحاوي في شرح "معاني الآثار" (2/ 270) وفي "مشكل الآثار" رقم (580) وابن حبان رقم (4130) و (4135) والطبراني في "الكبير" رقم (915) والدارقطني في "السنن" (3/ 262) وأبي نعيم في "الحلية" (3/ 264) والبيهقي في "دلائل النبوة" (4/ 336) وفي "السنن الكبرى" =

"بنى الرجل بزوجته" دخل بها، وقال الجوهري (¬1): لا يقال بنى بها بل بنى عليها. قوله: "أخرجه الترمذي" [116 ب]. قلت: وقال (¬2): قال أبو عيسى: هذا حديث حسن، ولا أعلم أحداً أسنده غير حماد بن زيد عن مطر الوراق عن ربيعة. وروى مالك (¬3) بن أنس عن ربيعة عن سليمان بن يسار: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تزوج ميمونة وهو حلال"، رواه مالك مرسلاً. انتهى. ورواه أيضاً سليمان بن بلال مرسلاً. 37 - وعن ميمومة - رضي الله عنها - قَالَتْ: تَزَوَّجَنِي رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - وَنحْنُ حَلَالَانِ بِسَرِفَ. أخرجه مسلم (¬4) وأبو داود (¬5) والترمذي (¬6)، وهذا لفظ أبي داود. [صحيح]. وعند مسلم (¬7): تَزَوَّجَهَا وَهُوَ حَلَالٌ، قَالَ الرَّاوِي: وَهُوَ يَزيْد بن الأَصَمِّ: وكانت خالتي وخالة ابن عباس. [صحيح]. ¬

_ = (5/ 66)، (7/ 211) وابن عبد البر في "التمهيد" (3/ 152) والبغوي في "شرح السنة" رقم (1982) وهو حديث حسن. (¬1) في "الصحاح" (6/ 2286). (¬2) في "السنن" (3/ 200). (¬3) في "الموطأ" (1/ 348 رقم 69). (¬4) في "صحيحه" رقم (48/ 1411). (¬5) في "السنن" رقم (1843). (¬6) في "السنن" رقم (845) وقال: هذا حديث غريب. وأخرجه أحمد (6/ 333) وأبو يعلى رقم (7105) والدولابي في "الكنى" (2/ 283) وابن حبان رقم (4134) والدارقطني في "سننه" (3/ 261 - 262) والحاكم (4/ 31) والبيهقي (7/ 211). قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي. وهو حديث صحيح. (¬7) في "صحيحه" رقم (48/ 1411). =

وزاد الترمذي (¬1): وَبَنَى بِهَا حَلَالَاً وَمَاتَتْ بِسَرِفَ وَدَفَنَّاهَا فِي الظُّلَّةِ الّتِي بَنى بِهَا فِيهَا. [صحيح]. "سَرِف" بوزن كتِف: جبل بطريق المدينة. قوله: "وزاد الترمذي وبنى بها بسرف" إلى آخره. قلت: وقال عقبه: قال أبو عيسى (¬2): هذا حديث غريب، وروى غير واحد هذا الحديث عن يزيد بن الأصم مرسلاً: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تزوج ميمونة وهو حلال". 38 - وعن سليمان بن يسار قال: بَعَثَ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَبَا رَافِعٍ مَوْلَاهُ وَرَجُلَاً مِنْ الأَنْصَارِ فَزَوَّجَاهُ مَيْمُونَةَ بِنْتَ الحَارِثِ، وَرَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بِالمَدِيْنَةِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ. أخرجه مالك (¬3). [ضعيف]. قوله: "أخرجه مالك" أي: مرسلاً كما قدمناه عن الترمذي. 39 - وعن عثمان - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَا يَنكِحُ المُحْرِمُ وَلَا يُنْكِحُ وَلَا يَخْطُبُ". أخرجه الستة (¬4) إلا البخاري. [صحيح]. قوله: "في حديث عثمان لا ينكح" بفتح المثناة التحتية وكسر الكاف، أي: لا يعقد لنفسه عقد النكاح. ¬

_ = وأخرجه ابن ماجه رقم (1964) والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (2/ 270) وفي "مشكل الآثار" رقم (5802) وابن حبان رقم (4136) والطبراني في "الكبير" (ج 23 رقم 1059) و (ج 24 رقم 45) والبيهقي في "السنن الكبرى" (5/ 66) وفي "السنن الصغير" رقم (1567) و (2505) وفي "المعرفة" رقم (9744). وهو حديث صحيح. (¬1) في "السنن" رقم (845) وقد تقدم. (¬2) في "السنن" (3/ 203). (¬3) في "الموطأ" (1/ 348 رقم 69) ضعيف. (¬4) أخرجه مسلم رقم (41/ 1409) وأبو داود رقم (1841) والنسائي رقم (2842، 2843) وابن ماجه رقم (1966) والترمذي رقم (840) وغيرهم، وقد تقدم ذكرهم. وهو حديث صحيح.

وَ"لا يُنكح" بضم المثناة التحتية، أي: لا يعقد لغيره ولياً أو وكيلاً أو فضولياً. قوله: "ولا يخطب" لنفسه ولا لغيره. 40 - وعن نافع قال: قَالَ ابْنُ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: لَا يَنْكِحُ المُحْرِمُ وَلَا يَنْكِحُ وَلَا يَخْطِبُ عَلَى نَفْسِهِ وَلَا عَلَى غَيْرهِ (¬1). [موقوف صحيح]. 41 - وعن أبي غطفان المُرِّي: أَنَّ أَبَاهُ طَرِيفاً تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَهُوَ مُحْرِمٌ فَرَدَّ عُمَرُ نِكَاحَهُ. (¬2) أخرجهما مالك. [موقوف ضعيف]. قوله: "وعن أبي غطفان" بالغين المعجمة والفتحات، وهو ابن طريف (¬3)، أو ابن مالك المري بالراء، المدني قيل: اسمه سعد. قوله: "فردَّ نكاحه" أي: أبطله للنهي عنه. 42 - وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: كُنْتُ يَوْمًا جَالِسًا مَعَ رِجَالٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي مَنْزِلٍ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ، وَرَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أَمَامَنَا وَالقَوْمُ مُحْرِمُونَ وَأَنَا غَيْرُ مُحْرِمٍ عَامَ الحُدَيبِيِّةِ، فَأَبْصَرَوا حِمَارًا وَحْشِيًّا وَأَنَا مَشْغُولٌ أَخْصِفُ نَعلي، فَلَمْ يُؤْذِنُونِي، وَأَحَبُّوا لَوْ أَنِّي أَبْصَرْتُهُ, فَالتَفَتُّ فَأَبْصَرتُهُ فَقُمْتُ إِلَى الفَرَسِ فَأَسْرَجْتُهُ، ثُمَّ رَكِبْتُ وَنَسِيتُ السَّوْطَ وَالرُّمْحَ، فَقُلْتُ لَهُمْ نَاوِلُونِي السَّوْطَ وَالرُّمْحَ، فَقَالُوا لاَ وَالله لاَ نُعِينُكَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ، فَغَضِبْتُ فَنَزَلْتُ فَأَخَذْتُهُمَا، ثُمَّ رَكِبْتُ فَشَدَدْتُ عَلَى الحِمَارِ فَعَقَرْتُهُ, ثُمَّ جِئْتُ بِهِ وَقَدْ مَاتَ فَوَقَعُوا فِيهِ يَأْكُلُونَهُ, ثُمَّ إِنَّهُمْ شَكُّوا فِي أَكْلِهِمْ إِيَّاهُ وَهُمْ حُرُمٌ، فَرُحْنَا وَخَبَأْتُ العَضُدَ مَعِي، فَأَدْرَكْنَا النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - فَسَألنَاهُ عَنْ ذَلِكَ ¬

_ (¬1) أخرجه مالك في "الموطأ" (1/ 349 رقم 72) وهو موقوف صحيح. (¬2) أخرجه مالك في "الموطأ" (1/ 349 رقم 71) وهو موقوف ضعيف. (¬3) قاله الحافظ في "التقريب" (2/ 461 رقم 18).

فَقَالَ: "هَلْ مَعَكُمْ مِنْهُ شَيْءٌ؟ " فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَنَاوَلْتُهُ العَضُدَ فَأَكَلَهَا وَهْوَ مُحْرِمٌ, وَقَالَ: "إِنَّمَا هِيَ طُعْمَةٌ أَطْعَمْكُوهَا الله". أخرجه الستة (¬1). [صحيح]. وزاد في رواية لهم (¬2): هُوَ حَلَالٌ فكُلُوه. [صحيح]. وفي أخرى (¬3) فَقَالَ لَهُمْ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَمِنْكُمْ أَحَدٌ أَمَرَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهِ أَوْ أَشَارَ إِلَيْهِ؟ " قَالُوا لَا، قَالَ: فَكُلُوْا. [صحيح]. وفي أخرى (¬4) قال: "أَشَرْتُمْ أَوْ أَعَنْتُمْ أَوِ اصَّدْتُمْ". [صحيح]. قوله: "عن أبي قتادة [117 ب] " هذا هو النوع السادس في "الجامع" (¬5) في الصيد. وأبو قتادة (¬6) اسمه الحارث ويقال: عمرو، أو النعمان بن الربعي بكسر الراء وسكون الموحدة بعدها مهملة، صحابي جليل شهد أحداً وما بعدها ولم يصح أنه شهد بدراً. قوله: "وأنا غير محرم" قد استشكل عدم إحرامه، وقد جاوز الميقات، وقد تقرر أنّ من أراد أحد النسكين لا يجوز له مجاوزة الميقات إلا بإحرام. قال القاضي (¬7) في جوابه: إنّ المواقيت لم تكن وقتت، وقيل: إنه - صلى الله عليه وسلم - بعثه وأصحابه لكشف عدوٍّ لهم بالساحل كما ذكر مسلم (¬8) في الرواية الأخرى. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (1824) ومسلم رقم (59/ 1196) وأبو داود رقم (1852) والترمذي رقم (847) والنسائي رقم (2816) وابن ماجه رقم (3093). (¬2) أخرجه البخاري رقم (1823، 2914، 5490، 5492)، ومسلم في "صحيحه" رقم (56/ 1196). (¬3) البخاري في "صحيحه" رقم (1824) ومسلم رقم (60/ 1196). (¬4) أخرجها مسلم في "صحيحه" رقم (61/ 1196). (¬5) (3/ 55). (¬6) انظر: "الاستيعاب" رقم (3108 - الأعلام) "التقريب" (2/ 462 رقم 5). (¬7) في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (4/ 198). (¬8) في "صحيحه" رقم (60/ 1196).

وقيل: إنّ أبا قتادة لم يكن خرج معه - صلى الله عليه وسلم - وإنما أخرجه أهل المدينة بعد ذلك ليعلم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن بعض العرب يقصدون الإغارة على المدينة. وقيل: بل خرج معهم لكنه لم ينو حجاً ولا عمرة، قال القاضي (¬1): وهذا بعيد. قوله: "وأحبّوا لو أني أبصرته" كأنه فهم محبتهم من القرائن، وفيه دليل على أنه لا لوم في محبة الإنسان لما يحرم عليه سببه وهو هنا الاصطياد. قوله: "فغضبت" كأنه لم يعلم أنها تحرم عليهم الإعانة له، وفي رواية أنهم قالوا: "لسنا نعينك عليه بشي [118 ب] إنّا محرمون"، وفيه دليل على أن قوله تعالى: {لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} (¬2) شامل للإعانة عليه والإشارة مع أنهم ليسوا بقاتلين لكنهم شاركوا قاتله بالإعانة والإشارة، وأنه أريد في الآية ما هو أعم من المباشرة للقتل، أو كأنهم فهموا أنّ الإعانة محرمة من السنة، فإنه قد قال - صلى الله عليه وسلم -: "أمنكم أحد أمره أن يحمل عليه أو أشار إليه؟ قالوا: لا"، فقد كانوا سبق علمهم بتحريم الإعانة، ويأتي أنه لا يحرم على المحرم إلا ما صاده أو صيد لأجله فلذا أكل - صلى الله عليه وسلم - منها العضد، ويأتي التوفيق بين هذا وبين ردّه - صلى الله عليه وسلم - لما أهداه له الصعب. 43 - وَعَنِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّهُ أَهْدَى إِلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - حِمَارًا وَحْشِيًّا، وَهْوَ بِالأَبْوَاءِ أَوْ بِوَدَّانَ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ، فَلمَّا رَأَى مَا فِي وَجْهِهِ قَالَ: "إِنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ إِلاَّ أَنَّا حُرُمٌ". أخرجه الستة (¬3) إلا أبا داود. [صحيح]. قوله: "وعن الصعب" (¬4) اسمه يزيد بن قيس بن ربيعة الليثي. وَ"جثامة" بفتح الجيم وتشديد المثلثة. ¬

_ (¬1) أي القاضي عياض في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (4/ 199). (¬2) سورة المائدة الآية (95). (¬3) أخرجه البخاري رقم (1825) ومسلم رقم (50/ 1193) والترمذي رقم (849) والنسائي رقم (2819، 2820، 2823) وابن ماجه رقم (3090). (¬4) "الاستيعاب" رقم (1226 - الأعلام).

قوله: "وهو بالأبواء" (¬1) بفتح الهمزة وسكون الموحدة والمد، جبل من عمل [175/ أ] الفرع بضم الفاء والراء بعدها مهملة. قوله: "أو بودّان" (¬2) شك من الراوي وهو بفتح الواو وتشديد الدال وآخره نون موضع بالجحفة. قوله: "فلما رأى ما في وجهه" أي: من الكراهية وبهذا صرح الترمذي (¬3)، ومثله لابن خزيمة في رواية الطبراني: "إنّا لم نردّه عليك كراهية له". قوله: "إلا أنا حرم" زاد النسائي: "لا نأكل الصيد" وقد وردت أحاديث: "أنه - صلى الله عليه وسلم - أكل من الصيد وهو محرم"، فأخذ بها الكوفيون وأجازوا للمحرم أكل الصيد وجزم الجمهور بحرمته وجمعوا (¬4) بأنه يحرم ما صاده [119 ب] بنفسه أو صيد لأجله، وأحاديث رده - صلى الله عليه وسلم - محمولة على هذا، وأحاديث قبوله محمولة على أنه لم يصد لأجله كما ثبت به الحديث وهو "صيد البر لكم حلال وأنتم حرم ما لم تصيدوه أو يصاد لكم" يأتي قريباً أنه أخرجه أصحاب "السنن". 44 - وفي أخرى للنسائي (¬5) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: أَنَّ الصَّعْبُ بْنُ جَثَّامَةَ أَهْدَى إِلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - رِجْلَ حِمَارِ وَحْشٍ تَقْطُرُ دَمًا وَهُوَ مُحْرِمٌ بِقُدَيْدٍ فَرَدَّهَا عَلَيْهِ. [صحيح]. "والمُرَادُ بِرِجْلِ الحِمَارِ هُنَا فَخِذُهُ". ¬

_ (¬1) انظر "النهاية في غريب الحديث" (1/ 20). (¬2) قال ياقوت في "معجم البلدان" (5/ 365) ودَّان: بالفتح، كأنه فعلان من الود وهو المحبة، ثلاثة مواضع: أحدها: بين مكة والمدينة, قرية جامعة من نواحي الفرع، بينها وبين هرشي ستة أميال، وبينها وبين الأبواء نحو من ثمانية ميال قريبة من الجحفة. وانظر: النهاية (2/ 837). (¬3) في "السنن" رقم (849). (¬4) انظر: "فتح الباري" (4/ 33 - 34). (¬5) في "السنن" رقم (2822) وهو حديث صحيح.

قوله: "وفي أخرى للنسائي عن ابن عباس" وأخرجه مسلم (¬1) بلفظ: "أهدى الصعب رجل حماراً". وفي رواية (¬2) عنده: "عجز حمار وحش تقطر دماً" وهو يعارض الرواية التي فيها "حماراً وحشياً" (¬3) فقال القرطبي (¬4) في الجمع بينهما: يحتمل أنه أحضر الصعب الحمار مذبوحاً ثم قطع منه عضواً بحضرة النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم قدّمه له فمن قال لحم حمار أراد ما قدمه للنبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: ويحتمل أن يكون من قال حماراً أطلق وأراد بعضه مجازاً، قال (¬5): ويحتمل أنه أهداه له حيَّاً فلما رده عليه ذكاه وأتاه بعضوٍ منه ظاناً أنه إنما رده له لمعنى يختص بجملته فأعلمه بامتناعه أنّ حكم الجزء من الصيد حكم الكل. قال (¬6): والجمع بينهما إذا أمكن أولى من توهيم بعض الروايات. وقال الشافعي (¬7): حديث مالك أنَّ الصعب أهدى حماراً أثبت من رواية من روى أنه أهدى لحم حمار. وقال الترمذي (¬8): روى بعض أصحاب الزهري في حديث الصعب "لحم حمار وحش" وهو غير محفوظ. انتهى. ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (63/ 1194). (¬2) أي مسلم في "صحيحه" رقم (54/ 1194). (¬3) عند مسلم في "صحيحه" رقم (50/ 1193) و (52، 53، 1194). (¬4) في "المفهم" (3/ 279). (¬5) أي القرطبي في "المفهم" (3/ 279). (¬6) أي القرطبي في "المفهم" (3/ 279). (¬7) أورده البيهقي في المعرفة (7/ 430 رقم 10585). (¬8) في "السنن" (3/ 206)، وانظر: "فتح الباري" (4/ 33).

فكلام القرطبي (¬1) جمع بين الروايات، وكلام الشافعي والترمذي ترجيح لرواية من قال: حمار وحش. 45 - وعن جابر - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: صَيْدُ الَبرِّ لَكُمْ حَلَالٌ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ مَا لَمْ تَصِيدُوهُ أَوْ يُصَادُ لَكُمْ. أخرجه أصحاب السنن (¬2). [ضعيف]. قوله: "أو يصاد لكم" هكذا الرواية بالألف وهي جائزة على لغة، ومنه: أَلَمْ يأتيكَ والأنباءُ تَنْمِي (¬3) [120 ب]. قوله: "في حديث جابر صيد البر لكم حلال ... " الحديث. وقوله: "أخرجه أصحاب السنن". ¬

_ (¬1) في "المفهم" وقد تقدم. (¬2) أخرجه أبو داود رقم (1851) والترمذي رقم (846) والنسائي رقم (2827). وأخرجه أحمد (3/ 362) وابن خزيمة رقم (2641) وابن حبان رقم (3971) والحاكم (1/ 452) وابن الجارود رقم (437) والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (2/ 171) والدارقطني (2/ 290 رقم 245) والبيهقي (5/ 190) والشافعي رقم (839 - ترتيب) والبغوي في "شرح السنة" (7/ 263 - 264) وابن عبد البر في "التمهيد" (9/ 62) و"الاستذكار" (11/ 277 رقم 16340) والبيهقي في المعرفة (7/ 429 رقم 10579) من طرق عن عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب، عن المطلب، عن جابر. وهو حديث ضعيف. (¬3) وهو من شواهد "المغني" (1/ 328 - شرح السيوطي) الشاهد رقم (148) وهو مطلع قصيدة لقيس بن زهير بن خذيمة بن رواحة العبسي، والبيت هكذا: ألَمْ يأتيك والأَنباءُ تَنْمِي ... بما لَاقَت لَبُونُ بني زيادِ وهو شاهد على إثبات حرف العلة مع الجازم ضرورة. انظر "الكتاب" (2/ 59).

قلت: قال الترمذي (¬1): قال أبو عيسى حديث جابر مفسر، والمطلب لا نعرفه له سماعاً من جابر، والعمل على هذا عند بعض أهل العلم. انتهى كلامه. ونقل المنذري في "مختصر السنن" (¬2) كلام الترمذي هذا في أنّ المطلب (¬3) لم يسمع من جابر ثم قال: وذكر أبو حاتم (¬4) أنه لم يسمع من جابر، وقال: ابنه عبد الرحمن بن أبي حاتم: يشبه أن يكون أدركه. انتهى. والحاصل أنّ روايته ليست إلا من طريق المطلب عن جابر. 46 - وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُثْمَانَ قَالَ: كُنَّا مَعَ طَلْحَةَ وَنَحْنُ حُرُمٌ فَأُهْدِىَ لَنَا طَيْرٌ وَطَلْحَةُ رَاقِدٌ فَمِنَّا مَنْ أَكَلَ مِنْهُ وَمنَّا مَنْ تَوَرَّعَ فَلَمْ يَأْكُلْ فَاسْتَيْقَظَ طَلْحَةُ وَوَفَّقَ مَنْ أَكَلَهُ، وَقَالَ أَكَلْنَاهُ مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -. أخرجه مسلم (¬5) والنسائي (¬6). [صحيح]. "وَفَّقَ مَنْ أَكلَهُ" (¬7) أي صوَّب رأيه. قوله: "عن عبد الرحمن بن عثمان" هو ابن عبيد الله بن عثمان قرشي، وهو ابن أخي طلحة بن عبيد الله، وعبد الرحمن صحابي قيل: له إدراك وليست له رواية. ¬

_ (¬1) في "السنن" (3/ 204). (¬2) (2/ 362). (¬3) قال ابن حجر في "التقريب" (2/ 254 رقم 1176) المطلب بن عبد الله بن المطلب بن حنطب بن الحارث المخزومي، صدوق، كثير التدليس والإرسال من الرابعة. (¬4) في "الجرح والتعديل" (8/ 359 رقم 1643). (¬5) في "صحيحه" رقم (65/ 1197). (¬6) في "السنن" رقم (2817). وأخرجه أحمد (1/ 161، 162) والبزار رقم (931) وأبو يعلى رقم (630) وابن خزيمة رقم (2638) والدارقطني في "العلل" (4/ 216 - 217) وهو حديث صحيح. (¬7) قال ابن الأثير في "النهاية" (2/ 868) أي دعا له بالتوفيق، واستصوب فعله.

قوله: "وقال أكلناه مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " هو محمول على أنه لم يصد لأجلهم، وعليه يحمل حديث عثمان، وأنه إنما يحرم على من صيد لأجله، ويحل لغيره من المحرمين لأنهم ما صادوه ولا صيد لأجلهم. 47 - وَعَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ: أُتِيَ عُثْمَانَ - رضي الله عنه - بِلَحْمَ صَيْدٍ وَهُوَ بِالعَرْجِ، فَقَالَ لأَصْحَابِهِ كُلُوا. فَقَالُوا أَوَلاَ تَأْكُلُ أَنْتَ؟ فَقَالَ: إِنِّي لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ إِنَّمَا صِيدَ مِنْ أَجْلِى. أخرجه مالك (¬1) [موقوف صحيح]. 48 - وَعَنْ عُرْوَةَ: أَنَّ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ لَهُ وَقَدْ سَأَلْهَا عَنْ لَحْمِ صَيْدٍ لَمْ يُصَدْ مِنْ أَجْلِهِ؛ يَا ابْنَ أُخْتِي! إِنَّمَا هِيَ عَشْرُ لَيَالٍ، فَإِنْ تَخَلَّجَ فِي نَفْسِكَ شَيْءٌ فَدَعْهُ. أخرجه مالك (¬2). 49 - وَعَنِ البَهْزِيِّ - رضي الله عنه -، وَاسْمُهُ زَيْدِ بْنِ كَعْبٍ: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - خرَجَ يُرِيدُ مَكَّةَ وَهو مُحْرِمٌ حَتَّى إِذَا كَانَ بِالرَّوْحَاءِ إِذَا حِمَارُ وَحْشٍ عَقِيرٌ فَذُكِرَ لِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "دَعُوهُ فَإِنَّهُ يُوشِكُ أَنْ يَجِيْءَ صَاحِبُهُ"، فَجَاءَ البَهْزِيُّ وَهُوَ صَاحِبُهُ، إِلَى رَسُوْلِ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله! شَأْنَكُمْ بِهَذَا الحِمَارِ، فَأَمَرَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أبا بَكْرٍ يُقَسِّمَهُ بَيْنَ الرِّفَاقِ، ثُمَّ مَضَى حَتَّى إِذَا كَانَ بِالإثَايَةِ بَيْنَ الرُّوَيْثَةِ وَالعَرْجِ إِذَا ظَبْيٌ حَاقِفٌ فِي ظِلٍّ وَفِيهِ سَهْمٌ فَزَعَمَ أَنَّ النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَ رَجُلاً أَنْ يَقِفَ عِنْدَهُ لاَ يَرِيبُهُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ حَتَّى يُجَاوِزُهُ. أخرجه مالك (¬3) والنسائي (¬4). [صحيح]. "الحَاقِفُ" (¬5) الذي انحنى وتثنَّى في نومه. قوله: "وعن البهزي" بفتح الموحدة وسكون الهاء فزاي، واسمه كما قال "المصنف" وفي "التقريب" (¬6): صحابي له حديث. ¬

_ (¬1) في "الموطأ" (1/ 354 رقم 84) موقوف صحيح. (¬2) في "الموطأ" (1/ 354 رقم 85) موقوف صحيح. (¬3) في "الموطأ" (1/ 351 رقم 79). (¬4) في "السنن" رقم (2818) وهو حديث صحيح. (¬5) ذكره ابن الأثير في "غريب الجامع" (3/ 68). (¬6) (1/ 276 رقم 204).

قوله: "بالروحاء" (¬1) قرية جامعة على ليلتين من المدينة، وحديثه في الحمار محمول على ما سلف فإنه لم يصد لأجلهم. قوله: "الرويثة" (¬2) بالراء والمثلثة مصغّر، قرية [121 ب] جامعة بينها وبين المدينة سبعة عشر فرسخاً. وَ"العرج" (¬3) بفتح المهملة وسكون [الراء] (¬4) وبالجيم قرية جامعة بينها وبين الرويثة ثلاثة عشر ميلاً. قوله: "حاقف" أي: نائم قد انحنى في نومه. قوله: "لا يربيه" بفتح حرف المضارعة لا يتعرض له ويزعجه، وإنما أمر أن لا يربيه أحد لما رأى فيه من السهم فإنه قد صار لصاحب السهم. 50 - وعن عروة أن الزبير - رضي الله عنه -: كَانَ يَتَزَوَّدُ صَفِيفَ قَدِيدِ الظَّبَاءِ وَهُوَ مُحْرِمٌ. أخرجه مالك (¬5). [موقوف صحيح]. "الصَّفِيفُ وَالقَدِيدُ" (¬6) اللحم المملوح المُجَفَّفُ في الشمس، سمي صفيفاً لأنه يُصَف في الشمس لِيَجفَّ (¬7). ¬

_ (¬1) قال في "الروض المعطار في خبر الأقطار" (ص 277) الروحاء: قرية جامعة لمزينة على ليلتين من المدينة بينهما أحد وأربعون ميلاً. وانظر "معجم ما استعجم" (2/ 681 - 683). (¬2) قال في "الروض المعطار" (ص 277) الرُّويثة: قرية جامعة بينها وبين المدينة سبعة عشر فرسخاً. وانظر: "معجم ما استعجم" (2/ 686). (¬3) انظر "القاموس المحيط" (ص 253). (¬4) زيادة من (ب). (¬5) في "الموطأ" (1350 رقم 77) موقوف صحيح. (¬6) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 38) "الفائق" للزمخشري (1/ 86). (¬7) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (3/ 68).

قوله: "في حديث عروة قديد الظباء" محمول على أنه صيد له قبل إحرامه. 51 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ فَاسْتَقْبَلْنَا رِجْلٌ مِنْ جَرَادٍ فَجَعَلْنَا نَضْرِبُهُ بِسِيَاطِنَا وَقِسِيِّنَا فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "كلُوهُ فَإِنَّهُ مِنْ صَيْدِ البَحْرِ". أخرجه أبو داود (¬1) والترمذي (¬2) [ضعيف جداً]. "الرِّجْلُ مِنَ الجَرَادِ" (¬3) بكسر الراء وسكون الجيم: القطعة منه. قوله: "في حديث أبي هريرة رجل جراد" والعرب تسمي جماعة الجراد رجلاً، وجماعة الظباء سرباً (¬4)، وجماعة النعام (¬5) خطباً، وجماعة الحمير (¬6) عانة. قوله: "أخرجه الترمذي". قلت: وقال: قال (¬7) أبو عيسى: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث أبي المهزَّم عن أبي هريرة، وأبو المهزَّم (¬8) اسمه يزيد بن سفيان وقد تكلم فيه شعبة. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (1854) وقال أبو داود: أبو المهزم ضعيف والحديثان جميعاً وهم. (¬2) في "السنن" رقم (850) وقال: غريب. وأخرجه ابن ماجه رقم (3222) وهو حديث ضعيف جداً. (¬3) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (3/ 69). (¬4) انظر: "المجموع المغيث" (2/ 75). وقال ابن الأثير في "النهاية في غريب الحديث" (1/ 767) القطيع من الظباء والقطا والخيل ونحوها، ومن النساء على التشبيه بالظباء. (¬5) انظر "المعجم الوسيط" (2/ 935). (¬6) "القاموس المحيط" (ص 1571). (¬7) في "السنن" (3/ 207). (¬8) أبو المهزّم: التميمي، البصري، اسمه: يزيد، وقيل: عبد الرحمن بن سفيان، متروك، من الثالثة د ت ق. "التقريب" (2/ 478 رقم 150).

وقد رخص قوم من أهل العلم للمحرم أن يصيد الجراد ويأكله، ورأى بعضهم عليه صدقة إذا اصطاده أو أكله. انتهى كلامه. وقال المنذري (¬1): أبو المهزَّم متروك وهو بضم الميم وفتح الهاء وكسر الزاي وتشديدها وبعدها ميم، قال أبو بكر المعافري: ليس في هذا الباب حديث صحيح. انتهى. [122 ب]. 52 - وعن كعب قال: الجَرَادُ مِنْ صَيْدِ البَحْرِ. أخرجه مالك (¬2) وأبو داود (¬3). [ضعيف]. 53 - وزاد مالك: أن عمر - رضي الله عنه - قال له: وما يدريك؟ فقال: يا أمير المؤمنين، والذي نفسي بيده إن هي إلا نثرة حوت ينثره في كل عام مرتين. "النَّثْرَةُ" (¬4) للدواب بالنون: [شِدّة العَطْسَة] (¬5) يقال نَثرَتِ الشاة إذا طَرَحت عن أنفها الأذى. 54 - وَعَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها -: أَنَّ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ نُفِسَتْ بِمُحمَّدِ بنِ أَبِي بَكْرٍ بِالشَّجَرَةِ فَأَمَرَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أَبَا بَكْرٍ أَنْ يَأْمُرَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ وَتُهِلَّ. أخرجه مسلم (¬6) وأبو داود (¬7). [صحيح]. "نُفِسَتِ المَرْأَةُ" بضم النون وفتحها: إذا ولدت. ¬

_ (¬1) في مختصره (2/ 366). (¬2) في "الموطأ" (1/ 352 رقم 82) وهو موقوف ضعيف. (¬3) في "السنن" رقم (1855) وهو حديث ضعيف. (¬4) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (3/ 71). وانظر "النهاية" (2/ 709). (¬5) كذا في المخطوط، والذي في "غريب الجامع" شبه العطسة للإنسان. (¬6) في "صحيحه" رقم (1209). (¬7) في "السنن" رقم (1743). وأخرجه ابن ماجه رقم (2911) وهو حديث صحيح.

قوله: "في حديث عائشة نفست بالشجرة" بفتح النون وضمّها، يقال للمرأة إذا ولدت، وبالفتح وحده إذا حاضت، ويأتي للمصنف تفسيره، قيل: والفتح أفصح فيهما، قال النووي (¬1): سمي نفاساً لخروج النفس وهو المولود والدم أيضاً. قوله: "بالشجرة" في رواية "بذي الحليفة" وفي رواية: "بالبيداء"، وهذه المواضع الثلاثة متقاربة فالشجرة بذي الحليفة والبيداء بطرفها وكانت سمرة، وكان - صلى الله عليه وسلم - ينزلها من المدينة ويحرم منها وكانت على ستة أميال من المدينة. 55 - وعن أسماء بنت عميس - رضي الله عنها -: أَنَّهَا وَلَدَتْ مَحمَّداً بِالبَيْدَاءِ: وَذَكَرَ مِثْلَهُ. أخرجه مالك (¬2) والنسائي (¬3). [صحيح]. وفي رواية مالك (¬4): بِذِي الحُلَيْفَةِ فَأَمَرَهَا أَبُو بَكْرٍ أَنْ تَغْتَسِلَ ثُمَّ تُهِلَّ. [صحيح لغيره]. زاد النسائي (¬5) في أخرى: ثُمَّ تُهِلُّ بِالحَجِّ وَتَصْنَعُ مَا يَصْنَعُ النَّاسُ إِلَّا أَنَّهَا لَا تَطُوفُ بِالبَيْتِ، وَذلِكَ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ. [صحيح]. وفي أخرى له (¬6): أَرْسَلْتُ إِلَى رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كَيْفَ أَصْنَعُ؟ فَقَالَ: "اغْتَسِلِي وَاسْتَثْفِرِي ثُمَّ أَهِلِّي. [صحيح]. "اسْتَثْفَرَتِ الحَائِضُ" (¬7) إِذَا شَدَّت على فرجها خِرْقة وعَلَّقت طرَفيها إلى شيء مشدود في وسطها من مُقَدَّمها ومؤخرها. مَأْخُوذٌ من ثَفَر الدابة: وهو ما يكون تحت ذَنبَها. ¬

_ (¬1) في شرحه لـ "صحيح مسلم" (8/ 133). (¬2) في "الموطأ" (1/ 322 رقم 1) وهو صحيح لغيره. (¬3) في "السنن" رقم (2663) وهو حديث صحيح. (¬4) في "الموطأ" (1/ 322 رقم 2) وهو أثر صحيح لغيره. (¬5) في "السنن" رقم (2664) وهو حديث صحيح. (¬6) أي عند النسائي في "السنن" رقم (2761). وأخرجه مسلم رقم (1210) وهو حديث صحيح. (¬7) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (1/ 211 - 212) "غريب الحديث" للهروي (1/ 279).

قوله: "في حديث أسماء بنت عميس" وهي امرأة أبي بكر. قوله: "واستثفري" يأتي تفسيره للمصنف بما ذكره ابن الأثير (¬1). قال النووي (¬2): وفيه صحة إحرام النفساء والحائض [176/ أ] واستحباب اغتسالهما للإحرام وهو مجمع على الأمر به، وقال أهل الظاهر (¬3) أنه واجب ويصح من الحائض والنفساء يصح منهما كل [أفعال الحج] (¬4) إلا الطواف وركعتيه. انتهى. قلت: ويأتي عن ابن عمر بزيادة: "أنها لا تطوف بين الصفا والمروة"، وإن كان موقوفاً عليه فهو ثابت في المرفوع، وهل هو لترتبه ما في تقديم طوافها بالبيت أو لغيره وحديثه وحديث ابن عباس في معنى واحد. [123 ب]. 56 - وَعَنْ ابْنَ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أَنَّهُ قَالَ في المَرْأَةُ الحَائِضُ الَّتِي تُهِلُّ بِالحَجِّ أَوِ العُمْرَةِ: إِنَّهَا تُهِلُّ بِحَجِّهَا أَوْ عُمْرَتِهَا إِذَا أَرَادَتْ، وَلَكِنْ لاَ تَطُوفُ بِالبَيْتِ وَلاَ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوةِ، وَتَشْهَدُ المَنَاسِكَ كُلَّهَا مَعَ النَّاسِ، وَلاَ تَقْرَبُ المَسْجِدَ حَتَّى تَطْهُرَ. أخرجه مالك (¬5). [موقوف صحيح]. 57 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: "النُّفَسَاءُ وَالحَائِضُ إِذَا أَتَتَا عَلَى الميْقَاتِ تَغْتَسِلَانِ وَتَحْرِمَانِ وَتَقْضِيَانِ المَنَاسِكَ كُلَّهَا غيرَ الطَّوَافِ بِالبَيْتِ". أخرجه أبو داود (¬6) والترمذي (¬7). [صحيح]. ¬

_ (¬1) في "غريب الجامع" (3/ 74). (¬2) في شرحه لـ "صحيح مسلم" (8/ 133) وانظر "الإقناع" لابن المنذر (1/ 220). (¬3) في "المحلى" (2/ 26 - 27). (¬4) في المخطوط بياض، وما أثبتناه من شرح "صحيح مسلم" للنووي (8/ 133). (¬5) في "الموطأ" (1/ 342 رقم 54) وهو أثر موقوف صحيح. (¬6) في "السنن" رقم (1744). (¬7) في "السنن" رقم (945) وهو حديث صحيح.

58 - وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: قَالَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: "خَمْسٌ مِنَ الدَّوَابِّ لَيْسَ عَلَى المُحْرِمِ فِي قَتْلِهِنَّ جُنَاحٌ: الغُرَابُ وَالحِدْأَةُ، وَالعَقْرَبُ, وَالفَأْرَةُ, والكَلْبُ العَقُوْرُ. أخرجه الستة (¬1) إلا الترمذي. [صحيح]. وفي رواية (¬2): لَا جُنَاحَ عَلَى مَنْ قَتَلَهُنَّ فِي الحَرَمِ والإِحْرَامِ. [صحيح]. وفي أخرى لأبي داود (¬3) والترمذي (¬4) عن أبي سعيد الخدري: والسبع العادي. [ضعيف]. والمراد به الذي يعدو على الإنسان فيفترسه, وسيجيء لما يجوز قتله من الدواب باب في كتاب القتل من حرف القاف إن شاء الله تعالى. قوله: "وعن ابن عمر" هذا النوع الثامن في "الجامع" (¬5) وهو فيما يقتله المحرم من الدواب. "خمس من الدواب" مفهوم العدد غير مراد فقد وردت أحاديث (¬6) بقتل غيرها. قوله: "والحدأة" (¬7) بالهمزة على زنة عنبة ويجوز فتح أوله, طائر معروف وسمي الحدا بكسر أوله وفتح ثانية بعدها همزة بغير مد وهو لفظ البخاري (¬8) هنا. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (1828) ومسلم رقم (76/ 1199) وأبو داود رقم (1846) والنسائي رقم (2830) وابن ماجه رقم (3088)، وأخرجه أحمد (2/ 3)، (2/ 54). وهو حديث صحيح. (¬2) أخرجه أحمد (2/ 52) ومسلم رقم (79/ 1199)، والنسائي رقم (2832) وهو حديث صحيح. (¬3) في "السنن" رقم (1848). (¬4) في "السنن" رقم (3089). وهو حديث ضعيف، والله أعلم. (¬5) (3/ 75). (¬6) انظر: "فتح الباري" (4/ 38 - 39) "المغني" (5/ 175) "التمهيد" (8/ 237). (¬7) انظر "المحكم والمحيط الأعظم" (3/ 406). (¬8) في "صحيحه" رقم (1828).

قوله: "العقور" العضوض فعول بمعنى فاعل، وهو من أبنية المبالغة، والمراد به كل سبع عاقر كالكلب والأسد والنمر، قاله في "الجامع" (¬1) ويناسبه رواية (¬2) الترمذي عن الخدري بلفظ "السبع العادي". 59 - وَعَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ أَبِي عَلْقَمَةَ عَنْ أُمِّهِ: أَنَّهَا سَمِعْتُ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - تُسْأَلُ عَنِ المُحْرِمِ أَيَحُكُّ جَسَدَهُ, قَالَتْ نَعَمْ فَلْيَحُكَّهُ وَلْيَشْدُدْ، ثُمَّ قَالَتْ: لَوْ رُبِطَتْ يَدَايَ وَلَمْ أَجِدْ إِلاَّ رِجْلَيَّ لَحَكَكْتُ. أخرجه مالك (¬3). [موقوف حسن]. قوله: "عن علقمة بن أبي علقمة" اسم أبي علقمة بلال مولى عائشة أم المؤمنين، روى عن أنس بن مالك وعن أمه، روى عنه مالك بن أوس وسليمان بن بلال. قوله: "عن أمه" قال الحافظ (¬4): اسمها مرجانة. قوله: "قالت: نعم" وفي البخاري (¬5) "ولم ير ابن عمر وعائشة بالحك بأساً". قال الحافظ (¬6): أمّا أثر ابن عمر فوصله البيهقي من طريق أبي مجلز قال: "رأيت ابن عمر يحك رأسه وهو محرم ففطنت له فإذا هو يحك بأطراف أنامله". وأمّا أثر عائشة فوصله مالك عن علقمة بن أبي علقمة عن أمه، وساق الحديث الذي هنا وهذان الأمران وإن كانا موقوفين فالأصل جواز الحك ولم يأت عنه نهي. 60 - وَعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ - رضي الله عنها - قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - حُجَّاجًا حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالعَرْجِ نَزَلَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وَنَزَلْنَا فَجَلَسَتْ عَائِشَةُ إِلَى جَنْبِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وجَلَسْتُ إِلَى ¬

_ (¬1) (3/ 76). (¬2) تقدم وهو حديث ضعيف. (¬3) في "الموطأ" (1/ 358 رقم 93) وهو أثر موقوف حسن. (¬4) في "التقريب" (2/ 31 رقم 284) حيث قال: وهو علقمة, ابن أم علقمة, واسمها مرجانة، ثقة علّامة من الخامسة. (¬5) في "صحيحه" (4/ 55 الباب رقم 14). (¬6) في "فتح الباري" (4/ 56).

جَنْبِ أَبِي بَكْرٍ فَكَانَتْ زَامَلَةْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وَزَامِلَةُ أَبِي بَكْرِ وَاحِدَةً مَعَ غُلاَمٍ لأَبِي بَكْرٍ - رضي الله عنه - فَجَلَسَ أَبُو بَكْرٍ [يَنْتَظِرُ] (¬1) أَنْ يَطْلُعَ عَلَيْهِ فَطَلَعَ وَلَيْسَ مَعَهُ بَعِيرُهُ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَيْنَ بَعِيرُكَ؟ فَقَالَ: أَضلَلْتُهُ البَارِحَةَ، فَقَالَ أبُو بَكْرٍ: بَعِيرٌ وَاحِدٌ تُضِلُّهُ؟ وَطَفِقَ يَضْرِبُهُ وَرَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَتبَسَّمُ وَيَقُولُ: "انْظُرُوا إِلَى هَذَا المُحْرِمِ مَا يَصْنَعُ"، وَمَا يَزِيْدُ عَلَى ذَلِكَ وَيَتَبَسَّمُ. أخرجه أبو داود (¬2). [حسن]. قوله: "وعن أسماء بنت أبي بكر [124 ب] " هذا جعله ابن الأثير (¬3) نوعاً كما جعل حكّ الجسد نوعاً فقال هنا: النوع العاشر في الضرب وساق حديث أسماء. قوله: "وكانت زاملة رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - " الزاملة بالزاي البعير الذي يحمل عليه الطعام والمتاع، من الزمل وهو الحمل، وفي "غريب الجامع" (¬4): ما يحمل عليه الرجل زاده [وأدواته] (¬5) وما يركبه. قوله: "انظروا إلى هذا المحرم ما يصنع" فيه جواز ضرب الخادم تأديباً ولو كان الضارب محرماً؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - لم ينه أبا بكر. قوله: "أخرجه أبو داود" قال المنذري (¬6): فيه محمد بن إسحاق وقد تقدم الكلام فيه. 61 - وعن ربيعة بن عبد الله: أَنَّهُ رَأَى عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ - رضي الله عنه - يُقَرِّدُ بَعِيراً لَهُ وَهُوَ مُحْرِمُ (¬7). [موقوف صحيح]. ¬

_ (¬1) في (ب) ينظر، وما أثبتناه من (أ) وسنن أبي داود. (¬2) في "السنن" رقم (1818)، وأخرجه ابن ماجه رقم (2933) وهو حديث حسن. (¬3) في "الجامع" (3/ 79). (¬4) (3/ 80). وانظر: "النهاية في غريب الحديث" (1/ 732) "المجموع المغيث" (2/ 27). (¬5) كذا في المخطوط، والذي في "غريب الجامع"، وأداته. (¬6) في "مختصر السنن" (2/ 342). (¬7) أخرجه مالك في "الموطأ" (1/ 57 رقم 92) وهو أثر موقوف صحيح.

الفرع الأول: في التلبية

قوله: "في حديث ربيعة يقرد" بضم حرف المضارعة وقاف وتشديد الراء، يأتي تفسيره وهذا الأمر مقرر للأصل، فالأصل إباحة ذلك فكراهة ابن عمر كما رواه نافع لا دليل عليها. 62 - وعن نافع قال: كَانَ ابْنُ عُمرَ يَكْرَهُ أَنْ يَنْزِعَ المُحْرِمُ حَلمةً أَوْ قُرَاداً مِنْ بَعِيرِهِ. (¬1) أخرجهما مالك. [موقوف صحيح]. ومعنى "يُقَرِّدُ" (¬2) أي: ينزع عنه القُرْدان جمع قُراد وهو دُوَيبَة معروفة. "والحَلَمَةُ" (¬3) جمعها حلَم وهي: ما عظم من القراد. الفرع الأول (¬4): في التلبية قوله: "الفرع الثاني" قد سبق له أن الأصل فيه ثلاثة فروع، فلما فرغ من الأول أخذ في الثاني، وهكذا صنع ابن الأثير في جعله فرعاً ثانياً لكنه قسمه إلى نوعين. والتلبية مصدر لبى إذا قال: لبيك ولا [125 ب] يكون عامله إلا مضمراً. قال ابن عبد البر (¬5): قال جماعة من أهل العلم: معنى التلبية إجابة دعوة إبراهيم حين أذّن في الناس بالحج. انتهى. قال الحافظ (¬6): وهذا أخرجه عبد بن حميد (¬7)، وابن جرير (¬8)، وابن أبي حاتم (¬9)، بأسانيدهم في تفاسيرهم عن ابن عباس ومجاهد وعطاء وعكرمة وقتادة وغير واحد، ¬

_ (¬1) أخرجه مالك في "الموطأ" (1/ 58 رقم 95) وهو أثر موقوف صحيح. (¬2) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 434) "غريب الحديث" للهروي (3/ 183). (¬3) قال ابن الأثير في "غريب الجامع" (3/ 81). (¬4) هكذا كتبت وليس كما قال الشارح "الثاني" وفي (ب) فرع في التلبية. (¬5) في "الاستذكار" (11/ 92 رقم 15566). (¬6) في "فتح الباري" (3/ 409). (¬7) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (6/ 34). (¬8) في "جامع البيان" (10 ج 17/ 144 - 145). (¬9) في تفسيره (8/ 2487)، وانظر "تفسير ابن كثير" (10/ 42 - 43).

والأسانيد إليهم قوية وأقوى ما فيه عن ابن عباس ما أخرجه ابن أبي حاتم (¬1) من طريق قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه عنه "لمّا فرغ إبراهيم من بناء البيت قيل له: أذِّن في الناس بالحج قال: ما يبلغ صوتي، قال: أذِّن وعليَّ البلاغ، قال: فنادى إبراهيم: يا أيها الناس! كتب عليكم الحج إلى البيت العتيق، فسمعه من بين السماء والأرض، أفلا ترون أنّ الناس يجيئون من أقصى الأرض يلبّون". ومن طريق (¬2) ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس وفيه: "فأجابوه بالتلبية في أصلاب الرجال وأرحام النساء، وأوّل من أجابه أهل اليمن فليس حاجٌ يحج من يومئذ إلى أن تقوم الساعة إلا من كان أجاب إبراهيم يومئذ". قال ابن منير (¬3): وفي مشروعية التلبية تنبيه على إكرام الله لعباده بأن وفودهم إلى بيته إنما كان باستدعاء منه - صلى الله عليه وسلم -. انتهى. 1 - عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قَالَ: بَيْدَاؤُكُمْ هَذِهِ الَّتِي تَكْذِبُونَ عَلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فِيهَا: مَا أَهَلَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلاَّ مِنْ عِنْدِ المَسْجِدِ: يَعْنِي مسجد ذي الحُلَيْفَةِ. أخرجه الستة (¬4). [صحيح]. وفي رواية (¬5): مَا أَهَلَّ إِلَّا مَنْ عِنْدِ الشَّجَرَةِ حِينَ قَامَ بِهِ بَعِيرُهُ. [صحيح]. وفي أخرى للنسائي (¬6): قِيْلَ لِابْنِ عُمَرَ: رَأَيْتُكَ تُهِلُّ إِذَا اسْتَوَتْ بِكَ رَاحِلَتُكَ؟ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَفْعَلهُ. [صحيح]. ¬

_ (¬1) في تفسيره (8/ 2487). (¬2) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (8/ 2487). (¬3) في الحاشية كما في "فتح الباري" (3/ 409). (¬4) أخرجه البخاري رقم (1541) ومسلم رقم (23/ 1186) وأبو داود رقم (1771) والنسائي رقم (2757) والترمذي رقم (818) وابن ماجه رقم (2916) ومالك في "الموطأ" (1/ 332). (¬5) أخرجه البخاري رقم (1533) ومسلم رقم (24/ 1186). (¬6) في "السنن" رقم (2760) وهو حديث صحيح.

2 - وعن أنس - رضي الله عنه -: أن رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ رَكَبَ رَاحِلَتَهُ فَلمَّا عَلَا عَلَى حَبْلِ البَيْدَاءِ أَهَلَّ. أخرجه أبو داود (¬1) والنسائي (¬2). [صحيح]. زاد النسائي (¬3) في أخرى: وَأَهَلَّ بِالحَجِّ وَالعُمْرَةِ حينَ صَلَّى الظُّهْرَ. [صحيح]. 3 - وَعَنْ ابْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: عَجِبْتُ لِاخْتِلاَفِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي إِهْلاَلِهِ حِين أَوْجَبَ. فَقَالَ: إِنِّي لأَعْلَمُ النَّاسِ بِذَلِكَ إِنَّهَا إِنَّمَا كَانَتْ مِنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - حَجَّةٌ وَاحِدَةٌ فَمِنْ هُنَالِكَ اخْتَلَفُوا. خَرَجَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَاجًّا فَلمَّا صَلَّى فِي مَسْجِدِ ذِي الحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْهِ أَوْجَبَهُ فِي مَجْلِسِهِ فَأَهَلَّ بِالحَجِّ حِينَ فَرَغَ مِنْ رَكْعَتَيْهِ فَسَمِعَ ذَلِكَ مِنْهُ أَقْوَامٌ فَحَفِظْتُهُ عَنْهُ، ثُمَّ رَكِبَ فَلمَّا اسْتَقَلَّتْ بِهِ نَاقَتُهُ أَهَلَّ وَأَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْهُ أَقْوَامٌ، وَذَلِكَ أَنَّ النَّاسَ إِنَّمَا كَانُوا يَأْتُونَ أَرْسَالاً فَسَمِعُوهُ حِينَ اسْتَقَلَّتْ بِهِ نَاقَتُهُ يُهِلُّ فَقَالُوا إِنَّمَا أَهَلَّ حِينَ اسْتَقَلَّتْ بِهِ نَاقَتُهُ ثُمَّ مَضَى، فَلمَّا عَلاَ عَلَى شَرَفِ البَيْدَاءِ أَهَلَّ وَأَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْهُ أَقْوَامٌ فَقَالُوا إِنَّمَا أَهَلَّ حِينَ عَلاَ عَلَى شَرَفِ البَيْدَاءِ، وَأيْمُ اللهِ لَقَدْ أَوْجَبَ فِي مُصَلاَّهُ وَأَهَلَّ حِينَ اسْتَقَلَّتْ بِهِ نَاقَتُهُ وَأَهَلَّ حِينَ عَلاَ عَلَى شَرَفِ البَيْدَاءِ. قَالَ سَعِيدٌ بنُ جُبَيْر: فَمَنْ أَخَذَ بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَهَلَّ فِي مُصَلاَّهُ إِذَا فَرَغَ مِنْ رَكْعَتَيْهِ. أخرجه أبو داود (¬4). [ضعيف]. قوله: "بيداؤكم هذه التي تكذبون" إلى آخره وإلى قوله: "وعن ابن جبير". ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (1774). (¬2) في "السنن" رقم (2662). وهو حديث صحيح. (¬3) في "السنن" رقم (2755). (¬4) في "السنن" رقم (1770) وهو حديث ضعيف. وأخرجه أحمد (1/ 260) والترمذي رقم (819) وابن ماجه رقم (2926) والنسائي في المجتبى (5/ 162) وفي "السنن الكبرى" (4/ 55 رقم 3720) مختصراً: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أهل في دبر الصلاة. وهو حديث ضعيف، والله أعلم.

اعلم أن حديث ابن جبير عن ابن عباس [126 ب] أحسن شيء يجمع به بين الروايات هذه، ويظهر منه أنه لا يكذب في شيء لا من قال: من البيداء ولا غير، فيجب التمسك به وقد عين ابن عباس محل ابتدائه - صلى الله عليه وسلم - بالإهلال، وأنه أوجب في مصلاه، وأهلّ حين استقلت به راحلته، فما أجوده من حديث! هذا واعلم أنّ في حكم التلبية أقوالٌ أربعة؛ الأول: أنها سنة من "السنن" لا يجب بتركها شيء وهو قول الشافعي (¬1) وأحمد (¬2). والثاني: أنها واجبة (¬3) ويجب بتركها دم. الثالث: أنها واجبة لكن يقوم مقامها فعل يتعلق بالحج كالتوجه على الطريق. الرابع: أنها ركن من الإحرام لا ينعقد بدونها، حكاه ابن عبد البر (¬4) عن الثوري وأبي حنيفة (¬5) وأهل الظاهر (¬6) قالوا: هي نظير تكبيرة الإحرام للصلاة, وهو قول عطاء (¬7). قلت: وهو أقوى الأقوال. 4 - وعن نافع قال: كان ابن عمر - رضي الله عنهما - إذا دخل أدنى الحرم أمسك عن التلبية، ثم يبيت بذي طوى، ويصلي بها الصبح، ثم يغتسل، ويحدث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يفعل ذلك. ¬

_ (¬1) انظر: "الأم" (3/ 388 - 389). (¬2) في "المغني" (5/ 100 - 101). (¬3) وبه قال ابن أبي هريرة، وحكاه ابن قدامة عن بعض المالكية والخطابي عن مالك وأبي حنيفة. انظر: "المغني" (5/ 101) "معالم السنن" (2/ 405 - مع "السنن" "فتح الباري" (3/ 411). (¬4) في "الاستذكار" (11/ 95 رقم 15582). (¬5) انظر: "الهداية" للمرغيناني (1/ 138). (¬6) في "المحلى" (7/ 93 - 94). (¬7) انظر "المغني" (5/ 101) "فتح الباري" (3/ 411) "الاستذكار" (11/ 95) "المجموع شرح المهذب" (7/ 236).

أخرجه الثلاثة (¬1). [صحيح]. قوله: "عن نافع" إلى قوله: "ذي طوى" (¬2) بتليين الطاء مقصور منّون، وغير منّون واد بقرب مكة. 5 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "يلبي المقيم أو المعتمر حتى يستلم الحجر". أخرجه أبو داود (¬3) [ضعيف مرفوعاً، صحيح موقوف على ابن عباس] والترمذي (¬4). وعنده: كَانَ يُمْسِكُ عَنِ التَّلْبِيَةِ فِي العُمْرَةِ إِذَا اسْتَلَمَ الحجَرَ. [موقوف صحيح]. قوله: "في حديث ابن عباس يلبي المقيم أو المعتمر" كأنه يريد بالمقيم المعتمر [127 ب] من أهل مكة. قوله: "أخرجه أبو داود". قلت: وقال أبو داود (¬5) رواه عبد الملك بن أبي [سليمان] (¬6) وهمام عن عطاء عن ابن عباس موقوفاً. انتهى. ورواه أبو داود (¬7) أولاً مرفوعاً. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (1574) ومسلم رقم (1259) ومالك في "الموطأ" (1/ 333). (¬2) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 130) حيث قال: طوى وهو بضم الطاء وفتح الواو المخففة، موضع عند باب مكة يستحب لمن دخل مكة أن يغتسل به. (¬3) في "السنن" رقم (1817) عن ابن عباس: عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يلبي المعتمر حتى يستلم الحجر". وهو حديث ضعيف مرفوعاً، صحيح موقوف على ابن عباس. (¬4) في "السنن" رقم (919) وقال: حديث ابن عباس صحيح، وقال المحدث الألباني: الصحيح موقوف على ابن عباس. (¬5) في "السنن" (2/ 406). (¬6) في المخطوط سلمة، وهو خطأ، وما أثبتناه من "سنن أبي داود". (¬7) في "السنن" (2/ 406).

ولكن قال المنذري (¬1): فيه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى قد تكلم فيه جماعة من الأئمة. 6 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُهِلُّ مُلَبِيَّاً وَفِي رِوَايَةٍ مُلَبِّدَاً، يَقُولُ: لَبَّيْكَ اللهمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيْكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الحَمْدَ وِالنِّعْمَةَ لَكَ والمُلْكَ لَا شَرِيْك لَكَ، لَا يَزِيْدُ عَلَى هَذ الكَلِمَاتِ. أخرجه الستة (¬2). [صحيح]. قوله: "إن الحمد" روي بكسر الهمزة (¬3) على الاستئناف، وبفتحها على التعليل والكسر أجود عند الجمهور. قال ثعلب: لأن من كسر جعل معناه الحمد لك على كل حال، ومن فتح فإن معناه: لبيك لهذا السبب. قال ابن دقيق العيد (¬4): الكسر أجود؛ لأنه يقتضي أن تكون الإجابة مطلقة غير معللة. [177/ أ]. 7 - زاد في رواية (¬5): وكان عبد الله بن عمر يقول: كان عمر بن الخطاب يهل بإهلال رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - من هؤلاء الكلمات ويقول: لبيك اللهم لبيك، لبيك وسعديك، والخير في يديك، لبيك والرغباء إليك والعمل. [صحيح]. وزاد أبو داود (¬6) في أخرى عن جابر، فذكر مثل ما قال ابن عمر، وقال: والناس ¬

_ (¬1) في "مختصر السنن" (2/ 342). (¬2) أخرجه البخاري رقم (1549) ومسلم رقم (20/ 1184)، ومالك في "الموطأ" (1/ 331، 332) وأبو داود رقم (1812) والترمذي رقم (825, 826) والنسائي رقم (2747 - 2750)، وابن ماجه رقم (2918). (¬3) انظر: "فتح الباري" (3/ 409). (¬4) في "إحكام الأحكام" (3/ 16). (¬5) أخرجه البخاري رقم (1549) ومسلم رقم (19/ 1184) ومالك في "الموطأ" (1/ 332 رقم 28). (¬6) في "السنن" رقم (1813). =

يزيدون ذا المعارج ونحوه من الكلام، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يسمع ولا يقول شيئاً. [صحيح]. ومعنى "ذا المعارج" (¬1) أي: صاحب مصاعد السماء ومراقيها. قوله: "والرغباء" بفتح الراء والمد، وبضمها والقصر، وفي النهاية (¬2): والرغبى، وفي رواية: "الرغباء" بالمد وهما من الرغبة كالنعمى والنعمة. انتهى. واعلم أنه قد اختلف في الزيادة على تلبيته - صلى الله عليه وسلم - فقال قوم (¬3): لا ينبغي الزيادة عليها؛ لأنه [128 ب] لم يقل: لبّوا كما شئتم، بل علّمهم التكبير في الصلاة. وقال آخرون (¬4): لا بأس بالزيادة [الأنه (¬5)]- صلى الله عليه وسلم - أقرّهم عليها ولم ينكرها، وهذا قول الجمهور، ولا شك أنّ إقراره - صلى الله عليه وسلم - تشريع دالٌ على الجواز وأنه لا بأس بالزيادة. 8 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: كان من تلبية رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لبيك إله الحق. أخرجه النسائي (¬6). [صحيح]. 9 - وَعَنْ السَّائِبِ بنْ خَلَّاد الأَنْصَارِيَّ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّ جِبْرِيلُ - عليه السلام - أَتَانِيْ فَأَمَرَنِي أَنْ آمُرَ أَصْحَابِي وَمَنْ مَعِي أَنْ يَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالتَّلْبِيَةِ أَوْ بِالإِهْلاَلِ". ¬

_ = وأخرجه أحمد (3/ 320) ومسلم رقم (47/ 1218) بمعناه, وهو حديث صحيح. (¬1) انظر "النهاية في غريب الحديث" (2/ 178) "المجموع المغيث" (2/ 419). (¬2) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 668). وانظر "الفائق" للزمخشري (2/ 70). (¬3) انظر "المغني" (5/ 103 - 104). (¬4) وهو قول الجمهور. انظر: "شرح معاني الآثار" (2/ 124 - 125)، "المغني" (5/ 103 - 104)، "الاستذكار" (11/ 90). (¬5) في (ب) لأنهم. (¬6) في "السنن" رقم (2752). وأخرجه أحمد (2/ 341) وابن ماجه رقم (2920) وهو حديث صحيح.

أخرجه الأربعة (¬1). [صحيح]. قوله: "في حديث السائب أو بالإهلال" شك من الراوي. 10 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: كَانَ المُشْرِكُونَ يَقُولُونَ: لَبَّيْكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ، - فَيَقُولُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "وَيْلَكُمْ قَدْ قَدْ". فَيَقُولُونَ: إِلاَّ شَرِيكًا هُوَ لَكَ تَمْلِكُهُ وَمَا مَلَكَ، يَقُولُونَ هَذَا وَهُمْ يَطُوفُونَ بِالبَيْتِ. أخرجه مسلم (¬2). [صحيح]. قوله "قَدْ قَدْ" (¬3) بمعنى حسْبُ وتكرارها لتأكيد الأمر، ويعنون "بِالشَّرِيكِ" الصنم " [وَما] (¬4) مَلَكْ" الآيات التي عنده وحوله. قوله: "في حديث ابن عباس إلا شريك هو لك تملكه وما ملك" لقد أعمى الكفر بصائرهم، كيف يكون المملوك شريكاً لمالكه، فإن هذا ليس شأن الشريك، بل قولهم تملكه وما ملك مناقض لقولهم: إلا شريك هو لك، جعلوه شريكاً أولاً ومملوكاً ثانياً لمن جعلوه شريكاً له. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود رقم (1814) والترمذي رقم (829) وقال حديث حسن صحيح والنسائي رقم (2753) وابن ماجه رقم (2922). وأخرجه مالك في "الموطأ" (1/ 334) وأحمد (4/ 55) والحميدي رقم (853) والدارمي (2/ 34) وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" رقم (2153) وابن الجارود في "المنتقى" رقم (434) وابن خزيمة رقم (2625) و (2627) والطحاوي في شرح "مشكل الآثار" رقم (5781، 5783) وابن حبان رقم (3802) والطبراني في "المعجم الكبير" رقم (5173، 6627، 6628) والدارقطني في "السنن" (2/ 238) والحاكم (1/ 450) والبيهقي في "السنن الكبرى" (5/ 42). (¬2) في "صحيحه" رقم (1185). (¬3) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 420) "المجموع المغيث" (2/ 672). (¬4) في (أ) بما.

الفرع [الثاني] فيمن أفسد إحرامه

الفرع [الثاني] (¬1) فيمن أفسد إحرامه قوله: "فرع: فيمن أفسد إحرامه" هو ثالث الفروع، هذا الفرع ليس فيه حديث مرفوع، فلا كلام فيه، وقد بينا أحكام الإفساد في حواشي "ضوء النهار" (¬2) بما لا مزيد [عليه] (¬3) بحمد الله، والفرع في جزاء الصيد كذلك كهذا الفرع. [129 ب]. 1 - عن مالك (¬4) - رضي الله عنه - قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ عُمَرَ وَعَلِيًّا وَأَبَا هُرَيْرَةَ سُئِلُوا عَنْ رَجُلٍ أَصَابَ أَهْلَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ بِالحَجِّ فَقَالُوا: يَنْفُذَانِ لِوَجْهِهِمَا حَتَّى يَقْضِيَا حَجَّهُمَا ثُمَّ عَلَيْهِمَا حَجُّ قَابِلٍ ¬

_ (¬1) زيادة من (أ) والذي في "الجامع" (3/ 94) الثالث. (¬2) (3/ 720 - 730 - بتحقيقي. (¬3) زيادة من (أ). (¬4) في "الموطأ" (1/ 381 - 382 رقم 151). • وأخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (5/ 167) من طريق ابن بكير عن مالك، وهو بلاع. • وأخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (5/ 167) عن الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن عطاء عن عمر بن الخطاب أنه قال في محرم بحجة أصاب امرأته, وهي محرمة: يقضيان حجهما، وعليهما الحج من قابل من حيث كانا أحرما، ويتفرقان حتى يتما حجهما. قال: وهذا منقطع بين عطاء وعمر. • وأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" الجزء المفقود (ص 136) حدثنا ابن عيينة عن يزيد بن يزيد بن جابر، قال: سألت مجاهداً عن المحرم يواقع امرأته, فقال: كان ذلك على عهد عمر بن الخطاب فقال: يقضيان حجهما، ثم يرجعان حلالين، فإذا كان من قابل حجا وأهديا، وتفرقا من المكان الذي أصابها. • وأخرج الدارقطني في "سننه" (3/ 50 - 51 رقم 209) عن عبيد الله بن عمر، عن عمرو بن شعيب عن أبيه، قال: أتى رجل عبد الله بن عمرو فسأله عن محرم وقع بامرأته, فأشار له إلى عبد الله بن عمر، فلم يعرفه الرجل، قال: فذهبت معه, فسأله عن محرم وقع بامرأته, قال: بطل حجه، قال: فيقعد؟ قال: لا، بل يخرج مع الناس، فيصنع ما يصنعون، فإذا أدركه قابل حج وأهدى، فرجعا إلى عبد الله بن عمر، فأخبراه, فأرسلنا إلى =

وَالهَدْيُ، قَالَ عَلِيُّ - رضي الله عنه -: وَإِذَا أَهَلاَّ بِالحَجِّ مِنْ عَامٍ قَابِلٍ تَفَرَّقَا حَتَّى يَقْضِيَا حَجَّهُمَا. [إسناده منقطع]. 2 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما -: أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ وَقَعَ بِأَهْلِهِ وَهُوَ بِمِنَى قَبْلَ أَنْ يَفِيْضُ فَأَمَرَهُ أَنْ يَنْحَرُ بَدَنَةً (¬1). [إسناده ضعيف]. وفي رواية (¬2) قَالَ: الَّذِي يُصِيبُ أَهْلَهُ قَبْلَ أَنْ يُفِيْضَ يَعْتَمِرْ وَيُهْدِي. أخرجه مالك. [إسناده صحيح]. ¬

_ = ابن عباس، قال شعيب: فذهبت معه إلى ابن عباس، فقال له مثل ما قال ابن عمر، فرجعا إلى عبد الله بن عمر فأخبراه بما قال ابن عباس، ثم قال له الرجل: ما تقول أنت؟ قال: أقول مثل ما قالا. وعن الدارقطني أخرجه الحاكم (2/ 65)، وعن الحاكم أخرجه البيهقي في "المعرفة" (7/ 362 رقم 10342) وقال البيهقي في "المعرفة" (7/ 362 رقم 10343): إسناده صحيح، وفيه دلالة على صحة سماع شعيب من جده عبد الله بن عمرو، ومن ابن عباس. وقال الزيلعي في "نصب الراية" (3/ 127) عقبه: وقال الشيخ في "الإمام" رجاله كلهم ثقات مشهورون. • وأخرج ابن أبي شيبة في "المصنف" الجزء المفقود ص 136: حدثنا حفص عن أشعث عن الحكم عن علي، قال: على كل واحد منهما يدنه، فإذا حجَّا من قبل تفرقاً من المكان الذي أصابها. قلت: وهذا مرسل عن علي؛ لأنه عن الحكم عن علي، والحكم لم يدرك علياً. (¬1) أخرجه مالك في "الموطأ" (1/ 384 رقم 155). قلت: أبا الزبير - محمد بن مسلم بن تدرس - المكي، صدوق، إلا أنه يدلس، وعطاء بن أبي رباح: ثقة, فقيه فاضل إلا أنه كثير الإرسال. ولكن يشهد لهذه الرواية من جهة المعنى ما أخرجه مالك في "الموطأ" (1/ 384 رقم 156) عن ابن عباس، وهي الرواية التالية. (¬2) انظر: التعليقة المتقدمة.

الفرع الثالث: في جزاء الصيد

الفرع الثالث: في جزاء الصيد 1 - عن جابر - رضي الله عنه - قَالَ: قَضَى عُمَرَ - رضي الله عنه - فِي الضَّبُعِ بِكَبْشٍ وَفِي الغَزَالِ بِعَنْزٍ، وَفِي الأَرْنَبِ بِعَنَاقٍ، وَفِي الَيرْبُوعِ بِجَفْرَةٍ. أخرجه مالك (¬1). [إسناده منقطع]. 2 - وله (¬2) مرسلاً عَنْ أَبِي الزُّبَيْر: أَنَّ عُمَرَ - رضي الله عنه - قَضَى فِي الجَرَادِ أَنَّ مَنْ عَقَرَه عَلَيْهِ جَزَاؤُهُ بِحُكُمِ حَكمَيْنِ، لِمَا رُوِي عَنْ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ: أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِعُمَرَ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ! إِنِّي أَصَبْتُ جرادةً بِسَوْطِي وَأَنَا مُحْرِمٌ. فَقَالَ لَهُ: أَطْعِمْ قَبْضَةً مِنْ طَعَامٍ. [موقوف ضعيف]. 3 - وفي رواية له (¬3): أَنَّ رَجُلَاً سَأَلَ عُمَرَ عَنْ جَرَادَةٍ قَتَلَهَا وَهُوَ مُحْرِمٌ. فَقَالَ عُمَرَ لِكَعْبٍ: تَعَالَ حَتَّى نَحْكُمَ، فَقَالَ كَعْبٌ: دِرْهَمٌ: فَقَالَ عُمَرَ - رضي الله عنه -: إِنَّكَ لَتَجِدُ الدَّرَاهِمَ، لَتَمْرَةٌ خَيْرٌ مِنْ جَرَادَةٍ. [موقوف ضعيف]. 4 - وَعَنْ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِعُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ: أَجْرَيْتُ أنَّا وَصَاحِبٌ لِي فَرَسَيْنِ نَسْتَبِقُ إِلَى ثغْرةِ ثَنِيَّةٍ فَأَصَبْنَا ظَبْيًا وَنَحْنُ مُحْرِمَانِ فما تَرَى؟ فَقَالَ عُمَرُ - رضي الله عنه - لِرَجُلٍ إِلَى جَنْبِهِ تَعَالَ لِنَحْكُم، قَالَ: فَحَكَمَا عَلَيْهِ بِعَنْزٍ، فَوَلَّى الرَّجُلُ فَقَالَ: هَذَا أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَحْكُمَ فِي ظَبْيٍ حَتَّى دَعَا رَجُلاً فَدَعَاهُ عُمَرَ - رضي الله عنه - فَقَالَ: هَلْ تَقْرَأُ المَائِدَةِ؟ قَالَ لاَ، قَالَ: فَهَلْ تَعْرِف هَذَا الرَّجُلَ؟ قَالَ: لاَ، قَالَ: لَوْ أَخْبَرْتَنِي أَنَّكَ تَقْرَأُهَا لأَوْجَعْتُكَ ضَرْبًا، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ اللهَ تَعَالَى قال فِي كِتَابِهِ: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} (¬4). وهذا عبد الرحمن بن عوف. [بسند ضعيف]. ¬

_ (¬1) في "الموطأ" (1/ 414 رقم 230) مرسلاً، عن أبي الزبير وهو محمد بن مسلم تدرس المكي، وهو صدوق إلا أنه يدلس. إسناده منقطع؛ لأن أبا الزبير لم يدرك عمراً. (¬2) أي لمالك في "الموطأ" (1/ 416 رقم 235) وهو موقوف ضعيف. (¬3) أي لمالك في "الموطأ" (1/ 416 رقم 236) وهو موقوف ضعيف. (¬4) أخرجه مالك في "الموطأ" (1/ 414 - 415 رقم 231) بسند ضعيف، منقطع؛ لأن محمد بن سيرين لم يدرك عمر، والرجل الذي بينه وبين عمر مجهول.

[الباب الرابع: في الإفراد والقران والتمتع

5 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قَالَ: مَنْ نَسِيَ شَيْئَاً مِنْ نُسِكِهِ أَوْ تَرَكهُ مِمَّا بَعْدَ الفَرَائِضُ فَلْيَهْرِقُ دَمَاً (¬1). أخرج أحاديث هذا الفرع كلها مالك. [موقوف صحيح]. [الباب الرابع: في الإفراد والقران والتمتع وفيه ثلاثة فصول الفصل الأول: في الإفراد] (¬2) قوله: "الباب الرابع في الإفراد والقران والتمتع" هذه هي أنواع الحج أذن الله لهم أن يأتوا بأحدها فمن أتى به برئت ذمته من واجب الحج. فالإفراد: هو الإهلال بالحج وحده في أشهره، والاعتمار بعد الفراغ من أعمال الحج لمن يشاء، وهذه الزيادة وكأن قوله: والاعتمار ليس من حقيقة الإفراد، ولذا قال النووي في "شرح مسلم" (¬3): إن الإفراد أن يحرم بالحج في أشهر الحج ثم يأتي به, هذا لفظه. والقران: هو الإحرام بالحج والعمرة معاً، وهذا لا خلاف في جوازه، أو الإهلال بالعمرة ثم يدخل عليها الحج أو عكسه، وهذا مختلف فيه. والتمتع: هو الاعتمار (¬4) في أشهر الحج، ثم التحلل من تلك العمرة، والإهلال بالحج من تلك السنة ويطلق التمتع في عرف السلف على القران أيضاً، أفاده في الفتح. وقال ابن عبد البر (¬5): ومن التمتع أيضاً القران، لأنه يتمتع بسقوط سفر آخر من بلده للنسك الآخر، ومن التمتع أيضاً فسخ الحج إلى العمرة. ¬

_ (¬1) أخرجه مالك في "الموطأ" (1/ 419 رقم 240) وهو موقوف صحيح. (¬2) ما بين الحاصرتين زيادة من (ب). (¬3) (8/ 134). (¬4) انظر "التمهيد" (8/ 166) "فتح الباري" (3/ 429) "المجموع شرح المهذب" (7/ 142). (¬5) في "التمهيد" (8/ 166 - 167).

1 - عن عائشة - رضي الله عنها -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أفْرَدَ الحَجَّ. أخرجه الستة (¬1) إلا البخاري. [صحيح]. ومثله عن ابن عمر: أخرجه مسلم (¬2) والترمذي (¬3). [صحيح]. قوله: "في حديث عائشة أنه - صلى الله عليه وسلم - أفرد الحج" يأتي أن الحق أنه حج قارناً، ومن قال أفرد الحج، فمحمول على أول أمره ثم أتاه آت من ربه وهو بالعقيق فقال له: قل عمرة في حجة فصار قارناً. قال النووي في "شرح مسلم" (¬4): وقد اختلفت روايات الصحابة في حجه - صلى الله عليه وسلم - حجة الوداع هل قارناً (¬5) أم مفرداً (¬6) ............................................ ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم رقم (122/ 1211) وأبو داود رقم (1777) والترمذي رقم (820) وابن ماجه رقم (2964، 2965) والنسائي رقم (2715) ومالك في "الموطأ" (1/ 335). (¬2) في "صحيحه" رقم (1231). (¬3) في "السنن" رقم (820 م). (¬4) (8/ 135). (¬5) منها ما أخرجه البخاري رقم (1534) وأحمد (1/ 24) وابن ماجه رقم (2976) وأبو داود رقم (1800) عن عمر بن الخطاب قال سمعت رسول الله صلى وهو بوادي العقيق يقول: "أتاني الليلة آتٍ من ربي فقال: صل في هذا الوادي المبارك، وقل عمرة في حجة"، وهو حديث صحيح. ومنها: ما أخرجه البخاري رقم (1640) ومسلم رقم (181/ 1230) من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما -. ومنها: ما أخرجه البخاري رقم (1638) ومسلم رقم (181/ 1230) من حديث عائشة - رضي الله عنها -. (¬6) منها: ما أخرجه البخاري رقم (1638) ومسلم رقم (111/ 1211) عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "من أراد منكم أن يهل بحج وعمرة فليهلَّ، ومن أراد أن يهلَّ بحج فليهل، ومن أراد أن يهل بعمرة فليهل" قالت: وأهل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالحج وأهل به ناس معه، وأهل معه ناس بالعمرة والحج، وأهل ناس بعمرة وكنت فيمن أهل بعمرة". ومنها: ما أخرجه أحمد (2/ 97) ومسلم رقم (184/ 1231) من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما -. =

أم متمتعاً (¬1)؟ ذكر البخاري ومسلم روايات كذلك وطريق [130 ب] الجمع بينهما ما ذكرناه، أنه - صلى الله عليه وسلم - كان مفرداً ثم صار قارناً. انتهى. وقد أطال ابن القيم (¬2) البحث في حجه - صلى الله عليه وسلم - وأطاب وبين أنه كان قارناً وذكر أدلة تزيد على عشرين دليلاً وعلى الجملة أنه لم يتكلم أحد فيما علمناه في الحج وتحقيقه مثله جزاه الله خيراً. 2 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قَالَ (¬3): افْصِلُوا بين حَجَّكُمْ وَعُمرتِكُمْ فَإِنَّ ذَلِكَ أَتَمُّ لِحَجَّ أَحَدِكُمْ، وَأَتَمُّ لِعُمْرَتِهِ أَنْ يَعْتَمِرُ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الحَجِّ. أخرجه مالك (¬4). [موقوف صحيح]. قوله: "وعن ابن عمر" مثله في "الجامع" والذي في "صحيح مسلم" (¬5) عن عمر نفسه. قوله: "افصلوا بين حجّكم وعمرتكم" بالفاء فصاد مهملة، أي: اجعلوهما مفصولتين لا تضموا إحداهما إلى الأخرى، وكان هذا رأي عمر النهي عن متعة الحج وتبعه عليه عثمان ومعاوية كما يأتي وابن الزبير، وخالفهم أمير المؤمنين علي - عليه السلام - وابن عباس وابن عمر وغيرهم. ¬

_ = ومنها: ما أخرجه مسلم في "صحيحه" رقم (199/ 1240) من حديث ابن عباس وهو حديث صحيح. (¬1) منها: ما أخرجه البخاري رقم (1691) ومسلم رقم (174/ 1227) من حديث عائشة - رضي الله عنها -. ومنها: ما أخرجه البخاري رقم (1692) ومسلم رقم (175/ 1228) من حديث ابن عمر - رضي الله عنه -. ومنها: ما أخرجه مسلم رقم (158/ 1223) وأحمد (1/ 61) من حديث علي وعثمان - رضي الله عنهما -، وسيأتي نصه. (¬2) في "زاد المعاد" (2/ 126 - 128). وانظر "فتح الباري" (3/ 429) "مجموع فتاوى" (26/ 83). (¬3) كذا في المخطوط، والذي في "الموطأ": أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: وكذلك في "جامع الأصول" (3/ 100 رقم 1386). (¬4) في "الموطأ" (1/ 347 رقم 67) وهو موقوف صحيح. (¬5) في "صحيحه" رقم (1217).

قال النووي (¬1) بعد كلام نقله: قلت: والمختار أنّ عمر وعثمان وغيرهما إنما نهوا عن المتعة التي هي الاعتمار في أشهر الحج ثم الحج من عامه ومرادهم نهي تنزيه للترغيب في الإفراد لكونه أفضل وقد انعقد الإجماع بعدهم على جواز الإفراد والقران والتمتع من غير كراهة. انتهى. وأما حديث (¬2) معاوية: أنه - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يقرن بين الحج والعمرة فقد أنكره الصحابة. 3 - وَعَنْ مُعَاوِيَةَ - رضي الله عنه - أَنَّهُ قَالَ: يَا أَصْحَابُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللهَ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ كَذَا وَكَذَا، وَعَنْ رُكُوبِ جُلُودِ النِّمَارِ؟ قَالُوا نَعَمْ. قَالَ: فتعْلَمُونَ أنَّهُ نَهَى أَنْ يُقْرَنَ بَيْنَ الحَجِّ وَالعُمْرَةِ؟ قَالُوا أَمَّا هذه فَلاَ. قَالَ: أَمَا إِنَّهَا مَعَهُنَّ وَلَكِنَّكُمْ نَسِيتُمْ. أخرجه أبو داود (¬3). [صحيح دون: إلا النهي عن القران فهو شاذ] .. قوله: "في حديث معاوية أخرجه أبو داود" قال الحافظ المنذري (¬4): وقد اختلف في هذا الحديث اختلافاً كثيراً، فروي فيه كما ذكره وبيّنه وقال: قال الخطابي (¬5): جواز القران بين الحج والعمرة إجماع من الأمة، ولا يجوز أن يتفقوا على جواز شيء منهي عنه. 4 - وعن جابر وأبي سعيد - رضي الله عنهما - قَالَا: قَدِمْنَا مَعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَنَحْنُ نَصْرُخُ بِالحَجِّ صُرَاخَاً. أخرجه مسلم (¬6). [صحيح]. قوله: "في حديث جابر وأبي سعيد صراخاً" أي: يهل به ويرفع (¬7) الصوت بالتلبية به. [131 ب]. ¬

_ (¬1) في شرحه لـ "صحيح مسلم" (8/ 134). (¬2) أخرجه أبو داود رقم (1794) صحيح، إلا النهي عن القران فهو شاذ. (¬3) في "السنن" رقم (1794) وقد تقدم. (¬4) في "المختصر" (2/ 318). (¬5) في "معالم السنن" (2/ 390 - 391). (¬6) في "صحيحه" رقم (1248). (¬7) انظر: "المغني" (5/ 100 - 101).

الفصل الثاني: في القران

الفصل الثاني: في القران 1 - [وعن أنس - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يلَبِّى بِالحَجِّ وَالعُمْرَةِ جَمِيعًا، قَالَ بَكْرُ بنُ عبدِ اللهِ المُزَنِيُّ: فَحَدَّثْتُ بِذَلِكَ ابْنَ عُمَرَ - رضي الله عنه - فَقَالَ: لَبَّى بِالحَجِّ مُفْرِداً وَحْدَهُ. قَالَ: فَلَقِيتُ أنَسًا فَحَدَّثْتُهُ بِذَلِكَ فَقَالَ: مَا تَعُدُّونَا إِلاَّ صِبْيَانًا، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجًّا مَعًا". أخرجه الخمسة (¬1) وهذا لفظ الشيخين] (¬2). [صحيح]. قوله: "الفصل الثاني في القران". قوله: "في حديث أنس بكر بن عبد الله المزني" تابعي أدرك ثلاثين من فرسان مزينة منهم: عبد الله بن مغفل، ومعقل بن يسار، وكان عابداً من خيار الناس، سمع ابن عمر وأنس ابن مالك والحق في الرواية أن أنساً صادق وابن عمر كذلك [178/ أ] فإنه - صلى الله عليه وسلم - لبّى أولاً بالحج ثم لبّى بها جميعاً كما قررناه. 2 - وَعَنْ أَبِي وَائِلٍ - رضي الله عنه - قَالَ الصُّبَيُّ بْنُ مَعْبَدٍ: كُنْتُ رَجُلاً أَعْرَابِيًّا نَصْرَانِيًّا فَأَسْلَمْتُ وَأَتَيْتُ رَجُلاً مِنْ عَشِيرَتِي يُقَالُ لَهُ: هُذَيْمُ بْنُ ثُرْمُلَةَ، فَقُلْتُ: لَهُ يَا هَنَاهُ! إِنِّي حَرِيصٌ عَلَى الجِهَادِ, وَإِنِّي وَجَدْتُ الحَجَّ وَالعُمْرَةَ مَكْتُوبَيْنِ عَلَيَّ فَكَيْفَ لِي بِأَنْ أَجْمَعُ بَيْنَهُمَا؟ فَقَالَ: اجْمَعْهُمَا وَاذْبَحْ مَا تَيَسَّرَ مِنَ الهَدْيِ، فَأَهْلَلْتُ بِهِمَا، فَلمَّا أَتَيْتُ العُذَيْبَ لَقِيَنِي سَلْمَانُ بْنُ رَبِيعَةَ وَزَيْدُ بْنُ صُوحَانَ وَأَنَا أُهِلُّ بِهِمَا مَعَاً، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلآخَرِ: مَا هَذَا بِأَفْقَهَ مِنْ بَعِيرِهِ، قَالَ: فَكَأَنَّمَا أُلْقِيَ عَلَىَّ جَبَلٌ حَتَّى أَتَيْتُ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ - رضي الله عنه - فَأَعَدْتُ عَلَيْهِ القِصَّةَ وَأَنَا أُهِلُّ بِهِمَا جَمِيْعَاً. فَقَالَ عُمَرُ: هُدِيتَ لِسُنَّةِ نَبِيِّكَ - صلى الله عليه وسلم -. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (4353، 4354) ومسلم رقم (185/ 1232) وأبو داود رقم (1795) والترمذي رقم (821) وابن ماجه رقم (2968، 2969) والنسائي رقم (2729 - 2731)، وهو حديث صحيح. (¬2) ما بين الحاصرتين زيادة من (ب).

أخرجه أبو داود (¬1) والنسائي (¬2). [صحيح]. ومعنى "يا هناه" (¬3) يا هذا. قوله: "في حديث أبي وائل الصبي" (¬4) بضم الصاد المهملة مصغراً، التغلبي بمثناة مخضرم عن عمر. قوله: "هذيم" (¬5) بالذال المعجمة مصغر وآخره ميم، وفي "الجامع" (¬6) هديم بضم الهاء وفتح الدال المهملة وسكون الياء. وقوله: "ابن ثرملة" (¬7) بضم المثلثة وبالراء وضم الميم وباللام. قوله: "يا هناه" قال ابن الأثير (¬8): فيها لغات كثيرة هذا أحدها ومعناها [جميعها] (¬9) النداء بالشخص المطلوب. قوله: "سلمان بن ربيعة" (¬10) الباهلي، أدرك النبي - صلى الله عليه وسلم - وليس له صحبة. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (1798، 1799). (¬2) في "السنن" رقم (2719). وأخرجه ابن ماجه رقم (2970) وأحمد (1/ 25) والحميدي رقم (18) وابن حبان في "صحيحه" رقم (3910، 3911) وهو حديث صحيح. (¬3) سيأتي شرحها. (¬4) ثقة: انظر "التقريب" رقم (2901). (¬5) في "التقريب" (2/ 316 رقم 55) هذيم بن عبد الله التغلبي، يقال اسم أبيه ثُرْمُلَة, وربما قيل له: أزيم، مخضرم مقبول. (¬6) (3/ 104). (¬7) تقدم ذكره. (¬8) في "غريب الجامع" (3/ 105) (¬9) في (أ) رسمت هكذا جميعاها، وفي (ب) جميعاً، وما أثبتناه من "الجامع" (3/ 105). (¬10) انظر "التقريب" (1/ 314 رقم 342).

و"صوحان" بضم الصاد المهملة وبالحاء المهملة وهو زيد أخو صعصعة (¬1). قوله: "فقال عمر هديت لسنة نبيك" هذا يدل على اختلاف [132 ب] الروايات عن عمر في المتعة, وأنه قائل بسنيتها، وأنه نهى عنها وتقدم الكلام في ذلك. 3 - وَعَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ المِقْدَادَ بْنَ الأَسْوَدِ دَخَلَ عَلَى عَليِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رضي الله عنهما - بِالسُّقْيَا وَهُوَ يَنْجَعُ بَكَرَاتٍ لَهُ دَقِيقًا وَخَبَطًا، فَقَالَ: هَذَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ - رضي الله عنه - يَنْهَى عَنْ أَنْ يُقْرَنَ بَيْنَ الحَجِّ وَالعُمْرَةِ. فَخَرَجَ عَليُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رضي الله عنه - وَعَلَى يَدَيْهِ أَثَرُ الدَّقِيقِ وَالخَبَطِ، - فَمَا أَنْسَى الخبَطَ والدَّقِيقِ عَلَى ذِرَاعَيْهِ - حَتَّى دَخَلَ عَلَى عُثْمَانَ فَقَالَ: أَنْتَ تَنْهَى أَنْ يُقْرَنَ بَيْنَ الحَجِّ وَالعُمْرَةِ؟ فَقَالَ عُثْمَانُ - رضي الله عنه -: ذَلِكَ رَأْيِيِ، فَخَرَجَ عَلِيٌّ مُغْضَبًا وَهُوَ يَقُولُ: لَبَّيْكَ اللهمَّ لَبَّيْكَ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ مَعًا. أخرجه مالك (¬2). [موقوف ضعيف]. "ينجع" (¬3) أي يعلِفُها النجيع وهو خبَط يُضربُ بالدقيق والماء ويوجر الجمل. "وَالخَبَط" (¬4) ورق يتناثر من الشجرة إذا ضربت بالعصا، وهو من علف الدواب. قوله: "في حديث جعفر بن محمد بالسقيا" هو منزل بين مكة والمدينة قيل: هي على يومين من المدينة سميت بذلك لآبارٍ بها كثيرة (¬5). قوله: "ذلك رأيي" يدل [على] (¬6) أنه ليس عند عثمان نص إنما هو رأي رآه مخالفاً للنص ¬

_ (¬1) انظر: "التقريب" (1/ 367 رقم 97). (¬2) في "الموطأ" (1/ 336 رقم 40) وهو موقوف ضعيف. (¬3) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 714)، "الفائق" للزمخشري (3/ 408). (¬4) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 469) تفسير غريب ما في الصحيحين للحميدي (24/ 2). (¬5) قاله ابن الأثير في "النهاية" (1/ 789)، وانظر "المجموع المغيث" (2/ 106). (¬6) زيادة من (ب).

ولهذا أهلّ (¬1) علي - عليه السلام - بهما بياناً للناس أنّ نهي عثمان لا دليل عليه. 4 - وعن جابر - رضي الله عنه - قَالَ: قَرَنَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - الحَجَّ وَالعُمْرَةَ فَطَافَ لهما طَوَافَاً وَاحِدَاً. أخرجه الترمذي (¬2) والنسائي (¬3). [صحيح]. قوله: "في حديث جابر طوافاً واحداً" هذا هو ما دلت عليه الأدلة أنه لا تثنى أعمال الحج على القارن وحديث ابن عمر كحديث جابر أيضاً. ........... (¬4) قوله: "في حديث ابن عباس وهو بوادي العقيق" وهو وادٍ بقرب البقيع بينه وبين المدينة أربعة أميال. ¬

_ (¬1) أخرج البخاري رقم (1563) والنسائي رقم (2723) عن مروان بن الحكم قال: شهدت عثمان وعلياً، وعثمان ينهى عن المتعة, وأن يجمع بينهما، فلما رأى ذلك علي أهل بهما لبيك بعمرة وحجة وقال: ما كنت لأدع سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول أحد"، وهو حديث صحيح. (¬2) في "السنن" رقم (947). (¬3) في "السنن" رقم (2986). وأخرجه مسلم رقم (1215)، (1279) وابن ماجه رقم (2972) و (2973). (¬4) حديث ابن عباس محذوف من أكثر نسخ التيسير. وإليك نصه وتخريجه. عن عكرمة قال: سمعت ابن عباس يقول: حدثني عمر بن الخطاب، أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "أتاني الليلة آتٍ من عند ربي عز وجل - قال وهو بالعقيق - فقال: في هذا الوادي المبارك وقال: عمرة في حجة". • أخرجه البخاري رقم (1534) و (2337) وأبو داود رقم (1800) وابن ماجه رقم (2976). وقال أبو داود: رواه الوليد بن مسلم وعمر بن عبد الواحد في هذا الحديث عن الأوزاعي: "وقل عمرة في حجة". انظر البخاري رقم (2337). قال أبو داود: وكذا رواه علي بن المبارك عن يحيى بن أبي كثير في هذا الحديث وقال: وقل: "عمرة في حجة".

قوله: "وقل عمرة في حجة" برفع عمرة للأكثر وبنصبها لأبي ذر على حكاية اللفظ أي: قل جعلتها عمرة، وحديث ابن عمر الآتي فيه بيان جمعه بين الحج والعمرة، وإفراد أعمالهما والتأسي به - صلى الله عليه وسلم - وأنه حج قارناً. 5 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما -: أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: مَنْ جَمَعَ بينَ الحَجِّ وَالعُمْرَةِ كَفَاهُ طَوَافٌ وَاحِدٌ وَلَمْ يَحِلَّ حَتَّى يَحِلُّ مِنْهُمَا جَمِيْعَاً. أخرجه الخمسة (¬1) إلا أبا داود وهذا لفظ البخاري. [صحيح]. 6 - وعند الترمذي (¬2): مَنْ أَحْرَمَ بِالحَجِّ وَالعُمْرَةِ أَجْزَأُهُ طَوَافٌ وَاحِدٌ وَسَعْيُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيْعَاً. [صحيح]. 7 - وَعَنْ نَافِعٌ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبْدِ اللهِ وَسَالِمَ بْنَ عَبْدِ الله كَلَّمَا عَبْدَ الله بْنُ عُمَرَ - رضي الله عنهما - حِينَ نَزَلَ الحَجَّاجُ لِقِتَالِ ابْنِ الزُّبَيْرِ: فَقَالاَ: لاَ يَضُرُّكَ أَنْ لاَ تَحُجَّ العَامَ فَإِنَّا نَخْشَى أَنْ يَكُونَ بَيْنَ النَّاسِ قِتَالٌ يُحَالُ بَيْنَكَ وَبَيْنَ البَيْتِ قَالَ: إِنْ حِيلَ بَيْنِي وَبيْنَ البَيْتَ فَعَلْتُ كَمَا فَعَلَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - حِينَ حَالَتْ كُفَّارُ قُرَيْشٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ البَيْتِ، أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ عُمْرَةً. فَانْطَلَقَ حَتَّى أَتَى ذَا الحُلَيْفَةِ فَلَبَّى بِالعُمْرَةِ، ثُمَّ قَالَ: إِنْ خُلِّىَ سَبِيلِي قَضَيْتُ عُمْرَةً, وَإِنْ حِيلَ بَيْني وَبَيْنَهُ فَعَلْتُ كَمَا فَعَلَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ تَلاَ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} ثُمَّ سَارَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِظَهْرِ البَيْدَاءِ قَالَ: مَا أَمْرُهُمَا إِلاَّ وَاحِدٌ، إِنْ حِيلَ بَيْنِي وَبَيْنَ العُمْرَةِ حِيلَ بَيْنِي وَبَيْنَ الحَجِّ، أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ حَجَّةً مَعَ عُمْرَتِي، فَانْطَلَقَ حَتَّى ابْتَاعَ بِقُدَيْدٍ هَدْيًا، ثُمَّ طَافَ لَهُمَا طَوَافًا ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (1639) و (1813) ومسلم رقم (1230) وأخرجه ابن ماجه رقم (2975) والترمذي رقم (948) والنسائي (5/ 225، 226) وأحمد (2/ 67). (¬2) أخرجه الترمذي رقم (948) وقال: "هذا حديث حسن صحيح غريب، تفرد به الدراوردي، وقد رواه غير واحد عن عبيد الله بن عمر ولم يرفعوه, وهو أصح" اهـ. وأخرجه ابن الجارود رقم (460) وابن خزيمة رقم (2745) والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (2/ 197) وابن حبان رقم (3915) و (3916) والدارقطني (2/ 257) والبيهقي (5/ 107). وهو حديث صحيح.

الفصل الثالث: في التمتع وفسخ الحج

وَاحِدًا. وفي رواية: ثُمَّ انْطَلَقَ يُهِلُّ بِهِمَا جَمِيعًا حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ، وَطَافَ بِالبَيْتِ، وَبِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ، وَلَمْ يَنْحَرْ، وَلَمْ يَحْلِقْ، وَلَمْ يُقَصِّرْ، وَلَمْ يَحْلِلْ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ عَلَيْهِ حَتَّى كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ فَنَحَرَ وَحَلَقَ وَرَأَى أَنْ قَدْ قَضَى طَوَافَ الحَجِّ وَالعُمْرَةِ بِطَوَافِهِ الأَوَّلِ. وَقَالَ كَذَلِكَ فَعَلَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -. زاد في رواية: "وأهدى" أخرجه الثلاثة (¬1) والنسائي (¬2). [صحيح]. قوله: "بقديد" بالقاف والمهملات [133 ب] مصغر قرية جامعة بين مكة والمدينة وفيه جواز تأخر [(¬3)] الهدي عن ابتداء الإهلال. قوله: "بطوافه الأول" أي: سعيه بين الصفا والمروة. الفصل الثالث: في التمتع وفسخ الحج فسخ الحج هو الإحرام بالحج لم يتحلل منه بعمل عمرة فيصير متمتعاً. 1 - عَنْ عَبْدِ الله بْنُ شَقِيقٍ قَالَ: كَانَ عُثْمَانُ - رضي الله عنه - يَنْهَى عَنِ المُتْعَةِ، وَكَانَ عَلِيٌّ - رضي الله عنه - يَأْمُرُ بِهَا، فَقَالَ عُثْمَانُ لِعَلِيٍّ - رضي الله عنهما - كَلِمَةً، فَقَالَ عَلِيٌّ - رضي الله عنه -: لَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّا تَمَتَّعْنَا مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: أَجَلْ وَلَكِنَّا كُنَّا خَائِفِينَ. أخرجه مسلم (¬4) والنسائي (¬5). [صحيح]. قوله: "كلمة" أي: قال عثمان لعلي: دعنا عنك فقال علي: إني لا أستطيع أن أدعك، فلما رأى علي ذلك أهلّ بهما جميعاً. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (1807) ورقم (4184) ومسلم رقم (181/ 1230) ومالك في "الموطأ" (1/ 337 رقم 42). (¬2) في "السنن" رقم (2746). (¬3) في (أ) غير مقروءة, وبياض في (ب). (¬4) في "صحيحه" رقم (158/ 1223). (¬5) في "السنن" (5/ 152) وهو حديث صحيح.

قوله: "ولكن كنا خائفين" قال النووي (¬1): لعلّه أشار إلى عمرة القضية سنة سبع، لكن لم يكن في تلك السنة حقيقة التمتع بل كانت عمرة وحدها. انتهى. قال الحافظ (¬2) بعد كلام النووي: قلت: هي - أي رواية عبد الله بن شقيق - رواية شاذة، فقد روى الحديث مروان بن الحكم وسعيد بن المسيب وهما أعلم من عبد الله بن شقيق فلم يقولا ذلك، والتمتع إنما كان في حجة الوداع وقد قال ابن مسعود كما ثبت عنه في الصحيح (¬3) "كنا [134 ب] آمن ما يكون الناس" قال: وقال القرطبي (¬4): قوله: "خائفين" أي: من أن يكون أجر من أفرد أعظم من أجر من تمتع، كذا قال وهو جمع حسن لكن لا يخفى بعده ثم ذكر احتمالاً من عنده فيه بعد وطول. 2 - وَعَنْ ابْنِ عَبَّاس - رضي الله عنهما - قَالَ: تَمتَّعَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ - رضي الله عنهم -، وَأَوَّلُ مَنْ نَهَى عَنْهَا مَعَاوِيَةُ. أخرجهُ الترمذي (¬5) والنسائي (¬6). قوله: "في حديث ابن عباس وأول من نهى عنها معاوية" كأنّ المراد إشاعة النهي وإذاعته، وإلا فلا ريب أنه ثبت عن عمر النهي عنها وسمعته الآن في الرواية عن عثمان. 3 - وعن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - أنه قال: لقد تمتعنا مع رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، وهذا يعني معاوية كافر بالعرش يعني بالعرش بيوت مكة في الجاهلية. أخرجه مسلم (¬7) [صحيح] ¬

_ (¬1) في شرحه لـ "صحيح مسلم" (8/ 202). (¬2) في "فتح الباري" (3/ 425). (¬3) انظر "فتح الباري" (2/ 563 - 564 الحديث رقم (1083) وطرفه (1656) ومسلم رقم (20/ 696). (¬4) في "المفهم" (3/ 349). (¬5) في "السنن" رقم (822) وقال: حديث ابن عباس حديث حسن. (¬6) في "السنن" رقم (2737). (¬7) في "صحيحه" رقم (164/ 1225) وهو حديث صحيح.

ومالك (¬1) والترمذي (¬2) والنسائي (¬3) [حسن]، وهذا لفظ مسلم. [صحيح]. قوله: "في حديث سعد بن أبي وقاص: تمتعنا مع رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وهذا - يعني معاوية - كافر بالعرش". يريد سعد تمتعوا متعة مفردة معه - صلى الله عليه وسلم - قبل فتح مكة وإسلام معاوية، وهي متعة القضاء سنة سبع، ولكن لا يخفى أنّ معاوية لا ينكر المتعة المفردة، إنما نهى وأنكر وادّعى أنه - صلى الله عليه وسلم - نهى عن أن يقرن بين الحج والعمرة، لا أنه نهى عن مطلق العمرة، وكذلك عمر وعثمان نهيا عن الجمع بين الحج والعمرة. وقوله: "بالعرش" بضم المهملة جمع عريش والمراد بها بيوت مكة، وإنما سميت بذلك؛ لأنها كانت عيدان تُنصب وتُظلَّل، وتسمى أيضاً عروشاً واحدها عَرْشٌ، قاله ابن الأثير (¬4). [135 ب]. 4 - وَعَنْ ابْنَ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: تَمَتَّعَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ بِالعُمْرَةِ إِلَى الحجِّ وَأَهْدَى، فَسَاقَ مَعَهُ الهدْيَ مِنْ ذِي الحُلَيْفَةِ, وَبَدَأَ فَأَهَلَّ بِالعُمْرَةِ، ثُمَّ أَهَلَّ بِالحَجِّ، وَتمَتَّعَ النَّاسُ مَعَهُ بِالعُمْرَةِ إِلَى الحَجِّ، فَكَانَ مِنَ النَّاسِ مَنْ أَهْدَى وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُهْدِ، فَلمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مَكَّةَ، قَالَ لِلنَّاسِ: "مَنْ كَانَ مِنْكُمْ أَهْدَى فَإِنَّهُ لاَ يَحِلُّ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ حَتَّى يَقْضِىَ حَجَّهُ, وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَهْدَى فَلْيَطُفْ بِالبَيْتِ، وَبِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ, وَلْيُقَصِّرْ، وَلْيَحَلِّلْ، ثُمَّ لِيُهِلَّ بِالحَجِّ وَلْيُهْدِ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا فَلْيَصُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ فِي الحَجِّ وَسَبْعَةً إِذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ". أخرجه الخمسة (¬5) إلا الترمذي. [صحيح]. ¬

_ (¬1) في "الموطأ" (1/ 344 رقم 60). (¬2) في "السنن" رقم (823). (¬3) في "السنن" رقم (2734)، وهو حديث حسن. (¬4) في "غريب الجامع" (3/ 115)، وانظر: "القاموس المحيط" (ص 770). (¬5) أخرجه البخاري رقم (1691) ومسلم رقم (174/ 1227) وأبو داود رقم (1805) والنسائي رقم (2757). =

قوله: "في حديث ابن عمر ومن لم يكن منكم أهدى" أي: لم يسق هدياً معه "فليطف بالبيت" أي: طواف العمرة. "وبالصفا والمروة وليقصر" الحديث، هذا هو الفسخ الذي أمر - صلى الله عليه وسلم - به أصحابه، وأوجبه عليهم، وشق عليهم ذلك وتعاظموه، وتكلموا فيه بكلام كثير فأحلّوا وأتوا النساء ولبسوا الثياب. وقوله: "ثم ليهل بالحج" هذا الإهلال قد عيّن لهم وقته وهو يوم التروية، وأوجب عليهم الهدي أو الصيام لمن لم يجد هدياً، وقد فصل حديث ابن عباس الآتي ما أجمل في حديث ابن عمر هذا. 5 - وَعَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: سُئِلَ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - عَنْ مُتْعَةِ الحجِّ، فَقَالَ أَهَلَّ المُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارُ وَأَزْوَاجُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ وَأَهْلَلْنَا، فَلمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "اجْعَلُوا إِهْلاَلَكُمْ بِالحَجِّ عُمْرَةً إِلاَّ مَنْ قَلَّدَ الهَدْيَ"، فَطُفْنَا بِالبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ، وَأَتَيْنَا النِّسَاءَ، وَلَبِسْنَا الثِّيَابَ وَقَالَ: "مَنْ قَلَّدَ الهَدْيَ فَإِنَّهُ لاَ يَحِلُّ حَتَّى يَبْلُغَ الهَدْىُ مَحِلَّهُ"، ثُمَّ أَمَرَنَا عَشِيَّةَ التَّرْوِيَةِ أَنْ نُهِلَّ بِالحَجِّ، فَإِذَا فَرَغْنَا مِنَ المنَاسِكِ جِئْنَا فَطُفْنَا بِالبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالمَرْوةِ وَقَدْ تَمَّ حَجُّنَا، وَعَلَيْنَا الهَدْيُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} الآية. أخرجه (¬1) البخاري تعليقاً (¬2). [صحيح]. 6 - وعن أبي ذر - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَتِ المُتْعَةُ فِي الحَجِّ لَأَصْحَابِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - خَاصَّةً. أخرجه مسلم (¬3) واللفظ له، وأبو داود (¬4) والنسائي (¬5). [صحيح موقوف]. ¬

_ = وأخرجه أحمد (2/ 139 - 140) والبيهقي في "السنن الكبرى" (5/ 17) وهو حديث صحيح. (¬1) في "صحيحه" رقم (1572) وهو حديث صحيح. (¬2) في "صحيحه" (3/ 433 الباب رقم 37 - مع "الفتح"). (¬3) في "صحيحه" رقم (160/ 1224). (¬4) في "السنن" رقم (1807) بنحوه. (¬5) في "السنن" رقم (2810). وهو حديث صحيح موقوف.

قوله: "وعن أبي ذر كانت المتعة في الحج لأصحاب محمد خاصة" يريد كان فسخ الحج إلى المتعة خاصاً بأصحابه - صلى الله عليه وسلم - دون غيرهم. وهذه المسألة قد أطال ابن القيم (¬1) فيها المقال غاية الإطالة وردّ دعوى الاختصاص بل اختار أخيراً أنّ الفسخ عام للمسلمين إلى يوم القيامة, وأنه من دخل مكة حاجاً وطاف ¬

_ (¬1) قال ابن القيم: في "زاد المعاد" (2/ 180 - 182) وقد روى عن عثمان مثل قول أبي ذر في اختصاصي ذلك بالصحابة ولكنهما جميعاً مخالفان للمروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن ذلك للأبد بمحض الرأي، وقد حمل ما قالاه على محامل: أحدها: أنهما أرادا اختصاص جواز ذلك بالصحابة، وهو الذي فهمه من حرم الفسخ. الثاني: "اختصاص وجوبه بالصحابة, وهو الذي كان يراه شيخنا قدس الله روحه يقول: إنهم كانوا قد فرض عليهم الفسخ لأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لهم به, وحتمه عليهم، غضبه عندما توقفوا في المبادرة إلى امتثاله وأما الجواز والاستحباب فللأمة إلى يوم القيامة ... ". الثالث: "أنه ليس لأحد من بعد الصحابة أن يبتدئ حجاً قارناً أو مفرداً بلا هدي، بل هذا يحتاج معه إلى الفسخ، لكن فرض عليه أن يفعل ما أمر به النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه في آخر الأمر من التمتع لمن لم يسق الهدي، والقران لمن ساق، كما صح عنه ذلك، وأما أن يحرم بحج مفرد، ثم يفسخه عند الطواف إلى عمرة مفردة, ويجعله متعة، فليس له ذلك، بل هذا إنما كان للصحابة ... ". ثم قال: وإذا تأملت هذين الاحتمالين الأخيرين، رأيتهما إما راجحين على الاحتمال الأول، أو مساويين له، وتسقط معارضة الأحاديث الثابتة الصريحة به جملة، وبالله التوفيق. وأما ما رواه مسلم في "صحيحه" عن أبي ذر، أن المتعة في الحج كانت لهم خاصة، فهذا إن أريد به أصل المتعة، فهذا لا يقول به أحد من المسلمين، المسلمون متفقون على جوازها إلى يوم القيامة, وإن أريد به متعة الفسخ احتمل الوجوه الثلاثة المتقدمة. وقال الأثرم في سننه، وذكر لنا أحمد بن حنبل، أن عبد الرحمن بن مهدي حدثه عن سفيان، عن الأعمش، عن إبراهيم التيمي، عن أبي ذر، المتعة في الحج كانت لنا خاصة، فقال أحمد بن حنبل: رحم الله أبا ذر، هي في كتاب الله عز وجل: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} [البقرة: 196]. =

انفسخ حجه شاء أو أبى، وفي إرشادنا إلى كلامه كفاية، والدال على الخير كفاعله، إذ نقله واستيفاء (¬1) ما فيه يستغرق الكلام، ويخرج عن المرام من تأليف هذه التعليقة. 7 - وعند أبي داود (¬2): كَانَ أَبُو ذَرٍّ يَقُولُ فِيْمَنْ حَجَّ ثُمَّ فَسَخَهَا عُمْرَةً لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إِلَّا لِلرَّكْبِ الَّذِينَ كَانُوا مَعَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - خَاصَّةً. [صحيح موقوف]. 8 - وَعَنْ أَبِي جَمْرَةَ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - عَنِ المُتْعَةِ فَأَمَرَنِي بِهَا، وَسَأَلْتُهُ عَنِ الهَدْىِ فَقَالَ فِيهَا جَزُورٌ أَوْ بَقَرَةٌ أَوْ شَاةٌ أَوْ شِرْكٌ فِي دَمٍ، قَالَ: وَكَأَنَّ نَاسًا كَرِهُوهَا، فَنِمْتُ فَرَأَيْتُ فِي المنَامِ قَائِلَاً يَقُولُ: عُمْرَةٌ مُتَقَبَّلَةٌ وَحَجٌّ مَبْرُورٌ، فَأتَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ فَأَخبرْتُهُ فَقَالَ: الله أَكْبَرُ سُنَّةُ أَبِي القَاسِمِ - صلى الله عليه وسلم -. أخرجه الشيخان (¬3). [صحيح]. قوله: "وعن أبي [136 ب] جمرة" (¬4) بالجيم والراء هو نصر - بالصاد المهملة - بن عمران بن عصام بن صعصعة الضبعي، بضم الضاد المعجمة وفتح الموحدة النصري، روى عن ابن عباس وغيره وليس في البخاري ومسلم أبو جمرة سواه. وقد روى عن ابن عباس جماعة كلهم أبو حمزة بالمهملة والزاي، إلّا هذا، فإنه بالجيم والراء إن أطلق، فإن أرادوا غيره مما هو بالمهملة قيّدوه بالاسم أو بالوصف أو باللقب. وقال الحاكم أبو أحمد ليس في المحدثين من يكنى أبو جمرة سواه. قوله: "فأخبرته" فقال لي: أقم عندي وأجعل لك سهماً من مالي، قال شعبة: فقلت: لم؟ فقال: للرؤيا التي رأيت. ¬

_ = وانظر: مزيد تفصيل "زاد المعاد" (2/ 181 - 182). (¬1) انظر "نيل الأوطار" (9/ 147 - 167 - بتحقيقي). (¬2) في "السنن" رقم (1817) وهو أثر صحيح موقوف, انظر ما تقدم من كلام ابن القيم. (¬3) البخاري رقم (1567، 1688) ومسلم رقم (1242). (¬4) انظر: "التقريب" (2/ 407 رقم 28)، "تهذيب التهذيب" (4/ 220).

قوله: "فقال الله أكبر سنة أبي القاسم" [بفتح سنة أي: وافقت سنة أبي القاسم] (¬1) وكبّر سروراً بذلك سيما [179/ أ] وقد منع العمرة في أشهر الحج من منع سوى ابن عباس؛ لأنه من القائلين بعدم النهي عنها (¬2). 9 - وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - أَنَّهُ قَالَ: مَنِ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الحَجِّ ثُمَّ أَقَامَ بِمَكَّةَ حَتَّى يُدْرِكَهُ الحَجُّ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ إِنْ حَجَّ وَعَلَيْهِ مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الهَدْيِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فِي الحجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ. أخرجه مالك (¬3). [موقوف صحيح]. وقال (¬4): وَذَلِكَ أَقَامَ حَتَّى أَتَى الحَجُّ ثُمَّ حَجَّ. وله (¬5) في أخرى قال: وَالله لَأَنْ أَعْتَمِرَ قَبْلَ الحجِّ وَأُهْدِيَ أَحَبُّ إِلَيِّ مِنْ أَنْ أَعْتَمِرَ بَعْدَ الحَجِّ فِي ذِي الحِجَّةِ. [موقوف صحيح]. 10 - وعن عبد الرحمن بن حرملة الأسلمي: أَنَّ رَجُلَاً سَأَلَ سَعِيْدَ بْنَ المُسِيبِ قَالَ: أعْتَمِرُ قَبْلَ أَن أَحُجّ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَدِ اعْتَمَرَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَبْلِ أَنْ يَحِجّ (¬6). [صحيح لغيره]. 11 - وعن ابن المسيب: أَنَّ عُمَرَ بْنَ أَبِي سَلْمَةَ اسْتَأْذَنَ عُمَرَ - رضي الله عنه - أَنْ يَعْتَمِرَ فِي شَوَّالٍ فَأَذِنَ لَهُ، فَاعْتَمَرَ ثُمَّ قَفَلَ إِلَى أَهْلِهِ وَلَمْ يَحِجّ (¬7). [موقوف صحيح]. ¬

_ (¬1) زيادة من (أ). (¬2) انظر "فتح الباري" (3/ 430 - 433). (¬3) في "الموطأ" (1/ 344 رقم 62) وهو موقوف صحيح. (¬4) أي مالك في "الموطأ" (1/ 344). (¬5) أخرجه مالك في "الموطأ" (1/ 344 رقم 61) وهو موقوف صحيح. (¬6) أخرجه مالك في "الموطأ" (1/ 343 رقم 57) وهو صحيح لغيره. (¬7) أخرجه مالك في "الموطأ" (1/ 343 رقم 58) وهو موقوف صحيح.

12 - وَعَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: الصِّيَامُ لِمَنْ تَمَتَّعَ بِالعُمْرَةِ إِلَى الحَجِّ لِمَنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا مَا بَيْنَ أَنْ يُهِلَّ بِالحَجِّ إِلَى يَوْمِ عَرَفَةَ، فَإِنْ لَمْ يَصُمْ صَامَ أيَّامَ مِنًى، وكان ابن عمر - رضي الله عنهما - يقول ذلك (¬1). [موقوف صحيح]. أخرج هذه الأحاديث الثلاثة مالك. 13 - وَعَنْ جَابِرِ - رضي الله عنه - قَالَ: أَهَلَّ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - هُوَ وَأَصْحَابُهُ بِالحَجِّ، وَلَيْسَ مَعَ أَحَدٍ مِنْهُمْ هَدْيٌ سِوَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَطَلْحَةَ - رضي الله عنه -، وَقَدِمَ عَلِيٌّ مِنَ اليَمَنِ وَمَعَهُ هَدْيٌ، فَقَالَ: أَهْلَلْتُ بِمَا أَهَلَّ بِهِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -؛ فَأَمَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَصْحَابَهُ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً، وَيَطُوفُوا، وَيُقَصِّرُوا وَيَحِلُّوا، إِلاَّ مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ، فَقَالُوا: أَنَنْطَلِقُ إِلَى مِنًى، وَذَكَرُ أَحَدِنَا يَقْطُرُ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا أَهْدَيْتُ, وَلَوْلاَ أَنَّ مَعِي الهَدْىَ لأَحْلَلْتُ"، وَحَاضَتْ عَائِشَةُ - رضي الله عنها -، فَنَسَكَتِ المَنَاسِكَ كُلَّهَا، غَيْرَ أَنَّهَا لَمْ تَطُفْ بِالبَيْتِ، فَلمَّا طَهُرَتْ طَافَتْ. وَقَالَتْ: يَا رَسُولَ الله! تَنْطَلِقُونَ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ, وَأَنْطَلِقُ بِحَجّةٍ؟ فَأَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ - رضي الله عنهما - أَنْ يَخْرُجَ مَعَهَاَ إِلَى التَّنْعِيمِ، فَاعْتَمَرَتْ بَعْدَ الحَجِّ. أخرجه الخمسة إلا الترمذي، وهذا لفظ الشيخين (¬2). [صحيح]. قوله: " (¬3) وعن جابر" الحديث. قوله: "سوى النبي - صلى الله عليه وسلم - وطلحة" وأبي بكر وعمر والزبير فجملة من أهدى [137 ب] من الصحابة خمسة كما قاله القاضي مجد الدين الشيرازي في "سفر السعادة" (¬4). قوله: "ولولا أن معي الهدي ... الحديث" معناه: أنه - صلى الله عليه وسلم - ما منعه من موافقتهم فيما أمرهم به إلا سوقه الهدي، وأنه لو استقبل هذا الرأي، وهو الإحرام بالعمرة في أشهر الحج ¬

_ (¬1) أخرجه مالك في "الموطأ" (1/ 426 رقم 255) وهو موقوف صحيح، وأخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (1999). (¬2) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (1651) ومسلم رقم (136/ 1213). (¬3) في (أ) زيادة "وعن ابن عمر" مضروب عليها. (¬4) لم أجده.

من أول أمره لم يسق الهدي، وفي هذه الرواية تصريح بأنه لم يكن متمتعاً، قاله في "شرح مسلم" (¬1). وقال السهيلي (¬2) عن شيخه أبي بكر بن العربي: أنه - صلى الله عليه وسلم - إنما ندم على ترك ما هو أسهل وأرفق لا على ترك ما هو أفضل وأوفق، وذلك لما رأى من كراهة أصحابه لمخالفته. 14 - وفي أخرى للبخاري (¬3): قَالَ لَهُمْ: "أَحِلُّوا مِنْ إِحْرَامِكُمْ، وَاجْعَلُوا الَّتِي قَدِمْتُمْ بِهَا مُتْعَةً, فَقَالُوا: كَيْفَ نَجْعَلُهَا مُتْعَةً وَقَدْ سَمَّيْنَا الحَجَّ؟ فَقَالَ: "افْعَلُوا مَا أَقُولُ لَكُمْ، فَلَوْلاَ أَنَّي سُقْتُ الهَدْيَ لَفَعَلْتُ مِثْلَ الَّذِي أَمَرْتُكُمْ، وَلَكِنْ لاَ يَحِلُّ مِنِّي حَرَامٌ حَتَّى يَبْلُغَ الهَدْىُ مَحِلَّهُ فَفَعَلُوا". [صحيح]. قوله: "ولكن لا يحل مني" (¬4) بكسر الحاء وتشديد منّي مضاف إلى الياء وهو تجريد، أي: لا أحل عن إحرامي. [138 ب]. 15 - وفي أخرى (¬5): قَدِمْنَا مَكَّةَ لَأَرْبَعٍ خَلوْنَ مِنْ ذِي الحِجّةِ. [صحيح]. قوله: "لأربعٍ خلون من ذي الحجة" وكان خروجهم من المدينة لخمس بقين من ذي القعدة، وقد أطال ابن القيم في "الهدي" (¬6) في تعيين [يوم] (¬7) خروجه - صلى الله عليه وسلم -، وقرّر أنه السبت، وردّ على من زعم أنه خرج الجمعة أو الخميس. ¬

_ (¬1) في شرحه لـ "صحيح مسلم" (8/ 144). (¬2) في "الروض الأنف" (4/ 248). (¬3) في "صحيحه" رقم (1568). (¬4) انظر "فتح الباري" (3/ 431). (¬5) في "صحيحه" رقم (2505، 2506). (¬6) في "زاد المعاد" (2/ 97 - 98). (¬7) زيادة من (أ).

16 - وفي رواية (¬1): أَمَرَنَا أَنْ نَحِلَّ وَنَجْعَلَهَا عُمْرَةً، فَكَبُرَ ذَلِكَ عَلَيْنَا وَضَاقَتْ بِهِ صُدُورُنَا، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَما نَدْرِي شَيْءٌ بَلَغَهُ مِنَ السَّمَاءِ أَمْ شَيْءٌ مِنْ قِبَلِ النَّاسِ، فَقَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَحِلُّوا، فَلَوْلاَ الهَدْيُ الَّذِي مَعِي فَعَلْتُ كَمَا فَعَلْتُمْ"، فَأَحْلَلْنَا حَتَّى وَطِئْنَا النِّسَاءَ، وَفَعَلْنَا مَا يَفْعَلُ الحَلاَلُ، حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ وَجَعَلْنَا مَكَّةَ بِظَهْرٍ أَهْلَلْنَا بِالحَجِّ. [صحيح]. قوله: "وجعلنا مكة بظهر" أي: خلفنا، وذلك أنهم لم يهلوا من نفس مكة بل من خارجها. 17 - وفي أخرى لمسلم (¬2): أَقْبَلْنَا مُهِلِّينَ مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - بِحَجٍّ مُفْرَدٍ وَأَهَلَّتْ عَائِشَةُ - رضي الله عنها - بِعُمْرَةٍ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِسَرِفَ عَرَكَتْ حَتَّى إِذَا قَدِمْنَا طُفْنَا بِاَلكَعْبَةِ وَالصَّفَا وَالمَرْوَةِ وَأَمَرَنَا أَنْ يَحِلَّ مِنَّا مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ، قُلْنَا حِلُّ مَاذَا؟ قَالَ: "الحِلُّ كُلُّهُ". فَوَاقَعْنَا النِّسَاءَ، وَتَطَيَّبْنَا بِالطِّيبِ، وَلَبِسْنَا ثِيَابَنَا، وَلَيْسَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ عَرَفَةَ إِلاَّ أَرْبَعُ لَيَالٍ، ثُمَّ أَهْلَلْنَا يَوْمَ التَّرْوِيَةِ، ثُمَّ دَخَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى عَائِشَةَ - رضي الله عنها - وَهِيَ تَبْكِي، فَقَالَ: "مَا شَانُكِ؟ "، قَالَتْ: حِضْتُ وَقَدْ حَلَّ النَّاسُ وَلَمْ أَحِلَّ وَلَمْ أَطُفْ، وَالنَّاسُ يَذْهَبُونَ الآنَ إِلَى الحَجِّ، فَقَالَ: "إِنَّ هَذَا أَمْرٌ كَتَبَهُ الله عَلَى بَنَاتِ آدَمَ فَاغْتَسِلِي ثُمَّ أَهِلِّي بِالحَجِّ"، فَفَعَلَتْ وَوَقَفَتِ المَوَاقِفَ كُلَّهَا حَتَّى إِذَا طَهَرَتْ طَافَتْ، فَقَالَ: "قَدْ حَلَلْتِ مِنْ حَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ [جَمِيعًا] " (¬3). فَقَالَتْ: إِنِّي أَجِدُ فِي نَفْسِي أَنِّي لَمْ أَطُفْ بِالبَيْتِ حَتَّى حَجَجْتُ، قَالَ: "فَاذْهَبْ بِهَا يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ فَأَعْمِرْهَا مِنَ التَّنْعِيمِ". وَذَلِكَ لَيْلَةَ الحَصْبَةِ، وَكَانَ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلَاً سَهْلَاً إِذَا هَوِيتْ شَيْئَاً تَابَعَهَا عَلَيْهِ. [صحيح]. ¬

_ (¬1) أخرجها مسلم في "صحيحه" رقم (142/ 1216). (¬2) في "صحيحه" رقم (136/ 1213) و (137/ 1213). (¬3) في (أ) جميعها، وما أثبتناه من (ب) و"صحيح مسلم".

قوله: "وأهلت عائشة بعمرة" هذا أحد الأقوال وقيل: أهلت لحج، ومن قال أهلت بعمرة فإنه أمرها - صلى الله عليه وسلم - أن تدخل عليها الحج فكانت قارنة كما دلّ له قوله فيما يأتي "فاغتسلي وأهلّي بالحج"، وقرر هذا ابن القيم (¬1). قوله: "عركت" (¬2) بفتح العين والراء معناه حاضت، يقال: عركت تعرك عركاً، كقعد يقعد. قوله: "طافت" أي: بالبيت وبين الصفا والمروة. قوله: "قد حللت من حجك وعمرتك جميعاً" هذا صريح أنها كانت قارنة بعد إدخالها الحج على العمرة، فعمرتها من التنعيم عمرة ثانية طيب بها خاطرها [139 ب] لما قالت: إني أجد في نفسي أني لم [أطف] (¬3) بالبيت حين حججت، أي: كما طاف القارنون والفاسخون، فالقارنون طافوا وسعوا للحج والعمرة والفاسخون طافوا للعمرة (¬4). قوله: "من التنعيم" هو مكان معروف خارج مكة سمي بذلك؛ لأن عن يمينه جبل يقال له تنعيم، وآخر يقال له ناعم، والوادي يقال له نعمان. قوله: "ليلة الحصبة" بالحاء المهملة مفتوحة وصاد مهملة وموحدة، وهي الليلة التي نزلوا فيها بالمحصب، وهو المكان الذي نزلوا فيه بعد النفر من منى خارج مكة. قوله: "سهلاً" أي: سهل الأخلاق كريم الشمائل. "إذا هويت شيئاً تابعها عليه" أي: شيئاً لا نقص فيه في الدنيا مثل الاعتمار ونحوه. 18 - وفي رواية له (¬5): وَأُمِرْنَا أَنْ يَشْتَرِكَ فِي الإِبِلِ وَالبَقَرِ كُلُّ سَبْعَةٍ مِنَّا فِي بَدَنَةٍ. [صحيح]. ¬

_ (¬1) في "زاد المعاد" (2/ 159 - 160). (¬2) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 194) "غريب الحديث" للهروي (1/ 54). (¬3) في (ب) طفت, والصواب ما أثبتناه من مصدر الحديث و (أ). (¬4) انظر: "المغني" (5/ 312) "المجموع شرح المهذب" (7/ 168). (¬5) في "صحيحه" رقم (138/ 1213).

قوله: "وأمرنا أن [نشترك] " (¬1) أي: لما لزم الفاسخين الهدي بيّن لهم - صلى الله عليه وسلم - أنّ البدنة والبقرة عن سبعة، وقد أتت رواية (¬2) "في عشرة في الإبل". 19 - وفي رواية له (¬3): لَمْ يَطُفِ النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - وَلَا الصَّحَابَةُ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ إِلَّا طَوَافَاً وَاحِدَاً طَوَافَهُ الأَوَّلِ. [صحيح]. قوله: "إلا طوافاً واحداً" هو طوافهم حي قدموا، فإنه أجزى للعمرة والحج، وذلك لأن الحق أنها لا تثنى أعمال القارن (¬4)، بل يكفيه طواف واحد لحجه وعمرته [140 ب] وسعي واحد، فقوله: "ولا أصحابه" أي: الذين ساقوا (¬5) وصاروا قارنين، وأمّا الذين فسخوا فطافوا طوافين وسعوا سعيين. 20 - وعند أبي داود (¬6). والنسائي (¬7). فقالَ سُرَاقَةُ بنُ مَالِكٍ: يَا رَسُولَ الله أَرَأَيْتَ مُتْعَتَنَا هَذ لِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِلأَبَدِ؟ فَقَالَ: "بَلْ هِيَ لِلْأبَدِ". [صحيح]. ¬

_ (¬1) في المخطوط نشرك، وما أثبتناه من "صحيح مسلم". (¬2) عن ابن عباس قال: كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفر فحضر الأضحى فذبحنا البقرة عن سبعةٍ والبعير عن عشرة. أخرجه أحمد (1/ 275) والترمذي رقم (905) وقال: هذا حديث حسن غريب والنسائي رقم (4392) وابن ماجه رقم (3131) وهو حديث صحيح. (¬3) أي لمسلم في "صحيحه" (140/ 1215). (¬4) انظر "تهذيب المدونة" (1/ 524) "المجموع شرح المهذب" (8/ 241). (¬5) انظر: "فتح الباري" (3/ 495). "المجموع شرح المهذب" (8/ 241 - 243). (¬6) في "السنن" (1787). (¬7) في "السنن" رقم (2805). وأخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (2506) و (7230) ومسلم بمعناه رقم (1216)، وابن ماجه رقم (2980).

قوله: "أم للأبد" الأبد الدهر ومعناه: أنّ العمرة يجوز فعلها في أشهر الحج إلى يوم القيامة، والقصد به إبطال ما كانت الجاهلية تزعم من أنه لا عمرة في أشهر الحج ويرونه من أفجر الفجور كما يأتي، وقيل: معناه: أَفَسخُ الحج إلى العمرة بنا خاصة؟ أم لكل أحد إلى الأبد وهو اختيار ابن القيم (¬1). 21 - وللخمسة (¬2) إلا الترمذي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "كَانُوا يَرَوْنَ العُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الحَجِّ مِنْ أَفْجَرِ الفُجُورِ فِي الأَرْضِ، وَكانُوا يُسَمُّونَ المُحَرَّمَ صَفَرَ، وَيَقُولُونَ: إِذَا بَرَأَ الدَّبَرْ وَعَفَا الأَثَرْ وَانْسَلَخَ صَفَرْ حَلَّتِ العُمْرَةُ لِمَنِ اعْتَمَرْ، قَالَ: فَقَدِمَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وَأَصْحَابُهُ صَبِيحَةِ رَابِعَةٍ مُهِلِّينَ بِالحَجِّ. فَأَمَرَهُمْ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً, فتعَاظَمَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ. فَقَالُوا: يَا رَسُولَ الله: أَيُّ الحِلِّ؟ قَالَ: "الحِلُّ كُلُّهُ". [صحيح]. وعند النسائي (¬3): عَفَا الوَبَرُ بَدَلَ الأَثَرِ. وزاد بَعْدَ قولهِ (¬4): وَانْسلَخَ صَفَرُ، أَوْ قال: وَدَخَلَ صَفَرُ. قوله: "وكانوا يرون" أي: يعتقدون. قوله: "صفر" كذا في جميع الأصول "الصحيحة". قال النووي (¬5): كان ينبغي أن يكتب بالألف لكن على تقدير حذفها؛ لأنه من صفراً. ¬

_ (¬1) في "زاد المعاد" (2/ 172 - 174). (¬2) أخرجه البخاري رقم (1564)، ومسلم رقم (198/ 1240)، وأبو داود رقم (1986)، وأحمد (1/ 252)، والنسائي رقم (2813). (¬3) في "السنن" رقم (2813). (¬4) في "السنن" رقم (2813). (¬5) في شرحه لصحيح مسلم (8/ 225).

بالألف منصوباً لأنه مصروف بلا خلاف، والمراد بتسميتهم ذلك لأنهم كانوا يؤخرون حرمة المحرم إلى صفر، فيسمون المحرم صفراً ويستحلونه بالغارات والنهب، ويحرمون بدله صفراً، ويسمونه المحرم فرارًا من توالي ثلاثة أشهر محرمة لضيقها عليهم وقد ضللهم الله في ذلك. قوله: "إذا برأ الدبر" (¬1) بفتح الدال المهملة والموحدة، ما يحصل بظهور الإبل من الحمل عليها ومشقة السفر، فإنه كان يبرأ بعد انصرافهم من الحج. قوله: "وعفا الأثر" (¬2) بالمثلثة بعد همزة مفتوحة، أي: أندرس أثر الإبل في سيرها، ويحتمل أثر الدبر المذكور وانسلخ صفر أي: المحرم الذي سموه صفراً بزعمهم وهذه الراءات تقرأ ساكنة لإرادة السجع. [180/ أ]. قوله: "صبيحة رابعة" بفتح الصاد المهملة والمراد برابعة ليلة رابعة من ذي الحجة. قوله: "أي الحلّ" لأنهم كانوا يعرفون أنّ للحج تحلتين فأرادوا بيان ذلك فبين لهم أنهم يتحللون الحل كله؛ لأنّ العمرة ليس لها إلاّ تحلل واحد بخلاف الحج فإنه تحللين: الأول: بعد رمي جمرة العقبة، فإنه يحل كل شيء ما عدا النساء. والثاني: بعد طواف الإفاضة فإنه يحل كل شيء. 22 - وعند مسلم (¬3) والترمذي (¬4): قال - صلى الله عليه وسلم -: "دَخَلَتِ العُمْرَةُ في الحَجِّ إلى يَوْمِ القِيَامَةِ": أَيْ دَخَلَ عَمَلُهَا في عَملِ الحَجِّ لِلْقَارِن. [صحيح]. ¬

_ (¬1) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (1/ 550)، "المجموع المغيث" (1/ 636). (¬2) انظر: "القاموس المحيط" (1693)، "النهاية في غريب الحديث" (2/ 230). (¬3) في "صحيحه" رقم (203/ 1240). (¬4) في "السنن" (932). وأخرجه أبو داود رقم (1790)، والنسائي رقم (2815)، وهو حديث صحيح.

ومعنى "بَرَأَ الدُّبُرَ" (¬1) أي: اندمل العَقْر الذي يكون في ظهر البعير وشفي. ومعنى "عَفَا الأَثَرُ" (¬2) أي: اندَرَس لعدم الذهاب والمجيء في الطُّرق. قوله: "أي دخل عملها في أعمال الحج" كما قررناه قريباً أنه لا تثني أعمالهما وهذا أحد التفسيرين. قال [141 ب] الخطابي (¬3): اختلف الناس في تأويل ذلك فقال قوم: إنّ العمرة واجبة، وقال أصحاب الرأي: ليست واجبة، واستدلوا بقوله: "دخلت العمرة في الحج" فسقط فرضها بالحج، وقيل: بل معناه دخلت في وقت الحج وشهوره. 23 - وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي أَشْهُرِ الحَجِّ، وَحُرُمِ الحَجِّ وَلَيَالِي الحَجِّ، فَنَزَلْنَا بِسَرِفَ. فقَالَ: "مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ فَأَحَبَّ أَنْ يَجْعَلَهَا عُمْرَةً فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ كَانَ مَعَهُ الهَدْي فَلاَ. قَالَتْ: فَالآخِذُ بِهَا وَالتَّارِكُ لهَا مِنْ أَصْحَابِهِ. فَأَمَّا رَسُوُل الله - صلى الله عليه وسلم - وَرِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَكَانُوا أَهْلَ قُوَّةٍ, وَكَانَ مَعَهُمُ الهَدْيُ، فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى العُمْرَةِ. قَالَتْ: فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وَأَنا أبْكِي. فَقَالَ: "مَا يُبْكِيكِ يَا هَنْتَاهْ؟ ". فَقُلْتُ: سَمِعْتُ قَوْلَكَ لأَصْحَابِكَ فَمُنِعْتُ العُمْرَةَ. فَقَالَ: "وَمَا شَأْنُكِ؟ ". قُلْتُ لاَ أُصَلِّي. قَالَ: "لاَ يَضُرُّكِ إِنَّمَا أَنْتِ امْرَأَةٌ مِنْ بَنَاتِ آدَمَ كتَبَ الله عَلَيْكِ مَا كتَبَ عَلَيْهِنَّ، فَكُونِي فِي حَجَّتِكِ, فَعَسَى الله تعالى أَنْ يَرْزُقَكِيهَا". أخرجه الستة إلا الترمذي (¬4). [صحيح]. قوله: "في حديث عائشة وحرم الحج" بضم الحاء والراء أي: أمكنته وأزمنته وحالاته. ¬

_ (¬1) تقدم شرحها. (¬2) تقدم شرحها. (¬3) في "عالم السنن" (2/ 388 - مع "السنن"). (¬4) أخرجه البخاري رقم (1560، 1788)، ومسلم رقم (123/ 1211)، وأبو داود رقم (1782)، والنسائي (2741)، وابن ماجه رقم (2963).

قوله: "فليفعل" أي: يفسخ حجه إلى عمرة، وهذا كان أول الأمر جعله إلى اختيارهم ثم حصلت العزيمة عليهم بمكة بإيجاب الفسخ. قوله: "فمنعت العمرة" مُنعت مبني للمجهول. قوله: "لا أصلي" كناية عن أنها حاضت، وكان حيضها بسرف يوم السبت وكان طهرها يوم النحر. قوله: "أن يرزقكيها" كأنه - صلى الله عليه وسلم - أراد أي يجعل لك أجرها لدخولها في حجك أو المراد منفردة فرزقها عمرة التنعيم [142 ب]. 24 - وفي أخرى (¬1): فَلَمْ أَزَلْ حَائِضًا حَتَّى كَانَ يَوْمُ عَرَفَةَ، وَلَمْ أُهْلِلْ إِلاَّ بِعُمْرَةٍ، طهُرْتُ، فَأَمَرَنِي أَنْ أَنْقُضَ رَأْسِي وَأَمْتَشِطَ، وَأُهِلَّ بِالحَجٍّ، وَأَتْرُكَ العُمْرَةَ، فَفَعَلْتُ حَتَّى قَضَيْتُ حَجِّي. [صحيح]. قوله: "أن أنقض رأسي وأمتشط وأهل بالحج" قال ابن حزم (¬2): إنه لا دليل على تحريم مشط الشعر على المحرم، والإهلال بالحج هو بإدخالها إياه على العمرة. وقولها: "وأترك العمرة" ليس المراد إبطالها بالكلية والخروج منها، فإنّ الحج والعمرة لا يصح الخروج منهما بعد الإحرام إنما يخرج منهما بالتحلل بعد الفراغ منهما بل معناه ترك أعمالها من الطواف والسعي والتقصير فهو أمر بالإعراض عن إتمام فعالها، وأن تحرم بالحج فتصير قارنة، وإنما أمر عبد الرحمن أن يعمرها من التنعيم ليحصل لها عمرة مفردة كسائر الناس الذين فسخوا الحج إلى العمرة من مكة، ثم أهلّو بالحج يوم التروية فحصل لهم حجة مفردة وعمرة مفردة ونقض رأسها والامتشاط لا يلزم منه إبطال العمرة لأنهما جائزان في الإحرام. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم في "صحيحه" رقم (112/ 1211). (¬2) "المحلى" (7/ 208).

25 - وفي رواية (¬1) قالتْ: فَخَرَجْنَا مَعَهُ حَتَّى قَدِمْنَا مِنًى يَوْمَ النَحْرِ وَطَهَرْتُ، ثُمَّ خَرَجْتُ مِنْ مِنًى فَأَفَضْتُ بِالبَيْتِ، ثُمَّ خَرَجَتْ مَعَهُ فِي النَّفْرِ الآخِرِ حَتَّى نَزَلَ المُحَصَّبَ، فَدَعَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ فقَالَ: "اخْرُجْ بِأُخْتِكَ مِنَ الحَرَمِ، فَلْتُهِلَّ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ افْرُغَا، ثُمَّ ائْتِيَا هَا هُنَا، فَإِنِّي أَنْظُرُكُمَا حَتَّى تَأْتِيَا". فَخَرَجْتُ حَتَّى إِذَا فَرَغْتُ مِنَ الطَّوَافِ جِئْتُهُ بِسَحَرَ فَأَذَنَ بِالرَّحِيلِ فَارْتَحَلَ النَّاسُ، فَمَرَّ مُتَوَجِّهًا إِلَى المَدِينَةِ. [صحيح]. 26 - وفي رواية (¬2): فَمَرَّ بالبَيْتِ وَطَافَ بِهِ قبْلَ صَلاَةِ الصُّبْحِ ثُمَّ خَرَجَ إلى المَدِينَةِ. [صحيح]. قوله: "فطاف به قبل الصبح" هذا هو طواف الوداع. 27 - وفي أخرى (¬3): خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ، وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍ، وَأَهَلَّ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بِالحَجِّ. فَأَمَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرةٍ فَحَلَّ. وَأَمَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ أَوْ جَمَعَ الحَجَّ وَالعُمْرَةَ فَلَمْ يَحِلُّوا حَتَّى كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ. [صحيح]. وَ"أحلّ رسول الله عليه وآله وسلم بالحج" أي: مفردًا وهذا أول الأمر كما قدمناه ثم أتاه آتٍ من ربه وهو بالعقيق يأمره أن يدخل العمرة على الحج فصار قارنًا وعلى هذا يحمل اختلاف الروايات في إحرامه - صلى الله عليه وسلم - فيمن روى أنه مفرد أو قارن، وأمّا من قال: أنه كان متمتعًا فأراد التمتع اللغوي وهو الانتفاع والارتفاق وقد ارتفق - صلى الله عليه وسلم - بالقران كارتفاق المتمتع وزيادة وهو الاقتصار على فعل واحد [143 ب] وبهذا يجتمع شمل الأحاديث (¬4). ¬

_ (¬1) أخرجها البخاري رقم (1560، 1788)، ومسلم رقم (123/ 1211). (¬2) انظر: التعليقة المتقدمة. (¬3) أخرجها البخاري في "صحيحه" رقم (1562، 4408)، ومسلم رقم (117/ 1211)، وأبو داود رقم (1783)، والنسائي (2803). (¬4) انظر: "زاد المعاد" (2/ 172 - 176).

قوله: "وأما من أهل بحج أو جمع الحج والعمرة فلم يحلوا حتى كان يوم النحر". هذا يشكل حينئذٍ من قولها: "وأمّا من أهل بحج" فإنّ المهلين بالحج أُمروا بالفسخ وحلوا في مكة ثم أحرموا بالحج يوم التروية، هذا الذي اتفقت فيه الروايات، وأمّا من جمع فنعم لم يحلوا إلاّ يوم النحر، فهذه اللفظة شاذة (¬1). 28 - وعند أبي داود (¬2): قال - صلى الله عليه وسلم -: "يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ! أَرْدِفْ أُخْتَكَ فَأَعْمِرْهَا مِنَ التَّنْعِيمِ، فَإِذَا هَبَطْتَ بِهَا مِنَ الأكَمَةِ فَلْتُحْرِمْ فَإِنَّهَا عُمْرَةٌ مُتَقَبَّلَةٌ". [صحيح]. 29 - وعن أبي موسى - رضي الله عنه - قال: قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ مُنِيخٌ بِالبَطْحَاءِ فَقَالَ: "بِمَ أَهْلَلْتَ؟ ". فَقُلْتُ: بِإِهْلاَلٍ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -. قَالَ: "هَلْ سُقْتَ الهَدْيَ.؟ ". قُلْتُ: لاَ. قَالَ "فَطُفْ بِالبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ ثُمَّ أَحِلَّ". فَفَعَلْت، ثُمَّ أَتَيْتُ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِي فَمَشَطَتْنِي وَغَسَلَتْ رَأْسِي فَكُنْتُ أُفْتِي بِذَلِكَ النَّاسَ فِي إِمَارَةِ أَبِي بَكْرٍ - رضي الله عنه -، فَلمّا مَاتَ وَكان عُمَرُ - رضي الله عنه - فَإنِّي لَقَائمٌ بِالمَوْسِمِ إِذْ جَاءَنِي رَجُلٌ فَقَالَ: اتَّئِدْ في فُتْيَاكَ، إِنَّكَ لاَ تَدْرِى مَا يُحدِثُ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ فِي شَأْنِ النُّسُكِ. فَقُلْتُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ: مَنْ كُنَّا أَفْتَيْنَاهُ بِشَيءٍ فَلْيَتَّئِدْ فَهَذَا أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ قَادِمَ عَلَيْكُمْ فَبِهِ فَائْتَمُّوا. فَلمَّا قَدِمَ قُلْتُ له: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ مَا هَذَا الَّذِي بَلَغني؟ أَحْدَثْتَ فِي شَأْنِ النُّسُكِ، فَقَالَ: أَنْ نَأْخُذْ بِكِتَابِ الله تعَالى فَإِنَّ الله تعَالى يَقُولُ: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} وَأَنْ نَأْخُذْ بِسُنَّةِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَقَدْ قَالَ: "خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُم"، فَإِن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - لمْ يَحل حتَى نَحَرَ الهَدْيَ. ¬

_ "المغني" (5/ 252 - 254). "فتح الباري" (3/ 429). (¬1) انظر: "فتح الباري" (3/ 423 - 425) و (8/ 104). (¬2) في "السنن" رقم (1995). صحيح.

أخرجه الشيخان (¬1) والنسائي (¬2). [صحيح]. قوله: "في حديث أبي موسى منيخ بالبطحاء" أي: بطحاء مكة (¬3) وهو موضع خارجها ويقال له: الأبطح وهو بجنب المحصب. قوله: "فقال: أن نأخذ بكتاب الله ... الحديث" حاصل جواب عمر في منعه الناس عن العمرة أنّ كتاب الله دال على المنع وكذا السنة، أمّا الكتاب فلأمر الإتمام وذلك يقتضي استمرار الإحرام إلى فراغ الحج، وأمّا السُنة فلأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يحل حتى بلغ الهدي محله. والجواب عن ذلك: أنّ قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لولا أنّ معي الهدي لأحللت" دالٌ على جواز الإحلال لمن ليس معه هدي. قال المازري (¬4): قيل: إنّ المتعة التي نهى عنها عمر فسخ الحج إلى العمرة. قال النووي (¬5): أنه نهى عن المتعة المعروفة وهي الاعتمار في أشهر الحج ثم الحج من عامه، ونهيه محمول على التنزيه للترغيب في الإفراد. ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (1559) وله أطراف (1565، 1724، 1795، 4397). (¬2) في "السنن" رقم (2738). وأخرجه مسلم رقم (154/ 1221)، وأحمد (4/ 395، 396). (¬3) قال ابن الأثير في "النهاية" (1/ 140) أبطح مكة: وهو مسيل واديها، ويجمع البِطاح والأباطح. وانظر: "المجموع المغيث" (1/ 167). (¬4) في "المعلم بفوائد مسلم" (2/ 56). (¬5) في شرحه لـ "صحيح مسلم" (8/ 203).

30 - وفي أخرى لمسلم (¬1) والنسائي (¬2): أَنَّ أَبَا مُوسى كانَ يُفْتِي بِالمتْعةِ. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ فَعَلَهُ وَأَصْحَابُهُ، وَلَكِنْ كِرهْتُ أَنْ يَظَلُّوا مُعَرِّسِينَ بِهِنَّ في الأَرَاكِ ثُمَّ يَرُوحُونَ في الحَجِّ تَقْطُرُ رُءُوسُهُمْ. [صحيح]. قوله: "فَلْيّتئِدْ" أمر بالتَّؤَدة، وهي التأني في الأمر والتثبت (¬3). قوله: "ولكن كرهت أن يظلوا معرسين في الأراك ثم يروحون إلى الحج تقطر رءوسهم، كرهت أن يظلوا" أي: الحجاج. "معرسين" أي: بنسائهم. "في الأراك" (¬4) محل بالقرب [144 ب] من مكة. "ثم يروحون" بعد التعريس بنسائهم. "تقطر رءوسهم" أي: من الماء الذي اغتسلوا به عن التعريس، وجوابه أنّ هذه الكراهة لا وجه لها فإنّ إتيان النساء للحلال حلال اتفاقًا ولو قبل إحرامه بلحظة، فهذه الكراهة لا مستند لها بل قد أذن لهم - صلى الله عليه وسلم - بعد الفسخ أن يأتوا كل ما يأتيه الحلال حتى يهلوا يوم التروية، وقد قالوا لمّا أمرهم بالفسخ "فقالوا: ننطلق إلى منى وذكر أحدنا يقطر، قال: نعم وسطعت المجامر" (¬5) وهم لا يطلعون إلى منى إلاّ يوم التروية فأباح - صلى الله عليه وسلم - لهم إتيان النساء إلى يوم التروية. ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (157/ 1222). (¬2) في "السنن" رقم (2735). (¬3) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (3/ 155). (¬4) انظر: "القاموس المحيط". (ص 1202). (¬5) تقدم تخريجه وهو حديث صحيح.

فهذه الكراهة التي ذكرها عمر لا وجه لها، وهذا رأي من عمر، ودليل [181/ أ] على أنه لم يحرم العمرة بل إنما هو من باب تركه الأولى ولا يسلم له ذلك. 31 - وعن البراء - رضي الله عنه - قال: كُنْتُ مَعَ عَلِيٍّ - رضي الله عنه - حِينَ أَمَّرَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - علَى اليَمَنِ فَأَصَبْتُ مَعَهُ أَوَانِيَ فَلمَّا قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَجَدَ فَاطِمَةَ وَقَدْ نَضَحَتِ البَيْتَ بِنَضُوحٍ فَغَضِبَ. فقَالَت: مَالَكَ؟ إِنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قدْ أَمَرَ أَصْحَابَهُ فَأَحَلُّوا. فَأَتَيْتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فقَال لي: "كَيْفَ صَنَعْتَ؟ ". قُلْتُ: أَهْلَلْتُ بإِهْلَال النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فقال: إِنِّي سُقْتُ الهَدْيَ وَقَرَنْتُ. قال: وقال لي: انْحَرْ مِن البُدْنِ سَبْعًا وَسِتِّينَ أَوْ سِتًّا وَسِتَين وَأَمْسِكْ لِنَفْسِكْ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ أَوْ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ وَأَمْسِكَ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ مِنْها بَضعَةً. أخرجه أبو داود (¬1) والنسائي (¬2). [إسناده حسن]. "النَّضُوخُ" (¬3) بخاء معجمة: ضَرْب من الطيب (¬4). قوله: "في حديث البراء" (¬5). 32 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: بَاتَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بذِي الحُلَيْفَةِ حَتَّى أَصْبَحَ ثُمَّ رَكِبَ حَتَّى إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ عَلَى البَيْدَاءِ، حَمِدَ الله وَسَبَّحَ وَكَبَّر وَهَلَّلَ، ثُمَّ أَهَلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ، وَأَهَلَّ النَّاسُ بِهِمَا، فَلمَّا قَدِمَ أمرَ النَّاسَ فَحَلُّوا، حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ أَهَلُّوا بِالحَجِّ. فَلمَّا قَضى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - الحَجِّ نَحَرَ سَبْعَ بَدَنَاتٍ بِيَدِهِ قِيَامًا. (¬6) [صحيح]. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (1797). (¬2) في "السنن" رقم (2725، 2745) بإسناد حسن. (¬3) انظر: الفائق للزمخشري (3/ 440)، "النهاية" في غريب الحديث (2/ 754). (¬4) ويقال: نضحت البيت بالماء: إذا رششته. قاله ابن الأثير في غريب "الجامع" (3/ 156). (¬5) في (ب) بياض بمقدار سطر. (¬6) أخرجه أحمد (3/ 268)، والبخاري رقم (1551)، وأبو داود رقم (1796، 2793).

33 - وفي رواية عن بلال بن الحارث: قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله! فَسْخُ الحَجِّ لَنَا خَاصَّةً أَوْ لِمَنْ بَعْدَنَا؟ قَالَ: "بَلْ لكُمْ خَاصَّةً". أخرجه أبو داود (¬1). [ضعيف منكر]. وأخرج منه النسائي (¬2): فَسْخُ الحَجِّ فَقَطْ، وَفَسْخُ الحَجِّ: هو أن يكون قد نوى بالحج ثم يجعله عمرة ويحل ثم يعود ويُحْرِم به. قوله: "وفي رواية عن بلال بن الحارث" إلى قوله: "أخرجه أبو داود". قلت: قال المنذري (¬3): وأخرجه النسائي وابن ماجه. قال الدارقطني (¬4): تفرد به ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن الحارث عن أبيه، تفرّد به الدراوردي عنه، هذا آخر كلامه. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (1808). وأخرجه أحمد في "المسند" (3/ 469)، والنسائي رقم (2808). وابن ماجه رقم (2984)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني رقم (111). والطحاوي في شرح مشكل الآثار (2/ 194)، والدارقطني في "السنن" (2/ 241)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (5/ 41). وهو حديث ضعيف منكر. - قال ابن القيم في "زاد المعاد" (2/ 179): نحن نشهَدُ بالله أن حديث بلال بن الحارث هذا لا يصح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو غلط عليه. ثم قال ابن القيم: ثم كيف يكون هذا ثابتاً عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وابن عباس يُفتي بخلافة ويناظر عليه طول عمره بمشهد من الخاصّ والعام، وأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متوافرون ولا يقول له رجل واحد منهم: هذا كان مختصًا بنا ليس لغيرنا ... (¬2) في "السنن" رقم (2808). (¬3) في مختصر "السنن" (2/ 331). (¬4) انظر: "ميزان الاعتدال" (1/ 432 رقم 1111).

والحارث [145 ب] هو ابن بلال وهو شبه المجهول، وقد قال الإمام أحمد بن حنبل (¬1) في حديث بلال هذا: ولا يثبت، هذا آخر كلامه، انتهى كلام المنذري. وقد قدمنا الإشارة إلى خلاف الناس (¬2) في خصوصية الفسخ أو عمومه إلى يوم القيامة. قال النووي في "شرح مسلم" (¬3): فسخ الحج إلى العمرة قد اختلف فيه العلماء: هل هو خاص بالصحابة في تلك "السنة" خاصة أو باق لهم ولغيرهم إلى يوم القيامة؟ بالثاني قال أحمد بن حنبل (¬4) وطائفة: فيجوز لكل من أحرم بحج ولا هدي معه أن يقلب إحرامه عمرة ويتحلل بأعمالها. وبالأول قال مالك (¬5) والشافعي (¬6). وأبو حنيفة (¬7) والجمهور فلا يجوز بعدها لهم ولا لغيرهم، وإنما أُمروا به تلك السنة ليخالفوا ما كان عليه الجاهلية من تحريم العمرة في أشهر الحج. انتهى. ¬

_ (¬1) قال الذهبي في "الميزان" (1/ 432): الحارث بن بلال بن الحارث عن أبيه في "فسخ الحج لهم خاصة" رواه عنه ربيعة الرأي - ربيعة بن أبي عبد الرحمن - وحده, وعنه الدراوردي - عبد العزيز بن محمد. وقال أحمد بن حنبل: لا أقول به، وليس إسناده بالمعروف." اهـ. (¬2) انظر: "زاد المعاد" (2/ 166 - 206). (¬3) (8/ 203 - 204). (¬4) "المغني" (5/ 251 - 255). (¬5) مدونة الفقه المالكي وأدلته (2/ 101). (¬6) "البيان" للعمراني (4/ 88 - 90)، "المجموع شرح المهذب" (7/ 162). (¬7) البناية في شرح الهداية (4/ 209).

قلت: وهذا عذرٌ بارد، أمّا أوّلاً: فلأنه - صلى الله عليه وسلم - قد اعتمر ثلاث عمر (¬1): الحديبية والقضية وعمرة الجعرانة كلها في ذي القعدة من أشهر الحج فيمن علم كل أحد أنّ شرعه - صلى الله عليه وسلم - جواز العمرة في أشهر الحج. وأمّا ثانيًا: فلأن حجة الوداع ما كان في مكة ولا [حولها] (¬2) مشرك حتى يتبين له هذا الحكم بل كلّهم مسلمون، وبرسول الله - صلى الله عليه وسلم - مقتدون، والأصل عدم الخصوصية وليس في الباب بها إلاّ حديث بلال وقد أنكرت وفيه ما سمعت وإلاّ أثر أبي ذر (¬3) وقد تقدم لكنه موقوف. 34 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: أَهَلَّ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بِعُمْرَةٍ وَأَهلَّ أَصْحَابُهُ بِحَجٍّ. أخرجه أبو داود (¬4). [صحيح]. قوله: "في حديث ابن عباس: أهلّ النبي - صلى الله عليه وسلم - بعمرة" أي: مع الحج لا بد من تقييده بهذا [146 ب] لتتطابق الأحاديث. 35 - وعن عكرمة بن خالد المخزومي قال: سَأَلْتُ ابنَ عُمَرَ - رضي الله عنهما - عَنِ العُمْرَةِ قَبْلَ الحَجِّ. فقَالَ: لَا بأْسَ اعتَمَرْ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - قَبْلَ الحَجِّ. أخرجه البخاري (¬5). [صحيح]. ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد (3/ 134)، والبخاري رقم (1780)، ومسلم رقم (217/ 1253) من حديث أنس - رضي الله عنه -. (¬2) في (ب): حوليها. (¬3) تقدم تخريجه. (¬4) في "السنن" رقم (1804). وأخرجه مسلم رقم (1239)، والنسائي (2814)، وأحمد (1/ 240) وهو حديث صحيح. (¬5) في "صحيحه" رقم (1774).

قوله: "في حديث ابن عمر: "اعتمر النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل الحج" كأنه يريد العمرة المفردة، واعتمر مع الحج في حجة الوداع. قوله: "أخرجه البخاري" قال الحافظ ابن حجر (¬1): هذا السياق - أي: سياق البخاري - لحديث عكرمة يقضي أنّ هذا الإسناد مرسلٌ؛ لأن ابن جريج لم يدرك سؤال عكرمة لابن عمر (¬2). (¬3) 36 - وله في أخرى (¬4) عن ابن عباس - رضي الله عنهما -: أّنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَ أبَا بَكْرٍ عَلَى الحَجِّ يُخْبِرُ النَّاسَ بِمَنَاسِكِهِمْ وَيُبَلِّغُهُمْ عَنْ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أَتَوْا عَرَفَةَ مِنْ قِبَلِ ذِي المجَازِ فَلَمْ يَقْرَبِ الكَعْبَةَ وَلَكِنْ شَمَّرَ إلى ذِي المجَازِ، وَذلِكَ أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا اسْتَمْتَعُوا بِالعُمْرَةِ إلى الحَجِّ. 37 - وعن ابن المسيب: أَنَّ رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - أَتَى عُمَرَ - رضي الله عنه - فَشَهِدَ عِنْدَهُ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَ - صلى الله عليه وسلم - يَنْهَى في مَرَضِهِ الذِي قُبِضَ فيهِ عَن العُمْرَةِ قَبْلَ الحَجِّ. أخرجه أبو داود (¬5). [ضعيف]. ¬

_ (¬1) في "الفتح" (3/ 599). (¬2) وتمام عبارة ابن حجر: ولهذا استظهر البخاري بالتعليق عن ابن إسحاق المصرح بالاتصال ثم بالإسناد الآخر عن ابن جريج، فهو يرفع هذا الإشكال المذكور حيث قال عن ابن جريج قال: وقال عكرمة، فإن قيل أن ابن جريج ربما دلس فالجواب: أن ابن خزيمة أخرجه من طريق محمد بن بكر عن ابن جريج قال: قال عكرمة بن خالد. فذكره. (¬3) في (ب) زيادة: "بذاتها وتحققها". أسقطناها؛ لأنه لا داعي لها. (¬4) لم أجده عند البخاري. (¬5) في "السنن" رقم (1793).

قوله: "وعن ابن المسيب أنّ رجلاً من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أتى عمر بن الخطاب فشهد عنده أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مرضه الذي قبض فيه ينهى عن العمرة قبل الحج، أخرجه أبو داود". قلت: قال المنذري (¬1): قال الخطابي (¬2): في إسناد هذا الحديث مقال، وقد اعتمر النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل حجه، وجواز ذلك بإجماع أهل العلم لم يذكر فيه خلاف. ويحتمل أن يكون النهي استحباباً وأنه إنما أمر بتقديم الحجُ؛ لأنه أعظم الأمرين ووقته محصور، وأيام السنة كلها تتسع للعمرة، وقد قدّم الله اسم الحج عليها فقال: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} (¬3) انتهى. ¬

_ (¬1) في "مختصر السنن" (2/ 317). (¬2) في "معالم السنن" (2/ 390 - مع "السنن". (¬3) سورة البقرة الآية (390).

الباب الخامس: في الطواف والسعي

الباب الخامس: في الطواف والسعي [وفيه ثلاثة فصول] (¬1) الفصل الأول: في كيفيتهما 1 - عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قَدِمَ النّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَصْحَابُهُ مَكَّةَ وَقَدْ وَهَنَتْهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ. فَقَالَ المُشْرِكُونَ: إِنَّهُ يَقْدَمُ عَلَيْكُمْ غَدًا قَوْمٌ قَدْ وَهَنَتْهُمُ الحُمَّى وَلَقُوا مِنْهَا شِدَّةً فَجَلَسُوا مِمَّا يَليَ الحِجْرَ، وَأَمَرَهُمُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ يَرْمُلُوا ثَلاَثَةَ أَشْوَاطٍ وَيَمْشُوا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ لِيَرَى المُشْرِكُونَ جَلَدَهُمْ. فَقَالَ المُشْرِكُونَ: هَؤُلاَءِ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّ الحُمَّى قَدْ وَهَنَتْهُمْ هَؤُلاَءِ أَجْلَدُ مِنْ كَذَا وَكَذَا. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَلَمْ يَمْنَعْهُ أَنْ يَأْمُرَهُمْ أَنْ يَرْمُلُوا الأَشْوَاطَ كُلَّهَا إِلاَّ بَقَاءَ عَلَيْهِمْ. أخرجه الخمسة (¬2). [صحيح]. زاد البخاري (¬3) في رواية: لمَا قَدِمَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - لِعَامِهِ الَّذِي اسْتأْمَنَ فِيهِ قَالَ: "أَرْمُلُوا لِيُرَى المُشْرِكين قُوَّتَهُمْ، وَالمُشْرِكِينَ مِنْ قِبَلِ قُعَيْقِعَانَ". [صحيح]. قوله: "قدم النبي - صلى الله عليه وسلم -" أي: في عمرة القضاء وهي سنة سبع من الهجرة. قوله: [في حديث ابن عباس] (¬4): "قد وهنتهم حمى [147 ب] يثرب" [بتشديد الهاء وتخفيفها] (¬5) أي: أضعفتهم، ويثرب اسم المدينة النبوية في الجاهلية، ونهى - صلى الله عليه وسلم - عن تسميتها ¬

_ (¬1) زيادة من (ب). (¬2) أخرجه البخاري رقم (1602)، ومسلم رقم (1266)، وأبو داود رقم (1886)، والترمذي رقم (863)، والنسائي رقم (2945، 2979). وهو حديث صحيح. (¬3) في "صحيحه" رقم (4256). (¬4) زيادة من (أ). (¬5) زيادة من (أ).

بذلك، وأنما ذكر ابن عباس (¬1) حكاية لكلام المشركين، وفي رواية الإسماعيلي (¬2): "فأطلعه الله على ما قالوا". وَقوله: "فجلسوا" أى: [المشركون] (¬3) لينظروا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن معه ويبشروا أنفسهم بما يرونه من ضعفهم، وقد كان المشركون خرجوا من مكة؛ لأنه كان في صلح الحديبية أنهم يخلون مكة له - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة أيام حتى يعتمر فخرجوا منها إلى جبل قعيقعان. قوله: "فأمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - " أي: أمر أصحابه ورَمل هو أيضًا. والرمل (¬4) بفتح الراء والميم هو الإسراع. قال ابن دريد (¬5): هو شبيه بالهرولة وأصله أن يحرك الماشي منكبيه في مشيه. يقال: رمل يرملوا كقتل يقتل، وفيه دليل على جواز مثل هذه إغاظة للمشركين، ولا يعد ذلك من الرياء المذموم، وفيه جواز المعاريض بالفعل، كما يجوز بالقول وربما كانت بالفعل (¬6) أولى واختلفوا: هل سنة أم لا؟ يأتي فيه الكلام. وَ"الأشواط" بفتح الهمزة بعدها معجمة جمع شوط والمراد به هنا الطواف حول الكعبة ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (7/ 509). (¬2) ذكره الحافظ في "الفتح" (7/ 509). (¬3) في (ب): المشركين. (¬4) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (1/ 692). "الفائق" للزمخشري (2/ 83). (¬5) ذكره الحافظ في "الفتح" (3/ 470). (¬6) قاله الحافظ في "الفتح" (3/ 472).

وفيه جواز تسمية الطوفة شوطًا ونقل عن مجاهد (¬1) والشافعي (¬2) كراهيته. قوله: "إلاّ إبقاء عليهم" بكسر الهمزة والموحدة والقاف، الرفق والشفقة، ونُسَخ "التيسير" "للإبقاء" باللام، وفي "الجامع" (¬3) و"البخاري" (¬4): "إلاّ الإبقاء عليهم" بغير لام. قال الحافظ (¬5): [148 ب] قال القرطبي (¬6): روينا قوله: "إلاّ الإبقاء عليهم" بالرفع على أنه فاعل منعه, وبالنصب على أنه مفعول [182/ أ] من أجله ويكون في منعه ضمير عائد إلى الله تعالى. قوله: "من قبل قعيقعان" وهو جبل يشرف من يجيء منه على الركنين الشاميين (¬7) ومن كان به لا يرى الركنين اليمانيين. ¬

_ (¬1) أخرج الشافعي في "الأم" (3/ 448 رقم 1173) عن مجاهد: أنه كان يكره أن يقول: شوط، دور، للطواف، ولكن يقول: طواف، طوافين. (¬2) قال الشافعي رحمه الله تعالى: وأكره من ذلك ما كره مجاهد؛ لأن الله عز وجل قال: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29)} [الحج: 29] , فسمِّي طوافًا؛ لأن الله تعالى سمى جماعه طوافًا. - وقال النووي عقب هذا الحديث - حديث ابن عباس - في "المجموع" (8/ 78): وهذا الذي استعمله ابن عباس مقدم على قول مجاهد: ثم إن الكراهة إنّما تثبت بنهي الشرع، ولم يثبت في تسميته شوطًا نهي , فالمختار أنه لا يكره, والله أعلم" اهـ. (¬3) (3/ 162 رقم 1428). (¬4) في "صحيحه" رقم (1602، 4256). (¬5) في "فتح الباري" (3/ 470). (¬6) في "المفهم" (3/ 376). (¬7) ذكره الحافظ في "الفتح" (7/ 509).

2 - وفي أخرى (¬1): إِنَّمَا سَعَى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بِالبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوةِ لِيُرِىَ المُشْرِكِينَ قُوَّتَهُ. [صحيح]. قوله: "إنما سعى" أي: أسرع المشي في الطوافات الثلاث الأُوَل، والاضطباع يأتي للمصنف "تفسيره" وهو مستحب عند الجمهور (¬2) سوى مالك قاله ابن المنذر (¬3). وهذا هو مراد عمر (¬4) بقوله: "فيم الرمل والكشف عن المناكب ... " (¬5). 3 - وفي أخرى لأبي داود (¬6): أَنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - اضْطَبَعَ فَاسْتَلَمَ وَكَبَّرَ ثُمَّ رَمَلَ ثَلاَثَةَ أَطْوَافٍ، فكَانُوا إِذَا بَلَغُوا الرُّكْنَ اليَمَانِيَ وَتَغَيَّبُوا عَنْ قُرَيْشٍ مَشَوْا ثُمَّ يَطْلُعُونَ عَلَيْهِمْ يَرْمُلُونَ ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي في "السنن" رقم (863) وهو حديث صحيح. (¬2) انظر: "المغني" (5/ 216 - 217)، "المجموع" (8/ 25). (¬3) ذكره الحافظ في "الفتح" (3/ 472). (¬4) يشير إلى حديث عمر قال: فيما الرَّملان الآن والكشف عن المناكب وقد أطأ الله الإسلام ونفى الكفر وأهله، ومع ذلك لا ندع شيئًا كنا نفعله على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ". - أخرجه أحمد (1/ 45)، وأبو داود رقم (1887)، وابن ماجه رقم (2952)، والبزار رقم (268)، وأبو يعلى رقم (188)، وابن خزيمة رقم (2708)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (2/ 182)، والحاكم في "المستدرك" (1/ 454)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (5/ 79) من طرق. وهو حديث صحيح لغيره. قلت: وأصله في البخاري رقم (1605) بلفظ: ما لنا والرمل إنما كنا راءينا المشركين وقد أحللهم الله تعالى ثم قال: شيء صنعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلا نحب أن نتركه. - أطَّأ الله الإسلام: قال الخطابي في "معالم السنن" (2/ 447 - مع "السنن" "أطَّأ الله الإسلام، إنما هو وطأ الله الإسلام أي: ثبته وأرساه, والواو قد تبدل همزة". (¬5) بياض في الأصل وليس من الواضح إذا كان قد انقطع الكلام أم لا. (¬6) في "السنن" رقم (1889). وهو حديث صحيح.

فَتَقُولُ قُرَيْشٌ كَأَنَّهُمُ الغِزْلاَنُ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَكَانَتْ سُنَّةً. [صحيح]. ومعنى "وَهَنَتْهُمْ" (¬1): أضعفتهم "وَالأَشْوَاطُ" جمع شوط، والمراد به المرة الواحدة من الطواف بالبيت "وَالرّمَلُ" سرعة المشي والهرولة. "وَالِاضْطِبَاعُ (¬2) في الطَّوَافِ" أن يُدْخل الرجل الرداء من تحت إبطه الأيمن ويجمع طرفيه على عاتقه الأيسر ومنكبه الأيمن ويغطى الأيسر. سمي بذلك لإبداء الضبعين وهما من تحت الإبط. 4 - وعن أبي الطفيل - رضي الله عنه - قال: قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: أَرَأَيْتَ هَذَا الرَّمَلَ بِالبَيْتِ ثلاَثَةَ أطوَافٍ، وَمَشْيُ أرْبَعَةِ أطوَافٍ: أَسُنَّةٌ هُوَ؟ فَإِنَّ قوْمَكَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ سُنَّةٌ. فَقَالَ: صَدَقُوا وَكَذَبُوا. فقُلْتُ: مَا قَولُكَ صَدَقُوا وَكَذَبُوا؟ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَدِمَ مَكَّةَ. فَقَالَ المُشْرِكُونَ: إِنَّ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ لاَ يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَطُوفُوا بِالبَيْتِ مِنَ الهُزَالِ، وَكَانُوا يَحْسُدُونَهُ. فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَرْمُلُوا ثَلاَثًا وَيَمْشُوا أَرْبَعًا. فَقُلْتُ: أَخْبِرْنِى عَنِ الطَّوَافِ بينَ الصَّفَا وَالمَرْوةِ رَاكِبًا، أَسُنَّةٌ هُوَ؟ فَإِنَّ قَوْمَكَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ سُنَّةٌ. قَالَ: صَدَقُوا وَكَذَبُوا. قُلْتُ: مَا صَدَقُوا وَكَذَبُوا؟ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كَثُرَ عَلَيْهِ النَّاسُ يَقُولُونَ: هَذَا مُحَمَّدٌ هَذَا مُحَمَّدٌ. حَتَّى خَرَجَ الْعَوَاتق مِن الْبُيُوت، وَكَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - لاَ يُضْرَبُ النَّاسُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلمَّا كَثُرُوا رَكِبَ، وَالمَشْيُ وَالسَّعْيِ أَفْضَلُ. أخرجه مسلم (¬3) واللفظ له، وأبو داود (¬4) بنحوه. [صحيح] ¬

_ (¬1) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 886). (¬2) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 69)، "المجموع المغيب" (2/ 310)، "فتح الباري" (3/ 472). (¬3) في "صحيحه" رقم (1264). (¬4) في "السنن" رقم (1885) وهو حديث صحيح.

وزاد (¬1): إِنَّ قُرَيْشًا قَالَتْ زَمَنَ الحُدَيْبِيَةِ: دَعُوا مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ حَتَّى يَمُوتُوا مَوْتَ النَّغَفِ. فَلمَّا صَالَحُوهُ عَلَى أَنْ يَجِيئُوا مِنَ العَاِمِ المُقْبِلِ قَدِمَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وَالمُشْرِكُونَ مِنْ قِبَلِ قُعَيْقِعَانَ. فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم - لأَصْحَابِهِ: "أرْمُلُوا بِالبَيْتِ ثَلاَثًا". وَلَيْسَ بِسُنَّةٍ. وَقَالَ في السَّعيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ مِثْلَ مُسْلِمٍ. [صحيح]. وزاد (¬2): فطافَ عَلىَ بَعِيرٍ لِيَسْمَعُوا كَلاَمَهُ وَلَيرَوْا مَكَانَهُ وَلاَ تَنَالَهُ أَيْدِيهِمْ. "النَّغَفُ" (¬3) دود يكون في أنوف الإبل والغنم. قوله: "في حديث أبي الطفيل: صدقوا وكذبوا" في "شرح مسلم": صدقوا في أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - فعله، وكذبوا في قولهم: أنّه سنة مقصودة متأكدة لم يجعله سنة مطلوبة دائمًا على تكرار السنين، وإنما أمر به تلك "السنة" لإظهار القوة عند الكفار، هذا معنى كلام ابن عباس. فهذا الذي قاله من كون الرمل ليس سنة مقصودة هو مذهبه (¬4) وخالفه جميع العلماء (¬5) من الصحابة والتابعين وأتباعهم ومن بعدهم فقالوا: هو سنة في الطواف الثلاث من السبع، فإن تركه فقد ترك سنة وفاتته فضيلة ويصح طوافه. ¬

_ (¬1) أي: أبو داود في "السنن" رقم (1885). (¬2) أي أبو داود في "السنن" رقم (1885). (¬3) انظر: غريب الحديث للهروي (4/ 203)، "النهاية في غريب الحديث" (2/ 769). (¬4) قال ابن عبد البر في "الاستذكار" (12/ 127 - 128 رقم 17067 - 17072): وقال آخرون: ليس الرّمل بسنةٍ، ومن شاء فعله ومن شاء لم يفعله. رُوي ذلك عن جماعة من التابعين منهم: عطاء، وطاوس، ومجاهد، والحسن، وسالم، والقاسم، وسعيد ابن جبير، وهو الأشهر عن ابن عباس. (¬5) انظر: "المغني" (5/ 220 - 222)، و"المجموع" (8/ 58)، "البيان" (4/ 273)، التسهيل (3/ 879 - 880).

قال (¬1): ودليل الجمهور أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - رمل في حجة الوداع [149 ب] في الطوافات الثلاث الأول ومشى في الأربع ثم قال - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك .. لتأخذوا عني مناسككم". قلت: ثم الرمل يختص بالرجال دون النساء ويختص بطواف يعقبه سعي على المشهور ولا فرق في استحبابه للراكب والماشي (¬2). قال الطبري (¬3): قد ثبت أنّ الشارع رمل ولا مشرك بمكة يومئذ - يعني في حجة الوداع - فعلم أنه من مناسك الحج إلاّ أنّ تاركه ليس بتارك لعمل بل لهيئة مخصوصة فكان كرفع الصوت بالتلبية فمن لبّى خافضًا صوته لم يكن تاركًا للتلبية بل لصفتها فلا شيء عليه. انتهى. قلت: قد خالف ابن حزم (¬4) في التلبية فأوجب رفع الصوت بها لثبوت الأمر عنه - صلى الله عليه وسلم - بذلك. قوله في الثاني: "صدقوا وكذبوا" أي: صدقوا في أنه طاف راكبًا، وكذبوا في أنّ الركوب أفضل من المشي بل المشي أفضل وإنما ركب - صلى الله عليه وسلم - للعذر الذي ذكره، وهذا الذي قاله ابن عباس مجمع عليه أجمعوا أنّ الركوب في السعي بين الصفا والمروة جائز، وأنّ المشي أفضل (¬5) منه إلاّ لعذر. ¬

_ (¬1) انظر: "فتح الباري" (3/ 472). (¬2) ذكره الحافظ في "الفتح" (3/ 472). (¬3) ذكره الحافظ في "الفتح" (3/ 472). (¬4) "المحلى" (7/ 93 - 94). (¬5) انظر: "فتح الباري" (3/ 490)، "المغني" (5/ 250).

قوله: "من الهزال" كذا في "الجامع" (¬1) ولفظ مسلم (¬2): "من الهزل" بضم الهاء وبدون ألف بعد الزاي، قال النووي في شرحه (¬3): هكذا هو في معظم النسخ: من الهزل بضم الهاء والزاي هكذا حكاه القاضي عياض في "المشارق" (¬4)، وصاحب "المطالع" (¬5) من رواية بعضهم، قالا: وهو وهم والصواب بضم الهاء وزيادة ألف. قلت: وللأولى وجه وهو: أن تكون بفتح الهاء؛ لأن الهزال بالفتح مصدر هزلته هزلاً [150 ب] كضربته ضربًا وتقديره: لا يستطيعون يطوفون؛ لأنّ الحمى هزلتهم. قوله: "العواتق" (¬6) جمع عاتق وهي البكر البالغ والمقاربة للبلوغ، وقيل: التي لم تتزوج؛ لأنها عتقت من خدمة أبويها والابتذال في الخروج والتصرف الذي تفعله الطفلة الصغيرة. قوله: "لا يضرب الناس بين يديه" لفظ رواية مسلم التي شرح (¬7) عليها النووي: "لا يدعون ولا يكرهون"، قال (¬8): أما يُدعون فبضم الياء وفتح الدال وضم العين المشدّدّة، أي: يدفعون، ومنه قوله تعالى: {يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا (13)} (¬9) وقوله تعالى: ¬

_ (¬1) (3/ 165). (¬2) في "صحيحه" رقم (1264). (¬3) في شرحه لصحيح مسلم (9/ 11). (¬4) (2/ 456) ط. دار الكتب العلمية. (¬5) ذكره النووي في شرحه لصحيح مسلم (9/ 11). (¬6) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 157). "الفائق" للزمخشري (2/ 389). (¬7) في شرحه لصحيح مسلم (9/ 12). (¬8) أي: النووي في شرحه لـ "صحيح مسلم" (9/ 12). (¬9) سورة الطور الآية (13).

{فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2)} (¬1)، وأما قوله: "لا يكرهون" ففي الأصول من "صحيح مسلم" كما ذكرنا من الإكراه وفي بعضها يكهرون بتقديم الهاء من الكهر وهو الانتهار. قال القاضي (¬2): هذا أصوب. انتهى، وقال ابن الأثير (¬3): أنّ الذي رآه في كتب الغريب بتقديم الهاء على الراء ومعناه: ينهرون ويزجرون، قال: وهو أشبه بقوله: يدعون من الإكراه، ولفظ "الجامع" والمصنف هل هو أحد ألفاظ روايات مسلم؟ قوله: "موت النغف" (¬4) بفتح النون وفتح المعجمة ففاء، جمع نغفة وهي الدودة البيضاء التي تكون في أنف الغنم والإبل، يريدون أنّ حمى طيبة تصيرهم من الهزال كالنغف. 5 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: رَأَيْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - إِذَا اسْتَلَمَ الرُّكْنَ الأَسْوَدَ أَوَّلَ مَا يَطُوفُ يَخُبُّ ثَلاَثَةَ أَطْوَافٍ مِنَ السَّبْعِ. أخرجه الستة (¬5) إلا الترمذي. وفي رواية (¬6): وَكَانَ يَسْعَى بِبَطْنِ المَسِيلِ إِذَا طَافَ بينَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ. ¬

_ (¬1) سورة الماعون الآية (2). (¬2) في "كمال المعلم بفوائد مسلم" (4/ 342). (¬3) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 572). (¬4) تقدم شرحها. (¬5) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (1603) ومسلم رقم (232/ 1261)، وأبو داود رقم (1893 والنسائي رقم (2941) ومالك في "الموطأ" (1/ 365). (¬6) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (1617، 1644)، ومسلم رقم (230/ 1261).

وفي رواية للشيخين (¬1): رَمَلَ مِنَ الحَجَرِ إِلَى الحجَرِ ثَلاَثًا وَمَشَى أَرْبَعًا ثمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، يَعْنِي: بَعْدَ الطّوَافِ. ثُمَّ يطُوفُ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوة فِي الحَجِّ والعُمْرَةِ. "الخَبَبُ" (¬2) ضَرْبُ من السير سريع. قوله: "يخب" (¬3) بفتح أوله وضم الخاء المعجمة بعدها موّحدة يسرع في مشيته، والخبب بفتح المعجمة والموحدة بعدها موحدة أخرى العدو السريع يقال: خبت الدابة: إذا أسرعت وزاوجت [151 ب] بين قدميها وهذا يشعر بترادف الخبب، والرمل عند هذا القائل. 6 - وعن جابر - رضي الله عنه - قال: قَدِمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مَكَّةَ فَدَخَلَ المَسْجِدَ فَاسْتَلَمَ الحَجَرَ ثُمَّ مَضَى عَلَى يَمِينِهِ فَرَمَلَ ثَلاَثًا وَمَشَى أَرْبَعًا ثُمَّ أتى المَقَامَ. فَقَالَ: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَالمَقَامُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ البَيْتِ، ثُمَّ أَتَى الحَجَرَ بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ فَاسْتَلَمَهُ. ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّفَا وَالمَرْوَةِ أَظُنُّهُ قَالَ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ}. أخرجه مسلم (¬4) ومالك (¬5) والترمذي (¬6) والنسائي (¬7). [صحيح]. ¬

_ (¬1) البخاري رقم (1616)، ومسلم رقم (231/ 1261). (¬2) "النهاية" في غريب الحديث (1/ 465)، "المجموع المغيث" (1/ 542). (¬3) تقدم شرحها. (¬4) في "صحيحه" رقم (147/ 1218). (¬5) في "الموطأ" (1/ 364). (¬6) في "السنن" رقم (356). (¬7) في "السنن" رقم (2963)، وأخرجه أبو داود رقم (1905)، وابن ماجه رقم (2951). وهو حديث صحيح.

7 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: اعْتَمَرَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - وَأَصْحَابَهُ - رضي الله عنهم - مِنَ الجِعْرَانَةِ فَرَمَلُوا بِالبَيْتِ وَجَعَلُوا أَرْدِيَتَهُمْ تَحْتَ آبَاطِهِمْ ثمَّ قَذَفُوهَا عَلَى عَوَاتِقِهِمُ اليُسْرَى. أخرجه أبو داود (¬1). [صحيح]. 8 - وعن عروة - رضي الله عنه - قال: أَحْرَمَ عَبْدَ الله بْنَ الزُّبَيرِ بِعُمْرَةٍ مِنَ التَّنْعِيمِ، ثُمَّ رَأَيْتُهُ يَسْعَى حَوْلَ البَيْتِ الأَشْوَاطَ الثَّلاَثَةَ (¬2). [موقوف صحيح]. 9 - وعن عمر (¬3) - رضي الله عنه -: أنَّهُ كَانَ إذَا أَحْرَمَ منْ مَكَّةَ لَمْ يَطُفْ بالبَيْتِ وَلاَ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ حَتَّى يَرْجِعَ مِنْ مِنًى، وَكَانَ لاَ يَرْمُلُ إِذَا طَافَ حَوْلَ البَيْتِ إِذَا أَحْرَمَ مِنْ مَكَّةَ (¬4). أخرجهما مالك. [موقوف صحيح]. 10 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما -: أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَرْمُلْ في السَّبْعِ الَّذِي أفَاض فِيهِ (¬5). [صحيح]. 11 - وعن أسلم قال: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ - رضي الله عنهما - يَقُولُ: فِيمَ الرَّمَلاَنُ وَالكَشْفُ عَنِ المَنَاكِبِ وَقَدْ أَطَّأَ الله الإِسْلاَمَ وَنَفَى الكُفْرَ وَأَهْلَهُ لَكِنْ مَعَ ذَلِكَ لاَ نَدَعُ شَيْئًا كُنَّا نَفْعَلُهُ مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -. أخرجه أبو داود (¬6). [صحيح لغيره]. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (1884) وهو حديث صحيح. (¬2) أخرجه مالك في "الموطأ" (1/ 365 رقم 110)، وهو موقوف صحيح. (¬3) كذا في المخطوط والذي في "الموطأ" عبد الله بن عمر. وكذلك في "الجامع" (3/ 171). (¬4) أخرجه مالك في "الموطأ". (1/ 365 رقم 111). وهو أثر موقوف صحيح. (¬5) أخرجه أبو داود رقم (2001)، وأخرجه ابن ماجه رقم (3060). وهو حديث صحيح. (¬6) في "السنن" رقم (1887). =

"أطّأَ" (¬1) مثل وطّأ، ومعناه: ثبَّت ومهد. قوله: "وعن أسلم سمعت عمر يقول"، في سنن أبي داود (¬2): وعن زيد بن أسلم عن أبيه والذي هنا صحيح، وأسلم مولى عمر بن الخطاب يقال: إنه أدرك النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يره، ابتاعه عمر في حجته [183/ أ] التي أمّره عليها أبو بكر، ولأسلمٍ ولد يسمى زيد بن أسلم، ولزيدٍ ولد يسمى عبد الرحمن روى عنه عبد المنعم بن بشير. 12 - وعن يعلى بن أمية - رضي الله عنه - قال: طَاف رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - مُضْطَبِعًا ببُرْدٍ. أخرجه أبو داود (¬3) والترمذي (¬4)، وعنده (¬5) ببردٍ أخضرَ. [حسن]. ¬

_ = وأخرجه أحمد (1/ 45)، وابن ماجه رقم (2952)، والبزار رقم (268)، وأبو يعلى رقم (188)، وابن خزيمة رقم (2708)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (2/ 182)، والحاكم في "المستدرك" (1/ 454)، والبيهقي في "السنن" الكبرى (5/ 79) من طرق. وقد تقدم. وهو حديث صحيح لغيره. (¬1) تقدم شرحها. (¬2) في "السنن" رقم (1887). (¬3) في "السنن" رقم (1883). (¬4) في "السنن" رقم (859) وقال: هذا حديث حسن صحيح. وأخرجه ابن ماجه رقم (2954)، وأحمد (4/ 222)، والدارمي رقم (1885)، والفاكهي في أخبار مكة رقم (322)، وابن أبي شيبة (4/ 124)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (5/ 79)، وفي "معرفة السنن والآثار" رقم (9855)، وهو حديث حسن. (¬5) أي عند أبي داود في "السنن" (1883).

قوله: "في حديث يعلى أخرجه أبو داود والترمذي وعنده ببردٍ أخضر" ظاهره أنّ زيادة "أخضر" عند الترمذي وليس كذلك بل هي عند أبي داود (¬1). وعبارة "الجامع" (¬2) صريحةَ أنّ الزيادة لأبي داود، وقال "طاف ببرد أخضر" هذه رواية أبي داود، ثم ذكر رواية الترمذي من غير لفظ "أخضر". وقال المنذري (¬3): [أنه أخرج خبر يعلى، أنه أخرجه الترمذي وابن ماجه] (¬4) وقال الترمذي (¬5): حسن صحيح. وليس (¬6) في حديث [152 ب] الترمذي (¬7) وابن ماجه (¬8) "أخضر". 13 - وعن عبد الرحمن بن صفْوان - رضي الله عنه - قال: رَأَيْتُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ خَرَجَ مِنَ الكَعْبَةِ هُوَ وَأَصْحَاُبهُ، وَقَدِ اسْتَلَمُوا البَيْتَ مِنَ البَابِ إِلَى الحَطِيمِ، وَوَضَعُوا خُدُودَهُمْ عَلَيْهِ، وَرَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وَسْطَهُمْ. أخرجه أبو داود (¬9). [ضعيف]. قوله: "في حديث عبد الرحمن بن صفوان أخرجه أبو داود". ¬

_ (¬1) وهو كما قال. (¬2) (3/ 172 رقم 1437، 1438). (¬3) في "مختصر السنن" (2/ 378). (¬4) كذا في المخطوط والذي في "مختصر السنن": وأخرجه الترمذي وابن ماجه. وقال الترمذي: حسن صحيح. (¬5) في "السنن" (3/ 214). (¬6) وهو كما قال. (¬7) في "السنن" رقم (859) وقد تقدم. (¬8) في "السنن" رقم (2954) وقد تقدم. (¬9) في "السنن" رقم (1898)، وهو حديث ضعيف.

قلت: قال المنذري (¬1): في إسناده يزيد بن أبي زياد ولا يحتج به، وذكر الدارقطني أنّ يزيد بن أبي زياد تفرد به عن مجاهد. انتهى. " فرع في الاستلام وغيره" قوله: "فرع في الاستلام وغيره" هو افتعال من السلام والاستلام المسح باليد، وَالتقبيل بالضم. 1 - عن عابس بن ربيعة قال: رَأَيْتُ عُمَرَ - رضي الله عنه - يُقَبِّلُ الحَجَرَ وَيَقُولُ: إِنِّي لأَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ لاَ تَنْفَعُ وَلاَ تَضُرُّ، وَلَوْلاَ أَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يُقَبِّلُكَ مَا قَبِّلْتكَ. أخرجه الستة (¬2). [صحيح]. وزاد مسلم (¬3) والنسائي (¬4) في رواية: وَلَكِنْ رَأَيْتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - بِكَ حَفِيًّا, ولَمْ يَذْكُرْ يُقَبِّلُكَ. [صحيح]. "الحَفِيُّ" (¬5) المبالغ في الإكرام والعناية. ¬

_ (¬1) في مختصر "السنن" (2/ 385). (¬2) أخرجه البخاري رقم (1597)، ومسلم رقم (251/ 1270)، وأبو داود رقم (1873)، والترمذي رقم (860)، والنسائي رقم (2937)، وابن ماجه رقم (2943)، وهو حديث صحيح. (¬3) في "صحيحه" رقم (252/ 1271). (¬4) في "السنن" رقم (2936). (¬5) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (1/ 400).

قوله: "في حديث عمر: لا يضر ولا ينفع" في "فتح الباري" (¬1): أنه روح الحاكم (¬2) من حديث سعيد: أنّ عمر لما قال هذا، قال له علي بن أبي طالب: إنه يضر وينفع وذكر أنّ الله لما أخذ الميثاق على ولد آدم كتب ذلك في رق وألقمه الحجر، قال: وقال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: يؤتى يوم القيامة بالحجر الأسود وله لسان ذلق يشهد لمن استلمه بالتوحيد". وفي إسناده أبو هارون العبدي (¬3) وهو ضعيف جداً. قال الطبري (¬4): إنما قال ذلك عمر؛ لأنّ الناس كانوا حديثي عهد بعبادة الأصنام، فخشي عمر أن يظن [153 ب] الجهال أنّ استلام الحجر من باب تعظيم بعض الأحجار، كما كانت العرب تفعل أيام الجاهلية, فأراد عمر أن يعلم الناس أنّ استلامه اتباع لفعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لا لأنّ الحجر ينفع ويضر لذاته كما كانت الجاهلية تعتقده. وفيه بيان السنن بالفعل والقول، وأنّ الإِمام إذا خشي على أحد من فعله فساد اعتقاد أن يبادر إلى بيان الأمر ويوضح ذلك. انتهى باختصار. ¬

_ (¬1) (3/ 462 - 463). (¬2) في "المستدرك" (1/ 457)، وقد نبه الحاكم على ضعف أبي هارون, حيث قال في نهاية الحديث الذي قبله: "وقد روي لهذا الحديث شاهد مفسّر، غير أنه ليس من شرط الشيخين, فإنهما لم يحتجا بأبي هارون بن جوين العبدي". (¬3) هو عمارة بن جوين [ت، ق] أبو هارون العبدي، تابعي لين بمرَةٍ, كذبه حماد بن زيد، وقال أحمد: ليس بشيء. وقال ابن معين: ضعيف، لا يصدق في حديثه. وقال النسائي: متروك الحديث. "الميزان" (3/ 173 - 174 رقم 6018). (¬4) ذكره الحافظ في "الفتح" (3/ 462 - 463).

2 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: لَمْ أَرَ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَسْتَلِمُ مِنَ البَيْتِ إِلاَّ الرُّكْنَيْنِ اليَمَانِيَيْنِ. أخرجه الخمسة (¬1) إلا الترمذي. [صحيح]. قوله: "في حديث ابن عمر: إلاّ الركنين اليمانيين" أي: دون الشاميين. 3 - وفي رواية: مَا تَرَكْتُ اسْتِلاَمَ هَذَيْنِ الرُّكْنَيْنِ اليَمانِيِّيْنِ وَالحَجَرِ الأَسْوَدِ في شِدَّةٍ وَلاَ رَخَاءٍ مُنْذُ رَأَيْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَسْتَلِمُهُمَا (¬2). [صحيح]. 4 - وفي أخرى للشيخين (¬3): قال نافع: رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ يَسْتَلِمُ الحجَرَ بِيَدِهِ، ثُمَّ يُقَبِّلُ يَدَهُ. [صحيح]. 5 - ولأبي داود (¬4) والنسائي (¬5): ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (1609)، ومسلم رقم (242/ 1267)، وأبو داود رقم (1874)، والنسائي (5/ 232). وأخرجه أحمد (2/ 120)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (2/ 183)، وابن حبان رقم (3827)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (5/ 76)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (1902) من طرق عن الليث، عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه, به. وأخرج بنحوه مسلم رقم (243/ 1267)، والنسائي (5/ 232)، وابن ماجه رقم (2946)، وابن خزيمة رقم (2725)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (2/ 183) من طريق يونس عن ابن شهاب، به. بلفظ: "لم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستلم من أركان البيت إلا الركن الأسود، والذي يليه من نحو دور الجمحيين". وهو حديث صحيح. (¬2) أخرجه البخاري رقم (1606)، ومسلم رقم (1268). (¬3) أخرجه البخاري رقم (1606)، ومسلم رقم (246/ 1268). (¬4) في "السنن" رقم (1876). (¬5) في "السنن" رقم (2947). =

كَانَ - صلى الله عليه وسلم - لاَ يَدَعُ أَنْ يَسْتَلِمَ الرُّكْنَ اليَمانِيَّ وَالحَجَرَ في كُلِّ طَوْافَهِ. [حسن]. 6 - وفي أخرى للبخاري (¬1) والنسائي (¬2): سَأَلَ رَجُلٌ ابْنَ عُمَرَ عَنِ اسْتِلاَمِ الحَجَرِ. فَقَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَسْتَلِمُهُ وَيُقَبِّلُهُ. فَقَالَ الرَّجُلُ: أَرَأَيْتَ إِنْ زُحِمْتُ أَرَأَيْتَ إِنْ غُلِبْتُ؟ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: اجْعَلْ أَرَأَيْتَ بِاليَمَنِ، رَأَيْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يسْتَلِمُهُ وَيُقَبِّلُهُ. [صحيح]. ومعنى "اجْعَلْ أَرأَيتَ بِاليَمَنِ" (¬3) أي: اجعل سؤالك هذا واعتراضك بعيدًا عنك حتى كأنه باليمن وأنت موضعك. قوله: "اجعل أرأيتَ باليمن" يشعر (¬4) بأنّ الرجل يماني وإنما قال له ذلك لأنه فهم معارضة الحديث بالرأي، وأمره إذا سمع الحديث أن يأخذ به ويتقي الرأي والظاهر أنّ ابن عمر لم يرى الزحام عذرًا في ترك الاستلام. 7 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه قال: طُفْتُ مَعَ عَبْدِ الله يَعْنِي أباهُ فَلمَّا جِئْنَا دُبَرَ الكَعْبَةِ قُلْتُ: أَلاَ تَتَعَوَّذُ؟ قَالَ: أَتَعَوَّذُ بِالله مِنَ النَّارِ. ثُمَّ مَضَى حَتَّى اسْتَلَمَ الحَجَرَ فَأَقَامَ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالبَابِ، فَوَضَعَ صَدْرَهُ وَوَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ وَكَفَّيْهِ هَكَذَا وَبَسَطَهُمَا بَسْطًا ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يفْعَلُهُ. أخرجه أبو داود (¬5). [ضعيف]. ¬

_ = وأخرجه أحمد (2/ 18)، وابن خزيمة رقم (2723)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (2/ 183)، والبيهقي (5/ 76، 80)، والحاكم في "المستدرك" (1/ 456)، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. وهو حديث حسن. والله أعلم. (¬1) في "صحيحه" رقم (1611). (¬2) في "السنن" رقم (2946). (¬3) انظر: "فتح الباري" (3/ 476). (¬4) قاله الحافظ في "الفتح" (3/ 476). (¬5) في "السنن" رقم (1899)، وهو حديث ضعيف.

قوله: "في حديث عمرو بن شعيب أخرجه أبو داود" قال المنذري (¬1): وأخرجه ابن ماجه (¬2). قال: وقد تقدم الكلام في عمرو بن شعيب والراوي عنه المثنى بن الصباح ولا يحتج به. وقوله عن أبيه وهو شعيب بن محمَّد بن عبد الله بن عمرو، وقد سمع من عبد الله على الصحيح، ووقع في كتاب ابن ماجه عن أبيه عن جده فيكون شعيب ومحمد طافا جميعًا مع عبد الله. انتهى. قلت: وقد تقدم حديث عبد الرحمن بن صفوان وهو مثله وتقدم ما فيه. 8 - وعن أبي الطفيل قال: كُنْتُ مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - وَمُعَاوِيَةُ لاَ يَمُرُّ بِرُكْنٍ إِلاَّ اسْتَلَمَهُ. فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: إِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَكُنْ يَسْتَلِمُ إِلاَّ الحَجَرَ الأَسْوَدَ وَالرُّكْنَ اليَمَانِيَّ. فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: لَيْسَ شَيءٌ مِنَ البَيْتِ مَهْجُورًا. وَكان ابْنُ الزُّبَيْرَ يَسْتَلِمُهُنَّ كُلَّهُنَّ. أخرجه الشيخان (¬3) والترمذي (¬4). [صحيح]. ¬

_ (¬1) في مختصره (2/ 385). (¬2) في "السنن" رقم (2962)، وهو حديث ضعيف. (¬3) البخاري في "صحيحه" رقم (1608) عن أبي الشعثاء أنه قال: ومن يتقي شيئًا من البيت؟ وكان معاوية يستلم الأركان، فقال له ابن عباس - رضي الله عنهما -: إنّه لا يستلم هذان الركنان! فقال: ليس شيءٌ من البيت مهجورًا. وكان ابن الزبير - رضي الله عنهما - يستلمهن كُلّهنَّ. وأخرجه مسلم في "صحيحه" رقم (1269) عن أبي الطفيل البكري أنّه سمع ابن عباس يقول: لم أر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستلم غير الركنين اليمانيين. (¬4) في "السنن" رقم (858) واللفظ له. وهو حديث صحيح. والله أعلم.

قوله: "وعن أبي الطفيل ومعاوية لا يمر بركن إلاّ استلمه". وقد أخرج أحمد من رواية مجاهد عن ابن عباس: أنه لما قال معاوية: ليس شيء من البيت مهجورًا، قال له ابن عباس: لقد كان لكم في رسول الله صلى الله [154 ب] عليه وآله وسلم أسوة حسنة، فقال له معاوية: صدقت. وقد قال ابن عمر (¬1): إنما ترك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استلام الركنين الشاميين؛ لأنّ البيت لم يتمم على قواعد إبراهيم - عليه السلام -. قوله: "وكان ابن الزبير يستلمهن كلهن" حمل ابن التين (¬2) استلام ابن الزبير لهما؛ لأنه لمّا غمر الكعبة أتم البيت على قواعد إبراهيم، ففي كتاب الأزرقي في تاريخ (¬3) مكةً أنّه لما فرغ ابن الزبير من بناء البيت وأدخل فيه من الحجر ما أخرج منه, وردّ الركنين على قواعد إبراهيم خرج إلى التنعيم واعتمر وطاف بالبيت واستلم الأركان الأربعة، ولم يزل البيت علي بناء ابن الزبير إذا طاف الطائف استلم الأركان جميعها حتى قتل ابن الزبير إلاّ أنّه قد تعقب بأنّ ابن الزبير طاف مع معاوية واستلم الكل. قال ابن حجر (¬4): وروى ابن المنذر استلام جميع الأركان أيضاً عن جابر (¬5) والحسن والحسين (¬6) من الصحابة, وعن سويد بن غفلة من التابعين. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (1583)، ومسلم رقم (329/ 1333). (¬2) ذكره الحافظ في "الفتح" (3/ 474). (¬3) (1/ 210). وأخرجه أيضاً الفاكهي في "أخبار مكة" (1/ 153 رقم 193) بإسناد صحيح. (¬4) ذكره الحافظ في "الفتح" (3/ 474). (¬5) أخرجه الفاكهي في أخبار مكة (1/ 154 رقم 195) عنه بإسناد حسن. (¬6) أخرجه الفاكهي في "أخبار مكة" (1/ 152 - 153 رقم 191) عنهما.

9 - وعن حنظلة قال: رأَيْتُ طَاوُسًا يَمُرُّ بِالرُّكْنِ فَإِنْ وَجَدَ عَلَيْهِ زِحَامًا مَرَّ وَلَمْ يُزَاحِمْ، وَإِنْ رَآهُ خَالِيًا قَبَّلَهُ ثَلاَثًا، ثُمَّ قَالَ: رأَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: رأَيْتُ عُمَرَ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ. وَقَالَ عُمَرُ - رضي الله عنه -: رَأَيْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فَعَلَ ذَلِكَ. أخرجه النسائي (¬1). [إسناده ضعيف]. 10 - وعن عروة قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - لابن عَوْفٍ: "يَا أَبَا مُحَمَّدٍ! كَيْفَ صَنَعْتَ فِي اسْتِلاَمِ الرُّكْنِ الأَسْوَدِ؟ " قَالَ: اسْتَلَمْتُ وَتَرَكْتُ! قَالَ: "أَصَبْتَ". أخرجه مالك (¬2). [ضعيف]. 11 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما -: أَنَّهُ أُخْبِرَ بِقَوْلِ عَائِشَةَ: إِنَّ الحَجَرَ بَعْضُهُ لَيْسَ مِنَ البَيْتِ. قَالَ: واللهِ إِنْ كَانَتْ عَائِشَةُ سَمِعَتْ هَذَا مِنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - إِنِّي لأَظُنُّ أن رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَتْرُكِ اسْتِلاَم هذَينِ الرُّكْنَيْنِ إِلاَّ أَنَّهُمَا لَيْسَا عَلَى قَوَاعِدِ البَيْتِ، وَلاَ طَافَ النَّاسُ من وَرَاءَ الحِجْرِ إِلاَّ لِذَلِكَ. أخرجه أبو داود (¬3). [صحيح]. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (2938) بإسناد ضعيف. (¬2) في "الموطأ" (1/ 366 رقم 113)، وهو حديث ضعيف. (¬3) في "السنن" رقم (1875). وأخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (1583)، ومسلم رقم (399/ 1333) عن عبد الله بن محمَّد بن أبي بكر أخبر عبد الله بن عمر عن عائشة - رضي الله عنهم - زوج النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لها: "ألم ترَيْ أن قومك لما بنوا الكعبة اقتصروا على قواعد إبراهيم"، فقلت: يا رسول الله! ألا تردُها على قواعد إبراهيم؟ قال: "لولا حدثان قومك بالكفر لفعلت". فقال عبد الله - رضي الله عنه -: لئن كانت عائشة - رضي الله عنها - سمعت هذا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أرَى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ترك استلام الرُّكنين اللذين يليان الحِجْرَ إلا أن البيت لم يتمم على قواعد إبراهيم.

قوله: "في حديث ابن عمر: إنّ الحجر" بكسر الحاء المهملة والجيم الساكنة وبيانه أنّ لمسلم (¬1) ستة أذرع من البيت، وفي رواية (¬2): "قريبًا من سبعة أذرع"، وفي جامع سفيان بن عيينة: "ستة أذرع (¬3) وشبر" والحاصل أنه فوق الستة ودون السبعة (¬4). قوله: "إن كانت عائشة سمعت". قيل: ليس هذا منه شكًا في صدقها لكن يقع [155 ب] في كلام العرب صورة التشكيكات والمراد التقدير والتبيين. ومنه {وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ} (¬5) و {إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي} (¬6). 12 - وعن عبيد بن عمير: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُزَاحِمُ عَلَى الرُّكْنَيْنِ زِحَامًا. فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ! إِنَّكَ تُزَاحِمُ عَلَى الرُّكْنَيْنِ زِحَامًا مَا رَأَيْتُ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يُزَاحِمُهُ؟ فَقَالَ: إِنْ أَفْعَلْ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِنَّ مَسْحَهُمَا كَفَّارَةٌ لِلْخَطَايَا". وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: "مَنْ طَافَ بِهَذَا البَيْتِ أُسْبُوعًا فَأَحْصَاهُ كَانَ كعِتْقِ رَقَبَةٍ". وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: "مَنْ ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم في "صحيحه" رقم (401/ 1333). قلت: وأخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (1586). (¬2) أخرجه مسلم في "صحيحه" رقم (404/ 1333). (¬3) أخرجه البيهقي في "المعرفة" (7/ 239 رقم 9923). وانظر: "الأم" (3/ 450 رقم 1178). (¬4) انظر: "فتح الباري" (3/ 443). (¬5) سورة الأنبياء الآية (111). - قال تعالى: {وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (111)}. (¬6) سورة سبأ الآية (50). قال تعالى: {قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي}.

طَافَ وَلاَ يَرْفَعُ قَدَمًا وَلاَ يَضَعُ قَدَمًا إِلاَّ حَطَّ الله عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً وَكَتَبَ لَه بِهَا حَسَنَةً". أخرجه الترمذي (¬1) والنسائي (¬2). "الأسبوع" سبع مرات، ومنه أسبوع الأيام لاشتماله على سبعة أيام. 13 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما -: أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: مَا بَيْنَ الرُّكْنِ وَالبَابِ المُلْتَزَمُ. أخرجه مالك (¬3). [موقوف ضعيف]. 14 - وعن ابن عوف قال: سَمِعْتُ رَجُلاً يَقُولُ: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لِعُمَرَ بْنِ الخطاب - رضي الله عنه -: "يَا أبا حَفْصٍ إِنَّكَ فِيكَ فَضْلُ قُوُّةٍ فَلاَ تُؤْذِ الضَّعِيفَ إِذَا رَأيْتُ الرُّكْنَ خِلْوًا فاسْتَلِمْ وَإلاَّ فَكبَّرْ وَامْضِ". ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ - رضي الله عنه - يَقُولُ لِرَجُلٍ: لاَ تُؤْذِ النَّاسَ بِفَضْلِ قُوَّتِكَ (¬4). أخرجه رزين. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (959). (¬2) في "السنن" رقم (2919)، وأخرجه ابن ماجه رقم (2956). وهو حديث حسن. (¬3) في "الموطأ" (1/ 424 رقم 251)، وهو أثر موقوف ضعيف. (¬4) وعن عمرَ أنّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال له: "يا عمَرُ إنك رجل قويٌّ لا تزاحم على الحجر فتؤذي الضعيفَ، إن وجدت خلوَةً فاستلمه وإلا فاستقبلُه وهلِّلْ وكبّرْ". - أخرجه أحمد في "المسند" (1/ 28). وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (3/ 341) وقال: رواه أحمد وفيه راوٍ لم يسم. ثم ذكر الطريق الآخر: عن أبي يعفور العبدي ... ثم قال: ذكر نحوه مرسلاً، فإن هذا أبا يعفور الصغير, ولم يدرك الصحابة، والله أعلم. قلت: وأخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (5/ 80) لكن وقع فيه "أبو يعقوب" وهو وهم ولعله من المطبعة. وكلاهما من طريق سفيان، به. وأخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (5/ 80) أيضاً من طريق سعيد بن المسيب عن عمر - رضي الله عنه -، به. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وذكره ابن الأثير في "جامع الأصول" (3/ 183) من حديث عبد الرحمن بن عوف, وعزاه لرزين، وعزاه في كنز العمال (5/ 176) لأحمد والعدني والبيهقي والديلمي عن عمر، وعزاه (5/ 58) للبغوي أيضاً عن شيخ من خزاعة, ولم يذكر الديلمي وذكر الثلاثة الآخرين. اهـ. وقال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في تعليقه على "المسند" (1/ 190): إسناده ضعيف لإبهام الشيخ الذي روى عنه أبو يعفور" اهـ. وقال الشيخ عبد القادر الأرنؤوط في تعليقه على "جامع الأصول" (3/ 183): وقد رواه الشافعي في "مسنده" ... ورواه أيضاً أحمد في "مسنده" ... وفي إسناده رجل مجهول وهو الذي روى عنه أبو يعفور العبدي. اهـ. وقد رد الدكتور إبراهيم ملا خاطر في تحقيقه على "السنن" للشافعي (2/ 137) على الهيثمي ومتابعيه الشيخين: أحمد شاكر وعبد القادر الأرنؤوط في عدم معرفتهم الراوي. هو عبد الرحمن بن عبد الحارث الخزاعي، يقال: له صحبة كما قال ابن شاهين، فإن ثبتت فلا كلام، وإلا فقد روى عنه أبو سلمة بن عبد الرحمن، وأبو يعفور الكبير، وهو من أولاد الصحابة. - أما قول الهيثمي رحمه الله: "عن أبي يعفور العبدي: إن هذا أبا يعفور الصغير. فهذا غريب من مثله. إذ يعفور الصغير ليس عبديًا حتى يختلط بأبي يعفور الكبير. وهو كما قال في "التهذيب" (6/ 225) عبد الرحمن بن عبيد بن نسطاس بن أبي صفية الثعلبي العامري البكائي، ويقال: البكالي، ويقال: السلمي. بينما أبو يعفور الكبير: هو واقد - أو وقدان العبدي، فافترقا. والكبير أقدم من الصغير والله أعلم. - وما قاله الشيخ عبد القادر الأرنؤوط: رواه الشافعي في "مسنده ... "، قلت: هذا وهم، فالشافعي لم يذكر هذا الحديث في "مسنده"، وإنما رواه في "السنن" - رقم (492) - وقد وضع الشيخ البنا رحمه الله إشارة السنن أمام هذا الحديث، فلم يتنبه الشيخ عبد القادر لذلك، وإن كان الشيخ البنا رحمه الله أسقط قول سفيان من الأعلى، وجعله في الحاشية، ولم يشر إلى أن ذلك كان في "السنن"، والله أعلم. علمًا أن ابن التركماني في "الجوهر النقي" (5/ 80) ذكر ذلك عن نسخة السنن, والله أعلم" اهـ. وقال الشيخ شعيب وإخوانه في مسند أحمد (1/ 321 رقم التعليقة (3): إن حديث عمر حديث حسن رجاله ثقات رجال الشيخين غير الشيخ بمكة وقد سماه سفيان بن عيينة في "السنن المأثورة" رقم (492) عبد =

قوله: "في حديث ابن عوف أخرجه رزين" بيّض له ابن الأثير (¬1) على عادته ثم فيه رجل مجهول. [84/ أ]. 15 - وعن نافع قال: كانَ ابنُ عُمَرَ - رضي الله عنهما - يُصَلِّي لِكُلِّ أُسْبُوعٍ رَكْعَتَينِ. أخرجه البخاري (¬2) تعليقًا. قوله: "في حديث نافع أخرجه البخاري تعليقًا" لم يخرجه بل ذكره مقطوعًا بقوله: وقال نافع، قال الحافظ (¬3): وصله عبد الرزاق عن الثوري عن موسى بن عتبة عن سالم بن عبد الله عن نافع عن ابن عمر ... الحديث. وأخرج ابن أبي شيبة (¬4) عن الزهري قال: قضت السنة أنّ مع كل أسبوع ركعتين. 20 - (¬5) وعن إسماعيل بن أُميّةَ قال: قُلْتُ لِلزُّهْرِيِّ: إِنَّ عَطَاءً يَقُولُ: تُجْزِئُهُ المَكْتُوبَةُ مِنْ رَكْعَتَي الطَّوَافِ. فَقَالَ: اتِّباعُ السُّنَّةِ أَفْضَلُ، لمْ يَطُفْ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قَطُّ أُسْبُوعًا إلاَّ صَلَّى لَهُ رَكْعَتَيْنِ. أخرجه البخاري (¬6) تعليقًا. قوله: "في حديث إسماعيل بن أمية لم يطف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلاّ صلى ركعتين". ¬

_ = الرحمن بن نافع بن عبد الحارث، وهو من أولاد الصحابة، وأبوه ولي مكة لعمر بن الخطاب، والحديث مرسل، والمرسل - كما قال الذهبي في الموقظة (ص 39) - إذا صح إلى تابعي كبير، فهو حجة عند خلق من الفقهاء". (¬1) في "جامع الأصول" (3/ 183 رقم 1449). (¬2) في "صحيحه" (3/ 484 رقم الباب 69 - مع "الفتح" تعليقًا. (¬3) في "الفتح" (3/ 484). (¬4) ذكره الحافظ في "الفتح" (3/ 485). (¬5) قدّمه المصنف وهو متأخر عمّا بعده كما ترى. (¬6) في "صحيحه" (3/ 484 الباب رقم 69).

أراد الزهري أن يستدل على أنّ المكتوبة لا تجزي عن ركعتي الطواف بما ذكره. قال الحافظ (¬1): وفي الاستدلال بذلك نظر؛ لأنّ قوله: "إلا صلى [156 ب] ركعتين" أعم من أن تكون نفلاً أو فرضًا؛ لأنّ الصبح ركعتان فتدخل في ذلك. انتهى. قلت: وفي كلام الحافظ نظر؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - لا يصلي الفجر إلاّ جماعة، وركعة الطواف لم يرد أنه صلاها جماعة فلا تدخل الفجر في كلام الزهري. 16 - وعن عروة قال: كانَ ابنُ الزُّبَيْرِ يَقْرِنُ بَيْنَ الأَسَابِيعِ، وَيُسْرِعُ المَشْي، وَيَذْكُرُ عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - أَنَّهَا كانَتْ تَفْعَلُه ثُمَّ تُصَلِّي لِكُلِّ أُسْبُوعٍ رَكْعَتَيْنِ. 17 - وفي رواية: أنَّهُ كانَ يَطُوفُ بَعْدَ الفَجْرِ وَيُصَلي رَكْعَتَيْنِ فَكانَ إذَا طَافَ يُسرِعُ المَشْيَ. أخرجه رزين. قوله: "لكل أسبوع ركعتين" (¬2) وكان لا يرى القران بين الأسابيع. قوله: "في حديث عروة: كان ابن الزبير يقرن بين الأسابيع" قال أكثر الشافعية (¬3): وعن أبي حنيفة (¬4): يكره القران بين الأسابيع من جهة أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يفعله وقال: "خذوا عني مناسككم" (¬5) وأجازه الجمهور (¬6) من غير كراهة. ¬

_ (¬1) في "فتح الباري" (3/ 485). (¬2) هذه العبارة ذكرت في الحديث رقم (16، 18) عن عائشة - رضي الله عنها -. (¬3) "روضة الطالبين" (3/ 83 - 84، 100). (¬4) "البناية في شرح الهداية" (4/ 78 - 81). "شرح فتح القدير" (2/ 379). (¬5) وهو حديث صحيح. أخرجه أحمد (3/ 318)، ومسلم رقم (310/ 1297)، وأبو داود رقم (1970)، والنسائي (5/ 270)، وابن خزيمة رقم (2877)، والبيهقي (5/ 130)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (1946). (¬6) انظر: "المغني" (5/ 233 - 234)، "فتح الباري" (3/ 485).

وقال بعض الشافعية (¬1): إن قلنا أنّ ركعتي الطواف واجبة كأبي حنيفة (¬2) والمالكية (¬3) فلا بد من ركعتين لكل طواف. قلت: الكلام في فضل الركعتين عن كل أسبوع لا أنّ لكل طواف ركعتين فإنه متفق عليه, وإنما وقع النزاع في تأخيرها عن كل أسابيع كثيرة ثم الإتيان بها, ولذا قال عروة: "ثم يصلي لكل أسبوع ركعتين"، وأظنه لا قائل بأن من قرن بين أسابيع أنه يجزيه عن كلٍّ ركعتان. 18 - وعن امرأة كانت تخدم عائشة - رضي الله عنها -: أنَّهَا طَافَتْ مَعَهَا أَرْبَعَةَ أَسَابِيْعَ مَقْرُوْنَةً ثُمَّ رَكَعَتْ لِكُلِّ أُسْبُوعٍ رَكْعَتَيْنِ. قالَتْ: وَتَسْتَحِبُّ اسْتِلاَمَ الرُّكْنِ في كُلِّ وِتْرٍ. أخرجه رزين. 19 - وعن عبد الرحمن بن عبد القاري: أَنَّهُ طَافَ مَعَ عُمَرَ بْنِ الخطَابِ - رضي الله عنه - بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ، فَلمَّا قَضَى عُمَرُ طَوَافَهُ نَظَرَ فَلَمْ يَرَ الشَّمْسَ فَرَكِبَ حَتَّى أناخَ بِذِي طَوَى وصَلَّى رَكْعَتَيْنِ. أخرجه مالك (¬4). [موقوف صحيح]. قوله: في حديث عبد الرحمن القاري أخرجه مالك" وذكره البخاري تعليقًا. قال الحافظ (¬5): وصله مالك عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن عبد الرحمن بن عبد القاري عن عمر به. قلت: وترجم (¬6) البخاري بقوله: باب الطواف بعد الصبح والعصر. ¬

_ (¬1) المجموع شرح المهذب (7/ 151). (¬2) المبسوط (4/ 43 - 44) بدائع الصنائع (2/ 132). (¬3) عيون المجالس (2/ 813). المنتقى (2/ 288). (¬4) في "الموطأ" (1/ 368 رقم 117) وهو أثر موقوف صحيح. وأخرجه البخاري في "صحيحه" (3/ 488 الباب رقم 73) تعليقًا. (¬5) في "الفتح" (3/ 489). (¬6) في "صحيحه" (3/ 488 الباب رقم 73 - مع "الفتح".

قال الحافظ في "الفتح" (¬1) أي: ما حكم صلاة الطواف [157 ب] حينئذٍ، قال: ويظهر من صنع البخاري أنه يختار فيه [157 ب] التوسعة، وكأنه أشار إلى ما رواه الشافعي (¬2) وأصحاب السنن (¬3) وصححّه الترمذي وابن خزيمة (¬4) من حديث جبير بن مطعم: أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "يا بني عبد مناف! من ولي منكم من أمر الناس شيئًا فلا يمنعن أحدًا طاف بهذا البيت وصلَّى أي ساعة شاء من ليل أو نهار". قال ابن عبد البر (¬5): كره الكوفيون والثوري الطواف بعد العصر والصبح، قالوا: فإن فعل فليؤخر الصلاة. وقال ابن المنذر (¬6): رخص في الصلاة بعد الطواف في كل وقت جمهور الصحابة (¬7) ومن بعدهم. انتهى. قلت: وهذا هو الصواب بعد صحة (¬8) حديث جبير بن مطعم فإنه يخصص أحاديث النهي بعد الصلاتين، واعلم أنه - صلى الله عليه وسلم - إنما صلى ركعتي الطواف خلف مقام إبراهيم وقد قال: "خذوا عني مناسككم" (¬9) فكان المتعين صلاتهما حيث صلَّى - صلى الله عليه وسلم -. ¬

_ (¬1) (3/ 488). (¬2) في "الأم" (1/ 148). (¬3) أخرجه أبو داود رقم (1894)، والترمذي رقم (868)، والنسائي رقم (2964)، وابن ماجه رقم (1254). (¬4) في "صحيحه" رقم (2747). (¬5) في "التمهيد" (13/ 45). وهو حديث صحيح. (¬6) ذكره الحافظ في "الفتح" (3/ 488). (¬7) انظر: "فتح الباري" (3/ 488 - 489). "التمهيد" (13/ 45 - 46). "المغني" (2/ 516 - 517). (¬8) تقدم تخريجه وهو حديث صحيح. (¬9) تقدم تخريجه وهو حديث صحيح.

لكن قال ابن المنذر (¬1): أجمع أهل العلم على أنّ الطائف تجزيه ركعتا الطواف حيث شاء إلاّ شيئًا يذكر عن مالك (¬2): أنّ من صلى ركعتي الطواف الواجب في غير محلها يعيد، وقد بسط الحافظ (¬3) الكلام في أوائل كتاب الصلاة في قوله: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} (¬4). 21 - وعن جابر - رضي الله عنه - قال: قَرَأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ركعَتَيِ الطَّوَافِ بِسُورتِي الإِخْلَاصِ: {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)} , و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)}. أخرجه الترمذي (¬5). [صحيح]. قوله: "في حديث جابر: قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " هذا يدل أنه يجهر بالقراءة فيهما ولو نهارًا، فإنَّه صلى الله [158 ب] عليه وآله وسلم طاف نهارًا وصلى، ويحتمل [158 ب] أنه - صلى الله عليه وسلم - أخبر جابرًا بذلك. ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "فتح الباري" (3/ 487). (¬2) "عيون المجالس" (2/ 902). (¬3) في "فتح الباري" (1/ 499 - 500). (¬4) سورة البقرة الآية (125). (¬5) في "السنن" رقم (869). ويشهد له حديث جابر الطويل، وفيه: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما انتهى إلى مقام إبراهيم قرأ: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125] فصلَّى ركعتين فقرأ: فاتحة الكتاب، و {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)} و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)}، ثم عاد إلى الركن فاستلمه، ثمَّ خرج إلى الصفا ... ". وهو حديث صحيح.

22 - وعن كثير بنُ جمْهان قال: رَأَيْتُ ابنُ عُمَرَ - رضي الله عنهما - يَمشِي في المَسْعَى فَقُلْتُ: أَتَمْشِي في المَسْعَى؟ فَقَالَ: لَئِنْ سَعَيْتُ لَقَدْ رَأيْتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَسْعَى، وَلَئِنْ مَشَيْتُ لَقَدْ رَأَيْتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَمْشِي وَأنَا شَيْخٌ كَبِيْرٌ. أخرجه أصحاب السنن (¬1). قوله: "وعن كثير بن [جُمْهان] (¬2) بضم الجيم وسكون الميم وبالنون، تابعي (¬3) سمع ابن عباس. وغيره. قوله: "يمشي" أي: أنه - صلى الله عليه وسلم - فعل الأمرين في السعي بين الصفا والمروة، ويأتي تفصيل فعله لهما في حديث جابر. 23 - وعن جابر - رضي الله عنه - قال: كَانَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إِذَا نَزَلَ مِنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ مَشَى حَتَّى إِذَا انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ في بَطْنِ الوَادِي سَعَى حَتَّى يَخْرُجَ مِنْهُ. أخرجه مالك (¬4) والنسائي (¬5). [صحيح]. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود رقم (1904)، والترمذي رقم (864)، وابن ماجه رقم (2988)، والنسائي رقم (2976)، وهو حديث صحيح. (¬2) في (أ): جهمان. (¬3) قال ابن حجر في "التقريب" (2/ 131 رقم 6) كثير بن جمهان السّلمي أو الأسلمي. أبو جعفر، مقبول من الثالثة. (¬4) في "الموطأ" (1/ 374 رقم 131). (¬5) في "السنن" رقم (2981). وهو حديث صحيح. - وفي هذا الحديث استحباب السعي في بطن الوادي حتى يصعد ثم يمشي باقي المسافة إلى المروة على عادة مشيه, وهذا السعي مستحب في كل مرة من المرات السبع في هذا الموضع، والمشي مستحب فيما قبل الوادي وبعده، ولو مشي في الجميع أو سعى في الجميع أجزأه وفاتته الفضيلة. وبه قال الشافعي ومن وافقه. وقال مالك فيمن ترك السعي في موضعه تجب عليه الإعادة, وله رواية أخرى موافقة لقول الشافعي. =

ومعنى "انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ" انحدرت في المسعى. 24 - وعنه - رضي الله عنه - قال: سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ حِينَ خَرَجَ مِنَ المَسْجِدِ وَهُوَ يُرِيدُ الصَّفَا: "نَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ الله بِهِ". فَبَدَأَ بِالصَّفَا. أخرجه مالك (¬1) والترمذي (¬2) والنسائي (¬3). وزاد رزين عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: فَلمَّا عَلَا عَلَى الصَّفَا حَيْثُ يَنْظُرُ إِلَى البَيْتِ رَفَعَ يَدَيْهِ فَجَعَلَ يَذْكُرُ الله تَعَالَى مَا شَاءَ. 25 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: لَيْسَ السَّعْيُ في بَطْنِ الوَادِي بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوةِ سُنَّةً، إِنَّمَا كَانَ أَهْلُ الجاهِلِيَّةِ يَسْعَوْنَهَا وَيقُولُونَ: لاَ نُجِيزُ البَطْحَاءَ إِلاَّ شَدًّا. أخرجه البخاري (¬4). "الشَّدُّ" العدو. والمراد "بالبَطْحَاءِ" ها هنا: بَطْن المسعى (¬5). 26 - وعن صفية بنت شيبة: أنَّ امْرَأَةٍ قَالَتْ: رَأَيْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَمْشِي في بَطْنِ المَسِيلِ يَقُولُ: "لاَ يُقْطَعُ الوَادِي إِلاَّ شَدًّا". أخرجه النسائي (¬6). [صحيح]. 27 - وعن الزهري قال: سَأَلُوا ابْنَ عُمَرَ - رضي الله عنهما -. هَلْ رَأَيْتَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - رَمَلَ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ؟ فَقَالَ: كَانَ في جَمَاعَةٍ مِنَ النَّاسِ فَرَمَلُوا فَمَا أُرَاهُمْ رَمَلُوا إِلاَّ بِرَمَلِهِ. ¬

_ = انظر: "المنتقى" (2/ 305)، "المجموع شرح المهذب" (8/ 101)، "الأم" (3/ 543). (¬1) في "الموطأ" (1/ 372 رقم 126). (¬2) في "السنن" رقم (862). (¬3) في "السنن" رقم (2970). وأخرجه مسلم رقم (1218) بمعناه, وأبو داود رقم (1905)، وهو حديث صحيح. (¬4) انظر: "فتح الباري" (3/ 503, 505). (¬5) قاله ابن الأثير في "الجامع" (3/ 189). (¬6) في "السنن" رقم (2980) وهو حديث صحيح.

[الفصل الثاني: في أحكام الطواف والسعي]

أخرجه النسائي (¬1). [بسند ضعيف]. [الفرع الثاني: في أحكام الطواف والسعي] (¬2) قوله: "الفصل الثاني: [أحكام] (¬3) الطواف والسعي". قال ابن الأثير (¬4): وهي عشر. 1 - عن ابن عباس - رضي الله عنهما -: أَنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "الطَّوَافُ حَوْلَ البَيْتِ مِثْلُ الصَّلاَةِ, إِلاَّ أَنَّكُمْ تَتَكَلَّمُونَ فِيهِ، فَمَنْ تَكَلَّمَ فَلاَ يَتكَلَّمُّ إِلاَّ بِخَيْرٍ". أخرجه الترمذي (¬5) وهذا لفظه والنسائي (¬6). [صحيح]. قوله: "في حديث ابن عباس أخرجه الترمذي" قال في "الجامع" (¬7): أنه قال الترمذي (¬8): وقد روي موقوفًا عليه، وفي "فتح الباري" (¬9): أنه أخرجه أصحاب "السنن" وصححّه ابن خزيمة وابن حبان، وهذا أوّل الأحكام. والثاني: الركوب في الطواف والسعي. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (2978) بسند ضعيف. (¬2) زيادة من (ب). (¬3) في (ب): حكم. (¬4) في "جامع الأصول" (3/ 190). (¬5) في "السنن" رقم (960)، وهو حديث صحيح. (¬6) في "السنن" رقم (2922). وهو حديث صحيح. (¬7) (3/ 190). (¬8) في "السنن" (3/ 293). (¬9) (3/ 482).

2 - وفي أخرى للنسائي (¬1) عن ابن عمر قَالَ: أَقِلُّوا مِنْ الكَلَامِ في الطَّوَافِ، فَإِنَّمَا أَنْتُمْ فِي صَلَاةٍ. [صحيح]. 3 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: طَافَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في حَجَّةِ الوَدَاعِ عَلَى بَعِيرٍ يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمحْجَنٍ. أخرجه الخمسة (¬2). [صحيح]. وفي رواية (¬3): كُلَّمَا أَتَى الرُّكْنَ أَشَارَ إِلَيْهِ بِشَيْءٍ في يَدِهِ. [صحيح]. قوله: "في حديث ابن عباس: يستلم بمحجن" بكسر الميم وسكون الحاء المهملة وَفتح الجيم عصا كالصولجان، قاله ابن الأثير (¬4) وتبعه المصنف. وفي شرح مسلم (¬5) وهي عصا معقفةٌ يتناول بها الراكب ما بسط له، ويحرك بطرفها بعيره للمشي. قوله: "على بعير" لم أجد تصريحًا في أي طواف هذا فإنه في طوافه عند قدومه مكة هرول ورمل، والمراد بنفسه [159 ب] ماشيًا وطواف الإفاضة كان يوم النحر، فيحتمل أنه ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (2923)، وهو حديث صحيح. (¬2) أخرجه البخاري رقم (1607)، ومسلم رقم (253/ 1272)، وأبو داود رقم (1877)، وابن ماجه رقم (2948)، والترمذي رقم (865) بلفظ: "وأشار إليه" بدل "بمحجن". والنسائي رقم (713، 2954). (¬3) أخرجها الترمذي في "السنن" رقم (865). (¬4) في "غريب الجامع" (3/ 192). قال الحافظ في "الفتح" (3/ 473): "المحجن: هو عصا محنية الرأس، والمحجن الاعوجاج، وبذلك سمي الحجون, والاستسلام افتعال من السلام بالفتح أي: التحية. قاله الأزهري". انظر: "تهذيب اللغة" (4/ 152 - 153). (¬5) (9/ 18).

فيه وطواف الوداع كان ليلاً، وصرّح أبو داود (¬1) أنه طاف راكبًا لمرض وقال جابر (¬2): "أنه طاف راكبًا ليراه الناس ويشرف عليهم وليسألوه". قال النووي (¬3): إنه يحتمل أنه لهذا كله، وجابر قال .. طاف بالبيت في حجة الوداع [وب (¬4) الصفا والمروة". أخرجه مسلم (¬5). وعند أبي داود (¬6) عن صفية بنت شيبة .. أنه طاف عام الفتح على بعير يستلم الركن بمحجن في يده"، [185/ أ] قال المنذري (¬7): إن صفية هذه أخرج لها البخاري في صحيحه حديثاً، وقيل: إنها ليست صحابية، وأنّ الحديث مرسل، حكي ذلك عن أبي عبد الرحمن النسائي وأبي بكر البرقاني، وذكر ابن السكن [في الصحابية] (¬8) وكذلك أبو عمر ابن عبد البر (¬9). انتهى. ¬

_ (¬1) في "السنن" (1881) عن ابن عباس: أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قدم مكة وهو يشتكي، فطاف على راحلته، كلَّما أتى على الرُّكن استلم الرُّكن بمحجن، فلمَّا فرغ من طوافه أناخ، فصلّى ركعتين". وهو حديث صحيح دون قوله: "وهو يشتكي"، وإلا فهو ضعيف منكر. (¬2) أخرجه مسلم في صحيح رقم (1273)، وأبو داود رقم (1880) والنسائي رقم (2975)، وهو حديث صحيح. (¬3) في شرحه لصحيح مسلم (9/ 19). (¬4) في المخطوط "وبين" وما أثبتناه من "صحيح مسلم". (¬5) في "صحيحه" رقم (255/ 1273). (¬6) في "السنن" رقم (1878)، وهو حديث حسن. وأخرجه ابن ماجه رقم (2947). (¬7) في مختصر "السنن" (2/ 376 - 377). (¬8) كذا في المخطوط والذي في "مختصر السنن" في كتابه في الصحابة. (¬9) انظر: "الاستيعاب" رقم (3373).

4 - وفي أخرى لأبي داود (¬1): أَنَّ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - قَدِمَ مَكَّةَ وَهُوَ يَشْتكِي فَطَافَ عَلَى رَاحِلَتِهِ كُلَّمَا أتى عَلَى الرُّكْنِ اسْتَلَمَهُ بِمِحْجَنٍ فَلمَّا فَرَغَ مِنْ طَوَافِهِ أَنَاخَ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ. [صحيح دون قوله: "وهو يشتكي" فضعيف منكر]. 5 - وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: طَافَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى بَعِيرِهِ يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ كَرَاهِيَةَ أَنْ يُصْرَفَ عَنْهُ النَّاسُ. أخرجه مسلم (¬2) والنسائي (¬3). [صحيح]. قوله: "أن يصرف عنه الناس" قال النووي (¬4): هكذا في معظم النسخ "يضرب" بالباء وفي بعضها "يصرف" بالصاد المهملة والفاء وكلاهما صحيح. 6 - ولمسلم (¬5) في أخرى وأبي داود (¬6) عن ابن عباس: يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنٍ كانَ مَعَهُ وَيُقَبِّلُ المِحْجَنَ. [صحيح]. "المِحْجَنُ" (¬7) كالصَّوْلجان. 7 - عن أمِّ سلمة - رضي الله عنها - قالت: شَكَوْتُ إِلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - أَنَّي أَشْتَكِي فَقَالَ: "طُوفِي مِنْ ورَاءِ النَّاسِ وَأَنْتِ رَاكِبَةٌ". فطُفْتُ والنَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي إلَى جَانِبِ البَيْتِ يَقْرَأُ بِالطُّورِ وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (1881)، وهو حديث صحيح دون قوله: "وهو يشتكي" فضعيف منكر. (¬2) في "صحيحه" رقم (1274). (¬3) في "السنن" رقم (2975). (¬4) في شرحه لـ "صحيح مسلم" (9/ 19). (¬5) في "صحيحه" رقم (1275). (¬6) في "السنن" رقم (1879). كلاهما عن أبي الطُّفيل. (¬7) تقدم معناه.

أخرجه الستة (¬1) إلا الترمذي. [صحيح]. 8 - وعن وَبرَةَ عبد الرحمن قال: سَأَلَ رَجُلٌ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - فَقَالَ: أَيَصْلُحُ لِي أَن أَطُوفَ بِالبَيْتِ قَبْلَ أَنْ آتِيَ المَوْقِفَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: لاَ تَطُفْ بِالبَيْتِ حَتَّى تَأْتِيَ المَوْقِفَ. فَقَالَ: قَدْ حَجَّ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فَطَافَ بِالبَيْتِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ المَوْقِفَ فَبِقَوْلِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - أَحَقُّ أَنْ تَأْخُذَ أَوْ بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ، إِنْ كُنْتَ صَادِقًا. أخرجه مسلم (¬2) والنسائي (¬3). [صحيح]: "وعن وبرة" (¬4) بفتح الواو وسكون الباء الموحدة، هو أبو خزيمة وبرة بن عبد الرحمن روى عن ابن عمر وسعيد بن جبير. قوله: "في حديث وبرة: قال ابن عباس يقول: لا تطوف بالبيت حتى تأتي الموقف" يريد عرفة، قيل: مقصوده أنّ الحاج لا يطوف بعد طواف القدوم حتى يرجع من عرفة، هذا مذهب مالك (¬5)، وعند الشافعي (¬6) له أن يتنفل من الطواف بما شاء. وفي "فتح الباري" (¬7): هذا لا يدل على أنّ الحاج منع من الطواف قبل الوقوف، ولعله - صلى الله عليه وسلم - ترك الطواف تطوعًا خشية أن يظن أنه واجب، وكان يخفف على أمته. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (1619)، ومسلم رقم (258/ 1276)، وأبو داود رقم (1882) , والنسائي رقم (2925)، وابن ماجه رقم (2961)، ومالك في "الموطأ" (1/ 370)، وأحمد (6/ 290). وهو حديث صحيح. (¬2) في "صحيحه" رقم (1233). (¬3) في "السنن" رقم (2929). وهو حديث صحيح. (¬4) انظر: "التقريب" (2/ 330 رقم 23). (¬5) انظر: "مدوَّنة الفقه المالكي" (2/ 115 - 116). (¬6) انظر: "البيان" للعمراني (4/ 366 - 367). (¬7) (3/ 486).

9 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قَالَ: قَدِمَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مَكَّةَ، فَطَافَ وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ, وَلَمْ يَقْرَبِ الكَعْبَةَ بَعْدَ طَوَافِهِ بِهَا حَتَّى رَجَعَ مِنْ عَرَفَةَ. أخرجه البخاري (¬1). [صحيح]. قوله: "في حديث [160 ب] ابن عباس ولم يقرب الكعبة" هو بكسر الراء وضمها، ومراده: أنه لم يطف بعد طواف العمرة, أي: لم يأت بطواف تطوع بل اقتصر على طواف العمرة لا غير. 10 - وعن جُبير بن مُطْعم - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ! لاَ تَمْنَعُوا أَحَدًا طَافَ بِهَذَا البَيْتِ فَصَلَّى أَيَّةَ سَاعَةٍ شَاءَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ". أخرجه أصحاب "السنن" (¬2). [صحيح]. قوله: "في حديث جبير بن مطعم أخرجه أصحاب "السنن" تقدم الكلام عليه. وقوله فيه: "فصلى" بالفاء في كثير من [التيسير] (¬3)، وفي "الجامع الكبير" (¬4): "وصلى" بالواو وهي أعم؛ لأنّه بالفاء يدل على أنه لا يمنع الطائف من ركعتي الطواف، وإذا كان بالواو دلّ على أي صلاة صلاها. ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (1627). (¬2) أخرجه أبو داود رقم (1894)، والترمذي رقم (868)، والنسائي رقم (2964)، وابن ماجه رقم (1254) وقد تقدم. وهو حديث صحيح. (¬3) كذا في المخطوط. ولعلَ الصواب قوله: نسخ التيسير. (¬4) (3/ 198).

قال الترمذي (¬1): حديث جبير بن مطعم حديث حسن صحيح، وقد رواه عبد الله بن أبي نجيح عن عبد الله بن باباه أيضاً، وقد اختلف أهل العلم في الصلاة بعد العصر وبعد الصبح بمكة. فقال بعضهم: لا بأس بالطواف والصلاة بعد العصر وبعد الصبح، وهو قول الشافعي، وأحمد، وإسحاق، واحتجوا بحديث النبي - صلى الله عليه وسلم -[هذا] (¬2). وقال بعضهم: إذا طاف بعد العصر لا يصلي حتى [يغرب الشفق] (¬3) وكذلك إن طاف بعد صلاة الصبح أيضاً (¬4)، واحتجوا بحديث عمر: "أنه طاف بعد صلاة الصبح فلم يصل، وخرج من مكة حتى نزل بذي طوى فصلى بعد ما طلعت الشمس"، وهو قول سفيان الثوري ومالك بن أنس (¬5). 11 - وعن أبي الزبير المكي قال: رَأَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَطُوفُ بَعْدَ صَلاَةِ العَصْرِ أُسْبُوعًا ثُمَّ يَدْخُلُ حُجْرَتَهُ فَلاَ نَدْرِي مَا يَصْنَعُ (¬6). [موقوف صحيح]. قال (¬7): وَلَقَدْ رَأَيْتُ البَيْتَ يَخْلُو بَعْدَ صَلاَةِ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَبَعْدَ صَلَاةِ ¬

_ (¬1) في "السنن" (3/ 220). (¬2) زيادة من "السنن" (3/ 220). (¬3) كذا في المخطوط والذي في سنن الترمذي: تغرب الشمس. (¬4) في "السنن" زيادة: لم يُصلِّ حتى تطلع الشمس. (¬5) انظر: عيون المجالس (2/ 811 - 812). "بدائع الصنائع" (2/ 132). "الهداية" (1/ 152). "روضة الطالبين" (3/ 82). (¬6) في "الموطأ" (1/ 369 رقم 118)، وهو أثر موقوف صحيح. (¬7) عن مالك عن أبي الزبير المكيِّ أنَّه قال: لقد رأيت البيت يخلُو بعد صلاةِ الصبح، وبعد صلاة العصر، ما يطوف به أحدٌ. أخرجه مالك في "الموطأ" (1/ 369 رقم 119)، وهو أثر مقطوع صحيح.

في طواف الزيارة

العَصْرِ مَا يَطُوفُ بِهِ أَحَدٌ [حَتّى عِنْدَ الغُرُوبِ] (¬1). أخرجه مالك. [مقطوع صحيح]. قوله: "في حديث أبي الزبير فلا أدري ما يصنع" أي: ابن عباس هل يصلي ركعتي الطواف أو يؤخرها؟ وهذا بناء على صحة صلاتها في غير مقام إبراهيم. في طواف الزيارة قوله: "في طواف الزيارة" هذا هو الحكم الرابع. [161 ب]. 1 - عن ابن عباس وعائشة - رضي الله عنهم -: أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَخَّرَ الطَّوَافَ يَوْمَ النَّحْرِ إلى اللَّيْلِ. أخرجه أبو داود (¬2) والترمذي (¬3). [ضعيف]. وفي رواية أخرى (¬4): طَوَافَ الزِّيَارَةِ. [ضعيف]. قوله: "في حديث ابن عباس أخرجه الترمذي". قلت: وقال (¬5): هذا [حديث حسن] (¬6)، وقد رخَّص بعض أهل العلم في أن يؤخر طواف الزيارة إلى الليل، واستحب بعضهم أن يزور يوم النحر، وَوَسَّع بعضهم أن يؤخر ولو إلى آخر أيام منى. انتهى. ¬

_ (¬1) ما بين الحاصرتين غير موجودة في "الموطأ". انظر: نص الأثر المتقدم. (¬2) في "السنن" رقم (2000) بلفظ: "أنّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أخّرَ طواف يوم النَّحر إلى الليل". وهو حديث ضعيف، والله أعلم. (¬3) في "السنن" رقم (920) وهو حديث ضعيف. (¬4) أخرجها الترمذي في "السنن" رقم (920). وأخرجه البخاري في "صحيحه" (3/ 567 الباب رقم 128 - مع "الفتح") تعليقًا. (¬5) أي الترمذي في "السنن" (3/ 292). (¬6) كذا في المخطوط والذي في "السنن": حديث حسن صحيح.

قلت: عدّ ابن القيم (¬1) هذا الحديث من الأوهام وقال: والذين قالوا: إنه - صلى الله عليه وسلم - أخّر طواف الزيارة إلى الليل وهم طاوس ومجاهد وعروة، ثم ذكر حديث الترمذي هذا، وقال (¬2): وهذا الحديث غلطٌ بيِّن وخلاف المعلوم من فعله - صلى الله عليه وسلم - الذي لا يشكُّ [فيه] (¬3) أهل العلم بحجَّته [- صلى الله عليه وسلم -] (¬4)، قال: ونحن نذكر كلام الناس فيه. قال (¬5): قال الترمذي في كتاب العلل (¬6) [له] (¬7): سألت محمَّد بن إسماعيل البخاري عن هذا الحديث [فقلت] (¬8) له: أسمعَ أبو الزبير من عائشة وابن عباس؟ فقال: أمَّا من ابن عباس فنعم، وفي سماعه من عائشة [ففيه] (¬9) نظر. وقال أبو الحسن القطان: عندي أنّ هذا الحديث ليس بصحيح، إنما طاف النبي - صلى الله عليه وسلم - يومئذٍ نهارًا ثم قال: وهذا شيء لا يروى إلاّ من هذه الطريق، وأبو الزبير مدلس ولم يذكر ها هنا سماعًا من عائشة، وقد عهد [أنَّه] (¬10) يروي عنها بواسطة ثم أطال الكلام في ردّه لهذه الرواية. ¬

_ (¬1) في "زاد المعاد" (2/ 254). (¬2) أي ابن القيم في "زاد المعاد" (2/ 254). (¬3) زيادة من "زاد المعاد" (2/ 254). (¬4) زيادة من "زاد المعاد" (2/ 254). (¬5) أي ابن القيم في "زاد المعاد" (2/ 254). (¬6) (ص 756). (¬7) زيادة من "زاد المعاد" (2/ 254). (¬8) كذا في المخطوط والذي في "زاد المعاد": وقلت. (¬9) زيادة من المخطوط غير موجودة في "زاد المعاد". (¬10) زيادة يستلزمها السياق. وهي في "زاد المعاد" (2/ 255).

2 - وعن نافع عن ابن عمر - رضي الله عنهما -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أَفَاضَ يَوْمَ النَّحْرِ ثُمَّ رَجَعَ فَصَلّى الظُّهْرَ بِمِنَّى. أخرجه الشيخان (¬1) وأبو داود (¬2). قوله: "في حديث نافع: أنه - صلى الله عليه وسلم - أفاض يوم النحر ثم رجع فصلى الظهر بمنى". هذا هو الذي عليه المحققون أنّه أفاض نهارًا، ووقع خلاف: هل صلى الظهر بمكة أو بمنى بعد عوده منها؟ قال ابن القيم في الهدي (¬3): واختلف أين صلى الظهر يومئذٍ؟ ففي الصحيح (¬4) عن ابن عمر: "أفاض يوم النحر ثم رجع فصلى الظهر بمنى"، وزاد في "الجامع" (¬5) في رواية [162 ب] قال نافع: وكان ابن عمر يفيض يوم النحر ثم يرجع فيصلي الظهر بمنى ويذكر أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يفعله". وفي "صحيح مسلم" (¬6) عن جابر: "أنه - صلى الله عليه وسلم - صلى الظهر بمكة"، وكذلك قالت عائشة (¬7). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (1732) موقوفًا ثم قال: ورفعه عبد الرزاق أخبرنا عبيد الله (أ). وأخرجه مسلم في "صحيحه" رقم (1308). (أ) قال الحافظ في "الفتح" (3/ 568): وصله ابن خزيمة والإسماعيلي من طريق عبد الرزاق بلفظ أبي نعيم وزاد في آخره "ويذكر - أي ابن عمر - أنّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فعله"، وفيه التنصيص على الرجوع إلى منى بعد القيلولة في يوم النَّحر. ومقتضاه أن يكون خرج منها إلى مكة لأجل الطواف قبل ذلك. (¬2) في "السنن" رقم (1998). (¬3) في "زاد المعاد" (2/ 258). (¬4) أخرجه مسلم رقم (1308). وأخرجه أبو داود رقم (1998)، وأحمد (2/ 34). (¬5) (3/ 199 رقم 1480). (¬6) في "صحيحه" رقم (1218). (¬7) أخرجه أبو داود رقم (1973).

في طواف الوداع

واختلف (¬1) في ترجيح أحد هذين القولين على الآخر. فقال أبو محمَّد ابن حزم (¬2): قول عائشة وجابر أولى، وتبعه على هذا جماعة, ورجحوا هذا القول [186/ أ] ثم ذكر وجوهًا رجح بها ابن حزم ما ذهب إليه، وذكر وجوهًا أُخر لمن رجح رواية ابن عمر، وأطال وجنح إلى ترجيح رواية ابن عمر. في طواف الوداع قوله: "طواف الوداع" هذا هو الحكم الخامس في "الجامع" (¬3). 1 - عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: كَانَ النَّاسُ يَنْصَرِفُونَ في كُلِّ وَجْهٍ. فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - "لاَ يَنْفِرْ أَحَدٌ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ بِالبَيْتِ". أخرجه مسلم (¬4) وأبو داود (¬5). [صحيح]. قوله: "في حديث ابن عباس: لا ينفر أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت". قال النووي (¬6): طواف الوداع واجب يلزم من تركه دم على الصحيح عندنا، وهو قول أكثر العلماء، وقال مالك (¬7) وداود (¬8) وابن المنذر (¬9): هو سنة لا شيء في تركه. انتهى. ¬

_ (¬1) قاله ابن القيم في زاد المعاد (2/ 258 - 259). (¬2) في "المحلى" (7/ 141 - 143). (¬3) (3/ 200). (¬4) في "صحيحه" رقم (379/ 1327). (¬5) في "السنن" رقم (2002)، وأخرجه أحمد (1/ 222)، وابن ماجه رقم (3070)، وهو حديث صحيح. (¬6) في شرحه لـ "صحيح مسلم" (9/ 79). (¬7) انظر: "تهذيب المدوّنة" (1/ 530). (¬8) في "المحلى" (7/ 169 - 170). (¬9) قال الحافظ في "الفتح" (3/ 585): "والذي رأيته لابن المنذر في "الأوسط" أنّه واجب للأمر به إلا أنّه لا يجب بتركه شيء.

قلت: أمّا وجوبه فهو الظاهر، وأمّا لزوم الدم فلا دليل عليه (¬1). قال ابن حجر (¬2): وفيه - أي الحديث - دليل على وجوب طواف الوداع للأمر [المذكور] (¬3). [و] (¬4) للتعبير في حق الحائض بالتخفيف (¬5) [كما يأتي]، والتخفيف لا يكون إلاّ عن أمر مؤكد. وقول عمر: "أنه آخر المناسك وردّه لمن خرج، ولم يطف للوداع حتى يطوف له" من أدلة فهم الصحابة الوجوب. 2 - وفي "موطأ مالك" (¬6): أَنَّ عُمَرَ - رضي الله عنه - قال: آخِرُ النسُكِ الطَّوَافُ بِالبَيْتِ، وفِيهِ أَنَّهُ رَدَّ رَجُلاً مِنْ مَرَّ الظَّهْرَانِ لَمْ يَكُنْ وَدَّعَ البَيْتَ حَتَّى وَدَّعَ. [موقوف ضعيف]. 3 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - أَنَّهُ قال: رُخِّصَ لِلْحَائِضِ أَنْ تَنْفِرَ إِذَا حَاضَتْ. أخرجه الشيخان (¬7). [صحيح]. ¬

_ (¬1) انظر: "المغني" (5/ 341)، "فتح الباري" (3/ 585). (¬2) في "فتح الباري" (3/ 586). (¬3) كذا في المخطوط والذي في "الفتح" المؤكد. (¬4) في (أ): أو. (¬5) كذا في المخطوط. والذي في "الفتح" (كما تقدم). - (كما يأتي) من كلام الشارح؛ لأن الحديث سيأتي قريبًا. (¬6) في "الموطأ" (1/ 370 رقم 370 رقم 121)، وهو أثر موقوف ضعيف. (¬7) في "صحيحه" رقم (329، 1760). ولم يخرجه مسلم.

4 - وفي رواية: قال (¬1): أُمِرَ النَّاسُ أَنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِمْ بِالبَيْتِ، إِلاَّ أَنَّهُ خُفِّفَ عَنِ المَرأَةِ الحَائِضِ. [صحيح]. قوله: "في حديث ابن عباس: أنه رخص للحائض في النفير" بالترخيص دليل أنه على غيرها عزيمة, والرواية رخص على ما لم [163 ب] يسمّى فاعله. ووقع في رواية عند النسائي (¬2): "رخص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " [وفرق] (¬3) من هو المرخص، وأنه الشارع كما أنّ قوله في اللفظ الآخر: "أمر" بالبناء على المفعول، والمراد بالأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - كما أنه المراد بالمخفّف في قوله: "وخفّف". قال ابن المنذر (¬4): وقال عامة الفقهاء في "الأمصار": وليس على الحائض التي قد أفاضت طواف وداع، قال: وروينا عن عمر بن الخطاب (¬5) ....................... ¬

_ (¬1) البخاري في "صحيحه" رقم (1755)، ومسلم رقم (380/ 1328). (¬2) في "السنن الكبرى" (4/ 226 رقم 4182). وأخرجه الترمذي رقم (944)، والحاكم (1/ 469 - 470)، وابن خزيمة رقم (3001)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (2/ 235)، والطبراني في "الكبير" رقم (13393)، وابن حبان رقم (3899) من طرق. وهو حديث صحيح. (¬3) كذا في المخطوط، ولعل الصواب: وعرف. والله أعلم. (¬4) ذكره الحافظ في "الفتح" (3/ 585). (¬5) كان عمر أولاً يعتبر طواف الوداع واجبًا، ويقول: ليكن آخر عهدك بالبيت، وليكن آخر عهدكم بالبيت الحجر، ويقول: لا يصدرن أحد من الحاج حتى يطوف بالبيت، فإنَّ آخر النسك الطواف بالبيت، وكان يردّ من خرج من مكة ولم يكن آخر عهده بالبيت - أي لم يطف طواف الوداع - فرد رجلاً من الظهران إلى مكة ليكون آخر عهده بالبيت، وكان يأمر المرأة إذا حاضت أن تنتظر حتى تطهر من حيضتها فتطوف طواف الوداع، ولم يكن يرخص لها بالذهاب قبل ذلك ... =

وابن عمر (¬1) وزيد بن ثابت (¬2) أنّهم أمروها بالمقام إذا كانت حائضًا لطواف الوداع، فكأنهم أوجبوه عليها كما يجب طواف الإفاضة، وأقرب ما يحمل عليه هو أنهم ما عرفوا الحديث الذي فيه الترخيص والتخفيف، وقد ثبت رجوع (¬3) زيد بن ثابت وابن عمر عن قولهما فلم يبقَ إلاّ عمر فخالفناه لثبوت حديث عائشة. ¬

_ = ثم بلغ عمر بعد ذلك حديث غير ما صنع فترك صنيعه الأول "المحلى" (7/ 170)، ولعل الحديث الذي بلغه ما رواه البخاري رقم (1771)، ومسلم رقم (382/ 1211) رقم الباب (67) عن عائشة قالت: حاضت صفية بعد ما أفاضت - أي طافت طواف الإفاضة - قالت عائشة: فذكرت حيضتها لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال رسول الله: "أحابستنا هي؟ " قلت: يا رسول الله! إنها قد أفاضت وطافت بالبيت، ثم حاضت بعد الإفاضة، فقال رسول الله: "فلتنفر" .... فإن خلاصة قول عمر هو: أن طواف الوداع واجب لا يجوز لأحد تركه إلا المرأة الحائض التي كان حيضها بعد أداء الإفاضة, فإن طواف الإفاضة يقوم مقامه, أما إن كان حيضها قبل أدائها طواف الإفاضة فإنها لا تسافر حتى تطوف بالبيت. انظر: موسوعة فقه عمر بن الخطاب (ص 332 - 333)، والبيان للعمراني (4/ 368 - 369). (¬1) أمّا ابن عمر فقد رويَ عنه أنّه رجع. وأخرج خبر رجوع ابن عمر عن فتواه, البخاري رقم (1761)، والبيهقي (5/ 163) بلفظ "إنَّها لا تنفر" ثم سمعته يقول بعد: إنّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - رخَّص لهنَّ. (¬2) أما زيد بن ثابت فقد رُويَ عنه أنه رجع أيضاً. وأخرج خبر زيد بن ثابت في فتواه البخاري رقم (1759) وقصة رجوعه: مسلم رقم (381/ 1328)، والبيهقي (5/ 163) في الحج ولفظه: "كنت مع ابن عباس إذ قال زيد بن ثابت: تفتي أن تصدر الحائض قبل أن يكون آخر عهدها بالبيت، فقال له ابن عباس: أمّا لا .... فسل فلانة الأنصارية, هل أمرها بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: فرجع زيد بن ثابت إلى ابن عباس يضحك, وهو يقول: ما أراك إلاّ قد صدقت" اهـ. (¬3) تقدم ذكره.

في طواف الرجال مع النساء

5 - وعن عائشة - رضي الله عنها -: أَنّ صَفِيةَ بِنْتَ حُيَيٍّ زَوْجَ النّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - حاضَتْ فَذُكِرَ ذلِكَ لِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -. فقَالَ: "أحَابِسَتْنا هِيَ؟ " فقَالُوا: إِنَّها قَدْ أفَاضَتْ. قَالَ: "فَلَا إذًا". أخرجه الستة (¬1)، وهذا لفظ الشيخين. [صحيح]. قوله: "أحابستنا هي؟ " أي: أمانعتنا عن التوجه من مكة في الوقت الذي أردنا التوجه فيه ظنًا منه - صلى الله عليه وسلم - بأنها ما طافت طواف الإفاضة وإنما قال ذلك لأنه كان لا يتركها ويتوجه، ولا يأمرها بالتوجه معه، وهي باقية على إحرامها، فيحتاج إلى أن يقيم حتى تطهر وتطوف وتحل الحل الثاني. قوله: "فلا إذًا" أي: لا حبس علينا حينئذٍ، أي: إذا فاضت فلا مانع لنا من التوجه؛ لأن الذي يجب عليها قد فعلته. 6 - وعن عَمْرةَ: أنّ عَائِشةَ - رضي الله عنها - كانتْ إِذَا حَجّتْ وَمَعَهَا نِسَاءٌ تَخَافُ أَنْ يَحِضْنَ قَدَّمَتْهُنَّ يَوْمَ النَّحْرِ فَأَفَضْنَ فَإِنْ حِضْنَ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ تَنْتَظِرْهُنَّ تَنْفِرُ بِهِنَّ وَهُنَّ حُيَّضٌ. أخرجه مالك (¬2). [موقوف صحيح]. في طواف الرجال مع النساء قوله: "في طواف الرجال مع النساء". 1 - عن ابن جُريج قال: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ إِذْ مَنَعَ ابْنُ هِشَامٍ النِّسَاءَ الطَّوَافَ مَعَ الرِّجَالِ، قَالَ: كَيْفَ يَمْنَعُهُنَّ، وَقَدْ طَافَ نِسَاءُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مَعَ الرِّجَالِ؟ قَالَ: قُلْتُ: أَبَعْدَ الحِجَابِ وَقَبْلَهُ؟ قَالَ: لَقَدْ أَدْرَكْتُهُ بَعْدَ الحِجَابِ. قَالَ: قُلْتُ: كَيْفَ يُخَالِطْنَ الرِّجَالَ. قَالَ: لَمْ يَكُنَّ يُخَالِطْنَ ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (1757)، ومسلم رقم (1211)، وأبو داود رقم (2003)، والترمذي رقم (943)، وابن ماجه رقم (3072)، والنسائي رقم (391)، ومالك في "الموطأ" (1/ 412، 413). وهو حديث صحيح. (¬2) في "الموطأ" (1/ 413). وهو أثر موقوف صحيح.

الرِّجَالَ. كَانَتْ عَائِشَةُ - رضي الله عنها - تَطُوفُ حَجْرَةً مِنَ الرِّجَالِ لاَ تُخَالِطُهُمْ، فَقَالَتِ امْرَأَةٌ: انْطَلِقِي نَسْتَلِمْ يَا أُمَّ المُؤْمِنِينَ. قَالَتْ: انْطَلِقِي عَنْكِ وَأَبَتْ. وَكُنَّ يخرُجْنَ مُتَنَكَّرَاتٍ بِاللَّيْلِ. أخرجه البخاري (¬1). [صحيح]. "حَجْرَةً" (¬2) بفتح الحاء والراء المهملتين وسكون الجيم بينهما: أي: ناحية منفردة. قوله: "في حديث ابن جريج [ومنع [ابن] (¬3) هشام، وهو ابن إبراهيم] (¬4) أو أخوه محمَّد ابن هشام بن إسماعيل بن هشام بن الوليد [164 ب] بن المغيرة المخزومي كان محمَّد أمير مكة، وإبراهيم أمير المدينة، وأقام للناس الحج مرة في خلافة بن أخته هشام [بن] (¬5) عبد الملك، وكان خالي هشام بن عبد الملك. قوله: "لقد أدركته بعد الحجاب" ذكر عطاء هذا لرفع [وهم] (¬6) من يتوهم أنه حمل ذلك من غيره، ودل على أنه رأى ذلك [متفق] (¬7) والمراد بالحجاب: نزول آية الحجاب، وهي قوله: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} (¬8). وكان ذلك في تزويج النبي - صلى الله عليه وسلم - بزينب بنت جحش، ولم يدرك ذلك (¬9) عطاء قطعًا. ¬

_ (¬1) في "صحيحه" (3/ 479 رقم الباب 64 الحديث رقم 1618). (¬2) "النهاية" في غريب الحديث (1/ 336)، غريب الحديث للهروي (4/ 147) (4/ 148). (¬3) سقط من (أ). (¬4) كذا في المخطوط والذي في "فتح الباري" (3/ 480): "إذ منع ابن هشام هو إبراهيم". (¬5) زيادة من (ب). (¬6) كذا في المخطوط والذي في "الفتح": توهم. (¬7) كذا في المخطوط والذي في "الفتح": منهنَّ. (¬8) سورة الأحزاب الآية (53). (¬9) ذكره الحافظ في "الفتح" (3/ 481).

في الطواف من وراء الحجر

قوله: "حجرة" قال المصنف: بالحاء والراء المهملتين، وفي رواية للبخاري (¬1) بالزاي يقول: وأنكر ابن قرقول حجرة بضم أوله وبالراء. قال ابن حجر (¬2): وليس بمنكر فقد حكاه ابن سيده (¬3)، قال ابن حجر: وهي رواية عبد الرزاق فإنّه فسّره في آخره فقال: يعني: محجوزًا بينها وبين الرجال (¬4). في الطواف من وراء الحجر قوله: "في الطواف من وراء الحجر" بكسر الحاء المهملة وسكون الجيم. 1 - عن أبي السَّفَرِ سعيد بن يُحمد قال: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - يَقُولُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ! اسْمَعُوا مِنِّي مَا أَقُولُ لَكُمْ، وَأَسْمِعُونِي مَا تَقُولُونَ، وَلاَ تَذْهَبُوا فتَقُولُوا [قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ] (¬5)، مَنْ طَافَ بِالبَيْتِ فَلْيَطُفْ مِنْ وَرَاءِ الحِجْرِ، وَلاَ تَقُولُوا الحَطِيمَ. أخرجه البخاري (¬6). [صحيح]. قوله: "وعن أبي السفر" بفتح السين المهملة وفتح الفاء اسمه سعيد بن محمد (¬7) بضم الياء التحتية وسكون الحاء المهملة وكسر الميم. ¬

_ (¬1) بل في رواية الكشميهني. كما في "فتح الباري" (3/ 481). (¬2) في "فتح الباري" (3/ 481). (¬3) في "المحكم والمحيط الأعظم" (3/ 60، 65 - 66). (¬4) والعبارة بتمامها: يعني محجوزًا بينها وبين الرجال بثوب. (¬5) في (ب) مكررة. (¬6) في "صحيحه" رقم (3848). (¬7) قال ابن حجر في "التقريب" (1/ 307 - 308 رقم 277) سعيد بن يُحمد بضم الياء التحتانية وكسر الميم، وحكى الترمذي أنه قيل فيه: أحمد أبو السّفَر بفتح المهملة والفاء الهمداني الثوري الكوفي ثقة.

السعي بين الصفا والمروة

قاله ابن الأثير (¬1) [وقيل: إنه بفتح الميم] (¬2) وهو تابعي ثقة. قوله: "ولا تقولوا الحطيم" (¬3) تمامه: "فإنّ الرجل في الجاهلية كان يحلف فيلقي سوطه أو نعله أو [قوسه] (¬4) انتهى. يريد أنّ العرب كانت تطرح فيه ما طافت [165 ب] به من الثياب فتبقى حتى تتحطم (¬5) لطول الزمان، فيكون فعيلاً بمعنى فاعل، وكأنه يريد أنه اسم جاهلي فلا يطلق عليه ذلك. السعي بين الصفا والمروة قوله: "في السعي بين الصفا والمروة" (¬6). 1 - عن جابر - رضي الله عنه - قال: لَمْ يَطُفِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَلاَ أَصْحَابُهُ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوةِ إِلاَّ طَوَافًا وَاحِدًا طَوَافَهُ الأَوَّلَ. أخرجه أبو داود (¬7) والنسائي (¬8). [صحيح]. ¬

_ (¬1) في تتمة جامع الأصول (1/ 465 - 466. قسم التراجم). (¬2) زيادة من (ب). (¬3) وهو في "فتح الباري" (3/ 156 الحديث رقم 3848). (¬4) في المخطوط ثوبه وما أثبتناه من صحيح البخاري. (¬5) قال ابن الأثير في "النهاية" في غريب الحديث (1/ 394)، ومنه سُمي حطيم مكة، وهو ما بين الركن والباب، وقيل: هو الحِجر المخرج منها، سُمي به؛ لأن البيت رُفع وتُرِك، هو محطومًا، وقيل: لأنّ العرب كانت تطرح فيه، ما طافت به من الثياب فتبقى حتى تنحطم يطول الزمان، فيكون فعيلاً بمعنى فاعل. (¬6) هكذا بدون تعليق أو شرح. (¬7) في "السنن" رقم (1895). (¬8) في "السنن" رقم (2986). وأخرجه مسلم رقم (1215، 1219)، وابن ماجه رقم (2972)، والترمذي رقم (947). وهو حديث صحيح.

قوله: "في حديث جابر لم يطف النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه" لا بد من تقييدهم بمن ساق الهدي للعلم بأنّ الذين فسخوا طافوا طوافين للعمرة ثم بعد نزولهم من عرفات طافوا بينهما للحج. 2 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: رَأَى النَّبِيُّ رَجُلاً يَطُوفُ بِالكَعْبَةِ بِزِمَامٍ أَوْ غَيْرِهِ فَقَطَعَهُ. أخرجه البخاري (¬1) وأبو داود (¬2) والنسائي (¬3). [صحيح]. وفي رواية (¬4): يَقُودُ إِنْسَانًا بِخِزَامَةٍ في أَنْفِهِ فَقَطعَها ثُمَّ أَمَرَهُ أَنْ يَقُودَ بِيَدِه. [صحيح]. "الخِزَامَةُ" (¬5) ما يُجْعَلُ في أنف البعير من شعر كالحلقة ليُقَادَ به. قوله: "في حديث ابن عباس فقطعه" قال النووي (¬6): قطعه - صلى الله عليه وسلم - السير محمول على أنه لم يكن إزالة هذا المنكر إلاّ بقطعه. قال ابن بطال (¬7): في هذا دليل على أنه يفعل الطائف فعل ما خف من الأفعال، وتغيير ما يراه من المنكر [187/ أ]. ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (1620)، وأطرافه رقم (1621، 6702، 6703). (¬2) في "السنن" رقم (3302). (¬3) في "السنن" رقم (1920). وهو حديث صحيح. (¬4) أخرجها البخاري في "صحيحه" رقم (6703)، وأبو داود رقم (3302). (¬5) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (3/ 215). وانظر: "النهاية في غريب الحديث" (1/ 488). (¬6) ذكره الحافظ في "الفتح" (3/ 482). (¬7) في شرحه لصحيح البخاري (4/ 301 - 302).

قال ابن بطال (¬1): وإنما قطعه لأنّ القود بالأزمَّة إنما يفعل بالبهائم وهو مُثْلَة. 3 - وعن ابن أبي مُليكة: أَنَّ عُمَرَ - رضي الله عنه - مَرَّ بِامْرَأَةٍ مَجذُومَةٍ تَطُوفُ بِالبَيْتِ فَقَالَ: يَا أَمَةَ الله تَعَالي لاَ تُؤْذِي النَّاسَ، لَوْ جَلَسْتِ في بَيْتِكِ كانَ خَيْرًا لَكِ، فَجَلَسَتْ في بَيْتِهَا، فَمَرَّ بهَا رَجُلٌ بَعْدَ مَا مَاتَ عُمَرُ - رضي الله عنه -. فَقَالَ لَهَا: إِنَّ الَّذِي نَهَاكِ قَدْ مَاتَ فَاخْرُجِي. فَقَالَتْ: وَالله مَا كُنْتُ لأُطِيعَهُ حَيًّا وَأَعْصِيَهُ مَيَّتًا. أخرجه مالك (¬2). [موقوف ضعيف]. 4 - وعن عبد الله بن السائب: أَنَّهُ كَانَ يَقُودُ ابْنَ عَبَّاسٍ: فَيُقِيمُهُ عِنْدَ الشُّقَّةِ الثَّالِثَةِ مِمَّا يَلي البَابَ. فَيَقُولُ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: أُنْبِئْتَ أَنَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كانَ يُصَلِّي هَا هُنَا؟ فَيَقُولُ: "نَعَمْ". فَيَتَقَدَّمُ فَيُصَلِّي. أخرجه أبو داود (¬3) والنسائي (¬4). [ضعيف]. 5 - وعن مالك (¬5): أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ كَانَ إِذَا دَخَلَ مَكَّةَ مُرَاهِقًا خَرَجَ إِلَى عَرَفَةَ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ, ثُمَّ يَطُوفُ بَعْدَ أَنْ يَرْجِعَ. [موقوف ضعيف]. والمراد بقوله: "مُرَاهِقًا" (¬6) أي: قد ضاق عليه الوقتُ حتى خاف فوْتَ الوقوف بعرفة. ¬

_ (¬1) في شرحه لصحيح البخاري (4/ 302). (¬2) في "الموطأ" (1/ 424 رقم 250)، وهو أثر موقوف ضعيف. (¬3) في "السنن" رقم (1900). (¬4) في "السنن" رقم (2918). وهو حديث ضعيف. (¬5) في "الموطأ" (1/ 371 رقم 125)، وهو أثر موقوف ضعيف. (¬6) انظر: "النهاية" (2/ 903).

قوله: "في حديث مالك: مراهقًا" يقال: أرهقت الصلاة: إذا أخّرتها إلى وقت الأخرى، والمراد من الحديث: إذا ضاق عليه الوقت حتى يخاف فوات الوقوف بعرفة، قاله ابن الأثير (¬1)، وقد ألم به المصنف. 6 - وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّمَا جُعِلَ الطَّوَافُ بِالبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ وَرَمْيِ الجِمَارِ لإِقَامَةِ ذِكْرِ الله تَعَالَى". أخرجه أبو داود (¬2) والترمذي (¬3). [ضعيف]. قوله: "لإقامة ذكر الله" المراد: أنّ هذه الطاعات [166 ب] الفعلية أنها شُرِعت لأجل ذكر الله فتقرن به، والمراد الذكر اللساني؛ لأن هذه الأفعال هي ذكر؛ لأنّ كل طاعة ذكر لله وباقي الأذكار التي شرعت في هذه الأفعال، وقيل: معناه أن نذكر الله في تلك المواطن، ونذكر نعمته على آدم بالتوبة بسبب إتيانه البيت ودعاءه عنده، ونعمته على إسماعيل وأمه عند سعيها بانفجار ماء زمزم بعقب جبريل، ونعمته على إبراهيم حيث أرشده للمناسك ورمي الشيطان بالجمار. ¬

_ (¬1) في "غريب الجامع" (3/ 217). (¬2) في "السنن" (1888). (¬3) في "السنن" رقم (902)، وقال: هذا حديث حسن صحيح. قلت: وأخرجه أحمد (6/ 64)، والدارمي (1895) والفاكهي رقم (1422)، وابن عدي في "الكامل" (4/ 1635)، وابن الجارود في "المنتقى" رقم (457)، وابن خزيمة رقم (2738، 2882، 2970)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (5/ 145) من طرق عن عبيد الله بن أبي زياد - وهو القداح - ذكره البخاري في "الضعفاء الصغير" رقم (214)، و"التاريخ الكبير" (5/ 382)، وهو حديث ضعيف، والله أعلم.

الدعاء في الطواف والسعي

الدعاء في الطواف والسعي قوله: "الدعاء في الطواف والسعي". 1 - عن عبد الله بن السائب قال: سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ في الطَّوَافِ مَا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201)}. أخرجه أبو داود (¬1). [حسن]. قوله: "في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة" أخرج عبد الرزاق (¬2) عن قتادة في قوله: "ربنا آتنا في الدنيّا حسنة" قال: عافية، و"في الآخرة حسنة" قال: عافية. وأخرج ابن أبي شيبة (¬3) والبيهقي (¬4) وغيرهما (¬5) عن الحسن في الآية قال: الحسنة في الدنيا العلم والعبادة، وفي الآخرة الجنة. وابن جرير (¬6) عن السدي قال: حسنة الدنيا المال، وحسنة الآخرة الجنة. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (1892). قلت: وأخرجه أحمد (3/ 411)، والشافعي في "مسنده" رقم (898 - ترتيب"، وابن خزيمة رقم (2721)، والحاكم (1/ 455)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (5/ 84)، وفي "الشعب" رقم (4045)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (1915) من طرق. وهو حديث حسن. والله أعلم. (¬2) في "تفسيره" (1/ 80). (¬3) في "مصنفه" (13/ 529). (¬4) في "شعب الإيمان" رقم (1887). (¬5) كالترمذي في "السنن" رقم (3488). (¬6) في "جامع البيان" (3/ 546 - 547).

وابن أبي حاتم (¬1) [167 ب] عن الحسن في الآية حسنة الدنيا الرزق الطيب والعلم النافع. قوله: "أخرجه أبو داود". قلت: وأخرجه مسلم. 2 - وعن نافع: أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ - رضي الله عنهما - يقولُ عَلَى الصَّفَا: اللهمَّ إِنَّكَ قُلْتَ: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ، وَإِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ المِيعَادَ, وَإِنِّي أَسْأَلُكَ كَمَا هَدَيْتَنِي إِلَى لِلإسْلَامِ أَلاَّ تَنْزِعَهُ مِنِّي حَتَّى تَتَوَفَّانِي وَأَنَا مُسْلِمٌ. أخرجه مالك (¬2). [موقوف صحيح]. وزاد رزين: وَكَانَ يُكَبِّرُ ثَلاَثَ تَكْبِيرَاتٍ وَيَقُولُ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، يَصْنَعُ ذَلِكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ، وَيَصْنَعُ في المَرْوَةِ كَذلِكَ في كلِّ شَوْطٍ. وَقوله: "في حديث ابن عمر" وذكر دعاه، والذكر الذي كان يقوله وفيه وفيما بعده دليل على أنه يدعو بما شاء ويذكر ما شاء، وأنّ المحل محل ذكر. 3 - وفي رواية لرزين: وَذَلِكَ إِحْدَى وَعِشْرُونَ مِنَ التَّكبِيرِ وَسَبْعٍ مِنَ التَّهْلِيلِ وَيَدْعُو فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ يَسْأَلُ الله تَعَالَى وَيَهْبِطُ حَتَّى إِذَا كَانَ بِبَطْنِ المَسِيلِ سَعَى حَتَّى يَظْهَرَ مِنْهُ ثُمَّ يَمْشِي حَتَّى يَأْتِيَ عَلَى المَرْوَةِ فيَرْقَى عَلَيْهَا فَيَصْنَعُ مِثْلَ مَا صَنَعَ عَلَى الصَّفَا يَصْنَعُ ذَلِكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ سَعْيِهِ. ¬

_ (¬1) في "تفسيره" (2/ 358، 359). (¬2) في "الموطأ" (1/ 372 - 373 رقم 128)، وهو أثر موقوف صحيح.

[الفصل الثالث: في دخول البيت]

4 - وعن جابر - رضي الله عنه - قال: كان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إذا وقفَ عَلَى الصفا يكبرُ ثلاثًا ويقولُ: "لا إله إلا الله وحدهُ لا شريكَ لهُ، لهُ الملكُ ولهُ الحمدُ وهو عَلَى كل شيءٍ قديرٌ، يصنعُ ذلك ثلاث مرَّاتٍ ويدعُو ويصنع عَلَى المروة مثل ذلك" (¬1). [صحيح]. 5 - وعن ابن شهاب قال: كان ابنُ عمر - رضي الله عنهما - لا يُلَبِّي وهو يطوف بالبيت (¬2). أخرجهما مالك. [موقوف ضعيف]. وهذا آخر الجزء السابع من تجزئة ثلاثين. [الفصل الثالث: في دخول البيت] (¬3) 1 - عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: خَرَجَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - مِنْ عِنْدِي وَهُوَ مَسْرُورٌ ثُمَّ رَجَعَ وَهُوَ كَئِيبٌ. فَقَالَ: "إِنِّي دَخَلْتُ الكَعْبَةَ وَلَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِيء مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا دَخَلْتُهَا إِنِّي أَخَافُ أَنْ أَكُونَ قَدْ شَقَقْتُ عَلَى أُمَّتِي". أخرجه أبو داود (¬4) والترمذي (¬5). [حسن لغيره]. ¬

_ (¬1) أخرجه مالك في "الموطأ" (1/ 372 رقم 127)، وأخرجه مسلم رقم (1218)، والنسائي (5/ 240)، وابن ماجه رقم (3074). (¬2) أخرجه مالك في "الموطأ" (1/ 338 رقم 47)، وهو أثر موقوف ضعيف. (¬3) ما بين الحاصرتين زيادة من (ب). (¬4) في "السنن" رقم (2029). (¬5) في "السنن" رقم (873). وأخرجه أحمد (6/ 137)، وابن ماجه رقم (3064)، وإسحاق بن راهويه رقم (1241)، وابن خزيمة رقم (3014)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار رقم (5790)، والحاكم في "المستدرك" (1/ 479)، وفي "معرفة علوم الحديث" (ص 98)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (5/ 159) من طرق عن إسماعيل بن عبد الملك عن ابن أبي مليكة، عن عائشة, به. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه, ووافقه الذهبي، وقال أيضاً في "معرفة علوم الحديث": هذا حديث تفرَّد به أهل مكة, وليس في رواته إلا مكي. =

2 - وعنده (¬1): "وَدِدْتُ أَنَّي لَمْ أَكُنْ فَعَلْتُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ أَكُونَ قَدْ أَتْعَبْتُ أُمَّتِي مِنْ بَعْدِي". قوله: "عن عائشة: إني دخلت البيت" إلى قوله: "أتعبت أمتي من بعدي" وذلك أنهم يقتدون به - صلى الله عليه وسلم - فيدخلون الكعبة فيشق عليهم الزحام ويغلب الأقوياء على الضعفاء كما هو الواقع، وذكر الحافظ ابن حجر (¬2) باستحباب دخول الكعبة لما روى البيهقي (¬3) من حديث ابن عباس مرفوعًا: من دخل البيت دخل في جنة وخرج مغفورًا له" قال البيهقي (¬4): تفرّد به عبد الله بن المؤمل وهو ضعيف، قال ابن حجر (¬5): ومحل استحبابه ما لم يؤذ أحدًا بدخوله. واعلم أنه ليس دخول الكعبة من مناسك الحج كما صرّح به ابن عباس من قوله في رواية ابن أبي شيبة (¬6). ¬

_ = قلت: وفيه إسماعيل بن عبد الملك بن أبي الصُّفيراء، بالمهملة والفاء مصغر؛ صدوق كثير الوهم. "التقريب" رقم (465). - فهو ضعيف في المتابعات والشواهد. والحديث حسن لغيره. والله أعلم. (¬1) أخرجه الترمذي في "السنن" رقم (873). (¬2) في "فتح الباري" (3/ 466). (¬3) في "السنن الكبرى" (5/ 158)، وقال: "تفرد به عبد الله بن المؤمل وليس بالقوي". وأخرجه ابن خزيمة رقم (3013). - في إسناده عبد الله بن المؤمل وهو ضعيف. انظر: "الجرح والتعديل" (5/ 175)، "الكامل" (4/ 1454)، "الميزان" (2/ 510). (¬4) في "السنن الكبرى" (5/ 158). (¬5) في "فتح الباري" (3/ 466). (¬6) ذكره الحافظ في "الفتح" (3/ 466).

وحكى القرطبي (¬1) أنّ دخوله من مناسك الحج، وردّ بأنه - صلى الله عليه وسلم - إنما دخله عام الفتح ولم يكن يومئذٍ محرمًا ولم يدخله في حجته كما صرّح به جماعة من أهل العلم، كان هذا [168 ب] الدخول في عام الفتح كما وقع مبيناً في رواية يونس بن يزيد عن نافع عند البخاري (¬2) في [باب] (¬3) الجهاد وفيها: "أقبل النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الفتح من أعلى مكة على راحلته" سيأتي أنه دخل البيت ومعه بلال وعثمان بن طلحة فقال لعثمان: ائتنا بالمفتاح فجاءه بالمفتاح ففتح له الباب فدخل. 3 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: دَخَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - البَيْتَ هُوَ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، وَبِلاَلٌ، وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ - رضي الله عنهم - فَأَغْلَقُوا عَلَيْهِمْ. فَلمَّا فَتَحُوا، كُنْتُ أَوَّلَ مَنْ وَلَجَ، فَلَقِيتُ بِلاَلاً فَسَأَلْتُهُ هَلْ صَلَّى فِيهِ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فَقَالَ: نَعَمْ، بَيْنَ العَمُودَيْنِ اليَمَانِيَيْنِ. وَذَهَبَ عَنِّي أنْ أسْأَلَهُ كَمْ صَلّى. أخرجه الستة (¬4). [صحيح]. 4 - وفي رواية (¬5): فَسَأَلْتُ بِلاَلاً حِينَ خَرَجَ: مَا صَنَعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -. قَالَ: جَعَلَ عَمُودَيْنِ عَنْ يَمِيْنِهِ وَعَمُودًا عَنْ يَسَارِهِ، وَثَلاَثَةَ أَعْمِدَةٍ وَرَاءَهُ, وَكَانَ البَيْتُ يَوْمَئِذٍ عَلَى سِتَّةِ أَعْمِدَةٍ ثُمَّ صَلَّى. ¬

_ (¬1) في "المفهم" (3/ 429). (¬2) في "صحيحه" رقم (4400). (¬3) زيادة من (أ). (¬4) أخرجه البخاري رقم (397)، ومسلم رقم (389/ 1329)، وأبو داود رقم (2023)، وابن ماجه رقم (3063)، والنسائي رقم (692)، ومالك في "الموطأ" (1/ 398). (¬5) البخاري في "صحيحه" رقم (505)، ومسلم رقم (1329)، وأبو داود رقم (2023).

5 - وفي رواية (¬1): صَلَّى رَكْعَتَيْنِ بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ اللَّتَيْنِ عَنْ يَسَارِكَ إِذَا دَخَلْتَ، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى فِي وَجْهِ الكَعْبَةِ رَكْعَتَيْنِ. [صحيح]. 6 - وفي أخرى لمسلم (¬2): أَقْبَلَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَامَ الفَتْحِ عَلَى نَاقتِهِ القَصوَاءِ وَهْوَ مُرْدِفٌ أُسَامَةَ. [صحيح]. 7 - وفي أخرى (¬3): عَلَى نَاقَةٍ لأُسَامَةَ حَتَّى أَنَاخَ بِفِنَاءِ الكَعْبَةِ ثُمَّ دَعَا عُثْمَانَ بْنَ طَلْحَةَ فَقَالَ: "ائْتِنِي بِالمِفْتَاحِ". فَذَهَبَ إِلَى أُمِّهِ فَأَبَتْ أَنْ تُعْطِيَهُ. فَقَالَ: وَالله لَتُعْطِيَنَّهُ أَوْ لَيَخْرُجَنَّ هَذَا السَّيْفُ مِنْ صُلْبِي فَأَعْطَتْهُ إِيَّاهُ. فَجَاءَ بِهِ إِلَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَفَتَحَ وَذَكَرَ نَحْوهُ. [صحيح]. قوله: "في رواية نافع وعثمان بن طلحة" (¬4) هو عثمان بن طلحة بن أبي طلحة بن عبد العزى ابن عبد الدار بن قصي بن كلاب الحجبي، بفتح المهملة والجيم، يقال له: ولآل أبيه الحجبة لحجبهم الكعبة, ويعرفون الآن بالشيبيين نسبة إلى شيبة بن عثمان بن أبي طلحة وهو ابن عم عثمان هذا لا ولده, وله أيضاً صحبة. قوله: "فسألت بلالاً" السائل هو ابن عمر. وَقوله: "العمودين اليمانيين" هذا إخبارٌ عمّا كانت الكعبة تلك المدة, وقد غيّرت بهدم ابن الزبير عمّا كانت عليه. ¬

_ (¬1) البخاري في "صحيحه" رقم (397)، ومسلم رقم (396/ 1331). (¬2) في "صحيحه" رقم (1329). (¬3) أخرجه مسلم في "صحيحه" رقم (390/ 1331). (¬4) ذكره الحافظ في "الفتح" (3/ 464).

قوله: "أن أسأله كم صلى" قد وقع بيان الكمية في رواية مجاهد عن ابن عمر [169 ب] أنه صلّى - صلى الله عليه وسلم - ركعتين، وجمع ابن حجر (¬1) بين هذه الرواية وتلك بأنه نسي أن يسأله، وأخبر بذلك ثم سأله مرة أخرى فأخبره أنه صلى ركعتين، فأخبر به ابن عمر أو نحو هذا. 8 - وفي أخرى لمسلم (¬2) أيضاً عن ابن عباس قال: إِنَّمَا أُمِرْتُمْ بِالطَّوَافِ وَلَمْ تُؤْمَرُوا بِدُخُولِهِ. وَقَالَ: أَخْبَرَنِي أُسَامَةُ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - لمَّا دَخَلَ البَيْتَ دَعَا فِي نَوَاحِيهِ كُلِّهَا وَلَمْ يُصَلِّ فِيهِ حَتَّى خَرَجَ، فَلمَّا خَرَجَ رَكَعَ فِي قِبَلِ البَيْتِ رَكْعَتَيْنِ. فَقَالَ "هَذِهِ القِبْلَةُ". [صحيح]. 9 - وفي أخرى للبخاري (¬3): دَخَلَ الكَعْبَةَ وَفِيْهَا سِتّةُ سَوَارِي فَقَامَ عِنْدَ كُلِّ سَارِيَةٍ فَدَعَا وَلَمْ يُصَلِّ. [صحيح]. 10 - وعند النسائي (¬4): دَخَلَ الكَعْبَةَ وَسَبَّحَ فِي نَوَاحِيْهَا وَلَمْ يُصَلِّ حَتَّى خَرَجَ وَصَلّى خَلْفَ المَقَامِ رَكْعَتَيْنِ. [إسناده صحيح]. 11 - وفي أخرى له (¬5): دَخَلَ فَمَضَى حَتَّى إِذَا كَانَ بَيْنَ الأُسْطُوَانَتَيْنِ اللَّتَيْنِ تَلِيَانِ البَابَ جَلَسَ فَحَمِدَ الله وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَسَأَلَهُ وَاسْتَغْفَرَهُ ثُمَّ قَامَ حَتَّى أَتَى مَا اسْتَقْبَلَ مِنْ دُبُرِ الكَعْبَةِ فَوَضَعَ وَجْهَهُ وَخَدَّهُ عَلَيْهِ وَحَمِدَ الله وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَسَأَلَهُ وَاسْتَغْفَرَهُ ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى كُلِّ رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِ الكَعْبَةِ فَاسْتَقْبَلَهُ بِالتَّكْبِير وَالتَّهْلِيلِ وَالتَّسْبِيحِ وَالثَّنَاءِ عَلَى الله تعالى وَالمَسْأَلَةِ وَالِاسْتَغْفَارِ ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ مُسْتَقْبِلَ وَجْهِ الكَعْبَةِ، ثُمَّ انْصَرَفَ فَقَالَ "هَذِهِ القِبْلَةُ". [إسناده صحيح]. ¬

_ (¬1) "فتح الباري" (3/ 465). (¬2) في "صحيحه" رقم (395/ 1330). (¬3) في "صحيحه" رقم (398). (¬4) في "السنن" رقم (2915) بإسناد صحيح. (¬5) في "السنن" رقم (2914) بإسناد صحيح.

"القَصْوَاءُ" (¬1) التي قُطِعَ طَرف أذنها، ولم تكن ناقة النبي - صلى الله عليه وسلم - كذلك وإنما كان لَقبًا لها. قوله: "ولم يصل فيه حتى خرج" هذه تعارض ما تقدم، واختلف في الجمع بينهما فرجح بعضهم رواية بلال؛ لأنَّه مثبت وغيره ناف، ومن جهته أنه لم يختلف عليه في الإثبات واختلف على من نفى (¬2). وقال النووي (¬3): يجمع بين إثبات بلال ونفي أسامة بأنّهم لمّا دخلوا الكعبة اشتغلوا بالدعاء فرأى أسامة النبي - صلى الله عليه وسلم - يدعو فاشتغل أسامة بالدعاء في ناحية، والنبي - صلى الله عليه وسلم - في ناحية، ثم صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في ناحية فرآه بلال؛ لقربه منه ولم يره أسامة لبعده واشتغاله. قال النووي في "شرح مسلم" (¬4): أجمع أهل العلم على الأخذ برؤية بلال؛ لأنه مثبت ومعه زيادة علم فوجب ترجيحه. وقال المهلب (¬5): يحتمل أن يكون دخل البيت مرتين صلى في أحدهما ولم يصلِ [170 ب] في الأخرى، ورُدَّ بأنه - صلى الله عليه وسلم - دخلها مرة واحدة في الفتح ولم يدخلها في غيرها بالاتفاق. 12 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: لمَّا قَدِمَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أَبَى أَنْ يَدْخُلَ البَيْتَ وَفِيهِ الآلِهَةُ فَأَمَرَ بِهَا فَأُخْرِجَتْ فَأَخْرَجُوا صُورَةَ إِبْرَاهِيمَ وَإسْمَاعِيلَ - عليهما السلام - فِي أَيْدِيهِمَا الأَزْلاَمُ. فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "قَاتَلَهُمُ الله، أَمَا وَالله لَقَدْ عَلِمُوا أَنَّهُما لَمْ يَسْتَقْسِمَا بِهَا قَطُّ". فَدَخَلَ البَيْتَ، فَكَبَّرَ فِي نَوَاحِيهِ، وَلَمْ يُصَلِّ فِيهِ. أخرجه البخاري (¬6). ¬

_ (¬1) تقدم شرحها. (¬2) ذكره الحافظ في "فتح الباري" (3/ 465). (¬3) في شرحه لصحيح مسلم (9/ 82). (¬4) في شرحه لصحيح مسلم (9/ 82). (¬5) ذكره الحافظ في "الفتح" (3/ 469). (¬6) في "صحيحه" رقم (1601).

"الأَزْلامُ" القِدَاحُ التي كانوا يَسْتَقْسِمُونَ بِهَا. قوله: "في حديث ابن عباس: وفيه الآلهة" أي: الأصنام، أطلق عليها الآلهة باعتبار ما كانوا يزعمون. قال الحافظ (¬1): وفي جواز إطلاق ذلك وقفة، والذي يظهر كراهته، وكانت تماثيل على صور شتى [188/ أ] فامتنع - صلى الله عليه وسلم - من دخول البيت وهي فيه؛ لأنّه لا يقر على باطل، ولا يحب فراق الملائكة، والملائكة لا تدخل بيتًا فيه صورة (¬2). قوله: "أما والله" في البخاري (¬3): "أُم والله" بغير ألف، "لقد علموا" قيل: وجه ذلك أنهم كانوا يعلمون [أنّهم أول] (¬4) من أحدث الاستقسام بها افتراءً عليهما لتقدمهما على عمرو. قوله: "فكبّر في نواحيه" بوّب البخاري (¬5) لهذا فقال: باب من كبّر في نواحي الكعبة، وذكر حديث (¬6) ابن عباس هذا، قال الحافظ (¬7): أورد فيه حديث ابن عباس: "أنه - صلى الله عليه وسلم - كبّر في نواحي البيت ولم يصلِّ فيه". قال (¬8): وصحّحه المصنف واحتج به مع كونه يرى تقديم حديث بلال في إثباته الصلاة فيه عليه، ولا معارضة في ذلك بالنسبة إلى الترجمة؛ لأنّ ابن عباس أثبت التكبير ولم يتعرض له ¬

_ (¬1) في "الفتح" (3/ 469). (¬2) ذكره الحافظ في "فتح الباري" (3/ 469). (¬3) في "صحيحه" رقم (1601). (¬4) كذا في المخطوط (أ. ب)، والصواب: اسم أول. "فتح الباري" (3/ 469). (¬5) في "صحيحه" (3/ 468 الباب رقم 54). (¬6) رقم (1601) (¬7) في "فتح الباري" (3/ 468). (¬8) أي: الحافظ ابن حجر في "الفتح" (3/ 468).

بلال، وبلال أثبت الصلاة ونفاها ابن عباس، فاحتج المصنف بزيادة ابن عباس، وقدّم إثبات بلال على نفي غيره. انتهى. وقدمنا وجه الجمع بين الإثبات والنفي والترجيح. 13 - وعن الأسْلَمِيّةِ قالت: قُلْتُ لِعُثْمَانَ - رضي الله عنه -: مَا قَالَ لَكَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - حِينَ دَعَاكَ؟ قال: قَالَ لِي: "إِنِّي نَسِيتُ أَنْ آمُرَكَ أَنْ تُخَمِّرَ القَرْنَيْنِ فَإِنَّهُ لَيْسَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي البَيْتِ شَيءٌ يَشْغَلُ المُصَلِّىَ". أخرجه أبو داود (¬1). [صحيح] "التَّخْمِيرُ" التغطية. قوله: "والتخمير" (¬2) بالخاء المعجمة، التغطية. وَ"القرنان" هما قرنا الكبش الذي فدي به إسماعيل - عليه السلام - وكانا معلّقين داخل البيت [171 ب]. 14 - وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كُنْتُ أُحِبُّ أَنْ أَدْخُلَ البَيْتَ وَأُصَلِّيَ فِيهِ فَأَخَذَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بِيَدِي فَأَدْخَلَنِي فِي الحِجْرِ فَقَالَ: "صَلِّي فِيهِ إِنْ أَرَدْتِ دُخُولَ البَيْتِ فَإِنَّمَا هُوَ قِطْعَةٌ مِنْهٌ, وإِنَّ قَوْمَكِ اقْتَصَرُوا حِينَ بَنَوُا الكَعْبَةَ فَأَخْرَجُوهُ عَنِ البَيْتِ". أخرجه الأربعة (¬3). [حسن]. قوله: (اقتصروا) لفظ البخاري (¬4): "قصّرت بهم النفقة". ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (2030)، وهو حديث صحيح. (¬2) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 531). (¬3) أخرجه أبو داود رقم (2028)، والترمذي رقم (876)، وقال: هذا حديث حسن صحيح. والنسائي رقم (2912). (¬4) في صحيحه رقم (1584)، وأخرجه أحمد (6/ 57، 102، 239)، ومسلم رقم (400/ 1333) بنحوه.

قال ابن حجر (¬1): بتشديد الصاد أي: [النفقة] (¬2) الطيبّة التي أخرجوها لذلك كما جزم به الأزرقي وغيره، وذلك أنّهم قالوا: لا تدخلوا فيه من كسبكم [إلاّ طيبًا] (¬3) ولا تدخلوا فيه مهر بغي ولا بيع ربا ولا مظلمة أحد من الناس. 15 - وفي أخرى للنسائي (¬4): قُلْتُ: يَا رَسُولِ الله! أَلاَ أَدْخُلُ البَيْتَ؟ قال: "ادْخُلِي الحِجْرَ فَإِنّهُ مِنَ البَيْتِ". [صحيح]. 16 - وعن نافع قال: كانَ ابْنُ عُمَر - رضي الله عنهما - إِذَا دَخَلَ الكَعْبَةَ يَمشِي قِبَلَ وَجْهِهِ حِينَ يَدْخُلُ وَيَجْعَلُ البَابَ قِبَلَ ظَهْرِهِ، وَيَمْشِي حَتَّى يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الجِدَارِ الَّذِي قِبَلَ وَجْهِهِ قَرِيبًا مِنْ ثَلاَثَةِ أَذْرُعٍ فَيُصَلِّي، يَتَوَخَّى المَكَانَ الَّذِي أَخْبَرَهُ بِلاَلٌ: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى فِيهِ. قال: وَلَيْسَ عَلَى أَحَدٍ بَأْسٌ أَنْ يُصَلِّيَ فِي أَيِّ نَوَاحِي البَيْتِ شَاءَ. أخرجه البخاري (¬5). [صحيح]. "التّوَخِّي" (¬6) القَصْدُ والاعتماد. ¬

_ (¬1) في "فتح الباري" (3/ 442). (¬2) سقطت من المخطوط. وأثبتناها من "فتح الباري". (¬3) كذا في المخطوط والذي في "فتح الباري": إلا الطيب. (¬4) في "السنن" رقم (2911) وهو حديث صحيح. (¬5) في "صحيحه" رقم (1599). (¬6) "النهاية" في غريب الحديثِ (2/ 833)، "غريب الحديث" للهروي (2/ 234).

الباب السادس: الوقوف والإفاضة

الباب السادس (¬1): الوقوف والإفاضة وفيه ثلاثة فصول: الفصل الأول: في الوقوف وأحكامه قوله: "الفصل الأول: في الوقوف وأحكامه" (¬2). 1 - عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كَانَتْ قُرَيْشٌ وَمَنْ دَانَ دِينَهَا يَقِفُونَ بِالمُزْدَلِفَةِ، وَكَانُوا يُسَمَّوْنَ الحُمْسَ، وَكَانَ سَائِرُ العَرَبِ يَقِفُونَ بِعَرَفَةَ: فَلمَّا جَاءَ الإِسْلاَمُ أَمَرَ الله تَعَالى نَبِيَّهُ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَأْتِيَ عَرَفَة فَيَقِفَ بِهَا ثُمَّ يُفِيضَ مِنْهَا. وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعالى: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ}. أخرجه الخمسة (¬3). [صحيح]. قوله: "في حديث عائشة الحُمس" (¬4) بالمهملتين بزنة حُمس جمع أحمس وهم قريش وأصلها الشدة والشجاعة (¬5). وقوله: " [أول الحديث] (¬6) ومن دان دينها" روى الجزي عن أبي عبيدة (¬7) قال: كانت قريش إذا خطب إليهم الغريب اشزطوا عليه أنّ ولدها على دينهم. ¬

_ (¬1) في (ب) زيادة في. (¬2) لا يوجد أي شرح. (¬3) أخرجه البخاري رقم (1665، 4520)، ومسلم رقم (1219)، وأبو داود رقم (1910)، وابن ماجه رقم (3018) بنحوه، والترمذي رقم (884)، والنسائي رقم (3012). (¬4) انظر: "القاموس المحيط" (ص 69)، "فتح الباري" (8/ 72). (¬5) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (3/ 234). (¬6) زيادة من (أ). (¬7) ذكره الحافظ في "الفتح" (3/ 517).

فدخل في الحُمس من غير قريش (¬1) خزاعة وبنو كنانة وبنو عامر بن صعصعة يعني وغيرهم. قوله: "وذلك" أي: أمر الله رسوله أن يقف بعرفة أخذ من قوله: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} فالأمر له - صلى الله عليه وسلم - ولأتباعه، والمراد بالناس [إبراهيم عن الضحاك وعنه المراد الإمام] (¬2). 2 - وفي رواية (¬3): قالت عائشة - رضي الله عنها -: الحُمسُ: هُمُ الَّذِينَ أَنْزَلَ الله تَعَالَى فِيهِمْ: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} قَالَتْ: وَكَانَ النَّاس يُفِيضُونَ مِنْ عَرَفَاتٍ، وَكَانَ الحُمْسُ يَفيْضُون مِنَ المْزدَلِفَةِ، يَقُوُلونَ: لاَ نُفِيضُ إِلاَّ مِنَ الحَرَمِ. فَلمَّا نَزَلَتْ: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} رَجَعُوا إِلَى عَرَفَاتَ. 3 - وذكر رزين رواية قال: كَانَتْ قُرَيْشٌ وَمَنْ دَانَ دِينِهَا - وَهُمُ الحُمْسُ - يَقِفُونَ بِالمُزْدَلِفَةِ، وَيقُوُلونَ: نَحنُ قَطِينُ الله تَعَالَى - أيْ جِيْرَانُ بَيْتِ الله تَعَالى - فَلاَ نَخْرُجُ مِنْ حَرَمِهِ، وَكَانَ يَدْفَعُ بِالعَرَبِ أبُو سَيَّارَةَ عَلَى حِمَارٍ [عُرْي] (¬4) مِنْ عَرَفَةَ. "الحُمْسُ" (¬5) قريش: سُمِّيت بذلك لشجاعتها وشدتها. ¬

_ (¬1) قال الحافظ في "الفتح" (3/ 517): "ثقيف وليث ... ". (¬2) كذا العبارة في المخطوط. وصواب ذلك كما في "فتح الباري": وروى ابن حاتم وغيره عن الضحاك أن المراد بالناس إبراهيم الخليل - عليه السلام -، وعنه المراد به الإمام، وعن غيره آدم. (¬3) أخرجها البخاري رقم (1665، 4520)، ومسلم رقم (151، 152/ 1219). (¬4) في المخطوط عَرَبيًّ، وما أثبتناه من "الجامع" (3/ 234). (¬5) تقدم شرحها.

قوله: "وذكر رزين في رواية" بل أخرجها ابن ماجه (¬1) والبيهقي (¬2) عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قالت قريش [172 ب]: نحن قواطن البيت لا نخرج من الحرم، فقال الله: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} (¬3). قوله: "أي جيران بيت الله" هذا التفسير في رواية رزين في "الجامع" (¬4)، وفسّره ابن الأثير في غريبه (¬5) بقوله: قطين الله، يقال: قطن المكان إذا أقام فيه، فهو قاطن وَالجمع قُطَّان وقَطِين، والقطين سكن الدار، فيكون على حذف [مضاف] (¬6)، أي: سكن بيت الله. انتهى. وفي ضياء العلوم (¬7): القطين خدم الرَّجل وحشمه، وعلى هذا فلا حاجة إلى تقدير مضاف قوله: "أبو سيارة" هو بالمهملة وتشديد المثناة التحتية، رجل من العرب، جاهلي كان يدفع فيمر بالناس من المزدلفة في موسم الحج، واسم أبي سيارة قيل: عمرو، وكانت له أتان ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (3018). (¬2) في "السنن الكبرى" (5/ 113): عن عائشة - رضي الله عنها - فالت: قالت قريش: نحن قواطن البيت لا نُجاوزُ الحرم، فقال الله عزّ وجل: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} , وهو حديث صحيح. وأخرج الترمذي في "السنن" رقم (884) عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كانت قريش ومن كان على دينها، وهم الحُمس يقفون بالمزدلفة يقولون: نُحنُ قطينُ الله، وكان من سواهم يقفون بعرفة فأنزل الله عز وجل: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ}. (¬3) سورة البقرة الآية (199). (¬4) (3/ 234). (¬5) "غريب الجامع" (3/ 234 - 235)، وانظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 472). (¬6) كذا في المخطوط (أ. ب)، والذي في "الجامع": المضاف. (¬7) قاله نشوان الحميري في "شمس العلوم" (8/ 5549).

عوراء يقال: أنه وقف عليها أربعين سنة في المواقف، وإياها يعني: الراجز في قوله: حتى يجيز سالم حماره. 4 - وعن جبير بن مطعم - رضي الله عنه - قال: أَضْلَلْتُ بَعِيرًا لِي فَذَهَبْتُ أَطْلُبُهُ يَوْمَ عَرَفَةَ، فَرَأَيْتُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَاقِفًا مَعَ النَّاسِ بِعَرَفَةَ، فَقُلْتُ. هَذَا وَالله مِنَ الحُمْسِ فَمَا شَأْنُهُ هَا هُنَا؟ وَكَانَتْ قُرَيْشٌ تُعَدُّ مِنَ الحُمْسِ. أخرجه الشيخان (¬1) والنسائي (¬2). [صحيح]. 5 - وعن عمرو بن عبد الله بن صَفْوان عن يزيد بن شيبان الأزدي - رضي الله عنه - قال: أَتَانَا ابْنُ مِرْبَعٍ الأَنْصَارِيُّ - رضي الله عنه - وَنَحْنُ وُقُوفٌ بالمَوْقِفِ مَكَانًا يُبَاعِدُهُ عَمْرٌو (¬3) عَنِ الإِمامِ. فَقَالَ: إِنِّي رَسُولُ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - إِلَيْكُمْ، يَقُولُ: "كُونُوا عَلَى مَشَاعِرِكُمْ، فَإِنَّكُمْ عَلَى إِرْثٍ مِنْ إِرْثِ أبيكم إِبْرَاهِيمَ". أخرجه أصحاب السنن (¬4). [صحيح]. "المَشَاعرُ" (¬5) جمع مَشْعَر؛ وهو المَغْلَم، والمراد [بها] (¬6) معالم الحج. قوله: "أتانا ابن مربع" بفتح الميم وسكون الراء وفتح الموحدة واسمه زيد، له رواية. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (1664)، ومسلم رقم (1220). (¬2) في "السنن" (3013). (¬3) في (أ) عمر. وما أثبتناه من (ب) ومصادر التخريج. وعمرو: هو عمرو بن عبد الله بن صفوان. (¬4) أخرجه أبو داود رقم (1919)، والترمذي رقم (883)، والنسائي رقم (3014)، وابن ماجه رقم (3011) , وهو حديث صحيح. (¬5) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (3/ 236). (¬6) كذا في المخطوط، والذي في "غريب الجامع" به.

قوله: "أخرجه [أبو داود] " (¬1) (¬2) وقال المنذري (¬3): وأخرجه الترمذي (¬4) والنسائي (¬5) وابن ماجه (¬6). وقاله الترمذي (¬7): حديث ابن مربع الأنصاري حديث [حسن] (¬8) لا نعرفه إلاّ من حديث ابن عيينة عن عمرو بن دينار وابن موج أسمه يزيد بن مربع الأئصارى، وإنما يعرف له هذا الحديث الواحد. انتهى. قال المنذري (¬9): وقال غيره اسمه عبد الله وقيل: زيد. 6 - وعن نُبَيط بن شريط الأشجعي - رضي الله عنه - قال: رَأيتُ رَسول الله - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ عرَفةَّ وَاقِفًا عَلَى جَمَلٍ أحْمرَ يَخْطُبُ. أخرجه أبو داود (¬10) والنسائي (¬11). وزاد: بَعْدَ الصَّلاةِ. [صحيح]. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (1919). (¬2) في نص حديث التيسير: "أخرجه أصحاب السنن" وليس كما أورد الشارح. (¬3) في مختصر "السنن" (2/ 397) (¬4) في "السنن" رقم (883). (¬5) في "السنن" رقم (3014). (¬6) في "السنن" (3011). وهو حديث صحيح. (¬7) في "السنن" (3/ 230). (¬8) في نسخة الترمذي والتي بين يدينا "حسن صحيح". (¬9) في "مختصر السنن" (2/ 397). (¬10) في "السنن" رقم (1916). (¬11) في "السنن" رقم (3007، 3008). وهو حديث صحيح.

قوله: "وعن نبيط" (¬1) هو بضم النون وفتح الموحدة [173 ب] وسكون المثناة التحتية، وشريط بفتح الشين المعجمة وكسر الراء، رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - وسمع خطبته في حجة الوداع. قوله: "أخرجه أبو داود". قلت: أخرجه عن سلمة بن نبيط عن رجل من الحي عن أبيه نبيط. قلت: فيه مجهول إلاّ أنه قال المنذري (¬2): أنّه أخرجه النسائي (¬3) وابن ماجه (¬4) عن سلمة ابن نبيط، ولم يقولا عن رجل من الحي، وذكره البخاري في "التاريخ الكبير" (¬5) كذلك قال: وأبوه - أي أبو سلمة - هو نبيط بن شريط له صحبة ولأبيه صحبة. 7 - وعن العَدَّاء بن خَالِدٍ بِنَ هَوْذَة العامري - رضي الله عنه - قال: رأيتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ الناسَ يَوْمَ عَرَفَةَ عَلَى بَعِيرٍ قَائمًا في الرِّكابَيْنِ (¬6). [صحيح]. قوله: "وعن العدّاء" (¬7) بفتح العين المهملة وتشديد الدال المهملة، وهوذة بفتح الهاء وسكون الواو وفتح الذال المعجمة، صحابي أسلم بعد الفتح، وكان يسكن البادية. قوله في حديثه: "على بعير" هذا هو المعروف في أحاديث حجه - صلى الله عليه وسلم -. ¬

_ (¬1) انظر: "التقريب" (2/ 297 رقم 40). (¬2) في مختصر "السنن" (2/ 396). (¬3) في "السنن" رقم (3007، 3008). (¬4) في "السنن" رقم (1286) دون قوله: "أحمر". (¬5) (4/ 2/ 137 رقم 2476). (¬6) أخرجه أبو داود في "السنن" رقم (1917). وهو حديث صحيح. (¬7) انظر: "التقريب" (2/ 16 رقم 133).

8 - وعن زيد بن أسْلم عن رجلٍ من بني ضُمرَة عن أبيه أو عمِّهِ قال: رأيتُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - وهُوَ عَلَى المِنْبَرِ بِعَرَفَةَ (¬1). [ضعيف]. قوله: "في حديث زيد بن أسلم عن رجل من بني ضمرة" هو رجل مجهول، فلا يثبت الحديث. 9 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: غَدَا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - مِنْ مِنًى حِينَ صَلَّى الصُّبْحَ صَبِيحَةَ يَوْمِ عَرَفَةَ حَتَّى أَتَى عَرَفَةَ فَنَزَلَ بِنَمِرَةَ وَهُوَ مَنْزِلُ الأُمَرَاء الَّذِي تَنْزِلُ فِيْهِ بِعَرَفَةَ حَتَّى إِذَا كَانَ عِنْدَ صَلاَةِ الظُّهْرِ رَاحَ - صلى الله عليه وسلم - مُهَجِّرًا، فَجَمَعَ بينَ الظُّهْرِ وَالعَصْرِ، ثُمَّ خَطَبَ النَّاسَ، ثُمَّ رَاحَ فَوَقَفَ عَلَى المَوْقِفِ مِنْ عَرَفَةَ (¬2). أخرج هذه الأحاديث الثلاثة أبو داود. [ضعيف]. "التّهْجيرُ" (¬3) هنا السير عند الهاجرة، وهي شدَّة الحر. قوله: "في حديث ابن عمر: فنزل بنمرة" بفتح النون وكسر الميم، في "القاموس" (¬4): موضع بعرفات، أو الجبل الذي عليه أنصاب الحرم على يمينك خارجًا من المأزميْن، يريد الموقف، ومسجدها معروف. انتهى. وفي قول ابن عمر: "وهي منزل الأمراء الذي تنزل بعرفة" ما يدل أنها من عرفة. 10 - وعن نافع قال: كَانَ ابْنَ عُمَرَ - رضي الله عنهما - يُصَلِّي الظُّهْرَ وَالعَصْرَ وَالمَغْرِبَ وَالعِشَاءَ وَالصُّبْحَ بِمِنًى ثُمَّ يَغْدُو إِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ إِلَى عَرَفَةَ. أخرجه مالك (¬5). [موقوف صحيح]. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود رقم (1915). (¬2) أخرجه أبو داود رقم (1913)، وهو حديث شاذٌّ. (¬3) قال ابن الأثير في "النهاية في غريب الحديث" (2/ 894): التَّهجير: التَّكبيرُ إلى كلِّ شيء والمبادرة إليه. وانظر: "الفائق" للزمخشري (1/ 409). (¬4) "القاموس المحيط" (ص 627). (¬5) في "الموطأ" (1/ 400 رقم 195)، وهو أثر موقوف صحيح.

11 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: صَلَّى بِنَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بِمِنًى الظُّهْرَ وَالعَصْرَ وَالمَغْرِبَ وَالعِشَاءَ وَالفَجْرَ، ثُمَّ غَدَا إِلَى عَرَفَاتٍ. أخرجه أبو داود (¬1) والترمذي (¬2). 12 - وعن أبي داود (¬3): صَلَّى الظُّهْرَ يَوْمَ الترْوِيَةِ، وَالفَجْرَ يَوْمَ عَرَفَةَ بِمِنَى. [صحيح]. [189/ أ] قوله: "والفجر يوم عرفة بمنى" أي: وصلى بها أربع صلوات قبل ذلك كما [دلت] (¬4) له حديث ابن عباس، ومنى بكسر الميم، والأشهر تخفيف نونها وتصرف [174 ب] ولا تصرف وتذكر وتؤنث، سميت بذلك لما يمنى فيها من الدماء، أي: يراق. 13 - وعن عروة بن مُضَرِّس الطائي - رضي الله عنه - قال: أتيْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - بِالمُزْدَلِفَةِ حِينَ أقامَ الصَّلاَةَ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله! إِنِّي جِئْتُ مِنْ جَبَلَي (¬5) طَيِّءٍ أَكْلَلْتُ رَاحِلَتِي وَأَتْعَبْتُ نَفْسِي، وَالله يا رَسُولَ الله مَا تَرَكْتُ مِنْ جَبَلٍ إِلاَّ وَقَفْتُ عَلَيْه فَهَلْ لِي مِنْ حَجٍّ؟ فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ صَلّى مَعَنَا صَلَاَتنَا هذِهِ هَا هُنَا ثُمَّ أَقامَ مَعَنَا وَقَدْ وَقَفَ قَبْلَ ذلِكَ بِعَرَفَةَ لَيْلاً أَوْ نَهَارًاً فَقَدْ تَمَّ حَجَهُ وَقَضَى تَفَثَهُ". أخرجه أصحاب السنن (¬6). [صحيح]. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (1911) عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: صلَّى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الظهر يوم التروية, والفجر يوم عرفة بمنى. وهو حديث صحيح. (¬2) في "السنن" رقم (879). وهو حديث صحيح. (¬3) تقدم نصه وهو حديث صحيح. (¬4) كذا في المخطوط "أ. ب" ولعلها دلَّ. (¬5) جبلي طيء: هما جبل سلمى وجبل أجا. قاله المنذري. (¬6) أخرجه أبو داود رقم (1950)، والترمذي رقم (891)، وابن ماجه رقم (3016)، والنسائي رقم (3039، 3043)، وهو حديث صحيح.

قوله: "وعن عروة (¬1) بن مضرس" بضم الميم وتشديد الراء وكسرها، وبالضاد المعجمة والسين المهملة، ومضرس هو ابن أوس بن حارثة بن لام (¬2) من بني سعد بن جديلة بن طي. قوله: "حين أقام الصلاة" قد ثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - صلى بالمزدلفة ثلاث صلوات: المغرب والعشاء والفجر، والمراد هنا الفجر. قوله: "من حبل" (¬3) ضبط بالحاء المهملة، قال ابن الأثير (¬4): أحد حبال الرَّمل، وهو ما اجتمع منه واستطال وارتفع. انتهى. وكأنه يريد من حبال عرفة؛ لأنه لا يشرع الوقوف إلاّ بها، وهذا دليل على أنّ شهود صلاة الفجر بالمزدلفة نسك لا يتم الحج إلاّ به، وقد أطلنا البحث فيه في حواشي ضوء النهار (¬5)، وذكرنا أقوال الناس في ذلك. قوله: "تفثه" (¬6) بفتح المثناة الفوقية، ففاء مفتوحة، فمثلثة، هو كل ما "يفعل" (¬7) المحرم إذا أحلَّ من الحلق والتقليم والطيب ونحو ذلك. ¬

_ (¬1) انظر: "التقريب" (2/ 19 رقم 164)، "الاستيعاب" رقم (1824). (¬2) ابن لام الطائي، له صحبة، يعد في الكوفيين، روى عنه شعبة. (¬3) الذي في متن الحديث "جبل" وهي رواية. (¬4) في "غريب الجامع" (3/ 240). وقال ابن الأثير في "النهاية" (1/ 326) الحبل: المستطيل من الرَّمل، وقيل: الضخم منه، وجمعه حبال، وقيل: الحبال من الرَّمل كالجبال في غير الرَّمل. وانظر الصحاح (4/ 1665). (¬5) في "منحة الغفار" (3/ 601 - 605 - مع الضوء" بتحقيقي. (¬6) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (1/ 191)، "الفائق" للزمخشري (3/ 28). (¬7) كذا في المخطوط. ولعل الصواب: يفعله.

14 - وعن عبد الرحمن بن يَعْمُر الدِّبلي - رضي الله عنه -. أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَ مُنَادِيَهُ وَهُوَ بِعَرَفَةَ أَنْ يُنَادِيَ: "الحَجُّ عَرَفَةُ، مَنْ جَاءَ لَيْلَةَ جَمْعٍ قَبْلَ طُلُوعِ الفَجْرِ فَقَدْ أدْرَكَ الحَجَّ أَيَّامُ مِنًى ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ: فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيه، وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ". أخرجه أصحاب السنن (¬1). [صحيح]. قوله: في حديث عبد الرحمن بن يعمر: "الحج عرفة" أي: الوقوف بها هو أعظم أعمال الحج يفوت الحج بفواته [175 ب] فجعل كأنه كل (¬2) المناسك. قوله: "ليلة جمع" (¬3) جمع اسم علم للمزدلفة، سمي به لاجتماع آدم بحواء فيه، كذا جاء عن ابن عباس (¬4). وقوله: "قبل طلوع الفجر" هذا يؤكد أنّ صلاة الفجر بجمع من المناسك كما دلّ له الأول. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود رقم (1949)، والترمذي رقم (889)، والنسائي رقم (3044)، وابن ماجه رقم (3015). وأخرجه أحمد (4/ 309)، وابن حبان رقم (3892)، والحاكم (2/ 278)، وقال: صحيح ولم يخرجاه، وسكت عنه الذهبي. والدارقطني (2/ 241)، والبيهقي (5/ 173)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (2/ 210)، وفي "مشكل الآثار" رقم (3369)، والطيالسي رقم (309، 1310)، وعبد بن حميد في المنتخب رقم (310)، والبخاري في تاريخه (5/ 243)، وغيرهم من طرق. وهو حديث صحيح. (¬2) انظر: "المغني" (5/ 267)، "المجموع شرح المهذب" (8/ 129). (¬3) انظر: "فتح الباري" (3/ 552). (¬4) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (3/ 242).

15 - وعن علي - رضي الله عنه - قال: وَقَفَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَلَى قُزَحَ فقَالَ: "هَذَا قُزَحُ وَهُوَ المَوْقِفُ، وَجَمْعٌ كُلُّهُ مَوْقِفٌ. وَنَحَرْتُ هَاهُنَا، وَمِنًى كلُّهَا مَنْحَرٌ فَانْحَرُوا فِي رِحَالِكُمْ". أخرجه أبو داود (¬1). [صحيح]. قوله: "في حديث علي - عليه السلام - فقال: هذا قزح" بالقاف فزاي فحاء مهملة بزنة عمر في "القاموس" (¬2) أنه جبل بالمزدلفة. وقوله: "وهو الموقف" أي: موقف ذكر الله المأمور به في قوله تعالى: {فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} (¬3)، ثم أخبر - صلى الله عليه وسلم - أنّ هذه المواضع الشريفة كلها موضع فيها محل العبادة التي أمر الله بها عباده، فلا يتوهم أنّ محلها ليس إلاّ حيث وقف - صلى الله عليه وسلم - ونحر. قوله: "أخرجه أبو داود"، قال المنذري (¬4): وأخرجه الترمذي (¬5) وابن ماجه (¬6) مختصراً ومطولاً، وقال الترمذي (¬7): حسن صحيح، لا نعرفه من حديث علي إلاّ من هذا الوجه. انتهى. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (1935)، وهو حديث صحيح. (¬2) "القاموس المحيط" (ص 302). (¬3) سورة البقرة الآية (198). (¬4) في مختصر "السنن" (2/ 403). (¬5) في "السنن" رقم (885). (¬6) في "السنن" رقم (3010). (¬7) في "السنن" (3/ 233).

الفصل الثاني: في الإفاضة

16 - وعن مالك (¬1) أنه بلغه أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "عَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ، وَارْتَفِعُوا عَنْ بَطْنِ عُرَنَةَ. وَالمُزْدَلِفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ وَارْتَفِعُوا عَنْ بَطْنِ مُحَسِّرٍ". [صحيح]. قوله: في حديث مالك: "وارتفعوا عن بطن عرنة" في "القاموس" (¬2): بطن عرنة كهمزة بعرفات (¬3)، وليس من الموقف. انتهى. وقد ورد تعليل النهي عن الوقوف بأنه موضع الشياطين. قوله: "وارتفعوا عن بطن محسِّر" بمهملتين فراء، في "القاموس" (¬4): بطن محسر، كمحدث قرب المزدلفة. انتهى. وسمي بذلك لأن فيه حسر (¬5) الفيل، وأهلك الله به أهله الذين قادوه لخراب بيت الله، وكان - صلى الله عليه وسلم - يسرع (¬6) السير فيه. الفصل الثاني: في الإفاضة الإفاضة: الدفع، قاله الأصمعي (¬7) ومنه: أفاض القوم في الحديث إذا دفعوا فيه. ¬

_ (¬1) في "الموطأ" (1/ 388 رقم 166) بلاغًا. وقد جاء موصلاً عن جابر أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "نحرتُ هاهنا ومِنى كُلُّها منحرٌ، فانحروا في رحالكم، ووقفتُ هاهُنا، وعرفة كلَّها موقفٌ، ووقفتُ هاهنا وجمعٌ كُلُّها موقف". - أخرجه أحمد (3/ 321)، ومسلم رقم (149/ 1218)، وأبو داود في "السنن" رقم (1907). وهو حديث صحيح. (¬2) "القاموس المحيط" (ص 1568). (¬3) قال ابن الأثير في "النهاية": عُرَنة: موضعٌ عند الموقف بعرفات, وقيل: الأولى بجوار عرفات. (¬4) "القاموس المحيط" (ص 480). (¬5) أي: أعي وكلَّ. قاله النووي في شرح "صحيح مسلم" (8/ 190). (¬6) انظر: "المغني" (5/ 287)، "المجموع شرح المهذب" (8/ 264). (¬7) انظر: "الصحاح" (3/ 1099). "فتح الباري" (3/ 532).

1 - عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: دَفَعَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - من عَرَفَةَ فَسَمِعَ وَرَاءَهُ زَجْرًا شَدِيدًا وَضَرْبًا لِلإِبِلِ فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ بِسَوْطِهِ فَقَالَ: "أَيُّهَا النَّاسُ! عَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ، فَإِنَّ الِبرَّ لَيْسَ بِالإِيضَاعِ". أخرجه الخمسة (¬1) إلا الترمذي. [صحيح]. "الإيضاع" (¬2) الإسراع. قوله: "في حديث ابن عباس [176 ب]: عليكم بالسكينة" في السير والمراد: السير بالرفق وعدم المزاحمة. قوله: "نحرت هاهنا" (¬3) أي: عند الجمرة الأولى التي تلي المسجد. 2 - وعن أسامة بن زيد - رضي الله عنهما - قال: دَفَعَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - مِنْ عَرَفَةَ حِينَ وَقَعَتِ الشَّمْسُ حَتَّى إذَا كَانَ بِالشِّعْبِ نَزَلَ فَبَالَ ثُمَّ تَوَضّأَ وَلَمْ يُسْبغِ الوُضُوءَ. فَقُلْتُ: الصَّلاَةَ يا رسولَ الله؟ فَقَالَ: "الصَّلاَةُ أَمَامَكَ. فَرَكِبَ، فَلمَّا جَاءَ المُزْدَلِفَةَ نَزَلَ فَتَوَضَّأَ فَأَسْبَغَ الوُضُوءَ ثُمَّ أُقِيمَتِ ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (1671)، واللفظ له. وأخرجه أبو داود في "السنن" رقم (1920)، وفيه: "أيُّها الناس عليكم بالسَّكينة، فإنّ البر ليس بإيجاف الخيل والإبل". وأخرجه النسائي رقم (3019)، وفيه: " ... السَّكينة السَّكينة ... ". وهو حديث صحيح. (¬2) قال ابن الأثير في "غريب الجامع" (3/ 250): الإيضاع: ضربٌ من سير الإبل سريع. والإيجاف: حثُ الركائب على السير والسرعة فيه. (¬3) هذه العبارة ليست في الحديث المشروح هاهنا، وإنما هي في الحديث رقم (15) من الفصل السابق (ص 234).

الصَّلاَةُ فَصَلَّى المَغْرِبَ ثُمَّ أَنَاخَ كُلُّ إِنْسَانٍ بَعِيرَهُ. ثُمَّ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَصلّى العِشَاءُ ولم يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا". أخرجه الستة (¬1) إلا الترمذي. [صحيح]. قوله: "في حديث أسامة: حين وقعت الشمس" أي: غربت. قوله: "ولم يسبغ الوضوء" أي: لم يتمه حتى تصح به الصلاة, إذ الإسباغ هو إتمام الوضوء، ولذا قال في الثاني: فأسبغ الوضوء. قوله: "ثم أقيمت الصلاة" لم يذكر الأذان وفيه روايات فيها اختلاف. قال ابن حزم (¬2): إنه لم يجده - أي الأذان والإقامة للعشائين بمزدلفة مرويا عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: ولو ثبت عنه لقلت به. وقال الشافعي (¬3): يجمع بينهما بإقامتين فقط, وعنه في القديم بأذان واحد وإقامتين. قوله: "ولم يصلِّ بينهما شيئًا" أي: على أثر المغرب وهي نافلته، وأمّا نافلة العشاء فيحتمل أنه صلّاها، إذ ليس في الحديث إلاّ نفي النفل بينهما (¬4)، ولكن في رواية البخاري: "ولا على أثر واحد منهما" فأفاد عدم التنفل عقيب المغرب وعقيب العشاء. ونقل ابن المنذر (¬5) الإجماع على ترك التطوع بين الصلاتين في المزدلفة، ومن تنفل بينهما لم يصح أنه جمع بينهما. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (139)، ومسلم رقم (1280)، وأبو داود رقم (1920)، وابن ماجه رقم (3019)، والنسائي رقم (609). (¬2) في "المحلى" (7/ 126 - 127). (¬3) "المجموع شرح المهذب" (4/ 285). (¬4) انظر: "المغني" (3/ 155 - 157). (¬5) في كتابه "الإجماع" (ص 65 رقم 190).

3 - وفي رواية (¬1) أخرى عن عُروة قال: سُئِلَ أُسَامَةُ - رضي الله عنه -: كَيْفَ كانَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَسِيرُ في حُجَّةِ الوَدَاعِ حِينَ دَفعَ؟ فقَالَ: كانَ يَسِيرُ العَنَقَ فَإِذَا وَجَدَ فَجْوَةً نَصَّ. [صحيح]. قال هشام: "وَالنَّصُّ" (¬2) فوق العَنَقِ. 4 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: أَنَا مِمَّنْ قَدَّمَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لَيْلَةَ المُزْدَلِفَةِ في ضَعَفَةِ أَهْلِهِ. أخرجه الخمسة (¬3). [صحيح]. قوله: "في حديث ابن عباس في ضعفة أهله" أي: من نساء وغيرهم بليل، أي: من جمع، واستدل على وجوب المبيت بالمزدلفة أنه لم يأذن - صلى الله عليه وسلم - إلاّ لضعفة أهله، ولذا قال ابن عمر (¬4): أرخص في أولئك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدلّ أنّ حكم من لم يرخص له ليس كحكم من رخص له. وقد أخرج الطحاوي (¬5) رواية ابن عباس مطوّلة [177 ب] قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للعباس ليلة المزدلفة: اذهب بضعفائنا ونسائنا، فليصلوا الصبح بمنى، وليرموا جمرة العقبة قبل أن تصيبهم دفعة، قال: فكان عطاء يفعله بعد ما ضعف وكبر. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (1666)، ومسلم رقم (283/ 1286)، وأحمد (5/ 210). (¬2) قال أبو عبيد في غريب الحديث (3/ 178) النصّ: التحريك حتى يستخرج من الناقة أقصى سيرها. والنصُّ أصله منتهى الأشياء وغايتها ومبلغ أقصاها. (¬3) أخرجه أحمد (1/ 221)، والبخاري رقم (1678)، ومسلم رقم (301/ 1293)، وأبو داود رقم (1939)، والترمذي رقم (892)، والنسائي رقم (3033)، وابن ماجه رقم (3025). (¬4) أخرجه أحمد (2/ 33)، والنسائي في "السنن الكبرى" (4/ 168 رقم 4023). - وأخرجه البخاري مطولاً رقم (1676)، ومسلم رقم (304/ 1295). (¬5) في شرح معاني الآثار (2/ 215).

5 - وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: اسْتَأْذَنَتْ سَوْدَةُ - رضي الله عنها - رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - أَنْ تُفِيضَ مِنْ جَمْعٍ بِلَيْلٍ، وَكانَتِ امْرأَةً ضَخْمَةً ثَبِطَةً فَأَذِنَ لهَا. قَالَتْ عَائِشَةُ - رضي الله عنها -: لَيْتَنِي كُنْتُ اسْتَأْذَنْتُه كما اسْتأذَنْتهُ. وَكَانَتْ عَائِشَةُ لاَ تُفِيضُ إِلاَّ مَعَ الإِمَامِ. أخرجه الشيخان (¬1) والنسائي (¬2) [صحيح]. "ثَبِطَهِ" أي: بَطيئة. قوله: "في حديث عائشة: استأذنت سودة" أي: بنت زمعة أم المؤمنين. قوله: "ثقيلة" أي: من عظم جسمها "ثبطة" (¬3) بفتح المثلثة وكسر الموحدة بعدها مهملة خفيفة، أي: بطيئة الحركة كأنها تثبط بالأرض، أي: تشبث بها، قاله في "الفتح" (¬4). 6 - وعنها - رضي الله عنها - قالت: أرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأم سلمة ليلة النحر. فرمت الجمرة قبل الفجر ثم مضت فأفاضت. أخرجه أبو داود (¬5) والنسائي (¬6). [ضعيف]. قوله: "في حديث عائشة: فرمت الجمرة قبل الفجر". قال المنذري (¬7): قال البيهقي (¬8): هذا إسناد صحيح لا غبار عليه [190/ أ] ذكر ذلك عقب حديث أبي داود وقال: قال ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (1680)، ومسلم رقم (294/ 1290). (¬2) في "السنن" رقم (3037). (¬3) قال ابن الأثير في "النهاية في غريب الحديث" (1/ 205): أي ثقيلة بطيئة، من التثبيط وهو: التَّعويق، والشَّغل عن المراد. وانظر: غريب الحديث للخطابي (2/ 213). (¬4) (3/ 529). (¬5) في "السنن" رقم (1942). وهو حديث ضعيف. (¬6) في "السنن" (3066) وفيه: "أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر إحدى نسائه أن تنفر من جمع ليلة جمع فتأتي جمرة العقبة فترميها وتصبح في منزلها وكان عطاء يفعله حتى مات". إسناده ضعيف. (¬7) في "مختصر السنن" (2/ 405). (¬8) في "معرفة السنن والآثار" (7/ 317 رقم 10183)

الشافعي (¬1): فدلّ على أنّ خروجها كان بعد نصف [الليل] (¬2) وقبل الفجر لأنها لا تصلي الصبح إلاّ بمكة، وقد رمت قبل الفجر بساعة، وخالف الشافعي عطاء (¬3) وطاوس وقالا: لا ترمي قبل طلوع الفجر، وقال مالك (¬4) وغيره (¬5): ترمي بعد الفجر، ولا يجوز تعجيل ذلك. انتهى. وقالت الحنفية (¬6): لا ترمي جمرة العقبة إلاّ بعد طلوع الشمس، فإن رماها قبل طلوع الشمس [و] (¬7) [قبل طلوع الفجر] (¬8) جاز، وإن رماها قبل الفجر أعاد. قال الحافظ (¬9): وبهذا قال أحمد (¬10) وإسحاق (¬11) والجمهور (¬12)، واحتج إسحاق بحديث ابن عباس: أنه - صلى الله عليه وسلم - قال لغلمان بني المطلب: "لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس". ¬

_ (¬1) في "الأم" (3/ 553)، وانظر: "المجموع شرح المهذب" (8/ 177، 180). (¬2) سقطت من المخطوط. وأثبتناها من "الأم". (¬3) انظر: "المغني" (5/ 295)، "المجموع شرح المهذب" (8/ 177). (¬4) في عيون المجالس (2/ 838 مسألة رقم 563). (¬5) انظر: "فتح الباري" (3/ 579 - 580). (¬6) انظر: المبسوط (4/ 68). (¬7) زيادة يستلزمها السياق. (¬8) في هامش المخطوط (ب) كذا ولعله: بعد طلوع الفجر. (¬9) في "فتح الباري" (3/ 528). (¬10) "المغني" (5/ 330). (¬11) المجموع شرح المهذب (8/ 208). (¬12) "فتح الباري" (3/ 528). "المغني" (5/ 330).

وهو حديث حسن أخرجه أبو داود (¬1) والنسائي (¬2) و [الطحاوي (¬3)] (¬4) وابن حبان (¬5) ثم ذكر طرقه وقال: وهذه الطرق يقوي بعضها بعضًا، ومن ثمة صححه الترمذي وابن حبّان، وإذا كان من رخص له منع أن يرمي قبل طلوع الشمس فمن لم يرخص له أولى. انتهى. قلت: وهو معارض [178 ب] بحديث عائشة المذكور في الكتاب، فجمع بينهما الشافعي (¬6) بحمل حديث ابن عباس على الندب. قال الحافظ (¬7): ويؤيده ما أخرجه الطحاوي (¬8) من طريق شعبة عن ابن عباس قال: "بعثني النبي - صلى الله عليه وسلم - مع أهله وأمرني أن أرمي مع الفجر". ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (1940). (¬2) في "السنن" رقم (3064). (¬3) في شرح معاني الآثار (2/ 217). (¬4) في (ب) البخاري. (¬5) في "صحيحه" رقم (3869). وأخرجه أحمد (1/ 234)، والترمذي رقم (893)، وقال: حديث حسن صحيح، وابن ماجه رقم (3025)، والحميدي رقم (365)، والطبراني في "المعجم الكبير" رقم (1299)، (12703)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (5/ 131 - 132)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (1943) من طرق. وهو حديث صحيح. (¬6) المجموع شرح المهذب (8/ 180). (¬7) في "فتح الباري" (3/ 529). (¬8) في شرح معاني الآثار (2/ 215) وقد تقدم.

الفصل الثالث: في التلبية بعرفة والمزدلفة

وقال ابن المنذر (¬1): "السنة" ألا يرمي إلاّ بعد طلوع الشمس كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا يجوز الرمي قبل طلوع الفجر؛ لأن فاعله مخالف للسنة، ومن رماها حينئذٍ فلا إعادة عليه إذ لا أعلم أحداً قال: لا يجزيه. انتهى. قلت: والأقرب جوازه للضعفة كما فعلته أم سلمة. 7 - وعن فاطمة بنت المنذر قالت: كَانَتْ أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ تَأْمُرُ الَّذِي يُصَلِّي لَهَا وَلأَصْحَابِهَا الصُّبْحَ بِالمُزْدَلِفَةِ أنْ يُصَلِّي حِينَ يَطْلُعُ الفَجْرُ، ثُمَّ تَرْكَبُ فَتَسِيرُ إِلَى مِنًى وَلاَ تَقِفُ. أخرجه مالك (¬2). [موقوف صحيح]. قوله: "في حديث فاطمة بنت المنذر ثم تسير ولا تقف" كأن المراد: ولا تقف بالمشعر الحرام. الفصل الثالث: في التلبية بعرفة والمزدلفة قيل: سميت بذلك لأنّ آدم اجتمع فيها مع حواء، وازدلف إليها أي: دنى منها، وقيل: لاجتماع الناس بها وازدلافهم، أي: تقربهم (¬3) إلى الله بالوقوف فيها. 1 - عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: كانَ أُسَامَةَ رِدْفَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مِنْ عَرَفَةَ إِلَى المُزْدَلِفَةِ، ثُمَّ أَرْدَفَ الفَضْلَ مِنَ المُزْدَلِفَةِ إِلَى مِنًى فَكِلاَهُمَا قَالاَ: لَمْ يَزَل رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ العَقَبَةِ. أخرجه الخمسة (¬4). [صحيح]. ¬

_ (¬1) ذكره النووي في "المجموع" (8/ 177). (¬2) في "الموطأ" (1/ 392 رقم 175)، وهو أثر موقوف صحيح. (¬3) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 729)، "المجموع المغيث" (2/ 24). (¬4) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (1670)، ومسلم رقم (1281)، وأبو داود رقم (1815)، وابن ماجه رقم (3040)، والترمذي رقم (918)، والنسائي رقم (3020، 3055). وهو حديث صحيح.

2 - وعن سعيد بن جبير قال: كُنْتُ مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ بِعَرَفَة فَقَالَ: مَا لِي لاَ أَسْمَعُ النَّاسَ يُلَبُّونَ؟ قُلْتُ: يَخَافُونَ مِنْ مُعَاوِيَةَ. فَخَرَجَ ابْنُ عَبَّاسٍ مِنْ فُسْطَاطِهِ وهُوَ يَقُولُ: لَبَّيْكَ اللهمَّ لَبَّيْكَ، فَإِنَّهُمْ قَدْ تَرَكُوا السُّنَّةَ عَنْ بُغْضِ عَلِيٍّ. أخرجه النسائي (¬1). [إسناده صحيح]. قوله: "في حديث ابن عباس من فسطاطه" (¬2) فيه لغات والمراد به الخيمة. قوله: "قد تركوا السنة عن بغض علي" لا أدري ما وجه سبب ترك التلبية (¬3) عن بغض علي - عليه السلام - كأنه كان يحافظ عليها، أو كان لمّا تنازع هو وعثمان في الجمع بين الحج والعمرة لبّى علي بهما معًا وجرى بينه وبينه ما قدمناه [179 ب]. 3 - وعن محمد بن أبي بكر الثقفي قال: سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ وَنَحْنُ غَادِيَانِ مِنْ مِنًى إِلَى عَرَفَاتَ عَنِ التَلْبِيَةِ: كَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ مَعَ النّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: كانَ يُلَبِّي المُلَبِّي فَلاَ يُنْكَرُ عَلَيْهِ، وَيُكَبِّرُ المُكَبِّرُ فَلاَ يُنْكَرُ عَلَيْهِ، وَيُهَلِّلُ المُهَلِّلُ فَلاَ يُنْكَرُ عَلَيْهِ، وَلاَ يَعِيْبُ أَحَدٌ عَلَى صَاحِبِهِ. أخرجه الثلاثة (¬4) والنسائي (¬5). [صحيح]. 4 - وعن جعفر بن محمد عن أبيه قال: كَانَ عليٌّ - رضي الله عنه - يُلَبِّي بالحَجِّ حَتَّى إِذَا زَاغَتِ الشَّمْسُ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ قَطَعَ التَّلْبِيَةَ. أخرجه مالك (¬6). [موقوف ضعيف]. "زُاغَتِ الشَّمسُ": إذا زالت. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (3006) بسند صحيح. (¬2) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 370). (¬3) انظر: "فتح الباري" (3/ 533)، "المغني" (5/ 297)، "المجموع شرح المهذب" (8/ 178). (¬4) أخرجه البخاري رقم (1659)، ومسلم رقم (274، 275/ 1285) ومالك في "الموطأ" (1/ 337 رقم 43). (¬5) في "السنن" رقم (3000)، وهو حديث صحيح. (¬6) في "الموطأ" (1/ 338 رقم 44)، وهو أثر موقوف ضعيف.

الباب السابع: في الرمي

قوله: "في حديث جعفر بن محمد أخرجه مالك". قلت: ثم قال مالك (¬1): وذلك الأمر الذي لم يزل عليه أهل العلم ببلدنا. انتهى. إلاّ أنّ محمد الباقر لم يدرك عليًّا - عليه السلام -، فهو منقطع. 5 - وعن أسامة - رضي الله عنه - قال: كُنْتُ رِدْفَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - بِعَرَفَةَ فَرَفَعَ يَدَيْهِ يَدْعُو فَمَالَتْ بِهِ نَاقَتُهُ فَسَقَطَ خِطَامُهَا فتنَاوَلَ الخِطَامَ بِإِحْدَى يَدَيْهِ وَهُوَ رَافِع يَدَهُ الأُخْرَى. أخرجه النسائي (¬2). [إسناده صحيح]. الباب السابع: في الرمي [وفيه أربعة فصول] (¬3) أي: رمي الجمار الثلاث. الفصل الأول: في كيفيته 1 - عن عبد الرحمن بن زيد قال: رَمَى ابنُ مَسْعُودٍ جَمرَةَ العَقَبَةِ مِنْ بَطْن الوَادِي بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصاةٍ، وَجَعَلَ البَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ، ومنًى عَنْ يَمِينِه. فقيلَ لهُ: إِنَّ نَاسًا يَرْمُونَهَا مِنْ فَوْقِهَا، فَقَالَ: هَذَا وَالَّذِي لاَ إِلَهَ غَيْرُهُ مَقَامُ الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ البَقَرَةِ. أخرجه الخمسة (¬4)، وهذا لفظ الشيخين. [صحيح]. ¬

_ (¬1) في "الموطأ" (1/ 338)، وانظر: "الاستذكار" (11/ 158)، "المغني" (5/ 297)، المجموع شرح المهذب. (¬2) في "السنن" رقم (3011) بسند صحيح. (¬3) زيادة من (ب). (¬4) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (1748)، ومسلم رقم (1296)، وأبو داود رقم (1974)، والترمذي رقم (901)، وابن ماجه (3030)، والنسائي رقم (3070، 3074).

قوله: "جمرة العقبة" هي الكبرى، وليست من منى بل هي في حدّ منى من جهة مكة وهي التي بايع النبي - صلى الله عليه وسلم - الأنصار (¬1) عندها على النصرة، سميت جمرة لاجتماع الناس بها يقال: تجمر (¬2) بنو فلان: إذا اجتمعوا، وقيل: لأن العرب تسمي الحصى الصغار (¬3) جماراً. قوله: "من بطن الوادي" قال العلماء (¬4): يستحب أن يقف تحت العقبة من بطن الوادي، فيجعل مكة عن يساره ومنى عن يمينه، ويستقبل العقبة، هذا هو الصحيح، وأجمعوا على أنه من حيث رماها جاز. "قوله: سورة البقرة" خصّها (¬5) بالذكر؛ لأنّ غالب أحكام المناسك فيها، وفيها الإشارة (¬6) إلى الرمي بقوله: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} (¬7). ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (3/ 581 - 582). (¬2) قال ابن كثير في "النهاية" (1/ 285): وسُمّيت: جمار الحج للحصى التي يُرمى بها، وأمّا موضع الجمار بمعنى فسمّي: جمرة؛ لأنَّها تُرمى بالجمار، وقيل: لأنها مجمع الحصى التي يُرمى بها، ومن الجمرة وهي: اجتماع القبيلة على من ناوَأها، وقيل: سميت به من قولهم: أجمر، إذا أسرع. انظر: غريب الحديث للهروي (1/ 101)، "الفائق في غريب الحديث" (3/ 406). (¬3) قاله ابن الأثير في "النهاية" (1/ 285). (¬4) انظر: "فتح الباري" (3/ 582). (¬5) انظر: "فتح الباري" (3/ 582). (¬6) قاله ابن المنير، وقال الحافظ: ولم أعرف موضع ذكر الرمي من سورة البقرة والظاهر أنه أراد أن يقول: أن كثيراً من أفعال الحج مذكور فيها، فكأنه قال: هذا مقام الذي أنزلت عليه أحكام المناسك منبهًا بذلك على أنَّ أفعال الحج توقيفية. (¬7) سورة البقرة الآية (202).

2 - وعند الترمذي (¬1) والنسائي (¬2): أتَى جَمْرَةَ العَقَبَةِ فَاسْتَبْطَنَ الوَادِي، وَاسْتَقْبَلَ الكَعْبَة، وَجَعَلَ يَرْمِي الجَمْرَة عَلَى حَاجِبِهِ الأَيْمَن. وذكرا نحوه. [صحيح]. قوله: "وعند الترمذي والنسائي" لفظ الترمذي: "واستقبل القبلة" وقال [180 ب] بعد قوله: حاجبه الأيمن: "ثم رمى بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة، ثم قال: والله الذي لا إله غيره، من ها هنا رمى الذي أنزلت عليه سورة البقرة"، ثم قال: قال أبو عيسى (¬3): حديث ابن مسعود حديث صحيح (¬4)، والعمل على هذا عند أهل العلم، وقد رخّص بعض أهل العلم إن لم يمكنه أن يرمي من بطن الوادي، رمى من حيث قدر عليه. انتهى. وقال الحافظ ابن حجر (¬5): وهذا شاذ، في إسناده المسعودي، وقد اختلط، وبالأول قال الجمهور: وقد أجمعوا على أنه من حيث رماها جاز، والاختلاف في الأفضل. انتهى. وإنما أقسم عبد الله على ذلك؛ لأنه قيل له: إنّ ناسًا يرمون الجمرة من فوق العقبة كما في رواية النسائي. 3 - وعن سعد - رضي الله عنه - قال: رَجَعْنَا فِي الحجَّةِ مَعَ الَّنبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وبَعْضُنَا يَقُولُ: رَمَيْتُ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، وَبَعْضٌ يَقُولُ: بِسِتٍّ، وَلاَ يَعِيبُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ. (¬6) [صحيح]. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (901)، وهو حديث صحيح. (¬2) في "السنن" رقم (3073). (¬3) في "السنن" (3/ 246). (¬4) بل قال: حديث حسن صحيح. (¬5) في "فتح الباري" (3/ 582). (¬6) أخرجه النَّسائي في "السنن" رقم (3077) بإسناد صحيح.

قوله: "في حديث [ابن عباس] (¬1) بست أو سبع" كأنه شك من أحد الرواة غير ابن عباس إذ المعروف أو المجمع عليه "سبع". 4 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - غَدَاةَ العَقَبَةِ وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ: "هَاتِ القُطْ لِي. فَلَقَطْتُ لَهُ حَصَيَاتٍ مِنْ حَصَى الخَذْفِ. فَلمَّا وَضَعْتُهُنَّ فِي يَدهِ قَالَ: بِأَمْثَالِ هَؤُلاَءِ. إِيَّاكُمْ وَالغُلُوَّ فِي الدِّينِ، فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلكُمُ بِالغُلُوُّ فِي الدِّينِ" (¬2). أخرجهما النسائي. [صحيح]. "وَحصَى الخَذْفِ" بالخاء المعجمة. قوله: "وعن ابن عباس" هذا لفظ النسائي إلاّ أنه يوهم أنه عبد الله؛ لأنه إذا أطلق فهو هو، وليس هذا عبد الله بل الفضل بن عباس نبّه عليه في "سفر السعادة"؛ ولأنّ عبد الله قد كان وقت الرمي تقدم مع ضعفة آله - صلى الله عليه وسلم - إلى مكة كما تقدم. ويدل له أنه يريد النسائي عن الفضل بن عباس [191/ أ]. قوله: غداة العقبة وهي غداةُ النحر، وكان الفضل قد أردفه - صلى الله عليه وسلم - خلفه كما أخرجه البخاري (¬3) عن ابن عباس: "أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - أردف الفضل" وفي رواية له عنه: "أنّ أسامة كان ردف النبي - صلى الله عليه وسلم - من عرفة إلى المزدلفة ثم أردف الفضل من المزدلفة إلى منى"، وبهذا يعلم أنّ ابن عباس الذي أمره النبي - صلى الله عليه وسلم - بالتقاط حصى الرمي هو الفضل؛ لأنه الذي كان معه على راحلته غداة العقبة [181 ب]. ¬

_ (¬1) كذا في (أ. ب)، وهو خطأ. بل هو عن سعد كما في نص الحديث. (¬2) أخرجه النسائي في "السنن" رقم (3057). (¬3) في "صحيحه" رقم (1513).

الفصل الثاني: في وقت الرمي

الفصل الثاني: في وقت الرمي قوله: "الفصل الثاني: في وقت الرمي". 1 - عن جابر - رضي الله عنه - قال: رأَيْتُ رسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَرْمِي يَوْمَ النَّحْرِ ضُحًى. وَأَمَّا بَعْدَ ذلِكَ فَبعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ. أخرجه الخمسة (¬1) إلا البخاري. [صحيح]. قوله: "في حديث جابر يرمي يوم النحر ضحى" أي: يرمي جمرة العقبة إذ لا يرمى يوم النحر إلاّ هي. 2 - وعن نافع: أَنَّ ابْنَةَ أَخٍ لِصَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ امرأةِ عبدِ الله بن عُمرَ نُفِسَتْ بِالمُزْدَلِفَةِ فتخَلَّفَتْ هِيَ وَصَفِيَّةُ حَتَّى أتَتَا مِنًى بَعْدَ أَنْ غَرَبَتِ الشَّمْسُ يَوْمِ النَّحْرِ فَأَمَرَهُمَا ابْنُ عُمَرَ أَنْ تَرْمِيَا حِينَ قَدِمَتَا وَلَمْ يَرَ عَلَيْهِمَا بأْسًا. أخرجه مالك (¬2). [موقوف حسن]. قوله: في حديث نافع "بنت أبي عبيد" أبو عبيد: هو أبو مسعود بن عمر الثقفي والد المختار بن أبي عبيد أسلم في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم إنّ عمر بن الخطاب استعمله سنة ثلاث عشرة وسيّره إلى العراق. 3 - وعن أبي البَدّاح عاصم بن عَدِيِّ عن أبيه - رضي الله عنه -: أنّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - أَرْخَصَ لِرِعَاءِ الإِبِلِ فِي البَيْتُوتَةِ عَنْ مِنًى يَرْمُونَ يَوْمَ النّحْرِ ثُمَّ يَرْمُونَ الغَدَ وَمِنْ بَعْدِ الْغَدِ لِيَوْمَيْنِ ثُمَّ يَرْمُونَ يَوْمَ النَّفْرِ. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (3/ 579 - مع "الفتح") تعليقًا، ومسلم رقم (313/ 1299)، وأبو داود رقم (1971)، والترمذي رقم (894)، والنسائي رقم (3063)، وابن ماجه رقم (3053)، وأحمد (3/ 312)، وهو حديث صحيح. (¬2) في "الموطأ" (1/ 409 رقم 220)، وهو أثر موقوف حسن.

أخرجه الأربعة (¬1). [صحيح]. وقال مالك (¬2): تفْسِيرُ ذلك فيما نرى والله أعلم: أنهم يرمون يوم النحر، فإذا مضى اليومُ الذي يليه رموا من الغد وذلك يوم. النّفْر الأول يرمون لليوم الذي مضى ثم يرمون ليومهم ذلك؛ لأنه لا يقْضي أحد شيئًا حتى يجبَ عليه، فإذا وجب عليه ومضى كان القضاءُ بعد ذلك. فإنْ بدا لهم في النَّفْر، فقد فرَغوا، وإنْ أقاموا إلى الغد رموا مع الناس يوم النَّفْرِ الآخر ونَفرُوا. - قوله: "وعن أبي البداح" بفتح الموحدة وتشديد الدال المهملة وبالحاء المهملة، قيل: إنّ اسمه عاصم بن عدي، واختلف في صحبته فقيل: له إدراك، وقيل: إنّ الصحبة لأبيه وليست له صحبة، والصحيح: أنّ له صحبة قاله ابن عبد البر (¬3). قوله: "ثم يرمون الغد" أي: ثاني النحر الجمرتين و"من بعد الغد ليومين" قد فسّرّهُ مالك بما بينه، وأنهم يرمون يوم النحر (¬4) ثم لا يرمون فى غده بل يؤخرونه، ويرمون ثالث النحر الجمرات الثلاث كل جمرة مرتين، فقوله: "ثم يرمون الغد"، ظاهره مشكل؛ لأن ظاهره أنهم يوقعون الرمي ذلك اليوم. قوله: "فإن بدا لهم في النفر" (¬5) بأن يعجلوا في يومين. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود رقم (1675)، والترمذي رقم (955)، والنسائي رقم (3069)، وابن ماجه رقم (3037) , ومالك (1/ 408، 409)، وأخرجه أحمد (5/ 450)، وهو حديث صحيح. (¬2) في "الموطأ" (1/ 409). (¬3) في "الاستيعاب" رقم (2855). (¬4) انظر: "المغني" (5/ 295)، "المجموع شرح المهذب" (8/ 177). (¬5) هذه العبارة من كلام مالك في تفسيره الحديث. "الموطأ" (1/ 409).

[الفصل الثالث: في الرمي راكبا وماشيا ..]

4 - وعن نافع أن ابن عمر - رضي الله عنهما - كان يقول: مَنْ غَرَبَتْ لهُ الشمسُ مِنْ أَيَّامِ التّشرِيقِ وهو بِمِنًى فَلاَ يَنْفُرْ حَتَّى يَرْمِي الجِمَارَ مِنْ الغَدِ. أخرجه مالك (¬1). [موقوف صحيح]. قوله: "في [182 ب] حديث نافع: من غربت له الشمس .. إلى آخره" أنه يلزم بغروب شمس ذلك اليوم أن لا يجوز النفير إلاّ في الثالث بعد رمي الجمار، وهذه فتوى من ابن عمر وكأنه يريد أن بغروب شمس الثاني تحقق تأخره، وعدم تعجله فيلزمه ما يلزم المتأخر. [الفصل الثالث: في الرمي راكبًا وماشيًا ..] (¬2) 1 - عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: كانَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - إذَا رَمَى الِجَمارَ مَشَى إِلَيْهَا ذَاهِبًا وَرَاجِعًا. أخرجه أبو داود (¬3) والترمذي (¬4). [صحيح]. 2 - وعن قاسم بن محمد قال: كانَ النَّاسُ إِذَا رَمَوا الِجَمارَ مَشَوْا ذَاهبين وَرَاجعيِنَ، وَأَوَّلُ مَنْ رَكِبَ مُعَاويَةُ. أخرجه مالك (¬5). [مقطوع صحيح]. 3 - وعن جابر - رضي الله عنه - قال: رأَيتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ النَّحْرِ يَرْمي عَلَى راحِلَتِه وهُوَ يَقُولُ: خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُم. لاَ أدْرِي لَعَلّي لاَ أحُجُّ بَعْدَ حَجّتِي هذِهِ. أخرجه مسلم (¬6) وأبو داود (¬7) والنسائي (¬8) [صحيح]. ¬

_ (¬1) في "الموطأ" (1/ 407)، وهو أثر موقوف صحيح. (¬2) ما بين الحاصرتين زيادة من (ب). (¬3) في "السنن" رقم (1969). (¬4) في "السنن" رقم (900). وهو حديث صحيح. (¬5) في "الموطأ" (1/ 407 رقم 215) مقطوع صحيح. (¬6) في "صحيحه" رقم (310/ 1297). (¬7) في "السنن" رقم (1970). (¬8) في "السنن" رقم (3062). وهو حديث صحيح.

قوله: "خذوا عني مناسككم" أي: عباداتكم وذلك أنّ الحج المأمور به في الكتاب والسنة مجمل اتفاقًا، ولا يتم الامتثال له والعمل به إلاّ بعد بيانه، وقد بيّنه الله تعالى على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - وأفعاله وتقريره، ولذا قال تعالى: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ} , والبيان بالأفعال أوضح منه بالأقوال، ولذا قال - صلى الله عليه وسلم -: "صلوا كما رأيتموني أصلي" (¬1) مع أنّه قد بيّنها بأقواله وتعليم العباد إياها من أركانها وشرائطها، كذلك الحج بيّنه - صلى الله عليه وسلم - بأفعاله ثم أمرهم بأخذه، أعني من أفعاله وأقواله، والمناسك جمع منسك [و] (¬2) هي العبادة والمراد هنا عبادات الحج إذ السياق فيه إلاّ أنّه لا يقصر العام على سببه، فكل عبادة إنما تؤخذ منه - صلى الله عليه وسلم -، فقوله: "خذوا عني" شامل لكل عبادة، وقد تقرر أنّ أفعاله - صلى الله عليه وسلم - هي بيان الإجمال تفيد الوجوب لما بيّنه، وكل ما فعله صلى الله عليه [183 ب] وآله وسلم في حجه من عبادة فالأصل فيها الوجوب حتى يأتي دليل على خلافه، ولذا قال - صلى الله عليه وسلم -: "نحرت هنا ومنى كلها منحر، ووقفت هنا وعرفات كلها موقف" (¬3). دفعًا لتوهم أنه يتعين محلات مناسكه؛ لأنها من بيان المجمل فدفع ذلك، ومنه قوله: "ارم ولا حرج" (¬4) ونحوه مما يأتي. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (630)، ومسلم رقم (24/ 399)، وأبو داود رقم (589)، والترمذي رقم (205)، والنسائي (2/ 77)، وابن ماجه رقم (979) من حديث مالك بن الحويرث. (¬2) زيادة من (أ). (¬3) أخرجه أحمد (3/ 321)، ومسلم رقم (149/ 1218)، وأبو داود رقم (1907). من حديث جابر - رضي الله عنه -. وهو حديث صحيح. (¬4) أخرجه أحمد (2/ 159، 160، 192، 210، 217)، والبخاري رقم (1736)، ومسلم رقم (333/ 1306) من حديث عبد الله بن عمر.

[الفصل الرابع: في أحاديث متفرقة]

قوله: "لعلِّي لا أحج بعد عامي هذا" بيّن البيهقي (¬1) في رواية سببه وذلك أنها أنزلت عليه: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1)} في أوسط أيام التشريق، فعرف أنّه الوداع، فأمر براحلته القصواء فرجلت، فركب ووقف بالعقبة واجتمع الناس فقال: "أيها الناس ... " وذكر الحديث. [الفصل الرابع: في أحاديث متفرقة] (¬2) 1 - عن جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "الِاسْتِجْمَارُ تَوٌّ وَرَمْيُ الجِمَارِ تَوٌّ وَالسَّعْي بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ تَوٌّ، وَالطَّوَافُ تَوٌّ، وَإِذَا اسْتَجْمَرَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَجْمِرْ بِتَوٍّ". أخرجه مسلم (¬3). "التَّوُّ" الوتر. قوله: "الاستجمار توٌ" بفتح المثناة الفوقية، وتشديد الواو، هو أي: الاستجمار رمي الجمار، وباستعمال الحجارة في الاستنجاء أيضاً، قاله ابن الأثير (¬4)، فيحتمل أنّه أراد هنا المعنيين معًا، وإن اختلفا عددًا؛ لأنّه بالمعنى، ويحتمل أنّه لم يرد هنا إلاّ المعنى الأول بقرينة السياق وقرائنه بل قوله أخرى: "وإذا استجمر" يدل أنّه ما إرادته إلاّ رمي الجمار. قول المصنف في تفسير التو "بالوتر" وفي "غريب الجامع" (¬5): التوّ الفرد، وفرق بين الأمرين، فالوتر نقيض الشفع يصدق على الواحد والثلاثة ونحوها، والفرد لا يشمل الثلاثة ¬

_ (¬1) في "السنن الكبرى" (5/ 152). (¬2) ما بين الحاصرتين زيادة من (ب). (¬3) في"صحيحه" رقم (1299). (¬4) في "غريب الجامع" (3/ 288). (¬5) (3/ 288).

الباب الثامن: في الحلق والتقصير

من حيث هي، وفسّر "التوّ" في "القاموس" (¬1) بمثل تفسير ابن الأثير (¬2)، ثم على كل تقدير فالمراد هنا في الحديث عدد معيّن هو السبعة. 2 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: لَوْلاَ مَا يُرْفَعُ الذِي يُتَقَبّلُ مِنَ الجِمَارِ كانَ أعْظَمَ مِنْ ثَبِيرٍ. أخرجه رزين. قوله: "في حديث ابن عباس: لكان أعظم من ثبير" أي: كان ما يرمى به من الحصى لولا أنه يرفع الذي يقبل (¬3) منه أعظم من جبل ثبير، وهذا لا يقوله إلاّ توقيفًا. الباب الثامن: في الحلق والتقصير .. [184 ب] 1 - عن أنس - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبيَّ أَتَى الجَمْرَةَ فَرَمَاهَا، ثُمَّ أتى مَنْزِلَهُ بِمِنًى وَنَحَرَ، ثُمَّ قَالَ لِلْحَلاَّقِ: "خُذْ". وَأَشَارَ إِلَى جَانِبِهِ الأَيْمَنِ ثُمَّ الأَيْسَرِ، ثُمَّ جَعَلَ يُعْطِيهِ النَّاسَ (¬4). [صحيح]. وفي رواية (¬5): أَعْطى الجَانِبَ الأَيْمَنَ لمَنْ يَلِيهِ وَالأَيْسَرَ لِأمِّ سُلَيْمٍ. [صحيح]. ¬

_ (¬1) "القاموس المحيط" (ص 1634). (¬2) في غريب "الجامع" (3/ 288). (¬3) أخرج الطبراني في "الأوسط" رقم (1750)، والحاكم في "المستدرك" (1/ 476). وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (3/ 260)، وقال: رواه الطبراني في "الأوسط"، وفيه يزيد بن سنان التميمي. وهو ضعيف عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قلنا: يا رسول الله! هذه الجمار - التي تُرمَى كل سنة - فنحسب أنّها تنقص. قال: "ما تقبل منها رُفع، ولولا ذلك رأيتموها مثل الجبال". وهو حديث ضعيف. (¬4) أخرجه مسلم رقم (323/ 1305)، وأبو داود رقم (1981)، والترمذي رقم (912)، وأحمد (2/ 151). وهو حديث صحيح. (¬5) أخرجه مسلم في "صحيحه" رقم (324/ 1305).

2 - وفي رواية: أَنَّهُ دَفَعَ الأَيْسَرَ إلى أبِي طَلْحَةَ، وَقَالَ لَهُ: "اقْسِمْهُ بَيْنَ النَّاسِ" (¬1). أخرجه الخمسة إلا النسائي. [صحيح]. قوله: "للحلاّق" وهو معمر بن نافع بن نضلة العدوي (¬2)، وهو الذي بعثه - صلى الله عليه وسلم - ينادي: "لا يصومنّ أحدٌ أيام التشريق، إنما هي أيام أكل وشرب" قاله القسطلاني. قوله: "لأم سليم" وهي أم أنس بن مالك كانت تغسله للمرضى ونحوهم، وَأبو طلحة زوجها وهو أمره بقسمة شعر الأيسر بين الناس، فأصاب كل واحد شعرة أو شعرتين، ثم قلّم (¬3) أظفاره وقسم ذلك على الناس أيضًا. 3 - وعن علي - رضي الله عنه - قال: نَهَى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أَنْ تَحْلِقَ المرْأةُ رَأْسَهَا. أخرجه الترمذي (¬4). وزاد رزين: في الحجِّ وَالعُمْرَةِ وَقَالَ: إِنَّمَا عَلَيْهَا التَّقْصِيرُ. [حسن]. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم في "صحيحه" رقم (326/ 1305)، وأبو داود رقم (1981)، والترمذي رقم (912). - وانظر: البخاري (1/ 272 - 273 الباب رقم 171 - مع "الفتح"). (¬2) انظر: "فتح الباري" (1/ 274). (¬3) أخرج أحمد (4/ 42)، وابن خزيمة رقم (2932) بإسناد صحيح عن عبد الله بن زيد: أنّ أباه حدَّثه أنه شهد النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - عند المنحر، ورجلاً من قريش، وهو يقسم أضاحي، فلم يصبه منها شيء، ولا صاحبه فحلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأسه في ثوبه, فأعطاه, فقسم منه على رجالٍ، وقلّم أظفاره, فأعطاه صاحبه. (¬4) في "السنن" رقم (914) وهو حديث حسن. وأخرج أبو داود رقم (1984، 1985)، والدارقطني في "السنن" (2/ 271 رقم 165، 166)، والدارمي رقم (1946)، والبيهقي (5/ 104)، والبخاري في تاريخه (6، 46)، وقوى إسناده الطبراني في الكبير (ج 12 رقم 13018) من طرق. عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ليس على النِّساء الحلقُ إنما على النساء التقصير". وهو حديث صحيح لغيره.

قوله: "في حديث علي [- عليه السلام -] (¬1) أخرجه الترمذي". قلت: وقال: قال أبو عيسى (¬2): حديث علي فيه اضطراب، ورُوي هذا الحديث عن حمّاد بن سلمة عن قتادة عن عائشة: "أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أن تحلق المرأة رأسها"، والعمل على هذا عند أهل العلم لا يرون على المرأة حلقًا، ويرون أنّ عليها التقصير. انتهى كلام الترمذي. 4 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اللهمَّ ارْحَمِ المُحَلِّقِينَ". قَالُوا: وَالمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ الله؟! قَالَ: "اللهمَّ ارْحَمِ المُحَلِّقِينَ". قَالُوا: وَالمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ الله؟! قَالَ: "وَالمُقَصِّرِينَ". أخرجه الستة (¬3) إلا النسائي. [صحيح]. قوله: [192/ أ] "قالوا والمقصرين" قال الحافظ (¬4): لم أقف في شيء من الطرق على الذي تولى السؤال في ذلك بعد البحث الشديد، واختلف متى وقع هذا الدعاء؟ فقال ابن عبد البر (¬5): في الحديبية، وقال النووي (¬6): الصحيح المشهور أنّه كان ذلك في حجة الوداع، وقال عياض (¬7): كان في الموضعين، وكذا قال ابن دقيق العيد (¬8). ¬

_ (¬1) زيادة من (ب). (¬2) في "السنن" (3/ 257). (¬3) أخرجه البخاري رقم (1727)، ومسلم رقم (1301)، وأبو داود رقم (1979)، والترمذي رقم (913)، وابن ماجه رقم (3044). (¬4) في "الفتح" (3/ 562). (¬5) في "التمهيد" (9/ 129). (¬6) في شرحه لـ "صحيح مسلم" (9/ 50). (¬7) في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (4/ 383 - 384). (¬8) في إحكام الأحكام (3/ 83 - 84).

قلت: بل هو المتعين لتظافر (¬1) الروايات بذلك في الموضعين إلاّ أنّ السبب في الموضعين مختلف، فالذي بالحديبية كان بسبب من توقف من الصحابة [185 ب] عن الإحلال لما دخل عليهم من الحزن لكونهم منعوا من الوصول إلى البيت مع اقتدارهم في أنفسهم على ذلك، فلّما أمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - توقفوا، وأشارت أم سلمة أن يحل هو قبلهم ففعل فتبعوه، فحلق بعض وقصّر بعض، فكان من بادر إلى الحلق أسرع في امتثال الأمر ممّن اقتصر على التقصير، وقد وقع التصريح بهذا السبب في حديث ابن عباس، فإنّ في آخره عند ابن ماجه (¬2) وغيره: أنهم قالوا: يا رسول الله! ما بال المحلِّقين ظافرت لهم بالترحم؟ قال: "لأنهم لم يشكوا". وأمّا السبب (¬3) في تكرير الدعاء للمحلقين في حجة الوداع فقال ابن الأثير في "النهاية" (¬4) [كان] (¬5) أكثر من [حج] (¬6) مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يسق الهدي، فلما أمرهم أن يفسخوا الحج إلى العمرة ثم يتحللوا منها ويحلقوا رءوسهم شق عليهم ثم لم يكن لهم بدٌ من الطاعة كان التقصير في أنفسهم أخف من الحلق ففعله أكثرهم فرجّح النبي - صلى الله عليه وسلم - فعل من حلق؛ لأنه يكون أبين في امتثال الأمر. انتهى. ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (3/ 564). (¬2) في "السنن" رقم (3045)، وهو حديث حسن. (¬3) انظر: "فتح الباري" (3/ 564). (¬4) في "النهاية في غريب الحديث" (1/ 418). (¬5) كذا في المخطوط (أ. ب) والذي في "النهاية" لأنَّ. (¬6) كذا في المخطوط (أ. ب) والذي في "النهاية" أحرم.

قال الحافظ (¬1) بعد نقله: وفيما قاله نظر وإن تابعه عليه غير واحد؛ لأنّ المتمتع يستحب في حقه أن يقصر في العمرة ويحلق في الحج إذا كان ما بين النسكين متقاربًا، وقد كان ذلك في حقهم كذلك، والأولى ما قاله الخطابي وغيره: أنّ عادة العرب أنّها تحب توفير الشعور والتزين [به] (¬2) وكان الحلق فيهم قليلاً، وربما كانوا يرونه من الشهرة ومن زي الأعاجم، فلذلك كرهوا الحلق واقتصروا على التقصير. قوله: "والمقصرين" عطف تلقين، أي: قل: والمقصرين، قال: "والمقصرين". وهو بتقدير عطف على مقدر تقديره: "يرحم الله المحلقين"، وإنما قال ذلك بعد أن دعا للمحلقين ثلاث مرات فيكون دعا [186 ب] للمقصرين في الرابعة. 5 - وللشيخين (¬3) عن أبي هريرة: أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "اللهمَّ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ". قَالُوا: يَا رَسُولَ الله وَلِلْمُقَصَّرِينَ. قَالَ: "اللهمَّ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ". قَالُوا: يَا رَسُولَ الله وَللْمُقَصِّرِينَ. قال: "اللهُمَّ اغْفِرْ لِلمُحَلِّقينَ". قالوا: يا رسولُ اللهِ: ولِلْمُقَصِّرِينَ؟ قَالَ: "وَلِلْمُقَصِّرِينَ". [صحيح]. 6 - ولمسلم (¬4) عن أُم الحُصَيْنِ - رضي الله عنها - قالت: سَمِعْتُ النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - في حَجُةِ الوَدَاعِ دَعَا لِلمُحَلّقينَ ثَلاَثًا، وَللمُقَصِّرينَ مَرَةً وَاحِدةً. [صحيح]. ¬

_ (¬1) في "فتح الباري" (3/ 564). (¬2) الذي في المخطوط بها وما أثبتناه من "الفتح". (¬3) البخاري رقم (1728)، ومسلم رقم (320/ 1305). (¬4) في "صحيحه" رقم (1303).

الباب [التاسع]: في التحلل

الباب [التاسع] (¬1): في التحلل فيه فصلان قوله: "الباب [التاسع] (¬2) في التحلّل" وهو الخروج من الإحرام بحل ما حرم به. الفصل الأول: في تقديم بعض أسبابه على بعض قوله: "الفصل الأول" في تقديم بعض أسبابه على بعض. 1 - عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال: وَقَفَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ بِمِنًى لِلنَّاسِ يَسْأَلُونَهُ، فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: لَمْ أَشْعُرْ فَحَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ؟ فَقَالَ: "اذْبَحْ وَلاَ حَرَجَ". وَجَاءَهُ آخَرُ فَقَالَ: لَمْ أَشْعُرْ فَنَحَرْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ. فَقَالَ: "ارْمِ وَلاَ حَرَجَ". فَمَا سُئِلَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنْ شَيءٍ قُدِّمَ وَلاَ أُخِّرَ إِلاَّ قَالَ: افْعَلْ وَلاَ حَرَجَ. أخرجه الستة (¬3) إلا النسائي. [صحيح]. قوله: "في حديث عبد الله بن عمرو: ولم أشعر" أي: لم أعلم، والشعور هو العلم الدقيق الذي يكون حادثًا من الفطنة وهو من شعار القلب، ومنه سمي الشاعر شاعراً لفطنة ما يدق من المعنى والوزن، ومنه الشعر لدقته، ويقال: ما شعرت بذا، ما علمت به (¬4)، وليت شعري ما صنع فلان، أي: ليت علمي (¬5). ¬

_ (¬1) في (أ) الرابع. (¬2) في (أ) الرابع. (¬3) أخرجه البخاري رقم (1736)، ومسلم رقم (333/ 1306)، ومالك في "الموطأ" (1/ 421)، وأبو داود رقم (2014)، والترمذي رقم (916)، وابن ماجه رقم (3051). وله روايات انظرها نصًا وتخريجًا في "نيل الأوطار" (9/ 353 - 356 - بتحقيقي). (¬4) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (1/ 874). (¬5) وتمام العبارة: حاضرٌ أو محيط بما صنع.

قوله: "في حديث عبد الله بن عمرو: "فما سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومئذٍ عن شيءٍ قُدّم أو أُخِّر إلاّ قال: افعل ولا حرج". في شرح مسلم (¬1): إن أفعال يوم النحر أربعة: رمي جمرة العقبة، ثم النحر، ثم الحلق، ثم طواف الإفاضة، والسنة ترتيبها هكذا، فلو خالف وقدّم بعضها على بعض جاز ولا فدية عليه لهذه الأحاديث. 2 - وعن أسامة بن شَريك - رضي الله عنه - قال: خَرَجْتُ مَعَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - حَاجًّا فَكَانَ النَّاسُ يَأْتُونَهُ، فَمَنْ قَائلَ يَقُولُ: يَا رَسُولَ الله: سَعَيْتُ قَبْل أَنْ أَطُوفَ، وَأَخَّرْتُ شَيْئًا أَوْ قَدَّمْتُهُ، فَكَانَ يَقُولُ: "لاَ حَرَج إِلاَّ عَلَى رَجُلٍ اقْتَرَضَ عِرْضَ مُسْلِمٍ وَهُوَ ظَالِمٌ فَذَلِكَ الَّذِي حَرِجَ وَهَلَكَ". أخرجه أبو داود (¬2). [صحيح]. "الحرج" (¬3) الإثم والضّيق. ومعنى "اقْتَرَضَ (¬4) عِرْضَ مُسْلم" اغتابه، شبَّه ذلك بالقَطع بالمِقْراض. 3 - وعن نافع قال: لَقِيَ ابن عُمرَ - رضي الله عنهما - رَجُلاً أفَاضَ وَلَمْ يَحْلِقْ وَلَمْ يُقَصِّرْ جَهِلَ ذَلِكَ فَأَمَرَهُ أَنْ يَرْجِعَ فَيحْلِقَ أوْ يُقَصِّرَ، ثُمَّ يَرْجِعَ إِلَى البَيْتِ فَيُفِيض. أخرجه مالك (¬5). [موقوف صحيح]. ¬

_ (¬1) في شرحه لـ "صحيح مسلم" (9/ 55). (¬2) في "السنن" رقم (2015) , وهو حديث صحيح. (¬3) انظر:"النهاية في غريب الحديث" (1/ 353 - 354)، "المجموع المغيث" (1/ 418). (¬4) انظر: "الفائق" (3/ 101)، "المجموع المغيث" (2/ 606). (¬5) في "الموطأ" (1/ 397 رقم 189) موقوف صحيح.

الفصل الثاني: في وقت التحلل وجوازه

قوله: "في حديث نافع: ثم يرجع إلى البيت فيفيض" أي: يطوف طواف الإفاضة، وفتوى [ابن عمر] (¬1) هذه تخالف ما تقدم من الأحاديث فهو محمول على أنّه لم يبلغه. الفصل الثاني: في وقت التحلل وجوازه قوله: "الفصل الثاني: في وقت التحلل". 1 - عن ابن عمر - رضي الله عنهما -: أَنَّ عُمرَ قال: مَنْ رَمَى الجَمْرَةَ ثُمَّ حَلَقَ أَوْ قَصَّرَ ونَحَرَ هَدْيًا إِنْ كَانَ مَعَهُ فقَدْ حَلًّ لَهُ ما حَرمَ عَلَيْهِ إِلاَّ النِّسَاءَ وَالطَّيبَ حَتَّى يَطُوفَ بالبَيْتِ. أخرجه مالك (¬2). [موقوف صحيح]. قوله: "في حديث عمر: من رمى الجمرة ثم حلق أو قصّر ... الحديث" ظاهر الأحاديث المرفوعة أنّ بعد رمي الجمرة يحل له كل شيء إلاّ النساء، وهو قول ابن عباس الآتي في الحديث الثاني. 2 - عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال: "إذَا رَمَى الجَمْرَةَ يعني: جَمْرَةَ العَقَبَةِ فَقَدْ حَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ حَرُمَ عليه إلاّ النَّساء". قيل: فَالطِّيبُ؟ قال: أَمَّا أَنَا فَقَدْ رَأَيْتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - هو يَتَضَمّخُ بِالمِسْكِ أَوْ طيبٌ هو. أخرجه النسائي (¬3). [صحيح لغيره] قوله: "أمّا أنا [187 ب] فقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتضمخ بالمسك" أي: بعد رميه الجمرة. وقوله: "أو طيب هو" تهكم. ¬

_ (¬1) في (أ): عمر، وهو خطأ. (¬2) في "الموطأ" (1/ 410 رقم 222)، وهو أثر موقوف صحيح. (¬3) في "السنن" رقم (3083). وأخرجه أحمد (1/ 334) , وأبو داود رقم (1940) , وابن ماجه رقم (3041)، وهو حديث صحيح لغيره.

3 - وعن أم سلمة - رضي الله عنها - قالت: كَانَتْ لَيْلَتِي الَّتِي يَصِيرُ إِلَيَّ فِيهَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - مَسَاءَ يَوْمِ النَّحْرِ، فَصَارَ إِلَيَّ فَدَخَلَ عَلَيَّ وَهْبُ بْنُ زَمْعَةَ وَمَعَهُ رَجُلٌ مِنْ آلِ أَبِي أُمَيَّةَ مُتَقَمِّصيْنِ. فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم - لِوَهْبٍ: "هَلْ أفضْتَ يا أَبَا عَبْدِ الله؟ ". قَالَ: لاَ وَالله يَا رَسُولَ الله. قَالَ: "فَانْزِعْ عَنْكَ القَمِيصَ". فَنَزَعَهُ مِنْ رَأْسِهِ وَنَزَعَ صَاحِبُهُ قَمِيصَهُ مِنْ رَأْسِهِ. ثُمَّ قَالَ: وَلِمَ يَا رَسُولَ الله؟ قَالَ: "إِنَّ هَذَا يَوْمٌ رُخِّصَ لَكُمْ إِذَا أَنْتُمْ رَمَيْتُمُ الجَمْرَةَ أَنْ تَحِلُّوا". يَعْنِي: مِنْ كُلِّ مَا حَرُمْتُمْ مِنْهُ إِلاَّ النِّسَاءَ "فَإِذَا أَمْسَيْتُمْ قَبْلَ أَنْ تَطُوفُوا بِهَذَا البَيْتَ صِرْتُمْ حُرُمًا كهَيْئَتِكُمْ قَبْلَ أَنْ تَرْمُوا الجَمْرَةَ حَتَّى تَطُوفُوا بهِ". أخرجه أبو داود (¬1). [حسن]. قوله: "في حديث أم سلمة: صرتم حرمًا كهيئتكم قبل أن ترموا" قال النووي (¬2): أجمع العلماء على أنّ طواف الإفاضة ركن من أركان الحج لا يصح الحج إلاّ به، واتفقوا على أنه يستحب فعله يوم النحر بعد الرمي في النحر والحلق، فإن أخّره عنه وفعله في أيام التشريق أجزأ ولا تحرم عليه بالإجماع. انتهى. فهذه حكاية للإجماع (¬3) على خلاف ما أفاده حديث أم سلمة. وقوله: "أخرجه أبو داود". قلت: إلاّ أنه قال المنذري (¬4): فيه محمد بن إسحاق. انتهى. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (1999). وأخرجه الحاكم (1/ 489 - 490)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (5/ 137)، وفي سنده محمد بن إسحاق ولكنه صرح بالتحديث. وهو حديث حسن. (¬2) في شرحه لـ "صحيح مسلم" (9/ 58). (¬3) انظر: "المغني" (5/ 311 - 313). المجموع شرح المهذب (8/ 200). (¬4) في مختصر "السنن" (3/ 428).

وقد قيل: إنه حديث منسوخٌ، وأنه لم يقل به أحد من [193/ أ] العلماء. 4 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: لاَ يَطُوفُ بِالبَيْتِ حَاجٌّ وَلاَ غيْرٌ حَاجٍّ إِلاَّ حَلَّ. قِيلَ لِعَطَاءٍ: مِنْ أَيْنَ تَقُولُ ذَلِكَ؟ قَالَ: مِنْ قَوْلِ الله تَعَالَى: {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (33)} (¬1). قِيلَ: فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ قَبْل المُعَرَّفِ. فَقَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: هُوَ بَعْدَ المُعَرَّفِ وَقَبْلَهُ. وَكَانَ يَأْخُذُ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ أَمَرَهُمْ أَنْ يَحِلُّوا فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ. أخرجه الشيخان (¬2). [صحيح]. "المُعَرَّفُ" (¬3) اسم المواقف: أي بعد الوقوف بالمعرَّف. قوله: "في حديث ابن عباس: أو غير حاج إلاّ حل". أي: صار حلالاً بمجرد طوافه بالبيت، وقد استدل له عطاء بالآية وبأمره - صلى الله عليه وسلم - للحجاج معه أن يجعلوا حجهم عمرة، وهذا هو الذي استدل به [ابن] (¬4) القيم (¬5) بأنه لا حج إفراد بل من حج مفرداً انقلب حجه عمرة شاء أو أبى، وأطال البحث في ذلك ولكنه لا يخفى أنه لا يتم إحلال المحرم بمجرد الطواف بالبيت، بل لا يتم [إلا] (¬6) بالطواف بين الصفا والمروة والحلق أو التقصير، ففي عبارة ابن عباس حذف ويعقبه ما علم من أن [188 ب] العمرة ذات أركان، غير الطواف بالبيت. قوله: "قيل" أي: لعطاء "قال ذلك" أي: المحل المذكور في الآية. ¬

_ (¬1) سورة الحج الآية (33). (¬2) أخرجه البخاري رقم (4396)، ومسلم رقم (1244، 1245). (¬3) قال ابن الأثير في "النهاية" (2/ 191): المُعرَّف به بعد الوقوف بعرفة، وهو التعريف أيضاً، والمُعرَّف في الأصل: موضع التعريف ويكون بمعنى المفعول. (¬4) زيادة من (ب). (¬5) في "زاد المعاد" (2/ 129). (¬6) في (ب): ولا.

"بعد المعرّف" أي: الوقوف بعرفة، فأجاب بأنّ ابن عباس كان يقول: أنّه قبله وبعده. 5 - وعن حفصة - رضي الله عنها - قالت: أَمَرَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَزْوَاجَهُ أَنْ يَحْلِلْنَ عَامَ حَجَّةِ الوَدَاعِ. قَلْتُ: فَمَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَحِلَّ؟ قَالَ: "إِنِّي لَبَّدْتُ رَأْسِي وَقَلَّدْتُ هَدْيِي فَلاَ أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ هَدْيِي". أخرجه الستة (¬1) إلا الترمذي. [صحيح]. قوله: "في حديث حفصة أن يحللن" أي: من حجهن بالفسخ إلى العمرة كما أمر بذلك كل حاج إلاّ من ساق الهدي، وقد أجاب عليها بأنّ المانع من الإحلال أنه لبّد رأسه وقلّد هديه. وسبق تقريره. 6 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: أَهَلَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِعُمْرَةٍ وَأَهَلَّ أَصْحَابُهُ بِحَجٍّ فَلَمْ يَحِلَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، وَلاَ مَنْ سَاقَ الهَدْيَ مِنْ أَصْحَابِهِ وَحَلَّ بَقِيَّتُهُمْ. أخرجه مسلم (¬2) [صحيح]. قوله: "في حديث ابن عباس: أهلّ النبي - صلى الله عليه وسلم - بعمرة" أي: منضافة إلى الحج. و"أهلَّ أصحابه بحج" أي: مفرد. 7 - وعن نافع قال: كانَ ابْنَ عُمَرَ - رضي الله عنهما - يَقُولُ: المَرْأَةُ المُحْرِمَةُ إِذَا حَلَّتْ لَمْ تَمْتَشِطْ حَتَّى تَأْخُذَ مِنْ قُرُونِ رَأْسِهَا. وَإِنْ كَانَ لَهَا هَدْيٌ لَمْ تَأْخُذْ مِنْ شَعْرِهَا شَيْئًا حَتَّى تَنْحَرَ هَدْيَهَا. أخرجه مالك (¬3). [موقوف صحيح]. "وَقرُونُ الرَّأْسِ" هي الضفائر من الشعر. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (1566)، ومسلم رقم (1229)، وأبو داود رقم (1806)، وابن ماجه رقم (3046)، والنسائي رقم (2682، 2781). (¬2) في "صحيحه" رقم (196/ 1239)، وأخرجه أحمد (1/ 240)، وهو حديث صحيح. (¬3) في "الموطأ" (1/ 387 رقم 163) موقوف صحيح.

قوله: أي "في حديث نافع: المرأة المحرمة إذا حلت لم تمتشط" كأنه يرى أنه بالامتشاط لا تحل إلاّ بعد التقصير وهذا رأي، وقد أمر - صلى الله عليه وسلم - عائشة لمّا حاضت أن تمتشط مع أنها باقية على إحرامها فدلّ على أنّه لا يحرم الامتشاط على المحرمة فبالأولى [من] (¬1) صارت حلالاً، والله أعلم. انتهى ولله الحمد الكلام على شرح الربع الأول من تيسير الوصول مع بحث بن أحاديثه بطرقها، وإيضاح لمعانيه وتحقيقها، ولله الحمد نسأله أن ينفع به العباد، وأن يجعله من زاد المعاد، وأن يوفق للتمام، وأن يحسن العاقبة والختام وأن يصلي ويسلم على سيد الأنام وعلى آله الكرام. آمين. (29) من شهر شوال سنة (1175) [194/ أ]. [انتهى من خط المصنف - رحمه الله -] (¬2). [189 ب]. الحمد لله الذي يسّر شرح أحاديث الربع الأول من التيسير وأعان عليه [وبإعانة] (¬3) كل عسير يسير، والصلاة والسلام على رسوله البشير النذير وعلى آله المطهرين بإرادة الله أكمل تطهير وبعد: فهذا شروع في شرح أحاديث الجزء الثاني ببيان ضبط ألفاظه وإيضاح المعاني، نسأل الله الإعانة عليه، وأن يجعله من الأعمال المقبولة لديه .. ¬

_ (¬1) زيادة من (أ). (¬2) ما بين الحاصرتين زيادة من (ب). (¬3) في (أ) بإعانته.

الباب العاشر: في الهدي والأضاحي

الباب العاشر: في الهدي والأضاحي [وفيه اثنا عشر فصلاً] (¬1) قوله: "الباب العاشر في الهدي والأضاحي". الهدي (¬2) بفتح الهاء وسكون الدال المهملة الخفيفة في "النهاية"، وبالتشديد هو ما يهدى إلى البيت الحرام من النعم لتنحر، فأطلق على جميع الإبل وإن لم تكن هديًا تسمية للشيء ببعضه، يقال: كم هَدْيُ بني فلان؟ أي: كم إبِلهُم، والهدي إنما هو من الإبل والبقر وفي الغنم خلاف. انتهى (¬3). ويقال: أضحية (¬4) بضم الهمزة وكسرها وتشديد الياء وتخفيفها وجمعها أضاحي ويقال: ضحية وجمعها: ضحايا، ويقال: أضحاه بفتح الهمزة وجمعها أضحي كأرطأة وأرطي، وبها سُمِّي يوم الأضحى، وقيل: سميت بذلك لأنها تفعل وقت الضحى. الفصل الأول: في إيجابها [وأسنانها] (¬5) قوله: "الفصل الأول في إيجابها [وأسنانها] " (¬6) المراد به مقدار عمرها إلاّ أنه ليس في هذا الفصل بيان أسنانها إنما يأتي في الثاني وكان الأحسن تأخيره. ¬

_ (¬1) زيادة من (ب). (¬2) قاله ابن الأثير في "النهاية" في "غريب الحديث" (2/ 899). (¬3) قاله ابن الأثير في "النهاية" في "غريب الحديث" (2/ 899). (¬4) انظر: "المجموع المغيث" (2/ 313)، "النهاية" (2/ 72). (¬5) (أ) وأسبابها. وفي "الجامع" (3/ 316) واستنانها. (¬6) (أ) وأسبابها. وفي "الجامع" (3/ 316) واستنانها.

1 - عن مخِنَف بن سليم - رضي الله عنه - قال: سَمِعْتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّ عَلَى كُلِّ أَهْلِ بَيْتٍ فِي كُلِّ عَامٍ أُضْحِيَةً وَعَتِيرَةً. هَلْ تَدْرُونَ مَا العَتَيرَةُ؟ هِيَ الَّتِي تُسَمُّونَهَا الرَّجَبِيّةَ". أخرجه أصحاب السنن (¬1). [حسن لغيره]. "وَالمُرَادُ بالعتيرة" (¬2) هنا شاة تذبح في رجب. قوله: "عن مخنف" (¬3) هو بكسر الميم وسكون الخاء المعجمة فنون مفتوحة ففاء، هو الأزدي العامري كوفي، وقيل: بصري له صحبة كان حامل راية الأزد في صفِّين. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود رقم (2788)، وابن ماجه رقم (3125)، والترمذي رقم (1518)، وقال: هذا حديث حسن غريب. والنسائي رقم (4224)، وأخرجه أحمد (4/ 215)، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" رقم (2318)، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" رقم (1059)، وابن قانع في معجم الصحابة (3/ 91)، والطبراني في "الكبير" (ج 2 رقم 738)، والبيهقي (9/ 312 - 313)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (1128) من طرق. قال عبد الحق في "الأحكام الوسطى" (7/ 94): إسناده ضعيف. وتعقبه ابن القطان في "الوهم والإيهام" (3/ 577 - 578)، وصدق ولكنه لم يبين علته، وهي الجهل بحال عامر هذا، فإنّه لا يعرف إلا بهذا، يرويه عنه ابن عون، وقد رواه أيضاً عنه ابنه حبيب ابن مخنف وهو مجهول أيضاً كأبيه. اهـ. وقال محققه: وهذا خطأ فأبوه صحابي معروف. وخلاصة القول: أن الحديث حسن لغيره، والله أعلم. (¬2) هي ذبيحة كانوا يذبحونها في العشر الأول من رجب، ويسمونها الرجبية. انظر: "النهاية" (3/ 178)، "تهذيب اللغة" (2/ 262). (¬3) انظر: "التقريب" (2/ 236 رقم 987).

قوله: "إنّ على كل بيت" هذا الدليل على الإيجاب بالذي تدل عليه [190 ب] على، والجمهور (¬1) على أنها سنة في حق الموسر لا يأثم بتركها بلا عذر ولا قضاء عليه، وبه قال جماعة (¬2) من الصحابة. وقال أبو حنيفة (¬3) والليث (¬4) والأوزاعي (¬5): واجبة على الموسر، وقد بسطنا الأقوال وَالأدلة في "سبل السلام" (¬6) واخترنا أنّها سنة. بل وقد أخرج الترمذي (¬7): "أنّ رجلاً سأل ابن عمر عن الأضحية: أواجبة هي؟ قال: ضحّى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وَالمسلمون، فأعادها عليه فقال: أتعقل! ضحى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وَالمسلمون". ¬

_ (¬1) انظر: "المغني" (13/ 360)، "البناية في شرح الهداية" (11/ 4 - 6). (¬2) قال النووي في "المجموع" (8/ 354 - 355): "فرع: في مذاهب العلماء في الأضحية، ذكرنا أن مذهبنا أنها سنة مؤكدة في حق الموسر ولا تجب عليه، وبهذا قال أكثر العلماء، وممن قال به أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب وبلال، وأبو مسعود البدري، وسعيد بن المسيب، وعطاء, وعلقمة, والأسود، ومالك، وأحمد، وأبو يوسف، وإسحاق, وأبو ثور، والمزني، وداود، وابن المنذر. وقال ربيعة، والليث بن سعد، وأبو حنيفة، والأوزاعي: واجبة على الموسر، إلا الحاج بمنى، وقال محمد بن الحسن: هي واجبة على المقيم بالأمصار. والمشهور عن أبي حنيفة أنّه إنما يوجبها على مقيم يملك نصابًا. (¬3) "البناية في شرح الهداية" (11/ 13) "الاختيار لتعليل المختار" (2/ 491). (¬4) "عيون المجالس" (2/ 929 - 930). (¬5) انظر: "المجموع شرح المهذب" (8/ 354 - 355). (¬6) (7/ 329 - 330 - بتحقيقي). (¬7) في "السنن" رقم (1506)، وأخرجه ابن ماجه رقم (3124). وهو حديث ضعيف. والله أعلم.

قال الترمذي (¬1): هذا حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند أهل العلم أنّ الأضحية ليست بواجبة، ولكنها سنة من سنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستحب أن يعمل بها، وهو قول سفيان الثوري وابن المبارك. انتهى كلامه. وأمّا العتيرة فقال أبو داود (¬2): وهذا حديث منسوخ. قوله: "تذبح في رجب" زاد الترمذي (¬3): "يعظمون شهر رجب؛ لأنه أول شهر من أشهر الحرم". قوله: "أخرجه أصحاب السنن". قلت: قال المنذري (¬4): أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه، وقال الترمذي (¬5): حسن غريب لا نعرف هذا الحديث [مرفوعًا] (¬6) إلاّ من هذا الوجه من حديث ابن عون، هذا آخر كلامه. وقد قيل: بأنّ هذا الحديث منسوخ بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا فرع ولا عتيرة". قلت: هو حديث أخرجه الترمذي (¬7) عن أبي هريرة مرفوعًا. ¬

_ (¬1) في "السنن" (4/ 92). (¬2) في "السنن" (3/ 227). (¬3) في "السنن" بإثر الحديث رقم (1518). (¬4) في "مختصر السنن" (4/ 92). (¬5) في "السنن" (4/ 99). (¬6) زيادة من المخطوط. غير موجودة في سنن الترمذي. وقد ذكره المنذري في مختصره. (¬7) في "السنن" رقم (1512). وأخرجه البخاري رقم (5473)، ومسلم رقم (1976)، وأبو داود رقم (2831)، وابن ماجه رقم (3168)، والنسائي رقم (4222 - 4223)، وهو حديث صحيح.

وقال (¬1): حسن صحيح. وقيل: المراد لا فرع واجبًا ولا عتيرة واجبة، فيكون جمعًا بين الأحاديث. وقال الخطابي (¬2): هذا الحديث - يريد حديث مخنف - ضعيف المخرج، وأبو رملة بفتح الراء المهملة وبعدها ميم ساكنة ولام مفتوحة وتاء تأنيث، مجهول. وقال أبو بكر المعافري: وحديث مخنف بن سليم ضعيف لا يحتج به، انتهى ملتقطًا من "مختصر السنن" (¬3) للمنذري. [قلت: وفي "التقريب" (¬4)] (¬5): عامر أبو رملة شيخ لابن عون لا يعرف. انتهى. والحديث ساقه أبو داود عن عبد الله بن عون عن عامر أبي رملة, ومن هذه الطريق أخرجه بقية أهل السنن (¬6) إلاّ أني لم أجده في سنن النسائي الصغرى [191 ب] المسماة بالمجتبى (¬7). 2 - وعن ابن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أُمِرْتُ بِيَوْمِ الأَضْحَى عِيدًا جَعَلَهُ الله تَعَالى لَهِذِهِ الأُمَّةِ". فَقَالَ لَهُ رَجُلُ: يَا رسولَ الله أرَأيْتَ إِنْ لَمْ أَجِدْ إِلاَّ مَنِيحَةَ أُنْثَى ¬

_ (¬1) أي: الترمذي في "السنن" (4/ 96). (¬2) في "معالم السنن" (3/ 226 - مع السنن). (¬3) في "مختصر السنن" (4/ 93). (¬4) (1/ 390 رقم 71). (¬5) ما بين الحاصرتين ليس من كلام المنذري. بل هو من كلام الشارح. (¬6) تقدم ذكرهم. (¬7) بل هو في المجتبى برقم (4224)، وفي "السنن الكبرى" برقم (4536).

الفصل الثاني: في الكمية والمقدار

أَفَأُضَحِّي بِهَا؟ قَالَ: "لاَ. وَلَكِنْ تَأْخُذُ مِنْ شَعْرِكَ وَأَظْفَارِكَ وَتَقُصُّ شَارِبَكَ وَتَحْلِقُ عَانَتَكَ، فَذلكَ تَمَامُ أُضْحِيَتِكَ عِنْدَ الله تَعَالى". أخرجه أبو داود (¬1) والنسائي (¬2). [حسن]. قوله: "في حديث عبد الله بن عمرو: وأمرت بيوم الأضحى" أي: أمرني الله بالذبح فيه كما يفيده السياق والترجمة، ولذا قال الرجل: أرأيت .. إلى آخره، فإنه فهم أنّ المأمور به الذبح، وأقره - صلى الله عليه وسلم - على فهمه والأمر للوجوب، ولكنّه - صلى الله عليه وسلم - لما ذكر في فتواه للرجل أنّ تلك الأعمال عوض الأضحية دلّ على إجزائها عن الذبح حيث لا يجده، وأنّه يؤجر بها أجر من ذبح أضحية. 3 - وعن نافع: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ - رضي الله عنهما - لَمْ يَكُنْ يُضَحِّي عَمَّا فِي بَطنِ المَرْأَةِ. أخرجه مالك (¬3). [موقوف صحيح]. قوله: "في حديث نافع: عّما في بطن المرأة" كأنه يريد لا ينوي التضحية عن الحمل وَلا يعده من أهل بيته. الفصل الثاني: في الكمية والمقدار يريد عن كم يجزئ الهدي ممن يلزمه, وقوله: وعن المقدار، كأنه يريد مقدار أسنانها وإلاّ فهو عطف تفسيري. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (2789). (¬2) في "السنن" رقم (4365). وهو حديث حسن. (¬3) في "الموطأ" (2/ 487 رقم 13)، وهو أثر موقوف صحيح.

1 - عن جابر - رضي الله عنه - قال: كُنَّا نَتَمَتَّعُ مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - بِالعُمْرَةِ فَنَذْبَحُ البَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ نَشْتَرِكُ فِيهَا، وَالبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ. أَخرجه الستة (¬1) إلا البخاري. [صحيح]. قوله: "في حديث جابر والبدنة عن سبعة" هذا يعارضه حديث ابن عباس الآتي: "وفي البعير عشرة"، ويأتي الكلام فيه، وفي حديث جابر دليل على أنّ لفظ "البدنة" يختصر بالإبل وليس في رواية جابر أنه - صلى الله عليه وسلم - علم بذلك إلاّ أنه أخرج أبو داود (¬2) عنه قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "البقرة عن سبعة، والجزور عن سبعة" [195/ أ]. قوله: "أخرجه الستة" قال الترمذي (¬3) عقب إخراجه: وفي الباب عن ابن عمر وأبي هريرة وعائشة وابن عباس، قال أبو عيسى (¬4): حديث جابر حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند أهل العلم [من] (¬5) أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيرهم، يرون أنّ الجزور عن سبعة، والبقرة عن سبعة، وهو قول سفيان الثوري والشافعي [192 ب] وأحمد، ورُويَ عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أنّ البقرة عن سبعة, والجزور عن عشرة" وهو قول إسحاق، واحتجّ بهذا الحديث، وحديث ابن عباس إنما نعرفه من وجه واحد, انتهى كلامه. ثم ساق (¬6) حديث ابن عباس الذي أتى به المصنف: "وفي الجزور عشرة". ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم رقم (1318)، ومالك قي "الموطأ" (2/ 486)، وأبو داود رقم (2807)، والترمذي رقم (904)، والنسائي رقم (4393). وهو حديث صحيح. (¬2) في "السنن" رقم (2809)، وهو حديث صحيح. (¬3) في "السنن" (3/ 248). (¬4) في "السنن" (3/ 248). (¬5) في: (ب) و، وما أثبتناه من (ب) وسنن الترمذي. (¬6) في "السنن" رقم (905).

وقال: قال أبو عيسى (¬1): هذا حديث حسن غريب، وهو حديث حسين بن واقد. انتهى. وفي "التقريب" (¬2): الحسين بن واقد المروزي أبو عبد الله القاضي ثقة له أوهام. انتهى. ثم ذكر الترمذي (¬3) من حديث ابن عباس في الأضاحي. وقال (¬4): حسن غريب لا نعرفه إلاّ من حديث الفضل بن موسى. انتهى. قلت: في "التقريب" (¬5): الفضل بن موسى السّيناني بمهملة مكسورة ونونين، أبو عبد الله المروزي ثقة ثبت وربما أغرب، انتهى. وعليه رمز أنه أخرج له الستة، والأحاديث دالة على جواز الاشتراك في الهدي. وذكر النووي خلافًا في ذلك، وذكر أنّ جمهور (¬6) العلماء قالوا بجوازه لهذه الأحاديث، وسواء كان الهدي تطوعًا أو واجبًا، وسواء كانوا كلهم متقربين أو بعضهم يريد القربة وبعضهم يريد اللحم، قال: وأجمعوا (¬7) على أنّ الشاة لا يجوز الاشتراك فيها. 2 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: كُنَّا مَعَ رسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - في سَفَرٍ فَحَضَرَ الأَضْحَى فَاشْتَرَكْنَا فِي البَقَرَةِ سَبْعَةً, وَفِي البَعِيرِ عَشَرةً. ¬

_ (¬1) أي: الترمذي في "السنن" (3/ 249) (¬2) (1/ 180 رقم 398). (¬3) في "السنن" رقم (1501). (¬4) في "السنن" (4/ 89). (¬5) (2/ 111 رقم 54). (¬6) انظر: "المبسوط" (12/ 11 - 12). "الاستذكار" (12/ 319 رقم 17842). "المغني" (5/ 459). (¬7) انظر: "المغني" (5/ 459)، "المجموع شرح المهذب" (8/ 371).

أخرجه الترمذي (¬1) والنسائي (¬2). [صحيح]. 3 - وعن حُجَيّة بن عدي قال: قال عليّ - رضي الله عنه -: البَقَرَةُ عَنْ سَبْعَةٍ. قِيلَ: فَإِنْ وَلَدَتْ؟ قَالَ: اذْبَحْ وَلَدَهَا مَعَهَا. قِيلَ: فَالعَرْجَاءُ؟ قَالَ: إِذَا بَلَغَتِ المَنْسِكَ. قِيلَ: فَمَكْسُورَةُ القَرْنِ؟ قَالَ: لاَ بَأْسَ. أُمِرْنَا أَنْ نَسْتَشْرِفَ العَيْنَيْنِ وَالأُذُنَيْنِ. أخرجه الترمذي (¬3). [حسن]. ومعنى "الاستشرافِ" (¬4) اختبار العين والأذن، فَتُتَأَمّلُ سلامتهما من آفَةٍ تكون بهما. قوله: "عنُ حجية" (¬5) بضم الحاء المهملة فجيم فتحتيةٌ مثناة بوزن عُلَيَّة، ابن عدي الكندي صدوق يخطئ. قوله: "المنسك" هو محل النسك وهو الذبح هنا. قوله: "أخرجه الترمذي". قلت: وقال (¬6): هذا حديث حسن صحيح، وقد رواه سفيان الثوري عن سلمة بن كهيل. انتهى. ¬

_ (¬1) في "السنن" (905). (¬2) في "السنن" رقم (4392). وأخرجه أحمد (1/ 275)، وابن ماجه رقم (3131). وهو حديث صحيح. (¬3) في "السنن" رقم (1503)، وهو حديث حسن. (¬4) قال ابن الأثير في "غريب الجامع" (3/ 322)، الاستشراف: هو أن تضع يدك على حاجبك كالذي يستظل من الشمس، حتى يتبين الشيء. (¬5) انظر: "التقريب" (1/ 155 رقم 177). (¬6) في "السنن" (4/ 90).

4 - وعن نافع قال: كانَ ابْنُ عُمَرَ - رضي الله عنهما - يَقُولُ فِي الضَّحَايَا: البُدْنِ الثَّنِيُّ فَمَا فَوْقَهُ. أخرجه مالك (¬1). [موقوف صحيح]. "الثّنيُّ" (¬2) من ذَوات الظلف والحافر: ما دخل في السنة الثالثة، ومن ذوات الخُفِّ: ما دخل في السنة السادسة. قوله: "في حديث نافع: الثني فما فوقه" هذا في حكم أسنان الهدي والضحايا، وَفسّر [193 ب] المصنّف الثني بما تراه، وذات [الظلف] (¬3) الغنم، والحافر: البقر، وَالخف: الإبل، وفي "القاموس" (¬4): الثني الناقة الطاعنة في السادسة، والفرس الداخلة في الرابعة، والشاة في الثالثة كالبقرة. انتهى. وهو مثل كلام المصنف. 5 - وعن أبي أيوب - رضي الله عنه - قال: مَا كُنَّا نُضَحِّي إلاّ بِالشَّاةِ الوَاحِدَةِ يَذْبَحُهَا الرَّجُلُ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ ثُمَّ تَبَاهَي النَّاسُ بَعْدُ وَصَارَتْ مُبَاهَاةً. أخرجه مالك (¬5) والترمذي (¬6). [صحيح]. ¬

_ (¬1) في "الموطأ" (1/ 380 رقم 147)، وهو أثر موقوف صحيح. (¬2) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (1/ 222). (¬3) في (أ): اللظف. (¬4) "القاموس المحيط" (ص 1636). (¬5) في "الموطأ" (2/ 486 رقم 10). (¬6) في "السنن" رقم (1505). وأخرجه ابن ماجه رقم (3147). وهو حديث صحيح.

قوله: "في حديث أبي أيوب: يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته". قال الترمذي (¬1): إنّ العمل على هذا عند بعض أهل العلم، وهو قول أحمد وإسحاق [وأفتى] (¬2) بحديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أنّه ضحى بكبش فقال: عمّن لم يضحِّ من أمتي" (¬3). وقال بعض أهل العلم: لا تجزي الشاةِ إلاّ عن نفس واحدة، وهو قول عبد الله بن المبارك وغيره من أهل العلم. انتهى. قوله: "أخرجه الترمذي". قلت: وقال (¬4): هذا حديث حسن صحيح، ولفظه عن عطاء بن يسار: سألت أبا أيوب: كيف كانت الضحايا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: كان الرجل يضحِّي بالشاة عنه وعن أهل بيته فيأكلون ويطعمون حتى تباهى الناس فصارت كما ترى. انتهى. فأفاد أنّه كان ذلك على عهده - صلى الله عليه وسلم -. 6 - وعن ابن شهاب قال: مَا نَحَرَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ إِلاَّ بَدَنَةً وَاحِدَةً أَوْ بَقَرَةً وَاحِدَةً. ¬

_ (¬1) في "السنن" (4/ 91). (¬2) في المخطوط: وأمتى. وما أثبتناه من "سنن الترمذي". (¬3) أخرجه أحمد (3/ 362)، وأبو داود رقم (2810)، والترمذي رقم (1521)، وقال: هذا حديث غريب من هذا الوجه ... والمطلب بن عبد الله بن حنطب, يقال: إنّه لم يسمع من جابر. قال أبو حاتم الرازي: "وجابر يشبه أن يكون أدركه". "الجرح والتعديل" (8/ 359 رقم 1644). وقال أيضاً في "المراسيل" (ص 210): ولم يسمع من جابر، ولا من زيد بن ثابت ولا من عمران بن حصين. قلت: ورواية الطحاوي في شرح معاني الآثار (4/ 177 - 178) ترد ذلك؛ لأنّه صرّح بالتحديث عنده. وهو حديث صحيح والله أعلم. (¬4) في "السنن" (4/ 91).

أخرجه (¬1) مالك. [صحيح لغيره]. 7 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما -: أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لاَ تُذْبَحُ البَقَرَةُ إِلاَّ عَنْ إِنْسان وَاحدٍ، وَلاَ الشَّاةُ إِلاَّ عَنْ إِنْسَانٍ وَاحِدٍ، ولاَ البَدَنَةُ إِلاَّ عَنْ إِنْسَانٍ وَاحِدٍ، وَقَالَ: لاَ يَشْتَرِكُ فِي النسُكِ الجَمَاعَةُ، إِنَّمَا يَكُونُ ذلِكَ فِي أَهْلِ البَيْتِ الوَاحِدِ فَقَطْ. أخرجه رزين. 8 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: نَحَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - سَبْعَ بَدَنَاتٍ بِيَدِهِ قِيَامًا، وَضَحَّى فِي المَدِينَةِ كَبْشَيْنِ أَقْرَنَيْنِ، أَمْلَحَيْنِ، يَذْبَحُ وَيُكَبِّرُ وَيُسَمِّي وَيَضَعُ رِجْلهُ عَلَى صَفْحَتِهِمَا. أخرجه الخمسة (¬2). [صحيح]. "الأَمْلَحُ" الذي يكون بيضاه أكثَر من سواده (¬3). قوله: "في حديث أنس: نحر النبي - صلى الله عليه وسلم - سبع بدنات [194 ب] بيده قيامًا". هذا في حجة الوداع، وقد عارضته الأحاديث الدالة على "أنه - صلى الله عليه وسلم - نحر ثلاثًا وستين بدنة عدد سني عمره, وأمر عليًّا - عليه السلام - أن ينحر ما بقي من المائة". قال ابن القيم (¬4): إنّه لا تعارض بين الحديثين. قال: إنه قال ابن حزم (¬5): أنّ حديث أنس يخرج على أحد وجوه ثلاثة: ¬

_ (¬1) في "الموطأ" (2/ 486 - 487 رقم 11)، وهو أثر صحيح لغيره. (¬2) أخرجه البخاري رقم (5558)، ومسلم رقم (1966)، وأبو داود رقم (2794)، والترمذي رقم (1494)، وابن ماجه رقم (3120)، والنسائي رقم (4387، 4415 - 4418). (¬3) قاله الكسائي كما في "تهذيب التهذيب" (5/ 101 - 102). وقال الخطابي في "أعلام الحديث" (2/ 846): هو الأبيض الذي في خلل صوفه طبقات سود. (¬4) في "زاد المعاد" (2/ 240 - 242). (¬5) في "المحلى" (7/ 355).

أحدها: أنّه - صلى الله عليه وسلم - لم ينحر بيده أكثر من سبع بدن (¬1). الثاني: أن يكون أنس [ما شاهد] (¬2) إلاّ نحره - صلى الله عليه وسلم - سبعًا بيده فقط، وشاهد جابر تمامَ نحره للباقي فأخبر كلٌّ بما رأى [وشهد]. الثالث: أنّه نحر بيده [مفردًا] (¬3) سبع بُدن كما قال أنس، ثم أخذ هو وعلي الحربة معًا، فنحرا كذلك تمام ثلاث وستين، كما قال عروة بن الحارث الكِندي: "أنه شاهد النَّبي - صلى الله عليه وسلم - يومئذٍ أخذ بأعلى الحَربة وأمر عليًّا أن يأخذ بأسفلها، ونحرا بها البدن"، ثم انفرد عليٌّ - عليه السلام - بنحر الباقي من المائة كما قال جابر. انتهى. وبقي في حديث أنس تفصيل ما أجمله حديث أبي بكرة في الصحيحين (¬4) في خطبته - صلى الله عليه وسلم - يوم النحر بمنى وقال في آخره: "إنه انكفى إلى كبشين أملحين فذبحهما"، وهو لفظ مسلم، فإنّ أنسًا قال: "وضحّى بالمدينة بكبشين أقرنين أملحين"، فبيّن أنّ نحره البدن بمكة وذبحه بالمدينة الكبشين [وأنهما قضيتان] (¬5) ويدل (¬6) على هذا أنّ جميع من ذكر نحر النبي - صلى الله عليه وسلم - بمنى إنما ذكروا نحر الإبل وهو الهدي الذي ساقه وهو أفضل من نحر الغنم بلا سوق، وإنما ¬

_ (¬1) وتمام العبارة: كما قال أنس: وأنّه أمر من ينحر ما بعد ذلك إلى تمام ثلاث وستين، ثم زال عن ذلك المكان، وأمر عليًا - رضي الله عنه - فنحر ما بقي. (¬2) كذا في المخطوط والذي في زاد المعاد "لم يُشاهد". (¬3) كذا في المخطوط، والذي في زاد المعاد منفردًا. (¬4) أخرجه البخاري رقم (105، 3197، 4406، 4662، 5550، 7447)، ومسلم رقم (29/ 1679). (¬5) كذا في المخطوط، والذي في "زاد المعاد": قيل: في هذا طريقتان للناس. (¬6) وهي الطريقة الأولى التي ذكرها ابن القيم حيث قال: أن القول: قول أنس، وأنّه ضحى بالمدينة بكبشين أملحين أقرنين، وأنه صلى العيد، ثم انكفأ إلى كبشين، ففصل أنس، وميَّز بين نحره بمكة للبدُن، وبين نحره بالمدينة للكبشين، وبيَّن أنهما قصتان ...

اشتبه على بعض الرواة [195 ب] أنّ قصة الكبشين كانت يوم العيد فظنّ أنّه كان بمنى فوهِم، أفاده ابن القيم (¬1) - رحمه الله -[196/ أ]. قوله: "ينظر في سواد" أي: حول عينيه سواد في جلده وفي رجليه وفي فمه, والكبش فحل الضأن [في أيّ سنٍ كان، واختلف في ابتدائه، فقيل: سنتين، وقيل: أو لأربع. و"الأقرن": الذي له قرنان حسيَّان] (¬2). قوله: "الذي يكون بياضه أكثر من سواده" زاد ابن الأثير (¬3): وقيل: هو النقي البياض. انتهى. وفي "القاموس" (¬4): وبياض يخالطه سواد كالملح محركة كبش أملح ونعجة ملحاء. قالت الشافعية (¬5): فيه استحباب استحسان لون الأضحية، قالوا: وأفضلها البيضاء، ثم الصفراء، ثمّ العفراء وهي التي لا يصفو بياضها، ثم البلقاء وهي التي بعضها أسود وبعضها أبيض، ثم السوداء. ¬

_ (¬1) في زاد المعاد (2/ 242). ولم يذكر الشارح الطريقة الثانية. وإليك نصها: الطريقة الثانية: طريقة ابن حزم، ومن سلك مسلكه، أنهما عملان متغايران، وحديثان صحيحان، فذكر أبو بكرة تضحيته بمكة، وأنس تضحيته بالمدينة. قال: وذبح يوم النحر الغنم، ونحر البقر والإبل، كما قالت عائشة: "ضحى رسول الله يومئذٍ عن أزواجه بالبقر" [البخاري رقم (294، 5548)، ومسلم رقم (1211)]. (¬2) زيادة من (أ). (¬3) في "غريب الجامع" (3/ 325). (¬4) "القاموس المحيط" (ص 310). (¬5) في "البيان" للقاضي العمراني (4/ 442).

9 - وعن أبي سعيد - رضي الله عنه - قال: كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يُضَحِّي بِكَبْشٍ أَقْرَنَ فَحِيلٍ يَنْظُرُ فِي سَوَادٍ ويمشي فِي سَوَادٍ وَيَأْكُلُ في سَوَادٍ. أخرجه أصحاب السنن (¬1). [صحيح]. والمراد اختيار الفحل على الخصيِّ والنَّعْجَةِ، واختيار نُبْله وعظم خَلْقِه. قوله: "في حديث أبي سعيد فحيل" تصغير فحل، قال ابن الأثير (¬2): هو الذي يُشْبِهُ الفُحولة في نُبلهِ وعِظَم خلقه، ويقال: هو المنجب في ضِرَابه. انتهى. وفي "القاموس" (¬3): فحيل كريم منجب في ضرابه وكبش فحيل يشبه فحل الإبل في نبله. انتهى. فقول ابن الأثير: يشبه الفحولة غير ظاهر المعنى؛ لأنّ الفحولة جمع فحل كما في "القاموس" ومعناه هنا خفي. قوله: "والمراد اختيار الفحل على الخصي" يقال: إذا كان المراد من الفحيل الذي يشبه فحل الإبل في نبله فليس فيه دلالة على الفحل المقابل للخصي [أو] (¬4) يراد به المنجب في ضرابه فكذلك. وقوله: "على صفاحهما" (¬5) بالمهملتين الأولى مكسورة. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود رقم (2796)، والترمذي رقم (1496)، وابن ماجه رقم (3128)، والنسائي رقم (4360). وهو حديث صحيح. (¬2) في "غريب الجامع" (3/ 326). (¬3) "القاموس المحيط" (ص 1345). (¬4) في (أ): إذْ. (¬5) هذه العبارة من حديث أنس المتقدم وليست من حديث أبي سعيد هذا، والتي في الحديث "على صفحتهما".

في النهاية (¬1): صفحة كل شيء وجهه. انتهى. وأخرج أبو داود (¬2) "أنه - صلى الله عليه وسلم - ضحّى بكبشين موجأين" أي: خصيين ويأتي، فهو يدل على أنّ الفحل [196 ب]، والخصي مستويان. قوله: "أخرجه أصحاب السنن". قلت: وقال الترمذي (¬3): هذا حديث حسن صحيح غريب، لا نعرفه إلاّ من حديث حفص بن غياث. انتهى. وفي "التقريب" (¬4): حفص بن غياث بمعجمة مكسورة وياء ومثلثة إلى أن قال: ثقة فقيه تغيّر حفظه قليلاً في الآخر. انتهى. وقوله: "بكبش" لا ينافي قوله: "بكبشين"؛ لأنّه يحتمل أنّه ضحّى بهما تارة وبه تارة؛ ولأن مفهوم العدد غير مراد. 10 - وعن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "خَيرْ الأُضْحيَّةِ الكَبْشُ، وَخيرُ الكفَنِ الحُلَّةُ". أخرجه الترمذي (¬5). [ضعيف]. ¬

_ (¬1) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 34 - 35). (¬2) في "السنن" رقم (2795)، والذي فيه: "ذبح النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الذبح كبشين أقرنين أملحين مُوجأيْن ... " وهو حديث ضعيف، والله أعلم. (¬3) في "السنن" (4/ 85). (¬4) (1/ 189 رقم 465)، وهو حفص بن غياث بن طلق بن معاوية النخعي، أبو عمر الكوفي القاضي ثقة فقيه ... (¬5) في "السنن" رقم (1517)، وقال: هذا حديث غريب، وعُفير بن معدان يضعف في الحديث. وهو حديث ضعيف.

وأخرجه أبو داود (¬1) من رواية عبادة بنِ الصامتِ بنحوه. [ضعيف]. 11 - وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: نَحَرَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ آلِ مُحَمدٍ في حَجَّةِ الوَدَاعِ بَقَرَةَ وَاحِدةً. أخرجه أبو داود (¬2). [صحيح]. قوله: "في حديث عائشة: نحر النبي - صلى الله عليه وسلم - عن آل محمد في حجة الوداع بقرة واحدة". وفي رواية في الصحيحين (¬3): ضحّى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومئذٍ عن أزواجه بالبقر". قال ابن القيم (¬4): إنه الهدي عنهن لأنهن كنّ متمتعات وعليهن الهدي، فالبقرة التي نحر عنهن هي الهدي الذي يلزمهن. قال: ولكن في قصة نحر البقرة عنهن وهنّ تسع إشكال، وهو إجزاء البقرة لأكثر من سبعة، ثم قال: وأمّا [كونهن] (¬5) تسعًا وهي بقرة واحدة فهذا قد جاء بثلاثة ألفاظ: أحدها: أنها بقرة واحدة [بينهن] (¬6). والثاني: أنه ضحّى يومئذٍ عنهن بالبقر. ¬

_ (¬1) في "السنن" (3156). وأخرجه ابن ماجه رقم (1473)، والحاكم (4/ 228)، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي والبيهقي في "السنن الكبرى" (9/ 273) عن عبادة بن الصامت بلفظ: "خير الضحية الكبش الأقرن". وهو حديث ضعيف. (¬2) في "السنن" رقم (1750)، وهو حديث صحيح. (¬3) البخاري في "صحيحه" رقم (1750)، ومسلم رقم (119/ 1211). (¬4) في "زاد المعاد" (2/ 245). (¬5) في (أ): كونها. (¬6) في المخطوط عنْهنَّ. وما أثبتناه من زاد المعاد.

والثالث: دخل علينا يوم النحر بلحم بقر فقلت: ما هذا؟ فقيل: ذبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أزواجه، ثم ذكر (¬1) الخلاف في إجزاء البقرة والجزور عن سبعة أو عن عشرة، وأفهم كلامه أنه يقول إسحاق: بإجزاء البقرة عن عشرة وهو وهم. وقد قدمنا كلام الترمذي فيما قاله إسحاق (¬2)، وأنّه إنما يخالف في الجزور، فالإشكال باقٍ، إلاّ أن يقال: أراد الراوي: عن بعض أزواجه وهنّ السبع منهن سواء كانت البقرة أضحية أو هديًا، وأطلقه عن التقييد لما علم من أنها لا تجزئ البقرة إلاّ عن سبع، ويكون - صلى الله عليه وسلم - قد أهدى أو ضحّى عن الاثنتين منهن. 12 - وعن حَنَشٍ قال: رَأَيْتُ عَلِيًّا - رضي الله عنه - ضَحَّى بِكَبْشَينِ. وقال: أَحَدُهُمَا عَنِّي، والآخرُ عنْ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -. وقالَ: أَمَرنِي بِذَلِكَ أَوْ قَالَ: أَوْصَانِي بِهِ فَلاَ أَدَعُه أَبَدًا. أخرجه أبو داود (¬3) والترمذي (¬4). [ضعيف]. قوله: "في حديث حنش: أمرني به أو قال [197 ب] أوصاني" شك من الراوي، وفي الترمذي (¬5) بعد قوله: "فلا أدعه أبداً" وسقط على المصنف وهي في "الجامع" (¬6). قوله: "أخرجه أبو داود والترمذي". ¬

_ (¬1) أي: ابن القيم في زاد المعاد (2/ 245 - 246). (¬2) انظر: المجموع شرح المهذب (8/ 369 - 370)، و"المغني" (13/ 365). (¬3) في "السنن" رقم (2790) عن حنش، قال: رأيت عليًّا يضحي بكبشين، فقلت له: ما هذا؟ فقال: إنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أوصاني أن أضحي عنه، فأنا أُضحي عنه. وهو حديث ضعيف. (¬4) في "السنن" رقم (1495). وهو حديث ضعيف. (¬5) في "السنن" (4/ 84 رقم 1495). (¬6) (3/ 328 - 329 رقم 1643).

قلت: واللفظ هنا للترمذي وقال (¬1): هذا حديث غريب، لا نعرفه إلاّ من حديث شريك، وقد رخّص بعض أهل العلم أن يضحى عن الميت، ولم ير بعضهم أن يضحى عنه، وقال عبد الله بن المبارك: أحب إليّ أن يتصدق عنه ولا يضحّى، وإن ضحى فلا يأكل منها شيئًا ويتصدق بها. انتهى كلامه. وقال المنذري (¬2): حنش تكلم فيه غير واحد. وقال ابن حبان البستي (¬3): كان كثير الوهم في الأخبار يتفرد عن علي - رضي الله عنه - بأشياء لا تشبه حديث الثقات حتى صار ممن لا يحتج به، وشريك هو ابن عبد الله القاضي فيه مقال، وقد أخرج له مسلم في المتابعات، انتهى. وفي "التقريب" (¬4): شريك بن عبد الله القاضي بواسط ثم الكوفة أبو عبد الله صدوق يخطئ كثيراً، تغيّر حفظه منذ ولي القضاء بالكوفة، وكان عاقلاً فاضلاً عابداً شديداً على أهل البدع. انتهى. 13 - وعن عروة: أنَّهُ كَانَ يَقُولُ لِبَنِيهِ: يَا بَنِيَّ لاَ يُهْدِيَنَّ أَحَدُكُمْ لله شَيْئًا يَسْتَحِي أَنْ يُهْدِيَهُ [لِكَرِيمٍ] (¬5) فَإِنَّ الله تَعَالى أَكْرَمُ الْكُرَمَاءِ، وَأَحَقُّ مَنِ اخْتِيرَ لَهُ. أخرجه مالك (¬6). [مقطوع صحيح]. ¬

_ (¬1) في "السنن" (4/ 85). (¬2) في مختصر "السنن" (4/ 95). (¬3) في المجروحين (1/ 333 رقم 281). (¬4) (1/ 351 رقم 64). (¬5) كذا في المخطوط والذي في "الموطأ": لكريمه. (¬6) في "الموطأ" (1/ 380 رقم 147)، وهو أثر مقطوع صحيح.

الفصل الثالث: فيما يجزي منها

الفصل الثالث: فيما يجزي منها قوله: "الفصل الثالث: فيما يجزئ منها" أي: في ذكر ما يجزئ. 1 - عن جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَا تَذْبَحُوا إِلاَ مُسِنَّةً إِلاَ أنْ يَعْسُرَ عَلَيْكُمْ فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنَ الضَّأْنِ". أخرجه مسلم (¬1)، وأبو داود (¬2)، والنسائي (¬3). [ضعيف]. ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (13/ 1963). (¬2) في "السنن" رقم (2797). (¬3) في "السنن" رقم (4378). وأخرجه أحمد في "المسند" (3/ 312)، وابن ماجه رقم (3141). قال الحافظ في "الفتح": إنه حديث صحيح. وقال الألباني في "الضعيفة" (1/ 161): "ثم بدا لي أني كنت واهمًا في ذلك، تبعًا للحافظ, وأن هذا الحديث الذي صححه هو وأخرجه مسلم كان الأحرى به أن يحشر في زمرة الأحاديث الضعيفة، لا أن تتأول به الأحاديث الصحيحة ذلك لأن أبا الزبير هذا مدلس، وقد عنعنه، ومن المقرر في علم المصطلح أن المدلس لا يحتج بحديثه إذا لم يصرح بالتحديث، وهذا هو الذي صنعه أبو الزبير هنا، فعنعن، ولم يصرح، ولذلك انتقد المحققون من أهل العلم أحاديث يرويها أبو الزبير بهذا الإسناد، أخرجها مسلم، اللهم إلا ما كان من رواية الليث بن سعد عنه، فإنه لم يرو عنه إلا ما صرح فيه بالتحديث. فقال الحافظ الذهبي في ترجمة أبي الزبير - واسمه محمد بن مسلم بن تدُرس - بعد أن ذكر فيه طعن بعض الأئمة بما لا يقدح في عدالته: "وأما أبو محمد بن حزم، فإنه يردُّ من حديثه ما يقول فيه "عن جابر" ونحوه؛ لأنه عندهم ممن يدلس، فإذا قال: "سمعت"، "وأخبرنا"، احتج به، ويحتج به ابن حزم إذا قال: "عن" مما رواه عنه الليث بن سعد خاصة، وذلك لأن سعيد بن أبي مريم، قال: حدثنا الليث قال: جئت أبا الزبير، فدفع إليَّ كتابين، فانقلبت بهما، ثم قلت في نفسي: لو أنني عاودته، فسألته أسَمِعَ هذا من جابر؟ فسألته فقال: منه ما سمعت، ومنه ما حدثت به، فقلت: أعلم لي على ما سمعت منه, فأعلم لي على هذا الذي عندي". ثم قال الذهبي: وفي "صحيح مسلم" عدة أحاديث مما لم يوضح فيها أبو الزبير السماع من جابر، ولا هي من طريق الليث عنه، ففي القلب منه شيء". =

"المُسِنَّةُ" التي لها سنون، والمراد: الكبيرة التي ليست من الصغار. قوله: "في حديث جابر مسنة" المسنة فسَّرها المصنف بقوله: التي لها سنون، والمراد الكبيرة التي ليست من الصغار وهو كلام ابن الأثير (¬1). قوله: "فتذبحوا جذعة من الضأن" هذا صريح في أن لا يجزئ الجذع من غير الضأن في حال من [197/ أ] الأحوال وهو مجمع عليه وإن لم يجد غيره، وجذع الضأن يجزئ عند كافة [198 ب] العلماء (¬2) وهذا الحديث محمول على الاستحباب والأفضل، والتقدير: يستحب لكم أن لا تذبحوا إلاّ مسنة، فإن عجزتم فجذعة ضأن، وأجمعت الأمة على أنّ الحديث ليس على ظاهره؛ لأنّ الجمهور (¬3) يجوّزون الجذع من الضأن مع وجود غيره وعدمه فتعيّن تأويل الحديث على الاستحباب. 2 - وعن عُقْبَةَ بن عامر - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَعْطَاهُ غَنَمًا يَقْسِمُهَا بَيْنَ أَصْحَابِهِ, فَبَقِي عَتُودٌ فَذَكَرَهُ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "ضَحِّ أَنْتَ بِهِ". أخرجه الخمسة (¬4) إلا أبا داود. [صحيح]. ¬

_ = وقال الحافظ في ترجمته من "التقريب": صدوق إلا أنه يدلس. وأورده في المرتبة الثالثة من كتابه "طبقات المدلسين" (ص 15). وجملة القول: أن كل حديث يرويه أبو الزبير عن جابر أو غيره بصيغة (عن) ونحوها. وليس من رواية الليث بن سعد عنه. فينبغي التوقف عن الاحتجاج به، حتى يتبين سماعه أو نجد ما يشهد له ويعتضد به. وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف، والله أعلم. (¬1) في "غريب الجامع" (3/ 331). (¬2) انظر: "المجموع شرح المهذب" (8/ 366). (¬3) انظر: "المغني" (13/ 367). (¬4) أخرجه البخاري رقم (5555)، ومسلم رقم (15/ 1965)، والترمذي رقم (1500)، والنسائي رقم (4379)، وابن ماجه رقم (3138)، وأحمد في "المسند" (4/ 149).

وفي رواية (¬1): جَذَعٌ؟ فَقَالَ: "ضَحِّ به". [صحيح]. "الْعَتُودُ" (¬2) من أولاد المعز: ما رعي وقوي وأتى عليه حول. "وَالجَذَعُ" (¬3) من الشاء: ما دخل في الثانية، ومن البقر والحافر: ما دخل في الثالثة، ومن الإبل: ما دَخل في الخامسة. قوله: "في حديث عقبة: وبقي عتود" بفتح المهملة فمثناة فوقية. آخره مهملة. يأتي تفسيرها للمصنف. قوله: "ضح به أنت" قال البيهقي (¬4) وغيره، كانت هذه رخصة لعقبة كما كان مثلها لأبي بردة بن نيار قال البيهقي (¬5): وقد روينا ذلك من رواية الليث، وفيه: ضح بها أنت، ولا رخصة فيها لأحد بعدك". قال النووي (¬6): وهذا التأويل الذي قاله البيهقي وغيره متعين. قوله: ومن الإبل ما دخل في الخامسة, هكذا أتى في "غريب الجامع" (¬7). وصوَّبه في هامشه، فقال: الصواب في السادسة (¬8)، كما في كتب اللغة. انتهى. ¬

_ (¬1) البخاري رقم (5547)، ومسلم رقم (16/ 1965)، وأحمد (4/ 156). (¬2) قال الجوهري في "الصحاح" (2/ 505): وخيره ما بلغ سنة، وجمعه: أعتدةٌ وعَدّان بإدغام التاء في الدال. (¬3) انظر: "الغريبين في القرآن والحديث" (1/ 325). شرح "صحيح مسلم" (13/ 112 - للنووي). (¬4) في "السنن الكبرى" (9/ 270). (¬5) في "السنن الكبرى" (9/ 270). (¬6) في شرحه لـ "صحيح مسلم" (13/ 118 - 119). (¬7) (3/ 330). (¬8) قال ابن الأثير في "النهاية" (1/ 246)، وأصل الجَذَع من أسنان الدَّواب، وهو ما كان منها شابًّا فنيًّا، فهو فتيًّا من الإبل ما دخل في السنة الخامسة, ومن البقر، والمعز ما دخل في السنة الثانية, وقيل: البقر في الثالثة، ومن الضأن ما تمَّت له سنة. انظر: "تفسير غريب ما في الصحيحين" للحميدي (61/ 1).

لكن رأيته في "القاموس" (¬1)، و"النهاية" (¬2): بلفظ: "في الخامسة". كما في "غريب الجامع" (¬3). فالتصويب غير صواب (¬4). 3 - وعن عاصم بن كُلَيْبٍ عن أبيه عن مَجَاشِع السُّلمي الصحابِّي - رضي الله عنه -: أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "الجَذَعُ من الضَّأْنِ يُوفِّي ما يُوَفِّي منه الثَّنِيُّ" أخرجه أبو داود (¬5) والنسائي (¬6). [صحيح]. قوله: في حديث عاصم بن كليب "أخرجه أبو داود والنسائي". قلت: قال المنذري (¬7): عاصم بن كليب (¬8)، قال ابن المديني: لا يحتج به إذا انفرد. وقال الإمام أحمد: لا بأس بحديثه, وقال أبو حاتم الرازي (¬9): صالح. وأخرج له مسلم. انتهى. ¬

_ (¬1) "القاموس المحيط" (ص 915). (¬2) (1/ 246). (¬3) (3/ 330). (¬4) قال ابن الأثير في "النهاية" (1/ 246): ومنهم من يخالف بعض هذا في التقدير. (¬5) في "السنن" رقم (2799). (¬6) في "السنن" رقم (4383، 4384). وأخرجه ابن ماجه رقم (3040). وهو حديث صحيح. (¬7) في "مختصر السنن" (4/ 104). (¬8) انظر: "الميزان" (2/ 356)، "التاريخ الكبير" (3/ 2/ 487). (¬9) في "الجرح والتعديل" (3/ 1/ 349 - 350).

الفصل الرابع: فيما لا يجزي منها

الفصل الرابع: فيما لا يجزي منها 1 - عن عليٍّ - رضي الله عنه - قال: "أمَرَنا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أنْ نَسْتَشْرِفَ العينَ والأُّذُنَ، وأنْ لا نُضحِّي بِمقَابَلةٍ, ولا مُدَابَرةٍ، ولا شَرْقَاءَ، ولا خَرْقَاء" أخرجه أصحاب السنن (¬1). [مجموع طرقه]. "المقَابَلةُ" (¬2) التي قطِع من مُقَدِّم أذُنها قطعة وتُركت مُعَلَّقة فيها كأنهَا زَنَمة. "والمدَابرَة" (¬3) التي فعل بها ذلك من مُؤَخِر أُذنها. واسم الجِلدة فيها الإقبالة والإدبارة. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود رقم (2804)، والترمذي رقم (1498)، والنسائي رقم (4374)، وابن ماجه رقم (3142). قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وأخرجه أحمد (1/ 108، 149)، وابن حبان رقم (5920)، والحاكم في "المستدرك" (4/ 224)، وصححه، ووافقه الذهبي. وأخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (9/ 275)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (4/ 169). قال الألباني في الإرواء (4/ 363 - 364) تعقيبًا على تصحيح الحاكم وموافقة الذهبي بقوله: "فيه نظر، فإن أبا إسحاق وهو عمرو بن عبد الله السبيعي كان اختلط ثم هو مدلس وقد عنعنه، وروى الحاكم من طريق قيس بن الربيع، قال: قلت لأبي إسحاق: سمعته من شريح؟ قال: حدثني ابن أشوع عنه. قلت: وابن أشوع اسمه سعيد بن عمرو، وهو ثقة من رجال الشيخين، فإذا صحّ أنه هو الواسطة بين أبي إسحاق وشريح، فقد زالت شبهة التدليس، وبقيت علة الاختلاط. وله طرق أخرى عن علي - رضي الله عنه -، أخرجه عبد الله بن أحمد في "زوائد المسند" (1/ 132). وجملة القول: أن الحديث بمجموع هذه الطرق صحيح، وذكر القرن فيه منكر عندي لتفرد جريّ بن كلب به، مع مخالفته لما رواه حجية بن عدي عن علي ... " اهـ. (¬2) انظر: "القاموس المحيط" (ص 1351). "النهاية في غريب الحديث" (2/ 410 - 411). (¬3) "القاموس المحيط" (ص 499). "النهاية في غريب الحديث" (1/ 551).

"وَالشَّرْقَاءُ" (¬1) التي شُقَّت أُذنها فهي شاة شَرْقاء. "وَالخَرْقَاءُ" (¬2) من الغنم: التي في أذنها خَرْق، وهو ثقْب مُستَدِير. قوله: "في حديث علي - رضي الله عنه -: أخرجه أصحاب السنن" [199 ب]. قلت: أخرجه الترمذي من طريقين، قال في الثانية (¬3): وزاد - أي الراوي - فيه قال: المقابلة: ما قطع طرف أذنها، والمدابَرة: ما قطع من جانب الأذن، والشرقاء المشقوقة والخرقاء المثقوبة، ثم قال (¬4): هذا حديث حسن صحيح، وظاهره: أنّ هذا التفسير مرفوع. وفسّره المصنف بما تراه ثم لا يخفى أنّ صدر الحديث فيه استشراف العين والأذن ولم يأت هنا إلاّ عيوب الأذن، نعم تأتي عيوب العين في حديث البراء، وهو الثاني، وذكر فيه أربعة عيوب وهي: المرض، والعجف، والعور، والعرج البيّنان، فأجمع العلماء أنها لا تجزئ التضحية معها، وكذا ما كان في معناها أو أقبح كالعمى وقطع الرجل وشبهه. 2 - وعن عبيد بن فيروز عن البراء - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يَجُوزُ فِي الأَضَاحِي الْعَوْرَاءُ بَيِّنٌ عَوَرُهَا، وَالمَرِيضَةُ بَيِّنٌ مَرَضُهَا، وَالْعَرْجَاءُ بَيِّنٌ عَرَجُهَا، وَالْعَجْفَاءُ الَّتِي لاَ تُنْقِي". أخرجه الأربعة (¬5). [صحيح]. ¬

_ (¬1) "القاموس المحيط" (ص 1158). (¬2) "النهاية" (1/ 485). "الفائق" للزمخشري (2/ 231). (¬3) في "السنن" (4/ 86 - 87) بإثر الحديث رقم (1498). (¬4) أي: الترمذي في "السنن" (4/ 87). (¬5) أخرجه أبو داود وقم (2802)، والترمذي رقم (1497)، والنسائي رقم (4369)، وابن ماجه رقم (3144). =

"الْعَجَفُ" (¬1): الهُزال والضَّعف. والنَّقيُ (¬2): المخ. قوله: "ولا بالعجفاء" العجفاء: المهزولة. وقوله: ["لا تُنْقي" (¬3)] بضم أوله وسكون النون وكسر القاف أي: لا نقي (¬4) لها وهو المخّ الذي في العظام. قوله: "أخرجه أصحاب السنن". قلت: وقال الترمذي (¬5): إنّه حديث حسن صحيح، لا نعرفه إلاّ من حديث عبيد بن فيروز عن البراء، والعمل على هذا الحديث عند أهل العلم، انتهى. ¬

_ = وأخرجه أحمد (4/ 301)، والدارمي (2/ 76 - 77)، والطيالسي (1/ 230 رقم 2010 - منحة المعبود)، وابن خزيمة رقم (2912)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (4/ 168)، والحاكم (1/ 467 - 468)، والبيهقي (5/ 242) و (9/ 274) من طريق شعبة عن سليمان بن عبد الرحمن، عن عبيد بن فيروز، عن البراء به. وقال الحاكم: حديث صحيح ولم يخرجاه لقلة روايات سليمان بن عبد الرحمن، وقد أظهر علي بن المديني في "العلل" لم يسمع من عبيد بن فيروز. قلت: وقد صرَّح سليمان بسماعه من عبيد في رواية شعبة. ولذلك قال أحمد: ما أحسن حديثه في الضحايا. "تهذيب التهذيب" (4/ 182 - 183 رقم 355). وهو حديث صحيح. (¬1) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (3/ 335). (¬2) قال ابن الأثير في "النهاية" (2/ 791) أي: التي لا مُخَّ لها؛ لضعفها وهزالها. (¬3) في (ب): ولا تنفي. (¬4) انظر: "المجموع المغيث" (3/ 346). (¬5) في "السنن" (4/ 89).

وفي "التقريب" (¬1): عبيد بن فيروز ثقة. 3 - وعن يزيد [ذُو] (¬2) مِصْرَ قال: أَتَيْتُ عُتْبَةَ بْنَ عَبْدٍ السُّلَمِيَّ فَقُلْتُ: يَا أَبَا الْوَلِيدِ! إِنِّي خَرَجْتُ ألْتَمِسُ الضَّحَايَا فَلَمْ أَجِدْ شَيْئًا يعْجِبُنِي غَيْرَ ثَرْمَاءَ فكَرِهْتُهَا فَمَا تَقُوُل؟ قَالَ: أَفَلاَ جِئْتَنِي بِهَا؟ قُلْتُ: سُبْحَانَ الله! تَجُوزُ عَنْكَ وَلاَ تَجُوزُ عَنِّي؟ قَالَ: نَعَمْ، أَنتَ تَشُكُّ وَأَنَا لاَ أشُكُّ. إِنَّمَا نَهَى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنِ المُصْفَرَّةِ، وَ"المُسْتَأْصَلَةِ، والْبَخْقَاءِ، والمُشَيَّعَةِ, وَالْكَسْرَاءِ. " فَالمُصْفَرَّةُ": الَّتِي تُسْتَأْصَلُ أُذُنُهَا حَتَّى يَبْدُوَ صِمَاخُهَا. "وَالمُستَأْصَلَةُ": الَّتِي يُسْتَأْصَلُ قَرْنُهَا مِنْ أَصْلِهِ. "وَالْبَخْقَاءُ": الَّتِي تُبْخَقُ عَيْنُهَا. "وَالمُشَيَّعَةُ": الَّتِي لاَ تَتْيَعُ الْغَنَمَ عَجْفًا وَضَعْفًا. "والْكَسْرَاءُ": الْكَسِيرَةُ. أخرجه أبو داود (¬3). [ضعيف]. قوله: "وعن يزيد [ذي] (¬4) مصر" بصاد مهملة ثم راء كاسم [200 ب] البلد المعروف. وفي "التقريب" (¬5): يزيد ذو مصر بكسر الميم وسكون المهملة, [المقرائي] (¬6) بفتح الميم وسكون القاف وفتح الراء بعدها همزة الحمصي مقبول. انتهى. ¬

_ (¬1) (1/ 544 رقم 1564) عبيد بن فيروز الشيباني، مولاهم أبو الضحاك الكوفي, نزل الجزيرة, ثقة. (¬2) في (ب): بن. (¬3) في "السنن" رقم (2803). وأخرجه أحمد (4/ 185)، والبخاري في "التاريخ الكبير" (8/ 330 - 331) , والحاكم (4/ 235) , والبيهقي (9/ 375) , والطبراني في "المعجم الكبير" (ج 17 رقم 314) من طرق. وهو حديث ضعيف, والله أعلم. (¬4) في (ب): بن. (¬5) (2/ 373 رقم 355). (¬6) في (أ): المقريء.

الفصل الخامس: في الإشعار والتقليد

قوله: "ثرماء" (¬1) بفتح المثلثة وسكون الراء من الثرم وهو سقوط الثنية من الأسنان، وقيل: الثنية والرباعية، وقيل: هو أن ينقطع السن من أصلها مطلقًا. قوله: "الصفرة" (¬2) ضبطها النفيس العلوي بخطه بكسر الفاء, وقال: وجد بخط الإمام ابن الصلاح بفتح الفاء. انتهى. وفي "النهاية" (¬3): ومنه الحديث: "نهى في الأضاحي عن المصفرة"، وفي رواية: "المصفورة" وقوله: "وهي المستأصلة الأذن" قال في "النهاية" (¬4): سميت بذلك لأنّ صماخها صفراء من الأذن، أي: خلواء، يقال: صفرا الإناء: إذا خلا، وأصفرته: إذا أخليته وإن رُويت "المصَّفرة" بالتشديد فللتكثير، وقيل: هي المهزولة لخُلوِّها من السِّمن. انتهى. الفصل الخامس: في الإشعار والتقليد قوله "الفصل الخامس: في الإشعار والتقليد". المراد: إشعار البدن خاصة والتقليد عام لها وللغنم، ويأتي أنّ البقر ألحقت بالإبل في الإشعار, والإشعار بكسر الهمزة فشين معجمة، في النهاية (¬5): قد تكرر ذكر الشعار وشعار الحج آثاره وعلاماته جمح شعيرة, وهي كل ما كان من أعماله كالوقوف ثم قال (¬6): ومنه إشعار البدن وهو أن يشق أحد جنبي السنام حتى يسيل الدم، ويجعل ذلك علامة يعرف بها أنه هدي. ¬

_ (¬1) انظر: "النهاية" (1/ 208)، "المجموع المغيث" (1/ 262). (¬2) انظر: "القاموس المحيط" (ص 546). (¬3) (2/ 37). وانظر: "الفائق" للزمخشري (2/ 303). (¬4) في "النهاية في غريب الحديث" (2/ 37). (¬5) (1/ 872) (¬6) ابن الأثير في "النهاية" (1/ 873).

1 - عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: صَلَّى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بِذِي الحُلَيْفَةِ الظُّهْرَ، ثُمَّ دَعَا بِنَاقَتِهِ فَأَشْعَرَهَا فِي صَفْحَةِ سَنَامِهَا الأَيْمَنِ، وَسَلَتَ الدَّمَ عَنْهَا، وَقَلَّدَهَا نَعْلَيْنِ، ثُمَّ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ، فَلمَّا اسْتَوَتْ بِهِ عَلَى الْبَيْدَاءِ أَهَلَّ بِالحَجِّ. أخرجه الخمسة (¬1) إلا البخاري، واللفظ لمسلم وأبي داود. [صحيح]. قوله: "في حديث ابن عباس [201 ب] فأشعرها في صفحة سنامها" أي: كشط جلد البدنة حتى سال الدم ليكون علامة على كونها هديًا، وبذلك قال الجمهور (¬2) من السلف والخلف. وذكر الطحاوي (¬3) [كراهيته] (¬4) عن أبي حنيفة، وذهب غيره إلى استحبابه للاتباع حتى صاحباه أبو يوسف ومحمد (¬5). واعلم أنّ استحباب (¬6) الإشعار خاص بالإبل والبقر ولا تشعر الغنم وكذلك التقليد بالنعل خاص بهما، ولا تقلد بها الغنم لضعفها، بل يقلد الصوف كما في الأحاديث. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم رقم (205/ 1243)، وأبو داود رقم (1752)، والنسائي رقم (2791)، والترمذي رقم (906)، وابن ماجه رقم (3097)، وهو حديث صحيح. (¬2) قال النووي في "المجموع شرح المهذب" (8/ 323): "فرع: قد ذكرنا أن مذهبنا - أي الشافعية - استحباب الإشعار والتقليد في الإبل والبقر، وبه قال جماهير العلماء من السلف والخلف، وهو مذهب مالك وأحمد، وأبي يوسف، ومحمد، وداود. وقال الخطابي: قال جميع العلماء: الإشعار سنة, ولم ينكره أحد غير أبي حنيفة، وقال أبو حنيفة: الإشعار بدعة، ونقل عنه أنّه قال: هو حرام؛ لأنّه تعذيب للحيوان ومثلة، وقد نهى الشرع عنهما". (¬3) في "مختصر اختلاف العلماء" (2/ 72 رقم 558). و"شرح معاني الآثار" (2/ 119). (¬4) في (ب): كراهيته. (¬5) "البناية في شرح الهداية" (4/ 222). "المجموع شرح المهذب" (8/ 323). (¬6) انظر: "فتح الباري" (3/ 323)، "الاستذكار" (12/ 265 - 266).

قوله: "وقلّدها نعلين" قيل: الحكمة في تقليد النعل أنّ فيه إشارة إلى السفر والجد فيه، فعلى هذا يتعين النعل، وذهب الثوري (¬1) إلى اشتراط نعلين وقال غيره (¬2): تجزئ الواحدة وقال آخرون: لا يتعين النعل بل يجزئ كل ما قام مقامها. 2 - وفي رواية للخمسة (¬3) عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: أَهْدَى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - غَنَمًا فَقَلّدَهَا. [صحيح]. "الْإِشْعَارُ" (¬4): تَعْلِيْمُ الهَدْيِ بشيْءٍ يُعْرَفُ به أنه هديٌ، وكانوا يَشُقُّونَ أَسْنِمَةَ الهديِ ويُرْسلونه، والدمُ يسيلُ منه فيعرف أنه هدي فلا يُتَعرَّض له. وقوله: "وَسَلَتِ الدَّمَ" أي: مَسَحه. 3 - وعن وكيع أنه قال: إِشْعَارُ الْبُدْنِ وَتَقْلِيْدهَا سُنَّةٌ. فقَالُ لَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْرَّأْيِ: رُوِيَ عَنِ النَّخْعِيَّ: أَنَّهُ قَالَ مُثْلَةٌ. فَغَضِبَ، وَقَالَ: أقُولُ لَكَ: أَشْعَرَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بُدْنهُ وَهُوَ سُنَّةٌ، وَتَقُولُ رُويَ عَنْ فُلاَنٍ، مَا أَحَقَّكَ أَنْ تُحْبَسَ ثُمَّ لاَ تَخْرُجَ حَتَّى تَنْزِعَ عَنْ هَذَا. أخرجه الترمذي (¬5). [إسناده صحيح]. "المثلة" (¬6): الشهرة وتَشويه الخِلْقَةِ كجَدْع الأنف وغيره. ¬

_ (¬1) قال ابن عبد البر في "الاستذكار" (12/ 265 رقم 17561): وقال الثوري: يُقلّد نعلين، وفم القربة يجزئ. (¬2) انظر: "فتح الباري" (3/ 549). (¬3) أخرجه البخاري رقم (1701)، ومسلم رقم (367/ 1321)، وأبو داود رقم (1755)، والترمذي رقم (909)، والنسائي رقم (2787)، وابن ماجه رقم (3096). (¬4) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (3/ 340). (¬5) في "السنن" (3/ 250) تعليقًا على الحديث رقم (906) بإسناد صحيح. (¬6) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 632). "الفائق" للزمخشري (3/ 344).

قوله: "في حديث وكيع: روي عن النخعي أنه قال مثلة" هذا هو كما نقل عن أبي حنيفة (¬1) قريبًا، قال [198 أ] الخطابي (¬2) وغيره (¬3): اعتلال من كره الإشعار بأنّه من المثلة مردود، بل هو من باب آخر كالكي وشق آذان الأنعام لتصير علامة وغير ذلك من الوسم، وكالختان والحجامة. قلت: قياسه على الكي غير صحيح؛ لأنّ ذلك لمصلحة البدن بالعافية ومثله الحجامة، ونعم يتم إلحاقه بالختان والوسم بالسين المهملة فإنه أذن فيه الشارع في غير الوجه وأحسن من هذا ما ذكره زكريا في شرح الروض (¬4): [أنّ الإشعار مثلة وقد نهي عنها] (¬5) وعن تعذيب الحيوان، [إلاّ أنا] (¬6) نقول: إخبار النهي عن ذلك عامة، وإخبار الإشعار خاصة، فقُدِّمت. انتهى. ولا يخفى أنّ النص ورد بإشعار الإبل. قال الحافظ ابن حجر (¬7) [202 ب]: واتفق من قال: بإشعار الإبل بإلحاق البقر في ذلك، إلاّ سعيد بن جبير. انتهى. ¬

_ (¬1) انظر: "مختصر اختلاف العلماء" (2/ 72 رقم 558). البناية في شرح الهداية (4/ 222). (¬2) في "معالم السنن" (2/ 362 - 363). (¬3) كابن حزم في "المحلى" (7/ 111). (¬4) في "أسنى المطالب شرح روض الطالب" للقاضي أبي يحيى زكريَّا الأنصاري الشافعي (ت: 926 هـ) (3/ 320). (¬5) كذا في المخطوط والذي في شرح الروض: لا يقال: هذا مثلة, وهي منهيٌ عنها. (¬6) كذا في المخطوط والذي في شرح الروض: لأنَّا. (¬7) في "فتح الباري" (3/ 545).

الفصل السادس: في وقت الذبح ومكانه

وتقدم في حديث عائشة (¬1): أنّه - صلى الله عليه وسلم - أهدى غنمًا فقلّدها" وبوّب له البخاري (¬2) باب تقليد الغنم. قال الحافظ (¬3): قال ابن المنذر (¬4): أنكر مالك (¬5) وأصحاب الرأي (¬6) تقليدها، قال غيره: وكأنهما لم يبلغهما الحديث، ولم نجد لهم حجة إلاّ قول بعضهم: إنها تضعف (¬7) عن التقليد، وهي حجة ضعيفة. الفصل السادس: في وقت الذبح ومكانه قوله: "الفصل السادس: في وقت الذبح ومكانه". 1 - عن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ كانَ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلاَةِ فَلْيُعِدْ". أخرجه الشيخان (¬8) والنسائي (¬9). [صحيح]. قوله: "في حديث أنس [........................................] " (¬10). ¬

_ (¬1) تقدم وهو حديث صحيح. (¬2) في "صحيحه" (3/ 547 الباب رقم 110). (¬3) في "فتح الباري" (3/ 549). (¬4) ذكره الحافظ في "الفتح" (3/ 547). (¬5) قال ابن عبد البر في "الاستذكار" (12/ 265 رقم 17563): فقال: مالك، وأبو حنيفة: "لا تقلَّدُ الغنم". (¬6) انظر: مختصر اختلاف العلماء (2/ 72 رقم 558). البناية في شرح الهداية (4/ 222). (¬7) انظر: "فتح الباري" (3/ 548). (¬8) أخرجه البخاري رقم (5561)، ومسلم رقم (10/ 1962). (¬9) في "السنن" رقم (4396). (¬10) بياض في المخطوط بمقدار سطر.

2 - وعن البراء - رضي الله عنه - قال: ذَبَحَ أَبُو بُرْدَةَ بنُ نِيَارِ - رضي الله عنه - قَبْلَ الصَّلاَةِ فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: "أَبْدِلهَا". فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله مَا عِنْدِي إِلاَّ جَذَعَةٌ هِيَ خيْرٌ مِنْ مُسِنَّةٍ. قَالَ: "اجْعَلْهَا مَكَانَهَا، وَلَنْ تَجْزِي عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ". أخرجه الخمسة (¬1). [صحيح]. [قوله: "في حديث البراء" (¬2) ذبح أبو بردة] اسمه هاني، وقيل: الحارث, وهو خال البراء بن عازب ولذا في لفظ الترمذي: "فقام خالي .. " الحديث. وقوله: "ولن تجزي عن أحد بعدك" بفتح المثناة الفوقية، أي: تقضي. قال ابن بري (¬3): الفقهاء يقولون: بضم أوّله والهمزة والصواب خلافه (¬4)، وقيل: الأول لغة الحجاز، والثاني: لغة تميم، وفي الحديث بيان وقت الذبح للأضحية. قوله: "أخرجه الخمسة". قلت: لفظه عند الترمذي (¬5) فقال: يا رسول الله! عندي عناق لبنٍ خير من شاتي لحم، أفأذبحها؟ قال: "نعم، وهو خير نسيكتيك، ولن تجزي جذعة بعدك". وقال (¬6): هذا حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند أهل العلم أن لا يضحي بالمصر حتى يصلي الإمام، وقد رخَّص قوم من أهل العلم لأهل القرى في الذبح إذا طَلَعَ ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (5556)، ومسلم رقم (4/ 1961)، وأبو داود رقم (2800)، والترمذي رقم (1508)، والنسائي رقم (1563). (¬2) زيادة من (ب). (¬3) ذكره الحافظ في "فتح الباري" (10/ 14). (¬4) أي: بالفتح وترك الهمز. وقال ابن بري: لكن يجوز الضم والهمز بمعنى الكفاية، يقال: أجزأ عنك. "فتح الباري" (10/ 14). (¬5) في "السنن" رقم (1508). (¬6) في "السنن" (4/ 93).

الفجر، وهو قول ابن المبارك، وقد أجمع أهل العلم أنَّ لا يجزي الجذع من المعز، وقالوا: إنما يجزي الجذع من الضأن. انتهى. وفي بعض ألفاظه: عندي عناق لبن. قال ابن الأثير (¬1): العناق الأنثى من ولد المعز، وأضافها إلى اللبن، أي: أنها [203 ب] بعدُ ترضعُ، فهي متربيَّة على اللَّبن لا على المَرعى. انتهى. 3 - وعن مالك (¬2): أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ بِمِنًى: "هَذَا المَنْحَرُ وَكُلُّ مِنًى مَنْحَرٌ". وَقَالَ فِي الْعُمْرَةِ: "هَذَا المَنْحَرُ - يَعْني المَرْوَةَ - وَكُلُّ فِجَاجِ مَكَّةَ وَطُرُقِهَا مَنْحَرٌ". [صحيح لغيره]. قوله: "في حديث مالك قال: بمنى" يريد أنّ نحر دماء الحج بمنى وأنّ كلها منحر، ومحل دماء العمرة بمكة وكلها منحر، والفجاج جمع فج وهي الطريق، وهذا فيه بيان مكان ذبح الهدايا، وقد أخرج مسلم (¬3) من حديث جابر: "أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: نحرت ها هنا ومنى كلها منحر". 4 - وعن نافع: أن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: مَنْ نَذَرَ بَدَنَةً فَإِنَّهُ يُقَلِّدُهَا بِنَعْلَيْنِ وَيُشْعِرُهَا ثُمَّ يَنْحَرُهَا عِنْدَ الْبَيْتِ أَوْ بِمِنًى يَوْمَ النَّحْرِ لَيْسَ لَهَا مَحِلٌّ دُونَ ذَلِكَ، وَمَنْ نَذَرَ جَزُورًا مِنَ الإِبِلِ أَوِ الْبَقَرِ فَلْيَنْحَرْهَا حَيْثُ شَاءَ (¬4). [موقوف صحيح] ¬

_ (¬1) في "غريب الجامع" (3/ 348). (¬2) في "الموطأ" (1/ 393 رقم 178)، وهو صحيح لغيره. وأخرجه أبو داود رقم (1937)، وابن ماجه رقم (3048) من حديث جابر - رضي الله عنه - وسنده حسن. (¬3) في "صحيحه" رقم (149/ 1218). وأخرجه أحمد (3/ 321)، وأبو داود رقم (1907). وهو حديث صحيح. وقد تقدم. (¬4) أخرجه مالك في "الموطأ" (1/ 394 رقم 182)، وهو أثر موقوف صحيح.

قوله: "في حديث ابن عمر: من نذر بدنة" في "النهاية" (¬1): البدنة تقع على الجمل والناقة والبقرة وهي بالإبل أشبه, وسميت بدنة لعظمها وسمنها، قال (¬2): والجزور: البعير ذكراً كان أو أنثى، إلاّ أنّ هذه اللفظة مؤنثة، تقول: هذه جزور، وإن أردت ذكراً. انتهى. وهذه التفرقة التي ذكرها ابن عمر بين النذرين لا أدري ما وجهها وهو رأي منه. 5 - وعنه (¬3) أيضًا أّنَّ ابن عمرَ قال: الأَضْحَى يَوْمَانِ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ. [موقوف صحيح]. قال مالك (¬4): وَبَلَغَنِي عَنْ عَليَّ بنِ أَبِي طَالِبٍ - رضي الله عنه - مِثْلُهُ. [موقوف ضعيف] أخرج الثلاثة مالك. قوله: "في حديث ابن عمر: يومان بعد النحر" لفظ "الموطأ": "بعد يوم الأضحى" يريد أنها أيام ذبح. قوله: "أخرج الثلاثة مالك". قلت: هي أربعة بحديث علي - رضي الله عنه - إلاّ أنّ الأول مرفوع لكنه بلاغ، وكذلك حديث علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - ذكره بلاغًا فالأول والآخر بلاغ. ¬

_ (¬1) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 114). (¬2) أي: ابن الأثير في "النهاية" (1/ 261). (¬3) أخرجه مالك في "الموطأ" (2/ 487 رقم 12)، وهو أثر موقوف صحيح. (¬4) في "الموطأ" (2/ 487)، وهو أثر موقوف ضعيف.

الفصل السابع: في كيفية الذبح

الفصل السابع: في كيفية الذبح قوله: "الفصل السابع: في كيفية الذبح". 1 - عن جابر - رضي الله عنه - قال: ذَبَحَ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ النَّحْرِ كَبْشَيْنِ أَقرنَيْنٍ أَمْلَحَيْنِ مُوجُوءَيْنِ. فَلمَّا وَجَّهَهُمَا قَالَ: "إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ عَلَى مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا أنَا مِنَ المُشْرِكينَ. إِنَّ صَلاَتِي وَنسُكِي وَمَحْيَاي وَمَماتِي لله رَبِّ الْعَالَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وأَنَا أَوَّلُ المُسْلِمِينَ. اللهمَّ مِنْكَ وَلَكَ وَإِلَيْكَ. اللهمَّ عَنْ مُحَمَّدٍ وَأُمَّتِهِ. بِاسْمِ الله وَالله أَكْبَرُ". ثُمَّ ذَبَحَ. أخرجه أبو داود (¬1) والترمذي (¬2). [ضعيف]. "المَوْجُوءُ" (¬3): المَرْضُوضُ الخِصْيَتَيْنِ. قوله: "في حديث جابر: موجوئين" بوّب له المنتقى (¬4): باب التضحية بالخصي، وذكر أحاديث ثلاثة في ذلك أحدها عن عائشة وأبي هريرة: "أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أراد أن يضحي اشترى كبشين عظيمين سمينين أقرنين [204 ب] أملحين موجوءين فذبح أحدهما عن أمته لمن شهد بالتوحيد، وشهد له بالبلاغ، وذبح الآخر عن محمد وعن آل محمد" رواه ابن ماجه (¬5). ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (2795). (¬2) في "السنن" رقم (1520). وأخرجه ابن ماجه رقم (3121). وهو حديث ضعيف. (¬3) قال ابن الأثير في "غريب الجامع" (3/ 353): موجوءين: الوجاء نحو الخصاء, وهو أن يؤخذ الكبش فترضَّ خُصياهُ ولا تقطعا، وقيل: هو أن تقطع عُروقهما وتتركا بحالهما. (¬4) (9/ 478 - 479 - مع "نيل الأوطار" بتحقيقي. (¬5) في "السنن" رقم (3122). قال البوصيري في "مصباح الزجاجة" (3/ 49): هذا إسناد حسن, عبد الله بن محمد مختلف فيه. وهو حديث صحيح لغيره. =

2 - وعنه - رضي الله عنه - قال: شَهِدْتُ المُصَلّى مَعَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَلمَّا قَضَى خُطْبَتَهُ نَزَلَ عَنْ مِنْبَرهِ وَأُتِيَ بِكَبْشٍ فَذَبَحَهُ بِيَدهِ وَقَالَ: "بِسْمِ الله وَالله أكْبَرُ. هَذَا عَنِّي وَعَمَّنْ لَمْ يُضَحَّ مِنْ أُمَّتِي". أخرجه الترمذي (¬1). [صحيح]. 3 - وعن غَرَفَة بن الحارث الكِندي - رضي الله عنه - قال: شَهِدْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَأُتِيَ بِالْبُدْنِ فَقَالَ: "ادْعُوا لِي أَبا الحَسَن". فَدُعِيَ لَهُ عَلِيٌّ فَقَالَ: خُذْ بِأَسْفَلِ الحَرْبَةِ. فَفَعَلَ، وَأَخَذَ - صلى الله عليه وسلم - بِأَعْلاَهَا ثُمَّ طَعَنَ بِهَا الْبُدْنِ وَهِيَ مَعْقُولَةُ الْيَد اليُسْرَى قَائِمَةٌ عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ قَوَائِمِهَا، فَلمَّا نَحَرَ الْبُدْنَ وَوَجَبَتْ جُنُوبُهَا قال: مَنْ شَاءَ اقْتَطَعَ وَذَلِكَ يَوْمُ الْنَّحْرِ بِمِنًى، فَلمَّا فَرَغَ رَكِبَ بَغْلتَهُ وَأَرْدَفَ عَلِيًّا - رضي الله عنه -. أخرجه أبو داود (¬2). [ضعيف]. قوله: "وعن غَرَفَة" (¬3) بتحريك الغين المعجمة والراء المهملة ففاء له صحبة. وفي "التقريب" (¬4): غرفة بن الحارث الكندي أبو الحارث، صحابي من اليمن، شهد ¬

_ = - وحديث عن أبي رافع، قال: "ضحَّى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكبشين أملحَيْن موجوأين" إسناده ضعيف منقطع. أخرجه أحمد (6/ 8)، (3926) بسند ضعيف منقطع لضعف شريك بن عبد الله النخعي، ولضعف عبد الله ابن محمد وهو ابن عقيل بن أبي طالب، وعلي بن الحسين، وهو ابن علي بن أبي طالب لم يدرك أبا رافع. - وحديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: "ضحَّى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكبشَيْن سمينين عظيمين أملحين أقرنين موجوأين" إسناده ضعيف. أخرجه أحمد (6/ 136) بسند فيه ضعف؛ لاضطراب عبد الله بن محمد وهو ابن عقيل بن أبي طالب فيه. (¬1) في "السنن" رقم (1521)، وهو حديث صحيح. وأخرجه أبو داود رقم (2810)، وابن ماجه رقم (3121) بنحوه دون قوله: "بسم الله، والله أكبر". (¬2) في "السنن" رقم (1766)، وهو حديث ضعيف. (¬3) في متن (ب)، وفي التيسير المطبوع عرفة بالمهملة. وفي الخلاصة: غُرْفَة. (¬4) (2/ 104 رقم 8).

حجة الوداع، ثم فتح مصر ونزلها، ومنهم من ذكره بالمهملة. قوله: "وأتي بالبدن" قد تقدم عن أنس: "أنّه - صلى الله عليه وسلم - ذبح سبعًا بيده"، ولا ينافي هذا لأنّها كانت مائة بعضها ذبحه بيده وسيأتي في حديث علي - رضي الله عنه -: "أنه ذبح - صلى الله عليه وسلم - بيده ثلاثين بدنة"، فأنس أخبر بما رأى (¬1)، وعلي أخبر بما شاهد والكل صحيح. قوله: "وهي معقولة اليد اليسرى"، وأخرج أبو داود (¬2) من حديث جابر: "أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه كانوا ينحرون البدنَةَ معقولَة اليُسْرَى قائمةً على ما بقي من قوائمها"، وفي هذا الحديث استحباب نحر الإبل على هذه الصفة المذكورة. وفي البخاري (¬3): "أنّ ابن عمر أتى على رجل قد أناخ بدنته لينحرها فقال: ابعثها قيامًا. مقيَّدة [سنة محمد - صلى الله عليه وسلم -"] (¬4). وقال ابن عباس (¬5): صوافَّ (¬6): قِيامًا. وفي قراءة ابن مسعود: "صوافن" بكسر الفاء بعدها نون، جمع صافنة وهي التي رفعت إحدى يديها بالعقل لئلا تضطرب [205 ب]. 4 - وفي رواية (¬7) له عن عبد الله بن قرط: فَلمَّا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا قَال: "مَنْ شَاء اقْتَطَعَ". [صحيح]. ¬

_ (¬1) تقدم توضيحه. (¬2) في "السنن" رقم (1767)، وهو حديث صحيح. (¬3) في "صحيحه" رقم (1713). وأخرجه أحمد (2/ 139)، ومسلم رقم (358/ 1320). (¬4) ما بين الحاصرتين سقط من (أ). (¬5) ذكره البخاري في "صحيحه" (3/ 554 رقم الباب 119 - مع "الفتح") تعليقًا. وقال الحافظ: أخرجه سعيد بن منصور عن ابن عيينة، وأخرجه عبد بن حميد عن أبي نعيم عنه. (¬6) وذلك في قوله تعالى: {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ} [الحج: 36]. (¬7) أخرجه أبو داود رقم (1765)، وهو حديث صحيح.

"وَجَبَتْ جُنُوبُهَا" (¬1) أي: سقطت الأرض. 5 - وعن علي - رضي الله عنه - قال: نَحَر رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ثَلاَثِينَ بُدْنَهُ بِيَدهِ، ثُمَّ أَمَرنَي فَنَحَرْتُ سَائِرَهَا وَكانَتْ سَبْعِينَ. أخرجه مالك (¬2) [صحيح] وأبو داود (¬3). [منكر]. قوله: "قال [199 أ]: إنه نحر بيده ثلاثين بدنة" يحتمل أنها التي شاركه في نحرها بالحربة علي - رضي الله عنه - فإنه يصدق عليها أنه نحرها بيده, واستقل علي - عليه السلام - بنحر السبعين الباقية. قوله: "أخرجه مالك وأبو داود". قلت: يريد المعنى، وإلاّ ففي "الجامع" (¬4) عن علي - رضي الله عنه -: "لما نحر النبي - صلى الله عليه وسلم - بدنة فنحر ثلاثين بيده، وأمرني فنحرت سائرها". وفي رواية: "أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نحر بعض هديه, ونحر غيره بعضها". أخرج الأولى أبو داود (¬5) والثانية: "الموطأ" (¬6). انتهى. فلفظ كل رواية غير الأخرى، ثم زيادة "وكانت سبعين" ليست في "الجامع" (¬7). ¬

_ (¬1) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 825). (¬2) في "الموطأ" (1/ 394 رقم 181)، وفيه: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نحر بعض هديه ونحر غيره بعضه"، وهو حديث صحيح. (¬3) في "السنن" رقم (1764) , وهو حديث منكر. وقد أخرج أبو داود رقم (1905) من حديث جابر الطويل وفيه: "ثم انصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المنحر، فنحره بيده ثلاثًا وستين, وأمر عليًّا فنحر ما غبَر - يقول: ما بقي - وأشركه في هديه, ثم أمر من كل بدنةٍ ببضعة, فجعلت في قدْر فطبخت ... ". (¬4) (3/ 356). (¬5) في "السنن" رقم (1764) , وهو حديث منكر. (¬6) في "الموطأ" (1/ 394 رقم 181)، وهو حديث صحيح. (¬7) (3/ 356).

الفصل الثامن: في الأكل من الأضحية

وفي رواية عبد الله [بنُ قرط] (¬1) بضم القاف، الأزدي الثمالي (¬2) بضم المثلثة وتخفيف الميم صحابي كان اسمه شيطانًا فغيّره النبي - صلى الله عليه وسلم - وأمَّره أبو عبيدة على حمص. 6 - وعن أبي موسى - رضي الله عنه -: أَنَّهُ أَمَرَ بَنَاتِهِ أَنْ يُضَحَّيْنَ بِأَيْديهِنَّ، وَيُوضَعَ الْقَدَمُ عَلَى صَفْحَةِ الْذَّبِيْحَةِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّسْمِيَةِ عِنْدَ الذَّبْحِ. أخرجه رزين. قلت: وعَلَّقه البخاري (¬3)، والله أعلم. [صحيح]. قوله: "قلت: وعلّقه البخاري". قلت: هو كما قال, ووصله الحاكم في "المستدرك"، قال الحافظ (¬4): وعند الشافعية (¬5): الأولى للمرأة أن توكل في ذبح أضحيتها. الفصل الثامن: في الأكل من الأضحية زاد في "الجامع" (¬6): والادّخار، فما كان للمصنف حذفه بل هو الفائدة في الترجمة؛ لأنّ الأكل عنها معلوم [و] (¬7) إنما ورد النهي عن الادّخار ثم فسخ وأولى من الترجمتين ترجمة ابن ¬

_ (¬1) في المخطوط: قرة. والصواب ما أثبتناه. (¬2) "التقريب" (1/ 441 رقم 549). (¬3) في "صحيحه" (10/ 19 الباب رقم 10 - مع "الفتح". (¬4) في "فتح الباري" (10/ 19). (¬5) انظر: المهذب (3/ 836 - 837). "البيان" للعمراني (4/ 447 - 448). (¬6) (3/ 357). (¬7) زيادة من (ب).

تيمية في المنتقى (¬1) حيث قال: باب الأكل والإطعام من الأضحية وجواز ادّخار لحمها (¬2). انتهى [عنه] (¬3). 1 - عن جابر - رضي الله عنه - قال: كُنَّا لاَ نَأْكُلُ مِنْ لُحُومِ بُدْنِنَا فَوْقَ ثَلاَثٍ فَأَرْخَصَ لَنَا - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: " كُلُوا وَتَزَوَّدُوا". [صحيح]. زاد في رواية مسلم (¬4): "وَادَّخِرُوا". أخرجه الثلاثة (¬5) والنسائي (¬6). قوله: "في حديث جابر: لا نأكل من لحوم بدننا فوق ثلاث" هذا يشعر بأنه نهي أيضًا عن ادخار لحوم الهدايا، إذ البدن عند إطلاقها يبادر إليها، ويحتمل أن يراد بها الضحايا؛ لأن [206 ب] المشهور أنّ النهي كان عنها عامًا واحدًا ثم أذن في الادّخار. قال الحافظ ابن حجر (¬7): إنه من الحكم المتفق على نسخه يريد قوله: "لا نأكل من لحوم بدننا". قال الرافعي (¬8): الظاهر أنه لا يحرم اليوم بحال. ¬

_ (¬1) (9/ 497 الباب الثامن عشر - "نيل الأوطار") بتحقيقي. (¬2) وتمام العنوان: ونسخ النهي عنه. (¬3) زيادة من (أ). (¬4) في "صحيحه" رقم (29/ 1972). (¬5) أخرجه البخاري رقم (1719)، ومسلم رقم (30/ 1972). ومالك في "الموطأ" (2/ 484 رقم 6). (¬6) في "السنن" رقم (4426). (¬7) في "فتح الباري" (10/ 28). (¬8) انظر: شرح "صحيح مسلم" (13/ 129 - نووي). "فتح الباري" (10/ 28).

وتبعه النووي فقال في شرح المهذب (¬1): الصواب أنّه لا يحرم الادّخار بحال، وحكى في شرح مسلم (¬2) عن جمهور العلماء: إنه من نسخ "السنة" بالسنة. قال: والصحيح نسخ التحريم مطلقًا، وأنه لم يبق تحريم ولا كراهة فيباح اليوم الادّخار فوق ثلاث والأكل إلى ما شاء. انتهى. وأخرج مسلم (¬3) من حديث ثوبان قال: ذبح النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أضحيتَهُ ثم قال لي: "يا ثوبانُ! أصلحْ لحم هذه" فلم أزل أُطْعِمُهُ منه حتى قدم المدينة. قال ابن بطال (¬4): [في الحديث ردٌ على من زعم من الصوفية أنه لا يجوز ادّخار الطعام لغدٍ، وأنّ اسم الولاية لا تستحق لمن ادّخر شيئًا ولو قلَّ، وأنّ من ادّخر أساء الظن بالله تعالى، وفي هذه الأحاديث كفاية في الرد على من زعم ذلك] (¬5). 2 - وعن عابس بن رَبيعة قال: قُلْتُ لِعَائِشَةَ - رضي الله عنها -: أَنَهَى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أَنْ تُؤْكَلَ لُحُومُ الأَضَاحِي فَوْقَ ثَلاَثٍ؟ قَالَتْ: إنَمَا فَعَلَهُ فِي عَامٍ جَاعَ فِيهِ النَّاسُ، فَأَرَادَ أَنْ يُطْعِمَ الْغَنِيُّ الْفَقِيرَ، وَإِنْ كُنَّا لَنَرْفَعُ الْكُرَاعَ فَنَأْكُلُهُ بَعْدَ خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً. قُلْتُ: وَمَا اضْطَرَّكُمْ إِلَى ذَلِكَ فَضَحِكَتْ ¬

_ (¬1) "المجموع شرح المهذب" (8/ 396). (¬2) (13/ 129). (¬3) في "صحيحه" رقم (35/ 1975). وأخرجه أحمد (5/ 277). (¬4) في شرحه لـ "صحيح البخاري" (9/ 488 - 489) باب: ما كان السلف يدخرون في بيوتهم وأسفارهم من الطعام واللحم وغيره. (¬5) كذا العبارة في المخطوط: وإليك نصها كما في شرح صحيح البخاري لابن بطال: هذا الباب رد على الصوفية في قولهم: إنه لا يجوز ادّخار طعام الغد، وأن المؤمن الكامل الإيمان لا يستحق اسم الولاية لله حتى يتصدق بما فضل عن شبعه, ولا يترك طعامًا لغدٍ، ولا يصبح عنده شيء من عين ولا عرض ويمسي كذلك، ومن خالف ذلك فقد أساء الظنّ بالله، ولم يتوكل عليه حق توكله، وهذه الآثار ثابتة بادخار الصحابة وتزود النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه في أسفارهم، وهي المقنع، والحجة الكافية في ردِّ قولهم.

وَقَالَتْ: مَا شَبعَ آلُ مُحَمَّدٍ مِنْ خُبْزٍ مَأْدُومٍ ثَلاَثَةَ أيَّامٍ حَتَّى لَحِقَ بِالله تَعَالَى. أخرجه الستة (¬1). [صحيح]. قوله: "وعن عابس" بالعين المهملة فموحدة مكسورة فسين مهملة, هو ابن ربيعة الغُطَيفي (¬2) بمعجمة مصغراً، والد عبد الرحمن، له صحبة، وفي حديثه هذا بيان سبب النهي، وبيان نسخه، وبيان ما كان عليه آل محمد - صلى الله عليه وسلم - في حياته من ضيق العيش. 3 - وعن نُبَيْشَةَ - رضي الله عنه - قال: قال النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّا كنَّا نَهَيْنَاكُمْ عَنْ لحُومِهَا أَنْ تَأْكُلُوهَا فوْقَ ثَلاَثَ لكَيْ تَسَعَكُمْ فَقَدْ جَاءَ الله تَعَالَى بالسَّعَة فكُلُوا وَادَّخِرُوا وَائْتَجِرُوا. أَلاَ وَإِنَّ هَذِهِ الأَيَّامَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرٍ لله تَعَالَى". أخرجه أبو داود (¬3). [صحيح]. "ائْتَجِرُوا" اطلبوا الأجر. قوله: "وعن نبيشة" (¬4) بضم النون فموحدة فمثناة تحتية فشين معجمة مصغر وهو نبيشة الخير الهذلي، وهو ابن عمرو بن عوف [207 ب] من بني هذيل، وقيل: نبيشة بن عبد الله بن شيبان، روي أنه دخل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعنده أسارى فقال: يا رسول الله إمّا أن تفاديهم، وإمّا أن تمن عليهم قال: "أمرت بالخير أنت نبيشة الخير"، قاله الكاشغري. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (5423)، ومسلم رقم (1971)، وأبو داود رقم (2812)، والترمذي رقم (1511)، والنسائي رقم (4432)، ومالك في "الموطأ" (2/ 484). (¬2) انظر: "التقريب" (1/ 383 رقم 2). (¬3) في "السنن" رقم (2813) وهو حديث صحيح. وأخرجه مسلم في "صحيحه" رقم (1141) عن نبيشة الهذلي، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أيام التشريق أيام أكل وشرب". وأخرجه ابن ماجه رقم (3160)، ولم يذكر آخر. وأخرجه النسائي رقم (4230). (¬4) "التقريب" (2/ 297 رقم 39).

قوله: "وادَّخروا" بالمهملة، وأصله: اذخر (¬1) بالمعجمة دخلت عليها تاء الافتعال فأدغمت. قوله: "فكلوا .. إلى آخره" ظاهر الأمر وجوب ما ذكر. قال النووي (¬2): مذهب الجمهور: أنه لا يجب الاكل من الأضحية، وغنما الأمر فيه للإذن، وذهب بعض السلف إلى الأخذ بظاهر الأمر أي: فيجب الأكل منها، وأمّا التصدق منها فالصحيح أنه يجب التصدق منها [بما] (¬3) يقع عليه الاسم [منها] (¬4) والأكل أن يتصدق بمعظمها. قوله: "وائتجروا" فسره المصنف (¬5) باطلبوا الأجر، ولا يجوز اتجروا بالإدغام؛ لأنّ الهمزة لا تدغم في الياء، وإنما هو من الأجر لا من التجارة. وقد أجازه الهروي (¬6) في كتابه، واستشهد عليه بحديث: "أنّ رجلاً دخل المسجد وقد قضى النبي - صلى الله عليه وسلم - صلاته فقال: "من يتجر فيقوم فيصلي معه" (¬7)، والرواية (¬8) إنما هي: "يأتجر"، ¬

_ (¬1) انظر: "القاموس المحيط" (506). (¬2) في شرحه لـ "صحيح مسلم" (13/ 131) حيث قال: وأمّا الأكل منها فيستحب ولا يجب، هذا مذهبنا. ومذهب العلماء كافة إلا ما حكي عن بعض السلف: أنّه أوجب الأكل منها، وهو قول أبي الطيب ابن سلمة من أصحابنا حكاه الماوردي ... ". (¬3) في المخطوط: لِمَ. وما أثبتناه من شرح "صحيح مسلم" (13/ 131). (¬4) زيادة من شرح "صحيح مسلم". (¬5) انظر: "غريب الجامع" (3/ 367). (¬6) في "الغريبين في القرآن والحديث" (1/ 48 - 49). (¬7) أخرجه الترمذي في "السنن" رقم (220) باب: ما جاء في الجماعة في مسجد قد صلى فيه مرة. (¬8) أخرجه أحمد في "المسند" (3/ 5).

الفصل التاسع: فيما يعطب من الهدي

فإن صحّ فيها يتجر فيكون من التجارة لا من الأجر، وكأنه بصلاته معه قد حصل لنفسه تجارة، أي: مكسبًا، قاله في "النهاية" (¬1). قوله: "أيام أكل وشرب وذكر لله تعالى"، وفي رواية (¬2): "وبعال". الفصل التاسع: فيما يعطب من الهدي قوله: "الفصل التاسع: فيما يعطب من الهدي"، العطب (¬3) بالمهملة والطاء مفتوحة فموحدة، والعطب الهلاك والمراد: ما حصل بها من علة يظن معها هلاكها. 1 - عن ناجية الخزاعي - رضي الله عنه - قال: بَعَثَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - مَعِي هَدْيَهُ مِنَ المَدِيْنَةِ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله! كَيْفَ أَصْنَعُ بِمَا عَطِبَ مِنْها؟ قَالَ: "انْحَرْهَا ثُمَّ اغْمِسْ نَعْلَهَا فِي دَمِهَا، ثُمَّ خَلِّ بَيْنَهَا وَبيْنِ النَّاسِ يَأْكُلُونَهَا". أخرجه الأربعة (¬4) إلا النسائي. [صحيح]. ¬

_ (¬1) (1/ 182). وانظر: "الفائق" للزمخشري (1/ 28). (¬2) أخرجها النسائي في "السنن الكبرى" رقم (2892)، وأبو يعلى رقم (461)، وابن خزيمة رقم (2147)، والحاكم (1/ 534 - 535)، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. عن ابن مسعود بن الحكم عن أمه: "أنها رأت وهي بمنى في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - راكباً يصيح يقول: يا أيها الناس! إنها أيام أكل وشرب ونساء وبعال وذكر الله، قالت: فقلت: من هذا؟ فقالوا: علي ابن أبي طالب". (¬3) قال ابن الأثير في "النهاية" (2/ 221): "عَطب الهَدْي" وهو: هلاكه، وقد يُعبّر به عن آفة تعتَرِيه، وتمنعه عن السَّير فينحرُ. وانظر: غريب الحديث للخطابي (3/ 238). (¬4) أخرجه أبو داود رقم (1762)، والترمذي رقم (910) وقال: هذا حديث حسن صحيح، وابن ماجه رقم (3106). وأخرجه أحمد في "مسنده" (4/ 334). وهو حديث صحيح، والله أعلم.

قوله: "يأكلونها" زاد في رواية في "الجامع" (¬1) في رواية أبي داود (¬2) عن ابن عباس وفيها: أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "ولا تأكل [208 ب] منها أنت ولا أحد من أصحابك" أو قال: "من أهل رفقتك". قال ابن الأثير (¬3): قال الخطابي (¬4): يشبه أن يكون إنما حرمها عليه وعلى أصحابه حسمًا لباب التهمة [200 أ] لئلا يعتلوا بأنّ بعضها قد زحف فينحرونه إقدامًا على لحمه. انتهى. 2 - وعن ابن المسيب أنه قال: مَنْ سَاقَ بَدَنَةً تَطَوُّعًا فَعَطِبَتْ فَنَحَرَهَا ثُمَّ خَلَّى بَيْنَهَا وَبيْنَ النَّاسِ يَأْكُلُونَهَا فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيءٌ، وإنْ أَكَلَهَا أَوْ أَمَرَ مَنْ يَأْكُلُ مِنْهَا غَرِمَهَا (¬5). [مقطوع صحيح]. 3 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - أنه قال: مَنْ أَهْدَى بَدَنَةً ثُمَّ ضَلَّتْ أَوْ مَاتَتْ، فَإِنَّهَا إِنْ كَانَتْ نَذْرًا أَبْدَلَهَا، وَإِنْ كَانَتْ تَطَوُّعًا فَإِنْ شَاءَ أَبْدلَهَا وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهَا (¬6). [موقوف صحيح]. قوله: "أخرجهما مالك". قلت: وزاد في الأول: قال مالك (¬7): وحدثني ثور بن زيد (¬8) عن ابن عباس مثل ذلك. ¬

_ (¬1) (3/ 368). (¬2) في "السنن" (1763) وهو حديث صحيح. (¬3) انظر "النهاية" (1/ 69) (¬4) في "معالم السنن" (2/ 369 - مع السنن) حيث قال: "يشبه أن يكون معناه حرم عليه ذلك وعلى أصحابه ليحسم عنهم باب التهمة فلا يعتلوا بأن بعضها قد زحف فينحروه إذا قرِموا إلى اللحم فيأكلوه والله أعلم. (¬5) أخرجه مالك في "الموطأ" (1/ 381 رقم 149)، وهو أثر مقطوع صحيح. (¬6) أخرجه مالك في "الموطأ" (1/ 381)، وهو أثر موقوف صحيح. (¬7) في "الموطأ" (1/ 381)، وهو أثر موقوف ضعيف. (¬8) في "الموطأ": ثور بن زيد الدّيليِّ.

الفصل العاشر: في ركوب الهدي

الفصل العاشر: في ركوب الهدي " الفصل العاشر: في ركوب الهدي". أي: في جوازه. 1 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - رَأَى رَجُلاً يَسُوقُ بَدَنَةً فَقَالَ: "ارْكَبْهَا". فَقَالَ: إِنَّهَا بَدَنَةٌ. فَقَالَ: "ارْكَبْهَا". فَقَالَ: إِنَّهَا بَدَنَةٌ. فَقَالَ: "ارْكَبْهَا، وَيْلَكَ". فِي الثَّانِيَةِ أَوْ فِيْ الثَّالِثَة. أخرجه الستة (¬1) إلا الترمذي عن أبي هريرة. [صحيح]. وللخمسة (¬2) إلا أبا داود عن أنس بمعناه. [صحيح]. زاد في رواية للبخاري (¬3) عن أبي هريرة: فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ رَاكِبَهَا وَهُوَ يُسَايِرُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَالنَّعْلُ في عُنقِهَا. قوله: "فقال: اركبها قال: إنها بدنةٍ" علّق البخاري (¬4) عن مجاهد: إنما سميت البدن لبدنها. قال في "الفتح" (¬5): هو بفتح الموحدة والمهملة للأكثر وبضمها وسكون الدال لبعضهم، وفي رواية (¬6): لبدنها لسمنها. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (1689)، ومسلم رقم (371، 372/ 1322)، وأبو داود رقم (1760)، وابن ماجه رقم (3103)، والنسائي (2799)، ومالك في "الموطأ" (1/ 387)، وأخرجه أحمد (2/ 254، 481، 487). (¬2) أخرجه البخاري رقم (1690)، ومسلم رقم (373/ 1323)، والترمذي رقم (911)، وابن ماجه رقم (1322)، والنسائي رقم (2800) و (2801). (¬3) في "صحيحه" رقم (1706). (¬4) في "صحيحه" رقم (3/ 535 الباب رقم 103 - مع الفتح). (¬5) (3/ 536). (¬6) في رواية الكشميهني. "فتح الباري" (3/ 536).

قوله: "بدنة" في مسلم (¬1) "بَدَنَةٍ أوْ هَديَّةٍ" ولأبي عوانة (¬2) "أو هدي" وفي رواية لمسلم (¬3): "بدنة مقلدة" فالمراد من قوله: "إنها بدنة" أي: هدي وبه يحصل الجواب إذ كونها من الإبل معلوم، فأخبر عن كونها هديًا، واستدل به على جواز ركوب الهدي سواء كان واجبًا أو متطوعاً به, لكونه - صلى الله عليه وسلم - لم يستفصل صاحب الهدي عن ذلك، فدل على أنّ الحكم لا يختلف، واختلف العلماء (¬4): هل يجوز ركوبها مطلقًا أو مع الحاجة؟ واستدل من أجازه للحاجة والضرورة بما يأتي من حديث "صحيح مسلم" (¬5) من حديث جابر مرفوعًا: "اركبها [209 ب] بالمعروف إذا أُلجئت إليها حتى تجد ظهرًا". ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (374/ 1322). (¬2) ذكره الحافظ في "الفتح" (3/ 537). (¬3) في "صحيحه" رقم (.... / 1322). (¬4) انظر: "الاستذكار" (12/ 254 رقم 17530)، حيث حكي عن الشافعي ومالك وأبي حنيفة وأكثر الفقهاء كراهة ركوبه لغير الحاجة. وقال النووي في "المجموع شرح المهذب" (8/ 334) فرع: في مذاهب العلماء في ركوب الهدي المنذور: ذكرنا أن مذهبنا - أي الشافعية - جوازه للمحتاج دون غيره على ظاهر النص، وبه قال ابن المنذر. وهو رواية عن مالك، وقال عروة بن الزبير، ومالك وأحمد وإسحاق: له ركوبه من غير حاجة، بحيث لا يضره, وبه قال أهل الظاهر. وقال أبو حنيفة: لا يركبه إلا إن لم يجد منه بدا، وحكى القاضي عن بعض العلماء أنه أوجب ركوبها لمطلق الأمر ولمخالفة ما كانت الجاهلية عليه من إهمال السائبة والبحيرة والوصيلة والحام ..... وانظر: البناية في شرح الهداية (4/ 455). كتاب الحج من الحاوي (2/ 1145). "التمهيد" (9/ 86 - 87 - الفاروق). (¬5) في "صحيحه" رقم (375، 376/ 1324)، وسيأتي تخريجه.

الفصل الحادي عشر: في المقيم إذا أهدى إلى البيت [أو ضحى هل يحرم أم لا]

قوله: "ويلك" قال القرطبي (¬1): قالها له تأديبًا لأجل مراجعته له مع عدم خفاء الحال عليه، وبهذا جزم ابن عبد البر (¬2) وابن العربي (¬3) وقيل: هي كلمة تدعم بها العرب كلامها، ولا يقصد معناها كقولهم: لا أم لك. 2 - وعن جابر - رضي الله عنه -: أنَّهُ سُئِلَ عَنْ رُكُوبِ الْهدْيِ فَقَالَ: سَمِعْتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "ارْكَبْهَا بِالمَعْرُوفِ إِذَا أُلْجِئْتَ إِلَيْهَا حَتَّى تَجِدَ ظَهْرًا". أخرجه مسلم (¬4) وأبو داود (¬5) والنسائي (¬6). [صحيح]. الفصل الحادي عشر: في المقيم إذا أهدى إلى البيت [أو ضحى هل يحرم أم لا] (¬7) " الفصل الحادي عشر: في المقيم إذا أهدى إلى البيت" أي: أرسل إليه هديًا. "أو ضحى": أي: أراد التضحية, ولم يقل أحد أنّ مريد التضحية يحرم، إنما الحديث (¬8) ورد أنّ من أراد أن يضحي ودخل شهر ذي الحجة فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره، فكأنه شبهه أهل هذه الترجمة بالمحرم. ¬

_ (¬1) في "المفهم" (3/ 423). (¬2) في "الاستذكار" (12/ 254)، و"التمهيد" (9/ 86 - 87 - الفاروق). (¬3) في "عارضة الأحوذي" (4/ 139). (¬4) في "صحيحه" رقم (375، 376/ 1324). (¬5) في "السنن" رقم (1761). (¬6) في "السنن" رقم (2802). وهو حديث صحيح. (¬7) ما بين الحاصرتين سقط من (أ). (¬8) يشير إلى حديث أم سلمة: أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا رأيتم هلال ذي الحجَّةَ وأراد أحدكم أن يضحيَّ فليمسك عن شعره وأظفاره". =

1 - عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كانَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُهْدِي مِنَ المَدِينَةِ، فَأَفْتِلُ قَلاَئِدَ هَدْيِهِ، وَلاَ يَجْتَنِبُ شَيْئًا مِمَّا يَجْتَنِبُهُ المُحْرِمُ. أخرجه الستة (¬1). [صحيح]. قوله: "في حديث عائشة: ولا يجتنب شيئاً مما يجتنبه المحرم" المسألة هذه فيها خلاف لابن عباس (¬2) فإنه أخرج ابن أبي شيبة (¬3) بإسناده إلى ربيعة: "أنه رأى ابن عباس وهو أمير على البصرة في زمان علي - عليه السلام - متجردًا على منبر البصرة وتبعه زياد بن أبيه على ذلك" وقد روي عن عائشة (¬4): "أنّه قيل لها: إنّ زياداً إذأ بعث [الهدي] (¬5) أمسك عمّا يمسك عنه المحرم حتى ينحر هديه فقالت عائشة: أوله كعبة يطوف بها". ¬

_ = [أخرجه أحمد (6/ 289)، ومسلم رقم (41، 42/ 1977)، وأبو داود رقم (2791)، والترمذي رقم (1523)، والنسائي رقم (4361)، وابن ماجه رقم (3149)]. وهو حديث صحيح. (¬1) أخرجه البخاري رقم (1698)، ومسلم رقم (359/ 1321)، وأبو داود رقم (1758)، والترمذي رقم (909) , والنسائي رقم (2793)، وابن ماجه رقم (3094)، وأخرجه أحمد (6/ 36). وهو حديث صحيح. (¬2) انظر: "فتح الباري" (3/ 546). (¬3) في مصنفه رقم (12721 - دار التاج السنية) عن ربيعة بن عبد الله بن الهدير: أنّه رأى ابن عباس وهو أمير على البصرة في زمن علي متجردًا على منبر البصرة، فسأل الناس عنه, فقالوا: إنّه أمر بهديه أن يقلد فلذلك تجرد، فلقيت ابن الزبير فذكرت له ذلك فقال: بدعة ورب الكعبة. (¬4) ويغني عن هذا ما أخرجه البخاري رقم (1700)، ومسلم رقم (369/ 1321): أنّ زياد بن أبي سفيان كتب إلى عائشة: أنّ عبد الله بن عباس قال: من أهدى هديًا حُرم عليه ما يحرم على الحاجّ حتى ينحر هديه، فقالت عائشة: "ليس كما قال ابن عباس: أنا فتلتُ قلائد هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيدي ثمّ قلّدها بيده ثمَّ بعث بها مع أبي، فلم يحرم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيء أحله الله له حتى نحر الهدي. (¬5) في (أ) بالهدي.

قال ابن التين (¬1): خالف ابن عباس في هذا جميع الفقهاء. قال الحافظ (¬2) بعد نقله: فيه قصور شديد فإنّ ابن عباس لم ينفرد بذلك بل ثبت عن جماعة من الصحابة (¬3). قال ابن المنذر (¬4): قال عمر، وعلي، وقيس بن سعد وابن عمر وابن عباس والنخعي وعطاء وابن سيرين وآخرون: من أرسل الهدي وأقام حرم عليه ما يحرم على المحرم. وقال ابن مسعود وعائشة وأنس وابن الزبير وآخرون: لا يصير بذلك محرمًا، وإلى ذلك صار فقهاء الأمصار، ومن حجة الأولين ما رواه الطحاوي (¬5) وغيره (¬6) من طريق عبد الملك بن جابر عن أبيه قال: "كنت [210 ب] جالسًا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد قميصه من جيبه ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (3/ 546). (¬2) في "فتح الباري" (3/ 546). (¬3) منهم: ابن عمر. فقد أخرج ابن أبي شيبة في مصنفه رقم (12720)، وابن المنذر كما في "فتح الباري" (3/ 546)، عن نافع: أن ابن عمر كان إذا بعث بالهدي يمسك عما يمسك عنه المحرم غير أنّه لا يلبي". ومنهم: قيس بن سعد. رواه عنه سعيد بن منصور كما في "فتح الباري" (3/ 546). ومنهم: علي وعمر. أخرجه عنهما ابن أبي شيبة في مصنفه رقم (12719) بسند ضعيف. وقال الحافظ في "الفتح" (3/ 546): وروى ابن أبي شيبة من طريق محمد بن علي بن الحسين عن عمر وعلي أنهما قالا في الرجل يرسل ببدنته: أنّه يمسك عمّا يمسك عنه المحرم". وهذا منقطع. (¬4) ذكره الحافظ في "الفتح" (3/ 546). (¬5) في شرح معاني الآثار (2/ 264). (¬6) كأحمد (3/ 294، 400)، والبزار في "مسنده" رقم (1107 - كشف)، وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (3/ 227)، وقال: رواه أحمد والبزار باختصار ورجال أحمد ثقات.

حتى أخرجه من رجليه وقال: إني أمرت ببدني التي بعثت بها أن تقلد اليوم [وتشعر] (¬1) على مكان كذا فلبست قميصي ونسيت فلم أكن أخرج قميصي من رأسي". قال الحافظ (¬2): وهذا لا حجة فيه لضعف إسناده، نعم استدل الداودي بقول عائشة هذا على أنّ الحديث الذي روته ميمونة (¬3) مرفوعًا: "إذا دخل عشر ذي الحجة فمن أراد أن يضحي فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره" يكون منسوخًا بحديث عائشة أو ناسخًا. قال ابن التين (¬4): ولا يحتاج إلى ذلك؛ لأن عائشة إنما أنكرت أن يصير من يبعث هديه محرمًا بمجرد بعثه ولم تتعرض لما يستحب في العشر خاصة من اجتناب إزالة الشعر والظفر، ثم قال (¬5): لكن عموم الحديث يدل لما قاله الداودي، وقد استدل به الشافعي (¬6) على إباحة ذلك في عشر ذي الحجة، ثم قال الحافظ (¬7): قلت: الحديث هو من حديث أم سلمة لا ميمونة، فوهم الداودي في النقل والاحتجاج، وأيضًا فإنه لا يلزم من دلالته على عدم اشتراط ما يتجنبه المحرم على المضحي أنه لا يستحب له فعل ما ورد به الخبر (¬8). انتهى. ¬

_ (¬1) في (ب): ويشير. (¬2) في "فتح الباري" (3/ 546). (¬3) بل هو من حديث أم سلمة - رضي الله عنها -، وقد تقدم نصه وتخريجه. (¬4) ذكره الحافظ في "الفتح" (10/ 23). (¬5) أي: ابن التين، ذكره الحافظ في "الفتح" (10/ 23). (¬6) ذكره النووي في المجموع (8/ 363). (¬7) في "الفتح" (10/ 23). (¬8) أي: الخبر المذكور لغير المحرم.

الفصل [الثاني عشر]: في أحاديث متفرقة

2 - وعن جابر - رضي الله عنه -: أَنَّهُمْ إِذَا كَانُوا حَاضِرِينَ مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - بِالمَدِينَةِ بَعَثَ الْهَدْي، فَمَنْ شَاءَ أَحْرَمَ، وَمَنْ شَاءَ تَرَكَ. أخرجه النسائي (¬1). [إسناده صحيح]. قوله: "في حديث جابر: فمن شاء أحرم ومن شاء ترك"، من أدلة من قال بقول ابن عباس: إلاّ أنّ ابن عباس ظاهر النقل عنه (¬2) أنه كان يوجب الإحرام. 3 - وعن ربيعة بن عبد الله بن الهُدير: أَنَّهُ رَأَى رَجُلاً مُتَجَرِّدًا بِالْعِرَاقِ فَسَأَلَ عَنْهُ؟ فَقِيْلَ: أَمَرَ بِهَدْيِهِ أَنْ يُقَلَّدَ فَلِذَلِكَ تجَرَّدَ. قَالَ: فَلَقِيتُ عَبْدَ الله بْنَ الزُّبَيْرِ فَذَكَرْتُ لَهُ ذَلِكَ. فَقَالَ: بِدْعَةٌ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ. أخرجه مالك (¬3). [موقوف صحيح]. "الْبِدْعَةُ" (¬4) في الشرع: كل ما لا يوافق السنة. قوله: "وعن ربيعة (¬5) بن عبد الله بن الهُدير" بضم الهاء ودال مهملة [201 أ] وآخره راء مصغر. قوله: "فقال: بدعة ورب الكعبة" هذا رأي ابن الزبير كرأي الأكثر. الفصل [الثاني عشر] (¬6): في أحاديث متفرقة 1 - عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: إِذَا نُتِجَتِ الْبَدَنَةُ فَلْيُحْمَلْ وَلَدُهَا حَتَّى يُنْحَرَ مَعَهَا، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ لَهُ مَحْمَلٌ حُمِلَ عَلَى أُمِّهِ. أخرجه مالك (¬7). [موقوف صحيح]. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (2792) بسند صحيح. (¬2) تقدم نصه وتخريجه. (¬3) في "الموطأ" (1/ 341 رقم 53)، وهو أثر موقوف صحيح. (¬4) تقدم شرحها. (¬5) "التقريب" (1/ 247 رقم 58). (¬6) في (أ): الثالث عشر. (¬7) في "الموطأ" (1/ 378 رقم 143)، وهو أثر موقوف صحيح.

وعنه أيضًا: أنَّ عمر - رضي الله عنه - أَهْدَى نَجيبًا فَأُعْطِىَ بِهَا ثَلاَثَمِائَةِ دِينَارٍ فَسَأَلَ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: إِنِّي أَهْدَيْتُ نَجِيبًا فَأُعْطِيتُ بِهَا ثَلاَثَمِائَةِ دِينَارٍ أَفَأَبِيعُهَا وَأَشْتَرِي بِهَا بُدْنًا؟ فَقَالَ: "لاَ أنْحَرْهَا إِيَّاهَا" (¬1). [ضعيف]. قوله: "في حديث ابن عمر: أنّ عمر أهدى نجيبًا" النجيب (¬2): التام الخلق [211 ب] الحسن المنظر، ويقع على الذكر والأنثى. قوله: "انحرها إياها" قال أبو داود (¬3): هذا لأنه كان أشعرها. 3 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: أَهْدَى النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَامَ الحُدَيْبِيَةِ هَدَايَا فِيهَا جَمَلٌ لِأَبِي جَهْلٍ فِي رَأْسِهِ بُرَةٌ مِنْ فِضَّةٍ. وقالَ بَعْضُ الرُّواة: مِنْ ذَهَبٍ يَغِيظُ بِذَلِكَ المُشْرِكِينَ (¬4). أخرجهما أبو داود. [صحيح بلفظ: "فضة"]. "الْبُرَةُ" (¬5) حَلْقة تكون في أَنْف البعير يُشَدُّ فيها الزمام. قوله: "برة" بضم الموحدة وتخفيف الراء فسّرها المصنف. 4 - وعن نافع قال: كان ابن عمر - رضي الله عنهما - يُجَلِّلُ بُدْنَهُ الْقَبَاطِيَّ. وَالأَنْمَاطِ وَالحُلَلِ ثُمَّ يَبْعَثُ بِهَا إِلَى الْكَعْبَةِ فَيَكْسُوهَا إِيَّاهَا. فَلمَّا كُسِيتِ الْكَعْبَةُ كانَ يَتَصَدَّقُ بِهَا. أخرجه مالك (¬6). [موقوف صحيح]. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود رقم (1756)، وهو حديث ضعيف. (¬2) قال ابن الأثير في "النهاية" (2/ 711): النجيب من الإبل مفردًا ومجموعًا، وهو القوي منها، الخفيف السريع. (¬3) في "السنن" (2/ 365). (¬4) أخرجه أبو داود في "السنن" رقم (1749)، وهو حديث صحيح، بلفظ: "فضة". (¬5) في "غريب الجامع" (3/ 382). (¬6) في "الموطأ" (1/ 379 رقم 146)، وهو أثر موقوف صحيح.

"الْقبَاطيُّ" ثيابَ بِيضَ رقَاقٌ من كَتَّانٍ تُتَّخَذُ بمصر (¬1). "وَالأنْمَاطُ" (¬2) ضَرْبٌ من البُسُطِ، واحدها نمط. "والحللُ" جمع حُلَّةٍ، ولا تكون إلا ثوبين من جنسٍ واحدٍ (¬3). قوله: "في حديث نافع: كان يتصدق بها" قال المهلب (¬4): ليس التصدق بجلال البدن فرضًا وإنما صنع ذلك ابن عمر؛ لأنه أراد أن لا يرجع في شيء أهلّ به لله، ولا في شيء [أضيف] إليه (¬5)، وفي هذه الأحاديث دليل على استحباب التقليد والإشعار وغير ذلك، وهو يقتضي أنّ إظهار التقرب بالهدي أفضل من إخفائه، والمقرّر (¬6) أنّ إخفاء العمل الصالح غير الفرض أفضل من إظهاره، [فقد] (¬7) يقال: أفعال الحج مبنية على الظهور كالإحرام والوقوف والطواف فكان الإشعار والتقليد كذلك [فخص] (¬8) الحج من عموم الإخفاء. ¬

_ (¬1) قاله ابن الأثير في غريب "الجامع" (3/ 384). (¬2) "النهاية" في غريب الحديث (2/ 798). (¬3) قاله ابن الأثير في غريب "الجامع" (3/ 384). (¬4) ذكره الحافظ في "الفتح" (3/ 549). وقال البخاري في "صحيحه" (3/ 549 الباب رقم 113 - باب الجلال للبدن)، وكان ابن عمر - رضي الله عنهما - لا يشقُّ من الجلال إلا موضع السنام، وإذا نحرها نزع جلالها مخافة أن يفسدها الدّم ثم يتصدق بها. (¬5) في (ب): ضيف. (¬6) ذكره الحافظ في "الفتح" (3/ 550). (¬7) كذا في المخطوط والذي في "الفتح": فأما أن. (¬8) كذا في المخطوط والذي في "الفتح": فيخص.

5 - وعن علي - رضي الله عنه - قال: أمرني رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أن أقوم عَلَى بُدْنِهِ، وَأَنْ أتصَدَّقَ بِلَحْمِهَا وَجُلُودِهَا وَأَجِلَّتِهَا، وَأَنْ لاَ أُعْطِيَ الجَزَّارَ مِنْهَا. وَقَالَ: "نَحْنُ نُعْطِيهِ مِنْ عِنْدِنَا". أخرجه الشيخان (¬1) وأبو داود (¬2). [صحيح]. قوله: "في حديث علي - رضي الله عنه -: أن أقوم على بُدنهِ" أي: عند نحرها للاحتفاظ بها، ويحتمل ما هو أعم من ذلك، أي: على مصالحها في علفها ورعيها وسقيها وغير ذلك. قوله: "وأجلتها" في لفظ البخاري (¬3): "في جلالها" بكسر الجيم وتخفيف اللام، جمع جل بضم الجيم: ما يطرح على ظهر البعير من كساء ونحوه. قال القاضي عياض (¬4): التجليل سنة، وهو عند العلماء مختص بالإبل، وهو مما اشتهر من عمل السلف. قوله: "وأن لا أعطي الجزار"، قالوا: لأنّ عطيته عوض (¬5) عن عمله فيكون في معنى بيع جزء منها وذلك لا يجوز وفيه جواز الاستئجار على النحر ونحوه. 6 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما -: أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم -: اشْتَرَى هَدْيَهُ مِنْ قُدَيْدٍ وَفَعَلَ ابْنُ عُمَرَ مثلَ ذلكَ. أخرجه الترمذي (¬6). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (1707)، وأطرافه في (1716، 1717، 1718، 2299)، ومسلم رقم (1317). (¬2) في "السنن" رقم (1769). (¬3) في "صحيحه" رقم (1716). (¬4) في إكمال المعلم" بفوائد مسلم (4/ 398). (¬5) انظر: "فتح الباري" (3/ 556). (¬6) في "السنن" رقم (907).

الباب الحادي عشر في الفوات والإحصار والفدية

قوله: "في حديث ابن عمر: اشترى هديه من قديد"، بوّب له البخاري (¬1): باب من اشترى الهدي من الطريق، قال ابن بطال (¬2) [212 ب]: أراد أن يبين أنّ مذهب ابن عمر في الهدي أنه ما أُدخل من الحل إلى الحرم؛ لأنّ قديد من الحل. قال ابن حجر (¬3): قلت: لا يخفى أنّ الترجمة أعم من فعل ابن عمر، فكيف تكون بيانًا له؟ وفيه: دليل على أنه لا يشترط سوق الهدي عند إحرامه. الباب الحادي عشر في الفوات والإحصار والفدية [وفيه أربعة فصول] (¬4) "الباب الحادي عشر: في الفوات والإحصار والفدية". في تفسير البغوي (¬5): الحصر (¬6) والإحصار بمعنى واحد وهو حبس العدو. وهو قول ابن عباس (¬7) قال: "لا حصر إلاّ حصر العدو"، وروي معناه عن ابن عمر وابن الزبير. ¬

_ (¬1) في "صحيحه" (3/ 541 الباب رقم 105 - مع الفتح). (¬2) في شرحه لـ "صحيح البخاري" (4/ 379). (¬3) في "فتح الباري" (3/ 542). (¬4) ما بين الحاصرتين سقط من (أ). (¬5) في "معالم التنزيل" (1/ 221). (¬6) المشهور عن أكثر أهل اللغة منهم: الأخفش، والكسائي، والفراء، وأبو عبيدة, وابن السكيت، وثعلب، وابن قتيبة, وغيرهم، أن الإحصار إنما يكون بالمرض، وأما بالعدو فهو الحصر. انظر: "معاني القرآن" للأخفش (1/ 355). "تهذيب اللغة" للأزهري (4/ 231). "معاني القرآن للفراء" (1/ 117 - 118). "أدب الكاتب" (ص 358). (¬7) أخرجه الشافعي في "مسنده" رقم (983 - ترتيب) بإسناد صحيح.

الفصل الأول: فيمن أحصره المرض والأذى

وإليه ذهب الشافعي (¬1) وأحمد (¬2) وإسحاق، وذهب جماعة إلى أنّ كل ما يمنع عن الوصول إلى البيت الحرام والمضي في إحرامه من عدو أو مرض أو جراح أو ذهاب نفقة أو ضلال راحلة إلى أنه يصح له التحلل، وبه قال ابن مسعود، وهو قول إبراهيم النخعي والحسن ومجاهد وعطاء وقتادة وعروة بن الزبير، وإليه ذهب الثوري وأهل العراق (¬3). عن البغوي بتلخيص. الفصل الأول: فيمن أحصره المرض والأذى 1 - عن كعب بن عُجْرَة - رضي الله عنه - قال: أتى عليَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنا أوقد تحت قدر لي والقمل يتناثر على وجهي فقال: "أتؤْذِيكَ" (¬4) هَوَامُّ رَأسِكَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: "فَاحْلِقْ وَصُمْ ثَلاَثَةَ أيَّامٍ أو أَطْعمْ سِتَةَ مَسَاكيْنَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ أَوِ انْسُكْ نَسِيكَةً لاَ أَدْرِي بأيِّ ذلِكَ بَدَأَ. فنزلت هذه الآية: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} ". أخرجه الستة (¬5). [صحيح]. "الْهَوَامُّ" (¬6) جمع هامَّة، وهي ذوات الدِّبيبِ كالقَمل ونحوه. ¬

_ (¬1) المجموع شرح المهذب (8/ 301 - 304). (¬2) "المغني" (5/ 195 - 196). (¬3) انظر: "فتح الباري" (4/ 4)، "المغني" (5/ 195 - 196). عيون المجالس (2/ 893). (¬4) في (ب): أيؤذيك. (¬5) أخرجه البخاري رقم (1816)، ومسلم رقم (85/ 1201)، وأبو داود رقم (1856)، وابن ماجه رقم (3079) و (3080)، والترمذي رقم (953، 2973، 2974)، والنسائي رقم (2851، 2852)، ومالك في "الموطأ" (1/ 417). (¬6) قاله ابن الأثير "غريب الجامع" (3/ 391)، وانظر: الغريبين (6/ 1950).

قوله: "في حديث كعب: أيؤذيك هوام رأسك" قال القرطبي (¬1): هذا سؤال عن تحقيق العلَّة التي يترتَّب عليها الحكم، فلما أخبره بالمشقة التي نالته خفَّف عنه. قوله: "فاحلق" .. الحديث، قال ابن قدامة (¬2): لا نعلم خلافًا في إيجاب الإزالة بالحلق سواء كان بموسى أو مقص أو نورة أو غير ذلك وأغرب ابن حزم (¬3) [فقال] (¬4): تلحق جميع المزيلات بالحق إلاّ النتف، زاد البخاري (¬5): "وهو مخيّر". قال الحافظ (¬6): يذكر عن ابن عباس وعطاء وعكرمة: ما كان في القرآن "أو" فصاحبه بالخيار. قوله: "فصم ثلاثة أيام" هذا تقييد للصيام المطلق [213 ب] في الآية. قال ابن التين (¬7) وغيره: جعل - صلى الله عليه وسلم - صوم يوم معادلاً [بصاع] (¬8)، وفي الفطر من رمضان عدل مدّ, وكذا في الظهار, والجماع في رمضان, وفي كفارة اليمين ثلاثة أمدادٍ وثُلث، وفي ذلك أقوى دليل على أنّ القياس لا يدخل في الحدود والتقديرات. قوله: "أو انسك نسيكة" النسك تطلق على العبادة وعلى الذبح المخصوص وبينها قوله: "شاة" كما أنّه بيّن - صلى الله عليه وسلم - الصدقة بقوله: "أو أطعم ستة مساكين", فإنها في الآية مبهمة ¬

_ (¬1) في "المفهم" (3/ 287). (¬2) انظر: "المغني" (5/ 146). (¬3) في المحلى (7/ 208). (¬4) سقطت من (ب). (¬5) في "صحيحه" (4/ 12 الباب رقم 5). (¬6) في "فتح الباري" (4/ 12). (¬7) ذكره الحافظ في "الفتح" (4/ 13). (¬8) في المخطوط: الصاع وما أثبتناه من "فتح الباري" (4/ 13).

فسّرتها السنة، وبوّب البخاري (¬1) لذلك بقوله: باب قوله تعالى: {أَوْ صَدَقَةٍ}، وهي إطعام ستة مساكين، وبوّب للنسك (¬2) شاة بقوله: باب النُّسكُ شاةٌ، وبوّب (¬3) للإطعام بأنّه نصف صاع كما بيّنه الحديث. قوله: "وهي ذات الدبيب كالقمل ونحوه" في "فتح الباري" (¬4) [202/ أ] والهوّام بتشديد الميم جمع هامة، وهي ما يدب من الأخشاش، والمراد بها ما يلازم جسد الإنسان غالبًا إذا طال عهده بالتنظيف، وقد عين في كثير من الروايات أنها القمل. انتهى. 2 - وعن الحجَّاج بن عمرو الأنصاري - رضي الله عنه - قال: سمعت رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -. يقوله: "مَنْ كُسِرَ أَو عَرَجَ فقد حَلَّ وَعَلَيْهِ الحَجّ مِنْ قَابِلِ". أخرجه أصحاب السنن (¬5). [صحيح لغيره]. قوله: "في حديث الحجاج بن عمرو أو عرج" حكى يعقوب وثعلب (¬6): عرج الرجل إذا صار أعرج، وعرج بفتح الراء إذا غمز من شيء أصابه. قوله: "فقد حل" أي: أبيح له فعل [ما] (¬7) هو حلال. وقوله: "وعليه الحج من قابل" إذا كان إحرامه بحجة الإِسلام. ¬

_ (¬1) في "صحيحه" (4/ 16 الباب رقم 6 - مع الفتح). (¬2) في "صحيحه" (4/ 18 الباب رقم 8 - مع الفتح). (¬3) في "صحيحه" رقم (4/ 16 الباب رقم 7 باب الإطعام في الفدية نصف صاع - مع الفتح). (¬4) (4/ 14). (¬5) أخرجه أبو داود رقم (1862) , والترمذي رقم (940)، والنسائي رقم (2860)، وابن ماجه رقم (3077). وأخرجه أحمد (3/ 450). وهو حديث صحيح لغيره. (¬6) انظر: "الفائق" للزمخشري (2/ 408). "غريب الحديث" للخطابي (1/ 174). (¬7) في (ب) من.

3 - وعن أبي أسماء مولى عبد الله بن جعفر: أنه كان مع مَولاهُ, فَمَرُّوا عَلَى الحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ - رضي الله عنهما - وَهُوَ مَرِيضٌ بِالسُّقْيَا. فَأَقَامَ عَلَيْهِ عَبْدُ الله بْنُ جَعْفَرٍ حَتَّى إِذَا خَافَ الْفَوْتَ فَبَعَثَ إِلَى عَلِيِّ وَأَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ - رضي الله عنهما - وَهمَا بِالمَدِينَةِ فَقَدِمَا عَلَيْهِ. ثُمَّ إِنَّ حُسَيْنًا - رضي الله عنه - أَشَارَ إِلَى رَأْسِهِ. فَأَمَرَ عَلِيٌّ - رضي الله عنه - بِحَلْقِ رَأْسِهِ. ثُمَّ نَسَكَ عَنْهُ بِالسُّقْيَا فَنَحَرَ عَنْهُ بَعِيرًا. قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: وَكَانَ حُسَيْنٌ خَرَجَ مَعَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ في سَفَرِهِ ذَلِكَ إِلَى مَكَّةَ. أخرجه مالك (¬1). [موقوف حسن]. قوله: "في حديث أبي أسماء وهو مريض بالسقيا" السقيا منزل بين مكة والمدينة قيل: هي على يومين من المدينة بها بدو، سميت السقيا لآبار كثيرة فيها، قاله السهيلي (¬2). قوله: "فنحر عنه بعيرًا" فيه أنّ الزيادة على الشاة لا بأس بها. قوله: "في رواية الحجاج بن عمرو" الحديث [214 ب] تمامه في "الجامع" (¬3): قال عكرمة: فسمعته يقول ذلك، فسألت ابن عباس وأبا هريرة عمّا قال: فصدّقاه، زاد أبو داود (¬4) في رواية: "أو مرض". 4 - وعن عمرو بن سعيد النخعي: أنه أهلَّ بعُمرة. فَلمَّا بَلَغَ ذَاتَ الشُّقُوقِ لُدِغَ فَخَرَجَ أَصْحَابُهُ إِلى الطَّرِيقِ عسَى أَنْ يَلْقَوْا مَنْ يَسْأَلُونَهُ. فَإِذَا هُمْ بِابن مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - فَقَالَ لَهُمْ: لِيَبْعثْ بهْدِيٍ أَوْ بِثَمَنِهِ وَاجْعُلوا بَيْنكُمْ وَبَيْنُه أَمَارَةً يوْمًا. فَإِذَا ذَبَحَ الهَدْيُ فَلْيُحِلَّ وَعَلَيْهِ قَضَاءُ عُمْرَتِهِ. أخرجه رزين. ¬

_ (¬1) في "الموطأ" (1/ 388 رقم 165) وهو أثر موقوف حسن. (¬2) الشرح هنا على الحديث السابق رقم (2). (¬3) (3/ 392). (¬4) في "السنن" (1863). وأخرجه ابن ماجه رقم (3078)، وهو حديث صحيح.

الفصل الثاني: فيمن أحصره العدو

قوله: "في حديث عمرو بن سعيد أمارة" (¬1) الأمار، والأمارة: العلامة، وقيل: الأمار جمع الأمارة. وهذه فتوى من ابن مسعود لم يخرجها أهل الأمهات. الفصل الثاني: فيمن أحصره العدو قوله: "الفصل الثاني: فيمن أحصره العدو". 1 - عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: أُحْصِرَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فَحَلَقَ رَأْسَهُ، وَنَحَرَ هَدْيَهُ، وَجَامَعَ نِسَاءَهُ, وَاعْتَمَرَ عَامًا قَابِلاً. أخرجه البخاري (¬2). قوله: "أحصر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " أي: منعه المشركون من إتمام عمرته وذلك في الحديبية. 2 - وعن ناجية بن جُندُب - رضي الله عنه - قال: أَتَيْتُ رَسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - حِينَ صُدَّ الْهَديْ فقُلْتُ: يَا رسُولَ الله! ابْعَثْ مَعِي الهَدْيَ لِأَنحَرَهُ بِالحَرَم. قال: كيفَ تَصْنَعُ به؟ قُلْتُ: آخُذُ به في مَوَاضِعَ وَأَوْدِيَةٍ لاَ يَقْدِرُونَ عَلَيْهِ. فَانْطَلَقْتُ به حتى نحرته في الحَرَم، وكان قد بَعَثَ به لِيُنْحَرَ في الحَرَمِ فَصدُّوهُ. أخرجه رزين. قوله: "ناجية بن جندب" بجيم بعد النون مكسورة هو [ناجية] (¬3) الأسلمي (¬4). وقيل: الخزاعي (¬5). والصحيح الأول كان اسمه ذكوان فسمي ناجية؛ إذ نجا من قريش، مات بالمدينة أيام معاوية. ¬

_ (¬1) انظر: "غريب الحديث" للهروي (4/ 64). "النهاية في غريب الحديث" (1/ 76). (¬2) في "صحيحه" رقم (1809). وانظر: "فتح الباري" (4/ 7 - 8). (¬3) سقطت من (ب). (¬4) ناجية بن جُندب بن عمير بن يعمر الأسلمي، صحابي، روى عن مجزأة بن زاهر وغيره. "التقريب" (2/ 294 رقم 3). (¬5) ناجية بن جندب بن كعب، وقيل: ابن كعب بن جندب الخزاعي، صحابي أيضاً، تفرد بالرواية عنه عروة ابن الزبير، ووهم من خلطهما. "التقريب" (2/ 294 رقم 4).

قوله: "فانطلقت به حتى نحرته في الحرم" هذا خلاف المعروف في قصة الحديبية, وأنه - صلى الله عليه وسلم - نحره فيها، وقال الله تعالى: {وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ} (¬1) وهذه الرواية غير مخرّجة، وحديث مالك الآتي أوفق بالروايات وأصح. 3 - وعن مالك قال (¬2): إذَا أُحْصِرَ بعَدُوٍّ يحلقُ في أيِّ مَوْضِعٍ كان وَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ؛ لأنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - وأَصْحَابَهُ - رضي الله عنهم - نَحرُوا الْهَدْيَ بِالحُدَيْبِيَّة وَحَلقُوا وَحَلُّوا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ قَبْلَ الطَوَافِ وَقَبْلَ أَنْ يَصِلَ مَا أَرْسَلَ مِنَ الَهدَايَا إِلى الْبَيْتَ. ثمَّ لَمْ يَصِح أَنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَ أَحَدًا أَنْ يَقْضي شَيْئًا وَلاَ أَن يعود له. أخرجه البخاري (¬3) في ترجمة باب. قوله: "وأخرجه البخاري في ترجمة باب" كذا قاله ابن الأثير (¬4) وتقدم نظير هذا مراراً [215 ب]. ولفظ البخاري: وقال مالك وغيره، قال الحافظ (¬5): هو مذكور في "الموطأ" (¬6) ولفظه: "أنّه بلغه أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .. الحديث". وقال (¬7) أيضاً: وأما قوله: وغيره، فالذي يظهر لي أنّه عنى به الشافعي. انتهى. ¬

_ (¬1) سورة "الفتح" الآية (25). (¬2) في "الموطأ" (1/ 360 رقم 98). وهو صحيح لغيره. (¬3) في "صحيحه" (4/ 10 الباب رقم (4) باب من قال: ليس على المحصر بدل. (¬4) في "الجامع" (3/ 398). (¬5) في "فتح الباري" (4/ 11). (¬6) (1/ 360 رقم 98). (¬7) الحافظ في "الفتح" (4/ 12).

الفصل الثالث: فيمن غلط في العدد

قوله في الحديث: "وقبل أن يصل ما أرسل من الهدايا إلى البيت" لفظه في "الموطأ" (¬1): "وقبل أن يصل إليه الهدي"، هذا لفظه في "الموطأ"، ونقله بهذا اللفظ الحافظ في "الفتح" (¬2) ولكن لفظ "الجامع" (¬3) كما في رواية المصنف، ولا نعلم أنّه - صلى الله عليه وسلم - أرسل هديه إلى مكة، فالعجب من هذا اللفظ الذي أتى به ابن الأثير، ثم هذا الحديث بلاغ كما عرفت. الفصل الثالث: فيمن غلط في العدد " الفصل الثالث: فيمن غلط في العدد، أو ضلّ عن الطريق". قوله: "في العدد" أي: عدة أيام الشهر حتى أخطأ يوم الوقوف. 1 - عن سليمان بن يسار: أَنَّ أَبَا أَيُّوبَ الأَنْصَارِيَّ خَرَجَ حَاجًّا حَتَّى إِذَا كَانَ [بِالنَّازِيَةِ] (¬4) مِنْ طَرِيقِ مَكَّةَ أَضَلَّ رَوَاحِلَهُ، وَإِنَّهُ قَدِمَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الخطَّابِ - رضي الله عنه - يَوْمَ النَّحْرِ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: اصْنَعْ مَا يَصْنَعُ المُعْتَمِرُ ثُمَّ قَدْ حَلَلْتَ، فَإِذَا أَدْرَكَكَ الحَجُّ قَابِلاً فَاحْجُجْ وَأَهْدِ مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْي. أخرجه مالك (¬5). [موقوف ضعيف]. قوله: "بالنازية" هي بالنون فزاي فمثناة تحتية بين الروحاء والصفراء. 2 - وعنه أيضاً: أَنَّ هَبَّارَ بْنَ الأَسْوَدِ جَاءَ يَوْمَ النَّحْرِ وَعُمَرُ بْنُ الخطَّابِ - رضي الله عنه - يَنْحَرُ هَدْيَهُ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ! أَخْطَأْنَا الْعَدَدَ، كُنَّا نُرَى أَنَّ هَذَا الْيَوْمَ يَوْمُ عَرَفَةَ. فَقَالَ: اذهبْ إِلَى مَكَّةَ وَطُفْ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ وَانْحَرُوا هَدْيًا إِنْ كَانَ مَعَكُمْ ثُمَّ احْلِقُوا أَوْ قَصِّرُوا وارْجِعُوا، فَإِذَا ¬

_ (¬1) (1/ 360 رقم 98). (¬2) في "فتح الباري" (4/ 12). (¬3) (3/ 398). (¬4) في (ب): والتيسير المطبوع البادية. وما أثبتناه من "الموطأ" و (أ). (¬5) في "الموطأ" (1/ 383 رقم 153)، وهو أثر موقوف ضعيف.

كَانَ عَامًا قَابِلاً فَحُجُّوا وَأَهْدُوا، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ في الحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ. أخرجه مالك (¬1). [موقوف ضعيف]. قوله في الحديث الثاني: "وعنه" أي: عن سليمان بن يسار. "أنّ هبار بن الأسود" (¬2) هو بفتح الهاء وتشديد الموحدة، والأسود بن المطلب، وهبّار هو الذي عرض لزينب بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في نفر من سفهاء قريش حين أرسلها زوجها أبو العاص إلى المدينة فأهوى إليها هبّار وضرب هودجها ونخس الراحلة، وكانت حاملًا فأسقطت، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن لقيتم هبّارًا هذا فأحرقوه بالنار"، ثم قال (¬3): "اقتلوه فإنَّه ¬

_ (¬1) في "الموطأ" (1/ 383 رقم 154)، وهو أثر موقوف ضعيف. (¬2) انظر: "فتح الباري" (6/ 250). السيرة النبوية (2/ 365). (¬3) وقع في رواية ابن إسحاق: "إن وجدتم هبّار بن الأسود والرجل الذي سبق منه إلى زينب ما سبق فحرقوهما بالنار". السيرة النبوية لابن هشام (2/ 361 - 362). وأخرجه البيهقي في دلائل النبوية (3/ 155) من طريق ابن إسحاق. وأخرجه الطبراني في "الكبير" و"الأوسط" كما في "مجمع الزوائد" (9/ 212 - 213)، وأخرجه البزار كما في "مجمع الزوائد" (9/ 212 - 213)، وقال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح. وأخرجه سعيد بن منصور في "سننه" (2/ 244 رقم 2646) عن ابن عيينة عن ابن أبي نجيح: "أنَّ هبَّار بن الأسود أصاب زينب بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشيء في خِدْرها فأسقطت، فبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سَرِيَّة فقال: "إن وجدتموه فاجعلوه بين حزمتي حطب ثم أشعلوا فيه النار"، ثم قال: "لا نستحي من الله! لا ينبغي لأحدٍ أن يعذِّب بعذاب الله". وأخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (3016)، وأحمد (2/ 307)، وأبو داود رقم (2674)، والترمذي رقم (1571)، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: بعثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعث فقال: "إن وجدتم فلانًا وفلانًا لرجلين =

الفصل الرابع: في أحاديث متفرقة

لا يعذب بالنار إلاّ رب النار"، فلم يلقوه، ثم أسلم بعد الفتح، وحسن إسلامه، وصحب النبي - صلى الله عليه وسلم -[216 ب]. الفصل الرابع: في أحاديث متفرقة 1 - عن علي (¬1) [موقوف ضعيف] وابن عباس (¬2) - رضي الله عنهم - قالا: مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الهَدْيِ هُوَ شَاةٌ. [موقوف صحيح لغيره] أخرجه مالك. قوله: "في حديث علي وابن عباس - رضي الله عنهما - أخرجه مالك" قال ابن الأثير (¬3): أخرجه "الموطأ" عن علي مسندًا وعن ابن عباس مرسلاً. انتهى. قلت: زاد في "الموطأ" (¬4): قال مالك: وذلك أحبُّ ما سمعتُ [إليَّ] (¬5) في ذلك؛ لأنّ الله يقول في كتابه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا ¬

_ = فأحرقوهما بالنار"، ثمَّ قال حين أردنا الخروج: "إني كنت أمرتكم أن تحرقوا فلانًا وفلانًا، وإنّ النار لا يعذب بها إلا الله، فإن وجدتموهما فاقتلوهما". - وقد سمى ابن السكن في روايته من طريق ابن إسحاق الرجل الآخر نافع بن عبد قيس، وبه حزم ابن هشام في رواية السيرة، عنه. انظر: "فتح الباري" (6/ 150). "السيرة النبوية" (2/ 365). (¬1) أخرجه مالك في "الموطأ" (1/ 385 رقم 158). وهو أثر موقوف ضعيف. (¬2) وأخرجه مالك في "الموطأ" (1/ 385 رقم 159)، وهو أثر موقوف صحيح لغيره. (¬3) في "الجامع" (3/ 399). (¬4) (1/ 385 - 386). (¬5) سقطت من (أ. ب)، وأثبتناه من "الموطأ".

فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} (¬1) فممّا حكم به في [الغزال] (¬2) شاة، وقد سمّاها الله هديًا، وذلك الذي لا خلاف فيه عندنا. 2 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما -: أنَّهُ سُئِلَ عَمّا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ. فَقَالَ: بَدَنَةٌ أَوْ بَقَرَةٌ أَوْ سَبْعُ شِيَاهٍ، وَأَنْ أُهْدِيَ شاةً أحبُّ إليَّ مِنْ أنْ أصُومَ أَوْ أُشْرِكَ فِي جَزُورٍ. أخرجه مالك (¬3) إلى قوله: بقرة. [موقوف صحيح] وأخرج باقيه رزين. قوله: "وأخرج باقيه رزين" عبارة ابن الأثير (¬4): والباقي ذكره رزين، وهي أولى كما عرفت. 3 - وعن صدَقة بن يسار المكي: أَنّ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ الْيْمَنِ جَاءَ إلى ابن عمرَ - رضي الله عنهما - وَقَدْ ضَفَرَ رَأَسَهُ. فقالَ: يَا أبا عَبْدِ الَّرحْمنِ! إِنِّي قَدِمْتُ بِعُمْرَةٍ مُفْرَدةٍ. فقالَ عَبْدُ الله - رضي الله عنه -: لَوْ كُنْتُ مَعَكَ وَسَأَلتَنِي لَأَمَرْتُكَ أنْ تُقْرِنَ. فقالَ: قد كانَ ذلِكَ. فقالَ: خُذْ مَا تَطَايَرَ مِنْ شَعَرِ رَأْسِكَ وَأَهْدِ. فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ: وَمَا هَدْيُهُ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ فَقَالَ: هَدْيُهُ. فَقَالَتْ: مَا هَدْيُهُ؟ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: لَوْ لَمْ أَجِدْ إِلاَّ أَنْ أَذْبَحَ شَاةً لَكَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَصُومَ. أخرجه مالك (¬5). [موقوف صحيح]. ¬

_ (¬1) سورة المائدة الآية (95). (¬2) في (أ): العدل, وما أثبتناه من "الموطأ". و (ب). (¬3) في "الموطأ" (1/ 386 رقم 160)، وهو أثر موقوف صحيح. (¬4) في "الجامع" (3/ 400). (¬5) في "الموطأ" (1/ 386 - 387 رقم 162)، وهو أثر موقوف صحيح.

الباب الثاني عشر: في دخول مكة والنزول بها والخروج منها

الباب الثاني عشر: في دخول مكة والنزول بها والخروج منها 1 - عن ابن عمر - رضي الله عنهما -: أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ مَكَّةَ مِنْ كدَاءَ مِنْ الثّنِيّةِ الْعُلْيَا التي عندَ البَطْحاءِ. وخرجَ مِنِ الثّنِيّةِ السُّفْلى. أخرجه الخمسة (¬1) إلا الترمذي. [صحيح]. "كداء" (¬2) بفتح الكاف والمدِّ من أعلى مكة، وبضمها والقصر مصروفًا من أسفلها. قوله: "في حديث ابن عمر: دخل مكة من كدا" يأتي ضبطها، قال أبو عبيد (¬3): لا تصرف، وهذه الثنية هي التي ينزل منها إلى [المعلاة] (¬4) مقبرة أهل مكة، وهي التي يقال لها: الحجون بفتح المهملة وضم الجيم، وكانت صعبة المرتقى فسهلها معاوية ثم عبد الملك ثم المهدي على ما ذكره الأزرقي (¬5)، ثم سهلت كلها في زمن سلطان [217 ب] مصر الملك المؤيد في حدود العشرين وثمانمائة، وكل عقبة في جبل أو طريق عال يسمى ثنية. قوله: "وبضمها والقصر" أي: ضم الكاف مقصورة هي السفلى عند باب الشبيكة بقرب شعب الشاميين من ناحية قعيقعان، وبمكة موضع ثالث يقال له: كدي، بالضم والتصغير، يخرج منه إلى [203/ أ] جهة اليمن. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (1575)، ومسلم رقم (223/ 1257)، وأبو داود رقم (1866) , والنسائي رقم (2865)، وابن ماجه رقم (2940)، وأخرجه أحمد (2/ 21). (¬2) انظر: "المجموع المغيث" (3/ 23 - 24). "النهاية في غريب الحديث" (2/ 528). (¬3) ذكره الحافظ في "الفتح" (3/ 437). (¬4) كذا في المخطوط والذي في "الفتح": المعلى، وفي "النهاية": المعلا. (¬5) ذكره الحافظ في "الفتح" (3/ 437). وانظر: "المفهم" (3/ 371 - 372).

قال المحب (¬1) الطبري: حققه [العذري] (¬2) عن أهل "المعرفة" بمكة، قال: وقد بني عليها باب بمكة الذي يدخل منه أهل اليمن. وقال النووي (¬3): وأما كدي بضم الكاف وتشديد الياء فهو في طريق الخارج إلى اليمن، وما ليس من هذين الطريقين في شيء، قاله في "الفتح" (¬4). 2 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - أَنَّهُ كانَ يَبِيتُ بِذِي طُوًى بَيْنَ الثَّنِيَّتَيْنِ، ثُمَّ يَدْخُلُ مِنَ الثَّنِيَّةِ الَّتِي بِأَعْلَى مَكَّةَ، وَكَانَ إِذَا قَدِمَ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا لَمْ يُنِخْ نَاقَتَهُ إِلاَّ عِنْدَ بَابِ المَسْجِدِ، ثُمَّ يَدْخُلُ وَيَأْتِي الرُّكْنَ الأَسْوَدَ فَيَبْدَأُ بِهِ، ثُمَّ يَطُوفُ سَبْعًا: ثَلاَثًا سَعْيًا، وَأَرْبَعًا مَشْيًا، ثُمَّ يَنْصَرِفُ فَيُصَلِّي سَجْدَتَيْنِ، مِنْ قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى مَنْزِلِهِ، فَيَطُوفُ بينَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ، وَكَانَ إِذَا صَدَرَ عَنِ الحَجِّ أَوِ الْعُمْرَةِ أناخَ بِالْبَطْحَاءِ الَّتِي بِذِي الحُلَيْفَةِ الَّتِي كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُنِيخُ بِهَا. أخرجه الستة (¬5) إلا الترمذي. [صحيح]. قوله: "في حديث ابن عمر: بذي طوى" (¬6) مثلث الطاء والفتح أفصح، وهو مقصور ومنوّن وادٍ بقرب مكة معروف وفيه استحباب دخول مكة نهارًا. ¬

_ (¬1) في أخبار مكة (2/ 286). وذكره الحافظ في "الفتح" (3/ 438). (¬2) في المخطوط (أ. ب). العدوي. وما أثبتناه من "فتح الباري" (3/ 438). - قال الحافظ: حكى الحميدي عن أبي العباس العذري: أن بمكة موضعًا ثالثًا يقال له: كُديّ، وهو بالضم والتصغير يخرج منه إلى جهة اليمن. (¬3) في شرحه لصحيح مسلم (9/ 4)، ثم قال: هذا قول الجمهور. (¬4) في "فتح الباري" (3/ 438). (¬5) أخرجه البخاري رقم (1573، 1769)، ومسلم رقم (1259)، وأبو داود رقم (1865)، وابن ماجه رقم (2941)، والنسائي رقم (2862). ومالك في "الموطأ" (1/ 324). وهو حديث صحيح. (¬6) انظر: "فتح الباري" (3/ 593). "النهاية في غريب الحديث" (2/ 130).

3 - وعن نافع قال: كانَ ابْنُ عُمَرَ - رضي الله عنهما - يُصَلِّي بِالمُحَصَّبِ الظهرَ وَالْعَصْرَ وَالمَغْرِبَ والْعِشَاءَ، وَيَهْجَعُ هَجْعَةً، وَيَذْكُرُ ذَلِكَ عن رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -. أخرجه الستة (¬1) إلا النسائي. [صحيح]. قوله: "في حديث نافع: يصلي بالمحصب"، أي: بعد نزوله من منى، والمحصب محل معروف نزل به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما تقدم، ومستند ابن عمر حديث أنس: "أنه - صلى الله عليه وسلم - صلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء [ثم] (¬2) رَقَدَ رقدَة بالمحصَّب، ثم ركب إلى البيت فطاف به" أخرجه البخاري (¬3) 4 - وفي رواية مسلم (¬4): كانَ ابْنُ عُمَرَ - رضي الله عنهما - يَرَى التَّحْصِيبَ سُنَّةً. قوله: "يرى التحصيب" أي: [نزول] (¬5) المحصب؛ لأنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نزل به. 5 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنَّهُ قال: لَيْسَ التَّحْصِيبُ بِشَيْءِ إِنَّمَا هُوَ مَنْزِلٌ نَزَلَهُ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -. أخرجه الشيخان (¬6) والترمذي (¬7). [صحيح]. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (1768)، ومسلم (1257)، وأبو داود رقم (2013)، ومالك في "الموطأ" (1/ 405). (¬2) في (ب): و. (¬3) في "صحيحه" رقم (1756). (¬4) في "صحيحه" رقم (338/ 1310). (¬5) في (أ): النزول. (¬6) أخرجه البخاري رقم (1766)، ومسلم رقم (341/ 1312). (¬7) في "السنن" رقم (922).

وقوله: "في حديث ابن عباس: ليس التحصيب بشيء" أي: ليس نزوله [218 ب] سُنَّة كما رآه ابن عمر، قال الترمذي (¬1): التحصيب نزول الأبطح، قال (¬2): وهذا حديث حسن صحيح - أي: حديث ابن عباس - ووافقته عائشة، تقدم حديثها. 6 - وفي أخرى لهم ولأبي داود - رحمه الله -. عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: إِنَّمَا نَزَلَهُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأنَّهُ كانَ أسْمَحَ لخروجه (¬3). [صحيح]. وقولها: "أسمح [لخروجه] " (¬4) أي: أسهل لتوجهه إلى المدينة. 7 - وعن أبي رافع - رضي الله عنه - قال: لَمْ يأْمُرْنِي رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أنْ أَنْزِلَ بِالأَبْطَحَ حِينَ خَرَجَ مِنْ مِنًى وَلَكِنِّي جِئْتُ فَضَرَبْتُ فِيهِ قُبَّهُ فَجَاءَ فَنَزَلَ. أخرجه مسلم (¬5) وأبو داود (¬6). [صحيح]. قوله: "في حديث أبي رافع: أنه لم يأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ينزل بالأبطح". أي: المحصب عن الأدلة على أنه ليس بسنة وعلى أنّه لم ينزله - صلى الله عليه وسلم - لكونه أسمح لتوجهه بل وجد القبة ضربت به فنزل به. 8 - وعن نافع: أنَّ ابْنَ عُمَرَ - رضي الله عنهما - كانَ يَغْتَسِلُ لِدُخُولِ مكةَ (¬7). ¬

_ (¬1) في السنن (3/ 263). (¬2) أي: الترمذي في "السنن" (3/ 263). (¬3) أخرجه أحمد (6/ 41)، والبخاري رقم (1765)، ومسلم رقم (1311) وأبو داود رقم (2008)، والترمذي رقم (923)، وابن ماجه رقم (3067). (¬4) في (أ): بخروجه. (¬5) في "صحيحه" رقم (1313) (¬6) في "السنن" رقم (2009). وهو حديث صحيح. (¬7) أخرجه الترمذي في "السنن" (3/ 208) بإثر الحديث رقم (852). =

9 - وفي رواية: اغْتَسَلَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِدُخُولِ مَكَّةَ. أخرجه الترمذي (¬1). قوله: "في حديث نافع: اغتسل النبي - صلى الله عليه وسلم - لدخول مكة". أخرجه الترمذي. قلت: أخرج المرفوع فقط ثم قال: قال أبو عيسى (¬2): هذا حديث غير محفوظ، والصحيح ما روى نافع عن ابن عمر: أنه كان يغتسل لدخول مكة, وبه يقول الشافعي: يستحب الاغتسال لدخول مكة، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ضعيف في الحديث، ضعّفه أحمد بن حنبل، وعلي ابن المديني وغيرهما, ولا يعرف هذا مرفوعًا إلاّ من حديثه. انتهى. 10 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - أنه كان يقول: لَيَالِي مِني لاَ يَبِيتَنَّ أَحَدٌ مِنْ الحاجِّ وَراءَ عَقبَةِ مِنًى (¬3). [موقوف صحيح]. 11 - وفي أخرى: كان عمر - رضي الله عنه - يبْعَثُ رِجَالاً يُدْخِلونَ النَّاسَ من وَرَاءِ الْعَقَبَةِ (¬4). أخرجهما مالك. [موقوف ضعيف]. ¬

_ = عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنّه كان لا يقدم مكَّة إلا بات بذي طوى حتى يصبح ويغتسل ثم يدخل مكة نهارًا، ويذكر عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنّه فعله. - أخرجه مسلم في "صحيحه" رقم (226/ 1259)، والبخاري في "صحيحه" رقم (1573) بمعناه. وأبو داود رقم (1866)، والنسائي (5/ 200). - وأخرج مالك في "الموطأ" (1/ 322) عن نافع: أنّ عبد الله بن عمر كان يغتسل لإحرامه قبل أن يُحرم، ولدخول مكَّة, ولوقوفه عشية عرفه. بإسناد صحيح. وأخرج الحاكم في "المستدرك" (1/ 447) عن ابن عمر أنّه قال: إن من "السنة" أن يغتسل إذا أراد أن يحرم, وإذا أراد أن يدخل مكة, وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. (¬1) في "السنن" رقم (852). (¬2) في "السنن" (3/ 208 - 209). (¬3) أخرجه مالك في "الموطأ" (1/ 406 رقم 209)، وهو أثر صحيح. (¬4) أخرجه مالك في "الموطأ" (1/ 406 رقم 208)، وهو أثر موقوف ضعيف.

12 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما -: أنَّ العبَّاسَ استأذنَ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أن يمكُثَ لياليَ مِنًى مِنْ أجْلِ سِقايتهِ فَأَذِنَ لَهُ. أخرجه الشيخان (¬1) وأبو داود (¬2). [صحيح]. قوله: "في حديث ابن عمر: أنّ العباس استأذن النبي - صلى الله عليه وسلم - .. " الحديث. قال في "شرح مسلم" (¬3): هذا يدل لمسألتين: أحدهما: أن المبيت بمنى ليالي أيام التشريق مأمور به، وهذا متفق عليه، لكن اختلفوا: هل هو واجب أو سنة؟ والأصح عند الشافعي (¬4) أنه واجب، وبه قال أحمد (¬5)، وفي قدر الواجب من هذا المبيت: الأصح معظم الليل. المسألة الثانية: يجوز لأهل السقاية أن يتركوا هذا المبيت ويذهبوا إلى مكة ليستقوا بالليل الماء من زمزم ويجعلوه في الحياض مسبلًا للشاربين وغيرهم، ولا يختص ذلك عند الشافعي [219 ب] بآل العباس بل كل من تولى السقاية كان له هذا، وكذلك لو حدثت سقاية أخرى كان للقائم بشأنها ترك المبيت. 13 - وعن العلاء بن الحضرمي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "المُهَاجِرُ يُقِيمُ بمكةَ بعدَ قضاءِ نسُكِهِ ثَلاَثًا". أخرجه الخمسة (¬6). [صحيح]. 14 - وعن جابر - رضي الله عنه - أنه قيل له: أَيَرْفَعُ الرَّجُلُ يَدَيْهِ إِذَا رَأَى الْبَيْتَ؟ قَالَ: حَجَجْنَا مَعَ رَسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - أَفَكُنَّا نَفْعَلُهُ؟ ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (1634)، ومسلم رقم (346/ 1315). (¬2) في "السنن" (1959). (¬3) (9/ 63). (¬4) انظر: "المجموع شرح المهذب" (8/ 218). (¬5) انظر: "المغني" (5/ 328). (¬6) أخرجه البخاري رقم (2933)، ومسلم رقم (1352)، وأبو داود رقم (2022)، والترمذي رقم (949)، وابن ماجه رقم (173).

أخرجه أصحاب السنن (¬1). وهذا لفظ الترمذي. [ضعيف]. قوله: "وفي حديث جابر: وهذا لفظ الترمذي". قلت: وقال: قال أبو عيسى (¬2): رفع اليد عند رؤية البيت إنما نعرفه من حديث شعبة عن أبي قَزَعة، واسم أبي قَزَعة سُوَيد بن حُجَيْر. انتهى. وفي "التقريب" (¬3): سويد بن حُجير بتقديم المهملة مصغر، الباهلي أبو قزعة البصري ثقة. انتهى. وقول جابر: "أفكنا" استفهام إنكار وقد صرّح بأنهم لم يكونوا يفعلونه. 15 - وعند أبي داود (¬4) والنسائي (¬5): سُئِلَ عَنْ ذلِكَ. فقال: مَا كُنْتُ أرَى أنَّ أَحَدًا يَفْعَلُه إِلاَّ الْيَهُودَ. وقد حَجَجْنَا مَعَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فَلَمْ نَكُنْ نَفْعَلَهُ. [ضعيف]. وأمّا قوله: "إلاّ اليهود" فكأنه كان ذلك عند أن كانوا يدخلون الحرم. 16 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: أَقْبَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَدَخَلَ مَكَّةَ فَأَقْبَلَ إِلَى الحَجَرِ الأسْوَدِ فَاسْتَلَمَهُ ثُمَّ طَافَ بِالْبَيْتِ، ثُمَّ أَتَى الصَّفَا حَيْثُ يَنْظُرُ إِلَى الْبَيْتِ فَرَفَعَ يَدَهُ فَجَعَلَ يَذْكُرُ الله تعالى مَا شَاءَ الله تَعَالَى أَنْ يَذْكُرَهُ وَيَدْعُو وَالأنصَارُ تَحْتَهُ. أخرجه أبو داود (¬6). [صحيح]. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود رقم (1870)، والترمذي رقم (855)، والنسائي رقم (2895). (¬2) في "السنن" (3/ 211). (¬3) (1/ 340 رقم 594). (¬4) في "السنن" رقم (1870). (¬5) في "السنن" رقم (2895). وهو حديث ضعيف. (¬6) في "السنن" رقم (1872). وأخرجه مسلم في "صحيحه" رقم (84/ 1780) مطولاً. وهو حديث صحيح.

الباب [الثالث عشر]: في النيابة في الحج

17 - وعن نافع: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أَقْبَلَ مِنْ مَكَّةَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِقُدَيْدٍ جَاءَهُ خَبَرٌ مِنَ المَدِينَةِ فَرَجَعَ فَدَخَلَ مَكَّةَ بِغَيْرِ إِحْرَامٍ. أخرجه مالك (¬1). [موقوف صحيح]. الباب [الثالث عشر] (¬2): في النيابة في الحج 1 - عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: كَانَ الْفَضْلُ بْنُ العباس رَدِيفَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فَجَاءَتِ امْرَأَةٌ مِنْ خَثْعَمَ تَسْتَفْتِيهِ فَجَعَلَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا وَتَنْظُرُ إِلَيْهِ. فَجَعَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَصْرِفُ وَجْهَ الْفَضْلِ إِلَى الشِّقِّ الآخَرِ. قَالَتْ: يَا رَسُولَ الله! إِنَّ فَرِيضَةَ الله عَلَى عِبَادهِ في الحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا، لاَ يَسْتَطِيْعُ أَنْ يَثْبُتُ عَلَى الرَّاحِلَةِ، أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ قَالَ: "نَعَمْ". وَذَلِكَ في حَجَّةِ الْوَدَاعِ. أخرجه الستة (¬3). [صحيح]. قوله: "في حديث ابن عباس: فجاءت امرأة من خثعم فجعل الفضل ينظر إليها". في رواية (¬4): "وكان الفضل رجلًا وضيئًا" أي: جميلاً، "وأقبلت امرأة من خثعم وضيئة". قوله: "يصرف وجه الفضل" أي: عن نظره إليها. ¬

_ (¬1) في "الموطأ" (1/ 423 رقم 248)، وهو أثر موقوف صحيح. (¬2) في (أ): الثاني عشر. (¬3) أخرجه البخاري رقم (1513، 1854، 1855، 4399). ومسلم رقم (407، 408/ 1335)، وأبو داود رقم (1809). والترمذي رقم (928)، والنسائي رقم (2641)، وابن ماجه رقم (2907)، ومالك في "الموطأ" (1/ 359 رقم 97). (¬4) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (6228).

قوله: "شيخًا لا يثبت على الراحلة" قال الطيبي (¬1): شيخًا حال، ولا يثبت صفة له، ويحتمل أن يكون حالاً أيضاً، ويكون من الأحوال المتداخلة. قوله: "أفأحج عنه؟ " أي: أيجوز لي أن أنوب عنه فأحج عنه؛ لأنّ ما بعد الفاء الداخلة على الهمزة معطوف على مقدر، قال: نعم، وفيه دليل على جواز الحج عن الغير. واستدل [220 ب] الكوفيون بعمومه على صحة حج من لم يحج نيابة عن غيره، وخالفهم الجمهور (¬2) فخصّوه بمن حج عن نفسه، واستدلوا بحديث "السنن" وصحيح ابن خزيمة وغيره من حديث ابن عباس وهو الآتي هنا قريبًا في حديث شبرمة، واختلف: هل تجب عليها النيابة أو يجوز لها فقط؟. فقال الحافظ (¬3): وليس في شيء من طرقه التصريح بالوجوب وإنما الكلام في جواز النيابة، قال القاضي (¬4): إنّ قولها: "إنّ فريضة الله على عباده" أنّ إلزام الله عباده بالحج الذي وقع بشرط الاستطاعة صادف أي: بصفة من لا يستطيع فهل أحج عنه؟ أي: هل يجوز لي ذلك؟ أو هل فيه أجر ومنفعة؟ فقال: "نعم". وتعقّب بأنّ في بعض طرقه التصريح في السؤال عن الإجزاء. قال الحافظ (¬5): وفي مسلم (¬6): "إنّ أبي عليه فريضة الله في الحج". ولأحمد في رواية: "والحج مكتوب عليه [204/ أ] " انتهى. ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (4/ 69). (¬2) انظر: "المغني" (5/ 41). "المجموع شرح المهذب" (7/ 103). (¬3) في "فتح الباري" (4/ 69). (¬4) أي القاضي عياض في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (4/ 436). (¬5) في "الفتح" (4/ 69). (¬6) في "صحيحه" رقم (408/ 1335).

قلت: وهذا يرد قول الحافظ: إنه ليس في شيء من طرقه تصريح بالوجوب. وقوله: "فاقض الله فهو أحق بالقضاء" (¬1) دليل على الوجوب، وأمّا صرفه - صلى الله عليه وسلم - وجه الفضل فيأتي في باب النظر إلى الأجنبية. 2 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: أَتَى رَجُلٌ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: إِنَّ أُخْتِي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ، وَإِنَّهَا مَاتَتْ. فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْ كَانَ عَلَيْهَا دَيْنٌ أَكُنْتَ قاضيتهُ عَنْهَا؟ ". قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: "فَاقْضِ الله تعالى، فَهْوَ أَحَقُّ بِالْقَضَاءِ". أخرجه الشيخان (¬2) والنسائي (¬3). [صحيح]. قوله في الحديث الثاني: "إنّ أختي" قد اختلف في ألفاظ هذا الحديث، وفي السائل والمسئول عنه, ففي البخاري (¬4) في كتاب الحج: "إنّ امرأة من جهينة قالت: إنّ أمي نذرت أن تحج .. " الحديث، قال الحافظ (¬5): كذا رواه أبو بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس من رواية أبي عوانة عنه، وسيأتي في النذور (¬6) من طريق شعبة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس بلفظ: "أتى رجلٌ النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال له: إنّ أختي نذرت أن تحج وأنها ماتت" فإن كان محفوظًا احتمل أن يكون كل من الأخ يسأل عن أخته، والبنت سألت عن أمها، وسيأتي في الصيام (¬7) بلفظ: "قالت امرأة: إنّ أمي ماتت وعليها صوم شهر" فهو محمول على أنّ المرأة سألت عن كلٍّ ¬

_ (¬1) في "المسند" (1/ 213). (¬2) البخاري في "صحيحه" رقم (6699)، ولم يخرجه مسلم. (¬3) في "السنن" رقم (2632). (¬4) في "صحيحه" رقم (1852). (¬5) في "الفتح" (4/ 65). (¬6) رقم (6699). (¬7) أخرجه البخاري رقم (1953)، ومسلم رقم (1148).

من الحج والصوم [221 ب] ويدل له ما رواه مسلم (¬1) عن بريدة: "أنّ امرأة قالت: يا رسول الله إني تصدقت على أمي بجارية وإنها ماتت قال: وجب أجرك وردها عليك الميراث، قالت: إنه كان عليها صوم شهر، أفأصوم عنها؟ قال: صومي عنها، قالت: إنها لم تحج، أفأحج عنها؟ قال: حجي عنها". انتهى من "الفتح" ببعض تلخيص. وقد سرد ابن الأثير في كتابه "الجامع" (¬2) الروايات كلها. قوله: "أرأيت .. إلى آخره" فيه مشروعية القياس وضرب المثل ليكون أوضح وأوقع في نفس السامع، وأقرب إلى سرعة فهمه، وفيه تشبيه ما اختلف فيه، وأشكل بما اتفق عليه، وفيه أنّ وفاء الدين المالي عن الميت كان معلومًا عندهم مقرّرًا, ولهذا حسن الإلحاق به. قوله: "قاضيه" وزن فاعله، قال الحافظ (¬3): [إنّ للأكثر] (¬4) أكنت قاضيته، بضمير يعود عله الدين، وفيه دليل على أنّ من مات وعليه حج وجب على وليّه أن يجهز من يحج عنه من رأس المال، كما أنّ عليه قضاء ديونه، فقد أجمعوا على أنّ دين الآدمي من رأس المال، فكذلك ما شبّه به في القضاء ويلتحق بالحج كل حق ثبت في ذمته من كفارة أو نذر أو زكاة أو غير ذلك. وفي قوله: "فالله أحق بالوفاء" دليل على أنه مقدّم على حق الآدمي، وهو أحد أقوال الشافعية، وقيل: بالعكس، وقيل: هما سواء. قلت: قوله: "أحق" صريح في الأول ولا يقاومه غيره. ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (1149). (¬2) (3/ 418 - 422). (¬3) في "الفتح" (4/ 66). (¬4) كذا في المخطوط والذي في "الفتح": كذا للأكثر.

قال الطيبي (¬1): في [الجواب] (¬2) إشعار بأنّ المسئول عنه خلف مالاً فأخبره النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنّ حق الله أقدم من حق العباد، وأوجب عليه الحج والجامع علة المالية. قال الحافظ (¬3): قلت: [ولم يفهم من] (¬4) الجواب المذكور أن يكون خلّف مالاً كما زعم؛ لأنّ [222 ب] قوله: "أكنت قاضيتهُ؟ " أعم من أن يكون المراد ممّا خلّفه أو تبرعًا. 3 - وعنه أيضاً - رضي الله عنه - قال: سَمِعَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلاً يَقُولُ: لَبَّيْكَ عنْ شُبرمةَ. قال: "وَمَنْ شُبْرُمَةُ؟ " قال: أخٌ لي أوْ قَرِيبٌ لي فَقَالَ: "أَحَجَجْتَ عَنْ نَفْسِكَ؟ ". قَالَ: لاَ. قَالَ: "فَحُجَّ عَنْ نَفْسِكَ ثُمَّ حُجَّ عَنْ شُبْرُمَةَ". أخرجه أبو داود (¬5). [صحيح]. ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (4/ 66). (¬2) كذا في المخطوط والذي في "الفتح": الحديث. (¬3) في "الفتح" (4/ 66). (¬4) كذا في المخطوط والذي في "الفتح": ولم يتحتم في. (¬5) في "السنن" رقم (1811)، وهو حديث صحيح. وأخرجه ابن ماجه رقم (2903)، وابن حبان في "صحيحه" رقم (3988)، والدارقطني في "السنن" (2/ 270 رقم 157)، والبيهقي في "السنن" الكبرى (4/ 336)، وابن خزيمة رقم (3039)، وابن الجارود رقم (499)، كلهم من طريق عبدة بن سليمان، عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة، عن عزرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ... فذكره. قال البيهقي (4/ 336): هذا إسناد صحيح، وليس في الباب أصح منه. وقال الحافظ في "التلخيص" (2/ 427): "قال الطحاوي: الصحيح أنه موقوف، وقال أحمد بن حنبل: رفعه خطأ، وقال ابن المنذر: لا يثبت رفعه". وقال البيهقي (4/ 336): "رفعه حفاظ ثقات، فلا يضر خلاف من خالفه". قلت: وللحديث طرق أخرى كثيرة. وقد رجح رواية الرفع ابن حبان، والبيهقي، وعبد الحق، وابن القطان، وابن حجر، والنووي وغيرهم. =

الباب الرابع عشر: في أحكام متفرقة تتعلق بالحج

قوله: "في حديث ابن عباس الأخير: أخرجه أبو داود" (¬1). قلت: قال المنذري: وأخرجه ابن ماجه (¬2)، قال البيهقي: هذا إسناد صحيح ليس في الباب أصح منه (¬3). الباب الرابع عشر: في أحكام متفرقة تتعلق بالحج [وفيه سبعة فصول] (¬4) الفصل الأول: في التكبير في أيام التشريق قوله: "الفصل الأول في التكبير أيام التشريق" قال الخطابي: الحكمة في التكبير في هذه الأيام: أنّ الجاهلية كانوا يذبحون لطواغيتهم فيها فشرع التكبير فيها إشارة إلى تخصيص الذبح له على اسمه تعالى. 1 - عن يحيى ابن سعيد قال: خَرَجَ عُمَرُ - رضي الله عنه - الْغَدَاةَ يَوْمَ النَّحْرِ حِينَ ارْتَفَعَ النَّهَارُ شَيْئًا فَكَبَّرَ وَكَبَّرَ النَّاسُ بِتَكْبِيرهِ، ثُمَّ خَرَجَ الثَّانِيَةَ مِنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ بَعْدَ ارْتفَاعِ النَّهَارِ فَكَبَّرَ فَكَبَّرَ النَّاسُ مَعَهُ بِتَكْبِيرِهِ. ثُمَّ خَرَجَ حِينَ زَاغَتِ الشَّمْسُ فَكَبَّرَ فكبَّرَ النَّاسُ مَعَهُ بِتَكْبِيرِهِ" (¬5) حَتَّى يَتَّصِلَ التَّكْبِيرُ إلى المَسْجِدِ الحَرَامِ. فَيَقُولُونَ: كَبَّرَ عُمَرُ - رضي الله عنه - فَيُكَبِّرُونَ. [موقوف ضعيف]. ¬

_ = انظر: "نصب الراية" (3/ 155)، "المجموع" (7/ 102 - 103). "إرواء الغليل" (4/ 171 - 173 رقم 994). "شرح مشكل الآثار" (6/ 384). (¬1) في "مختصر السنن" (2/ 334). (¬2) في "السنن" رقم (2903)، وقد تقدم. (¬3) في "السنن الكبرى" (4/ 336). (¬4) زيادة من (ب). (¬5) أخرجه مالك في "الموطأ" (1/ 404 رقم 205)، وهو أثر موقوف ضعيف. وتمامه عند مالك في "الموطأ": "حتى يتصل التكبير ويبلغ البيت، فيعلم أنَّ عمرَ قد خرج يرمي".

قوله: "عن يحيى بن سعيد" أي: القطان. قوله: "حتى يتصل التكبير إلى المسجد الحرام" لفظه في "الجامع" (¬1): "ويبلغ البيت [فيعرف] (¬2) أنّ عمر قد خرج يرمي"، وهذا لفظه أيضاً في "الموطأ" وقال في أوله: "عن يحيى بن سعيد أنه بلغه أنّ عمر .. " إلى آخره، قال ابن الأثير (¬3): أخرجه "الموطأ"، والمصنف هنا لم يخرجه ثم قال [مالك] (¬4) في "الموطأ": قال مالك (¬5): الأمر عندنا أنّ التَّكبير في أيام التَّشريقِ دُبر الصلوات، وأوَّل ذلك تكبير الإِمام والناس معه [دبر صلاة الصبح من عرفة إلى آخر أيام التشريق ثم يقطع التكبير] (¬6). قال (¬7): والتكبير في أيام التشريق على الرِّجال والنِّساء من كان في جماعة، أو وحده بمنًى أو بالآفاق كلها واجب، إلى أن قال مالك: الأيام المعدودات أيام التشريق. وفي "الجامع" (¬8) بعد رواية "الموطأ": وفي رواية ذكرها البخاري (¬9) في ترجمة باب بغير إسناد: "أنّ عمر كان يكبر في مسجد منى ويكبر من في المسجد فترتج أسواق منى من التكبير حتى يصل التكبير إلى المسجد الحرام فيقولون: كبّر عمر فيكبرون". انتهى بلفظه. ¬

_ (¬1) (3/ 423). (¬2) كذا في المخطوط، وفي "الجامع" والذي في "الموطأ": فيعلم. (¬3) في "الجامع" (3/ 405). (¬4) زيادة من (أ). (¬5) في "الموطأ" (1/ 404). (¬6) العبارة قد اعتراها نقص، وإليك نصها من "الموطأ". دُبر صلاة الظهر من يوم النحر، وآخر ذلك تكبير الإِمام والنّاس معه دُبُر صلاة الصُّبح من آخر أيَّام التشريق. ثمَّ يقطع التَّكبير. (¬7) أي مالك في "الموطأ" (1/ 404). (¬8) (3/ 423 - 424). (¬9) في "صحيحه" (2/ 461 رقم الباب 12 - مع الفتح) معلقاً.

وأظن والله أعلم [223 ب] أنّ المصنف اختلط عليه لفظ الروايتين فقال: حتى يتصل التكبير إلى المسجد الحرام، وهذا من ألفاظ رواية البخاري، ورواية "الموطأ" (¬1) [205/ أ] بلفظ: "ويبلغ البيت" كما نبهنا عليها، ثم قال المصنف: "فيقولون: كبّر عمر فيكبرون"، وهذا تمام رواية البخاري لا رواية "الموطأ" فقد قدمنا لفظها فتأمل. 2 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما -: أَنَّهُ كانَ يُكَبَّرُ في فسْطاطِهِ. أخرجه البخاري (¬2) في ترجمة باب. وأخرجه مالك (¬3) إلى قوله: فيكبرون. [موقوف صحيح]. قوله: "وعن ابن عمر: أنّه كان يكبّر في فسطاطه أخرجه البخاري". ولفظه في "الجامع" (¬4) بعد قوله: "فسطاطه، ويكبرُّ الناس لتكبيره دبر الصلاة وفي غير وقت الصلاة، وإذا ارتفع النهار وعند الزوال, وإذا ذهب يرمي" وفي رواية: "أنه كان يكبّر في قبته بمنى فيسمعه أهل المسجد فيكبرون ويكبّر أهل الأسواق حتى ترتج منى تكبيرًا". وفي أخرى: "كان يكبر بمنى تلك الأيام وخلف الصلاة وعلى فراشه وفي فسطاطه ومجلسه وممشاه في تلك الأيام جميعًا". أخرجه البخاري في ترجمة باب بغير إسناد. انتهى لفظ "الجامع". فهذه ألفاظ رواية البخاري، وأمّا قول المصنف: "وأخرجه مالك إلى فيكبرون" فهو وهم ليس في "الجامع" (¬5) عن مالك إلاّ رواية عمر السابقة، ولم يرو لابن عمر في التكبير شيئًا، وليس عنده منه شيء فالله أعلم كيف هذا النقل الذي اتفق للمصنف؟!. ¬

_ (¬1) (1/ 404) وقد تقدم ذكره. (¬2) في "صحيحه" (2/ 461 الباب رقم 12 - مع الفتح) معلقاً. (¬3) لم يخرجه مالك في "الموطأ". وانظر ما تقدم. (¬4) (3/ 423 - 424). (¬5) وهو كما قال.

الفصل الثاني: [في] الخطبة بمنى

3 - وعن ميمونة - رضي الله عنها -: أَنَّهَا كانَتْ تُكَبِّرُ يَوْمَ النَّحْرِ وَكانَ النِّسَاءُ يُكَبِّرْنَ خَلْفَ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ. أخرجه البخاري (¬1) في ترجمة باب. الفصل الثاني: [في] (¬2) الخطبة بمنى 1 - عن عبد الرحمن بن معاذ قال: خَطَبَنَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وَنَحْنُ بِمِنًى فَفُتِحَتْ أَسْمَاعُنَا حَتَّى كُنَّا نَسْمَعُ مَا يَقُولُ وَنَحْنُ في مَنَازِلِنَا فَطَفِقَ يُعَلِّمُهُمْ مَنَاسِكَهُمْ حَتَّى بَلَغَ الجِمَارَ فَوَضَعَ أُصْبُعَيْهِ السَّبَّابَتَيْنِ ثُمَّ قَالَ: "بِحَصَى الخَذْفِ". ثُمَّ أَمَرَ المُهَاجِرِينَ فَنَزَلُوا في مُقَدَّمِ المَسْجِدِ، وَأَمَرَ الأَنْصَارَ أَنْ يَنْزِلُوا مِنْ وَرَاءِ المَسْجِدِ. قال: ثُمَّ نَزَلَ النَّاسُ بَعْدَ ذَلِكَ. أخرجه أبو داود (¬3) والنسائي (¬4). [صحيح]. 2 - وعن رافع بن عمر المُزني - رضي الله عنه - قال: رَأَيْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ النَّاسَ بِمِنًى حِينَ ارْتَفَعَ الضُّحَى عَلَى بَغْلَةٍ شَهْبَاءَ وَعَليٌّ - رضي الله عنه - يُعَبِّرُ عَنْهُ وَالنَّاسُ بَيْنَ قَائمٍ وَقَاعِدٍ. أخرجه أبو داود (¬5). [صحيح دون قوله: على بغلة شهباء]. " الفصل الثاني: الخطبة بمنى". فقد ثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - خطب بمنى يوم النحر ويوم ثاني النحر فهذه الخطبة أراد بها الراوي يوم النحر لإنزاله أصحابه في المسجد، فإنه أنزلهم يوم النحر؛ ولأنه علمهم مناسكهم وعرّفهم ¬

_ (¬1) في "صحيحه" (2/ 461 الباب رقم 12 - مع الفتح) معلقاً. (¬2) زيادة من (أ). (¬3) في "السنن" رقم (1957). (¬4) في "السنن" (2996). وهو حديث صحيح. (¬5) في "السنن" رقم (1956)، صحيح دون قوله: على بغلة شهباء.

برمي الجمار، ويوم النحر أوّلها، وقد بّين في رواية الهرماس بن زياد الباهلي عند أبي داود (¬1): "أنه - صلى الله عليه وسلم - خطب [224 ب] الناس على ناقته العضباء يوم الأضحى بمنى" فحديث أبي داود الذي أتى به المصنف: "أنّه - صلى الله عليه وسلم - خطب على بغلة شهباء" [هي] (¬2): خطبته ثاني أيام التشريق، والله أعلم. قال بعض الشافعية (¬3): خطب الحج المشروعة عندنا أربع (¬4)، أولها: بمكة عند الكعبة في اليوم السابع من ذي الحجة، والثانية: بنمرة يوم عرفة، والثالثة: بمنى يوم النحر، والرابعة: بمنى في الثاني من أيام التشريق، وكلها خطب فردة بعد صلاة الظهر إلاّ التي بنمرة فإنها خطبتان, وقبل صلاة الظهر، وبعد الزوال. انتهى. قلت: أهمل خطبة يوم عرفة في الموقف إلاّ أن يريد بها خطبة نمرة، ولم نجد رواية: "أنه - صلى الله عليه وسلم - خطب بنمرة (¬5) بل خطب يوم عرفة في محل وقوفه عند الصخرات وهو على راحلته". ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (1954). وأخرجه أحمد (3/ 485)، والنسائي في الكبرى رقم (4080)، وابن خزيمة رقم (953)، وابن حبان رقم (3875)، وابن سعد في "الطبقات" (5/ 553)، والبخاري في التاريخ الكبير (8/ 246)، والبيهقي (5/ 140) من طرق ... وهو حديث حسن. (¬2) في (ب): أي. (¬3) ذكرها القاضي العمراني في "البيان" (4/ 309 - 310). (¬4) ذكرها القاضي العمراني في "البيان" (4/ 309 - 310). (¬5) لم يذكر القاضي العمراني نمرة. انظر: البيان (4/ 309). والمجموع (8/ 85 - 86).

الفصل الثالث: في حج الصبي

الفصل الثالث: في حج الصبي 1 - عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: لَقِيَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - رَكْبًا بِالرَّوْحَاءِ. فَرَفَعَتْ إِلَيْهِ امْرَأَةٌ مِنْهُمْ صَبِيًّا. فَقَالَتْ: أَلِهَذا حجٌّ؟ قال: "نَعَمْ، وَلَكِ أَجْرٌ". أخرجه مسلم (¬1) ومالك (¬2) وأبو داود (¬3) والنسائي (¬4). [صحيح]. قوله: "في حديث ابن عباس: بالروحاء" (¬5) هي قرية جامعة على ليلتين من المدينة. قوله: "قال: نعم ولك أجر"، فيه دليل على صحة حج الصبي والحج به، وهو مذهب كافة (¬6) العلماء من الصحابة والتابعين، فمن بعدهم وأنه يثاب عليه ويترتب عليه أحكام الحج لكنه لا يجزئه عن حجة الإِسلام، وخالف أبو حنيفة (¬7) فقال: لا يصح منه حج ولا إحرام ولا ثواب فيه ولا يترتب عليه شيء من الأحكام وإنما يحج به ليتمرن ويتعلم ويتجنب محظوراته بالتعلم وكذلك سائر عبادات الصبي، والدليل مع الجمهور (¬8) وهو حديث ابن عباس هذا، وقوله: "ولك أجر" [225 ب] أي: بسبب حملها له وتجنيبها إياه ما يجتنب المحرم. ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (409/ 1336). (¬2) في "الموطأ" (1/ 422). (¬3) في "السنن" رقم (1736). (¬4) في "السنن" رقم (2648). وأخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (5/ 155)، والبغوي في "شرح السنة" (7/ 22)، والشافعي في "المسند" رقم (741 - ترتيب). وهو حديث صحيح. والله أعلم. (¬5) الروحاء: بين مكة والمدينة، على نحو أربعين ميلاً. معجم البلدان (2/ 828). (¬6) انظر: "المغني" (5/ 50 - 54). (¬7) "البناية في شرح الهداية" (4/ 24 - 25). (¬8) انظر: "المغني" (5/ 50 - 54).

قالوا: ويحرم عنه من يلي (¬1) ماله من أب أو جد أو وصي أو قيّم من جهة القاضي أو القاضي، وأما الأم فلا يصح إحرامها عنه إلاّ أن تكون وصيّة أو قيّمة من جهة القاضي، قالوا: وهذا كله في غير المميز، وأمّا المميز فيأذن له وليه، ولا يصح بدون إذن وليه، وإحرام الولي عن غير المميز أن يقول بقلبه: جعلته محرمًا هكذا. قيل في تفسير الحديث: وهذه قيود لم يدل (¬2) عليها الحديث هذا، إنما تصيدوها من القواعد التي قعدت. 2 - وعن السائب بن يزيد - رضي الله عنهما - قال: حجَّ بِي أبي - رضي الله عنه - حَجَّةِ الْوَدَاعِ مَعَ رَسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وَأَنا ابنُ سَبْعٍ سِنينَ. أخرجه البخاري (¬3) والترمذي (¬4). [صحيح]. 3 - وعن جابر - رضي الله عنه - قال: كُنَّا نُلَبِّي عن النساء والصبيان. ¬

_ (¬1) قال العمراني في البيان (4/ 20 - 21): "وأمَّا الأمُّ: فإن قلنا يقول أبي سعيد الإصطخريّ، وأنها تلي على ماله بنفسها فلها أن تحرم عنه, وقد احتج الاصطخريّ بهذا الخبر، حيث قال لها النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "نعم، ولك أجرٌ". وإنْ قُلنا بمذهب الشافعي، وأنَّها لا تلي بنفسها على مال الصبي ... فهي كسائر العصبات، من الإخوة وبنيهم، والأعمام وبنيهم، وقد ذكرنا حكمهم. وأمّا الشيخ أبو إسحاق: فذكر في المهذَّب (2/ 661): أنَّ الأمَّ تُحْرِم عنه للخبر، ويجوز للأب والجدِّ أن يُحْرِما عنه، قياسًا على الأم. قال ابن الصبَّاغ: وليس في الخبر ما يدلُّ على أنَّ الأمَّ حَرَمت عنه, ويحتمل أن يكون أحرم عنه وليُّهُ، وإنّما جعل لها الأجر بحملها له، ومعونتها له على مناسك الحج، والإنفاق عليه. وانظر: "المجموع شرح المهذب" (7/ 27 - 28). (¬2) انظر: التعليقة المتقدمة. (¬3) في "صحيحه" رقم (1858). (¬4) في "السنن" رقم (925). وأخرجه أحمد (3/ 449). وهو حديث صحيح.

الفصل الرابع: في الاشتراط في الحج

أخرجه الترمذي (¬1) وقال (¬2): حديث غريب. وَقَدْ أَجَمَعَ (¬3) أَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّ المَرْأَةَ لاَ يُلَبِّي عَنْهَا غَيْرُهَا. قوله: "في حديث جابر: فكنّا نلبي عن النساء والصبيان". قلت: كذا هنا ومثله في الجامع (¬4)، والذي في الترمذي بلفظ: "وكنّا نلبي عن النساء ونرمي الصبيان"، قال أبو عيسى (¬5): هذا حديث غريب، ولا نعرفه إلاّ من هذا الوجه. وقد أجمع أهل العلم أنّ المرأة لا يلبي عنها غيرها ويكره لها رفع الصوت بالتلبية. انتهى. الفصل الرابع: في الاشتراط في الحج 1 - عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: دَخَلَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَلَى ضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ - رضي الله عنها - فَقَالَ: "لَعَلَّكِ أَرَدْتِ الحَجَّ؟ ". فَقَالَتْ: وَالله مَا أَجِدُنِي إِلاَّ وَجِعَةً. فَقَالَ: "حُجِّي وَاشْتَرِطِي، وَقُولِي: اللهمَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي". أخرجه الشيخان (¬6) والنسائي (¬7). [صحيح]. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (927)، وهو حديث ضعيف. وأخرجه أحمد (3/ 314)، وابن ماجه رقم (3038). (¬2) في "السنن" (3/ 266). (¬3) انظر: "المغني" (5/ 108)، وإجماعات ابن عبد البر في العبادات (2/ 872 - 873). (¬4) (3/ 430). (¬5) في "السنن" (3/ 266). (¬6) أخرجه البخاري رقم (5089)، ومسلم رقم (104/ 1207). (¬7) في "السنن" رقم (2768). وأخرجه أحمد (6/ 202)، وابن خزيمة رقم (2602)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (5/ 221)، والترمذي رقم (941)، وأبو داود رقم (1776)، وابن ماجه رقم (2938).

قوله: "على بضاعة" (¬1) بضم الضاد المعجمة فموحدّة. "بنت الزبير" أي: ابن عبد المطلب بنت عمِّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قوله: "حجي واشترطي وقولي [206/ أ]: اللهم محلي حيث حبستني" هذا بيان للفظ الاشتراط، وهو دليل لمن يقول: إنّ للحاج والمعتمر أن يشترط [226 ب] في إحرامه أنه إن مرض تحلّل، وهو مذهب الشافعي (¬2) وحجّته هذا الحديث الصريح، وذهب مالك (¬3) وأبو حنيفة (¬4) وبعض التابعين أنّه لا يصح هذا الاشتراط، وحملوا الحديث على أنه قصة عين وأنه خاص بضباعة، وأشار القاضي (¬5) إلى تضعيف هذا الحديث فإنه قال: قال الأصيلي (¬6): لا يثبت في الاشتراط إسناد صحيح، وهذا الذي (¬7) عرض به القاضي غلط فاحش جدًا، نبّهت عليه لئلا يغتر به؛ لأنّ حديث ضباعة (¬8) مشهور في الصحيحين وسنن أبي داود والترمذي والنسائي وسائر كتب الحديث المعتمدة بأسانيد كثيرة عن جماعة من الصحابة. وفيما ذكره مسلم من تنوع طرقه أبلغ كفاية وفيه: أنّ المرض لا يبيح التحلل من دون اشتراط حال الإحرام، ويأتي أنّ ابن عمر كان ينكر الاشتراط. قلت: وكأنه لم يبلغه حديث ضباعة. ¬

_ (¬1) "التقريب" (2/ 604 رقم 1). (¬2) انظر: "المجموع شرح المهذب" (8/ 305). شرح "صحيح مسلم" للنووي (8/ 131 - 132). (¬3) "قوانين الأحكام الشرعية" لابن جزيّ (ص 160). (¬4) "البناية في شرح الهداية" (4/ 395). (¬5) أي القاضي عياض في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (4/ 227). (¬6) ذكره القاضي عياض في "إكمال المعلم" (4/ 227)، والنووي في شرحه لـ "صحيح مسلم" (7/ 132). (¬7) قاله النووي في شرحه لـ "صحيح مسلم" (7/ 132). (¬8) تقدم تخريجه وهو حديث صحيح.

الفصل الخامس: في حمل السلاح في الحرم

2 - وللترمذي (¬1) قال: كَانَ ابن عُمَرُ - رضي الله عنهما - يُنْكِرُ الاشْتِرَاطَ فِي الحجِّ ويقُولُ: أَلَيْسَ حَسْبُكُمْ سُنّةَ نَبِيَّكُمْ - صلى الله عليه وسلم -؟ [صحيح]. قوله: "وللترمذي". قلت: وقال: حديث حسن صحيح. وزاد النسائي (¬2): أَنَّهُ لَمْ يَشْتَرِطْ. فَإِنْ حَبَسَ أَحَدَكُمْ حَابِسٌ فَلْيَأْتِ الْبَيْتَ وَليَطُفْ بِهِ وبَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ، ثُمَّ لْيَحْلِقْ أَوْ لِيُقَصِّرْ ثُمَّ ليُحِلَّ وَعَلَيْهِ الحَجُّ مِنْ قَابِلٍ. [صحيح]. قوله: "زاد النسائي: أنه لم يشترط هذه الزيادة" هي دليل ابن عمر في إنكاره الاشتراط، ولا يخفى أنه دليل غير ناهض؛ لأنه تثبت "السنة" بقوله - صلى الله عليه وسلم - كما تثبت بفعله، ويريد ابن عمر أنه لو كان سنة لاشترطه - صلى الله عليه وسلم -، وزيادة النسائي دالة أنه أخرج حديث ابن عمر (¬3) فلا وجه للاقتصار على الترمذي في إخراجه له. الفصل الخامس: في حمل السلاح في الحرم 1 - عن ابن جُريج قال: أصَابَ ابْنِ عُمَرَ سِنَانُ رمحٍ في أخْمَص قَدَمِهِ بِمِنًى فجاء الحَجّاجُ يعودُه. فقال: لَوْ نَعْلَمُ مَنْ أَصَابَكَ؟ فَقَالَ: أَنْتَ أَصَبْتَنِي. قَالَ: وَكَيْفَ؟ قَالَ: حَمَلْتَ ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (942). (¬2) في "السنن" رقم (2769، 2770). (¬3) وأخرج البخاري رقم (1810)، والنسائي رقم (2769)، ومالك في "الموطأ" (1/ 361) عن الزهري قال: أخبرني سالم قال: كان ابن عمر - رضي الله عنهما - يقول: أليس حسبكم سُنَّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ إن حبس أحُدكم عن الحجّ طاف بالبيت وبالصفا والمروة, ثمَّ حلَّ من كل شيء حتى يحجَّ عامًا قابلاً، فيهدي أو يصوم إنْ لم يجد هَدْيًا.

السِّلاَحَ فِي يَوْمٍ لَمْ يَكُنْ يُحْمَلُ فِيه، وَأَدْخَلْتَ السِّلاَحَ الحَرَمَ ولم يكُنْ السِّلاحُ يَدْخُلَ الحَرَمَ. أخرجه البخاري (¬1). [صحيح]. قوله: "في حديث ابن عمر: أنت أصبتني" نسب الإصابة إلى الحجّاج؛ لأنه أمر به فتسبب عنه إصابة السنان [227 ب] لابن عمر، وحكى الزبير بن بكار (¬2): أنّ عبد الملك لمّا كتب إلى الحجاج أن لا يخالف ابن عمر شقّ عليه وأجرّ رجلاً معه حربة مسمومة فلصق ذلك الرجل به، فأمر الحربة على قدمه فمرض منها أيامًا ومات سنة أربع وسبعين بعد قتل ابن الزبير بسنة. 2 - وعن الَبرَاء بن عازب - رضي الله عنهما - قال: لما صالحَ النّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أهلُ الحُديْبِيَّةِ صَالَحَهُمْ عَلَى أنْ [لا يَدْخُلُوهَا] (¬3) إلا بجُلْبان السِّلاَحِ الْقِرَابُ بما فيه. أخرجه الشيخان (¬4) وأبو داود (¬5). [صحيح]. قوله: "في حديث البراء على أن [لاَ يَدْخُلُوهَا] (¬6) أي: النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه في العام القابل. قوله: "إلاّ بِجُلْبَان السلاح" هو بضم الجيم وتخفيف اللام، قال ابن الأثير (¬7): جلبان السلاح القراب بما فيه، ومثل القراب الغمد، والجلبان شِبه الجراب من الأدم، يوضع فيه ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (966). (¬2) في الأنساب كما في "فتح الباري" (2/ 456). (¬3) في (أ): لا يدخلها. وما أثبتناه من (ب) وسنن أبي داود. (¬4) في (أ): لا يدخلها. وما أثبتناه من (ب) وسنن أبي داود. (¬5) أخرجه البخاري رقم (2698)، و (2701) و (4252)، ومسلم رقم (1783). (¬6) في (أ): لا يدخلها. وما أثبتناه من (ب) وسنن أبي داود. (¬7) في "النهاية في غريب الحديث" (1/ 276).

الفصل السادس: في ماء زمزم

السيف مغمودًا، وَيطرَح فيه الراكبُ سوطَه وأدَاته، ويعلَّقه [في] (¬1) آخرة الرحل أو واسطته، وقد روي بضم اللام وتشديد الباء وهو أوعيةُ السلاح [بما فيها] (¬2). انتهى. قلت: ولا يخفى أنه ليس في الحديث دليل على أنّه لا يحمل السلاح في مكة؛ لأن هذا شرط (¬3) شرطه الكفار في الصلح بينهم وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. الفصل السادس: في ماء زمزم في ماء زمزم أحاديث كثيرة قى فضله وإغنائه عن الطعام والشراب. ¬

_ (¬1) في (ب): من، وما أثبتناه من (أ) والنهاية. (¬2) زيادة من "النهاية" (1/ 276). (¬3) وقعت المقاضاة بينه - صلى الله عليه وسلم - وبينهم على أن يكون سلاح النبيَ ومن معه في القرابات لوجهين ذكرهما أهل العلم: الأول: أن لا يظهر منه حال دخوله دخول الغالبين القاهرين لهم. الثاني: أنها إذا عرضت فتنة أو غيرها يكون في الاستعداد للقتال بالسلاح صعوبة، قاله أبو إسحاق السبيعي. - ففي الحديث دليل على جواز حمل السلاح بمكة للعذر والضرورة, لكن بشرط أن يكون في القراب كما فعله - صلى الله عليه وسلم -. ويخصص حديث البراء عموم حديث جابر عند مسلم رقم (449/ 1356). قال: قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا يحل لأحدكم أن يحمل بمكة السلاح". وقال القاضي عياض في "إكمال المعلم" (4/ 476): هذا محمول عند أهل العلم على حمل السلاح لغير ضرورة ولا حاجة، فإن كانت حاجة جاز .. ثم قال هذا مذهب الشافعي ومالك وعطاء. انظر: "الأم" (3/ 376) , "المغني" (5/ 128). "فتح الباري" (4/ 58 - 59).

وفي أنَّه: "لما شرب له" (¬1) وهنا أراد بعض مما أتي فيه. قال البخاري (¬2): وسميت زمزم لكثرتها، يقال: ماء زمزم أي كثير. قال الحافظ (¬3): وقيل: لاجتماعها، وعن مجاهد (¬4): إنما سميت زمزم لأنها مشتقة من الهزمة، والهزمة (¬5) الغمز بالعقب في الأرض. 1 - عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: سَقيتُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ فشرِبَ وهوَ قائمٌ. أخرجه الشيخان (¬6). [صحيح]. قوله: "فشرب وهو قائم" قد استشكل شربه قائمًا مع ثبوت نهيه عنه, وأجيب بأنه فعله لبيان الجواز، وأنّ النهي ليس للتحريم، وفي البخاري (¬7): "فحلف عكرمة ما كان يومئذٍ إلاّ على بعير فلم يشرب قائمًا؛ لأنه كان على بعير راكبًا". 2 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما -: أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - أمَرَ رِّجُلاً مِنْ قُرَيْش في المُدَّة أن يَأتِيَه بَماءِ زمْزَمَ إلى الحُدَيْبيَّةِ. فَذهَبَ بِهِ إلى المَدِينَةِ (¬8). أخرجه رزين. ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد (3/ 357، 372)، وابن ماجه رقم (3062) , والعقيلي في "الضعفاء الكبير" (2/ 302)، والبيهقي (5/ 148)، والخطيب في "تاريخ بغداد" (3/ 179)، والأزرقي في "أخبار مكة" (2/ 52)، وابن عدي في "الكامل" (4/ 1455)، وأبو نعيم في "أخبار أصبهان" (2/ 37) من طرق وهو حديث صحيح. - عن جابر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ماء زمزم لما شُرب له". (¬2) في "صحيحه" (6/ 398 - مع الفتح). (¬3) في "الفتح" (3/ 493). (¬4) أخرجه الفاكهي بإسناد صحيح عنه. كما ذكره الحافظ في "الفتح" (3/ 493). (¬5) انظر: "القاموس المحيط" (ص 1510). (¬6) البخاري في "صحيحه" رقم (5617)، ومسلم رقم (2027). (¬7) في "صحيحه" رقم (1637). (¬8) أخرجه الأزرقي في "أخبار مكة" (1/ 570 - 571).

الفصل السابع: في أحاديث متفرقة

والمراد "بِالمُدَّةِ" هنا: مدة المُهادنة. قوله: "فذهب به إلى المدينة" فيه شرعية حمل ماء زمزم إلى البلاد [228 ب] النائية عنه لبركته, وقد أخرج الترمذي (¬1) عن عائشة: "أنها كانت تحمل ماء زمزم وتخبر أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يحمله"، ولو أتى به المصنف عوضًا عن حديث رزين لكان أولى. الفصل السابع: في أحاديث متفرقة 1 - عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله! أَلاَ تبني لَكَ بِمِنًى بَيْتًا يُظِلُّكَ مِنَ الشَّمْسِ؟ فَقَالَ: "لاَ. إِنَّمَا هُوَ مُنَاخُ مَنْ سَبَقَ إِلَيْهِ". أخرجه أبو داود (¬2) والترمذي (¬3). [ضعيف]. قوله: "في حديث عائشة: منى مناخ من سبق إليه" بالنون والخاء المعجمة من الإناخة (¬4): الإقامة والنزول، وفيه دليل على أنه لا يتحجر أحد منها محلاً في منى بل كل من سبق إلى محل فهو أولى به. قوله: "أخرجه أبو داود والترمذي" وقال الترمذي (¬5): إنه حديث حسن إلاّ أنه ليس فيه "من الشمس" بل "يظلّك" فقط. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (963). قال الترمذي في "السنن" (3/ 295): هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وهو حديث صحيح. والله أعلم. (¬2) في "السنن" رقم (2019). (¬3) في "السنن" رقم (881). وأخرجه أحمد (6/ 206، 207)، وابن ماجه رقم (3007)، إسناده ضعيف؛ لضعف إبراهيم بن مهاجر، وجهالة مسيكة. وهو حديث ضعيف. (¬4) انظر: "القاموس المحيط" (ص 334). (¬5) في "السنن" (3/ 228) وفيه: هذا حديث حسن صحيح.

2 - وعن أبي واقِدِ اللَّيْثيّ - رضي الله عنه - قال: سمعت النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يقولُ لِأَزْوَاجِهِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ: "هذه ثُمَّ ظُهُورُ الحُصْرِ". أخرجه أبو داود (¬1). [صحيح لغيره]. "الحُصْر" جمع حَصير، والمراد: لا تخرجْنَ من بيوتكن بعد هذهِ الحجة. قوله: "في حديث أبي واقد: هذه ثم ظهور الحصر" زاد ابن سعد من حديث أبي هريرة (¬2): "فكنّ نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - يحججن إلاّ زينب وسودة فقلن: لا تحركنا دابة بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ". وتأول غيرهما من أمهات المؤمنين بأنّ المراد بالحديث أنه لا يجب عليهن غير تلك الحجة، ويؤيد ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - حديث عائشة (¬3): "لكن أفضل الجهاد الحج والعمرة"، وكان عمر متوقفًا في ذلك ثم ظهر له الجواز فأذن لهن، وتبعه على ذلك جماعة من الصحابة وغيرهم من غير نكير [207 أ]. 3 - وعن إبراهيم عن أبيه عن جده: أَنَّ عُمَرَ - رضي الله عنه - أَذِنَ لأَزْوَاجِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - في آخر حَجَّةِ حَجَّهَا، يَعْني: في الحَجِّ، وَبَعَثَ مَعَهُنَّ عَبْدَ الرَّحْمنِ بن عَوْفٍ وَعُثْمانَ بنَ عَفَّانَ. أخرجه البخاري (¬4). ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (1722)، وهو حديث صحيح لغيره. (¬2) أخرجه أحمد (6/ 324)، وأبو يعلى في "مسنده" رقم (7154)، والبزار رقم (1077) .. وأورده الهيثمي في "المجمع" (3/ 214)، وقال: رواه أحمد وأبو يعلى والبزار، وفيه صالح مولى التوأمة، ولكنه من رواية ابن أبي ذئب عنه، وابن أبي ذئب سمع منه قبل اختلافه. وهو حديث حسن لغيره. (¬3) أخرجه أحمد (6/ 165)، وابن ماجه رقم (2901)، وابن خزيمة رقم (3074)، والدارقطني (2/ 284 رقم 215). وهو حديث صحيح. (¬4) في "صحيحه" رقم (1860).

وقال البرقاني (¬1): هو إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف. قال الحميدي: في هذا نظر، قلت: لعله إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي، والله أعلم. قوله: "وعن إبراهيم عن أبيه عن جده". قوله: "أخرجه البخاري" قال الحميدي: هكذا أخرجه البخاري قال: قال لي محمَّد بن أحمد: حدثنا إبراهيم عن أبيه عن جده. قال الحميدي: قال [229 ب] البرقاني، بكسر الموحدة, ففي "القاموس" (¬2): إنه بالكسر قرية بخوارزم وقرية بجرجان كأنه من أحدهما, ولمّا ذكر البخاري إبراهيم غير منسوب، فقال البرقاني: إنه إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف. قال الحميدي (¬3): وفي هامش "الجامع الكبير" ما لفظه: والصواب أنه إبراهيم بن سعد ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف كما ذكره الحافظ ابن حجر في آخر تراجم من اسمه أحمد ولم يتميز من "مقدمة الفتح" (¬4). انتهى. قلت: لكنه لم يبيّن أنه المراد هنا. قوله: "قلت لعلّه إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي". ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (4/ 73). (¬2) ذكره الحافظ في "الفتح" (4/ 73). (¬3) ذكره الحافظ في "الفتح" (4/ 73). (¬4) (ص 388).

قلت: قال عليه (¬1) الأشخر يردّه - أي كلام المصنف -: إنّ إبراهيم الذي ذكره ليس له رواية عن أبيه، إنما يروي عن جدّه عبد الله بن أبي ربيعة. انتهى. قلت: وذكره الحافظ في "مقدمة الفتح" (¬2) وقال: إنه قال ابن القطان: لا يعرف حاله إلاّ أنه قال الحافظ (¬3): قلت: روى عنه جماعة ووثّقه ابن حبان. وله في الصحيح (¬4) حديث واحد في كتاب الأطعمة. انتهى. 4 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: سُئِلَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنْ الحاجَ قال: "الشَّعِثُ التَّفِلُ". قِيلَ: وأيُّ الحَجِّ أفْضَل؟ قال: "الْعَجُّ وَالثَّجُّ"، قِيلَ: وَمَا السَّبِيْلُ؟ " قال: الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ. أخرجه الترمذي (¬5). [ضعيف جداً دون قوله: "العج والثج"]. "الشَّعِثُ" (¬6): البعيد الْعَهْدِ بِتَسْرِيح شعره وغسله. "والتفلُ" (¬7): التارك للطِّيب واستعماله. ¬

_ (¬1) قال الحافظ في "الفتح" (4/ 73): وجعل مغلطاي تنظير الحميدي راجعًا إلى نسبة إبراهيم فقال: مراد البرقاني بإبراهيم جد إبراهيم المبهم في رواية البخاري، فظن الحميدي أنه عين إبراهيم الأول، وليس كذلك بل هو جده؛ لأنه إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف. (¬2) (ص 388). (¬3) في "مقدمة الفتح" (ص 388). (¬4) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (5443). (¬5) في "السنن" رقم (2998)، وهو حديث ضعيف جداً، دون قوله: "العج والثج" فقد أخرجها الترمذي في "السنن" رقم (827)، وابن ماجه رقم (2924) كلاهما عن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -، وهو حديث حسن. (¬6) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (3/ 440). (¬7) قال ابن الأثير في "النهاية" (1/ 191): التَّفل: الذي ترك استعمال الطيب من التّفل وهي الريح الكريهة.

"وَالْعَجُّ" (¬1): رَفْعُ الصّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ. وَ"الثَّجُّ" (¬2): سَيَلاُ الدَّمِ من الْهَدْيِ. قوله: "في حديث ابن عمر: الشعث التفل" يأتي تفسيرهما، وهما بفتح أولهما وكسر ثانيهما. قوله: "أخرجه الترمذي": قلت: لم يخرّج منه (¬3) إلاّ قوله: "وقال: يا رسول الله ما يوجب الحج؟ قال: الزاد والراحلة". وبوّب له (¬4): باب ما جاء في إيجاب "الحج"، وقال (¬5): قال أبو عيسى: هذا حديث حسن والعمل عليه عند أهل العلم: أنّ الرجل إذا وجد زاداً وراحلة وجب عليه الحج ثم قال: وإبراهيم بن يزيد هو الخوزيُّ المكيُّ، وقد تكلم فيه بعض أهل الحديث من قبل حفظه. انتهى. قلت: في "التقريب" (¬6) إبراهيم بن يزيد الخوزي بضم المعجمة وبالزاي، أبو إسماعيل المكي مولى بني أمية, متروك الحديث. انتهى. [230 ب]. وعليه رمز الترمذي وابن ماجه، وفي "الميزان" (¬7): قال أحمد والنسائي: متروك، وقال ابن معين: ليس بثقة، ونقل عن ابن عدي: إنه يكتب حديثه. ¬

_ (¬1) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (1/ 162 - 163)، "الفائق" للزمخشري (2/ 398). (¬2) انظر: "غريب الحديث" للهروي (1/ 279). "النهاية في غريب الحديث" (1/ 205). (¬3) بل أخرجه بلفظه في "السنن" رقم (2998)، وهو حديث ضعيف جدًا في التفسير باب. ومن سورة آل عمران. (¬4) بل هذا في "السنن" (3/ 177 الباب رقم (4) باب ما جاءَ في إيجاب الحجِّ بالزاد والراحلةَ. (¬5) في "السنن" (3/ 177) الحديث رقم (813)، وهو حديث ضعيف جداً. (¬6) (1/ 46 رقم 303). (¬7) (1/ 75 رقم 257).

5 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أَنَّ رَجُلاً قَالَ: يَا رَسولُ الله! عَليَّ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ، وَعَليَّ دَيْنٌ. قال: "اقْضِ دينَك". أخرجه رزين. قوله: "في حديث أبي هريرة: اقض دينك" دليل للقائلين: بأنّ دين العبيد (¬1) أقدم من دين الله، وتقدمت المسألة قريبًا, ولكن هذا الحديث لم يخرجه أهل الأمهات، فلا يتم به الاستدلال. 6 - وعن ثمامة قال: حَجَّ أَنَسٌ - رضي الله عنه - عَلَى رَحْلٍ، وَلَمْ يَكُنْ شَحِيحًا، وَحَدَّثَ أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - حَجَّ عَلَى رَحْلٍ وَكَانَتْ زَامِلَتَهُ. أخرجه البخاري (¬2). "عَلَى رَحْلٍ" أي: قتب لا في مَحْملِ ونحوه. قوله: "في حديث ثمامة" وهو بضم المثلثة، وهو ثمامة بن عبد الله بن أنس بن مالك الأنصاري، قاضي البصرة تابعي سمع جدّه أنسًا. قوله: "على رحل" بفتح الراء وسكون الحاء المهملة يأتي "تفسيره". قوله: "ولم يكن شحيحًا" أي: بل فعل ذلك تواضعًا لا بخلاً. قوله: "وكانت زاملته" (¬3) الزاملة بالزاي: البعير الذي يحمل عليه الطعام والمتاع من الزمل وهو الحمل، والمراد: الإخبار بأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يكن معه زاملة تحمل طعامه، ومتاعه بل كان ذلك محمولاً معه على راحلته، فكانت هي الزاملة والراحلة. ¬

_ (¬1) وقيل: أن حق الله مقدم على حقِّ الآدمي، وهو أحد أقوال الشافعي، وقيل: هما سواء. المجموع: (7/ 93 - 95)، "المغني" (5/ 38 - 40). (¬2) في "صحيحه" رقم (1517). (¬3) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (1/ 732). "المجموع المغيث" (2/ 27).

أخرج سعيد بن منصور (¬1) عن هشام بن عروة قال: كان الناس يحجون وتحتهم كل [أزودتهم] (¬2)، وكان أوّل من حج على [زمل] (¬3) وليس تحته شيء عثمان بن عفان. قوله: "أي قتب" (¬4) بالقاف فمثناة فوقية فموحّدة رحل صغير. 7 - وعن عبيد بن جُريج قال: قُلتُ لِابنِ عُمرَ - رضي الله عنهما -: رَأَيْتُكَ تَصْنَعُ أَرْبَعًا لَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِكَ يَصْنَعُهَا. قَالَ: مَا هِيَ يَا ابْنَ جُرَيْجٍ؟ قَالَ: رَأَيْتُكَ لاَ تَمَسُّ مِنَ الأَرْكَانِ إِلاَّ الْيَمانِييْنِ، وَرَأَيْتُكَ تَلْبَسُ النِّعَالَ السِّبْتِيَّةَ، وَرَأَيْتُكَ تَصْبُغُ بِالصُّفْرَةِ، وَرَأَيْتُكَ إِذَا كُنْتَ بِمَكَّةَ أَهَلَّ النَّاسُ إِذَا رَأَوُا الْهِلاَلَ وَلَمْ تُهِلَّ أنتَ حَتَّى يَكُونَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ. فَقَالَ: أَمَّا الأَرْكَانُ فَإِنِّي لَمْ أَرَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَمَسُّ إلاّ اليَمانِيْينِ، وأمَّا النِّعَالُ السِّبْتيَة فإنِّي رأيتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَلْبَسُ النِّعَالَ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا شَعَرٌ وَيتَوَضَّأُ فِيهَا. فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَلْبَسَهَا. وَأَمَّا الصُّفْرَةُ فَإِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَصْبُغُ بِهَا فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَصْبُغَ بِهَا. وَأَمَّا الإِهْلاَلُ فَإِنِّي لَمْ أَرَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يُهِلُّ حَتَّى تَنْبَعِثَ بِهِ رَاحِلَتُهُ. أخرجه الثلاثة (¬5) وأبو داود (¬6). [صحيح]. "النِّعَالُ" السبتية (¬7) التي لا شعر عليها كأن شعرها قد سُبت: أي حُلِقَ عنها. ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "فتح الباري" (3/ 381). (¬2) في (أ): أزوادهم، وفي (ب): زادهم، وما أثبتناه من "فتح الباري". (¬3) كذا في المخطوط والذي في "فتح الباري": رحل. (¬4) انظر: "الفائق" للزمخشري (3/ 158). "النهاية" في غريب الحديث (2/ 412). (¬5) أخرجه البخاري رقم (166)، ومسلم رقم (1187)، ومالك في "الموطأ" (1/ 333). (¬6) في "السنن" رقم (1772). (¬7) قاله ابن الأثير في غريب "الجامع" (3/ 442).

قوله: "وعن عبيد بن جريج" قال ابن الأثير: هو عبيد بن جريج (¬1) مولى بني تيم، وقيل: التميمي المدني يعد في التابعين عزيز الحديث سمع عبد الله بن عمر والحارث بن البرصاء. انتهى. قوله: "لا تمس من الأركان" أي: أركان الكعبة "إلاّ اليمانيين" تقدم الكلام [231 ب] في هذا والمراد: مسها عند الطواف بالاستلام لها. قوله: "يصبغ بالصفرة" قال المازري (¬2): قيل: المراد سبع الشعر وقيل: صبغ الثوب، قال: والأشبه أن يكون صبغ الثياب؛ لأنه أخبر أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - صبغ، ولم ينقل عنه أنه صبغ شعره, قال القاضي عياض (¬3): هذا أظهر الوجهين. قوله: "إذا رأوا الهلال" أي: هلال ذي الحجة, ولم تهل حتى يكون يوم التروية الثامن من ذي الحجة. قوله: "التي ليس فيها شعر" هذا تفسير للسبتية. قوله: "فإني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يصبغ بها" قيل: هذا مخالف لحديث أنس في اللباس [208/ أ]: "أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يصبغ" وجمع بينهما الطبري (¬4) بأن: من أثبت فإنه حكى ما شاهد، وكان ذلك في بعض الأحيان، ومن نفى فهو محمول على الأكثر الأغلب من حاله. قوله: "يهل حتى تنبعث به راحلته" هو حكاية عن إهلاله - صلى الله عليه وسلم - في [عمرة وحجة] (¬5)، وإلاّ فإنّه - صلى الله عليه وسلم - لم يحرم من مكة، وابن عمر سئل عن إهلاله إذا كان بمكة؛ ولأنّه - صلى الله عليه وسلم - أمر ¬

_ (¬1) انظر: "التقريب" (1/ 542 رقم 1538). (¬2) في "المعلم بفوائد مسلم" (2/ 49). (¬3) في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (4/ 184). (¬4) ذكره الحافظ في "الفتح" (10/ 454). (¬5) كذا في المخطوط. ولعله عمره وحجه.

الباب الخامس عشر: في حج النبي - صلى الله عليه وسلم - وعمرته

الذين كانوا معه في حجته وفسخوا حجهم بأن يهلوا يوم التروية. الباب الخامس عشر: في حج النبي - صلى الله عليه وسلم - وعمرته 1 - عن جابر - رضي الله عنه - قال: حَجَّ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - حَجَّتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُهَاجِرَ، وَحَجَّةً بَعْدَ مَا هَاجَرَ مَعَهَا عُمْرَةٌ، فَسَاقَ ثَلاَثًا وَسِتِّينَ بَدَنَةً. وَجَاءَ عَليٌّ - رضي الله عنه - مِنَ الْيَمَنِ بِبَقِيَّتِهَا فِيهَا جَمَلٌ فِي أَنْفِهِ بُرَةٌ مِنْ فِضَّةٍ فَنَحَرَهَا فأمر النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ بِبَضْعَةٍ فَطُبِخَتْ وَشَرِبَ مِنْ مَرَقِهَا. أخرجه الترمذي (¬1). [صحيح]. قوله: "في حديث جابر: أخرجه الترمذي" (¬2). قلت: وقال (¬3): هذا حديث غريب من حديث سفيان لا نعرفه إلاّ من حديث زيد بن حباب، ورأيت عبد الله بن عبد الرحمن رَوَي هذا الحديث [232 ب] في كتبه عن عبد الله بن أبي زياد. قال: وسألت محمداً عن هذا فلم يعرفه من حديث الثوري عن جعفر عن أبيه عن جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ورأيته لم يعد هذا الحديث محفوظًا. وقال: إنما يروى عن الثوري عن ابن إسحاق عن مجاهد مرسلاً. حدثنا إسحاق بن منصور قال: حدثنا حبّان بن هلال قال: حدثنا همام قال: حدثنا قتادة قال: قلت لأنس بن مالك: كم حج رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال: حجة واحدة، واعتمر أربع عمر ... " الحديث (¬4). ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (815). وأخرجه ابن ماجه رقم (3076). وهو حديث صحيح. (¬2) في "السنن" (3/ 179). (¬3) أي: الترمذي في "السنن" (3/ 179). (¬4) أخرجه الترمذي في "السنن" رقم (815 م).

قال أبو عيسى (¬1): هذا حديث حسن صحيح، وحَبَّان بن هلال أبو حبيب البصري هو جليل ثقة، وثّقه يحيى بن سعيد القطان. انتهى كلامه. قوله (¬2): زيد بن حُباب، في "التقريب" (¬3): زيد بن الحُباب بضم المهملة وموحدتين، أصله من خراسان، وكان بالكوفة ورحل في طلب الحديث فأكثر منه وهو صدوق يخطئ في حديث الثوري. انتهى. وفي "الميزان" (¬4): أحاديثه عن الثوري مقلوبة، وقال أحمد (¬5): صدوق كثير الخطأ. انتهى. نعم، وجمل أبي جهل الذي في أنفه بُرة إنما أهداه - صلى الله عليه وسلم - في عمرته في الحديبية، هذا المحفوظ في كتب الحديث (¬6) والسيرة (¬7). 2 - وعن عروة بن الزبير قال: كُنْتُ أنَّا وَابْنُ عُمَرَ - رضي الله عنهما - مُسْتَنِدَيْنِ إِلَى حُجْرَةِ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - وَأَنَا أَسْمَعُ صوْتَهَا بِالسِّوَاكِ تَسْتَنُّ. فَقُلْتُ: يَا أبا عَبْدِ الرَّحْمَنِ! أعْتَمَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - في رَجَبٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ لِعَائِشَةَ - رضي الله عنها -: أَيُّ أُمَّتَاهُ أَلاَ تَسْمَعِينَ مَا يَقُولُ أبو عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ قَالَتْ: وَمَا ¬

_ (¬1) أي الترمذي في "السنن" (3/ 180). (¬2) أي: قول الترمذي في "السنن" (3/ 179 الحديث رقم (815). (¬3) (1/ 273 رقم 168). (¬4) (2/ 100 - 101 رقم 2997). (¬5) قال ابن هشام: جعل في رأسه بُرَة من فضّة. - والبُرّة حلقة تُجعل في أنف البعير ليذل ويرتاض وأكثر ما تكون من صفر - النحاس الجيد - وإن كانت من شعر فهي خزامة، وإن كانت من خشب فهي خشاس. (¬6) انظر: مسند أحمد (1/ 234). (¬7) "السيرة النبوية" (3/ 444).

يَقُولُ؟ قُلْتُ: يَقُولُ: اعْتَمَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي رَجَبٍ. فَقَالَتْ: يَغْفِرُ الله لأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ لَعَمْرِي مَا اعْتَمَرَ في رَجَبٍ ولاَ اعْتَمَرَ مِنْ عُمْرَةٍ إِلاَّ وَإِنَّهُ لمَعَهُ. وَابْنُ عُمَرَ يَسْتَمِعُ فَمَا قَالَ: لاَ وَلاَ قال: نَعَمْ. سَكَتَ. أخرجه الخمسة (¬1) إلا النسائي. [صحيح]. قوله: "في حديث عروة بن الزبير: تستن" بالسين المهملة فمثناة قوقية فنون, قال ابن الأثير (¬2): الاستنان: التسوك بالسواك. وقوله: "لعمري ما اعتمر في رجب قط" ابن عمر أثبت عمرته - صلى الله عليه وسلم - في رجب وعائشة نفت ذلك وأقرّها ابن عمر ولم يرد عليها فدلّ على صحة كلامها، قالوا: سكوته دليل على اشتباه الأمر عليه أو نسيانه. وقال القرطبي (¬3): عدم إنكاره على عائشة، يدل أنه كان على وهم وأنّه رجع لقولها. قوله: "أخرجه الخمسة". قلت: بألفاظ مختلفة ساقها ابن الأثير (¬4) والمراد منها [233 ب] هل اعتمر - صلى الله عليه وسلم - في رجب أم لا؟ ولذا بوّب الترمذي (¬5): باب ما جاء في عمرة رجب, ثم قال بعد إخراجه (¬6). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (1775)، (1776)، ومسلم رقم (219/ 1255)، وأبو داود رقم (1991، 1992)، والترمذي رقم (936، 937). (¬2) قاله في "غريب الجامع" (3/ 452). (¬3) في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (4/ 330). (¬4) في "الجامع" (3/ 449 - 457). (¬5) في "السنن" (3/ 274 الباب رقم 93 الحديث رقم 936). (¬6) الحديث رقم (93).

قال أبو عيسى (¬1): هذا حديث غريب، سمعت محمدًا يقول: حبيب بن أبي ثابت لم يسمع من عروة ابن الزبير. انتهى. وهذا الذي وقع لابن عمر عدّه أئمة الحديث من سفر الوهم من زمان إلى زمان، واتفقوا على أنّه - صلى الله عليه وسلم - لم يعتمر في رجب (¬2) وقرروا أنّ عمره - صلى الله عليه وسلم - الأربع كلها في ذي القعدة كما يأتي في حديث ابن عباس. 3 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: اعْتَمَرَ النَبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَرْبَعَ عُمَرٍ: عُمْرَةَ الحُدَيْبِيَةِ، وعُمرةَ الثَّانِيَةَ مِنْ قَابِلٍ عُمْرَةِ الْقَضَاءِ في ذِي الْقَعْدَة، وعُمرةَ الثّالِثَة مِنَ الجِعرَّانَةِ، وَالرَّابِعَةَ [الَّتِي] (¬3) مَعَ حَجَّتِهِ. أخرجه أبو داود (¬4) والترمذي (¬5). [صحيح]. قوله: "الحديبية وعمرة القضاء" هاتان في ذي القعدة (¬6) اتفاقًا وعمرة الجعرانة بعد قسمته غنائم الطائف والعمرة مع حجته؛ لأنه كان قارنًا. 4 - وعن عروة قال: اعتمرَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ثَلاَثَ عُمَرٍ إِحْدَاهُنَّ في شَوَّالِ، وثنتانِ في ذِي الْقَعْدةِ. أخرجه مالك (¬7). ¬

_ (¬1) في "السنن" (3/ 275). (¬2) انظر: "زاد المعاد" (2/ 89). وقد تقدم بنصه. "المغني" (5/ 17 - 19)، "المجموع" (7/ 137 - 141). (¬3) سقطت من (ب). (¬4) في "السنن" رقم (1993). (¬5) في "السنن" رقم (816). وأخرجه ابن ماجه رقم (3003). وهو حديث صحيح. (¬6) انظر: زاد المعاد (2/ 89 - 95). (¬7) في "الموطأ" (1/ 342 رقم 55)، وهو أثر صحيح لغيره.

قوله: "في حديث عروة ثلاث عمر" كأنه يريد المنفردات كما يدل له حديث مالك [الآتي] (¬1)، والرابعة مع حجته. وقوله: "إحداهن في شوال" كأنه يريد [بها] (¬2) عمرة الجعرانة؛ لأنه قد قيل: إنها كانت في آخر شوال، وفي رواية الشيخين (¬3) من حديث أنس: "أنه - صلى الله عليه وسلم - اعتمر أربع عمر كلها في القعدة إلاّ التي مع حجته" يريد بأنها كانت أعمالها من الطواف والسعي في ذي الحجة، وأمّا الإحرام بها فقد كان في ذي القعدة لما تقرر من أنّه - صلى الله عليه وسلم - خرج من المدينة لخمس بقين من ذي القعدة، وأهلّ بالحج والعمرة، فمن قال: كلها أي الأربع في ذي القعدة فهو صحيح، ومن استثنى عمرته مع حجته فهو صحيح. 5 - وعن مالك (¬4): أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنّ الَّنَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -: اعْتَمَرَ ثَلاَثًا، عَام الحُدَيْبِيَّة، وَعَامَ الْقَضِيَّةِ وَعَامَ الجِعرَّانَةِ. [صحيح لغيره]. 6 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: كُنَّا نَتَحَدَّثُ عَنْ حَجَّةِ الْوَدَاعِ ورسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَ أَظْهُرِنَا، وَلاَ نَدْرِي مَا حَجَّةُ الْوَدَاعِ، حَتى حَمِدَ الله تَعَالى وَأثنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ ذَكَرَ المَسِيحَ الدَّجَّالَ فَأطْنَبَ في ذِكْرِهِ وَقَالَ: "مَا بَعَثَ الله مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ أنذَرَهُ أُمَّتَهُ, لَقَدْ أنذَرَهُ نُوحٌ وَالنَّبِيُّونَ بَعْده، وإنَّهُ يَخْرُجُ فِيكُمْ، فما خَفِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ شَأْنِهِ فَلَيْسَ يَخْفَى عَلَيْكُمْ إِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ، وإنَّهُ أَعْوَرُ عَيْنِ الْيُمْنَى، كأنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طافِيَةٌ ألاّ وإنّ الله تَعَالَى حَرّم عَلَيْكُمْ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالكُمْ كحُرْمَةِ يَوْمِكمْ هَذَا في بَلَدكُمْ هذَا. ألاَ هَلْ بَلَّغْتُ؟ قَالُوا: نَعَمْ. قال: اللهمَّ اشْهَدْ ثَلاَثًا. وَيْلكُمْ أَوْ ¬

_ (¬1) زيادة من (أ). (¬2) زيادة من (أ). (¬3) البخاري في "صحيحه" رقم (1780)، ومسلم رقم (217/ 1253). (¬4) في "الموطأ" رقم (1/ 342 رقم 55)، وهو أثر صحيح لغيره.

وَيْحَكُمْ لاَ تَرْجِعُوا بَعْدِي كفّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ". أخرجه الشيخان (¬1) واللفظ للبخاري. [صحيح]. قوله: "في حديث ابن عمر: وما ندي ما حجة الوداع" حجة هنا بفتح الحاء وكسرها والوداع بفتح الواو، وسميت بذلك؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - ودّع الناس فيها وعلّمهم في خطبته [234 ب] أمور دينهم وأوصاهم بتبليغ الشريعة فقال: "ليبلغ الشاهد منكم الغائب" [فقول] (¬2) ابن عمر: "لا ندري ما حجة الوداع" كأنه شيء ذكره لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - وما فهموه فتحدثوا به، والمراد به وداع النبي - صلى الله عليه وسلم - لأمته حين وقعت وفاته عقيبها بقليل ففهموا ذلك. وفي "الفتح" (¬3): لما قال البخاري: "فودَّع الناس" وقع في طريق ضعيفة عند البيهقي [من] (¬4) حديث ابن عمر سبب ذلك ولفظه: "أنزلت {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1)} على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في وسط أيام التشريق، وعرف أنه الوداعُ، فأمر براحلته القصواء فرحلت له فركب ووقف [209/ أ] بالعقبة، فاجتمع الناس إليه فقال: يا أيها الناس! .. " فذكر الحديث. واعلم أنه حذف المصنف من آخر الحديث قول الراوي: "فطفق النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "اللهمَّ اشهْد [ثم ودّع] (¬5) الناس فقالوا: هذه حجة الوداع" انتهى. ففي هذه بيان قول ابن عمر: ما كنا ندري ... إلى آخره، وأحاديث الدجّال ستأتي في الفتن. ¬

_ (¬1) البخاري رقم (1742، 4403، 6043، 6166، 6785، 6868، 7077)، ومسلم رقم (66). (¬2) في (أ): فقوله. (¬3) في "فتح الباري" (3/ 577). (¬4) في (ب): في، وما أثبتناه من (أ) وفتح الباري. (¬5) كذا في المخطوط والذي في "الفتح" (3/ 57): وودَّع.

قوله: "دماءكم وأموالكم" سقط من نسخ التيسير ومن "الجامع" الكبير لفظ: "وأعراضكم" فإنه ثابت في البخاري (¬1) في رواية ابن عمر. وهو أيضاً ثابت في رواية (¬2) ابن عباس، وفي رواية أبي بكرة (¬3)، فإنّ البخاري أخرج هذا الحديث عن الثلاثة. قوله: "اللهم فاشهد" إنما قال ذلك أنه كان فرضًا عليه أن يبلغ، فأشهد الله على أنه أدّى ما أوجبه عليه. قوله: "ثلاثًا" كرّر قوله: "اللهم فاشهد" ثلاث مرات. قوله: "أخرجه الشيخان واللفظ للبخاري" إلاّ أنه قال ابن الأثير (¬4) بعد هذا: وأخرج مسلم (¬5) طرفًا منه وهو قوله: "ويحكم" أو قال: "ويلكم" إلى قوله: "بعض"، وأخرج أيضاً البخاري (¬6) هذا الفصل مفردًا [235 ب]، وأخرجا (¬7) جميعًا الفصل الذي فيه: "أتدرون أي يوم هذا؟ " وتحريم الدماء والأعراض في موضع بعده، دون ذكر الدجال [ولا ترجعوا] (¬8) بعدي كفاراً". انتهى. ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (1742). (¬2) أخرجها البخاري في "صحيحه" رقم (1739). (¬3) أخرجها البخاري في "صحيحه" رقم (1741). (¬4) في "الجامع" (3/ 458 - 459). (¬5) في "صحيحه" رقم (120/ 66). (¬6) في "صحيحه" رقم (4403). (¬7) البخاري في "صحيحه" رقم (4406)، ومسلم في "صحيحه" رقم (29/ 1679). (¬8) في المخطوط: ولا ترجعون. والصواب ما أثبتناه.

وبهذا يعرف أنّ المراد من قولهم: أخرجه الشيخان أنهما اتفقا على إخراجه في الجملة بمعناه، وإن لم يسرد لفظه، ولذا قال: واللفظ للبخاري. وقول ابن الأثير (¬1): وتحريم الدماء والأعراض سقط عليه لفظ: "الأموال" وقد عرفناك قريبًا أنّ الثلاثة الألفاظ: "الدماء والأموال والأعراض" ثابتة في رواية الثلاثة من الصحابة، على أنّ أكثر ألفاظ هذه الرواية عن ابن عمر ليست موجودة في خطبة الحج الذي السياق فيها, ولعلّ البخاري كرّرها في موضع آخر بهذه الألفاظ. 7 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: انْطَلَقَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - منَ المَدِينَةِ، بَعْدَ مَا ترَجَّلَ وَادَّهَنَ وَلَبِسَ إِزَارَهُ وَرِدَاءَهُ هُوَ وَأَصْحَابُهُ, فَلَمْ يَنْهَ عَنْ شَيءٍ مِنَ الأَرْدِيَةِ وَالأُزْرِ تُلْبَسُ إِلاَّ المُزَعْفَرَةَ الَّتِي تَرْدعُ عَلَى الجِلْدِ، فَأَصْبَحَ بِذِي الحُلَيْفَة, فَرَكِبَ رَاحِلَتَهُ حَتَّى اسْتَوَتْ بِهِ عَلَى الْبَيْدَاءِ، أَهَلَّ هُوَ وَأَصْحَابُهُ وَقَلَّدَ بُدْنَة، وَذَلِكَ لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ، وَقَدِمَ مَكَّةَ لأَرْبَعٍ خَلَوْنَ مِنْ ذِي الحَجَّةِ, وَطَافَ بِالْبَيْتِ وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوةِ، وَلَمْ يَحِلَّ مِنْ أَجْلِ بُدْنِهِ؛ لأَنَّهُ قَلَّدَهَا، ثُمَّ نَزَلَ بِأَعْلَى مَكَّةَ عِنْدَ الحَجُونِ، وَهْوَ مُهِلٌّ بِالحَجِّ، وَلَمْ يَقْرَبِ الْكَعْبَةَ بَعْدَ طَوَافِهِ بِهَا حَتَّى رَجَعَ مِنْ عَرَفَةَ، وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوةِ، ثُمَّ يُقَصِّرُوا رُءُوسِهِمْ ثُمَّ يَحِلُّوا، وَذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ بَدَنَةٌ قَلَّدَهَا، وَمَنْ كَانَتْ مَعَهُ امْرَأَتُهُ فَهِيَ لَهُ حَلاَلٌ، وَالطِّيبُ وَالثِّيَابُ. أخرجه البخاري (¬2). "تَرْدَعُ" (¬3) بعين مهملة: أي: تنْفُضُ صِبغها عليه. ¬

_ (¬1) في "الجامع" (3/ 459). (¬2) في "صحيحه" رقم (1545)، وطرفاه في (1625، 1731). (¬3) قاله ابن الأثير في "النهاية" (1/ 649). وقال في "غريب الجامع" (3/ 477): تردع: ثوب رديعٌ، أي: صبيغ، وقد ردعتُهُ بالزّعفران، والمراد: الذي يؤثر صبغه في الجسد، فيصبغه من لونه.

قوله: "في حديث ابن عباس: بعد ما تَرَجَّل" بفتح المثناة الفوقية [فراء ساكنة] (¬1) فجيم مشددة، والترجل: تسريح الشعر. قوله: "فأصبح بذي الحليفة" أي: وصل إليها نهارًا، ثم بات بها كما ثبت صريحًا في غيره. قوله: "وذلك لخمس بقين من ذي القعدة" اسم الإشارة إلى مصدر: "انطلق" في أول الحديث، أي: وانطلاقه من المدينة لخمس، لا أنّ المراد "وذلك" أي: إهلاله وأصحابه، أو الاستواء على البيداء كما تفيده الروايات الثانية الثابتة، واختلف في تعيين (¬2) يوم خروجه من المدينة فقيل: يوم الخميس، وإليه جنح ابن حزم، وقيل: يوم السبت، وإليه جنح ابن القيم، وبيّن في الهدي (¬3) أدلة القولين، فمن [أحبَّ] (¬4) راجعه. وقال [236 ب] الحافظ ابن حجر (¬5): يؤيد أنّ خروجه كان يوم السبت ما رواه ابن سعد والحاكم في "الإكليل" (¬6): أنّ خروجه - صلى الله عليه وسلم - من المدينة كان يوم السبت لخمس بقين من ذي القعدة. قوله: "لأربع خلون من ذي الحجة" يقتضي أن يكون دخلها صبح يوم الأحد، وبه صرّح الواقدي كما قاله ابن حجر (¬7). ¬

_ (¬1) في حاشية المخطوط (ب) (كذا ولعلها مفتوحة) قلت: وهو الصواب. (¬2) انظر: "فتح الباري" (3/ 407). (¬3) في زاد المعاد (2/ 97). (¬4) في (ب): أحبه. (¬5) في "فتح الباري" (3/ 407). (¬6) ذكره الحافظ في "الفتح" (3/ 407). (¬7) في "فتح الباري" (3/ 407).

قوله: "وأمر أصحابه" هذا هو الفسخ الذي أمرهم - صلى الله عليه وسلم - به. قوله: "والطيب والثياب" أي: كذلك له حلال. 8 - وعن علي - رضي الله عنه - قال: وَقَفَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بِعَرَفَةَ وَقَالَ: "هَذِهِ عَرَفَةُ وَهُوَ المَوْقِفُ وَعَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ". ثُمَّ أَفَاضَ حِينَ غَرَبَتِ الشَّمْسُ وَأَرْدَفَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، وَجَعَلَ يُشِيرُ بِيَدِهِ عَلَى هَيْئَتِهِ وَالنَّاسُ يَضْرِبُونَ يَمِينًا وَشِمَالاً لاَ يَلْتَفِتُ إِلَيْهِمْ. وَيَقُولُ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ! عَلَيْكُمُ السَّكِينَةَ". ثُمَّ أَتَى جَمْعًا فَصَلَّى بِهِمُ الصَّلاتَيْنِ جَمِيعًا. فَلمَّا أَصْبَحَ أَتَى قُزَحَ فَوَقَفَ عَلَيْهِ. وَقَالَ: "هَذَا قُزَحُ، وَهُوَ المَوْقِفُ وَجَمْعٌ كُلُّهَا مَوْقِفٌ". ثُمَّ أَفَاضَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى وَادِي مُحَسِّرٍ، فَقَرَعَ نَاقَتَهُ فَخَبَّتْ حَتَّى جَاوَزَ الْوَادِيَ فَوَقَفَ وَأَرْدَفَ الْفَضْلَ، ثُمَّ أتى الجمْرَةَ فَرَمَاهَا، ثُمَّ أتى إِلَى المَنْحَرَ فَقَالَ: "هَذَا المَنْحَرُ وَمِنًى كلُّهَا مَنْحَرٌ". وَاسْتَفْتَتْهُ جَارِيَةٌ شَابَّةٌ مِنْ خَثْعَمٍ قَالَتْ: يَا رَسولَ الله إنّ أبِي شَيْخٌ كَبِير قَدْ أَدْرَكَتْهُ فَرِيضَةُ الله تَعَالَى في الحَجِّ، أَفَيُجْزِي أَنْ أَحُجَّ عَنْهُ؟ قَالَ: "حُجِّي عَنْ أَبِيكِ". قَالَ: وَلَوَى عُنُقَ الْفَضْلِ، فَقَالَ الْعَبَّاسُ - رضي الله عنه -: يَا رَسُولَ الله! لِمَ لَوَيْتَ عُنُقَ ابْنِ عَمِّكَ؟ قَالَ: "رَأَيْتُ شَابًّا وَشَابَّةً، فَلَمْ آمَنِ الشَّيْطَانَ عَلَيْهِمَا". فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله إِنِّي أَفَضْتُ قَبْلَ أَنْ أَحْلِقَ؟ فقَالَ: "احْلِقْ وَلاَ حَرَجَ". وَجَاءَ آخَرُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله! إِنِّي ذَبَحْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ؟ فَقَالَ: "ارْمِ وَلاَ حَرَجَ". قَالَ: ثُمَّ أتى الْبَيْتَ فَطَافَ بِهِ ثُمَّ أتى زَمْزَمَ فَقَالَ: "يَا بَني عَبْدِ المُطَّلِبِ! لَوْلاَ أَنْ يَغْلِبَكُمُ النَّاسُ عَلَيْهِ لنَزَعْتُ". أخرجه الترمذي (¬1). قوله: "في حديث علي - رضي الله عنه - ": تقدمت أكثر فصوله والكلام عليها [210/ أ]. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (885).

كتاب: الحدود

كتاب: الحدود جمع حد (¬1)، والحد أصله ما يحجر به بين الشيئين فيمنع اختلاطهما، سميت هذه العقوبات (¬2) حدودًا لكونها تمنع عن المعاودة، ويطلق الحد على التقدير، وهذه الحدود مقدرة من الشارع، ويطلق الحد (¬3) على نفس المعاصي نحو قوله تعالى: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا} (¬4)، وعلى فعل فيه شيء مقدر نحو [قوله تعالى] (¬5): {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} (¬6). [وفيه سبعة أبواب الباب الأول: في حد الردة، وقطع الطريق] (¬7) قوله: "في حد الردة" في "التعريفات" (¬8): الردة لغة: الرجوع [237 ب] عن الشيء إلى غيره, وشرعاً: قطعُ الإِسلامِ بنيَّةٍ أو قولٍ أو فعلٍ مُكَفِّرٍ. انتهى. ¬

_ (¬1) انظر: "القاموس المحيط" (ص 352). "النهاية في غريب الحديث" (1/ 345). (¬2) قال الجرجاني في "التعريفات" (ص 87): الحدود جمع حدٍّ، وهو في اللغة: المنع، وفي الشرع: هي عقوبة مقدّرة وجبت حقًّا لله تعالى. (¬3) انظر: مفردات ألفاظ القرآن (ص 221). (¬4) سورة البقرة الآية (287). (¬5) زيادة من (أ). (¬6) سورة الطلاق الآية (1). (¬7) زيادة من (ب). (¬8) في "التوقيف على مهمَّات التعاريف" (361 - 362).

1 - عن زيد بن أسلم - رضي الله عنه -: أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ غَيَّرَ دِينَهُ فَاضْربُوا عُنُقَهُ" أخرجه مالك (¬1) [صحيح لغيره]. وقال في "تفسيره" (¬2) معناه: أَنَّهُ مَنْ خَرَجَ مِنَ الإِسْلاَمِ إِلَى غَيْرهِ مِثْلُ الزَّنَادِقَةِ وَأَشْبَاهِهِمْ، فَأَولَئِكَ إِذَا ظُهِرَ عَلَيْهِمْ يُقْتَلُونَ وَلاَ يُسْتَتَابُون؛ لأَنَّهُ لاَ تُعْرَفُ تَوْبَتُهُمْ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا يُسِرُّونَ الْكُفْرَ، وَيُعْلِنُونَ الإِسْلاَمَ، فَلاَ أَرَى أَنْ يُسْتَتَابَ هَؤُلاَءِ إِذَا ظَهَرَ عَلَى كُفْرِهِمْ بِمَا يَثْبُتُ بهِ. قَالَ: وَالْأَمْرُ عِنْدَنا أنّ مَنْ خَرَجَ مِنَ الإِسْلامِ إِلى الْرِّدَّةِ أَنْ يُسْتَتَابُ، فَإِنْ تَابَ، وَإِلاَ قُتِلَ. قَالَ: وَمَعْنَى قَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ ترَكَ دِيْنَهُ فَاقْتُلُوهُ" أَيْ: مَنْ خَرَجَ مِنَ الإِسْلامِ إِلى غَيْرِهِ، لاَ مَنْ خَرَجَ مِنْ دِيْنٍ غَيْرِ الإِسْلاَمِ إِلَى غَيْرِهِ، كَمَنْ خَرَجَ مِنْ يَهُودِيَّةٍ إِلَى نَصْرَانِيةٍ، أَوْ مَجُوسِيَّةٍ، وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْ أَهْلِ الْذِّمَّةِ لَمْ يُسْتَتَبْ وَلَمْ يُقْتَلْ. قوله: "أخرجه مالك وقال" أي: مالك. قوله: "مثل الزنادقة" جمع زنديق، في "القاموس" (¬3): بالكسر من الثَّنَويَّة أو القائل: بالنور والظلمة، أو من لا يؤمن بالآخرة وبالربوبية، أو من يبطن الكفر ويظهر الإيمان, أو هو معرَّب جمعه زنادقة وزناديق. انتهى. ¬

_ (¬1) في "الموطأ" (2/ 736 رقم 15)، وهو أثر صحيح لغيره. - وأخرج أحمد (1/ 282)، والبخاري رقم (6922)، وأبو داود رقم (4351)، والترمذي رقم (1458)، والنسائي رقم (4060)، وابن ماجه رقم (2535) من حديث ابن عباس وفيه: "ومن بدَّل دينه فاقتلوه". (¬2) في "الموطأ" (2/ 736). (¬3) "القاموس المحيط" (ص 1151). وانظر: "تهذيب اللغة" (9/ 400). قال أبو حاتم السجستاني وغيرها الزنديق: فارسيٌ معرَّب، أصله: زنده كرداي، أي: يقول بدوام الدهر؛ لأن (زنده) الحياة و (كرد) العمل، ويطلق على من يكون دقيق النظر في الأمور. "تهذيب اللغة" (9/ 400)، "فتح الباري" (12/ 270). =

قوله: "إذا أظهر عليهم" مغير صيغة أي: اطلع على ذلك منهم يقتلون للأمر بقتلهم. قوله: "لأنها لا تعرف توبتهم" إلى آخره، هذا بيان تفسير الزندقة بإبطان الكفر وإظهار الإسلام (¬1). قوله: "فلا أرى أن يستتاب هؤلاء" أفاد أنه رأي له علّله بأنهم يظهرون خلاف ما يضمرون، فإظهارهم التوبة غير مقبول منهم. وفي قوله: "فاقتلوه" بالفاء دليل على تعقيب القتل للتغيير بلا مهلة وانتظار استتابته. قوله: "بما يثبت به" من إقرارهم أو شهادة عادلة. قوله: "والأمر عندنا أنّ من خرج من الإِسلام إلى الردة أن يستتاب" فرّق مالك بين الزنادقة، وقد فسّرهم بما عرفت فقال: "لا يستتابون (¬2) ولا تقبل لهم توبة"، وبين من ارتد من الإِسلام إلى الكفر فقال: "يستتاب", وللعلماء خلاف مبسوط في شروح الحديث وكتب ¬

_ = وقال ثعلب: ليس في كلام العرب زنديق، وإنما يقال: زندقي لمن يكون شديد التحيل، وإذا أرادوا ما تريد العامة، قالوا: ملحد، ودهريٌّ. "تهذيب اللغة" (9/ 400)، "الصحاح" (4/ 2489). وقال الحافظ في "الفتح" (12/ 271)، والتحقيق ما ذكره من صنف في "الملل والنحل": أنَّ أصل الزندقة أتباع ويصان ثم ماني ثم مزدك. وحاصل مقالتهم: أنّ النور والظلمة قديمان, أنَّهما امتزجا فحدث العالم كلُّه، وأنه يجب أن يسعى في تخليص النور من الظلمة، فيلزم إزهاق كل نفس، وكان بهرام جدُّ كسرى تحيَّل على ماني حتى حضر عنده وأظهر له أنه قبل مقالته، ثم قتله وقتل أصحابه، وبقيت منهم بقايا اتبعوا مزدك المذكور. "الملل والنحل" (1/ 296 - 298). (¬1) وهو جماعة من الشافعية. "روضة الطالبين" (10/ 75). (¬2) وقد ذهب الشافعي إلى أنّه يستتاب الزنديق كما يستتاب غيره "المهذب" (5/ 200)، "البيان" للعمراني (12/ 270).

الفروع في المسألتين، والذي اختاره مالك (¬1) من عدم استتابة من ذكر خلاف [ما ذكره مالك فيما رواه عن عمر فإنه اختار استتابة المرتد وظاهره مطلقًا, ولك أن تحمله على المرتد عن الإِسلام] (¬2)، وهي المسألة الثانية لمالك فيكون موافقًا لفتوى عمر، والقرينة على ذلك أنه لم يكن اعتقاد الزنادقة قد عرف في عصر عمر ومن قبله، فليس فيه إلاّ تبديل الإِسلام بالكفر، وهو المراد في الحديث الصحيح (¬3): "ولا يحل دم امرئ مسلم إلاّ بإحدى ثلاث: كفر بعد إيمان .. " الحديث، والحديث الذي رواه مالك عن عمر لم يذكره المصنف، وذكره ابن الأثير (¬4) [238 ب] فقال: عبد الرحمن بن محمَّد بن عبد الله بن عبدٍ القاري عن أبيه قال: قدم على عمر ابن الخطاب في زمن خلافته رجل من اليمن من قبل أبي موسى الأشعري، فسأله عمر عن الناس، ثم قال: هل كان فيكم من مغربة خبر؟ قال: نعم، رجل كفر بعد إسلامه، قال: فما فعلتم؟ قال: قرّبناه فضربنا عنقه، قال: فهلاّ حبستموه ثلاثًا أطعمتموه كل يوم رغيفًا ¬

_ (¬1) وَحُكي عن مالك أنه إن جاء تائبًا قبل وإلا فلا، وبه قال أبو يوسف واختاره أبو إسحاق الإسفراييني، وأبو منصور البغدادي. انظر: عيون المجالس (5/ 2081). "فتح الباري" (12/ 272). (¬2) زيادة من (أ). (¬3) أخرجه أحمد (6/ 58)، والنسائي رقم (4017) من حديث عائشة - رضي الله عنها - وفيه: " ... أو كفرَ بعد ما أسلَم ... " وهو حديث صحيح. وأخرجه أحمد في "المسند" (1/ 382، 428/ 444)، والبخاري رقم (6878)، ومسلم رقم (25/ 1676)، وأبو داود رقم (4352)، والترمذي رقم (1402)، والنسائي رقم (4721)، وابن ماجه رقم (2534) من حديث ابن مسعود. (¬4) في "الجامع" (3/ 480 - 481).

واستتبتموه لعله يتوب ويراجع أمر الله؟ اللهمَّ إني لم أحضُرْ ولم آمر، ولم أرضَ إذ بلغني". أخرجه "الموطأ" (¬1). انتهى. 2 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: كَانَ عَبْدُ الله بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي السَّرْحِ يَكْتُبُ لِرَسُول الله - صلى الله عليه وسلم -، فَأَزَلَّهُ الشَّيْطَانُ، فَلَحِقَ بِالْكُفَّارِ، فَأَمَرَ بِهِ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُقْتَلَ يَوْمَ الْفَتْحِ، فَاسْتَجَارَ لَهُ عُثْمَانُ بْنُ عَفّانَ - رضي الله عنه -، فَأَجَارَهُ - صلى الله عليه وسلم -. أخرجه أبو داود (¬2)، وتقدم في حديث طويل في تفسير سورة النحل من رواية النسائي (¬3). قوله: "في حديث ابن عباس: ابن أبي السرح" هو بالتنكير في "الجامع" (¬4) ابن أبي سرح. قوله: "فأزله الشيطان فلحق بالكفار" ذكر أبو عمر في "الاستيعاب" (¬5): عبد الله بن سعد بن أبي سرح أنه أسلم قبل الفتح وهاجر، وكان يكتب الوحي لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم ارتدّ مشركًا وصار إلى قريش بمكة وقال لهم: إني كنت أصرف محمدًا حيث أريد، كان يملي عليّ عزيز حكيم، فأقول: أو عليٌّ حكيم، فيقول: نعم كل صواب، فلما كان يوم الفتح أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقتله، ففرّ عبد الله إلى عثمان، وكان أخاه من الرضاعة فغيبّه عثمان حتى أتى به إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد ما أطمأن أهل مكة فاستأمنه له، فصمت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طويلاً، ثم قال: نعم، فلما انصرف عثمان قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمن حوله: "ما صمتُّ إلاّ ليقوم إليه بعضكم فيضرب عنقه"، فقال له رجل من الأنصار: هلاّ أومأت إليّ يا رسول الله، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا ينبغي أن يكون له خائنة الأعين". ¬

_ (¬1) في "الموطأ" (2/ 737 رقم 16)، وهو أثر موقوف ضعيف. (¬2) في "السنن" رقم (4358) بسند حسن. (¬3) في "السنن" رقم (4069). (¬4) (3/ 484). (¬5) رقم الترجمة (1486).

ثم أسلم ابن أبي سرح عام الفتح وحسن إسلامه، ولم يظهر عليه شيء ينكر عليه بعد ذلك. ثم ولاّه عثمان بعد ذلك مصر في سنة خمس وعشرين، وفتح على يديه إفريقية سنة سبع وعشرين. انتهى. قوله: "وتقدم في حديث طويل" هذا زيادة من المصنف لم يذكرها ابن الأثير. 3 - وعن أنس - رضي الله عنه -: أَنَّ نَاسًا مِنْ عُكْلٍ وَعُرَيْنَةَ قَدِمُوا عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَتَكَلَّمُوا بِالإِسْلاَمِ وَقَالُوا: يَا رَسولُ الله! إِنَّا كُنَّا أَهْلَ ضَرْعٍ، وَلمْ نَكُنْ أَهْلَ رِيفٍ. وَاسْتَوْخَمُوا المَدِينَةَ فَأَمَرَ لَهُمْ بِذَوْدٍ وَرَاعٍ، [وَأَمَرَهُمْ] (¬1) أَنْ يَخْرُجُوا فِيهِ، فَيَشْرَبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا، فَانْطَلَقُوا حَتَّى إِذَا كَانُوا بِنَاحِيَةَ الحَرَّةِ كَفَرُوا بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ، وَقَتَلُوا رَاعِيَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، وَاسْتَاقُوا الذَّوْدَ فَبَلَغَ ذلِكَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَبَعَثَ الطَّلَبَ في آثَارِهِمْ فَأَمَرَ بِهِمْ فَسَمَّرُوا أَعْيُنَهُمْ، وَقَطَّعُوا أَيْدِيَهُمْ، وَتُرِكُوا فِي نَاحِيَةِ الحَرَّةِ حَتَّى مَاتُوا عَلَى حَالهِمْ. أخرجه الخمسة (¬2). قوله: "أَهْلَ ضَرْعٍ" (¬3) أي: بادية وماشية، "ولم نكن أهل ريف" الرِّيفُ: الأرض ذات الزرع والخصب. قوله: "في حديث أنس: من عكل [240 ب] " بضم العين المهملة وسكون الكاف، و"عرينة" بضمها أيضاً بعد الراء مثناة تحتية فنون، قبيلتان. ¬

_ (¬1) في (ب): وأمر. (¬2) أخرجه البخاري رقم (6802، 6803، 6804، 6805، 6899)، وانظر: رقم (233، 1501، 3018، 4192، 4193، 4610، 5685، 5686، 5727)، ومسلم رقم (1671)، والترمذي رقم (72، 1845)، وأبو داود رقم (4364، 4365، 4366، 4367، 4368، 4371)، والنسائي (306, 4024 - 4035)، وابن ماجه رقم (2578). (¬3) ذكره ابن الأثير في "غريب الجامع" (3/ 490 - 491).

وعند أبي عوانة (¬1) عن أنس: "كانوا أربعة من عرينة وثلاثة من عكل". وللبخاري (¬2) في الدّيات: أنهم ثمانية [211/ أ]، وكان الثامن من غير القبيلتين أو من أتباعهم، وعكل: قبيلة من بني تميم الرباب، وعرينة: حي من بجيلة وكان قدومهم على ما ذكر ابن إسحاق بعد غزوة ذي قرد وكانت في جمادى الآخرة سنة ست. قوله: "استوخموها" في رواية لمسلم (¬3): "فاجتووها" بالجيم والمثناة فوق، معناه: استوخموها، كما فسّره في الرواية الأخرى: أي لم توافقهم فكرهوها لسقم أصابهم قال: وهو مشتق من الجوى (¬4) وهو داء في الجوف. قوله: "وسمر أعينهم" في أكثر النسخ: سمل باللام عوض الراء، قال النووي في شرح مسلم (¬5): هكذا هو في معظم النسخ "سمل" باللام، ومعناه باللام: نقاها وأذهب ما فيها، ومعنى "سمر" (¬6) بالراء أكحلها بمسامير محماة, وقيل: هما بمعنى. قوله: "حتى ماتوا" قال النووي (¬7): هذا الحديث أصل في عقوبة المحاربين وهو موافق لقوله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} (¬8). ¬

_ (¬1) في "مسنده" رقم (6098)، وأخرجه الطبري في "جامع البيان" (4 ح 6/ 207). (¬2) في "صحيحه" رقم (6899). (¬3) في "صحيحه" رقم (9/ 1671). (¬4) انظر: "مقاييس اللغة" (ص 212). "فتح الباري" (1/ 337). (¬5) (11/ 155 - 156) (¬6) انظر: أعلام الحديث للخطابي (1/ 285). (¬7) في شرحه لـ "صحيح مسلم" (11/ 153). (¬8) سورة المائدة الآية (33).

واختلف (¬1) العلماء في المراد بهذه الآية الكريمة، فقال بعضهم: هي للتخيير، فيخير الإِمام بين هذه الأمور إلاّ أن يكون المحارب قد قتل فيتمم قتله. وقال أبو حنيفة (¬2) وأبو مصعب المالكي: الإِمام بالخيار وإن قتلوا (¬3)، وقال الشافعي (¬4) وآخرون: هي على التقسيم، فإن قتلوا ولم يأخذوا [240 ب] المال قتلوا، وإن قتلوا وأخذوه قتلوا وصلبوا، وإن أخذوا المال ولم يقتلوا قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف، فإن أخافوا السبيل ولم يأخذوا شيئًا ولم يقتلوا طلبوا حتى يعزروا، وهو المراد بالنفي عندنا، قال أصحابنا: لأنّ ضرورة هذه الأفعال تختلف فكانت عقوباتها مختلفة ولم تكن للتخيير، وثبتت هذه المعاقبة في الصحراء وهل تثبت في الأمصار؟ فيه اختلاف، قال أبو حنيفة (¬5): لا تثبت، وقال مالك (¬6) والشافعي (¬7): تثبت. ¬

_ (¬1) قاله النووي في شرح "صحيح مسلم" (11/ 153). (¬2) انظر: بدائع الصنائع (7/ 93). (¬3) انظر: مواهب الجليل (8/ 429)، حاشية الدسوقي (6/ 359). (¬4) "البيان" للعمراني (12/ 500)، "المهذب" (5/ 450 - 451). (¬5) انظر: بدائع الصنائع (7/ 491). (¬6) في رواية عن مالك إذا كانوا على ثلاثة أميال من المصر أو القرية فمحاربون لا دون ذلك، إذ يلحقه الغوث. وفي رواية عن مالك: لا فرق بين المصر وغيره؛ لأنَّ الآية لم تفصل، وبه قال الأوزاعي، وأبو ثور، وأبو يوسف، ومحمد، والشافعي والناصر والإمام يحيى. انظر: مواهب الجليل (8/ 427 - 428). حاشية الدسوقي (6/ 359). روضة الطالبين (10/ 154). (¬7) "المهذب" (5/ 448).

قال القاضي (¬1): واختلف العلماء في معنى حديث العرنيين هذا، فقال بعض السلف: كان هذا قبل نزول الحدود وآية المحاربة والنهي عن المثلة وهو منسوخ. وقيل: ليس بمنسوخ وفيهم نزلت آية المحاربة, وإنما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - بهم ما فعل قصاصًا؛ لأنّهم فعلوا [بالرعاة] (¬2) حينئذٍ مثل ذلك، وقد رواه مسلم (¬3) في بعض طرقه، ورواه ابن إسحاق وموسى بن عقبة وأهل السِّيَر والترمذي (¬4)، وقال بعضهم: النهي عن المثلة نهي تنزيه وليس بحرام. انتهى كلامه. إلاّ أنه بالرواية الآتية بعد هذه تدل على القول بنسخ الآية وهو قوله: 4 - وعن أبي الزناد قال: لمَّا قَطَعَ النَّبيُّ الَّذِينَ سَرَقُوا لِقَاحَهُ وَسَمَلَ أَعْيُنَهُمْ بِالنَّارِ عَاتَبَهُ الله تَعَالَى فِي ذَلِكَ وَنَزَلَ: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} الآية. أخرجه أبو داود (¬5) والنسائي (¬6). [ضعيف]. "وعن أبي الزناد" (¬7) هو بكسر الزاي فنون بعد الألف دال مهملة, وهو عبد الله بن ذكوان القرشي المدني ثقة فقيه. ¬

_ (¬1) أي: القاضي عياض في "إكمال المعلم" بفوائد مسلم (5/ 463). (¬2) في (ب): الرعاء. (¬3) في "صحيحه" رقم (14/ 1671). (¬4) في "السنن" رقم (72). (¬5) في "السنن" (4370). (¬6) في "السنن" رقم (4042). وهو حديث ضعيف، والله أعلم. (¬7) "التقريب" (1/ 413 رقم 286).

الباب الثاني: في حد الزنا [وفيه فصلان]

قوله: "لقاحه" (¬1) جمع لقحة، بفتح اللام وكسرها وهي الناقة ذات الدر، وهذا الحديث مرسل. "فائدة": زعم الواقدي أنهم صلبوا، قال ابن حجر (¬2): والروايات الصحيحة ترده لكن عند أبي عوانة (¬3) من طريق: "أنه صلب اثنان وسمل اثنان" فإن صحّ ذلك فهو أول صلب وقع في الإِسلام، وأمّا المثلة فإنها وقعت على سبيل القصاص [لأنهم] (¬4) مثلوا بالراعي كما نقله أهل المغازي (¬5)، ولمسلم (¬6) عن أنس: "أنهم سملوا أعين الرعاة [241 ب] ". الباب الثاني: في حد الزنا [وفيه فصلان] (¬7) من أبواب الحدود في حد الزنا، في التعريفات (¬8) أنه شرعاً: إيلاج الحشفة بفرج محرم بعينه خال عن شبهة مشتهى، وقيل: هو وطء في قبل خال عن ملك ونكاح وشبهة. انتهى. ¬

_ (¬1) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 608). "الفائق" للزمخشري (3/ 327). (¬2) في "الفتح" (1/ 340). (¬3) في "مسنده" رقم (6122). (¬4) في (ب): أنَّهم. (¬5) انظر: "فتح الباري" (1/ 340). وذهب آخرون أنّ ذلك منسوخ. انظر: الناسخ والمنسوخ لابن شاهين (ص 423). الاعتبار للحازمي (ص 462 - 466). (¬6) في "صحيحه" رقم (14/ 1671). (¬7) زيادة من (ب). (¬8) في التوقيف على مهمّات التعاريف (ص 389 - 390).

الفصل الأول: في أحكامه

الفصل الأول: في أحكامه 1 - عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: سَمِعْتُ عُمَرَ - رضي الله عنه - يَخْطُبُ وَيَقُولُ: إِنَّ الله تَعَالَى بَعَثَ مُحَمَّدًا - صلى الله عليه وسلم - بِالحَقِّ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ، فَكَانَ مِمَّا أَنْزَلَ عَلَيْهِ آيَةُ الرَّجْمِ، فَقَرَأْنَاهَا وَوَعَيْنَاهَا، وَرَجَمَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ورَجَمْنَا بَعْدِهِ، وَأَخْشى إِنْ طَالَ بِالنَّاسِ زَمَنٌ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ: مَا نَجِدُ الرَّجْمِ فِي كِتَابِ الله تَعَالَى فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ أَنْزَلَهَا الله تَعَالَى فِي كِتَابِه، فإِنَّ الرَّجْمُ في كِتَابِ الله حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَى إذَا أَحْصَنَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ قامَتِ الْبَيِّنَةُ، أَوْ كانَ حَمْلٌ، أَوِ اعْتِرافٌ، وَالله لَوْلاَ أَنْ يَقُولَ النَّاسُ: زَادَ في كِتَابِ الله تَعَالَى لَكَتَبْتُهَا. أخرجه الستة (¬1). [صحيح]. قوله: "في حديث عمر: فكان مما أنزل عليه آية الرجم" قال النووي (¬2): أراد بآية الرجم "الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة". انتهى. ويظهر من رواية الكتاب: أن الآية لفظها: حق على من زنى إذا أحصن ... إلى آخره، ويحتمل أنّ أحد اللفظين رواية بالمعنى. قال النووي (¬3): أجمع العلماء أنّ الرجم لا يكون إلاّ على من زنى وهو محصن، وأجمعوا على أنّ البينّة: أربعة شهداء ذكور عدول، هذا إذا شهدوا على نفس الزنا, ولا يقبل دون الأربعة، وأجمعوا على وجوب الرجم على من اعترف بالزنا وهو محصن يصح إقراره بالحد، واختلفوا في اشتراط تكرار إقراره أربع مرات. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (6830) مطولاً، ومسلم في "صحيحه" رقم (1691)، وأبو داود رقم (4418)، وابن ماجه رقم (2553)، والترمذي رقم (1431)، ومالك في "الموطأ" (2/ 823). (¬2) في شرحه لـ "صحيح مسلم" (11/ 191)، ثم قال: وهذا مما نسخ لفظه وبقي حكمه ... (¬3) في شرحه لـ "صحيح مسلم" (11/ 192).

فقال أبو حنيفة (¬1) والكوفيون (¬2) وأحمد (¬3): لا بد من تكرار الإقرار أربع مرات، وقال الشافعي (¬4) ومالك (¬5) وغيرهما (¬6): يثبت الإقرار به [مرة] (¬7) واحدة ويرجم، واحتجوا بحديث: "اغد يا أنيس على امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها", ولم يشترط عدداً، وحديث العامرية ليس فيه إقرارها أربع مرات. انتهى. والظاهر مع من لم يشترط تكرار الإقرار؛ لأنّ ماعزًا كرر الإقرار مراراً بغير أمرٍ منه - صلى الله عليه وسلم -، وأما الحبل وحده، فمذهب (¬8) عمر بن الخطاب وجوب الحدِّ به إذا لم يكن لها زوج ولا سيد، وتابعه مالك (¬9) وأصحابه فقالوا: إذا حبلت ولا يعلم لها زوج ولا سيد ولا عرفنا إكراهها لزمه الحد إلاّ أن [242 ب] تكون غريبة طارئة وتدّعي أنه من زوج أو سيد، قالوا: ولا يقبل دعواها الإكراه إلاّ أن تقوم بذلك بينة عند الإكراه قبل ظهور الحمل. ¬

_ (¬1) "المبسوط" (9/ 93)، "مختصر اختلاف العلماء" للطحاوي (3/ 283). (¬2) انظر: "المغني" (12/ 354). (¬3) "المغني" (12/ 354). (¬4) البيان للعمراني (12/ 373). (¬5) عيون المجالس (5/ 2091 رقم المسألة 1511). (¬6) كحمَّاد وأبي ثور والحسن البصري والبتي. انظر: "المغني" (12/ 354) موسوعة الحسن البصري. فقه الإِمام أبي ثور (ص 716) "مختصر اختلاف العلماء" (3/ 283). (¬7) في (أ): بمرة. (¬8) أخرج أثر عمر عبد الرزاق في مصنفه رقم (13329). (¬9) انظر: مدونة الفقه المالكي وأدلته (4/ 633). "عيون المجالس" (5/ 2112).

وقال الشافعي (¬1) وأبو حنيفة (¬2) والجمهور (¬3): لا حدّ عليها بمجرد الحبل سواء كانت لها زوج أو سيد أو لا، وسواء الغريبة وغيرها، وسواء ادّعت الإكراه وسكتت لا حدّ عليها مطلقًا إلاّ ببينة أو اعتراف؛ لأنّ الحدود تسقط بالشبهات. انتهى كلامه. وما ذهب إليه الجمهور في الحبل قوي [212/ أ]، ولكن ذكر عمر للرجم على المنبر وسكوت الصحابة وغيرهم من الحاضرين دليل على ثبوت الرجم (¬4). وقوله: "وأخشى إن طال بالناس زمان .. " إلى آخره، هذا الذي خشيه عمر قد وقع من الخوارج (¬5) ومن وافقهم وهذا من دلائل أنه محدث. قوله: "إذا أحصن" المراد به هنا من له زوجة عقد عليها ودخل بها وأصابها كأن نفسه أحصنته, أي: جعلته في حصن من العفة أو منعه من عمل الفاحشة. قال ابن المنذر (¬6): أجمعوا على أنه لا يكون الإحصان بالنكاح الفاسد، وخالف أبو ثور. 2 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قَالَ الله تَعَالى: {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ} الآيَةَ إِلَى قَوْلِهِ: {سَبِيلًا} (¬7)، فَذَكَرَ الرجُلَ بَعْدَ المَرْأَةِ، ثمَّ جَمَعَهُمَا فَقَالَ: {وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ} (¬8) الآية, فَنَسَخَ الله ذَلِكَ بِآيَةِ الجَلْدِ، فَقَالَ: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ ¬

_ (¬1) "البيان" للعمراني (12/ 359). (¬2) "بدائع الصنائع" (3/ 340). (¬3) انظر: "فتح الباري" (12/ 148 - 149). (¬4) انظر: "فتح الباري" (12/ 148 - 149). "المغني" (12/ 352 - 356). (¬5) ذكره الحافظ في "الفتح" (3/ 118). (¬6) ذكره الحافظ في "الفتح" (3/ 117). (¬7) سورة النساء الآية (15). (¬8) سورة النساء الآية (16).

وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} (¬1)، ثُمَّ نَزَلَت آَيَةُ الْرَّجْمِ في الْنُّوْرِ، فَكَانَ الأّوَّلُ لِلْبِكْرِ، ثُمَّ رَفعَتْهُ آَيَةُ الرَّجْمِ مِنَ الْتِلاَوَة، وَبَقِيَ الحُكْمُ بِهَا. أخرجه أبو داود (¬2) إلى قوله: {مِائَةَ جَلْدَةٍ} [إسناده حسن]، وأخرج باقيه رزين. قوله: "في حديث ابن عباس: يأتين الفاحشة" في "الفتح" (¬3): هي كل ما اشتد قبحه من الذنوب فعلًا أو قولًا، وكذا الفحشاء ومنه الكلام الفاحش، ويطلق غالبًا على الزنا فاحشة ومنه: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً} (¬4)، وأطلق على اللواط باللام العهدية في قول لوط لقومه: {لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ} (¬5) ومن [ثمة] (¬6) كان حدّه حد الزاني على الأكثر. انتهى. قوله: "إلى قوله: سبيلاً" فإنه تعالى أمر باستشهاد أربعة من المؤمنين على أنهن أتين الفاحشة [243 ب]، وبعد الإشهاد أمر بإمساكهن في البيوت، أي: حبسهن فيها، وجعل له غاية هي وفاتهن، أو جعله تعالى لهن سبيلاً، وقد جعله تعالى كما في الحديث الذي أخرجه الشافعي (¬7) ومسلم (¬8) وأبو داود (¬9) والترمذي (¬10). ¬

_ (¬1) سورة النور الآية (3). (¬2) في "السنن" رقم (4413) بإسناد حسن. (¬3) في "فتح الباري" (12/ 113)، وانظر: التعريفات (ص 172). "مفردات ألفاظ القرآن" (ص 2562). (¬4) سورة الإسراء الآية (32). (¬5) سورة العنكبوت الآية (28). (¬6) كذا في المخطوط، والذي في "الفتح": ثمَ. (¬7) انظر: البيان (12/ 349). (¬8) في "صحيحه" رقم (12/ 1690). (¬9) في "السنن" رقم (4415). (¬10) في "السنن" رقم (1434).

وغيرهم (¬1) من حديث عبادة بن الصامت: "أنه أخذه - صلى الله عليه وسلم - كهيئة الغشي لما يجد من ثقل ذلك فأنزل الله عليه [في] (¬2) ذات يوم فلما سري عنه قال: "خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلاً، الثيب جلد مائة يرجم بالحجارة, والبكر جلد مائة ثم نفي سنة". وفي رواية أحمد (¬3) عن سلمة بن المحبق قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خذوا عني خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلاً، البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم". قوله: "ثم ذكر الرجل بعد المرأة" أخرج ابن جرير (¬4) وابن المنذر (¬5) وابن أبي حاتم (¬6) والبيهقي في سننه (¬7) عن ابن عباس في قوله: {وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ} [النساء: 16] الآية، قال: "كان الرجل إذا زنى أوذي بالتَّعيير وضُرب بالنِّعال، فأنزل الله بعد هذه الآية: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ}، فإن كانا محصنين رجما سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قوله: "ثم جمعهما" أي: النساء والرجال بقوله: {وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ} فإنّ المراد باللذان المرأة والرجل، ويوضحه ما أخرجه ابن أبي حاتم (¬8) عن سعيد بن جبير. ¬

_ (¬1) كأحمد (5/ 313)، وابن ماجه رقم (2550)، والدارمي (2/ 181)، والطيالسي رقم (584)، والبيهقي (8/ 221 - 224)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (3/ 134)، وهو حديث صحيح. (¬2) زيادة من (ب). (¬3) في "المسند" (3/ 476). (¬4) في "جامع البيان" (6/ 503). (¬5) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (2/ 130). (¬6) في "تفسيره" (3/ 895، 896 رقم 4988). (¬7) في "السنن الكبرى" (8/ 200). (¬8) في "تفسيره" (3/ 895 رقم 4986).

"واللذان" قال: يعني البكرين اللذين لم يحصنا، "يأتيانها" يعني: الفاحشة وهي الزنا، "منكم" يعني: من المسلمين، "فآذوهما" يعني: باللسان بالتَّعيير والكلام القبيح لهما بما عملا، وليس عليهما حبس؛ لأنهما بكران، لكن يعيرا ليتوبا ويندما، "فإن تابا" يعني: من الفاحشة، "وأصلحا" [244 ب] يعني: العمل، "فأعرضوا عنهما" يعني: لا تسمعوهما الأذى بعد التوبة. انتهى. إلاّ أنّ تخصيصه بالبكرين خلاف ظاهر عمومه، والحاصل أنّ الآية دلت على أن من زنى من نساء المؤمنين بعد ثبوته، عقوبتها الحبس في البيوت ولا تعيير ولا أذى، وعلى من أتى فاحشة الزنا من الرجال عقوبته أن يؤذى ويعير لا غير ثم نسخ الله الحكمين معًا بالجلد. قوله: "ثم نزلت آية (¬1) الرجم في النور" هي التي تقدم لفظها، وأنه نسخ اللفظ وبقي الحكم كما قال، ثم رفعت آية الرجم من التلاوة، في هذه زيادة رزين لم نجد من أخرجها. قال النووي (¬2): واعلم أنّ المراد [بالبكر] (¬3): من لم يجامع في نكاح صحيح، وهو حر بالغ عاقل سواء كان جماعًا بوطء شبهة أو نكاح فاسد أو غيرهما أو لا، والمراد بالثيب: من جامع في دهره مرة في نكاح صحيح وهو بالغ عاقل حر، والرجل والمرأة في هذا سواء، وسواء في هذا كله المسلم والكافر والرشيد والمحجور عليه [لسفه] (¬4). وأما قوله - صلى الله عليه وسلم -: "البكر بالبكر والثيب بالثيب"، فليس هو على سبيل الاشتراط بل حد البكر الجلد والتغريب، سواء زنى ببكر أو بثيب، وحد الثيب الرجم سواء زنى بثيب أو ببكر فهو شبيه بالتقييد الذي يخرج على الغالب. انتهى كلامه. ¬

_ (¬1) قال تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} سورة النور الآية (2). (¬2) في شرحه لـ "صحيح مسلم" (11/ 190). (¬3) زيادة من "شرح مسلم" (11/ 190). (¬4) في المخطوط (ب): بنفسه.

3 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: يَا رَسُولَ الله: أَرَأَيْتَ لَوْ وَجَدْتُ مَعَ امْرَأَتِي رَجُلاً أُمْهِلُهُ حَتَّى آتِىَ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ؟ فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: "نَعَمْ". أخرجه مسلم (¬1)، ومالك (¬2)، وأبو داود (¬3). [صحيح]. وفي أخرى لمسلم (¬4)، وأبي داود (¬5) قال: أَرَأَيْتَ رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتهُ رَجُلاً أَيَقْتُلُهُ؟ قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لاَ. قَالَ سَعْدٌ: بَلَى وَالّذِي أَكْرَمَكَ بِالحقِّ إِنْ كُنْتُ لأُعَاجِلُهُ بِالسَّيْفِ قَبْلَ ذَلِكَ. فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "اسْمَعُوا إِلَى مَا يَقُولُ سَيِّدُكُمْ". [صحيح]. قوله: "في حديث أبي هريرة: أرأيت" أي: أخبرني عن حكم ما أذكره من أني لو وجدت مع امرأتي رجلاً، أي: مخالطًا مجامعًا لها كما يدل له قوله: أمهله حتى آتي بأربعة شهداء، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "نعم"، أي: أمهله، أي: لا تباشره بالقتل، لا أنه أمر بإقراره على ارتكابه الفاحشة، بل المراد إذا تعذر منعه عنها إلا بقتله فلا تقتله؛ لأنّ الإنكار باللسان أو اليد واجب، لكنه هنا يؤدي إلى أنكر منه وهو سفك الدم الحرام. وفي "شرح مسلم" (¬6): أنه اختلف العلماء فيمن قتل رجلاً وزعم أنه وجده قد زنى بامرأته فقال جمهورهم: لا يقبل قوله بل يلزمه القصاص إلاّ أن تقوم بذلك بيّنة [أو] (¬7) ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (1498). (¬2) في "الموطأ" (2/ 823 رقم 7). (¬3) في "السنن" رقم (4533)، وهو حديث صحيح. (¬4) في "صحيحه" رقم (14/ 1498). (¬5) في "السنن" رقم (4532). وهو حديث صحيح. (¬6) (10/ 130 - 131). (¬7) في (ب): و.

يعترف به ورثة القتيل، والبينة أربعة من عدول الرجال يشهدون على نفس الزنا، ويكون القتيل محصنًا، وأمّا فيما بينه وبن الله [245 ب] فإن كان صادقًا فلا شيء عليه. وقال بعض أصحابنا (¬1): [213/ أ] يجب على كل من قتل زانيًا محصنًا القصاص ما لم يأمر السلطان بقتله، قال: والصواب الأول وجاء عن بعض السلف تصديقه أنه زنى بامرأته وقتله لذلك. انتهى. وفي قوله - صلى الله عليه وسلم -: "نعم" أي: أمهله، دليل أنه لا يحل قتله، وفي تقريره يقول: إن قتله قتلتموه, دليل أنه يقتل به، ولعلّ الذي صوب كلامهم النووي (¬2) يقولون: قد شمله قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يحل دم امرئ مسلم إلاّ بإحدى ثلاث, وعدّ منها: أو زنًا بعد إحصان" (¬3)، ولكن الظاهر أنه من الحدود التي لا تقام إلاّ بإذن السلطان. قوله في حديث سعد الثاني: "بلى والذي بعثك بالحق" قال الماوردي (¬4): ليس هو رداً من سعد لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - ومخالفة لأمره - صلى الله عليه وسلم -، وإنما معناه الإخبار عن [حال] (¬5) الإنسان عند رؤيته الرجل مع امرأته واستيلاء الغضب عليه، فإنه حينئذٍ يعاجله بالسيف وإن كان عاصيًا. وأمّا السيد فقال ابن الأنباري وغيره (¬6): هو الذي يفوق قومه في الفخر، وهو أيضاً الرئيس، ومعناه: تعجبوا من قول سيّدكم. ¬

_ (¬1) في شرحه لـ "صحيح مسلم" (11/ 167). (¬2) في شرح "صحيح مسلم" (11/ 167). (¬3) في شرح لـ "صحيح مسلم" (11/ 167). (¬4) ذكره النووي في شرح "صحيح مسلم" (10/ 131). (¬5) كذا في المخطوط والذي في شرح "صحيح مسلم": حالة. (¬6) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (1/ 818 - 819).

4 - وعن أبي هريرة، وزيد بن خالد - رضي الله عنهما - قالا: سُئِلَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عَن الأمَةِ إذَا زَنَتْ وَلَمْ تُحْصِنْ فَقَالَ: "إِنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ إِنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ إِنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ بِيعُوهَا وَلَوْ بِضَفِيرٍ". أخرجه الستة (¬1) إلا النسائي. [صحيح]. وقال مالك (¬2): "الضّفِيرُ": الحبل. وفي رواية (¬3): "فَيَجْلِدُهَا وَلاَ يُثَرِّبْ (¬4) عَليْهَا". [صحيح]. قوله: "في حديث أبي هريرة: فاجلدوها" الخطاب لملاّك العبيد والإماء؛ لأنه قد ثبت مبنياً في حديث علي الآتي وفي غيره خطاباً للسيد. قال النووي (¬5): فيه أنّ السيد يقيم الحد على عبده وأمته, وهذا مذهبنا ومذهب مالك (¬6) وأحمد (¬7) وجماهير العلماء (¬8) من الصحابة والتابعين فمن بعدهم. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (6837، 6838)، ومسلم رقم (32/ 1703) و (33/ 1704)، ومالك في "الموطأ" (2/ 826)، والترمذي رقم (1440)، وأبو داود رقم (4469، 4470، 4471)، وابن ماجه رقم (2565). (¬2) في "الموطأ" (2/ 826). (¬3) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (6839)، ومسلم رقم (30/ 1703)، وأحمد (2/ 494). (¬4) قال ابن الأثير في "النهاية" (1/ 207): أي لا يوبخها ولا يقرعها بالزنا بعد الضرب، وقيل: أراد لا يقنع في عقوبتها بالتثريب، بل يضربها الحد، فإن زنا الإماء لم يكن عند العرب مكروهًا ولا منكرًا، فأمرهم بحد الإماء كما أمرهم بحد الحرائر. وانظر: "معالم السنن" للخطابي (4/ 5، 6 - مع "السنن"). (¬5) في شرحه لـ "صحيح مسلم" (11/ 211). (¬6) التهذيب في اختصار المدونة (4/ 421 - 422). (¬7) البيان للعمراني (12/ 377). (¬8) انظر: "فتح الباري" (12/ 163).

وقال أبو حنيفة (¬1): في طائفة ليس له ذلك، وهذا الحديث صريح في الدلالة للجمهور. قوله: "ثم بيعوها" قال النووي (¬2): هذا [246 ب] البيع مستحب لا واجب عندنا، وعند الجمهور، وقال داود وأهل الظاهر (¬3): هو واجب وفيه جواز بيع الشيء الثمين بثمن حقير، وهذا مجمع عليه إذا كان البائع عالمًا به، وإن كان جاهلاً فكذلك عندنا وعند الجمهور (¬4)، ولأصحاب مالك فيه خلاف، وهذا البيع المأمور به يلزم صاحبه أن يبين حالها للمشتري؛ لأنه عيب والإخبار بالعيب واجب، فإن قيل: كيف يكره شيئًا ويرتضيه لأخيه المسلم؟ فالجواب: لعلها أن تستعف عند المشتري ليعفها بنفسه أو يصونها عن ذلك بهيبته أو بالإحسان إليها أو بالتوسعة عليها أو يزوجها أو غير ذلك. 5 - وعن أبي عبد الرحمن السُّلَمِيِّ - رضي الله عنه - قال: خَطَبَ عَليٌّ - رضي الله عنه - فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ! أَقِيمُوا الحُدُودَ عَلَى أَرِقَّائِكُمْ مَنْ أَحْصَنَ مِنْهُمْ وَمَنْ لَمْ يُحْصِنْ، فَإِنْ أَمَةً لِلنَّبي - صلى الله عليه وسلم - زنَتْ فَأَمَرَني أَنْ أَجْلِدَهَا فَأتَيْتُهَا، فَإِذَا هِيَ حَدِيثَةُ عَهْدٍ بِنِفَاسٍ فَخَشِيتُ إِنْ أَنَا جَلَدْتُهَا قَتَلْتُهَا، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ للنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "أَحْسَنْتَ، اتْرُكْهَا حَتَّى تَتَماثَلَ". أخرجه مسلم (¬5)، وأبو داود (¬6) والترمذي (¬7). [صحيح]. قوله: "في حديث علي - رضي الله عنه -: من أحصن منهم ومن لم يحصن". ¬

_ (¬1) "البناية في شرح الهداية" (6/ 218)، الاختيار (4/ 342). (¬2) في شرحه لـ "صحيح مسلم" (11/ 212). (¬3) في "المحلى" (8/ 444). (¬4) انظر: "فتح الباري" (12/ 164). "إحكام الأحكام" (ص 864 - 865). (¬5) في "صحيحه" رقم (34/ 1705). (¬6) في "السنن" (4473). (¬7) في "السنن" (1441). وهو حديث صحيح.

قال الطحاوي (¬1): في الرواية الأولى لم يذكر أحد من الرواة قوله: "وإن لم يحصن" غير مالك، وأشار به إلى تضعيفها، وأنكر الحفّاظ هذا على الطحاوي وقالوا: بل روى هذه اللفظة (¬2) أيضاً ابن عيينة ويحيى بن سعيد عن ابن شهاب كما قال مالك (¬3)، فحصل أنّ هذه اللفظة صحيحة وليس فيها حكم مخالف؛ لأنّ الأمة تجلد نصف جلد الحرة سواء كانت محصنة بالتزويج أم لا، وفي هذا الحديث بيان من لم يحصن، وقوله: {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} (¬4) [فيه بيان من أحصنت] (¬5) فحصل من الآية الكريمة والحديث بيان أنّ الأمة المحصنة بالتزويج وغير المحصنة تجلد، وهو معنى ما قاله علي - رضي الله عنه - وخطب الناس به. فإن قلت (¬6): فما الحكمة في التقييد في قوله تعالى: {فَإِذَا أُحْصِنَّ} مع أنّ عليها نصف جلد الحرة سواء كانت الأمة محصنة أم لا؟ فالجواب (¬7): أنّ الآية نبهت على أنّ الأمة، وإن كانت مزوجة لا يجب عليها إلاّ نصف جلد الحرة؛ لأنه الذي ينتصف وأمّا الرجم فلا ينتصف، فليس مراد الآية بلا شك. فليس للأمة المزوّجة الموطوءة في النكاح حكم الحرة الموطوءة في النكاح، فبينت الآية هذا لئلا يتوهم متوهم أنّ الأمة المزوجة ترجم [247 ب] وقد أجمعوا أنها لا ترجم، وأمّا غير ¬

_ (¬1) انظر: "مختصر اختلاف العلماء" (3/ 299). (¬2) ذكره النووي في شرح "صحيح مسلم" (11/ 213). (¬3) في "الموطأ" (2/ 826). (¬4) سورة النساء الآية (25). (¬5) زيادة من (أ). (¬6) قاله النووي في شرح "صحيح مسلم" (11/ 213). (¬7) قاله النووي في شرح "صحيح مسلم" (11/ 213).

المزوجة فقد علمنا أنّ عليها نصف جلد المزوجة بالأحاديث "الصحيحة" منها حديث مالك هذا وباقي الروايات المطلقة (¬1): "إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها"، وهذا يتناول المزوجة وغيرها، وهذا الذي ذكرنا من وجوب نصف (¬2) الجلد على الأمة سواء كانت مزوجة أم لا. ¬

_ (¬1) (منها) حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - وزيد بن خالد الجهني. وقد تقدم وهو حديث صحيح. و (منها) حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - تقدم وهو حديث صحيح. انظر: "فتح الباري" (12/ 164). "البيان" للعمراني (12/ 377). "التهذيب في اختصار المدونة" (4/ 421 - 422). (¬2) "المغني" (12/ 331 - 332).

هو مذهب الشافعي (¬1) ومالك (¬2) وأبي حنيفة (¬3) وأحمد (¬4) وجماهير علماء الأمة. وقال جماعة من السلف: لا حدّ على من لم تكن مزوجة من الإماء والعبيد. وممن قال به ابن عباس (¬5) وطاوس (¬6) وعطاء وابن جريج وأبو عبيدة. انتهى كلام النووي (¬7). قوله: "فقال: أحسنت" فيه أنّ الجلد واجب على الأَمَةِ الزانية، وأنّ النفساء والمريضة ونحوها يؤخر جلدهما إلى أن تبرأ. قوله: "تتماثل" في "القاموس" (¬8): تماثل العليل: قارب البرء. انتهى. هذا وقد أخرج أبو داود (¬9) في باب ترجمة: باب في إقامة الحد على المريض وذكر فيه حديث العليل الذي أصاب المرأة فأمر - صلى الله عليه وسلم - أن يأخذوا غصنًا به مائة شمراخ فيضربونه به مائة بها ضربة واحدة. انتهى. ¬

_ (¬1) انظره مفصلاً في "البيان" للعمراني (12/ 356 - 357). (¬2) انظر: "التهذيب في اختصار المدونة" (4/ 423 - 424). (¬3) "البناية في شرح الهداية" (6/ 241 - 242). (¬4) "المغني" (12/ 331 - 332). (¬5) رُوي عن ابن عباس: أنّه قال: لا حدَّ على مملوك حتى يتزوج تمسكاً بقوله: {فَإِذَا أُحْصِنَّ} فإنه تعالى علق حد الإماء بالإحصان. أخرجه البيهقي في "السنن" (8/ 243)، وهو خلاف ما ذهب إليه الجمهور وما رُوي عن ابن عباس منقوض بما تقدم من حديث أبي هريرة وزيد بن خالد. (¬6) ذكره عنهم ابن قدامة في "المغني" (12/ 331). (¬7) في شرح "صحيح مسلم" (11/ 213 - 214). (¬8) "القاموس المحيط" (1364). (¬9) في "السنن" رقم (4472)، وهو حديث صحيح.

وهو يعارض حديث (¬1) علي - رضي الله عنه -، فإن تساويا إسنادًا فلا بد من الجمع بينهما بأن ذلك المريض لا يرجى برؤه فرخص في ضربه بمائة شمراخ، وأما المرأة فيرجى برؤها فأخّره على أنّ في حديث علي - رضي الله عنه - عبد الأعلى بن عامر الثعلبي، لا يحتج به. انتهى. وقال أبو داود (¬2) بعد سياقه الحديثين: والأوّل أصح يريد به حديث الذي ضرب بالشماريخ؛ لأنه ساقهما في باب واحد وقدّم حديث الشماريخ [214/ أ]. 6 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قَضَى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أنَّ عَلَى الْعَبْدِ نِصْفَ حَدِّ الحُرِّ في الحَدِّ الَّذِي يَتبَعَّضُ كَزِنَا الْبِكْرِ، وَالْقَذْفِ وَشُرْبِ الخَمْرِ. قوله: [248 ب] "في حديث أبي هريرة: الذي يتبعض" هو احتراز عن الرجم. 7 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما -: أَنَّهُ أَقَامَ حَدًّا عَلَى بَعْض إِمَائِهِ فَجَعَلَ يَضْرِبُ رِجْلَيْهَا وَسَاقَيْهَا، فَقَالَ لَهُ سَالِمٌ - رحمه الله -: أَيْنَ قَوْلُ الله تَعَالَى: {وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ} فَقَالَ: أَترَانِي أَشْفَقْتُ عَلَيْهَا. إنَّ الله [تَعَالَى] (¬3) لَمْ يَأْمُرْنِي [أَنْ أَقْتُلَهَا] (¬4). أخرجهما رزين. 8 - وعن وائل بن حجر - رضي الله عنه - قال: خَرَجَتِ امْرَأَةٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - تُرِيدُ الصَّلاَةَ فتَلَقَّاهَا رَجُلٌ فتَجَلَّلَهَا فَقَضَى حَاجَتَهُ مِنْهَا، فَصَاحَتْ فَانْطَلَقَ، وَمَرَّ عَلَيْهَا رَجُلٌ، فقَالَتْ: إِنَّ ذلِكَ الرَّجُلَ فَعَلَ بِي كَذَا وَكَذَا، فَمَرتْ بِعِصَابَةٍ مِن المُهَاجِرِينَ، فَقَالَتْ: إِنَّ ذَاكَ الرَّجُلُ فَعَلَ بِي كَذَا وَكَذَا، فَانْطلَقُوا فَأَخَذُوا الرَّجُلَ الَّذِي ظَنَنْتُ أَنَّهُ وَقَعَ عَلَيْهَا فَأَتَوْهَا بِهِ، فَقَالَت: نَعَمْ هُوَ هَذَا. فَأَتَوا بِهِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَلمَّا أَمَرَ بِهِ ليُرْجَمْ قَامَ صَاحِبُهَا الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهَا، فَقَالَ: يَا رسولَ الله! أَنَا صَاحِبُهَا، فقَالَ لَهَا: "اذْهَبِي فَقَدْ غَفَرَ الله لك"، وَقَالَ لِلرَّجُلِ قَوْلاً ¬

_ (¬1) تقدم تخريجه وهو حديث صحيح. (¬2) في "السنن" (4/ 618). (¬3) زيادة من (أ). (¬4) كذا في المخطوط والذي في "جامع الأصول": بقتلها.

حَسْنًا، وَأَمرَ بِالْرَجُلِ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهَا أَنْ يُرْجَمُ فَرُجِمَ، وَقَالَ: "لَقَدْ تَابَ تَوْبَةً لَوْ تَابَهَا أَهْلْ المَدِيْنَةِ لَقبِلَ مِنْهُمْ". وزاد الترمذي: وَلَمْ يَذْكُرْ أنَّهُ جَعَلَ لَهَا مَهْراً. أخرجه أبو داود (¬1) والترمذي (¬2). [إسناده حسن]. قوله: "في حديث وائل بن حجر: تجللها رجل" بالجيم أي: غطّاها بثوبه. قوله: "فقد غفر الله لك" أي: ذنوبك، وأمّا [ذنب] (¬3) الإكراه الذي وقع عليها فلا ذنب عليها فيه. "وقال للرجل قولاً حسناً" أي: الرجل الذي ظنت المرأة أنّه الواقع عليها. "وأمر بالرجل الذي وقع عليها أن يرجم" بإقراره وفيه: أنه لم يطلب منه تكرير الإقرار فهو من أدلة القائلين: أنه يكفي مرة. قوله: "أخرجه أبو داود والترمذي". قلت: وقال (¬4): هذا حديث حسن غريب صحيح، وعلقمة بن وائل بن حجر سمع من أبيه، وهو أكبر من عبد الجبار بن وائل، وعبد الجبَّار بن وائل لم يسمع من أبيه. انتهى كلامه. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (4379). (¬2) في "السنن" رقم (1454) بإسناد حسن. وقد ضعف الألباني قوله: "فارجموه"، وقال: الأرجح: أنه لم يرجم. (¬3) في (أ): هذا. (¬4) أي: الترمذي في "السنن" (4/ 56).

وقد أخرج الترمذي (¬1) هذا الحديث في أوّل الباب عن عبد الجبار بن وائل بأخصر مما ذكره المصنف، ثم قال (¬2): هذا حديث غريب وليس إسناده بمتصل، وقد روي هذا الحديث من غير هذا الوجه - يريد به رواية علقمة بن وائل التي ساقها المصنف وصحّحها الترمذي -، سمعت محمداً يقول: عبد الجبار بن وائل بن حجر لم يسمع من أبيه ولا أدركه, يقال: أنه ولد بعد موت أبيه بأشهر. انتهى. 9 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: أُتِيَ عُمَرُ بِمَجْنُونَةٍ قَدْ زَنَتْ فَاسْتَشَارَ فِيهَا أُنَاسًا، فَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُرْجَمَ، فَمَرَّ بِهَا عَلِيٌّ - رضي الله عنه -، فَقَالَ: مَا شَأْنُ هَذِهِ؟ فَقَالُوا: مَجْنُونَةُ بَنِي فُلاَنٍ زَنَتْ، فَأَمَرَ بِهَا عُمَرُ - رضي الله عنه - أَنْ تُرْجَمَ. فَقَالَ: ارْجِعُوا بِهَا، ثُمَّ أَتَاهُ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ! لَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "رُفِعَ الْقَلَمَ عَنْ ثَلاَثٍ: عَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ، وَعَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظ, وَعَنِ المَعْتُوهِ حَتَّى يَبْرَأ، وَإِنَّ هذه مَعْتُوهَةُ بَني فُلاَنٍ، لَعَلَّ الَّذِي أَتَاهَا أَتَاهَا وَهِيَ في بَلاَئِهَا، فَخَلّى سَبِيلهَا. أخرجه أبو داود (¬3). [صحيح]. قوله: "في حديث ابن عباس: فاستشار فيها أناسًا" فيه حذف، أي: فأشاروا عليه أن ترَجُم. قال الشيخ (¬4): [أَيأْمر] (¬5) عمر برجم مجنونة مطبق عليها الجنون، ولا يجوز أن يخفى هذا عليه، ولا على أحدٍ ممن [249 ب] بحضرته، ولكن هذه امرأة كانت تُجنُّ مرة وتفيق أخرى، ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (1453)، وهو حديث حسن لغيره. وقد ضعّفه الألباني. (¬2) في "السنن" (4/ 55). (¬3) في "السنن" رقم (4399 , 4400، 4401، 4402). وهو حديث صحيح. (¬4) الخطابي في "معالم السنن" (4/ 558 - مع السنن). (¬5) كذا في المخطوط والذي في "معالم السنن": لم يأمر.

فرأى عمران لا يُسقط [عنها] (¬1) الحد لما يصيبها من الجنون، إذ كان الزنا منها في حالة الإفاقة، ورأى علي أن الجنون شبهة يُدرأُ بها الحد على من يُبتلى به، والحدود تدرأ بالشبهات. قوله: "أخرجه أبو داود". قلت: ترجم (¬2) له بباب في المجنون يسرق أو يصيب حدًّا، وزاد بعد قوله: "في بلائها". قال (¬3): فقال عمر - رضي الله عنه -: لا أدري، فقال علي - رضي الله عنه -: وأنا لا أدري. وفي لفظ لأبي داود (¬4): "أنه قال عمر بعد أن أتم علي كلامه وأملاه الحديث قال: بلى، قال: فما بال هذه ترجم؟ قال: لا شيء، قال: فأرسِلها، قال: فأرسَلها، قال: فجعل يُكبِّر". وفي لفظ آخر لأبي داود (¬5): أنه قال عمر لعلي بعد أن أملاه الحديث: صدقت، قال: فخلّي عنها". ومرادهما: لا يدريان أصابها وهي زائلة العقل أم لا؟ إلاّ أنّ بلاها الذي يأتيها شبهة يسقط بها الحد، وهذا الحديث قال المنذري (¬6): فيه عطاء بن السائب، قال أيوب: هو ثقة، وقال ابن معين: لا يحتج به، وأخرجه النسائي (¬7) من حديث أبي حصين عثمان بن عاصم ¬

_ (¬1) في (أ): عليها، وما أثبتناه من "معالم السنن". وقد سقطت من (ب). (¬2) أي: أبو داود في "السنن" (4/ 558 الباب رقم 16). (¬3) في "السنن" (4/ 560). (¬4) في "السنن" رقم (4399). وهو حديث صحيح. (¬5) في "السنن" رقم (4401)، وهو حديث صحيح. (¬6) في مختصر "السنن" رقم (6/ 231). (¬7) في "السنن الكبرى" رقم (7305).

الأسدي عن أبي ظبيان عن علي قال (¬1): وهو أولى بالصواب من حديث (¬2) عطاء، وأبو حصين أثبت من عطاء. انتهى. 10 - وعن حبيب بن سالم - رضي الله عنه -: أَنَّ رَجُلاً يُقَالُ لَهُ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حُنَيْنٍ وَقَعَ عَلَى جارِيَةِ امْرَأَتِهِ، فَرُفِعَ إِلَى النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ - رضي الله عنه - وَهُوَ أَمِيرٌ عَلَى الْكُوفَةِ فَقَالَ: لأَقْضَينَّ فِيكَ بِقَضَاءٍ قَضى بِهِ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: إِنْ كَانَتْ أَحَلَّتْهَا لَكَ جَلَدْتُكَ مِائَةً جَلْدَةٍ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ أَحَلَّتْهَا لَكَ رَجَمْتُكَ بِالحِجَارَةِ، فَوَجَدُوهُ قَدْ أَحَلَّتْهَا لَهُ فَجَلَدَهُ مِائَةً جَلْدَةٍ. أخرجه أصحاب السنن (¬3). [ضعيف]. قوله: "في حديث النعمان بن بشير، عبد الرحمن بن حنين" هو بضم الحاء المهملة ونونين بينهما مثناة تحتية. قوله: "أخرجه أصحاب السنن". ¬

_ (¬1) في "السنن الكبرى" (6/ 488). (¬2) أخرجه النسائي في "السنن الكبرى" رقم (7304). (¬3) أخرجه أبو داود رقم (4458)، والترمذي رقم (1451)، والنسائي رقم (3361)، وابن ماجه رقم (2551). قال الترمذي في "العلل الكبير" (2/ 614): عن البخاري قوله: أنا أتقي هذا الحديث، إنّما رواه قتادة، عن خالد بن عرفطة, عن حبيب بن سالم. قلت: خالد بن عرفطة: مجهول. وقال ابن أبي حاتم في "العلل" (1/ 448) عن أبيه قوله: حبيب بن يساف مجهول، لا أعلم أحداً روى عنه غير قتادة هذا الحديث الواحد. وكذلك خالد مجهول، لا نعرف أحدًا يقال له: خالد بن عرفطة إلا واحد، والذي له صحبة. وخلاصة القول: أن حديثَ النعمان بن بشر ضعيف، والله أعلم.

قلت: [250 ب] وقال الترمذي (¬1): حديث النعمان في إسناده اضطراب، سمعت محمداً يقول: لم يسمع قتادة من حبيب بن سالم هذا الحديث، إنما رواه عن خالد بن عرفطة. قال (¬2): وسألت محمداً فقال: أنا أتقي هذا الحديث، وقال النسائي: أحاديث النعمان هذه مضطربة، وقال الخطابي (¬3): هذا الحديث غير متصل (¬4). انتهى. قلت: وأخرج أبو داود (¬5) غيره، وكلها كما قال النسائي (¬6): لا تصح هذه الأحاديث. 11 - وَعَنْ سَلَمَةَ بْنِ المُحَبَّقِ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قضَى فِي رَجُلٍ وَقَعَ عَلَى جَارِيَةِ امْرَأَتِهِ، إِنْ كَانَ اسْتكْرَهَهَا أَنَّهَا حُرَّةٌ، وَعَلَيْهِ لِسَيِّدَتِهَا مِثْلُهَا، وإنْ كَانَتْ طَاوَعَتْهُ فَهِيَ لَهُ وَعَلَيْهِ لِسَيِّدَتِهَا مِثْلُهَا. أخرجه أبو داود (¬7) والنسائي (¬8). [ضعيف]. قوله: "وعن سلمة بن المحبق" بضم الميم فحاء مهملة فموحدة مشددة فقاف. قال ابن الأثير (¬9): وأصحاب الحديث يفتحون الباء، قال: واسم المحبق صخر. قوله: "أخرجه أبو داود والنسائي". ¬

_ (¬1) في "السنن" (4/ 54). (¬2) أي الترمذي في "العلل الكبير" (2/ 614). (¬3) في "معالم السنن" (4/ 604 - مع "السنن". (¬4) وتمام العبارة: وليس العمل عليه. (¬5) في "السنن" رقم (4460) وهو حديث ضعيف. (¬6) في "السنن الكبرى" بإثر الحديث رقم (7233). (¬7) في "السنن" رقم (4460). (¬8) في "السنن" رقم (3363). وهو حديث ضعيف, والله أعلم. (¬9) في "الاستيعاب" رقم الترجمة (1025) دار الأعلام. وانظر "التقريب" (1/ 318 رقم 382).

قلت: وقال النسائي (¬1): لا تصح هذه الأحاديث، قال الترمذي (¬2): قد اختلف أهل العلم في الرجل يقع على جارية امرأته، فرأى غير واحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - منهم علي وابن عمر أن عليه الرجم، وقال ابن مسعود (¬3): ليس عليه حدٌ لكن يعزر، وذهب أحمد (¬4) وإسحاق إلى ما روى (¬5) النعمان بن بشير. انتهى. وقال الخطابي (¬6) في حديث سلمة بن المحبق: هذا حديث منكر لا تقوم به حجة ولا أعلم أحداً من الفقهاء قال به، وفيه أمور تخالف الأصول منها إيجاب المثل في الحيوان، ومنها [215/ أ] استجلاب الملك بالزنا، ومنها إسقاط الحد عن البدن، وإيجاب العقوبة في المال، وهذه أمور كلها منكرة لا تخرج على مذهب أحد من الفقهاء، وخليق [أن] (¬7) يكون هذا الحديث منسوخاً إن كان له أصل في الرواية. 12 - وَعَنِ الْبَرَاءِ - رضي الله عنه - قَالَ: مَرَّ بِي خَالِي أبو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ وَمَعَهُ لِوَاءٌ فَقُلْتُ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ: أَمَرَنِي رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إلَى رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةَ أَبِيهِ أَنْ آتِيَهُ بِرَأْسِهِ. أخرجه أصحاب "السنن" (¬8). [صحيح]. ¬

_ (¬1) في "السنن الكبرى" بإثر الحديث رقم (7233). (¬2) في "السنن" (4/ 55). (¬3) انظر "المغني" (12/ 345). (¬4) انظر "المغني" (12/ 345 - 346). (¬5) انظر "البناية في شرح الهداية" (6/ 248 - 249). (¬6) في "معالم السنن" (4/ 606 - مع "السنن"). (¬7) في (ب) ألا. (¬8) أخرجه أبو داود رقم (4457) والترمذي رقم (1362) والنسائي رقم (3331) وابن ماجه رقم (2607) وأخرجه أحمد في "المسند" (4/ 290)، وهو حديث صحيح.

"اللواء" الراية. قوله: "في حديث البراء إلى رجل" قال المفضل بن غسان العلالي [251 ب] أنه منظور ابن زبان بن سيار بن عمرو الفزاري، قال الفضل بن طاهر: لم يؤيد ذلك بدليل عليه. قوله: "أن آتيه برأسه" قال الشيخ (¬1)، ما معناه: إنما أمر بقتله لزناه [ولخطيئة] (¬2) زيادة الحرمة في أمه، وهذا مذهب أحمد بن حنبل (¬3) فيمن نكح ذات محرم أنه يقتل ويؤخذ ماله، وكذلك قال إسحاق على ظاهر الحديث. وذهب الحسن البصري (¬4) ومالك (¬5) والشافعي (¬6) أنّ عليه الحد. قوله: "أخرجه أصحاب "السنن". قلت: وقال الترمذي (¬7): حسن غريب. 13 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ وَقَعَ عَلَى ذَاتِ مَحْرَمٍ، أَوْ قَالَ: مَنْ نَكَحَ مَحْرَمَاً فَاقْتُلُوهُ". أخرجه رزين. 14 - وَعَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَجُلاً كَانَ يُتَّهَمُ بِأُمِّ وَلَدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ لِعَليٍّ - رضي الله عنه -: "اذْهَبْ فَاضْرِبْ عُنُقَهُ"، فَأَتَاهُ فَإِذَا هُوَ فِي رَكِيٍّ يَتَبَرَّدُ، فَقَالَ لَهُ: اخْرُجْ. فَنَاوَلَهُ يَدَهُ فَأَخْرَجَهُ، فَإِذَا هُوَ مَجْبُوبٌ لَيْسَ لَهُ ذَكَرٌ، فَكَفَّ عَنْهُ وَأَخْبَرَ بِهِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَحَسَّنَ فِعْلَهُ. ¬

_ (¬1) أي الخطابي في "معالم السنن" (4/ 603). (¬2) في (أ) ولتخطيه. (¬3) "المغني" (12/ 342). (¬4) ذكره ابن قدامة في "المغني" (12/ 342). (¬5) مدونة الفقه المالكي (4/ 625 - 626). (¬6) "البيان" للعمراني (12/ 363). (¬7) في "السنن" (3/ 643).

زاد في رواية وقال: "الشاهد يرى ما لا يرى الغائب". أخرجه مسلم (¬1). [صحيح]. قوله: "في حديث أنس إلى رجل كان يتهم" هو مأمور القبطي الذي أهداه للنبي - صلى الله عليه وسلم - المقوقس صاحب مصر وكان خصيّاً. قوله: "فإذا هو في ركي" (¬2) بفتح الراء وتشديد المثناة التحتية هو البئر. قوله: "فإذا هو مجبوب" أي: مجبوب الذكر والأنثيين، وذلك أبلغ في الخصي لعدم آلة النكاح، فإن قلت: كيف يأمر - صلى الله عليه وسلم - بضرب عنقه في تهمة ثم في زنا؟ قلت: المراد: في تهمة وقعت له - صلى الله عليه وسلم - من كلام الناس، وكأنه قد علم اختلاطه بها في الجملة، وكأنه من الاجتهاد الذي يجوز فيه الخطأ، وهو جائز، ثم تداركه الله، وأمّا كونه قتل في حد فلأنه بتهجمه على فراش رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو مملوك له عظمت خطيئته فاستحق ذلك (¬3). 15 - وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ - رضي الله عنه - قَالَ: أَتَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلٌ فَأَقَرَّ عِنْدَهُ أَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَةٍ سَمَّاهَا لَهُ, فَبَعَثَ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى المَرْأَةِ فَسَأَلَهَا عَنْ ذَلِكَ فَأَنْكَرَتْ أَنْ تَكُونَ زَنَتْ فَجَلَدَهُ الحَدَّ وَتَرَكَهَا (¬4). [صحيح]. ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (2771). (¬2) قال ابن الأثير في "النهاية" (1/ 688) الرَّكيُّ، جنس للرَّكيَّة وهي: البئر وجمعها ركايا، والذَّقة: القليلة الماء. (¬3) انظر شرح "صحيح مسلم" للنووي (17/ 118 - 119). (¬4) أخرجه أبو داود في "السنن" رقم (4437، 4466) بسند رجاله ثقات رجال الصحيح، غير عبد السلام ابن حفص، فمن رجال أبي داود، والترمذي والنسائي، وقد وثقه يحيى بن معين، وابن حبان والذهبي في الكاشف، وقال في "الميزان": صدوق، وقال أبو حاتم: ليس بمعروف. ["الميزان" (2/ 615 رقم 5047) والكاشف (2/ 172 رقم 3414) و"الجرح والتعديل" (6/ 45 - 46 رقم 239) و"تهذيب التهذيب" (2/ 575 - 576)].

قوله: "في حديث سهل [252 ب] بن سهل فجلده الحد" يحتمل أنه حد الزنا الذي أقر به، وهو من أدلة الحد بالإقرار مرة واحدة، ويحتمل أن المراد حد القذف ويحتمل أن يراد الحدان معاً، أي: جلده الحد الواجب عن إقراره، ورميه المرأة، وحديث ابن عباس (¬1) يؤيد هذا؛ لأنه قال فجلده مائة ثم قال فجلده ثمانين، ويحتمل أنه رجل واحد اختلفت عبارة الروايتين لقصته. 16 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: أَنَّ رَجُلاً مِنْ بَكْرِ بْنِ لَيْثٍ أتى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَقَرَّ عِنْدَه أَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَةٍ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فَجَلَدَهُ مِائَةَ جَلْدَة وَكَانَ بِكْرًا، ثُمَّ سَأَلَهُ الْبَيِّنَةَ عَلَى المَرْأَةِ فَقَالَتْ كَذَبَ وَالله يَا رَسُولَ اللهِ، فَجَلَدَهُ حَدَّ الْفِرْيَةِ ثَمَانِينَ (¬2). أخرجهما أبو داود. [منكر] قوله: "أخرجهما" أي: حديث سهل وابن عباس، قلت: ترجم (¬3) لهما: باب إذا أقر الرجل بالزنا ولم تقر المرأة، وحديث ابن عباس أخرجه النسائي (¬4) كما قاله المنذري وقال - أي المنذري (¬5) -: في إسناده القاسم بن فياض تكلم فيه غير واحد. ¬

_ = وأخرجه أحمد في "المسند" (5/ 339) بسند ضعيف لضعف مسلم بن خالد الزنجي، لكنه لم ينفرد به, فقد توبع عليه. وهو حديث صحيح، والله أعلم. (¬1) سيأتي تخريجه، وهو حديث منكر. (¬2) أخرجه أبو داود في "السنن" (4467) وفي إسناده القاسم بن فياض الصنعاني، تكلم فيه غير واحد حتى قال ابن حبان, إنه بطل الاحتجاج به, وقال النسائي في "السنن الكبرى" عقب الحديث رقم (7348 - العلمية) حديث منكر. انظر "التاريخ الكبير" (7/ 162) "الميزان" (3/ 377) "الجرح والتعديل" (7/ 117). (¬3) أي أبو داود في "السنن" (4/ 611 الباب رقم 31). (¬4) في "السنن الكبرى" رقم (7348 - العلمية) وهو حديث منكر. (¬5) في "مختصر السنن" (6/ 277).

الفصل الثاني: في الذين حدهم النبي - صلى الله عليه وسلم -

وقال ابن حبان (¬1): بطل الاحتجاج به. انتهى. الفصل الثاني: في الذين حدهم النبي - صلى الله عليه وسلم - قلت: زاد ابن الأثير (¬2) في الترجمة: وأصحابه ورجمهم من المسلمين وأهل الكتاب. وهي أوفى مما قاله المصنف. 1 - عَنْ بُرَيْدَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: أَتَى مَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ الأَسْلَمِيَّ - رضي الله عنه - النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله! إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي، وَزَنَيْتُ، وإنِّي أُرِيدُ أَنْ تُطَهِّرَنِي. فَرَدَّهُ, فَلمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ أَتَاهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله! إِنِّي قَدْ زَنَيْتُ. فَرَدَّهُ الثَّانِيَةَ، فَأَرْسَلَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ: "هَلْ تَعْلَمُونَ بِعَقْلِهِ بَأْسًا تُنْكِرُونَ مِنْهُ شَيْئًا"، فَقَالُوا: مَا نَعْلَمُهُ إِلاَّ وَفِيَّ الْعَقْلِ مِنْ صَالحِينَا فِيمَا نَرى، فَأتاهُ الثَّالِثَةَ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ أَيْضًا فَسَأَل عَنْهُ فَأَخْبَرُوهُ أَنَّهُ لاَ بَأْسَ بِهِ وَلاَ بِعَقْلِهِ، فَلمَّا كَانَ الرَّابِعَةَ حَفَرَ لَهُ حُفْرَةً ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ. قَالَ: فَجَاءَتِ الْغَامِدِيَّةُ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ الله! إِنِّي قَدْ زَنَيْتُ فَطَهِّرْني. فَرَدَّهَا، فَلمَّا كَانَ مِنَ الْغَدُ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ لِمَ تَرُدُّنِي، لَعَلَّكَ أَنْ تَرُدَّنِي كَمَا رَدَدْتَ مَاعِزًا، فَوَاللهِ إِنِّي لَحُبْلَى. قَالَ: "إِمَّا لاَ فَاذهَبِي حَتَّى تَلِدِي". فَلمَّا وَلَدَتْ أَتَتْهُ بِالصَّبِيِّ فِي خِرْقَةٍ، قَالَتْ: هَذَا قَدْ وَلَدْتُهُ. قَالَ: "اذهبِي فَأَرْضِعِيهِ حَتَّى تَفْطِمِيه" فَلمَّا فَطَمَتْهُ أتتْهُ بِالصَّبِيِّ في يَدِهِ كِسْرَةُ خُبْزٍ، فَقَالَتْ: هَذَا يَا نَبِيَّ الله قَدْ فَطَمْتُهُ وَقَدْ أَكَلَ الطَّعَامَ. فَدَفَعَ الصَّبِيَّ إلَى رَجُلٍ مِنَ المُسْلِمِينَ ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَحُفِرَ لَهَا إِلَى صَدْرِهَا، وَأَمَرَ النَّاسَ فَرَجَمُوهَا، فَأَقْبَلَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ - رضي الله عنه - بِحَجَرٍ فَرَمَى رَأْسَهَا فَنَضَحَ الدَّمُ عَلَى وَجْهِهِ فَسَبَّهَا، فَسَمِعَ نَبِيُّ الله - صلى الله عليه وسلم - سَبَّهُ إِيَّاهَا، فَقَالَ: "مَهْلاً يَا خَالِدُ! فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! ¬

_ (¬1) في المجروحين (2/ 213). (¬2) في "جامع الأصول" (3/ 515).

لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ تَابَهَا صَاحِبُ مَكْسٍ لَغُفِرَ لَهُ". ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَصَلَّى عَلَيْهَا وَدُفِنَتْ. أخرجه مسلم (¬1) وأبو داود (¬2). [صحيح]. قوله: "في حديث بريدة فطهرني" دليل أنه قد علم أن الحدود كفارات كما ورد صريحاً في حديث (¬3) عبادة "ومن فعل شيئاً من ذلك فعوقب به في الدنيا فهو كفارة له". قال ابن حجر (¬4): ولا نعلم في هذا خلافاً فأراد تكفير ما توسخ به من المعصية. في مسلم (¬5): فقال - صلى الله عليه وسلم -: "ويحك ارجع، فاستغفر الله وتب إليه، فرجع غير بعيد، ثم جاء فقال: يا رسول الله". وفي مسلم (¬6): أنه - صلى الله عليه وسلم - قال لماعز: "أحقٌ ما بلغني عنك؟ قال: وما بلغك عني، قال: بلغني أنك وقعت بجارية آل فلان، قال: نعم، فشهد أربع شهادات ثم أمر به فرجم". ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (22/ 1695). (¬2) في "السنن" رقم (4432، 4433). وهو حديث صحيح. (¬3) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (18) وله أطراف منها (3892، 3893، 3999، 4894، 6784 ...) عن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه -، وكان شهد بدراً، وهو أحد النقباء ليلة العقبة، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال وحوله عصابة من أصحابه "بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئاً، ولا تسرقوا, ولا تزنوا, ولا تقتلوا أولادكم، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوا في معروف، فمن وفي منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئاً فعوقب في الدنيا فهو كفارة له، ومن أصاب من ذلك شيئاً ثم ستره الله فهو إلى الله، إن شاء عفا عنه، وإن شاء عاقبه". (¬4) في "فتح الباري" (1/ 67). (¬5) في "صحيحه" رقم (22/ 1695). (¬6) في "صحيحه" رقم (19/ 1693).

قال النووي (¬1): هكذا وقع [253 ب] في هذه الرواية, والمشهور في الروايات أنه أتى إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: طهرني، قال العلماء: لا تنافي بين الروايتين، فيكون قد جيء به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - من غير استدعاء، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - للذي أرسله "لو سترته بثوبك يا هزال! لكان خيراً لك" (¬2)، وكان ماعز عند هزال، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لماعز بعد أن ذكر له الذين حضروا ما جرى له "أحقٌ ما بلغني عنك". إلى آخره. انتهى. قوله: "حفر له حفرة ثم رجم" وفي مسلم (¬3) رواية أخرى بلفظ "فما حفرنا له". قال النووي (¬4): في الحفر للمرجوم والمرجومة مذاهب للعلماء، قال مالك (¬5) وأبو حنيفة (¬6) وأحمد (¬7) في المشهور عندهم: لا يحفر لواحد منهما، وقال قتادة (¬8) وأبو ثور (¬9) وأبو حنيفة (¬10) في رواية: يحفر لهما، وقال بعض المالكية (¬11): يحفر لمن يرجم بالبينة لا لمن يرجم بالإقرار، ثم ذكر (¬12) أقوالاً لأصحابه الشافعية لا دليل عليها. ¬

_ (¬1) في شرحه لـ "صحيح مسلم" (11/ 196 - 197). (¬2) أخرجه أبو داود رقم (4377) و (4378) وهو حديث حسن. (¬3) في "صحيحه" رقم (23/ 1695). (¬4) في شرحه لـ "صحيح مسلم" (11/ 197). (¬5) "مدونة الفقه المالكي وأدلته" (4/ 635). (¬6) الاختيار (4/ 340 - 341) "البناية في شرح الهداية" (6/ 216 - 217). (¬7) "المغني" (12/ 311). (¬8) ذكره ابن قدامة في "المغني" (12/ 311). (¬9) فقه الإِمام أبي ثور (ص 719). (¬10) "البناية في شرح الهداية" (6/ 216 - 217) "المبسوط" (9/ 51 - 52). (¬11) "مدونة الفقه المالكي وأدلته" (4/ 635). (¬12) أي النووي في شرحه لـ "صحيح مسلم" (11/ 197).

ورواية مسلم (¬1) الأخرى بلفظ "فما أوثقناه ولا حفرنا له" تعارض رواية الحفر فأخذ به من قال: لا يحفر، ولكن رواية الإثبات مقدمة على رواية النفي. قوله: "إما لا" هو بكسر الهمزة من إما وتشديد الميم، وبالإمالة، ومعناه: إذا أبيت أن تستري على نفسك وتتوبي عن قولك فاذهبي حتى تلدي فترجمي بعد ذلك. [216/ أ]. قوله: "فقالت يا رسول الله! هذا قد فطمته وقد أكل الطعام .. الحديث"، وفي "صحيح مسلم" (¬2) رواية تعارض هذه مع اتفاقهما في "صحيحه" وهي "أنها جاءت الغامدية بالصبي بعد ولادته, فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: إذاً لا نرجمها وندع ولدها صغيراً ليس له من يرضعه، فقام رجل من الأنصار فقال: إليّ رضاعه يا نبي الله! [254 ب] قال: فارجمها"، وفي هذه الرواية أنه - صلى الله عليه وسلم - إنما أمر برجمها بعد تمام رضاعه وأكل الصبي الطعام. قال النووي (¬3): فيجب تأويل الأولى وحملها على وفق الثانية؛ لأنها قضية واحدة، والروايتان صحيحتان، والثانية منهما صريحة لا يمكن تأويلها، والأولى ليست صريحة، فيتعين تأويل الأولى، ويكون قوله في الرواية الأولى: قام رجل من الأنصار فقال: إليّ رضاعه، إنما قاله بعد الفطام، وأراد بالرضاع كفالته وتربيته، وسماه رضاعاً مجازاً. انتهى. ولا يخلو عن تأمل. ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (20/ 1694). (¬2) في "صحيحه" رقم (22/ 1695). (¬3) في شرحه لـ "صحيح مسلم" (11/ 202).

[قال] (¬1) واعلم أن مذهب الشافعي (¬2) وأحمد (¬3) وإسحاق (¬4)، والمشهور من مذهب مالك (¬5): أنها لا ترجم حتى تجد من يرضعه، فإن لم تجد أرضعته حتى تفطمه ثم رجمت. وقال أبو حنيفة (¬6) ورواية عن مالك (¬7): إذا وضعته رجمت ولا تنتظر حصول مرضعه. قوله: "لو تابها صاحب مكس لغفر له". [المكاس] (¬8) هو الذي يعشر أموال المسلمين، ويأخذ من التجار والمختلفين إذا مروا عليه وعبروا به مكسًا باسم العشر أو المجبى، أو أي عبارة عبرها، والمراد أنها بذلت المرأة نفسها للقتل بأشد القتلات, فلو جعل الله هذا توبة لمكاس لقبلت توبته مع عظم ذنبه، فكيف لا تقبل توبة المرأة المرجومة وهو نظير قوله في الرواية الأخرى (¬9) "أنها تكفي سبعين من أهل المدينة"، المراد: أنها لو كانت التوبة مما يتجزأ وتصح توبة إنسان عن غيره لكفت سبعين عاصياً تفرق بينهم، والله أعلم. ¬

_ (¬1) زيادة من (أ). (¬2) "البيان" للعمراني (12/ 386 - 387). (¬3) "المغني" (12/ 328). (¬4) ذكره ابن قدامة في "المغني" (12/ 328). (¬5) "التهذيب في اختصار المدونة" (4/ 415 - 416). (¬6) المبسوط (9/ 54 - 55). (¬7) انظر المدونة (6/ 250). (¬8) في (ب) الماكس. (¬9) أخرجها مسلم في "صحيحه" رقم (24/ 1696) وفيه " ... لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم".

قال النووي (¬1): فيه أنّ المكس من أعظم المعاصي والذنوب الموبقات، وذلك لكثرة مطالبات الناس له [بظلاماتهم] (¬2) عنده، وتكرر ذلك منه وانتهابه للناس، وأخذ أموالهم بغير حقها، وصرفها في غير وجهها. وفيه (¬3): أنّ توبة الزاني لا تسقط عنه حد الزنا، وكذا حد السرقة والشرب، وهذا أحد القولين في مذهبنا (¬4) ومذهب مالك (¬5)، والثاني: أنها تسقط ذلك، وأما توبة المحارب قبل القدرة عليه فتسقط حد المحاربة بلا خلاف عندنا، وعن ابن عباس وغيره لا تسقط. انتهى. قلت: الآية قد استثنت التائبين بقوله تعالى [255 ب]: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} (¬6)، فلذا ذهب الشافعية (¬7) إلى السقوط، فإن قيل: المكاس لو تاب غفر له ما بينه وبين الله، وأمّا حقوق المخلوقين فهي من الذنب الذي لا يترك ولا تذهبه من ذمته التوبة. قلت: يحتمل أنه لو تاب توبة محققة فلعل الله يرضي عنه غرماؤه في الآخرة من عنده. قوله: "فصلى عليها" يحتمل أنه مبني للمعلوم. قال القاضي (¬8): هو بفتح الصاد واللام عند جماهير رواة "صحيح مسلم". ¬

_ (¬1) في شرحه لـ "صحيح مسلم" (11/ 203). (¬2) كذا في المخطوط والذي في شرح "صحيح مسلم" (وظلاماتهم). (¬3) انظر شرح "صحيح مسلم" (11/ 204). (¬4) انظره مفصلاً في البيان (12/ 510 - 512). (¬5) "مدونة الفقه المالكي" (4/ 582 - 583). (¬6) سورة المائدة الآية (34). (¬7) البيان (12/ 511 - 512). (¬8) أي القاضي عياض في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (5/ 523).

قلت: ويدل له ما في الرواية الأخرى (¬1) بلفظ: "فقال له عمر: نصلي عليها يا نبي الله وقد زنت". قال القاضي (¬2): وعند الطبري: بضم الصاد، قال: وكذا هو في رواية ابن أبي شيبة (¬3) وأبي داود (¬4)، قال: وفي رواية لأبي داود: "فأمرهم أن يصلوا عليها". قال القاضي (¬5): ولم يذكر مسلم صلاته - صلى الله عليه وسلم - على ماعز، وقد ذكرها البخاري (¬6). انتهى. 2 - وعن جابر - رضي الله عنه - قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - برَجُلٍ زَنَى فَجُلِدَ الحدُّ، ثُمَّ أُخْبِرَ أَنَّهُ مُحْصِنٌ فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ. أخرجه أبو داود (¬7). [إسناده ضعيف]. قوله: "في حديث جابر أخرجه أبو داود". قلت: وقال (¬8) في رواية فيه: قال أبو داود: روى هذا الحديث محمَّد بن بكير البرساني عن ابن جريج، موقوفاً على جابر. ¬

_ (¬1) أخرجها مسلم في "صحيحه" رقم (23/ 1695). (¬2) في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (5/ 523). (¬3) في مصنفه (10/ 86 رقم 8858). (¬4) في "السنن" رقم (4440). وأخرجه مسلم رقم (1696) وابن ماجه رقم (2555) مختصراً، والترمذي رقم (1435) والنسائي رقم (1957)، وهو حديث صحيح. (¬5) في "إكمال المعلم" (5/ 523). (¬6) في "صحيحه" رقم (6820). (¬7) في "السنن" رقم (4438) بإسناد ضعيف. (¬8) أي أبو داود في "السنن" (4/ 586).

ورواه (¬1) بنحوه ابن وهب، ولم يذكر النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: "إن رجلاً زنى فلم يعلم بإحصانه فجلد ثم علم بإحصانه فرجم". انتهى. 3 - وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أنَّه - رضي الله عنه - قَالَ: أَتَتْ امْرَأَةً مِنْ جُهَيْنَةَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - وهِيَ حُبْلَى مِنَ الزِّنَا، فَقَالَتْ: يَا رَسُولُ الله! أَصَبْتُ حَدَاً فَأَقِمْهُ عَلَيَّ، فَدَعَا نَبِيّ الله - صلى الله عليه وسلم - وَلِيِّهَا فَقَالَ: "أَحْسِنْ إِلَيْهَا، فَإِذَا وَضَعَتْ فَائْتِني بِهَا"، فَفَعَلْ، فَأَمَرَ بِهَا فَشُدَّتْ عَلَيْهَا ثِيَابُهَا، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَرُجِمَتْ، ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهَا، فَقَالَ عُمَرُ: أتُصَلِّي عَلَيْهَا وَقَدْ زَنَتْ؟ فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: "لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ قُسِمَتْ بَينَ سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ المَدِينَةِ لَوَسِعَتْهُمْ، وَهَلْ وَجَدْتَ أَفْضَلَ مِنْ أَنْ جَادَتْ بِنَفْسِهَا لله - عز وجل -". أخرجه الخمسة (¬2) إلا البخاري. [صحيح]. قوله: "في حديث عمران بن حصين فقال: أحسن إليها" قال في "شرح مسلم" (¬3): هذا "الإحسان له سببان: أحدهما: الخوف عليها من أقاربها أن تحملهم الغيرة وتخوف العار بهم أن يؤذوها، فأوصى بالإحسان إليها تحذيراً لهم من ذلك. والثاني: أمر به رحمة لها إذ [قد] (¬4) تابت [وحرص] (¬5) على الإحسان إليها لما في نفوس الناس من النفرة عن مثلها، وإسماعها الكلام المؤذي [256 ب] ونحو ذلك، فنهى عن هذا كله. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود في "السنن" رقم (4439) بإسناد ضعيف موقوف. (¬2) أخرجه مسلم في "صحيحه" (24/ 1696) وأبو داود رقم (4440) والترمذي رقم (1435) والنسائي رقم (1957). وأطرافه أحمد (4/ 435). وهو حديث صحيح. (¬3) أي النووي في شرح "صحيح مسلم" (11/ 205). (¬4) زيادة من "شرح مسلم". (¬5) في المخطوط وحرصاً، وما أثبتناه من شرح "صحيح مسلم".

وفيه أنها لا ترجم الحبلى حتى تضع، سواء كان حملها من زنا أو غيره، وهذا مجمع عليه لئلا يقتل جنينها، وكذا لو كان حدها الجلد وهي حامل، لم تجلد بالإجماع حتى تضع، وكذا إذا وجب عليها القصاص وهي حامل لا يقتص منها حتى تضع. قوله: "فشدت عليها ثيابها" (¬1) هو هكذا في روايات، وفي أخرى (¬2) "شكت" بالكاف وهي بمعنى شدت، وهما في مسلم. قال النووي (¬3): فيه استحباب جمع ثيابها عليها وشدّها بحيث لا تنكشف في تقلبها وتكرار اضطرابها، واتفق العلماء على أنها لا ترجم إلا قاعدة، وأمّا الرجل فجمهورهم أنه يرجم قائماً، وقال مالك (¬4): قاعداً، وقال غيره: يتخير الإِمام بينهما. [217/ أ]. قوله: " [لقد] (¬5) تابت توبة ... الحديث" فإن قيل: ما بال ماعز والغامدية لم يقنعا بالتوبة وهي محصلة لغرضهما وهو سقوط الإثم، بل أصرا على الإقرار و [أحبَّا] (¬6) الرجم؟ فالجواب: أن حصول البراءة بالحد وسقوط الإثم متيقن على كل حال لا سيما وإقامة الحد بأمره - صلى الله عليه وسلم -، وأما التوبة فقد لا تكون نصوحاً وأن يخل بشيء من شروطها فتبقى المعصية وإثمها دائماً عليه فأراد البراءة بطريق متيقن دونما يتطرق إليه الاحتمال هذا. وأما هل يحد المحصن أولاً ثم يرجم فيأتي الكلام عليه في حديث علي - رضي الله عنه -. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم في "صحيحه" رقم (23/ 1696). (¬2) أخرجها مسلم في "صحيحه" رقم (24/ 1696) وأبو داود رقم (4440). (¬3) في شرحه لـ "صحيح مسلم" (11/ 197). (¬4) "مدونة الفقه المالكي وأدلته" (4/ 635). (¬5) زيادة من (أ). (¬6) في (أ. ب) أحبان, هكذا رسمت، والصواب ما أثبتناه، والله أعلم.

4 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الجُهَنِيِّ - رضي الله عنهما -: أَنَّ أَعْرَابِيَّاً أَتَى النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا رَسولَ الله! أنشُدُكَ بِالله إِلاَّ قَضيْتَ لِي بِكِتَابِ الله تَعَالَى. فَقَالَ الآخَرُ، وَهُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ: نَعَمْ فَاقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ الله تَعَالَى، وَائْذَنْ لِي. فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "قُلْ". فَقَالَ: إِنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيفًا عَلَى هَذَا فَزَنَى بِامْرَأَتِهِ، وإنِّي أُخبرْتُ [أَنَّ] (¬1) عَلَى ابْنِي الرَّجْمَ فَافْتَدَيْتُ مِنْهُ بِمائَةِ شَاةٍ وَوَلِيدَةٍ، فَسَأَلْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ فَأَخْبَرُونِي أَنَّ عَلَى ابْنِي جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَأَنَّ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا الرَّجْمَ. فَقَالَ "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ: لأَقْضَينَّ بَيْنكُمَا بِكِتَابِ الله تَعَالَى، الْوَليدَةُ وَالْغَنَمُ رَدٌّ عَلَيْكَ، وَعَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، اغْدُ يَا أُنَيْسُ - لِرَجُلٍ مِنْ أَسْلَمَ - إِلَى امْرَأَةِ هَذَا، فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا"، فَغَدَا عَلَيْهَا فَاعترفَتْ، فَأَمَرَ بِهَا النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - فَرُجِمَتْ. أخرجه الستة (¬2). [صحيح]. وقال مالك (¬3) "الْعَسِيفُ" الأجير. قوله: "في حديث أبي هريرة وزيد بن خالد أنشدك الله" هو بفتح الهمزة وسكون النون وضم الشين المعجمة، أي: أنشدك رافعاً نشدي، أي صوتي، وفي نسخ التيسير هنا: بالله، بإثبات الموحدة، وفي "الصحيحين": الله بحذفها. قال الحافظ ابن حجر (¬4): ضمن أنشدك أذكرك، فحذف الباء [257 ب] وكأن إثباتها رواية أحد من أخرجه. ¬

_ (¬1) في (ب) بأنَّ. (¬2) أخرجه البخاري رقم (6859) ومسلم رقم (25/ 1697، 1698) وأبو داود رقم (4445) والترمذي رقم (1433) والنسائي رقم (5410) وابن ماجه رقم (2549) ومالك في "الموطأ" (2/ 822). وأخرجه أحمد (4/ 115 - 116) والدامي (2/ 177) والحميدي رقم (811) والطيالسي رقم (953) و (2514) والبغوي في "شرح السنة" (10/ 274 - 275)، وهو حديث صحيح. (¬3) في "الموطأ" (2/ 822). (¬4) في "فتح الباري" (12/ 138).

قوله: "وكان أفقه منه" في شرح الترمذي (¬1): يحتمل أن [يكون] (¬2) الراوي كان عارفاً بهما قبل أن يتحاكما، فوصف الثاني بأنه أفقه من الأول، إما مطلقاً [أو] (¬3) في هذه القصة الخاصة. قوله: "قال: قل" ظاهر السياق بأنه الثاني، وجزم الكرماني (¬4) بأن القائل هو الأول ورده ابن حجر. قوله: "إن ابني" زاد في البخاري "هذا" قال ابن حجر (¬5): فيه دليل أن الابن كان حاضراً فأشار إليه. وخلا معظم الروايات عن [هذه اللفظة] (¬6) [] (¬7). قوله: "كان عسيفاً" بفتح المهملة بعدها مهملة بزنة أجير، ومعناه سمي الأجير عسيفاً؛ لأن المستأجر يعسفه في العمل والعسف الجور (¬8). قوله: "على هذا" في "الفتح" (¬9): ضمن على معنى عند، بدليل رواية عمرو بن شعيب. وفي رواية: "في أهل هذا". ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (12/ 138). (¬2) زيادة من "فتح الباري". (¬3) كذا في المخطوط (أ. ب) والذي في "الفتح" وإما. (¬4) في شرحه لـ "صحيح البخاري" (23/ 210). (¬5) في "فتح الباري" (12/ 139). (¬6) كذا في المخطوط، والذي في "الفتح" هذه الإشارة. (¬7) في (أ. ب) كلمة غير مقروءة, ويبدو أنها مشطوبة, والله أعلم. (¬8) انظر "النهاية" (2/ 206) و"الفائق" للزمخشري (2/ 429). (¬9) في "فتح الباري" (12/ 139).

قوله: "بمائة شاة ووليدة" هي الجارية, وفي رواية "وخادم" (¬1)، وفي رواية مالك (¬2) "وجارية لي". قوله: "جلد مائة" بالإضافة للأكثر، وقرأه بعضهم بتنوين جلد مرفوع، وتنوين مائة منصوب على التمييز. قال الحافظ (¬3): ولم تثبت به رواية. قوله: بكتاب الله، أي: بحكمه؛ لأن الرجم والتغريب ليسا في القرآن. قوله: "وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام" محمول على أن الولد (¬4) كان بكر وعلى أنه اعترف بالزنا، وإلا فإقرار الأب عليه لا يقبل، أو يكون هذا فتيا، أي: إن كان ابنك زنى وهو بكر فعليه كذا وكذا. قوله: "ردّ عليك" أي: مردودة عليك ومعناه يجب ردّه؛ لأن الحدود لا تقبل الفداء. قوله: "يا أنيس" مصغر أنس, وهو أنيس (¬5) بن الضحاك الأسلمي على الصحيح المشهور وغلط من زعم أنه أنس بن [258 ب] مالك صغّره - صلى الله عليه وسلم - عند خطابه. وهذا محمول على إعلامها بأن هذا الرجل قذفها بابنه, وأنّ لها عليه حد القذف فتطالبه به أو تعفو، إلا أن تعترف بالزنا، فلا حد عليه، ويجب عليها الرجم إن كانت محصنة، فذهب إليها أنيس فأخبرها فاعترفت بالزنا فرجمها. ¬

_ (¬1) المراد بالخادم الجارية المعدة للخدمة بدليل رواية مالك. "فتح الباري" (12/ 139). (¬2) في "الموطأ" (2/ 822). (¬3) في "فتح الباري" (13/ 140). (¬4) قاله النووي في شرح "صحيح مسلم" (11/ 207). (¬5) قاله ابن عبد البر في "الاستيعاب" (1/ 203 رقم 95) وانظر "الإصابة" (1/ 287).

قال النووي (¬1): ولا بد من هذ التأويل؛ لأن ظاهره أنه بعث [لطلب إقامة] (¬2) حد الزنا وهو غيرمراد؛ لأن حد الزنا لا يحتاط له بالتجسس [والتفتيش] (¬3) عنه بل لو أقرّ به الزاني استحب تلقينه الرجوع كما سبق فحينئذ يتعين تأويل الذي ذكرناه, واختلف (¬4) أصحابنا في البعث: هل يجب على القاضي إذا قذف إنسان معين في محله أن يبعث إليه ليعرفه حقه من حد القذف أم لا يجب؟ والأصح وجوبه. انتهى. وفي الحديث إيجاب التغريب (¬5) وفيه خلاف للحنفية (¬6) والهادوية (¬7). قال ابن المنذر (¬8) [أقسم] (¬9) النبي - صلى الله عليه وسلم - في قصة العسيف أنه يقضي بكتاب الله [تعالى] (¬10) ثم قال: إنّ عليه جلد مائة وتغريب عام، وهو المبيّن لكتاب الله [تعالى] (¬11). وقد بيّنا أدلة المخالفين والكلام عليها في شرح "بلوغ المرام" (¬12)، وأنّ الحق ثبوت التغريب لأدلته. ¬

_ (¬1) في شرحه لـ "صحيح مسلم" (11/ 207 - 208). (¬2) كذا في المخطوط والذي في شرح "صحيح مسلم": لإقامة. (¬3) في (أ) والتنقير، وفي (ب) وشقير هكذا رسمت، وما أثبتناه من شرح "صحيح مسلم". (¬4) قاله النووي في شرح "صحيح مسلم" (11/ 207). (¬5) انظر: "الإشراف" لابن المنذر (2/ 31 - 32). "المغني" (12/ 322). (¬6) "البناية في شرح الهداية" (6/ 229) "الاختيار" (4/ 341). (¬7) "البحر الزخار" (1475). (¬8) في "الإشراف" (2/ 31 - 32). (¬9) في (ب) قسم. (¬10) زيادة من "الإشراف"، وهي من مستلزمات النص. (¬11) زيادة من "الإشراف"، وهي من مستلزمات النص. (¬12) في "سبل السلام" (7/ 199 - 225 بتحقيقي).

5 - وعن مالك (¬1) - رضي الله عنه - قال: بلغني أن عثمان - رضي الله عنه - أتى بامرأة ولدت في ستة أشهر فأمر برجمها، فقال علي - رضي الله عنه -: إن الله تعالى يقول: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} , وقال: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ}، فالحمل ستة أشهر، فأمر عثمان بردها فوجدت قد رجمت. [موقوف صحيح]. قوله: "في حديث مالك أن علياً - رضي الله عنه - قال: فالحمل ستة أشهر". يريد أقله لأن آية البقرة دلت على أن مدة الرضاعة لمن أراد أن يتمها حولين ودلت آية الأحقاف على أنّ مدة الرضاع والحمل ثلاثون شهراً، فكانت دالة على أن أقل الحمل ستة أشهر لقوله: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ} (¬2) أي: عن الرضاع {ثَلَاثُونَ شَهْرًا} (¬3) والقصة [خرجها] (¬4). أيضاً ابن المنذر (¬5) وابن أبي حاتم (¬6) وفيها: "فقال علي: أما سمعت الله يقول: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ [218/ أ] شَهْرًا} (¬7) وقال: {حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} (¬8) فلم تجده بقي إلا ستة أشهر"، قال عثمان: والله [259 ب] ما فطنت لهذا، عليّ بالمرأة، فوجدوها قد فرغ منها، وكان من قولها لأختها: يا أخيّة لا تحزني، فوالله ما كشف فرجي أحد قط غيره, فشبّ الغلام بعد ¬

_ (¬1) في "الموطأ" (2/ 825 رقم 11) وهو أثر موقوف صحيح. (¬2) سورة الأحقاف الآية (15). (¬3) سورة الأحقاف الآية (15). (¬4) في (أ) أخرجها. (¬5) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (1/ 688). (¬6) في تفسيره (2/ 428 رقم 2264). (¬7) سورة الأحقاف الآية (15). (¬8) سورة البقرة الآية (233).

لأختها: يا أخيّة لا تحزني، فوالله ما كشف فرجي أحد قط غيره، فشبّ الغلام بعد فاعترف به الرجل، وكان أشبه الناس به. الحديث. واتفق مثلها لعلي مع عمر كما أخرجه عبد الرزاق (¬1) وعبد بن حميد (¬2) وابن المنذر (¬3) من طريق قتادة وفيه: قال: رفع إلى عمر امرأة ولدت لستة أشهر فسأل عنها أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال علي: لا رجم عليها، ألا ترى أن الله يقول: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ}، وساق كما سلف، فتركها عمر، قال: ثم بلغنا أنها ولدت آخر لستة أشهر. ومثلها وقعت لابن عباس مع عمر كما أخرجه عبد الرزاق (¬4) وابن المنذر (¬5)، وذكر ابن عباس كما ذكر علي في الآية. قلت: ولا يخفى أن حديث مالك الذي أتى المصنف [به] (¬6) لا يطابق الترجمة؛ لأنها فيمن حده رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، إنما تناسب ترجمة ابن الأثير (¬7) التي سقناها. 6 - وعن أبي إسحاق الشيباني - رضي الله عنه - قال: سَأَلْتُ ابْنَ أَبِي أَوْفَى هَلْ رَجَمَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: قَبْلَ سُورَةِ النُّورِ، أَوْ بَعْدَهَا؟ قَالَ: لَا أَدْرِي. ¬

_ (¬1) في مصنفه رقم (13446). (¬2) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (7/ 441). (¬3) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (7/ 441). (¬4) في مصنفه رقم (13447). (¬5) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (2/ 688). (¬6) سقطت من (أ. ب). (¬7) في "جامع الأصول" (3/ 515) وهو قوله: في الذين حدَّهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ورجمهم من المسلمين وأهل الكتاب.

أخرجه الشيخان (¬1). [صحيح]. قوله: [قال] (¬2) "لا أدري". قلت: يريد السائل أنّ الرجم إن كان وقع قبل سورة النور، فيمكن أن يدعى نسخة لما فيها من النص على أنّ حدَّ الزاني الجلد، وإن كان وقع بعدها فيمكن أن يستدل به على نسخ الجلد في حق المحصن، والمسئول قال: لا أدري، فيقال له (¬3): وإن لم يدر ابن أبي أوفى فقد قام (¬4) الدليل على أنّ الرجم بعد سورة النور؛ لأن نزولها في قصة الإفك سنة أربع أو خمس، والرجم كان بعد ذلك فإنه حضره أبو هريرة، وإنما أسلم سنة سبع، وحضره ابن عباس، وإنما جاء مع أمه سنة [260 ب] سبع. 6 - وَعَنْ الشَّعْبِيَّ - رضي الله عنه -: أَنَّ عَلِيَّاً - رضي الله عنه - حِينَ رَجَمَ المَرْأَةَ, ضَرَبَهَا يَوْمَ الخَمِيسِ، وَرَجَمَهَا يَوْمَ الجُمُعَةِ، وَقَالَ: جَلَدْتُهَا بِكِتَابِ الله، وَرَجَمْتُهَا بِسُنَّةِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -. أخرجه البخاري (¬5). قوله: "وعن الشعبي" قال الأئمة: لم يثبت (¬6) سماع الشعبي من علي - رضي الله عنه -. قوله: "حين رجم المرأة" اسمها شراحة (¬7) بضم الشين المعجمة وبالراء، الهمدانية. ¬

_ (¬1) البخاري في "صحيحه" رقم (6813, 6840) ومسلم في "صحيحه" رقم (1702). (¬2) زيادة من (أ). (¬3) انظر: "فتح الباري" (12/ 167 - 168). (¬4) قال الحافظ في "فتح الباري" (12/ 120). (¬5) في "صحيحه" رقم (6812) وفيه: "عن علي - رضي الله عنه - حين رجم المرأة يوم الجمعة, وقال: قد رجمتها بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" قال ابن حجر في "فتح الباري" (12/ 119) في رواية علي بن الجعد: "أن علياً أتى بامرأة زنت فضربها يوم الخميس ورجمها يوم الجمعة". (¬6) انظر: "فتح الباري" (12/ 119). (¬7) ذكره الحافظ في "الفتح" (12/ 119).

قوله: "ضربها" أي: جلدها جلد [الزنا] (¬1) وفيه حجة لن يرى الجمع بين الجلد والرجم على الثيب المحصن، وإليه ذهب الحسن البصري (¬2)، وبه قال إسحاق بن راهويه (¬3). وروي عن عمر بن الخطاب رجم ولم يجلد، وإليه ذهب عامة الفقهاء (¬4)، ورأوا أنّ الجلد منسوخ بالرجم، قالوا: وقد رجم (¬5) - صلى الله عليه وسلم - ماعزاً ولم يجلده، وكذلك الغامدية، وكذلك المرأة التي أمر - صلى الله عليه وسلم - أنيساً أن يرجمها، ورجم اليهوديين ولم يجلدهما. قوله: "ورجمها يوم الجمعة وقال: جلدتها بكتاب الله" أي: بحكمه، حيث قال: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا} (¬6) الآية. وقوله: "ورجمتها بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" [أي] (¬7) فإنه - صلى الله عليه وسلم - رجم ماعزاً وغيره ممن ذكرنا، وهذه سنة فعلية، والقولية حديث عبادة عند مسلم (¬8) بلفظ: "الثيب بالثيب جلد مائة والرجم .. الحديث"، وفي رواية: أنه قيل لعلي - رضي الله عنه -: جمعت بين حدين، فذكره. ¬

_ (¬1) في (ب) الزاني. (¬2) ذكره ابن قدامة في "المغني" (12/ 313). (¬3) ذكره ابن قدامه في "المغني" (12/ 313). وانظر: "المحلى" (11/ 233 - 234). (¬4) ذهب مالك والحنفية والشافعية وجمهور العلماء إلى أنه لا يجلد المحصن، بل يرجم فقط، وهو مروي عن أحمد بن حنبل. انظر: "عيون المجالس" (5/ 2087 المسألة 1506). "الإشراف على مذاهب أهل العلم" (2/ 28) "فتح الباري" (12/ 118)، "البيان" للعمراني (12/ 349) "المغني" (12/ 313 - 314). (¬5) تقدم نصه وتخريجه. (¬6) سورة النور الآية (2). (¬7) زيادة من (أ). (¬8) في "صحيحه" رقم (12/ 1690). =

وقال الأكثرون (¬1): لا يجمع بينهما، وحديث عبادة منسوخ، قالوا: والناسخ ما ثبت في قصة ماعز، وهي متأخرة عن حديث عبادة؛ لأن حديث عبادة ناسخ لما شرع أولاً من حبس الزاني في البيوت، فنسخ الحبس بالجلد، وزيد في حق الثيب الرجم، وذلك صريح في حديث عبادة، ثم نسخ الجلد في حق الثيب، وذلك بالاقتصار في حق من رجمهم رسول الله صلى الله عليه [261 ب] وآله وسلم على الرجم، وقد أجيب (¬2) بأنّ عدم ذكر الجلد فيما ذكر ترك ذكره لوضوحه، ولكونه الأصل فلا يرد ما وقع من التصريح به بالاحتمال، وقد ثبت الجمع بينهما بحديث عبادة، وعمل علي - رضي الله عنه - به، والجمع هو الذي قررناه واخترناه في "منحة الغفار على ضوء النهار" (¬3). 8 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: زَنَى رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ مِنَ الْيَهُودِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: اذْهَبُوا بِنَا إِلَى هَذَا النَّبِيِّ فَإِنَّهُ نَبِيٌّ بُعِثَ بِالتَّخْفِيفِ، فَإِنْ أَفْتَانَا بِفُتْيَا دُونَ الرَّجْمِ قَبِلْنَاهَا وَاحْتَجَجْنَا عِنْدَ اللهِ تعالى بِهَا، قُلْنَا: فُتْيَا نَبِيٍّ مِنْ أَنْبِيَائِكَ، فَأَتَوُا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ جَالِسٌ فِي المَسْجِدِ فِي أَصْحَابِهِ، فَقَالُوا: يَا أَبَا الْقَاسِمِ! مَا تَرَى فِي رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ زَنَيَا؟ فَلَمْ يُكَلِّمْهُمْ كَلِمَةً حَتَّى أَتَى ¬

_ = قلت: وأخرجه أحمد (5/ 313) وأبو داود رقم (4415) والترمذي رقم (1434) وابن ماجه رقم (2550) والدارمي (2/ 181) والطيالسي رقم (584) والبيهقي (8/ 221 - 224) والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (3/ 134)، وهو حديث صحيح. (¬1) ذهب مالك والحنفية والشافعية وجمهور العلماء إلى أنه لا يجلد المحصن، بل يرجم فقط، وهو مروي عن أحمد بن حنبل. انظر: "عيون المجالس" (5/ 2087 المسألة 1506). الإشراف على مذاهب أهل العلم (2/ 8)، "فتح الباري" (12/ 118). "البيان" للعمراني (12/ 349)، "المغني" (12/ 313 - 314). (¬2) انظر "المغني" (12/ 313 - 314) "فتح الباري" (12/ 118). (¬3) (7/ 222 - 223 - مع الضوء) بتحقيقي.

بَيْتَ مِدْرَاسِهِمْ، فَقَامَ عَلَى الْبَابِ فَقَالَ: "أَنْشُدُكُمُ اللهَ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى، مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ عَلَى مَنْ زَنَى إِذَا أُحْصِنَ؟ "، قَالُوا: يُحَمَّمُ وَيُجبَّهُ وَيُجْلَدُ،- وَالتَّجْبِيَةُ: أَنْ يُحْمَلَ الزَّانِيَانِ عَلَى حِمَارٍ، وَتُقَابَلَ أَقْفِيَتُهُمَا، وَيُطَافَ بِهِمَا - قَالَ وَسَكَتَ شَابٌّ مِنْهُمْ، فَلمَّا رَآهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - سَكَتَ أَلَظَّ بِهِ النِّشْدَةَ فَقَالَ: اللهمَّ إِذْ نَشَدْتَنَا فَإِنَّا نَجِدُ فِي التَّوْرَاةِ الرَّجْمَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "فَمَا أَوَّل مَا ارْتَخَصْتُمْ أَمْرَ اللهِ تَعَالَى". قَالَوا: زَنَى ذُو قَرَابَةٍ مَعَ مَلِكٍ مِنْ مُلوكِنَا فَأَخَّرَ عَنْهُ الرَّجْمَ، ثُمَّ زَنَى رَجُلٌ آخَرُ فِي أُسْرَةٍ مِنَ النَّاسِ فَأَرَادَ رَجْمَهُ فَحَالَ قَوْمُهُ دُونَهُ وَقَالُوا: لاَ يُرْجَمُ صَاحِبُنَا حَتَّى تَجِيءَ بِصَاحِبِكَ فَتَرْجُمَهُ، فَأَصَّلَحُوا هَذِهِ الْعُقُوبَةِ بَيْنَهُمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "فَإِنَّي أَحْكُمُ بِمَا فِي التَّوْرَاةِ"، فَأَمَرَ بِهِمَا فَرُجِمَا. فَقَالَ الزُّهْرِىُّ: فَبَلَغَنَا أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ فِيهِمْ: {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا} (¬1) وَكَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْهُمْ. أخرجه أبو داود (¬2). [إسناده ضعيف]. ومعنى "ألظ به" (¬3): أي: ألح في سؤاله وألزمه إياه. قوله: "في حديث أبي هريرة قلنا فتيا نبي من أنبيائك" دليل أنهم يعلمون نبوته ويقرون بها، ويرون قوله - صلى الله عليه وسلم - حجة عند الله. قوله: "حتى [أتى] (¬4) بيت مدراسهم" المدراس: صاحب دراسة كتبهم، ومفعل ومفعال من ألفاظ المبالغة، ومنه الحديث الآخر "حتى أتى المدراس" هو البيت الذي يدرسون ¬

_ (¬1) سورة المائدة الآية (44). (¬2) في "السنن" رقم (4450، 4451) بإسناد ضعيف. (¬3) قال ابن الأثير في "غريب الجامع" (3/ 547) ألظَّ فلانٌ بفلان إذا لزمه, ويقال: هو مُلظٌ به: لا يفارقه، وقيل: الإلظاظ: الإلحاح والنشدةُ: السُّؤال. (¬4) في (أ) أتوا.

فيه ومفعال غريب في المكان، قاله في "النهاية" (¬1). قوله: "ما تجدون في التوراة" قال الباجي (¬2): يحتمل أن يكون أعلم بالوحي أن حكم الرجم فيها ثابت على ما شرع لم يلحقه تبديل، ويحتمل أن يكون علم ذلك بإخبار عبد الله بن سلام أو غيره، وقوله: ما تجدون، قال العلماء (¬3): هذا السؤال ليس لتقليدهم ولا لمعرفة الحكم منهم، وإنَّما هو لإلزامهم بما يعتقدونه في كتابهم. قوله: "يحمم" (¬4) بالحاء المهملة أي: يصب عليه ماء حار مخلوط بالرماد، وقيل: يسوّد وجهه بالفحم، والتجبيه (¬5): بالجيم فموحدة فمثناة تحتية, من جبهة الرجل إذا قابلته بما يكره من قول أو فعل، وقيل: هي بوزن تذكرة ومعناها الركوب معكوساً وهو الذي في [219/ أ] الرواية هنا، وهو مدرج من كلام الزهري؛ لأن أصل الحديث من روايته وحاصله [262 ب] إحتمال أنه من الجبْه من جبهه وهو الاستقبال بالمكروه أو من التجبيه. ¬

_ (¬1) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 564). وانظر: "المجموع المغيث" (1/ 650). (¬2) في "المنتقى" (7/ 133). (¬3) قاله النووي في شرح "صحيح مسلم" (11/ 208). (¬4) انظر "القاموس المحيط" (ص 1418) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 439). (¬5) أصل التجبيه أن يحمل اثنان على دابة, ويجعل قفا أحدهما إلى قفا الآخر، والقياس أن يقابل بين وجوههما؛ لأنه مأخوذ من الجبهة, والتجبية أيضاً: أن ينكس رأسه, فيحتمل أن يكون المحمول على الدابة إذا فُعل به ذلك نكس رأسه, فسمي ذلك الفعل تجبيهًا، ويحتمل أن يكون من الجبْه وهو الاستقبال بالمكروه, وأصله من إصابة الجبهة, يقال: جبهته إذا أصبت جبهته. "النهاية في غريب الحديث" (1/ 233). غريب الحديث للهروي (4/ 76).

قوله: "وسكت شاب منهم" في حديث جابر عند أبي داود (¬1) فقال - صلى الله عليه وسلم -: "ائتوني بأعلم رجلين منكم"، وفي حديث ابن عباس (¬2): "فأتوه برجلين أحدهما شاب والآخر شيخ قد سقط حاجباه على عينيه من الكبر". وفي رواية (¬3): "أن الشاب ابن صوريا". قوله: "فرجمهما" قال النووي (¬4): في هذا دليل على وجوب حد الزنا على الكافر، وأنه يصح نكاحه؛ لأنه لا يجب الرجم إلا على المحصن، فلو لم يصح نكاحه لم يثبت إحصانه، ولم يرجم، وفيه: أن الكفار (¬5) مخاطبون بفروع الشرع، وفيه: أن الكفار إذا تحاكموا إلينا حكم القاضي بينهم بحكم شرعنا. انتهى. فإن قيل: هل رجمهما - صلى الله عليه وسلم - بالبينة أم بالإقرار؟ قيل: الظاهر أنه بالإقرار، وقد جاء في "سنن أبي داود" (¬6) وغيره: أنه شهد عليهما أربعة منهم رأوا ذكره في فرجها، فإن صح هذا فإن كان الشهود مسلمين فظاهر، وإن كانوا يهوداً فلا اعتبار بشهادتهم، ويتعين أنه كان الرجم عن إقرارهما. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (4452) بسند ضعيف. (¬2) أخرجه الطبراني كما ذكره الحافظ في "الفتح" (11/ 168). (¬3) أخرجه أبو داود في "السنن" (4452) بسند ضعيف. (¬4) في شرحه لـ "صحيح مسلم" (11/ 208). (¬5) انظر: "إرشاد الفحول" (ص 72، 73) المحصول (1/ 240 - 241)، "شرح الكوكب المنير" (1/ 512) (¬6) في "السنن" (4452).

وقال المالكية (¬1) ومعظم الحنفية (¬2) وربيعة شيخ مالك (¬3): شرط الإحصان الإسلام، قالوا: وإنما رجمهما - صلى الله عليه وسلم - بحكم التوراة, وليس هو من حكم الإسلام في شيء، وإنما هو من باب تنفيذ الحكم عليهم بما في كتابهم، فإنّ في التوراة الرجم على المحصن وغير المحصن، ورده الحافظ ابن حجر (¬4) فإن الروايات أنه لا رجم إلا على المحصن من اليهود قال ابن العربي (¬5): في الحديث أن الإسلام ليس شرطاً في الإحصان، ثم ذكر توجيهاً لمن قال إن الإسلام شرطه ورده وقال: الحق أحق أن يتبع ولو [263 ب] جاءوني لحكمت عليهم بالرجم ولم أعتبر الإسلام في الإحصان. انتهى، وما أحسن ما قاله!. وأما قول الحافظ فإن صحّ هذا - أي حديث الإتيان بالشهود - هو حديث رواه أبو داود (¬6) بلفظ: "فدعا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بالشهود فجاءوا أربعة فشهدوا". والظاهر أنهم من اليهود إذ يبعد اطلاع المسلمين على رؤية الزانيين من اليهود، وأنهم رأوا ذكر الزاني في فرج المرأة مثل الميل في المكحلة. فالظاهر قبول شهادة اليهود بهذا، وإن كان قال المنذري (¬7): فيه مجالد بن سعيد وهو ضعيف. ¬

_ (¬1) "الاستذكار" (24/ 61) "التمهيد" (14/ 8 - 9، 10). مدونة الفقه المالكي وأدلته (4/ 622 - 623). (¬2) "البناية في شرح الهداية" (6/ 224). (¬3) "الاستذكار" (24/ 61) مدونة الفقه المالكي وأدلته (4/ 622). (¬4) في "فتح الباري" (12/ 170). (¬5) ذكره الحافظ في "الفتح" (12/ 170). (¬6) في "السنن" رقم (4452) بسند ضعيف. (¬7) في "مختصر السنن" (6/ 265).

الباب الثالث: في حديث اللواط وإتيان البهيمة

قوله: "ارتخصتم" في "القاموس" (¬1) ارتخص افتضح، كأن المراد هنا: افتضحتم بمخالفة حكم الله الذي في التوراة، أو افتضحتم لما قلتم بفضحهم. 9 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أَنَّ الْيَهُودَ جَاءُوا إِلَى رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرُوا لَهُ أَنَّ امْرَأَةً مِنْهُمْ وَرجُلاً زَنَيَا، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ فِي شَأْنِ الرَّجْمِ؟ "، فَقَالُوا: نَفْضَحُهُمْ وَيُجْلَدُونَ، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلاَمٍ: كَذَبْتُمْ إِنَّ فِيهَا الرَّجْمَ، فَأَتَوْا بِالتَّوْرَاةِ فَنَشَرُوهَا فَوَضَعَ أَحَدُهُمْ يَدَهُ عَلَى آيَةِ الرَّجْمِ ثُمَّ جَعَلَ يَقْرَأُ مَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلاَمٍ: ارْفَعْ يَدَكَ. فَرَفَعَ فَإِذَا فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ فَقَالُوا: صَدَقَ يَا مُحَمَّدُ فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ، فَأَمَرَ بِهِمَا فَرُجِمَا، قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَرَأَيْتُ الرَّجُلَ يَحْنِي عَلَى المَرْأَةِ يَقِيهَا الحِجَارَةَ. أخرجه الستة (¬2) إلا النسائي. [صحيح]. قوله: "في حديث ابن عمر فأتوا بالتوراة" فيه دليل على أن ألفاظ التوراة لم تحرف، وإنما حرفت معانيها إذ لو كانت حرفت ألفاظها لما بقيت حجة، ولا أمر الله ورسوله بالإتيان بها. قوله: "يحنى على المرأة" بضم حرف المضارعة فحاء ساكنة فنون، قال ابن الأثير (¬3): أحنى عليه يحني إذا أكب عليه يقيه بنفسه شيئاً يؤذيه, وحانى تحاني فاعل يفاعل منه. الباب الثالث: في حديث اللواط وإتيان البهيمة 1 - عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قَالَ النَبِيّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوْطٍ فَاقْتُلُوْا الْفَاعِلَ وْالمَفْعُولَ بِهِ". أخرجه الترمذي (¬4). [صحيح]. ¬

_ (¬1) "القاموس المحيط" (ص 80). (¬2) أخرجه البخاري رقم (7543) ومسلم رقم (26/ 1699) وأبو داود رقم (4446، 4449) والترمذي رقم (1436) وابن ماجه رقم (2556) ومالك (2/ 819). (¬3) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (1/ 445)، "غريب الحديث" للهروي (3/ 314). (¬4) في "السنن" رقم (1456). =

قال: وكذا روي (¬1) عن أبي هريرة. ولأبي داود (¬2) عن ابن عباس: فِي الْبِكْرِ يُوجَدُ عَلَى الُّلوطِيَّةِ أَنَّهُ يُرْجَمُ [موقوف بسند صحيح]. قوله: "في حديث ابن عباس أخرجه الترمذي". قلت: وقال (¬3) وإنما يعرف هذا الحديث عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من هذا الوجه. وروى محمد بن إسحاق هذا الحديث عن عمرو بن أبي عمرو فقال: "ملعون من عمل عمل قوم [264 ب] لوط" ولم يذكر فيه القتل (¬4). انتهى كلامه. قلت: وحديث ابن عباس هذا أخرجه أيضاً أبو داود (¬5) بلفظه: وقال المنذري (¬6): ما قاله الترمذي من أنه من حديث عمرو بن أبي عمرو. ¬

_ = وأخرجه أحمد (1/ 300) وابن ماجه رقم (2561) وأبو داود رقم (4462) والنسائي في "السنن الكبرى" (4/ 322 رقم 36/ 2159) والبيهقي (8/ 231 - 232) والحاكم (4/ 255) وقال الحاكم: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي، ووافقهما الألباني في "الإرواء". وهو حديث صحيح، والله أعلم. (¬1) في "السنن" (4/ 58). (¬2) في "السنن" رقم (4463) وهو موقوف بسند صحيح. (¬3) أي الترمذي في "السنن" (4/ 58). (¬4) أخرجه الطبراني فى "المعجم الكبير" رقم (11546) والحاكم (4/ 356) والبيهقي في "السنن الكبرى" (8/ 231) وفي "شعب الإيمان" رقم (5373) من طريق عبد العزيز بن محمد الدراوردي، عن عمرو بن أبي عمرو، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " ... ملعون من عمل بعمل قوم لوط". وأخرجه أحمد (1/ 217) من طريق محمد بن إسحاق، عن عمرو بن أبي عمرو، عن عكرمة، عن ابن عباس به. وهو حديث صحيح، والله أعلم. (¬5) في "السنن" رقم (4462). (¬6) في "مختصر السنن" (6/ 273).

[قال (¬1): وعمرو بن أبي عمرو] (¬2) مولى المطلب، قال ابن معين: ينكر عليه حديث (¬3) "اقتلوا الفاعل والمفعول". انتهى. إذا عرفت هذا فكان على المصنف أن يقول: أخرجه الترمذي (¬4) وأبو داود (¬5)، لكنه تبع ابن الأثير، فإنه اقتصر على نسبته إلى الترمذي فقط وهو تقصير. قوله: "وقال" يريد الترمذي (¬6) "وكذا روي عن أبي هريرة". قلت: وساقه بإسناده [220/ أ] ثم قال: هذا حديث في إسناده مقال ولا نعلم أحداً رواه عن سهل بن أبي صالح غير عاصم بن عمر العمري، وعاصم بن عمر يضعف في الحديث من قبل حفظه. انتهى كلامه على حديث أبي هريرة الذي أشار إليه المصنف. قوله: "ولأبي داود عن ابن عباس". قلت: وأخرجه النسائي وقال: عن سعيد بن جبير (¬7) كما قاله المنذري (¬8). 2 - وعنه - رضي الله عنه -: أَنَّ عَلِيَّاً (¬9) - رضي الله عنه - أَحْرَقَهُمَا. ¬

_ (¬1) أي: المنذري فى مختصره (6/ 273). (¬2) سقطت من (ب). (¬3) تقدم وهو حديث صحيح. (¬4) في "السنن" رقم (1456). (¬5) في "السنن" رقم (4462). (¬6) في "السنن" (4/ 58) (¬7) في "السنن الكبرى" رقم (7338 - العلمية) والبيهقي في "السنن الكبرى" (8/ 232). (¬8) في مختصره (6/ 273). (¬9) أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (8/ 232 - 233). وذكره المنذري في "الترغيب والترهيب" (3/ 351).

وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ (¬1) - رضي الله عنه - هَدَمَ عَلَيْهُمَا حَائِطَاً. أخرجه رزين. قوله: "أخرجه رزين". قلت: قال الحافظ المنذري (¬2): حرّق اللوطية بالنار أربعة من الخلفاء: أبو بكر الصديق، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن الزبير، وهشام بن عبد الملك. انتهى. وقال ابن القيم في كتاب "الداء والدواء" (¬3): أنه أطبق أصحاب رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - على قتل اللوطي ولم يختلف فيه اثنان، وإنما اختلفت أقوالهم في صفة قتله، فظنّ بعضهم أن ذلك اختلاف منهم في قتله، وهي بينهم مسألة إجماع لا مسألة نزاع، وثبت عنه صلى الله عليه [265 ب] وآله وسلم لعن (¬4) من عمل عمل قوم لوط، ولم يأت لعن للزاني في حديث قط. 3 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - "مَلْعُونٌ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوْطٍ" (¬5). أخرجه رزين. قوله: "وعنه" أي [أبي هريرة] (¬6). "ملعون من عمل عمل قوم لوط" إلى قوله: "أخرجه رزين". ¬

_ (¬1) أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (8/ 232) وفيه: " ... فكتب أبو بكر إلى خالد بن الوليد يأمره أن يحرقه بالنار" وفي إسناده إرسال. • وقال عمر وعثمان: إلى أنه يلقى عليه حائط. انظر "المغني" (12/ 349) "الإشراف" على مذاهب أهل العلم (2/ 36) "روضة الطالبين" (10/ 90). (¬2) في "الترغيب والترهيب" (3/ 251). (¬3) (ص 333، 347 - 348) مكتبة ابن تيمية - القاهرة. (¬4) تقدم نصه وتخريجه. (¬5) يغني عنه ما تقدم من حديث عمرو بن أبي عمرو، وهو حديث صحيح. (¬6) كذا في المخطوط (أ) والذي أثبتناه من (ب) والتيسير.

قلت: بل أخرجه الترمذي (¬1) عن عمرو بن أبي عمرو، وقدمنا كلامه، [وأنه وزاد] (¬2)، وذكر فيه "ملعون من أتى بهيمة". 4 - وعن جابر - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي عَمَلُ قَوْمِ لُوْطٍ". أخرجه الترمذي (¬3). [ضعيف]. قوله: "في حديث جابر وأخرجه الترمذي". قلت: وقال (¬4) هذا حديث حسن غريب، إنما نعرفه من هذا الوجه عن عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب عن جابر. انتهى. وفي "التقريب" (¬5): عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب الهاشمي، إلى أن قال: صدوق في حديثه لين، ويقال: تغير بآخره. انتهى. 5 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَلْعُونٌ مَنْ أَتَى امْرَأةً فِي دُبُرهَا". أخرجه أبو داود (¬6). [حسن]. ¬

_ (¬1) تقدم وهو حديث صحيح. (¬2) كذا في المخطوط، والذي في "سنن الترمذي" ولم يذكر فيه القتل. (¬3) في "السنن" رقم (1457) وهو حديث ضعيف. وقد صححه الألباني. (¬4) في "السنن" (4/ 58). (¬5) (1/ 447 - 448 رقم 607). (¬6) في "السنن" رقم (2162). وأخرجه أحمد في "المسند" (2/ 444) والنسائي في عشرة النساء رقم (129) وابن ماجه رقم (1933) وعبد الرزاق في "المصنف" رقم (20952) وابن أبي شيبة في "المصنف" (4/ 253) والدارمي (1/ 260) والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (3/ 44) والبيهقي في "السنن الكبرى" (7/ 198) والبغوي في "شرح السنة" رقم (2997). وهو حديث حسن، والله أعلم.

6 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما -: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَا يَنْظُرُ اللهُ تَعَالَى إِلَى رَجُلٍ أَتَى رَجُلَاً، أَوْ امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا". أخرجه الترمذي (¬1). [حسن لغيره]. قوله: "في حديث ابن عباس لا ينظر الله .. إلى آخره، أخرجه الترمذي". قلت: وقال (¬2) حسن غريب. 7 - وعنه - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَتَى بَهِيمَةً فَاقْتُلُوهُ, وَاقْتُلُوهَا مَعَهُ"، فَقِيْلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: مَا شَأْنُ الْبَهِيمَةِ؟ قَالَ: أُرَاهُ لِئَلَّا يُؤْكَلَ لَحَمُهَا أَوْ يُنْتَفَعَ بِهَا وَقَدْ فُعِلَ بِهاَ ذَلِكَ. أخرجه أبو داود (¬3) والترمذي (¬4). [إسناده حسن]. ولهما (¬5) أيضاً عنه, قال: "لَيْسَ عَلَى الَّذِي يَأْتِيَ الْبَهِيْمَةَ حَدٌّ". [حسن]. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (1165) وقال: هذا حديث حسن غريب. وأخرجه النسائي في عشرة النساء رقم (115) وابن أبي شيبة في "المصنف" (4/ 251 - 252) وأبو يعلى رقم (2378). وهو حديث حسن لغيره, والله أعلم. (¬2) أي الترمذي في "السنن" (3/ 469). (¬3) في "السنن" رقم (4464) وقال: ليس هذا بالقوي. (¬4) في "السنن" رقم (1455). وأخرجه أحمد (1/ 269) والنَّسائي في "السنن الكبرى" رقم (7340 - العلمية)، وعبد بن حميد رقم (575، وأبو يعلى رقم (2462)، و (2743) والدارقطني (3/ 126 - 127) والحاكم (4/ 355) والبيهقي في "السنن الكبرى" (8/ 223) وفي المعرفة رقم (5087) من طرق بإسناد حسن. (¬5) أخرجه الترمذي رقم (1455) وأبو داود في "السنن" رقم (4465). وقال: حديث عاصم يضعف حديث عمرو بن أبي عمرو. وهو حديث حسن، والله أعلم.

الباب الرابع: في حد القذف

قوله: "في حديث ابن عباس فقيل لابن عباس ما شأن البهيمة" في الحديث هذا قال: ما سمعت من رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في ذلك شيئاً ولكن أراه .. إلى آخره. قوله: "أخرجه الترمذي وأبو داود". قلت: وأخرجه النسائي (¬1)، قال البخاري (¬2): عمرو صدوق [و] (¬3) لكنه روى عن عكرمة مناكير. انتهى. ويريد بعمرو عمرو بن أبي عمرو؛ لأنه الذي رواه عن عكرمة عن ابن عباس. وقال أبو داود (¬4) بعد إخراجه: ليس هذا الحديث بالقوي. انتهى. وقال الترمذي (¬5): هذا حديث لا نعرفه إلا من حديث عمرو بن أبي عمرو عن عكرمة عن ابن عباس، ثم ذكر حديث ابن عباس "أنه من أتى بهيمة فلا حد عليه" وقال هو أصح من الحديث الأول، وأراد بالأول هو الذي ساقه "المصنف" من قتل البهيمة والفاعل. [266 ب]. الباب الرابع: في حد القذف 1 - عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: لمَّا نَزَلَ عُذْرِي قَامَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - علَى المِنْبَرِ فَذَكَرَ ذَلكَ وَتَلاَ، - تَعْنِي الْقُرْآنَ - فَلمَّا نَزَلَ مِنَ المِنْبَرِ أَمَرَ [بِرَجُلَيْنِ] (¬6) وَالمَرْأَةِ فَضُرُبوا حَدَّهُمْ. [حسن]. تَعْنِي حَسَّانَ بْن ثَابِتٍ، وَمِسْطَحَ بْن أُثَاثَةَ، وَحَمْنَةَ بْنْتَ جَحْشٍ. أخرجه أبو داود (¬7). ¬

_ (¬1) في "السنن الكبرى" رقم (7340 - العلمية). (¬2) انظر: "تهذيب التهذيب" (3/ 295) "ميزان الاعتدال" (5/ 337 رقم 6420). (¬3) زيادة من (أ). (¬4) في "السنن" (4/ 610). (¬5) في "السنن" (4/ 57). (¬6) في (ب) بالرجلين. (¬7) في "السنن" رقم (4474). =

قوله: "في حديث عائشة أخرجه أبو داود". قلت: أخرجه عن عائشة إلى قولها: (¬1) "حدهم" وأخرج عن محمد بن إسحاق هذا الحديث ولم يذكر عائشة وقال فيه: "وأمر برجلين وامرأة ممن تكلم بالفاحشة حسان بن ثابت ومسطح بن أثاثة"، قال النفيلي (¬2): ويقولون المرأة: حمنة بنت جحش. إذا عرفت هذا فقد داخل المصنف الحديثين بما أوهم أن تعين الرجلين والمرأة ثابت في حديث أبي داود عن عائشة، وليس كذلك؛ فإن هذا التعيين من حديث ابن إسحاق ولهم فيه مقال ولا كلام في صحة تعيين الثلاثة بأحاديث ثابتة صحيحة. لكن هذا الذي صنعه المصنف فيه ما ذكرناه، وفيه ابن الأثير (¬3) فقد ساق الروايتين كما هما في أبي داود فساق حديث عائشة إلى قولها "حدهم" ثم قال: وفي رواية عن محمد بن إسحاق - لم يذكر عائشة - قال: "فأمر برجلين وامرأة ممن تكلم بالفاحشة حسان بن ثابت ومسطح بن أثاثة"، قال النفيلي: ويقولون المرأة حمنة بنت جحش. أخرجه أبو داود (¬4)، هذا لفظ ابن الأثير. وهو لفظ أبي داود إلا أن نسخ أبي داود في الرواية عن عائشة قتيبة بن سعيد ونسخه في الرواية عن أبي إسحاق النفيلي، لكن هذا سهَّل بعد فصل الروايتين. ¬

_ = أخرجه أحمد (6/ 35، 61) والترمذي رقم (3181) وابن ماجه رقم (2567) وهو حديث حسن، والله أعلم. (¬1) وهو كما قال. (¬2) أخرجه أبو داود في "السنن" رقم (4475). (¬3) في "جامع الأصول" (3/ 552). (¬4) في "السنن" رقم (4474، 4475).

2 - وَعَنْ أَبِي الزِّنَادِ - رضي الله عنه - قَالَ: جَلَدَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ - رضي الله عنه - عَبْدًا فِي فِرْيَةٍ ثَمَانِينَ. قَالَ أَبُو الزِّنَادِ: فَسَأَلْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: أَدْرَكْتُ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ، وَعُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَالخُلَفَاءَ، وَهَلمَّ جَرًّا فَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا جَلَدَ عَبْدًا فِي فِرْيَةٍ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَيِنَ. أخرجه مالك (¬1). [مقطوع صحيح]. قوله: "وعن أبي الزناد" وقدمنا أنه عبد الله (¬2) بن ذكوان وأنه فقيه ثقة. قوله: "عبد الله بن عامر بن ربيعة" (¬3) هو العنزي، حليف بني عدي، أبو محمد المدني، ولد على عهد النبي صلى الله [267 ب] عليه وآله وسلم ولأبيه صحبة. قوله: "جلد عبداً في فرية أكثر من أربعين". قلت: وذلك أنه ينصف له (¬4) حد القذف كما ينصف له حد الزنا قياساً له على الأمة الزانية التي قال الله في حقها: {فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ}، فألحق العلماء العبيد بالإماء، وألحقوا حدّ القذف بحد الزنا، وكان عمر بن عبد العزيز لا يرى هذا الإلحاق اجتهاداً منه. ¬

_ (¬1) في "الموطأ" (2/ 828 رقم 17). وأخرجه عبد الرزاق في المصنف رقم (13794) والبيهقي في "السنن الكبرى" (8/ 251) عن مالك به. وإسناده صحيح. وأخرجه عبد الرزاق في المصنف رقم (13793) وابن سعد في "الطبقات" (5/ 9) والبيهقي (8/ 251) من طريق الثوري وابن عيينة, عن أبي الزناد، به، وزاد معهم: أبا بكر الصديق، إسناده صحيح. وخلاصة القول: أن الأثر مقطوع صحيح، والله أعلم. (¬2) "التقريب" (1/ 413 رقم 286). (¬3) "التقريب" (1/ 425 رقم 397). (¬4) انظر: "فتح الباري" (12/ 185)، "المغني" (2/ 384) "المحلى" (11/ 271 - 272).

الباب الخامس: في حد السرقة

3 - عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قَالَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا قَالَ رَجُلٍ لِرَجُلٍ: يَا يَهُوْدِيُّ! فَاضْرِبُوْهُ عِشْرِيْنَ، فَإِنْ قَالَ: يَا مُخَنَّثُ! فَمِثْلُهُ، وَمَنْ وَقَعَ عَلَى ذَاتِ محْرَمٍ فَاقْتُلُوْهُ, هَذَا إِذَا عَلِمَ. أخرجه الترمذي (¬1). [ضعيف]. قوله: "في حديث ابن عباس أخرجه الترمذي". قلت: ثم قال (¬2): هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وإبراهيم [221/ أ] بن إسماعيل يضعف في الحديث. قال: وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من غير وجه روايات البراء بن عازب (¬3) وقرة بن إياس المزني: "أن رجلاً تزوج امرأة أبيه فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بقتله". والعمل (¬4) على هذا عند أصحابنا قالوا: من أتى ذات محرم وهو يعلم فعليه القتل، وقال أحمد: من تزوج أمه قتل، وقال إسحاق: من وقع على ذات محرم قتل. انتهى. الباب الخامس: في حد السرقة عرفوا السرقة (¬5) بأخذ شيء خفية ليس للآخذ أخذه. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (1462) وهو حديث ضعيف، وأخرجه ابن ماجه رقم (2564، 2568). (¬2) في "السنن" (4/ 62). (¬3) أخرجه أحمد (4/ 290) وأبو داود رقم (4457) والترمذي بإثر الحديث رقم (1362) وقال: حسن غريب، والنسائي رقم (3331) وابن ماجه رقم (2607) وهو حديث صحيح. (¬4) هذه العبارة في "السنن" متقدمة على قوله: "روي ... ". (¬5) قال المناوي في التوقيف على مهمات التعاريف (ص 403). السرقة: أخذ ما ليس له أخذه في خفاء، وصار ذلك في الشرع لتناول الشيء من موضع مخصوص، وقدر مخصوص على وجه مخصوص. انظر: "التعريفات" للجرجاني (ص 123).

قال القاضي عياض (¬1): صان الله الأموال بإيجاب القطع على السارق، ولم يجعل ذلك في غير السرقة كالاختلاس والانتهاب والغصب؛ لأن ذلك قليل بالنسبة إلى السرقة وإلا [ما كان] (¬2) استرجاع هذا النوع بالاستعداء إلى ولاة الأمور، ويسهل إقامة البينة عليه بخلاف السرقة، فإنه [268 ب] يندر إقامة البينة عليها، فعظم أمرها واشتدت عقوبتها لتكون أبلغ في الزجر عنها. انتهى (¬3). جعل فيه ابن الأثير (¬4) أربعة فصول: الأول في موجب القطع، وذكر حديث عائشة، بدأ به كما بدأ به المصنف. 1 - عن عائشة - رضي الله عنها - قَالَتْ: لَمْ تُقْطَعُ يَدُ سَارِقٍ عَلَى عَهْدِ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَدْنَى مِنْ ثَمَنِ المِجَنِّ تُرْسٌ أَوْ جَحَفَةُ، وَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ذَا ثَمَنٍ (¬5). [صحيح]. قوله: "في حديث عائشة ترس أو جحفة" بدل من المجن وهو بكسر الميم، والجحفة ترس صغير لما أنزل الله آية السرقة مجملة بينها الحديث، إلا أن حديث عائشة هذا مجمل أيضاً بالنسبة إلى ما تأخر من الأزمنة عن عصرها، وأما في عصرها فلعله كان معروفاً قدر ثمنه ¬

_ (¬1) في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (5/ 495 - 496). (¬2) في (أ) لكان, وفي (ب) ولمكان, وما أثبتناه من المعلم. (¬3) هكذا جاء النص مضطرب العبارة والمعنى، وإليك نصه من "المعلم بفوائد مسلم" (5/ 495 - 496): حيث قال: صان الله تعالى الأموال بحد القطع في السرقة في أول حدود ماله من المال، وأن يجعل ذلك في غير السرقة والزنا والاغتصاب؛ لأن ذلك في الأقل من أهل القدرة في الأكثر؛ لأن ما كان مجاهرة فاسترجاعه ممكن بالعلم متوفر في السرقة مستشرى، قلما يتوصل بالاطلاع عليها، وإقامة الشهادة فيها فعظم فيها، واتسعت العقوبة فيها لشدائد الزجر عنها. وتجرد التوصل إلى معرفة ما اشتهر به منها ... ". (¬4) في "الجامع" (3/ 554 - 558). (¬5) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (6791) ومسلم رقم (1684) وأبو داود (4383، 4384)، والترمذي رقم (1445) والنسائي رقم (4921) ومالك في "الموطأ" (2/ 832) وأحمد (6/ 36).

[ويأتي] (¬1) حديث ابن عمر أن قيمة المجن كان ثلاثة دراهم وهو ربع الدينار كما صرح به في غيره، إذ الدينار باثني عشر درهما. واعلم أنه قد أجمع المسلمون على قطع السارق في الجملة (¬2) وان اختلفوا في فروع منه فاختلفوا في اشتراط النصاب وقدره، فقال أهل الظاهر (¬3): يقطع سارق القليل والكثير، وحكي عن الحسن (¬4)، واحتجوا بعموم الآية، واشترط جماهير العلماء (¬5) النصاب واختلفوا في قدره؛ فقال الشافعي (¬6): هو ربع دينار ذهباً، أو ما قيمته ذلك سواء كانت قيمته ثلاثة دراهم أو أقل أو أكثر، وقال آخرون: يقطع في ربع دينار أو ثلاثة دراهم وما قيمته ذلك وهو مذهب مالك (¬7) وأحمد (¬8) وإسحاق (¬9). وقال أبو حنيفة (¬10) والهادوية (¬11): لا قطع إلا في عشرة دراهم أو ما قيمته ذلك. والتفاصيل وذكر راجح الأقوال في المطولات ويأتي بعض ذلك. ¬

_ (¬1) في (ب) وما في. (¬2) انظر "المغني" (12/ 418). (¬3) "المحلى" (11/ 351). (¬4) موسوعة فقه الحسن البصري (2/ 527) "الاستذكار" (24/ 166 رقم 35894). (¬5) انظر "المغني" (12/ 418) "فتح الباري" (12/ 106 - 108). (¬6) "الأم" (7/ 373) و"البيان" للعمراني (12/ 438). (¬7) "الاستذكار" (24/ 158 - 159). (¬8) "المغني" (12/ 418). (¬9) انظر "فتح الباري" (12/ 107) "المغني" (12/ 418). (¬10) "البناية في شرح الهداية" (6/ 376). (¬11) "البحر الزخار" (5/ 176).

فمن أدلة الثلاثة الدراهم حديث ابن عمر الذي أخرجه الستة (¬1)، ومن أدلة الأولين الذين لا يعتبرون نصاباً حديث (¬2) أبي هريرة وقوله فيه: "يسرق البيضة فتقطع يده" فإن البيضة ظاهرة في المعروفة، والحبل عام لكل حبل، وتأويل الأعمش (¬3) ببيضة الحديد وحبل السفينة مثلاً، خلاف الظاهر. قال النووي (¬4): وبلاغة الكلام تأباه لأنه لا يذم في العادة [269 ب] من خاطر بيده في شيء له قدر يريد وبيضة الحديد والحبل لهما قدر وقيمة، وإنما يذم من خاطر بها فيما لا قدر له فهو موضع تقليل لا تكثير. 2 - وَعَنْ ابن عُمَر - رضي الله عنهما - قَالَ: قَطَعَ النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - سَارِقَاً فِي مجنٍّ قِيْمتُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ. أخرجهما الستة (¬5). [صحيح]. وقوله: "في حديث ابن عمر قطع في مجن قيمته ثلاثة دراهم" لا ينفي القطع فيما دونه، وكذا مفهوم حديث عائشة: ما طال علي ولا نسيت القطع في ربع دينار فصاعداً (¬6). ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد (2/ 80، 82) والبخاري رقم (6795) ومسلم رقم (6/ 1686) وأبو داود رقم (4385) والترمذي رقم (1446) والنسائي رقم (4921) وهو حديث صحيح. (¬2) أخرجه أحمد (2/ 235) والبخاري رقم (6799) ومسلم رقم (7/ 1687). (¬3) قال الأعمش: كانوا يرون أنه بيض الحديد، والحبل كانوا يرون أن منها ما يساوي دراهم. زيادة من البخاري رقم (7699). (¬4) في شرحه لـ "صحيح مسلم" (11/ 183). (¬5) تقدم تخريجه وهو حديث صحيح. (¬6) أخرجه مالك في "الموطأ" (2/ 832 رقم 24) وهو أثر موقوف صحيح، وانظر "فتح الباري" (12/ 102).

قال الحافظ (¬1): وهو وإن لم يكن مرفوعاً لكنه في معنى المرفوع، فإن عدم القطع فيما دونه مفهوم، إلا أنه قد رواه النسائي (¬2) بلفظ: "لا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار فصاعداً"، وهو مفهوم حصر قوي قد قيل بأنه منطوق. وقد حققنا في حواشي "ضوء النهار" (¬3) تحقيقاً شافياً وسقنا الأدلة، ورجح لنا أن قدر النصاب ربع دينار لأدلة ناهضة. 3 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَعَنَ الله السَّارِقَ يَسْرِقُ الْبَيْضَةَ فَتُقْطَعُ يَدُه وَيَسْرِقُ الحَبْلَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ". قال الأعمش: وكانوا يرون أنه بيض الحديد، وإن من الحبال ما يساوي دراهم. أخرجه الشيخان (¬4) والنسائي (¬5). [صحيح]. 4 - عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ المَخْزُومِيِّ - رضي الله عنه -: أُتِيَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بِلِصٍّ قَدِ اعْتَرَفَ وَلَمْ يُوجَدْ مَعَهُ مَتَاعٌ، فَقَالَ لَهُ: "مَا إِخَالُكَ سَرَقْتَ؟ "، فَقَالَ: بَلَى، فَأَعَادَ عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا كلُّ ذَلِكَ يَعْتَرِفُ فَأَمَرَ بِهِ فَقُطِعَ وَجِيءَ بِهِ فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: "اسْتَغْفِرِ الله وَتُبْ إِلَيْهِ"، فَقَالَ: أَسْتَغْفِرُ الله تَعَالَى وَأَتُوبُ إِلَيْهِ، فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: "اللهمَّ تُبْ عَلَيْهِ"، ثَلاَثًا. أخرجه أبو داود (¬6) والنسائي (¬7). [ضعيف]. ¬

_ (¬1) "فتح الباري" (12/ 102). (¬2) في "السنن" رقم (4928) وهو حديث صحيح. (¬3) (7/ 317) بتحقيقي. (¬4) البخاري في "صحيحه" رقم (6799)، ومسلم رقم (7/ 1687). (¬5) في "السنن" رقم (4873). وهو حديث صحيح. (¬6) في "السنن" رقم (4380). (¬7) في "السنن" رقم (4877). =

قوله: "في حديث أبي أمية المخزومي أخرجه أبو داود". قلت: وبوب له باب: في التلقين في الحد، ثم قال أبو داود (¬1): رواه عمرو بن عاصم عن همام عن إسحاق بن عبد الله قال: عن أبي أمية - رجل من الأنصار - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. قال المنذري (¬2): وأخرجه النسائي (¬3) وابن ماجه (¬4) وذكر الخطابي (¬5) أن في إسناد هذا الحديث مقالاً، إذ رواه رجل مجهول لم يكن حجة. انتهى. ¬

_ = وأخرجه أحمد (5/ 293) والدارمي (2/ 173) والبيهقي (8/ 276) من طريق أبي المنذر مولى أبي ذر عن أبي أمية المخزومي. وهذا إسناد ضعيف لضعف أبي المنذر هذا، فإنه لا يعرف كما قال الذهبي في "الميزان"، وله شاهد من حديث أبي هريرة بنحوه, لكن ليس فيه الاعتراف. وقد أخرجه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" (3/ 168). والدارقطني في "سننه" (3/ 102 رقم 71) والحاكم (4/ 381) والبيهقي (8/ 275 - 276) وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. وقال الألباني في "الإرواء" (8/ 84) قلت: وهو كما قال, وأقره الذهبي، لكن أعله الدارقطني بقوله: ورواه الثوري عن يزيد بن خصيفة مرسلاً، ثم ساق إسناده إليه بذلك. وكذلك رواه الطحاوي من طريق أخرى عن سفيان به. ثم أخرجه من طريق ابن إسحاق، وابن جريج، كلاهم عن يزيد بن خصيفة به، فهذا يؤكد أن المرسل هو الصواب, وأن وصله وهم من الدراوردي، فإنه وإن كان ثقة في نفسه، ففي حفظه شيء. قال الحافظ: "صدوق، كان يحدث من كتب غيره فيخطئ ... ". وخلاصة القول: أن حديث أبي أمية المخزومي ضعيف، وكذلك حديث أبي هريرة ضعيف، والله أعلم. (¬1) في "السنن" (4/ 542 الباب رقم 8). (¬2) في "مختصر السنن" رقم (6/ 217 - 218). (¬3) في "السنن" رقم (4877). (¬4) في "السنن" رقم (2597). (¬5) في "معالم السنن" (4/ 543 - مع "السنن").

وكأنه (¬1) يشير إلى أن أبا المنذر مولى أبي ذر لم يرو عنه إلا إسحاق بن عبد الله. انتهى. قلت: وقوله: رجل من الأنصار يحتمل أنه غير صحابي فيكون مرسلاً. 5 - وَعَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها -: أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ المَرْأَةِ المَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ، فَقَالَوا: مَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالُوا: وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلاَّ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ - رضي الله عنهما -، حِبُّ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ - رضي الله عنه -، فَقَالَ: "أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ الله تَعَالَى؟ "، ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ، ثُمَّ قَالَ: "إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ ترَكُوهُ, وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقامُوا عَلَيْهِ الحَدَّ، وَايْمُ اللهِ، لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ ابْنةَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا". أخرجه الخمسة (¬2). [صحيح]. وفي رواية أبي داود (¬3) والنسائي (¬4) عن ابن عمر - رضي الله عنهما -: أَنَّ امْرَأَةً مَخْزُومِيَّةً كَانَتْ تَسْتَعِيرُ المتَاعَ. زاد النسائي (¬5): عَلَى أَلْسِنَة جَارَاتِهَا وَتَجْحدُهُ فَأَمَرَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِقَطْعِ يَدِهَا. [صحيح]. قوله: "في حديث عائشة المخزومية" قال النووي: اسمها فاطمة (¬6) بنت الأسود بن عبد الأسد [270 ب] المخزومية. ¬

_ (¬1) قاله المنذري في مختصره (6/ 218). (¬2) أخرجه البخاري رقم (6787، 6788) ومسلم رقم (9/ 1688) وأبو داود رقم (4372) والترمذي رقم (1430) والنسائي رقم (4894) وابن ماجه رقم (2547)، وهو حديث صحيح. (¬3) في "السنن" رقم (4395). (¬4) في "السنن" رقم (4887). وهو حديث صحيح. (¬5) في "السنن" رقم (4898). وأخرجه أبو داود رقم (4396) وفيهما: على ألسنة أناس، وهو حديث صحيح. (¬6) انظر "فتح الباري" (12/ 88 - 89).

قوله: "ومن يجتري عليه إلا أسامة حب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -". هو بكسر الحاء، أي: محبوبه ومعنى، يجترئ، يتجاسر عليه بطريق الإدلال، وفي هذه منقبة ظاهرة لأسامة، قاله النووي (¬1). [222/ أ]. قوله: "أتشفع في حديث من حدود الله" قال النووي (¬2): قد أجمع العلماء على تحريم الشفاعة في الحد بعد بلوغه إلى الإمام لهذه الأحاديث، وأنه يحرم التشفيع فيه، فأما قبل بلوغه إلى الإمام فقد أجاز الشفاعة فيه أكثر العلماء إذا لم يكن المشفوع فيه صاحب شر وأذى للناس، فإن كان لم يشفع فيه, وأما المعاصي التي لا حد فيها، وإنما فيها التعزيز فتجوز الشفاعة فيها والتشفيع، سواء بلغت الإمام أم لا؛ لأنها أهون ثم الشفاعة فيها مستحبة. قوله: "وايم الله لو أن فاطمة" فيه دليل بجواز (¬3) الحلف من غير استحلاف وهو مستحب إذا كان فيه تفخيم لأمر مطلوب كما في الحديث، وقد كثرت نظائره في الحديث. قوله: "وفي رواية أبي داود والنسائي ... الحديث". قلت: وهو في "صحيح مسلم" (¬4) بلفظ: "كان امرأة مخزومية تستعير المتاع وتجحده، فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بقطع يدها"، هذا لفظه فلا وجه لتخصيص أبي داود والنسائي بذلك. قال النووي (¬5) في شرحه: قال العلماء أنها قطعت بالسرقة، وإنما ذكرت العارية تعريفاً لها ووصفاً لا أنها سبب القطع. ¬

_ (¬1) في شرحه لـ "صحيح مسلم" (11/ 186). (¬2) في شرحه لـ "صحيح مسلم" (11/ 186). (¬3) ذكره النووي في شرحه لـ "صحيح مسلم" (11/ 186 - 187). (¬4) في "صحيحه" رقم (10/ 1688). (¬5) في شرحه لـ "صحيح مسلم" (11/ 187 - 188).

وقد ذكر مسلم (¬1) هذا الحديث في سائر الطرق المصرحة بأنها سرقت وقطعت فيتعين (¬2) حمل هذه الرواية على ذلك جمعاً بين الروايتين فإنها قضية واحدة [271 ب] مع أن جماعة من الأئمة قالوا: إن هذه الرواية شاذة فإنها مخالفة لجماهير الرواة والشاذ لا يعمل به. قال جماهير (¬3) العلماء وفقهاء الأمصار: لا يقطع من جحد العارية، وتأولوا هذا الحديث بما ذكرناه. انتهى. وقد أطال الحافظ ابن حجر (¬4) في الكلام على رواية: "أنها جحدت العارية فقطعت" وذكر أنه انفرد بها مسلم - أي: عن البخاري -. فالعجب من ابن الأثير (¬5) حيث لم ينسبها إلا إلى النسائي وأبي داود وتبعه المصنف، وقد استشكلت رواية القطع في الجحد بأنه لا حرز، وبأنه خيانة ولا قطع في خيانة, فأحسن الكلام كلام النووي (¬6) في ترجيح رواية السرقة أو الجمع بين الروايتين بما ذكر. 6 - وعن ابن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قَالَ: سُئِلَ النبي - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الثَّمَر المُعَلَّقِ، فَقَالَ: مَنْ أَصَابَ بِفِيهِ مِنْ ذِيْ حَاجَةٍ غَيْرَ مُتَّخِذٍ خُبْنَةً فَلَا شَيْء عَلَيْهِ. أخرجه أصحاب السنن (¬7)، وهذا لفظ الترمذي. [حسن]. ¬

_ (¬1) انظر: رقم (8، 9، 10/ 1688). (¬2) في شرح "صحيح مسلم" زيادة بسبب السرقة. (¬3) ذكره النووي في شرحه لـ "شرح صحيح مسلم" (11/ 188). (¬4) في "فتح الباري" (12/ 89 - 90). (¬5) في "جامع الأصول" (3/ 565). (¬6) في شرحه لـ "صحيح مسلم" (11/ 187 - 188). (¬7) أخرجه أبو داود رقم (1710، 4390) والنسائي رقم (4958) والترمذي رقم (1289) وابن ماجه رقم (2596) وهو حديث حسن.

وزاد أبو داود (¬1) والنسائي (¬2): "وَمَنْ خَرَجَ مِنْهُ بِشَيْءٍ فَعَلَيْهِ غَرَامَةُ مِثْلَيْهِ وَالْعُقُوبَةُ، وَمَنْ سَرَقَ شَيْئًا مِنْهُ بَعْدَ أَنْ يُئْوِيَهُ الجَرِينُ فَبَلَغَ ثَمَنَ المِجَنِّ فَعَلَيْهِ الْقَطْعُ، وَمَنْ سَرَقَ دُونَ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ غَرَامَةُ مِثْلَيْهِ وَالْعُقُوبَةُ". [حسن]. وزاد النسائي (¬3): "وَلَا قَطْعَ فِي حَرِيسَةِ الجَبَلِ، فَإِذَا ضَمَّهَا المُرَاحُ قُطَعَتْ فِي ثَمَنِ المِجَنِّ. [حسن]. "الخُبنَةُ" (¬4) مَا يحمل في الحضن، وقيل: ما يؤخذ في خبنة الثوب، وهو ذيله. "وَالحَريْسَةُ" (¬5) السرقة. "وَحَرِيسَةَ الجَبَلِ" (¬6) أيضاً: الشاة التي يدركها الليل قبل أن تصل إلى مأواها. "وَالمُرَاحُ" (¬7) بضم الميم، الموضع الذي تأوي إليه الماشية ليلاً. قوله: "في حديث ابن عمرو وسئل عن الثمر المعلق" هو الذي في شجره، قاله ابن الأثير (¬8) وهذا لفظ الترمذي وقال (¬9): حسن. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (4390). (¬2) في "السنن" رقم (4959). وهو حديث حسن، والله أعلم. (¬3) في "السنن" رقم (4957) وهو حديث حسن. (¬4) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (3/ 567) "القاموس المحيط" (ص 1539). (¬5) "القاموس المحيط" (ص 692) "النهاية" (1/ 359). (¬6) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (3/ 567). (¬7) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 699). "الفائق" للزمخشري (3/ 111). (¬8) في "جامع الأصول" (3/ 565 رقم 1882). (¬9) أي الترمذي في "السنن" (3/ 584).

وقوله: "خبنة" بضم الخاء المعجمة فموحدة ساكنة فنون فتاء تأنيث، يأتي تفسيرها، وفي رواية أبي داود: "فعليه غرامة مثله" في التيسير هكذا مثله. وهي رواية في أبي داود (¬1)، وفي رواية: "مثليه" بالتثنية وهي لفظ "الجامع الكبير" فصحح عليها، وتكررت في "الجامع" (¬2) في ثلاثة مواضع بالتثنية، فما كان للمصنف إفرادها، وهذه اللفظ هي من أدلة العقوبة بالمال. قوله: "الجرين" (¬3) بالجيم موضع الثمر الذي يجفف فيه مثل البيدر للحنطة. قوله: [272 ب] "حريسة الجبل" قال ابن الأثير (¬4): منهم من يجعل الحريسة السرقة نفسها، فقال: حرس يحرس حرساً إذا سرق، ومنهم من يجعلها المحروسة, يعني: ليس فيما يحرس بالجبل إذا سرق قطع؛ لأنه ليس بموضع حرز، وحريسة الجبل أيضاً الشاة التي يدركها الليل قبل أن تصل إلى مأواها. انتهى. وحريسة (¬5) بالحاء المهملة فراء فمثناة تحتية فسين مهملة، والجبل بالجيم. 7 - وعن جابر - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَا قَطْعَ فِي كَثَرٍ، وَلَا ثَمَر مُعَلّق، وَلَا حَرِيسَةِ جَبَلٍ، وَلَا عَلَى خِيَانَةٍ، وَلَا فِي انْتِهَابٍ وَلَا خَلِيْسَةٍ. أخرجه رزين. "الْكَثَرُ" جمار النخل (¬6). ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (1710، 4390). (¬2) (3/ 566). (¬3) "المجموع المغيث" (1/ 323) "القاموس المحيط" (ص 1530). (¬4) في "غريب الجامع" (3/ 567). (¬5) انظر: "القاموس المحيط" (ص 692) النهاية (1/ 359). (¬6) وهو شَحْبهُ الذي وسط النخلة، النهاية في "غريب الحديث" (2/ 525) "غريب الحديث" للهروي (1/ 287).

"وَالخَلِيسَةُ" (¬1) الشيء المختلس المسلوب المنهوب. قوله: "أخرجه رزين". قلت: بل [أخرج] (¬2) الترمذي (¬3) عن جابر: "ليس على خائن، ولا منتهب، ولا مختلس قطع". قال الترمذي (¬4): هذا حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند أهل العلم. انتهى. وروى الترمذي (¬5) أيضاً حديث: "لا قطع في ثمر ولا كثر" فالعجب عدول المصنف إلى رواية رزين المجهولة مع وجود المخرجة! ¬

_ (¬1) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (3/ 569). (¬2) في (ب) خرج. (¬3) في "السنن" رقم (1448). وأخرجه أحمد (3/ 380) وأبو داود رقم (4391) والنسائي رقم (4971) وابن ماجه رقم (2591) والدارمي (2/ 175) والطحاوي في "شرح المعاني" (3/ 171) والبيهقي (8/ 279) والخطيب في "تاريخ بغداد" (11/ 153) وابن حبان رقم (4457). وقد أعله ابن القطان في الوهم والإيهام (4/ 315) بضعفة أبي الزبير عن جابر. وأجيب: بأنه قد أخرجه عبد الرزاق في مصنفه رقم (18844) وصرح بسماع أبي الزبير عن جابر. وهو حديث صحيح، والله أعلم. (¬4) في "السنن" (4/ 52). (¬5) في "السنن" رقم (1449). وأخرجه أحمد (3/ 463) و (4/ 140، 142) وأبو داود رقم (4388) والنسائي رقم (4961) وابن ماجه رقم (2593) وهو حديث صحيح.

وابن الأثير (¬1) قد أتى بالروايتين رواية الترمذي ورواية رزين، فلو أتى المصنف برواية الترمذي لكان أولى كما لا يخفى [223/ أ]. 8 - وَعَنْ جَابِرِ - رضي الله عنه - قَالَ: جِيءَ إِلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - بِسَارِقٍ فَقَالَ: "اقْتُلُوهُ". فَقَالُوا: يَا رَسُولَ الله! إِنَّمَا سَرَقَ. قَالَ: "اقْطَعُوهُ". فَقُطِعَ، ثُمَّ جِيءَ بهِ الثَّانِيَةَ فَقَالَ: "اقْتُلُوهُ". فَقَالُوا: يَا رَسُولَ الله! إِنَّمَا سَرَقَ. فَقَالَ: "اقْطَعُوهُ". فَقُطِعَ، ثُمَّ جِيءَ بِهِ الثَّالِثَةَ فَقَالَ: "اقْتُلُوهُ"، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ الله! إِنَّمَا سَرَقَ، فَقَالَ: "اقْطَعُوهُ". ثُمَّ أُتِيَ بِهِ الرَّابِعَةَ فَقَالَ "اقْتُلُوهُ". قَالُوا يَا رَسُولَ الله إِنَّمَا سَرَقَ. قَالَ "اقْطَعُوهُ". فَأُتِىَ بِهِ الخَامِسَةَ فَقَالَ: "اقْتُلُوهُ". قَالَ جَابِرٌ - رضي الله عنه -: فَانْطَلَقْنَا بِهِ فَقَتَلْنَاهُ, ثُمَّ اجْتَرَرْنَاهُ فَأَلْقَيْنَاهُ فِي بِئْرٍ، وَرَمَيْنَا عَلَيْهِ بِالحِجَارَةِ. أخرجه أبو داود (¬2) والنسائي (¬3). [ضعيف]. قوله: "في حديث جابر أخرجه أبو داود" وقال المنذري (¬4): وأخرجه النسائي (¬5) وقال: منكر، ومصعب بن ثابت ليس بالقوي في الحديث. انتهى. ومصعب ضعّفه غير واحد، والحديث لا يثبت، والإجماع من الأمة على أنه لا يقتل. انتهى. وقال الشيخ (¬6): هذا الحديث في إسناده مقال. ¬

_ (¬1) في الجامع (3/ 569 - 570). (¬2) في "السنن" رقم (4410). (¬3) في "السنن" رقم (4978). وهو حديث ضعيف، والله أعلم. (¬4) في "مختصر السنن" (6/ 238). (¬5) في "السنن الكبري" (4/ 349 رقم 2/ 7471). (¬6) أي الخطابي في "معالم السنن" (4/ 566 - مع السنن).

وقد عارضه الحديث الصحيح (¬1) الذي لا مقال [273 ب] في سنده وهو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: كفر بعد إيمان, أو زنا بعد إحصان, أو قتل نفس بغير حق". انتهى. قلت: ويبعده ويزيد نكاره (¬2): أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: اقتلوه، فيقولون له: إنما سرق، كيف يأمر بقتله قبل أن يعلم ذنبه؟ وقد كان في الحدود بخصوصها يستثبت زيادة على كل شيء، بل ويلقن [بما] (¬3) يسقطها، وهنا يأمر بقتله قبل علمه ماذا ذنبه! هذا من أمحل المحال. 9 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذَا سَرَقَ الْعَبْدُ فَبِيْعُوهُ وَلَوْ بِنَشٍّ". أخرجه أبو داود (¬4) والنسائي (¬5). [ضعيف]. "النَّشُّ" (¬6) النصف من كل شيء. 10 - وَعَنْ أَزْهَرُ بْنُ عَبْدِ الله الحَرَازِيُّ: أَنَّ قَوْمًا مِنَ الْكَلاَعِيِّينَ سُرِقَ لَهُمْ مَتاَعٌ فَاتَّهَمُوا أُنَاسًا مِنَ الحَاكَةِ, فَأَتَوُا بِهِمْ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ - رضي الله عنه -، فَحَبَسَهُمْ أَيَّامًا, ثُمَّ خلَّى سَبِيلَهُمْ، فَأَتَوُا ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (6878) ومسلم رقم (25/ 1676). (¬2) قال النسائي: لا أعلم في هذا الباب حديثاً صحيحاً. وقال القاضي عياض: لا أعلم أحداً من أهل العلم قال به إلا ما ذكره أبو مصعب صاحب مالك في مختصره ... " ذكره الحافظ في "فتح الباري" (12/ 100). وقال ابن عبد البر: حديث القتل في الخامسة منكر، وقد ثبت "لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث ... "، وثبت "السرقة فاحشة وفيها عقوبة". "فتح الباري" (12/ 100). (¬3) في (أ) ما. (¬4) في "السنن" رقم (4412). (¬5) في "السنن" رقم (4980). وأخرجه ابن ماجه رقم (2589) وهو حديث ضعيف. (¬6) ذكره الحميدي في تفسير غريب ما في الصحيحين (170/ 460). وانظر النهاية (2/ 743).

النُّعْمَانَ فَقَالُوا: خَلَّيْتَ سَبِيلَهُمْ بِغَيْرِ ضَرْبٍ وَلاَ امْتِحَانٍ، فَقَالَ لهمْ النُّعْمَانُ: مَا شِئْتُمْ، إِنْ شِئْتُمْ أَنْ ضَربْتُهُم فَإِنْ خَرَجَ مَتَاعُكُمْ فَذَاكَ، وَإِلاَّ أَخَذْتُ لهمْ مِنْ ظُهُورِكُمْ مِثْلَ مَا أَخَذْتُ مِنْ ظُهُورِهِمْ، فَقَالُوا هَذَا حُكْمُكَ؟ فَقَالَ هَذَا حُكْمُ الله، وَحُكْمُ رَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم -. أخرجه أبو داود (¬1) والنسائي (¬2). [ضعيف]. قوله: "وعن أزهر بن عبد الله الحرازي" بفتح الحاء المهملة فراء فألف فزاي نسبة إلى حراز، قال الذهبي في "الميزان" (¬3): إنه ناصبي كان يسب علياً - عليه السلام -. قلت: فلا تقبل روايته ولا كرامة، وكيف يقبل من سب عليا وبغضه، وقد صح "أن بغضه نفاق" (¬4)، ولا تقبل لمنافق رواية. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (4382). (¬2) في "السنن" رقم (4874). وهو حديث ضعيف، والله أعلم. (¬3) (1/ 173 رقم 699) حيث قال: أزهر بن سعيد تابعي، حسن الحديث، لكنه ناصبي، ينال من علي - رضي الله عنه -. وقال ابن حجر في "تهذيب التهذيب" (1/ 105 - 106): لم يتكموا إلا في مذهبه, وقد وثقه العجلي. وروى عنه جماعة. (¬4) أخرجه مسلم في "صحيحه" رقم (78) وابن أبي شيبة في المصنف (12/ 56) والحميدي في "مسنده" رقم (58) وأحمد في "مسنده" (1/ 84، 95، 128) وفي "فضائل الصحابة" رقم (948، 961، 1059، 1102) والترمذي رقم (3736) والنسائي في المجتبى (8/ 115، 117) وفي خصائص علي رقم (100 - 102) وابن ماجه رقم (114) وابن حبان رقم (6885) وأبو نعيم في "الحلية" (4/ 85) وابن أبي عاصم في السنة رقم (1325) عن علي، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: "لا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق". وهو حديث صحيح. قال الحافظ في "الفتح" (1/ 63) وهذا جارٍ باطراد في أعيان الصحابة لتحقق مشترك الإكرام، لما لهم من حسن الفناء في الدين. =

وثبت أن سباب المؤمن فسوق (¬1)، وكيف يسب رئيس المؤمنين؟ قوله: "أخرجه أبو داود والنسائي". قلت: وكنت سئلت عن هذا الحديث هل هو حجة في ضرب المتهم؟ فأجبت بما حاصله: أن فيه عندهما أزهر، حاله ما عرفت وفيه بقية بن الوليد. قال الذهبي في "الميزان" (¬2): ولأئمة الحديث كلام كثير في بقية بن الوليد، قال فيه أبو حاتم (¬3): لا يحتج به، وقال فيه علي بن مسهر: أحاديث بقية ليست نقية، فكن منها على تقية. انتهى. ولأئمة الحديث كلام كثير في بقية ما بين جرح وتعديل. وأما النعمان بن بشير فهو وإن كان صحابياً صغيراً [274 ب] فلهم فيه كلام. قال الإمام العلامة الكبير محمد بن إبراهيم الوزير في كتابه "قبول البشرى" (¬4) ما لفظه: النعمان بن بشير كان من المستمرين على حرب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - عليه السلام -، وولده - يريد الحسين - مع معاوية ويزيد، ولم يزل مع معاوية ثم مع يزيد، وتولى حمص ليزيد ثم كان زبيرياً. ¬

_ = ومثل الحديث السابق ما ثبت في "صحيح البخاري" رقم (17) ومسلم رقم (218) عن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار". (¬1) أخرجه البخاري رقم (6044) ومسلم رقم (64) من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه -. (¬2) (1/ 331 رقم 1250). (¬3) في "الجرح والتعديل" (2/ 434 - 436 رقم 1728). وانظر "تهذيب التهذيب" (1/ 239 - 240). (¬4) "قبول البشرى في تيسير اليسرى" وهي قيد التحقيق ضمن "العذب النمير في فتاوى ورسائل ابن الوزير".

والقول بخلافة يزيد من أبعد البعيد (¬1) بعد قتله الحسين وقتله خيار أصحاب رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وخيار التابعين -[يعني] (¬2) يوم الحرة - واستباحة حرم رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، وإدخاله (¬3) الخيل والدواب تبول فيه، مع إدمانه السكر والفجور وإعلانه بذلك، وطلب البيعة من الناس على أنهم عبيد له مع أنه مختلف في صحبته لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -. انتهى كلامه. وقوله (¬4): "في صحبته" أي: صحبة (¬5) النعمان وذلك؛ لأنه كان صغيراً في عهده - صلى الله عليه وسلم -. ¬

_ (¬1) لفضل الصحابة وعدالتهم، ووجوب محبتهم يقتضي منا تجنب كل ما ينافي ذلك في حقهم، ولهذا نص أئمة أهل السنة والجماعة على وجوب ذكر الصحابة بمحاسنهم، والكفِّ عن مساويهم، والسكوت عما شجر بينهم، وأن الجميع مجتهد، فمصيبهم له أجران، ومخطئهم له أجر واحد، وخطؤه مغفور. "أصول السنة" لابن أبي زمنين (ص 263). (¬2) زيادة من (ب). (¬3) كلام لا دليل عليه، فهو من نفحات الروافض والمعتزلة والخوارج قال القرطبي في "المفهم": "وأما الحروب الواقعة بينهم فإن وقع من بعضهم بغض، فذلك من غير هذه الجهة, بل للأمر الطارئ الذي اقتضى المخالفة، ولذلك لم يحكم بعضهم على بعض بالنفاق، وإنما كان حالهم في ذلك حال المجتهدين في الأحكام، للمصيب أجران, وللمخطئ أجر واحد، والله أعلم. "فتح الباري" (1/ 63). "العقيدة الواسطية" (ص 226 - 227 - الهراس). (¬4) أي ابن الوزير. (¬5) بل قال ابن الوزير في "الروض الباسم" (1/ 273): " ... وقتل النعمان بن بشير أول مولود في الإسلام في الأنصار صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ". • وقال ابن الأثير في "أسد الغابة" (5/ 310) وقال ابن الزبير: النعمان أكبر مني بستة أشهر، وهو أول مولود للأنصار بعد الهجرة، في قول له، ولأبويه صحبة. ثم قال: قال أبو عمر: لا يصحح بعض أهل الحديث سماعه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو عندي صحيح؛ لأن الشعبي يقول عنه: "سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "، وقال ابن حجر في "الإصابة" (6/ 346 رقم 8749) النعمان =

وكثير من الأئمة يشترط في صحة الصحبة طول المجالسة (¬1)، ومن اشترط هذا لا يعد صحابياً مع أن في قوله: "هذا حكم الله وحكم رسوله - صلى الله عليه وسلم - "، يحتمل أنه اجتهاد منه، أي: الحكم الذي ذكره من ضرب المتهم - اسم مفعول - فإن لم يصح عنده ما اتهم به ضرب المتهم - اسم فاعل - فإن هذا ما وقع منه - صلى الله عليه وسلم - في شيء من أحكامه ولا فتاويه قط. ثم يقال: إن كان ضربه على حق لتعلق التهمة به فلم [ضربنا] (¬2) المتهم فإنه لا ذنب له ولا قصاص عليه, فهذا يدلك أنه اجتهاد من النعمان، وكأنه يريد أنه حكم الله ورسوله؛ لأنه قد أذن الله في الاجتهاد إلا أنه يستلزم نسبة كل اجتهاد إلى الله ورسوله، وعلى ذهني أن الإمامية تقول بهذا. ¬

_ = بن بشير بن سعد بن ثعلبة بن جلاس بن زيد الأنصاري الخزرجي، يكنى أبا عبد الله، وهو مشهور، له ولأبيه صحبة. (¬1) ذهب الجمهور إلى أنه من لقي النبي - صلى الله عليه وسلم - مؤمناً به ولو ساعة سواءً روى عنه أم لا. "البحر المحيط" (4/ 302) "إرشاد الفحول" (ص 263 - بتحقيقي). وقال ابن حجر في "الإصابة في تمييز الصحابة" (1/ 7، 8): "وأصح ما وقفت عليه من ذلك أن الصحابي من لقي النبي - صلى الله عليه وسلم - مؤمناً به ومات على الإسلام، ليدخل فيمن لقيه من طالت مجالسته له أو قصرت، ومن روى عنه أو لم يرو، ومن غزا أو لم يغز، ومن رآه رؤية ولم يجالسه، ومن لم يره لعارض كالعمى". • واعلم أن جناب الصحبة أمر عظيم، فمن انتهك أعراض بعضهم فقد وقع في هوّةٍ لا ينجو منها سالماً. وقد كان في أهل الشام صحابة صالحون عرضت لهم شبه لولا عروضها لم يدخلوا في تلك الحروب ولا غمسوا فيها أيديهم، وقد عُدِّلوا تعديلاً عاماً بالكتاب والسنة، فوجب علينا البقاء على عموم التعديل والتأويل لما يقتضي خلافه. "المحصول" (4/ 308) شرح "الكوكب المنير" (2/ 76 - 77). (¬2) في (ب) ضرب.

وقال أبو داود (¬1): إنما أرهبهم بهذا القول؛ لأنه لا يجب الضرب إلا بعد الاعتراف. انتهى. واعلم أن السيد محمد بن إبراهيم قائل بقبول رواية فساق (¬2) التأويل مقرر له في جميع مؤلفاته، ونقل الإجماع [275 ب] عليه من عشر طرق. لكنه هنا لما ذكر عن النعمان ما ذكر رآه ليس أهلاً لقبول روايته لتساهله في الدين ونصرته الظالمين على المتقين. وقد ذكر في "العواصم" (¬3) و"تنقيح الأنظار" (¬4) أن قولهم: الصحابة كلهم عدول (¬5)، يريدون أن الغلبة هي الأصل فيهم وقد يخرج عنها من عرفت بدعته وتساهله كالوليد بن عقبة وغيره. 11 - وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ - رضي الله عنه - قَالَ: دَعَانِي رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "كَيْفَ أنتَ إِذَا أَصَابَ النَّاسَ مَوْتٌ، يَكُونُ الْبَيْتُ فِيهِ بِالْوَصِيفِ" - يَعْنِى الْقَبْرَ - قُلْتُ: الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، أَوْ مَا خَارَ ¬

_ (¬1) في "السنن" (4/ 545). (¬2) انظر "تنقيح الأنظار" (205 - 212 - بتحقيقي). "العواصم والقواصم" (2/ 159 - وما بعدها). (¬3) (2/ 159) وما بعدها. (¬4) (ص 205 - 210). (¬5) بما أنهم عدلوا تعديلاً عاماً بالكتاب والسنة، فوجب علينا البقاء على عموم التعديل، وانظر ما تقدم. وانظر "البحر المحيط" (4/ 300)، شرح "الكوكب المنير" (2/ 476). • قال ابن الصلاح في مقدمته (صـ 301): "الأمة مجمعة على تعديل جميع الصحابة, ولا يعتد بخلاف من خالفهم". وقال الشيخ تقي الدين وغيره: "الذي عليه سلف الأمة وجمهور الخلف أن الصحابة - رضي الله عنهم - أجمعين عدول بتعديل الله تعالى لهم". "المسودة" (ص 292 - 293).

الله لِي وَرَسُولُهُ؟ قَالَ: "عَلَيْكَ بِالصَّبْرِ"، أَوْ قَالَ: "تَصْبِرُ"، قَالَ حَمَّادُ: فَبِهَذَا أَخَذَ مَنْ ذَهَبَ إلَى قَطْعِ النَّبَّاشِ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ عَلَى المَيَّتِ بَيْتَهُ. أخرجه أبو داود (¬1). [صحيح]. "الْبَيْتُ" القبر، والمراد أن الموت يكثر حتى يباع موضع قبر بعبد (¬2). قوله: "في حديث أبي ذر يكون البيت فيه بالوصيف" فسر البيت بالقبر وكأنه مدرج من أحد الرواة، زاد في أبي داود بعد قوله: "الله ورسوله أعلم، قال: أو ما خار اللهِ لي ورسوله". انتهى. والمراد أن الفضاء من الأرض يضيق عن القبور، ويشتغل الناس بأنفسهم عن الحفر حتى يبلغ قيمة القبر قيمة العبد. وأبو داود ترجم له: باب (¬3) الحجة في قطع النباش وذلك أنه - صلى الله عليه وسلم - سمى (¬4) القبر بيتا والبيت حرز. والسارق من الحرز يقطع إذا بلغت [سرقته] (¬5) نصاب ما يقطع فيه. 12 - وعن عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا يَغْرَّمُ صَاحِبُ سَرِقَةٍ إِذَا أُقِيمَ عَلَيْهِ الحَدُّ" (¬6). [ضعيف]. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (4409). وأخرجه ابن ماجه رقم (3958). وهو حديث صحيح. (¬2) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (3/ 578). (¬3) في "السنن" (4/ 564 الباب رقم 19). (¬4) ذكره الخطابي في "معالم السنن" (4/ 564 - 565). (¬5) في (ب) السرقة. (¬6) أخرجه النسائي في "السنن" رقم (4984) وقال: هذا مرسل وليس بثابت. وأخرجه الدارقطني في "السنن" (3/ 182 رقم 296). =

قوله: "في حديث عبد الرحمن بن عوف لا يغرم صاحب سرقة إذا أقيم عليه الحد". قال ابن عبد البر (¬1): لا تقوم به حجة، وقال ابن العربي (¬2): باطل، ووجهه أنه لا يملك السارق ما سرقه بقطع يده، قالوا: وهذا في العين التالفة، وأما العين الباقية فهي باقية على ملك المسروق فيقبضها بعينها، والمسألة مبسوطة في محلّها وبسطناها في حواشي "ضوء النهار" (¬3) بحمد الله. [224/ أ] [276 ب]. 13 - وَعَنْ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرِ - رضي الله عنه - أَنَّ النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - قَضَى أَنَّهُ إِذَا وَجَدَهَا - يَعْنِي السَّرْقَة - فِي يَدِ الرَّجُلِ غَيْرِ المُتَّهَمِ، فَإِنْ شَاءَ أَخَذَ بِمَا اشْتَرَاهَا، وَإِنْ شَاءَ اتَّبَعَ سَارِقَهُ، وَقَضَى بِذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ ¬

_ = وقال: المسور بن إبراهيم لم يدرك عبد الرحمن بن عوف, فإن صح إسناده فهو مرسل، قال: وسعد بن ابرهيم: مجهول، وقال ابن القطان: وصدق فيما قال. ورواه البزار في "مسنده" (3/ 267 رقم 1059) بلفظ: "لا يضمن السارق سرقته بعد إقامة الحد"، وقال: وهذا الحديث مرسلاً عن عبد الرحمن؛ لأن المسور بن إبراهيم لم يلق عبد الرحمن. وذكره ابن أبي حاتم في "العلل" (1/ 452 رقم 1357) ونقل عن أبيه بأنه قال: هذا حديث منكر، ومسور لم يلق عبد الرحمن، هو مرسل أيضاً. ورواه أبو نعيم في "الحلية" (8/ 322) وقال: لم يروه عن سعد إلا يونس. ورواه البيهقي في "السنن الكبرى" (8/ 277): وقال: فهذا حديث مختلف فيه عن المفضل فروى عنه كذا، وروى عنه يونس عن الزهري، عن سعد، وروى عنه عن يونس عن سعد بن إبراهيم، عن أخيه المسور ... إلخ. انظر "العلل" للدارقطني (4/ 294 س 575). "نصب الراية" للزيلعي (3/ 375 - 376). معرفة "السنن والآثار" (12/ 423 رقم 17237). وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف، والله أعلم. (¬1) "الاستذكار" (24/ 212 - 213). (¬2) في كتاب "القبس" (3/ 1025 - 1026). (¬3) (7/ 317 - 318 - بتحقيقي).

وَعُمَرُ - رضي الله عنهما - (¬1). أخرجهما النسائي. [صحيح الإسناد ولكن] الصواب: أسيد بن ظهير، قاله الألباني. 14 - وَعَنْ جُنَادة بن أمية عن بسر بن أرطأة - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "لَا تُقْطَعُ الْأَيْدِي فِي السَّفَرِ". أخرجه أصحاب "السنن" (¬2)، [صحيح]. وعند الترمذي: في الْغَزْوِ قوله: "وعن بسر بن أرطأة" (¬3) بضم الباء وسين مهملة ساكنة، وبسر في صحبته اختلاف، وكان ابن معين لا يحسن الثناء عليه، وغمزه الدارقطني، قاله المنذري (¬4). ولأهل الحديث فيه كلام كثير وله أمور موحشة دالة على التساهل في الدين، ليس بأهل أن يروى عنه. ¬

_ (¬1) أخرجه النسائي في "السنن" رقم (4679) قال الألباني: صحيح الإسناد, ولكن الصواب أسيد بن ظهير. (¬2) أخرجه النسائي في "السنن" رقم (4979). وأخرجه أحمد (4/ 181) بسند رجاله موثقون، وأبو داود رقم (4408) والترمذي رقم (1450) وقال: هذا حديث غريب. وهو حديث صحيح، والله أعلم. • وفي الباب عن حذيفة موقوفاً عند سعيد بن منصور رقم (2501) وابن أبي شيبة (10/ 103) بسند صحيح. • وعن عمر موقوفاً عند سعيد بن منصور رقم (2500) وابن أبي شيبة (10/ 103) بسند ضعيف. • وعن أبي الدرداء موقوفاً عند سعيد بن منصور رقم (2499) وابن أبي شيبة (10/ 103) بسند ضعيف. (¬3) انظر "الاستيعاب" رقم (175) و"الإصابة" رقم (642)، "الثقات" لابن حبان (3/ 36) "تاريخ دمشق" (10/ 145 - 147). (¬4) في "مختصر السنن" (6/ 235).

والحديث له سبب ذكره أبو داود (¬1) قال: كنا مع بسر بن أرطأة في البحر فأتي بسارق يقال له: مصدر قد سرق بختية, فقال: سمعت رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ... الحديث". قال الشيخ (¬2): يشبه أن يكون سرق البختية في البر، ورفعوه إليه في البحر فقال عند ذلك هذا القول، وهذا الحديث إن ثبت فيشبه أنه إنما أسقط عنه الحد؛ لأنه لم يكن إماماً إنما كان أميراً وصاحب جيش، وأمير الجيوش لا يقيم الحدود في أرض الحرب على مذاهب بعض الفقهاء. انتهى كلامه. قلت: ولا يخفى أن قول لقطعته لا يناسب هذا الاعتذار بل صريح كلامه أنه ترك ذلك للحديث الذي سمعه. قوله: "وعند الترمذي في الغزو". قلت: وترجم (¬3) له: باب لا تقطع الأيدي في الغزو، ومثله ترجم له أبو داود (¬4)، ولكن الترمذي قال بعد روايته: هذا حديث غريب. وقد رواه غير ابن لهيعة بهذا الإسناد [(¬5)] نحو هذا، ويقال: بسر بن أبي أرطأة أيضاً. والعمل على هذا عند بعض أهل العلم منهم الأوزاعي (¬6) لا يرون أن تقام الحدود في الغزو بحضرة العدو مخافة أن يلحق من يقام عليه الحد بالعدو، فإذا خرج الإمام من دار أرض العدو إلى دار الإسلام أقام الحد على من أصابه. انتهى. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (4408) وهو حديث صحيح. (¬2) أي الخطابي في "معالم السنن" (4/ 563 - مع "السنن"). (¬3) أي الترمذي في "السنن" (4/ 53 الباب رقم 20). (¬4) في "السنن" (4/ 563 الباب رقم 18 باب في الرجل يسرق في الغزو أيقطع؟). (¬5) في (أ) زيادة و. (¬6) موسوعة فقه عبد الرحمن الأوزاعي (ص 236). وانظر: "مختصر اختلاف العلماء" (3/ 236).

قلت: والأوزاعي رأى المصلحة في تأخير إقامة الحد لا أنه عمل بحديث بسر ثم إنه عمم الأوزاعي الحدود كلها، وحديث بسر في القطع. واعلم أنه قد تكلم [277 ب] العلماء في بسر؛ فقال الذهبي في "الميزان" (¬1): بسر بن أبي أرطأة يقال له صحبة وقيل لا، وقال الواقدي: قبض النبي - صلى الله عليه وسلم - وبسر صغير لم يسمع منه، وقال ابن معين (¬2): كان رجل سوء، أهل المدينة ينكرون أن يكون له صحبة. انتهى. وقال ابن عبد البر في "الاستيعاب" (¬3): يقال أنه لم يسمع من النبي - صلى الله عليه وسلم -، هذا قول الواقدي وابن معين وأحمد وغيرهم، وقالوا: خرف في آخر عمره, وكان ابن معين يقول: لا تصح له صحبة، وكان يقول فيه: رجل سوء. قال أبو عمر - يعني ابن عبد البر (¬4) - قال: ذلك - أي ابن معين - لأمور عظائم ركبها في الإسلام فيما نقله أهل الأخبار وأهل الحديث أيضاً، ذبحه ابني عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب، وهما صغيران بين يدي أمهما، وكان معاوية قد استعمله على اليمن أيام صفين، وكان عليها عبيد الله بن العباس لعلي - رضي الله عنه -، فهرب عبيد الله حين أحس ببسر بن أرطأة، ونزلها بسر فقضى فيها هذه القضية الشنعاء. ¬

_ (¬1) (1/ 309 رقم 1168). (¬2) ذكره الذهبي في "الميزان" (1/ 309). وانظر: تاريخ الدوري (3/ 152) و (4/ 449). (¬3) رقم الترجمة (204 - الأعلام). (¬4) في "الاستيعاب" (ص 88 رقم 204 - الأعلام).

قال أبو الحسن الدارقطني (¬1): بسر بن أرطأة أبو عبد الرحمن كانت له صحبة، ولم يكن له استقامة بعد النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو الذي قتل طفلين لعبيد الله بن العباس ابن عبد المطلب باليمن، وهما: عبد الرحمن وقثم، ابنا عبيد الله بن العباس. وذكر ابن عبد البر (¬2): أنه قدم بسر المدينة وفيها أبو أيوب الأنصاري صاحب رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عامل لعلي - رضي الله عنه -، فلحق بعلي - رضي الله عنه - ودخل بسر المدينة وصعد منبرها وقال: أين شيخي [278 ب] الذي عهدته هنا بالأمس - يعني عثمان -، ثم قال: يا أهل المدينة! والله لولا ما عهد [إليه] (¬3) معاوية ما تركت فيها محتلماً إلا قتلته. وأطال ابن عبد البر (¬4) في مساويه ومخازيه, فليس أهلاً لأن يروي عنه، وذكر أن له حديثين عنه - صلى الله عليه وسلم - أحدهما هذا الذي كلامنا فيه، وحديث (¬5): "اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة". 15 - وَعَنِ الشَّعْبِيِّ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَجُلَيْنِ شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ سَرَقَ فَقَطَعَهُ عَلِيٌّ - رضي الله عنه -، ثُمَّ ذَهَبَا وَجَاءَا بِآخَرَ وَقَالاَ: أَخْطَأْنَا فِي الْأَوَّلِ، فَأَبْطَلَ عَلِيُّ - رضي الله عنه - شَهَادَتَهُمَا، وَغَرَّمْهُمَا دِيَةَ الْأَوَّلِ وَقَالَ: لَوْ عَلِمْتُ أَنَّكُمَا تَعَمَّدْتُمَا لَقَطَعْتُكُمَا. أخرجه البخاري (¬6) ترجمة. ¬

_ (¬1) ذكره ابن عبد البر في "الاستيعاب" (ص 88 رقم 204). وانظر: الخلاصة (ص 47). "سؤالات الآجري" (2/ 219 - 220). (¬2) في "الاستيعاب" (ص 90 - الأعلام). (¬3) كذا في المخطوط والذي في "الاستيعاب" إليَّ. (¬4) في "الاستيعاب" (ص 88 - الأعلام). (¬5) أخرجه أحمد (4/ 181) بسند حسن. (¬6) في "صحيحه" (12/ 226 الباب رقم 21 - مع "الفتح").

الباب السادس: في حد الخمر

قوله: "عن الشعبي" إلى آخره. [225/ أ]. [................................] (¬1). الباب السادس: في حد الخمر عقد البخاري في "صحيحه" (¬2) باباً في أن الخمر كل ما خامر العقل من الشراب، ثم ذكر (¬3) قول عمر "والخمر ما خامر العقل". قال الحافظ ابن حجر (¬4): أي غطاه أو خالطه ولم يتركه على حاله وهو من مجاز التشبيه، والعقل هو آلة التمييز, فلذلك حرم ما غطاه أو غيره؛ لأن بذلك يزول الإدراك الذي طلبه الله من العباد ليقوموا بحقوقه. انتهى. 1 - عَن أَنَسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: ضَرَبَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الخَمْرِ بِالجَرِيْدِ وَالنَّعَالِ وَجَلَدَ أَبُوْ بَكْرٍ - رضي الله عنه - أَرْبَعِينَ. أخرجه الخمسة (¬5) إلا النسائي. [صحيح]. وفي رواية للترمذي (¬6): أُتِيَ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ الخَمْرَ فَجَلَدَهُ بِجَرِيدَتَيْنِ نَحْوَ أَرْبَعِينَ, وَفَعَلَهُ أَبُو بَكْرٍ، فَلمَّا كَانَ عُمَرُ - رضي الله عنه - اسْتَشَارَ النَّاسَ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: ¬

_ (¬1) في (ب) بياض بمقدار ستة أسطر. (¬2) في "صحيحه" (10/ 45 الباب رقم 5 - مع "الفتح"). (¬3) أي البخاري في "صحيحه" رقم (5588). (¬4) في "فتح الباري" (10/ 47). (¬5) أخرجه البخارى رقم (6773) ومسلم رقم (37/ 1706)، وأبو داود رقم (4479) والترمذي رقم (1443) وابن ماجه رقم (2570) وهو حديث صحيح، والله أعلم. (¬6) في "السنن" رقم (1443) وقال: حديث حسن صحيح. وأخرجه أحمد (3/ 115، 176، 180) ومسلم رقم (35/ 1706) وأبو داود رقم (4479). وهو حديث صحيح، والله أعلم.

أَخَفُّ الحُدُودِ ثَمَانُونَ، فَأَمَرَ بِهِ عُمَرُ - رضي الله عنه -. [صحيح]. قوله: "في حديث أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جلد في الخمر" قال النووي (¬1): قد أجمع المسلمون على تحريم الخمر، وأجمعوا على وجوب الحد على شاربها سواء شرب قليلاً أم كثيراً، وأجمعوا على أنه لا يقتل شاربها وإن تكرر ذلك منه [279 ب]. هكذا حكى الإجماع فيه الترمذي وخلائق. قوله: "بالجريد" هي من أعواد النخل والنعال المعروف بوّب له البخاري (¬2): باب الضرب بالجريد والنعال. قال الحافظ ابن حجر (¬3): أشار بذلك إلى أنه لا يشترط الجلد، وقد اختلف فى ذلك على ثلاثة أقوال، وهي أوجه عند الشافعية (¬4): أصّحها يجوز الجلد بالسوط، ويجوز الاقتصار على الضرب بالأيدي والنعال والثياب. ثانيها: يتعين الجلد. ثالثها: يتعين الضرب: وحجة الراجح أنه فعل في عهده - صلى الله عليه وسلم - ولم يثبت نسخه، والجلد في عهد الصحابة، فدلَّ على جوازه، ولم يعين في هذا الجلد النبوي، عدداً إلا أنه يأتي قريباً تعيين ذلك بأنه أربعون. وأما قوله "بالجريد والنعال" فقال النووي (¬5) أيضاً: إنه أجمع العلماء على حصول حد الخمر بالجريد والنعال، وأطراف الثياب، واختلفوا في جوازه بالسوط وهما وجهان لأصحابنا ¬

_ (¬1) في شرحه لـ "صحيح مسلم" (11/ 217). (¬2) في "صحيحه" (12/ 65 الباب رقم 4 - مع "الفتح"). (¬3) في "فتح الباري" (12/ 66). (¬4) انظر: "البيان" للعمراني (12/ 527) "روضة الطالبين" (10/ 171 - 172). (¬5) في شرحه لـ "صحيح مسلم" (11/ 218).

الأصح الجواز، وشذ بعض أصحابنا فشرط فيه السوط وقال: لا يجوز بالثياب والنعال، وهذا غلط فاحش مردود على قائله لمنابذته لصريح هذه الأحاديث. انتهى. قوله: "في رواية الترمذي فجلده بجريدة" هكذا بالإفراد هنا، وفي "الجامع" (¬1) والذي في الترمذي "بجريدتين" بلفظ التثنية. قال النووي (¬2): في رواية مثل هذه اختلفوا في معناه فأصحابنا يقولون معناه: كانت الجريدتان مفردتين جلد بكل واحد منهما عدداً حتى كمل من الجميع أربعون. وقال آخرون: ممن يرى أن جلد الخمر ثمانون، معناه: أنه جمعهما وجلده بهما أربعين جلدة فيكون المبلغ ثمانين، وتأويل أصحابنا أظهر؛ لأن الرواية الأخرى مبينة [280 ب] لهذه، وأيضاً حديث (¬3) علي - رضي الله عنه - مبين لها. انتهى. قلت: بل آخر حديث (¬4) الترمذي وهو صريح أنه ليس في عصره - صلى الله عليه وسلم - إلا الأربعون، ويدل له قوله "فلما كان عمر - أي [خلافته] (¬5) أو في خلافته - استشار الناس. قوله: "استشار الناس" فيه دليل على أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يعين (¬6) في الخمر حداً معيناً، بل كان يقتصر في ضرب الشارب على ما يليق به، فلما كثر الشرب في زمن عمر استشار الصحابة، ولو كان عندهم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - شيء محدود لما تجاوزوه كما لم يتجاوزوا حدّ القذف، ولو كثر القاذفون أو بالغوا في الفحش. ¬

_ (¬1) (3/ 582). (¬2) في شرحه لـ "صحيح مسلم" (11/ 218). (¬3) أخرجه مسلم في "صحيحه" رقم (38/ 1707). (¬4) في "السنن" رقم (1443) وهو حديث صحيح، وقد تقدم. (¬5) في (أ) بخلافته. (¬6) انظر "فتح الباري" (12/ 66 - 67). "الاستذكار" (24/ 273) و"شرح معاني الآثار" (3/ 158).

فاقتضى رأيهم أن يجعلوه كحدّ القذف، وقد أجيب بأنهم لم يتجاوزوا الأربعين التي وردت عند النبي - صلى الله عليه وسلم - من طرق كثيرة، ولكنهم زادوا عليها تعزيزاً لا حداً. قوله: "أخف الحدود" بنصب أخف، أي [اجلده أخف الحدود] (¬1) وقوله "ثمانون" خبر مبتدأ محذوف، أي: هو وذلك حد القذف، كما في نص القرآن، وكأنه يريد عبد الرحمن إلحاق حد الخمر بحد القذف، ولا أدري بأي جامع ذلك؟ ثم إنه قياس في الحدود وفيه خلاف كثير، قال النووي في "شرح مسلم" (¬2): هكذا في مسلم (¬3)، وغيره أن عبد الرحمن هو الذي أشار بهذا. وفي "الموطأ" وغيره: أنه علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - وكلاهما (¬4) صحيح وأشارا جميعاً. ولعل عبد الرحمن هو الذي بدر بهذا القول فوافقه علي وغيره فنسب ذلك في رواية إلى عبد الرحمن لسبقه، ونسب في رواية إلى علي لفضيلته وكثرة علمه ورجاحته على عبد الرحمن - رضي الله عنهم - أجمعين. ¬

_ (¬1) كذا في المخطوط (أ. ب) والذي في شرح "صحيح مسلم" (11/ 215) اجلده كأخف الحدود أو اجعله كأخف الحدود. (¬2) (11/ 215). (¬3) في "صحيحه" رقم (36/ 1706). (¬4) قال الحافظ في "التلخيص" (4/ 243) ولا يقال: يحتمل أن يكون عليَّ، وعبد الرحمن أشارا بذلك جميعاً، لما ثبت في "صحيح مسلم" رقم (38/ 1707) - عن علي في جلد الوليد بن عقبة أنه جلده أربعين، وقال: "جلد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربعين، وأبو بكر أربعين وعمر ثمانين، وكلٌّ سنة"، وهذا أحب إلي، فلو كان هو المشير بالثمانين، ما أضافها إلى عمر ولم يعمل بها لكن يمكن أن يقال: إنه قال لعمر باجتهاد ثم تغير اجتهاده.

2 - وَعَنْ ثَوْرِ بْنِ [زَيْدٍ] (¬1) الدِّيلِىِّ: أَنَّ عُمَرَ - رضي الله عنه - اسْتَشَارَ فِي حَدِّ الخَمْرِ، فَقَالَ لَهُ عَليُّ: أَرَى أَنْ تَجْلِدَهُ ثَمَانِينَ جَلْدَةً، فَإِنَّهُ إِذَا شَرِبَ سَكِرَ، وَإِذَا سَكِرَ هَذَى، وَإِذَا هَذَى افْتَرَى. فَجَلَدَ عُمَرُ - رضي الله عنه - فِي حَدِّ الخَمْرِ. أخرجه مالك (¬2). [موقوف ضعيف]. قوله: "في حديث ثور بن يزيد فإنه إذا شرب سكر [226/ أ] وإذا سكر هذى، وإذا هذى افترى". تمامه في "الاستذكار" (¬3) "وعلى المفتري ثمانون جلدة"، كأنه قياس افترى في تقدير: إذا سكر افترى، والافتراء هو الكذب، وهو يجري في كل خبر فيصير من افترائه: أن زيداً سرق أو قتل أو نهب المال أو قذف المحصنات، فما وجه قصر الافتراء [281 ب]. على القذف بخصوصه حتى يلحق به في حده, ثم هذا أمر فرضي أنه إذا سكر افترى، فإنه قد يسكر ولا يفتري، فكيف يجعل حد الفرية محققاً بأمر مفروض، ثم إنه إذا افترى الفرية الخاصة بالقذف ¬

_ (¬1) في (ب) يزيد. (¬2) في "الموطأ" (2/ 842 رقم 2). وأخرجه الشافعي في "المسند" (ج 2 رقم 293 - ترتيب) وابن شبة في "تاريخ المدينة" (2/ 299) والبيهقي في "المعرفة" (6/ 458 رقم 5246 - العلمية)، والحافظ ابن حجر "موافقة الخبر الخبر" (2/ 422) عن مالك، به. قال الحافظ في "التلخيص" (4/ 242): "وهو منقطع؛ لأن ثوراً لم يلحق عمر بلا خلاف"، وقال الحافظ في "موافقة الخبر الخبر"، هكذا أورده مالك في "الموطأ" معضلاً، وهو موقوف ضعيف. وأخرجه الدارقطني في "السنن" (3/ 166 رقم 245) موصولاً، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (3/ 156) والحاكم (4/ 375) والبيهقي (8/ 320) قال الحاكم: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي، وهو حديث ضعيف. (¬3) (24/ 267 رقم 36317).

فهذا حدُّ القذف، فأين حد السكر؟ ثم إنه إذا افترى وهو سكران فإنه لا حكم لفريته ولا يحدَّ لها. وبالجملة هذا الأثر (¬1) لا يسفر وجه الاستدلال به. قوله: "أخرجه مالك" قلت: قال أبو عمر بن عبد البر في "الاستذكار" (¬2): هذا حديث منقطع من رواية مالك، وقد روي متصلاً في حديث ابن عباس، ذكره الطحاوي (¬3) في كتاب "أحكام القرآن"، وساقه بطوله. 3 - وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَزْهَرِ - رضي الله عنه - قَالَ: أُتِيَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بشَارِبٍ خَمرٍ وَهُوَ بِحُنَيْنٍ فَحَثَى فِي وَجْهِهِ التُّرَابَ، ثُمَّ أَمَرَ أَصْحَابَهُ فَضَربُوهُ بِنِعَالهِمْ، وَمَا كَانَ فِي أَيْدِيهِمْ حَتَّى قَالَ لهمُ: "ارْفَعُوا"، ثُمَّ جَلَدَ أَبُو بَكْرٍ - رضي الله عنه - أَرْبَعِينَ، ثُمَّ جَلَدَ عُمَرُ - رضي الله عنه - صَدْرًا مِنْ إِمَارَتهِ أَرْبَعِينَ، ثُمَّ جَلَدَ ثَمَانِينَ فِي آخِرِ خِلاَفَتِهِ، وَجَلَدَ عُثْمَانُ - رضي الله عنه - الحَدَّيْنِ كِلَيْهِمَا ثَمَانِينَ وَأَرْبَعِينَ، ثُمَّ أَثْبَتَ مُعَاوِيَةُ الحَدَّ ثَمَانِينَ. أخرجه أبو داود (¬4). [حسن]. قوله: "في حديث عبد الرحمن بن أزهر أخرجه أبو داود". قلت: قال المنذري (¬5): فيه انقطاع. ¬

_ (¬1) تقدم تخريجه وهو أثر، موقوف ضعيف. (¬2) (26524 رقم 36314). (¬3) انظر "شرح معاني الآثار" (3/ 156). (¬4) في "السنن" رقم (4487، 4488) وهو حديث حسن. (¬5) في "مختصر السنن" (6/ 291).

4 - وعن علي - رضي الله عنه - قَالَ: جَلَدَ رَسُولَ - صلى الله عليه وسلم - أَرْبَعِيْنَ، وَأَبُو بَكْرٍ أَرْبَعِيْنَ، وَعُمَرَ ثَمَانِيْنَ، وَكُلٌّ سُنَّة. أخرجه مسلم (¬1) وأبو داود (¬2). [صحيح]. قوله: "في حديث علي - عليه السلام - وكل سنة". قال النووي (¬3): فيه دليل أن علياً - رضي الله عنه - كان معظماً لآثار عمر - رضي الله عنه -، وأن حكمه وقوله سنة وأمره حق، وكذلك أبو بكر - رضي الله عنه - خلاف ما تكذبه الشيعة. انتهى. وفي "فتح الباري" (¬4): وأما قول علي - رضي الله عنه - "وكل سنة" فمعناه أن الاقتصار على الأربعين سنة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فصار إليها أبو بكر، والوصول إلى الثمانين سنة عمر - رضي الله عنه -، ردّاً للشاربين الذين احتقروا العقوبة الأولى. انتهى. واعلم أنه قال علي - رضي الله عنه - بذلك حين جلد الوليد بن عقبة كما في رواية حصين ابن المنذر وهو أبو ساسان قال: "شهدت عثمان [282 ب] بن عفان - رضي الله عنه - أتى بالوليد قد صلى الصبح ركعتين ثم قال: أزيدكم، فشهد عليه رجلان أحدهما حمران أنه شرب الخمر وشهد [آخر] (¬5) أنه رآه يتقيأ فقال عثمان: إنه لم يتقيأ حتى شربها فقال: يا علي! قم فاجلد, فقال علي: قم يا حسن فاجلده, فقال الحسن: ولِّ حارها من (¬6) تولى قارَّها، فكأنه وجد عليه, فقال: يا ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (38/ 1707). (¬2) في "السنن" رقم (4480، 4481). وهو حديث صحيح. (¬3) في شرحه لـ "صحيح مسلم" (11/ 219). (¬4) (12/ 71). (¬5) في (أ) الآخر. (¬6) قال ابن الأثير في "النهاية" (2/ 435): "جعل الحرّ كناية عن الشرِّ والشدة، والبرد كناية عن الخير والهين، والقار: فاعل من القُرِّ، البرد. أراد: "ولِّ شرَّها من تولى خيرها، وولِّ شديدها من تولى هينها". وانظر "القاموس المحيط" (ص 479).

عبد الله بن جعفر! قم فاجلده, فجلده وعلي يعد حتى بلغ أربعين، ثم قال: أمسك، جلد النبي - صلى الله عليه وسلم - ... الحديث". أخرجه (¬1) من ذكر المصنف. 5 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ شَرِبَ الخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ إِلَى الرَّابِعَةِ فَاقْتُلُوهُ". أخرجه أبو داود (¬2) [بإسناد ضعيف]، والنسائي (¬3). [صحيح]. وفي أخرى لأبي داود (¬4) عن قبيصة بن ذؤيب - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَتِيَ بِرَجُلٍ شَرِبَ الخَمْرَ فَجَلَدَ, ثُمَّ أُتِيَ بِهِ فَجَلَدَهُ, ثُمَّ أُتِيَ بِهِ فَجَلَدَهُ, ثُمَّ أُتِيَ بِهِ فَجَلَدَهُ, وَرَفَعَ الْقَتْلَ، وَكَانَتْ رُخْصَةً. [ضعيف مرسل]. قوله: "في حديث ابن عمر فاقتلوه" اتفقوا على نسخ [العمل] (¬5) بالحديث الذي بعده وهو قوله "فرفع القتل وكان رخصة". ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم رقم (38/ 707) وأبو داود رقم (4480، 4481)، وهو حديث صحيح، والله أعلم. (¬2) في "السنن" رقم (4483) بإسناد ضعيف. (¬3) في "السنن" رقم (566) من حديث ابن عمر، ونفر من أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - وهو حديث صحيح. (¬4) في "السنن" رقم (4485). وأخرجه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" (3/ 161) وعبد الرزاق في مصنفه رقم (17084) والبيهقي في "السنن الكبرى" (8/ 314) من طريق الشافعي والبغوي في "شرح السنة" (10/ 335 - 336) والشافعي في "الأم" (6/ 155، 195 - ط. قتيبة) كلهم أخرجوه عن سفيان بن عيينة, عن الزهريّ، عن قبيصة, وقبيصة ولد زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يسمع منه، والزهري لم يسمع من قبيصة أيضاً. وفي "نصب الراية" (3/ 347) ذكر الزيلعي أن قبيصة من ولد الصحابة له رؤية, وفي صحبته خلاف. وفي "الجوهر النقي" (8/ 313 - 314) ذكر ابن التركماني أنه مرسل منقطع. وهو حديث ضعيف مرسل. (¬5) في (ب) القتل.

قال الترمذي (¬1): والعمل على هذا عند عامة أهل العلم، لا نعلم بينهم اختلاف في ذلك في القديم والحديث، ومما يقوي هذا ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من أوجه كثيرة أنه قال: "لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، إلا بإحدى ثلاث: "النفس بالنفس، والثيب الزاني، والتارك لدينه" (¬2). انتهى بلفظه. وفي "فتح الباري" (¬3): وقد استقر الإجماع على ثبوت [الحد] (¬4) وأن لا قتل فيه، إلا أنه نقل عن بعض أهل الظاهر (¬5) القول [بعدم الأمر [بالقتل] (¬6) وأنه يقتل في الرابعة] (¬7). قال (¬8): واستمر عليه ابن حزم واحتج له وادعى أنه لا إجماع. وقال ابن عبد البر (¬9): تأييد النسخ أنه أتي إليه - صلى الله عليه وسلم - بالرجل الذي يسمى عبد الله، ويلقب حماراً، وكان يُضحك النبي - صلى الله عليه وسلم - أكثر من خمسين مرة - يريد وهو سكران - ولم يزد - صلى الله عليه وسلم - على جلده ويأتي حديثاً قريباً. ¬

_ (¬1) في "السنن" (4/ 49). (¬2) تقدم مراراً وهو حديث صحيح. (¬3) في "فتح الباري" (12/ 80). (¬4) في (أ) حد الخمر. (¬5) في "المحلى" (11/ 365 - 370) رقم المسألة (2288). (¬6) زيادة من (أ). (¬7) هكذا العبارة مضطربة, ولم أجدها في "الفتح"، وإليك كلام ابن حزم حيث قال: "فأما نحن فنقول وبالله تعالى التوفيق: أن الواجب ضم أوامر الله تعالى، وأوامر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلها بعض إلى بعض، والانقياد إلى جميعها، والأخذ بها وأن لا يقال في شيء منها: هذا منسوخ إلا بيقين .... ". ولعل العبارة بعدم الإجماع على عدم القتل وأنه يقتل في الرابعة. (¬8) الحافظ في "فتح الباري" (12/ 80). (¬9) ذكره الحافظ في "الفتح" (12/ 76 - 77).

6 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَقِتْ فِي الخَمْرِ حَدًّا، وَأَنَّ رَجُلَاً شَرِبَ فَسَكِرَ فَلُقِيَ يَمِيلُ بها الْفَجِّ، فَأُتي بِهِ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَلمَّا حَاذَى بِدَارِ الْعَبَّاسِ - رضي الله عنه - انْفَلَتَ، فَدَخَلَ عَلَى الْعَبَّاسِ فَالْتَزَمَهُ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَضَحِكَ وَقَالَ: "أَفعَلَهَا"، وَلَمْ يَأْمُرْ فِيهِ بِشَيْءٍ. أخرجه أبو داود (¬1). [إسناده ضعيف]. ومعنى "لَم يُقِتْ" بضم أوله وكسر ثانيه, لم يقدر ولم يحده بعدد مخصوص. قوله: "في حديث ابن عباس ولم يأمر فيه بشيء" قال الخطابي (¬2): يحتمل أن يكون [إنما لم] (¬3) يتعرض له بعد دخول دار العباس من أجل أنَّه لم يكن ثبت عليه [283 ب] الحدّ بإقراره أو شهادة عدول، وإنما لقي بها [الطريق] (¬4) يميل فظن به السكر فلم يكشف - صلى الله عليه وسلم - عنه ذلك وتركه. 7 - وَعَنْ عُمَيْرَ بْنَ سَعِيدٍ النَّخَعِيَّ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا - رضي الله عنه - يَقُولُ: مَا كُنْتُ لأُقِيمَ عَلَى أَحَدٍ حَدًّا فَيَمُوتَ، فَأَجِدَ فِي نَفْسِي مِنْهُ شَيْئَاً إِلاَّ صَاحِبَ الخَمْرِ، فَإِنَّهُ لَوْ مَاتَ وَدَيْتُهُ، فَإِنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَسُنَّهُ. أخرجه الشيخان (¬5). [صحيح]. وأبو داود (¬6)، وقال: لَمْ يُسَنَّ فِيْهِ شَيْئَاً إِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ قُلْنَاهُ نَحْنُ. [صحيح]. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (4476) بإسناد ضعيف. (¬2) في "معالم السنن" (4/ 619 - مع السنن). (¬3) في المخطوط لم، وما أثبتناه من "معالم السنن". (¬4) كذا في المخطوط, والذي في المعالم: الفج. (¬5) أخرجه البخاري رقم (6778) ومسلم رقم (1707). (¬6) في "السنن" رقم (4486). وأخرجه ابن ماجه رقم (2569). وهو حديث صحيح.

قوله: "وعن عمير بن سعد" بالتصغير (¬1) في الأول، وبإثبات الياء في الثاني، وحذف الياء فيهما غلط وتصحيف. قوله: "في حديث علي فإنه لو مات وديته" أي: أعطيت ديته لمن يستحقها، وقد وقع الاتفاق (¬2) على أن من مات في الحد لا ضمان على قاتله إلا في حد الخمر، فخالف فيه علي - رضي الله عنه -، وقال الشافعي (¬3): إن ضرب بغير السوط فلا ضمان، وإن ضرب بالسوط ضمن، والدية في ذلك على عاقلة الإمام، وذلك لو مات فيما زاد على الأربعين قالوا: وقد أجمع العلماء (¬4) على من حده الإمام أو نائبه الحد الشرعي فمات، فإنه لا دية فيه ولا كفارة، لا على الإمام ولا جلاده، ولا بيت المال، وأما من مات بالتعزير فمذهب الشافعية ضمانه بالدية والكفارة، فالدية على عاقلة الإمام والكفارة في مال الإمام. وقال جماهير العلماء (¬5): لا ضمان فيه على الإمام ولا عاقلته ولا بيت المال. قوله: "لم يَسُنَّهْ" أي: لم يسن فيه عدداً معيناً، واعلم أنه قد تعارض النقل عن علي - رضي الله عنه - في هذا، فهنا قال في هذه الرواية: "أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يَسُنَّ حد الشرب [227/ أ] ". وتقدم عنه قريباً رواية أنه قال: "جلد رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - أربعين" ... الحديث. قال [284 ب] الحافظ ابن حجر (¬6): والجمع بين حديث علي - رضي الله عنه - المصرح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جلد أربعين، وأنه سنة وبين قوله في هذا الحديث "أنه لم يسنه" يحمل النفي على أنه لم يحد ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (12/ 67). (¬2) ذكره الحافظ في "الفتح" (12/ 68). (¬3) في "البيان" للعمراني (12/ 525 - 526). وانظر "المغني" (12/ 503 - 504). (¬4) ذكره النووي في شرح "صحيح مسلم" (11/ 221). "المغني" (12/ 505). (¬5) "الإشراف" لابن المنذر (2/ 87) "فتح الباري" (12/ 68). (¬6) في "فتح الباري" (12/ 73 - 74).

الثمانين، أي لم يسن شيئاً زائداً على الأربعين، ويؤيده قوله: وإنما هو شيء صنعناه نحن، يشير إلى رأيه على عمر، فعلى هذا فقوله "لو مات لوديته" أي: في الأربعين يزيده, وبذلك جزم البيهقي (¬1) وابن حزم (¬2). ويحتمل أن [يكون] (¬3) قوله "لم يسنه" الضمير للصفة، وكونها تسقط الجلد، أي: لم يسن الجلد بالسوط، وإنما كان يضرب فيه بالنعال وغيرها، كما تقدم ذكره, أشار إليه البيهقي، وقال ابن حزم (¬4): لو جاء عن غير علي - عليه السلام - من الصحابة في حكم واحد أنه مسنون وأنه غير مسنون لوجب حمل أحدهما على عين ما حمل عليه الآخر فضلاً عن علي - عليه السلام - مع سعة علمه وقوة فهمه، وإذا تعارض خبر عمير بن سعيد وخبر أبي ساسان، فخبر أبي ساسان أولى بالقبول؛ لأنه مصرح فيه برفع الحديث عن علي، وخبر عمير موقوف على علي - عليه السلام -، وإذا تعارض المرفوع والموقوف قدم المرفوع. انتهى. 8 - وعن ابن شهاب - رضي الله عنه -: أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ حَدِّ الْعَبْدِ فِي الخَمْرِ، فَقِيْلَ: بَلَغَنِي أَنَّ عَلَيْهِ نِصْفَ حَدِّ الحُرِّ. أخرجه مالك (¬5). [موقوف ضعيف]. قوله: "في رواية ابن شهاب بلغني أن عليه نصف حد الحر" لم يذكر عمن بلغه, فهو منقطع، ومن بلغه عنه مجهول، ولم يأت بسنة صريحة في ذلك، وتنصيف الحد إنما ورد في الأمة إذا أحصنت فأتت بفاحشة, وأقاس العلماء العبد عليها، وأمّا حد الخمر فلم يأت فيه إلا ¬

_ (¬1) انظر "المعرفة" (6/ 458 - 460). (¬2) في "المحلى" (11/ 367). (¬3) زيادة من (أ). (¬4) انظر "المحلى" (11/ 365 - 366). (¬5) في "الموطأ" (2/ 842 - 843 رقم 3) وهو أثر موقوف ضعيف.

عموم حديث علي - عليه السلام -عند أبي داود (¬1) مرفوعاً بلفظ: "أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم" وهو عند مسلم (¬2) موقوف، فعموم الحدود تقضي بإقامة المالك الحد على مملوكه من ذكر وأنثى حد سرقة أو زنا. وقد ثبت عن ابن عمر (¬3) "أنه قطع عبداً له سرق، وجلد عبداً له زنى" وثبت عن عائشة (¬4) [285 ب]: "قطعت يد عبد سرق"، وعن فاطمة (¬5) - رضي الله عنها -: "أنها جلدت أمة كانت لها زنت". 9 - وعن ابن المسيب قال: غَرَّبَ عُمَرَ - رضي الله عنه - رَبِيعَةَ بْنَ أُمَيَّةَ فِي الخَمْرِ إِلَى خَيْبَرَ، فَلَحِقَ بِهِرَقْلَ فتنَصَّرَ، فَقَالَ عُمَرَ: لَا أُغَرِّبُ بَعْدَهُ مُسْلِمَاً. أخرجه النسائي (¬6). [ضعيف]. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (473). (¬2) أخرجه مسلم في "صحيحه" رقم (34/ 1705). وأخرجه أحمد (1/ 95) وأبو داود رقم (4473) وعبد الرزاق رقم (13601) والبزار في "المسند" رقم (762) والنسائي في "الكبرى" رقم (7239) و (7268) وأبو يعلى رقم (320) من طرق عن سفيان الثوري، عن عبد الأعلى الثعلبي، عن أبي جميلة الطّهوي، عن علي، بمكة والبيهقي (8/ 245) والحاكم (4/ 369). وهو حديث صحيح لغيره. (¬3) أخرجه الشافعي في "المسند" (ج 2 رقم 269 - ترتيب) والبيهقي في "السنن الكبرى" (8/ 268) ومالك في "الموطأ" (2/ 833 رقم 26) وهو موقوف صحيح. (¬4) أخرجه مالك في "الموطأ" (2/ 832 - 833 رقم 25) والشافعي في "المسند" (ج 2 رقم 280 - ترتيب) والبيهقي (8/ 276) و"المعرفة" (6/ 418 رقم 5183 - العلمية). وهو موقوف صحيح. (¬5) أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" رقم (13603) والشافعي في "مسنده" (ج 2 رقم 257 - ترتيب) وهو موقوف بسند منقطع. (¬6) في "السنن" رقم (5676) وهو حديث ضعيف.

قوله: "في حديث ابن المسيب ربيعة بن أمية" قال ابن الأثير (¬1): هو ربيعة بن أمية بن خلف الجمحي، غربه عمر إلى خيبر فلحق بقصير فتنصر، قال: وأقام متنصراً حياة عمر، فلما ولي عثمان أرسل إليه أبا الأعور السلمي يقول له: يراجع الإسلام فلم يجبه إلى ذلك. انتهى. قوله: "لا أغرب بعده مسلماً" نظراً منه إلى ترجيح مصلحة إسلامه على مفسدة كفره وردّته، ثم إن هذا اجتهاد من عمر قياساً على تغريب الزاني فإن الأمر بالتغريب إنما ورد في البكر الزاني، ولذا قال عمر "لا أغرب بعده مسلماً" في شرب الخمر لا الزاني فقد ورد به النص. 10 - وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَجُلاً كَانَ يُلَقَّبُ حِمَارًا، وَكَانَ يُضْحِكُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - أَحْيَانَاً، وَكَانَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قدْ جَلَدَهُ فِي الشَّرَابِ، فَأُتِىَ بِهِ يَوْمًا فَأَمَرَ بِهِ فَجُلِدَ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: اللهمَّ الْعَنْهُ، مَا أَكْثَرَ مَا يُؤْتَى بِهِ، فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تَلْعَنُوهُ، فَوَالله مَا عَلِمْتُ [إلا] (¬2) أَنَّهُ يُحِبُّ الله وَرَسُولَهُ". أخرجه البخاري (¬3). [صحيح]. وفي رواية لأبي داود (¬4) عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: "لَا تَقُولُوا هَذَا، وَلَكِنْ قُوْلُوا: اللهمَّ ارْحَمْهُ، اللهمَّ تُبْ عَلَيْهِ. [صحيح]. قوله: "في حديث عمر كان يلقب حماراً" واسمه عبد الله كما في البخاري (¬5) فإنه قال: "إن رجلاً كان على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يسمى عبد الله ويلقب حماراً". ¬

_ (¬1) في "الجامع" (3/ 593). (¬2) في المخطوط (أ. ب) زيادة إلا، وهي ليست من ألفاظ البخاري، ولم يذكرها ابن الأثير في "جامع الأصول" (3/ 593). ولكنها جاءت في رواية في "شرح السنة": "فوالله ما علمت إلا أنه يحب الله ورسوله". (¬3) في "صحيحه" رقم (6780). (¬4) في "السنن" رقم (4477)، وأخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (6777، 6781). (¬5) في "صحيحه" رقم (6780).

قوله: "يضحك النبي - صلى الله عليه وسلم -" أي: يقول بحضرته أو يفعل ما يضحك منه. وقد أخرج أبو يعلى (1) من طريق هشام بن سعد عن زيد بن أسلم: "أن رجلاً كان يلقب حماراً، كان يهدي للنبي - صلى الله عليه وسلم - العكة من السمن والعسل، فإذا جاء صاحبه يتقاضاه جاء به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "اعط هذا متاعه, فما يزيد النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يتبسم ويأمر به [286 ب] فيعطى". وفي رواية (1): "وكان لا يدخل المدينة طرفة إلا اشترى منها ثم جاء فقال: يا رسول الله! هذا أهديته, فإذا جاء صاحبها يطلب ثمنه جاء به وقال: اعط هذا الثمن، فيقول: "ألم تهده؟ فيقول: ليس عندي، فيضحك ويأمر لصاحبه بثمنه". قوله: "قد جلده في الشراب" أي: بسبب شربه (1) الشراب، وكان فيه مضمرة، أي: كان قد جلده. قوله: "رجل من القوم" وقع في رواية الواقدي (1) فقال عمر. قوله: "لا تلعنوه" في رواية الواقدي (¬1) "لا تفعل يا عمر". قوله: "فوالله ما علمت إنه يحب الله ورسوله". قال الطيبي (¬2): ما (¬3) نافية؛ لاقتضاء القسم أنه يتلقى بحرف النفي، وبأن، واللام، وأنه بكسر الهمزة، وقيل: بفتحها مفعول علمت. ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (12/ 77). (¬2) في شرح الطيبي على "مشكاة المصابيح" (7/ 197). (¬3) قال الطيبي: وكأن جعل (ما) نافية أظهر لوجوه اقتضاء القسم أن يتلقى بحرف النفي، وأن اللام بخلاف الموصولة؛ ولأن الجملة القسمية جيء بها مؤكدة لمعنى النهي ومقررة للإنكار، ويؤيده رواية "شرح السنة": "فوالله ما علمت إلا أنه يحب الله ورسوله". =

وقد أطال في "الفتح" (¬1) نقل الأقوال في توجيه إعرابه، وفيه (¬2) جواز [التلقيب] (¬3) وهو محمول على أنه كان لا يكرهه أو أنه ذكر على سبيل التعريف لكثرة من كان يسمى بعبد الله، وفيه الرد على من زعم أن مرتكب (¬4) الكبيرة كافر للنهي عن لعنه، والأمر بالدعاء له. وفيه (¬5) أنه لا تنافي بين ارتكاب الكبيرة وثبوت محبة الله ورسوله في قلب المرتكب. ويحتمل أن يكون بقاء محبة الله في قلب العاصي مقيد بما إذا ندم على ارتكاب المعصية وأقيم عليه الحد [228/ أ] فكفر عنه الذنب. وفيه: أن أحاديث (¬6) نفي الإيمان عن شارب الخمر ليس المراد زواله بالكلية، بل نفي كماله، وفيه ما يدل على نسخ الأمر بقتل شارب الخمر في الرابعة أو الخامسة فإنه ذكر ابن عبد البر (¬7) أنه أتي به أكثر من خمسين مرة. قوله: "ولكن قولوا: اللهم ارحمه وتب عليه" أي: أبدلوا اللعنة بالدعاء له بالرحمة والتوبة، وفيه جواز الدعاء للفسّاق بالرحمة والتوبة, أو وجوب ذلك للأمر به والنهي عن اللعن، ومعنى "تب عليه" وفّقه للتوبة. [287 ب]. ¬

_ = لأن معنى الحصر في هذه الرواية بمنزلة تاء الخطاب في تلك الرواية، لإرادة الرد ومزيد الإنكار على المخاطب. (¬1) (12/ 77 - 78). (¬2) ذكره الحافظ في "الفتح" (12/ 78). (¬3) في (أ) التقليب، وما أثبتناه من (ب) و"فتح الباري". (¬4) ذكره الحافظ في "الفتح" (12/ 78) وقد تقدم توضيحه مراراً. (¬5) قاله ابن حجر في "فتح الباري" (12/ 78). (¬6) انظر "فتح الباري" (12/ 78). (¬7) ذكره الحافظ في "فتح الباري" (12/ 78).

الباب السابع: في الشفاعة، والتسامح في الحدود

الباب السابع: في الشفاعة، والتسامح في الحدود 1 - عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي رَاشِدٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مَنْ حَالَتْ شَفَاعَتُهُ دُونَ حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللهِ تعالى، فَقَدْ ضَادَّ الله - عز وجل -، وَمَنْ خَاصَمَ فِي بَاطِلٍ وَهُوَ يَعْلَمُهُ لَمْ يَزَلْ فِي سَخَطِ اللهِ تَعَالَى حَتَّى يَنْزِعَ، وَمَنْ قَالَ فِي مُؤْمِنٍ مَا لَيْسَ فِيهِ أَسْكَنَهُ الله رَدْغَةَ الخَبَالِ حَتَّى يَخْرُجَ مِمَّا قَالَ، وَمَنْ أَعَانَ عَلَى خُصُومَةٍ بِظُلْمٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ الله تَعَالَى". أخرجه أبو داود (¬1). [صحيح]. "الرَّدْغَةُ": بسكون الدال وتحريكها بعدها غين معجمة: الطين والوحل الكثير. قوله: "عن يحيى بن أبي راشد" هو يحيى (¬2) بن راشد الدمشقي، سمع ابن عمر، وروى عنه عمارة بن غزية في الحدود. قال ابن الأثير (¬3): ونسخ التيسير يحيى بن أبي راشد، ولفظ "سنن أبي داود" (¬4) و"الجامع" (¬5) وغيرهما (¬6) ابن راشد بدون لفظ أبي. قوله: "من حالت شفاعته دون حد من حدود الله فقد ضاد الله" أي: صار ممانعاً لله كما يمانع الضد ضده عن مراده، وهو تحريم للشفاعة في الحدود بعد بلوغها إلى الإمام لا قبله, فإنه ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (3597). وأخرجه أحمد (2/ 70) والحاكم في "المستدرك" (4/ 383) والطبراني في "المعجم الكبير" رقم (13084). وهو حديث صحيح. (¬2) انظر: "التقريب" (2/ 347 رقم 58). (¬3) في "الجامع" (3/ 599). (¬4) في "السنن" رقم (3597). (¬5) (3/ 599). (¬6) انظر مصادر تخريج الحديث.

يجوز، بل يندب كما أفاده حديث "تعافوا الحدود فيما بينكم، فما بلغني من حد فقد وجب". أخرجه أبو داود (¬1). ومثل ما قال - صلى الله عليه وسلم - لهزال في قصة ماعز: "لو سترته بثوبك كان خيراً لك". أخرجه أبو داود (¬2)، ومثل قوله - صلى الله عليه وسلم - لصفوان: "هذا قبل أن تأتيني به" (¬3) بل لقن - صلى الله عليه وسلم - السارق أن يقول ما يسقط معه القطع بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "ما أخالك سرقت" (¬4) مرتين أو ثلاثاً. قوله: "ومن خاصم في باطل وهو يعلمه" أي: يعلم كونه باطلاً يجادل فيه ليدحض به الحق، وهذا يشمل كل من جادل بباطل من المتمذهبة وأهل علم الكلام، ويدخل فيه دخولاً أولياً كثير من الذين يتوكلون عند الحكام في الخصومات. قوله: "ومن قال في مؤمن ما ليس فيه" أي: مما يسوءه ويشونه [288 ب] ويحط من شأنه لا من قال فيه خيراً ليصلح بينه وبين خصمه, فقد أباح ذلك الشارع. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (4376). وأخرجه النسائي رقم (4886) والحاكم في "المستدرك" (4/ 383) وهو حديث صحيح. (¬2) في "السنن" رقم (4377) وهو حديث حسن، وقد تقدم. (¬3) أخرجه أبو داود رقم (4394) والنسائي (8/ 69) وابن الجارود رقم (828) والشافعي (2/ 84 رقم 287) وأحمد (3/ 401) وابن ماجه رقم (2595) والحاكم (4/ 380) والبيهقي (8/ 265) من طرق، وهو حديث صحيح. (¬4) أخرجه أبو داود رقم (4380) وأحمد (5/ 293) والنسائي (8/ 67 رقم 4877) وابن ماجه رقم (2597) والدارمي (2/ 173) والبيهقي (8/ 276) من حديث أبي أمية المخزومي. وهو حديث ضعيف، والله أعلم.

قوله: "ردغة الخبال" بفتح الراء ودال مهملة وغين معجمة، والخبال بفتح الخاء المعجمة فموحدة. قال ابن الأثير (¬1): عصارة أهل النار، قال: والردغة بفتح الدال وسكونها الماء والطين. قوله: "حتى يخرج مما قال" أي: في المؤمن وخروجه عنه بعد الموت لا يتم؛ لأنه لا يخرج إلا بالتوبة، ولا توبة بعد الموت، فليس إلا العذاب كما يشاءه الله أو عفو المؤمن عنه. واعلم أن حديث أبي داود عن يحيى بن [] (¬2) راشد انتهى إلى هنا، وأما قوله: "ومن أعان على خصومة بظلم فقد جاء بغضب من الله"، فليس من رواية يحيى بن راشد، بل أخرجها أبو داود (¬3) رواية منفصلة من طريق أخرى عن نافع عن ابن عمر، إلا أن في هذه الطريق كما قال المنذري (¬4) مطر بن طهمان الوراق، وقد ضعفه غير واحد، وفيه أيضاً المثنى بن يزيد، وهو مجهول، انتهى كلام المنذري (¬5). وهو كما قال، فالعجب من سياق المصنف للروايتين وخلط المضعفة بالصحيحة، وما كان يحسن ذلك، فهو نوع من الغش فإنه صريح في أن هذه الزيادة من رواية يحيى بن راشد، وليست من روايته، بل عن نافع عن ابن عمر، وأما ابن الأثير في "الجامع" (¬6) فإنه ساق في الأولى إلى قوله: "مما قال" ثم قال: "زاد في رواية: "ومن أعان" إلى آخر الحديث، ثم قال: ¬

_ (¬1) في "غريب الجامع" (3/ 600). (¬2) في (أ. ب) زيادة أبي وهو خطأ، وانظر ما تقدم. (¬3) في "السنن" رقم (3598). وأخرجه ابن ماجه رقم (2320). وهو حديث ضعيف، والله أعلم. (¬4) في مختصره (5/ 216). (¬5) في "مختصر السنن" (5/ 216). (¬6) (3/ 597 - 598).

أخرجه أبو داود، فهو وإن كان [قد] (¬1) أهمل تضعيف الثانية فقد أفاد أنه رواية أخرى، وليس من طريقته بيان التضعيف وغيره فلا أعتراض عليه. 2 - وَعَن الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ - رضي الله عنه -: أَنَّهُ لَقِيَ رَجلاً قَدْ أَخَذَ سَارِقًا يُرِيدُ أَنْ يَذْهَبَ بِهِ إِلَى السُّلْطَانِ فَشَفَعَ لَهُ الزُّبَيْرُ لِيُرْسِلَهُ, فَقَالَ: لاَ، حَتَّى أَبْلُغَ بِهِ إِلَى السُّلْطَانَ، فَقَالَ الزُّبَيْرُ: إِنَّمَا الشَّفَاعَةُ قَبْلَ أَنْ يُبَلَّغُ السُّلْطَانُ، فَإِذَا بُلِّغَ السُّلْطَانَ لعِنَ الله الشَّافِعَ وَالمُشَفِّعَ. أخرجه مالك (¬2). [موقوف صحيح]. قوله: "فشفع له الزبير" معنى الشفاعة [289 ب] كلام الشفيع إلى من هو فوقه في حاجة يسألها (¬3) لغيره, وهي من الشفع الذي هو خلاف الوتر، كأنه بانضمامه إلى المشفوع له صارا شفعاً. قوله: "لعن الشافع [والمشفع] " (¬4) بكسر الفاء, وذلك لأنهما تعاونا على إسقاط حق الله وما شرعه من الزواجر. 3 - وَعَنْ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ - رضي الله عنه -: أَنَّهُ توَسَّدَ رِدَاءَهُ فِي المَسْجِدِ، وَنَامَ فَجَاءَهُ سَارِقٌ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ, فَأَخَذَ صَفوَانُ السَّارِقَ، فَجَاءَ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فأَمَرَ بِهِ أَنْ تُقْطَعَ يَدُهُ, فَقَالَ صَفْوَانُ: ¬

_ (¬1) في (أ) في. (¬2) في "الموطأ" (3/ 835 رقم 29). قال ابن عبد البر في "الاستذكار" (34/ 176): "هذا خبر منقطع، ويتصل من وجه صحيح"، وأخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (8/ 333) بسند صحيح. وهو أثر موقوف صحيح, والله أعلم (¬3) قال ابن الأثير في "النهاية" (1/ 877) الشفاعة: هي السؤال في التجاوز عن الذنوب والجرائم بينهم. انظر: "غريب الحديث" للهروي (2/ 92). (¬4) سقطت من (ب).

إِنِّي لَمْ أُرِدْ هَذَا يَا رَسُولَ اللهِ, هُوَ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "فَهَلاَّ قَبْلَ أَنْ تَأْتِينِي بِهِ". أخرجه الأربعة (¬1) إلا الترمذي. [صحيح]. 4 - وَعَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها -: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "ادْرَءُوا الحُدودَ عَنِ المُسْلِمِينَ مَا اسْتَطَعْتُمْ، فَإِن كَانَ لَهُ مَخْرَجٌ فَخَلُّوا سبِيلهُ, فَإِنَّ الإِمَامَ أَنْ يُخْطئَ فِي الْعَفْو خَيْرٌ مِنْ أَنْ يُخْطِئَ فِي الْعُقُوبَةِ". أخرجه الترمذي (¬2). [صعيف]. ولأبي داود عنها (¬3): أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَقُولُ: "أَقِيْلُوا ذَوِيْ الهيْئَاتِ عَثرَاتِهِمْ إِلَّا الحُدُودَ. [صحيح]. قوله: "في حديث عائشة أخرجه الترمذي". ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود رقم (4394) والنسائي (8/ 69) وابن ماجه رقم (2595) وهو حديث صحيح، وقد تقدم تخريجه. (¬2) في "السنن" رقم (1424) وهو حديث ضعيف. وأخرجه الحاكم (4/ 384 - 385) وقال: صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، وقال الذهبي: قال النسائي: يزيد بن زياد شامي متروك. وأخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (8/ 238) وفي إسناده يزيد بن أبي زياد وهو ضعيف ["التاريخ الكبير" (8/ 334) والمجروحين (3/ 99) "الميزان" (4/ 423)]. (¬3) في "السنن" رقم (4375). وأخرجه أحمد (6/ 181) والنسائي في "الكبرى" رقم (7294 - العلمية)، والطحاوي في شرح "مشكل الآثار" رقم (2377) وأبو نعيم في "الحلية" (9/ 43) وابن حزم في "المحلى" (11/ 405) من طريق عبد الرحمن بن مهدي، حدثنا عبد الملك بن زيد، عن محمد بن أبي بكر، عن أبيه, عن عمرة, عن عائشة, به. قال ابن حزم: وقد أورد طرقه أحسنها كلها حديث عبد الرحمن بن مهدي، فهو جيد والحجة به قائمة. وهو حديث صحيح، والله أعلم.

قلت: وقال (¬1): حديث عائشة لا نعرفه مرفوعاً إلا من حديث محمد بن ربيعة عن يزيد ابن زياد الدمشقي، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ورواه وكيع عن يزيد بن زياد نحوه ولم يرفعه، ورواية وكيع أصح. وقد روي نحو هذا عن غير واحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أنهم قالوا مثل ذلك، ويزيد بن زياد الدمشقي ضعيف في الحديث، انتهى كلامه. قوله: "ولأبي داود عنها أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود" قال الشافعي (¬2): وذووا الهيئة من لم يظهر منه ريبة، وفيه دليل أن الإمام يخير في التعزير إن شاء عزر، وإن شاء ترك، إذ لو كان التعزير واجباً لكان ذوو الهيئة وغيرهم سواء في ذلك. ورواية أبي داود قال فيها المنذري (¬3): في إسناده عبد الملك بن زيد العدوي وهو ضعيف. انتهى. 5 - وَعَنْ ابْنِ المُسَيَّبِ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَجُلَاً مِنْ أَسْلَمَ يُقَالُ لَهُ هَزَّالٌ شَكَا رَجُلاً إلى رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - بِالزِّنَا، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَنْزِل: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} الْآيَةَ, فَقَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "يَا هَزَّالُ! لَوْ سَتَرْتَهُ بِرِدَائِكَ لَكَانَ خَيْرًا لَكَ". أخرجه مالك (¬4)، وأبو داود (¬5). [حسن]. ¬

_ (¬1) في "السنن" (4/ 33 - 34). (¬2) "الأم" (7/ 368) "الحاوي الكبير" (13/ 404). (¬3) انظر "فتح الباري" (12/ 87 - 88). (¬4) في "الموطأ" (2/ 821). (¬5) في "السنن" رقم (4377). وهو حديث حسن، وقد تقدم.

قوله: "في [290 ب] حديث ابن المسيب يقال له: هزال" بفتح الهاء وتشديد الزاي، وهو ذياب بن بريدة، وقيل ابن بريد الأسلمي، وهو صاحب [229/ أ] الجارية التي وقع عليها ماعز، قاله الكاشغري. وسبب قوله - صلى الله عليه وسلم - لهزال: "لو سترته لكان خيراً لك"، ما رواه أبو داود (¬1) وغيره عن محمد بن المنكدر: أن هزالاً أمر ماعزاً أن يأتي النبي - صلى الله عليه وسلم -. وروي (¬2) في موضع آخر أن [ماعزاً] (¬3) كان يتيماً في حجر هزال، فأصاب جارية من الحي فقال هزال: ائت النبي - صلى الله عليه وسلم - لعله يستغفر لك، وذكر الحديث في قصة رجمه. 6 - وعن هانئ بن نيار - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "لَا يُجْلَدُ فَوْقَ عَشَرَةَ أَسْوَاطٍ إِلَّا فِي حَدِّ مِنْ حُدُودِ الله تَعَالَى". أخرجه الشيخان (¬4) وأبو داود (¬5). [صحيح]. قوله: "وعن هانئ بن نيار" هو خال البراء بن عازب، وهو هاني بن نيار بن عمرو البلوي، حليف الأنصار غلبت عليه كنيته (¬6). ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (4378) وهو حديث حسن. (¬2) أخرجه أبو داود في "السنن" رقم (4419) وهو حديث صحيح دون قوله: (لعله أن يتوب). (¬3) في المخطوط (أ. ب) هزال، والصواب ما أثبتناه من "السنن". (¬4) البخاري في "صحيحه" رقم (6850) ومسلم رقم (40/ 1708). (¬5) في "السنن" رقم (4491). وأخرجه أحمد (3/ 466) والترمذي رقم (1463) وابن ماجه رقم (2601) والنسائي في "الكبرى" رقم (7330 - 7332 - العلمية)، والدارقطني (3/ 207 رقم 371) والدارمي (2/ 176) والبيهقي (8/ 568) والبغوي في "شرح السنة" رقم (2609) وابن أبي شيبة في المصنف (6/ 567) وهو حديث صحيح، والله أعلم. (¬6) أي أبو بردة بن نيار. وانظر "التقريب" (2/ 394 رقم 8).

قوله: "لا يجلد فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله" قال النووي (¬1): ضبطوا الجلد بوجهين: أحدهما بفتح الياء وكسر اللام، والثاني بضم الياء وفتح اللام، وكلاهما صحيح، ذكر العلماء (¬2) أنه حديث منسوخ بعمل الصحابة على خلافه من غير إنكار. فقالت الشافعية (¬3): تجوز الزيادة على عشرة أسواط، واختلف العلماء (¬4) في التعزير هل يقتصر فيه على عشرة أسواط فما دونها، ولا تجوز الزيادة أو تجوز؟ فقال أحمد (¬5) وجماعة (¬6): لا تجوز، وذهب الجمهور الصحابة والتابعين فمن بعدهم إلى جوازها، ثم اختلفوا؛ فقال طائفة: لا ضبط لعدد الضربات، بل ذلك إلى رأي (¬7) الإمام، وله أن يزيد على قدر الحدود؛ لأن عمر ضرب من نقش على خاتمه مائة, وقالت طائفة (¬8): لا يبلغ به أربعين، وآخرون (¬9) لا يبلغ به ثمانين، وفيه أقوال أُخر كلها من غير دليل ناهض. 7 - وعن حكيم بن حزام - رضي الله عنه - قَالَ: نَهَى رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُسْتَقَادَ فِي المَسْجِدِ، وَأَنْ تُنْشَدُ فِيْهِ الْأَشْعَارُ، وَأَنْ تُقَامَ فِيْهِ الحُدُودَ. أخرجه أبو داود (¬10). [حسن لغيره]. ¬

_ (¬1) في شرحه لـ "صحيح مسلم" (11/ 221). (¬2) ذكره النووي في شرح "صحيح مسلم" (11/ 222). (¬3) انظر "البيان" للعمراني (12/ 534). (¬4) قاله النووي في شرح "صحيح مسلم" (11/ 221). (¬5) "المغني" (12/ 524). (¬6) "إعلام الموقعين" (2/ 342 - 346) "بدائع الصنائع" (5/ 212). (¬7) انظر "المفهم" (5/ 139) "البحر الزخار" (5/ 212). (¬8) ذكره النووي في شرح "صحيح مسلم" (11/ 221 - 222). (¬9) انظر: تفصيل ذلك في "إعلام الموقعين" (2/ 342 - 346)، الطرق الحكمية في السياسة الشرعية لابن القيم (ص 106 - 108). (¬10) في "السنن" رقم (4490). =

8 - وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنُ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، عَنْ بَعْضُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ الأَنْصَارِ قَالَ: اشْتَكَى رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ حَتَّى أُضْنِىَ، فَعَادَ جِلْدَةً عَلَى عَظْمٍ، فَدَخَلَتْ عَلَيْهِ جَارِيَةٌ لِبَعْضِهِمْ فَهَشَّ بها فَوَقَعَ عَلَيْهَا، فَدَخَلَ عَلَيْهِ رِجَالُ مِنْ قَوْمِهِ يَعُودُونَهُ، فَأَخبَرَهُمْ بِذَلِكَ، وَقَالَ: اسْتَفْتُوا لِي رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَإِنِّي وَقَعْتُ عَلَى جَارِيَةٍ دَخَلَتْ عَلَيَّ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَقَالُوا مَا رَأَيْنَا بِأَحَدٍ مِنَ الضُّرِّ مِثْلَ الَّذِي هُوَ بِهِ، وَلَوْ حَمَلْنَاهُ إِلَيْكَ لَتَفَسَّخَتْ عِظَامُهُ، مَا هُوَ إِلاَّ جِلْدٌ عَلَى عَظْمٍ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَأْخُذُوا لَهُ مِائَةَ شِمْرَاخٍ فَيَضْرِبُوهُ بِهَا ضَرْبَةً وَاحِدة أخرجه أبو داود (¬1) والنسائي (¬2). [صحيح]. قوله: "في حديث أبي أمامة حتى أضني" أي: أصابه الضنا وهو شدة المرض وسوء الحال [291 ب] حتى ينحل بدنه من الهزال، وفيه من الفقه أن المريض إذا كان ميئوساً منه ومن معاودة الصحة والقوة له، وقد وجب عليه حد يتناول بالضرب الخفيف الذي لا يجهده، وممن قال بهذا الشافعي وجماعة من العلماء، وقال مالك (¬3) وأصحاب (¬4) الرأي لا يعرف الحد إلا حداً واحداً، والمريض والزمن في ذلك سواء، ولا يخفى أنه ردٌّ للحديث. ¬

_ = وأخرجه الحاكم في "المستدرك" (4/ 369) والدارقطني (3/ 86 رقم 14) والبيهقي في "السنن الكبرى" (8/ 328) وابن أبي شيبة (10/ 42 رقم 8696) وهو حديث حسن لغيره. (¬1) في "السنن" (4472) وهو حديث صحيح. (¬2) في "السنن الكبرى" رقم (7301). (¬3) انظر: مدونة الفقه المالكي (4/ 638 - 639). (¬4) "بدائع الصنائع" (7/ 61 - 63).

9 - وَعَنْ عَليٍّ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَصَابَ حَدًّا فَعُجِّلَ عُقُوبَتُهُ فِي الدُّنْيَا، فَالله أَعْدَلُ مِنْ أَنْ يُثَنَّىَ عَلَى عَبْدِهِ الْعُقُوبَةَ فِي الآخِرَةِ, وَمَنْ أَصَابَ حَدًّا فَسَتَرَهُ الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَفَا عَنْهُ, فَالله أَكْرَمُ مِنْ أَنْ يَعُودَ فِي شَيْءٍ قَدْ عَفَا عَنْهُ". أخرجه الترمذي (¬1). [صحيح]. قوله: "في حديث علي فالله أكرم من أن يعود في شيء قد عفا عنه" الحديث في "الصحيحين" (¬2) بأبسط من هذا ولفظه: "أنه - صلى الله عليه وسلم - قال لأصحابه: بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئاً، ولا تزنوا، ولا تسرقوا، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق، فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب شيئاً من ذلك فعوقب به. فهو كفارة, ومن أصاب شيئاً من ذلك فستره الله عليه فأمره إلى الله إن شاء عفا عنه، وإن شاء عذبه". وهو في "سنن الترمذي" (¬3) بهذا اللفظ من حديث عبادة بن الصامت ثم قال (¬4): وفي الباب عن علي، وجرير بن عبد الله، وخزيمة بن ثابت، قال: وحديث عبادة حديث حسن صحيح. وقال الشافعي (¬5): لم أسمع في هذا الباب أن الحد يكون كفارة لأهله شيئاً أحسن من هذا الحديث، وقال الشافعي: واجب لمن أذنب ذنباً [292 ب] فستره الله عليه أن يستر نفسه ويتوب فيما بينه وبين ربه. انتهى. ¬

_ (¬1) في "السنن" بإثر الحديث رقم (2625). (¬2) البخاري رقم (18) ومسلم رقم (43/ 1709) وقد تقدم، من حديث عبادة بن الصامت. (¬3) في "السنن" بإثر الحديث رقم (2625). (¬4) في "السنن" بإثر الحديث رقم (2625). (¬5) انظر شرح "صحيح مسلم" (11/ 223 - 224).

ولفظ حديث علي كما ذكر لم أجده في الترمذي، وإنما رأيت قوله: وفي الباب (¬1) عن علي. وفي "شرح مسلم" (¬2) على الحديث المذكور ما لفظه: واعلم أن هذا الحديث عام مخصوص، وموضع التخصيص قوله: "ومن أصاب شيئاً من ذلك .. إلى آخره" المراد به ما سوى الشرك، وإلا فإن الشرك لا يغفر له، ولا تكون عقوبته كفارة له. وفي هذا الحديث فوائد منها (¬3): تحريم هذه المذكورات، وما في معناها، ومنها الدلالة لمذهب أهل الحق أن المعاصي غير الكفر لا يقطع لصاحبها بالنار إذا مات ولم يتب منها، بل هو في مشيئة الله إن شاء عفا عنه، وإن شاء عذبه، ومنها أن من ارتكب ذنباً يوجب الحد فحد سقط الإثم. قال القاضي (¬4): قال أكثر العلماء: الحدود كفارة استدلالاً بهذا الحديث، قال: ومنهم من وقفه بحديث أبي هريرة، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا أدري الحدود كفارة" (¬5) قال: ولكن ¬

_ (¬1) أي الترمذي في "السنن" بإثر الحديث (2625). (¬2) (11/ 223). (¬3) ذكره النووي في شرح "صحيح مسلم" (11/ 223 - 224). (¬4) في إكمال "المعلم بفوائد مسلم" (5/ 550). (¬5) أخرجه الحاكم في "المستدرك" (1/ 36) و (2/ 488) وقال: صحيح على شرط الشيخين، ولا أعلم له علة، ووافقه الذهبي. وأخرجه البزار في "مسنده" رقم (1543 - كشف). وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (6/ 265) وقال: "رواه البزار بإسنادين رجال أحدهما رجال الصحيح, غير أحمد بن منصور الرمادي وهو ثقة". قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (1/ 66) وهو صحيح على شرط الشيخين.

[حديث عبادة] (¬1) الذي نحن فيه أصح إسناداً، ولا تعارض بين الحديثين، فيحتمل أن حديث أبي هريرة قبل حديث عبادة، فلم يعلم - صلى الله عليه وسلم - ثم علم. انتهى. 10 - وعنه - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: "رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاَثةٍ: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ, وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمُ، وَعَنِ المَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ. أخرجه أبو داود (¬2) والترمذي (¬3). [صحيح]. وزاد أبو داود (¬4) في أخرى: "وَعَنِ الخَرِفِ". قوله: "وعنه" أي: علي - عليه السلام - "رفع القلم" أي: قلم الحفظة الذين يكتبون ما على العباد من الخطايا، لا قلم كتابة الخير، فإنه يكتب للصبي لحديث (¬5): "ألهذا حج؟ قال: نعم، ولك أجر"، ويقاس عليه النائم، والذي لا يعقل، فلو أتوا بشيء يوجب حداً على غيرهم لما وجب عليهم فضلاً من الله. قلت: وزاد في أخرى: "وعن الخرف" مثلث الراء هو فساد (¬6) العقل مع [الكبر] (¬7)، وله ألفاظ في مسلم هذا أحدها. [230/ أ] [293 ب]. ¬

_ (¬1) في (أ. ب) عبارة, وما أثبتناه من شرح "صحيح مسلم" (11/ 224). (¬2) في "السنن" رقم (4403). (¬3) في "السنن" رقم (1423). وهو حديث صحيح. (¬4) في "السنن" بإثر الحديث رقم (4403) قال أبو داود: رواه ابن جريج عن القاسم بن يزيد عن علي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - زاد فيه "والخرف". قلت: هذه الزيادة لا تصح؛ لأن القاسم بن يزيد مجهول وقد تفرد بها. (¬5) تقدم نصه وتخريجه وهو حديث صحيح. (¬6) انظر "القاموس المحيط" (ص 1038). (¬7) في (ب) الكره.

كتاب: الحضانة

كتاب: الحضانة في "التعريفات" (¬1): الحضانة لغة: تربية الولد، وشرعاً: معاقدة على حفظ من لا يستقل بحفظ نفسه من نحو طفل، وعلى تربيته وتعهده. انتهى. وهي بفتح الحاء فعل الحاضنة وهي المربية للطفل. 1 - عَنْ عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ - رضي الله عنه - قَالَ: أَتَتْ امْرَأةً النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ: إِنَّ ابْنِي هَذَا كَانَ بَطْنِي لَهُ وِعَاءً، وَثَدْيِيِ لَهُ سِقَاءً، وَحِجْرِي لَهُ حِوَاءً، وَإِنَّ أَباهُ طَلَّقَنِي وَأَرَادَ أَنْ يَنْتَزِعَهُ مِنِّي، فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: "أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحِي" أخرجه أبو داود (¬2). [حسن]. قوله: "في حديث عمرو بن شعيب أن امرأة" إلى قوله: "أنت أحق به ما لم تنكحي". قال ابن القيم (¬3): هذا حديث احتاج الناس إلى عمرو بن شعيب ولم يجدوا بدًّا [] (¬4) من الاحتجاج به، ومدار الحديث عليه، وليس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديث في سقوط الحضانة بالتزويج غير هذا، وقد ذهب إليه الأئمة الأربعة وغيرهم. ¬

_ (¬1) قاله المناوي في التوقيف على مهمات التعاريف (ص 282 - 283). وانظر "التعريفات" للجرجاني (ص 93). (¬2) في "السنن" (2276). وأخرجه أحمد (2/ 182) والبيهقي في "السنن الكبرى" (8/ 4 - 5)، والحاكم (2/ 207)، وقال: صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وخلاصة القول: أن الحديث حسن للخلاف المعروف في عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. (¬3) في "زاد المعاد" (5/ 389). (¬4) في (ب) زيادة هنا، وهي غير موجودة في نص ابن القيم.

وقولها "كان بطني له وعاء" إلى آخره تريد [كما] (¬1) أنها اختصت به في هذه المواطن الثلاثة والأب لم يشاركها فيهن، نبهت بهذا الاختصاص الذي لم يشاركها فيه الأب على الاختصاص الذي طلبته بالاستيفاء والمخاصمة. و [في] (¬2) هذا دليل على اعتبار (¬3) المعاني والعلل، وتأثيرها في الأحكام وإناطتها بها، وذلك مستقر في [الفطرة] (¬4) السليمة حتى فطر النساء، وهذا الوصف الذي أدلت به المرأة وجعلته سبباً لتعليق الحكم بمكة وقد قرره النبي - صلى الله عليه وسلم - ورتب عليه أثره. قوله: "ما لم تنكحي" اختلف فيه: هل هو تعليل (¬5) أو توقيت؟ فإذا قيل بالأول فتزوجت ثم طلقت - مثلاً - عادت لها الحضانة؛ لأن الحكم إذا ثبت بعلة زال بزوالها، فإذا طلقت زالت العلة وزال حكمها وهو قول الأكثر (¬6). وإذا قيل بالثاني فلا يعود لها حق الحضانة إذا طلقت. ¬

_ (¬1) زيادة من (أ). (¬2) زيادة من "زاد المعاد". (¬3) انظر "زاد المعاد" (5/ 390). (¬4) كذا في (أ. ب) والذي في "زاد المعاد" الفطر. (¬5) ذكره ابن القيم في "زاد المعاد" (5/ 404). (¬6) منهم الشافعي وأحمد وأبو حنيفة، قاله ابن القيم. وانظر "المغني" (11/ 421) "المحلى" (10/ 326). "البيان " للعمراني (11/ 284) شرح "فتح القدير" (4/ 330).

واختلف (¬1) هل المراد بنكاحها مجرد العقد أو [294 ب] هو مع الدخول؟ على قولين (¬2). قال ابن القيم (¬3): والحديث يحتمل الأمرين، والأشبه سقوط حضانتها بالعقد؛ لأنها حينئذ صارت مظنة الإشتغال عن الولد، والتهيؤ للدخول، والأخذ في أسبابه، وهذا قول الجمهور. 2 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - خَيَّرَ غُلَامَاً بَيْنَ أَبِيْهِ وَأُمِّهِ، فَاخْتَارَ أُمِّهِ، فَأَخَذَ بِيَدِهَا فَانْطَلَقَتْ بِهِ. أخرجه أصحاب "السنن" (¬4)، وهذا لفظ الترمذي. [صحيح]. قوله: "في حديث أبي هريرة خير غلاماً بين أبيه وأمه" لفظه في أبي داود "أن امرأة قالت: يا رسول الله! إن زوجي يريد أن يذهب بابني وقد سقاني من بئر أبي عنبة وقد نفعني، فقال ¬

_ (¬1) ذكره ابن القيم في "زاد المعاد" (5/ 406). (¬2) أحدهما: أنه بمجرد العقد تزول حضانتها، وهو قول الشافعي وأبي حنيفة؛ لأنه بالعقد يملك الزوج منافع الاستمتاع بها، ويملك نفعها من حضانة الولد. والثاني: أنها لا تزول إلا بالدخول، وهو قول مالك، فإن بالدخول يتحقق اشتغالها عن الحضانة. (¬3) في "زاد المعاد" (5/ 406). (¬4) أخرجه الترمذي رقم (1357) وقال: حسن صحيح. وأبو داود رقم (2277) والنسائي رقم (3496) وابن ماجه رقم (2351) وأخرجه أحمد (2/ 246) والطحاوي في "المشكل" (4/ 176) و (4/ 177) والبيهقي في "السنن الكبرى" (4/ 3) والحاكم (4/ 97). وقال الحاكم: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي. والحميدي في "المسند" رقم (1083) والدارمي (2/ 170) وعبد الرزاق في مصنفه رقم (12611، 12612) والشافعي في "ترتيب المسند" (2/ 62) وسعيد بن منصور رقم (2275) وابن حبان في "صحيحه" رقم (1200 - موارد) وابن أبي شيبة في "المصنف" (5/ 237) من طرق بألفاظ متقاربة. وهو حديث صحيح، والله أعلم.

النبي - صلى الله عليه وسلم -: "استهما عليه"، فقال زوجها: من يحاقني في ولدي، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -:"هذا أبوك وهذا أمك، فخذ بيد أيَّهما شئت, فأخذ بيد أمه، فانطلقت به". قوله: "أخرجه أصحاب "السنن" واللفظ للترمذي". قلت: وقال (¬1) إنه حديث حسن صحيح، والظاهر في شرعية تخيير الغلام بين أبويه ذكراً كان أو أنثى، وهذا بعد القرعة؛ لأنه قال: "استهما عليه" أي: بالقرعة وذلك؛ لأن القرعة طريق شرعية (¬2) عند تساوي المستحقين، وقد تساوي الأبوان، فالقياس تقديم أحدهما بالقرعة، وإن أبيا القرعة خير الصبي فيرجح باختياره. وقد ثبت هذا التخيير في حكم عمر بن الخطاب كما أخرجه عبد الرزاق (¬3)، وأنه اختار أمه. وحكم به أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، كما أخرجه الشافعي (¬4) عن عمارة الجرمي قال: خيرني علي - عليه السلام - بين أمي وعمي ثم قال لأخ لي أصغر مني: "وهذا أيضاً لو بلغ مبلغ هذا خيرته". وقال (¬5) في الحديث في رواية أخرى "وكنت ابن سبع سنين أو ثمان". فحديث عمرو بن شعيب وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "أنتِ أحق به"، في طفل صغير، وأحاديث التخيير في من له تمييز ولذا قال: "وقد سقاني من بئر أبي عنبة ونفعني". ¬

_ (¬1) أي الترمذي في "السنن" (3/ 639). (¬2) قاله ابن القيم في "زاد المعاد" (5/ 419). (¬3) في مصنفه رقم (12604). (¬4) في "الأم" (6/ 239 رقم 2312). (¬5) قال إبراهيم: وفي الحديث "وكنت ابن سبع أو ثماني سنين". "الأم" (6/ 239) بإثر الحديث رقم (2313).

3 - وَعَنْ عَليٍّ - رضي الله عنه - قَالَ: خَرَجَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ إِلَى مَكَّةَ فَقَدِمَ بِابْنَةِ حَمْزَةَ فَقَالَ جَعْفَرٌ - رضي الله عنه -: أَنَّا آخُذُهَا، أنَّا أَحَقُّ بِهَا، وَهِيَ ابْنَةُ عَمِّي، وَعِنْدِي خَالَتُهَا، وَإِنَّمَا الخَالَةُ أُمٌّ، وَقَالَ عَليٌّ - رضي الله عنه -: أَنَا أَحَقُّ بِهَا، هِيَ ابْنَةُ عَمِّي، وَعِنْدِي ابْنَةُ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَهِيَ أَحَقُّ بِهَا، وَقَالَ زَيْدٌ - رضي الله عنه -: أَنَا أَحَقُّ بِهَا، هِيَ ابْنَةُ أَخِي، وَإِنَّمَا خَرَجْتُ إِلَيْهَا، وَقَدِمْتُ بِهَا، فَقَضَى بِهَا رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - لجِعْفَر، وَقَالَ: "إِنَّمَا الخَالَةُ أُمٌّ". أخرجه أبو داود (¬1). [صحيح]. قوله: "في حديث علي - عليه السلام - خرج زيد بن حارثة" الحديث، وأخرجه أبو داود (¬2) [295 ب] عن علي - عليه السلام - بلفظ: "لما خرجنا من مكة تبعتنا ابنة حمزة تنادي: يا عم، يا عم، فتناولها علي فأخذ بيدها وقال: دونك ابنة عمك, فحملتها، فقص الخبر [وفيه] (¬3) فقضى بها النبي - صلى الله عليه وسلم - لخالتها وقال: "الخالة بمنزلة الأم". انتهى. وهذا كان في عمرة (¬4) القضاء فيحمل قوله: "خرج زيد بن حارثة" أي: في عمرة القضاء، وأنه كان معها حين نادت: يا عم يا عم، وكأنها أرادت يا عم، رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو وإن لم يكن عمها بل ابن عمها، أو تريد علياً فكذلك فإنه ابن عمها. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (2278) وهو حديث صحيح. وأخرجه الحاكم في "المستدرك" (3/ 120) وقال: صحيح الإسناد، ولم يخرجاه بهذه الألفاظ, ووافقه الذهبي. والبيهقي في "السنن الكبرى" (8/ 6) • وأخرج البخاري رقم (2699) وأحمد (11/ 98) عن البراء بن عازب: أن ابنة حمزة اختصم فيها عليٌ وجعفر وزيد، فقال علي: أنا أحق بها هي ابنة عمي، وقال جعفر: بنت عمي وخالتها تحتي، وقال زيد: ابنة أخي، فقضى بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لخالتها، وقال: الخالة بمنزلة الأم. وهو حديث صحيح. (¬2) في "السنن" رقم (2280) وهو حديث صحيح. (¬3) زيادة من (أ). (¬4) ذكره ابن القيم في "زاد المعاد" (5/ 428).

وقول زيد "فإنما خرجت إليها وقدمت بها" يحتمل أنه خرج من منزله بمكة ليخرجها، وقدم بها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في الطريق بعد خروجهم من مكة. والحديث أفاد أن الخالة أحق، وأنها كالأم في استحقاق الحضانة. واعلم (¬1) أنه قد أشكل الحديث؛ لأن الخالة مزوجة فهي زوجة جعفر، والمرأة إذا تزوجت سقط حقها من الحضانة كما تقدم قريباً، وأجيب عن الإشكال أن زواجة الحاضنة لا يسقط حقها من حضانة البنت كما هو أحد الروايتين عن أحمد (¬2) وأحد قولي العلماء، وحجته هذا الحديث، الثاني: أن نكاحها بقريب من الطفل، لا يسقط حقها من الحضانة وجعفر ابن عمها. الثالث: أن الزوج (¬3) إذا رضي بالحضانة، وأثر كون الطفل عنده فقي حجره لم تسقط الحضانة، هذا هو الصحيح، وهو مبني على أن سقوط [231/ أ] الحضانة بالنكاح (¬4) هو مراعاة لحق الزوج، فإنه يتنغص عليه الاستمتاع المطلوب من المرأة بحضانتها ولد غيره، فإذا ¬

_ (¬1) انظر ذلك مفصلاً في "زاد المعاد" (5/ 428 - 437). (¬2) انظر "المغني" (11/ 421 - 423). (¬3) قد ذهب أبو حنيفة, والهادوية, إلى أن النكاح إذا كان بذي رحم محرم للمحضون لم يبطل به حق الحضانة. شرح "فتح القدير" (4/ 331) "الاختيار" (4/ 254) "البحر الزخار" (3/ 285). (¬4) ذهب مالك والشافعي والحنفية والعترة، إلى أن حصول النكاح منها بطلت حضانتها. وقد حكى ابن المنذر الإجماع عليه، الإجماع (ص 99 رقم 393). انظر "عيون المجالس" (3/ 1403 رقم 958). "البيان" للعمراني (11/ 276). "البحر الزخار" (3/ 284 - 285). "الاختيار" (4/ 253).

كتاب: الحسد

آثر الزوج ذلك وطلبه وحرص عليه زالت المفسدة التي لأجلها سقطت الحضانة، والمقتضى قائم فيترتب عليه أثره. قوله: "وقضى بها [296 ب] لجعفر" تسامح وإلا فالقضاء بها للخالة، ولذا قال "الخالة بمنزلة الأم". كتاب: الحسد في "التعريفات" (¬1) أنه: تمني زوال النعمة عن مستحقٍ لها، ويُقال: ظلم ذي النّعمة بتمني زوالها عنه وصيرورتها إلى الحاسد. 1 - عَنِ بْنَ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ حَسَدَ إِلاَّ فِي اثْنَتَيْنِ، رَجُلٌ آتَاهُ الله الحِكْمَةَ, فَهْوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا، وَرَجُلٌ آتَاهُ الله مَالاً فَسُلِّطَهُ عَلَى هَلكَتِهِ فِي الحَقِّ". أخرجه الشيخان (¬2). [صحيح]. قوله: "في حديث ابن مسعود لا حسد" المراد بالحسد (¬3) هنا المنافسة، والفرق بين الحسد والمنافسة، أن المنافسة المبادرة إلى الكمال الذي تشاهده من غيرك فتنافسه فيه حتى تلحقه أو تجاوزه فهو من شرف النفس وعلو الهمة وكبر القدر وطلب المعالي. ¬

_ (¬1) قاله المناوي في التوقيف على مهمّات التعاريف (ص 278). وانظر: "التعريفات" للجرجاني (ص 92). (¬2) البخاري في "صحيحه" رقم (73، 1409، 7141، 7316) ومسلم في "صحيحه" رقم (816). (¬3) قال الحافظ في "فتح الباري" (1/ 167): وأما الحسد المذكور في الحديث فهو الغبطة، وأطلق الحسد عليها مجازاً، وهي أن يتمنى أن يكون له مثل ما لغيره من غير أن يزول عنه, والحرص على هذا يسمى منافسة، فإن كان في الطاعة فهو محمود، ومنه {فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (26)}، وإن كان في المعصية فهو مذموم، ومنه "لا تنافسوا" وإن كان في الجائزات فهو مباح.

والحسد خلق نفس ذميمة وضيعة ساقطة ليس فيها حرص على الخير ولا همة عليه، فلعجزها ودنائتها تحسد من يكسب الخير والمحامد، ويفوز بها دونها، فتمني أنه لو فاته كسبها حتى يساويها في عدم الهمة في كسب الخير، ومراد الحديث: لا غبطة إلا في هاتين الخصلتين، فعبّر بالحسد عن الغبطة اتساعاً في ذلك لتقاربهما. وقال الكرماني (¬1): يحتمل أن يكون الحديث من قبيل قوله تعالى: {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى} (¬2) كأنه قيل: لا حسد إلا في هاتين والذي فيهما غبطة فلا حسد أصلاً، فإن قيل (¬3): الحسد قد يكون في غيرهما فما وجه الحصر قيل: إما لأن القصد لا حسد جائز في شيء إلاّ في اثنتين، أو: لا رخصة في الحسد إلا فيهما ونحو ذلك، قال الخطابي (¬4) معنى الحديث "الترغيب" في التصدق وتعلم العلم. وقال ابن بطال (¬5): إن الغني إذا قام بشروط المال وفعل فيه ما يرضي الله كان أفضل من الفقير العاجز. وقال عبد الله بن أحمد: إنه وجد الحديث في "المسند" بخط أبيه "لا تنافس [297 ب] بينكم إلا في اثنتين"، فعلى هذا معناه: نفي مشروعية الحسد أو النهي عنه إلا في الخصلتين المذكورتين. قوله: "رجل آتاه الله الحكمة" وهي العلم والعمل به، ويأتي في حديث ابن عمر "آتاه الله القرآن" فيحتمل أنه المراد بالحكمة هنا. ¬

_ (¬1) في شرحه لـ "صحيح البخاري" (2/ 43). (¬2) سورة الدخان الآية (56). (¬3) قاله الكرماني في شرحه لـ "صحيح البخاري" (2/ 42). (¬4) ذكره الكرماني في شرحه لـ "صحيح البخاري" (2/ 42). (¬5) في شرحه لـ "صحيح البخاري" (1/ 158).

وقوله: "فهو يقتضي بها ويعلمها" أي: يبذلها تعليماً للعباد وإبلاغاً للحجة، وفي "النهاية" (¬1): القضاء أصله القطع والفصل، يقال: قضى إذا فصل وحكم، وقضاء الشيء إحكامه وإمضاؤه والبلوغ منه بمعنى الحلق. انتهى. قوله: "على هلكته" بفتح اللام (¬2) أي: إهلاكه، وعبّر بذلك ليدل على أنه لا يبقى منه شيئاً. وقوله: "في الحق" أي: في الطاعات ليزيل عنه إيهام الإسراف المذموم. 2 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "لاَ حَسَدَ إِلاَّ عَلَى اثْنَتَيْن: رَجُلٌ آتَاهُ الله الْقُرْآنَ، فَهُوَ يَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ، وَرَجُل أَعْطَاهُ الله مَالاً فَهُوَ يُنْفِقُهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ". أخرجه الشيخان (¬3) والترمذي (¬4). [صحيح]. قوله: "في حديث ابن عمر فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار" أي: ساعات ليله وساعات نهاره, ومعنى قيامه به تلاوته وتدبره وتفسيره وتعليمه العباد. 3 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِيَّاكُمْ وَالحَسَدَ، فَإِنَّهُ يَأْكُلُ الحَسَنَاتِ كَمَا تأْكُلُ النَّارُ الحَطَبَ، أَوْ قَالَ الْعُشْبَ. أخرجه أَبو داود (¬5). [حسن بشواهده]. ¬

_ (¬1) النهاية في "غريب الحديث" (2/ 467). (¬2) قاله الحافظ في "فتح الباري" (1/ 167). (¬3) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (5025، 7529) ومسلم رقم (815). (¬4) في "السنن" رقم (1937). (¬5) في "السنن" رقم (4903). وأخرجه البيهقي في "الشعب" رقم (6608). وهو حديث حسن بشواهده.

قوله: "في حديث أبي هريرة إياكم والحسد" تحذير من الاتصاف به، في "النهاية" (¬1): الحسد أن يرى الرجل [على أخيه] (¬2) نعمة فيتمنَّى أن تزول عنه, وتكون له دونه، [والغبطة] (¬3) أن يتمنى أن يكون له مثلها ولا يتمنَّى زوالها عنه. انتهى. فالحديث تحذير عن ذلك فإن تمني زوال (¬4) النعمة عمن أنعم الله عليه قبيح، بل الإنسان مأمور أن يرى لأخيه ما يرى لنفسه، وهو يحب دوام النعمة عليه فيجب عليه أن يحب لأخيه ذلك فكيف يحب زوال نعمته؟ وانتقالها إليه، بل يسأل الله [298 ب] أن يديم نعمته على أخيه ويرزقه مثل ما رزقه. قوله: "كما تأكل النار الحطب أو قال العشب" شك من الراوي أي: حسنات الحاسد يذهبها الحسد (¬5) كما تذهب النار الحطب، وهذا من بديع الكلام، فإنه لما كان الحسد جمرة تلتهب في فؤاد الحاسد أكلت نار حسده حسناته، فلم يحصل من حسده إلا التهاب قلبه، ¬

_ (¬1) النهاية في "غريب الحديث" (1/ 374 - 375). (¬2) كذا في المخطوط والذي في "النهاية": لأخيه. (¬3) كذا في المخطوط والذي في "النهاية" الغَبْط. (¬4) قال الغزالي في "الإحياء" (3/ 192) وأمّا مراتب الحسد فأربع: الأولى: أن يحب زوال النعمة عنه وإن كان ذلك لا ينتقل إليه، وهذا غاية الخبث. الثانية: أن يحب زوال النعمة إليه لرغبته في تلك النعمة، مثل رغبته في دار حسنة, أو امرأة جميلة ... وهو يحب أن تكون له، ومطلوبه تلك النعمة لا زوالها عنه. الثالثة: أن لا يشتهي عينها لنفسه، بل يشتهي مثلها، فإن عجز عن مثلها أحب زوالها كيلا يظهر التفاوت بينهما. الرابعة: أن يشتهي لنفسه مثلها، فإن لم تحصل فلا يحب زوالها عنه. وهذا الأخير هو المعفو عنه إن كان في الدنيا، والمندوب إليه، إن كان في الدين. (¬5) انظر: "إحياء علوم الدين" (3/ 192 - 196).

وذهاب حسناته، ومن حسده لا يؤثر فيه حسده شيئاً، بل ربما زاده الله خيراً عقوبة للحاسد؛ لأنه لم يرض بقسمة الله له ولا لأخيه، فعاقبه الله بأن زاد المحسود من فضله ما يغيظ به الحاسد. ودواء (¬1) داء الحسد أن يعلم العبد أنه إضرار بنفسه فيجاهدها بتركه وسؤال الله من فضله [232/ أ]. ¬

_ (¬1) قال الغزالي في "الإحياء" (3/ 169 - 197): اعلم أن الحسد من الأمراض العظيمة للقلوب، ولا تداوى أمراض القلوب إلا بالعلم والعمل، والعلم النافع لمرض الحسد هو أن تعرف تحقيقاً أن الحسد ضرر عليك في الدنيا والدين، وأنه لا ضرر فيه على المحسود في الدنيا والدين بل ينتفع به فيهما. ومهما عرفت هذا عن بصيرة ولم تكن عدو نفسك وصديق عدوك فارقت الحسد لا محالة. أما كونه ضرراً عليك في الدين فهو أنك بالحسد سخطت قضاء الله تعالى، وكرهت نعمته التي قسمها بين عباده, وعدله الذي أقامه في ملكه بخفي حكمته, فاستنكرت ذلك واستبشعته, وهذه جناية على حدقة التوحيد، وقذى في عين الإيمان، وناهيك بهما جناية على الدين. وقد انضاف إلى ذلك أنك غششت رجلاً من المؤمنين وتركت نصيحته, وفارقت أولياء الله وأنبياءه في حبهم الخير لعباده تعالى، وشاركت إبليس وسائر الكفار في محبتهم للمؤمنين البلايا وزوال النعم، وهذه خبائث في القلب تأكل حسنات القلب كما تأكل النار الحطب، وتمحوها كما يمحو الليل النهار. وأما كونه ضرراً عليك في الدنيا فهو أنك تتألم بحسدك في الدنيا أو تتعذب به, ولا تزال في كمد وغم إذ أعداؤك لا يخليهم الله تعالى عن نعم يفيضها عليهم، فلا تزال تتعذب بكل نعمة تراها وتتألم بكل بلية تنصرف عنهم، فتبقى مغموماً محروماً متشعب القلب ضيق الصدر، قد نزل بك ما يشتهيه الأعداء لك وتشتهيه لأعدائك فقد كنت تريد المحنة لعدوك فتنجزت في الحال محنتك وغمك نقداً، ومع هذا فلا تزول النعمة عن المحسود بحسدك. ولو لم تكن تؤمن بالبعث والحساب لكان مقتضى الفطنة إن كنت عاقلاً أن تحذر من الحسد لما فيه من ألم القلب ومساءته مع عدم النفع، فكيف وأنت عالم بما في الحسد، من العذاب الشديد في الآخرة، فما أعجب من =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = العاقل كيف يتعرض لسخط الله تعالى من غير نفع يناله بل مع ضرر يحتمله وألم يقاسيه فيهلك دينه ودنياه من غير جدوى ولا فائدة, وأما أنه لا ضرر على المحسود في دينه ودنياه فواضح لأن النعمة لا تزول عنه بحسدك، بل ما قدره الله تعالى من إقبال ونعمة فلا بد أن يدوم إلى أجل غير معلوم قدره الله سبحانه, فلا حيلة في دفعه, بل كل شيء عنده بمقدار، ولكل أجل كتاب. ثم قال الغزالي في "الإحياء" (3/ 199). • وأما العمل النافع فيه فهو أن يحكم الحسد فكل ما يتقاضاه الحسد من قول وفعل فينبغي أن يكلف نفسه نقيضه، فإن حمله الحسد على القدح في محسوده كلف لسانه المدح له والثناء عليه, وإن حمله على التكبر عليه ألزم نفسه التواضع له والاعتذار إليه، وإن بعثه على كف الإنعام عليه ألزم نفسه الزيادة في الإنعام عليه, فمهما فعل ذلك عن تكلف وعرفه المحسود طاب قلبه وأحبه, ومهما ظهر حبه عاد الحاسد فأحبه, وتولد من ذلك الموافقة التي تقطع مادة الحسد؛ لأن التواضع والثناء والمدح وإظهار السرور بالنعمة يستجلب قلب المنعم عليه ويسترقه ويستعطفه ويحمله على مقابلة ذلك بالإحسان، ثم ذلك الإحسان يعود إلى الأول فيطيب قلبه ويصير ما تكلفه أولاً: طبعاً آخراً ولا يصدنه عن ذلك قول الشيطان له: لو تواضعت وأثنيت عليه حملك العدو على العجز، أو على النفاق، أو الخوف، وأن ذلك مذلة ومهانة, وذلك من خداع الشيطان ومكايده, بل المجاملة - تكلفاً كانت أو طبعاً - تكسر سورة العداوة من الجانبين، وتقل مرغوبها، وتعود القلوب التآلف والتحاب وبذلك تستريح القلوب من ألم الحسد وغم التباغض. فهذه هي أهوية الحسد وهي نافعة جداً، إلا أنها مرة على القلوب جداً، ولكن النفع في الدواء المر، فمن لم يصبر على مرارة الدواء لم ينل حلاوة الشفاء، وإنما تهون مرارة هذا الدواء، أعني التواضع للأعداء والتقرب إليهم بالمدح والثناء بقوة العلم بالمعاني التي ذكرناها وقوة الرغبة في ثواب الرضا بقضاء الله تعالى وحب ما أحبه، وعزة النفس وترفعها عن أن يكون في العالم شيء على خلاف مرادها جهل، وعند ذلك يريد ما لا يكون، إذ لا مطمع في أن يكون ما يريد وفوات المراد ذل وخسة. ولا طريق إلى الخلاص من هذا الذل إلا بأحد أمرين: إما بأن يكون ما تريد أو بأن تريد ما يكون، والأول ليس إليك ولا مدخل للتكلف والمجاهدة فيه، وأما الثاني: فللمجاهدة فيه مدخل، وتحصيله بالرياضة ممكن، فيجب تحصيله على كل عاقل هذا هو الدواء الكلي. =

ولذا قيل (¬1): ألا قل لمن بات لي حاسداً ... أتدري على من أسأت الأدب؟ أسأت على الله في فعله ... [لأنك] (¬2) لم ترض لي ما وهب (¬3) وفي إحياء علوم (¬4) الدين أبحاث واسعة في الحسد. 4 - وَعَنْ الزُّبَيْرَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: "دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الأُمَمِ قَبْلكُمُ: الحَسَدُ وَالْبَغْضَاءُ، وَهِيَ الحَالِقَةُ، أَمَا إِنِّي لَا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعْرَ، وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! لاَ تَدْخُلُون الجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلاَ تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَلا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا تَحَابُّونَ بِهِ؟ أَفْشُوا السَّلاَمَ بَيْنَكُمْ". أخرجه الترمذي (¬5). [حسن لغيره]. ¬

_ = فأما الدواء المفصل: فهو تتبع أسباب الحسد من الكبر وغيره وعزة النفس وشدة الحرص على ما لا يغني، فإنها مواد هذا المرض ولا ينقمع المرض إلا بقمع المادة, فإن لم تقمع المادة لم يحصل بما ذكرناه إلا تسكين وتطفئة، ولا يزال يعود مرة بعد أخرى ويطول الجهد في تسكينه مع بقاء مواده, فإنه ما دام محباً للجاه فلا بد وأن يحسد من استأثر بالجاه والمنزلة في قلوب الناس دونه، ويغمه ذلك لا محالة، وإنما غايته أن يهون الغم على نفسه, ولا يظهر بلسانه ويده، فأما الخلو عنه رأساً فلا يمكنه. (¬1) ذكره الأمير الصنعاني في "سبل السلام" (8/ 209 - بتحقيقي). (¬2) في (ب) لذلك. (¬3) وزاد الصنعاني بيتاً ثالثاً: فجازاك عني بأن زادني ... وسدَّ عليك وجوه الطلب (¬4) (3/ 186 - 199). (¬5) في "السنن" رقم (2510). وأخرجه أحمد (1/ 167) والطيالسي في "مسنده" (ص 27) والبيهقي في "السنن الكبرى" (10/ 232)، وعبد الرزاق في مصنفه (10/ 385 - 386). وهو حديث حسن لغيره, والله أعلم.

قوله: "في حديث الزبير دب إليكم داء الأمم من قبلكم الحسد والبغضاء" هما بدل من داء الأمم أو عطف بيان له، وهو تحذير وتنبيه على افتقاد أنفسهم هل حصل ذلك فيهم فيطهرون أخلاقهم عنهما، فإن الحسد داء ضرره على الحاسد كما عرفناك. وداء البغضاء كذلك، إلا أن التباغض يتعدى ضرره فيسعى كل باغض في ضرّ أخيه، وهو خلاف ما أمر به, ولذا حذّر تعالى المؤمنين من اتخاذ بطانة من دونهم، وأنها {قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ} (¬1) وعرفوا [299 ب] البغض (¬2) بأنه نفور النفس عن الشيء الذي يرغب عنه، وهو ضد الحب فإنه انجذاب النفس إلى الشيء الذي يرغب فيه. قوله: "وهي" أي: البغضاء "الحالقة" ويحتمل والمذكورة من الحسد والبغضاء. "تحلق الدين" شبه ما ذكر بالموسى والنورة ونحوهما ما يقلع الشعر من البدن، فلا يبقى له أثر، كذلك ما ذكر يقلع الدين من القلب، فلا يبقى له أثر، فإن الحاسد والباغض لا يبقى في قلبه رقة ولا رأفة ولا محبة ولا نصيحة لمن يحسده ويبغضه، وهو مراد الشيطان الذي أخبر الله به عباده في شربهم الخمر بقوله: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ} (¬3). قوله: "ولا تؤمنوا حتى تحابوا"، أقسم - صلى الله عليه وسلم - أنهم لا يدخلون الجنة حتى يؤمنوا، فإنه لا يدخلها إلا مؤمن، ولذا كان - صلى الله عليه وسلم - كثيراً ما يأمر من ينادي أنه لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة، ¬

_ (¬1) سورة آل عمران الآية (118). (¬2) قاله الراغب في "مفردات ألفاظ القرآن" (ص 136). وانظر: التوقيف على مهمات التعاريف (ص 138). (¬3) سورة المائدة الآية (91).

كتاب: الحرص

وأخبر بأنهم لا يؤمنون حتى يحب بعضهم بعضاً، فالتّحاب مراد لله بين عباده، ولذا يغفر كل اثنين وخميس للعباد، إلا المتهاجرين (¬1) ومن بينهم شحناء فيقال: اتركوهما حتى يصطلحا، ثم دلّهم - صلى الله عليه وسلم - على سبب التّحاب وهو إفشاء (¬2) السلام بينهم أي: نشره. كتاب: الحرص في "التعريفات" (¬3): الحرص فرط الشهوة وفرط الإرادة. وقال أبو البقاء: شدة الإنكماش على الشيء والجد في طلبه، وعبّر عنه بعضهم بقوله طلب الشيء باجتهاد في إصابته. ¬

_ (¬1) يشير إلى الحديث الذي أخرجه مالك (2/ 909) ومسلم رقم (2565) وأبو داود رقم (4916) والترمذي (2023) وهو حديث صحيح. عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "تعرض الأعمال في كل يوم اثنين وخمسين، فيغفر الله عز وجل في ذلك اليوم لكل امرئ لا يشرك بالله شيئاً إلا امرأً كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقول: اتركوا هذين حتى يصطلحا". وأخرج ابن ماجه في "السنن" رقم (1740) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصوم الاثنين والخميس، فقيل: يا رسول الله! إنك تصوم الاثنين والخميس، فقال: "إن يوم الاثنين والخميس يغفر الله فيهما لكل مسلم إلا مهتجرين يقول: دعهما حتى يصطلحا. وهو حديث صحيح لغيره. (¬2) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم". أخرجه مسلم رقم (54) وأبو داود رقم (5193) والترمذي رقم (2688) وابن ماجه رقم (3692). وهو حديث صحيح. (¬3) قاله المناوي في "التوقيف على مهمات التعاريف" (ص 274). وانظر: "التعريفات" للجرجاني (ص 90).

وقال [الحرالي] (¬1): هو طلب الاستغراق فيما فيه الحظ. انتهى. 1 - عن أنس - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: "يَهْرَمُ ابْنُ آدَمَ وَيَشِبُّ فِيْهِ اثْنَتَانِ: الحِرْصُّ عَلَى المَالِ، وْالحِرْصُ عَلَى الْعُمُرْ". أخرجه الشيخان (¬2) والترمذي (¬3). [صحيح]. قوله: "في حديث أنس [300 ب] يهرم المرء" الهرم الكبر، وفي حديث آخر (¬4) "إن الله لم يضع داء إلا وضع له دواء إلا الهرم". في "النهاية" (¬5): جعل الهرم داء؛ لأن الموت يتعقبه كالأدواء. قوله: "ويشب فيه اثنتان" بفتح المثناة التحتية وفتح الشين المعجمة وهو بمعنى: قلب الشيخ (¬6) شاب على حب اثنتين، والحرص على الدنيا وحب المكاثرة فيها مذموم. ¬

_ (¬1) في (أ) ولعله الغزالي. انظر: "مفردات ألفاظ القرآن" (ص 227 - 228). (¬2) البخاري رقم (6421) ومسلم رقم (1047). (¬3) في "السنن" رقم (2339). وهو حديث صحيح. (¬4) أخرجه أبو داود رقم (3855) وابن ماجه رقم (3436) والترمذي رقم (2038) وأحمد في "المسند" (4/ 288). وهو حديث صحيح. (¬5) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 903). (¬6) قال النووي في شرح "صحيح مسلم" (7/ 138) هذا مجاز واستعارة, ومعناه أن قلب الشيخ كامل الحب للمال محتكم في ذلك كاحتكام قوة الشاب في شبابه. وانظر "فتح الباري" (11/ 241).

2 - وَعَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا ذِئْبَانِ جَائِعَانِ أُرْسِلاَ فِي غَنَمٍ بِأَفْسَدَ لهَا مِنْ حِرْصِ المَرْءِ عَلَى المَالِ وَالشَّرَفِ لِدِينِهِ". أخرجه الترمذي (¬1) وصححه. [صحيح]. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (2376). وأخرجه أحمد (3/ 456، 460) وابن حبان رقم (3288) والدارمي (2/ 304) والطبراني في "الكبير" (19/ 96 رقم 189) والبيهقي في الأدب (ص 322 رقم 974) والبغوي في "شرح السنة" رقم (4054) وابن أبي شيبة في "المصنف" (13/ 241). • وأخرجه البزار في "مسنده" رقم (3608 - كشف) عن ابن عمر، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما ذئبان ضاريان في حظيرة يأكلان ويفسدان بأضر فيها من حب الشرف وحب المال في دين المرء المسلم". قال البزار: لا نعلمه يروى عن ابن عمر إلا من هذا الوجه. وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (10/ 25) وقال: "رواه البزار وفيه قطبة بن العلاء، وقد وثق، وبقية رجاله ثقات". وأخرجه أبو نعيم في "الحلية" (7/ 89) والقضاعي في "مسند الشهاب" (2/ 26 رقم 812) والعقيلي في الضعفاء (3/ 487). • وأخرجه الطبراني في "الأوسط" رقم (855) وفي الكبير (رقم 10779) عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما ذئبان ضاريان في غنم، بأفسد لها من حب ابن آدم الشرف والمال". وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (10/ 250) وقال: رواه الطبراني في "الأوسط"، وفيه عيسى بن ميمون وهو ضعيف، وقد وثق، ولم ينسبه الهيثمي للطبراني في "الكبير" كما هو شرطه. وأخرجه أبو نعيم في "الحلية" (3/ 220) وقال: "وهذا حديث غريب من حديث محمد بن كعب عن ابن عباس، لم نكتبه إلا من هذا الوجه". • وأخرجه أبو يعلى في "مسنده" (11/ 331 رقم 609، 6449) عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما ذئبان ضاريان جائعان في غنم، افترقت أحدهما في أولها، والآخر في آخرها بأسرع فساداً من امرئ في دينه يحب شرف الدنيا ومالها". =

ومعناه: [أَنَّ حِرْصَ المَرْءِ عَلَى المَالَ وَالشَّرَفِ وَحُبَّهُمَا مُفْسِدٌ لِدِينِهِ كَمَا يُفْسِدُ الذِّئْبَانِ الجَائِعَانِ الْغَنَمِ إِذَا أُرْسِلَا فِيْهَا وَلَمْ يَمْنَعَا مِنْهَا. ¬

_ = وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (10/ 250) وقال: "رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح غير محمد بن عبد الملك بن زنجويه, وعبد الله بن محمد بن عقيل، وقد وثقا". وأورده ابن حجر في "المطالب العالية" (3/ 207 رقم 3272) وعزاه إلى أبي يعلى وقال البوصيري: "رواه أبو يعلى والطبراني بإسناد جيد". وأخرجه أبو نعيم في "الحلية" (7/ 89) والقضاعي في "مسند الشهاب" (2/ 25 رقم 81)، (2/ 26 رقم 813) والطبراني في "الأوسط" رقم (776) من طرق أخرى. وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (10/ 250) وقال: رواه الطبراني في "الأوسط" وإسناده جيد. • وأخرجه الطبراني في "الأوسط" والضياء في "المختارة"، كما في تخريج أحاديث "إحياء علوم الدين" (4/ 1886) عن أسامة بن زيد بلفظ: "ما ذئبان ضاريان باتا في حظيرة فيها غنم يفترسان ويأكلان بأسرع فساداً من طلب المال والشرف في دين المسلم. وأخرجه الطبراني في الصغير (2/ 149 رقم 943 - الروض الداني). • وأخرجه الطبراني في "الأوسط" كما في "مجمع الزوائد" (10/ 250) عن أبي سعيد الخدري بلفظ: "ما ذئبان ضاريان في زريبة غنم بأسرع فيها فساداً من طلب المال والشرف في دين المسلم". وفيه: خالد بن يزيد العمري، وهو كذاب. • وأخرجه الطبراني في "الأوسط" كما في "مجمع الزوائد" (10/ 250) عن عاصم بن عدي الأنصاري - رضي الله عنه -، قال: اشتريت أنا وأخي مائة سهم من سهام خيبر، فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "ما ذئبان عاديان ظلا في غنم أضاعها ربها من طلب المسلم المال والشرف لدينه". قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (10/ 250): وإسناده حسن.

3 - وعن أنس - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْ كَانَ لِابْنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِنْ مَالٍ لاَبْتَغَى إليهما ثَالِثًا، وَلاَ يَمْلأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلاَّ التُّرَابُ، وَيَتُوبُ الله عَلَى مَنْ تَابَ". أخرجه الشيخان (¬1)، وهذا لفظهما، والترمذي (¬2) بمعناه. [صحيح]. قوله: "لا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب" أي: لا يزال حريصاً على الدنيا حتى يموت ويمتلئ قلبه (¬3) من تراب قبره، وهذا الحديث خرج على حكم غالب بني آدم في الحرص على ¬

_ (¬1) البخاري رقم (6439) ومسلم رقم (1048). (¬2) في "السنن" رقم (2337). وهو حديث صحيح. • قال الطيبي في شرح "مشكاة المصابيح" (9/ 393 رقم 5273): معناه: أنه لا يزال حريصاً على الدنيا حتى يموت، ويمتلئ جوفه من تراب قبره, وهذا الحديث خرج على حكم غالب بني آدم في الحرص على الدنيا، ويؤيده قوله: "ويتوب الله على من تاب"، وهو متعلق بما قبله، ومعناه: إن الله تعالى: يقبل التوبة من الحرص المذموم وغيره من المذمومات. ثم قال: وموقع قوله: "لا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب"، موقع التذييل والتقرير للكلام السابق، ولذلك أعاد ذكر ابن آدم ونيط به حكم أشمل وأعم، كأنه قيل: ولا يشجع من خلق من التراب إلا بالتراب. وانظر "فتح الباري" (11/ 256). (¬3) وعلاج الحرص والطمع لهذا الداء، يعتمد على دواء مركب من ثلاثة أركان: الصبر، والعلم، والعمل، وهي أمور لا بد منها لكلِّ من أصابه هذا الداء. 1) وهو العمل، الاقتصاد في المعيشة والرفق في الإنفاق، فمن أراد عز القناعة فينبغي أن يسد عن نفسه أبواب الخروج ما أمكنه, ويرد نفسه إلا ما لا بد له منه، فمن أكثر خرجه، واتسع إنفاقه، لم تمكنه القناعة التي منها الإجمال في الطلب والاقتصاد في المعيشة, وهو والأصل في القناعة، ونعني به الرفق في الإنفاق وترك الخرق فيه. 2) أنه إذا تيسر لك في الحال ما يكفيك فلا ينبغي أن تكون شديد الاضطراب لأجل المستقبل، ويعينك على ذلك قصر الأمل، والتحقق بأن الرزق الذي قدر لك لا بد وأن يأتيك وإن لم يشتد حرصك، فإن شدة =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = الحرص ليست هي السبب لوصول الأرزق، بل ينبغي أن يكون واثقاً بوعد الله تعالى، إذ قال عز وجل: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} وذلك لأن الشيطان يعدك الفقر ويأمرك بالفحشاء، ويقول: إن لم تحرص على الجمع والادخار فربما تمرض وربما تعجز، وتحتاج إلى احتمال الذل في السؤال، فلا يزال طول العمر يتعبك في الطلب خوفاً من الفقر، ويضحك عليك في احتمالك التعب نقداً مع الغفلة عن الله لتوهم تعب في ثاني الحال، وربما لا يكون وفي مثله قيل: ومن ينفق الساعات في جمع ماله ... وسدَّ عليك وجوه الطلب 3) أن يعرف ما في القناعة عز الاستغناء وما في الحرص والطمع من الذل، فإذا تحقق عنده ذلك انبعثت رغبته إلى القناعة؛ لأنه في الحرص لا يخلو من تعب، وفي الطمع لا يخلو من ذل، وليس في القناعة إلا ألم الصبر عن الشهوات والفضول، وهذا ألم لا يطلع عليه أحد إلا الله، وفيه ثواب الآخرة. وذلك مما يضاف إليه نظر الناس وفيه الوبال والمأثم، ثم يفوته عز النفس والقدرة على متابعة الحق، فإن من أكثر طمعه وحرصه كثرت حاجته إلى الناس، فلا يمكنه دعوتهم إلى الحق ويلزمه المداهنة, وذلك يهلك دينه, ومن لا يؤثر عز النفس على شهوة البطن فهو ركيك العقل، ناقص الإيمان. 4) أن يكثر تأمله في تنعم اليهود والنصارى وأراذل الناس، ومن لا دين لهم ولا عقل، ثم ينظر إلى أحوال الأنبياء والأولياء، وإلى سمت الخلفاء الراشدين وسائر الصحابة والتابعين، ويستمع أحاديثهم، ويطالع أحوالهم، ويخير عقله بين أن يكون على مشابهة أراذل الناس أو على الاقتداء بمن هو أعز أصناف الخلق عند الله، حتى يهون عليه بذلك الصبر على الضنك، والقناعة باليسير. 5) أن يفهم ما في جمع المال من الخطر، وما فيه من خوف السرقة والنهب والضياع، وما في خلو اليد من الأمن والفراغ، ويتأمل آفات المال مع ما يفوته من المدافعة عن باب الجنة إلى خمسمائة عام، فإنه إذا لم يقنع بما يكفيه ألحق بزمرة الأغنياء، وأخرج من جريرة الفقراء، ويتم ذلك بأن ينظر أبداً إلى من دونه في الدنيا، لا إلى من فوقه، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم". [البخاري رقم (6490) بنحوه، ومسلم رقم (9/ 2963) والترمذي رقم (2513) وابن ماجه رقم (4142)].

كتاب: الحياء

الدنيا، ويؤيده قوله: "ويتوب الله على من تاب"، ومعناه: أن الله يقبل التوبة من الحرص المذموم وغيره مما يذم، وهو تحذير من الحرص وحب المال وإخبار بأنه يكون ذلك مع الهرم الذي ينبغي معه خلاف ذلك، وأن يجاهد نفسه في دفع الأمرين عنها. كتاب: الحياء الحياء: بالمد هو: لغة تغير وانكسار يلحق الإنسان من خوف ما يعاب، وشرعاً: خلق يبعث على (¬1) اجتناب القبيح، ويمنع من التقصير في حق ذي الحق. وفي "التعريفات" (¬2): الحياء انقباض النفس عن عادة انبساطها في ظاهر البدن، لمواجهة ما تراه نقصاً حيثُ يتعذّرُ عليها الفرار بالبدن. وقيل: انقباض [301 ب] النفس عن شيء حذراً من الملام، وهو نوعان نفساني: وهو المخلوق في النفوس كلِّها كالحياء عن كشف العورة والجماع بين الناس، وإيماني: وهو أن يمتنع المسلم عن فعل المحرم خوفاً من الله. انتهى. 1 - عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "اسْتَحْيُوا مِنَ الله حَقَّ الحَيَاءِ"، قُلْنَا: إِنَّا لَنَسْتَحْيِي مِنَ اللهِ يا رسولَ اللهِ، وَالحَمْدُ للهِ: قَالَ: "لَيْسَ ذَلكَ، وَلَكِنَّ الِاسْتِحْيَاءَ مِنَ الله حَقَّ الحَيَاءِ أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى، الْبَطْنَ وَمَا حَوَى، وتَذْكُر المَوْتَ وَالْبِلَى، وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الحَيَاةَ الدُّنْيَا، وَآثَرَ الْآَخِرَة عَلَى الْأُوْلَى، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدِ اسْتَحْيَا مِنَ اللهِ حَقَّ الحَيَاءِ". أخرجه الترمذي (¬3). [صحيح]. ¬

_ (¬1) "مفردات ألفاظ القرآن" (ص 270). (¬2) "التوقيف على مهمات التعاريف" (ص 302). وانظر "التعريفات" للجرجاني (ص 100). الكليات (2/ 260). (¬3) في "السنن" رقم (2458) وهو حديث صحيح. =

والمراد (¬1) "بما وعى الرأس" السمع والبصر واللسان، و"بما حوى البطن" المأكول والمشروب، والمراد: الحث على طلب الحلال من الرزق، واستعمال هذه الجوارح في مرضاة الله تعالى. قوله: "في حديث ابن مسعود حق الحياء" من إضافة الصفة إلى الموصوف، أي: الحياء (¬2) الحق الذي لا باطل فيه، وفيه إشارة إلى أن من الحياء ما هو باطل، وهو الذي يفضي بصاحبه إلى الإخلال بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وقوله: "أن يحفظ الرأس وما وعى [233/ أ] " يقال: وعاه يعيه، أي: حفظه، والرأس قد جعله وعاءً وحافظاً للسمع والبصر واللسان والأنف, والمصنف ترك ذكرها ولا بد منها، فهي مما يحفظ عن شم المحرم والاستنشاق به وغير ذلك، وحفظ الرأس نفسه أن لا يحلقه إلا لله ولا يكرم شعره بالترجيل والدهن إلا لمقصد صالح لا لغيره من التزين في محلات الزينة, وحفظ اللسان أن لا ينطق إلا بخير ولا يحبسها عن ذكر، وأمر بمعروف أو نهي عن منكر، وإرشاد إلى علم، وأن لا يلوك بها حراماً وغير ذلك. ¬

_ = وأخرجه أحمد (1/ 387) وأبو يعلى رقم (5047) ومحمد بن نصر في الصلاة (450) وابن أبي الدنيا في "مكارم الأخلاق" رقم (90) والطبراني في "الكبير" رقم (10290) والبيهقي في "الشعب" رقم (7730) و (10561) وأبو نعيم في "الحلية" (4/ 209) وابن أبي شيبة رقم (34320) والحاكم (4/ 359). وهو حديث صحيح، والله أعلم. (¬1) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (3/ 616). (¬2) انظر "مدارج السالكين" (2/ 327 - 330).

وقال - صلى الله عليه وسلم -: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده" (¬1)، وآفات اللسان التي يجب حفظها منها كثيرة وقد بسطها الغزالي في "الإحياء" (¬2) كما بسط آفات غيرها من الجوارح، وحفظ العين، ألا ينظر بها محرماً ولا سيما مما نهى الشارع عنه، وحفظ السمع أن يصونه عما نهى عنه الشارع، وحفظ الأنف عما ذكرناه وغيره، وقد بسطنا الكلام أكثر من هذا في "التنوير شرح الجامع الصغير" (¬3). قوله: "والبطن وما حوى" أي: يحفظه وهي [302 ب] كلمة جامعة كالأولى، فإن البطن قد حوى أشرف مضغة في الإنسان وهي القلب، فإنه معدن الخير والشر، وهي المضغة التي إن صلحت صلح الجسد كله، وإن فسدت فسد الجسد كله وهو مقر الإيمان والكفر والاعتقادات الحقة والباطلة، ومحطُّ رحال الوساس، وهو الملك الذي سائر الجوارح خدم له وجواسيس تابعة بالخير والشر، وجميع الحواس طلائعه ورسله، وقد بسطنا هذا في "التنوير" في شرح هذا الحديث في حرف الهمزة. قوله: "ويتذكر الموت والبِلَى" بكسر الموحدة من بلي الثوب يبلى بلاً، وبلاء وقد أكثر في الأحاديث التوصية بذكر الموت، وبيّن - صلى الله عليه وسلم - فائدة ذكره بأنه يوسع على العبد ضيق عيشه، ويضيق على الموسع سعيه، وبأنه يمحص الذنوب ويزهد في الدنيا. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (10) ومسلم رقم (40) عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه". • وعن أبي موسى - رضي الله عنه - قال: قلت: يا رسول الله! أي المسلمين أفضل؟ قال: "من سلم المسلمون من لسانه ويده". [البخاري رقم (11) ومسلم رقم (42) والنسائي (8/ 107) والترمذي رقم (2504)]. (¬2) (3/ 107 - 162) وهي عشرون آفة. (¬3) وهو قيد التحقيق ط. ابن الجوزي - الدمام.

قوله: "ومن [ذكر] (¬1) الآخرة" أي: نعيمها الذي أعدّه الله لأوليائه ترك زينة الحياة الدنيا ذكرها الله في قوله: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ} (¬2) الآية، وقي قوله: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} (¬3) وليس المراد أن لا يكون له أهل ولا مال، فإنه قد كان للأنبياء - عليهم السلام - أهل ومال, إنما المراد أن لا يجعلها أكبر همه وجل [مطلبه] (¬4) كما قال - صلى الله عليه وسلم -: "اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا" (¬5)، وهو المراد من قوله: {وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (38)} (¬6). قوله: "فمن فعل ذلك" أي: كل ما ذكر منه استحيا من الله حق الحياء، فلا يتصف به إلا من اتصف بما ذكر. [303 ب]. قوله: "أخرجه الترمذي". ¬

_ (¬1) كذا في الشرح والذي في المتن: أراد. (¬2) سورة آل عمران في الآية (14). (¬3) سورة الكهف الآية (46). (¬4) في (ب) مطلبته. (¬5) أخرجه الترمذي في "السنن" رقم (3502) من حديث ابن عمر - رضي الله عنه - قال: قلما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقوم من مجلس حتى يدعو بهؤلاء الدعوات لأصحابه: "اللهم اقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معاصيك, ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك, ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، ومتعنا يأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا, ولا تجعل مصيبتنا في ديننا, ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا من لا يرحمنا". وهو حديث حسن, والله أعلم. (¬6) سورة النازعات الآية (38).

قلت: زاد في "الجامع الصغير" (¬1) أحمد (¬2) والحاكم (¬3) والبيهقي في "الشعب" (¬4) ورمز السيوطي لصحته. قال شارحه: لعله اغترار منه بتصحيح الحاكم وتقرير الذهبي، وليس بسديد فقد تعقب بأن فيه أبان بن إسحاق قال الأزدي: تركوه, لكن وثّقه العجلي عن الصباح بن مرة، قال في "الميزان" (¬5): واهٍ (¬6). وقاله الترمذي (¬7): غريب، لا نعرفه إلا من حديث أبان ابن إسحاق عن الصباح، قال المنذري (¬8): وأبان فيه مقال, والصباح مختلف فيه, وقيل إنه موقوف. 2 - وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - أَشَدَّ حَيَاءِ مِنَ العْذْرَاءَ فِي خِدْرِهَا، وكَانَ إِذَا رَأَى شَيْئَاً يَكْرَهُهُ [عَرَفْنَاهُ] (¬9) في وَجْهِهِ. أخرجه الشيخان (¬10). [صحيح]. قوله: "في حديث الخدري من العذراء في خدرها" العذراء: البكر، وخدرها: سترها. ¬

_ (¬1) (1/ 222 رقم 935) وقد حسنه الألباني في "صحيح الجامع". (¬2) في "المسند" (1/ 387). (¬3) في "المستدرك" (4/ 359). (¬4) رقم (7730، 10561). (¬5) (1/ 5 رقم 1). (¬6) قال الذهبي في "الميزان"، والصباح: واهٍ. (¬7) في "السنن" رقم (4/ 637). (¬8) قال المنذري في "الترغيب والترهيب" (3/ 383): قال المحافظ: أبان بن إسحاق فيه مقال، والصباح مختلف فيه، وتكلم فيه لرفعه هذا الحديث، وقالوا: الصواب عن ابن مسعود موقوف، ورواه الطبراني مرفوعاً عن عائشة، والله أعلم. (¬9) في (أ) عرفنا ذلك، وما أثبتناه من (ب) والبخاري ومسلم. (¬10) البخاري رقم (3562، 6102، 6119) ومسلم رقم (2320).

3 - وعن زيد بن طلحة بن ركانة - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ لِكُلِّ دِينٍ خُلُقَاً، وَخلُقُ الْإِسْلَامِ الحَيَاءُ". أخرجه مالك (¬1). [صحيح لغيره]. 4 - وعن أنس - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَا كَانَ الْفُحْشُ فِي شَيْء إِلَّا شَانَهُ، وَمَا كَانَ الحَيَاءَ فِي شَيْء إِلَّا زَانَهُ". أخرجه الترمذي (¬2). [صحيح]. ¬

_ (¬1) في "الموطأ" (2/ 905 رقم 9) وهو حديث صحيح لغيره. (¬2) في "السنن" (1974). وأخرجه ابن ماجه رقم (4185)، وهو حديث صحيح.

حرف الخاء

حرف الخاء أي: المعجمة [وفيه خمسة كتب: الخلق، الخوف، خلق العالم، الخلافة، الخلع كتاب: الخلق] (¬1) قوله: "كتاب الخلق" بضم الخاء واللام، في "التعريفات" (¬2): الخلق بالضم هيئةٌ للنفس راسخة تصدر عنها الأفعال [بيسر] (¬3) من غير حاجة إلى فكر وروية، فإن [كانت] (¬4) الهيئة بحيث تصدر عنها الأفعال الجميلة عقلاً وشرعاً بسهولةٍ، سميت الهيئةُ خُلقاً حسناً، وإن كان الصادر عنها الأفعال القبيحة سميت الهيئة خلقاً سيئاً بضده. 1 - عن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: "يَا مُعَاذ! أَحْسِنْ خُلُقَكَ لِلنَّاسِ". أخرجه مالك (¬5). [حسن بشواهده]. قوله: "يا معاذ! أحسن خلقك للناس" في "الجامع" أنه قال معاذ: "كان آخر ما أوصاني رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وضعت رجلي في الغرز أن قال: يا معاذ! ... " الحديث، وهذا كأنه حين أرسله إلى اليمن وأحق الناس بحسن الخلق أمراؤهم [234/ أ]، ولقد وصف الله رَسُولَه ¬

_ (¬1) زيادة من (ب). (¬2) قاله المناوي في "التوقيف على مهمات التعاريف" (ص 324). (¬3) في المخطوط (أ) (ب): ببشر، وما أثبتناه من "التعريفات". (¬4) في المخطوط (أ. ب) (كان) وما أثبتناه من "التعريفات". (¬5) في "الموطأ" (2/ 902 رقم 1) وهو حديث حسن بشواهده.

- صلى الله عليه وسلم - أنه على خلق عظيم، وفي حسن الخلق [304 ب] والحث عليها عدة أحاديث (¬1) وجمع حسن الخلق من قال: طلاقه الوجه وكف الأذى ... وبذلك المعروف حسن الخلق وهذا نظم لما أخرجه الترمذي (¬2) عن عبد الله بن المبارك، أنه وصف حسن الخلق قال: هو بسط الوجه، وبذل المعروف، وكف الأذى. انتهى. وقال البرهان: القُراطي: بمكارم الأخلاق كن متخلقاً ... ليفوح مسك ثنائك العطر الشذي وانفع صديقك إن أردت صداقة ... وادفع عدوك بالتي فإذا الذي (¬3) ¬

_ (¬1) (منها) ما أخرجه البخاري (3559) ومسلم رقم (2321) والترمذي رقم (1975) عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال: لم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاحشاً ولا متفحشاً، وكان يقول: "إن من خياركم أحسنكم أخلاقاً". و (منها): ما أخرجه الترمذي رقم (2018) عن جابر - رضي الله عنه -، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن من أحبكم إلي وأقربكم مجلساً يوم القيامة أحسنكم أخلاقاً". وهو حديث صحيح. و (منها) ما أخرجه أبو داود رقم (4799) والترمذي رقم (2002) عند أبي الدرداء - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن". (¬2) في "السنن" رقم (2005). (¬3) يشير إلى قوله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33) وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34)} [فصلت: 33 - 34].

2 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَكْمَلُ المؤْمِنِينَ إِيْمَانَاً أَحْسَنُهُمْ خُلُقَاً، وَخِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِأَهْلِهِ" (¬1). [صحيح]. 3 - وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَا شَيْءٌ أَثْقَلُ فِي مِيزَانِ المُؤْمِنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ، وَإِنَّ الله تَعَالَى لَيَبْغَضُ الْفَاحِشَ الْبَذِيءَ" (¬2). أخرجهما أبو داود والترمذي. [صحيح]. وفي رواية الترمذي (¬3): "وَإِنَّ صَاحِبَ حُسْنِ الخُلْقُ لِيَبْلُغَ بِهِ دَرَجَةَ صَاحِبِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ. [صحيح]. "الْبَذَاءَةُ" (¬4) الفحش في النطق. قوله: "أخرجهما أبو داود والترمذي". قلت: وقال الترمذي (¬5) في الأول: هذا حديث حسن صحيح، وقال في الثاني (¬6) بعد أن ذكره بلفظ: عن أم الدرداء عن أبي الدرداء قال: سمعت رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ما من شيء ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود رقم (4682) والترمذي رقم (1162). وأخرجه أحمد (2/ 250) وابن حبان رقم (4164) والحاكم (1/ 3). وهو حديث صحيح، والله أعلم. (¬2) أخرجه أبو داود رقم (4799) والترمذي رقم (2002). وهو حديث صحيح. (¬3) في "السنن" رقم (2003) وهو حديث صحيح. (¬4) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 116). (¬5) في "السنن" (4/ 363). (¬6) في "السنن" (4/ 363).

يوضع في الميزان أثقل من حسن الخلق، وإنّ صاحب حسن الخلق ليبلغ به درجة صاحب الصوم والصلاة"، ثم قال: هذا حديث غريب من هذا الوجه. انتهى. فقول المصنف: وفي رواية الترمذي: أي في إحدى روايته، وإلا فإنه روى الأولى بزيادة: "فإن الله يبغض الفاحش البذيء"، وليست في الرواية الثانية, وزاد في الثانية ما ذكره المصنف، وابن الأثير (¬1) فصل الروايات وألفاظها. 4 - وَعَنْ جَابِرٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِليَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنكُمْ أَخْلاَقًا، وَإِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِليَّ وَأَبْعَدَكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الثَّرْثَارُونَ وَالمتشَدِّقُونَ وَالمتفَيْهِقُونَ"، قَالُوا: يَا رَسُولَ الله، مَا المتفَيْهِقُونَ؟ قَالَ: "المتكَبِّرُونَ". أخرجه الترمذي (¬2). [صحيح]. "الثَّرْثَارُونَ" الذين يكثرون من الكلام تكلفاً وخروجاً عن حد الواجب (¬3). "وَالمُتَشَدِّقُون" الذين يتكلمون بملء أفواههم تفاصحاً وتعظيماً لنطقهم (¬4). "وَالمُتَفَيْهِقُونَ" الذين يتوسعوا في الكلام، ويفتحون به أفواههم، مأخوذ من الفهق، وهو الامتلاء (¬5). ¬

_ (¬1) في "جامع الأصول" (4/ 5 - 6). (¬2) في "السنن" رقم (2018). وأخرجه أحمد (8/ 21) وابن حبان رقم (482) وهو حديث صحيح. (¬3) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (4/ 7). (¬4) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (4/ 7). وانظر: "النهاية" (1/ 850) و"المجموع المغيث" (2/ 182). (¬5) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (4/ 7). وانظر: "الفائق" للزمخشري (4/ 68). "غريب الحديث" للهروي (1/ 106).

قوله: "في حديث جابر يا رسول الله! ما المتفيهقون [305 ب] " لفظه في الترمذي: "قالوا: يا رسول الله! قد علمنا الثرثارين والمتشدقين، فما المتفيهقون؟ ". قوله: "أخرجه الترمذي" ثم قال (¬1): هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه. قوله: "الثرثارون" وفي الترمذي (¬2): الثرثار هو كثير الكلام، والمتشدق هو الذي يتطاول على الناس في الكلام ويبذو عليهم. انتهى. ولم يُفسِّر المتفيهقون اكتفاء بتفسير رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بأنهم المتكبرون. والمصنف فسره به. بما ترى أخذاً من كلام ابن الأثير، فإنه فسرهم بتفسير المصنف، وفي "القاموس" (¬3): تفيهق في كلامه تنطع وتوسع كأنه ملأ به فيه. انتهى. ولم يذكر من معانيه التكبر وهو مضبوط بالموحدة بعد الكاف في نسخ "الجامع" والتيسير. ولكنه لم يأت في اللغة تفسير التفيهق بالتكبر، ولو ضبط بالمثلثة أي: المتكثرون في الكلام المتوسعون فيه لكان صحيحاً، إلا أنها تكون معاني الثلاثة الألفاظ متقاربة فلينظر. 5 - وعن النواس بن سمعان - رضي الله عنه - قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الْبِرِّ وَالْإِثْمِ، فَقَالَ: "اْلِبِرِّ حُسْنَ الخُلُقِ، وَالْإِثْمُ: مَا حَاكَ فِي صَدْرِكَ وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهْ النَّاسُ". أخرجه مسلم (¬4) والترمذي (¬5). [صحيح]. ¬

_ (¬1) في "السنن" (4/ 370). (¬2) في "السنن" (4/ 370). (¬3) "القاموس المحيط" (ص 1188). (¬4) في "صحيحه" رقم (2553). (¬5) في "السنن" رقم (2389). وهو حديث صحيح.

"حَاكَ" أي تردد في الصدر. قوله: "وعن النواس بن سمعان" بفتح النون وتشديد الواو آخره سين مهملة، وسمعان بكسر السين المهملة فميم فعين مهملة، صحابي سكن الشام وهو معدود فيهم. قوله: "عن البر" بكسر الموحدة، في "النهاية" (¬1) أنه الإحسان، وفي أسماء الله البر بفتحها وهو العطوف على عباده، ولم يأت البار في أسمائه، وفسّره - صلى الله عليه وسلم - بحسن الخلق؛ لأنه جامع لكل إحسان، ولهذا كان يدعو به في صلواته "اللهم اهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت". وَ"الإثم" بكسر الهمزة فمثلثة الذنب فسّره - صلى الله عليه وسلم - بما حاك في الصدر وفي لفظ "ما حاك في نفسك" أي: أثر فيها [306 ب] ورسخ. يقال: ما يحك كلامك في فلان، أي: ما يؤثر فيه، كذا في "النهاية" (¬2)، وفي "غريب الجامع" (¬3): يقال: حاك هذا الأمر في صدري إذا دار في خاطرك وفكرت فيه، والمصنف فسّره بما ترى. قوله: "وكرهت أن يطلع عليه الناس" فيه دليل أنّ الله جعل في القلوب إدراكاً للذنوب، وأن الشيء الذي يكره اطلاع الناس عليه دليل على أنه من الإثم، وهذا هو الذي يعبر عنه بالزاجر، وإليه أشار الشاعر بقوله: لا تنته الأنفس عن غيّها ... ما لم يكن منها لها زاجرُ ¬

_ (¬1) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 122). وانظر: "مفردات ألفاظ القرآن" (ص 114). (¬2) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 460). (¬3) (4/ 8).

كتاب: الخوف

وهو معنى الحديث الآخر "استفت قلبك وإن أفتاك المفتون" (¬1) وفي معناه أحاديث. كتاب: الخوف في "التعريفات" (¬2): الخوف توقع مكروه، أو فوتُ محبوب، ذكره ابن الكمال (¬3)، وقال الحرالّي (¬4): حذر النفس من أمور ظاهرها تضره, وقال التفتازاني (¬5): غم يلحق الإنسان مما يتوقعه من السوء. وقال الراغب (¬6): توقع مكروه عن إمارة مظنونة أو معلومة، كما أن الرجاء توقع محبوب كذلك وضده الأمن، ويستعمل في الأمور الدنيوية والأخروية. انتهى. 1 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ خَافَ أَدْلَجَ، وَمَنْ أَدْلَجَ بَلَغَ المَنْزِلِ، أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ الله غَالِيَةٌ، أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ الله الجَنَّةُ". أخرجه الترمذي (¬7). [صحيح لغيره]. ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد (4/ 228) وأبو يعلى في "المسند" رقم (1586، 1587) والطبراني في "المعجم الكبير" (ج 22 رقم 403) والدارمي (2/ 245 - 246) والبخاري في "التاريخ الكبير" (1/ 144 - 145) وفي سند هذا الحديث أمر أن يوجب كل منهما ضعفه، أحدهما الانقطاع بين الزبير بن عبد السلام وأيوب بن عبد الله بن مكرز، فإنه رواه عن قوم لم يسمعهم. والثاني: ضعف الزبير هذا. وللحديث شواهد منها في الصحيح، لذا حسَّنه الإمام النووي، والألباني. وهو حديث حسن، والله أعلم. (¬2) (ص 228). (¬3) في تعريفاته (ص 77). (¬4) ذكره المناوي في "التوقيف على مهمات التعاريف" (ص 328). (¬5) ذكره المناوي في "التوقيف على مهمات التعاريف" (ص 328). (¬6) في "مفردات ألفاظ القرآن" (ص 229). (¬7) في "السنن" رقم (2450). =

قوله: "في حديث أبي هريرة [235/ أ] من خاف أدلج" ابن الأثير (¬1) الإدلاج مخففاً السير من أول الليل، والإدلاج مثقلاً السير من آخره, والمراد بالإدلاج [ها] (¬2) هنا التشمير في أول الأمر، فإنّ من سار من أول الليل كان جديراً ببلوغ المنزل. انتهى. قوله: "سلعة الله" السلعة المتاع كما في "القاموس" (¬3)، شبّه الجنة بالمتاع بجامع أنها معروضة على العباد بثمن سهل هو الطاعة. في الحديث [307 ب] حث على المسارعة مأخوذ من {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ} (¬4)، ومن {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} (¬5)، وإنما كانت سلعة الله غالية؛ لأنها لا توجد إلا بالتشمير لها والخوف من فوتها والاجتهاد فيما يقرب إليها. قوله: "أخرجه الترمذي" وقال حسن. 2 - وعن أنس - رضي الله عنه -: دَخَلَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عَلَى شَابٍ وَهُوَ فِي المَوْتِ، فَقَالَ: كَيْفَ تَجِدُكَ؟ فَقَالَ: أَرْجُو الله [تَعَالَى] (¬6) يَا رَسُولَ الله، وَأَخَافُ ذُنُوبي، فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: "مَا اجْتَمَعَا فِي قَلْبِ ¬

_ = وأخرجه أبو نعيم في "الحلية" (8/ 477) والبيهقي في "السنن الكبرى" (7/ 358) والحاكم (4/ 308) وأحمد (5/ 136). وهو حديث صحيح لغيره. (¬1) في "غريب الجامع" (4/ 9). (¬2) زيادة من "غريب الجامع". (¬3) "القاموس المحيط" (ص 942). (¬4) سورة الحديد الآية (21). (¬5) سورة البقرة الآية (148)، سورة المائدة الآية (48). (¬6) زيادة من (أ) وهي ليست في نص الحديث.

عَبْدٍ فِي مِثْلِ هَذَا المَوْطِنِ إلَّا أَعْطَاهُ الله مَا يَرْجُو، وَآمَنَهُ ممَّا يَخَافُ. أخرجه الترمذي (¬1). [إسناده حسن]. قوله: "في حديث أنس كيف تجدك" بفتح المثناة الفوقية, أي: كيف تجد نفسك، ولمّا كان "وجد" من أفعال (¬2) أي بضمير الفاعل والمفعول لشيء واحد. قوله: "قال أرجو الله" لسعة رحمته وعفوه وكرمه، و"أخاف ذنوبي" لئلا أعاقب بها. قوله: "ما اجتمعا" أي: رجاء الله وخوف الذنوب في قلب عبد يكون راجياً خائفاً في مثل هذا الموطن، وهو قرب لقاء الله؛ لأنه قال: "وهو في الموت" أي: في سياقه "إلا أعطاه الله ما يرجو وآمنه مما يخاف"، والعبد إذا نظر إلى نفسه وعيوبه وآفات جهله انفتح له باب الخوف، وإذا نظر إلى سعة فضل الله وكرمه وبره انفتح له باب الرجاء، ولذا قيل في حد الرجاء (¬3) هو النظر إلى سعة رحمة الله ويقال الخوف والرجاء كجناحي (¬4) طائر إذا استويا استوى الطير وتم طيرانه، وإذا انقص أحدهما وقع النقص، وإذا ذهبا صار الطائر في حد الموت، وهنا مسألة ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (983) إسناده حسن. وأخرجه ابن ماجه رقم (4261) وأحمد في "الزهد" (25). (¬2) لعل هنا ساقطة من المخطوط (أ. ب) ولعلها: القلوب أو اليقين. (¬3) انظر الرسالة القشيرية (127 - 130). (¬4) القلب في سيره إلى الله عز وجل بمنزلة الطائر، فالمحبة رأسه, والخوف والرجاء جناحاه, فمتى سلم الرأس والجناحان، فالطير جيد الطيران، ومتى قطع الرأس مات الطائر، ومتى فقد الجناحان فهو عرضه لكل صائد وكاسر. ولكن السلف استحبوا أن يقوى في الصحة جناح الخوف على جناح الرجاء، وعند الخروج من الدنيا يقوى جناح الرجاء على جناح الخوف، قاله الداراني في "الرسالة القشيرية" (ص 128). وانظر: "مدارج السالكين" (1/ 657 - 664).

اختلفوا فيها وهي - أي الرجاء - أيحمل رجاء المحسن ثواب إحسانه أو رجاء المذنب المسيء التائب مغفرة ربه وعفوه. فطائفة رجحت رجاء المحسن بقوة أسباب الرجاء معه, وطائفة رجحت رجاء المذنب؛ لأن رجاءه مجرد عن علمه رؤية العمل مقرون بذله رؤية الذنب. قاله يحيى بن معاذ (¬1): "يكاد رجائي لك [308 ب] مع الذنوب يغلب رجائي لك مع الأعمال؛ لأني أجدني أعتمد في الأعماله على الإخلاص, وكيف أحرزها، وأنا بالآفات معروف؟ وأجدني في الذنوب أعتمد على عفوك وكيف لا تغفرها وأنت بالجود موصوف؟ ". وقال أيضاً: "إلهي أجلُّ العطايا في قلبي رجاؤك، وأعذب الكلام على لساني ثناؤك, وأحبُّ الساعات إلي ساعة يكون فيها لقاؤك". 3 - وعن عائشة - رضي الله عنها - قَالَتْ: "مَا رَأَيْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - مُسْتَجْمِعَاً قَطَّ ضَاحِكَاً حَتَّى أَرَى مِنْهُ لهَوَاتَهِ، إِنَّمَا كَانَ يَتَبَسَّمُ". أخرجه الخمسة (¬2) إلا النسائي. [صحيح]. وزاد البخاري (¬3) في رواية: وَكَانَ إِذَا رَأَى غَيْمًا عُرفَ فِي وَجْهِهِ, قَفلْتُ: يَا رَسُولَ الله! النَّاسَ إِذَا رَأَوُا الْغَيْمَ فَرِحُوا رَجَاءَ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ المَطَرُ، وَأَرَاكَ إِذَا رَأَيْتَ غَيْمًا عُرِفَ فِي وَجْهِكَ الْكَرَاهَةُ, فَقَالَ: "يَا عَائِشَةُ! مَا يُؤْمِنُني أَنْ يَكُونَ فِيهِ عَذَابٌ [] (¬4) عُذِّبَ قَوْمٌ بِالرِّيحِ، وَقَدْ رَأَى قَوْمٌ الْعَذَابَ فَقَالُوا: {هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا} ". [صحيح] ¬

_ (¬1) انظر: الرسالة القشيرية (ص 130 - 132). (¬2) البخاري رقم (4828, 4829) ومسلم رقم (899) وأبو داود رقم (5098) وابن ماجه رقم (3891) والترمذي رقم (3257). وهو حديث صحيح. (¬3) في "صحيحه" رقم (4829). (¬4) في (ب) زيادة (وقد) وفي الشرح والتيسير (قد) وهي ليست في نص البخاري.

قوله: "في حديث عائشة: ما رأيته - صلى الله عليه وسلم - ضاحكاً مستجمعاً [ضحكاً] " (¬1). أي: مستغرقاً في ضحكه, وكأنها فهمت أن ذلك من خوفه من ربه, وقد ورد في أحاديث "أنه ضحك حتى بدت نواجذه" (¬2)، ولكنه نادر، ويحتمل أن بدو نواجذه لا يستلزم رؤية لهواته التي نفت رؤيتها عائشة، واللهوات (¬3) جمع لهاة وهي اللحمات في أقصى سقف الفم، ومنه حديث الشاة المسمومة "فما زلت أعرفها في لهوات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " (¬4). قوله: "في حديث عائشة عرفت في وجهه" [أي] (¬5) الكراهة والمخافة. قوله: "ما يؤمنني أن يكون فيه عذاب، [قد] (¬6) عُذب قوم بالريح .. " الحديث، أي: أنّه - صلى الله عليه وسلم - يخشى أن يكون فيه عذاب على من يستحق العذاب من الكفار والمنافقين، فقد كان في المدينة منهم قوم، وكان - صلى الله عليه وسلم - يحب عفو الله، ويترقب طاعة من عصاه، ويرجو لهم رحمة الله، أو أن يخرج عن أصلابهم من يتقي الله. قإن قلت: قد قال تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} (¬7)، وهو إخبار أنه تعالى لا ينزل عذاباً على من فيهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. [236/ أ] [309 ب]. ¬

_ (¬1) التي في نص الحديث ضاحكاً. (¬2) أخرجه البخاري في "صحيحه" وقم (6571، 7511) ومسلم رقم (460، 461، 466) والترمذي رقم (2595) وابن ماجه رقم (4339) وأحمد في "مسنده" (1/ 99, 186). (¬3) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 625). (¬4) أخرجه البخاري فى "صحيحه" وقم (2617). (¬5) زيادة من (أ). (¬6) كذا في الشرح وهي ليست نص البخاري. (¬7) سورة الأنفال الآية (33).

4 - وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ، وَأَسْمَعُ مَا لاَ تَسْمَعُونَ، أَطَّتِ السَّمَاءُ وَحُقَّ لهَا أَنْ تَئِطَّ, مَا فِيهَا مَوْضِعُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ إِلاَّ فِيْهِ وَمَلَكٌ وَاضِعٌ جَبْهَتَهُ للهِ تَعَالَى سَاجِدًا، وَالله لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً وَلَبَكَيْتُمْ كَثيرًا، وَمَا تَلَذَّذْتُمْ بِالنِّسَاءِ عَلَى الْفُرُشِ، وَلخَرَجْتُمْ إِلَى الصُّعُدَاتِ تَجْأَرُونَ إِلَى الله تَعَالَى، لَوَدِدْتُ أَنِّي شَجَرَة تُعْضَدُ. أخرجه الترمذي (¬1). [حسن لغيره]. ومعنى "أطتِ (¬2) السماءُ"، أي كثرة ما فيها من الملائكة قد أثقلها حتى أطت: أي صوتت وهذا مثل (¬3)، وإيذان بكثرة الملائكة، وإن لم يكن ثم أطيط "والجؤار" (¬4): الصياح: أي تستغيثون، وقوله "لَوَدِدْتُ أَنِّي شَجَرَة تُعْضَدُ" مدرج في الحديث من قول أبي ذر. قوله: "في حديث أبي ذر إني أرى ما لا ترون" إخبارٌ منه - صلى الله عليه وسلم - بأنه يرى ما لا يراه العباد من عجاب ملكوت الله من ملائكة وغيرهم، وأنه يسمع ما لا تسمعونه من الوحي وغيره، وهو توطئة لقوله "أطت السماء" ويأتي تفسير الأطيط. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (2312). وأخرجه أحمد في "المسند" (5/ 173) وابن ماجه رقم (4190) والبزار في "مسنده" رقم (3524) والحاكم (2/ 510 - 511) والطحاوي في "مشكل الآثار" رقم (1135). وهو حديث حسن لغيره. (¬2) قاله ابن الأثير في "النهاية" (1/ 66). وانظر "الفائق" للزمخشري (1/ 49). (¬3) قاله ابن الأثير في "النهاية" (1/ 66). وانظر: شرح الطيبي على "مشكاة المصابيح" (10/ 22). (¬4) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 228).

قوله: "الصعدات" (¬1) مثل طريق وطرق وطرقات وهي جمع صعد، وهو جمع صعيد (¬2)، وهو التراب والمراد. قوله: "والله لو تعلمون ما أعلم" أي: من قدرة الله وعظمته، وقيل: من الأهوال والعقوبات "لضحكتم (¬3) قليلاً ولبكيتم كثيراً" يحتمل أنه أريد لضحكتم تعجباً من غفلتكم وإهمالكم ما ينفعكم، وإعراضكم عنه، لا لضحكتم سروراً، فإن الذي عليه - صلى الله عليه وسلم - من الأهوال لا تقتضي ضحكاً ولا سروراً. ويحتمل ضحكتم سروراً مما ترونه من سعة الرحمة، إلا أن قرينة السياق لا توافق هذا، فإن قلت: فما باله - صلى الله عليه وسلم - مع علمه بما يوجب ما ذكره من البكاء والخروج وترك التلذذ بالنساء لم يفعل ذلك؟ قلتُ: يحتمل أنّ المراد لو تعلمون ما أعلم مما أُعِدَّ لكم، وأمّا هو - صلى الله عليه وسلم - فهو [من] (¬4) عباده المخلصين لم يعد له شيء من تلك الأهوال، فإن الله قد أجاره من كل هول، بل أجاره وأجار به عباده وشفّعه فيهم، ويحتمل أنه - صلى الله عليه وسلم - لقوة ما أعطاه الله من قوة الإيمان ومعرفة المقامات العليّة والأمور الإلهية لم يحصل بعد علمه ما لو علموه لاتّفق لهم ما ذكره [310 ب] فإنّ الله أعطاه قوة قلب أقدره بها على رؤية السماوات وما فيها من عظم الآيات، ولذا قال تعالى: {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17) لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (18)} (¬5)، ولا ينافي هذا ¬

_ (¬1) قال ابن الأثير في "غريب الجامع" (4/ 13) الصعدات: جمع صعد، وهو التراب, والمراد: الطرق، مثل طريق وطرق وطرقات. (¬2) أي: وصعد جمع صعيد. (¬3) انظر: شرح الطيبي على "مشكاة المصابيح" (10/ 23). (¬4) سقطت من (أ). (¬5) سورة النجم الآية (17 - 18).

كونه أخوف العباد لله وأخشاهم له، ولا كونه شيبه قوارع الآيات، لكل مقام مقال، فإن قلتَ: فما فائدة إخبارهم بهذا؟ قلتُ: إعلامهم بما عند الله من العقاب مثل الإخبار بأحوال النار وما فيها، والمنة عليهم بأنّ الله لطف بهم فلم يعلمهم بما يوجب ترك ما أباحه لهم من اللذات وغير ذلك. قوله: "ولوّددت ... " إلى آخره، مدرج في الحديث، ساقه في "الجامع" (¬1) سياقاً واحداً، ثم قال: وفي رواية: "أن أبا ذر قال: لوددت أني كنت شجرة تعضد" ويروى عن أبي ذر موقوفاً، أخرجه الترمذي (¬2) وقال (¬3): حسن. قال ابن الأثير (¬4): وأخرجه البخاري (¬5) والترمذي (¬6) عن أبي هريرة قال: قال رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً" قال الترمذي (¬7): صحيح. 5 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمع بجنته, ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة لما قنط من جنته" (¬8). أخرجه رزين. [صحيح]. ¬

_ (¬1) (4/ 13 رقم 1985). (¬2) في "السنن" بإثر الحديث رقم (2312). (¬3) في "السنن" (4/ 556). (¬4) في "الجامع" (4/ 14). (¬5) في "صحيحه" رقم (6485). (¬6) في "السنن" رقم (2313). وهو حديث صحيح. (¬7) في "السنن" (4/ 557). (¬8) أخرجه مسلم في "صحيحه" رقم (23/ 2755) الترمذي رقم (3542) وابن حبان رقم (345) وأحمد في "مسنده" (2/ 334، 397، 484) والبيهقي في "الأسماء والصفات" (ص 497). =

6 - وَعَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَامِرِ بْنُ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيُّ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ لِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: هَل تَدْرِي مَا قَالَ أَبِي لأَبِيكَ؟ قُلْتُ: لاَ، قَالَ: إِنَّ أَبِي قَالَ لأَبِيكَ: يَا أَبا مُوسَى! هَلْ يَسُرُّكَ إِسْلاَمُنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهِجْرَتُنَا مَعَهُ، وَجِهَادُنَا مَعَهُ، وَعَمَلُنَا كُلُّهُ مَعَهُ يُرَدُّ لَنَا، وَأَنَّ كُلَّ عَمَلٍ عَمِلْنَاهُ بَعْدَهُ نَجَوْنَا مِنْهُ كَفَافًا رَأْسًا بِرَأْسٍ، فَقَالَ أبوك لِأَبِي لاَ وَاللهِ، قَدْ جَاهَدْنَا بَعْدَهُ, وَصَلَّيْنَا، وَصُمْنَا، وَعَمِلْنَا خَيْرًا كَثِيرًا، وَأَسْلَمَ عَلَى أَيْدِينَا بَشَرٌ كَثِيرٌ، وَإِنَّا لَنَرْجُو أجْرَ ذَلِكَ. قَالَ أَبِي: لَكِنِّي أنَّا وَالَّذِي نَفْسُ عُمَرَ بِيَدِهِ! لَوَدِدْتُ أَنَّ ذَلِكَ يُرَدُّ لَنَا، وَأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ عَمِلْنَاهُ بَعْدَهُ نَجَوْنَا مِنْهُ كَفَافًا رَأْسًا بِرَأْسٍ. فَقُلْتُ: إِنَّ أَباكَ وَاللهِ خَيْرٌ مِنْ أَبِي. أخرجه البخاري (¬1). [صحيح] قوله: "في حديث أبي بردة ما قال أبي" أي: عمر بن الخطاب لأبيك أبي موسى. قوله: "يرد لنا" أي: يثبت كما في "النهاية" (¬2). قوله: "فقلت إن أباك خير من أبي" القائل "فقلت" هو أبو بردة خاطب بذلك ابن عمر يريد أن عمر خير من أبي موسى، وأراد من (¬3) الحيثية المذكورة [والأمر المقرر] (¬4) أن عمر خير [311 ب] من أبي موسى عند جميع الطوائف، لكن لا يمتنع أن يفوق المفضول بخصلة لا تستلزم الأفضلية المطلقة, ومع هذا فإنّ عمر في هذه الخصلة المذكورة أفضل من أبي موسى؛ ¬

_ = وهو حديث صحيح، والله أعلم. (¬1) في "صحيحه" رقم (3915). (¬2) (1/ 648)، وانظر "فتح الباري" (7/ 254). (¬3) ذكره الحافظ في "الفتح" (7/ 255). (¬4) كذا في (أ. ب) والذي في "فتح الباري" وإلا فمن المقرر.

كتاب: خلق العالم

لأن مقام الخوف أفضل من مقام الرجاء، فالعلم محيط بأن الآدمي لا يخلو عن [تقصير ما] (¬1) في كل ما يريد من الخير. وإنما قال عمر ذلك هضماً لنفسه وإلا فمثله في الفضائل والكمالات أشهر من أن يذكر. قال في "فتح الباري" (¬2)، وهذا الحديث لم أجده (¬3) في كتاب الخوف. كتاب: خلق العالم الخلق (¬4): الإيجاد من العلم، والعالم كل ما سوى الله من السموات والأرض وما فيهما. روي (¬5) أنّ ابن عباس "سأله رجل فقال: مم خلق الخلق؟ فقال: من الماء والنور والظلمة والريح والتراب، فقال الرجل: مم خلق هؤلاء؟ فتلا ابن عباس: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ} (¬6) فقال: ما كان ليأتي بهذا إلا رجل من بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - ". قال البيهقي: أراد حصول الجميع منه من خلقه وإيجاده واختراعه خلق الماء أولاً وما شاء من خلقه لا عن أصل ولا على مثال سبق ثم جعله أصلاً كما خلق ما بعده فهو المبدع والباري لا إله غيره ولا خالق سواه. انتهى. 1 - عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصيْنٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَتَى نَاسٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، فَقَالَ: "اقْبَلُوا الْبُشْرَى يَا بَني تَمِيمٍ"، فَقَالُوا: قَدْ بَشَّرْتَنَا فَأَعْطِنَا، مَرَّتَيْنِ، فتغَيَّر وَجْهُهُ، ثُمَّ ¬

_ (¬1) في (أ. ب) تقصيرينا، هكذا رسمت، وما أثبتناه من "فتح الباري". (¬2) (7/ 254 - 255). (¬3) وهو كما قال. (¬4) انظر "مفردات ألفاظ القرآن" (ص 224). (¬5) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (10/ 3291 رقم 18536) وابن كثير في تفسيره (12/ 359). (¬6) سورة الجاثية الآية (13).

دَخَلَ عَلَيْهِ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ فَقَالَ: "اقْبَلُوا الْبُشْرَى يَا أَهْلَ الْيَمَنِ، إِذْ لَمْ يَقْبَلْهَا بَنُو تَميِمٍ"، قَالُوا: قَبِلْنَا يَا رَسُولَ الله، ثُمَّ قَالُوا: جِئْنَاكَ لِنَتَفَقَّهُ فِي الدِّيْنِ، وَلْنَسْأَلَكَ عَنْ أَوَّلَ هَذَا الأَمْرِ مَا كَانَ؟ قَالَ: "كَانَ الله تَعَالَى وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ قبْلَهُ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى المَاءِ، ثُمَّ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، وَكَتَبَ فِي الذِّكْرِ كُلَّ شَيْءٍ". أخرجه البخاري (¬1) والترمذي (¬2). [صحيح]. قوله: "في حديث [237/ أ] عمران بن حصين اقبلوا البشرى" بضم أوله وسكون المعجمة والقصر أي: اقبلوا مني ما يقتضي أن تبشروا إذا أخذتم بالجنة، كالتفقه في الدين والعمل به. قوله: "فقالوا بشرتنا [312 ب] فأعطنا" قائل ذلك الأقرع بن حابس، وتغير وجهه - صلى الله عليه وسلم -، إمّا للإشفاق عليهم كيف آثروا الدنيا، وإما لكونه لم يحضره ما يعطيهم يتألفهم (¬3). قوله: "عن هذا الأمر" أي: الحاضر الموجود (¬4)، والأمر يطلق ويراد به المأمور، ويراد به الشأن والحكم والحث على الفعل [و] (¬5) غير ذلك. قوله: "كان الله ولم يكن شيء قَبْلَه" فيه دلالة على أنه لم يكن شيء غيره لا الماء ولا العرش ولا غيرهما، غذ كل ذلك غير الله، ويكون معنى قوله "وكان عرشه على الماء" أنه خلق الماء سابقاً، ثم خلق العرش على الماء، وفيه دليل لمن قال إن أول ما خلق الله الماء، وأوجد منه سائر الأجرام. ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (31905) وأطرافه (3191، 4365، 4386، 7418). (¬2) في "السنن" رقم (3951). (¬3) ذكره الحافظ في "الفتح" (6/ 288). (¬4) ذكره الحافظ في "فتح الباري" (6/ 289). (¬5) زيادة من (أ. ب) غير موجودة في "فتح الباري".

قال الطيبي (¬1): إن قوله "وكان عرشه على الماء" فصل مستقل؛ لأن القديم من لم يسبقه شيء ولم يعارضه في [الأزلية] (¬2) لكن أشار بقوله "وكان عرشه على الماء" أي: أنّ الماء والعرش كان مبدأ هذا العالم لكونهما خلقا قبل خلق السموات والأرض فلم يكن تحت العرش إذ ذاك إلا الماء. وروى السدي (¬3) في تفسيره بأسانيد متعددة أنّ الله لم يخلق شيئاً مما خلق قبل الماء. وقد روى عبادة بن الصامت مرفوعاً: "أول ما خلق الله [القلم] (¬4) ... "، [رواه] (¬5) أحمد (¬6) والترمذي (¬7) وصححه, فيجمع بينه وبين حديث الكتاب بأنّ المراد بالأولوية بالنسبة إلى ما عدا الماء والعرش، وأما حديث (¬8) "أول ما خلق الله العقل" فليس له طريق ثبت. ¬

_ (¬1) في شرحه على "مشكاة المصابيح" (10/ 311). (¬2) كذا في (أ. ب) والذي في شرح "المشكاة": الأولية. (¬3) ذكره الحافظ في "فتح الباري" (6/ 289). (¬4) في (ب) العلم. (¬5) زيادة يستلزمها السياق. (¬6) في "المسند" (5/ 317). (¬7) في "السنن" رقم (2155). وأخرجه أبو داود الطيالسي في "مسنده" رقم (577) "التاريخ الكبير" (6/ 92) وابن أبي عاصم في السنة (1/ 48، 49 رقم 2 والبيهقي في الاعتقاد (ص 136) والآجري في الشرية (ص 177، 178)، وهو حديث صحيح لغيره. (¬8) قاله الحافظ في "فتح الباري" (6/ 289) ثم قال: وعلى تقدير ثبوته فهذا التقرير الأخير هو تأويله والله أعلم، وهو قوله: بأن أولية القلم بالنسبة إلى ما عدا الماء والعرش، أو بالنسبة إلى ما منه صدر من الكتابة، أي أنه قيل له اكتب أول ما خلق.

قوله: "وكتب" أي قدّر "في الذكر" أي: في محل الذكر، أي اللوح المحفوظ (¬1)، كل شيء من الكائنات. 2 - وعن أبي رزين العقيلي - رضي الله عنه - قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله! أَيْنَ كَانَ رَبُّنَا قَبْل أَنْ يَخْلُقَ خَلْقَهُ؟ قَالَ: "كَانَ فِي عَمَاءِ، وَمَا تَحْتَهُ هَوَاءٌ، وَمَا فَوْقَهُ هَوَاءٌ، وَخَلَقَ عَرْشَهُ عَلَى المَاءُ". قال أحمد، قال يزيد: "الْعَمَاء": أي ليس معه شيء. أخرجه الترمذي (¬2). [ضعيف]. قوله: "في حديث أبي رزين كان في عماء" قال البيهقي في "الأسماء والصفات" (¬3): وجدته في كتابي "في عماء" مقيداً بالمد. انتهى. والعماء في اللغة (¬4) [313 ب] السحاب الرقيق، وقيل الكثيف، وقيل هو الضباب، والضباب الذي يغشى الأرض كالغبار والسخم، ولا بد في الحديث من حذف مضاف تقديره: كان عرش ربنا فحذف كقوله: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ} (¬5) أي: أمر الله، ويدل على هذا المحذوف قوله: "وكان عرشه على الماء". ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "فتح الباري" (6/ 290). (¬2) في "السنن" رقم (3109). وأخرجه أحمد (4/ 11، 12) وابن حبان رقم (39) وابن ماجه رقم (182) وابن أبي عاصم في "السنة" رقم (612) والطبراني في "الكبير" (ج 19 رقم 468) والبيهقي في "الأسماء والصفات" (2/ 235 - 236 رقم 801) وأبو الشيخ في كتاب العظمة رقم (85) والطيالسي رقم (1093) وابن جرير في "جامع البيان" (12/ 331 - 332). وهو حديث ضعيف، والله أعلم. (¬3) (2/ 236). (¬4) "القاموس المحيط" (ص 1696). (¬5) سورة البقرة الآية (210).

وحكى عن بعضهم "في عمى" مقصور وهو كل ما لا تدركه الفطن، قال (¬1) الأزهري (¬2): قال أبو عبيد (¬3): إنما تأولنا هذا الحديث عن كلام العرب المنقول عنهم، وإلا فلا ندري كيف كان ذلك العما؟ فنحن نؤمن به ولا نكيف صفته, قاله ابن الأثير (¬4). قوله: "ما فوقه هواء" أي: ما فوق السحاب وكذلك قوله "وما تحته هواء" أي: ما تحت السحاب، وقد قيل إن ذلك من العمى مقصور (¬5)، أي: لا شيء ثابت؛ لأنه مما يعمى على الخلق لكونه غير شيء، فكأنه قال في جوابه: كان قبل أن يخلق خلقه، ولا شيء غيره كما في حديث عمران بن حصين ما فوقه هواء وما تحته هواء "أي ليس فوق العماء الذي هو لا شيء موجود هواء ولا تحته هواء، لأن ذلك إذا كان غير شيء لم يثبت له هواء بوجه، قاله البيهقي في "الأسماء والصفات" (¬6). واعلم أن أغرب ما رأيت تفسير العماء بنور (¬7) النبي - صلى الله عليه وسلم -، فسّره به الشيخ إبراهيم الكردي في كتابه "قصد السبيل"، وأطال فيه وقال: إنّ النور يسمى عماء، قال؛ لأنه تعالى ¬

_ (¬1) في (ب) مكروه. (¬2) في "تهذيب اللغة" (3/ 246). (¬3) في "الغريبين" (4/ 1331). (¬4) في "النهاية في غريب الحديث" (2/ 259). وانظر "غريب الحديث" للهروي (2/ 9). (¬5) قال ابن الهيثم: (وهو في عمًى) مقصور وقال: وهو كل أمر لا تدركه عقول بني آدم ولا يبلغ كنهه الوصف، ولا تدرك الفطن. انظر الغريبين (4/ 1331). (¬6) (2/ 236). (¬7) انظر: المواجب اللدنية بالمنح المحمدية للعلامة أحمد بن محمد القسطلاني (851 - 923 هـ) (1/ 69 - 70).

سمى النبي - صلى الله عليه وسلم - رحمة في قوله: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ [314] إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107)} (¬1) وسمى الغيث رحمة في قوله {فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} (¬2)، واستدل بحديث جابر المروي في "المواهب اللدنية" حيث قال: "قلت: يا رسول الله! بأبي أنت وأمي أخبرني عن أول شيء خلق الله قبل الأشياء فقال: يا جابر! إن الله خلق قبل الأشياء نور نبيّك من نوره فجعل ذلك النور يدور بالقدرة حيت شاء الله ولم يكن في ذلك الوقت لوح ولا قلم ولا جنة ولا نار ولا ملك ولا سماء ولا أرض ولا شمس ولا قمر ولا جني ولا إنسي، فلما أراد الله أن يخلق الخلق قسم ذلك النور أربعة أجزاء فخلق من الجزء الأول حملة العرش، ومن الثاني الكرسي، ومن الثالث باقي الملائكة, ثم قسم الجزء الرابع أربعة أجزاء فخلق من الأول السماوات ومن الثاني الأرضين، ومن الثالث الجنة والنار ثم قسم الرابع أربعة [238/ أ] الحديث. وأطال في "قصد السبيل" بيان ذلك، وأنّ نوره - صلى الله عليه وسلم - أصل الأشياء كلها. 3 - وَعَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ عُمَرَ بِن الخَطّاب - رضي الله عنه -: قَامَ فِينَا رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - مقَامًا، فَأَخْبَرَنَا عَنْ بَدْءِ الخَلْقِ حَتَّى دَخَلَ أَهْلُ الجنَّةِ الجنَّةَ، وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ، حَفِظَ ذَلِكَ مَنْ حَفِظَهُ, وَنَسِيَهُ مَنْ نَسِيَهُ. أخرجه البخاري (¬3). [صحيح]. قوله: "في حديث عمر حتى دخل أهل الجنة الجنة" قال الحافظ في "الفتح" (¬4): هي غاية, لقوله: "أخبرنا عن مبتدأ الخلق شيئاً بعد شيء ... إلى أن انتهى إلى الإخبار عن حال ¬

_ (¬1) سورة الأنبياء الآية (107). (¬2) سورة الروم الآية (50). (¬3) في "صحيحه" رقم (3192). (¬4) في "فتح الباري" (6/ 290 - 291).

استقرار أهل الجنة في الجنة, وأهل النار في النار، ووضع الماضي موضع المضارع مبالغة للتحقق المستفاد من خبر الصادق. وكان السياق يقتضي أن يقول: حتى يدخل، ودلّ ذلك على أنه أخبر في المجلس الواحد بجميع أحوال المخلوقات منذ ابتدأت إلى أن تفنى إلى أن تبعث، فشمل ذلك الإخبار عن المبدأ والمعاش والمعاد، وفي تيسير ذلك كله في مجلس واحد من [خوارق العادات] (¬1)، ويقرب ذلك مع معجزاته أنه - صلى الله عليه وسلم - أعطي جوامع الكلم، ومثل هذا من جهة أخرى ما رواه الترمذي (¬2) [315 ب] من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال: "خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي يده كتابان فقال للذي في يده اليمنى: هذا كتاب من رب العالمين فيه أسماء أهل الجنة وأسماء آبائهم وقبائلهم ثم أجل على آخرهم فلا يزاد فيهم ولا ينقص منهم أبداً، ثم قال بهذا في شماله مثله في أهل النار، وقال في آخره: وقال بيده فنبذهما، ثم قال: [فرغ] (¬3) ربكم من العباد فريقاً في الجنة وفريقاً في السعير، وإسناده حسن (¬4). ¬

_ (¬1) كذا في (أ. ب) والذي في "فتح الباري" (6/ 291) خوارق العادة أمر عظيم. (¬2) في "السنن" رقم (2140) بإسناد ضعيف. وأخرجه النسائي في "الكبرى" رقم (11473) وأبو نعيم في "الحلية" (5/ 168) وابن أبي عاصم في السنة رقم (348). (¬3) في (ب) فرمى. (¬4) قاله الحافظ في "الفتح" (6/ 291). • بل إسناده ضعيف، فيه أبو قبيل المعافري - وهي حسبي بن هانئ - مختلف فيه, وثقة أحمد وابن معين في رواية, وأبو زرعة الفسوي والعجلي، وأحمد بن صالح المصري، وذكره ابن حبان في الثقات وقال: كان يخطئ. وانظر: "تعجيل المنفعة" (ص 277).

ووجه (¬1) الشبه بينهما أن الأول فيه تيسير القول الكثير في الزمن القليل، وهذا فيه تيسير الجرم الواسع في الظرف الضيق، فظاهر قوله "فنبذهما" بعد قوله "وفي يده كتابان" أنهما كانا مرئيين لهم، والله أعلم. قال (¬2): ولحديث الباب شاهد من حديث حذيفة (¬3)، وسيأتي في القدر، ومن حديث أبي زيد الأنصاري، أخرجه أحمد (¬4) ومسلم (¬5) قال: "صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الصبح وصعد المنبر فخطبنا حتى حضرت الظهر، ثم نزل فصلى بنا الظهر، ثم صعد المنبر فخطبنا ثم العصر كذلك حتى غابت الشمس، فحدّثنا بما كان وما هو كائن فأعلمنا أحفظنا"، لفظ أحمد، وأخرجه من حديث أبي سعيد (¬6) مختصراً ومطولاً. وأخرجه الترمذي (¬7) من حديثه مطولاً وترجم له (¬8): ¬

_ (¬1) قاله الحافظ في "الفتح" (6/ 291). (¬2) أي الحافظ في "الفتح" (6/ 291). (¬3) أخرجه البخاري رقم (6604) ومسلم رقم (23/ 2891) وأبو داود رقم (4240) والبزار في "مسنده" رقم (2883) وابن حبان رقم (6636) والحاكم (4/ 487) والبيهقي (6/ 313) وأحمد (5/ 386). (¬4) في "مسنده" (5/ 341). (¬5) في "صحيحه" رقم (2892). وأخرجه أبو يعلى في "مسنده" رقم (6845) وابن حبان رقم (6638) وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني"، رقم (2183) والطبراني في "الكبير" (ج 17 رقم 46) والحاكم (4/ 487). (¬6) أخرجه أحمد في "المسند" (3/ 19) والطيالسي رقم (2156) وأبو يعلى في "مسنده" رقم (1101) والحاكم (4/ 505) والبيهقي في "الشعب" رقم (8289) والحميدي رقم (752) والترمذي رقم (2191) والبغوي في "شرح السنة" رقم (4039). (¬7) في "السنن" (2191). وأخرجه ابن ماجه رقم (2873)، (4000) و (4007). (¬8) في "السنن" (4/ 483 الباب رقم 26).

باب ما قام به النبي - صلى الله عليه وسلم - مما هو كائن إلى يوم القيامة، ثم ساقه بلفظ "صلى لنا رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يوماً صلاة العصر ثم قام يحدِّثنا فلم يدع شيئاً يكون إلى قيام الساعة إلا [316 ب] أخبرنا به حفظه من حفظه ونسيه من نسيه .... "، ثم ساق الحديث وقال (¬1): حسن. انتهى. 4 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لمَّا خَلَقَ الله تَعَالَى الْعَقْلَ قَالَ لَهُ: أَقْبِلْ فَأَقْبَلَ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: أَدْبِرْ فَأَدْبَرَ، فَقَالَ: مَا خَلَقْتُ خَلْقَاً أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْكَ، وَلَا أَرْكبُكَ إِلَّا فِي أَحَبِّ الخَلْقِ إِلَيَّ. أخرجه رزين (¬2). [موضوع]. قوله: "في حديث ابن مسعود أخرجه رزين" تقدم قريباً فيما نقلناه عن الحافظ ابن حجر (¬3)، أنه حديث ليس له إسناد. وقال بعض (¬4) الأئمة: كل حديث في العقل فإنه غير صحيح. ¬

_ (¬1) أي الترمذي في "السنن" (4/ 484). (¬2) قال الحافظ في "فتح الباري" (6/ 289) فليس له طريق ثبت. وأخرجه بن أبي الدنيا في "العقل وفضله" رقم (14) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، ورقم (15) من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -. وقال ابن تيمية في "مجموع فتاوى" (27/ 242) و (35/ 153): من جنس فعل الملاحدة في قوله: "أول ما خلق الله العقل ... " الحديث, فهو كذب موضوع ... ثم قال والحديث موضوع باتفاق أهل العلم بالحديث. وقال ابن القيم في "المنار المنيف في الصحيح والضعيف" (ص 66 رقم 120)، أحاديث العقل كلها كذب. وقال ابن القيم: "وقال أبو "الفتح" الأزدي: لا يصح في الفعل حديث، قاله أبو جعفر العقيلي، وأبو حاتم ابن حبان. (¬3) في "فتح الباري" (6/ 289). (¬4) انظر "مجموع فتاوى" (27/ 242) و (35/ 153)، "المنار المنيف" (ص 66).

5 - وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ لِي رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أُذِنَ لِي أَنْ أُحَدِّثَ عَنْ مَلَكٍ مِنْ مَلاَئِكَةِ الله مِنْ حَمَلَةِ الْعَرْشِ: إِنَّ مَا بَيْنَ شَحْمَةِ أُذُنِهِ إِلَى عَاتِقِهِ مَسِيرَةُ سَبْعِمِائَةِ عَامٍ". أخرجه أبو داود (¬1). [صحيح]. قوله: "في حديث جابر أذن لي" إنما قدم - صلى الله عليه وسلم - هذه المقدمة قبل التحديث؛ لأنه قد ثبت عنه الأمر بأن يحدث عنه الناس بما يعرفون، فأخبر قبل التحديث بأن الله أذن له أن يحدث بالأمر المستغرب [وليلقوا] (¬2) أسماعهم لما يلقيه ويمليه. قوله: "ما بين شحمة أذنيه" هو موضع خزق القرط، وهو مالان من أسفلها، كما في "النهاية" (¬3). "إلى عاتقه" هو موضع الرداء من المنكب، أو بين المنكب والعاتق، كما في "القاموس" (¬4). قوله: "مسيرة سبعمائة سنة" وأخرج الطبراني في "الأوسط" (¬5) من حديث أنس مرفوعاً: "أُذن لي أن أحدث عن ملك من حملة العرش رجلاه في الأرض السفلى وعلى قرنه العرش، وبين شحمة أذنيه وعاتقه خفقان الطير سبعمائة عام", وتمامه كما في "الجامع الصغير" (¬6): "يقول سبحانك حيث كنت"، يحتمل أنه بفتح الضمير خطاباً له تعالى: أي حيث كان علمك وقدرتك فيشمل كل ذرة من ذرات الكون، ويحتمل أنه بضمها أي: حيث كنت ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (4727) وهو حديث صحيح. (¬2) في (ب) ليتلقوا. (¬3) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 847). (¬4) "القاموس المحيط" (ص 1171). (¬5) رقم (6503). (¬6) رقم (853) وهو حديث صحيح، والله أعلم.

أنا، أي: أنزهك في أي محل حللت، وفي أي مكان سكنت، وهذا يحتمل أنه ملك واحد أجمله - صلى الله عليه وسلم - في رواية، وفسّره في أخرى. أي أجمل مسافة ما بين شحمة أذنيه وعاتقه في حديث "خفقان الطير" وفسّره في رواية [239/ أ] الكتاب. قوله: "أخرجه أبو داود" زاد في "الجامع الصغير" (¬1)، و"الضياء في المختارة" ورمز لصحته [317 ب]. 6 - وَعَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ - رضي الله عنه - قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا فِي الْبَطْحَاءِ فِي عِصَابَةٍ فِيهِمْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، إِذْ مَرَّتْ بِهِمْ سَحَابَةٌ فَنَظَرَ إِلَيْهَا فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: "هَلْ تَدْرُونَ مَا اسْمُ هَذِهِ؟ ". قَالُوا: نَعَمْ، هَذَا السَّحَابَ. قَالَ: "وَالمُزْنَ". قَالُوا وَالمُزْنَ. فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: "وَالْعَنَانَ". قَالُوا وَالْعَنَانَ. ثُمَّ قَالَ - صلى الله عليه وسلم -: "هَلْ تَدْرُونَ كَمْ بُعْدُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ". قَالُوا: لاَ وَالله. قَالَ: "فَإِنَّ بُعْدَ مَا بَيْنَهُمَا إِمَّا قَالَ: وَاحِدَةٌ، أَوِ اثْنَتَانِ أَوْ ثَلاَثٌ، وَسَبْعُونَ سَنَةً, وَبُعْدَ السَّمَاءُ الَتِي فَوْقَهَا كَذَلِكَ، وَكَذَلِكَ حَتَّى عَدَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ كَذَلِكْ، "ثُمَّ فَوْقَ السّماءِ السَّابِعَةِ بَحْرٌ بَيْنَ أَعْلاَهُ وأسْفَلِهِ كَمَا مَا بَيْنَ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ، وَفَوْقَ ذَلِكَ ثَمَانِيَةُ أَوْعَالٍ بَيْنَ أَظْلاَفِهِنْ وَرُكَبِهِنْ كَمَا بَيْنَ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ، ثُمَّ فَوْقُ ظُهُورِهِنُ الْعَرْشُ بَيْنَ أَسْفَلِهِ وَأَعْلاَهُ مِثْلُ مَا بَيْنَ السَّمَاءٍ إِلَى السَّمَاءٍ، وَالله - عز وجل - فَوْقَ ذَلِكَ". أخرجه أبو داود (¬2) والترمذي (¬3). [ضعيف]. ¬

_ (¬1) رقم (854). وانظر الصحيحة رقم (151). (¬2) في "السنن" رقم (4723). (¬3) في "السنن" رقم (3320). وأخرجه أحمد (1/ 206، 207) وابن ماجه رقم (193) وابن خزيمة في التوحيد (1/ 234، 235) والدارمي في الرد على الجهمية رقم (233) وفي الرد على المريسي (ص 90، 91) وابن أبي عاصم في السنة (1/ 253) والآجري في الشريعة (ص 292) وابن أبي شيبة في كتاب العرش رقم (9) وابن منده في التوحيد =

وفي رواية: لم يعزها صاحب "جامع الأصول" إلى أحد من الكتب الستة: عن قتادة، وعبد الله قالا: بَيْنَمَا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - جَالِسٌ مَعَ أَصْحَابُهُ، إِذْ مَرَّتْ سَحَائِبُ، فَقَالَ: "أَتَدْرُونَ مَا هَذَا؟ هَذَا الْعَنَانُ، هَذِه رَوَايَا الأَرْضِ يَسُوقُهَا الله تَعَالَى إِلَى قَوْمٍ لاَ يَعْبُدُونَهُ"، ثُمَّ قَالَ: "أَتَدْرُونَ مَا هَذِهِ السَّمَاءُ؟ مَوْجٌ مَكْفُوفٌ، وَسَقْفٌ مَحْفُوظٌ". وَفَوْقَ ذَلِكَ سَمَاءٌ أُخْرَى، حَتَّى عَدَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَهُوَ يَقُولُ: أتَدْرُونَ مَا بَيْنَهُما؟ ثُمَّ يَقُولُ: خَمْسِمِائَةِ عَامٍ، ثُمَّ قَالَ: "أَتَدْرُونَ مَا فَوْقَ ذَلِكَ؟ فَوْقَ ذَلِكَ المَاءِ، وَفَوْقَ الماءِ الْعَرْشِ، وَالله فَوْقَ الْعَرْشِ، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء مِنْ أَعْمَالِ بَني آَدَمَ، ثُمَّ قَالَ: أَتَدْرُونَ مَا هَذِهِ الْأَرْضُ؟ قَالَ: تَحْتَهَا أُخْرَى بَيْنَهُما خَمْسُمِائَةِ عَامٍ، حَتَّى عَدَّ سَبْعَ أَرَضِيْنَ (¬1). وذكر الحديث. قوله: "في حديث العباس هذه السحاب" سميت سحاباً؛ لأنه يسحب بسرعة، قيل: إنه كالمنخل يخرج منه المطر قطرة قطرة ولا تلتقي فيه قطرتان في الجو، إذ لو خرج منه إسبالاً غرق ما أتى كطوفان نوح. قوله: "إمّا قال واحدة" هذا شك من الراوي، وقد اختلف الخبر الوارد في قدر مسافة ما بين السماء والأرض، ففي هذه الرواية الترديد بين إحدى إلى ثلاثة وسبعين. وفي رواية للترمذي (¬2) "أن بينهما مائة عام" وللطبراني (¬3) "خمسمائة عام". ¬

_ = رقم (21) والحاكم (2/ 378، 500، 501) وابن الجوزي في "العلل المتناهية" (1/ 9، 10) والعقيلي في "الضعفاء" (2/ 284) وهو حديث ضعيف. (¬1) أخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (23/ 80 - 81) وعبد الرزاق في تفسيره (2/ 299) كلاهما عن قتادة. (¬2) في "السنن" رقم (3298) وهو حديث ضعيف. وأخرجه أحمد (2/ 270) وابن أبي عاصم في السنة (1/ 254) وابن الجوزي في "العلل" (1/ 12) وأبو الشيخ في العظمة (2/ 560 - 564). (¬3) في "الكبير" (9/ 228). =

وفي رواية (¬1): "بين السماء الدنيا والتي تليها خمسمائة عام، وبين كل سماء خمسمائة عام، وغلظ كل سماء مائة عام، وبين السابعة والكرسي خمسمائة عام، وبين الكرسي وبين الماء خمسمائة عام، والعرش فوق الماء، والله فوق العرش". قالوا: والجمع بين الروايات أن تحمل الخمسمائة على السير البطيء كسير الماشي على هيئته، ويحمل السبعين على السير السريع كسير السعاة ولو التحديد بالزيادة على السبعين لحملنا السبعين [318 ب] على المبالغة ولا تنافي الخمسمائة، ذكر هذا الحافظ في "الفتح" (¬2). وقال الحافظ البيهقي (¬3): رواية "مسيرة خمسمائة عام" أشهر فيما بين الناس ويحتمل أن يختلف ذلك باختلاف قوة السير وضعفه وخفته وثقله. قوله: "وفي رواية" إلى قوله: "عن قتادة وعبد الله" هو إذا أُطلق ابن مسعود، وليس يراد هنا وإلا لقدمه على قتادة فلعله عبد الله (¬4) بن عميرة بفتح أوله، كوفي روى هذا الحديث عن الأحنف بن قيس عن العباس بن عبد المطلب مرفوعاً. قال البخاري (¬5): لا نعلم له سماعاً من العباس. ¬

_ = وأخرجه ابن خزيمة في التوحيد (1/ 242 - 244) وأبو الشيخ في "العظمة" (2/ 688، 689) والدارمي في الرد على الجهمية رقم (81) وفي الرد على المريسي (ص 73، 90، 105). (¬1) أخرجه ابن خزيمة في التوحيد (1/ 242 - 244) والبيهقي في "الأسماء والصفات" رقم (851) والطبراني في "الكبير" (9/ 228) واللالكائي في "شرح السنة" رقم (659) والدارمي في الرد على الجهمية رقم (82) وذكره الحافظ الذهبي في العلو (ص 63 - 64) وقال: إسناده صحيح. (¬2) في "فتح الباري" (6/ 293). (¬3) في "الأسماء والصفات" (2/ 288 - 289). (¬4) انظر "التقريب" (1/ 438 رقم 521). (¬5) قال البخاري في "التاريخ الكبير" (3/ 1/ 159 رقم الترجمة 494) عبد الله بن عميرة عن الأحنف بن قيس عن العباس ... إلى أن قال: ولا نعلم له سماعاً عن الأحنف.

7 - وعن عبد الله - رضي الله عنه - قَالَ: خَلَقَ الله سَبْعَ سَمَوَاتٍ غِلَظُ كُلِّ وَاحِدَة مَسيرَةُ خَمْسُمِائَةِ عَامٍ (¬1). [إسناده حسن]. قلت: ورواية قتادة في "جامع الترمذي" (¬2) مرفوعة عن الحسن عن أبي هريرة بتقديم وتأخير وزيادة ونقص، والله أعلم. "الْأوْعَالُ": تيوس الجبال، واحدها وَعِل. قوله: "في حديث عبد الله غلظ كل واحد" قال ابن عباس: كل سماء مطبقة على الأخرى كالقبة، وسماء الدنيا ملتزمة أطرافها بالأرض، كذا نُقل عنه. قوله: "عن الحسن عن أبي هريرة". قلت: وفيها أيضاً اانقطاع؛ لأن الحسن لم يسمع من أبي هريرة، وأثبت بعض المحدثين سماعه، فعليه هي أصح من التي قبلها، وعلى القول الأول يتعارضان وهو اختيار البيهقي، ولهذا جمع بينهما في كتاب "الأسماء والصفات" (¬3). 8 - وَعَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ - رضي الله عنه - قَالَ: أَتَى أَعْرَابِيٌّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله! جُهِدَتِ الأَنْفُسُ، وَضَاعَتِ الْعِيَالُ، وَهَلَكَتِ الأَنْعَامُ، وَنُهِكَتِ الأَمْوَالُ، فَاسْتَسْقِ لَنَا، فَإِنَّا نَسْتَشْفِعُ بِكَ عَلَى الله تَعَالَى، وَنَسْتَشْفِعُ بِالله عَلَيْكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "وَيْحَكَ أَتَدْرِي مَا تَقُولُ" وَسَبَّحَ - صلى الله عليه وسلم -، فَمَا زَالَ يُسَبِّحُ حَتَّى عُرِفَ ذَلِكَ فِي وُجُوهِ أَصْحَابِهِ، ثُمَّ قَالَ: "وَيْحَكَ إِنَّهُ لاَ يُسْتَشْفَعُ بِالله تَعَالَى عَلَى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ، شَأْنُ اللهِ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ وَيْحَكَ، أَتَدْرِي مَا الله: إِنَّ ¬

_ (¬1) انظر التعليقة المتقدمة. (¬2) في "السنن" رقم (2398) وهو حديث ضعيف، وقد تقدم. (¬3) (2/ 289 - 292 رقم 851).

عَرْشَهُ عَلَى سَمَوَاتِهِ - لهَكَذَا - وَقَالَ بِأَصَابِعِهِ: مِثْلَ الْقُبَّةِ عَلَيْهِ, وإنَّهُ لَيَئِطَّ أَطِيطَ الرَّحْلِ بِالرَّاكِبِ" (¬1) أخرجهما أبو داود. قوله: "في حديث جبير بن مطعم وقال بأصابعه مثل القبة" قال الخطابي (¬2) - رحمه الله -: هذا الكلام إذا جرى على ظاهره كان فيه نوع من الكيفية, والكيفية عن الله سبحانه وعن صفاته منفية، فعلم أن ليس المراد منه تحقيق هذه الصفة ولا تحديده على هذه الهيئة, وأنما هو كلام تقريب، أريد به تقرير عظمة الله وجلاله, وأنه إنما قصد به إفهام السائل من حيث يدرك فهمه، إذ كان أعرابياً جلفاً لا علم له بمعاني [ما دق] (¬3) من الكلام، وفي الكلام حذف [319 ب] وإضمار فمعنى قوله: "أتدري ما الله؟ " معناه: أتدري ما عظمة الله وجلاله؟ وقوله: "حتى لتأط به" معناه أنه تعجز عن عظمته وجلاله حتى تئط له، إذ كان معلوماً أن أطيط الرجل بالراكب إنما يكون لقوة ما فوقه, ولعجزه عن احتماله، فقرر بهذا النوع من التمثيل عنده معنى عظمة الله وجلاله، وارتفاع عرشه ليعلم أنّ الموصوف يعلو الشأن وجلالة القدر، وفخامة الذكر لا يجعل شفيعاً إلى من هو دونه في القدر وأسفل منه في الدرجة، وتعالى الله أن يكون مشبهاً بشيء أو متكيفاً بصورة خلق أو مدركاً بحد {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)} (¬4) انتهى (¬5). 9 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: أخذَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بِيَدِي، فَقَالَ: "خَلَقَ الله التُّرْبَةَ يَوْمَ السَّبْتِ، وخَلَقَ فِيهَا الجِبَالَ يَوْمَ الأَحَدِ، وَخَلَقَ الشَّجَرَ يَوْمَ الاِثْنَيْنِ، وَخَلَقَ المَكْرُوهَ يَوْمَ الثُّلاَثَاءِ، ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود في "السنن" رقم (4736) وهو حديث ضعيف. (¬2) في "معالم السنن" (5/ 95 - 96 - مع "السنن"). (¬3) في المخطوط (أ. ب) مبادئ وما أثبتناه من "معالم السنن". (¬4) سورة الشورى الآية (11). (¬5) أي كلام الخطابي: "معالم السنن" (5/ 95 - 96 - مع "السنن").

وَخَلَقَ النُّورَ يَوْمَ الأَرْبِعَاءِ، وَبَثَّ فِيهَا الدَّوَابَّ يَوْمَ الخَمِيسِ، وَخَلَقَ آدَمَ - عليه السلام - بَعْدَ الْعَصْرِ مِنْ يَوْمِ الُجمعَةِ فِي آخِرِ الخَلْقِ فِى آخِرِ سَاعَةٍ مِن ساعَاتِ النَّهارِ فِيمَا بَيْنَ الْعَصْرِ إِلَى اللَّيْلِ". أخرجه مسلم (¬1). [صحيح]. قوله: "في حديث أبي هريرة خلق الله التربة يوم السبت" في تفسير (¬2) ابن كثير في سورة (¬3) الأعراف أن يوم السبت لم يقع فيه خلق؛ لأنه اليوم السابع. قوله: "النور" بالراء وروي بالنون أي الحوت. "أخرجه مسلم" تكلم عليه النووي والبخاري (¬4) وغير واحد من الحفاظ، وجعلوه من كلام كعب أن أبا هريرة إنما سمعه منه فاشتبه على بعض الرواة فجعله مرفوعاً، قاله ابن كثير في تفسيره (¬5). وقال البيهقي في كتاب "الأسماء والصفات" (¬6): وزعم بعض أهل العلم بالحديث أنه غير محفوظ بمخالفته ما عليه أهل التفسير وأهل التواريخ. ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (2789) وهو حديث صحيح. وأخرجه أبو يعلى (10/ 513، 514) وابن أبي حتم في تفسيره (1/ 103 رقم 305) وابن مندة في التوحيد رقم (58) وابن كثير في تفسيره (6/ 319) وهو حديث صحيح. (¬2) (6/ 319). (¬3) الآية (54). (¬4) ذكره البخاري في "التاريخ الكبير" (1/ 413، 414) من طريق إسماعيل بن أمية به، ثم قال: "وقال بعضهم عن أبي هريرة عن كعب وهو أصح"، قال الألباني في "الصحيحة" معقباً على قول البخاري هذا: "فمن هذا البعض وما حاله في الضبط والحفظ حتى يرجع على رواية عبد الله بن رافع؟ وقد وثقه النسائي وابن حبان، واحتج به مسلم، وروى عنه جمع، ويكفي في صحة الحديث أن ابن معين رواه ولم يعله بشيء. (¬5) (6/ 319). (¬6) (2/ 251). =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = قال العلامة عبد الرحمن المعلمي في "الأنوار الكاشفة" (ص 188 - 192): " ... ويمكن تفصيل سبب الإنكار بأوجه: الأول: أنه لم يذكر خلق السماء وجعل خلق الأرض في ستة أيام. الثاني: أنه جعل الخلق في سبعة أيام، والقرآن يبين أن خلق السموات والأرض كان في ستة أيام، أربعة منها للأرض ويومان للسماء. الثالث: أنه مخالف للآثار القائلة أن أول الستة يوم الأحد وهو الذي تدل عليه أسماء الأيام - الأحد - الاثنان - الثلاثاء - الأربعاء - الخميس - فلهذا حاولوا إعلاله، فأعله ابن المديني بأن إبراهيم بن أبي يحيى، قد رواه عن أيوب، قال ابن المديني: "وما أرى إسماعيل بن أمية أخذ هذا إلا عن إبراهيم بن أبي يحيى" - انظر الأسماء والصفات - يعني وإبراهيم مرمي بالكذب فلا يثبت الخبر عن أيوب ولا من فوقه, ويرد على هذا أن إسماعيل ابن أمية ثقة عندهم غير مدلس. فلهذا والله أعلم لم يرتض البخاري قول شيخه ابن المديني وأعل الخبر بأمر آخر فإنه ذكر طرفه في ترجمة أيوب من التاريخ (1/ 1/ 413) ثم قال: "وقال بعضهم عن أبي هريرة عن كعب وهو أصح" اهـ. ومؤدي صنيعه أنه يحدس أن أيوب أخطأ. وهذا الحدس مبني على ثلاثة أمور، الأول: استنكار الخبر لما مر، الثاني: أن أيوب ليس بالقوي، وهو مقل لم يخرج له مسلم إلا هذا الحديث كما يعلم من الجميع بين رجال "الصحيحين"، وتكلم فيه الأزدي ولم ينقل توثيقه عن أحد من الأئمة إلا أن ابن حبان ذكره في ثقاته، وشرط ابن حبان في التوثيق فيه تسامح معروف, الثالث: الرواية التي أشار إليها بقوله: "وقال بعضهم" وليته ذكر سندها ومتنها فقد تكون ضعيفة في نفسها وإنما قويت عنده للأمرين الآخرين، ويدل على ضعفها أن المحفوظ عن كعب وعبد الله بن سلام ووهب بن منبه ومن يأخذ عنهم أن ابتداء الخلق كان يوم الأحد وهو قول أهل الكتاب المذكور في كتبهم وعليه بنوا قولهم في السبت، انظر الأسماء والصفات وأوائل تاريخ ابن جرير. وفي "الدر المنثور" (3/ 91) أخرج ابن أبي شيبة عن كعب قال: "بدأ الله بخلق السموات والأرض يوم الأحد والاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس والجمعة, وجعل كل يوم ألف سنة"، وأسنده ابن جرير في أوائل التاريخ (1/ 22) واقتصر على أوله: "بدأ الله بخلق السموات والأرض يوم الأحد والاثنين"، فهذا يدفع أن يكون ما في الحديث من قول كعب، وأيوب لا بأس به وصنيع ابن المديني يدل على قوته عنده وقد أخرج له =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = مسلم في "صحيحه" كما علمت وإن لم يكن حده أن يحتج به في الصحيح، فمدار الشك في هذا الحديث على الاستنكار وقد يجاب عنه بما يأتي. أما الوجه الأول فيجاب عنه بأن الحديث وإن لم ينص على خلق السماء فقد أشار إليه بذكره في اليوم الخامس النور وفي السادس الدواب وحياة الدواب محتاجة إلى الحرارة, والنور والحرارة مصدرهما الأجرام السماوية، والذي فيه أن خلق الأرض نفسها كان في أربعة أيام كما في القرآن، والقرآن إذ ذكر خلق الأرض في أربعة أيام لم يذكر ما يدل على أن من جملة خلق النور والدواب، وإذ ذكر خلق السماء في يومين لم يذكر ما يدل أنه في أثناء ذلك لم يحدث في الأرض شيئًا، والمعقول أنها بعد تمام خلقها أخذت في التطور بما أودعه الله تعالى فيها، والله سبحانه لا يشغله شأن عن شأن. ويجاب عن الوجه الثاني: بأنه ليس في هذا الحديث أنه خلق في اليوم السابع غير آدم، وليس في القرآن ما يدل أن خلق آدم كان في الأيام الستة، ولا في القرآن ولا السنة ولا المعقول أن خالقية الله عز وجل وقفت بعد الأيام الستة بل هذا معلوم البطلان، وفي آيات خلق آدم أوائل البقرة وبعض الآثار ما يؤخذ منه أنه كان في الأرض عمار قبل آدم عاشوا فيها دهراً، فهذا يساعد القول بأن خلق آدم متأخر بمدة عن خلق السموات والأرض، فتدبر الآيات والحديث على ضوء هذا البيان يتضح لك إن شاء الله أن دعوى مخالفة هذا الحديث لظاهر القرآن قد اندفعت. ولله الحمد. وأما الوجه الثالث: فالآثار القائلة أن ابتداء الخلق يوم الأحد ما كان منها مرفوعاً فهو أضعف من هذا الحديث بكثير، وأما غير المرفوع فعامته، من قول عبد الله بن سلام وكعب ووهب ومن يأخذ عن الإسرائيليات، وتسمية الأيام كانت قبل الإسلام تقليداً لأهل الكتاب فجاء الإسلام وقد اشتهرت وانتشرت فلم ير ضرورة إلى تغييرها؛ لأن إقرار الأسماء التي عرفت واشتهرت وانتشرت لا يعد اعترافاً بمناسبتها لما أخذت منه أو بنيت عليه إذ قد أصبحت لا تدل على ذلك وإنما تدل على مسمياتها فحسب، ولأن القضية ليست مما يجب اعتقاده أو يتعلق به نفسه حكم شرعي، فلم تستحق أن يحتاط لها بتغيير ما اشتهر وانتشر من تسمية الأيام. وقد ذكر السهيلي في "الروض الأنف" (1/ 271) هذه القضية وانتصر لقول ابن إسحاق وغيره الموافق لهذا الحديث حتى قال: "والعجب من الطبري على تبحره في العلم كيف خالف مقتضى هذا الحديث، وأعنف في الرد على ابن إسحاق وغيره ومال إلى قول اليهود إن الأحد هو الأول ... "، وفي بقية كلامه لطائف: منها: أن =

10 - وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ - رضي الله عنه - قَالَ: كُنْتُ مَعَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي المَسْجِدِ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسُ، فَقَالَ: "يَا أَبا ذَرٍّ! أَتَدْرِي أَيْنَ تَذْهَبُ هَذِهِ الشَّمْسُ"، فَقُلْتُ: الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: "تَذْهَبُ لِتَسْجُدَ تَحْتَ الْعَرْشِ، فَتَسْتَأْذِنَ فَيُؤْذَنَ لهَا، وَيُوشِكُ أَنْ تَسْجُدَ فَلاَ يُقْبَلَ مِنْهَا، وَتَسْتَأْذِنَ فَلاَ يُؤْذَنَ لهَا، وَيُقَالُ لهَا: ارْجِعِي مِنْ حَيْثُ جِئْتِ, فَتَطْلُعُ مِنْ مَغْرِبِهَا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَىَ {وَالشَّمْسُ ¬

_ = تلك التسمية خصت خمسة أيام لم يأت في القرآن منها شيء وجاء فيه أسماء اليومين الباقيين - الجمعة والسبت - لأنه لا تعلق لهما بتلك التسمية المدخولة، ومنها: أنه على مقتضى الحديث يكون الجمعة سابعاً وهو وتر مناسب لفضل الجمعة كما ورد: "إن الله وتر يحب الوتر" ويضاف إلى هذا يوم الاثنين فإنه على هذا الحديث يكون الثالث وهو المناسب لفضله. وفي الصحيح "فيه ولدت وفيه أنزل علي"، فأما الخميس فإنما ورد فضل صومه, وقد يوجه ذلك بأنه لما امتنع صوم اليوم الفاضل وهو الجمعة؛ لأنه عيد الأسبوع عوض عنه بصوم اليوم الذي قبله. وفي ذلك ما يقوي شبه الجمعة بالعيد، وفي "الصحيحين" في حديث الجمعة: "نحن الآخرون السابقون .... " والمناسب أن يكون اليوم الذي للآخرين هو آخر الأيام. هذا وفي البداية لابن كثير (1/ 17): "وقد رواه النسائي في "التفسير" عن إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني عن محمد بن الصباح عن أبي عبيدة الحداد عن الأخضر بن عجلان عن ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذ بيدي فقال: "يا أبا هريرة! إن الله خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش يوم السابع، وخلق التربة يوم السبت، وذكر بتمامه بنحوه فقد اختلف على ابن جريج .... "، أقول: في صحة هذه الرواية عن ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح نظر لا أطيل ببيانه، فمن أحب التحقيق فليراجع "تهذيب التهذيب" (7/ 213) و"فتح الباري" (8/ 511) ومقدمته (ص 373) وترجمتي أخضر وعثمان بن عطاء من "الميزان" وغيره, والله الموفق". انتهى.

تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38)} [يس: 38] ". أخرجه الشيخان (¬1) والترمذي (¬2). [صحيح]. قوله: "وعن أبي ذر". قلت: تقدم بلفظه في تفسير سورة "يس" وتقدم الكلام عليه مستوفى. 11 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: "الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ يُكَوَّرَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ". أخرجه البخاري (¬3). [صحيح]. "التَّكْويرُ": لف العمامة، والمراد أن السماء والأرض تجمعان، وتلفان كما تلف العمامة (¬4). قوله: "وعن أبي هريرة". قوله: "يكوّران" زاد البزار (¬5) "في النار" قال الخطابي (¬6): وليس ذلك تعذيباً لهما، بل تبكيتاً لمن كان يعبدهما في الدنيا كما أنّ في النار ملائكة العذاب، وليست معذبة لهم بل وقيل ¬

_ (¬1) البخاري في "صحيحه" رقم (3199، 4802، 7424) ومسلم رقم (159). (¬2) في "السنن" رقم (2186، 3227). قلت: وأخرجه النسائي في "الكبرى" رقم (11430) وابن حبان رقم (6154) وأحمد (5/ 145, 165) وأبو داود رقم (4002) من طرق وقد تقدم. (¬3) في "صحيحه" رقم (3200). (¬4) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (4/ 28). (¬5) ذكره الحافظ في "الفتح" (6/ 300). (¬6) ذكره الحافظ في "الفتح" (6/ 300).

أنهما خلقا من النار فأعيدا إليها. 12 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: سَأَلتْ يَهُودُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الرَّعْدِ مَا هُوَ؟ قَالَ: "مَلَكٌ مُوَكَلٌ بِالسَّحَابِ وَمَعَهُ مَخَارِيقُ مِنْ نَارٍ يَسُوقَها حَيْثُ شَاءَ الله". قَالُوا: فَمَا هَذَا الصَّوْتُ الَّذِي نَسْمَعُ؟ قَالَ: "زَجْرُهُ بِالسَّحَابِ حَتَّى تَنْتَهِي إِلَى حَيْثُ أُمِرَتْ". قَالُوا: صَدَقْتَ، فَأَخْبِرْنَا عَمَّا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ قَالَ: "اشْتَكَى عِرْقَ النَّسَا فَلَمْ يَجِدْ شَيْئًا يُلاَئِمُهُ, يَعْنِي الْعِرْقَ إِلاَّ لحُومَ الإِبِلِ وَأَلْبَانَهَا، فَلِذَلِكَ حَرَّمَهَا". قَالُوا صَدَقْتَ. أخرجه الترمذي (¬1). [حسن]. "المَخارِيقُ": جمع مخراق، وهو في الأصل، منديل يفتل ويلوى ويجعل كالحبل تتضارب به الصبيان (¬2). قوله: "عرق النسا" بفتح النون والقصر عرق يخرج من الورك يستبطن (¬3) الفخذين حتى يمرّ بالعرقوب حتى يبلغ الحافر، ويأتي في الطب النبوي. قوله: "أخرجه الترمذي". قلت: وقال (¬4) هذا حديث حسن غريب وفي نسخة حسن صحيح غريب. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (3117) وهو حديث حسن دون قصة الرعد، وأخرجه أحمد (1/ 274). وأخرجه دون قصة الرعد، أحمد في "المسند" (1/ 279) والطيالسي في "مسنده" (2731) وابن سعد في "الطبقات الكبرى" (1/ 174 - 176) وابن جرير في تفسيره (1/ 431 - 432) وابن أبي حاتم رقم (951) والبيهقي في "الدلائل" (6/ 266 - 267) والطبراني في "الكبير" رقم (13012) من طرق. وهو حديث حسن. (¬2) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (4/ 39). (¬3) انظر: "المجموع المغيث" (3/ 296)، "النهاية في غريب الجامع" (2/ 739). (¬4) في "السنن" (5/ 294).

13 - وعن أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا، فَقَالَتْ: رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا، فَأَذِنَ لهَا بِنَفَسَيْنِ: نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ، وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ، فَهُوَ أَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنْ الحَرِّ، وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الزَّمْهَرِيرِ". أخرجه الشيخان (¬1) والترمذي (¬2). [صحيح]. قوله: "اشتكت النار" اختلف في هذه الشكوى هل هي بلسان المقال أو الحال، واختار كلاً طائفة. وقال ابن عبد البر (¬3): لكلا القولين وجه ونظائر والأول أرجح. وقال عياض (¬4) إنه الأظهر، وقال القرطبي (¬5): لا إحالة في حمل اللفظ على حقيقته، وإذا أخبر الصادق بأمر جائز لم يحتج إلى تأويله فحمله على الحقيقة أولى. وقال الزين (¬6) ابن المنير: المختار حمله على الحقيقة لصلاحية القدرة لذلك. قلت: ويؤيده قوله فقالت: فإنَّه في لسان المقال. [240/ أ]. قوله: "بنفسين" بفتح الفاء، والنفس هو ما يخرج من الجوف، ويدخل فيه من الهواء. قوله: "نفس في الشتاء ونفس في الصيف" بالجر فيهما على البدل أو البيان، ويجوز الرفع، والمصدرية. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (537) وطرفه رقم (3260) ومسلم رقم (617). (¬2) في "السنن" رقم (2592). وهو حديث صحيح، والله أعلم. (¬3) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 19). (¬4) في إكمال "المعلم بفوائد مسلم" (2/ 582 - 583). (¬5) في "المفهم" (2/ 244). (¬6) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 19).

قوله: "أشد" يجوز الكسر فيه, بمعنى البدل، قال ابن [321 ب] (¬1) حجر: لكنه في روايتنا بالرفع. قال البيضاوي (¬2): هو خبر مبتدأ محذوف تقديره فذاك أشد، والمراد بالزمهرير شدة البرد، واستشكل وجوده في النار ولا إشكال؛ لأن المراد بالنار محلها وفيها طبقة زمهريرية وسياق القصة قد يتوهم منها مشروعية تأخير الصلاة في وقت شدة البرد، ولم يقل به أحد؛ لأنها تكون غالباً في وقت الصبح، فلا تزول إلا بطلوع الشمس، فلو أخرت لخرج الوقت، قاله في "الفتح" (¬3). 14 - وعن قتادة - رضي الله عنه - قَالَ: خُلْقَتْ هَذِهِ النُّجُومُ لِثَلَاثِ: جَعَلَهَا الله زِيْنَةً لِلسَّمَاءِ، وَرُجُوْمَاً لِلشّيَاطِيْنِ، وَعَلَامَاتٍ يُهْتَدَىَ بِهَا، فَمَنْ تَأَوَّلَ فِيْهَا غيْرَ ذَلِكَ، فَقَدْ أَخْطَأَ حَظَّهُ، وَأَضَاعَ نَصِيْبَهُ، وَتَكَلَّفَ مَا لَا يَعْنِيْهِ، وَمَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ، وَمَا عَجَزَ عَنْ عِلْمِهِ الْأَنْبِيَاءُ وْالمَلَائِكَةُ، وَالله مَا جَعَل الله فِي نَجْمٍ حَيَاةَ أَحَدٍ، وَلَا رِزْقِهِ، وَلَا مَوْتِهِ، إِنَّمَا يَفْتَرُونَ عَلَى الله الْكَذِبَ، وَيَتَعَلَّلُونَ بِالنُّجُومِ. أخرجه البخاري (¬4) استشهاداً إلى قوله ما لا علم له به، وأخرج باقيه رزين. ¬

_ (¬1) في "فتح الباري" (2/ 19). (¬2) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 19). (¬3) في "فتح الباري" (2/ 19). (¬4) في "صحيحه" رقم (6/ 295 الباب رقم 3) تعليقاً. وأخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (23/ 123) وأبو الشيخ في "العظمة" رقم (706) وابن أبي حاتم في تفسيره (9/ 2913) وعبد بن حميد في تفسيره كما في التغليق (3/ 489).

قوله: "في حديث قتادة جعلها زينة للسماء" وهو صريح قوله تعالى: {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ} (¬1). قوله: "وعلامات" هو صريح: {وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (16)} (¬2). قوله: "فمن تأول فيها غير ذلك" كالذين يجعلون لها أحكاماً من سعادة ونحاسة وغير ذلك، فقد تكلم بما لا علم لديه. والحديث ظاهر [أنه] (¬3) موقوف على قتادة، والبخاري (¬4) أخرجه تعليقاً فقال: قال قتادة. قال ابن حجر (¬5): وصله عبد بن حميد من طريق شيبان عنه به, وزاد في آخره: "وإنّ [ناساً] (¬6) أحدثوا في هذه النجوم كهانة: من غرس بنجم كذا كان كذا، ومن سافر بنجم كذا كان كذا، ولعمري ما من النجوم نجم إلا يولد به الطويل والقصير، والأحمر والأبيض، والحسن والذميم، وما علم هذه النجوم، وهذه الدابة وهذا الطائر [بشيء من الغيب] (¬7). انتهى. ¬

_ (¬1) سورة الملك الآية (5). (¬2) سورة النحل الآية (16). (¬3) زيادة من (أ). (¬4) في "صحيحه" (6/ 295 الباب رقم 3) تعليقاً. (¬5) في "فتح الباري" (6/ 295). (¬6) كذا في (أ. ب) والذي في "فتح الباري": [ناساً جهلة بأمر الله قد]. (¬7) كذا في (أ. ب) والذي في "فتح الباري" [نشيء من هذا الغيب].

قال الداودي (¬1): قول قتادة في النجوم حسن إلا قوله: "أخطأ وأضاع نصيبه"، فإنه قصر في ذلك، بل من قال [322 ب] ذلك كافر (¬2). انتهى. 15 - وَعَن أَبُي مُوسَى - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِنَّ الله تَعَالَى خَلَقَ آدَمَ مِنْ قَبْضَةٍ قَبَضَهَا مِنْ جَمِيعِ الأَرْضِ، فَجَاءَ بَنُو آدَمَ عَلَى قَدْرِ الأَرْضِ، مِنْهُمُ الأَحْمَرُ وَالأَبْيَضُ وَالأَسْوَدُ، وَبَيْنَ ذَلِكَ، وَالسَّهْلُ وَالحَزْنُ، وَالخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ". أخرجه أبو داود (¬3) والترمذي (¬4). [صحيح]. قوله: "في حديث أبي موسى فجاء بنو آدم على قدر الأرض" ومثله ما أخرجه ابن جرير (¬5) عن علي - عليه السلام -: "إن آدم خلق من أديم الأرض فيه الطيب والصالح والرديء، فكل ذلك أنتَ رآءٍ في ولده". وفي الباب عدة أحاديث بمعناه، وقد قال الله: {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ} (¬6) وقال: {وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ} (¬7) فقد قدّر الاختلاف في الألوان قبل إيجادهم. ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (6/ 295). (¬2) قال الحافظ في "الفتح" (6/ 295) ولم يتعين الكفر في حق من قال ذلك، وإنما يكفر من نسب الاختراع إليها، وأما من جعلها علامة على حدوث أمر في الأرض فلا. (¬3) في "السنن" رقم (4693). (¬4) في "السنن" رقم (2955). وهو حديث صحيح. (¬5) في "جامع البيان" (1/ 512). (¬6) سورة الروم الآية (22). (¬7) سورة فاطر الآية (28).

قوله: "أخرجه أبو داود والترمذي". قلت: وصحّحه وأخرجه ابن سعد (¬1) وعبد بن حميد (¬2)، والحكيم في "نوادر الأصول" (¬3)، وابن جرير (¬4)، وابن المنذر (¬5)، وأبو الشيخ في "العظمة" (¬6)، والحاكم (¬7) وصححه، وابن مردويه (¬8)، والبيهقي في "الأسماء والصفات" (¬9). وأخرج ابن جرير (¬10) والبيهقي في "الأسماء والصفات" (¬11)، وابن عساكر (¬12) عن ابن مسعود وناس من الصحابة قالوا: "بعث الله جبريل إلى الأرض ليأتيه بطين منها، فقالت الأرض: أعوذ بالله منك أن تقبض مني، فرجع ولم يأخذ شيئاً وقال: يا رب! إنها عاذت بك فأعذتها، فبعث ملك الموت فعاذت منه قال: أنا أعوذ بالله أن أرجع ولم أنفذ أمره، فأخذ من وجه الأرض وخلط ولم يأخذ من مكان واحد وأخذ من تربة حمراء وبيضاء وسوداء، فلذلك خرج بنو آدم مختلفين .. " الحديث. ¬

_ (¬1) في "الطبقات الكبرى" (1/ 26). (¬2) رقم (548). (¬3) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (1/ 115). (¬4) في "جامع البيان" (1/ 513). (¬5) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (1/ 115). (¬6) رقم (4/ 10). (¬7) في "المستدرك" (2/ 261). (¬8) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (1/ 115). (¬9) رقم (715، 815). (¬10) في "جامع البيان" (1/ 487 - 488، 512). (¬11) رقم (773). (¬12) في "تاريخه" (7/ 377 - 378).

16 - وَعَنْ أَبِي هُرَيرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لمَّا خَلَقَ الله تَعَالَى آدَمَ - عليه السلام -، وَنَفَخَ فيهِ الرُّوحَ عَطَسَ، فَقَالَ الحَمْدُ لله، فَحَمِدَ الله بِإِذْنِهِ، فَقَالَ لَهُ رَبُّهُ: يَرْحَمُكَ الله يَا آدَمُ، اذْهَبْ إِلَى أُولَئِكَ المَلاَئِكَةِ إِلَى مَلإٍ مِنْهُمْ جُلُوسٍ فَقُلِ: السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ. فَقَالُوا: وَعَلَيْكَ السَّلاَمُ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ. ثُمَّ رَجَعَ إِلَى رَبِّهِ فَقَالَ: إِنَّ هَذِهِ تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ بَنِيكَ بَيْنَهُمْ. فَقَالَ الله تَعَالَى: وَيَدَاهُ مَقْبُوضَتَانِ اخْتَرْ أَيَّهُمَا شِئْتَ قَالَ: اخْتَرْتُ يَمِينَ رَبِّي، وكِلْتَا يَدَيْ رَبِّي يَمِينٌ مُبَارَكَةٌ، فَبَسَطَهَا، فَإِذَا فِيهَا آدَمُ وَذَرِّيَّتُهُ، فَقَالَ: أَيْ رَبِّ! مَا هَؤُلاَءِ؟ قَالَ: هَؤُلاَءِ ذُرِّيَّتُكَ فَإذَا كُلُّ إِنْسَانٍ مَكْتُوبٌ عُمْرُهُ بَيْنَ عَيْنيْهِ، وَإِذَا فِيهِمْ رَجُلٌ مِنْ أَضْوَئِهِمْ. فَقَالَ: يَا رَبِّ مَنْ هَذَا؟ قَالَ: ابْنُكَ دَاوُدُ، وَقَدْ كَتَبْتُ لَهُ عُمْرَ أَرْبَعِينَ سَنَةً. قَالَ: زِدْ فِي عُمُرِهِ. قَالَ: ذَاكَ الَّذِي كَتَبْتُ لَهُ. قَالَ: أَيْ رَبِّ! فَإِنِّي قَدْ جَعَلْتُ لَهُ مِنْ عُمْرِي سِتِّينَ سَنةً, قَالَ: أنْتَ وَذَاكَ. قَالَ ثُمَّ أُسْكِنَ الجَنَّةَ مَا شَاءَ الله، ثُمَّ أُهْبِطَ مِنْهَا، وَكَانَ آدَمُ - عليه السلام - يَعُدُّ لِنَفْسِهِ. فَأَتَاهُ مَلَكُ المَوْتِ، فَقَالَ لَهُ: قَدْ عَجِلْتَ، أَلَيْسَ قَدْ كُتِبَ لِي أَلْفُ سَنَةٍ؟ قَالَ: بَلَى، وَلَكِنَّكَ جَعَلْتَ لِابْنِكَ دَاوُدَ مِنْهَا سِتَّينَ سَنَةً، فَجَحَدَ آدَمُ، فَجَحَدَتْ ذُرِّيَّتُهُ، وَنَسِيَ فَنَسِيَتْ ذُرَّيَّتُهُ. قَالَ: فَمِنْ يَوْمِئِذٍ أُمِرَ بِالْكِتَابِ وَالشُّهُودِ". أخرجه الترمذي (¬1)، [صحيح] وتقدم في [تفسير] (¬2) سورة الأعراف: بدون هذا. قوله: "في حديث أبي هريرة وقد جعلت [323 ب] له عمر أربعين سنة". تقدم في تفسير الأعراف في حديث أبي هريرة "أنه سأل آدم ربه فقال: رب كم جعلت عمره؟ قاله: ستين سنة، قال: رب زده من عمري أربعين سنة. قوله: "فجحد فجحدت ذريته" أي أنه تخلّق الأبناء بخلق الآباء في الجحد والنسيان، وجحد الذرية ما حكاه الله عنهم من تكذيب العهد الذي عهده تعالى إليهم، والنسيان من آدم ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (3368). وهو حديث صحيح. (¬2) في (ب) تفسيره في.

أراد به أكله من الشجرة كما قال تعالى: {فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا (115)} (¬1)، وفيه أن أخلاق الآباء يرثها الأبناء، ولذا قال قوم مريم: {مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (28)} (¬2)، وقال أولاد [يعقوب] (¬3): {إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ} (¬4)، فأهل الخير لا يأتي منهم الشر، وأهل الشر لا يستنكر منهم إتيانه منهم. قوله: "فمن يومئذ" أي: من يوم إذ جحد آدم "أمر الله بالكتاب" أي: كتب ما يحتاج إلى الكتب مما يجوز إنكاره والشهود عليه. قوله: "وتقدم في سورة الأعراف" أي: من حديث أبي هريرة وتخريج الترمذي وتصحيحه له. 17 - وعن عائشة - رضي الله عنها - قَالَتْ: قَالَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: "خُلِقَتِ المَلَائِكَةُ مِنَ نُورٍ، وَخُلِقَ الجَانُّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ، وَخُلِقَ آَدَمُ مِمَّا وُصِفَ لَكُمْ". أخرجه مسلم (¬5). [صحيح]. قوله: [324 ب] "في حديث عائشة من مارج من نار" قال ابن عباس (¬6): مارج من نار، من لهبها من وسطها، وعنه (¬7): خالص النار، وعن مجاهد (¬8) من مارج من نار قال: اللهب الأخضر والأصفر الذي يعلو النار. ¬

_ (¬1) سورة طه الآية (115). (¬2) سورة مريم الآية (28). (¬3) في (أ) يوسف. (¬4) سورة يوسف الآية (77). (¬5) في "صحيحه" رقم (2996). وأخرجه أحمد (6/ 153، 168) وأبو الشيخ في "العظمة" (2/ 726). (¬6) أخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (22/ 195). (¬7) أخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (22/ 195) وابن أبي حاتم في تفسيره (7/ 467). (¬8) أخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (22/ 196).

قوله: "والملائكة" جمع ملك بفتح اللام فقيل: مخفف عن مالك، وقيل: من [الألوكة] (¬1) وهي الرسالة (¬2). قال جمهور أهل الكلام من المسلمين: الملائكة أجسام لطيفة، أعطيت قدرة على التشكل بأشكال مختلفة، ومسكنها السموات وأبعد من قال أنها الكواكب أو أنها الأنفس الخيرية التي فارقت أجسامها، وغير ذلك من الأقوال التي لا يوجد [241/ أ] في الأدلة السمعية شيء منها. وقد جاء في كثرة الملائكة وصفاتهم أحاديث منها حديث "أطت السماء" وفيه: "ما فيها موضع أربع أصابع إلا وعليها ملك ساجد .. " الحديث، تقدم من أخرجه. ولفظ السماء للجنس يشمل السبع السموات، ويدل له ما أخرجه الطبراني (¬3) من حديث جابر مرفوعاً: "ما في السموات السبع موضع قدم ولا شبر ولا كف إلا وفيه ملك قائم أو راكع أو ساجد"، ومنهم الملائكة الذين ينزلون في السحاب، والملائكة الذين يدخلون البيت المعمور، ففي حديث أخرجه [الطبري] (¬4) عن قتادة (¬5) عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ¬

_ (¬1) كذا في المخطوط (أ. ب) والذي في "النهاية" الألوك. (¬2) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 679). (¬3) في "الأوسط" رقم (3568). وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (10/ 358) وفيه عروة بن مروان، قال الدارقطني: ليس بقوي في الحديث، وبقية رجاله رجال الصحيح. (¬4) في (أ) الطبراني. (¬5) أخرجه الطبري في "جامع البيان" (21/ 565) والبيهقي في "الشعب" رقم (3994) وعبد الرزاق في تفسيره (2/ 246) عن قتادة {وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ (4)} ذكر لنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال يوماً لأصحابه: "هل =

"البيت المعمور مسجد في السماء بحذاء الكعبة لو خرّ لخرّ عليها، يدخله سبعون ألف ملك كل يوم إذا خرجوا منه، لا يعودوا" (¬1). وروى ابن مردويه (¬2) وابن أبي حاتم (¬3) من حديث أبي هريرة مرفوعاً وفيه: "وفي السماء نهر يقال له الحيوان يدخله جبريل [325 ب] كل يوم فينغمس فيه ثم يخرج فينتفض فيخر منه سبعون ألف قطرة يخلق الله من كل قطرة ملكاً، منهم الذين يصلون فيه - أي في البيت المعمور - ثم لا يعودون". وإسناد حديث أبي هريرة [ضعيف] (¬4) ومنهم الملائكة الذين يكتبون الناس يوم الجمعة وغير ذلك. قال الحافظ ابن حجر (¬5): وقد اشتمل كتاب العظمة (¬6) لأبي الشيخ من ذكر الملائكة على أحاديث وآثار كثيرة فليطلبها منه من أراد الوقوف على ذلك، وفي كلام أمير المؤمنين عليّ - عليه السلام - في ذكر الملائكة، منهم الأمناء على وحيه، والحفظة لعباده، والسدنة بجناته. قوله: "أخرجه مسلم". ¬

_ = تدرون ما البيت المعمور؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: "فإنه مسجد في السماء بحيال الكعبة لو خر لخر عليها أو عليه، يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك، إذا خرجوا منه لم يعودوا آخر ما عليهم". (¬1) انظر "التعليقة المتقدمة"، وصوابه لم يعودوا. (¬2) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (7/ 627). (¬3) في تفسيره (10/ 3314 رقم 18673). (¬4) زيادة من "فتح الباري" (6/ 309) وقد سقطت من (أ. ب). (¬5) في "فتح الباري" (6/ 308). (¬6) (ص 162 - 173) رقم (341 - 377).

قلت: وأخرجه عبد بن حميد (¬1)، وابن المنذر (¬2)، وابن مردويه (¬3)، والبيهقي في "الأسماء والصفات" (¬4). 18 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قَالَ: لاَ وَالله مَا قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِعِيسَى أَحْمَرُ، وَلَكِنْ قَالَ: "بَيْنَمَا أنَّا نَائِمٌ رَأَيتُنيْ أَطُوفُ بِالْبَيْتِ، فَإِذَا رَجُلٌ آدَمُ سَبْطُ الشَّعَرِ، يُهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ، يَنْطِفُ رَأْسُهُ مَاءً، أَوْ يُهَرَاقُ مَاءً، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: ابْنُ مَرْيَمَ، فَذَهَبْتُ أَلْتَفِتُ، فَإِذَا رَجُلٌ أَحْمَرُ جَسِيمٌ، جَعْدُ الشَّعَرِ، أَعْوَرُ عَيْنِهِ الْيُمْنَى، كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ. قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: هَذَا الدَّجَّالُ، وَأَقْرَبُ النَّاسِ بِهِ شَبَهًا ابْنُ قَطَنٍ". قال الزهري: رَجُلٌ مِن خُزَاعَةَ هَلَكَ فِي الجَاهِلِيّةِ، أخرجه الثلاثة (¬5)، ولم يخرج مسلم قول الزهري. [صحيح]. قوله: "في حديث ابن عمر لا والله ما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لعيسى أحمر". اللام (¬6) في قوله: "لعيسى" بمعنى عن، وهي مثل قوله: {قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ} (¬7)، ظنّ ابن عمر أن الوصف اشتبه على الراوي، وأن ¬

_ (¬1) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (7/ 695). (¬2) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (7/ 695). (¬3) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (7/ 695). (¬4) (2/ 258 - 259 رقم 818) بسند صحيح، رجاله ثقات. (¬5) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (3440) وأطرافه في (3441، 5902، 6999، 7026، 7128) ومسلم رقم (169) ومالك في "الموطأ" (2/ 920). (¬6) ذكره الحافظ في "فتح الباري" (6/ 486). (¬7) سورة الأحقاف الآية (11).

الموصوف بكونه أحمر هو الدجال لا عيسى، وقرب ذلك أن كلاً منهما يقال له المسيح، وهي صفة مدح لعيسى وصفة ذم للدجال. وكأن (¬1) ابن عمر قد سمع سماعاً جزماً في وصف عيسى بأنه آدم فساغ له الحلف على ذلك لما غلب على ظنه أنه من وصفه بأنه أحمر واهم. واعلم أنه وقع في نعت عيسى أنه أحمر، والأحمر عند العرب الشديد البياض مع الحمرة، والأدم الأسمر، ويمكن الجمع بينهما بأنه أحمر لونه بسبب، كالتعب وهو في الأصل [326 ب] أسمر، وقد وافق أبو هريرة على أنّ عيسى أحمر، فظهر أنّ ابن عمر أنكر شيئاً حفظه غيره، وورد أيضاً في شعر عيسى [أنه سبط كما هنا ووقع في أخرى أنه جعد (¬2) وجمع بينهما] (¬3) أن السبط شعره، والجعد جسمه لا شعره، والمراد بذلك اجتماعه واكتنازه (¬4). قوله: "سبط (¬5) الشعر" بفتح المهملة وكسر الموحدة أي: ليس بجعد، وهو نعت لشعر رأسه. قوله: "يهادى" (¬6) أي: يمشي مائلاً بينهما. قوله: "ينطف" بكسر الطاء المهملة أي: يقطر ومنه النطفة. ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (6/ 486). (¬2) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (3441). (¬3) زيادة من (أ). (¬4) ذكره الحافظ في "فتح الباري" (6/ 486). (¬5) انظر "النهاية" (1/ 748). (¬6) قال ابن الأثير في "غريب الجامع" (4/ 36) تهادى الرجل في مشيته: إذا تمايل، ورأيت فلاناً يهادى بين رجلين، إذا كان يمشي متكئاً عليهما من ضعف وتمايل.

قوله: "أعور عينه اليمنى" كذا بالإضافة، وعينه بالجر وهو للأكثر من إضافة الموصوف إلى صفته وهو جائز عند الكوفيين، وتقديره (¬1) عند البصريين عين صفحة وجهه اليمنى. قوله: "طافية" أي: بارزة، وهو من طفا الشيء يطفو بغير همز، إذا علا على غيره وشبهها بالعنبة التي تقع في العنقود بارزة عن نظائرها. قوله: "أقرب الناس به شبهاً ابن قطن" بفتح القاف والمهملة، قال ابن حجر (¬2): قلت: اسمه عبد العزى بن قطن بن عمرو بن جندب (¬3). قوله: "هلك في الجاهلية" قد أتى في رواية "أنه قال ابن قطن: يا رسول الله! هل يضرني شبهه بي؟ قال: لا أنت مسلم، وهو كافر، فينظر أيهما أصح. قوله: "ولم يخرج مسلم قول الزهري" بأنه من خزاعة هلك في الجاهلية لكنه قال ابن حجر (¬4): إنّ كلام الزهري وردّ الإسناد المذكور. [242/ أ] [327 ب]. 19 - وَعَنْ جَابِرٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: "عُرِضَ عَلَيَّ الأَنْبِيَاءُ - عليهم السلام -، فَإِذَا مُوسَى - عليه السلام - ضَرْبٌ مِنَ الرِّجَالِ، كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ، وَرَأَيْتُ عِيسَى بْنَ مَرْيَمَ - عليه السلام - فَإِذَا أَقْرَبُ مَنْ رَأَيْتُ بِهِ شَبَهًا عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ، وَرَأَيْتُ إِبْرَاهِيمَ - عليه السلام -، فَإِذَا أَقْرَبُ مَنْ رَأَيْتُ بِهِ شَبَهًا صَاحِبُكُمْ - يَعْنى نَفْسَهُ - وَرَأَيْتُ جبرِيلَ - عليه السلام - فَإِذَا أَقْرَبُ مَنْ رَأَيْتُ بِهِ شَبَهًا دِحْيَةُ بْنُ خَلِيفَةَ". ¬

_ (¬1) قاله ابن حجر في "فتح الباري" (6/ 485). (¬2) في "فتح الباري" (6/ 488). (¬3) ابن سعيد بن عائداً بن مالك بن المصطلق، وأمه هالة بنت خويلد، أفاده الدمياطي، "فتح الباري" (6/ 488). (¬4) في "فتح الباري" (6/ 488).

أخرجه مسلم (¬1) والترمذي (¬2). [صحيح]. 20 - وعن سمرة بن جندب - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: "سَامٌ أَبُوْ الْعَرَبِ، وَيَافِثٌ أَبُو الرُّومِ، وَحَامٌ أَبُو الحَبَشِ". أخرجه الترمذي (¬3). [ضعيف]. 21 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ زَكرِيَّا كَانَ نَجَّارَاً". أخرجه مسلم (¬4). [صحيح]. ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (167). (¬2) في "السنن" رقم (3649). وهو حديث صحيح. (¬3) في "السنن" رقم (3231) ورقم (3931). وهو حديث ضعيف، والله أعلم. (¬4) في "صحيحه" رقم (2379) وهو حديث صحيح.

كتاب: الخلافة والإمارة

كتاب: الخلافة والإمارة الخلافة مأخوذة من قوله تعالى: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} (¬1). [وفيه بابان الباب الاول: في [أحكامهما] (¬2) وفيه: ستة فصول] (¬3) [الفصل الأول: في الأئمة من قريش] (¬4) 1 - عن جابر - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: "النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ فَي الخَيْرِ وَالشَّرِّ". أخرجه مسلم (¬5). [صحيح]. قوله: "تبع لقريش" قيل هو خبر على ظاهره، وقيل: معناه الأمر. قوله: "في الخير والشر" معناه: في الإسلام والجاهلية؛ لأنهم كانوا الجاهلية رؤساء العرب [و] (¬6) أصحاب حرم الله، وكانت العرب تنتظر بإسلامها إسلامهم، فلما أسلموا وفتحت مكة تبعهم الناس، وجاءت وفود العرب من كل جهة، ودخل الناس بها دين الله أفواجاً، وكذلك في الإسلام هم أصحاب الخلافة والناس تبع لهم فيها، فبين - صلى الله عليه وسلم - أن هذا الحكم مستمر فيهم إلى آخر الدنيا ما بقي من الناس اثنان، وقد ظهر ما قاله - صلى الله عليه وسلم - فمن زمنه إلى ¬

_ (¬1) سورة البقرة الآية (30). (¬2) في (ب) أحكامها. (¬3) زيادة من (ب) متناً. (¬4) زيادة من (ب) متناً وشرحاً. (¬5) في "صحيحه" رقم (1819). (¬6) زيادة من (أ).

الآن الخلافة في قريش: أي لا يزال منهم خليفة، وإلا فإنه قد زال عنهم الكبرى من الخلافة بملك التتار [والأروام] (¬1) والحرمين ومصر والشام وغيرها، وهو تصديق لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إن أول من سلب الأمة ملكها بنو قنطوراء"، فإنه أخرج الطبراني في "الكبير" (¬2) من حديث ابن مسعود مرفوعاً: اتركوا الترك ما تركوكم، فإن أول من يسلب أمتي ملكهم بنو قنطوراء" بفتح القاف وسكون النون وضم الطاء المهملة وألف [مقصورة] (¬3). [قال] (¬4) في التنوير شرح (¬5) "الجامع الصغير": إنه قال السيوطي [328 ب] في "مرقاة الصعود" يقال أنها اسم جارية كانت لإبراهيم - عليه السلام - والترك من نسلها، وقيل: أراد بهم يأجوج ومأجوج، والأول أظهر، وهذا الحديث قال في التنوير: إنه قال الهيثمي (¬6): فيه مروان ¬

_ (¬1) في (أ) للأروام. (¬2) في "المعجم الكبير" (ج 10 رقم (10389) وفي "الأوسط" رقم (5634) وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (7/ 312) وقال: فيه عثمان بن يحيى القرقساني ولم أعرفه، وبقية رجاله رجال الصحيح. قلت: القرقساني ترجمه ابن حبان في "الثقات" (9/ 455). وفي المسند مروان بن سالم الغفاري وهو متروك متهم بالوضع، وذكر الهيثمي هذا الحديث في "المجمع" (5/ 304) وقال: وفيه مروان بن سالم وهو متروك. وهو حديث موضوع. وحكم على الحديث بالوضع ابن الجوزي في الموضوعات رقم (1205). (¬3) كذا في المخطوط (أ. ب) والذي في "المعجم": قنطوراء. (¬4) زيادة من (ب). (¬5) الحديث رقم (110) بتحقيقي. (¬6) في "مجمع الزوائد" (5/ 304).

بن سالم متروك، وقال السمهودي (¬1): قد أخرجه الطبراني في "الأوسط" (¬2) و"الصغير" (¬3) بإسناد حسن. ولم يصب ابن الجوزي (¬4) حيث جزم بوضعه وقد جمع فيه الضياء جزءاً. انتهى. وأما قريش ففي "القاموس" (¬5) قرشه يقرشه ويقرشه أي بكسر الراء وضمها قطعه وجمعه من ها هنا وها هنا وضم بعضه إلى بعض، ومنه قريش لتجمعهم إلى الحرم، أو لأنهم كانوا يتقرشون البياعات فيشتروا، أو لأن النضر بن كنانة اجتمع في ثوبه يوماً، فقالوا: تقرش، أو لأنه جاء إلى قومه فقالوا كأنه جمل قرشي أي: شديد، أو لأن قصياً كان يقال له القرشي ... إلى أن قال: أو سميت بمصغر القرش وهو دابة بحرية تخافها دواب البحر كلها. ¬

_ (¬1) كما في "فيض القدير" (1/ 117). (¬2) في "الأوسط" رقم (5634). (¬3) قال الألباني رحمه الله في "الضعيفة" (4/ 231 - 232): "قلت: فيه نظر من وجوه: • الأول: أن الطبراني لم يخرجه في الصغير، وأنا من أعرف الناس به, فقد رتبته على مسانيد الصحابة، ثم رتبت أحاديثهم جميعاً على حروف المعجم، فعزوه إليه وهم. • الثاني: أن جزمه بأن إسناده حسن، وأن المقال في "الكبير" يخالف جزم الهيثمي، بأن إسناد "الأوسط" أيضاً مروان بن سالم المتروك، وهو أعرف به من السمهودي. • الثالث: أن ابن الجوزي قد أصاب في حكمه عليه بالوضع، ما دام أن مروان بن سالم قد اتهم بالوضع كما سبق، فلا وجه لتعقبه في ذلك، والضياء إنما جمع الجزء المشار إليه في الطرف الأول من الحديث بغض النظر عن تمامه, والطرف المذكور، حقاً إنه لا مجال للقول بوضعه؛ لأن له شواهد تمنع من ذلك، أورد بعضها الهيثمي فليراجعه من شاء. (¬4) في الموضوعات رقم (1205). وانظر ما تقدم. (¬5) "القاموس المحيط" (ص 776 - 777).

وذكر غير هذا، وهذا الأخير هو الذي أخرجه البيهقي في "الدلائل" (¬1) عن أبي ريحانة العامري، أن معاوية قال لابن عباس: لم سميت قريش قريشاً؟ قال: بدابة تكون في البحر أعظم دوابه، يقال لها القرش لا تمر بشيء من الغث والسمين إلا أكلته، قال [أنشدني] (¬2) في ذلك، فأنشدته شعر الجمحي إذ يقول: وقريش هي التي تسكن البحـ ... ـر بها سُمِّيت قريش قريشا تأكل الغثَّ والسمين ولا تتـ ... ركْ يوماً لذي جناحَيْنِ ريشا هكذا في البلاد حي قريش ... يأكلون البلاد أكلاً كَمِيشا ولهم آخر الزمان نبيٌّ ... يكثر القتل فيهم والخُمُوشا وفي "الكشاف" (¬3): وقريش ولد النضر بن كنانة، وذكر في وجه التسمية ما ذكره ابن عباس [329 ب] وأنشد أول بيت من هذه الأبيات، قال: والتصغير فيها للتعظيم. قال ابن سعد في "الطبقات" (¬4): حدثني هشام بن الكلبي قال: علمني أبي وأنا غلام نسب النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر، وإليه جماع قريش، وما كان فوق فهر ليس بقرشي بل هو كناني. 2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -: "النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ فِي هَذَا الشَّأْنِ، مُسْلِمُهُمْ تَبَعٌ لمُسْلِمِهِمْ، وَكَافِرُهُمْ تَبَعٌ لِكَافِرِهِمْ، النَّاسُ مَعَادِنُ، خِيَارُهُمْ فِي الجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي ¬

_ (¬1) (1/ 181). (¬2) في (ب): أنشد. (¬3) (6/ 436 - 437). (¬4) في "الطبقات الكبرى" (1/ 55 - 56).

الْإِسْلَامِ، إِذَا فَقُهُوا، وَتَجِدُونَ مِنْ خِيَارِ النَّاسِ أَشَدَّ النَّاسِ كَرَاهَةً لِهَذَا الشَّأْنِ حَتَّى يَقَعَ فِيهِ. أخرجه الشيخان (¬1). [صحيح]. قوله: "في حديث أبي هريرة في هذا الشأن" أي: الولاية والإمارة. قوله: "معادن" أي: أصولاً مختلفة، وهو جمع معدن وهو الشيء المستقر في الأرض فتارة يكون نفيسًا وتارة يكون خسيسًا وكذلك الناس. قوله: "أشد الناس كراهة" أي: للدخول فيه؛ لأن ذلك إنما يكون من متانة الدين ورصانة العقل. قوله: "إذا فقهوا فيه" إشارة إلى أن الشرف الإسلامي (¬2) لا يتم إلا بالتفقه في الدين، وعلى هذا فينقسم الناس أربعة أقسام. الأول: شريف في الجاهلية أسلم وتفقّه, ويقابله مشروف في الجاهلية أسلم ولم يتفقّه. الثاني: شريف في الجاهلية أسلم ولم يتفقه, ويقابله مشروف في الجاهلية أسلم وتفقه. والرابع (¬3): شريف في الجاهلية لم يسلم وتفقه، ويقابله مشروف أسلم ولم يتفقه. وأرفع الأقسام أولها: ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (3495) ومسلم رقم (1818). (¬2) قاله الحافظ في "الفتح" (6/ 529). (¬3) لم يذكر القسم الثالث، وهو شريف في الجاهلية لم يسلم ولم يتفقه, ويقابله مشروف في الجاهلية أسلم ولم يتفقه. "فتح الباري" (6/ 529).

قوله: "حتى يقع فيه" (¬1) أي: في ذلك غاية الكراهة؛ لأن الغالب حصول الشيء لمن يكرهه (¬2) وصرفه عمن يحرص عليه. 3 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَا يَزَالُ هَذَا الْأَمْرُ فِي قُرَيْشٍ مَا بَقِيَ مِنْهُمُ اثْنَانِ". أخرجه الشيخان (¬3). [صحيح]. قوله: "في حديث ابن عمر لا يزال [330 ب] هذا الأمر في قريش ما بقي منهم اثنان". هو بمعنى الأمر وإلا فقد خرج الأمر عنهم من أكثر من مائتي سنة، ويحتمل أن يكون على ظاهره، لكنه مقيد بقوله في الحديث الآخر "ما أقاموا الدين ولم يخرج عنهم إلا وقد انتهكوا حرماته" قاله في "التوشيح". 4 - وَعَنْ سَفِينَةُ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "الخِلاَفَةُ فِي أُمَّتِي ثَلَاثُونَ سَنَةً، ثُمَّ مُلْكٌ بَعْدَ ذَلِكَ". قَالَ سَعِيْدُ بْنُ جَمْهَانَ: ثُمَّ قَالَ: أَمْسِكْ خِلاَفَةَ أَبِي بَكْرٍ، وَخِلاَفَةَ عُمَرَ وَخِلاَفَةَ عُثْمَانَ، وَخِلاَفَةَ عَليٍّ - رضي الله عنهم -، فَوَجَدْنَاهَا ثَلاَثِينَ سَنَةً. فَقِيْلَ: إِنَّ بَنِي أُمَيَّةَ يَزْعُمُونَ أَنَّ الخِلاَفَةَ فِيهِمْ، فَقَالَ: كَذَبُوا بَنُو الزَّرْقَاءِ، بَلْ هُمْ مُلُوكٌ مِنْ شَرِّ المُلُوكِ. أخرجه أبو داود (¬4)، والترمذي (¬5). [صحيح]. ¬

_ (¬1) قال الحافظ في "فتح الباري" (6/ 530): فاختلف في مفهومه فقيل: معناه أن من لم يكن حريصاً على الإمرة غير راغب فيها إذا حصلت له بغير سؤال تزول الكراهة فيها لما يرى من إعانة الله له عليها، فيأمن على دينه ممن كان يخاف عليه منها قبل أن يقع فيها. (¬2) قال الحافظ في "الفتح" (6/ 530): وقيل معناه أن العادة جرت بذلك، وأن من حرص على الشيء ورغب في طلبه قل أن يحصل له، ومن أعرض عن الشيء وقلت رغبته فيه يحصل له غالباً، والله أعلم. (¬3) أخرجه البخاري رقم (7140) ومسلم رقم (1820). (¬4) في "السنن" رقم (4646، 4647). (¬5) في "السنن" رقم (2225). =

والمراد ببني الزرقاء بنو مروان. قوله: "في حديث سفينة قال سعيد بن جهمان" بضم الجيم وسكون الميم وبالنون الأسلمي تابعي بصري [243/ أ]، وفي رواية: "الخلافة بعدي ثلاثون سنة, ثم تصير ملكاً عضوضاً" أي: يصيب الرعية منه عسف وظلم [فكأنهم] (¬1) يعضون فيه عضّاً. قوله: "فوجدناها ثلاثين سنة" يريد بأيام الحسن وهي ستة أشهر. قوله: "فقيل إن بني أمية ... " إلى آخره، لفظ "الجامع" فقال سعيد. قوله: "قال كذبوا" أي: قال سفينة، وفي رواية: "إنه لما قال سفينة "عليا" قال له سعيد: إنّ هؤلاء يزعمون أن علياً ليس بخليفة، قال: كذبت أستاه بني الزرقاء - يعني بني مروان -. قوله: "كذبوا بنو الزرقاء" الزرقاء كما قال ابن الأثير (¬2) هي بنت موهب جدة مروان بن الحكم، وكانت من بغايا الجاهلية ذوات الرايات. انتهى. وقال الأصفهاني في كتاب "الأمثال" (¬3): الزرقاء هي أم أمية بن عبد شمس، واسمها أرنب الأمثال، قال: وكانت في الجاهلية من ذوات الرايات. قال السهيلي (¬4): وقد نهي عن الطعن في الأنساب ولو لم يجب الكف عن سب [331 ب] بني أمية إلا لأجل عثمان بن عفان لكان حرياً بذلك. ¬

_ = • وأخرجه أحمد (5/ 220) والنسائي في "الكبرى" رقم (8155 - العلمية) وابن حبان في "صحيحه" رقم (6943، 6657) والبزار في "مسنده" رقم (3828، 3829) والطبراني في "الكبير" رقم (136، 6443، 6444) والحاكم (3/ 245). وهو حديث صحيح، والله أعلم. (¬1) في (أ) كأنهم. (¬2) في "تتمة جامع الأصول" (1/ 425 - قسم التراجم). (¬3) لم أقف عليه في كتاب الأمثال في الحديث النبوي، للأصبهاني. (¬4) انظر "الروض الأنف" (4/ 174).

5 - وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يَزَالُ هَذَا الدِّينُ عَزِيزًا مَنِيعًا إِلَى اثْنَيْ عَشَرَ خَلِيفَةً كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ، قِيْلَ: ثُمَّ يَكُونُ مَاذَا؟ قَالَ: ثُمَّ يَكُونُ الهْرَجُ". أخرجه الخمسة (¬1) إلا النسائي إلى قوله من قريش. [صحيح]. وأخرج باقيه أبو داود (¬2) "الْهَرْجُ" (¬3): الفتنة والاختلاط. [صحيح]. قوله: "إلى اثني عشر خليفة كلهم من قريش" قال القاضي عياض (¬4): هذا مخالف لحديث "الخلافة عن بعدي ثلاثون سنة" فإنه لم يكن في ثلاثين سنة إلا الخلفاء الراشدون الأربعة, والأشهر التي بويع فيها الحسن بن علي - رضي الله عنه -. وجوابه (¬5): أن المراد بحديث "الخلافة بعدي ثلاثون سنة" خلافة النبوة، كما جاء مفسراً في بعض الروايات "خلافة النبوة بعدي ثلاثون سنة ثم تكون ملكاً" ولم يشترط هذا في الاثني عشر. قال (¬6): ويحتمل أن يكون المراد بالإثني عشر هذا العدد مستحقي الخلافة العادلين، وقد مضى منهم من علم الله، ولا بد من تمام هذا العدد قبل قيام الساعة. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (7222، 7223) ومسلم رقم (1821) والترمذي رقم (2223) وأحمد في "المسند" (5/ 87، 90, 92، 95، 97، 99، 101، 107، 108) وأبو داود رقم (4279، 4280) وهو حديث صحيح. (¬2) في "السنن" رقم (4280). (¬3) النهاية في "غريب الحديث" (2/ 901) "الفائق" للزمخشري (4/ 102). (¬4) في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (6/ 217 - 218). (¬5) قاله القاضي عياض في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (6/ 217). (¬6) قاله القاضي عياض في "الإكمال" (6/ 217).

قال (¬1): وقد يكون المراد من يعز الإسلام في زمنه ويجتمع المسلمون عليه كما جاء في "سنن أبي داود" (¬2): "كلهم تجتمع عليه الأمة" [وهذا قد وجد قبل اضطراب بني أمية واختلافهم في زمن يزيد بن الوليد وخرج عليه بنو العباس] (¬3) ويحتمل وجوهاً أخر، والله أعلم بمراد نبيه - صلى الله عليه وسلم -. قال الحافظ ابن حجر (¬4): كلام القاضي عياض أحسن ما قيل في الحديث وأرجحه، وقد تشعب الكلام فيه من أول تاريخ الخلفاء. وقال ابن حجر في "الصواعق" ما حاصله: إن حديث "الخلافة ثلاثون سنة" أي: الكاملة والخلافة تطلق على الملك وهي المراد، هذا معنى كلامه وهو يلاقي لفظ "خلافة النبوة". واعلم أن الحافظ السيوطي عين الاثنتي عشر وعد منهم يزيد بن معاوية وغيره من جبابرة المروانية وقد رددنا عليه في رسالة مستقلة أتينا فيها أنه لا سبيل إلى تعيينهم [332 ب] لأنه أمر فعلي ولم يأت عنه - صلى الله عليه وسلم - حرف واحد بتعيينهم، فالواجب الإيمان بصدقه - صلى الله عليه وسلم - وإن لم نعرف أعيانهم. ¬

_ (¬1) قاله القاضي عياض في "الإكمال" (6/ 217). (¬2) في "السنن" رقم (4279) وهو حديث صحيح. (¬3) كذا في (أ. ب) داليك نص كلام القاضي من "الإكمال"، حيث قال: وهذا قول قد وجد فيمن اجتمع عليه إلى أن اضطرب أمر بني أمية, واختلفوا وتقاتلوا زمن يزيد بن الوليد على الوليد بن يزيد، واتصلت فتونهم، وخرج عليهم بنو العباس فاستأصلوا أمرهم، وهذا العدد موجود صحيح إلى حين خلافتهم إذا اعتبر. (¬4) في "فتح الباري" (13/ 212 - 213).

الفصل الثاني: في من تصلح إمامته وإمارته

الفصل الثاني: في من تصلح إمامته وإمارته 1 - عن أبي سعيد - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا بُويعَ لخَلِيْفَتَيْنِ فَاقْتُلُوا الْآَخِرَ مِنْهُمَا". أخرجه مسلم (¬1). [صحيح]. قوله: "في حديث أبي سعيد فاقتلوا الآخر منهما" ظاهر الحديث أن الآخر باغٍ ومثير فتنة، وأنه إذا لم يندفع شره إلا بقتله قتل، وهو شامل له قوله تعالى: {فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي} (¬2) ويوضحه حديث عرفجة بن شريح عند مسلم (¬3) أيضاً كما يأتي قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فاقتلوه" أخرجه مسلم (¬4) من طريق يونس بن أبي يعفور عن أبيه عن زياد بن [علاقة] (¬5) عن عرفجة. وروى مسلم (¬6) وأبو داود (¬7) والنسائي (¬8) من ثمان طرق، لمسلم (¬9) منها ست طرق كلها عن زياد بن علاقة عن عرفجة سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهم جميع فاضربوا رأسه بالسيف كائناً من كان". ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (1852) وهو حديث صحيح. (¬2) سورة الحجرات الآية (9). (¬3) في "صحيحه" رقم (60/ 1852). (¬4) في "صحيحه" رقم (60/ 1852). (¬5) في (ب) علامة، والصواب ما أثبتناه من (أ) ومصادر الحديث. (¬6) في "صحيحه" رقم (59/ 1852). (¬7) في "السنن" رقم (4762). (¬8) في "السنن" رقم (4020، 4022). (¬9) في "صحيحه" رقم (59 - 60/ 1852).

وزياد بن علاقة متفق عليه عند الجماعة ولم يتكلم عليه بشيء، وعرفجة صحابي (¬1) كوفي مشهور، روى عنه، جماعه فالحديث صحيح بالرواية الثابتة على شرط الجماعة، والله أعلم. وأما حديث "الأئمة من قريش"، الذي تقدم أول الباب فقال الحافظ ابن حجر أنه قد جمع فيه تأليفاً سمّاه: "لذة العيش بطرق الأئمة من قريش" (¬2). 2 - وَعَنْ عَرْفَجَةَ بْن شُرَيح - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مَنْ أَتَاكُمْ وَأَمْرُكُمْ جَمِيعٌ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ يُرِيدُ أَنْ يَشُقَّ عَصَاكُمْ، أَوْ يُفَرِّقَ جَمَاعَتَكُمْ فَاقْتُلُوهُ". أخرجه مسلم (¬3). [صحيح]. 3 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -: "كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمُ الأَنْبِيَاءُ - عليهم السلام -، كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ، وَإِنَّهُ لاَ نَبِيَّ بَعْدِى، وَسَيَكُونُ خُلَفَاءُ فَيَكْثُرُونَ، قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: أَوْفُوا بِبَيْعَةِ الأَوَّلِ, ثُمَّ أَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ، وَاسْأَلُوا الله تَعَالَى الَّذِي لَكُمْ، فَإِنَّ الله تَعَالَى سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ". أخرجه الشيخان (¬4). [صحيح]. قوله: "في حديث أبي هريرة تسوسهم الأنبياء" أي: يتولون [أمروهم] (¬5) كما يفعل [333 ب] الأمراء والولاة بالرعية. ¬

_ (¬1) انظر "التقريب" (2/ 18 رقم 151). (¬2) وهو "لذة العيش بطرق حديث الأئمة من قريش"، جزء ضخم. انظر: الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر (2/ 675). (¬3) في "صحيحه" رقم (1852) وهو حديث صحيح. وأخرجه أحمد في "المسند" (4/ 261، 341) (5/ 23 - 24). (¬4) أخرجه البخاري رقم (3455) ومسلم رقم (44/ 1842)، وأخرجه أحمد (2/ 297). (¬5) في (ب) أمرهم.

والسياسة [القيام] (¬1) على الشيء بما يصلحه، وفي هذا الحديث جواز أن يقال: هلك فلان إذا مات، وقال الله تعالى: {حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا} (¬2). قوله: "فيكثر" بالمثلثة من الكثرة هذا هو الصواب، قال القاضي (¬3): وضبطه بعضهم فيكبر بالباء (¬4) الموحدة، كأنه من إكبار قبيح فعالهم وهذا تصحيف. وفي هذا الحديث معجزة ظاهرة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومعنى هذا الحديث: إذا بويع لخليفة بعد خليفة فبيعة الأول صحيحة, يجب الوفاء بها وبيعة الثاني باطلة يحرم الوفاء بها، ويحرم عليه طلبها وسواءً عقدوا للثاني عالمين بعقد [الأول] (¬5) أم جاهلين، وسواء كانا [244/ أ] في بلد أو بلدين، أو أحدهما في بلد الإمام المنفصل، والآخر في غيره، هذا [هو] (¬6) الصواب الذي عليه أصحابنا وجماهير العلماء، قاله النووي في "شرح مسلم". ¬

_ (¬1) في (أ. ب) رسمت السا، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬2) سورة غافر (34). قال الحافظ في "الفتح" (6/ 497): قوله: (تسوسهم الأنبياء): أي: أنهم كانوا إذا ظهر فيهم فساد بعث الله لهم نبياً يقيم لهم أمرهم ويزيل ما غيروا من أحكام التوراة، وفيه إشارة إلى أنه لا بد للرعية من قائم بأمورها يحملها على الطريق الحسنة، وينصف المظلوم من الظالم. (¬3) في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (6/ 250) حيث قال: وضبطه: "فتكثر" كأنه من إكثار قبيح أفعالهم وما ينكر منهم. (¬4) لم أقف عليه في "إكمال المعلم بفوائد مسلم"، وذكره النووي في شرحه لـ "صحيح مسلم" (12/ 231). (¬5) في (أ. ب) الأولين، وما أثبتناه من شرح "صحيح مسلم". (¬6) سقطت من (ب).

4 - وعن أنس - رضي الله عنه - قَالَ: استَخْلَفَ رَسُولِ - صلى الله عليه وسلم - ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ عَلَى المَدِينَةِ مَرَّتَيْنِ. أخرجه أبو داود (¬1). [صحيح]. قوله: "في حديث أنس استخلف ابن أم مكتوم" قال ابن الأثير (¬2): هو عمرو بن قيس ابن زائدة من بني عامر بن لؤي القرشي، وقيل اسمه: عبد الله بن عمرو، والأول أكثر وأشهر، وأم مكتوم اسمها عاتكة بنت عبد الله المخزومية، وهو ابن خال خديجة بنت خويلد أسلم قديماً بمكة, وكان من المهاجرين الأولين مع مصعب بن عمير. قوله: "مرتين" قال ابن الأثير (¬3): إنه استخلفه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاث عشرة مرة في غزواته على المدينة، وكان ضريراً مات بالمدينة وقيل: قتل شهيداً بالقادسية. انتهى. فقوله "مرتين" لا مفهوم له، قيل: ويحتمل أنه استخلفه مرتين على المدينة وباقي المرات استخلفه على الصلاة لكنه [334 ب] قال أبو عمر بن عبد البر في "الاستيعاب" (¬4): أنه - صلى الله عليه وسلم - استخلف ابن أم مكتوم على المدينة ثلاثة عشر مرة وعدّها. ثم قال: وأما رواية قتادة عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استخلفه مرتين، فلم يبلغه ما بلغ غيره. انتهى. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (2931) وهو حديث صحيح. (¬2) في "أسد الغابة" (4/ 251 رقم 4011). (¬3) في "أسد الغابة" (4/ 251 رقم 4011). انظر: "شذرات الذهب", و"الطبقات الكبرى" (1/ 53). (¬4) (ص 493 - 494) الأعلام.

وقال الخطابي (¬1): إنما ولاه الصلاة بالمدينة دون القضايا والأحكام؛ لأن الضرير لا يجوز له أن يقضي بين الناس؛ لأنه لا يدرك الأشخاص ولا يثبت الأعيان (¬2)، وإنما ولاه الإمامة إكراماً له وإجلالاً لما عاتبه الله في أمره بقوله: {عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى (2)}، وفيه دليل على أن إمامة الضرير غير مكروهة. انتهى. وترجم له في "الاستيعاب" فيمن اسمه عبد الله (¬3) وفيمن اسمه عمرو (¬4)؛ لأنه قد وقع خلاف في اسمه. 5 - وَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّهُ قَالَ: لَقَدْ نَفَعَنِي الله تَعَالَى بِكَلِمَةٍ سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - أَيَّامَ الجَمَلِ، بَعْدَ مَا كِدْتُ أَنْ أَلْحَقَ بِأَصْحَابِ الجَمَلِ فَأُقَاتِلَ مَعَهُم، قَالَ لمَّا بَلَغَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ أَهْلَ فَارِسَ مَلَّكُوا عَلَيْهِمْ بنْتَ كِسْرَى, قَالَ: "لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً". أخرجه البخاري (¬5) والترمذي (¬6) والنسائي (¬7). [صحيح]. ¬

_ (¬1) في "معالم السنن" (3/ 345 - مع "السنن"). (¬2) وتمام العبارة من المعالم: ولا يدري لمن يحكم وعلى من يحكم, وهو مقلد في كل ما يليه من هذه الأمور, والحكم بالتقليد غير جائز، وقد قيل إنه - صلى الله عليه وسلم - ... . (¬3) رقم (1474). (¬4) برقم (1750). (¬5) في "صحيحه" رقم (4425، 7099). (¬6) في "السنن" (2262). (¬7) في "السنن" رقم (5388). وأخرجه أحمد (5/ 38، 43، 47، 51) والحاكم (3/ 118، 119)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (3/ 90) (10/ 117، 118) والبغوي في "شرح السنة" رقم (2486) والطيالسي رقم (878) والقضاعي في "مسند الشهاب" رقم (864, 865) من طرق. وهو حديث صحيح.

وزاد الترمذي (¬1): فَلمَّا قَدِمَتْ عَائِشَةُ الْبَصْرَةَ ذَكَرْتُ ذَلِكَ فَعَصَمَنِي الله تَعَالَى بِهِ. [صحيح]. قوله: "أبو بكرة" اسمه نفيع، مصغر بن مسروح (¬2)، وقيل: ابن الحارث بن كلدة وهو من ثقيف، وكان أبو بكرة يقول: أنا مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويأبى أن ينتسب، وكان قد نزل يوم الطائف من حصن الطائف وأسلم وأعتقه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع غلمان من غلمان أهل الطائف نزلوا إليه - صلى الله عليه وسلم - فأعتق الجميع، كان أبو بكرة من فضلاء الصحابة، وكان مثل النصل من العبادة، توفي بالبصرة سنة إحدى وقيل اثنتن وخمسين، وأوصى أن يصلي عليه أبو برزة الأسلمي فصلى عليه، وكان أولاده أشرافاً بالبصرة بالولايات والعلم، وله عقب كثير، قيل: أن رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - كناه بأبي بكرة؛ لأنه تعلق ببكرة من حصن الطائف فنزل إليه - صلى الله عليه وسلم -. قوله: "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة" هو دليل على العمل بالعموم، وأنه معنى لغوي تعرفه العرب بالسليقة؛ لأن لفظ "قوم" ولفظ "امرأة" (¬3) نكرتان وقعتا في سياق النفي فعمتا كل قوم وكل امرأة، والمراد الولاية في الأمور لعظائم فلا يعارضه قوله [335 ب] في الحديث الآتي: "والمرأة في بيت زوجها راعية وهي مسئولة عن رعيتها" (¬4). [قال الخطابي (¬5): اشتركوا - أي الإمام ومن ذكر في التسمية، أي في الوصف بالراعي، ورعايتهم مختلفة، فرعاية الإمام الأعظم حياطة الشريعة وإقامة الحدود والعدل في الحكم، ورعاية الرجل أهله بسياسة أمورهم وإيصال حقوقهم، ورعاية المرأة تدبير أمر البيت ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (2262). وهو حديث صحيح. (¬2) قاله ابن عبد البر في "الاستيعاب" (ص 782 - 783) رقم (285). (¬3) انظر "فتح الباري" (13/ 145 - 146). (¬4) وهو حديث صحيح وسيأتي نصه وتخريجه قريباً. (¬5) ذكره الحافظ في "الفتح" (3/ 113).

الفصل الثالث: في ما يجب على الإمام وعلى الأمير

والأولاد والخدم، والنصيحة للزوج في كل ذلك، ورعاية الخادم حفظ ما تحت يده والقيام بما يجب عليه من خدمته. انتهى (¬1)]. [قوله: "وكلكم مسئول عن رعيته" قيل: دخل في هذا العموم المنفرد الذي لا زوج له ولا خادم ولا ولد، فإنه يصدق عليه أنه راع على جوارحه حتى يعمل المأمورات، ويجتنب المنهيات فعلاً ونطقاً واعتقاداً (¬2)]. الفصل الثالث: في ما يجب على الإمام وعلى الأمير 1 - عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ, فَالإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ, وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ, وَالمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالخَادِمُ فِي مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، قَالَ: فَسَمِعْتُ هَؤْلَاءِ مِنَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَأَحْسِبُهُ قَالَ: وَالرَّجُلُ فِي مَالِ أَبِيهِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ". أخرجه الخمسة (¬3) إلا النسائي. قوله: "عن ابن عمر كلكم راع" الراعي هو الحافظ (¬4) المؤتمن الملتزم صلاح ما قام عليه وهو ما تحت نظره, فأفاد أن كل من بنظره شيء فإنه مخاطب بالقيام بمصالحه والعدل فيه في دينه ودنياه ومتعلقاته، وهو المراد من قوله "وكلكم مسئول عن رعيته" أي: يسأله الله عنها هل قام بما يجب عليه مما ذكر أو لا؟ ثم بيّن - صلى الله عليه وسلم - أحوال الرعاة بقوله: "فالإمام راع .... " إلى آخر الحديث، فالأول الراعي العام الذي كل راع من رعيته. ¬

_ (¬1) وحقها التأخير؛ لأنها شرح لحديث ابن عمر الآتي. (¬2) ما بين الحاصرتين متقدمة, وهي شرح لحديث ابن عمر الآتي. (¬3) أخرجه البخاري رقم (893) وأطرافه [2409، 2554، 2558، 2751، 5188، 5200، 7138] ومسلم رقم (1829) وأبو داود رقم (2928) والترمذي رقم (1705). (¬4) انظر "فتح الباري" (13/ 112 - 113).

قوله: "والمرأة راعية في بيت زوجها" قيل: فيه دليل (¬1) على سقوط القطع عن المرأة إذا سرقت من مال زوجها. قوله: "والرجل راع في أهل بيته [336 ب] " فيه دليل على أنه يقيم الحد على عبيده وإمائه، وقد جاء حديث "أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم" (¬2). 2 - وَعَنْ أَبِي مَرْيَمَ الأَزْدِيَّ - رضي الله عنه - قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى مُعَاوِيَةَ - رضي الله عنه - فَقَالَ: مَا أنْعَمَنَا بِكَ أَبَا فُلاَنٍ؟ قُلْتُ: حَدِيثًا سمِعْتُهُ مِنْ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - سَمِعْتُهُ يَقُولُ: "مَنْ وَلاَّهُ الله شَيْئًا مِنْ أَمُورِ المُسْلِمِينَ فَاحْتَجَبَ دُونَ حَاجَتِهِمْ وَخَلَّتِهِمْ وَفَقْرِهِمُ احْتَجَبَ الله تَعَالَى عَنْهُ دُونَ حَاجَتِهِ وَخَلَّتِهِ وَفَقْرِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"، قَالَ: فَجَعَلَ مُعَاوِيَةُ رَجُلًا عَلَى حَوَائِجِ النَّاسِ. أخرجه أبو داود (¬3) والترمذي (¬4). [صحيح]. "مَا أَنْعَمنَا بِكَ" يريد ما أعمدك إلينا، وما جاء بك، قال الخطابي (¬5): وإما يقال: ذلك لمن يعتد بزيارته ويفرح بلقائه. ¬

_ (¬1) قاله الخطابي في "معالم السنن" (3/ 342 - مع "السنن"). (¬2) وهو حديث صحيح لغيره. أخرجه أحمد (1/ 95) وأبو داود رقم (4473) والبيهقي في "السنن" (8/ 345) وعبد الرزاق رقم (13601) والبزار في "مسنده" رقم (762) والنسائي في "السنن الكبرى" رقم (7239، 7268) وأبو يعلى رقم (320) من طرق، من حديث علي - رضي الله عنه -. (¬3) في "السنن" رقم (2948). (¬4) في "السنن" رقم (1333). وهو حديث صحيح، والله أعلم. (¬5) قال الخطابي في "معالم السنن" (3/ 357 - مع "السنن"). =

قوله: "وعن أبي مريم الأزدي" اسمه عمرو بن مرة يروي حديثين هذا أحدهما والثاني في أعلام النبوة. قوله: "فجعل رجلاً على حوائج الناس" هذا مبني على أنه فهم أن المراد إبلاغ حوائج الناس إليه وإن لم يباشر ذلك وهو معلوم من المراد، فإنه ليس المراد إلا قضاء حوائج الناس بنفسه أو بواسطة. قوله (¬1): "لمن يعتد بزيارته ويفرح بلقائه" كأنه أخذه من قوله: "ما أنعمنا بك" فإنه دلّ أنه عدّ قدومه عليه نعمة. وفي "الجامع" (¬2) قال الخطابي (¬3): أحسبه مأخوذ من قولهم ونعمة عين، أي: قرة عين، وإنما يقال ذلك لمن يعتد بزيارته ويفرح بلقائه كأنه يقول: ما الذي أطلعك علينا وحبانا بلقائك، ومن ذلك قولهم: أنعم صباحاً - في التحية -. 3 - وَعَنْ اَبْنِ عَمْرٍو بْن الْعَاص - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ النّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ المُقْسِطِينَ عِنْدَ اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ، وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ، الَّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وَلُوا". أخرجه مسلم (¬4) والنسائي (¬5). [صحيح]. ¬

_ = قوله: (ما أنعمنا بك) يريد ما جاءنا بك أو ما أعملك إلينا، وأحسبه مأخوذاً من قوله (نعم ونعمة عين) أي قرة عين، وإنما يقال ذلك لمن يعتد بزيارته ويفرح بلقائه, كأنه يقول ما الذي أطلعك علينا وحيانا بلقائك، ومن ذلك قوله (أنعم صباحاً) هذا أو ما أشبهه من الكلام. (¬1) شرح كلام الخطابي في "معالم السنن" (3/ 357 - مع "السنن"). (¬2) (4/ 52). (¬3) في "معالم السنن" (3/ 357 - مع "السنن") وقد تقدم بنصه. (¬4) في "صحيحه" رقم (1827). (¬5) في "السنن" (8/ 221). =

قوله: "في حديث ابن [عمرو] (¬1) [245/ أ]: إن المقسطين عند الله يوم القيامة على منابر من نور". قال القاضي (¬2): يحتمل أنهم على منابر حقيقة ويحتمل أنه كنّى عن المنازل الرفيعة، قال النووي (¬3): والظاهر الأول وهو يتضمن المنازل الرفيعة والمنابر جمع منبر وسمي بذلك لارتفاعه. قوله: "عن يمين الرحمن" هو من أحاديث الصفات، قال القاضي (¬4): المراد بكونهم عن يمين الرحمن الحالة الحسنة (¬5) والمنزلة الرفيعة يقال: [337 ب] أتاه عن يمينه إذا جاءه من الجهة المحمودة، والعرب تنسب المحمود والأحسن إلى اليمين، وضده إلى اليسار واليمين مأخوذة من اليمن. قوله: "وكلتا يديه يمين" قال القاضي (¬6) - أيضاً -: ¬

_ = وأخرجه أحمد (2/ 160) وابن حبان رقم (4484، 4485) والآجري في الشريعة (ص 322) والبيهقي في "السنن" (10/ 87) وفي الأسماء والصفات (ص 324). وهو حديث صحيح. (¬1) في (أ) عمر. (¬2) في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (6/ 227) حيث قال: أصل تسمية المنبر لارتفاعه, فيحتمل أن يكون (منابر) كما ذكر على وجهها، أو منازل رفيعة, وأماكن علية. (¬3) في شرحه لـ "صحيح مسلم" (12/ 211). (¬4) في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (6/ 227). (¬5) وهذا تأويل سيأتي توضيحه قريباً. (¬6) في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (6/ 228).

هو تنبيه على أنه ليس المراد الجارحة (¬1) تعالى الله عن ذلك. ¬

_ (¬1) اليدان: صفة ذاتية خبرية لله عز وجل، ونثبتها كما نثبت باقي صفاته تعالى، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، وهي ثابتة بالكتاب والسنة. • الدليل من الكتاب: - قال تعالى في سورة المائدة: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} [المائدة: 64]. - وقال تعالى: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: 75]. • الدليل من السنة: - أخرج مسلم رقم (2760) من حديث أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - مرفوعاً: "إن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها". - وأخرج البخاري رقم (3340) ومسلم رقم (194) - حديث الشفاعة - وفيه: " ... فيأتونه فيقولون: يا آدم! أنت أبو البشر، خلقك بيده ونفخ فيك من روحه ... ". - وأخرج البخاري رقم (7411) ومسلم رقم (993) وفيه: "يد الله ملآى لا يغيضها نفقة ... وبيده الأخرى الميزان يخفض ويرفع". • قال ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (6/ 263): "إن لله تعالى يدين مختصَّان به ذاتيتان له كما يليق بجلاله". • وقال أبو الحسن الأشعري في رسالة إلى أهل الثغر (ص 225): "أجمعوا على أنه عز وجل يسمع ويرى، وأن له تعالى يدين مبسوطتين". • وقال أبو بكر الإسماعيلي في "اعتقاد أئمة الحديث" (ص 51): "وخلق آدم عَلَيْهِ السَّلَامُ بيده, ويداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء، بلا اعتقاد كيف يداه, إذ لم ينطق كتاب الله تعالى فيه بكيف". وتوصف يد الله عز وجل بأنها يمين، وهذا ثابت بالكتاب والسنة: • الدليل من الكتاب: - قال تعالى: {وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر: 67]. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = • الدليل من السنة: - أخرج البخاري رقم (7382) ومسلم رقم (2787) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: " ... ويطوي السماء بيمينه ... ". - وأخرج البخاري رقم (7430) ومسلم رقم (1014) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: "من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب، ولا يصعد إلى الله إلا الطيب، فإن الله يتقبلها بيمينه ... ". إن تعليل القائلين بأن إحدى يدي الله عز وجل يمين، والأخرى شمال وإنما نقول: كلتاهما يمين، تأدباً وتعظيماً، إذ الشمال من صفات النقص والضعف قول قوي وله وجه من النظر، إلا أننا نقول: إن صفات الله عز وجل توقيفية, وما لم يأت دليل صحيح صريح في وصف إحدى يدي الله عز وجل بالشمال أو اليسار، فإننا لا نتعدى قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "كلتاهما يمين". • وقد سئل المحدث الألباني في "مجلة الأصالة" العدد الرابع (ص 68): كيف نوفق بين رواية: "بشماله" الواردة في حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - في "الصحيح" وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "كلتا يديه يمين". فأجاب: لا تعارض بين الحديثين بادئ بدء، فقوله - صلى الله عليه وسلم -: " ... وكلتا يديه يمين" تأكيد لقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورة: 11]، فهذا الوصف الذي أخبر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تأكيداً للتنزيه، فيد الله ليست كيد البشر شمال ويمين، ولكن كلتا يديه سبحانه يمين. وأمر آخر: إن رواية "بشماله" شاذة كما بيّنتها في تخريج "المصطلحات الأربعة الواردة في القرآن" رقم (1) لأبي الأعلى المودودي، ويؤكد هذا أن أبا داود رواه وقال: "بيده الأخرى"، بدل: بشماله. وهذا القول الموافق لقوله - صلى الله عليه وسلم -:"كلتا يديه يمين". • وحديث عبد الله بن عمر عند مسلم رقم (24/ 2788) وفيه لفظة: "الشمال" تفرّد بها عمر بن حمزة بن عبد الله بن عمر بن الخطاب عن سالم عن ابن عمر؛ عمر بن حمزة ضعيف. فالحديث عند البخاري رقم (7412) من طريق عبيد الله عن نافع عن ابن عمر، وعند مسلم رقم (35/ 2788) من طريق عبد الله بن مقسم عن ابن عمر، وليس عندهما لفظة "الشمال". • وقد قال الحافظ البيهقي في "الأسماء والصفات" (2/ 55): "ذكر (الشمال) فيه تفرد به عمر بن حمزة عن سالم، وقد روى هذا الحديث نافع وعبيد الله بن مقسم عن ابن عمر، لم يذكرا فيه "الشمال"، وروي ذكر =

قوله: "الذين يعدلون ... " إلى آخره، يريد أن هذا الفضل إنما هو لمن عدل فيما تقلد من خلافة أو إمارة أو قضاء أو حسبة، أو نظر على يتيم أو صدقة أو وقف فيما يلزمه من حقوق أهله ونحو ذلك. 4 - وَعَنِ الحَسَنِ الْبَصْريّ عَنْ مَعْقِلَ بْنَ يَسَارٍ - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مَا مِنْ عَبْدٍ يَستَرْعِيهِ الله رَعِيَّةً يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إِلاَّ حَرَّمَ الله عَلَيْهِ الجَنَّةَ". أخرجه الشيخان (¬1). [صحيح]. وفي أخرى لمسلم (¬2) عن الحَسَنِ الْبَصْريّ: أَنَّ عَائِذَ بْنَ عَمْرٍو - رضي الله عنه -، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، دَخَلَ عَلَى عُبَيْدِ الله بْنِ زِيَادٍ فَقَالَ: أَيْ بُنَيَّ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: ¬

_ = الشمال في حديث آخر في غير هذه القصة إلا أنه ضعيف بمرة, تفرد بأحدهما جعفر بن الزبير، وبالآخر: يزيد الرقاشي، وهما متروكان، وكيف ذلك؟! وقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه سمى كلتي يديه يميناً. اهـ. - وأما حديث أبي الدرداء المرفوع: "خلق الله آدم حين خلقه, فضرب كتفه اليمين فأخرج ذرية بيضاء، كأنهم الذر، وضرب كتفه اليسرى فأخرج ذرية سوداء كأنهم الحمم، فقال للتي في يمينه إلى الجنة ولا أبالي، وقال للتي في يساره: إلى النار ولا أبالي. أخرجه عبد الله ابن الإمام أحمد في الستة رقم (1059) والبزار في "مسنده" رقم (2144 - كشف) وقال: إسناده حسن. فاعلم أن الضمير هنا يعود على آدم - عليه السلام -. (¬1) أخرجه البخاري رقم (7151) ومسلم رقم (228/ 142) وأخرجه أحمد (5/ 25). وهو حديث صحيح، والله أعلم. (¬2) في "صحيحه" رقم (23/ 1830). وأخرجه أحمد في "المسند" (5/ 64) وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (1093) وأبو عوانة (4/ 424 - 425) وابن حبان رقم (4511) والطبراني في "الكبير" (ج 18 رقم 26) والبيهقي في "السنن الكبرى" (8/ 161) من طرق. وهو حديث صحيح، والله أعلم.

"إِنَّ شَرَّ [الرِّعَاءِ] (¬1) الحُطَمَةُ, فَإِيَّاكَ أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ". فَقَالَ: اجْلِسْ، إِنَّمَا أَنْتَ مِنْ نُخَالَةِ أَصْحَابِ رَسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: وَهَلْ كَانَتْ لهمْ نُخَالَةٌ؟ إِنَّمَا كَانَتِ النُّخَالَةُ بَعْدَهُمْ وَفى غَيْرِهِمْ. [صحيح]. قوله: "في حديث الحسن البصري عن معقل بن يسار" الحديث له سبب كما في "الجامع" (¬2) وهو أن عبيد الله بن زياد عاد معقل بن يسار المزني في مرضه الذي مات فيه فقال معقل: إني محدثك حديثاً سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لو علمت أن لي حياة ما حدثتك، إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... الحديث. قوله فيه: "لو علمت أن لي حياة" قال النووي (¬3): يحتمل أنه كان يخاف على نفسه قبل هذا الحال ورأى وجوب تبليغ العلم الذي عنده قبل موته لئلا يكون مضيعاً له، وقد أمرنا كلنا بالتبليغ. انتهى. قوله: "في حديث عائذ بن عمرو" (¬4) بالمثناة التحتية وبالذال المعجمة، هو أبو هبيرة بضم الهاء وفتح الموحدة، هو من أصحاب الشجرة سكن البصرة، وحديثه في البصريين. [338 ب]. قوله: "يموت يوم يموت" فيه دليل على أنّ التوبة قبل حالة الموت تنفع. ¬

_ (¬1) في (ب) الرعاة. (¬2) (4/ 54). (¬3) في شرحه لـ "صحيح مسلم" (12/ 126). (¬4) انظر "التقريب" (1/ 390 رقم 78).

قوله: "إلا حرم الله عليه الجنة" أي: دخلوها، قال النووي (¬1): إنه يحتمل وجهين أحدهما: أن يكون مستحلاً لغشهم فتحرم عليه الجنة ويخلد في النار. والثاني: أنه لا يستحله فيمنع من دخولها أول وهلة مع الفائزين، وفي هذا دليل على وجوب النصيحة على الوالي لرعيته والاجتهاد في مصالحهم، والنصيحة لهم في دينهم ودنياهم. قوله: "في حديث الحسن - أيضاً - الحطمة" (¬2) بالحاء المهملة بوزن الهمزة, قالوا: هو العنيف في رعيته لا يرفق بها في سوقها ومرعاها، بل يحطمها في ذلك في سقيها وغيره ويرجم بعضها ببعض بحيث يؤذيها ويحطمها. قوله: "إنما أنت من نخالتهم" (¬3) يريد لست من فضلائهم وعلمائهم، وأهل المراتب منهم بل من سقطهم، والنخالة والحثالة والحشافة بمعنى واحد. قوله: "وهل كانت لهم نخالة، إنما النخالة بعدهم وفي غيرهم" قال النووي (¬4): هذا من جزل الكلام وفصيحه، وصدقه الذي ينقاد له كل مسلم، فإن الصحابة - رضي الله عنهم - كلهم هم صفوة الناس وسادات الأمة، وأفضل ممن بعدهم وكلهم عدول قدوة لا نخالة فيهم، وإنما التخليط ممن بعدهم وفيمن بعدهم كانت النخالة. انتهى. والنخالة بضم النون والخاء المعجمة هي قشور الدقيق وهي استعارة هنا. 5 - وَعَنْ عَدِىِّ بْنِ عَمِيرَةَ الْكِنْدِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ عَلَى عَمَلٍ فَكَتَمَنَا مِخْيَطًا فَمَا فَوْقَهُ كَانَ غُلُولاً يَأْتِي بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ", فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالَ: ¬

_ (¬1) في شرحه لـ "صحيح مسلم" (12/ 214 - 215). (¬2) انظر "النهاية في غريب الحديث" (1/ 393) "الفائق" للزمخشري (1/ 291). (¬3) انظر "النهاية في غريب الحديث" (2/ 723)، "غريب الحديث" للهروي (4/ 500). (¬4) في شرحه لـ "صحيح مسلم" (12/ 217).

اقْبَلْ عَنِّى عَمَلَكَ يَا رَسُولَ الله، قَالَ: "وَمَا لَكَ؟ " قَالَ: سَمِعْتُكَ تَقُولُ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: "وَأَنَا أَقُولُهُ الآنَ مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ مِنْكُمْ عَلَى عَمَلٍ فَلْيَجِئْ بِقَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ فَمَا أُوتِيَ مِنْهُ أَخَذَ، وَمَا نُهِىَ عَنْهُ انْتَهَى". أخرجه مسلم (¬1). [صحيح]. قوله: "في حديث عدي (¬2) [339 ب] بن عميرة" بفتح المهملة وكسر الميم وفتح الراء، صحابي سكن الكوفة ثم سكن الجزيرة ومات بها. قال القاضي (¬3): لا يعرف أحد في الرجال يقال له عميرة بالضم، بل كلهم بالفتح، وجاء في النساء الأمران. قوله: "مخيطاً" بكسر الميم وسكون الخاء، الإبرة, و"الغلول" السرقة من الغنيمة والفيء. 6 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ أَحَبَّ النَّاسِ إِلَى الله تَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَدْنَاهُمْ مِنْة مَجْلِسًا إِمَامٌ عَادِلٌ، وَأَبْغَضَ النَّاسِ إِلَى الله يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَبْعَدَهُمْ مِنْهُ مَجْلِسًا إِمَامٌ جَائِرٌ". أخرجه الترمذي (¬4). [ضعيف]. ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (1833). وأخرجه أبو داود رقم (3581) وأحمد (4/ 192). وهو حديث صحيح، والله أعلم. (¬2) انظر "التقريب" (2/ 17 رقم 140). (¬3) في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (6/ 239). (¬4) في "السنن" رقم (1329). وأخرجه أحمد (3/ 22) والقضاعي رقم (1305) والبغوي في "شرح السنة" رقم (2472) وأبو يعلى رقم (1003). وهو حديث ضعيف, والله أعلم.

الفصل الرابع: في كراهية الإمارة

الفصل الرابع: في كراهية الإمارة 1 - وَعَنْ المِقْدَامِ بْنِ مَعْدِ يكَرِبَ - رضي الله عنه - قَالَ: ضَرَبَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - مَنْكِبِي وَقَالَ: "أَفْلَحْتَ يَا قُدَيْمُ، إِنْ مُتَّ وَلَمْ تَكُنْ أَمِيرًا، وَلاَ كَاتِبًا، وَلاَ عَرِيفًا". أَخرجه أبو داود (¬1). [ضعيف]. قوله: "يا قديم" هو تصغير مقدام، تصغير الترخيم بحذف زوائده من الميم والألف؛ لأنه من قدم والتصغير هنا للتلطف وحسن الخطاب من باب يا بني، والحديث خطاب منه - صلى الله عليه وسلم - للمقدام بن معد يكرب الراوي. قوله: "ولم تكن أميراً" جملة حالية من فاعل مت، أي: نلت الفلاح إن مت والحال ما فكر من عدم اتصافك بالإمارة, والأمير من يلي أمور الناس يأمرهم وينهاهم، فعيل بمعنى فاعل، وإنما علّق الفلاح بذلك لما في الإمارة من الخطر الذي لا يكاد ينجو منه أحد. قوله: "ولا كاتبًا" أي: للسلطان وفروعه لما فيه من الخطر؛ لأن كاتب الأمير يده ولسانه. قوله: "ولا عريفاً" بعين مهملة وراء مكسورة مشددة ومثناة تحتية، وما في "النهاية" (¬2) أنه القيم بأمور القبيلة والجماعة من الناس، يلي أمورهم [246/ أ] ويتعرف الأمير منه أموالهم [340 ب] فعيل بمعنى فاعل والحديث تحذير عن الإمارة ومتعلقاتها. 2 - وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ - رضي الله عنه - قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسولَ الله! أَلاَ تَسْتَعْمِلُنِي، فَضَرَبَ بِيَدهِ عَلَى مَنْكِبِي، ثُمَّ قَالَ: "يَا أَبَا ذَرٍّ! إِنَّكَ ضَعِيفٌ, وَإِنَّهَا أَمَانَةٌ, وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ, إِلَّا مَنْ أخَذَهَا بِحَقِّهَا, وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا". ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (2933) وهو حديث ضعيف. (¬2) "النهاية في غريب الحديث" (3/ 190). وانظر: "المجموع المغيث" (2/ 428).

أخرجه مسلم (¬1)، وأبو داود (¬2). [صحيح]. ولأبي داود في أخرى (¬3): "يَا أَبا ذَرٍّ! إِنِّي أَرَاكَ ضَعِيفًا، وَإِنِّي أُحِبُّ لَكَ مَا أُحِبُّ لِنَفْسِي، لاَ تَأَمَّرَنَّ عَلَى اثْنَيْنِ وَلاَ تَوَلَّيَنَّ مَالَ يَتِيمٍ". [صحيح]. وله (¬4) في أخرى قال: قَالَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ الْعِرافَة حَقٌّ، وَلَا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ عُرَفاءَ، وَلَكِنَّ الْعُرَفاءَ فِي النَّارِ". [ضعيف]. قوله: "في حديث أبي ذر يا أبا ذر [إني] (¬5) أراك ضعيفا" الحديث، قال النووي في "شرح مسلم" (¬6): هذا الحديث أصل عظيم في اجتناب الولاية سيما لمن كان فيه ضعف عن القيام بوظائف تلك الولاية، وأمّا الخزي والندامة فهو لمن لم يكن [أهلاً] (¬7) لها، أو كان أهلاً ولم يعدل فيها فيخزيه الله يوم القيامة ويفضحه ويندم على ما كان فرط، وأمّا من كان أهلاً للولاية وعدل فيها فله فضل عظيم تظاهرت به الأحاديث الصحيحة كحديث "سبعة يظلهم الله في ظله" (¬8) والحديث "إنّ المقسطين على منابر من نور" (¬9) وغير ذلك. ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (16/ 1825). (¬2) في "السنن" رقم (2868). وأخرجه أحمد (5/ 173). وهو حديث صحيح. (¬3) في "السنن" رقم (2868). (¬4) أي لأبي داود في "السنن" رقم (2934) بسند ضعيف؛ لجهالة الرجل الذي لم يسم، وجهالة أبيه وجده. وهو حديث ضعيف. (¬5) في (أ. ب) إنك، والصواب ما أثبتناه من نص الحديث. (¬6) (12/ 210 - 211). (¬7) في (ب) أهلها، وما أثبتناه من (أ) وشرح "صحيح مسلم". (¬8) تقدم وهو حديث صحيح. (¬9) تقدم وهو حديث صحيح.

وإجماع المسلمين منعقد عليه ولكثرة الخطر حذّره النبي - صلى الله عليه وسلم - منها، وكذا حذّر العلماء وامتنع خلائق من السلف وصبروا على الأذى حين امتنعوا. انتهى. قوله: "العرافة حق" قال في "النهاية" (¬1) بعد تفسير العريف بما قدّمناه قريباً أنّ العرافة عمل العريف، وقوله "حق" أي: مصلحة للناس ورفق في أمورهم وأحوالهم. وقوله: "العرفاء في النار" تحذير (¬2) من التعرض للرئاسة لما في ذلك من الفتنة وأنه إذا لم يقم بحقه أثم واستحق العقوبة. 3 - وَعَن عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَمُرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -: "يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ! لاَ تَسْأَلِ الإِمَارَةَ, فَإِنَّكَ إِنْ أُوتِيتَهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ وُكِلْتَ إِلَيْهَا، وإِنْ أُعْطِيْتُهَا مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْهَا، وإِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، فَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ, وَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ". أخرجه الخمسة (¬3). [صحيح]. قوله: "وعن عبد الرحمن [341 ب] بن سمرة" بن أبي حبيب بن عبد شمس، يكنى أبا سعيد، أسلم يوم "الفتح" كان (¬4) اسمه عبد الكعبة، فغيّر النبي - صلى الله عليه وسلم - اسمه. قوله: "وكلت إليها" أي: أسلمت إليها ولم يكن معك إعانة بخلاف ما إذا حصلت بغير مسألة، وفيه تحريم سؤال الولايات من القضاء والحسبة وغيرها، والحديث الآخر دل على أنه لا يجوز تولية من يسأل الإمارة أي حديث "إنا لا نولي عملنا من سأله أو حرص ¬

_ (¬1) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 190). (¬2) قاله ابن الأثير في "النهاية" (2/ 191). (¬3) أخرجه البخاري رقم (7147) ومسلم رقم (13/ 1652) وأبو داود رقم (2929) والترمذي رقم (1529) والنسائي رقم (5382) وأخرجه أحمد في "المسند" (5/ 62، 63) وهو حديث صحيح. (¬4) قال الحافظ في "التقريب" (1/ 483 رقم 965) وكان اسمه عبد كلال. وانظر "الاستيعاب" (ص 447 رقم 1534).

الفصل الخامس: في وجوب طاعة الإمام والأمير

عليه" (¬1)، وفيه دليل على أن من يسألها لم يكن له من الله إعانة، فلا يكون فيه كفاية لذلك العمل فلا ينبغي أن يولى ولا تحل توليته. ولا إله إلا الله فقد انقلبت الأمور الشرعية فصار لا يولى إلا من طلب الولاية وبالغ في طلبها، وبذل الرشوة فيها وتوصّل بالشفعاء. 4 - وَعَنْ أَبِي مُوسَى - رضي الله عنه - قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَا وَرَجُلاَنِ مِنْ بَنِي عَمِّى، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: يَا رَسُولَ الله! أَمِّرْنَا عَلَى بَعْضِ مَا وَلاَّكَ اللهُ تَعَالَى. وَقَالَ الآخَرُ: مِثْلَ ذَلِكَ، فَقَالَ: "إِنَّا وَالله لاَ نُوَلِّي هَذَا الْعَمَلِ أَحَدًا سَأَلَهُ أَوْ أَحَدًا حَرَصَ عَلَيْهِ". أخرجه الخمسة (¬2) إلا الترمذي. [صحيح]. قوله: "في حديث أبي موسى إنا والله لا نولي ... " الحديث، في إقسامه - صلى الله عليه وسلم - دليل تحريم تولية من طلب الولاية، ووجه تحريم ذلك ظاهر، فإنه لا يعان من الله تعالى عليها كما صرح به حديث عبد الرحمن بن سمرة، ومن لا يعينه الله لم يكن كفؤاً لما وليه بسؤال، ولا تحل ولاية من ليس بكفؤ، ولما في سؤاله من التهمة، ولما في حرصه من إظهار حب الرياسة. [342 ب]. الفصل الخامس: في وجوب طاعة الإمام والأمير 1 - عن أنس - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا، وإِنْ اسْتُعُمِلَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشيٌّ كَأَنَّ رَأْسَهُ زَبِيْبَةٌ, مَا أَقَامَ فِيكُمْ كِتَابَ اللهَ تَعَالَى". أخرجه البخاري (¬3). [صحيح]. ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد (4/ 393، 409) والبخاري رقم (7149) ومسلم رقم (14/ 1733) وسيأتي تقريباً. وهو حديث صحيح. (¬2) أخرجه البخاري رقم (7142، 7149) ومسلم رقم (14/ 1733) وأبو داود رقم (2930) والنسائي في "المجتبى" (8/ 224). (¬3) في "صحيحه" رقم (7142). وأخرجه أحمد (3/ 114). وهو حديث صحيح.

جعل "الزَّبِيبَةَ" (¬1) مثلاً في سواد رأس الأسود، وجعودة شعره. قوله: "في حديث أنس وإن استعمل " بضم المثناة على البناء للمجهول، أي: جعل عاملاً في ولاية عامة أو خاصة كإقامة الصلاة وجباية الخراج ونحو ذلك. قوله: "كأن رأسه زبيبة" بالزاي والموحدة، واحدة الزبيب المعروف المأكول شبه بذلك لصغر رأسه، وذلك معروف في الحبشة، وقيل: لسواده، وقيل: لقصر شعر رأسه وتعلفه، ولما تقرر أنّ الأئمة من قريش، فقيل: أراد - صلى الله عليه وسلم - هنا إذا ولاه الإمام، أو تغلب على البلاد بشوكته وجنده، ولا يجوز عقد الولاية له بعقد الاختيار؛ لأن من شرطها الحرية (¬2) ولكن شرط السمع [له] (¬3) والطاعة بقوله: "ما أقام فيكم كتاب الله" أي: ما عمل فيكم بالقرآن، وهكذا هو في "الجامع". لكن في البخاري (¬4) في كتاب الأحكام روى حديث أنس هذا وليس فيه لفظ: "ما أقام فيكم كتاب الله" وقال ابن حجر في "الفتح" (¬5): في شرح حديث أنس: ولمسلم (¬6) من حديث أم الحصين "اسمعوا وأطيعوا، ولو استعمل عليكم عبد يقودكم بكتاب الله". انتهى. ويدل على أنه ليس في البخاري ذكر التقييد بكتاب الله في رواية أنس وقد ذكر البخاري (¬7) حديث أنس في باب إمامة العبد في كتاب الصلاة وليس فيه التقييد أيضاً، فينظر ¬

_ (¬1) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (4/ 62). (¬2) انظر "البيان" للعمراني (13/ 20). "البناية في شرح الهداية" (8/ 4). (¬3) زيادة من (أ). (¬4) في "صحيحه" رقم (7142). (¬5) في "فتح الباري" (13/ 122). (¬6) في "صحيحه" رقم (1833). (¬7) في "صحيحه" رقم (693، 696).

هل ذكره في غير هذين المحلين وذكر التقييد، فإني لم أجده في البخاري، والذي في مسلم بلفظ [343 ب] "يقودكم بكتاب الله"، وابن الأثير و [تبعه] (¬1) المصنف أتيا بلفظ: "ما أقام فيكم كتاب [الله] " (¬2) ونسباه إلى البخاري. 2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ الله، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى الله، وَمَنْ يُطِعِ الأَمِيرَ فَقَدْ أَطَاعَنِي، وَمَنْ يَعْصِ الأَمِيرَ فَقَدْ عَصَانِي". أخرجه الشيخان (¬3) والنسائي (¬4). [صحيح]. قوله: "في حديث أبي هريرة من أطاعني فقد أطاع الله" وذلك؛ لأن الله أمر بطاعة رسوله، وأمر الرسول بطاعة الأمير فتلازمت الطاعة. قال الشافعي في "الأم" (¬5): كانت قريش ومن يليها [247/ أ] من العرب لا يعرفون الإمارة وكانوا يمتنعون من الأمراء، فقال - صلى الله عليه وسلم - هذا القول يحثّهم على طاعة من يؤمرهم عليهم والانقياد لهم وعدم الخروج عليهم لئلا تفترق الكلمة. 3 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -: "عَلَى المَرْءِ المُسْلِمِ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ فِيمَا أَحَبَّ وَكَرِهَ، إِلاَّ أَنْ يُؤْمَرَ بِمَعْصِيَةٍ, فَإِنْ أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلاَ سَمْعَ وَلاَ طَاعَةَ". أخرجه الخمسة (¬6). [صحيح]. ¬

_ (¬1) زيادة من (أ). (¬2) زيادة من (ب). (¬3) البخاري في "صحيحه" رقم (7137) ومسلم رقم (32/ 1835). (¬4) في المجتبى (7/ 154). (¬5) (7/ 496 - 497). (¬6) أخرجه البخاري رقم (7144) ومسلم رقم (38/ 1839) وأبو داود رقم (2626) والترمذي رقم (1707) وابن ماجه رقم (2864). =

قوله: "ما لم يؤمر بمعصية" هذا يقيد ما أطلق في الأحاديث من الأمر بالسمع والطاعة [ولو لحبشي] (¬1). قوله: "فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة" أي: لا يجب ذلك بل يحرم على من كان قادراً على الامتناع، وفي حديث معاذ عند أحمد (¬2) "لا طاعة لمن لم يطع الله" وعنده وعند البزار (¬3) من حديث عمران بن حصين والحكم بن عمرو الغفاري "لا طاعة في معصية الله". ¬

_ = وهو حديث صحيح. (¬1) زيادة من (أ). (¬2) في "المسند" (3/ 213) بسند ضعيف. وأخرجه البخاري في "التاريخ الكبير" (6/ 333) تعليقاً، وأبو يعلى في "المسند" رقم (4046) والضياء في "المختارة" رقم (2341). وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (5/ 225) وقال: رواه أحمد، وأبو يعلى، وفيه عمرو بن زينب ولم أعرفه، وبقية رجاله رجال الصحيح. قلت: وعمرو بن زينب تحرف والصواب عمرو بن زنيب تحريف، والصواب عمرو بن زينب. وقد ترجم له البخاري في "التاريخ الكبير" (6/ 332) وابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (6/ 233) وذكرا له اختلاف حديثه عليه, وأورده ابن حبان في "الثقات" (5/ 174) ["الفرائد على مجمع الزوائد" (ص 259 رقم 407)]. وهو حديث صحيح بشواهده. (¬3) في "مسنده" (رقم 1613 - كشف) وأخرجه أحمد (4/ 426) والطبراني في "المعجم الكبير" (ج 12 رقم 751) وابن أبي شيبة (6/ 544) والحاكم (3/ 443) وقال: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي، والطيالسي رقم (856) وعبد الرزاق رقم (20700)، وهو حديث صحيح بشواهده.

قال الحافظ ابن حجر (¬1): وسنده قوي وأما حديث الأمر بالسمع والطاعة ما لم تروا كفراً بواحاً، فالمراد بيان وقت خلع من رأوا منه كفراً بواحاً، وأنه يجب على كل مسلم القيام في ذلك فمن قدر على ذلك فله الثواب، ومن داهن فعليه الإثم، ومن عجز وجبت عليه الهجرة. وهذه الأحاديث في الخليفة الأمر بالمعصية، فإنها لا تجب طاعته فيها ولا ينعزل ويجب [344 ب] الخروج عليه بأمره بها. 4 - وَعَنْ عُمَرَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِخِيَارِ أُمَرَائِكُمْ وَشِرَارِهِمْ؟ خِيَارُهُمُ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ، وَتَدْعُونَ لهُمْ وَيَدْعُونَ لَكُمْ، وَشِرَارُ أُمَرَائِكُمُ: الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ، وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ". أخرجه الترمذي (¬2). [صحيح]. قوله: "في حديث عمر - رضي الله عنه - خياراً أمرائكم الذين تحبونهم ويحبونكم" وذلك أنه لا تلقى محبة الأمير في قلب رعيته إلا لعدله وحسن رعايته لرعيته, وقيامه بحق الله، وهو أيضاً لا يحبهم إلا لحسن انقيادهم للحق، فيلقي الله محبتهم في قلبه كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا (96)} (¬3)، وعكس ذلك في العصاة من الطائفتين. قوله: "أخرجه الترمذي". قلت: وقال (¬4): هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث محمد بن أبي حميد، ومحمد يضعف في الحديث. انتهى. ¬

_ (¬1) في "فتح الباري" (13/ 123). (¬2) في "السنن" رقم (2264) وهو حديث صحيح. (¬3) سورة مريم الآية (96). (¬4) في "السنن" (4/ 526).

5 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ خَرَجَ عَنِ الطَّاعَةِ, وَفَارَقَ الجَمَاعَةَ، فَمَاتَ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيّةً". أخرجه الشيخان (¬1). [صحيح]. وفي رواية: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ خَرَجَ عَنِ الطَّاعَةِ, وَفَارَقَ الجَمَاعَةَ، فَمَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً، وَمَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةٍ عُمِّيَّةٍ، يَغْضَبُ لِعَصَبَةٍ، أَوْ يَدْعُو إِلَى عَصَبَةٍ, أَوْ يَنْصُرُ عَصَبَةً, فَقُتِلَ فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ وَمَنْ خَرَجَ عَلَى أُمَّتِى يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا، وَلاَ يَتَحَاشَى مِنْ مُؤْمِنِهَا وَلاَ يَفِي بِعَهْدِ ذِي عَهْدِهَا، فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُ". أخرجه مسلم (¬2) والنسائي (¬3). [صحيح]. قوله: "في حديث أبي هريرة من فارق الجماعة". قال ابن الأثير (¬4): معناه كل جماعة عقدت عقداً يوافق الكتاب والسنة فلا يجوز لأحدهم أن يفارقهم في ذلك العقد فإن خالفهم فقد استحق الوعيد. قوله: "إلا مات ميتة جاهلية" أي: تشبه ميتة أهل الجاهلية من بعض الوجوه أي: من حيث أنه لا إمام لهم، و"ميتة" بكسر الميم أي حالة موتته كموت أهل الجاهلية, قيل: وهو وارد مورد الزجر والتنفير. قوله: "تحت راية عميّة" بكسر المهملة وضمها وكسر الميم مشددة، وبالمثناة التحتية مشددة، هو الأمر الأعمى الذي لا يستبين [345 ب] وجهه، قاله أحمد بن حنبل (¬5) وغيره. ¬

_ (¬1) البخاري في "صحيحه" رقم (4143) ومسلم رقم (1849) كلاهما من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -. (¬2) في "صحيحه" رقم (53/ 1848). (¬3) في "السنن" (7/ 133). (¬4) في "غريب الجامع" (4/ 69). (¬5) انظر "المغني" (12/ 238 - 240).

وفي "النهاية" (¬1) قيل: هو فعيلة من العماء الضلالة كالقتال في العصبية والأهواء. قوله: "يغضب لعصبية" الألفاظ الثلاثة بالعين والصاد المهملتين هذا هو الصواب، وحكى القاضي عياض (¬2) أنه بالضاد والغين المعجمتين في الألفاظ الثلاثة ومعناه: أنه لشهوة نفسه وغضبه لها. قوله: "لا يتحاشى" (¬3) أي: لا يكترث لفعله فيها ولا يخاف وباله وعقوبته. 6 - وعن أبي بكرة - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَهَانَ سُلْطَانَ الله فِي الْأَرْضِ أَهَانَهُ الله تَعَالَى". أخرجه الترمذي (¬4). [صحيح]. قوله: "من أهان سلطان الله في الأرض" المراد بالسلطان الدليل والبرهان، وسلطان الله في الأرض هو القرآن، فمن أهانه ولم يعمل به ولا قام بما أمر به ونهى عنه أهانه الله بكل نوع من الإهانة. ويحتمل أن يراد به الخليفة كما يدل له ذكر المحدثين له هنا، فالمراد به سلطان الحق الواجب الطاعة، وإهانته الإعراض عما يجب من امتثال أوامره واجتناب مخالفته، والخروج عليه وشق عصا المسلمين وعليه يدل سبب رواية أبي بكرة للحديث، فإنه قال زياد بن كسيب العدوي: كنت مع أبي بكرة تحت منبر ابن عامر وهو يخطب وعليه ثياب رقاق، فقال أبو بلال: انظروا إلى أميرنا يلبس ثياب الفساق، ويعظ فقال أبو بكرة، اسكت، سمعت رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - ... وذكر الحديث. ¬

_ (¬1) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 259). وانظر "غريب الحديث" للهروي (2/ 9). (¬2) في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (6/ 258). (¬3) انظر "النهاية في غريب الحديث" (1/ 458). (¬4) في "السنن" رقم (2224). وهو حديث صحيح، والله أعلم.

الفصل السادس: في أعوان الأئمة والأمراء [346 ب]

قوله: "أخرجه الترمذي". قلت: وقال (¬1): حسن غريب. الفصل السادس: في أعوان الأئمة والأمراء [346 ب] 1 - عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا أَرَادَ الله بِالأَمِيرِ خَيْرًا جَعَلَ لَهُ وَزِيرَ صِدْقٍ إِنْ نَسِيَ ذَكَّرَهُ، وَإِنْ ذَكَرَ أَعَانَهُ, وَإِذَا أَرَادَ الله بِهِ غَيْرَ ذَلِكَ جَعَلَ لَهُ وَزِيرَ سُوءٍ، إِنْ نَسِيَ لَمْ يُذَكِّرْهُ وَإِنْ ذَكَرَ لَمْ يُعِنْهُ". أخرجه أبو داود (¬2) والنسائي (¬3). [صحيح]. قوله: "في حديث عائشة إذا أراد الله بالأمير خيراً" إرادة الله الخير بعبده تفضل منه وإحسان جزاءً على عمل صالح أسلفه العبد أو نية حسنة، أو محض فضل منه تعالى، فإرادته الخير بالعبد من باب تيسير اليسرى الذي أفاده قوله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7)} (¬4)، وهو كزيادته الهدى لمن اهتدى {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى} (¬5). [248/ أ]. قوله: "بالأمير" هو ذو الإمارة والولاية، ولو على أهله كما سلف في حديث (¬6) "كلكم راع". ¬

_ (¬1) في "السنن" (4/ 507). (¬2) في "السنن" رقم (2932). (¬3) في "السنن" رقم (4204). وهو حديث صحيح. (¬4) سورة الليل الآية (5 - 7). (¬5) سورة محمد الآية (17). (¬6) تقدم وهو حديث صحيح.

قوله: "جعل له وزير صدق" في "الكشاف" (¬1): الوزير من الوزر؛ لأنه يتحمل عن الملك أوزاره ومؤنه، أو من الوزر؛ لأن الملك يعتصم برأيه ويلجئ إليه أموره، أو من المؤازرة وهي المعاونة. انتهى. وقوله: "صدق" أي صادق فالمصدر بمعنى اسم الفاعل وضع موضعه مبالغة، إن نسي الأمير ذكره الوزير ما نسيه من مصالح عباده ونفسه، وإن ذكر أعانه على فعل ما ذكره بيده ولسانه ونفسه. قوله: "وإذا أراد الله به غير ذلك" أي غير الخير، لم يقل: وإن أراد به شراً، كما أنه تعالى حكى عن الجن أنهم قالوا: {وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا (10)} (¬2) فعبروا عن صنعة إرادة الشر تأدباً. كذلك "جعل له وزير سوء" ووصفه بما هو كاشف بمعنى السوء بقوله "إن نسي لم يذكره" أي: مع أنه ذاكره لما نسيه الأمير، ويحتمل أنهما ينسيان معاً عقوبة لهما وخذلاناً ليفوت ما فيه صلاح دولتهما، وإن ذكر لم يعنه فلا يتم له مراده، وفيه أن الوزير هو القائد للأمير إلى الخير والشر. [قوله] (¬3): "أخرجه أبو داود والنسائي" زاد في "الجامع الصغير" (¬4): والبيهقي في [347 ب] "شعب الإيمان"، قال في "الرياض": رواه أبو داود على شرط مسلم، لكن جرى العراقي على ضعفه، وقال: ضعفه ابن عدي وغيره. ¬

_ (¬1) (4/ 79). (¬2) سورة الجن الآية (10). (¬3) زيادة من (أ). (¬4) رقم (302).

2 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا بَعَثَ الله تَعاَلىَ مِنْ نَبِيٍّ وَلاَ اسْتَخْلَفَ مِنْ خَلِيفَةٍ إِلاَّ كَانَتْ لَهُ بِطَانَتَانِ: بِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالمَعْرُوفِ وَتَحُضُّهُ عَلَيْهِ, وَبِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالشَّرِّ وَتَحُضُّهُ عَلَيْهِ, وَالمَعْصُومُ مَنْ عَصَمَ الله تَعَالَى". أخرجه البخاري (¬1) والنسائي (¬2). [صحيح]. قوله: "في حديث أبي سعيد وأبي هريرة إلا كانت له بطانتان" في "النهاية" (¬3): بطانة الرجل صاحب سره وداخلة أمره الذي يشاوره في أحواله. انتهى. والمراد أن لكل نبي وخليفة جلساء صالحون وجلساء على غير ذلك، فالبطانة الأولى تأمره بالمعروف، وتحضه عليه، والبطانة الأخرى بخلاف ذلك، والمعصوم من العصمة وهي المنعة، والعاصم المانع "من عصم الله" أي: منعه بإلطافه عن متابعة البطانة الطالحة. قال المهلب (¬4): غرضه إثبات الأمور لله، فهو الذي يعصم من نزغات الشياطين، فالمعصوم من عصمه الله لا من عصم نفسه. قال البخاري (¬5): "البطانة الدخلاء" وهو (¬6) بضم وفتح جمع دخيل، وهو الذي يدخل على الرئيس في مكان خلوته، ويفضي إليه بسره، ويصدقه فيما يخبره به مما يخفى عليه من أمر رعيته، ويعمل بمقتضاه. ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (6611، 7198). (¬2) في "السنن" رقم (4202). وهو حديث صحيح. (¬3) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 142). (¬4) ذكره الحافظ في "الفتح" (13/ 190). (¬5) في "صحيحه" (13/ 189 الباب رقم 42 - مع "الفتح". (¬6) قاله الحافظ في "الفتح" (13/ 190).

وقد استشكل (¬1) هذا التقسيم بالنسبة إلى النبي؛ لأنه وإن جاز عقلاً أن يكون فيمن يداخله [من يكون] (¬2) من أهل الشر لكنه لا يتصور منه أن يصغي إليه، ويعمل بقوله لوجود العصمة وأجيب: بأن في بقية الحديث الإشارة إلى سلامة النبي من ذلك بقوله: "والمعصوم من عصمه الله"، فلا يلزم من وجود من يشير على النبي بالشر أن يقبل منه. انتهى. وقيل: أراد بالبطانتين: القلب والنفس، فالقلب يأمر بالطاعة، والنفس تأمر بالمعصية، ولكل جنود، فأيهما غلب فيه مال الإنسان إلى ما غلب. والصحيح: أن البطانة خواص الإنسان الذين يستنبطون أمره, وجلساؤه، ومشاوروه, وأهل سره، والحديث تحذير للإنسان من خلطائه وجلسائه الذين يجرونه إلى الشر، وحث على العمل بما تدعو إليه بطانة الخير ومعرفة هذه من هذه أن كل من دعاه إلى الخير وحثه عليه فهو من بطانة الخير، ولا ينافي حديث "جعل له وزيراً صالحاً" لأن هذا مسوق لبيان أنه لا يخلو الإنسان [348 ب] عن أهل الشر ومخالطته لهم ودعوتهم له إلى الشر. 3 - وَعَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أُعِيذُكَ بِالله يَا كَعْبُ بْنَ عُجْرَةَ! مِنْ أُمَرَاءَ يَكُونُونَ مِنْ بَعْدِي، مَنْ غَشِىَ أَبْوَابَهُمْ وَصَدَّقَهُمْ فِي كَذِبِهِمْ، وَأَعَانَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ، فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُ، وَلاَ يَرِدُ عَلىَّ حَوْضَ، وَمَنْ لَمْ يَغْشَ أَبْوَابَهُمْ، وَلَمْ يُصَدِّقْهُمْ فِي كَذِبِهِمْ، وَلَمْ يُعِنْهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ، فَهُوَ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ, وَسَيَرِدُ عَلَىَّ الحَوْضَ، يَا كَعْبُ بْنَ عُجْرَةَ! الصَّلاَةُ بُرْهَانٌ، وَالصَّوْمُ جُنَّةٌ حَصِينَةٌ، وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ المَاءُ النَّارَ. يَا كَعْبُ بْنَ ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (13/ 190). (¬2) زيادة من "فتح الباري".

عُجْرَةَ! إِنَّهُ لاَ يَربُو لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ إِلاَّ كَانَتِ النَّارُ أَوْلَى بِهِ". أخرجه الترمذي (¬1)، وهذا لفظه والنسائي (¬2) بمعناه. [صحيح]. "السُّحْتُ" (¬3): الحرام من المكسب، والمطعم، والمشرب. قوله: "كعب بن عجرة" (¬4) بضم العين المهملة وسكون الجيم وبالراء، وعجرة هو ابن أمية بن عدي البلوي، بفتح الموحدة وفتح اللام، قيل: إنه حليف للأنصار، وقال الواقدي (¬5): ليس حليفاً لهم، بل هو من أنفسهم نزل الكوفة ومات بالمدينة سنة إحدى أو اثنتين أو ثلاث وخمسين. وألفاظ الحديث واضحة ومعناه الإخبار بأنه يكون بعده - صلى الله عليه وسلم - أمراء تحيف فحذّر من غشيان أبوابهم وهو الإتيان إليهم، ومن تصديقهم في كذبهم، ومن إعانتهم على ظلمهم، وأخبره أن الصلاة برهان أي: حجة للعبد على صحة إيمانه, والصوم حصن يتحصن به صاحبه من عذاب الله، والصدقة تطفئ الخطيئة؛ لأن الخطيئة نار في قلب العبد ونار في الآخرة في بدنه, وهو حث على الثلاثة. قوله: "أخرجه الترمذي وهذا لفظه" (¬6). ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (614). (¬2) في "السنن" رقم (4207). (¬3) ذكره ابن الأثير في "غريب الجامع" (4/ 77). (¬4) انظر "الاستيعاب" رقم (2173) والتقريب (2/ 135 رقم 48). (¬5) ذكره ابن عبد البر في "الاستيعاب" (ص 626 رقم 2173). (¬6) في "السنن" رقم (614) وهو حديث صحيح.

الباب الثاني: في ذكر الخلفاء الراشدين وبيعتهم - رضي الله عنهم -

قلت: صدره فيه (¬1): عن كعب بن عجرة قال: خرج إلينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن تسعة خمسة وأربعة أحد العددين من العرب والآخر من العجم قال: "اسمعوا: هل سمعتم أنه سيكون بعدي أمراء ... ". الحديث. قال الترمذي (¬2): هذا حديث صحيح (¬3) غريب لا نعرفه من حديث مسعر، إلا من هذا الوجه - إلى أن قال - وفي الباب عن حذيفة وابن عمر. [349 ب]. 4 - وَعَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَال كَثِيرِ بْنِ مُرَّةَ، وَعَمْرِو بْنِ الأَسْوَدِ, وَالمِقْدَامِ - رضي الله عنه - قَالَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا ابْتَغَى الأَمِيرَ الرِّيبَةَ فِي النَّاسِ أَفْسَدَهُمْ". أخرجه أبو داود (¬4). [صحيح لغيره]. "وَالرِّيبَةُ": التهمة، والمراد أن الإمام إذا اتَّهم رعيتَّه، وخامرهم بسوء الظن فيهم، أداهم ذلك إلى ارتكاب ما ظن فيهم ففسدوا (¬5). الباب الثاني: في ذكر الخلفاء الراشدين وبيعتهم - رضي الله عنهم - 1 - عَن ابْنَ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: أَنَّ عَلِيَّاً - رضي الله عنه - خَرَجَ مِنْ عِنْدِ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - فِي وَجَعِهِ الَّذِى تُوُفِّيَ فِيهِ، فَقَالَ النَّاسُ: يَا أَبَا الحَسَن! كَيْفَ أَصْبَحَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: أَصْبَحَ بِحَمْدِ الله بَارِئًا، فَأَخَذَ بِيَدهِ الْعَبَّاسُ - رضي الله عنه - فَقَالَ: أَنْتَ وَالله بَعْدَ ثَلاَثٍ عَبْدُ الْعَصَا، وَإِنِّي وَالله لأُرَى رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - سَيتَوَفَّى مِنْ وَجَعِهِ هَذَا، إِنِّي لأَعْرِفُ وُجُوهَ بَنِي عَبْدِ المُطَّلِبِ عِنْدَ المَوْتِ، فَاذْهَبْ بِنَا إِلَيْهِ ¬

_ (¬1) لم أقف عليه في "سنن الترمذي" هكذا. (¬2) (2/ 513). (¬3) بل قال الترمذي في "السنن" (2/ 513) بإثر الحديث رقم (614): هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، لا نعرفه إلا من حديث عبيد الله بن موسى. (¬4) في "السنن" رقم (4889) وهو حديث صحيح لغيره. (¬5) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (4/ 83).

نَسْأَلْهُ فِيمَنْ هَذَا الأَمْرُ، إِنْ كَانَ فِينَا عَلِمْنَاهُ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِنَا كَلَّمْنَاهُ فَأَوْصىَ بِنَا، فَقَالَ عَلِيٌّ - رضي الله عنه -: أَمَا وَالله لَئِنْ سَأَلْنَاهَا فَمَنَعَنَاهَا لاَ يُعْطِينَاهَا النَّاسُ بَعْدَهُ, وَإِنِّي وَالله لاَ أَسْأَلُهَا. أخرجه البخاري (¬1). [صحيح]. قوله: "عَبْدُ الْعَصى" (¬2) أي مقهور محكوم عليك ممن يتولى الخلافة. قوله: "في حديث ابن عباس بارئاً" اسم فاعل من برأ إذا أفاق من المرض. قوله: "لأرى" بفتح الهمزة من الاعتقاد وبضمها من الظن، وهذا قاله العباس مستنداً إلى التجربة. قوله: "وإني والله لا أسألها" أي: الخلافة، وفي رواية أنه قال علي - عليه السلام -: "وهل يطمع في هذا الأمر غيرنا؟ قال العباس: أظن والله سيكون. قوله: "لا يعطيناها الناس" ويحتجون بمنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إياهم. وفي رواية للشعبي مرسلة: "فلما قبض - صلى الله عليه وسلم - قال العباس لعلي: ابسط يدك أبايعك ويبايعك الناس فلم يفعل". وفي رواية (¬3): "قال علي: يا ليتني! أطعت عباساً، يا ليتني أطعت عباساً". قال عبد الرزاق (¬4): كان معمر يقول لنا: أيهما كان أصوب رأياً؟ فنقول: العباس، فيأبى ويقول: لو كان أعطاها عليا فمنعه الناس لكفروا. انتهى. ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (4447) وطرفه (6266). (¬2) قاله الحافظ في "الفتح" (8/ 143): وهو كناية عمن يصير تابعاً لغيره, والمعنى أنه يموت بعد ثلاث وتصير أنت مأموراً عليك، وهذا من قوة فراسة العباس - رضي الله عنه -. (¬3) قال الحافظ في "الفتح" (8/ 243): ورويناه في فوائد أبي الطاهر الذهلي، بسند جيد عن ابن أبي ليلى. (¬4) ذكره الحافظ في "الفتح" (8/ 143).

والحديث دليل أنه لم ينص - صلى الله عليه وسلم - على أحد بالخلافة بعده، إذ لو كان نص على أحد لما قال العباس لعلي - عليه السلام - بما قال، ولا أجاب عليه بما أجاب، وللناس خلاف طويل، وقال وقيل في هذه المسألة ولسنا بذكره نطيل [249/ أ]، ويأتي طرف من ذلك قريباً. [350 ب]. 2 - وَعَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ - رضي الله عنه - قَالَ: أَتَتْ امْرَأَةً النبيّ - صلى الله عليه وسلم - فَكَلَّمَتْهُ فِي شَيْءٍ فَأَمَرَهَا أَنْ تَرْجِعَ، فَقَالَتْ: فَإِنْ لَمْ أَجِدْكَ: كَأَنَّهَا تَعْنِى المَوْتَ. قَالَ "فَإِنْ لَمْ تَجِدِيني فَأْتِى أَبَا بَكْرٍ". أخرجه الشيخان (¬1) والترمذي (¬2). [صحيح]. قوله: "في حديث جبير بن مطعم كأنها تعني الموت" هذا ظنٌ من قائله، بل يحتمل أنها تريد: إن لم أجدك بارزاً للناس فأمرها أن تأتي أبا بكر؛ لأنه يبلغ إليه حاجتها، فقد كان أكثر الصحابة ملازمة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإن كانت أرادت الموت فقد علم - صلى الله عليه وسلم - بكل كائنة بعده، وعلم أن أبا بكر يلي أمر الأمة بإرادة الله وإن لم ينص - صلى الله عليه وسلم - على أنه الخليفة من بعده، فمن استدل به على أنه - صلى الله عليه وسلم - استخلف أبا بكر فلا يتم له الاستدلال. قال الحافظ ابن حجر (¬3) في قول عمر فيما أخرجه البخاري (¬4) وغيره (¬5): "إن استخلف فقد استخلف من هو خير مني أبو بكر، وإن أترك فقد ترك من هو خير مني رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - "، فيه رد على من جزم كالطبري [ومثل بكر بن عبد الواحد] (¬6)، وبعده ابن حزم: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استخلف أبا بكر، ووجهه جزم عمر بأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يستخلف. ¬

_ (¬1) البخاري في "صحيحه" رقم (3659) وطرفاه: (7220، 7360) ومسلم في "صحيحه" رقم (2386). (¬2) في "السنن" رقم (3677). (¬3) في "فتح الباري" (13/ 208). (¬4) في "صحيحه" رقم (7218). (¬5) في "صحيحه" رقم (1823). (¬6) كذا في المخطوط، والذي في "فتح الباري": وقبله بكر بن أخت عبد الواحد.

قال: لكن (¬1) تمسك من خالفه بإطباق الناس على تسمية أبي بكر خليفة رَسُولِ الله. قلت: ولا يخفى أن التسمية يكفي فيها أدنى ملابسة فإنه يصدق عليه أنه خليفة رسول الله، في إبلاغ الشرائع عنه وتنفيذها ونحو ذلك. قال ابن حجر (¬2): وقول الراوندية: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نص على العباس، وقول الرافضة (¬3): أنه نص على علي - عليه السلام - ووجه الرد عليهم إطباق الصحابة على مبايعة أبي بكر [وعلى طاعته] (¬4). قلت: وقول عمر "لم يستخلف" وتقرير الله له عليه، وتقرير الصحابة لكلامه، دليل أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يستخلف أحداً. [351 ب]. 3 - وَعَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: تُوُفِّيَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وَأَبُو بَكْرٍ - رضي الله عنه - بِالسُّنْحِ، فَقَامَ عُمَرُ - رضي الله عنه - يَقُولُ: وَاللهِ مَا مَاتَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ولَيَبْعَثَنَّهُ اللهُ تَعَالَى، فَيَقْطَعَنَّ أَيْدِيَ رِجَالٍ وَأَرْجُلَهُمْ، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ - رضي الله عنه -، فَكَشَفَ عَنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فقَبَّلَهُ وَقَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، طِبْتَ حَيًّا وَمَيِّتًا، وَالَّذِي نَفْسِى بِيَدِهِ لاَ يُذِيقُكَ اللهُ المَوْتَتَيْنِ أَبَدًا. ثُمَّ خَرَجَ فَقَالَ: أَيُّهَا الحَالِفُ عَلَى رِسْلِكَ، فَلمَّا تَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ جَلَسَ عُمَرُ - رضي الله عنهما - فَحَمِدَ اللهُ أَبُو بَكْر وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: أَلَا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللهَ فَإِنَّ الله حَيٌّ لاَ يَمُوتُ، وَتَلَا: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (30)} (¬5) , {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (13/ 208). (¬2) في "فتح الباري" (13/ 208). (¬3) تقدم التعريف بها، وانظر المفصل في الملل والأهواء والنحل، لابن حزم. (5/ 5، 13 - 19). (¬4) والعبارة في "الفتح" كما يلي: ثم على طاعته في مبايعة عمر، ثم على العمل بعهد عمر في الشورى، ولم يدع العباس ولا علي أنه - صلى الله عليه وسلم - عهد له بالخلافة. (¬5) سورة الزمر الآية (30).

عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (144)} (¬1)، فَنَشَجَ النَّاسُ يَبْكُونَ، وَاجْتَمَعَ الأَنْصَارُ إِلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ - رضي الله عنه - فِى سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ, فَقَالُوا مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ, فَذَهَبَ إِلَيْهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الجَرَّاحِ - رضي الله عنهم -، فَذَهَبَ عُمَرُ يَتكَلَّمُ، فَأَسْكَتَهُ أَبُو بَكْرٍ - رضي الله عنه -، فَكَانَ عُمَرُ - رضي الله عنه - يَقُولُ: وَالله مَا أَرَدْتُ بِذَاكَ إِلاَّ أَنِّي قَدْ هَيَّأْتُ كَلاَمًا أَعْجَبَني خَشِيتُ أَنْ لاَ يُبْلِغَهُ أَبُو بَكْرٍ، فتكَلَّمَ وَالله أَبُو بَكْرٍ، فَوَالله مَا زَوَّرْتُ فِي نَفْسِي كَلَامَاً إِلَّا وَأَتَى عَلَيْهِ وَأَبْلَغَ، وَكَانَ فِى كَلاَمِهِ: نَحْنُ الأُمَرَاءُ وَأَنْتُمُ الْوُزَرَاءُ، فَقَامَ حُبَابُ بْنُ المُنْذِرِ فَقَالَ: لاَ وَالله لاَ نَفْعَلُ، مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لاَ وَلَكِنَّا الأُمَرَاءُ وَأَنْتُمُ الْوُزَرَاءُ. زاد رزين: لَنْ يُعْرَفَ هَذَا الأَمْرُ إِلاَّ لِهَذَا الحيِّ مِنْ قُرَيْشٍ، هُمْ أَوْسَطُ الْعَرَبِ دَارَاً وَأَعْرَبُهُمْ أَحْسَابَاً، فَبَايِعُوا عُمَرَ، أَوْ أَبَا عُبَيْدَةَ، فَقَالَ عُمَرُ: بَلْ ونُبَايَعكَ أَنْتَ، فَأَنْتَ سَيِّدِنَا وَخَيْرُنَا وَأَحَبَّنَا إِلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَأَخَذَ عُمَرَ - رضي الله عنه - بِيَدِهِ فَبَايَعَهُ، وَبَايَعَهُ النَّاسُ، فَقَالَ قَائِلٌ: قَتَلْتُمْ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ، فَقَالَ عُمَرُ: قَتَلَهُ الله تَعَالَى، قَالَتْ: فَمَا كَانَ مِنْ خُطْبَتَيْهِمَا مِنْ خُطْبَةٍ إِلا نَفَعَ الله بِهَا، لَقَدْ خَوَّفَ عُمَرُ النَّاسَ، وَإِنْ فِيْهِمْ لِنِفَاقَاً، فَرَدَّهُمُ الله تَعَالَى بِذَلِكَ، ثُمَّ لَقَدْ بَصَّرَ أَبُو بَكْرٍ النَّاسَ فِي الله تَعَالَى وَعَرَّفَهُمُ الحَقَّ الَّذِي عَلَيْهِمْ وَخَرَجُوا بِهِ يَتْلُونَ: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} (¬2) الآية. أخرجه البخاري (¬3) والنسائي (¬4). ¬

_ (¬1) سورة آل عمران الآية (144). (¬2) سورة آل عمران الآية (144). (¬3) في "صحيحه" رقم (1241, 3667, 3668). (¬4) في "السنن" رقم (1841). وهو حديث صحيح، والله أعلم.

قلت: وقوله زاد رزين: كذا في "التجريد"، وأصله وهذه الزيادة بعينها في "صحيح البخاري" والله أعلم. "السُّنُحُ" (¬1): بضم السين المهملة والنون، وقيل بسكون النون: موضع بعوالي المدينة فيه منازل بني الحارث بن الخزرج، وقوله "لا يذيقك الله الموتتين" أي في الدنيا، قال ذلك أبو بكر ردًا لقول عمر: إن الله سيبعث نبيه فيقطع أيدي رجال وأرجلهم، "والسقيفة" الصُّفَّة (¬2) في البيت، "والنشيج": تردد صوت الباكي في صدره من غير انتحاب (¬3). قوله: "في حديث عائشة وأبو بكر بالسنح" هو بضم المهملة وسكون النون وضبطه أبو عبيد البكري بضمها وقال: إنها منازل بني الخزرج بالعوالي. وقوله: "يعني بالعالية" العالية والعوالي هي أماكن بأعلى أراضي المدينة، وأدناها من المدينة على أربعة أميال، وأبعدها من جهة نجد ثمانية، وكان عند أصهاره من الأنصار على ميل من المسجد النبوي وهو أول العالية. قوله: "يقول والله ما مات رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - " حلف عمر مبني على علمه الذي أدّاه إليه اجتهاده، قاله في "الفتح" (¬4). قوله: [في حديث عائشة] (¬5): "ليبعثنه الله" أي: من غشيته، وأراد بأيدي رجال وأرجلهم المنافقين. قوله: "لا يذيقك الله الموتتين أبداً". ¬

_ (¬1) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 811). (¬2) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (4/ 89). (¬3) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (4/ 89). (¬4) في "فتح الباري" (7/ 30). (¬5) زيادة من (أ).

قال الحافظ ابن حجر (¬1): إنه مشكل وعنه أجوبة فقيل: هو على حقيقته، وأشار بذلك إلى الرد على من زعم أنه سيجيء فيقطع أيدي رجال؛ لأنه لو صح ذلك للزم أن يموت موتة أخرى، فأخبر أنه أكرم على الله من أن يجمع عليه موتتين كما جمعها على غيره كالذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت، وكالذي مر على قرية، قال: وهذا أوضح الأجوبة وأسلمها. وقيل (¬2): أراد لا يموت موتة أخرى في القبر كغيره إذ يحيا ليال ثم يموت، وهذا جواب الداودي. وقيل (¬3): لا يجمع موت نفسك وموت شريعتك. قال ابن حجر (¬4) [352 ب] في محل آخر: وأغرب من قال المراد بالموتة الأخرى موت الشريعة أي: لا يجمع الله عليك موتك وموت شريعتك، قال: هذا القائل: ويؤيده قول أبي بكر بعد ذلك في خطبته: من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت. قال (¬5): وقيل كنى بالموت الثاني عن الكرب، أي: لا يلقى بعد هذا الموت كرباً آخر. قوله: "وتلا {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (30)} والتي بعدها". ¬

_ (¬1) في "فتح الباري" (3/ 114). (¬2) ذكره الحافظ في "الفتح" (13/ 114). (¬3) ذكره الحافظ في "الفتح" (13/ 114). (¬4) في "فتح الباري" (8/ 145). (¬5) ذكره الحافظ في "الفتح" (3/ 114).

قال الكرماني (¬1): قلت: ليس في القرآن أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد مات، ثم أجاب بأن أبا بكر تلاها؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد مات، يريد أن إخبار الله بأنه - صلى الله عليه وسلم - ميت قد وقع مخبره في الخارج. قوله: "ما زوَّرت في نفسي" (¬2) بزاي وراء، أي: هيأتُ وحسنت. قوله: "حباب بن المنذر" (¬3) بضم الحاء المهملة فموحدة خفيفة وآخره موحدة. قوله: "قتلتم سعد" أي: كدتم تقتلونه، وقيل: كناية عن الإعراض والخذلان. قال ابن حجر (¬4): يردّه ما وقع في رواية موسى بن عقبة عن ابن شهاب "فقائل قائل من الأنصار: اتقوا سعد بن عبادة [353 ب] لا تطئوه, فقال عمر: اقتلوه قتله الله"، نعم لم يرد عمر قتله حقيقة، وفي حديث مالك "إنّ عمر قال ذلك وهو مغضب". قوله: "لن يعرف" بضم أوله على البناء للمجهول وفي رواية مالك "لن تعرف العرب هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش" (¬5). قوله: "فما كان من خطبتيهما من خطبة إلا نفع الله بها" أي: من خطبتي أبي بكر وعمر، ومن الأولى تبعيضية، أو بيانية، والثانية: زائدة ثم شرحت ذلك بقولها: "لقد خوّف عمر الناس" أي: بقوله المذكور "وإن فيهم لنفاقاً" أي: بعضهم منافق. قوله: "كذا في التجريد" أي: للبارزة. "وأصله" أي: كتاب ابن الأثير وهو كذلك فيه، أي: في "الجامع" (¬6) [250/ أ] بلفظ: ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (3/ 114). (¬2) انظر "النهاية في غريب الحديث" (1/ 735). (¬3) انظر "الاستيعاب" رقم (535 - الأعلام). (¬4) في "فتح الباري" (7/ 32). (¬5) ذكره الحافظ في "الفتح" (7/ 32). (¬6) (4/ 87).

زاد رزين، وهي في البخاري كما قاله المصنف (¬1). 4 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: كُنْتُ أُقْرِئُ رِجَالاً مِنَ المُهَاجِرِينَ مِنْهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، فَقَالَ: لَوْ رَأَيْتَ رَجُلاً أَتَى عُمَرَ الْيَوْمَ فَقَالَ: هَلْ لَكَ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ! فِي فُلاَنٍ يَقُولُ: لَوْ قَدْ مَاتَ عُمَرُ لَقَدْ تبَايَعْتُ فُلاَنًا، فَوَالله مَا كَانَتْ بَيْعَةُ أَبِي بَكْرٍ - رضي الله عنه - إِلاَّ فَلْتَةً، فَتَمَّتْ، فَغَضِبَ عُمَرُ فَقَالَ: إِنِّي إِنْ شَاءَ الله لَقَائِمٌ الْعَشِيَّةَ فِي النَّاسِ، فَمُحَذِّرُهُمْ هَؤُلاَءِ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَغْصِبُوهُمْ أُمُورَهُمْ، قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: فَقُلْتُ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ! لاَ تَفْعَلْ، فَإِنَّ المَوْسِمَ يَجْمَعُ رَعَاعَ النَّاسِ وَغَوْغَاءَهُمْ، وإِنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ يَغْلِبُونَ عَلَى قُرْبِكَ حِينَ تَقُومُ فِى النَّاسِ، وَأَنَا أَخْشَى أَنْ تَقُومَ، فَتَقُولَ مَقَالَةً يُطَيِّرُهَا أولَئِكَ عَنْكَ كُلُّ مَطِيرٍ، وَأَنْ لاَ يَعُوهَا، وَأَنْ لاَ يَضَعُوهَا عَلَى مَوَاضِعِهَا، فَأَمْهِلْ حَتَّى تَقْدَمَ المَدِينَةَ فَإِنَّهَا دَارُ الهجْرَةِ وَالسُّنَّةِ، فتخْلُصَ بِأَهْلِ الْفِقْهِ وَأَشْرَافِ النَّاسِ، فتَقُولَ مَا قُلْتَ مُتَمَكِّنًا، فَيَعِى أَهْلُ الْعِلْمِ مَقَالَتَكَ، وَيَضَعُونَهَا عَلَى مَوَاضِعِهَا، فَقَالَ عُمَرُ: أَمَا وَالله إِنْ شَاءَ الله تَعَالَى لأقومَنَّ بِذَلِكَ أَوَّلَ مَقَامٍ أَقُومُهُ بِالمَدِينَةِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: فَقَدِمْنَا المَدِينَةَ فِي عَقِبِ ذِي الحَجَّةِ, فَلمَّا كَانَ يَوْمُ الجُمُعَةِ عَجِلْتُ بِالرَّواحِ حِينَ زَاغَتِ الشَّمْسُ. زاد رزين: فَخَرَجْتُ فِي صَكَّةِ عُمَيِّ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الحَدِيْثُ الْأوَّلِ فَقَالَ: حَتَّى أَجِدَ سَعِيدَ ابْنَ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ جَالِسًا إِلَى رُكْنِ المِنْبَرِ، فَجَلَسْتُ حَوْلَهُ تَمَسُّ رُكْبَتِي رُكْبَتَهُ، فَلَمْ أَنْشَبْ أَنْ خَرَجَ عُمَرُ - رضي الله عنه -، فَلمَّا رَأَيْتُهُ مُقْبِلًا قُلْتُ لِسَعِيدِ: لَيَقُولَنَّ الْعَشِيَّةَ عَلَى هَذَا المِنْبَرِ مَقَالَةً لَمْ يَقُلْهَا مُنْذُ اسْتُخْلِفَ، فَأَنْكَرَ عَلَيَّ وَقَالَ: ومَا عَسَى أَنْ يَقُولَ مَا لَمْ يَقُلْ قَبْلَهُ, فَجَلَسَ عُمَرُ عَلَى المِنْبَرِ، فَلمَّا سَكَتَ المؤذِّنُ قَامَ فَأَثْنَى عَلَى الله بِمَا هُوَ أَهْلُهُ, ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ: فَإِنِّي قَائِل لَكُمْ مَقَالَةً قَدْ قُدِّرَ أَنْ أَقُولَهَا، لاَ أَدْرِي لَعَلَّهَا بَيْنَ يَدَىْ أَجَلِي، فَمَنْ عَقَلَهَا وَوَعَاهَا فَلْيُحَدِّثْ بِهَا حَيْثُ انْتَهَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ، وَمَنْ خَشِيَ أَنْ لاَ يَعْقِلَهَا فَلاَ أُحِلُّ لأَحَدٍ أَنْ يَكْذِبَ عَلَيَّ، إِنَّ الله بَعَثَ مُحَمَّدًا ¬

_ (¬1) وهو كما قال.

- صلى الله عليه وسلم - بِالحَقِّ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ، فَكَانَ مِمَّا أَنْزَلَ اللهُ عليهِ آيَةُ الرَّجْمِ، "وَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيْثِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - المَذْكُورِ فِي أَوَّلِ بَابِ حَدِّ الزِّنَا" ثُمَّ قَالَ: وَإِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ قَائِلًا يَقُولُ: لَوْ قَدْ مَاتَ عُمَرُ لَبَايَعْتُ فُلاَنًا، فَلاَ يَغتَرَّنَّ امْرُؤٌ أَنْ يَقُولَ إِنَّمَا كَانَتْ بَيْعَةُ أَبِي بَكْرٍ فَلْتَةً وَتَمَّتْ، أَلاَ وَإِنَّهَا قَدْ كَانَتْ كَذَلِكَ، وَلَكِنَّ الله وَقَى شَرَّهَا، وَلَيْسَ فِيْكُمْ مَنْ تُقْطَعُ إِلَيْهِ الأَعْنَاقُ مِثْلُ أَبِي بَكْرٍ - رضي الله عنه -، وَإِنَّهُ كَانَ مِنْ خَبرِنَا حِينَ تُوفَّي رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، أَنَّ الأَنْصَارَ خَالَفُونَا، وَاجْتَمَعُوا بِأَسْرِهِمْ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ وَتَخَلَّفَ عَنَّا عِليٌّ وَالزُّبَيْرُ - رضي الله عنهما - وَمَنْ مَعَهُمَا، وَاجْتَمَعَ المُهَاجِرُونَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ - رضي الله عنه -، فَقُلْتُ لأَبِي بَكْرٍ: يَا أَبَا بَكْرٍ انْطَلِقْ بِنَا إِلَى إِخْوَانِنَا هَؤُلاَءِ مِنَ الأَنْصَارِ، فَانْطَلَقْنَا نُرِيدُهُمْ فَلمَّا دَنَوْنَا مِنْهُمْ لَقِيَنَا رَجُلاَنِ صَالِحَانِ، فَذَكَرَا مَا تَمَالأ عَلَيْهِ الْقَوْمُ فَقَالاَ أَيْنَ تُرِيدُونَ يَا مَعْشَرَ المُهَاجِرِينَ؟ فَقُلْنَا: نُرِيدُ إِخْوَانَنَا مِنَ الأَنْصَارِ. فَقَالاَ: لاَ عَلَيْكُمْ أَنْ لاَ تَقْرَبُوهُمُ اقْضُوا أَمْرَكُمْ. فَقُلْتُ: وَالله لَنَأْتِيَنَّهُمْ. فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَاهُمْ، فَإِذَا رَجُلٌ مُزَمَّلٌ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا هَذَا سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ. فَقُلْتُ: مَا لَه؟ قَالُوا يُوعَكُ. فَلمَّا جَلَسْنَا قَلِيلًا تَشَهَّدَ خَطِيبُهُمْ، فَأَثْنَى عَلَى اللهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَنَحْنُ أَنْصَارُ الله تَعَالَى، وَكَتِيبَةُ الإِسْلاَمِ، وَأَنْتُمْ مَعْشَرَ المُهَاجِرِينَ رَهْطٌ مِنّا، وَقَدْ دَفَّتْ دَافَّةٌ مِنْ قَوْمِكُمْ، فَإِذَا هُمْ أَرَادُوا أَنْ يَخْتَزِلُونَا مِنْ أَصْلِنَا وَأَنْ يَحْضُنُونَا مِنَ الأَمْرِ فَلمَّا سَكَتَ أَرَدْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ، وَكُنْتُ قد زَوَّرْتُ مَقَالَةً أَعْجَبَتْنِى أُرِيدُ أَنْ أقدِّمَهَا بينَ يَدَيْ أَبِي بَكْرٍ، وَكُنْتُ أُدَارِي مِنْهُ بَعْضَ الحَدِّ فَلمَّا أَرَدْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى رِسْلِكَ. فَكَرِهْتُ أَنْ أُغْضِبَهُ، فَتَكَلَّمَ وَكَانَ هُوَ أَحْلَمَ مِنِّي وَأَوْفَرَ، وَاللهِ مَا تَرَكَ مِنْ كَلِمَةٍ أَعْجَبَتْنِى فِى تَزْوِيرِي إِلاَّ قَالَ فِي بَدِيهَتِهِ مِثْلَهَا، أَوْ أَفْضَلَ مِنْهَا، حَتَّى سَكَتَ وَقَالَ مَا ذَكَرْتُمْ فِيكُمْ مِنْ خيرٍ فَأَنْتُمْ لَهُ أَهْلٌ، وَلَنْ يُعْرَفَ هَذَا الأَمْرُ إِلاَّ لِهَذَا الحَيِّ مِنْ قُرَيْشٍ، هُمْ أَوْسَطُ الْعَرَبِ نَسَبًا وَدَارًا، وَقَدْ رَضِيتُ لَكُمْ أَحَدَ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ، فَبَايِعُوا أَيهما شِئْتُمْ. فَأَخَذَ بِيَدِي وَبِيَدِ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الجَرَّاحِ، وَهْوَ جَالِسٌ بَيْنَنَا، فَلَمْ أَكْرَهْ مِمَّا قَالَ غيْرَهَا، كَانَ وَالله أَنْ أقدَّمَ فَتُضْرَبَ عُنُقِي لاَ يُقْرَبُنِي ذَلِكَ مِنْ إِثْمٍ، أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَتَأَمَّرَ عَلَى قَوْمٍ فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ، اللهمَّ إِلاَّ أَنْ تُسَوِّلَ لِي

نَفْسِي عِنْدَ المَوْتِ شَيْئًا لاَ أَجِدُهُ الآنَ، فَقَالَ: قَائِلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: أَنا جُذَيْلُهَا المُحَكَّكُ، وَعُذَيْقُهَا المُرَجَّبُ، مِنَّا أَمِيرٌ, وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ, فَكَثُرَ اللَّغَطُ، وَارْتَفَعَتِ الأَصْوَاتُ حَتَّى فَرِقْتُ مِنَ الِاخْتِلاَفِ. فَقُلْتُ: ابْسُطْ يَدَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ. فَبَايَعْتُهُ وَبَايَعَهُ المُهَاجِرُونَ، ثُمَّ بَايَعَهُ الأَنْصَارُ، وَنَزَوْنَا عَلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ قَتَلْتُمْ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ، فَقُلْتُ قَتَلَ الله سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ. قَالَ عُمَرُ - رضي الله عنه -: وَإِنَّا وَالله مَا وَجَدْنَا فِيمَا حَضَرْنَا مِنْ أَمْرِنا أَقْوَى مِنْ مُبَايَعَةِ أَبِي بَكْرٍ - رضي الله عنه -، خَشِينَا إِنْ فَارَقْنَا الْقَوْمَ، وَلَمْ تَكُنْ بَيْعَةٌ أَنْ يُبَايِعُوا رَجُلاً مِنْهُمْ بَعْدَنَا، فَإِمَّا بَايَعْنَاهُمْ عَلَى مَا لاَ نَرْضَى، وَإِمَّا نُخَالِفُهُمْ فَيَكُونُ فَسَادٌ, فَمَنْ بَايَعَ رَجُلاً عَلَى غَيْرِ مَشُورَةٍ مِنَ المُسْلِمِينَ فَلاَ يُتَابَعُ هُوَ وَلاَ الَّذِى بَايَعَهُ تَغِرَّةً أَنْ يُقْتَلاَ. أخرجه الشيخان (¬1)، وهذا لفظ البخاري، وهو عند مسلم مختصر حديث الرجم. "الفلتة" (¬2): الفجأة "وغوغاء الناس" (¬3) الذين يكثرون الضجة ونحوها من غير تثبت "وزاغت الشمس" مالت عن كبد السماء، "وصكة عمى": كناية عن شدة الحر وقت الهاجرة غاية القيظ (¬4)، وقوله: "فلم أنشب" أي فلم ألبث، "وتقطع إليه الأعناق" أعناق المطي، "والمزمل" المغطى، "وظهراني القوم": بينهم، "والوعك" (¬5): الحمى. ¬

_ (¬1) البخاري في "صحيحه" رقم (2462) وأطرافه في (3445، 3667، 3668، 4021، 6829، 6830، 7323) ومسلم رقم (1691). (¬2) قال ابن الأثير في "النهاية" (2/ 389)، والفلتة: كل شيء فعل من غير روية، وإنما بودر بها خوف انتشار الأمر. وانظر "غريب الحديث" للهروي (3/ 357)، "الفائق" للزمخشري (3/ 14). (¬3) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (4/ 97). (¬4) قاله ابن الأثير في "غريب الحديث" (4/ 97). (¬5) "النهاية" (2/ 865) "الفائق" للزمخشري (4/ 106).

"والدافة" (¬1) الجماعة من الناس يقصدون المصر. "يختزلونا": يقطعونا عن مرادنا. "يحضنونا" (¬2): بضاد معجمة: ينحونا عنه، وينفردون به، ومعنى "زودت": زينت وهيأت، و"تسول لي نفسي": تحسن وتزين "اللغط" كثرت الأصوات واختلافها. ومعنى "جذيلها المحكك (¬3)، وعذيقها المرجب" (¬4): أي (¬5) أني ذو رأي يستشفى به في الحوادث لا سيما في هذه الحادثة، وإني في ذلك كالعود الذي يشفى الجرباء وكالنخلة الكثيرة الحمل. ومعنى "نزونا" وثبنا، وقوله: "تغرة أن يقتلا" فيه مضاف محذوف تقديره خوف تغرة أن يقتلا، أي خوف إيقاعهما في القتل، والتغرة (¬6) مصدر أغررته إذا ألقيته في الغرر، وهي من الغرر. ¬

_ (¬1) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (4/ 99). (¬2) قال ابن الأثير في "غريب الجامع" (4/ 99) حضنت الرجل عن الأمر حضناً وحضانة: إذا نحيته عنه, وانفردت به دونه. (¬3) قال ابن الأثير في "غريب الجامع" (4/ 100) الجذيل: تصغير الجذل، وهو عود ينصب للإبل الجربى تحتك به فتستشفي، والمحكك الذي كثر به الاحتكاك حتى صار أملس. انظر "النهاية" (1/ 246)، "الفائق" للزمخشري (1/ 201). (¬4) قال ابن الأثير في "غريب الجامع" (4/ 100) عذيقها: تصغير العذق - بفتح العين - وهو النخلة، والمرجَّب: "المسند" بالرُّجبة وهي خشبة ذات شعبتين، وذلك إذا طالت الشجرة وكثر حملها اتخذوا ذلك لها، لضعفها عن كثرة حملها. انظر النهاية (1/ 635)، "غريب الحديث" للهروي (4/ 154). (¬5) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (4/ 100). (¬6) "غريب الحديث" للهروي (3/ 355)، "الفائق" للزمخشري (3/ 139).

قوله: "في حديث ابن عباس كنت أقرئ رجالاً من المهاجرين منهم عبد الرحمن ابن عوف". قال ابن الجوزي (¬1): في إقراء ابن عباس لمثل عبد الرحمن بن عوف تنبيه على أخذ العلم [354 ب] من أهله، وإن صغرت أسنانهم، وقلّت أقدارهم، وقد كان حكيم بن حزام يقرأ على معاذ بن جبل فقيل له: تقرأ على هذا الغلام الخزرجي؟ فقال: إنما أهلكنا التكبر. قوله: "في فلان" قال الحافظ في مقدمة "الفتح": في مسند البزار والجعديات بإسناد ضعيف، بأن المراد أن يبايع له طلحة بن عبيد الله، ولم يسم القائل ثم وجدته في الأنساب للبلاذري بإسناد قوي من رواية هشام بن يوسف عن معمر عن الزهري بالإسناد المذكور في الأصل ولفظه: "قال عمر: بلغني أن الزبير قال: لو قد مات عمر بايعنا عليّاً" .. الحديث، وهذا أصح. انتهى. قوله: "فلتة" هي بفتح الفاء وسكون اللام، أي: فجأة لم يتقدمها تدبير ولا مشاورة. قوله: "غوغاء الناس" (¬2) بمعجمتين وسكون الواو، وأصله صغار الجراد يبدأ في الطيران، ويطلق على السفلة المسرعين إلى الشر، والرعاع السفلة وأخلاط الناس. قوله: "في عقب ذي الحجة" قال أهل اللغة (¬3): يقال جاء فلان عقب الشهر، إذا جاء بعد فراغه، وجاء في عقبه إذا جاء وقد بقيت منه بقية وليس في الحديث رواية معينة لأحدهما فحق على رواته أن يلفظوا باللغتين فيكون لافظاً بالمروي بيقين، وهكذا كل لفظة فيها لغتان ولم يتعين فيه لفظ الرواية. [355 ب]. ¬

_ (¬1) (ص 338). (¬2) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 329) "المجموع المغيث" (2/ 586). (¬3) قاله الحافظ في "الفتح" (12/ 147). وانظر "القاموس المحيط" (ص 149 - 150).

قوله: "صكة عمي" بفتح الصاد المهملة وتشديد الكاف، وعمي تصغير أعمى مرخماً، وقيل: هو اسم (¬1) رجل من العمالقة أغار على قوم ظهراً فاستأصلهم فنسب الوقت إليه، وقيل: هو كناية عن شدة الحر ووقت الهاجرة، يقال: جاء صكة عمي، أي: في وقت الهاجرة وغاية القيظ، وذلك أنّ الإنسان إذا خرج وقت الهاجرة لا يكاد يملأ عينيه من نور الشمس أرادوا أنه يصير أعمى. قوله: "فلم أنشب أن خرج عمر" أي: لم ألبث، وأصله من نشبت في الشيء إذا علقت به. قوله: "لعلها بين يدي أجلي" هي من الأمور التي جرت على لسانه, فكانت كما قال، فإنه طعن عقب ذلك بأيام يسير قبل الجمعة الأخرى. قوله: "إن قائلاً" هو طلحة بن عبيد الله. وقوله: "لبايعت فلاناً" هو علي - عليه السلام -. قوله: "ولكن وقى الله شرها" أي: وقاهم ما في العجلة غالباً من الشر. قوله: "وليس فيكم من تقطع إليه الأعناق [356 ب] مثل أبي بكر" قال الخطابي (¬2): يريد أن السابق منكم لا يلحق بالفضل، لا يصل إلى منزلة أبي بكر، فلا يطمع أحد منكم أن يقع له مثل ما وقع لأبي بكر من المبايعة له أولاً في الملأ اليسير، ثم إجماع الناس وعدم اختلافهم عليه لما تحققوا من استحقاقه فلم يحتاجوا في أمره إلى نظر ولا إلى مشاورة وليس غيره في ذلك مثله. ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (4/ 97). (¬2) في "أعلام الحديث" (4/ 2297) حيث قال: يريد أن السابق منكم الذي لا يلحق شأوه في الفضل أحد، لا يكون مثلاً لأبي بكر؛ لأنه قد أبَّد على كل سابق، فلذلك مضت بيعته على حال فجاءة ووقى الله شرها، فلا يطمعن بعد أحد في مثل ذلك ولا يبايعن إلا عن مشورة واتفاق رأي.

قوله: "وإنه كان من خبرنا" بالموحدة وروي بالمثناة التحتية، فالضمير على الأول للشأن وعلى الثاني لأبي بكر والسياق يناسب الأول. قوله: "رجلان صالحان" هما عويم بن ساعدة ومعن بن عدي (¬1). قوله: "فذكرا ما تمالأ عليه القوم" تمالأ بفتح التاء، القوم على الأمر إذا اجتمع رأيهم عليه واتفقوا فيه، والتمالي المعاونة أيضاً والمراد به اتفاقهم على أن يبايعوا سعد بن عبادة. قوله: "مزمل" (¬2) بزاي وتشديد الميم المفتوحة، أي: ملفلف. قوله: "بين ظهرانيهم" بفتح المعجمة والنون، أي في وسطهم. قوله: "يوعك" (¬3) بضم أوله وفتح المهملة، أي: يحصل له الوعك وهو الحمى بنافض. قوله: "خطيبهم" قال ابن حجر (¬4): لم أقف على اسمه، وكان ثابت بن قيس خطيب الأنصار، كأنه هو. قوله: "كتيبة الإِسلام" الكتيبة: بمثناة فوقية وموحّدة بزنة عظيمة، وهي الجيش المجتمع الذي [357 ب] [لا ينتشر] (¬5) وأطلق عليهم ذلك مبالغة. قوله: "رهط" أي عدد يسير بالنسبة إلى عدد الأنصار. ¬

_ (¬1) أخرج البخاري في "صحيحه" رقم (4021) عن عمرو - رضي الله عنه - قال: لما توفي النبي - صلى الله عليه وسلم - قلت لأبي بكر: انطلق بنا إلى إخواننا من الأنصار، فليقنا منهم رجلان صالحان شهدا بدراً، فحدثت عروة بن الزبير فقال: هما عويم بن ساعدة, ومعن بن عدي. (¬2) "النهاية" (1/ 731) "غريب الحديث" للهروي (2/ 72). (¬3) "القاموس المحيط" (ص 1239). (¬4) في "فتح الباري" (12/ 151). (¬5) كذا في المخطوط (أ. ب) والذي في "الفتح": يتقشر.

وقوله: "وقد دفت دافة من قومكم" (¬1) بالدال المهملة والفاء، أي: عدد قليل. قال الخطابي (¬2): يريد أنكم قوم طَرَأةٌ غرباء، أقبلتم من مكة إلينا [تريدون أن تستأثروا علينا] (¬3). قوله: "يختزلونا" بمعجمة وزاي، أي: تقتطعونا عن الأمر وتنفردوا به دوننا، والمراد بالأصل هنا ما يستحقونه من الإمرة. "وأن يحضنونا" بحاء مهملة وضاد معجمة فنون، قال ابن الأثير (¬4): يقال حضنت الرجل عن الأمر حضناً وحضانة إذا نحيته عنه وانفردت به دونه. قوله: "على رسلك" بكسر الراء وسكون المهملة، ويجوز "الفتح" أي: على مهلك (¬5)، بفتحتين. قوله: "أن أغضبه" بغين وضاد معجمتين ثم موحدة من الغضب، وفي رواية في البخاري بالمهملتين (¬6) ومثناة تحتية من العصيان. ¬

_ (¬1) تقدم شرحها. (¬2) في "أعلام الحديث" (4/ 2297). (¬3) ما بين الحاصرتين ليست من "أعلام الحديث" عند شرح هذه الكلمة، وإنما جاءت فيه عند قوله: (يحضنونا) حيث قال يريدون أن يحضنونا من الأمر، أي يخرجونا من الأمر، وأن يستأثروا به علينا. (¬4) في "غريب الجامع" (7/ 99). (¬5) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (4/ 99) على هينتك وتؤدتك وتأنيك. (¬6) وهي في رواية الكشميهني. "فتح الباري" (12/ 152).

قوله: "بعض الحد" أي: أدافع غضبه, قال ابن الأثير (¬1): الحد والحدة سواء, من الغضب، يقال: حد يحد حدّا وحدة إذا غضب، والمداراة (¬2) بالهمزة المدافعة بلين وسكون وبغير همز الخديعة والمكر، وقيل هما لغتان بمعنى. قوله: "بديهته" البديهة ضد التروي والتفكر. قوله: "تسول" سولت له نفسا شيئاً زينته له وحسنته إليه. [358 ب]. قوله: "جذيلها" (¬3) تصغير الجذل وهو عود ينصب للإبل الجربي [تحتك] (¬4) به فتشفى و"المحكك" الذي أكثر به الاحتكاك حتى صار أملس. قوله: "وعذيقها" (¬5) تصغير العذق بفتح العين وهي النخلة. قوله: "المرجب" "المسند" بالرجبة (¬6) وهي خشبة [251/ أ] ذات شعبتين، وذلك إذا طالت الشجرة وكثر حملها اتخذوا ذلك لها لضعفها عن كثرة حملها، والمعنى: أني في ذلك كالعود الذي يشفي الجربى، وكالنخلة الكثيرة العمل من توفر مواد الآراء عندي. ثم إنه أشار بالرأي الصائب عنده، فقال: "منا أمير ومنكم أمير". قوله: "اللغط" هو كثرة الأصوات واختلافها، والفرق الخوف والفزع (¬7). ¬

_ (¬1) في "غريب الجامع" (4/ 99). (¬2) في "غريب الجامع" (4/ 99). (¬3) تقدم شرحها. (¬4) في (ب) الجرب تحك. (¬5) تقدم شرحها. (¬6) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (4/ 100) وقد تقدم. (¬7) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (4/ 100). وانظر "المجموع المغيث" (3/ 135).

قوله: "ونزونا" النزو الوثب ومنه نزا التيس على أنثاه (¬1). قوله: "تغرة" (¬2) بفتح المثناة من فوق فغين معجمة فراء مشددة مصدرة غررته إذا ألقيته في الغرر، وهي من التغرير كالتعلة من التعليل، وفي الكلام مضاف محذوف تقديره: خوف تغرة أن يقتلا، أي: خوف إيقاعهما في القتل، وانتصاب الخوف على أنه مفعول له، فحذف المضاف الذي هو الخوف [359 ب] وأقام المضاف إليه الذي هو التغرة مقامه. ويجوز أن يكون قوله "أن يقتلا" بدلاً من تغرة, ويكون المضاف أيضاً محذوفاً كالأول، ومن أضاف "تغرة" إلى أن يقتلا، فمعناه خوف [تغرة] (¬3) قتلهما على طريقة قوله تعالى: {بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} (¬4). ومعنى الحديث: أن البيعة حقها أن تقع صادرة عن المشورة والاتفاق، فإذا استبد رجلان دون الجماعة بمبايعة أحدهما للآخر فذلك تظاهر منهما بشق العصا وإطراح الجماعة، فإن عقد لأحد فلا يكون المعقود له واحد منهما, وليكونا معزولين من الطائفة التي تتفق على تمييز الإِمام منها؛ لأنه إن عقد لواحد منهما وهما قد ارتكبا تلك الفعلة الشنيعة التي فارقت الجماعة من التهاون بهم والاستغناء عن رأيهم لم يؤمن أن يقولا قوله. ["تدبر" ما دبرت (¬5) الرجل أدبره إذا أتبعته وكنت خلفه في أي معنى كان. قوله: "يزعجه" ينهضه بسرعة. [360 ب]. ¬

_ (¬1) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (4/ 100). وانظر "المجموع المغيث" (3/ 290). (¬2) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (4/ 100 - 101). وانظر "أعلام الحديث" للخطابي (4/ 2297). (¬3) كذا في المخطوط (أ. ب) والذي في "غريب الجامع": تغرته. (¬4) سورة سبأ الآية (33). (¬5) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (4/ 103).

قوله: "عقرتُ" أي: دهشت، بكسر القاف وأصله في الرجل تسلمه قوائمه فلا يستطيع أن يقاتل من الخوف والدهش (¬1)] والمصنف قد شرح كثيراً من ألفاظ الحديث (¬2). 5 - وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: أَتَتْ فاِطِمَةُ وَالْعَبَّاسُ - رضي الله عنهما - أَبا بَكْرٍ - رضي الله عنه - يَلْتَمِسَانِ مِيْرَاثَهُمَا مِنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ أبو بَكْرٍ - رضي الله عنه -: سَمِعْتُ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: لَا نُورثُ مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ، إِنَّمَا يَأْكُلُ آلُ مُحَمّدٍ في هَذَا المَالِ، وَإنِّي وَالله لَا أَدعُ أَمْرَاً رَأَيْتُ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - يَصْنَعُهُ إِلَّا صنَعْتُهُ, إِنِّي أَخْشَى إِنْ ترَكْتُ شِيْئَاً مِنْ أَمْرِه أَنْ أُزِيغَ، فَهَجَرَتْهُ فَاطِمةُ - رضي الله عنها - فَلَمْ تكلِّمُهُ حَتَّى مَاتَتْ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُر، فَدَفَنَهَا عَلِيّ - رضي الله عنه - لَيْلَاً، وَلَمْ يُؤْذِنْ بِهَا أبا بَكْرٍ، وَكَانَ لِعَليٍّ وَجْهٌ مِنَ النَّاسِ حَيَاةَ فَاطِمَة - رضي الله عنها -، فَلمَّا مَاتَتْ انْصَرَفَتْ وُجُوهِ النَّاسِ عَنْهُ، فَقَالَ رَجُلٌ للزُّهْرِيُّ - رحمه الله -: وَلَمْ يُبايُعُه عَلَى سِتَّةٌ أَشهُرٍ، قَالَ: لَا، وَالله وَلَا أَحَدٍ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ، فَلمَّا رَأَى عَلِيّ - رضي الله عنه - انْصِرَافَ وُجُوْهِ النَّاسِ عَنْهُ ضرَعَ إِلَى مُصَالِحَةِ أَبِيْ بَكْرٍ - رضي الله عنه -، فَأَرْسَلُ إِلَيْهِ أَنِ ائْتِنَا وَلَا يَأْتِنَا مَعَك أَحَدٍ، وَكَرِهَ أَنْ يَأْتِيِهِ عُمَر لمَّا عَلِمَ مِنْ شِدِّتِهِ، فَقَالَ عُمَرَ - رضي الله عنه -: لَا تَأْتِهِم وَحْدَكَ، فَقَالَ أَبُوْ بَكْرٍ - رضي الله عنه -: وَالله لآتيَنَّهُمْ وَحْدِي، مَا عَسَى أَنْ يَصْنَعُوا بِي، فَانْطَلَقَ أبو بَكْرٍ - رضي الله عنه - فَدَخَلَ عَلَى عَلِيٍّ - رضي الله عنه -، وَقَدْ جَمَعَ بَنِي هَاشِمٍ عِنْدَهُ، فَقَامَ فَحِمَدَ الله وَأَثْنَى عَلَيْه ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ: فَلَمْ يَمْنَعْنَا أَنْ نبايِعَكَ يَا أَبا بَكْرٍ إِنْكَارٌ لِفَضِيْلتكَ، وَلَا نَفَاسَةُ عَلَيْكَ، وَلَكِنَّا كُنَّا نَرَى أَنَّ لَنَا فِي هَذَا الْأَمْرُ حَقَّا فَاسْتَبْدَدْتُمْ عَلَيْنَا، ثُمَّ ذَكَرَ قَرَابَتَهُ مِنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وَحَقَّهُمْ فَلَمْ يَزَلْ عِليٌّ - رضي الله عنه - يَذْكُرُ حَتَّى بَكَى أَبُو بَكْرٍ - رضي الله عنه -، فَصمَتْ عَليٌّ - رضي الله عنه -، فتشَهَّدَ أبو بَكْرٍ - رضي الله عنه - فَحِمَدَ الله تَعَالَى وَأَثْنَى عَلَيْه ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ: فَوالله لَقَرَابَةُ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ أَصِلُ مِنْ قَرَاَبَتِيِ، وَإنِّي وَالله مَا أَلُوْتُ في هَذِهِ الْأَمْوَالِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ عَنِ الخَيْرِ، وَلَكِنِّيْ سَمْعْتُ رَسُولِ الله ¬

_ (¬1) ما بين الحاصرتين ليست من ألفاظ الحديث الذي تم شرحه, وإنما هي من الحديث رقم (2077) في "جامع الأصول" (4/ 101 - 103). (¬2) وهو كما قال. وانظر ما تقدم.

- صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: لَا نُوْرَثُ مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ, إِنَّمَا يَأْكُلُ آل مَحُمَّدٍ في هَذَا المَالُ، وَإِنَي وَالله لَا أَدعُ أَمْرَاً صَنَعَهُ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - إِلاَّ صَنَعْتُهُ إِنْ شَاءَ الله تَعَالَى، فَقَالَ عَليٌّ - رضي الله عنه: مَوْعِدُكَ لِلْبَيْعَةِ الْعَشِيّةُ، فَلمَّا صَلَّى أَبُو بَكْر - رضي الله عنه - الظُّهْرَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ يَعْذُرَ عَلِيَّاً - رضي الله عنه - بِبَعْضِ مَا اعْتَذَرَ بِهِ، ثُمَّ قَامَ عَلِيٌّ - رضي الله عنه - فَعَظَّمَ حَقَّ أَبِي بَكْرٍ - رضي الله عنه -، وَذَكَرَ فَضِيْلَتَهُ وَسِابِقَتَهُ، ثُمَّ قَامَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَبَايَعَهُ، فَأَقْبَلَ النَّاسُ عَلَى عَليٌّ - رضي الله عنه - فَقَالُوْا: أَصَبْتَ وَأَحْسَنْتَ، فَكَانَ النَّاسُ إِلَى عَليٌّ - رضي الله عنه - قَرِيْبًا حينَ رَاجَعَ الْأَمْرَ المَعْرُوفَ. أخرجه الشيخان (¬1)، واللفظ لمسلم. "ضرع" (¬2): أي خضع، وانقاد "والنفاسة" (¬3): الحسد، ومعنى "ما ألوت" (¬4) بالقصر: أي ما قصَّرت. قوله: "في حديث عائشة لا نورث ما تركناه صدقة". قال الحافظ ابن حجر (¬5): الذي توارد عليه أهل الحديث في القديم والحديث أن "لا نورث" بالنون و"صدقة" بالرفع، وأن الكلام جملتان "ما تركنا" في موضع الرفع بالابتداء، ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (3092) وأطرافه: (3711، 4035، 4240، 4241، 6725، 6726) ومسلم في "صحيحه" رقم (1759). وأخرجه أبو داود رقم (2968، 2969، 2970) والنسائي رقم (4141). (¬2) انظر "الفائق" للزمخشري (3/ 217) "النهاية" (2/ 80). (¬3) قال ابن الأثير في "غريب الجامع" (4/ 107) (نفاسة) المنافسة الحرص على الغلبة والانفراد بالمحروص عليه نفست عليه أنفس نفاسة. وانظر "غريب الحديث" للخطابي (2/ 12). (¬4) قال ابن الأثير في "غريب الجامع" (4/ 107) (ما ألوت) ألا يألوا: إذا قصر، وفلان لا يألوك نصحاً، أي لا يقصر. وانظر "غريب الحديث" للخطابي (1/ 193)، "الفائق" للزمخشري (1/ 65). (¬5) في "فتح الباري" (6/ 202).

و"صدقة" خبره، ويؤيده وروده في بعض طرق الصحيح "ما تركنا فهو صدقة" (¬1). قال (¬2): وفي هذه القصة رد على من روى "لا يورث" بالتحتانية وله "صدقة" بالنصب على الحال وهي دعوى من بعض الرافضة. قد احتج بعض أهل الحديث على بعض الإمامية بأن أبا بكر احتج بهذا الكلام على فاطمة فيما [التمسته منه] (¬3) من الذي خلفه رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - من الأراضي وهما من أفصح الفصحاء، وأعلم بمدلولات الألفاظ. انتهى. قلت: بل ولأنه يكون إخباره - صلى الله عليه وسلم - بذلك لا فائدة فيه بل مثل السماء فوقنا؛ لأنه معلوم أنه الذي تركه وهو صدقة, أنه لا يكون ميراثاً بين قرابته, فإنه لا يورث إلا ما كان ملكاً للميت. قوله: "أن أزيغ" (¬4) زاغ عن الحق إذا مال عنه. قوله: "فهجرته فاطمة" في البخاري (¬5) "فغضبت فاطمة فهجرت أبا بكر، فلم تزل مهاجرته". انتهى. قوله: "فلم تكلمه حتى ماتت" قال الحافظ (¬6) [361 ب]: ووقع عند عمر بن شبة من وجه آخر عن معمر "فلم تكلمه في ذلك المال"، وكذا نقل الترمذي عن بعض مشائخه، وتعقب بأن قوله "غضبت" يدلس على أنها امتنعت من الكلام جملة وهذا صريح الهجر. انتهى. ¬

_ (¬1) البخاري رقم (6726، 6727) ومسلم رقم (54/ 1759). (¬2) أي ابن حجر في "فتح الباري" (6/ 202). (¬3) كذا في (أ. ب) والذي في "فتح الباري": التمست منه. (¬4) انظر "الفائق" للزمخشري (2/ 142). "النهاية في غريب الحديث" (1/ 740). (¬5) في "صحيحه" رقم (3093) وأطرافه رقم (3712، 4036، 4241، 6726). (¬6) في "فتح الباري" (6/ 202).

قلت: ولا أدري من أين عرف هجرها أبا بكر فإنه لا ريب أنها أجنبية بالنسبة إلى أبي بكر لا يحل لها مواجهته ولا له مواجهتها، وإذا كان كذلك فما معنى نسبة الهجر إليها له فإن التزاور، والتواصل، والاجتماع الذي هو ضد الهجر إنما يكون بين الحريم والرجال، إذا كان تحل المواجهة بينهم وتجوز الخلوة بهن ونحو ذلك، والبتول - رضي الله عنها - أجنبية عن أبي بكر قطعاً، وقد أذن للأجنبي إذا سأل نساء رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - متاعاً أن يسألوهن من وراء حجاب، فلا يتحقق هجرها إياه من وراء الحجاب، إلا إذا ثبت أنه وصل إليها ثم ردته من منزلها ولم تخاطبه، وهذا شيء لم ينقل أصلاً فلينظر. وقد نقل في "الفتح" (¬1) عن بعض الأئمة: إنما [كان هجرها] (¬2) انقباضاً عن لقائه، والاجتماع به وليس ذلك من الهجران المحرم، فإن شرطه أن يلتقيا ويعرض هذا وهذا، وكأن فاطمة - عليها السلام - لما خرجت غضبى من عند أبي بكر تمادت في اشتغالها بحزنها ثم بمرضها. انتهى. وقوله (¬3) "عن لقائه والاجتماع به" فيه ما عرفت من أنه أجنبي عنها فلا تلاقي بينهما ولا اجتماع. قال ابن حجر (¬4): وأما سبب غضبها مع احتجاج أبي بكر بالحديث المذكور فلاعتقادها [362 ب] تأويل الحديث على خلاف ما تمسك به أبو بكر، فإنها اعتقدت تخصيص العموم في قوله "لا نورث"، ورأت [252/ أ] أن منافع ما خلفه - صلى الله عليه وسلم - من أرض وعقار لا يمتنع أن ¬

_ (¬1) (6/ 202). (¬2) كذا في (أ. ب) والذي في "الفتح": كانت هجرتها. (¬3) أي قول ابن حجر في "فتح الباري" (6/ 202). (¬4) في "فتح الباري" (6/ 202).

يورث عنه، وتمسك أبو بكر بالعموم، واختلفا في أمر محتمل للتأويل، فلما صمم على ذلك [امتنعت] (¬1) عن الاجتماع به لذلك. انتهى. ولا يخفى أن هذا مبني على صحة هجرها إياه، على أنّا ننازع في غضبها أيضاً فإنها - رضي الله عنها - أجلّ قدراً وأعظم تقوى وأوفر عقلاً أن تغضب في منعها من أمر قد روي فيه مانعها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نصّاً سمعه منه، ولم تكن ذات حرص على الدنيا فقد قنعت [عن] (¬2) خادم (¬3) تخدمها بما علمها رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - من التسبيح والتحميد والتكبير عند [النوم] (¬4) وأخبرها أنه خير لها من خادم، وكان يكره لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما هو معلوم، وغاية الواقع أن البتول - رضي الله عنها - طلبت ميراثها فأخبرها من طلبته منه أنه نص - صلى الله عليه وسلم - بأنه لا يورث، وأن الذي تركه صدقة فقبلت ذلك ولم تشتم - وحاشاها - أبا بكر ولا كذّبته فيما رواه ولا كررت الطلب بعد ذلك فما معنى غضبها وهجرها له، وإن كان الأمران قد صارا قطعيين عند المتعصبين، بل عند الناس أجمعين، حتى قال القائل من الآل: أتموت البتول غضبى ونرضى ... ما كذا تفعل البنون الكرام ¬

_ (¬1) كذا في المخطوط (أ. ب) والذي في "الفتح": انقطعت. (¬2) في (ب) من. (¬3) يشير إلى ما أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (3113) وأطرافه (3705، 5361، 5362، 6318) ومسلم رقم (2727) عن علي أن فاطمة عليها السلام اشتكت ما تلقى من الرَّحى مما تطحنه, فبلغها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتى بسبي، فأتته تسأله خادماً فلم توافقه, فذكرت لعائشة, فجاء النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكرت ذلك عائشة له، فأتانا وقد أخذنا مضاجعنا فذهبنا لنقوم فقال: على مكانكما، حتى وجدتُ بَرْد قدمه على صدري، فقال: ألا أدُلكما على خير مما سألتُماني؟ إذا أخذتما مضاجعكما فكبرا الله أربعاً وثلاثين، واحمدا ثلاثاً وثلاثين، وسبحا ثلاثاً وثلاثين، فإن ذلك خيرٌ لكما مما سألتماه. (¬4) في (ب) الموت.

قال الحافظ ابن حجر (¬1): "أنها تأولت واختلفت هي وأبي بكر في أمر محتمل" كلام غير صحيح، فإنها بعد أن روى لها الحديث أبو بكر لم تنازع، ولا وقع منها ما يدل على شيء مما ذكر، ولا طلبت بعد رواية الحديث حتى يقال: تأولت، بل قنعت وقالت: لا أكلمك في ذلك. وأما ما اشتهر من أنها بعد ذلك طلبت ما ذكر، وأنه أنحلها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجاءت بعلي وأم أيمن يشهدان لها، وقال لها أبو بكر: رجل مع الرجل، أو امرة مع المرأة، فهذه رواية لم نقف عليها في شيء من كتب الحديث [363 ب] والسيرة، والله أعلم بالسريرة والحقيقة. وقول عائشة "أنها غضبت وهجرت" محمول على فهمها ذلك من القرائن، والفهم منها يخطئ ويصيب، وليس كالرواية بالمعنى، فإنها عن لفظ سمعه الراوي فعبّر عنه بلفظ مرادف له بخلاف هذه القصة، فإنه عبر عنها بما فهمه من القرائن، لا عن لفظ صدر من البتول دال على غضبها، وما كل قرينة صحيحة سيما عن الأمر الوجداني القلبي، فليتأمل من له إنصاف وإخلاص وكيف تغضب بضعة الرسول من الحق؟ - حاشا -. قوله: "فدفنها علي ليلاً ولم يؤذن بها أبا بكر" ليس في هذا ما يدل على غضبها ولا هجرها؛ لأن الدافن لها علي - عليه السلام -، ودفن الليل ليس منهياً عنه، وعدم إيذان أبي بكر يحتمل أنه لكون الدفن ليلاً، فكره علي - عليه السلام - إيقاظ أبي بكر من نومه، والإيذان ليس بواجب، بل قال ¬

_ (¬1) في "فتح الباري" (6/ 202) ثم قال الحافظ: روى البيهقي من طريق الشعبي "أن أبا بكر عاد فاطمة، فقال لها علي: هذا أبو بكر يستأذن عليك، قالت: أتحب أن آذن له؟ قال: نعم، فأذنت له، فدخل عليها فترضاها حتى رضيت"، وهو وإن كان مرسلاً، فإسناده إلى الشعبي صحيح، وبه يزول الإشكال في جواز تمادى فاطمة عليها السلام على هجر أبي بكر. تم قال ابن حجر: فإن ثبت حديث الشعبي أزال الإشكال، وأخلق بالأمر أن يكون كذلك لما علم من وفور عقلها ودينها عليها السلام.

بعض الصحابة: إنه يخاف أن يكون نعياً وهو منهي عنه، وقد دفن الصحابة بعض أصحابه - صلى الله عليه وسلم - ليلاً ولم يؤذنون، ولما أخبره بموته ودفنه قال "هلا آذنتموني" (¬1). قوله: "وجه من الناس حياة فاطمة"، قال ابن الأثير (¬2): [يقال] (¬3) لفلان وجه من الناس، أي حرمة ومنزلة. زاد في البخاري (¬4): "فلما توفيت استنكر عليٌّ وجوه الناس". قال المازري (¬5): والعذر لعلي - عليه السلام - في تخلفه مع ما اعتذر هو به أنه يكفي" في بيعة الإِمام أن تقع من أهل الحل والعقد ولا يجب "الاستيعاب", ولا يلزم أن كل أحد يحضر عنده. قوله: "لما يعلم من شدته [364 ب] "، فخشوا من حضوره كثرة المعاتبة التي تؤدي خلاف ما قصدوه من المصافاة (¬6). قوله: "لا تأتهم وحدك" هذا خشية من عمر أن يغلظوا على أبي بكر في العتاب. قوله: "ولا نفاسة عليك" المنافسة الحرص على الغلبة والإنفراد بالمحروص عليه، يقال: نفست عليه أنفس نفاسة قاله ابن الأثير (¬7). ¬

_ (¬1) يشير إلى الحديث الذي أخرجه البخاري رقم (1340) وابن ماجه رقم (1530) من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: مات إنسان كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعوده, فمات بالليل فدفنوه ليلاً، فلما أصبح أخبروه, فقال: "ما منعكم أن تعلموني؟ قالوا: كان الليل فكرهنا، وكانت ظلمة، أن نشق عليك، فأتى قبره فصلى عليه. (¬2) في "غريب الجامع" (4/ 107). (¬3) زيادة من "غريب الجامع". (¬4) في "صحيحه" رقم (4240، 4241). (¬5) في "المعلم بفوائد مسلم" (3/ 18) حيث قال: أما تأخر علي عن البيعة فقد ذكر عذره عنه في كتاب مسلم، واعتذار الصديق عنه: ويكتفي ... (¬6) انظر "فتح الباري" (7/ 494). (¬7) في "غريب الجامع" (4/ 107).

قوله: "في هذا الأمر" أي: الخلافة، أي: يظن أو يعتقد أنه لا بد من مشاورتنا كما يدل له "فاستبديتم علينا" والاستبداد بالأمر الانفراد به دون غيرك. قوله: " [ثم] (¬1) قال أما بعد فوالله لقرابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحب إلي أن أصل من قرابتي". لا يخفى أن هذا ليس جواباً عما ذكره علي - عليه السلام -؛ لأنه ذكر الاستبداد الذي وقع منهم في أمر الخلافة فأعرض أبو بكر عن جواب هذا، وسلك الأسلوب المحكم كأنه يريد في نفسه أن ذلك أمر قد وقع، وقد انقاد له الناس، وأنه لا حاجة إلى الخوض فيه والاعتذار عنه، وغايته أن أمير المؤمنين - عليه السلام - لم يقل: كنت أنا أحق بهذا الأمر حتى يحتاج إلى الجواب، بل ذكر أنه كان الأولى أن لا تستبدوا بالأمر دون بني هاشم. قوله: "ألوت" (¬2) يقال: ألى يألو إذا قصّر، وفلان لا يألوك نصحاً لا يقصر. قال القرطبي (¬3): من تأمل ما دار بين أبي بكر وعلي من المعاتبة والاعتذار وما تضمن ذلك من الإنصاف عرف أن بعضهم كان يعترف بفضل الآخر وأن قلوبهم كانت متفقة على الاحترام والمحبة، وإن كان الطبع البشري قد يغلب أحياناً لكن الديانة ترد ذلك، والله أعلم. انتهى. ¬

_ (¬1) زيادة من (أ). (¬2) تقدم شرحها، وانظر "غريب الجامع" (4/ 107) وقد تقدم بنصه. (¬3) في "المفهم" (3/ 570) حيث قال: وقد جرى بينهم في هذا المجلس من المحاورة والمكالمة والإنصاف ما يدل على معرفة بعضهم بفضل بعض، وأن قلوبهم متفقة على احترام بعضهم لبعض، ومحبة بعضهم لبعض ما يشرق به الرافضي اللعين، وتشرق به قلوب أهل الدين.

قوله: "فقال لا والله ولا أحد من بني هاشم". قال الحافظ ابن حجر (¬1): قد ضعّف البيهقي هذا بأن الزهري لم بسنده، قال: وقد صحح ابن حبان [وغيره] (¬2) من حديث أبي سعيد الخدري، بأن علياً بايع أبا بكر في أول الأمر. قال (¬3): وهذه الرواية أصح - أي رواية أبي سعيد -، وجمع غيره بأنه بايعه بيعة ثانية مؤكدة للأولى لإزالة ما كان وقع بسبب الميراث كما تقدم. قال (¬4): [ويحمل] (¬5) قول الزهري لم يبايعه علي في تلك الأيام [365 ب] على إرادة الملازمة والحضور عنده وما أشبه ذلك [253/ أ] فإن في انقطاع مثله عن مثله [ما] (¬6) يوهم من لا يعرف باطن الأمر أنه بسبب عدم الرضا بخلافته فأطلق من أطلق ذلك، وبسبب ذلك أظهر علي المبايعة بعد موت فاطمة - رضي الله عنها - لهذه الشبهة. انتهى. 6 - وَعَن الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ - رضي الله عنها -: وَارَأْسَاهْ، فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "ذَاكِ لَوْ كَانَ وَأنا حَيٌّ، فَأَسْتَغْفِرُ لَكِ وَأَدْعُو لَكِ"، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: وَاثُكْلَاه, وَالله إِنِّي لأَظُنُّكَ تُحِبُّ مَوْتِي، وَلَوْ كَانَ ذَاكَ لَظَلِلْتَ آخِرَ يَوْمِكَ مُعَرِّسًا بِبَعْضِ أَزْوَاجِكَ. فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: "بَلْ أنَّا وَارَأْسَاهْ لَقَدْ هَمَمْتُ أَوْ أَرَدْتُ أَنْ أُرْسِلَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَابْنِهِ, وَأَعْهَدَ أَنْ يَقُولَ الْقَائِلُونَ أَوْ يَتَمَنَّى ¬

_ (¬1) في "فتح الباري" (7/ 495). (¬2) زيادة من "فتح الباري" (7/ 495). (¬3) ابن حجر في "فتح الباري" (7/ 495). (¬4) أي ابن حجر في "فتح الباري" (7/ 495). (¬5) كذا في (أ. ب) والذي في "الفتح": وعلى هذا فيحمل. (¬6) زيادة من "فتح الباري" (7/ 495).

المُتَمَنُّونَ، ثُمَّ قُلْتُ: يَأْبَى الله وَيَدْفَعُ المُؤْمِنُونَ، أَوْ يَدْفَعُ الله وَيَأْبَى المُؤْمِنُونَ". أخرجه الشيخان (¬1)، واللفظ للبخاري. [صحيح]. "أَعْرسَ الرَّجُلُ بِامْرَأتِهِ" إذا دخل بها. قوله: "وعن القاسم بن محمد" أي: ابن أبي بكر كان القاسم من فقهاء المدينة السبعة (¬2). قوله: "بل أنا وارأساه" هو تفجع على الرأس لشدة ما وقع فيه من ألم الصداع. قوله: "ذاك" بفتح الكاف. قوله: "واثكلاه" بضم المثلثة وسكون الكاف وفتح اللام، وبعد الألف هاء، الندبة، وأصل الثكل فقد الولد ومن يعز على الفاقد [و] (¬3) ليست حقيقة هنا مرادة، لكنه كلام يجري على ألسنتهم عند حصول المصيبة أو توقعها، وقولها "والله إني لأظنك تحب موتي" كأنها أخذت ذلك من قوله "لو متِّ قبلي" وقوله "فلو كان ذلك". قوله: "معرسا" بضم الميم وتشديد الراء المكسورة وسكون العين والتخفيف، يقال: أعرس وعرس إذا بنى على زوجته ثم استعمل في كل جماع. قوله: "بل أنا وارأساه" هي كلمة إضراب، والمعنى: دعي ذكر ما تجدينه من وجع رأسك واشتغلي بي. قوله: "لقد هممت أو أردت" شك من الراوي. قوله: "فأعهد" أي: أوصي. ¬

_ (¬1) البخاري في "صحيحه" رقم (5666) وطرفه (7217)، ومسلم رقم (11/ 2387). (¬2) قال ابن حجر في "التقريب" (2/ 120 رقم 48). (¬3) زيادة من (أ).

قوله: "ثم قلت" ظاهره أنه من كلامه - صلى الله عليه وسلم - وتمامه في رواية البخاري "يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر" قال في "الفتح" (¬1): هذا يرشد إلى أن المراد الخلافة، وأفرط المهلب (¬2) فقال: فيه دليل قاطع على خلافة أبي بكر. قال ابن حجر (¬3): قد ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يستخلف. انتهى. 7 - وعن عائشة - رضي الله عنها - قَالَتْ: لمَّا احْتُضِرَ أوْ بَكْرٍ - رضي الله عنه - دَعَا عُمَرَ فَقَالَ: إِنِّي مُسْتَخْلِفُكَ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - يَا عُمَرُ، إِنَّمَا ثَقُلَتْ مَوَازِيْنُ مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِيْنُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِاتباعِهِمُ الحَقُّ وَثقَلَهُ عَلَيْهِمْ، وَحُقَّ لِميْزَانٍ لَا يُوْضَعُ فِيْهِ إِلَّا الحَقُّ أَنْ يَكُونُ ثَقِيْلَاً، يَا عُمَرُ: إِنَّمَا خَفَّتْ مَوَازِينَ مَنْ خَفَّتْ مَوَازِيْنُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِاتَّبَاعِهِمُ الْبَاطِلَ وَخِفّتهُ عَلَيْهِمْ، وَحُقَّ لميِزَانٍ لَا يُوْضَعُ فِيْهِ إِلَّا الْبَاطِلُ أَنْ يَكُونُ خَفِيْفَاً، وَكَتَبَ إِلَى أُمَرَاءُ الْأَجْنَادِ: وَلَّيْتُ عَلَيْكُمْ عُمَرَ وَلَمْ آلُ نَفْسِي، وَلَا المُسْلِمِينَ إِلَّا خَيْرَاً، ثُمَّ مَاتَ وَدُفِنَ لِيْلَاً، ثُمَّ قَامَ عُمَرُ فِي النَّاسِ خَطِيْبَاً، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ أَنْ حَمِدَ الله وَأَثْنَى عَلَيْهِ: أَيُّهَا النَّاسُ! إِنِّي لَا أُعْلِمُكُمْ مِنْ نَفْسِي شَيْئَاً تَجْهَلُونَهُ, أنَّا عُمَرُ، وَلَمْ أَحْرِصْ عَلَى أَمْرَكُمْ، وَلَكِنِ المُتَوفِي أَوْحَى إِلَيَّ بِذَلِكَ، وَالله أَلْهَمَهَ ذَلِكَ، وَلَيْسَ أَجْعَلُ إِمَامَتِي إِلَى أَحَدٍ لَيْسَ لَهَا بِأَهْلٍ، وَلَكِنْ أَجْعَلُهَا إَلَى مَنْ تَكُونُ رَغْبَتُهُ في التَّوْقِيرِ لِلْمُسْلِمِينَ، أَولئِكَ هُمْ أَحَقُّ بِهِمْ مِمَّنْ سِوَاهُمْ. أخرجه مالك (¬4). [موقوف صحيح]. ¬

_ (¬1) (13/ 206). (¬2) ذكره الحافظ في "فتح الباري" (13/ 206). (¬3) في "فتح الباري" (13/ 206). (¬4) في "الموطأ" (2/ 752 رقم 40) وهو أثر موقوف صحيح.

قوله: "في حديث عائشة لما احتضر أبو بكر" (¬1) كان موت [366 ب] أبي بكر بمرض السل كما قاله الزبير بن بكار عن الواقدي "أنه اغتسل في يوم بارد فحم خمسة عشر يوماً وقيل: بل سمّته اليهود وذلك على الصحيح لثمان بقين من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة من الهجرة، وكانت خلافته سنتين وثلاثة أشهر وأياماً. قوله: "إلى أمراء الأجناد" وهم: معاوية أمير الشام، وعمير بن سعد أمير حمص، والمغيرة بن شعبة أمير الكوفة, وأبو موسى الأشعري أمير البصرة، وعمرو بن العاص أمير مصر. قال النووي (¬2): المراد بالأجناد هنا مدن الشام الخمس وهي: فلسطين، والأردن، ودمشق، وحمص، وقنسرين، هكذا فسروه واتفقوا عليه، ومعلوم أنّ فلسطين اسم لناحية بيت المقدس، والأردن اسم لناحية كيسان وطبرية. 8 - وَعَنْ مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ: أَنَّ عُمَرَ - رضي الله عنه - خَطَبَ يَوْمَ الجُمُعَةِ فَذَكَرَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ ذَكَرَ أبا بَكْرٍ ثُمَّ قَالَ: إِنِّي رَأَيْت كَأَنَّ دِيكًا نَقَرَني ثَلاَثَ نَقَرَاتٍ، وإنِّي لاَ أُرَاهُ إِلاَّ لحُضُورَ أَجَلِي، وَإِنَّ قومًا يَأْمُرُونَنِي أَنْ أَسْتَخْلِفَ، وإنَّ الله تَعَالَى لَمْ يَكُنْ لِيُضَيِّعَ دِينَهُ وَلاَ خِلاَفتَهُ، وَلاَ الَّذِي بَعَثَ بِهِ رسولهُ - صلى الله عليه وسلم -، فَإِنْ عَجِلَ بِي أَمْرٌ فَالخِلاَفَةُ شُورَى بينَ هَؤُلاَءِ السِّتَّةِ الَّذِينَ تُوُفِّىَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وهُوَ عَنْهُمْ رَاضٍ، وإنِّي قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ أَقْوَامًا يَطْعَنُونَ في هَذَا الأَمْرِ، أَنَّا ضرَبْتُهُمْ بِيَدِي هَذهِ عَلَى الإِسْلاَمِ، فَإِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ فَأُولَئِكَ أَعْدَاءُ الله الْكَفَرَةُ الضُّلاَّلُ، ثُمَّ قَالَ: اللهمَّ إِنِّي أُشْهِدُكَ عَلَى أُمَرَاءِ الأَنْصَارِ، فَإِنِّي إِنَّمَا بَعَثْتُهُمْ عَلَيْهِمْ لِيَعْدِلُوا وَليُعَلِّمُوا النَّاسَ دِينَهُمْ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِمْ - صلى الله عليه وسلم -، ¬

_ (¬1) انظر "سير أعلام النبلاء" (2/ 467 - 477) "طبقات ابن سعد" (3/ 192)، (8/ 18) "تاريخ الطبري" (3/ 281). (¬2) في شرحه لـ "صحيح مسلم" (14/ 208). وانظر "النهاية" (1/ 2219).

وَيَقْسِمُوا فِيهِمْ وَيرْفَعُوا إِلَىَّ مَا أَشْكَلَ عَلَيْهِمْ مِنْ [أَمْرِهِمْ] (¬1) فَمَا كَانَ إِلَّا الجُمْعَةُ الْأُخْرَى حَتَّى طعِنَ عُمَرُ - رضي الله عنه -، فَأَذِنَ لِلْمُهَاجِرِينَ ثُمَّ لِلْأَنْصَارِ، ثُمَّ لِأَهْلِ المَدِيْنَةِ، ثُمَّ لِأَهْلِ الشَّامِ، ثُمَّ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ، وَكُنَّا آَخِرَ مَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ، فَإِذَا هُوَ قَدْ عَصَب جُرْحَهُ بِبُرْدٍ أَسْوَدَ، وَالدَّمُ يَسِيْلُ عَلَيْهِ، فَقُلْنَا: أَوْصِنَا، وَلَمْ يَسْأَلُهُ الْوَصِيَّةَ أَحَدٌ غَيْرَنَا، فَقَالَ: أَوْصِيْكُمْ بِكِتَابِ الله تَعَالَى، فَإِنَّكُمْ لَنْ تَضِلُّوا مَا اتَّبَعْتُمُوه, وَأَوْصِيْكُم بِالمُهَاجِرِينَ، فَإِنَّ النَّاسَ يَكْثُرُونَ وَيَقِلُّوْنَ، وَأوْصِيْكُم بِالْأَنْصَارِ، فَإِنَّهُمْ شِعْبُ الْإِيمانِ الَّذِي لَجَأَ إِلَيْهِ، وَأوصِيْكُم بِالْأَعْرَابِ، فَإِنَّهُمْ أَصْلَكُمْ وَمَادَّتُكم. وفي رواية: فَإِنَّهُمْ إِخْوَانَكُمْ وَعَدُوُّ عَدُوِّكُمْ، وَأوصِيْكُم بِأَهْلِ الذِّمَّةِ، فَإِنَّهُم ذِمَّةُ نَبِيُّكْمْ وَرِزْقُ عِيَالِكُمْ، قُومُوا عَنِّي. أخرجه البخاري (¬2) مختصراً، ومسلم بطوله (¬3). [صحيح]. وفي رواية: أَنَّهُ لمَّا طُعِنَ عُمَرُ - رضي الله عنه - قِيْلَ لَهُ: لَوِ اسْتَخْلَفْتَ؟ فَقَالَ: أَتَحَمَّلُ أَمْرَكُمْ حَيًّا وَمَيَّتًا، إِنْ أَسْتَخْلِفْ فَقَدِ اسْتَخْلَفَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي أَبَا بَكْرٍ، وَإِنْ أَتْرُكْ فَقَدْ تَركَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، وَوَدِدْتُ أَنَّ حَظِّي مِنْهَا الْكَفَافُ لاَ لِي وَلاَ عَلَيَّ، قَالَ عَبْدُ الله - رضي الله عنه -، ¬

_ (¬1) في (أ) دينهم، وفي (ب) أمر دينهم، وما أثبتناه من "صحيح مسلم". (¬2) في "صحيحه" رقم (1392) وأطرافه في (3052، 3162، 3700، 4888، 7207) من حديث عمرو ابن ميمون الأودي. (¬3) في "صحيحه" رقم (78/ 567) من حديث معدان بن أبي طلحة. • قال الدارقطني في "التتبع" (127): وقد كتبت أيضاً علته, انظر "العلل" (2/ 217) وقال في "التتبع" (209) وقد خالف قتادة في إسناده ثلاث ثقات، رووه عن سالم بن أبي الجعد، عن عمر مرسلاً، ولم يذكروا فيه معدان, وهم: منصور بن المعتمر، وحصين بن عبد الرحمن، وعمرو بن مرة, ورواه منصور عن جرير بن عبد الحميد، ورواه عن حصين جماعة منهم: أبو الأحوص، وجرير، وابن فضيل، وابن عيينة, ورواه عن عمرو بن مرة: عمران البرجمي، وقتادة, وإن كان ثقة, وزيادة الثقة مقبولة عندنا، فإنه يدلس، ولم يذكر فيه سماعه من سالم، فاشتبه أن يكون بلغه عنه, فرواه عنه.

فَعَلِمْتُ أَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَخْلِفٍ. فَقَالُوا: جَزَاكَ الله خَيْرَاً، فَعَلْتَ وَفَعَلْتَ، فَقَالَ رَاغِب وَرَاهِبٌ. أخرجه الشيخان (¬1)، وهذا لفظهما، وأبو داود (¬2) والترمذي (¬3) مختصراً. [صحيح]. قوله: "وعن معدان بن طلحة" (¬4) هو ابن أبي طلحة أيضاً؛ لأن قتادة يقول: ابن أبي طلحة، والأوزاعي يقول: ابن طلحة اليعمري بفتح المثناة من تحت وسكون العين المهملة، وفتح الميم. قوله: "وإن قوماً يأمرونني [367 ب] أن أستخلف" فسّر الحافظ ابن حجر (¬5) الاستخلاف بقوله: أي تعيين الخليفة عند موته خليفة بعده، أو تعيين جماعة ليختاروا منهم واحداً. انتهى. ولا يخفى أن عمر قد عين جماعة ليختاروا منهم واحداً فيصدق عليه قد استخلف، فالنفي في قولهم "لم يستخلف" أي: لم يعين واحداً بعينه. [368 ب]. 9 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنه - قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى حَفْصةَ وَنَوْسَاتُهَا تَنْطُفُ، فَقَالَتْ: عَلِمْتَ أَنَّ أَبَاكَ غَيْرُ مُسْتَخْلِفٍ؟ قُلْتُ: مَا كَانَ لِيَفْعَلَ، قَالَتْ إِنَّهُ فَاعِلٌ، قَالَ: فَحَلَفْتُ أَنِّي أُكَلِّمُهُ في ذَلِكَ، فَسَكَتُّ حَتَّى غَدَوْتُ وَلَمْ أُكَلِّمْهُ، فكُنْتُ كَأَنَّمَا أَحْمِلُ بِيَمِينِي جَبَلاً حَتَّى رَجَعْتُ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ فَسَأَلَنِي عَنْ حَالِ النَّاسِ وَأَنَا أُخْبِرُهُ، ثُمَّ قُلْتُ لَهُ: إِنِّي سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ مَقَالَةً، فَآلَيْتُ أَنْ أَقُولَهَا لَكَ، زَعَمُوا أَنَّكَ غَيْرُ مُسْتَخْلِفٍ، وَإِنَّهُ لَوْ كَانَ لَكَ رَاعِي إِبِلٍ أَوْ رَاعِي غَنَمٍ ثُمَّ جَاءَكَ وَتَرَكَهَا لَرَأَيْتَ أَنْ قَدْ ضَيَّعَهَا، فَرِعَايَةُ النَّاسِ أَشَدُّ، قَالَ فَوَافَقَهُ قَوْلِى فوَضَعَ رَأْسَهُ سَاعَةً ثُمَّ رَفَعَهُ ¬

_ (¬1) البخاري رقم (7218) ومسلم رقم (1823). (¬2) في "السنن" رقم (2939). (¬3) في "السنن" رقم (2225). وهو حديث صحيح، والله أعلم. (¬4) انظر "التقريب" (2/ 263 رقم 1262). (¬5) في "فتح الباري" (13/ 206).

إِلَيَّ فَقَالَ: إِنَّ الله تَعَالَى يَحْفَظُ دِينَهُ، وإنِّي إِنْ لاَ أَسْتَخْلِفْ، فَإِنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَسْتَخْلِفْ، وَإِنْ أَسْتَخْلِفْ فَإِنَّ أَبا بَكْرٍ - رضي الله عنه - قَدِ اسْتَخْلَفَ، قَالَ: فَوَالله مَا هُوَ إِلاَّ أَنْ ذَكَرَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -وَأَبَا بَكْرٍ فَعَلِمْتُ أَنَّهُ لَا يَعْدِلَ بِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - أَحَدًا، وَأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَخْلِفٍ. أخرجه الخمسة (¬1) إلا النسائي. [صحيح]. "النَّوْسَاتُ" (¬2): ذوائب الشعر، ومعنى "تَنْطُفُ" (¬3): تقطر ماء. 10 - وَعَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ الأودي قَالَ: إِنِّي لَقَائِمٌ مَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ, - يَعْنِي عُمرَ - إِلاَّ عَبْدُ الله بْنُ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - غَدَاةَ أُصِيبَ، وَكَانَ إِذَا مَرَّ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ قَامَ بَيْنَهُمَا، فَإِذَا رَأَى خَلَلَاً قَالَ اسْتَوُوا، حَتَّى إِذَا لَمْ يَرَ فِيهِنَّ خَلَلاً تَقَدَّمَ فَكَّبرَ، وَرُبَّمَا قَرَأَ بِسُورَةَ يُوسُفَ، أَوِ النَّحْلَ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، في الرَّكْعَةِ الأُولَى حَتَّى يَجْتَمِعَ النَّاسُ، فَما هُوَ إِلاَّ أَنْ كَبَّرَ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: قَتَلَنِي، أَوْ أَكَلَنِي الْكَلْبُ، حِينَ طَعَنَهُ، فَطَارَ الْعِلْجُ بِسِكِّينٍ ذَاتِ طَرَفَيْنِ لاَ يَمُرُّ عَلَى أَحَدٍ يَمِينًا وَلاَ شِمَالاً إِلاَّ طَعَنَهُ حَتَّى طَعَنَ ثَلاَثَةَ عَشَرَ رَجُلاً، فمَاتَ مِنْهُمْ تِسْعَةٌ، وَفي رِوَايَةٍ: سَبْعَةٌ، فَلمَّا رَأَى ذَلِكَ رَجُلٌ مِنَ المُسْلِمِينَ، طَرَحَ عَلَيْهِ بُرْنُسًا، فَلمَّا ظَنَّ الْعِلْجُ أنهُ مَأْخُوذٌ نَحَرَ نَفْسَهُ، وَتَنَاوَلَ عُمَرُ - رضي الله عنه - عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ - رضي الله عنه - فَقَدَّمَهُ, فَأَمَّا مَنْ كَانَ يَلِي عُمَرَ فَقَدْ رَأَى الَّذِي رَأَيْتُ، وَأَمَّا نَوَاحِي المَسْجِدِ فَإِنَّهُمْ لاَ يَدْرُونَ مَا الْأَمْرُ، غَيْرَ أَنَّهُمْ قَدْ فَقَدُوا صَوْتَ عُمَرَ وَهُوَ يَقُولُ: سُبْحَانَ الله سُبْحَانَ الله، فَصَلَّى بِهِمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ صَلاَةً خَفِيفَةً، فَلمَّا انْصَرَفُوا قَالَ: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ! انْظُرْ مَنْ ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (1408، 7218) ومسلم رقم (1823) وأبو داود رقم (2939) والترمذي رقم (2225). وهو حديث صحيح. (¬2) قال ابن الأثير في "النهاية" (2/ 804) أي ذوائبها تقطر ماء، فسمى الذوائب نوسات, لأنها تتحرك كثيراً. وانظر "غريب الحديث" للخطابي (2/ 214)، "المجموع المغيث" (3/ 361). (¬3) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (4/ 119).

قَتَلَنِي قَالَ فَجَالَ سَاعَةً، ثُمَّ جَاءَ، فَقَالَ غُلاَمُ المُغِيرَةِ بن شُعْبَةَ قَالَ: قَاتَلَهُ الله، لَقَدْ كُنْتُ أَمَرْتُ بِهِ مَعْرُوفًا، ثُمَّ قَالَ: الحَمْدُ للهِ الَّذِي لَمْ يَجْعَلْ مَنِيَّتِي عَلَى يَدِ أَحَدٍ مِن المِسْلِمِينَ، لَقَدْ كُنْتَ أَنْتَ وَأَبُوكَ تُحِبَّانِ أَنْ تَكْثُرَ الْعُلُوجُ بِالمَدِينَةِ, وَكَانَ الْعَبَّاسُ أَكْثَرَهُمْ رَقِيقًا. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: إِنْ شِئْتَ فَعَلْتُ، أَيْ إِنْ شِئْتَ قَتَلْنَاهُمْ. قَالَ: لَا، بَعْدَ مَا تَكَلَّمُوا بِلِسَانِكُمْ، وَصَلَّوْا إِلَى قِبْلَتَكُمْ وَحَجُّوا حَجَّكُمْ فَاحْتُمِلَ إِلَى بَيْتِهِ - رضي الله عنه - فَانْطَلَقْنَا مَعَهُ قَالَ: فَكَأَنَّ النَّاسَ لَمْ تُصِبْهُمْ مُصِيبَةٌ قَبْلَ يَوْمَئِذٍ، فَقَائِلٌ يَقُولُ أَخَافُ عَلَيْهِ، وَقَائِلٌ يَقُولُ لاَ بَأْسَ به, فَأُتِيَ بِنَبِيذٍ فَشَرِبَهُ, فَخَرَجَ مِنْ جَوْفِهِ،، ثُمَّ أُتِيَ بِلَبَنٍ فَشَرِبَهُ فَخَرَجَ مِنْ جَوْفِه, فَعَرَفُوا أَنَّهُ مَيِّتٌ، وَجَاءَ النَّاسُ يُثْنُونَ عَلَيْهِ، وَجَاءَ رَجُلٌ شَابٌّ، فَقَالَ أَبْشِرْ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ بِبُشْرَى اللهِ - عز وجل -، قَدْ كَانَ لَكَ مِنْ صُحْبَةِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَقَدَمٍ في الإِسْلاَمِ مَا قَدْ عَلِمْتَ، ثُمَّ وَلِيتَ فَعَدَلْتَ، ثُمَّ شَهَادَةٌ. فَقَالَ: وَدِدْتُ أَنَّ ذَلِكَ كان كَفَافاً لاَ عَلَيَّ وَلاَ لِي. فَلمَّا أَدْبَرَ الرَّجُلُ إِذَا إِزَارُهُ يَمَسُّ الأَرْضَ، فَقَالَ رُدُّوا عَلَيَّ الْغُلاَمَ، فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي! ارْفَعْ ثَوْبَكَ، فَإِنَّهُ أَنْقَى لِثَوْبِكَ وَأَتْقَى لِرَبِّكَ، ثُمَّ قَالَ: يَا عَبْدَ الله! انْظُرْ مَا عَلَيَّ مِنَ الدَّيْنِ. فَحَسَبُوهُ فَوَجَدُوهُ سِتَّةً وَثَمانِينَ ألفًا أو نَحْوَهُ, قَالَ إِنْ وَفَي بِهِ مَالُ آلِ عُمَرَ، فَأَدِّهِ مِنْ أَمْوَالهِمْ، وإلاَّ فَسَلْ في بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ، فَإِنْ لَمْ تَفِ أَمْوَالُهُمْ فَسَلْ في قُرَيْشٍ، وَلاَ تَعْدُهُمْ إِلَى غَيْرِهِمْ، وَأَدِّ عَنِّي هَدا المَالَ، انْطَلِقْ إِلَى أُمِّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - فَقُلْ يَقْرَأُ عَلَيْكِ عُمَرُ السَّلاَمَ. وَلاَ تَقُلْ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ، فَإِنِّي لَسْتُ الْيَوْمَ بِأَمِيْرِ المُؤْمِنِينَ، وَقُلْ يَسْتَأْذِنُ عُمَرُ بْنُ الخطَّابِ أَنْ يُدْفَنَ مَعَ صَاحِبَيْهِ، قَالَ فَاسْتَأْذَنَ وَسَلَمْ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهَا وَهِيَ تَبْكِي، فَقَالَ: يَقْرَأُ عَلَيْكِ عُمَرُ السَّلاَمَ، وَيَسْتَأْذِنُ أَنْ يُدْفَنَ مَعَ صَاحِبَيْهِ، فَقَالَتْ كُنْتُ أُرِيدُهُ لِنَفْسِي، وَلأُوثِرَنَّه الْيَوْمَ عَلَى نَفْسِي، فَلمَّا أَقْبَلَ قِيلَ هَذَا عَبْدُ الله بْنُ عُمَرَ قَدْ جَاءَ. قَالَ ارْفَعُونِي، فَأَسْنَدَهُ رَجُلٌ إِلَيْهِ، فَقَالَ: مَا لَدَيْكَ؟ قَالَ: الَّذِي تُحِبُّ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ أَذِنَتْ. فَقَالَ الحَمْدُ لله، مَا كَانَ شَيْءٍ أَهَمُّ إِليَّ مِنْ ذَلِكَ، فَإِذَا أَنَا قُبِضْتُ فَاحْمِلُونِي، ثُمَّ سَلِّمْ وقُل يَسْتَأْذِنُ عُمَرُ بْنُ الخطَّابِ، فَإِنْ أَذِنَتْ لِي فَأَدْخِلُونِي، وإنْ رَدَّتْنِي رُدُّونِي إِلَى مَقَابِرِ المُسْلِمِينَ. وَجَاءَتْ أُمُّ المُؤْمِنِينَ حَفْصَةُ - رضي الله عنها - وَالنِّسَاءُ يَسْتُرْنَها، فَلمَّا رَأَيْنَاهَا

قُمْنَا، فَوَلَجَتْ عَلَيْهِ فَبَكَتْ عِنْدَهُ سَاعَةً، وَاسْتَأْذَنَ الرِّجَالُ، فَوَلَجَتْ دَاخِلاً لَهُمْ، فَسَمِعْنَا بُكَاءَهَا مِنَ دَاخِلِ، فَقَالُوا: أَوْصِ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ اسْتَخْلِفْ، فَقَالَ: مَا أرى أحداً بِهَذَا الأَمْرِ مِنْ هَؤُلاَءِ النَّفَرِ السِّتّةِ الَّذِينَ تُوُفِّيَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ عَنْهُمْ رَاضٍ. فَسَمَّى عَلِيًّا وَعُثْمَانَ وَالزُّبَيْرَ وَطَلْحَةَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ وَسَعْدًا - رضي الله عنهم -، وَقَالَ: يَشْهَدُكُمْ عَبْدُ الله بْنُ عُمَرَ، وَلَيْسَ لَهُ مِنَ هَذَا الأَمْرِ شَيْءٌ، كَهَيْئَةِ التَّعْزِيَةِ لَهُ، فَإِنْ أَصَابَتِ الإِمَارَةَ سَعْدًا فَذَاكَ، وإلاَّ فَلْيَسْتَعِنْ بِهِ أَيُّكمْ مَا أُمِّرَ، فَإِنِّي لَمْ أَعْزِلْهُ مِنْ عَجْزٍ وَلاَ خِيَانَةٍ، وَقَالَ أُوصِي الخَلِيفَةَ مِنْ بَعْدِي بِالْأَنْصَارِ وَالمُهَاجِرِينَ وَالْأَعْرَابِ وَبِأَهْلِ الْأَمْصَارِ، فَلمَّا قُبِضَ خَرَجْنَا بِهِ فَانْطَلَقْنَا نَمْشِي، فَسَلَّمَ عَبْدُ الله وَقَالَ يَسْتَأْذِنُ عُمَرُ، فَقَالَتْ أَدْخِلُوهُ. فَأُدْخِلَ، فَوُضِعَ هُنَالِكَ مَعَ صَاحِبَيْهِ، فَلمَّا فُرِغَ مِنْ دَفْنِهِ اجْتَمَعَ هَؤُلاَءِ الرَّهْطُ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ - رضي الله عنه -: اجْعَلُوا أَمْرَكُمْ إِلَى ثَلاَثَةٍ مِنْكُمْ، فَقَالَ الزُّبَيْرُ: قَدْ جَعَلْتُ أَمْرِي إِلَى عَليٍّ، وَقَالَ طَلْحَةُ: جَعَلْتُ أَمْرِي إِلَى عُثْمَانَ، وَقَالَ سَعْدٌ قَدْ جَعَلْتُ أَمْرِي إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: أَيُّكُمَا تَبَرَّأَ مِنْ هَذَا الأَمْرِ فَنَجْعَلُهُ إِلَيْهِ، وَالله عَلَيْهِ وَالإِسْلاَمُ لَيَنْظُرَنَّ أَفْضَلَهُمْ في نَفْسِهِ، فَأُسْكِتَ الشَّيْخَانِ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: أَفتَجْعَلُونَهُ إِلَيَّ، وَالله عَلَىَّ أَنْ لاَ آلُوَ عَنْ أَفْضَلِكُمْ قَالاَ نَعَمْ، فَأَخَذَ بِيَدِ أَحَدِهِمَا فَقَالَ لَكَ قَرَابَةٌ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وَالْقَدَمُ في الإِسْلاَمِ مَا قَدْ عَلِمْتَ، فَالله عَلَيْكَ لَئِنْ أَمَّرْتُكَ لَتَعْدِلَنَّ، وَلَئِنْ أَمَّرْتُ عُثْمَانَ لَتَسْمَعَنَّ وَلَتُطِيعَنَّ، ثُمَّ خَلاَ بِالآخَرِ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَلمَّا أَخَذَ المِيثَاقَ قَالَ ارْفَعْ يَدَكَ يَا عُثْمَانُ، فَبَايَعَهُ، فَبَايَعَ لَهُ عِليٌّ - رضي الله عنه -، وَوَلَجَ أَهْلُ الدَّارِ فَبَايَعُوهُ. أخرجه البخاري (¬1). [صحيح]. قوله: "في حديث عمرو بن ميمون الأودي حتى لم ير فيهن" أي: الصفوف، لفظ "فيهن" في البخاري (¬2)، وفي "الجامع" "فيهم" (¬3) والتيسير حذفهما. ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (1392) وأطرافه (3052، 3162، 3700، 4888، 7270). (¬2) رقم (3700). (¬3) (4/ 119).

قال ابن حجر (¬1): "فيهم" رواية للبخاري (¬2)، ايك في أهلها، وفي رواية "كان عمر لا يكبر حتى يستقبل الصف المقدم بوجهه, فإذا رأى رجلاً متقدماً في الصف أو متأخراً، ضربه بالدرة. قوله: "فطعنه فطار العلج" الطاعن لعمر أبو لؤلؤة، واسمه فيروز غلام للمغيرة ابن شعبة، وسبب طعنه لعمر أنه شكى عليه شدة (¬3) خراجه الذي ضربه عليه المغيرة وهو كل شهر مائة، فقال له عمر: ما خراجك بكثير في خبب ما تعمل، ثم قال له عمر: ألم أحدّث أنك تقول: لو شئت لصنعت رحى تطحن بالريح؟ فالتفت إليه عابساً وقال: لأصنعن لك رحى يتحدث الناس بها، فأقبل عمر على من معه فقال: توعدني العبد، فلبث ليالي ثم اشتمل على خنجر ذي رأسين، نصابه وسطه فكمن في زاوية من زوايا المسجد في الغلس حتى خرج عمر يوقظ الناس الصلاة الصلاة، وكان عمر يفعل ذلك، فلما دنى منه عمر وثب عليه فطعنه ثلاث طعنات إحداهن تحت السرة قد خرقت الصفاق وهي التي قتلته. قوله [254/ أ]: "مات منهم سبعة" أي: وعاش الباقون (¬4). قوله: "فلما رأى ذلك رجل من المسلمين طرح عليه برنساً" في ذيل "الاستيعاب" (¬5) أنّ ¬

_ (¬1) في "فتح الباري" (7/ 62) حيث قال: حتى إذا لم ير فيهن أي في الصفوف, وفي رواية الكشميهني: "فيهم" أي في أهلها. (¬2) انظر التعليقة المقدمة. (¬3) أخرجه ابن سعد في "الطبقات الكبرى" (3/ 345 - 346) بإسناد صحيح كما قال الحافظ في "فتح الباري" (7/ 62). (¬4) قاله الحافظ في "فتح الباري" (7/ 63). (¬5) لابن فتحون، ذكره الحافظ في "فتح الباري" (7/ 63).

الرجل من المهاجرين يقال له [حطان] (¬1) التميمي اليربوعي (¬2). قوله: "صلاة خفيفة" في رواية ابن إسحاق "بأقصر سورتين في [369 ب] القرآن، {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1)} وَ {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1)} ". وفي رواية ابن شهاب: "فلم يزل - يعني عمر - في غشيته حتى أسفر، فنظر في وجوهنا فقال: أصلى الناس؟ قالوا نعم، قال: لا إسلام لمن ترك الصلاة ثم توضأ وصلى". قوله: "منيتي" بفتح الميم وكسر النون وتشديد التحتانية رواية الكشميهني (¬3) أحد رواة البخاري، وفي رواية له "ميتتي" بكسر الميم وسكون التحتانية بعدها مثناة فوقية, أي: قتلني. قوله: "لقد كنت أنت وأبوك" في رواية ذكرها في "الفتح" (¬4) "أنه قال العباس: قال لعمر لما قال: لا تدخلوا علينا من السبي إلا الوصفاء! إنّ عمل المدينة شديد لا يستقيم إلا بالعلوج". قوله: "فكأنه الناس لم تصبهم مصيبة قبل يومئذ" في رواية ابن إسحاق (¬5) "أنه قال عمر لابن عباس: أخرج فناد في الناس: أعن ملأ منكم كان هذا؟ فقالوا: معاذ الله، ما علمنا ¬

_ (¬1) في (أ. ب) خطاب, وما أثبتناه من "فتح الباري" (7/ 63). (¬2) قال الحافظ في "الفتح" (7/ 63): وهذا أصح مما رواه ابن سعد بإسناد ضعيف منقطع قال: "طعن أبو لؤلؤة نفراً، فأخذ أبا لؤلؤة رهط من قريش منهم عبد الله بن عوف، وهاشم بن عتبة الزهريان, ورجل من بني سهم, وطرح عليه عبد الله بن عوف خميصة كانت عليه فإن ثبت هذا حمل على أن الكل اشتركوا في ذلك. (¬3) ذكره الحافظ في "الفتح" (7/ 64). (¬4) (7/ 64). (¬5) ذكره الحافظ في "الفتح" (7/ 64).

[370 ب] ولا اطّلعنا"، وزيد (¬1) في رواية "فظنّ عمر أن له ذنباً إلى الناس لا يعلمه فدعى ابن عباس وكان يحبه ويدنيه فقال: أحب أن تعلم عن ملأ من الناس كان هذا؟ فخرج فلا يمر بناس إلا وهم يبكون, فكأنما فقدوا أبكار أولادهم, قال ابن عباس: فرأيت البشر في وجهه". قوله: "فأتي بنبيذ فشرب" زاد في رواية "لينظر ما قدر جرحه" وفي رواية ابن إسحاق "فلما أصبح دخل عليه الطبيب فقال: أي الشراب أحب إليك؟ قال: النبيذ فدعا بنبيذ فشرب فخرج من جرحه، فقال: هذا صديد, ائتوني بلبن فشربه فخرج منه جرحه, فقال الطبيب: أوصِ فإني لا أظنك إلا ميتاً من يومك أو من غد. قوله: "من جوفه" في رواية الكشميهني (¬2) "من جرحه" وهي الصواب. قال ابن حجر (¬3): المراد بالنبيذ المذكور تمرات تقذف في ماء, أي [نقعت] (¬4) فيه، كانوا يصنعون ذلك لاستعذاب الماء. قوله: "وجاء شاب" في البخاري "رجل شاب" وفي رواية (¬5) فيه في الجنائز "وولج عليه شاب من الأنصار". قوله: "وقدم" (¬6) بفتح القاف بكسرها، فالأول بمعنى الفضل، والثاني بمعنى السبق. قوله: "ثم شهادة" بالرفع (¬7) عطفاً على "ما علمت" وبالجر عطف على "صحبة"، ويجوز ¬

_ (¬1) زاده مبارك بن فضالة، "فتح الباري" (7/ 64). (¬2) ذكره الحافظ في "فتح الباري" (7/ 64). (¬3) في "فتح الباري" (7/ 65). (¬4) في (أ) نبذت. (¬5) في "صحيحه" رقم (1392). (¬6) ذكره الحافظ في "فتح الباري" (7/ 65). (¬7) ذكره الحافظ في "فتح الباري" (7/ 65).

النصب على أنه مفعول مطلق [لفعل] (¬1) محذوف والأول أقوى. قوله: "فقال ارفع ثوبك" في إنكاره على الشاب ما كان عليه من الصلابة في الدين [371 ب] وأنه لم يشغله ما هو فيه من الموت عن الأمر بالمعروف. قوله: "أنقى لثوبك" بالنون ثم القاف للأكثر، وبالموحدة بدل النون في رواية وزاد في البخاري (¬2) في رواية الحديث من كتاب الأحكام "وأتقى لربك". ووقع في رواية (¬3) المبارك بن فضالة: قال ابن عباس: وإن قلت ذلك كأنه يريد قوله "كفافاً" بفتح الكاف. وقوله: "لا عليّ ولا لي" بيان لمعناه (¬4) "فجزاك الله خيراً، أليس قد دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يعز الله بك الدين والمسلمين إذ يخافون بمكة, فلما أسلمت كان إسلامك عزاً وظهر بك الإِسلام، وهاجرت فكانت هجرتك فتحاً، لم تغب عن مشهد شهده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قتال المشركين، ثم قبض وهو عنك راض، ووزرت الخليفة بعده على منهاج النبي - صلى الله عليه وسلم - فضربت من أدبر بمن أقبل ثم قبض الخليفة وهو عنك راض، ثم وليت بخير ما ولي لناس، مصر الله بك الأمصار، وجبابك الأموال، ونفى بك العدو ... - إلى أن قال - ثم ختم لك بالشهادة, فقال: والله إن المغرور من [372 ب] تغرونه, ثم قال: اشهد لي يا عبد الله عند الله يوم القيامة؟ قال: نعم، قال: الحمد لله أراد بعبد الله: ابن عباس الذي خاطبه (¬5). ¬

_ (¬1) في (ب) بفعل. (¬2) انظر "فتح الباري" (3/ 256 رقم 1392). (¬3) ذكره الحافظ في "فتح الباري" (7/ 65). (¬4) ذكره الحافظ في "فتح الباري" (7/ 65 - 66). (¬5) ذكره الحافظ في "فتح الباري" (7/ 66).

قوله: "ثم قال: يا عبد الله" في البخاري (¬1) "ابن عمر، انظر ما علي من الدين، فحسبوه فوجدوه ستة وثمانين ألفاً". في حديث جابر "ثم قال يا عبد الله أقسمت عليك بحق الله، وحق عمر إذا مت فدفنتي لا تغسل رأسك حتى تبيع من رباع آل عمر بثمانين ألفاً فضعها في بيت مال المسلمين، فسأله عبد الرحمن بن عوف، فقال: أنفقتها في حجج حججتها وفي نوائب كانت تنوبني"، فعرف بهذا جهة دين عمر. قوله: "فإن وفى به مال آل عمر" كأنه يريد نفسه ومثله يقع في كلامهم كثير [255/ أ] ويحتمل أن يريد رهطه. قوله: "لا تعدهم" بسكون العين، أي: لا تجاوزهم (¬2). قوله: "فإني لست اليوم بأمير للمؤمنين" قال ابن التين: إنما قال ذلك عندما أيقن بالموت [إشارة بذلك] (¬3) إلى عائشة بذلك لئلا تحابيه لكونه أمير المؤمنين. قوله: "لأوثرنه اليوم على نفسي" كأنها تريد أنها كانت معدة له لنفسها. قوله: "إذا مت فاستأذن" ذكر ابن سعد (¬4) عن معن بن عيسى عن مالك: أنّ عمر كان يخشى أن تكون أذنت في حياته حياء منه، وأن ترجع في ذلك بعد موته فأراد أن لا يكرهها [على] (¬5) ذلك. ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (3700). (¬2) قاله الحافظ في "فتح الباري" (7/ 66). (¬3) في المخطوط (أ. ب) أشار، وما أثبتناه من "فتح الباري". (¬4) أخرجه ابن سعد في "الطبقات الكبرى" (3/ 363). (¬5) في (ب) في.

قوله: "فولجت" أي: دخلت على عمر، وذكر ابن سعد (¬1) بإسناد صحيح كما قاله ابن حجر (¬2) عن المقدام بن معد يكرب أنها قالت: يا صاحب رسول الله! ويا صهر رسول الله، ويا أمير المؤمنين، فقال عمر: لا صبر لي على ما أسمع، أحرج عليك بما لي عليك من الحق أن لا تندبيني [373 ب] بعد مجلسك هذا، وأمّا عيناك فلن أملكهما. قوله: "فولجت داخلًا" أي: مدخلاً كان في الدار. قوله: "من هؤلاء النفر الستة" إلى قوله "فسمى علياً - رضي الله عنه - ومن ذكر معه" ولا إشكال في اقتصار عمر على هؤلاء الستة من العشرة؛ لأنه منهم، وكذلك أبو بكر وأبو عبيدة وقد مات قبل ذلك، نعم بقي منهم سعيد بن زيد فإنه من العشرة ولم يسمه عمر، قالوا: لأنه ابن ابن عم عمر فلم يسمه عمر فيهم مبالغة في التبرئ من الأمر. وقد صرح في رواية المدائني (¬3) بأسانيده "أن عمر عد سعيد بن زيد فيمن توفي النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو عنهم راض إلا أنه استثناه من أهل الشورى لقرابته منه"، وقد صرح بذلك المدائني بأسانيده قال: فقال عمر: لا أرب لي في أمركم فأرغب فيها لأحد من أهلي". قال ابن بطال (¬4): إن عمر سلك في هذا الأمر مسلكاً متوسطاً خشية الفتنة فرأى [أن] (¬5) الاستخلاف أضبط لأمر المسلمين فجعل الأمر موقوفاً على الستة، فأخذ من الاقتداء بالنبي - صلى الله عليه وسلم - طرفاً وهو ترك التعيين، ومن فعل أبي بكر طرفاً وهو العقد لأحد الستة. انتهى. ¬

_ (¬1) في "الطبقات الكبرى" (3/ 361). (¬2) في "فتح الباري" (7/ 67). (¬3) ذكره الحافظ في "فتح الباري" (7/ 67). (¬4) ذكره الحافظ في "الفتح" (7/ 69). (¬5) سقطت من (ب).

قوله: "يشهدكم عبد الله بن عمر" في رواية الطبراني من طريق المدائني (¬1) بأسانيده "قال: فقال له رجل: استخلف عبد الله بن عمر، قال: والله ما أردت إليه بهذا". وأخرج ابن سعد (¬2) بسند صحيح من مرسل إبراهيم النخعي نحوه قال "فقال عمر: قاتلك [374 ب] الله، والله ما أردت الله بهذا أستخلف من لم يحسن يطلق امرأته". قوله: "كهيئة التعزية له" أي لابن عمر لما أخرجه من أهل الشورى في الخلافة أراد جبر خاطره بأن جعله من أهل المشاورة في ذلك. قوله: "فإن أصابت الإمارة سعداً" يعني ابن أبي وقاص، زاد المديني "وما أظن أن يلي هذا الأمر إلا علي أو عثمان، فإن وليّ عثمان فرجل فيه لين، وإن ولي علي فستختلف عليه الناس، وإن وليّ سعد وإلا فليستعن به الوالي". قوله: "وأوصي الخليفة بعدي" في رواية ابن إسحاق عن عمرو بن ميمون قال "ادعوا لي علياً وعثمان وعبد الرحمن وسعداً والزبير، وكان طلحة غائباً، قال: فلم يتكلم أحداً منهم غير علي وعثمان، فقال: "يا علي! لعل هؤلاء القوم يعلمون لك حقك وقرابتك من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصهرك وما آتاك الله من العلم والفقه، فإن وليت هذا الأمر فاتق الله فيه"، ثم دعى عثمان فذكر له نحو ذلك (¬3). ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (7/ 67). (¬2) في "الطبقات الكبرى" (3/ 362 - 363). (¬3) ذكره الحافظ في "فتح الباري" (7/ 68).

ووقع في رواية (¬1) عن ابن إسحاق في قصة عثمان "فإن ولوك هذا الأمر فاتق الله [ولا تحملن] (¬2) بني معيط [على] (¬3) رقاب المسلمين"، ثم قال: ادعوا لي صهيباً فدعي له، فقال: صل بالناس ثلاثاً، وليحل هؤلاء القوم في بيت، فإذا اجتمعوا على رجل فمن خالف فاضربوا عنقه" فلما خرجوا من عنده، [قال] (¬4): إن تولوها الأجلح يسلك بهم الطريق قال له ابنه [256/ أ]: ما يمنعك يا أمير المؤمنين، قال: "أكره أن أتحملها حياً وميتاً" (¬5). قوله: "اجلعوا أموركم إلى ثلاثة" أي: في الاختيار ليقل الاختلاف (¬6). قوله: "والله والإِسلام" بالرفع فيهما والخبر محذوف أي: عليه رقيب أو نحو ذلك. قوله: "فأسكت" بضم الهمزة وكسر الكاف، كان مسكتاً أسكتهما ويجوز فتح الهمزة والكاف وهو بمعنى سكت. قوله: "الشيخان" [375 ب] أي: عليّ وعثمان. قوله: "فأخذ بيد أحدهما" هو علي - عليه السلام -، وبقية الكلام يدل عليه ووقع مصرحاً به في رواية (¬7). قوله: "والقدم" تقدم أنه بفتح القاف وكسرها. ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "فتح الباري" (7/ 68). (¬2) في المخطوط (أ. ب) ولا تحكمن، وما أثبتناه من "فتح الباري". (¬3) في (ب) في. (¬4) في (ب) فقال. (¬5) انظر "الطبقات الكبرى" لابن سعد (3/ 344). (¬6) قال ابن حجر في "فتح الباري" (7/ 68) كذا قال ابن التين وفيه نظر، وصرح المدائني في روايته بخلاف ما قاله. (¬7) انظر "فتح الباري" (7/ 69).

وقوله: "ما قد علمت" صفة أو بدل من القدم، وهذا الحديث ونحوه يدل على أن الصحابة في بيعة أبي بكر وبيعة الشورى جازمون بأنه - صلى الله عليه وسلم - ما نص على أحد باستحقاقه الخلافة، وأن أبا بكر لم يعد تقديمه - صلى الله عليه وسلم - وتخصيصه له بالإمامة للصلاة بالناس أيام مرضه - صلى الله عليه وسلم - دليلاً على استحقاقه ذلك ولا ادّعاه ولا استدل به ولا بغيره يوم السقيفة كما سلف. وكذلك أمير المؤمنين علي - عليه السلام - في خوضه (¬1) مع أبي بكر حين اجتمعا وتعاتبا لم يستدل بأنه كان أولى بالخلافة ولا في يوم الشورى لم يذكر حديث الغدير ولا الأخوة، ولا أنه من النبي - صلى الله عليه وسلم - كهارون من موسى ونحو ذلك من فضائله، وفي هذا دلالة على أنّ من ذكر من الصحابة والقرابة كان الأمر عندهم يسير وأنه ليس القصد إلا إقامة شعار الإِسلام وجهاد الكفرة عبّاد الأصنام، وأن من قام به فقد كفى المؤنة وكانوا له أعواناً، ولكن الناس من بعد ذلك أبوا إلا تفريق الأمة والاشتغال بما سلف وادّعاء العصبية على خلافة من يرونه أعظم عندهم وإطالة الجدال واللجاج، والاستدلال والاحتجاج في أمر قد سلف ومضى ونفذ فيه ما أراده الله وقضى. فالعجب ممن أتى من الفرق الإِسلامية من بعد أولئك السلف الصالح يدعون لهم دعاوي [376 ب] لم يدّعوها فهي دعوى لغير مدع، حقها الإعراض عنها، ثم تستدل كل طائفة لدعواها ثم يفتحون أبواباً للجدال، ويجرون [عاراً] (¬2) للقيل والقال ثم يؤول الكلام إلى تضليل كل طائفة للأخرى، وما كان أحقهم بتولي الجميع، والإعراض عن كل شنيع، والإشتغال بما هو الأنفع في المآل، فإنه لا يسأل الملكان من نزل [في] (¬3) قبره إلا عن ربه من هو؟ وعن رسوله محمَّد - صلى الله عليه وسلم -. ¬

_ (¬1) تقدم ذكره. (¬2) في (ب) بحاراً. (¬3) زيادة من (أ).

لا يسأل الملكان من حلّ الثرى ... إلا عن الرحمن عند حلوله وعن الرسول محمَّد خير الورى 11 - وعن عبد الله بن سلام - رضي الله عنه - قَالَ: لمَّا حُوْصِرَ عُثْمَانُ - رضي الله عنه - وَلّى أَبا هُرَيْرَةَ عَلَى الصَّلَاةِ، وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُصَلِّي أَحْيَانَاً، ثُمَّ بَعَثَ عُثْمَانُ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ مَا تُرِيْدُونَ مِنِّي؟ قَالُوْا: نُرِيْدُ أَنْ تَخْلَعَ إِلَيْهِمْ أَمْرَهُمْ، ثُمَّ قَالَ: [لَا أَخْلَعُ سِرْبَالَاً سَرْبَلْنِيْهِ الله - عز وجل -، فَقَالُوْا: فَهُمْ قَاتِلُوكَ، قَالَ: لَئِنْ قَتَلْتُمُونِي لَا تَتَحَابُّونَ بَعْدِي أَبَدَاً] (¬1) وَلَا تُقَاتِلُونَ بَعْدِي عَدُوَّاً جَمِيْعَاً، وَلَتَخْتَلِفُنَّ (¬2) عَلَى بَصِيْرةٍ، يَا قَوْمِ! لَا يَجْرِمَنَكمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ مَنْ قَبْلَكُمْ، فَلمَّا اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْأَمْرُ أَصْبَحَ صَائِمَاً (¬3) يَوْمَ الجُمْعَةِ، فَلمَّا كَانَ في بَعْضِ النَّهَارِ نَامَ فَقَالَ: رَأَيْتُ الْآنَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ لِي: إِنَّكَ تَفْطِرُ عِنْدَنَا الَّليْلَةَ، فَقُتِلَ مِنْ يَوْمِهِ، ثُمَّ قَامَ عَليٌّ - رضي الله عنه - خَطِيْبَاً فَحِمَدَ الله وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ! أَقْبِلُوا عَلَيَّ بِأَسْمَاعِكُمْ وَأَبْصَارِكُمْ، إِنِّي أخَاف أَنْ أَكُونَ أنَّا وَأَنْتُم قَدْ أَصْبَحْنَا في فِتْنَةٍ وَمَا عَلَيْنَا فِيْهَا إِلَّا الْاجْتِهَاد وَإِنَّ اللهَ تَعَالَى أَدَّبَ هَذ الْأُمَّةَ بِأَدَبَيْنِ: الْكِتَاِب وَالسُّنَّةِ، لَا هَوَادةَ عِنْدَ السُّلْطَانِ فِيْهِمَا، فَاتَّقُوْا الله وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ، ثُمَّ نَزَلَ وَعِمَدَ إِلَى مَا بَقِيَ مْنِ بَيْتِ المَالِ فَقَسَّمَهُ عَلَى المُسْلِمِينْ. أخرجه رزين. "لا يجرمنكم": أي: لا يحملنكم، والشقاق: النزاع والخلاف، "والهوادة" السكون والموادعة، والرضا بالحالة التي ترجى معها سلامة. قوله: "وعن عبد الله بن سلام" بتخفيف لام "سلام" هو الإسرائيلي السابق لمن أسلم من أهل الكتاب بإسلامه. ¬

_ (¬1) ما بين الحاصرتين أخرجه ابن سعد في "الطبقات" (3/ 72 - 73) عن الحسن. (¬2) أخرج ابن سعد في "الطبقات" (3/ 71) عن أبي ليلى الكندي، بنحوه. (¬3) أخرج ابن سعد في "الطبقات" (3/ 70) عبد الله بن الزبير وفيه " ... قال فدخلوا عليه وهو صائم ... ".

قوله: "ولي أبا هريرة على الصلاة" [و] (¬1) لم ينفرد أبو هريرة بالصلاة في أيام حصار عثمان بل صلى بهم جماعة من الصحابة منهم أبو أيوب وسهل بن حنيف وأبو أمامة، وصلى علي - عليه السلام - بالناس يوم النحر. قال ابن المبارك: ما صلى علي - عليه السلام - في ذلك الجم إلا العيد وحدها لئلا تضاع سنة ببلد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولم يكن في القائمين على عثمان أحد من الصحابة، وإنما كانوا من مصرو (¬2) الكوفة ولم يعيبوا عليه شيئاً إلا برأي، فطالبوه بعزل عماله من بني أمية فلم يقدر عليه في تلك الحالة وكان الذي جلب أهل مصر [377 ب] هو عبد الرحمن بن عديس وصلى لأهل المدينة الجمعة وخطب على منبر النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو المراد من قوله "ويصلي لنا إمام فتنة". قوله: "فهم قاتلوك" كان سبب حصرهم له وقتلهم له أنه كان محباً لقرابته [257/ أ] كلفاً بهم وكانوا قرابة سوء، وكان قد ولى مصر عبد الله بن أبي سرح فشكوه فولّى عليهم محمَّد بن أبي بكر باختيارهم له، فكتب له العهد وخرج معهم عدد من المهاجرين والأنصار ينظرون فيما بينهم وبين ابن أبي سرح، فلما كانوا على ثلاثة أيام من المدينة إذ هم بغلام عثمان على ¬

_ (¬1) زيادة من (ب). (¬2) أخرج ابن سعد في "الطبقات" (3/ 71) عن أبي جعفر القارئ مولى ابن عباس المخزومي قال: كان المصريون الذين حاصروا عثمان ستمائة, رأسهم عبد الرحمن بن عديس البلوي وكنانة بن بشر بن عتاب الكندي، وعمرو بن الحمق الخزاعي، والذين قدموا من الكوفة مائتين، رأسهم مالك الأشتر النخعي، والذين قدموا من البصرة مائة, وكان رأسهم حكيم بن جبلة العبدي، وكانوا يداً واحدة في الشر، وكان حثالة من الناس قد صووا إليهم قد مزجت عهودهم وأماناتهم مفتونون ...

راحلته معه كتاب مفترى، وعليه خاتم عثمان إلى ابن أبي سرح يحرضه ويحثه على [قتلهم] (¬1) إذا قدموا عليه، فرجعوا إلى عثمان فحلف لهم أنه لم يأمر به ولا يعلم بذلك (¬2). ويقال: إنّ مروان هو الكاتب والمرسل، فطلبوا منه تسليم مروان، فأبى عليهم، فطلبوا أن يخلع نفسه فأبى، فاجتمع نفر من أهل مصر والكوفة والبصرة، وساروا إليه فأغلق بابه عنهم، فحاصروه عشرين أو أربعين يوماً، وكان معه ستمائة رجل في الدار، فطلبوا منه الخروج للقتال فكره وقال: إنما المراد نفسي فسأقي المسلمين بها، فدخلوا عليه من دار ابن حزم الأنصاري، فقتلوه والمصحف بين يديه، آخر ذي الحجة من سنة خمس (¬3) وثلاثين، وصلى عليه الزبير ودفن بالبقيع. وكان قتله أول فتنة انفتحت بين المسلمين واستمرت من يومئذ فلم تغلق إلى يوم القيامة. [378 ب]. قوله: "فقتل من يومه" قيل: إنه لما حوصر عثمان دخل محمَّد بن أبي بكر الصديق ليقتله فقال له عثمان: لو رآك أبوك لساءه فعلك فتركه وخرج (¬4). ¬

_ (¬1) في (ب) بياض، وفي (أ) قولهم، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬2) انظر "الطبقات الكبرى" (3/ 64). (¬3) أخرج ابن سعد في "الطبقات" (3/ 77) عن عبد الله بن عمرو بن عثمان قال: بويع عثمان بن عفان بالخلافة أول يوم من المحرم سنة أربع وعشرين، وقتل - يرحمه الله - يوم الجمعة لثماني عشرة، ليلة خلت من ذي الحجة سنة ست وثلاثين بعد العصر، وكان يومئذ صائماً، ودفن ليلة السبت بين المغرب والعشاء في حش كوكب بالبقيع. (¬4) انظر "الطبقات الكبرى" (3/ 73).

قوله: "والهوادة" (¬1) هي بفتح الهاء والدال المهملة. 12 - وَعَن الحَسَنَ الْبَصْرِي - رضي الله عنه - قَالَ: اسْتَقْبَلَ وَالله الحَسَنُ بْنُ عَليٍّ مُعَاوِيَةَ بِكَتَائِبَ أَمْثَالِ الجِبَالِ، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ لمِعَاوِيَة: إِنِّي واللهِ لأَرَى كَتَائِبَ لاَ تُوَلِّى حَتَّى تَقْتُلَ أَقْرَانَهَا. فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَة: وَكَانَ وَالله خير الرَّجُلينِ: أَيْ عَمْرُو [أَرَأَيْتَ] (¬2) إِنْ قَتَلَ هَؤُلاَءِ هَؤُلاَءِ، وَهَؤُلاَءِ هَؤُلاَءِ، مَنْ لِي بِأُمُورِ المُسْلِمِينَ، مَنْ لِي بِنِسَائِهِمْ، مَنْ لِي بِضَيْعَتِهِمْ؟ فَبَعَثَ إِلَيْهِ رَجُلينِ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سَمُرَةَ، وَعَبْدَ اللهِ [بْنَ] (¬3) عَامِرِ، فَقَالَ اذْهَبَا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ وَاعْرِضَا عَلَيْه, وَقُولاَ لَهُ، وَاطْلُبَا إِلَيْهِ. فَأَتَيَاه فَدَخَلاَ عَلَيْهِ فَتَكلَّمَا، وَقَالاَ لَهُ، وَطَلَبَا إِلَيْهِ، فَقَالَ لهما الحَسَنُ - رضي الله عنه -: إِنَّا بَنُو عَبْدِ المُطَّلِبِ، قَدْ أَصَبْنَا مِنْ هَذَا المَالِ، وإنَّ هَذِهِ الأُمَّةَ قَدْ عَاثَتْ في دِمَائِهَا. قَالاَ فَإِنَّهُ يَعْرِضُ عَلَيْكَ كَذَا وَكَذَا وَيَطْلُبُ إِلَيْكَ وَيَسْأَلُكَ. قَالَ فَمَنْ لِي بِهَذَا؟ قَالاَ نَحْنُ لَكَ بِهِ. فَمَا سَأَلَهُمَا شَيْئًا إِلاَّ قَالاَ نَحْنُ لَكَ بِهِ. فَصَالَحَهُ. قَالَ الحَسَنُ الْبَصْريُّ: [وَلَقَدْ] (¬4) سَمِعْتُ أَبَا بَكْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عَلَى المِنْبَرِ وَالحسَنُ بْنُ عَليٍّ إِلَى جَنْبِهِ, وَهْوَ يُقْبِلُ عَلَى النَّاسِ مَرَّةً وَعَلَيْهِ أُخْرَى وَيَقُولُ: "إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَلَعَلَّ الله تَعَالَى أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بينَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنَ المُسْلِمِينَ". أخرجه البخاري (¬5). [صحيح]. ¬

_ (¬1) الهوادة: السكون والرخصة والمحاباة. "النهاية في غريب الحديث" (2/ 917)، "الفائق" للزمخشري (4/ 119). (¬2) زيادة من (أ). (¬3) زيادة من البخاري رقم (2704). (¬4) زيادة من البخاري رقم (2704). (¬5) في "صحيحه" رقم (2704) وأطرافه في (3629، 3746، 7109).

"الكتائب" جمع كتيبة (¬1)، وهي قطعة من الجيش مجتمعة، وقوله: "عاثت": أي: أفسدت, "والعيث": الفساد (¬2). قوله: "في حديث الحسن البصري استقبل والله الحسن بن عليّ معاوية بكتائب". الكتائب بالمثناة الفوقية آخره موحدة, جمع كتيبة بوزن عظيمة وهي طائفة من الجيش تجمع وهي فعلية بمعنى مفعولة؛ لأن كبير الجيش إذا رتبهم وجعل كل طائفة على حدة كتبهم في ديوان (¬3). قوله: "أمثال الجبال" أي: لا يرى لها طرف لكثرتها، ويحمل أن يريد شدة البأس، وأشار الحسن البصري بهذه القصة إلى ما اتفق بعد قتل علي - عليه السلام - فإنه لما انقضى التحكيم ورجع أمير المؤمنين - عليه السلام - إلى الكوفة يتجهز لقتال أهل الشام مرة بعد أخرى، فشغله قتال الخوارج بالنهروان (¬4) وذلك في سنة ثمان (¬5) وثلاثين وتجهز في سنة تسع وثلاثين، فلم يتم له ذلك لافتراق أهل العراق عليه, فلما قتل، واستخلف الحسن خرج لقتال معاوية جعل عله مقدمة أهل العراق قيس بن سعد بن عبادة في اثني عشر ألفاً، وكان الذي مع الحسن أربعين ألفاً بايعوه على الموت, وكان معاوية لما بلغه قتل (¬6) علي - عليه السلام - خرج في عساكره من الشام, ¬

_ (¬1) ذكره ابن الأثير في "غريب الجامع" (4/ 131) (¬2) انظر "النهاية في غريب الحديث" (2/ 277)، "المجموع المغيث" (2/ 528). (¬3) ذكر ذلك ابن التين عن الداودي. "فتح الباري" (13/ 62). (¬4) انظر "تاريخ الطبري" (5/ 91 - 92). (¬5) أخرجه الطبري في "تاريخه" (5/ 92) عن أبي مريم " ... كان معلوماً أن الوقعة كانت بينه وبينهم في سنة ثمان وثلاثين" بإسناد حسن. (¬6) أخرج الطبراني في "المعجم الكبير" (ج 1 رقم 164) ثنا أبو الزنباع روح بن الفرج، ثنا يحيى بن بكير قال: قتل علي بن أبي طالب يوم الجمعة سبعة عشر من شهر رمضان سنة أربعين. =

وخرج الحسن بن علي - عليه السلام - حتى نزل المدائن فوصل معاوية إلى مسكن، وكان الحسن [379 ب] لا يحب القتال، لكن أراد أن يشترط على معاوية لنفسه، وعرف أن قيس بن سعد لا يطاوعه على الصلح فنزعه وأمر عبيد الله بن العباس. قلت: وفي كلام الحسن البصري ما يدل على أن الحسن بن علي - عليه السلام - كان في أقوام كثيرة, وهو يرد قول من قال أنه إنما صالح معاوية لقلة من عنده من الأجناد، وأشرت إلى ذلك في أبيات (¬1) أحث بعض الدعاة على الصلح بينه وبين من خرج عليه، منها: قد صالح الحسن ابن هند وهو في الـ ... أبطال من أبناء عبد مناف وأتى بجيش كالجبال يقودهم ... يمشون في ظل القنا الرعاف قوله: "لا تولي" بالتشديد، لا ترتد حتى تقتل أقرانها، جمع قرن بكسر القاف وسكون الراء. قوله: "من لي بأمور المسلمين" فسّرها بقوله: "من لي بنسائهم، من لي بضيعتهم" يريد به الأطفال والضعفاء سموا باسم ما يؤول إليه أمرهم؛ لأنهم إن تركوا ضاعوا لعدم من يقوم بهم وعدم استقلالهم بأمر المعاش (¬2). وهو بهذا الكلام يشير إلى أن رجال العسكر معظم من في الإقليمين فإذا قتلوا ضاع أمر الناس وفسد حال أهلهم بعدهم وذراريهم. قوله: "فبعث" أي: معاوية "إليه" أي: إلى الحسن بن علي - عليه السلام -. ¬

_ = وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (9/ 146) وقال: رجاله ثقات. انظر تاريخ خليفة (198)، "الطبقات الكبرى" (3/ 37). (¬1) انظر: ديوان الأمير الصنعاني (ص 282). (¬2) ذكره الحافظ في "الفتح" (13/ 64).

"رجلين من قريش من بني عبد شمس" أي: ابن عبد مناف بن قصي وفسرهما قوله: "عبد الرحمن بن سمرة" قد تقدم ذكره في حديث عبد الرحمن بن سمرة [380 ب] "لا تسأل الإمارة"، و"عبد الله بن عامر" أي: ابن كثير بمثلثة مصغر كثير وهو [الذي] (¬1) ولاه معاوية البصرة بعد [258/ أ] تمام الصلح (¬2). قوله: "واعرِضَا عليه" أي: ما شاء من المال. "وقولا له" أي: في حقن دماء المسلمين بالصلح، وطلبا إليه خلع نفسه من الخلافة وتسليم الأمر إلى معاوية. قوله: "إنّا بنو عبد المطلب" منصوب [باعنِّي] (¬3) ونحوه. "قد أصبنا من هذا المال" قال في "الفتح" (¬4): أي جبلنا على الكرم والتوسعة على أتباعنا من الأهل والموالي، وكنا نتمكن من ذلك في الخلافة حتى صار ذلك لنا عادة. قوله: "وإن هذه الأمة" أي العسكرين الشامي والعراقي (¬5). وَ"عاثت" بالمهملة والمثلثة، أي: قتل بعضها بعضاً فلا يكفون عن ذلك إلا بالصلح عما مضى منهم والتأليف بالمال، وأراد الحسن - عليه السلام - بهذا كله تسكين الفتنة، وتفرقة المال على من لا يرضيه إلا المال فوافقاه على ما شرط من جميع ذلك (¬6). قوله: "فمن لي بهذا" أي: من يضمن لي الوفاء من معاوية. ¬

_ (¬1) زيادة من "فتح الباري". (¬2) ذكره الحافظ في "الفتح" (13/ 64). (¬3) كذا في (أ. ب) غير مقروءة, ولعلها (بـ أعني). (¬4) في "فتح الباري" (13/ 56). (¬5) ذكره الحافظ في "فتح الباري" (13/ 65). (¬6) ذكره الحافظ في "فتح الباري" (13/ 65).

"قالا نحن لك به" أي: نضمن لك به. قوله: "فصالحه" في الحديث بيان أنّ معاوية هو الذي طلب الصلح من الحسن، وأرسل إليه من ذكر وصالحه الحسن على أمور منها أنه يكون الخليفة بعد معاوية، وفي القصة وما شرطه طول، مستوفاة في كتب السيرة وغيرها. قوله: "فصالحه" فيه منقبة للحسن بن علي - عليه السلام -، فإنه ترك الملك لا لقلة [381 ب] ولا لذلة، بل لرغبته فيما عند الله لما رآه من حقن دماء المسلمين، فراعى أمر الدين ومصلحة الأمة، وفيه جواز خلع الخليفة نفسه إذا رأى ذلك صلاحاً للمسلمين، وفيه جواز ترك الوظائف الدينية والدنيوية بالمال وجواز أخذ المال على ذلك. قوله: "سمعت أبا بكرة" فيه تصريح بأن الحسن البصري أدرك أبا بكرة وسمع منه. قوله: "رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب على المنبر والحسن بن علي - رضي الله عنه - إلى جانبه ويقول: إن ابني هذا سيد". هو مشتق من السؤدد (¬1)، وقيل: من السواد لكونه ترأس على السواد الأعظم من الناس، أي: الأشخاص الكثيرة. قال المهلب (¬2): الحديث دلّ على أنّ السيادة إنما يستحقها من ينتفع به الناس، لكونه علق السيادة بالإصلاح، ومنه إطلاق الابن علي ابن البنت. قلت: وفي تسميته هنا سيد إشارة إلى أنه وإن ترك الخلافة لغيره فإن سيادته ثابتة له. قوله: "ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين" هذا من أعلام النبوة، وفيه رد على الخوارج الذي كانوا يكفرون معاوية، ومن معه وعلياً ومن معه، لشهادة النبي ¬

_ (¬1) انظر "النهاية في غريب الحديث" (1/ 822)، "فتح الباري" (13/ 65). (¬2) ذكره الحافظ في "فتح الباري" (13/ 67).

كتاب الخلع

- صلى الله عليه وسلم - أنهم من المسلمين، ولهذا كان يقول سفيان بن عيينة عقب هذا: قوله "من المسلمين" تعجبنا جداً. كتاب الخلع الخلع (¬1) هو النزع لغة (¬2)، وخالعت المرأة زوجها افتدت منه [382 ب] والاسم الخلع بالضم استعارة من خلع اللباس؛ لأن كلاً لباس للآخر، فإذا فعلاه فكأن كلاً نزع لباسه عنه وسمي فدية وافتداء، وأجمع العلماء (¬3) على مشروعيته إلا بكر بن عبد الله المزني (¬4) ولم يتابع على إنكاره له وانعقد الإجماع على اعتباره. 1 - عن ثوبان - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَيُّمَا امْرَأَةٍ اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا مِنْ غَيْرِ بَأْسٍ لَم تُرَحْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ". أخرجه الترمذي (¬5). [صحيح]. ¬

_ (¬1) انظر "القاموس المحيط" (ص 921) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 520 - 521). (¬2) انظر "القاموس المحيط" (ص 921) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 520 - 521). (¬3) انظر "الاستذكار" (17/ 175 رقم 25863)، الإجماع لابن المنذر (ص 104). (¬4) أخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (2/ ج 2/ 462). وقال ابن كثير في تفسيره (2/ 346): رواه ابن جرير عنه - بكر بن عبد الله المزني - هذا قول ضعيف، ومأخذ مردود على قائله. (¬5) في "السنن" رقم (1187). وأخرجه أبو داود رقم (2226) وابن ماجه رقم (2055) وابن حبان رقم (4184) وأحمد (5/ 277)، (5/ 283) وابن الجارود في "المنتقى" رقم (748) والحاكم (2/ 200) والبيهقي (7/ 316). وهو حديث صحيح.

وفي أخرى لأبي داود (¬1): "أيما امرأة سألت من زوجها طلاقها، وذكر نحوه]. [صحيح]. وفي أخرى للنسائي (¬2) عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: "إِنَّ المُخْتَلِعَاتِ هُنَّ المنَافِقَاتُ". [صحيح]. قوله: "في حديث ثوبان أخرجه الترمذي". قلت: في الترمذي حديثان عن ثوبان: أولهما (¬3) عنه - صلى الله عليه وسلم -: "المختلعات هن المنافقات" قال الترمذي (¬4): حديث غريب من هذا الوجه وليس إسناده بالقوي. وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "أيما امرأة ... " وذكر حديث الكتاب ثم قال (¬5): حدثنا بذلك محمَّد بن بشار قال: حدثنا عبد الوهاب الثقفي قال: حدثنا أيوب عن أبي قلابة عن أبي أسماء عن ثوبان. وفي نسخة منه عمن حدّثه عن ثوبان وقال: ورواه عن أيوب بهذا الإسناد ولم يرفعه وسكت عليه وقد رواه بصيغة التمريض. قوله: "وللنسائي عن أبي هريرة" قد عرفت أنه أول حديث ساقه الترمذي عن ثوبان، فكان الصواب نسبته إليهما وبيان صحابييه بأن يقول: وللترمذي عن ثوبان، والنسائي (¬6) عن أبي هريرة .. إلى آخره. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (2226). (¬2) في "السنن" رقم (3461). وهو حديث صحيح. (¬3) أخرجه الترمذي في "السنن" رقم (1186). (¬4) في "السنن" رقم (3/ 492). (¬5) في "السنن" (3/ 492 - 493 رقم 1187). وهو حديث صحيح. (¬6) في "السنن" رقم (3461).

وابن الأثير (¬1) [نسب] (¬2) رواية ثوبان إلى الترمذي وأبي داود، وقال في رواية النسائي عن أبي هريرة "المنتزعات المختلعات هن المنافقات"، ثم قال: قال الحسن: لم أسمعُ من أبي هريرة غير هذا الحديث. وقال النسائي: قال الحسن: لم أسمع من أبي هريرة شيئاً، ولذا قال الحافظ ابن حجر (¬3): وفي صحته نظر. [383 ب]. 2 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ بن شَمَّاسٍ أَتَتِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ لَهُ: مَا أَعْتِبُ عَلَى ثَابِتُ في خُلُقٍ وَلاَ دِينٍ، وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الْكُفْرَ في الإِسْلاَمِ - تَعْنِي تَبْغَضهُ - فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ" قَالَتْ: نَعَمْ. فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: "اقْبَلِ الحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً". أخرجه البخاري (¬4) والنسائي (¬5). [صحيح]. "الحِديقَةُ": البستان من النخل إذا كان عليه حائط. قوله: "في حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - أن امرأة ثابت (¬6) بن قيس" اسمها: جميلة بنت أبي بن سلول، وقيل: سهلة بنت حبيب، وقيل غير ذلك. [259/ أ]. ¬

_ (¬1) في "جامع الأصول" (4/ 132). (¬2) في (ب) ينسب. (¬3) قال أبو حاتم في "المراسيل" لابنه (ص 36) قلنا: والعجب من الحافظ ابن حجر بعد هذا كيف مشى على ظاهر إسناد النسائي، فقال في ترجمة الحسن البصري في "تهذيبه" بعد أن أورد هذا الإسناد, هو يؤيد أن الحسن سمع من أبي هريرة في الجملة. ولعل مراد الحسن في قوله: "لم أسمعه من غير أبي هريرة"، أنه لم يحصل في علمه أن هذا الحديث قد روي عن غير أبي هريرة من صحابة رسول الله، والله تعالى أعلم. (¬4) في "صحيحه" رقم (5273). (¬5) في "السنن" رقم (3463). وهو حديث صحيح. (¬6) انظر "أسد الغابة" (7/ 52 - 53 رقم 6813) "الاستيعاب" رقم (3247).

قوله: "فقالت ما أعتب" ضبطه على أنه من العيب بالتحتية", وعلى أنه من العتب (¬1) بالمثناة الفوقية. قوله: "أكره الكفر" أي: كفران العشير، وقيل: أرادت أن ترد عن الإِسلام لتبين منه بالردة وهو بعيد. وزاد ابن ماجه (¬2) "ولولا مخافة الله إذا دخل عليّ لبصقت في وجهه" [وكان رجلاً دميماً] (¬3)، زاد عبد الرزاق (¬4) "وكان لها جمال". وفي تفسير البيضاوي (¬5) "إني رفعت الخباء فرأيته أقبل في عدة, فإذا هو أشدهم سواداً وأقصرهم قامة, وأقبحهم وجهاً". قوله: "اقبل الحديقة وطلقها تطليقه" قالوا: هو أمر إرشاد وإصلاح، لا إيجاب، وقوله "وطلقها" استدل به على أن الخلع ليس بطلاق. وللعلماء فيما لو أوقع الخلع مجرداً عن الطلاق لفظاً ونية ثلاثة آراء، وهي أقوال للشافعي (¬6): أحدها: أن الخلع طلاق وهو قول (¬7) الجمهور، فإذا وقع بلفظ الخلع وما يصرف منه ¬

_ (¬1) انظر: "القاموس المحيط" (ص 143). (¬2) في "السنن" رقم (2057). قال البوصيري في "مصباح الزجاجة" (2/ 134 هذا إسناد ضعيف لتدليس الحجاج وهو ابن أرطأة. وهو حديث ضعيف والله أعلم. (¬3) هذه العبارة ليس في "سنن ابن ماجه". (¬4) في مصنفه رقم (11765). (¬5) (1/ 196). (¬6) "البيان" للعمراني (10/ 16، 19). "الإشراف على مذاهب العلماء" (4/ 218). (¬7) "المغني" (10/ 274).

نقص العدد، وكذا إن وقع بغير لفظه مقروناً بالنية، وحجة هذا القول أنه لفظ لا يملكه إلا الزوج فكان طلاقاً ولو كان فسخاً لما جاز على غير الصداق كالإقالة، لكنه يجوز عند الجمهور على ما قل وكثر فدلّ على أنه طلاق هذا كلامهم. والقول الثاني: أنه فسخ وليس بطلاق، صح (¬1) ذلك عن ابن عباس وابن الزبير، وروي عن عثمان وعن علي - عليه السلام - وعكرمة وطاووس وهو قول الشافعي (¬2) في القديم، وذكره في "أحكام القرآن" (¬3) من الجديد [384 ب] وهو مشهور مذهب أحمد (¬4) وقوّيناه في "منحة الغفار (¬5) حاشية ضوء النهار". والقول الثالث: إذا لم ينويه الطلاق لا يقع به فرقة أصلاً وقد استدل بعضهم بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "وطلقها تطليقة" على أن الخلع ليس بطلاق. وقال الحافظ ابن حجر (¬6): [إنه] (¬7) ليس في الحديث ما يثبته ولا ما ينفيه. ¬

_ (¬1) انظر "البحر الزخار" (3/ 178) "المغني" (10/ 274) "فتح الباري" (9/ 401) "المحلى" (12/ 240). (¬2) انظر "البيان" للعمراني (10/ 16 - 18) "زاد المعاد" (5/ 179 - 180). (¬3) للشافعي (1/ 217 - 218). (¬4) "المغني" (10/ 274). (¬5) (4/ 487 - 490 - مع الضوء) بتحقيقي. (¬6) في "فتح الباري" (9/ 40) حيث قال: واستدل بهذا السياق على أن الخلع ليس بطلاق، وفيه نظر، فليس في الحديث ما يثبت ذلك ولا ما ينفيه. (¬7) زيادة من (أ).

[قال] (¬1): فإن قوله "طلقها" يحتمل على ذلك فيكون طلاقاً صريحاً على عوض وليس البحث فيه، إنما الاختلاف فيما إذا وقع لفظ الخلع أو ما في حكمه من غير تعرض لطلاق بصراحة ولا كناية هل يكون الخلع [طلاقاً أو فسخاً] (¬2). ثم قال: وفي معظم الروايات وقع تسميته خلعاً، ففي رواية معمر عن ابن عباس "أنها اختلعت من زوجها" أخرجه أبو داود (¬3) والترمذي (¬4). 3 - وعن نافع عن مولاة لصفية - رضي الله عنها -: أَنَّهَا اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا بِكُلِّ شَيْءٍ لَهَا فَلَمْ يُنْكِر ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ - رضي الله عنهما -. أخرجه مالك (¬5). [موقوف ضعيف]. قوله: "وعن نافع عن مولاة لصفية" هي صفية بنت أبي عبيد زوج عبد الله بن عمر، وأخت المختار أدركت النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يصح لها منه سماع. "أنها اختلعت من زوجها بكل شيء لها فلم ينكر ذلك ابن عمر" ففيه دليل على جواز أخذ الرجل زيادة على المهر الذي أعطاها إياه، وهي مسألة خلاف بين العلماء من الصحابة وغيرهم. ¬

_ (¬1) زيادة من (أ). (¬2) كذا في (أ. ب) والذي في "الفتح" طلاقاً وفسخاً. (¬3) في "السنن" رقم (2229). (¬4) في "السنن" رقم (1185 م). وهو حديث صحيح، والله أعلم. (¬5) في "الموطأ" (2/ 565 رقم 32) وهو أثر موقوف ضعيف.

فأخرج عبد الرزاق (¬1) عن - عليه السلام -: "لا يأخذ منها فوق ما أعطاها"، وعن طاووس (¬2) وعطاء (¬3) والزهري مثله، وهو قول أبي حنيفة (¬4) وأحمد (¬5) وإسحاق. وذهب آخرون إلى جواز أخذه للزيادة منهم عثمان وابن عمر وغيرهما، واستدلوا بإطلاق قوله: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} (¬6). وفصل (¬7) قوم فقالوا: إن كان النشوز من قبلها حلّ له ما أخذ برضاها، وإن كان النشوز من قبله لم يحل له ويرد عليها إن أخذ وتمضي الفرقة. واستدل من لم يعمل بجواز أخذ الزيادة بأنه - صلى الله عليه وسلم - وقد قالت امرأة ثابت حين قال لها رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - "أتردين عليه حديقته؟ قالت: نعم وأزيده"، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "أما الزيدة فلا" أخرجه الدارقطني (¬8) والبيهقي (¬9) من مرسل أبي الزبير. ¬

_ (¬1) في مصنفه رقم (11844). (¬2) أخرجه في "المصنف" رقم (11838) عن معمر وابن جريج قالا: أخبرنا ابن طاوس عن أبيه أنه كان يقول: لا يحل له أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها. وأخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (5/ 123). وهو أثر موقوف صحيح. (¬3) أخرج ابن أبي شيبة في مصنفه (5/ 123): نا عيسى بن يونس، عن الأوزاعي، عن الزهري وعطاء وعمرو بن شعيب قالوا: لا يأخذ منها إلا ما أعطاها زوجها. وهو أثر موقوف صحيح. (¬4) "بدائع الصنائع" (3/ 150 - 151) "البناية في شرح الهداية" (5/ 297). (¬5) "المغني" (10/ 296). (¬6) سورة البقرة الآية (229). (¬7) انظر "التمهيد" (11/ 197 - الفاروق) "المغني" (10/ 269). (¬8) في "السنن" (3/ 255 رقم 39). (¬9) في "السنن الكبرى" (7/ 314). قال الحافظ في "فتح الباري" (9/ 402) ورجال إسناده ثقات.

قال الحافظ ابن حجر (¬1): وقد وقع في بعض طرقه أنه سمعه أبو الزبير من غير واحد، فإن كان فيهم صحابي فهو صحيح. قال (¬2): لكن ليس فيه دلالة على الشرط، فقد يكون وقع ذلك على سبيل الإشارة رفقاً بها. [385 ب]. ¬

_ (¬1) في "فتح الباري" (9/ 402). (¬2) أي: ابن حجر في "فتح الباري" (9/ 402).

التَّحبير لإيضَاح مَعَاني التَّيسير (*) تَأليف العَلاّمَة محمَّد بن إسمَاعيل الأمير حَقّقه وعَلقّ عَليه وَخَرّجَ أحَاديثَه وَضبَط نصَّه محَمَّد صُبْحي بن حَسَن حَلّاق أبو مصعب الجُزء الرابع مَكتَبَةُ الرُّشد ناشرون

_ (*) العنوان في (أ): التحبير حاشية التيسير. وفي (ج): التحبير شرح التيسير. والمثبت من المخطوط (ب).

جميع الحقوق محفوظة الطبعة الأولى 1433 هـ - 2012 م مَكتَبَةُ الرُّشد - ناشرون المملكة الْعَرَبيَّة السعودية - الرياض الإدارة: مركز البستان - طريق الملك فهد هاتف 4604818 ص. ب. 17522 الرياض 11494 - فاكس 4602497 E-mail:[email protected] Website:www.rushd.com.sa فروع المكتبة داخل المملكة - الرياض: المركز الرئيسي: الدائري الغربي، بين مخرجي 27 و28 هاتف: 4329332 - الرياض: فرع طريق عثمان بن عفان، هاتف: 2690444 - 2051500 - فرع مكة المكرمة: شارع الطائف هاتف: 5585401 فاكس: 5583506 - فرع المدينة المنورة: شارع أبي ذر الغفاري هاتف: 8340600 فاكس: 8383427 - فرع جدة: مقابل ميدان الطائرة هاتف: 6776331 فاكس: 6776354 - فرع القصيم: بريدة - طريق المدينة هاتف: 3242214 فاكس: 3241358 - فرع أبها: شارع الملك فيصل: هاتف: 2317307 فاكس: 2242402 - فرع الدمام: شارع الخزان هاتف: 8150566 فاكس: 8418473 - فرع حائل: هاتف: 5322246 فاكس: 5662246 - فرع الإحساء: هاتف: 5813028 فاكس: 5813115 - فرع تبوك: هاتف: 4241640 فاكس: 4238927 - فرع القاهرة: شارع إبراهيم أبو النجا - مدينه نصر: هاتف: 22728911 - فاكس: 22712625 مكاتبنا بالخارج - القاهرة: مدينة نصر هاتف: 2744605 - موبايل: 01001622653 - بيروت: بئر حسن موبايل: 554353/ 03 - تلفاكس: 462895/ 05

التَّحبير لإيضَاح مَعَاني التَّيسير - 4 - الجزء الرابع

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

حرف الدال

حرف الدال (حَرْفُ الدَّال) أي: المهملة وفيه ثلاثة كتب الدعاء، الديات، الدين وفيه ثلاثة كتب [كتاب] (¬1): الدعاء، الديات، الدين. زاد ابن الأثير (¬2): وآداب الوفاء. كتاب: الدعاء الدعاء إلى الشيء: الحث على فعله، دعوت فلاناً سألته، وتطلق على رفعة القدر، قال تعالى: {لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ} (¬3)، [قال] (¬4) الراغب (¬5): ويطلق على العبادة. وقال أبو القاسم القشيري (¬6): جاء الدعاء في القرآن على وجوه، منها: العبادة: {وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ} (¬7)، ومنها: الاستغاثة: {قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ} (¬8). ¬

_ (¬1) زيادة من (أ). (¬2) في "جامع الأصول" (4/ 452). (¬3) سورة غافر: 43. (¬4) في (أ): "قاله". (¬5) في "مفردات ألفاظ القرآن" (ص 315). (¬6) في "شرح الأسماء الحسنى" كما في "فتح الباري" (11/ 94). (¬7) سورة يونس: 106. (¬8) سورة الأعراف: 195.

الباب الأول: في آدابه

ومنها: السؤال: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} (¬1)، ومنها: القول: {دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ} (¬2)، والنداء: {يَوْمَ يَدْعُوكُمْ} (¬3)، والثناء: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ} (¬4). وفيه ثلاثة أبواب [الباب الأول: في آدابه: وفيه أربعة فصول] (¬5) الفصل الأول: في فضله ووقته ([الباب] (¬6) الأول: في فضله ووقته) قوله: "في فضله ووقته" اعلم أنه كان المعلوم منذ خلق الله آدم - عليه السلام - شرعية الدعاء وفضله وكل شيء دعا الله لجلب نفع أو دفع ضر من الأول: {وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (114)} (¬7)، {أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ} (¬8)، {إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24)} (¬9)، وما لا تحصيه الأقلام. ¬

_ (¬1) سورة غافر: 60. (¬2) سورة يونس: 10. (¬3) سورة الإسراء: 52. (¬4) سورة الإسراء: 110. (¬5) زيادة من (ب). (¬6) في (ب) الفصل. (¬7) سورة المائدة: 114. (¬8) سورة المائدة: 114. (¬9) سورة القصص: 24.

ومن الثاني: {أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83)} (¬1)، {هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ (38)} (¬2)، وما لا يخفى على من عرف القرآن. وهكذا كان رسولنا - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه وجميع [386 ب] المؤمنين حتى بالغت طائفة (¬3) فقالت: السكوت والرضا أفضل من الدعاء، وتأولوا الأوامر القرآنية نحو: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} (¬4) أن المراد بالدعاء العبادة، بدليل قوله آخر الآية: {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي} (¬5)، وبدليل أنه يدعو الداعي فلا يجاب، ولو كان المراد لما تخلف خبره تعالى بالإجابة عنها، ولا خيب كل دعاء. وأجيب (¬6): ¬

_ (¬1) سورة الأنبياء: 83. (¬2) سورة آل عمران: 38. (¬3) ذكره القشيري في "الرسالة القشيرية" (ص 265). (¬4) سورة غافر: 60. (¬5) سورة غافر: 60. (¬6) قال الشيخ تقي الدين السبكي: الأول حمل الدعاء في الآية على ظاهره، وأما قوله بعد ذلك: {عَنْ عِبَادَتِي} [غافر: 60] فوجه الربط أن الدعاء أخص من العبادة، فمن استكبر عن العبادة استكبر عن الدعاء، وعلى هذا؛ فالوعيد إنما هو في حق من ترك الدعاء استكباراً، ومن فعل ذلك كفر، وأما من تركه لمقصد من المقاصد فلا يتوجه إليه الوعيد المذكور، وإن كنا نرى أن ملازمة الدعاء والاستكثار منه أرجح من الترك لكثرة الأدلة الواردة في الحث عليه. انظر: "فتح الباري" رقم (11/ 95).

بأن [الآية] (¬1) وردت لبيان أن الدعاء أعظم العبادة نحو: "الحج عرفة" (¬2) أي: [أعظم] (¬3) الحج وركنه الأكبر، والدليل على هذا ما ورد من أحاديث الترغيب في الدعاء والحث عليه والأمر به، وتعليم الصحابة له مما لا تتسع له المجلدات. والجواب عن الثاني: بأن الإجابة ليست إعطاء المطلوب، بل قد بينها - صلى الله عليه وسلم - فيما أخرجه الترمذي (¬4) والحاكم (¬5) بسند صحيح من حديث عبادة الذي يأتي قريباً وهو أنه: "إما أن يعطى ما سأل، أو يصرف عنه من الشر مثلها". وفي حديث أبي سعيد (¬6) زيادة: "وإما أن يدخرها له في الآخرة". ثم إن لإجابة الدعاء شروط، وكم من داعٍ لا يقوم بها، وجواب آخر: وهو أن الله قيد الإجابة بمشيئته، فقال: {فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ} (¬7). ¬

_ (¬1) في (ب): "الأمر". (¬2) تقدم، وهو حديث صحيح. (¬3) في (أ): "معظم". (¬4) في "السنن" رقم (3573). (¬5) في "المستدرك" (1/ 492). وأخرجه أحمد (5/ 329)، والطحاوي في "مشكل الآثار" (881)، والشاشي في "مسنده" رقم (1301)، وأبو نعيم في "الحلية" (5/ 137)، والطبراني في "الأوسط" رقم (147)، وفي "مسند الشاميين" رقم (3523)، وفي "الدعاء" (86). وهو حديث صحيح لغيره. (¬6) أخرجه أحمد (3/ 18)، والبخاري في "الأدب المفرد" رقم (710)، والبيهقي في "الشعب" رقم (1130)، والبزار في "مسنده" رقم (3144)، وهو حديث صحيح، والله أعلم. (¬7) سورة الأنعام: 41.

فالآية [المطلبة] (¬1) مقيدة بمشيئته تعالى. وقد ذكر القشيري في "رسالته" (¬2) الخلاف في المسألة فقال: اختلف أيُّ الأمرين أولى: الدعاء أو السكوت والرضا؟ فقيل: الدعاء، وهو الذي ينبغي ترجيحه لكثرة الأدلة، ولما فيه من الخضوع والافتقار، وقيل: السكوت والتسليم أفضل، لما في التسليم من الفضل وشبهتهم أن الداعي لا يعرف ما قدر له دعاؤه، إن كان على وفق المقدور فهو تحصيل الحاصل، وإن كان على خلافه فهو معاندة. قال ابن القيم (¬3): إن هذه الطائفة مع فرط جهلهم وعنادهم متناقضون، فإن ظاهر مذهبهم يوجب تعطيل جميع الأسباب، فيقال لأحدهم: إن كان الشبع والري قد قدر لك فلا بدَّ من وقوعهما أكلت أو لم تأكل، وإن كان الولد [387 ب] قد قدر لك فلا بدَّ منه وطئت الزوجة أو الأمة أو لم تطأ، وإن لم يقدر فلا حاجة إلى التزويج والتسري. فالصواب: أن هذا المقدور الذي تطلبه قدر بأسباب، من أسبابه الدعاء، فلم يقدر مجرداً عن سببه ولكن قدر بسببه، فمتى أتى العبد بالسبب وقع المقدور، ومتى لم يأت بالسبب انتفى المقدور، وهذا كما قدر الشبع والري بالأكل والشرب وقدر الولد بالوطء، وقدر حصول الزرع بالبذر؛ إذا عرفت هذا فالدعاء من أقوى الأسباب، وليس شيء من الأسباب أبلغ من الدعاء، ولا أبلغ منه في حصول المطلوب، وما استجلب شيء أنفع من الدعاء، ولا دفع المكروه شيء أنفع منه. ¬

_ (¬1) هكذا رسمت في (أ، ب). (¬2) "مدارج السالكين" (2/ 148 - 150). (¬3) "الجواب الكافي" (ص 27).

وهذا أمر معروف قد جربه كل أحد، ولكن الابتداع والخيالات الصوفية المبتدعة تفعل مثل هذا لقصورهم عن علمي الكتاب والسنة، وإذهاب أعمارهم في كلام شيوخهم الصادر عن سطحاتهم وأدمغتهم الخالية عن الحق ومعرفته. وستعرف من الأدعية النبوية مما تضمنه هذا الحرف من نفائسها وفضلها. قوله: "في فضلته ووقته" زاد ابن الأثير: "وجوائزه" (¬1). قلت: بل عقد الفصل هذا لوقته؛ لأنه جعل الفضائل كلها في حرف الفاء، وقد أشار المصنف في أول كتابه إلى ذلك. 1 - عن النعمان بن بشير - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الدُّعاءُ هُوَ العِبَادَةُ". ثُمَّ قَرَأَ: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} (¬2) الآية. أخرجه أبو داود (¬3) والترمذي (¬4)، وهذا لفظه وصححه. [حسن] قوله: "في حديث النعمان بن بشير: الدعاء هو العبادة" وذلك لأن العبادة هي غاية الخضوع والتذلل لله تعالى، وفي الدعاء الخضوع والتذلل، فهو العبادة. ¬

_ (¬1) في "جامع الأصول" (4/ 138). (¬2) سورة غافر: 60. (¬3) في "السنن" رقم (1479). (¬4) في "السنن" رقم (3247) وقال: هذا حديث حسن صحيح. وأخرجه النسائي في "السنن الكبرى" رقم (11464)، وابن حبان رقم (890)، والحاكم (1/ 491) وصححه، وأحمد (4/ 267)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (1384)، والطيالسي رقم (801)، والبخاري في "الأدب المفرد" رقم (714)، وابن ماجه رقم (3828)، وأبو نعيم في "الحلية" (8/ 120)، وهو حديث حسن.

قوله: "الآية" ساق الترمذي (¬1) الآية إلى آخرها، وقال: هذا حديث حسن صحيح. وقد رواه منصور والأعمش عن ذرِّ، ولا نعرفه إلا من حديث ذرِّ. انتهى. قلت: في "التقريب" (¬2): ذر بن عبد الله [388 ب] المرهبي بضم الميم وسكون الراء، ثقة عابد رمي بالإرجاء. انتهى. 2 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما -: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ فُتِحَ لَهُ بَابُ الدُّعَاءِ فُتِحَتْ لَهُ أَبوابُ الرَّحْمَةِ، وَما سُئِلَ الله تَعَالَى شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يُسْأَلَ العافِيَةَ، وَإِنَّ الدُّعَاءَ يَنْفَعُ مِمّا نَزَلَ، وَممّا لَمْ يَنْزِلْ، وَلا يَرُدُّ القَضاءَ إلاَّ الدُّعاءُ، فَعَلَيْكُمْ بِالدُّعَاءِ". أخرجه الترمذي (¬3). [حسن] قوله: "في حديث ابن عمر [260/ أ] من فتح له منكم باب الدعاء" يريد: من يسر الله له الدعاء وأطلق به لسانه وهدي إليه جنانه فتحت له أبواب الرحمة التي منها قبول دعائه. قوله: "وما سئل شيئاً أحب إليه" في الترمذي (¬4) بعد قوله: "شيئاً" يعني: أحب إليه. قوله: "من أن يسأل العافية" لأن بها صلاح الدين والدنيا والأولى والأخرى، وقد حث - صلى الله عليه وسلم - على سؤال العافية في عدة أحاديث، ودعا هو - صلى الله عليه وسلم - في أدعيته بطلبها. وفي الترمذي (¬5): عن العباس بن عبد المطلب قال: قلت: يا رسول الله! علمني شيئاً أسأله الله - عز وجل -، قال: "سل الله العافية"، فمكثت أياماً ثم جئت فقلت: يا رسول الله! علمني ¬

_ (¬1) في "السنن" (5/ 456). (¬2) (1/ 238 رقم 1). (¬3) في "السنن" رقم (3548)، وهو حديث حسن. (¬4) في "السنن" (5/ 552 رقم 3548). (¬5) في "السنن" رقم (3514). وهو حديث حسن.

شيئاً أسأله الله، فقال: "يا عباس! يا عم رسول الله! سل الله العافية في الدنيا والآخرة". قال الترمذي (¬1): حديث صحيح. وفي الترمذي (¬2) [أيضاً] (¬3): أن رجلاً جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله! أي الدعاء أفضل؟ فقال: "سل ربك العافية والمعافاة في الدنيا والآخرة" ثم أتاه في اليوم الثاني فقال: يا رسول الله! أي الدعاء أفضل؟ فقال له مثل ذلك، ثم أتاه يوم الثالث فقال له مثل ذلك، قال: "فإذا أعطيت العافية في الدنيا وأعطيتها في الآخرة فقد أفلحت". وقال (¬4): حديث حسن. وفي "سنن الترمذي" (¬5) أيضاً: أنه قام أبو بكر على المنبر ثم بكى، ثم قال: قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الأول على المنبر ثم بكى فقال: "اسألوا الله العفو والعافية، فإن أحداً لم يعط بعد اليقين خيراً من العافية". قوله: "مما نزل" أما نفعه فيما نزل فتصبره عليه وتحمله له ورضاه به، حتى لا يكون في نزوله متمنياً خلاف ما كان. قوله: "ومما لم ينزل" فنفعه فيه صرفه عنه [و] (¬6) عده قبل نزوله بتأييد من عنده حتى يخف عليه أعباء ذلك إذا نزل به. ¬

_ (¬1) في "السنن" (5/ 534). (¬2) في "السنن" رقم (3512). وأخرجه ابن ماجه رقم (3848)، وهو حديث ضعيف، والله أعلم. (¬3) زيادة من (أ). (¬4) في "السنن" (5/ 534). (¬5) في "السنن" رقم (3558)، وهو حديث حسن. (¬6) في (أ): "أو".

قوله: [389 ب] "فعليكم" زاد في الترمذي (¬1): "عباد الله بالدعاء"، وليس فيه: "ولا يرد القضاء إلا الدعاء". قوله: "أخرجه الترمذي". قلت: وقال (¬2): هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديث عبد الرحمن بن أبي بكر القرشي، وهو المكي المليكي، وهو ضعيف في الحديث، قد تكلم فيه بعض أهل الحديث من قبل حفظه. انتهى. 3 - وعن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا عَلَى الأَرْضِ مُسْلِمٌ يَدْعُو الله بِدَعْوَةٍ إِلَّا آتَاهُ الله إيّاهَا، أَوْ صَرَفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا مَا لَمْ يَدْع بِإِثْمٍ، أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ". أخرجه الترمذي (¬3). [صحيح لغيره] قوله: "في حديث عبادة: أو صرف عنه من السوء مثلها" زاد في رواية: "أو ادخر له في الآخرة خيراً منه". قوله: "أو قطيعة رحم" زاد في الترمذي (¬4): "فقال رجل من القوم: إذن نكثر فقال: الله أكثر" وكذلك زادها ابن الأثير في "الجامع" (¬5)، ثم قال الترمذي (¬6): هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه. انتهى. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (3548). (¬2) أي: الترمذي في "السنن" (5/ 552). (¬3) في "السنن" رقم (3573) وقد تقدم تخريجه، وهو حديث صحيح لغيره. (¬4) في "السنن" رقم (3573). (¬5) (9/ 512). (¬6) في "السنن" (5/ 567).

وساق في "الجامع" (¬1) الرواية التي عن جابر بلفظ: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما من عبد مسلم يدعو الله بدعاء إلا آتاه الله ما سأل أو ادخر له في الآخرة خيراً منه، أو كف عنه من السوء مثله"، ونسبها إلى الترمذي (¬2) ولم أجدها فيه. 4 - وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَلاَ أُنَبَّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمالِكُمْ، وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجاتِكُمْ، وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ، وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ إِعْطاءِ الوَرِقِ والذَّهَبِ، وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْناقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْناقَكُمْ؟ ". قالُوا: بَلَى يا رَسولَ الله، قَالَ: "ذِكْرُ الله". أخرجه مالك (¬3) موقوفاً، والترمذي (¬4) مرفوعاً. [صحيح] قوله: "في حديث أبي الدرداء: وخير لكم من [إنفاق] (¬5) الورق ... " إلى آخره. قد فضل الذكر أولاً على كل الأعمال، ثم خص تفضيله على الصدقة وهي بذل المال، ثم على الجهاد وهو بذل النفس. قوله: "موقوفاً" أي: على أبي الدرداء، ولكن له حكم الرفع، إذ لا مسرح للاجتهاد فيه، إلا أنه قد أورد على الحديث أنه مشكل؛ لأنه تعارضه أحاديث فضائل الجهاد وفضائل صدقة المال، ولأن نفعها متعد، والمتعدي أفضل من القاصر. وأجاب عنه الإمام الحليمي: أنه ليس ¬

_ (¬1) (9/ 513). (¬2) في "السنن" رقم (3381) وهو حديث حسن. (¬3) في "الموطأ" (1/ 211) موقوفاً. (¬4) في "السنن" رقم (3377) مرفوعاً. وأخرجه أحمد (5/ 195)، (6/ 447)، والحاكم (1/ 496)، وأبو نعيم في "الحلية" (2/ 12)، والبغوي في "شرح السنة" (5/ 15)، وابن المبارك في "الزهد" رقم (1244)، والبيهقي في "الشعب" رقم (519). وهو حديث صحيح، والله أعلم. (¬5) كذا في (أ، ب) وفي متن الحديث إعطاء.

المراد من هذا التركيب ذكر اللسان وحده، بل ذكر اللسان والقلب جميعاً، وذكر القلب أفضل [390 ب] لأنه يردع عن التقصير في الطاعات وعن المعاصي والسيئات، نقله عنه البيهقي في "شعب الإيمان" (¬1) وأقره، ونحوه في تفسير الواحدي (¬2) في قوله: {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} (¬3) قال: لأنه إذا ذكر الله ارتدع عما يهم به من السوء، فخرج من هذا أن المراد (¬4) ذكر الله في موضع أمره ونهيه، فإذا ذكره فعل ما أمر به وانتهى عما نهي عنه فذلك أفضل من الجهاد؛ لأنه فرض كفاية، وذكر الله في كل حال في أوامره ونواهيه فرض عين، وأفضل من هذا التفكر في عظمة الله وجلاله وجبروته وملكوته وآياته في سماواته وأرضه، فهو أفضل الأذكار وأجلها. 5 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يقولُ الله - عز وجل -: أَخْرِجُوا مِنَ النَّارِ مَنْ ذَكَرَنِي يَوْمًا أوْ خَافَنِي في مَقَامٍ". أخرجه الترمذي (¬5). [ضعيف] 6 - وعن معاذ - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما مِنْ مُسْلِمٍ يَبِيتُ عَلَى طهْرٍ ذاكِرًا للهِ تَعَالَى، فَيَتَعارُّ مِنَ اللَّيْلِ، فَيَسْأَلُ الله خَيْرًا مِنَ الدُّنْيَا والآخِرَةِ إِلاَّ أَعْطَاهُ إِيَّاهُ". أخرجه أبو داود (¬6). [صحيح] ¬

_ (¬1) (2/ 62) بإثر الحديث رقم (521). (¬2) (2/ 421 - 422). (¬3) سورة العنكبوت: 45. (¬4) انظر: "المنهاج" (1/ 503). (¬5) في "السنن" رقم (2594) وهو حديث ضعيف. (¬6) في "السنن" رقم (5042). وأخرجه ابن ماجه رقم (3881)، وأحمد (5/ 235، 241، 244)، والبزار في "مسنده" رقم (2676)، والطيالسي رقم (563)، والطبراني في "الكبير" (ج 20 رقم 235).

قوله: "فَيَتعَارَّ" (¬1) أي: ينتبه. قوله: "في حديث معاذ: وما من مسلم يبيت على طهر" أي: ينام عليه. والمراد به الوضوء كاملاً حال كونه ذاكراً لله تعالى عند بيتوتته بالأذكار المأثورة عند النوم أو غيرها. قوله: "فيتعار" بالعين المهملة، فسره المصنف بقوله: ينتبه. "فيسأل الله خيراً من الدنيا والآخرة" أي: من خيرهما. "إلا أعطاه إياه" قيد مسألة النوم على طهارة وعلى ذكر الله تعالى. قوله: "أخرجه أبو داود". قلت: قال أبو داود (¬2) بعد روايته: قال ثابت البناني: قدم علينا أبو ظبية فحدثنا بهذا الحديث عن معاذ عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال ثابت: قال فلان: لقد جهدت أن أقولها حين أنبعث فما قدرت عليها. انتهى كلام أبي داود. وقال المنذري (¬3): أخرجه النسائي (¬4) وابن ماجه (¬5)، وبين فيه أن ثابتاً رواه عن شهر عن أبي ظبية عن معاذ. قال المنذري (¬6): [261/ أ] وأبو ظبية شامي ثقة هو بفتح الظاء المعجمة وسكون الموحدة بعدها تحتية وتاء تأنيث. انتهى. ¬

_ (¬1) أي: هبَّ من نومه واستيقظ. والتاء زائدة وليس بابه. "النهاية في غريب الحديث" (1/ 190)، "غريب الحديث" للهروي (4/ 135). (¬2) في "السنن" (5/ 296 - 297). (¬3) في "مختصر السنن" (7/ 317). (¬4) في "السنن الكبرى" رقم (10574). (¬5) في "السنن" رقم (3881). (¬6) في "مختصر السنن" (7/ 317).

قلت: ولم يذكر في "التقريب" (¬1) اسمه بل أتى به بكنيته. [391 ب]. وفي المنام على طهارة أحاديث، وبوب له البخاري (¬2) وساق حديث (¬3) فيه بلفظ: "فتوضأ وضوءك للصلاة"، قال ابن حجر (¬4): إن الأمر فيه للندب، وفيه فوائد منها: أن يبيت على طهارة لئلا يبغته الموت فيكون على هيئة كاملة، ويؤخذ منه الندب إلى الاستعداد للموت بطهارة القلب؛ لأنه أولى من طهارة البدن. وقد أخرج ابن حبان في صحيحه (¬5) عن ابن عمر يرفعه: "من بات طاهراً بات في شعاره ملك فلا يستيقظ إلا قال الملك: اللهم اغفر لعبدك فلان". وأخرج عبد الرزاق (¬6): "من أوى إلى فراشه طاهراً، أو نام ذاكراً كان فراشه مسجداً وكان في صلاة وذكر حتى يستيقظ". 7 - وعن جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ، أوْ آوَى إلَى فِرَاشِهِ ابْتَدَرهُ ملكٌ وَشَيْطانٌ، يَقُولُ المَلَكُ: افْتَحْ بِخَيْرٍ، وَيَقُولُ الشَّيْطَانُ: افْتَحْ بِشَرٍّ، فَإِنْ ذَكَرَ الله تَعالىَ طَرَدَ المَلَكُ الشَّيْطانَ، وَظَلَّ يَكْلَؤُهُ، وَإذَا انْتَبَهَ مِنْ مَنامِهِ قالاَ ذلِكَ، فَإنْ هُوَ قَالَ: الحَمْدُ للهِ الَّذِي رَدَّ نَفْسِي إليَّ بَعْدَ مَوْتِها وَلَمْ يُمِتْهَا في مَنامِها، الحَمْدُ للهِ الذي يُمْسِكُ السَّماواتِ السَّبع أنْ تَقَعَ عَلَى الأرْضِ إلاَّ بِإذْنِهِ، فإِّن خَرَّ مِنْ فِراشِهِ فَمَاتَ كانَ شَهِيداً، وَإِنْ قامَ وَصَلَّى صَلَّى في فَضائِل" أخرجه رزين. ¬

_ (¬1) (2/ 442 رقم 3). (¬2) في صحيحه (11/ 109 الباب رقم 6 مع الفتح). (¬3) رقم (6311) من حديث البراء بن عازب - رضي الله عنهما -. (¬4) في "فتح الباري" (11/ 110). (¬5) رقم (1051) بإسناد حسن. (¬6) في مصنفه (11/ 37 رقم 19837).

8 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لأَنْ أَقْعُدَ مَعَ قَوْمٍ يَذْكُرُونَ الله تَعَالَى مِنْ صَلاَةِ الغَداةِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ أَحَبُّ إِلىَّ مِنْ أَنْ أُعْتِقَ أَرْبَعَةً مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، وَلأَنْ أَقْعُدَ مَعَ قَوْمٍ يَذْكُرُونَ الله تَعَالَى مِنْ صَلاَةِ العَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ أَحَبُّ إِلَىَّ مِنْ أَنْ أُعْتِقَ أَرْبَعَةً". أخرجه أبو داود (¬1). [حسن] قوله: "في حديث أنس: مع قوم يذكرون الله" كأنه خرج على الأغلب، وإلا فلو قعد وحده من بعد صلاة الغداة - أي صلاة الفجر - وهذا هو الذكر بالغدو، كما أن قوله: "من بعد صلاة العصر" هو الذكر بالآصال. قوله: "أحب إليَّ" أي: في نيل الأجر. "من أن أعتق أربعة من ولد إسماعيل" كأن المراد: من أشرف الأوادم، وإلا فإن ولد إسماعيل هم العرب، ولا يجري عليهم الرِّق إلا عند من يرى جواز سبيهم [392 ب]. وللعلماء (¬2) فيهم قولان، أحدهما: أنه لا يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف فلا يسترقون. والثاني: أنهم يسترقون كغيرهم. وفيه فضيلة الذكر في هذين الوقتين بعد هاتين الصلاتين؛ لأنه يفتتح يومه بالطاعة ويختمه بها، وذكر الله يشمل كل طاعة، فمن قعد في قراءة الحديث وإملائه، وتعلم العلم النافع وتعليمه، وغير ذلك من الطاعات يصدق عليه أنه ذاكر لله. 9 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يَنْزِلُ رَبُّنَا كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرِ، فَيَقُولُ: مَنْ يدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأغْفِرَ لَهُ". ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (3667) وهو حديث حسن. (¬2) انظر: "البناية في شرح الهداية" (6/ 670)، "فتح الباري" (5/ 170)، "الأم" (5/ 668).

أخرجه الستة (¬1) إلا النسائي. [صحيح] وفي أخرى لمسلم (¬2): "إِنَّ الله تَعَالَى يُمْهِلُ، حَتَّى إِذا ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الأَوَّلُ نَزَلَ إِلَى السَّماءِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ: أَنَا المَلِكُ، أَنَا المَلِكُ، مَنْ ذَا الَّذِي يَدْعُونِي" الحديث. والمراد: نزول (¬3) الرحمة والألطاف الإلهية. ¬

_ (¬1) البخاري رقم (1145)، وطرفاه رقم (6321، 7494)، ومسلم رقم (758)، وأبو داود رقم (1315)، والترمذي رقم (446، 3498)، ومالك في "الموطأ" (1/ 214)، وابن ماجه رقم (1366)، وهو حديث صحيح. (¬2) في صحيحه رقم (172/ 758) عن أبي سعيد وأبي هريرة قالا: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله يمهل، حتى إذا ذهب ثلث الليل الأول نزل إلى السماء الدنيا، فيقول: هل من مستغفر؟ هل من تائب؟ هل من سائل؟ هل من داع؟ حتى ينفجر الفجر". (¬3) اعلم أن النزول إلى السماء الدنيا صفة فعلية ثابتة لله - عز وجل - بالسنة الصحيحة المتواترة. الدليل: حديث النزول المشهور: "ينزل ربنا إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر ... " رواه البخاري (7494)، ومسلم (758) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -. قال أبو سعيد الدارمي في "الرد على الجهمية" (ص 79) بعد أن ذكر ما يثبت النزول من أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فهذه الأحاديث قد جاءت كلها وأكثر منها في نزول الرب تبارك وتعالى في هذه المواطن، وعلى تصديقها والإيمان بها أدركنا أهل الفقه والبصر من مشايخنا، لا ينكرها منهم أحد، ولا يمتنع من روايتها". اهـ وقال إمام الأئمة محمَّد بن خزيمة في "كتاب التوحيد" (1/ 289): "باب: ذكر أخبار ثابتة السند صحيحة القوام، رواها علماء الحجاز والعراق عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في نزول الرب جل وعلا إلى السماء الدنيا كل ليلة: نشهد شهادة مقر بلسانه، مصدق بقلبه، مستيقن بما في هذه الأخبار من ذكر نزول الرب، من غير أن نصف الكيفية؛ لأن نبينا المصطفى لم يصف لنا كيفية نزول خالقنا إلى سماء الدنيا، وأعلمنا أنه ينزل، والله جل وعلا لم يترك ولا نبيه - عليه السلام - بيان ما بالمسلمين الحاجة إليه من أمر دينهم؛ فنحن قائلون مصدقون بما في هذه الأخبار من ذكر النزول، غير متكلفين القول بصفته أو بصفة الكيفية؛ إذ النبي - صلى الله عليه وسلم - يصف لنا كيفية النزول. =

قوله: "في حديث أبي هريرة: ينزل ربنا ... " الحديث. هذا مما يجب الإيمان به، ويوكل معرفة معناه إلى الله كسائر أحاديث الصفات، ومن يتأوله قال كما قال المصنف: نزول (¬1) الرحمة والألطاف، ويبعده قوله: "فيقول" إلى آخر الحديث. وقوله: "من يدعوني" عام لكل دعاء، ثم خصص بعد التعميم سؤال العطية كما يرشد إليه "فأعطيه" والاستغفار، فإنه دعاء لطلب المغفرة. وفيه فضيلة الثلث الآخر من الليل، وأنه ينبغي تحريه لطلب الخير والاستغفار وغير ذلك. وحديث مسلم دال أن النزول الإلهي من الثلث الثاني، ولا مانع من أنه يكون هذا تارة والآخر تارة. 10 - وعن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال: قِيلَ: يا رَسُولَ الله، أَيُّ الدُّعاءِ أَسْمَعُ؟ قَالَ: "جَوْفُ اللَّيْلِ الآخِرُ، وَدُبُرَ الصَّلَواتِ المَكْتُوبَاتِ". أخرجه الترمذي (¬2). [صحيح] ¬

_ = وفي هذه الأخبار ما بان وثبت وصح: أن الله جل وعلا فوق سماء الدنيا الذي أخبرنا نبينا - صلى الله عليه وسلم - أنه ينزل إليه، إذ محال في لغة العرب أن يقول: نزل من أسفل إلى أعلى، ومفهوم في الخطاب أن النزول من أعلى إلى أسفل". اهـ وقال أبو القاسم اللالكائي في "أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة" (3/ 434): "سياق ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في نزول الرب تبارك وتعالى، رواه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - عشرون نفساً". اهـ. وقال شيخ الإسلام رحمه الله في تفسير سورة الإخلاص "دقائق التفسير" (6/ 424): "فالرب سبحانه إذا وصفه رسوله بأنه ينزل إلى سماء الدنيا كل ليلة، وأنه يدنو عشية عرفة إلى الحجاج، وأنه كلم موسى بالوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة، وأنه استوى إلى السماء وهي دخان، فقال لها وللأرض: ائتيا طوعاً أو كرها؛ لم يلزم من ذلك أن تكون هذه الأفعال من جنس ما نشاهده من نزول هذه الأعيان المشهودة، حتى يقال: ذلك يستلزم تفريغ مكان وشغل آخر". (¬1) انظر التعليقة المتقدمة. (¬2) في "السنن" رقم (3499)، وهو حديث صحيح.

"جَوْفُ اللَّيْلِ": المراد به الأوقات التي يخلو الإنسان فيها بربه في أثناء الليل، "وَدُبُرُ كُلِّ شَيْءٍ" وراؤه وعَقِبُهُ، والمراد بعد الفراغ من الصلوات. قوله: "في حديث أبي أمامة: جوف الليل الآخر" في "النهاية" (¬1): أي ثلثه الآخر، وهو الجزء الخامس من أسداس الليل. انتهى. وفسره المصنف بما ترى. قوله: "بعد الفراغ من الصلوات" ظاهره بعد الخروج منها، وقال بعض العلماء: دبر الحيوان فيه، فالمراد هنا: قبل الخروج منها في آخر التشهد، وقد ثبت فيه حديث: "وليتخير من الدعاء ما شاء" (¬2) أي: بعد التشهد قبل الخروج من الصلاة بالسلام. والمصنف فسره: بعد الفراغ منها. وترجم البخاري (¬3) بقوله: باب الدعاء بعد الصلاة، قال الحافظ (¬4): أي المكتوبة. وفي هذه الترجمة رد على من زعم أن الدعاء بعد الصلاة لا يشرع، متمسكاً بما أخرجه مسلم (¬5) عن عائشة: كان رسول الله [393 ب]- صلى الله عليه وسلم -[لم يقعد] (¬6) إلا قدر ما يقول: "اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام". ¬

_ (¬1) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 310). وانظر: "الفائق" للزمخشري (2/ 196)، "غريب الحديث" للخطابي (1/ 39). (¬2) أخرجه أحمد (1/ 382)، والبخاري رقم (831)، ومسلم رقم (58/ 402)، وأبو داود رقم (968)، وابن ماجه رقم (899)، والنسائي في "الكبرى" رقم (1201) كلهم من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه -. (¬3) في صحيحه (11/ 132 الباب رقم 18 - مع الفتح). (¬4) في "فتح الباري" (11/ 133). (¬5) في صحيحه رقم (592). وأخرجه أحمد (6/ 62، 184، 235)، والترمذي في "السنن" (298) وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وابن ماجه رقم (924). وهو حديث صحيح. (¬6) في (أ، ب): "لا يقف"، وما أثبتناه ومن مصادر الحديث.

والجواب: أن المراد بالنفي المذكور نفي استمراره جالساً على [هيئته] (¬1) قبل السلام، بل يتحول ويقبل على أصحابه. وأطال (¬2) في البحث ونقل كلام ابن القيم (¬3) ورده وادعاء الإجماع على أن المراد بدبر الصلاة: بعد السلام. 11 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يُرَدُّ الدُّعَاءُ بَيْنَ الأَذانِ والإِقامَةِ". قِيلَ: مَاذَا نَقُولُ يا رسول الله؟ قَالَ: "سلُوا الله العافِيَة في الدَّنْيَا والآخِرَةِ". أخرجه أبو داود (¬4) والترمذي (¬5)، وهذا لفظه. [صحيح] قوله: "في حديث أنس أخرجه أبو داود والترمذي وهذا لفظه". قلت: بوب له الترمذي (¬6) بقوله: باب ما جاء في أن الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة، ثم روى حديث أنس بلفظ: "الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة" فقط، وقال: قال أبو عيسى (¬7): حديث أنس حديث حسن، وقد رواه أبو إسحاق الهمداني عن يزيد بن أبي مريم عن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل هذا (¬8). انتهى. وليس فيه: "قيل: ماذا نقول .. " إلى آخره فيما رأيناه. ¬

_ (¬1) في (ب): "هيئة". (¬2) أي الحافظ في "فتح الباري" (11/ 133 - 134). (¬3) في "زاد المعاد" (1/ 248، 255). (¬4) في "السنن" رقم (521). (¬5) في "السنن" (212، 3594, 3595)، وهو حديث صحيح، والله أعلم. (¬6) في "السنن" (5/ 577). (¬7) في "السنن" (5/ 577). (¬8) وقال الترمذي: وهذا أصح.

وقال ابن الأثير في "الجامع" (¬1): إنه زاد الترمذي في رواية: "قيل [فماذا] (¬2) نقول ... " الحديث. انتهى. فدل على أن رواية الترمذي وأبي داود متفقة على لفظ: "لا يرد الدعاء بين الأذان والإقامة"، وأن رواية: "قيل [فماذا] (¬3) نقول" رواية زادها الترمذي في بعض روايته لقول المصنف وهذا لفظه - أي: الترمذي - أي: في رواية رواها بالزيادة ولم أجدها في الترمذي (¬4) فيما بوب له، ولعله ذكر هذه الرواية بزيادتها في محل آخر. 12 - وعن سهل بن سعد - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ثِنْتَانِ لاَ تُرَدَّانِ: الدُّعَاءُ عِنْدَ النِّدَاءِ، وَعِنْدَ البَأْسِ حِينَ يُلْحِمُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا". أخرجه مالك (¬5) وأبو داود (¬6). [صحيح] وزاد في رواية (¬7): "وَتَحْتَ المَطَرِ". [ضعيف] وفي الموطأ (¬8): "ساعَتَانِ تُفْتَحُ فِيهِمَا أَبْوابُ السَّمَاءِ، وَقَلَّ دَاعٍ تُرَدُّ عَلَيْهِ دَعْوَتُهُ، حَضْرَةُ النِّداءِ لِلصَّلاَةِ، والصَّفُّ فِي سَبِيلِ الله". "النِّدَاء": الأذان. ¬

_ (¬1) (4/ 142). (¬2) في (ب): "ماذا". (¬3) في (ب): "ماذا". (¬4) في "السنن" (5/ 577) بإثر الحديث رقم (3594)، حيث قال: وقد زاد يحيى بن اليمان في هذا الحديث هذا الحرف، قالوا: فماذا نقول؟ قال: "سلوا الله العافية في الدنيا والآخرة". (¬5) في "الموطأ" (1/ 70 رقم 7)، وهو موقوف صحيح. (¬6) في "السنن" رقم (2540)، وهو حديث صحيح. (¬7) بإثر الحديث رقم (2540)، وهو حديث ضعيف. (¬8) في "الموطأ" (1/ 70 رقم 7)، وهو موقوف صحيح.

قوله: "في حديث سهل بن سعد: ثنتان لا ترادن" صفة موصوف [394 ب] محذوف، أي: دعوتان ثنتنان لا تردان، بل تستجابان، وبينهما بقوله: "الدعاء عند النداء" هو إذا أطلق تبادر منه الأذان، وكأن المراد تعبديته بعد الفراغ منه؛ لأن عند إيقاعه المشروع إجابة المؤذن في ألفاظ أذانه والحولقة عند الحيعلة. قوله: "وعند البأس" مهموز، في "النهاية" (¬1): أنه الخوف، وقد عين هنا محله بقوله: "حين يُلحم بعضهم بعضاً"، في "النهاية" (¬2) أيضاً: يقال: ألحم الرجل واستلحم إذا نشب في الحرب فلم يجد له مخلصاً. انتهى. فالمراد حين ينشب بعضهم بعضاً وهو بضم حرف المضارعة من لحم، يقال: ألحم فهو ملحوم إذا قتل، كذا وجدته [262/ أ]. وقوله: "تحت المطر" أي: عند نزوله، والصف في سبيل الله، هو عند قتال القوم بعضهم بعضاً. 13 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَقْرَبُ ما يَكُونُ العَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ، فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ". أخرجه مسلم (¬3) وأبو داود (¬4) والنسائي (¬5). [صحيح] قوله: "في حديث أبي هريرة: أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد" أي: أقرب ساعاته إجابة دعوته حال سجوده وتواضعه لله وتعفير خده له، أو أقرب ما يكون من رحمته ¬

_ (¬1) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 97). (¬2) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 592). (¬3) في صحيحه رقم (215/ 482). (¬4) في "السنن" رقم (875). (¬5) في "السنن" رقم (1045، 1120). وهو حديث صحيح.

الفصل الثاني: في هيئة الداعي

حال ذلك كما يرشد إليه: {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (56)} (¬1)، وأمرهم بإكثار الدعاء عند ذلك القرب، وقد تكرر في الأحاديث (¬2) ذكر هذا المعنى. 14 - وعنه - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ثَلاَثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ لا شكَّ في إجابَتِهِنَّ: دَعْوَةُ المَظْلُومِ، وَدَعْوَةُ المُسَافِرِ، وَدَعْوَةُ الوالِدِ عَلَى وَلدِهِ" (¬3) [حسن] 15 - وعن ابن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا مِنْ دَعْوَةٌ أَسْرَعَ إِجَابَةً مِنْ دَعْوَةِ غَائِبٍ لِغائِبٍ" (¬4). أخرجهما أبو داود والترمذي. [ضعيف] الفصل الثاني: في هيئة الداعي 1 - عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تَسْتُرُوا الجُدُرَ، وَمَنْ نَظَرَ فِي كِتَابِ أَخِيهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ فَإِنَّمَا يَنْظُرُ في النَّارِ، سَلُوا الله تَعَالَى بِبُطُونِ أَكُفِّكُمْ، وَلا تَسْأَلُوهُ بِظُهُورِهَا، فَإِذَا فَرَغْتُمْ فامْسَحُوا بِهَا وُجُوهَكُمْ". أخرجه أبو داود (¬5). [ضعيف] ¬

_ (¬1) سورة الأعراف: 56. (¬2) منها: ما أخرجه مسلم في صحيحه رقم (479)، وأحمد (1/ 219)، والنسائي (2/ 189)، وأبو داود رقم (876) عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: " ... وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء، فقمن أن يستجاب لكم" وهو حديث صحيح. (¬3) أخرجه أبو داود رقم (1536)، والترمذي رقم (1905)، وأحمد (2/ 258)، وابن أبي شيبة (10/ 429)، والبخاري في "الأدب المفرد" رقم (32)، والطبراني في "الدعاء" رقم (1314)، وابن حبان رقم (2699)، وهو حديث حسن. (¬4) أخرجه أبو داود رقم (1535)، والترمذي رقم (1980)، وهو حديث ضعيف. (¬5) أخرجه أبو داود في "السنن" رقم (1485)، وأخرجه ابن ماجه رقم (1181)، وهو حديث ضعيف. ويغني عنه ما أخرجه أبو داود رقم (1486) عن مالك بن يسار السكوني ثم العوني، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا سألتم الله فاسألوه ببطون أكفكم ولا تسألوه بظهورها"، وهو حديث حسن.

قوله: "في حديث ابن عباس: لا تستروا الجدر" جمع الجدار، هذا [395 ب] نهي تحريم، ويأتي البحث فيه إن شاء الله. قوله: "في كتاب أخيه" المراد ما يكتبه أو يكتب إليه مما لا يحب اطلاع أحد عليه. قوله: "فإنما ينظر في النار" بوب البخاري (¬1) له بقوله: "باب فيمن نظر في كتاب من يحذر على المسلمين ليستبين أمره". قال الحافظ في "الفتح" (¬2): كأنه يشير إلى أن النهي الوارد عن النظر في كتاب الغير يخص منه ما يتعين طريقاً إلى دفع مفسدة هي أكبر من مفسدة النظر. قال الخطابي (¬3): هو تمثيل يقول: كما يحذر النار فليحذر هذا الصنيع، إذ كان معلوماً أن النظر إلى النار والتحديق إليها يضر بالبصر، ويحتمل أن يكون أراد بالنظر إليها الدنو منها والصّلي بها؛ لأن النظر إلى الشيء إنما يتحقق عند قرب المسافة والدنو منه، ويجوز أن يكون معناه: كما ينظر إلى ما يوجب عليه النار فأضمره. قال (¬4): وزعم بعضهم أنه إنما أراد [به] (¬5) الكتاب الذي ليس فيه أمانة أو سر، يكره صاحبه أن يطلع عليه أحد، دون [الكتب] (¬6) التي فيها علم، فإنه لا يحل منعه ولا يجوز كتمانه. ¬

_ (¬1) في صحيحه (11/ 46 الباب رقم 23 مع الفتح). (¬2) في "فتح الباري" (11/ 47). (¬3) في "معالم السنن" (2/ 164 مع السنن). (¬4) أي الخطابي في "معالم السنن" (2/ 164 مع السنن). (¬5) زيادة من "معالم السنن". (¬6) زيادة من "معالم السنن".

وقيل: إنه عام في كل كتاب؛ لأن صاحب الشيء أولى بماله وأحق بمنفعة ملكه، وإنما يأثم بكتمان العلم الذي يسأل عنه، وإما أنه يأثم بمنعه كتاباً عنده وحبسه عن غيره فلا وجه له. قوله: "سلوا الله ببطون أكفكم ولا تسألوه بظهورها" قد ورد في حديث (¬1) أنه: "إذا استعاذ الداعي استعاذ بظهر كفيه". قوله: "فامسحوا بها وجوهكم" [396 ب] فهذان أمران ذكرا هنا من هيئة الداعي. "أخرجه أبو داود". قلت: زاد ابن الأثير (¬2): قال أبو داود (¬3): روي هذا الحديث من غير وجه عن محمَّد بن كعب كلها واهية، وهذا الطريق أمثلها، وهو ضعيف أيضاً. ¬

_ (¬1) لم أقف عليه. ولكن أخرج مسلم في صحيحه رقم (896) عن أنس بن مالك "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استسقى فأشار بظهر كفيه إلى السماء". قال النووي في "شرح مسلم" (6/ 190): قال جماعة من أصحابنا وغيرهم: السنة في كل دعاء لرفع بلاء كالقحط ونحوه أن يرفع يديه ويجعل ظهر كفيه إلى السماء، وإذا دعا لسؤال شيء وتحصيله جعل بطن كفيه إلى السماء، احتجوا بهذا الحديث. وقال الحافظ في "الفتح" (2/ 518) بعد ذكره كلام النووي: وقال غيره: الحكمة في الإشارة بظهور الكفين في الاستسقاء دون غيره؛ للتفاؤل بتقلب الحال ظهراً لبطن، كما قيل في تحويل الرداء, أو هو إشارة إلى صفة المسئول وهو نزول السحاب إلى الأرض. (¬2) في "جامع الأصول" (4/ 147). (¬3) في "السنن" (2/ 164).

قال: وفي رواية (¬1): "إن المسألة أن ترفع يديك حذو منكبيك أو نحوهما، والاستغفار أن تشير بإصبع واحدة, والابتهال أن تمد يديك جميعاً". وفي أخرى: "أن تمد يديك جميعاً، ورفع يديه وجعل ظهورهما مما يلي وجهه" أخرجه أبو داود (¬2). انتهى. [وسيأتي] (¬3) من حديث مالك بن يسار السكوني مرفوعاً: "إذا سألتم الله فاسألوه ببطون أكفكم ولا تسألوه بظهورها" قال: أخرجه أبو داود (¬4)، وأخرج (¬5) من حديث أنس: "رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعو هكذا ببطن كفيه وظاهرهما" انتهى. قيل: فيحتمل على أن السؤال بالباطن والاستعاذة بالظاهر، جمعاً بينه وبين ما قبله، وقد جاء عن ابن عباس وقد ذكره أصحاب الشافعي (¬6). انتهى. وقدمنا الإشارة إليه. 2 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: "رَفَعَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَدَيْهِ في الدُّعاءِ، حَتَّى رَأَيْتُ بَيَاضَ إِبْطَيْهِ". أخرجه البخاري (¬7). [صحيح] ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود في "السنن" رقم (1489)، وهو موقوف صحيح. (¬2) في "السنن" رقم (1490). (¬3) في (أ): "وساق". (¬4) في "السنن" (1486)، وهو حديث حسن. (¬5) في "السنن" رقم (1487) صحيح بلفظ: "جعل ظاهر كفيه مما يلي وجهه، وباطنهما مما يلي الأرض". (¬6) انظر "شرح صحيح مسلم" (6/ 190). (¬7) في صحيحه رقم (1029).

3 - وعن عمر - رضي الله عنه - قال: "كَانَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ فِي الدُّعَاءِ لَمْ يَرُدُّهُمَا حَتَّى يَمْسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ". أخرجه الترمذي (¬1). [ضعيف] قوله: (في حديث عمر أخرجه الترمذي). قلت: ترجم الترمذي (¬2): باب ما جاء في رفع الأيدي عند الدعاء، ثم ساقه بسنده قال محمد بن المثنى في حديثه: "لم يردهما حتى يمسح بهما وجهه". قال الترمذي (¬3): هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث حماد بن عيسى وقد تفرد به، وهو قليل الحديث، وقد حدث عنه الناس، وحنظلة بن أبي سفيان الثقفي ثقة، وثقه يحيى ابن سعيد القطان. انتهى. 4 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: إِنَّ رَجُلاً كَانَ يَدْعُو بِأُصْبُعَيْهِ، فَقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَحِّدْ أَحِّدْ". أخرجه الترمذي (¬4) والنسائي (¬5). [صحيح] وقال الترمذي (¬6): معنى هذا الحديث: إذا أشار الرجل بأصبعه في الدعاء عند الشهادة، فلا يشير إلا بأصبع واحدة. قوله: "في حديث أبي هريرة: يدعو بأصبعيه" قد بين الترمذي معنى الحديث بما نقله عنه المصنف. قوله: "أخرجه الترمذي". ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (3386)، وهو حديث ضعيف. (¬2) في "السنن" (5/ 464). (¬3) في "السنن" (5/ 464). (¬4) في "السنن" رقم (3557). (¬5) في "السنن" رقم (1272)، وهو حديث صحيح. (¬6) في "السنن" (4/ 557).

قلت: وقال (¬1): حسن غريب. 5 - وعن سهل بن سعد - رضي الله عنه - قال: "ما رَأَيْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - شاهِرًا يَدَيْهِ قَطُّ يَدْعُو عَلَى مِنْبَرِهِ، وَلا عَلَى غَيْرِه، وَلَكِنْ رَأَيْتُهُ يَقُوُل هَكَذَا: وَأَشارَ بِالسَّبَّابَةِ، وَعَقَدَ بِالإِبْهامِ والوُسْطَى". أخرجه أبو داود (¬2). [ضعيف] قوله: "في حديث سهل: ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " [397 ب]. يقال: إخبار سهل بعدم رؤيته لا ينافي رواية أنس، ورواية ابن عمر الماضيين كما لا يخفى، بل كل ذلك دل على أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يفعل ذلك أحياناً ويتركه أحياناً. قوله: "ولكن رأيته يقول" أي: يفعل، وهذا من إطلاق القول على الفعل، وهذا إنما كان يفعله - صلى الله عليه وسلم - في جلسة التشهد (¬3) كما يأتي. 6 - وعن سلمان - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ ربَّكُمْ حَيِيٌّ كَرِيمٌ، يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا". أخرجه أبو داود (¬4) والترمذي (¬5). [حسن] قوله: "في حديث سلمان: صفراً" الصفر الخالي (¬6). ¬

_ (¬1) في "السنن" (4/ 557) وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب. (¬2) في "السنن" (1105) وهو حديث ضعيف. (¬3) يشير إلى الحديث الذي أخرجه أحمد (4/ 318)، والنسائي رقم (889)، وأبو داود رقم (727)، وابن ماجه رقم (867)، وابن خزيمة رقم (714)، والبيهقي في "السنن" (2/ 132) عن وائل بن حجر - رضي الله عنه - أنه قال في صفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " .... ثم قبض ثنتين من أصابعه وحلَّق حلقة، ثم رفع أُصبعه فرأيته يحرِّكها يدعو بها"، وهو حديث صحيح. (¬4) في "السنن" رقم (1488). (¬5) في "السنن" رقم (3556)، وأخرجه ابن ماجه رقم (3865)، وهو حديث حسن. (¬6) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 37)، و"الفائق" للزمخشري (2/ 303).

وقد بينه قوله: "خائبين" (¬1) من الخيبة. قوله: "أخرجه أبو داود والترمذي". قلت: وقال (¬2): حسن صحيح. 7 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ادْعُوا الله وَأنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالإِجابَةِ، واعْلَمُوا أَنَّ الله تَعَالَى لا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غافِلٍ لاَهٍ". أخرجه الترمذي (¬3). [حسن بشواهده] قوله: "وأنتم موقنون بالإجابة" لأن الله عند ظن عبده به، ولأنه على كل شيء قدير، ولأنه حيي كريم. قوله: "لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه" بل يتعين على من يدعو إحضار قلبه وتدبر ما يقوله، فهذا شرط من شروط الإجابة. قوله: "أخرجه الترمذي". قلت: وقال (¬4): هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. انتهى. يريد من رواية عبد الله بن معاوية الجمحي، ثم قال الترمذي (¬5): سمعت عباساً العنبري يقول: اكتبوا عن عبد الله بن معاوية الجمحي؛ فإنه ثقة. انتهى. [263/ أ]. ¬

_ (¬1) أي في رواية الترمذي رقم (3556) حيث جاء فيها: "أن يردهما صفراً خائبين". (¬2) في "السنن" (5/ 557). (¬3) في "السنن" رقم (3479)، وهو حديث حسن بشواهده. له شاهد من حديث عبد الله بن عمرو، أخرجه أحمد (2/ 177) وفي إسناده ابن لهيعة، وهو ضعيف. (¬4) في "السنن" (5/ 518). (¬5) في "السنن" (5/ 518).

الفصل الثالث: في كيفية الدعاء

الفصل الثالث: في كيفية الدعاء 1 - عن فضالة بن عبيد - رضي الله عنه - قال: سَمِعَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - رَجُلاً يَدْعُو في صَلاَتِهِ وَلَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "عَجِلَ هَذا"، ثُمَّ دَعَاهُ فَقَالَ: "إِذا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِتَحْمِيدِ الله والثَّنَاءِ عَلَيْهِ، ثُمَّ لِيُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ لِيَدْعُ بَعْدُ بِمَا شَاءَ". أخرجه أصحاب السنن (¬1). [صحيح] قوله: "في حديث فضالة: سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلاً يدعو". لفظه في الترمذي (¬2) عن فضالة [398 ب]: بينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاعداً إذ دخل رجل فصلى فقال: اللهم اغفر لي وارحمني، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "عجلت أيها المصلي، إذا صليت فقعدت فأحمد الله بما هو أهله وصلِّ عليَّ ثمَّ ادعه" قال: ثم صلى رجل آخر بعد ذلك فحمد الله وصلى على النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أيها المصلي! ادع تجب". انتهى. ورواه عن فضالة (¬3) أيضاً بمثل [لفظ] (¬4) رواية المصنف، وقال: هذا أخرجه أصحاب السنن. قلت: قال الترمذي (¬5): هذا حديث حسن، ورواه فضالة أيضاً من طريق آخر مثل لفظ المصنف وقال (¬6): هذا حديث صحيح. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود في "السنن" (1481)، والترمذي رقم (3477)، (3478)، والنسائي رقم (1284). وأخرجه أحمد (6/ 18)، وابن حبان رقم (510)، والحاكم (1/ 230)، وهو حديث صحيح. (¬2) في "السنن" رقم (3477)، وهو حديث صحيح. (¬3) في "السنن" رقم (3478). (¬4) زيادة من (أ). (¬5) في "السنن" (5/ 659). (¬6) في "السنن" (5/ 659).

2 - وعن عمر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الدُّعَاءَ مَوْقُوفٌ بَيْنَ السَّمَاءِ والأَرْضِ، لا يَصْعَدُ حَتَّى يُصَلِّيَ عَلَيَّ، فَلا تَجْعَلُوني كغُمْرِ الرَّاكِبِ، صَلَّوا عَلَيَّ أوَّلَ الدُّعَاءٍ وَأوْسَطَهُ وَآخِرَهُ" أخرجه الترمذي (¬1) موقوفاً على عمر، ورفعه رزين. [حسن] "الغُمْرُ" (¬2) القَدَح الصغير كالقعب. والمعنى: أن الراكب يحمل رحله وأزواده، ويترك قعبه إلى آخر ترحاله، ثم يعلقه على آخرة الرحل أو نحوها كالعلاوة فليس عنده بمهم، فنهاهم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يجعلوا الصلاة عليه تبعاً غير مهمة. قوله: "في حديث عمر: كغمر الراكب" بالغين المعجمة، في "النهاية" (¬3): بضم الغين وفتح الميم، وذكر مثل تفسير المصنف. قوله: "القدح الصغير" في "القاموس" (¬4): القعب: القدح الضخم الجافي أو إلى الصغر، أو يروى الرجل، جمعه أقعب وقعاب وقعبه. انتهى. وجزم في النهاية (¬5) بهذا الأخير. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (486). قال النووي في "الأذكار": أجمع العلماء على استحباب ابتداء الدعاء بالحمد لله تعالى، والثناء عليه، ثم الصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكذلك يختم بهما، والآثار في هذا الباب كثيرة معروفة. (¬2) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (4/ 156)، وانظر: "غريب الحديث" للخطابي (1/ 189)، "النهاية في غريب الحديث" (2/ 320). (¬3) (2/ 320). (¬4) "القاموس المحيط" (ص 301). (¬5) (2/ 320).

3 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: كُنْتُ أُصَلِّي والنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ - رضي الله عنهما - مَعَهُ، فَلَمَّا جَلَسْتُ بَدَأْتُ بِالثَّنَاءِ عَلَى الله، ثُمَّ بالصَّلاَةِ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ دَعَوْتُ لِنَفْسِي، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "سَلْ تُعْطَهْ، سَلْ تُعْطَهْ" (¬1). [حسن] قوله: "في حديث ابن مسعود: سل تعطه" أي: تعطى المسئول؛ وذلك لأنه قد استوفى شرائط الدعاء. [399 ب]. 4 - وعن أبي بن كعب - رضي الله عنه - قال: "كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذا دَعَا لأَحَدٍ بَدَأَ بِنَفْسِهِ" (¬2). أخرجهما الترمذي وصححهما. [صحيح] قوله: "في حديث أبي بن كعب: بدأ بنفسه" هذا هو الذي دل عليه القرآن: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا} (¬3)، {اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا} (¬4) الآية. ووجهه حديث: "ابدأ بنفسك" لأن جلب الخير لنفس الإنسان ودفع الضر عنها أهم من جلبه لغيره. وأخرج ابن أبي شيبة (¬5) والطبراني (¬6) من طريق سعيد بن يسار قال: "ذكرت رجلاً عند ابن عمر فترحمت عليه، فلهز في صدري وقال لي: ابدأ بنفسك". والحديث الذي أخرجه الترمذي أخرجه مسلم (¬7) في أول قصة موسى والخضر، إلا أن لفظه: "كان إذا ذكر أحداً من الأنبياء بدأ بنفسه"، ويؤيد هذا القيد أنه - صلى الله عليه وسلم - دعا لغير نبي فلم ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي في "السنن" رقم (593)، وهو حديث حسن. (¬2) أخرجه الترمذي في "السنن" رقم (3385)، وهو حديث صحيح. (¬3) سورة الحشر: 10. (¬4) سورة نوح: 28. (¬5) في مصنفه (10/ 220 رقم 9287). (¬6) ذكره الحافظ في "فتح الباري" من طريق ابن أبي شيبة. (¬7) في صحيحه رقم (172/ 2380).

يبدأ بنفسه، كقوله في قصة هاجر: "يرحم الله أم إسماعيل ... " (¬1) الحديث، وقوله لحسان: "اللهم أيده بروح القدس" (¬2)، ولابن عباس: "اللهم فقهه في الدين" (¬3)، ودعاؤه للمسافر ولمن يودعه وغير ذلك. وإذا عرفت هذا فحديث الترمذي مقيد برواية مسلم، وقد ثبت: "أنه - صلى الله عليه وسلم - دعا لبعض الأنبياء ولم يبدأ بنفسه" كحديث أبي هريرة في البخاري (¬4) وغيره: "رحم الله لوطاً، لقد كان يأوي إلى ركن شديد"، وحديث البخاري (¬5): "يرحم الله موسى، لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر" فالبداية بنفسه في الدعاء للأنبياء أغلبي. 5 - وعن أبي مصبح المقرائي عن أبي زهير النميري - رضي الله عنه - قال: "خَرَجْنا مَعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ لَيْلَةٍ فأَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ قَدْ أَلحَّ في المَسْأَلَةِ، فَوَقَفَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَسْتَمِعُ مِنْهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَوْجَبَ إِنْ خَتَمَ"، فَقِيلَ: بِأَيِّ شَيْءٍ يَختِمُ يا رسول الله؟ قَالَ: "بِآمِينَ"، وانْصَرَفَ، فَقِيلَ لِلرَّجُلِ: يا فُلاَنُ! اخْتِمْ بِآمِينَ، وَأَبْشِرْ". أخرجه أبو داود (¬6). [ضعيف] "أوْجَبَ": إذا فعل شيئاً يوجب له الجنة أو النار. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (2386) عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يرحم الله أم إسماعيل، لو تركت زمزم - أو قال: لو لم تغرف من الماء - لكانت عيناً معيناً ... ". (¬2) أخرجه البخاري رقم (1652) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -. (¬3) أخرجه البخاري رقم (143)، ومسلم رقم (2477) من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -. (¬4) في صحيحه رقم (2372)، وأخرجه مسلم رقم (151). (¬5) في صحيحه رقم (3150)، وأخرجه مسلم في صحيحه رقم (1068). (¬6) في "السنن" رقم (938)، وهو حديث ضعيف، والله أعلم.

قوله: "وعن أبي مصبح المقرائي" مصبح بضم الميم وفتح الصاد المهملة وتشديد الباء الموحدة وكسرها وبالحاء المهملة، والمقرائي بضم الميم وسكون القاف وفتح الراء وكسر الهمزة وتشديد [400 ب] المثناة التحتية. ومصبح تابعي من الطبقة الثانية من تابعي الشاميين، وأبو زهير مصغر زهر، عدَّه ابن الأثير في "الصحابة" (¬1)، ولم يذكر اسمه، وكذا الكاشغري. وقال ابن السمعاني (¬2): إن المقرائي بضم الميم، وقيل: بفتحها، نسبة إلى مقرى، قرية بدمشق. وقال أبو داود (¬3): قبيلة من حمير (¬4)، وقال الدمياطي: مقرى بضم الميم لا غير. وأبو مصبح؛ قال أبو حاتم (¬5): ثقة لا أعرف اسمه، وفي الحديث الحث على ختم الدعاء بآمين. 6 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا دَعَا أَحَدُكُمْ فَلاَ يَقُلِ: اللهمَّ اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ، اللهمَّ ارْحَمْني إِنْ شِئْتَ، وَلَكِنْ لِيَعْزِمِ المَسْأَلَةَ، فَإِنَّ الله لا مُسْتكْرِهَ لَهُ". أخرجه الشيخان (¬6). [صحيح] ¬

_ (¬1) في "أسد الغابة" (6/ 122 رقم 5922). (¬2) في "الأنساب" للسمعاني (ت 562 هـ)، (2/ 366 - 367). (¬3) في "السنن" (1/ 578). (¬4) في هامش المخطوط: "مقرى مخلاف من آنس في اليمن خرج منه علماء كما في جزيرة الهمداني ومعجم البلدان. تمت". (¬5) في "الجرح والتعديل" (9/ 445). (¬6) البخاري رقم (6338، 7464)، ومسلم في صحيحه رقم (2678).

وللستة (¬1) إلا النسائي عن أبي هريرة بنحوه. [صحيح] "العَزْمُ": الجد، ونفي التردد. قوله: "في حديث أنس: ولكن ليعزم المسألة" أي: الدعاء، ومعنى الأمر بالعزم: الجد فيه، وأن يجزم بوقوع مطلوبه ولا يعلق ذلك بمشيئة الله، وإن كان مأموراً في جميع ما يريد فعله أن يعلقه بمشيئة الله (¬2). وقيل (¬3): معنى العزم أن يحسن الظن بالله في الإجابة، ولمسلم (¬4) في رواية: "ليعزم المسألة ويعظم الرغبة" أي: يبالغ في تكرير الدعاء والإلحاح فيه، ويحتمل أن المراد الأمر بطلب الشيء العظيم الكثير، ويؤيده ما في آخر هذه الرواية: "فإن الله لا يتعاظمه شيء". قوله: "لا مستكره له" المراد: أن الذي يحتاج إلى التعليق بالمشيئة ما إذا كان المطلوب منه يتأتى إكراهه على الشيء فيخفف الأمر عليه ويعلمه أنه لا يطلب منه ذلك الشيء إلا برضاه، وأما الله تعالى فهو منزه عن ذلك، فليس للتعليق فائدة (¬5). واختلف: هل النهي للتحريم أو للتنزيه؟ ذهب ابن عبد البر (¬6) إلى الأول فقال: لا يجوز لأحد أن يقول: "اللهم أعطني إن شئت" وغير ذلك من أمور الدنيا والدين؛ لأنه كلام مستحيل لا وجه له؛ لأنه لا يفعل إلا ما يشاء، وهذا هو الظاهر. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (6339)، ومسلم رقم (2679)، وأبو داود رقم (1483)، والترمذي رقم (3497)، وابن ماجه رقم (3854)، والموطأ (1/ 213). (¬2) ذكره الحافظ في "فتح الباري" (11/ 140). (¬3) قاله الحافظ في "الفتح" (11/ 140). (¬4) في صحيحه رقم (8/ 2679). (¬5) ذكره الحافظ في "فتح الباري" (11/ 140). (¬6) ذكره الحافظ في "فتح الباري" (11/ 140).

وذهب [264/ أ] النووي (¬1) إلى الثاني، قال الحافظ (¬2): وهو أولى، ويؤيده ما سيأتي في حديث الاستخارة. قلت: وفيه تأمل؛ لأنه في دعاء الاستخارة لم يكن قد جزم بمطلوب معين، إنما هو متردد في الكلام [401 ب] هنا في طلب معين. قال ابن بطال (¬3): في الحديث أنه ينبغي للداعي أن يجتهد في الدعاء، ويكون على رجاء الإجابة، ولا يقنط من الرحمة؛ فإنه يدعو كريماً. وقد قال ابن عيينة (¬4): لا يمنعن أحد الدعاء ما يعلم من نفسه - يعني من التقصير - فإن الله قد أجاب دعاء شر خلقه وهو إبليس حين يقال: {رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (36)} (¬5). قلت: يتأمل فيما استدل به؛ فإنه تعالى لم يجب إبليس إلى مطلوبه، بل أجابه بغير ما طلبه، فقال: {قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (37) إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (38)} (¬6)، وهو عند انقضاء دار الدنيا، ومطلوبه أن لا يموت؛ لأنهم إذا بعثوا الخلائق من الأجداث فلا موت. ويقوي ما في بعض كتب التفسير أنه إنما أجاب الله بإخباره بما سبق به القدر من إنظاره إلى الوقت المعلوم فليس بإجابة لدعائه. ¬

_ (¬1) في شرحه لصحيح مسلم (17/ 7). (¬2) في "فتح الباري" (11/ 140). (¬3) في شرحه لصحيح البخاري (10/ 99). (¬4) ذكره ابن بطال في شرحه لصحيح البخاري (10/ 99 - 100). (¬5) سورة الحجر: 36. (¬6) سورة الحجر: 37 - 38.

7 - وعن أبي موسى - رضي الله عنه - قال: كُنَّا فِي سَفَرٍ فَجَعَلَ النَّاسُ يَجْهَرُونَ بِالتَكْبِيرِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "ارْبَعُوا عَلَى أنفُسِكُمْ، فِإِنَّكُمْ لا تَدْعُونَ أَصَمَّ، وَلا غَائِبًا، إِنَّكُمْ تَدْعُونَ سَمِيعًا بَصِيرًا وَهُوَ مَعَكُمْ، والَّذِي تدْعُونَهُ أَقْرَبُ إِلَى أحَدِكُمْ مِنْ عُنُقِ راحِلَتِه". أخرجه الخمسة (¬1) إلا النسائي. [صحيح]. "ارْبَعوُا" (¬2) أي: ارفقوا. 8 - وعن معاذ - رضي الله عنه - قال: سَمِعَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - رَجُلاً يَقُولُ: اللهمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ تَمَامَ النِّعْمَةِ. فَقَالَ: "أَيُّ شَيْءٍ تَمَامُ النِّعْمَةِ؟ ". قَالَ: دَعْوَةٌ دَعَوْتُ بِها أَرْجُو بِهَا الخَيْرَ. قَالَ: "فَإِنَّ تَمَامِ النِّعْمَةِ دُخُولَ الجَنَّةِ، والفَوْزَ مِنَ النَّارِ". وَسَمِعَ رَجُلاً يَقُولُ: يَا ذَا الجَلاَلِ والإِكْرامِ؛ فَقَالَ: "قَدِ اسْتُجِيبَ لَكَ، فَسَلْ". وَسَمِعَ آخَرَ يَقُولُ: اللهمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الصَّبْرَ، فَقَالَ: "سَأَلْتَ الله البَلاَءَ، فَسَلْهُ العَافِيَةَ". أخرجه الترمذي (¬3). [ضعيف] قوله: "سألت الله البلاء" فيه أن سؤال اللازم سؤال للملزوم؛ لأن الصبر لازم للبلاء، لأنه لا صبر إلا على مصبور عليه، وأمره أن يسأل الله العافية، إن قلت: قد ورد حديث دعائه - صلى الله عليه وسلم -: "اللهم اجعلني صبوراً ... " (¬4) الحديث، قلت: هو سؤال أن يكون صفته وسجيته الصبر [402 ب] إذا نزلت النوازل. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (4205)، ومسلم رقم (2704)، وأبو داود رقم (1526، 1527، 1528)، والترمذي رقم (3461). (¬2) انظر: "النهاية" (1/ 628)، "الفائق" للزمخشري (1/ 203). (¬3) في "السنن" رقم (3527)، وهو حديث ضعيف. (¬4) عن ابن بريدة عن أبيه: "أن رجلاً أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: علمني دعوة فقال: "اللهم اجعلني صبوراً، اللهم اجعلني شكوراً، اللهم اجعلني في عيني صغيراً، وفي أعين الناس كبيراً". =

9 - وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كَانَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يَسْتَحِبُّ الجَوامِعَ مِنَ الدُّعَاءِ، وَيَدَعُ ما سِوَى ذَلِكَ (¬1). [صحيح] قوله: "في حديث عائشة: يستحب الجوامع من الدعاء" هي التي تجمع الأغراض الصالحة والمقاصد الصحيحة، أو تجمع الثناء على الله وآداب المسألة. 10 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: كَانَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يُعْجِبُهُ أَنْ يَدْعُوَ ثَلاَثًا، وَيَسْتَغْفِرَ ثَلاَثًا (¬2). أخرجه أبو داود. [صحيح] قوله: "في حديث ابن مسعود: أن يدعو ثلاثاً" ترجم البخاري (¬3): باب تكرير الدعاء، وذكر حديث عائشة (¬4): "أنه - صلى الله عليه وسلم - سُحر فدعا ودعا"، وفي حديث أنس (¬5) عنده: "كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثاً". قلت: وهذا أغلبي، وإلا فربّ كلمة لم ينطق بها إلا مرة، وربّ دعاء كذلك. ¬

_ = أخرجه الديلمي في "مسند الفردوس" (1/ 2/ 191)، وذكره ابن أبي حاتم في "العلل" (2/ 184) كلاهما من طريق عقبة بن عبد الله الأصم عن بريدة عن أبيه، قال ابن أبي حاتم عن أبيه: "هذا حديث منكر لا يعرف، وعقبة لين الحديث". والحديث أورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (10/ 181) من دعائه لا من تعليمه، وقال: رواه البزار، وفيه عقبة بن عبد الله الأصم وهو ضعيف، وحسَّن البزار الحديث، وهو حديث منكر. (¬1) أخرجه أبو داود في "السنن" (1482). وأخرجه ابن حبان في صحيحه رقم (2412)، وهو حديث صحيح. (¬2) أخرجه أبو داود رقم (1524)، وأحمد (1/ 394، 397)، والنسائي في "عمل اليوم والليلة" رقم (457)، والسني رقم (370)، وابن حبان رقم (2410)، وهو حديث صحيح. (¬3) في صحيحه (11/ 192 الباب رقم 57 مع الفتح). (¬4) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (6391). (¬5) أخرجه أحمد في "المسند" (3/ 221).

الفصل الرابع: في أحاديث متفرقة

الفصل الرابع: في أحاديث متفرقة قوله: "الفَصْلُ الرَّابعْ: فِيْ أَحادِيْث مُتَفَرِّقَةُ". أي: متعلقة بالدعاء. 1 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يُسْتَجابُ لأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ، يَقُولُ: دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي". أخرجه الستة (¬1) إلا النسائي. [صحيح] وفي أخرى لمسلم (¬2) قال: "لاَ يَزَالُ يُسْتَجابُ لِلْعَبْدِ مَا لَمْ يَدْع بِإِثْمٍ، أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ". [صحيح] وفي أخرى للترمذي (¬3): "ما مِنْ رَجُلٍ يَدْعُو الله تَعَالَى إِلاَّ اسْتَجَابَ لَهُ، فَإِمَّا أَنْ يُعَجَّلَ لَهُ فِي الدُّنْيَا، وَإمَّا أَنْ يُدَّخَرَ لَهُ في الآخِرَةِ، وَإِمّا أَنْ يُكَفَّرَ عَنْهُ مِنْ ذُنُوبِهِ بِقَدْرِ ما دَعَا، مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ، أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ، أَوْ يَسْتَعْجِلُ". [صحيح دون قوله: "وإما أن يكفر عنه من ذنوبه بقدر ما دعا"]. قوله: "في حديث أبي هريرة يقول: دعوت فلم يستجب لي" قال ابن بطال (¬4): المعنى أن يسأم فيترك الدعاء فيكون كالمَانِّ بدعائه، أو أنه أتى من الدعاء بما يستحق به الإجابة فيصير كالمبخل للرب الكريم الذي لا تعجزه الإجابة ولا ينقصه العطاء، وفي الحديث من آداب الدعاء أنه يجتهد في الطلب، ولا ييأس من الإجابة، لما في ذلك من الاستسلام وإظهار الافتقار. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (6340)، ومسلم رقم (2735)، وأبو داود رقم (1484)، وابن ماجه رقم (3853)، والترمذي رقم (3387). (¬2) في صحيحه رقم (92/ 2735). (¬3) في "السنن" (3604/ 3) وهو حديث صحيح دون قوله: "وإما أن يكفر عنه من ذنوبه بقدر ما دعا". (¬4) في شرحه لصحيح البخاري (10/ 100).

قال الداودي (¬1): يخاف على من خالف وقال: دعوت فلم يستجب لي أن يحرم الإجابة، وما قام مقامها من الادخار والتكفير. قال ابن الجوزي (¬2): أعلم أن دعاء المؤمن لا يرد، غير أنه قد يكون الأولى له تأخير الإجابة أو العوض بما هو أولى له عاجلاً أو آجلاً، فينبغي للمؤمن أن لا يترك الطلب من ربه [403 ب] فإنه متعبد بالدعاء كما هو متعبد بالتسليم والتفويض، ومن آداب [الدعاء] (¬3) تحري الأوقات الفاضلة كالسجود وعند الأذان وجوف الليل ودبر الصلوات المكتوبة، وعند المطر وعند التحام القتال في سبيل الله وعند رؤية الكعبة وغير ذلك ومنها: تقديم الوضوء، والصلاة، واستقبال القبلة، ورفع اليدين، وتقديم التوبة والاعتراف بالذنب والإخلاص، وافتتاحه بالحمد لله، والثناء عليه، ثم الصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والسؤال بالأسماء الحسنى، وأدلة (¬4) ما ذكر مخرجة أو أكثرها في البخاري. ومن شروطها: أن يكون الداعي طيب المطعم والملبس. قوله: "في رواية الترمذي: إلا استجاب له" الحديث فيه إفادة أن الدعاء لا يخيب الداعي فيه، بل لا بُدَّ له من خير يناله به. وأحسن والدي - رحمه الله - بقوله في أبيات: ولا بد أن يستجاب الدعاء ... ولكن بإحدى الثلاث المعاني ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "فتح الباري" (11/ 141). (¬2) ذكره الحافظ في "فتح الباري" (11/ 141). (¬3) زيادة من (ب) (¬4) ذكره الحافظ في "فتح الباري" (11/ 141).

وقوله: "ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم" فإن هذا منهي عنه فكيف يطلب من الله، بل الداعي [بذاك] (¬1) آثم متعرض لسخط الله، والدعاء بقطيعة الرحم أن يدعو على رحمه بإصابته بما يكرهه، فإن هذا الدعاء نفسه قطيعة رحم، وفيه إساءة إليها، وهو مأمور بالإحسان إليها، وعطفه على قوله: "بإثم" من عطفه الخاص على العام إبانة لعظمة إثمه. 2 - وعن جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ, وَلا تَدْعُوا عَلَى أَوْلاَدِكُمْ، ولاَ تَدْعُوا عَلَى خدَمِكُمْ، وَلا تَدْعُوا عَلَى أمْوَالِكمْ، لا تُوَافِقُ مِنَ الله سَاعَةَ نَيْلٍ فِيهَا عَطَاءٌ، فَيَسْتَجِيبَ لَكُمْ". أخرجه أبو داود (¬2). [صحيح] "النَّيلُ" (¬3): والنَّوال، والعطاء. قوله: "في حديث جابر: لا توافق" أي: [404 ب] الدعوة على أحد الأربعه المنهي هنا [من] (¬4) الدعاء عليها. "ساعة نيل" هو مصدر أناله نيلاً أعطاه فيها عطاء بعطية [265/ أ] الله فيكون من عطائه إجابة دعوتكم، ففيه النهي عن الدعاء على الأربعة، وأنه قد يدعو العبد عليهم ولا يريد الإجابة، فيوافق ساعة العطاء فيجاب، فيقع ما لا يريد وقوعه. وفيه أن لله ساعات يجيب ¬

_ (¬1) زيادة (في): "بذلك". (¬2) في "السنن" رقم (1532) وهو حديث صحيح. وأخرجه مسلم في صحيحه رقم (3009)، وابن حبان في صحيحه رقم (2411). (¬3) قال ابن الأثير في "غريب الجامع" (4/ 165). (¬4) في (أ): "عن".

فيها الدعوات، وعليه ورد حديث: "تعرضوا لنفحات الله، فإن لله في أيام دهركم نفحات" (¬1)، ولذا قال العلامة الرافعي: أقيما على باب الكريم أقيما ... ولا تبعدا عن سوحه فتهيما وللنفحات الطيبات تعرضا ... لعلكما تستنشقان نسيماً 3 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لِيَسْأَلْ أَحَدُكُمْ رَبَّهُ حاجَتَهُ كُلَّها حَتَّى يَسْأَلَ شِسْع نَعْلِهِ إِذَا انْقَطَعَ". أخرجه الترمذي (¬2). [ضعيف] وزاد (¬3) في رواية عن ثابت البناني - رحمه الله - مرسلاً: "حَتَّى يَسْأَلَهُ المِلْحَ، وَحَتَّى يَسْأَلَهُ شِسْع نَعْلِهِ إِذا انْقَطَعَ". "الشِّسْعُ" (¬4) سير النعل الذي يدخل بين الأصابع. قوله: "في حديث أنس (¬5): حتى شسع نعله" بكسر الشين المعجمة بعدها مهملتان، في "النهاية" (¬6) أنه أحد سيور النعل الذي يدخل بين الأصبعين، ويدخل طرفه في الثقب الذي في صدر النعل المشدود في الزمام، والزمام الذي يعقد فيه الشسع. انتهى. ويأتي تفسيره ¬

_ (¬1) عن أنس بن مالك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "اطلبوا الخير دهركم كله، وتعرضوا لنفحات رحمة ربكم، فإن لله نفحات من رحمته، يصيب بها من يشاء من عباده، واسألوه أن يستر عوراتكم، ويؤمن روعاتكم". أخرجه البغوي في "شرح السنة" (5/ 1378)، والبيهقي في "الشعب" (11121)، والطبراني في "الكبير" (1/ 720)، وفي كتاب "الدعاء" رقم (26)، وأبو نعيم في "الحلية" (3/ 152)، والقضاعي في "مسند الشهاب" (1/ 701)، وابن عبد البر في "التمهيد" (5/ 339)، بإسناد ضعيف وفيه انقطاع. (¬2) في "السنن" رقم (3604/ 8)، وهو حديث ضعيف. (¬3) في "السنن" رقم (3604/ 9). (¬4) انظر: "تفسير غريب ما في الصحيحين" للحميدي (73/ 272). (¬5) زيادة من (أ). (¬6) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 866).

صدر النعل المشدود في الزمام، والزمام الذي يعقد فيه الشسع. انتهى. ويأتي تفسيره للمصنف. 4 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه -: "مَنْ لَمْ يَسْأَلِ الله يَغْضَبْ عَلَيْهِ" (¬1). [حسن] قوله: "في حديث أبي هريرة: من لم يسأل الله يغضب عليه" هو من أدلة فضل الدعاء. قال الطيبي (¬2): معناه أن من لم يسأل الله يبغضه، والمبغوض مغضوب عليه، والله يحب أن يُسأل. انتهى. قال ابن حجر (¬3): يؤيده حديث ابن مسعود رفعه: "سلوا الله من فضله، فإن الله يحب أن يسأل" أخرجه الترمذي (¬4). 5 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "سَلُوا الله تَعالى مِنْ فَضْلِهِ، فَإِنَّ الله يُحِبُّ أَنْ يُسْأَلَ، وَأَفْضَلُ العِبادَةِ انْتِظَارُ الفَرَجِ". أخرجهما الترمذي (¬5). [ضعيف] قوله: "أخرجهما الترمذي". ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي في "السنن" رقم (3373). وأخرجه الحاكم في "المستدرك" (1/ 491) وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، واللفظ: "من لا يدعو الله يغضب عليه". وأخرجه أحمد (2/ 442، 443، 447)، والبخاري في "الأدب المفرد" رقم (658)، والبغوي في "شرح السنة" (5/ 188)، وابن ماجه رقم (3827)، وهو حديث حسن، والله أعلم. (¬2) في شرحه على مشكاة المصابيح (4/ 375). (¬3) في "فتح الباري" (11/ 95). (¬4) في "السنن" رقم (3571)، وهو حديث ضعيف. (¬5) في "السنن" رقم (3571)، وهو حديث ضعيف.

قلت: [405 ب] وأخرجه أحمد والبخاري في "الأدب المفرد" وابن ماجه والبزار والحاكم كلهم من رواية أبي صالح الخوزي بضم الخاء المعجمة وسكون الواو ثم زاي، وهو مختلف فيه فضعفه ابن معين (¬1) وقواه أبو زرعة [هنا] (¬2) ووجدت بخط العلامة الجلال على "جامع الأصول" ما لفظه: حديث أبي هريرة هذا لا ينافي ما يروى عن رابعة العدوية في قولها للثوري: "أما تستحي أن تطلب رضا من لست عنه براض" وما يروى عن مظفر القرميسيني: لا يكون الفقير فقيراً حتى لا يكون له إلى الله حاجة لأنهم بصدد الوقوف عند قول الخليل - عليه السلام -: "علمه بحالي يغنيه عن سؤالي" (¬3) وهو مقام عال لا فرار عنه ولا استمرار له، كيف وقد دعا الخليل بتلك الدعوات القرآنية، وإنما بلوغ ذلك المقام موهبة إلهية تفيض على المقربين من اسمه الغني سبحانه خيراً لهم وجلاءً لهم من قيود المطامع، فنسأل الله من ذلك المقام ما يبلغنا به منازل الكرام. انتهى بلفظه من خطه. ¬

_ (¬1) ذكره ابن حجر في "تهذيب التهذيب" (4/ 539). (¬2) زيادة من (ب). (¬3) يحكى هذا عن الخليل - عليه السلام - لما ألقي في النار، قال جبريل عند ذلك: ألك حاجة؟ قال: أما إليك فلا، قال جبريل: فسل ربك، فقال إبراهيم: حسبي من سؤالي علمه بحالي. قال ابن تيمية في "مجموع فتاوى" (8/ 539): كلام باطل. ونقل ابن عراق في "تنزيه الشريعة" (1/ 250) عن ابن تيمية أنه موضوع. وقال الألباني رحمه الله في "الضعيفة" (1/ 28 رقم 21): لا أصل له، ثم قال بعد بحث نفيس: وبالجملة؛ فهذا الكلام المعزو إلى إبراهيم عليه الصلاة والسلام لا يصدر من مسلم يعرف منزلة الدعاء في الإسلام، فكيف يقوله من سمانا مسلمين؟

وأقول: لا ريب أن أشرف العباد مقاماً، وأعرفهم بالله إجلالاً وإعظاماً هو خاتم رسله - صلى الله عليه وسلم -، وقد كان أكثر الناس فزعاً إلى الله، وأوسعهم دعاء لمولاه في كل حالة من أحواله، كما لا يحصى ذلك من أقواله. والله أمر عباده بدعائه ومدح الداعين له، وذكر دعوات رسله عند الشدائد وغيرها، قال الكليم: {إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24)} (¬1)، وقال أيوب: {أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83)} (¬2)، وقال أبو البشر آدم: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا} (¬3)، ودعوات رسل الله قد ملئت بها كتب الله، فالعجب من جعل [قول] (¬4) رابعة وغيرها أرفع حالاً من [أحوال] (¬5) [266/ أ] رسل الله، وأما قول الخليل فيطالب بإسناده أولاً، وثانياً: أن قوله: "علمه بحالي يغنيه عن سؤالي" هو سؤال وإعلام بأن الله تعالى عالم بحاجاته، فأين هو من قول من قال: "لا يكون الفقير فقيراً حتى لا يكون له إلى الله حاجة"؟ وإنما هذا يناسب لو قال الخليل: ما لي إليه حاجة، وحاشاه عن مثل هذه الدعوى الباطلة، وهذه نفثة من شطحات الصوفية. 6 - وعن جابر - رضي الله عنه - قال: قَالتِ امرأةٌ: يا رَسُول الله، صَلِّ عَلَيَّ وَعَلَى زَوْجِي، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "صَلَّى الله عَلَيْكِ وَعَلَى زَوْجِكِ". أخرجه أبو داود (¬6). [صحيح] قوله: "في حديث جابر: فقال - صلى الله عليه وسلم -: صلى الله عليك وعلى زوجك" سيأتي أن هذا من أدلة من أجاز الصلاة على غير الأنبياء استدلالاً لا تفضلاً. ¬

_ (¬1) سورة القصص: 24. (¬2) سورة الأنبياء: 83. (¬3) سورة الأعراف: 23. (¬4) زيادة من (أ). (¬5) زيادة من (أ). (¬6) في "السنن" رقم (1533)، وهو حديث صحيح.

والحديث أخرجه النسائي (¬1) عن جابر بلفظ: أتانا النبي - صلى الله عليه وسلم - فنادته امرأتي: يا رسول الله، صلِّ عليَّ وعلى [زوجي] (¬2)، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "صلى الله عليكِ وعلى زوجكِ"، فيحتمل تعدد القصة. 7 - وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يَدْعُو لأَخِيهِ بِظَهْرِ الغَيْبِ إِلاَّ وَقَالَ المَلَكُ: وَلَكَ بِمِثْلٍ". أخرجه مسلم (¬3) وأبو داود (¬4). [صحيح] وزاد (¬5): "إلَّا قَالَتِ المَلاَئِكَةُ: آمِينَ، وَلَكَ بِمِثْلٍ". قوله: "في حديث أبي الدرداء: يدعو لأخيه بظهر الغيب" وهو غائب عنه غيبة موت أو غيرها، والأخ المراد به: المؤمن. قوله: "إلا قال الملك" وفي رواية: "الملائكة" والمراد بهم الحفظة، أو غيرهم، أو كل ملك. وفيه فضيلة دعاء العبد لأخيه بظهر الغيب؛ لأنه لا يقول له الملك: "ولك مثل ذلك" إلا عن أمر الله تعالى، ولا يأمر الله تعالى بذلك إلا وهو يريد إجابة الدعاء، فيدل على أن الأفضل للعبد أن يدعو لإخوانه الغائبين عنه ليدعو له الملك المجاب، ويحتمل أنه إخبار من الملك بأن الله تعالى قد أجابه وجعل له مثل ما دعا به، والله ذو الفضل العظيم. وهو يوافق حديث: "والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه" (¬6). ¬

_ (¬1) في "السنن الكبرى" رقم (2142، 10184). (¬2) في (أ): "زوجك". (¬3) في صحيحه رقم (2732، 2733). (¬4) في "السنن" رقم (1534)، وأخرجه ابن ماجه رقم (2895)، وهو حديث صحيح. (¬5) أي: أبو داود في "السنن" رقم (1534). (¬6) أخرجه مسلم في صحيحه رقم (2699)، وأبو داود رقم (4946)، والترمذي رقم (1930)، وابن ماجه رقم (225)، وابن حبان في صحيحه رقم (534)، والحاكم (4/ 383)، وهو حديث صحيح.

وترجم البخاري (¬1): من خص أخاه بالدعاء دون نفسه، وإن حمله ابن حجر (¬2) على أعم من هذا. وقولنا: "بمثل ذلك" زيادة (ذلك) من رواية فتح الباري (¬3) [407 ب]، والذي في "الجامع" (¬4) كما في "التيسير": "ولك بمثل"، قال: وفي رواية أبي داود قال: "إذا دعا الرجل لأخيه قالت الملائكة: "آمين ولك بمثل". 8 - وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ دَعَا عَلَى مَنْ ظَلَمَهُ فَقَدِ انْتَصَرَ". أخرجه الترمذي (¬5). [ضعيف] قوله: "في حديث عائشة: فقد انتصر" فيه أن دعاء المظلوم على من ظلمه انتصار منه عليه، وهل يبقى له حق عنده يطالبه به في الآخرة؟ يحتمل والأظهر أنه بدعائه عليه قد استوفى ما هو له؛ لأنه تعالى قد وعد المظلوم بإجابة دعائه ولو بعد حين، فإذا أجابه فيه لم يبق له عليه حق، والله أعلم. وهل فيه أنه لا ينبغي الدعاء عليه؟ لا دليل في الحديث على ذلك؛ لأن الانتصار جائز، قال الله: {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41)} (¬6). قوله: "أخرجه الترمذي" وقال (¬7): حديث حسن. ¬

_ (¬1) في صحيحه (11/ 135 الباب رقم 19 مع الفتح). (¬2) في "فتح الباري" (11/ 137). (¬3) (11/ 137). (¬4) (4/ 167 - 168). (¬5) في "السنن" رقم (3552)، وهو حديث ضعيف. (¬6) سورة الشورى: 41. (¬7) في "السنن" (5/ 554) حيث قال: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث أبي حمزة.

الباب الثاني: في أقسام الدعاء

الباب الثاني: في أقسام الدعاء وفيه قسمان قد أتى بهما وفصلهما، فالأول: ما أضيف إلى وقت؛ كأدعية يوم عرفة، أو عند وقت النوم، والدعاء وقت هبوب الريح والرعد والسحاب، وغير ذلك مما يأتي، كليلة القدر وأدعية الصلاة. [القسم الأول: في الأدعية المؤقتة المضافة إلى أسبابها، وفيه عشرون فصلاً] (¬1) الفصل الأول: في ذكر اسم الله الأعظم وأسمائه الحسنى قوله: "الفصل الأول: في ذكر اسم الله الأعظم وأسمائه الحسنى" من عطف الأعم على الأخص، فإن اسمه الأعظم من أسمائه الحسنى، وهكذا ترجم ابن الأثير (¬2) الباب من أوله إلى هنا، إلا أنه لا يخفى أن ذكر هذا الفصل الأول ليس [408 ب] المذكور فيه من الأدعية المؤقتة المضافة إلى أسبابها. واسمه تعالى الأعظم قد وصفه - صلى الله عليه وسلم - بوصف كاشف عن حقيقته بقوله: "الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى" كما يأتي. واعلم أن المراد من أسمائه الحسنى هي صفاته (¬3) تعالى. ¬

_ (¬1) زيادة من (ب). (¬2) في "جامع الأصول" (4/ 169). (¬3) وإليك معنى الاسم والصفة والفرق بينهما: الاسم: "هو ما دل على معنى في نفسه"، "وأسماء الأشياء هي الألفاظ الدالة عليها"، "وقيل: الاسم ما أنبأ عن المسمى، والفعل ما أنبأ عن حركة المسمى، والحرف ما أنبأ عن معنى ليس باسم ولا فعل". الصفة: "هي الاسم الدال على بعض أحوال الذات"، "وهي ما وقع الوصف مشتقاً منها، وهو دال عليها، وذلك مثل العلم والقدرة ونحوه". =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وقال ابن فارس: "الصفة: الأمارة اللازمة للشيء"، وقال: "النعت: وصفك الشيء بما فيه من حسن". انظر: "التعريفات" للجرجاني (ص 24، 133)، "الكليات" (ص 83، 546)، "مقاييس اللغة" (5/ 448)، "مجموع فتاوى" (6/ 195). فأسماء الله كل ما دل على ذات الله مع صفات الكمال القائمة به؛ مثل: القادر، العليم، الحكيم، السميع البصير؛ فإن هذه الأسماء دلت على ذات الله، وعلى ما قام بها من العلم والحكمة والسمع والبصر، أما الصفات؛ فهي نعوت الكمال القائمة بالذات؛ كالعلم والحكمة والسمع والبصر؛ فالاسم دل على أمرين، والصفة دلت على أمر واحد، ويقال: الاسم متضمن للصفة، والصفة مستلزمة للاسم ... ". ولمعرفة ما يميز الاسم عن الصفة والصفة عن الاسم أمور؛ منها: أولاً: أن الأسماء يشتق منها صفات، أما الصفات؛ فلا يشتق منها أسماء، فنشتق من أسماء الله الرحيم والقادر والعظيم صفات الرحمة والقدرة والعظمة، لكن لا نشتق من صفات الإرادة والمجيء والمكر اسم المريد والجائي والمكر. فأسماؤه سبحانه وتعالى أوصاف؛ كما قال ابن القيم في "النونية": أَسماؤُهُ أَوْصافُ مَدْحٍ كُلَّها ... مُشْتَقَّةٌ قَدْ حُمِّلَتْ لِمَعانِ ثانياً: أن الاسم لا يشتق من أفعال الله؛ فلا نشتق من كونه يحب ويكره ويغضب اسم المحب والكاره والغاضب، أما صفاته؛ فتشتق من أفعاله، فنثبت له صفة المحبة والكره والغضب ونحوها من تلك الأفعال، لذلك قيل: "باب الصفات أوسع من باب الأسماء". ثالثاً: أن أسماء الله - عز وجل - وصفاته تشترك في الاستعاذة بها والحلف بها، لكن تختلف في التعبد والدعاء، فيتعبد الله بأسمائه، فنقول: عبد الكريم، وعبد الرحمن، وعبد العزيز، لكن لا يتعبد بصفاته؛ فلا نقول: عبد الكرم، وعبد الرحمة، وعبد العزة، كما أنه يدعى الله بأسمائه, فنقول: يا رحيم! ارحمنا، ويا كريم! أكرمنا، ويا لطيف! الطف بنا، لكن لا ندعو صفاته فنقول: يا رحمة الله! ارحمينا، أو: يا كرم الله! أو يا لطف الله! ذلك أن الصفة ليست هي الموصوف؛ فالرحمة ليست هي الله، بل هي صفة لله، وكذلك العزة وغيرها؛ فهذه صفات لله، ولذلك يجب التفريق بين دعاء الصفة وبين دعاء الله بصفة من صفاته، فلا بأس أن تقول: اللهم ارحمنا برحمتك .. =

كما قال تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} (¬1). وفي كتب التفسير (¬2): الحسنى التي هي أحسن الأسماء؛ لأنها تدل على معانٍ حسان من تمجيد وتقديس "فسموه بها" سموه بتلك الأسماء، وقيل: الأوصاف الحسنى وهي الوصف بالعدل والخير والإحسان ونحو ذلك، والحسنى تأنيث الأحسن. 1 - عن بريدة - رضي الله عنه - قال: سَمِعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلاً يَقُولُ: اللهمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنِّي أَشْهَدُ أَنَّكَ: أَنْتَ الله لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ الأَحَدُ الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ، فَقَالَ: "والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! لَقَد سَأل الله بِاسْمِهِ الأَعْظَمِ، الَّذِي إِذا دُعِيَ بِهِ أَجابَ وَإِذا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى". أخرجه أبو داود (¬3) والترمذي (¬4). [صحيح] قوله: "في حديث بريدة: سمع رجلاً" هو أبو عياش (¬5) الزرقي الأنصاري، واسمه زيد ابن الصامت، ويقال عبد الرحمن، ويقال عبيد بن الصامت، ذكره القسطلاني. ¬

_ = وليست هي الله، ولا يجوز التعبد إلا لله، ولا يجوز دعاء إلا الله؛ لقوله تعالى: {يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} [النور: 55]، وقوله: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60] ... وغيرها من الآيات. انظر: "مدارج السالكين" (3/ 415)، "مجموع فتاوى" (6/ 198 - 205)، "العقيدة التدمرية" (ص 58)، "بدائع الفوائد" (1/ 162). (¬1) سورة الأعراف: 180. (¬2) انظر: "جامع البيان" (10/ 180 - 181)، "تفسير ابن كثير" (6/ 180)، "مفردات ألفاظ القرآن" (ص 235 - 236). (¬3) في "السنن" رقم (1493). (¬4) في "السنن" رقم (3475)، وأخرجه ابن ماجه رقم (3875)، وهو حديث صحيح. (¬5) انظر: "تهذيب التهذيب" (4/ 568 - 569).

قوله: "اللهم إني أسألك بأني أشهد" أي: بسبب أني أشهد، أو مستعيناً، أو نحو ذلك، ويأتي تفسير ما فيه من الألفاظ، وقد حذف المسئول الذي يسأله؛ لأن الأهم ما ذكر من التنصيص على اسم الله الأعظم، والكلام يحتمل أن كل ما ذكر هو الاسم، ويحتمل أنه أحد الألفاظ من بعد قوله: "أشهد أنك"، ولكن من أراد الدعاء بالاسم الأعظم أتى بهذه الألفاظ؛ كلها لأنه غير معين فيها. قوله: "هذه رواية الترمذي". قلت: وقال (¬1): حسن غريب. 2 - وعن محجن بن الأدرع - رضي الله عنه - قال: سَمِعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلاً يَقُولُ: اللهمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بالله الأَحَدُ الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، أَنْ تَغْفِرَ لِي ذُنُوبِي إِنَّكَ أَنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ، فَقَالَ: "قَدْ غُفِرَ لَهُ، قَدْ غُفِرَ لَهُ، قَدْ غُفِرَ لَهُ". أخرجه أبو داود (¬2) والنسائي (¬3). قوله: "وعن محجن" بكسر الميم وسكون الحاء المهملة وفتح الجيم وبالنون. "ابن الأدرع" [409 ب] بفتح الهمزة وسكون الدال المهملة وفتح الراء وبالعين المهملة وهو الأسلمي من بني أسلم بن أفصي بالفاء والصاد المهملة، كان محجن قديم الإسلام عداده في البصريين. قاله ابن الأثير (¬4). ويقال: إنه ليس له في الكتب الستة إلا هذا الحديث. قوله: "قد غفر له، قد غفر له، قد غفر له" فيه دليل على إجابة الداعي بهذه الأسماء الحسنى، إما لأنها اشتملت على الاسم الأعظم، أو لأمر آخر. ¬

_ (¬1) في "السنن" (5/ 516). (¬2) في "السنن" رقم (985). (¬3) في "السنن" رقم (1301)، وهو حديث صحيح. (¬4) في "أسد الغابة" (5/ 64 رقم 4684)، وانظر: "الإصابة" رقم (7754).

3 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: دَعَا رَجُلٌ فَقَالَ: اللهمَّ إِنِّي أسأَلُكَ بِأَنَّ لَكَ الحَمْدَ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ المَنَّانُ، بَدِيعُ السَّمَواتِ والأَرْضِ ذُو الجَلاَلِ والإِكْرامِ. يا حَيُّ يا قَيُّومُ. فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَتَدْرُونَ بِما دَعا؟ ". قَالُوا: الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: "والَّذِي نَفْسِي بِيَده، لَقَدْ دَعَا الله بِاسْمِهِ الأَعْظَمِ، الّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ، وَإِذا سُئِلَ بِهِ أً عْطَى". أخرجه أصحاب السنن (¬1). [صحيح] قوله: "في حديث أنس: لقد دعا الله باسمه الأعظم" هذا لا ينافي ما سبق من حديث بريدة؛ لأنه يحتمل تعدد اسمه الأعظم، وكذلك ما يأتي من حديث أسماء بنت يزيد أنه في الآيتين آية البقرة وآية آل عمران. واعلم أن هذه الأحاديث أثبتت بأن لله تعالى أسماء أعظم، وقد أنكر ذلك قوم كأبي جعفر الطبري وأبي الحسن الأشعري وجماعة، فقالوا: لا يجوز تفضيل بعض الأسماء على بعض، قالوا: لأن ذلك يؤذن باعتقاد نقصان المفضول عن الأفضل [410 ب] , وحملوا ما ورد في ذلك على أن المراد بالأعظم. العظيم وأسماء الله كلها عظيمة. قال ابن حبان (¬2): الأعظمية الواردة في الأخبار إنما يراد بها مزيد الثواب الداعي بذلك، وقيل: المراد بالاسم الأعظم كل اسم من أسماء الله دعا العبد به ربه مستغرقاً بحيث لا يكون في فكره حالتئذ غير الله، فإن من تأتَّى له ذلك استجيب له. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود رقم (1495)، والترمذي رقم (3544) , وابن ماجه رقم (3858)، والنسائي رقم (1300). وأخرجه أحمد (5/ 349، 360) , وابن حبان في صحيحه رقم (890)، والحاكم في "المستدرك" (1/ 504). وهو حديث صحيح، والله أعلم. (¬2) ذكره الحافظ في "الفتح" (11/ 224).

قلت: بعد ثبوت الأدلة على إثبات الاسم الأعظم في السنة لا وجه لمخالفة ذلك. وقال آخرون ممن أثبته: إنه استأثر الله بعلم الاسم الأعظم ولم يطلع عليه أحداً من خلقه، وأثبته آخرون معيناً، واضطربوا في ذلك. قال الحافظ ابن حجر (¬1): إن جملة ما وقف عليه من ذلك أربعة عشر قولاً: الأول: "هو" قال: نقله الفخر الرازي (¬2) عن معظم أهل الكشف، واحتج له بأن من أراد أن يعبر عن كلام معظم [] (¬3) لم يقل له: أنت قلت كذا، وإنما يقول: هو يقول، تأدباً معه. انتهى. وأقره ابن حجر. وأقول لفظ: "هو" لم يعده أحد في أسمائه ولا صفاته ولا هو اسم علم له، وإنما هو ضمير غائب (¬4) موضوع لغة لذلك. وقولهم ما هو لحي لم يرد به كلام عربي، ثم هذا ينقض قول الفخر نفسه أنه لا يجوز أن يطلق على الله لفظ إلا ما ورد به الكتاب أو السنة، وهذا معنى كونها توقيفية (¬5)، فيقال: لفظ "هو" لا يطلق عليه تعالى؛ لأنه لم يرد بإطلاقه اسماً له أو صفة كتاب ولا سنة. "هو" ضمير من الضمائر التي تعود إلى متقدم لفظاً وحكماً والضمائر [411 ب] ليس في الأسماء الحسنى شيء منها؛ فهو غير صحيح لإطلاقه عليه لغة وشرعاً. ¬

_ (¬1) في "فتح الباري" (11/ 224). (¬2) في تفسيره (1/ 146 - 150). (¬3) في (ب): زيادة "له". (¬4) انظر: "تفسير ابن كثير" (13/ 502)، "جامع البيان" (22/ 551). (¬5) في تفسيره (1/ 152).

وأما دليله؛ ففي غاية المخالفة لدعواه، فإن الدعوى أنه اسم لله، ثم قال: وإنما يقول هو يقول كذا، بلفظ (هو) ضمير اتفاقاً عائد إلى قائل القول المقدم لفظاً أو حكماً، كما أن (أنت) الذي عدل عنه ضميراً اتفاقاً للمخاطب وقال: إنه يقال ذلك تأدباً فأين هو مما ادعاه؟ فالعجب إقرار الحافظ لكلامه وتقديمه على كل الأقوال، فهذا قول دون النظر إلى من قال لا إلى ما قال والمأمور به عكس هذا. وأما قول الفخر: أنه قول معظم أهل الكشف؛ فالمحققون من العلماء لا يقولون بأن الكشف - إن كانوا قالوه - عن كشف ليس بدليل ولا حجة ولا يصح الحكم به، وحقيقته الاطلاع على ما وراء الحجاب من المعاني الغيبية، والأمور الخفية الحقيقة وجوداً وشهوداً، كما قاله المناوي في "التعريفات" (¬1)، والله لا يطلع (¬2) على غيبه أحداً إلا من ارتضى من رسول، وكلامنا في غير رسل الله. ثم قال (¬3): الثاني (الله) لأنه اسم لم يطلق على غيره، ولأنه الأصل في الأسماء الحسنى، ولهذا أضيفت إليه. ثم ذكر الثالث شبه ضعيف، فلا حاجة إلى ذكره. وذكر الرابع وهو ما في حديث أسماء بنت يزيد (¬4) وضعفه؛ لأن فيه شهر بن حوشب. ¬

_ (¬1) (ص 604). وانظر: "التعريفات" للجرجاني (ص 193). (¬2) يشير إلى قوله تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} [الجن: 26 - 27]. (¬3) أي ابن حجر في "فتح الباري" (11/ 224). (¬4) سيأتي نصه وتخريجه، وهو حديث ضعيف.

وذكر الخامس أنه (الحي القيوم) وذكر أنه قواه الرازي (¬1)، واحتج بأنهما يدلان على صفات العظمة والربوبية، ولا يدل على ذلك غيرهما كدلالتهما. السابع (¬2): "الحنان المنان بديع السماوات والأرض ذو الجلال والإكرام الحي القيوم" [412 ب] ورد ذلك مجموعاً في حديث أنس عند أحمد (¬3) والحاكم (¬4)، وأصله عند أبي داود (¬5) والنسائي (¬6) وصححه ابن حبان (¬7). ثم قال: الثامن (¬8) "ذو الجلال والإكرام" أخرجه الترمذي (¬9) من حديث معاذ بن جبل قال: سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلاً يقول: "يا ذا الجلال والإكرام، فقال: قد استجيب لك فسل" ¬

_ (¬1) في "تفسيره" (1/ 115 - 116). (¬2) وهو في "فتح الباري" السادس. (¬3) في "المسند" (3/ 120، 158, 245, 265). (¬4) في "المستدرك" (1/ 503 - 504). (¬5) في "السنن" رقم (1495). (¬6) في "السنن" (3/ 52). (¬7) في صحيحه رقم (893)، وهو حديث صحيح. (¬8) ولم يذكر الشارح (السابع) وهو بديع السماوات والأرض ذو الجلال والإكرام، أخرجه أبو يعلى من طريق السري بن يحيى عن رجل من طي وأثنى عليه قال: "كنت أسأل الله أن يريني الاسم الأعظم، فأريته مكتوباً في الكواكب في السماء". "فتح الباري" (11/ 224). (¬9) في "السنن" رقم (3527). وأخرجه أحمد (5/ 231)، والطبراني في "الكبير" (ج 20 رقم 97، 98)، وفي "الدعاء" رقم (2020)، والبخاري في "الأدب المفرد" رقم (725)، والبيهقي في "الأسماء والصفات" (197)، وهو حديث ضعيف، والله أعلم.

واحتج له الفخر الرازي (¬1) بأنه شمل جميع الصفات المعتبرة من الإلهية لأن في "الجلال" الإشارة إلى جميع السلوب و"الإكرام" إلى جميع صفات الإثبات. التاسع (¬2): "الله لا إله إلا هو الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد" أخرجه أبو داود (¬3) والترمذي (¬4) وابن ماجه (¬5) والحاكم (¬6) وابن حبان (¬7)، وهو الذي تقدم في التيسير من حديث بريدة. قال الحافظ (¬8): إنه أرجح من حيث السند من جميع ما تقدم. ثم ذكر بقية (¬9) الأقوال إلى أربعة عشر لم نجد عليها دليلاً ناهضاً فلم نذكرها. [413 ب]. 4 - وعن أسماء بنت يزيد - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اسْمُ الله الأعْظَمُ فِي هَاتَيْنِ الآيَتَيْنِ: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (163)} (¬10)، وَفَاتِحَةُ سُورَةِ آلِ ¬

_ (¬1) في "تفسيره" (1/ 147). (¬2) انظر "فتح الباري" (11/ 225). (¬3) في "السنن" رقم (1495). (¬4) في "السنن" رقم (3544). (¬5) في "السنن" رقم (3858). (¬6) في "المستدرك" (1/ 504). (¬7) في صحيحه رقم (890)، وهو حديث صحيح، والله أعلم. (¬8) في "فتح الباري" (11/ 225). (¬9) انظرها في "فتح الباري" (11/ 225). (¬10) سورة البقرة: 163.

عِمْرَانَ: {الم (1) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} (¬1) ". أخرجه أبو داود (¬2) والترمذي (¬3) وصححه. قوله: "وعن أسماء بنت يزيد" هي أسماء بنت يزيد الأنصارية من بني عبد الأشهل وافدة النساء، روى عنها مسلم بن عبيد وليست بنت يزيد بن السكن. وقد جعل ابن عبد البر وافدة النساء بنت يزيد بن السكن، ولم يذكر هذه الأخرى في كتابه "الاستيعاب" (¬4)، قاله ابن الأثير (¬5). قلت: وقدمنا في الجزء الأول ذكر وفاتها وكلامها لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬6) [410 ب]. 5 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ لله تِسْعَةً وتِسْعِينَ اسْمًا، مَنْ حَفِظَهَا دَخَلَ الجَنَّةَ إِنَّ الله وِتْرٌ يُحِبُّ الوِتْرَ". وفي رواية: "مَنْ أَحْصَاها" أخرجه البخاري (¬7) بهذا اللفظ، ومسلم (¬8) بدون ذكر الوتر، والترمذي (¬9). ¬

_ (¬1) سورة آل عمران: 1 - 2. (¬2) في "السنن" رقم (1496). (¬3) في "السنن" رقم (3476)، وأخرجه ابن ماجه رقم (3855)، وهو حديث ضعيف. (¬4) رقم (3207) الأعلام. (¬5) في "أسد الغابة" (7/ 350 رقم 6717). (¬6) قد نسي الناسخ نسخ جزء من شرح الحديث السابق - حديث أنس - فقام باستدراك ما نسيه، وأكمل شرحه في جزء كبير من الصفحات (411 - 412 - 413) بالإضافة إلى شرح ما بعده من أحاديث في نفس الصفحات المذكورة ولذا تكرر ذكر الصفحات مرتين. (¬7) في صحيحه رقم (6410). (¬8) في صحيحه رقم (2677). (¬9) في "السنن" رقم (3507).

وزاد فعدها: "هُوَ الله الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحمَنُ الرَّحِيمُ، المَلِكُ، القُدُّوسُ، السَّلاَمُ، المُؤْمِنُ، المُهَيْمِنُ، العَزِيزُ، الجَبَّارُ، المتكَبِّرُ، الخالِقُ، البارِئُ، المُصَوِّرُ، الغَفّارُ، القَهَّارُ، الوَهَّابُ، الرَّزَّاقُ، الفَتَّاحُ، العَلِيمُ، القَابِضُ، البَاسِطُ، الخافِضُ، الرَّافِعُ، المُعِزُّ، المُذِلُّ، السَّمِيعُ، البَصِيرُ، الحَكَمُ، العَدْلُ، اللَّطِيفُ، الخَبِيرُ، الحَلِيمُ، العَظِيمُ، الغَفُورُ، الشَّكُورُ، العَليُّ، الكَبِيرُ، الحَفِيظُ، المُقِيتُ، الحَسِيبُ، الجَلِيلُ، الكَرِيمُ، الرَّقِيبُ، المُجِيبُ، الوَاسِعُ، الحَكِيمُ، الوَدُودُ، المَجِيدُ، البَاعِثُ، الشَّهِيدُ، الحَقُّ، الوَكِيلُ، القَوِيُّ، المَتِينُ، الوَلِيُّ، الحَمِيدُ، المُحْصِي، المُبْدِئ، المُعِيدُ، المُحْيِي، المُمِيتُ، الحَيُّ، القَيُّومُ، الوَاجِدُ، المَاجِدُ، الوَاحِدُ، الأحَدُ، الصَّمَدُ، القادِرُ، المُقْتَدِرُ، المُقَدِّمُ، المُؤَخِّرُ، الأَوَّلُ، الآخِرُ، الظّاهِرُ، البَاطِنُ، الوَالِي، المُتَعَالِي، الَبرُّ، التَّوَّابُ، المُنتَقِمُ، العَفُوُّ، الرَّءُوفُ, مالِكُ المُلْكِ، ذُو الجَلاَلِ والإِكْرامِ، المُقْسِطُ الجامِعُ، الغَنيُّ، المُغْني، المَانِعُ، الضَّارُّ، النَّافِعُ، النُّورُ، الهادِي، البَدِيعُ البَاقِي، الوَارِثُ، الرَّشِيدُ، الصَّبُورُ". ولم يفصل الأسماء غير الترمذي (¬1). ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (3507). وأخرجه ابن حبان رقم (808)، وأحمد (2/ 258)، والبغوي رقم (1257)، والحاكم (1/ 16)، والطبراني في "الدعاء" رقم (111)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (1/ 114 - 115 رقم 102)، وفي "السنن الكبرى" (10/ 27)، وفي "الأسماء والصفات" (ص 5)، وفي "الاعتقاد" (ص 18 - 19) كلهم من طريق صفوان بن صالح عن الوليد بن مسلم به. وهو حديث صحيح دون سرد الأسماء، أما بها ضعيف. وقال الحاكم: "هذا حديث قد خرجاه في الصحيحين بأسانيد صحيحة دون ذكر الأسامي فيه. والعلة فيه عندهما أن الوليد بن مسلم تفرد بسياقته بطوله وذكر الأسامي فيه ولم يذكرها غيره. وليس هذا بعلة؛ فإني لا أعلم اختلافاً بين أئمة الحديث أن الوليد بن مسلم أوثق وأحفظ وأعلم وأجل من أبي اليمان، وبشر بن شعيب، وعلي بن عياش، وأقرانهم من أصحاب شعيب". اهـ وقال ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (22/ 482): "إن التسعة والتسعين اسماً لم يرد في تعيينها حديث صحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأشهر ما عند الناس فيها حديث الترمذي الذي رواه الوليد بن مسلم عن شعيب عن أبي =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = حمزة، وحفاظ أهل الحديث يقولون: هذه الزيادة مما جمعه الوليد بن مسلم عن شيوخه من أهل الحديث، وفيها حديث ثان أضعف من هذا، رواه ابن ماجه. وقد روي في عددها غير هذين النوعين من جمع بعض السلف". اهـ وقال ابن حجر في "فتح الباري" (11/ 217): "وقد استضعف الحديث أيضاً جماعة، فقال الداودي: لم يثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عين الأسماء المذكورة. وقال ابن العربي: يحتمل أن تكون الأسماء تكملة الحديث المرفوع، ويحتمل أن تكون من جمع بعض الرواة، وهو الأظهري عندي ... " اهـ وأخرج ابن أبي الدنيا كما في "الدر المنثور" (3/ 148)، والطبراني في "الدعاء" رقم (112)، والحاكم في "المستدرك" (1/ 17)، وقال الحاكم: هذا حديث محفوظ من حديث أيوب وهشام عن ابن سيرين عن أبي هريرة مختصراً دون ذكر الأسامي الزائدة فيها وكلها في القرآن. وأبو نعيم في جزء فيه طرق حديث: "إن لله تسعة وتسعين اسماً" رقم (52)، والبيهقي في "الاعتقاد" (ص 19) كلهم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، وعلة الحديث عبد العزيز بن الحصين، وقد تفرد بهذه الرواية. وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف، والله أعلم. قال ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (6/ 379 - 380): "روى الأسماء الحسنى في "جامعه" - أي الترمذي - من حديث الوليد بن مسلم، عن شعيب عن أبي الزناد، عن الأعرج عن أبي هريرة. ورواها ابن ماجه في "سننه" من طريق مخلد بن زياد القطواني، عن هشام بن حسان، عن محمَّد بن سيرين، عن أبي هريرة. وقد اتفق أهل المعرفة بالحديث على أن هاتين الروايتين ليستا من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإنما كل منهما من كلام بعض السلف. فالوليد ذكرها عن بعض شيوخه الشاميين كما جاء مفسراً في بعض طرق حديثه. ولهذا اختلفت أعيانهما، فروى عنه في إحدى الروايات من الأسماء بدل ما يذكر في الرواية الأخرى؛ لأن الذين جمعوها قد كانوا يذكرون هذا تارة وهذا تارة؛ واعتقدوا - وهم غيرهم - أن الأسماء الحسنى التي من أحصاها دخل الجنة ليست شيئاً معيناً، بل من أحصى تسعة وتسعين اسماً من أسماء الله دخل الجنة، أو أنها وإن كانت معينة فالاسمان اللذان يتفق معناهما يقوم أحدهما مقام صاحبه, كالأحد والواحد، فإن في رواية هشام =

قوله: "في حديث أبي هريرة: إن لله تسعة وتسعين اسماً" لا دليل فيه على الحصر، وأنه ليس له تعالى إلا هذه الأسماء، بل هذه اختصت بأن من حفظها أو أحصاها [411 ب] دخل الجنة، وإلا فحديث: "أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك أو استأثرت به عندك" أخرجه أحمد (¬1) وصححه ابن حبان (¬2)، فإنه ¬

_ = ابن عمار عن الوليد بن مسلم عنه، رواهما عثمان بن سعيد "الأحد" بدل "الواحد" و"المعطي" بدل "المغني" وهما متقاربان. وعدّ الوليد هذه الأسماء بعد أن روى الحديث عن خليد بن دعلج عن قتادة عن ابن سيرين عن أبي هريرة. ثم قال هشام: وحدثنا الوليد، حدثنا سعيد بن عبد العزيز، مثل ذلك، وقال: كلها في القرآن: "هو الله الذي لا إله إلا هو ... " مثل ما ساقها الترمذي، لكن الترمذي رواها عن طريق صفوان بن صالح، عن الوليد، عن شعيب، وقد رواها ابن أبي عاصم، وبين ما ذكره هو والترمذي خلاف في بعض المواضع، وهذا كله مما يبين لك أنها من الموصول المدرج في الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في بعض الطرق، وليست من كلامه". اهـ وقال ابن كثير في تفسيره (2/ 280): "والذي عول عليه جماعة من الحفاظ أن سرد الأسماء في هذا الحديث مدرج فيه، وإنما ذلك كما رواه الوليد بن مسلم وعبد الملك بن محمَّد الصنعاني، عن زهير بن محمَّد أنه بلغه عن غير واحد من أهل العلم أنهم قالوا ذلك، أي: أنهم جمعوها من القرآن، كما روي عن جعفر بن محمَّد وسفيان بن عيينة وأبي زيد اللغوي، والله أعلم". اهـ (¬1) في "المسند" (1/ 391). (¬2) في صحيحه رقم (972). وأخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (10/ 253)، وأبو يعلى في مسنده رقم (5297)، والطبراني في "الكبير" رقم (10352)، وفي "الدعاء" رقم (1035)، والحاكم في "المستدرك" (1/ 509 - 510)، والبزار في مسنده (3122)، وابن السني في "عمل اليوم والليلة" رقم (342) كلهم من حديث عبد الله بن مسعود، وهو حديث حسن بشواهده.

يدل على تعدد أسمائه تعالى، وأن منها ما لا يعلمه أحد، وإلى هذا ذهب الجمهور، ونقل النووي (¬1) [412 ب] اتفاق العلماء عليه. وقال (¬2): ليس في الحديث حصر أسماء الله تعالى، وليس معناه أنه ليس له اسم غير هذه التسعة والتسعين. ونقل في "الفتح" (¬3) عن ابن حزم (¬4) أنه ذهب إلى حصر أسماء الله تعالى في التسعة والتسعين، واستدل بأنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "مائة اسم إلا واحد" قال: لأنه لو جاز أن يكون له اسم واحد زائد على العدد المذكور لزم أن يكون مائة اسم، فبطل قوله: مائة إلا واحد. قال في "الفتح" (¬5): وهذا الذي قاله ليس بحجة؛ لأن الحصر المذكور عندهم باعتبار الوعد الحاصل [413 ب] لمن أحصاها، فمن [267/ أ] ادعى أن الوعد وقع لمن أحصى زائداً على ذلك أخطأ، ولا يلزم من ذلك أن لا يكون هناك اسم زائد، هذا وأما الحكمة في الاقتصار على العدد المذكور؛ فذكر الرازي (¬6) عن الأكثر أنه تعبد لا يعقل معناه كما قيل في أعداد الصلوات وغيرها، وتكلف أقوام لاستخراج وجه الحكمة فأتوا بما لا دليل عليه. ¬

_ (¬1) في شرحه لصحيح مسلم (17/ 5). (¬2) أي النووي في شرحه لصحيح مسلم (17/ 5). (¬3) في "فتح الباري" (11/ 221). (¬4) في "المحلى" (1/ 30). (¬5) في "فتح الباري" (11/ 221). (¬6) في تفسيره (1/ 154).

قال القرطبي (¬1): أسماء الله وإن تعددت فلا تعدد في ذاته ولا تركيب، [لا محسوساً كالجسميات] (¬2) ولا عقلياً كالمحدودات، إنما تعددت الأسماء بحسب الاعتبارات الزائدة على الذات، ثم من جهة دلالتها على أربعة أضرب؛ الأول: ما يدل على الذات مجردة كالجلالة؛ فإنه يدل عليه دلالة مطلقة غير مقيدة، وبه تعرف جميع أسمائه، فيقال مثلاً: الرحمن من أسماء الله، ولا يقال: الله من أسماء الرحمن، ولهذا كان الأصح أنه اسم علم غير مشتق وليس بصفة. الثاني: ما يدل على الصفات الثابتة للذات كالعليم والقدير والسميع والبصير. والثالث: ما يدل على إضافة أمر إليه؛ كالخالق والرازق. الرابع: ما يدل على سلب شيء عنه، كالعلي والقدوس. وهذه الأقسام الأربعة منحصرة في النفي والإثبات. وقال الفخر الرازي (¬3): الألفاظ [414 ب] الدالة على الصفات ثلاثة ثابتة في حق الله قطعاً وممتنعة قطعاً وثابتة، لكن مقرونة بكيفية. فالقسم الأول: منه ما يجوز ذكره مفرداً لا مضافاً، وهو كثير جداً؛ كالقادر والقاهر. ومنه: ما يجوز مفرداً ويجوز مضافاً إلا [بشرط] (¬4)، ويجوز مفرداً؛ كالخالق، ويجوز: خالق كل شيء مثلاً، ولا يجوز: خالق القدرة، ومنه عكسه يجوز مضافاً ولا يجوز مفرداً كالمنشئ، فيجوز: منشئ الخلق، ولا يجوز: منشئ فقط. والقسم الثاني: إن ورد السمع بشيء فيه أطلق وحمل على ما يليق به. ¬

_ (¬1) في "المفهم" (7/ 15 - 16). (¬2) كذا في (أ، ب)، والذي في "المفهم": ولا محسوساً كترتيب الجسمانيات. (¬3) في تفسيره (1/ 139 - 141). (¬4) في (ب): "لشرط".

والقسم الثالث: إن ورد السمع بشيء منه أطلق ما ورد منه، ولا يقاس عليه، ولا يتصرف منه بالاشتقاق، نحو قوله: "ومكر الله"، "ويستهزئ"، فلا يجوز: ماكر ومستهزئ. انتهى. [268/ أ]. قوله: "في حديث أبي هريرة أخرجه البخاري (¬1) [وهذا اللفظ لمسلم] (¬2) " (¬3). قال الحافظ ابن حجر (¬4) أنه قال ابن عطية في [تفسيره] (¬5): أنه متواتر عن أبي هريرة، كذا قال. ولم يتواتر الحديث من أصله وإن خرج في الصحيح، بل غاية أمره أن يكون مشهوراً. قوله: "وزاد" أي: الترمذي: "فعدها". اعلم (¬6) أنه اختلف العلماء في سرد الأسماء: هل هو مرفوع أو مدرج في الخبر من بعض الرواة؟ فمشى كثير منهم على الأول، وذهب آخرون إلى أنه مدرج، قالوا: لخلوّ أكثر الروايات عنه. قال الداودي (¬7): لم يثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عَيَّن الأسماء المذكورة. ¬

_ (¬1) في صحيحه رقم (6410). (¬2) في صحيحه رقم (2677). (¬3) كذا في الشرط، والذي في متن الحديث: أنه لفظ البخاري. (¬4) في "فتح الباري" (11/ 215). (¬5) في (أ، ب): "تفسير"، وما أثبتناه من "فتح الباري". (¬6) قاله الحافظ في "الفتح" (11/ 215). (¬7) ذكره الحافظ في "فتح الباري" (11/ 217).

وقال ابن العربي (¬1): يحتمل أن الأسماء من الحديث المرفوع، ويحتمل أن تكون من جمع بعض الرواة، وهو الأظهر عندي. قال الحافظ ابن حجر (¬2) - بعد نقل أقوال واسعة -: وإذا تقدر رجحان أن سرد الأسماء ليس مرفوعاً؛ فقد [415 ب] اعتنى جماعة بتتبعها من القرآن من غير تقييد بعدد، منهم: جعفر بن محمَّد الصادق، ومنهم: أبو عبد الله محمَّد بن إبراهيم الزاهد، ومنهم: أبو محمَّد بن حزم (¬3)، وآخرهم فيما علمناه الإمام الكبير: محمَّد بن إبراهيم الوزير؛ فإنه قال في "إيثار الحق على الخلق" (¬4): أنه عد ما وجده منصوصاً منها في كتاب الله باليقين من غير تقليد، قال: والذي عرفت منها إلى الآن بالنص الصريح دون الاشتقاق في القرآن مائة وخمسة وخمسين ثم سردها، وقال: إنها أصح الأسماء وأحبها إلى الله، حيث اختارها في أفضل كتبه لأفضل أنبيائه. قوله: "وتر" (¬5) يجوز فتح الواو وكسرها، والوتر: الفرد، ومعناه في حق الله: أنه الواحد الذي لا نظير له في ذاته ولا اتصافه. ¬

_ (¬1) في "عارضة الأحوذي" (13/ 34). (¬2) في "فتح الباري" (11/ 217). (¬3) في "المحلى" (1/ 30 - 31). (¬4) (ص 159). (¬5) يوصف الله - عز وجل - بأنه وتر، وهذا ثابت بالأحاديث الصحيحة. والوتر اسم من أسمائه. منها: حديث أبي هريرة المتقدم. البخاري رقم (6410)، ومسلم رقم (2677). ومنه: ما أخرجه أبو داود رقم (1416)، والترمذي رقم (453) عن علي - رضي الله عنه -: "إن الله وتر يحب الوتر، فأوتروا يا أهل القرآن"، وهو حديث حسن. قال الخطابي في "شأن الدعاء" (ص 29 - 30): الوتر: الفرد، ومعنى الوتر في صفة الله جل وعلا: الواحد الذي لا شريك له، ولا نظير له، المتفرد عن خلقه، البائن عنهم بصفاته، فهو سبحانه وتر، وجميع خلقه شفع، خلقوا أزواجاً. =

قوله: "يحب الوتر" قال عياض (¬1): معناه: أن الوتر في اللغة بضد الشفع في أسمائه؛ لأنه دال على الوحدانية في صفاته، وقيل: لأنه أمر بالوتر في كل شيء كالصلوات الخمس والطواف وأعداد الطهارة، وفي المخلوقات؛ كالسماوات السبع والأرض. قوله: "وفي رواية: من أحصاها دخل الجنة". قلت: لفظ: "حفظها" و"أحصاها" كلاهما للشيخين، فالآخر لمسلم. قال الخطابي (¬2) - ما معناه -: الإحصاء في مثل هذا يحتمل وجوهاً، أحدها: أن يعدها حتى يستوفيها، يريد أن لا يقتصر على بعضها، بل يدعو الله بها كلها ويثني عليه بجميعها، فيستوجب الموعود عليها من الثواب. ثانيها: المراد بالإحصاء الإطاقة، كقوله: {عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ} (¬3)، ومنه حديث: "استقيموا ولن تحصوا" (¬4)، أي: تبلغوا [416 ب] كنه الاستقامة. والمعنى: من أطاق القيام بحق هذه الأسماء والعمل بمقتضاها، وهو أن يعتبر معانيها فيلزم نفسه اعتقادها، فإذا قال: الرزاق؛ وثق بالرزق، وكذلك سائر الأسماء. ثالثها: المراد بالإحصاء: الإحاطة بمعانيها، من قول العرب: فلان ذو حصاةٍ، أي: ذو عقل ومعرفة. ¬

_ = وانظر: "الاعتقاد" للبيهقي (ص 68). (¬1) في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (8/ 177) بتصرف من الشارح. (¬2) ذكره الحافظ في "فتح الباري" (11/ 225). (¬3) سورة المزمل: 20. (¬4) أخرجه أحمد (5/ 276 - 277)، وابن ماجه رقم (277) من حديث ثوبان قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "استقيموا ولن تحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة، ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن". وهو حديث صحيح.

(فائدة: ذكر شرح أسماء الله الحسنى)

قال القرطبي (¬1): المرجو من الله أن من حصل له إحصاء هذه الأسماء على أحد المراتب أن يدخله الله الجنة، وهذه المراتب الثلاثة للسابقين والصديقين وأصحاب اليمين. وفيها أقوال أخر سردها في "فتح الباري" (¬2) وقال: معنى أحصاها: حفظها، وهو الأظهر؛ لثبوته نصاً في الخبر. وقال النووي في "الأذكار" (¬3): وهو قول الأكثرين. وقيل: الإحصاء هو أن يعلم معنى كل اسم [269/ أ] بالنظر في الصيغة، ويستدل عليه بأثره الساري في الوجود، ولا تمر على موجود إلا ويظهر لك فيه معنى من معاني تلك الأسماء، وتعرف خواص نفعها. وموقع العد بمقتضى كل اسم وهذا أرفع المعاني، ومنها: أن يتخلق بما يقدر عليه منها، كأن يتخلق بالحلم من صفة الحليم وبالعفو من صفة العفو ونحو ذلك، وقد روي: "تخلقوا بأخلاق الله" (¬4) وهي صفاته. وسنشير في كل اسم إلى ما يليق بالعبد أن يتخلق به. [417 ب]. (فائدة: ذكر شرح أسماء الله الحسنى) في معاني الأسماء المتقاربة في المعنى من أنه: هل يجوز أن تكون مترادفة لا تدل إلا على معنى واحد؟ أم لا بد أن تختلف (¬5) مفهوماتها؟ ثم قالوا: كالكبير والعظيم والقادر والمقتدر والخالق والباري. ¬

_ (¬1) في "المفهم" (7/ 17). (¬2) (11/ 226 - 227). (¬3) (1/ 290). (¬4) قال الألباني في "شرح العقيدة الطحاوية" (ص 120): لا نعرف له أصلاً في شيء من الكتب الستة. (¬5) انظر: "شرح أسماء الله الحسنى" للفخر الرازي (ص 22 - 23).

قال: وهذا - أي الترادف - مع عدها في التسعة والتسعين مما يستبعده غاية الاستبعاد؛ لأن الاسم لا ترادف لحروفه بل لمعانيه، والمعاني المترادفة لا تختلف إلا حروفها، وإنما فضيلة هذه الأسامي لما تحتها من المعاني، فإذا خلا عن المعنى لم يبق إلا الألفاظ، والمعنى إذا دل عليه بألف اسم لم يكن له فضل على المعنى الذي يدل عليه باسم واحد، فبعيد أن يكمل هذا العدد المحصور بتكرير الألفاظ على معنى واحد، بل الأشبه أن يكون تحت كل لفظ مخصوص معنى - إلى أن قالوا -: فإذا رأينا لفظين متقاربين فلا بدَّ أن نتكلف إظهار مزية أحد اللفظين على الآخر ببيان اشتماله على دلالته بما يدل عليها الآخر. مثلاً: الغافر (¬1) والغفور والغفار [418 ب] لم يكن تعبداً أن يعد هذا ثلاثة؛ لأن الغافر يدل على أصل المغفرة فقط، والغفور يدل على كثرة المغفرة بالإضافة إلى كثرة الذنوب، حتى أن من لا يغفر إلا نوعاً واحداً من الذنوب قد لا يقال له غفور، والغفار يشير إلى كثرة على سبيل التكرار، أي: يغفر الذنوب مرة بعد أخرى، حتى أن من يغفر جميع الذنوب أول مرة ولا يغفر للعائد إلى الذنب مرة بعد أخرى؛ لم يستحق اسم الغفار. وكذلك الغني (¬2) والملك؛ فإن الغني هو الذي لا يحتاج إلى شيء، والملك أيضاً هو الذي لا يحتاج إلى شيء، ويحتاج إليه كل شيء، فيكون الملك مفيداً معنى الغني وزيادة. انتهى. واعلم أن صاحب التيسير أخذ تفسير الأسماء الحسنى بما يذكره من غريب (¬3) جامع ابن الأثير، ولا يفاوته إلا في حذفه لشيء يسير. ¬

_ (¬1) سيأتي شرحه. (¬2) سيأتي شرحه. (¬3) (4/ 175 - 183).

فإن قلنا: "فسراه" فمرادنا ابن الأثير وصاحب التيسير، ولما قد شرح هذه الأسماء الحسنى جماعة من أئمة العلم؛ رأيت من كمال الإفادة نقل غالب ما قالوه، وتركت ما يطول به من ضرب الأمثال ونحوها من الأقوال. فإن قلت: "تفاسير ابن الأثير وصاحب التيسير" هي التفاسير بمعناها لغة، فهذه التفاسير التي أتى بها شراح [419 ب] الأسماء الحسنى ما مستندهم فيها؟ قلتُ: لا ريب أن أهل اللغة يفسرونها بالمعاني اللغوية باعتبار ما عرفوه فيمن يتصف بها من العباد، وشراح الأسماء نظروا إلى وصف الله بها، وقد علم أنه ليس مثله شيء في ذاته ولا صفاته ولا أفعاله، فإذا وجدناه قد وصف نفسه بشيء مما يطلق على العباد فلا نقتصر بتفسيره على ما فسرناه به ذلك اللفظ الذي أطلق على العباد وقاله أهل اللغة، فإنهم إنما قالوه ناظرين إلى ما عرفوه ممن اتصف به من العباد، فإن اقتصرنا عليه في اللفظ الذي أطلق عليه تعالى كان تقصيراً به عن حقه، وربما كان تشبيهاً بخلقه، فإنك تصفه بأنه عالم كما وصف به نفسه، وتصف العالم من العباد بذلك وبين العلمين من التفاوت ما لا تحيط به عبارة؛ فإن الله تعالى [ذاتي] (¬1) بعلمه الغيب والشهادة، ويعلم السر وأخفى، ولا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء. وعلم العباد إنما هو بتعليم الله، كما قالت الملائكة الذين - هم هم -: {لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا} (¬2)، وقال لأكرم خلقه عليه: {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ} (¬3)، {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ ¬

_ (¬1) كذا رسمت في المخطوط (أ، ب) غير مقروءة. (¬2) سورة البقرة: 32. (¬3) سورة النساء: 113.

كُلَّهَا} (¬1)، ولذا يفسرون علم المخلوق بالصورة الحاصلة في الفعل وعند الفعل ولا يدخل علمه تعالى فيه. فإذا عرفت هذا وأردت تفسير صفة من صفاته تعالى [420 ب] وجب عليك إمعان النظر وإتعاب الفكر والإتيان بما تظن أنه المراد بمعناه بالنظر إلى عظمة من اتصف به، ورفعة شأنه ومخالفته للموصوفين في كل شيء مع ملاحظة المعنى اللغوي؛ لأن أسماءه عربية، وهي من القرآن وهو عربي، ولذا ذهب المحققون من أئمة الدين إلى أنها لا تكيف صفاته تعالى، بل نؤمن بها ونصدقها ولا نكيفها؛ لأنه لا يعرف كيفية تعلق الصفة بالموصوف إلا من عرف كنه الموصوف، والله يقول: {وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا (110)} (¬2) نفياً عاماً، وقال في نفي إحاطتهم بعلمه: {وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ} (¬3) فاستثنى وقال: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (¬4) نفي عام أيضاً. فإن قلتَ: كيف يخاطبهم بصفة لا يعرفون كيفية تعلقها به؟ وأي فائدة في ذلك؟ قلتُ: هذا شيء كثير في المخاطبات وفي كلامه تعالى، مثل خطابهم لهم بأحكام النفس والروح، وهما متعلقان بالمخاطبين ولا يعرفون ماهيتهما، ولا كيفية تعلقهما بهما، ويذكر لهم ¬

_ (¬1) سورة البقرة: 31. (¬2) سورة طه: 110. (¬3) سورة البقرة: 255. (¬4) سورة الشورى: 11.

النوم والموت ولا يعرفون ذلك فيهما، بل وصف لهم الجنة ونعيمها وأخبرهم رسوله - صلى الله عليه وسلم - بأن: "فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب" (¬1) وهذا شيء كثير. وأما الفائدة في ذلك: فليعرف في وصفه بالعلم والقدرة بأن له الكمال الذي تثبتونه أنتم للمخلوقين من العالم والقادر، ولكنه علم غير العلم الذي تثبتونه كما ذكرناه، وقادر قدرة غير ما تعرفونها [421 ب] فإنه بقدرته أمسك السماوات والأرض أن تزولا، ويوضحه حديث: "إن قيراط ربنا مثل أحد" (¬2)، وقول ابن عباس: "قليل لقيراط ربنا أن يكون كأحد". وبالجملة: فكل أمر وصف به (¬3) تعالى أو أضيف إليه فهو فوق ما تتخيله الأوهام وتحوم حوله الأفهام، فمعاني صفاته إنما تفسر بالتقريب وضرب الأمثال، فهذا الذي ستسمعه ¬

_ (¬1) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قال الله - عز وجل -: أعددت لعبادي الصالحين: ما لا عين رأت, ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، واقرءوا إن شئتم: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [السجدة: 17] ". [أخرجه البخاري رقم (3244)، ومسلم رقم (2824)، والترمذي رقم (3197)، والنسائي في "الكبرى" رقم (11085)]. (¬2) أخرجه أحمد (5/ 278)، ومسلم رقم (946)، والبيهقي في السنن الكبرى (3/ 413)، وفي شعب الإيمان رقم (9244)، كلهم من حديث ثوبان. وهو حديث صحيح. (¬3) وإليك بعض القواعد العامة في الصفات: القاعدة الأولى: "إثبات ما أثبته الله لنفسه في كتابه، أو أثبته له رسوله - صلى الله عليه وسلم -؛ من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل". لأن الله أعلم بنفسه من غيره، ورسوله - صلى الله عليه وسلم - أعلم الخلق بربه. انظر: "مجموع فتاوى" (3/ 3)، (4/ 182)، (5/ 26 - 28). =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = القاعدة الثانية: "نفي ما نفاه الله عن نفسه في كتابه، أو نفاه عنه رسوله - صلى الله عليه وسلم -، مع اعتقاد ثبوت كمال ضده لله تعالى". "العقيدة التدمرية" (ص 58). لأن الله أعلم بنفسه من خلقه، ورسوله أعلم الناس بربه؛ فنفي الموت عنه يتضمن كمال حياته، ونفي الظلم يتضمن كمال عدله، ونفي النوم يتضمن كمال قيوميته. القاعدة الثالثة: "صفات الله - عز وجل - توقيفية؛ فلا يثبت منها إلا ما أثبته الله لنفسه، أو أثبته له رسوله - صلى الله عليه وسلم-، ولا يُنفى عن الله - عز وجل - إلا ما نفاه عن نفسه, أو نفاه عنه رسوله - صلى الله عليه وسلم -". ["مجموع فتاوى" (5/ 26 - 28)]. لأنه لا أحد أعلم بالله من الله تعالى، ولا مخلوق أعلم بخالقه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. القاعدة الرابعة: "التوقف في الألفاظ المجملة التي لم يرد إثباتها ولا نفيها، أما معناها؛ فَيُسْتفصل عنه فإن أريد به باطل يُنَزَّه الله عنه؛ رُدَّ، وإن أريد به حق لا يمتنع على الله؛ قُبِلَ، مع بيان ما يدلُّ على المعنى الصواب من الألفاظ الشرعية، والدعوة إلى استعماله مكان هذا اللفظ المجمل الحادث". ["التدمرية" (ص 65)، "مجموع فتاوى" (5/ 299)]. مثاله: لفظة (الجهة): نتوقف في إثباتها ونفيها، ونسأل قائلها: ماذا تعني بالجهة؟ فإن قال: أعني أنه في مكان يحويه. قلنا: هذا معنى باطل يُنَزَّه الله عنه، ورددناه. وإن قال: أعني جهة العلو المطلق؛ قلنا: هذا حق لا يمتنع على الله. وقبلنا منه المعنى، وقلنا له: لكن الأولى أن تقول: هو في السماء، أو في العلو؛ كما وردت به الأدلة الصحيحة، وأما لفظة (جهة)؛ فهي مجملة حادثة، الأولى تركها. القاعدة الخامسة: "كل صفة ثبتت بالنقل الصحيح؛ وافقت العقل الصريح، ولا بد". "مختصر الصواعق المرسلة" (1/ 141، 253). القاعدة السادسة: "قطع الطمع عن إدراك حقيقة الكيفية؛ لقوله تعالى: {وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا (110)} [طه: 110]. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = القاعدة السابعة: "صفات الله - عز وجل - تُثبت على وجه التفصيل، وتنفى على وجه الإجمال". فالإثبات المفصل؛ كإثبات السمع والبصر وسائر الصفات, والنفي المجمل كنفي المثلية في قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11]. القاعدة الثامنة: "كل اسم ثبت لله - عز وجل -؛ فهو متضمن لصفة، ولا عكس". مثاله: اسم الله الرحمن متضمن صفة الرحمة، والكريم يتضمن صفة الكرم، واللطيف يتضمن صفة اللطف ... وهكذا، لكن صفاته: الإرادة، والإتيان، والاستواء؛ لا نشتق منها أسماء، فنقول: المريد، والآتي، والمستوي ... وهكذا. القاعدة التاسعة: "صفات الله تعالى كلها صفات كمال، لا نقص فيها بوجه من الوجوه". انظر: "مجموع فتاوى" (6/ 37، 515)، "بدائع الفوائد" (1/ 162، 168)، "مختصر الصواعق المرسلة" (1/ 232). القاعدة العاشرة: "صفات الله - عز وجل - ذاتِيَّة وفعليَّة، والصفات الفعليَّة متعلقة بأفعاله، وأفعاله لا منتهى لها"، {وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ (27)} [إبراهيم: 27]. القاعدة الحادية عشرة: "دلالة الكتاب والسنة على ثبوت الصفة: إما التصريح بها، أو تضمن الاسم لها، أو التصريح بفعل أو وصفٍ دالًّ عليها". مثال الأول: الرحمة، والعزة، والقوة، والوجه، واليدين، والأصابع ... ونحو ذلك. مثال الثاني: البصير متضمن صفة البصر، والسميع متضمن صفة السمع ... ونحو ذلك. مثال الثالث: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5)} [طه: 5]: دال على الاستواء، {إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ (22)} [السجدة: 22]: دالٌّ على الانتقام ... ونحو ذلك. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = القاعدة الثانية عشرة: "صفات الله - عز وجل - يستعاذ بها ويُحلف بها"، وقد فرق بعضهم بين الحلف بالصفة الفعلية والصفة الذاتية، وقالوا: لا يجوز الحلف بصفات الفعل. ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم -: "أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك ... ". رواه مسلم (486)، ولذلك بوب البخاري في كتاب الإيمان والنذور: "باب: الحلف بعزة الله وصفاته وكلماته". انظر: "شرح السنة" للبغوي (1/ 185 - 187)، "مجموع فتاوى" (6/ 143، 229)، "القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى" (ص 30، 38). القاعدة الثالثة عشرة: "الكلام في الصفات كالكلام في الذات". فكما أن ذاته حقيقية لا تشبه الذوات؛ فهي متصفة بصفات حقيقية لا تشبه الصفات، وكما أن إثبات الذات إثبات وجود لا إثبات كيفية، كذلك إثبات الصفات. القاعدة الرابعة عشرة: "القول في بعض الصفات كالقول في البعض الآخر". فمن أقر بصفات الله؛ كالسمع، والبصر، والإرادة؛ يلزمه أن يقر بمحبة الله، ورضاه، وغضبه، وكراهيته. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "ومن فرق بين صفة وصفة، مع تساويهما في أسباب الحقيقة والمجاز؛ كان متناقضاً في قوله، متهافتاً في مذهبه، مشابهاً لمن آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض". القاعدة الخامسة عشرة: "ما أضيف إلى الله مما هو غير بائن عنه؛ فهو صفة له غير مخلوقة، وكل شيء أضيف إلى الله بائن عنه؛ فهو مخلوق؛ فليس كل ما أضيف إلى الله يستلزم أن يكون صفةً له". مثال الأول: سمعُ الله، وبصرُ الله، ورضاه، وسخطُه ... ومثال الثاني: بيت الله، وناقة الله ... القاعدة السادسة عشرة: "صفات الله - عز وجل - وسائر مسائل الاعتقاد تثبت بما ثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإن كان حديثاً واحداً، وإن كان آحاداً". =

من تفاسير الغزالي ونحوه هو بعض ما تبلغه قدرة العبد من إيضاح معانيها، وليس فيه شيء من بيان كيفية تعلقها ولا من حرفها عن المراد بها. ¬

_ = القاعدة السابعة عشرة: "معاني صفات الله - عز وجل - الثابتة بالكتاب أو السنة معلومة، وتُفسر على الحقيقة, لا مجاز ولا استعارة فيها البتة، أما الكيفية؛ فمجهولة". القاعدة الثامنة عشرة: "ما جاء في الكتاب أو السنة؛ وجب على كل مؤمن القول بموجبه، والإيمان به، وإن لم يفهم معناه". القاعدة التاسعة عشرة: "باب الأخبار أوسع من باب الصفات, وما يطلق عليه من الأخبار؛ لا يجب أن يكون توقيفياً؛ كالقديم، والشيء، والموجود .... ". انظر: "مختصر الصواعق المرسلة" (2/ 332، 412، 433)، "التدمرية" (ص 43 - 44)، "مجموع فتاوى" (5/ 36 - 42)، "بدائع الفوائد" (1/ 162)، "مجموع فتاوى" (3/ 1 - 128، 160 - 194)، (5/ 298). القاعدة العشرون: "صفات الله - عز وجل - لا يقاس عليها". فلا يقاس السخاء على الجود، ولا الجلد على القوة، ولا الاستطاعة على القدرة، ولا الرِّقة على الرحمة والرأفة، ولا المعرفة على العلم ... وهكذا؛ لأن صفات الله - عز وجل - لا يتجاوز فيها التوقيف؛ كما مر في القاعدة الثالثة. القاعدة الحادية والعشرون: "صفات الله - عز وجل - لا حصر لها؛ لأن كل اسم يتضمن صفة - كما مر -، وأسماء الله لا حصر لها، فمنها ما استأثرا لله به في علم الغيب عنده". انظر: "شأن الدعاء" للخطابي (ص 111)، "بدائع الفوائد" (1/ 162، 168)، "مجمع فتاوى" (5/ 121، 298).

واعلم أن للعلماء قولين في أحاديث الصفات وأتى بها؛ الأول: وهو رأي أئمة التحقيق أنها تجري كما أجراها (¬1) الله على ظاهرها من غير بحث عن كيفية تعلقها به تعالى ولا السؤال عن ذلك، بل كما قال في تفسير الاستواء: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والسؤال عنه بدعة، والإيمان به واجب. والطريقة الثانية: طريقة التأويل كما يقولون: المراد بالاستواء الاستيلاء، ونحو ذلك. والمسألة معروفة والنزاع فيها معروف. واعلم أنا نأتي عقيب شرح كل صفة ببيان ما يتخلق به العبد منها، ونذكره بلفظ "فائدة" وهي مأخوذة من كلام شراح الأسماء، إلا أني قد أحذف شيئاً مما يذكرونه وأذكر شيئاً لم يذكروه. ووجه إثباتي لهذه الفوائد قوله - صلى الله عليه وسلم -: "تخلقوا بأخلاق الله" (¬2) انتهى. ولم يخرج الحديث. وقد أخرجه [] (¬3). فلذا أعبر في أول كل فائدة بقوله: "يتخلق العبد ... " إلى آخره، والمراد بالتخلق بما ذكر هو ما ذكرنا في الفوائد للحلم؛ لأن الله حليم [422 ب] يحب الحلم، وبكريم؛ لأن الله كريم يحب الكرم. ثم اعلم أيضاً أن ابن الأثير والمصنف في التيسير حذفا من تفسير التسعة والتسعين أسماء كثيرة، لا أدري ما وجه حذفهما تفسيرها، وكأنه لتداخل معاني بعضها ببعض، إلا أن ¬

_ (¬1) انظر: القواعد المتقدمة. (¬2) قال الألباني في "شرح العقيدة الطحاوية" (ص 120): لا نعرف له أصلاً في شيء من الكتب الستة. (¬3) في (ب) بياض بمقدار سطر وربع تقريباً من أسطر المخطوط.

شرح أسماء الله الحسنى

بعض ما شرحناه كذلك يمكن تداخل بعضها مع بعض، فالذي [شرحاه] (¬1) من التسعة والتسعين خمسة وستين. اسماً فقط، وقد رأينا استيفاء شرح ما تركاه. شرح (¬2) أسماء الله الحسنى " القُدُّوسُ": الظاهر من العيوب. "السَّلاَمُ": ذو السلام، أي: الذي سلم من كل عيب، وبرئ من كل آفة. "المؤْمِنُ": الذي يصدق عباده وعده فهو من الإيمان بمعنى التصديق، أو يؤمنهم يوم القيامة من عذابه، فهو من الأمان. "المهَيْمِنُ": الشهيد، وقيل: الأمين، وأصله: مؤيمن، فقلبت الهمزة هاء، وقيل: الرقيب الحافظ. "العزِيزُ": القاهر الغالب، والعزة: الغلبة. "الجَبَّارُ": هو الذي أجبر الخلق وقهرهم على ما أراد من أمر ونهي. وقيل: هو العالي فوق خلقه. "المتَكَبَّرُ": المتعالي عن صفات الخلق، وقيل: الذي يتكبر على عتاة خلقه إذا نازعوه العظمة فيقصمهم، والتاء في "المتكبر" تاء المنفرد والمتخصص، لا تاء المتعاطى المتكلف، وقيل: إن المتكبر من الكبرياء الذي هو عظمة الله تعالى، لا من الكبر الذي هو مذموم. "البَارِئ": هو الذي خلق الخلق لا عن مثال، إلا أن لهذه اللفظة من الاختصاص بالحيوان ما ليس لغيره من المخلوقات، وقلما تستعمل في غير الحيوان، فيقال: برأ الله تعالى النسمة، وخلق السموات والأرض. ¬

_ (¬1) في (ب) رسمت: "شرحناه". (¬2) سيأتي التعليق والشرح على أسماء الله الحسنى أثناء شرح ابن الأمير لها.

"المُصَوِّرُ": هو الذي أنشأ خلقه على صور مختلفة، ومعنى التصوير: التخطيط والتشكيل. "الغَفَّارُ": هو الذي يغفر ذنوب عباده مرة بعد مرة، وأصل الغفر: الستر والتغطية، فالله تعالى غافر لذنوب عباده ساتر لها بترك العقوبة عليها. "الفَتَّاحُ": هو الحاكم بين عباده، يقال: فتح الحاكم بين الخصمين إذا فصل بينهما، ويقال للحاكم: الفاتح، وقيل: هو الذي يفتح أبواب الرزق والرحمة لعباده، والمنغلق عليهم من أرزاقهم. "القَابِضُ": الذي يمسك الرزق عن عباده بلطفه وحكمته. "البَاسِطُ": الذي يبسط الرزق لعباده ويوسعه عليهم بجواده ورحمته، فهو الجامع بين العطاء والمنع. "الخَافِضُ": الذي يخفض الجبارين والفراعنة، أي: يضعهم ويهينهم. "الرَّافِعُ": هو الذي يرفع أولياءه ويعزهم، فهو الجامع بين الإعزاز والإذلال. "الحَكَمُ": الحاكم، وحقيقته: الذي سُلِّم له الحكم ورد إليه. "العَدْلُ": هو الذي لا تميل به الأهواء فيجور في الحكم، وهو من المصادر التي يسمى بها، كرجل ضيف وزور. "الّلطِيفُ": الذي يُوصِل إليك أربك في رفق، وقيل: هو الذي لطف عن أن يدرك بالكيفية. "الخَبِيرُ": العالم العارف بما كان وما يكون. "الغفُورُ": من أبنية المبالغة في الغفران. "الشَّكْورُ": الذي يجازي عباده ويثيبهم على أفعالهم الصالحة، فشكر الله تعالى لعباده إنما هو مغفرته لهم وقبوله لعبادتهم.

"الكَبِيرُ": هو الموصوف بالجلال وكبر الشأن. "المُقِيتُ": هو المقتدر، وقيل: هو الذي يعطي أقوات الخلائق. "الحَسِيبُ": هو الكافي، وهو فعيل بمعنى: مفعل، كأليم بمعنى: مؤلم، وقيل: هو المحاسب. "الرَّقِيبُ": هو الحافظ الذي لا يغيب عنه شيء. "المُجِيبُ": هو الذي يقبل دعاء عباده ويستجيب لهم. "الوَاسِعُ": الذي وسع غناه كل فقير، ورحمته كل شيء. "الوَدُودُ": فعول بمعنى: مفعول من الوُدّ، فالله تعالى مودود، أي: محبوب في قلوب أوليائه، أو هو فعول بمعنى: فاعل، أي: إن الله تعالى يودُّ عباده الصالحين، بمعنى يرضى عنهم. "المْجِيدُ": هو الواسع الكريم، وقيل: هو الشريف. "البَاعِثُ": هو الذي يبعث الخلق بعد الموت يوم القيامة. "الشَّهِيدُ": هو الذي لا يغيب عنه شيء، يقال: شاهد وشهيد، كعالم وعليم، أنه حاضر يشاهد الأشياء ويراها. "الحَقُّ": هو المتحقق كونه ووجوده. "الوَكِيلُ": هو الكفيل بأرزاق عباده، وحقيقته: أنه الذي يستقل بأمر الموكول إليه، ومنه قوله تعالى: {حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173)} (¬1). "القَوِيُّ": القادر، وقيل: التام القدرة والقوة، الذي لا يعجزه شيء. "المتِينُ": هو الشديد القوي الذي لا تلحقه في أفعاله مشقة. "الوَلِيُّ": الناصر، وقيل: المتولي للأمور القائم بها كولي اليتيم. ¬

_ (¬1) سورة آل عمران: 173.

"الحَمِيدُ": المحمود الذي استحق الحمد بفعله، وهو فعيل بمعنى مفعول. "المُحصي": هو الذي أحصى كل شيء بعلمه، فلا يفوته شيء من الأشياء دق أو جل. "المْبْدئُ": الذي أنشأ الأشياء، واخترعها ابتداء. "المُعِيدُ": هو الذي يعيد الخلق بعد الحياة إلى الممات، وبعد الممات إلى الحياة. "الوَاجِدُ": هو الغني الذي لا يفتقر، وهو من الجِدة والغِنى. "الوَاحِدُ": هو الفرد الذي لم يزل وحده، ولم يكن معه آخر، وقيل: هو المنقطع القرين والشريك. "الأحد": الفرد، والفرق بين الواحد والأحد: أن أحداً بني لنفي ما يذكر معه من العدد، فهو يقع على المذكر والمؤنث، يقال: ما جاءني أحد، أي: لا ذكر ولا أنثى، وأما الواحد؛ فإنه وضع لمفتتح العدد، تقول: جاءني واحد من الناس، ولا تقول فيه: جاءني أحد من الناس، فالواحد بني على انقطاع النضير والمثل، والأحد بني على الانفراد، والوحدة عن الأصحاب، فالواحد منفرد بالذات، والأحد منفرد بالمعنى. "الصَّمَدُ": هو السيد الذي يصمد إليه الخلق في حوائجهم، أي: يقصدونه. "المُقْتَدِرُ": مفتعل من القدرة، وهو أبلغ من قادر. "المقَدِّمُ": الذي يقدم الأشياء فيضعها في مواضعها. "المُؤَخِّرُ": الذي يؤخرها إلى أماكنها، فمن استحق التقديم قدّمه، ومن استحق التأخير أخره. "الأوَّلُ": هو السابق للأشياء كلها. "الآخِرُ": الباقي بعد الأشياء كلها. "الظّاهِرُ": هو الذي ظهر فوق كل شيء وعلاه. "البَاطِنُ": هو المحتجب عن أبصار الخلائق.

"الوالِي": مالك الأشياء، المتصرف فيها. "المُتَعالِي": هو المنزه عن صفات المخلوقين تعالى أن يوصف بها - عز وجل -. "البَرُّ": هو العطوف على عباده ببره ولطفه. "المُنْتَقِمُ": هو المبالغ في العقوبة لمن يشاء، وهو مفتعل من نقم ينقم: إذا بلغت به الكراهية حدّ السخط. "العَفُوُّ": فعول من العفو بناء مبالغة، وهو الصفوح عن الذنوب. "الرَّؤُوفُ": هو الرحيم العاطف برأفته على عباده، والفرق بين الرأفة والرحمة: أن الرحمة قد تقع في الكراهية للمصلحة، والرأفة لا تكاد تكون في الكراهية. "ذُو الجِلاَلِ والإكْرَامِ": مصدر جليل، يقال: جليل بين الجلالة والجلال. "المُقْسِطُ": العادل في حكمه، أقسط الرجل إذا عدل، فهو مقسط، وقسط: إذا جار، فهو قاسط. "الجَامِعُ": هو الذي يجمع الخلائق ليوم الحساب. "المَانِعُ": هو الناصر الذي يمنع أولياءه أن يؤذيهم. "النُّورُ": هو الذي يبصر بنوره ذوو العماية، ويرشد بهداه ذوو الغواية. "الُوَارِثُ": هو الباقي بعد فناء الخلائق. "الرِّشِيْدُ": هو الذي يرشد الخلق إلى مصالحهم، فعيل بمعنى مُفعِل. "الصُّبُورُ": هو الذي لا يعاجل العصاة بالانتقام منهم بل يؤخر ذلك إلى أجل مسمى، فمعنى الصبور في صفة الله تعالى قريب من معنى الحليم، إلا أن الفرق بين الأمرين: أنهم لا يأمنون العقوبة في صفة الصبور، كما يأمنون منها في صفة الحليم. سبحانه وتعالى عما يقول الجاحدون علوَّاً كبيراً.

قوله: "هو" هذا ضمير (¬1) الشأن على الشأن العظيم هو الله ... إلى آخره، وهو مثل ضمير: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} (¬2). "الله" (¬3) هذا هو الاسم للموجود الحق، الجامع لصفات الإلهية، المنعوت بنعوت الربوبية، المنفرد بالوجود الحقيقي، فإن كل موجود سواه غير مستحق للوجود بذاته، وإنما استحق الوجود منه. قال الغزالي: إن هذا الاسم أعظم الأسماء التسعة والتسعين؛ لأنه دال على الذات الجامعة لصفات الإلهية كلها حتى لا يشذ منها شيء، وسائر الأسماء إنما تدل آحادها على آحاد المعاني من علم أو قدرة أو فعل أو غيره، ولأنه أخص الأسماء، إذ لا يطلقه أحد على غيره، لا حقيقة ولا مجاز. وسائر الأسماء قد يسمى بها غيره؛ كالقادر والعليم والرحيم، فلهذين الوجهين يشبه أن يكون هذا الاسم أعظم الأسماء. فائدة: يتخلق من هذا الاسم بالتأله وأعني به: أن يكون مستغرق القلب والهم بالله، ولا يرى غيره، ولا يلتفت إلى سواه [423 ب] ولا يرجو ولا يخاف إلا إياه، وكيف لا يكون ذلك وقد فهم من هذا الاسم أنه الموجود الحقيقي الحق، وكل ما سواه فإنه هالك باطل، فيرى نفسه أول هالك وباطل كما رآه النبي - صلى الله عليه وسلم -، حيث قال: "أصدق شعر قاله شاعر قول لبيد: ألا كل شيء ما خلا الله باطل". قوله: "الرحمن الرحيم" فسراه بما تراه، وفسره غيرهما: هما اسمان مشتقان من الرحمة، والرحمة تستدعي مرحوماً، ولا مرحوم إلا وهو محتاج، والرحمة التامة إفاضة الخير على ¬

_ (¬1) انظر موسوعة: "له الأسماء الحسنى" (2/ 15 - 20)، "شرح أسماء الله الحسنى" للرازي (ص 107 - 109). (¬2) سورة الإخلاص: 1. (¬3) انظر: "تفسير السعدي" (5/ 298)، "مدارج السالكين" (1/ 34)، "بدائع الفوائد" (1/ 164).

المحتاجين وإرادته لهم عناية بهم، والرحمة العامة [هي] (¬1) التي تناول المستحق وغير المستحق، ورحمته (¬2) تعالى تامة وعامة. أما إتمامها؛ فمن حيث أراد قضاء حاجات المحتاجين وقضاءها. وأما عمومها؛ فلشمولها المستحق وغيره، وعم الدنيا والآخرة وتناول الضروريات والحاجيات والمزايا الخارجة عنها، فهو تعالى الرحيم المطلق. واعلم أن الرحمن أخص (¬3) من الرحيم، ولذلك لا يسمى به غير الله، والرحيم قد يطلق على غيره، فهو من هذا الوجه قريب من اسم الله الجاري مجرى العلم، وإن كان هذا مشتقاً من الرحمة قطعاً [270/ أ] ولذا سوى الله بينهما في قوله: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ} (¬4)، فالرحمن العطوف على عباده بما لا نحصيه من أياديه. فائدة: حظ العبد من هذين الاسمين أن يرحم عباد الله الغافلين، فيصرفهم عن طريق الغفلة إلى الله بالوعظ والنصح وبطريق اللطف دون العنف (¬5)، وأن لا يدع فاقة لمحتاج إلا سدها بقدر طاقته، ولا يترك فقيراً إلا يسعى في تعهده بماله أو [424 ب] بجاهه، فإن عجز عن ذلك أعانه بالدعاء له. ¬

_ (¬1) زيادة من (أ). (¬2) "مجموع فتاوى" (6/ 68)، "الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى" للقرطبي (671 هـ)، (1/ 77 - 80). (¬3) انظر: "الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى" (1/ 62 - 63)، موسوعة "له الأسماء الحسنى" (1/ 28 - 29). (¬4) سورة الإسراء: 110. (¬5) ثم قال الغزالي: وأن ينظر إلى العاصين بعين الرحمة، لا بعين الإيذاء، أو الازدراء، وأن ينظر إلى كل معصية تقع من غيره كأنها تقع من نفسه، فلا يألو جهداً في إزالتها قدر طاقته إشفاقاً على ذلك العاصي أن يتعرض لغضب الله وسخطه، فيستحق البعد عن جوار ربه.

قلت: وقد ذكر عباده بما صدر عن صفته رحمته فقال: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا} (¬1)، {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا} (¬2)، {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا} (¬3). [] (¬4) وها هنا سؤال أوردوه في المقام وأجابوا عنه جواباً نفيساً، قالوا ما معناه: فإن قلت: ما معنى كونه رحيماً وأرحم الراحمين وأنت ترى الدنيا طافحة بأهل الابتلاء من الأمراض والمحتاجين وغير ذلك، وهو تعالى قادر قطعاً على إزالة ما بهم وإماطة كل بلية وحاجة وفقر؟ والجواب (¬5): أن الطفل الصغير قد ترق له أمه فتمنعه عن الحجامة، والأب العاقل يحمله عليها قهراً، والجاهل يظن أن الرحيم هي الأم دون الأب، والعاقل يعلم أن إيلام ابنه بالحجامة من كمال رحمته وعطفه، وتمام شفقته، وأن الأم عدو له في صورة صديق، وأن الألم القليل إذا كان سبباً للذة الكثيرة لم يكن شراً، بل كان خيراً، والرحيم يريد الخير للمرحوم لا محالة، وليس في الوجود شر إلا وفي ضمنه خير، لو رفع ذلك الشر لبطل الخير الذي في ضمنه وحصل ببطلانه شر أعظم من الشر الذي يتضمنه، فاليد المتآكلة قطعها شر في الظاهر، وفي ¬

_ (¬1) سورة يونس: 67. ولعله يشير إلى قوله تعالى: {وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} [القصص: 73]. (¬2) سورة النور: 21. (¬3) سورة يونس: 58. (¬4) في المخطوط (ب) بياض بمقدار كلمة. (¬5) قاله الغزالي في "المقصد الأسنى" (ص 64 - 65)، وانظر: "الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى" للقرطبي (1/ 62 - 64).

ضمنها الخير الجزيل وهو سلامة البدن، ولو ترك قطع اليد لحصل هلاك البدن ولكان الشر أعظم، فقطع اليد لسلامة البدن شر لكن في ضمنه خير [425 ب]، [والنظر] (¬1) الأول في قطعها السابق إلى نظر القاطع السلامة التي هي خير محض، فهي غرض الغرض، فإن السلامة مطلوبة لذاتها أولاً، والقطع مطلوب لغيره ثانياً لا لذاته (¬2). والمراد لذاته قبل المراد لغيره؛ فإنه مطلوب ثانياً والكل مراد، لكن إرادة الخير لذاته وإرادة الشر لغيره، وهو ما في ضمنه من الخير، وليس في ذلك ما ينافي الرحمة أصلاً، فإن خطر ببالك نوع من الشر ما ترى تحته خيراً، أو خطر لك أن ذلك الخير ممكن حصوله بغير حصول الشر، فاتهم عقلك القاصر في أحد الخاطرين (¬3)، ولا تشكنَّ أصلاً في أنَّه تعالى الرحمن الرحيم أرحم الراحمين. قوله: "الملك" لم يفسراه كما تراه. ¬

_ (¬1) كذا في (أ، ب)، والذي في "المقصد الأسنى": والمراد. (¬2) ثم قال الغزالي: فهما داخلان تحت الإرادة ولكن أحدهما مراد لذاته، والآخر مراد لغيره. (¬3) قال الغزالي: أما في قولك: إن هذا الشرك لا خير تحته؛ فإن هذا مما تقصى العقول عن معرفته، ولعلك فيه مثل الصبي الذي يرى الحجامة شرًّا محضاً، أو مثل الغبي الذي يرى القتل قصاصاً شراً محضاً؛ لأنه ينظر إلى خصوص المقتول، لأنه في حقه شر محض، ويذهل عن الخير العام الحاصل للناس كافة، ولا يدري أن التوصل بالشر الخاص إلى الخير العام خير محض، ولا ينبغي أن يهمله. أو اتهم عقلك في الخاطر الثاني، وهو قولك: إن تحصيل ذلك لا من ضمن ذلك الشر ممكن، فإن هذا أيضاً دقيق غامض، فليس كل محال وممكن مما يدرك إمكانه واستحالته لبديهة، بل ربما عرف ذلك بنظر عامل دقيق يقصر عنه الأكثرون. فاتهم عقلك في هذين الطرفين، ولا تشكن أصلاً في أنه أرحم الراحمين، وأنه سبقت رحمته غضبه.

وقال غيرهما (¬1): هو الذي يستغني في ذاته وصفاته عن كل موجود، ويحتاج إليه كل موجود، بل لا يستغني عنه شيء (¬2) لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في وجوده، ولا في بقائه، بل كل شيء فوجوده منه، أو مما هو منه، فكل شيء سواه فهو له مملوك في ذاته وصفاته، وهو مستغن عن كل شيء، فهذا هو الملك المطلق. فائدة (¬3): العبد لا يتصور أن يكون [ملكاً] (¬4) مطلقاً أصلاً؛ فإنه أبداً مفتقر إلى الله وإن استغنى عما سواه، ولا يتصور أن يحتاج إليه كل شيء، لكن يستغني عنه أكثر الموجودات، نعم .. للعبد مملكة خاصة به وهي قلبه وقالبه، وجنده شهوته وغضبه وهواه، ورعيته لسانه ويداه وعيناه وسائر أعضائه، فإذا ملكها ولم تملكه وأطاعته ولم يطعها، فقد نال درجة الملك في عالمه، فإذا انضم إليه استغناؤه عن [كل] (¬5) الناس واحتاج الناس كلهم إليه في حياتهم العاجلة والآجلة فهو الملك في العالم الأرضي، وهذه رتبة الأنبياء صلوات الله عليهم، فإنهم استغنوا في الهداية إلى الحياة الآخرة عن كل أحد واحتاج إليهم كل أحد، ويليهم في هذا الملك [426 ب] العلماء الذين هم ورثة الأنبياء، وإنما ملكهم بقدر قوتهم على إرشاد العباد، واستغنائهم عن [الإرشاد] (¬6)، وهذا الملك عطية من الملك الحق للعبد يعطيه من يشاء من عباده، والله ذو الفضل العظيم. ¬

_ (¬1) قاله الغزالي في "المقصد الأسنى" (ص 66). (¬2) في (أ، ب) زيادة: "في شيء". (¬3) قاله الغزالي في "المقصد الأسنى". (¬4) كذا في المخطوط (أ، ب)، والذي في "المقصد الأسنى": "مالكاً ملكاً". (¬5) سقطت من (أ، ب). (¬6) كذا في (أ، ب)، والذي في "المقصد الأسنى": الاسترشاد.

قوله: "القُدُّوْسُ" (¬1) فسراه بما تراه وقال غيرهما: هو المنزه عن كل وصف يدركه حس أو لقصوره خيال أو سبق إليهم وهم، أو يختلج به ضميراً أو يقضي به تقدير. ولست أقول: منزه عن العيوب والنقائص، فإن ذكر ذلك يكاد يقرب من ترك الأدب فليس من الأدب أن يقول القائل: ملك البلد ليس بحائك ولا حجام؛ فإن نفي الوجود يكاد يوهم إمكان الوجود، وفي ذلك الإيهام نقص بل أقول القدوس، ثم قال: هو مضموم الأول، وقد روي بفتحه وليس بالكثير، ولم يجئ مضموماً من هذا الباب إلا: قدوس وسبوح وذروح. وقال سيبويه (¬2): ليس في هذا الكلام فعول بالضم. انتهى. هو المنزه (¬3) عن كل وصف من أوصاف الكمال الذي يظنه أكثر الخلق؛ لأن الخلق أولاً نظروا إلى أنفسهم وعرفوا صفاتهم وأدركوا انقسامها إلى ما هو كمال، ولكن وصفهم مثل علمهم وقدرتهم وسمعهم وبصرهم وكلامهم واختيارهم، ووضعوا هذه الألفاظ بإزاء هذه المعاني وقالوا: إن هذه هي أسماء الكمال. ¬

_ (¬1) يوصف الله - عز وجل - بأنه سبحانه القدوس، وهي صفة ذاتية، والقدوس اسم له ثابت بالكتاب والسنة. الدليل من الكتاب: قال تعالى: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ} [الحشر: 23]. الدليل من السنة: حديث عائشة - رضي الله عنها -: "سبوح قدوس رب الملائكة والروح". مسلم رقم (487). وقال ابن قتيبة في "تفسير غريب القرآن" (ص 8)، ومن صفاته: "قدوس" وهو حرف مبني على فُعُّول، من "القدس" وهو الطهارة. وقال الخطابي في "شأن الدعاء" (ص 40): القدوس الطاهر من العيوب، المنزه عن الأنداد، والأولاد، والقدس: الطهارة. انظر: "زاد المسير" (8/ 225)، "شرح أسماء الله الحسنى" للرازي (ص 194 - 196). (¬2) انظر الكتاب (4/ 84، 111 - 113)، و (3/ 478). (¬3) قاله الغزالي في "المقصد الأسنى" (ص 67).

[ووضعوها] (¬1) إلى ما هو نقص في حقهم مثل: جهلهم وعجزهم، وعماهم وصممهم وخرسهم، فوضعوا [271/ أ] بإزاء هذه المعاني هذه الألفاظ، ثم كان غايتهم في الثناء على الله [تعالى أن وصفوه بما هو من أوصاف كلامهم] (¬2) من علم وقدرة وسمع وبصر وتكلم، [وإن نضوا] (¬3) عنه ما هو صفات [427 ب] بعضهم، والله تعالى منزه عن أوصاف كمالهم، كما أنه منزه عن أوصاف نقصهم، بل كل صفة تتصورها للخلق فهو مقدس عنها وعما يشبهها ويماثلها، ولولا ورود الرخصة والإذن بإطلاقها لم يجز إطلاقها عليه. انتهى. قلت: حاصله أنه ليس كمثله شيء في ذاته ولا في صفاته. قوله: "السَّلام" (¬4) فسراه بما تراه، وقال غيرهما: هو الذي سلم ذاته عن العيوب، وصفاته عن النقص، وأفعاله عن الشر، حتى إذا كان كذلك لم يكن في الوجود سلامة إلا ¬

_ (¬1) سقطت من (أ، ب)، وأثبتناه من "المقصد الأسنى". (¬2) في (أ، ب): "في وصفه إن وصفوه بما هو صفة كمالهم"، وما أثبتناه من "المقصد الأسنى". (¬3) في (أ، ب) غير مقروءة، وما أثبتناه من "المقصد الأسنى". (¬4) السلام: يوصف الله - عز وجل - بأنه السلام، وهو اسم له ثابت بالكتاب والسنة. الدليل من الكتاب: قال تعالى: {الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ} [الحشر: 23]. الدليل من السنة: ما أخرجه مسلم في صحيحه رقم (591) عن ثوبان - رضي الله عنه -: "اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام ... ". قال الخطابي في "شأن الدعاء" (ص 41): السلام في صفة الله سبحانه هو الذي سلم من كل عيب، وبرئ من كل آفة ونقص يلحق المخلوقين، وقيل: الذي سلم الخلق من ظلمه. وقال السعدي في تفسيره (5/ 300): القدوس السلام، أي: المعظم المنزه عن صفات النقص كلها، وأن يماثله أحد من الخلق، فهو المنزه عن جميع العيوب، والمنزه عن أن يقاربه أو يماثله أحد في شيء من الكمال. وقال البيهقي في "الاعتقاد" (ص 55): السلام: هو الذي سلم من كل عيب، وبرئ من كل آفة، وهذه صفة يستحقها بذاته.

وكانت مغرية إليه صادرة منه، وقد فهمت أن أفعاله (¬1) سالمة عن الشر أعني الشر المطلق المراد لذاته لا لخير حاصل في ضمنه أعظم منه، وليس في الوجود شر بهذه الصفة كما سبقت إليه الإشارة. ¬

_ (¬1) قال ابن القيم في "بدائع الفوائد" (2/ 135): " ... وسلام في أفعاله من كل عيب ونقص وشر وظلم، وفعل واقع عن غير وجه الحكمة، بل هو السلام الحق من كل وجه وبكل اعتبار، فعلم أن استحقاقه تعالى لهذا الاسم أكمل من استحقاق كل ما يطلق عليه، وهذا هو حقيقة التنزيه الذي نزه به نفسه ونزهه به رسوله. فهو السلام من الصاحبة والولد والسلام من النظير والكفء، والسمي والمماثل والسلام من الشريك، ولذلك إذا نظرت إلى أفراد صفات كماله وجدت كل صفة سلاماً مما يضاد كمالها، فحياته سلام من الموت ومن السنة والنوم، وكذلك قيوميته وقدرته سلام من التعب واللغوب، وعلمه سلام من عزوب شيء عنه أو عروض نسيان أو حاجة إلى تذكر وتفكر، وإرادته سلام من خروجها عن الحكمة والمصلحة. وكلماته سلام من الكذب والظلم، بل تمت كلماته صدقاً وعدلاً، وغناه سلام من الحاجة إلى غيره بوجه ما، بل كل ما سواه محتاج إليه، وهو غني عن كل ما سواه، وملكه سلام من منازع فيه أو مشارك أو معاون مظاهر أو شافع عنده بدون إذنه. وإلهيته سلام من مشارك له فيها، بل هو الله الذي لا إله إلا هو، وحلمه وعفوه وصفحه ومغفرته، وتجاوزه سلام من أن تكون عن حاجة منه، أو ذل أو مصانعة كما يكون من غيره، بل هو محض جوده وإحسانه وكرمه، وكذلك عذابه وانتقامه وشدة بطشه وسرعة عقابه سلام من أن يكون ظلماً أو تشفياً أو غلظة أو قسوة، بل هو محض حكمته وعدله، ووضعه الأشياء مواضعها، وهو مما يستحق عليه الحمد والثناء كما يستحقه على إحسانه وثوابه ونعمه ...

فائدة (¬1): كل عبد سلم قلبه من الغش والحقد والحسد، [وسلم قلبه من] (¬2) إرادة الشر، [وسلمت] (¬3) عن الآثام والمحظورات جوارحه، وسلمت عن الانتكاس والانعكاس صفاته - فهو الذي يأتي الله بقلب سليم، وهو السلام من العباد والقريب في وصفه من السلام المطلق. قال: وأعني بالانتكاس في صفاته أن يكون عقله أسير شهوته وغضبه، إذ الحق عكسه؛ وهو أن تكون الشهوة والغضب أسير العقل وطوعه، فإذا انعكس فقد انتكس، ولا سلامة حيث يصير الأمير مأموراً، والملك عبداً، ولن يوصف بالسلام والإسلام إلا من سلم المسلمون من لسانه ويده، فكيف يوصف به من لم يسلم [هو] (¬4) من نفسه؟! قوله: "المؤمن" (¬5) فسراه بما ترى. ¬

_ (¬1) فيها يشير الغزالي إلى من يستحق من العباد أن يوصف بصفة السلام. وانظر: "شرح القشيري لأسماء الله الحسنى" (ص 73 - 74). (¬2) سقطت من (أ، ب). (¬3) في (أ، ب): "وسلم". وما أثبتناه من "المقصود الأسنى". (¬4) زيادة من (أ). (¬5) يوصف الله - عز وجل - بأنه المؤمن، وهو اسم له ثابت بالكتاب. الدليل: قوله تعالى: {السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ} [الحشر: 23]. قال ابن قتيبة في "تفسير غريب القرآن" (ص 9): "ومن صفاته (المؤمن)، وأصل الإيمان: التصديق ... فالعبد مؤمن؛ أي: مصدق محقق، والله مؤمن؛ أي: مصدق ما وعده ومحققه، أو قابل إيمانه. وقد يكون (المؤمن) من الأمان؛ أي: لا يأمن إلا من أمَّنه الله ... ... وهذه الصفة من صفات الله جل وعز لا تتصرف تصرف غيرها، لا يقال: أمن الله؛ كما يقال: تقدس الله، ولا يقال: يؤمن الله؛ كما يقال: يتقدس الله ... وإنما ننتهي في صفاته إلى حيث انتهى، فإن كان قد جاء من هذا شيء عن الرسول صلى الله عليه وعلى آله عن الأئمة؛ جاز أن يطلق كما أطلق غيره". اهـ =

وقال غيرهما: هو الذي يعزى إليه الأمن والإيمان بإفادة أسبابه، وسده طرق المخاوف، ولا يتصور أمن إلا في محل الخوف، ولا خوف إلا عند إمكان العدم والنقص والهلاك، والمؤمن المطلق هو الذي لا يتصور أمن وأمان إلا ويكون مستفاداً من جهته وهو الله تعالى، والعبد ضعيف في أصل [428 ب] فطرته، وهو عرضة الأمراض والجوع والعطش من باطنه، ¬

_ = وقال ابن منظور في "اللسان": "المؤمن من أسماء الله تعالى الذي وحد نفسه؛ بقوله: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [البقرة: 163]، وبقوله: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} [آل عمران: 18]، وقيل: المؤمن الذي آمن أولياءه عذابه، وقيل: المؤمن في صفة الله الذي أمِن الخلق من ظلمه، وقيل: المؤمن الذي يصدُق عباده ما وعدهم، وكل هذه الصفات لله - عز وجل -؛ لأنه صدق بقوله ما دعا إليه عباده من توحيد، وكأنه أمن الخلق من ظلمه، وما وعدنا من البعث والجنة لمن آمن به والنار لمن كفر به، فإنه مصدق وعده، لا شريك له". وقال الزجاجي في "اشتقاق أسماء الله" (ص 221): "المؤمن في صفات الله - عز وجل - على وجهين: أحدهما: أن يكون من الأمان؛ أي: يؤمن عباده المؤمنين من بأسه وعذاب، فيأمنون ذلك؛ كما تقول: "آمَنَ فلان فلاناً"؛ أي: أعطاه أماناً ليسكن إليه ويأمن، فكذلك أيضاً يقال: الله المؤمن، أي: يُؤْمِن عباده المؤمنين، فلا يأمن إلا من آمنه ... والوجه الآخر: أن يكون المؤمن من الإيمان، وهو التصديق، فيكون ذلك على ضربين: أحدهما: أن يقال: الله المؤمن؛ أي: مصدق عباده المؤمنين؛ أي: يصدِّقُهم على إيمانهم، فيكون تصديقه إياهم قبول صدقهم وإيمانهم وإثابتهم عليه. والآخر: أن يكون الله المؤمن؛ أي: مصدق ما وعده عباده؛ كما يقال: صَدَقَ فلان في قوله وَصَدَّقَ؛ إذا كرر وبالغ، يكون بمنزلة ضَرَبَ وضَرَّبَ؛ فالله - عز وجل - مصدق ما وعد به عباده ومحققه. فهذه ثلاثة أوجه في المؤمن، سائغ إضافتها إلى الله. ولا يصرف فعل هذه الصفة من صفاته - عز وجل -، فلا يقال: آمن الله؛ كما يقال: تقدس الله، وتبارك الله، ولا يقال: الله يؤمن، كما يقال: الله يحلم ويغفر، ولم يستعمل ذلك؛ كما قيل: تبارك الله، ولم يقل: هو متبارك، وإنما تستعمل صفاته على ما استعملتها الأمة وأطلقتها".

[وعرضة لهدفات] (¬1) من ظاهره، ولم يؤمنه من هذه المخاوف إلا الذي أعدّ له الأدوية النافعة دافعة لأمراضه، والأطعمة مزيلة لجوعه، والأشربة حميتة لعطشه، والأعضاء دافعة عن بدنه، والحواس جواسيس منذرة مما يقرب من مهلكاته، ثم خوفه الأعظم من مهلكات الآخرة، ولا يحصنه عنها إلا كلمة التوحيد، والله هاديه إليها ومرغّبه فيها حيث قال: "لا إله إلا الله حصني، ومن دخل حصني أمن من عذابي" فلا أمن في العالم إلا وهو مستفاد بأسباب هو المتفرد بخلقها، والهداية إلى استعمالها، فهو الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى، فهو المؤمن المطلق حقاً. انتهى. وعرفت أنه اختار أنه من الأمان. فائدة (¬2): يتخلق العبد من هذا الوصف أن يأمن الخلق كلهم جانبه، بل يرجو كل خائف الاعتضاد به في دفع الهلاك عن نفسه في دينه ودنياه، كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليأمن جاره بوائقه" (¬3)، وأحق العباد باسم المؤمن من كان سبباً لأمن العباد من عذاب الله بالهداية إلى طريق الله والإرشاد إلى سبيل النجاة، وهو حرفة الأنبياء - عليهم السلام -، والعلماء. ¬

_ (¬1) كذا في المخطوط (أ، ب)، والذي في "المقصد الأسنى": "وعرضة للآفات المحرقة والمفرقة والجارحة والكاسرة". (¬2) انظر: "شرح القشيري لأسماء الله الحسنى" (ص 76 - 79). (¬3) أخرج البخاري رقم (6136، 6138)، ومسلم رقم (48) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت".

ولذا قال - صلى الله عليه وسلم -: "إنكم تهافتون في النار تهافت الفراش، وأنا آخذ بحجزكم" (¬1). قوله: "المهَيْمِنْ" (¬2) فسره بما تراه، وقال الغزالي (¬3): معناه في حق الله أنه القائم على خلقه بأعمالهم وأرزاقهم وآجالهم، وإنما قيامه عليها باطلاعه واستيلائه وحفظه، فكل مشرف على كنه الأمور ومستول عليه حافظ له، فهو مهيمن عليه، والإشراف يرجع إلى العلم، والاستيلاء إلى كمال القدرة، والحفظ إلى العقل، فالجامع بين هذه المعاني اسمه [429 ب] المهيمن، ولن يجمع ذلك على الإطلاق والكمال إلا لله. فائدة (¬4): كل عبد راقب الله تعالى حتى أشرف على أغواره وأسراره واستولى مع ذلك على تقويم أحواله وأوصافه وقام بحفظه على الدوام على مقتضى تقويمه؛ فهو مهيمن بالإضافة إلى قلبه. ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد (1/ 390)، والطيالسي في "المسند" رقم (402)، والطبراني في "الكبير" رقم (10511)، والقضاعي في "مسند الشهاب" رقم (1131) بإسناد حسن. (¬2) الهيمنة صفة ثابتة لله - عز وجل - بالكتاب، من اسمه المهيمن، قال تعالى: {الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ} [الحشر: 23]. قال ابن جرير في "جامع البيان" (8/ 486) في تفسير الآية (48) من سورة المائدة: {مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ} [المائدة: 48] ... الآية. وأصل الهيمنة: الحفظ والارتقاب، يقال: إذا رقب الرجل الشيء وحفظه وشهده، قد هيمن فلان عليه، فهو يهيمن هيمنة، وهو عليه مهيمن. وقال ابن منظور في "اللسان": المهيمن اسم من أسماء الله تعالى في الكتب القديمة، والمهيمن: الشاهد، وهو من أمن غيره من الخوف. وقال الكسائي: المهيمن: الشهيد. وقال البيهقي في "الاعتقاد" (ص 55): المهيمن: هو الشهيد على خلقه بما يكون منهم من قول أو عمل، وهو من صفات ذاته، وقيل: هو الأمين. وقيل: هو الرقيب على الشيء والحافظ له. (¬3) في "المقصد الأسنى". (¬4) انظر: "شرح القشيري لأسماء الله الحسنى" (ص 81).

قوله: "العَزِيْزُ" (¬1) فسراه بما تراه، وغيرهما قال (¬2): هو الخطير الذي [لا يحل] (¬3) وجود مثله، وتشتد الحاجة إليه ويصعب الوصول إليه، فما لم تجتمع هذه المعاني الثلاثة لم يطلق اسم العزيز عليه، ثم فسر الثلاثة وضرب الأمثال، وأبان أنها لا تكون إلا لله، فشدة الحاجة أن يحتاج إليه كل شيء في كل شيء حتى في وجوده وبقائه وصفاته، وليس ذلك على الكمال إلا لله، والكمال في صعوبة المنال أن يستحيل الوصول إليه على معنى الإحاطة بكنهه، وليس ذلك على الكمال إلا لله، فقد بينا أنه لا يعرف الله إلا الله. فائدة (¬4): يتخلق العبد من هذا بأن يكون ممن يحتاج إليه خلق الله في أهم أمورهم وهي الحياة الأبدية والأخروية، وذلك مما يقل وجوده ويصعب إدراكه وهي رتبة الأنبياء - عليهم السلام -، ويشاركهم في العز من ينفرد بالقرب في عصره من درجتهم كالخلفاء، وورثتهم من العلماء، وعزة كل واحد منهم بقدر علو رتبته، وبقدر عنايته في إرشاد العباد. ¬

_ (¬1) العزيز: هو المنيع الذي لا يغلب، والعزّ في كلام العرب على ثلاثة أوجه: أحدها: بمعنى الغلبة، ومنه قولهم: من عزَّ بزّ، أي: من غلب سلب، يقال عنه: عز يُعزّ بضم العين من يُعزُّ، ومنه قوله تعالى: {وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ (23)} [ص: 23]. والثاني: بمعنى الشدة والقوة، يقال منه: عزّ يعَزُّ بفتح العين. والثالث: أن يكون بمعنى نفاسة القدر، يقال منه: عزّ الشيء يعِزُّ بكسر العين من يعِزُّ. انظر: "شأن الدعاء" (ص 47 - 48)، "تهذيب اللغة" للأزهري (7/ 147). وقال الغنيمان في شرح "كتاب التوحيد" (1/ 249): والعزة من صفات ذاته تعالى التي لا تنفك عنه، فغلب بعزته، وقهر بها كل شيء، وكل عزة حصلت لخلقه، فهي منه. انظر: "معاني القرآن الكريم" للنحاس (2/ 219). (¬2) في "المقصد الأسنى". (¬3) كذا في (أ، ب)، والذي في المقصد: "يقل". (¬4) قاله الغزالي في "المقصد الأسنى"، وانظر: "شرح القشيري لأسماء الله الحسنى" (ص 84 - 87).

قوله: "الجَبَّار" (¬1) فسراه بما تراه، وقال غيرهما: الجبار هو الذي تنفذ مشيئته على سبيل الإجبار في كل أحد ولا تنفذ فيه مشيئة أحد، والذي لا يخرج أحد عن قبضته، وتقصر الأيدي دون حمى حضرته، فالجبار المطلق هو الله تعالى، فإنه يجبر كل أحد ولا يجبره أحد. ¬

_ (¬1) الجبروت صفة ذاتية لله - عز وجل -، من اسمه (الجبار)، وهي ثابتة بالكتاب والسنة. الدليل من الكتاب: قوله تعالى: {الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ} [الحشر: 23]. الدليل من السنة: 1 - حديث عوف بن مالك - رضي الله عنه - قال: قمت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة، فلما ركع؛ مكث قدر سورة البقرة يقول في ركوعه: "سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة". وهو حديث حسن، وقد تقدم. 2 - حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - في الرؤية: " ... قال: فيأتيهم الجبار في صورة غير صورته التي رأوه فيها أول مرة ... " رواه البخاري (7439). قال ابن القيم في "النونية" (2/ 95): وكَذلِكَ الجَبَّارُ مِنْ أَوْصَافِهِ ... وَالجَبْرُ فِي أوْصَافِهِ نَوْعَانِ جَبْرُ الضَّعِيفِ وَكُلُّ قَلْبٍ قَدْ غدَا ... ذَا كَسْرَةٍ فالجَبْرُ مِنْهُ دَانِ والثّاني جَبْرُ القَهْرِ بِالعِزِّ الَّذي ... لاَ يَنْبَغِي لِسِوَاهُ مِنْ إِنْسانِ وَلَهُ مُسَمَّى ثالِثٌ وَهوَ العُـ ... ـلُوّ فَلَيْسَ يَدْنُو مِنْهُ مِنْ إِنْسانِ مِنْ قَوْلهِم جَبّارةٌ للنَّخْلَةِ العُلْيَا ... التي فاتَتْ لِكُلِّ بَنانِ وقال الهراس في شرحه لهذه الأبيات: "وقد ذكر المؤلف هنا لاسمه (الجبار) ثلاثة معان، كلها داخلة فيه، بحيث يصح إرادتها منه: أحدها: أنه الذي يجبر ضعف الضعفاء من عباده، ويجبر كسر القلوب المنكسرة من أجله، الخاضعة لعظمته وجلاله؛ فكم جبر سبحانه من كسير، وأغنى من فقير، وأعز من ذليل، وأزال من شدة، ويسر من عسير، وكم جبر من مصاب، فوفقه للثبات والصبر، وأعاضه من مصابه أعظم الأجر، فحقيقة هذا الجبر هو إصلاح حال العبد بتخليصه من شدته ودفع المكاره عنه. =

فائدة (¬1): الجبار من العباد من ارتفع عن الاتباع، ونال درجة الاستتباع، وتفرد بعلو رتبته، بحيث يجبر الخلق [430 ب] بهيئته وصورته على الاقتداء به ومتابعته في سمته وسيرته. [272/ أ]. قوله: "المُتَكَبِّر" (¬2) فسراه بما ترى. ¬

_ = الثاني: أنه القهار، دان كل لشيء لعظمته، وخضع كل مخلوق لجبروته وعزته؛ فهو يجبر عباده على ما أراد مما اقتضته حكمته ومشيئته؛ فلا يستطيعون الفكاك منه. والثالث: أنه العلي بذاته فوق جميع خلقه؛ فلا يستطيع أحد منهم أن يدنو منه. وقد ذكر العلامة الشيخ السعدي رحمه الله أن له معنى رابعاً، وهو أنه المتكبر عن كل سوء ونقص، وعن مماثلة أحد، وعن أن يكون له كفو أو ضد أو سمي أو شريك في خصائصه وحقوقه". اهـ (¬1) انظر: "شرح القشيري لأسماء الله الحسنى" (ص 87). (¬2) الكبر والكبرياء صفة ذاتية ثابتة لله - عز وجل - بالكتاب والسنة، و (المتكبر) من أسماء الله تعالى. الدليل من الكتاب: 1 - قوله تعالى: {السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ} [الحشر: 23]. 2 - وقوله: {وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (37)} [الجاثية: 37]. الدليل من السنة: 1 - حديث: "جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما، وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن". رواه البخاري (7444)، ومسلم (180). 2 - حديث أبي سعيد الخدري وأبي هريرة - رضي الله عنهما -: "العز إزاره والكبرياء رداؤه، فمن ينازعني؛ عذبته". رواه مسلم (2620)، وأبو داود بلفظ: "الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري ... ". قال ابن قتيبة في "تفسير غريب القرآن" (ص 18): "وكبرياء الله: شرفه، وهو من (تكبَّر): إذا أعلى نفسه". اهـ وقال قوَّام السنة في "الحجة" (2/ 186): "أثبت الله العزة والعظمة والقدرة والكبر والقوة لنفسه في كتابه". وقال الغنيمان في "شرحه لكتاب التوحيد من صحيح البخاري" (2/ 161): "وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن".

وغيرهما قال (¬1): هو الذي يرى الكل صغيراً بالإضافة إلى ذاته، ولا يرى العظمة والكبرياء إلا لنفسه، فينظر إلى غيره نظر الملوك إلى العبيد، فإن كانت هذه الرؤية كانت صادقة كان التكبر حقاً، وكان صاحبها متكبراً حقاً، ولا يتصور ذلك على الإطلاق إلا لله تعالى. انتهى. قلت: ولا حقّ للعبد (¬2) في التخلق بهذه الصفة. قوله: "الخالِقُ البَارِئُ المصَوِّرُ" فسراه بما ذكرا، وقال غيرهما: قد يظن أن هذه الأسماء مترادفة، وأن الكل يرجع إلى الخلق (¬3) والاختراع، ولا ينبغي أن يكون كذلك، بل كل ما ¬

_ (¬1) قاله الغزالي في "المقصد الأسنى". (¬2) لقوله تعالى: {قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (72)} [الزمر: 72]. وقال تعالى: {كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ (35)} [غافر: 35]. (¬3) الخلقُ: صفة من صفات الله الفعلية الثابتة بالكتاب والسنة، مأخوذة من اسميه (الخالق) و (الخلاق)، وهي من صفات الذات وصفات الفعل معاً. الدليل من الكتاب: 1 - قوله تعالى: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} [الأعراف: 54]. 2 - وقوله: {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (86)} [الحجر: 86]. 3 - وقوله: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ} [ق: 16]. 4 - وقوله: {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الحشر: 24]. الدليل من السنة: 1 - حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعاً: "قال الله تعالى: ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي؛ فليخلقوا ذرة، أو ليخلقوا حبة، أو ليخلقوا شعيرة". رواه البخاري (5953)، ومسلم (2111). 2 - حديث عائشة - رضي الله عنها - في التصاوير: " .. أشد الناس عذاباً عند الله يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله ... ". رواه البخاري (5954)، ومسلم (3/ 1668). =

يخرج من العدم إلى الوجود فيفتقر إلى تقدير أولاً، وإلى إيجاد على وفق التقدير ثانياً، وإلى التصوير بعد الإيجاد ثالثاً، والله تعالى خالق من حيث أنه مقدر، وبارئ (¬1) من حيث أنه مخترع موجد، ومصور (¬2) من حيث أنه مرتب صور المخترعات أحسن ترتيب. ¬

_ = قال الأزهري في "تهذيب اللغة" (7/ 26): "ومن صفات الله: الخالق والخلاق، ولا تجوز هذه الصفة بالألف واللام لغير الله جل وعز. والخلق في كلام العرب ابتداع الشيء على مثال لم يسبق إليه. وقال أبو بكر بن الأنباري: الخلق في كلام العرب على ضربين: أحدهما: الإنشاء على مثال أبدعه. والآخر: التقدير. وقال في قول الله جل وعز: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14)} [المؤمنون: 14] معناه: أحسن المقدورين. انظر: "مجموع فتاوى" (12/ 435 - 436). (¬1) البارئ: يوصف الله - عز وجل - بأنه البارئ، وهو اسم له سبحانه وتعالى، وهذه الصفة ثابتة بالكتاب والسنة. الدليل من الكتاب: 1 - قوله تعالى: {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ} [الحشر: 24]. 2 - وقوله: {فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [البقرة: 54]. الدليل من السنة: حديث أبي جحيفة قال: سألت علياً - رضي الله عنه -: هل عندكم شيء ما ليس في القرآن؟ فقال: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة؛ ما عندنا إلا ما في القرآن؛ إلا فهماً ... " رواه البخاري (6903). وقال الزجاج في "تفسير الأسماء الحسنى" (ص 37): البرء: خلق على صفة، فكل مبروء مخلوق، وليس كل مخلوق مبروءاً". (¬2) المصور: يوصف الله - عز وجل - بأنه المصور، وهذا ثابت بالكتاب والسنة، و (المصور) من أسمائه تعالى. الدليل من الكتاب: 1 - قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ} [آل عمران: 6]. 2 - وقوله: {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ} [الحشر: 24]. =

وهو كالبنيان مثلاً، فإنه محتاج إلى مقدر يقدر ما لا بد منه من الخشب واللبن، ومساحة الأرض وعدد الأبنية بطولها وعرضها، وهذا يتولاه المهندس ويصوره، ثم يحتاج إلى بانٍ يتولى الأعمال التي عندها يحدث أصول الأبنية ثم يحتاج إلى من ينقش ظاهره ويزين صورته فيتولاه غير البناء، وليس كذلك في أفعال الله إذ هو المقدر والموجد والمزين، فهو الخالق البارئ المصور [فهو باعتبار تقدير هذه الأمور وباعتبار الإيجاد على وفق التقدير خالق، وباعتبار مجرد الإيجاد والإخراج من العدم بارئ] (¬1). وأما المصور فهو له تعالى من حيث رتب صور الأشياء أحسن [431 ب] ترتيب وصورها أحسن تصوير، وهذا الترتيب والتصوير موجود في كل جزء من أجزاء العالم وإن صغر، حتى في النملة، بل في كل عضو من أعضاء النملة، وهكذا في كل صورة لكل حيوان ولكل نبات، بل لكل جزء من كل حيوان ونبات. ¬

_ = الدليل من السنة: 1 - حديث أنس - رضي الله عنه -: "لما صور الله آدم في الجنة؛ تركه ما شاء الله أن يتركه ... " رواه مسلم (2611). 2 - حديث علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: " ... سجد وجهي للذي خلقه وصوَّره وشق سمعه وبصره" رواه مسلم (771). قال ابن منظور في "لسان العرب": "ومن أسماء الله المصوِّر، وهو الذي صور جميع الموجودات ورتبها، فأعطى كل شيء منها صورة خاصة وهيئة مفردة يتميز بها على اختلافها وكثرتها". قال الشيخ ابن سعدي في "التفسير" (5/ 301): "الخالق البارئ المصور: الذي خلق جميع الموجودات وبرأها وسواها بحكمته، وصوره بحمده وحكمته، وهو لم يزل ولا يزال على هذا الوصف العظيم. (¬1) كذا العبارة في المخطوط، والذي في "المقصد الأسنى": فهو باعتبار تقدير الأمور خالق، وباعتبار الإيجاد والاختراع من العدم إلى الوجود بارئ، وباعتبار جعل المخلوقات على وفق سابق علمه مصور ... ".

قوله: "الغَفَّار" (¬1) فسراه بما تراه، وقال غيرهما: أنه الذي يظهر الجميل ويستر القبيح، والذنوب من جملة القبائح التي يسترها بإسبال الستر عليها في الدنيا والتجاوز عن عقوبتها في الآخرة. والعفو: هو الستر، وأول ستره على العبد: أن جعل متاع بدنه الذي تستقبحه الأعين مستورة في باطنه مغطاة بجمال ظاهره، فكم بين باطن العبد وظاهره في النظافة والقذارة، والقبح والجمال، فانظر ما الذي أظهره وما الذي ستره. وستره الثاني: أن جعل خواطره المذمومة وإرادته القبيحة سرّ قلبه حتى لا يطلع أحد على سرّه، ولو انكشف للخلق ما يخطر بباله من مخازي وساوسه، وما ينطوي عليه ضميره من الغش والخيانة وسوء الظن بالناس لمقتوه، بل سعوا في هلاكه، فانظر كيف ستر عن غيره أسراره وعوراته. وثالث ستره على عبده: مغفرة ذنوبه التي كان يستحق الافتضاح بها على رءوس الخلائق. فائدة (¬2): يتخلق العبد من هذه الصفة أن يستر على غيره ما يجب أن يستره عليه، فلا يفشي عن خلق الله إلا أحسن ما يعلم، وكل مخلوق لا ينفك عن كمال ونقص وعن قبح وحسن، فمن تغافل عن المقابح وذكر المحاسن فهو ذو نصيب من التخلق بهذا الوصف، كما ¬

_ (¬1) قال ابن قتيبة في "تفسير غريب القرآن" (ص 14): "ومن صفاته الغفور وهو من قولك: غفرت الشيء: إذا غطيته، كما يقال: كفرته إذا غطيته، ويقال: كذا أغفر من كذا؟ أي أستر". وقال السعدي في تفسيره (5/ 300): العفو الغفور الغفار: الذي لم يزل ولا يزال بالعفو معروفاً، وبالغفران والصفح عن عباده موصوفاً، كل أحد مضطر إلى عفوه ومغفرته، كما هو مضطر إلى رحمته وكرمه. انظر: "شأن الدعاء" للخطابي (ص 52)، "اشتقاق أسماء الله" للزجاجي (ص 93). (¬2) انظر: "شرح القشيري لأسماء الله الحسنى". (ص 101).

روي عن عيسى أنه مرّ هو والحواريون بكلب ميت فقالوا: ما أنتن هذه الجيفة؟ فقال عيسى - عليه السلام -: ما أحسن بياض أسنانه! تنبيهاً على أن الذي [432 ب] ينبغي أن يذكر من كل شيء ما هو حسن. قوله: "القَهَّار" فسراه بما تراه، وهذه الصفة ثابتة في القرآن، {وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (16)} (¬1) وفيه: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} (¬2). وقال غيرهما: هو الذي يقصم ظهور الجبابرة من أعدائه فيقهرهم بالإماتة والإذلال، بل الذي لا موجود إلا وهو تحت قهره وقدرته عاجز في قبضته. فائدة (¬3): للعبد من هذه الصفة أن يتخلق بقهر شهواته وقهر شيطانه، [ومن] (¬4) قهر شهواته فقد قهر الناس جميعاً؛ لأنهم إنما ينافسونه على الشهوات ومن أعرض [273/ أ] وقهرها لم يبق لهم شيء ينازعونه فيه. ¬

_ (¬1) سورة الرعد: 16. (¬2) سورة الأنعام: 18، 61. قال ابن جرير في "جامع البيان" (9/ 180): "القاهر" المذلل المستعبد خلقه، العالي عليهم، وإنما قال: {فَوْقَ عِبَادِهِ} لأنه وصف نفسه تعالى بقهره إياهم، ومن وصفه كل قاهر شيئاً أن يكون مستعلياً عليه، فمعنى الكلام إذاً، والله الغالب عباده، المذلِّلُهم العالي عليهم بتذليله لهم، وخلقه إياهم، فهو فوقهم بقهره إياهم، وهم دونه. وانظر: "جامع البيان" (13/ 496)، "شأن الدعاء" (ص 53)، "تفسير أسماء الله الحسنى" للزجاج (ص 38). (¬3) انظر: "شرح القشيري لأسماء الله الحسنى" (ص 104). (¬4) في المخطوط (أ، ب): "مهما"، وما أثبتناه من "المقصد الأسنى".

قوله: "الوَهَّاب" (¬1) في القرآن: {وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (8)} (¬2) وفسراه بما تراه، وقال الغزالي (¬3): الهبة هي العطية الخالية من الأعواض (¬4)، فإذا كثرت العطايا بهذه الصفة سمي صاحبها جواداً ووهَّاباً، ولن يتصور الجود والهبة حقيقة إلا من الله تعالى، فهو الذي لا يعطي كل محتاج ما يحتاج إليه لا لعوض ولا لغرض عاجل أو آجل، ومن وهب [و] (¬5) له في هبته غرض عاجل أو آجل من ثناء أو مدح أو مودة أو نحو ذلك، فهو مقابل معتاض وليس بواهب ولا جواد، وإنما الجود الحق هو الذي تفيض منه الفوائد على المستفيد لا لغرض (¬6) يعود إليه. انتهى. ¬

_ (¬1) يوصف الله - عز وجل - بأنه الوهاب، يهب ما يشاء لمن يشاء كيف شاء، وهذا ثابت بالكتاب والسنة، وهي صفة فعلية، والوهاب من أسمائه تعالى. انظر: "شرح أسماء الله الحسنى" للرازي (ص 231 - 232). (¬2) سورة آل عمران: 8. (¬3) في "المقصد الأسنى". (¬4) والأغراض، فإذا كثرت سمي صاحبها وهّاباً، وهو من أبنية المبالغة. قاله ابن منظور في "لسان العرب". وانظر: "شأن الدعاء" للخطابي (ص 53 - 54). (¬5) سقطت من (ب). (¬6) قال أبو القاسم الزجاجي في "اشتقاق أسماء الله" ص (126): "الوهاب: الكثير الهبة والعطية، وفعَّال في كلام العرب للمبالغة؛ فالله - عز وجل - وهَّاب، يهب لعباده واحداً بعد واحد ويعطيهم، فجاءت الصفة على فعَّال لكثرة ذلك وتردده، والهبة: الإعطاء تفضلاً وابتداءً من غير استحقاق ولا مكافأة" اهـ. وانظر: "شرح أسماء الله الحسنى" للرازي (ص 232 - 233)، "الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى" للقرطبي (1/ 397 - 398).

قوله: "الرَّزَّاق" (¬1) فسراه بما تراه، وقال غيرهما: الرزاق هو الذي خلق الأرزاق والمرتزقة وأوصلها إليهم، وخلق لهم أسباب التمتع بها، والرزق رزقان، ظاهره: وهي الأقوات والأطعمة وذلك للظواهر وهي الأبدان، وباطنة: وهي المعارف والمكاشفات وذلك للقلوب والأسرار وهو أشرف الرزقين، فإن ثمرته حياة الأبد، وثمرة الرزق الظاهر قوة الجسد إلى مدة قريبة الأمد [433 ب]، والله هو المتولي لخلق الرزقين، والمتفضل بإيصاله إلى الخلق، ولكنه يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر. فائدة: يتخلق العبد بأن يعلم أن الرزقين منه تعالى فلا يطلبهما (¬2) من غيره، فإذا رزق العبد الرزق الباطن، فرزقه علماً هادياً ولساناً مرشداً معلماً، ليكون سبباً لوصول الأرزاق ¬

_ (¬1) الرَّزْق صفة فعلية ثابتة لله - عز وجل - بالكتاب والسنة، والرزَّاق، (الرَّزاق) من أسمائه تعالى. قال تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا} [النحل: 114]. وقال تعالى: {لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (58)} [الحج: 58]. وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58)} [الذاريات: 58]. قال الهراس: "ومن أسمائه سبحانه (الرزاق)، وهو مبالغة من (رازق)؛ للدلالة على الكثرة, مأخوذ من الرَّزق - بفتح الراء - الذي هو المصدر، وأما الرزق - بكسرها -؛ فهو لعباده الذين لا تنقطع عنهم أمداده وفواضله طرفة عين، والرزق كالخلق، اسم لنفس الشيء الذي يرزق الله به العبد؛ فمعنى الرزاق: الكثير الرزق، صفة من صفات الفعل، وهو شأن من شؤون ربوبيته - عز وجل -، لا يصح أن ينسب إلى غيره، فلا يسمى غيره رازقاً كما لا يسمى خالقاً، قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} [الروم: 40]؛ فالأرزاق كلها بيد الله وحده، فهو خالق الأرزاق والمرتزقة، وموصلها إليهم، وخالق أسباب التمتع بها؛ فالواجب نسبتها إليه وحده وشكره عليها فهو مولاها وواهبها". انظر: "شأن الدعاء" للخطابي (ص 54)، "استشاق أسماء الله" للزجاجي (ص 126). (¬2) قال القشيري في "شرح الأسماء الحسنى" (ص 109): "ومن عرف أن الله هو الرزاق أفرده بالقصد إليه وتقرب إليه بدوام التوكل عليه، قال الله تعالى: {اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ} [الرعد: 26].

الشريفة إلى القلوب بأقواله وأعماله، فيكون هذا شكراً لنعمة الله عليه بالرزق الباطن، ويعلم أن وصف الرزاق لا يستحقه إلا الله فلا ينتظر الرزق إلا منه. يروى: أنه قيل لحاتم الأصم (¬1): من أين تأكل؟ قال: من خزائنه، قال الرجل: يلقى عليك الخبز من السماء! فقال: لو لم تكن الأرض له لكان يلقيه من السماء، فقال الرجل: أنتم تقولون الكلام، قال: لأنه لم ينزل من السماء إلا الكلام، فقال الرجل: أنا لا أقوى على مجادلتك، قال: لأن الباطل [لا يقوم] (¬2) مع الحق. قوله: "الفَتَّاح" (¬3) فسراه بما تراه وهو لفظ قرآني: {وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ (26)} (¬4). وقال (¬5) غيرهما (¬6): هو الذي بعنايته ينفتح كل منغلق، وبهدايته ينكشف كل مشكل، فتارة يفتتح الممالك لأنبيائه ويخرجها من أيدي أعدائه، ويقول: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1)} (¬7)، وتارة لرفع الحجاب عن قلوب أوليائه، ويفتح لهم الأبواب إلى ملكوت سمائه وجمال ¬

_ (¬1) ذكره القشيري في "شرح أسماء الله الحسنى" (ص 109 - 110). (¬2) في المخطوط (أ، ب): "لا يقوى"، وما أثبتناه من "شرح القشيري" (ص 109). (¬3) الفتح: صفة لله - عز وجل - ثابتة بالكتاب والسنة، والفتاح اسم من أسمائه تعالى. قال تعالى: {رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ (89)} [الأعراف: 89]. وأخرج البخاري في صحيحه رقم (3124)، ومسلم رقم (1747) عن أبي هريرة: " ... اللهم احبسها علينا - يعني الشمس - فحبست حتى فتح الله عليه ... ". (¬4) سورة سبأ: 26. (¬5) انظر: "شأن الدعاء" للخطابي (ص 56)، "اشتقاق أسماء الله" للزجاجي (ص 189)، "شرح أسماء الله الحسنى" للرازي (ص 236 - 237). (¬6) قاله الغزالي في "المقصد الأسنى". (¬7) سورة الفتح: (1). قال الرازي في شرحه (ص 236 - 237): الفتاح في وصفك لله يحتمل معنيين: =

كبريائه ويقول: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا} (¬1)، ومن بيده مفاتيح الممالك ومفاتيح الرزاق فبالحري أن يكون فتاحاً. فائدة: يتخلق العبد من هذا الاسم أن يكون مفتاحاً للخير مغلاقاً للشر، كما ورد في الحديث: "إن من الناس مفاتيح للخير مغاليق للشر ... " (¬2) الحديث، وفيه: "فطوبى لمن كان مفتاحاً للخير مغلاقاً للشر" هذا لفظه أو معناه، وقد [434 ب] حذفنا بعضه، وأن يكون بلسانه فاتحاً للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، داعياً إلى الله ذاكراً له. قوله: "العَلِيْم" (¬3) فسراه بما تراه. ¬

_ = أحدهما: أنه الحاكم بين الخلق، وذلك أن الحاكم يفتح الأمر المستغلق بين الخصمين، والله تعالى ميز بين الحق والباطل، وأوضح الحق وبينه، ودحض الباطل وأبطله، فهو الفتاح. الثاني: أنه الذي يفتح أبواب الخير على عباده، ويسهل عليهم ما كان صعباً، ثم تارة يكون هذا الفتح في أمور الدين وهو العلم، وأخرى في أمور الدنيا فيغني فقيراً، وينصر مظلوماً، ويزيل كربة. وانظر: "الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى" للقرطبي (1/ 225). وقال الخطابي في "شأن الدعاء" (ص 56): ويكون الفاتح أيضاً بمعنى الناصر، كقوله سبحانه: {إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ} [الأنفال: 19]. قال القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" (7/ 386): أي: إن تستنصروا فقد جاءكم النصر. (¬1) سورة فاطر: 2. (¬2) أخرجه ابن ماجه رقم (237)، وابن أبي عاصم في "السنة" (1/ 127 - 128)، والطيالسي رقم (2082) عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن من الناس مفاتيح للخير، مغاليق للشر، وإن من الناس مفاتيح للشر، مغاليق للخير، فطوبى لمن جعل الله مفاتيح الخير على يديه، وويل لمن جعل الله مفاتيح الشر على يديه"، وهو حديث حسن. (¬3) العلم صفة ذاتية ثابتة لله - عز وجل - بالكتاب والسنة، ومن أسمائه (العليم). الدليل من الكتاب: =

وقال غيرهما (¬1): هو أن يحيط علماً بكل شيء ظاهره وباطنه، دقيقه وجليله، أوله وآخره، عاقبته وفاتحته، وهذا من حيث كثرة المعلومات وهي لا نهاية لها، ثم يكون العلم في ذاته من حيث الوضوح والكشف على أتم ما يمكن فيه، بحيث لا يتصور مشاهدة وكشف أظهر منه، ثم لا يكون مستفاداً من المعلومات، بل تكون المعلومات مستفادة منه. فائدة: يتخلق العبد من هذا بأن يبالغ في تعلم العلم النافع ويتوسع فيه وهو علم الكتاب والسنة، وأن يعلم أنه وإن صار عليماً بما فتح الله به عليه؛ فإن علمه يقصر عن علم الله في كل شيء، بل ما علمه وعلم جميع الخلائق في علم الله إلا كما يأخذه العصفور بمنقاره من ¬

_ = قال تعالى: {وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ} [البقرة: 255]. قال تعالى: {وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (97)} [المائدة: 97]. قال تعالى: {إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (109)} [المائدة: 109]. قال تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} [الأنعام:73، الرعد: 9، التغابن: 18]. الدليل من السنة: منها: ما أخرجه البخاري رقم (6382) وفيه: "اللهم إني أستخيرك بعلمك ... ". قال الغنيمان في شرح "كتاب التوحيد" للبخاري (1/ 103): " ... وعلمه تعالى من لوازم نفسه المقدسة، وبراهين علمه تعالى ظاهرة مشاهدة في خلقه وشرعه، ومعلوم عند كل عاقل أن الخلق يستلزم الإرادة، ولا بد للإرادة من علم بالمراد، كما قال تعالى: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14)} [الملك: 14]. ثم قال: "وهو يعلم ما في السماوات السبع، والأرضين السبع، وما بينهما، وما تحت الثرى، وما في قعر البحار، ومنبت كل شعرة وكل شجرة وكل زرع وكل نبات، ومسقط كل ورقة، وعدد ذلك، وعدد الحصى والرمل والتراب، ومثاقيل الجبال، وأعمال العباد وآثارهم، وكلامهم، وأنفاسهم، ويعلم كل شيء، لا يخفى عليه من ذلك شيء، وهو على العرش فوق السماء السابعة". (¬1) انظر: "شأن الدعاء" (ص 57)، "اشتقاق أسماء الله" للزجاجي (ص 50 - 53).

البحر، كما قاله الخضر (¬1) لموسى - عليه السلام - ويعلم أن علمه يقصر عن علم الله بدرجات لا تنحصر نذكر منها ثلاثاً (¬2): الأول: معلومات العبد، وإن اتسعت فهي محصورة في قلبه، فأنى تناسب ما لا نهاية له. والثاني: أن كشفه وإن اتضح لا يبلغ الغاية التي لا يمكن وراءها، بل يكون [274/ أ] كأنه يراها من وراء ستر رقيق (¬3). ¬

_ (¬1) تقدم، وهو حديث صحيح. (¬2) انظر: "شرح أسماء الله الحسنى" للرازي (ص 241). (¬3) لم يذكر الثالث. ومن هذه الفروق أو الدرجات: - أن الله بالعلم الواحد يعلم جميع المعلومات، بخلاف العبد. - أن علم الله لا يتغير بتغير المعلومات بخلاف العبد. - أن علم الله غير مستفاد من الحواس ولا من الفكر، بخلاف العبد. - أن الله سبحانه وتعالى لا يشغله علم عن علم، بخلاف العبد. وانظرها أيضاً في "شرح أسماء الله الحسنى" للرازي (ص 241).

قوله: "القَابِضُ (¬1) البَاسِط (¬2) " في القرآن: {وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ} (¬3) وفسراه بما تراه. وقال غيرهما (¬4): هو الذي يقبض الأرواح [و] (¬5) الأشباح عند الممات، ويبسط الأرواح في ¬

_ (¬1) القبض: صفة فعلية لله - عز وجل - ثبتت بالكتاب والسنة، والقابض من أسماء الله تعالى. قال تعالى: {وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (245)} [البقرة: 245]. وأخرج البخاري رقم (7382)، ومسلم رقم (2787) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - وفيه: "يقبض الله تبارك وتعالى الأرض يوم القيامة ... ". قال أبو يعلى الفراء في "إبطال التأويلات" (ص 168) بعد ذكر حديث: "إن الله خلق آدم من قبضته قبضها ... " اعلم أنه غير ممتنع إطلاق القبض عليه سبحانه، وإضافتها إلى الصفة التي هي اليد التي خلق بها آدم؛ لأنه مخلوق باليد من هذه القبضة، فدل على أنها قبضة باليد، وفي جواز إطلاق ذلك أنه ليس في ذلك ما يُحيلُ صفاته ولا يخرجها عمَّا تستحقه. انظر: شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري (1/ 140)، "الصواعق المرسلة" (2/ 171). (¬2) البسط صفة فعلية ثابتة بالكتاب والسنة، والباسط اسم من أسمائه - عز وجل -. قال تعالى: {وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (245)} [البقرة: 245]. وقال تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ} [الإسراء: 30]. عن أنس - رضي الله عنه -: " ... إن الله هو المسعَّر القابض الباسط الرازق، وإني لأرجو الله أن ألقى الله وليس أحد منكم يطالبني بمظلمة في دم ولا مال". [أخرجه أحمد في "المسند" (3/ 156)، والترمذي رقم (1314)، وأبو داود رقم (3451)، وابن ماجه رقم (2200)، وابن حبان في صحيحه رقم (4935)، وهو حديث صحيح]. وقال ابن مندة في "كتاب التوحيد" (2/ 93): "ومن أسماء الله - عز وجل - الباسط، صفة له". انظر: "التدمرية" (ص 29)، "شأن الدعاء" للخطابي (ص 57 - 58). (¬3) سورة البقرة: 245. (¬4) وهو القشيري في شرحه لأسماء الله الحسنى (ص 120). (¬5) في المخطوط (من)، وما أثبتناه من شرح القشيري.

الأجساد عند الحياة، ويقبض الصدقات عند الأنبياء، ويبسط الأرزاق [للضعفاء] (¬1) ويبسط الرزق للأغنياء حتى لا تبق فاقة ويقبضه عن الفقراء حتى لا تبقى طاقة [435 ب] ويقبض القلوب فيضيقها بما يكشف لها من قلة منالاته وتعاليه وجلاله، ويبسطها بما ينعرف لها من بره ولطفه وجماله. قلت: ويبسطها بما يهديه إليها من وعده الصادق، ويقبضها بما يرد عليها من وعيده الحق، وغير ذلك. فائدة (¬2): يتخلق العبد من هذين الاسمين أن يبسط قلوب العباد بما يذكرهم به من نعم الله التي قصر عنها التعداد، وزادت على المراد من نعمة الإيجاد من العدم، والإمداد بالجلائل والدقائق من النعم، ويقبض القلوب بما يذكرهم به من عواقب المعاصي والذنوب، وأنها أخلت الديار وأنزلت بأهلها الدمار، وألزمتهم الذلة والصغار، وأنه لا بلاء في الدنيا والآخرة إلا سببه الذنوب والأوزار، وهذه كانت طريقة سيد الأبرار محمَّد المختار - صلى الله عليه وسلم - آناء الليل وأطراف النهار، كان يذكر بالجنة ويشوق إليها، وإلى نعيمها، فتنبسط إليها شوقاً قلوب الأخيار، ويحذر من النار وما أعده الله فيها للفجار فيضيق قلوب السامعين من الأخيار والأشرار. واعلم أنه لم يرد إفراد أحد الاسمين عن الآخر، ولا ورد اللفظ المشتق في القرآن إنما ورد الفعلان كما ذكرناهما، وهذا يتم على جواز اشتقاقها - الصفات له تعالى - من الأفعال التي أثبتها لنفسه، وفيه خلاف. ¬

_ (¬1) في (أ، ب) غير مقروءة، وما أثبتناه من "المقصد الأسنى". (¬2) انظر: "شرح أسماء الله الحسنى" للرازي (ص 242 - 243).

قال الرازي (¬1): الألفاظ الدالة على الصفات ثلاثة ثابتة في حق الله قطعاً، وممتنعة [قطعاً] (¬2) وثابتة لكن مقرونة مبتدعة. فالقسم الأول منه: ما يجوز ذكره مفرداً لا مضافاً، وهو كثير جداً؛ كالقادر والقاهر. ومنه ما يجوز مفرداً، ويجوز مضافاً لأمر؛ كالخالق. ويجوز: خالق كل [436 ب] شيء مثلاً، ولا يجوز: خالق القدرة، ومنه عكسه يجوز مضافاً، ولا يجوز مفرداً كالمنشئ، فيجوز منشئ الخلق ولا يجوز المنشئ فقط. والقسم الثاني: إن ورد السمع بشيء منه أطلق وحمل على ما يليق به. والقسم الثالث: إن ورد السمع بشيء منه أطلق ما ورد منه، ولا يقاس عليه ولا يتصرف فيه بالاشتقاق، كقوله: "مكر الله، يستهزئ" فلا يجوز: ماكر ومستهزئ. انتهى. فعرفت من كلامه أنه لا يجوز اشتقاق الصفات من الأفعال التي نسبت إليه، إلا أن في منعه لإطلاق خالق القدرة تأملاً، إذ لا يظهر وجه منعه ذلك، فينظر. قال القرطبي (¬3): أسماء الله وإن تعددت فلا تعدد في ذاته، لا محسوساً كالحسيات ولا عقلياً؛ كالمحدودات، وإنما تعددت الأسماء بحسب الاعتبارات الزائدة على الذات، ثم هي (¬4) من جهة دلالتها على أربعة أضرب: الأول: الدال على الذات مجرَّدة كالجلالة؛ فإنه يدل دلالة مطلقة غير مقيدة، وذكر ما قدمناه، قال: ولهذا كان الأصح أنه اسم علم غير مشتق وليس بصفة. الثاني: ما يدل على الصفات الثابتة للذات؛ كالعليم والقدير والسميع والبصير. ¬

_ (¬1) في تفسيره (1/ 134 - 140)، "وشرح أسماء الله الحسنى" (ص 47). (¬2) في (ب): حقّاً. (¬3) في "المفهم" (7/ 15 - 16). (¬4) أي: هذه الأسماء.

الثالث: ما يدل على إضافة أمر ما إليه؛ كالخالق والرازق. الرابع: ما يدل على سلب شيء عنه كالعلي والقدوس. وهذه الأقسام الأربعة منحصرة في النفي والإثبات. انتهى. وذهب أئمة التحقيق (¬1) إلى تفصيل فيما يطلق عليه تعالى [437 ب] فقال: أسماء الله في باب الدعاء توقيفية، أي: لا تدعى إلا بما ورد به الشرع، كما أشار إليه قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} (¬2) فلا يدعى إلا بما سمى به نفسه، فلا يقال: يا شيء، ويا موجود اغفر لي. وأما في الأخبار فيجوز أن يخبر عنه بما لم يرد مثل: موجود، ومذكور، وواجب الوجود، وصانع العالم، وكل ما كان معناه حقاً في حقه تعالى، وهذا تفصيل حسن. وسِرُّه: أن في باب الدعاء يتوسل إليه بأسمائه ولذلك يذكر الداعي في كل مطلوب ما يناسبه، ففي طلبه المغفرة يقال: يا غفور يا رحيم اغفر لي، وبه وردت الأدعية النبوية والقرآنية، ومن تتبع ذلك كتاباً وسنة وجده صحيحاً وعلم صحة هذا التفصيل [275/ أ]. قوله: "الخَافِضُ الرَّافِع" هذان مما لم يرد في القرآن أيضاً، وجاء الفعل: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} (¬3). ¬

_ (¬1) انظر: "مجموع فتاوى" (6/ 143، 229)، "شرح السنة" للبغوي (1/ 185 - 186)، "شرح أسماء الله الحسنى" (ص 40)، "مختصر الصواعق" (1/ 232)، "التدمرية" (ص 43، 65). (¬2) سورة الأعراف: 180. (¬3) سورة المجادلة: 11. قال القرطبي في "الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى" (1/ 364): وليس في القرآن خافض لا مضافاً ولا مفرداً، ولا فيه فعل يشتق منه هذا الوصف، وأما رافع فلم يرد في القرآن اسماً بهذه الصيغة، إلا أنه جاء مضافاً في قوله تعالى: {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} [آل عمران: 55]، وورد: {رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ} [غافر: 15]. =

وأما خفض فلم يحضرني أنه أتى بها القرآن. فسراه بما تراه، وقال الغزالي (¬1): هو الذي يخفض الكفار بالإشقاء، ويرفع المؤمنين بالإسعاد، يرفع أولياءه بالتقريب، ويخفض أعداءه بالإبعاد، ومن رفع مشاهدته عن المحسوسات والمتخيلات وإرادته عن ذميم الشهوات فقد رفعه إلى أفق الملائكة المقربين، ومن قصر مشاهدته على المحسوسات وهمته على ما يشارك فيه البهائم من الشهوات، فقد خفضه إلى أسفل سافلين، ولا يفعل ذلك إلا الله فهو الخافض الرافع. فائدة (¬2): تخلق العبد من هذين الاسمين أن يرفع الحق ويخفض الباطل، فيعادي أعداء الله خفضاً لهم، ويوالي أولياءه [438 ب] رفعاً لهم وينشر العلم النافع رفعاً له، ويخفض البدع، ويهجر أهلها خفضاً لها، وهذا يدخل فيه أنواع كثيرة. قوله: "المعزُّ المذل" (¬3) لم يردا في القرآن. ¬

_ = ثم قال: فهو سبحانه الواضع قدر من شاء والرافع المعلي لقدر من شاء، كما روى مسلم رقم (817) عن عامر ابن واثلة: " ... إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين". "شأن الدعاء" (ص 58). (¬1) في "المقصد الأسنى" (ص 91). (¬2) قاله الغزالي في "المقصد الأسنى". وانظر: "شرح القشيري لأسماء الله الحسنى" (ص 123). وقال الرازي في "شرح أسماء الله الحسنى" (ص 244): وأما حظ العبد: فهو أن يرفع جانب الروح، ويخفض جانب النفس أو ينصر أولياء الله، وينازع أعداء الله. (¬3) "شرح أسماء الله الحسنى" للرازي (ص 245)، "شأن الدعاء" (ص 58)، "الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى" (1/ 370 - 373).

إنما ورد فعلاهما: {وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ} (¬1)، قال الغزالي (¬2): هو الذي يؤتي الملك من يشاء ويسلبه عما يشاء، والملك الحقيقي: الخلاص عن ذل الحاجة وقهر الشهوة ووصمة الجهل، فمن كشف الحجاب عن قلبه وشاهد جمال حضرته، ورزقه القناعة حتى استغنى بها عن خلقه، وأمدّه بالقوة والتأييد حتى استولى بها على صفات نفسه، فقد أعزه وأتاه الملك عاجلاً وسيعزه في الآخرة بالتقريب ويناديه: {يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي (30)} (¬3). ومن مد عينيه إلى الخلق حتى احتاج إليهم، وسلط عليه الحرص حتى لم يقنع بالكفاية، واستدرجه بمكره حتى اعتز بنفسه وبقي في ظلمة الجهل، فقد أذله وسلبه الملك، وهذا غاية الذل. فائدة: يتخلق العبد من هذين بأن يعز نفسه بالطاعة: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا} (¬4) ولا يذلها بالمعصية (¬5)، ويعزها بتعلم العلم النافع ولا يذلها بالجهل، ويعزها بالقناعة ولا يذلها بالأطماع. قوله: "السَّمِيْع" (¬6) ¬

_ (¬1) سورة آل عمران: 26. (¬2) في "المقصد الأسنى". (¬3) سورة الفجر: 27 - 30. (¬4) سورة فاطر: 10. (¬5) انظر: "شرح القشيري لأسماء الله الحسنى" (ص 126). (¬6) السمع: صفة ذاتية ثابتة لله - عز وجل - بالكتاب والسنة، و"السميع" من أسمائه تعالى. الدليل من الكتاب: =

قال الشراح (¬1): هو الذي لا يعزب عن إدراكه مسموع وإن خفي، فيسمع السر والنجوى، بل ما هو أدق من ذلك وأخفى ويدرك دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء ¬

_ = 1 - قوله تعالى: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى (46)} [طه: 46]. 2 - وقوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)} [الشورى: 11]. 3 - وقوله: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} [المجادلة: 1]. الدليل من السنة: 1 - حديث عائشة - رضي الله عنها - في قصة المجادلة وقولها: "الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات". رواه البخاري تعليقاً (13/ 372)، والنسائي وابن ماجه وأحمد وابن أبي عاصم في "السنة" (625). 2 - حديث عائشة - رضي الله عنها -؛ أنها قالت للنبي - صلى الله عليه وسلم -: هل أتى عليك يوم أشد عليك من يوم أحد؟ فقال: "لقد لقيت من قومك، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة ... (وفي الحديث): فناداني ملك الجبال، فسلم علي، ثم قال: يا محمَّد! إن الله قد سمع قول قومك، وأنا ملك الجبال ... "، رواه البخاري (3231)، ومسلم (1795). فأهل السنة والجماعة يقولون: إن الله سميع بسمع يليق بجلاله وعظمته، كما أنه بصير ببصر، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)} [الشورى: 11]. قال أبو الحسن الأشعري في "رسالة إلى أهل الثغر" (ص 225): "وأجمعوا على أنه - عز وجل - يسمع ويرى". وقال الحافظ ابن كثير في رسالته "العقائد": "فإذا نطق الكتاب العزيز ووردت الأخبار الصحيحة بإثبات السمع والبصر والعين والوجه والعلم والقوة والقدرة والعظمة والمشيئة والإرادة والقول والكلام والرضا والسخط والحب والبغض والفرح والضحك؛ وجب اعتقاد حقيقته؛ من غير تشبيه بشيء من ذلك بصفات المربوبين المخلوقين، والانتهاء إلى ما قاله الله سبحانه وتعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم -؛ من غير إضافة، ولا زيادة عليه، ولا تكييف له، ولا تشبيه، ولا تحريف، ولا تبديل، ولا تغيير، وإزالة لفظ عما تعرفه العرب وتصرفه عليه، والإمساك عما سوى ذلك". انظر: "علاقة الإثبات والتفويض" (ص 51) لرضا نعسان معطي. (¬1) انظر: "شأن الدعاء" (ص 59 - 60)، "شرح القشيري لأسماء الله الحسنى" (ص 127 - 128)، "شرح أسماء الله الحسنى" للرازي (ص 246 - 247).

في الليلة الظلماء، يسمع حمد الحامدين فيجازيهم ودعاء الداعين فيستجيب لهم، سميع بغير أصمخة وآذان [439 ب] كما يفعل بغير جارحة (¬1) ويتكلم بغير لسان (¬2)، وسمعه منزه عن أن يطرق إليه الحدثان. فائدة (¬3): يتخلق العبد من هذا الاسم بعد الإيمان به بأن لا يصغي سمعه إلا إلى فائدة يستمليها أو ذكر لله ويحفظ لسانه؛ لأن يسمع ما يفوه به. قوله: "البَصِيْر" (¬4) قال الشراح (¬5): هو الذي يشاهد ويرى حتى لا يعزب عنه ما تحت الثرى، وإبصاره أيضاً منزه عن أن يكون بحدقة وأجفان، ومقدس عن أن يرجع إلى انطباع الصور والألوان في ذاته كما تنطبع في حدقة الإنسان، فإن ذلك من التغير والتأثر المقتضي للحدثان. ¬

_ (¬1) انظر: "شرح أصول اعتقاد أهل السنة" للالكائي (2/ 398)، "الفتوى الحموية" (ص 308). (¬2) قال السعدي في تفسيره (4/ 412): قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11] أي: ليس يشبهه تعالى ولا يماثله شيء من مخلوقاته لا في ذاته، ولا في أسمائه، ولا في صفاته، ولا في أفعاله. (¬3) انظر: "شرح القشيري لأسماء الله الحسنى" (ص 128). (¬4) البصر: صفة من صفات الله - عز وجل - الذاتية الثابتة بالكتاب والسنة، و"البصير" اسم من أسمائه تعالى. من الكتاب: قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58)} [النساء: 58]. وقال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)} [الشورى: 11]. من السنة: ما أخرجه البخاري في صحيحه رقم (6384) من حديث أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه -: "يا أيها الناس! اربعوا على أنفسكم، إنكم لا تدعون أصم ولا غائباً، ولكن تدعون سميعاً بصيراً، إن الذي تدعون أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته". (¬5) "شرح القشيري" (ص 127)، "اشتقاق أسماء الله" للزجاجي (ص 65 - 71).

فائدة: يتخلق العبد من هذه الصفة بأن لا يطلق بصره في محرم، ولا يطلقه إلا فيما يقربه إلى الله من نظر في آيات سماواته وأرضه يزداد بها إيماناً بربه، ومن نظر في مصحف يبشره أو كتاب هداية يذكره وليذكر بهاتين الصفتين، قوله تعالى: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى (46)} (¬1) فيراقب مولاه في جميع أموره، في حركاته وسكناته. قوله: "الحَكَمْ" (¬2) قال شراح الأسماء (¬3): هو الحاكم المحكم لا رادّ [لحكمه] (¬4) ولا معقب لحكمه ولا لقضائه، فهو الحاكم بأنه ليس للإنسان إلا ما سعى، وأن سعيه سوف يرى، و {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (13) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (14)} (¬5)، ويعني: حكمه للبر بالسعادة وللفاجر بالشقاوة أنه جعل البر والفجور سببين يسوقان صاحبهما إلى السعادة والشقاوة، كما جعل الأدوية والسموم أسباباً تسوق متناولهما إلى "الشفاء" والهلاك، وإذا كان معنى حكمه ¬

_ (¬1) سورة طه: 46. (¬2) الحاكم والحَكَم: يوصف الله - عز وجل - بأنه الحاكم والحَكَم، و"الحَكَم" اسم لله - عز وجل - ثابت بالكتاب والسنة. فمن الكتاب: قال تعالى: {أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا} [الأنعام: 114]. وقال تعالى: {فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (87)} [الأعراف: 87]. ومن السنة: ما أخرجه أبو داود رقم (4145)، والنسائي رقم (4980) من حديث هانئ بن يزيد - رضي الله عنه -: أنه لما وفد إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع قومه، سمعهم يكنونه بأبي الحكم، فدعاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: إن الله هو الحَكَم، وإليه الحُكم، فلِمَ تكنى أبا الحكم"، وهو حديث صحيح. انظر: "شأن الدعاء" (ص 61 - 62)، "شرح القشيري" (ص 130 - 131). (¬3) قاله الغزالي في "المقصد الأسنى" (ص 95 - 62)، والرازي في "شرح أسماء الله الحسنى" (ص 248 - 250). (¬4) زيادة من (أ). (¬5) سورة الانفطار: 13 - 14.

ترتيب الإنسان وتوجيهها إلى المسببات كان حكماً مطلقاً؛ لأنه مسبب كل الأسباب [276/ أ] جملها وتفصيلها، ومن الحكم يتشعب القضاء والقدر: فتدبيره أصل في وضع الأسباب ليتوجه [440 ب] إلى المسببات، حكمه، ونصبه الأسباب الكلية الأصلية الثابتة المستقرة التي لا تزول ولا تحول: كالأرض والسماوات السبع والكواكب والأفلاك، وحركاتها المتناسبة الدائمة التي لا تتغير ولا تنعدم إلى أن يبلغ الكتاب أجله، قضاؤه كما قال: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا} (¬1). وتوجيهه هذه الأسباب بحركاتها المحدودة المقدرة المحسوبة إلى المسببات الحادثة منها لحظة بعد لحظة، قدره. فالحكم (¬2) هو التدبير الأول الكلي والأمر الأزلي الذي هو كلمح البصر. والقضاء هو الوضع الكلي للأسباب الكلية الدائمة، والقدر هو توجيه الأسباب الكلية بحركاتها المقدرة المحسوبة إلى مسبباتها المعدودة المحدودة بقدر معلوم لا يزيد ولا ينقص، ولذلك لا يخرج شيء عن قضائه وقدره. قوله: "العَدْل" (¬3): ¬

_ (¬1) سورة فصلت: 12. (¬2) ذكره الغزالي في "المقصد الأسنى" (ص 96). (¬3) العدل: ليس اسم لله تعالى، بل صفة ثابتة لله - عز وجل - بالأحاديث الصحيحة. منها: ما أخرجه البخاري رقم (3150)، ومسلم رقم (1062) من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه -. وقوله - صلى الله عليه وسلم - للذي قال: والله، إن هذه لقسمة ما عدل فيها، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "فمن يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله". قال الهراس في "شرح النونية" (2/ 98): وهو سبحانه موصوف بالعدل في فعله، فأفعاله كلها جارية على سنن العدل والاستقامة، ليس فيها شائبة جور أصلاً، فهي دائرة كلها بين الفضل والرحمة، وبين العدل والحكمة.

هو العادل (¬1) الذي يصدر منه فعل العدل المضاد للجور والظلم، ولن (¬2) يعرف العادل من لا يعرف عدله، ولا يعرف عدله من لا يعرف فعله، فمن أراد أن يعرف هذا الوصف، فينبغي أن يحيط علماً بأفعال الله من ملكوت السماوات إلى منتهى الثرى، حتى إذا لم يرَ في خلق الرحمن من تفاوت ثم رجع البصر فما رأى من فطور، ثم رجع مرة أخرى فانقلب إليه البصر خاسئاً وهو حسير، وقد بهره كمال العدل الإلهي وحيره اعتدال الأمور وعدلها وانتظامها وانظر (¬3) عدله في خلق الإنسان، فإنه خلقه أعضاء مختلفة مثل اليد والرجل والعين والأنف والأذن، فهو وضعها مواضعها الخاصة. عدل لأنه وضع العين في أولى المواضع به من البدن، إذ لو خلقه على الرجل أو على اليد أو على القفا أو على قمة الرأس؛ لم يخف على أحد ما يتطرق إليه من النقصان والتعرض للآفات. [441 ب] وكذا علق اليدين على المنكبين، ولو علقهما من الرأس أو من الحقو أو من الركبتين؛ لم يخفَ ما يتولد عنه من الخلل، وكذلك وضع جميع الحواس على الرأس؛ فإنها جواسيس لتكون مشرفة على جميع البدن، ولو وضعها على الرجل اختل نظامها قطعاً وشرح ذلك في كل عضو يطول. وبالجملة: ينبغي العلم أنه لم يخلق شيء في موضعه إلا لأنه متعين [له، و] (¬4) لو تيامن عنه أو تياسر أو سفل أو تعل؛ لكان ناقصاً أو باطلاً أو قبيحاً خارجاً عن التناسب كريهاً في ¬

_ (¬1) انظر: "شأن الدعاء" (ص 62)، "شرح القشيري لأسماء الله الحسنى" (ص 130 - 132). (¬2) قاله الغزالي في "المقصد الأسنى" (ص 100 - 101). (¬3) انظره نصاً في "المقصد الأسنى" (ص 101 - 102). (¬4) زيادة من "المقصد الأسنى".

المنظر، فهذا رمز إلى تفهم مبدأ الطريق إلى معرفة هذا الاسم. وشرحه يحتاج مجلدات، فإنه من الأسماء المشتقة من الأفعال ولا يفهم إلا بمعرفة الأفعال. فائدة (¬1): يتخلق العبد من هذا الاسم بأن يتصف بالعدل في ما أمر به، فيعدل أولاً في صفات نفسه فيجعل شهوته وغضبه أسيرين تحت عقله ودينه، فإذا جعل العقل خادماً للشهوة والغضب فقد ظلم نفسه، ويجعل أوامر الشرع متبوعة ونواهيه مجتنبة، وعدله في أعضائه باستعمال كل عضو لما أذن فيه الشارع، ويعدل في أهله وإن اتسع نطاق ولايته عدل في رعاياه بتحكيم أوامر الله له ولهم وعليه وعليهم، وهذا باب لا تتسع لفتحه هذه التعليقة. قوله: "اللَّطِيْفُ" (¬2): ¬

_ (¬1) قاله الغزالي في "المقصد الأسنى" (ص 102 - 103)، وانظر: "شرح القشيري لأسماء الله الحسنى" (ص 131 - 132). (¬2) اللطف صفة ثابتة لله - عز وجل - بالكتاب والسنة، واللطيف من أسماء الله - عز وجل -. الدليل من الكتاب: 1 - قوله تعالى: {وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (103)} [الأنعام: 103]. 2 - قوله تعالى: {اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ} [الشورى: 19]. الدليل من السنة: حديث عائشة - رضي الله عنها - في تتبعها للنبي - صلى الله عليه وسلم - لما خرج من عندها خفية لزيارة البقيع، وفيه قال - صلى الله عليه وسلم -: "ما لك يا عائش، حشياً رابية؟ " قالت: قلت: لا شيء. قال: "لتخبريني أو ليخبرني اللطيف الخبير" رواه مسلم (974). قال ابن منظور في "اللسان": "اللُّطف واللَّطف: البر والتكرمة والتَّحفِّي ... اللطيف: صفة من صفات الله، واسم من أسمائه، ومعناه والله أعلم: الرفيق بعباده". قال ابن القيم في "النونية" (2/ 85): =

فسراه (¬1) بما تراه، وفي شروح الأسماء (¬2): إنما يستحق هذا الاسم من يعلم دقائق المصالح وغوامضها، وما دق منها ولطف، ثم سلك إلى المنتفع بها سبيل الرفق دون العنف. فإذا اجتمع الرفق في الفعل والرفق في الإدراك تمَّ معنى اللطف، ولا يتصور كمال ذلك في العلم والفعل إلا لله تعالى. فأما إحاطته بالدقائق والخفايا [فلا] (¬3) يمكن تفصيل ذلك، بل الخفي مكشوف في علمه كالجلي من غير فرق. [442 ب]. وأما رفقه في الأفعال ولطفه فيها، فلا يدخل أيضاً تحت الحصر؛ إذ لا يعرف اللطف في الفعل إلا من عرف تفاصيل أفعاله وعرف دقائق الرفق فيها، [وتقدير اتساع المعرفة فيها بلغ] (¬4) المعرفة بمعنى اسم [277/ أ] اللطيف، وشرح ذلك لا تتسع له المجلدات، ولنمثل ببعض ما عرفناه من لطفه: [فمن لطفه] (¬5): ¬

_ = وَهْوَ اللَّطِيفُ بِعَبْدِهِ وَلِعَبْدِهِ ... واللَّطْفُ في أَوْصَافِهِ نَوْعانِ إِدْرَاكُ أَسْرارِ الأمُورِ بِخبْرَةِ ... واللُّطفُ عِنْدَ مَواقِعِ الإِحسان فَيُرِيكَ عِزَّتَهُ وَيُبْدِي لُطْفَهُ ... والعَبْدُ فِي الغَفَلاَتِ عَن ذا الشَّانِ قال الشيخ عبد الرحمن السعدي في "التفسير" (5/ 301): "اللطيف: الذي أحاط علمه بالسرائر والخفايا، وأدرك الخبايا والبواطن والأمور الدقيقة، اللطيف بعباده المؤمنين، الموصل إليهم مصالحهم بلطفه وإحسانه من طرق لا يشعرون بها، فهو بمعنى الخبير وبمعنى الرؤوف". (¬1) صاحب التيسير وابن الأثير. (¬2) قاله الغزالي في "المقصد الأسنى" (ص 103)، انظر: "شرح أسماء الله الحسنى" للرازي (ص 253 - 254). (¬3) في (أ. ب): "فقد"، وما أثبتناه من "المقصد الأسنى". (¬4) والعبارة في "المقصد الأسنى" (ص 104): "وبقدر اتساع المعرفة فيها تتسع". (¬5) زيادة من (أ).

خلقه (¬1) الجنين في بطن أمه في ظلمات ثلاث، وحفظه فيها، وتغذيته بواسطة السرة إلى أن ينفصل فينتقل إلى التناول بالفم، ثم إلهامه إياه عند الانفصال التقامه الثدي وامتصاصه ولو في ظلام الليل من غير تعليم ومشاهدة، بل تتفقأ البيضة عن الفرخ وقد ألهمه التقاط الحب في الحال، ثم تأخير خلق الأسنان عن أول الخلقة للاستغناء باللبن عن السن، بل لو خلقت عند ولادته لأضر بحلمة الثدي، ثم إتيانها بعد ذلك عند الحاجة إلى طحن الطعام، ثم تقسيم الأسنان إلى عريضة، وإلى أنياب للكسر، وإلى ثنايا حادة الأطراف للقطع، ثم استعمال اللسان الذي الغرض الأظهر منه النطق في رد الطعام إلى المطحن كالمجرفة، ولو ذكر لطفه بها تيسير لقمة يتناولها (¬2) العبد من غير كلفة يتجشمها، وقد تعاون على إصلاحها خلق لا يحصى عددهم، ومصلح الأرض وزارعها وساقيها وحاصدها ومنقيها وطاحنها وعاجنها وخابزها إلى غير ذلك، لكان لا يستوفي شرحه. وعلى الجملة: فهو من حيث دبر الأمور حكيم، ومن حيث أوجدها جواد، ومن حيث زينها مصور، ومن حيث وضع كل شيء موضعه عدل ومن حيث لم يترك فيها دقائق وجوب الرفق لطيف، ولا يعرف حقائق هذه الأسماء من لم يعرف حقيقة هذه الأفعال. ومن لطفه أنه أعطى عباده فوق الكفاية وكلفهم دون الطاقة، ومن لطفه أن يسر لهم [443 ب] الوصول إلى سعادة الأبد بسعي خفيف بها مدة قصيرة وهو العمر، فإنه لا نسبة له إلى الأبد، ومن سرح طرف فكره فيما لطف ربه له به عرف عجائب لطفه. فائدة (¬3): يتخلق العبد من هذا الوصف اللطف بالعباد والرفق بهم والتلطف بهم في الدعوة إلى الله تعالى والهداية إلى النجاة، من غير عنف ولا خصام ولا إقناط ولا ترخيص. ¬

_ (¬1) انظره في "المقصد الأسنى" للغزالي (ص 104). (¬2) انظر: "شرح أسماء الله الحسنى" للرازي (254). (¬3) انظر: "المقصد الأسنى" (ص 105)، "شرح أسماء الله الحسنى" للرازي (ص 255).

قوله: "الخَبِيْر" (¬1) هو الذي لا تعزب (¬2) عنه الأخبار الباطنة، ولا يجري في الملك والملكوت شيء، ولا تتحرك ذرة ولا تضطرب نفس ولا تسكن إلا وهو خبير بذلك، وهو بمعنى العليم، لكن العلم إذا أضيف إلى الخفايا الباطنة سمي خبرة، ويسمى صاحبها خبيراً. فائدة (¬3): يتخلق العبد من هذا الوصف أن يكون خبيراً بما يجري في عالمه، وعالمه: قلبه وبدنه، والخفايا التي يتصف القلب بها من الغش والخيانة، والتطواف حول العاجلة، وإضمار الشر، وإظهار الإخلاص، وغير ذلك مما لا يعرفه إلا من كان ذا خبرة بصفات النفس وشرورها الكامنة فيها. ¬

_ (¬1) الخبير: صفة ثابتة لله - عز وجل - بالكتاب والسنة، وذلك من اسمه الخبير. الدليل من الكتاب: قال تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (73)} [الأنعام: 73]. وقال تعالى: {فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا (59)} [الفرقان: 59]. وقال تعالى: {قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ (3)} [التحريم: 3]. الدليل من السنة: ما أخرجه مسلم في صحيحه رقم (974) من حديث عائشة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لها في قصة تتبعها له إلى البقيع: "ما لك يا عائش حشياً رابية؟ " قالت: قلت: لا شيء. قال: "لتخبريني أو ليخبرني اللطيف الخبير". قال الخطابي في "شأن الدعاء" (ص 63): "هو العالم بكنه الشيء، المطلع على حقيقته. وقال أبو هلال العسكري في "الفروق" (ص 74): الفرق بين العلم والخبر: أن الخبر هو العلم بكنه المعلومات عن حقائقها، نفيه معنى زائد على العلم. وقال السعدي في تفسيره (2/ 39): الخبر: العلم المحيط بالسرائر، والبواطن والخفايا. (¬2) قاله الغزالي في "المقصد الأسنى" (ص 105). (¬3) قاله الغزالي في "المقصد الأسنى" (ص 106)، وانظر: "شرح أسماء الله الحسنى" للرازي (ص 255).

قوله: "الحَلِيْم" (¬1) أسقط ابن الأثير تفسير الحليم والعظيم وتبعه المصنف، وفي شروح الأسماء (¬2): تفسير الحليم (¬3) هو الذي يشاهد معصية العصاة، ويرى مخالفة الأمر، ثم لا يستفزه غضب، ولا يعتريه غيظ، ولا يحمله على المسارعة إلى الانتقام مع غاية الاقتدار عجلة ولا طيش، كما أشار إليه قوله تعالى: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ} (¬4) ¬

_ (¬1) الحلم يوصف الله - عز وجل - بالحلم، وهي صفة ذاتية ثابتة لله - عز وجل - بالكتاب والسنة. الدليل من الكتاب: قال تعالى: {قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (263)} [البقرة: 263]. وقال تعالى: {إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (44)} [الإسراء: 44]. الدليل من السنة: أخرج البخاري رقم (6345)، ومسلم رقم (2730) من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -: " ... لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم ... ". قال الهراس في "شرح النونية" (2/ 81): ومن أسمائه (الحليم) و (العفو)، فالحليم الذي له الحلم الكامل الذي وسع أهل الكفر والفسوق والعصيان، حيث أمهلهم ولم يعاجلهم بالعقوبة، فإن الذنوب تقتضي ترتب آثارها عليها من العقوبات العاجلة المتنوعة، ولكن حلمه سبحانه هو الذي اقتضى إمهالهم، كما قال تعالى: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا (45)} [فاطر: 45]. وانظر: "شأن الدعاء" (ص 63 - 64). (¬2) انظر: "الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى" (1/ 94 - 95)، "اشتقاق أسماء الله" للزجاجي (ص 96). (¬3) قاله الغزالي في "المقصد الأسنى" (ص 106)، وانظر: "شأن الدعاء" (ص 63). (¬4) سورة النحل: 61.

فائدة (¬1): يتخلق العبد من هذا بالحلم عن معاجلة عداءه بالانتقام، وعن الطيش عند طروق ما لا تطيقه الأفهام. قوله: "العَظِيْم" (¬2) تقدم [444 ب] أنهما أسقطا تفسيره. ¬

_ (¬1) قال الخطابي في "شأن الدعاء" (ص 64): ويقال: لم يصف الله سبحانه أحداً من خلقه بصفة أعز من الحلم، وذلك حين وصف إسماعيل به، ويقال: إن أحداً لا يستحق اسم الصلاح حتى يكون موصوفاً بالحكم، وذلك أن إبراهيم صلوات الله عليه دعا ربه فقال: {رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (100)} [الصافات: 100]، فأجيب بقوله: {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (101)} [الصافات: 101]، فدل على أن الحلم أعلى مآثر الصلاح، والله أعلم. وانظر: "شرح أسماء الله الحسنى" للرازي (ص 257). (¬2) العظمة: صفة ذاتية ثابتة لله - عز وجل - بالكتاب والسنة، والعظيم اسم من أسمائه. الدليل من الكتاب: 1 - قوله تعالى: {وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255)} [البقرة: 255]. 2 - وقوله: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (74)} [الواقعة: 74]. 3 - وقوله: {إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (33)} [الحاقة: 33]. الدليل من السنة: 1 - حديث أنس - رضي الله عنه - في الشفاعة، وفيه: "فيقال لي: يا محمَّد! ارفع رأسك وقيل يسمع لك، واشفع تشفع. فأقول: يا رب! فيمن قال: لا إله إلا الله والله أكبر. فيقول: وعزتي وجلالي وعظمتي؛ لأخرجن منها من قال: لا إله إلا الله". رواه البخاري (7510)، ومسلم (326 - 193). 2 - حديث ابن عباس - رضي الله عنه - في دعاء الكرب: "لا إله إلا الله العظيم الحليم ... " رواه البخاري (7431)، ومسلم (2730). قال الأصبهاني في "الحجة في بيان المحجة" (1/ 130): "ومن أسمائه تعالى العظيم: العظمة صفة من صفات الله، لا يقوم لها خلق، والله تعالى خلق بين الخلق عظمة يعظم بها بعضهم بعضاً، فمن الناس من يعظم لمال، =

وفسره شراح الأسماء (¬1) بأنه الذي جاوزت إحاطته جميع حدود العقول حتى لم يتصور الإحاطة بكنهه، وأطالوا في تصوير إحاطة بصر البشر بالأشياء. قالوا: لأن اسم العظيم إنما وضع في الأصل للأجسام، يقال: هذا الجسم عظيم إذا كان امتداد مساحته في الطول والعرض والعمق أكثر منه، ثم هو ينقسم إلى: عظيم يملأ العين وتأخذ منه مأخذاً، وإلى ما لا يتصور أن يحيط [البصر] (¬2) بجميع أطرافه كالأرض والسماء، فإن الغيل عظيم والجبل عظيم، ولكن البصر يحيط بأطرافه؛ فهو عظيم بالإضافة [إلى ما دونه] (¬3). وأما الأرض فلا يتصور أن يحيط البصر بأطرافها وكذا السماء وذلك هو العظيم المطلق في مدركات البصر، والله أحاط كل شيء سبحانه، وقد وصف تعالى عرشه بأنه عظيم، وهذا الوصف الكريم أكثر مجيئه رديفاً للعلي، العلي العظيم وعظمته تعالى لا تحيط (¬4) العقول بحقيقتها كسائر أسمائه. [278/ أ] ¬

_ = ومنهم من يعظم لفضل، ومنهم من يعظم لعلم، ومنهم من يعظم لسلطان، ومنهم من يعظم لجاه، وكل واحد من الخلق إنما يعظم لمعنى دون معنى، والله - عز وجل - يعظم في الأحوال كلها". وقال الأزهري في "تهذيب اللغة" (2/ 303): "ومن صفات الله - عز وجل -: العلي العظيم ... وعظمة الله لا تُكيَّف ولا تُحدُّ ولا تُمثَّل بشيء، ويجب على العباد أن يعلموا أنه عظيم كما وصف نفسه، وفوق ذلك؛ بلا كيفية ولا تحديد". اهـ (¬1) قاله الغزالي في "المقصد الأسنى" (ص 107)، وانظر: "شرح أسماء الله" للرازي (ص 258)، "شأن الدعاء" (ص 64 - 65). (¬2) زيادة من "المقصد الأسنى" (ص 107). (¬3) زيادة من "المقصد الأسنى" (ص 105)، وهي من مستلزمات النص. (¬4) في (أ. ب) كلمة: "بها" مضروب عليها.

قوله: "الغَفُور" (¬1) هو بمعنى الغفار (¬2)، ولكنه ينبئ عن نوع مبالغة لا يبنئ عنها الغفار، فإن الغفار مبالغة في المغفرة بالإضافة إلى مغفرة متكررة مرة بعد مرة، فالغفار يبنئ عن كثرة الفعل، والغفور يبنئ عن جودته وكمال وشموله، فهو غفور تام الغفران كامله حتى يبلغ أقصى درجات المغفرة. ¬

_ (¬1) المغفرة والغفران صفة فعلية ثابتة لله - عز وجل - بالكتاب والسنة، ومن أسمائه: (الغفار والغفور). الدليل من الكتاب: قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28)} [فاطر: 28]. وقال تعالى: {أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (5)} [الزمر: 5]. وقال تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ (43)} [فصلت: 43]. الدليل من السنة: ما أخرجه مسلم في صحيحه رقم (125) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - وفيه: " ... بل قولوا: سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير". قال الزجاجي في "اشتقاق أسماء الله" (ص 93): " ... غفور - كما ذكرت لك - من أبنية المبالغة، فالله - عز وجل - غفور؛ لأنه يفعل ذلك لعباده مرة بعد مرة إلى ما لا يحصى، فجاءت هذه الصفة على أبنية المبالغة لذلك، وهو متعلق بالمفعول؛ لأنه لا يقع الستر إلا بمستور يستر ويغطي، وليست من أوصاف المبالغة في الذات، إنما من أوصاف المبالغة في الفعل". وقال السعدي في تفسيره (5/ 300): "العفو، الغفور، الغفار: الذي لم يزل ولا يزال بالعفو معروفاً، وبالغفران والصفح عن عباده موصوفاً، كل أحد مضطر إلى عفوه ومغفرته، كما هو مضطر إلى رحمته وكرمه". (¬2) قاله الغزالي في "المقصد الأسنى" (ص 108). انظر: "شأن الدعاء" (ص 65)، "اشتقاق أسماء الله" للزجاجي (ص 93 - 94).

قوله: "الشَّكُور" (¬1) هو الذي يجازي (¬2) على يسير الطاعات [كبير] (¬3) الدرجات، ويعطي على العمل في أيام معدودة نعماً في الآخرة غير محدودة، ومن كافأ الحسنة بأضعافها يقال أنه شكر تلك الحسنة، ومن أثنى على المحسن أيضاً يقال أنه شكر. ¬

_ (¬1) الشكر: من صفات الله - عز وجل - الفعلية: (الشكر)، و (الشاكر)، و (الشكور) من أسماء الله - عز وجل -. وكل ذلك ثابت بالكتاب والسنة. الدليل من الكتاب: 1 - قوله تعالى: {وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ (158)} [البقرة: 158]. 2 - وقوله: {وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ (17)} [التغابن: 17]. الدليل من السنة: حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - في قصة ساقي الكلب ماءً، وفيه: " ... فنزل البئر، فملأ خفه ماءً، ثم أمسكه بفيه حتى رقي، فسقى الكلب، فشكر الله له، فغفر له ... ". رواه البخاري (2363)، ومسلم (2244). قال ابن منظور في "لسان العرب": "والشكور: من صفات الله جلّ اسمه، معناه: أنه يزكو عنده القليل من أعمال العباد، فيضاعف لهم الجزاء، وشكره لعباده: مغفرة لهم". وقال الزجاجي في "اشتقاق أسماء الله" (ص 152): "وقد تأتي الصفة بالفعل لله - عز وجل - ولعبده، فيقال: "العبد شكور لله"؛ أي: يشكر نعمته، والله - عز وجل - شكور للعبد؛ أي: يشكر له عمله؛ أي: يجازيه على عمله، والعبد تواب إلى الله من ذنبه، والله تواب عليه؛ أي: يقبل توبته ويعفو عنه". وقال ابن القيم في "عدة الصابرين" (ص 321): "وأما شكر الرب تعالى؛ فله شأن آخر؛ كشأن صبره، فهو أولى بصفة الشكر من كل شكور، بل هو الشكور على الحقيقة، فإنه يعطي العبد، ويوفقه لما يشكره عليه ... ". (¬2) قاله الغزالي في "المقصد الأسنى" (ص 108 - 109). (¬3) كذا في المخطوط (أ. ب)، والذي في "المقصد الأسنى" كثير.

فإذا نظرت [445 ب] إلى معنى الزيادة في المجازاة لم يكن الشكور المطلق إلا الله، لأن زيادته في المجازاة [غير محصورة ولا محدودة] (¬1) فإن نعيم الجنة لا آخر له، وهو تعالى يقول: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ (24)} (¬2). وإن نظرت إلى معنى الثناء فثناء كل [مثنٍ] (¬3) على غيره، والرب إذا أثنى على أعمال عبده وهو الذي هدى إليها وأعان عليها، فإنه الذي أعطى خلقه كل شيء ثم هدى. فقد نوّه بعبده ورفعه بما أهداه له وأعطاه، ولذا يقول أهل الجنة: {إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (34)} (¬4) يغفر ويشكر. فائدة (¬5): يتخلق العبد من هذا الوصف أن يكون شاكراً لمن أسدى إليه إحساناً، مجازياً له بإحسانه مثنياً عليه بإنعامه. ¬

_ (¬1) في (أ): "غير محصور ولا محدود". (¬2) سورة الحاقة: 24. (¬3) في (أ. ب): "مثني"، والصواب ما أثبتناه. (¬4) سورة فاطر: 34. (¬5) انظر: "المقصد الأسنى" (ص 109). وقال القشيري في "شرح أسماء الله الحسنى" (ص 147): ومن آداب من علم أنه شكور، فليجد في شكره ولا يفز ويواظب على حمده ولا يقصر. والشكر على أقسام: فشكر بالبدن، وهو أن لا تستعمل جوارحك إلا في طاعته، وشكر بالقلب، وهو أن لا تستغله بغير ذكره ومعرفته، وشكر باللسان: وهو أن لا يستعمله في غير ثنائه ومدحه، وشكر بالمال: وهو أن لا ينفقه في غير رضاه ومحبته. وقيل: الشكر هو أن لا تستعين بنعمه على معاصيه.

ولذا جاء في الحديث: "من لم يشكر الناس لم يشكر الله" (¬1)، وشكر نعم الله يصرفها في وجوه مراضيه. قوله: "العَلِي" (¬2) هو الذي (¬3) لا رتبة فوق رتبته، فجميع المراتب منحطة عنه فهو تعالى فوق كل ذي علو ولا يحاط به ولا بكنه صفاته. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود رقم (4811)، والترمذي رقم (1954)، والبخاري في "الأدب المفرد" (218) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، وهو حديث صحيح. (¬2) العلو والفوقية: صفة ذاتية ثابتة لله - عز وجل - بالكتاب والسنة، ومن أسمائه (الأعلى) و (المتعال). والعلو أقسام ثلاث: علو شأن. انظر ما تقدم من صفة العظيم. وعلو قهر. انظر ما تقدم من صفة القهر. وعلو فوقية (علو ذات). وأهل السنة والجماعة يعتقدون أن الله فوق جميع مخلوقاته، مستوٍ على عرشه، في سمائه، عالياً على خلقه، بائناً منهم، يعلم أعمالهم ويسمع أقوالهم، ويرى حركاتهم ومكانتهم، لا تخفى عليه خافية. الدليل من الكتاب: قال تعالى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)} [الأعلى: 1]. وقال تعالى: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} [الأنعام: 18]. وقال تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: 10]. والأدلة من السنة: ما أخرجه البخاري رقم (4351)، ومسلم رقم (1064) وفيه: "ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء". ومنها حديث النزول إلى السماء الدنيا كل ليلة. وقد تقدم نصه وتخريجه. انظر مزيد تفصيل في: "شرح أصول اعتقاد أهل السنة" للالكائي (2/ 398)، "الأسماء والصفات" للبيهقي (2/ 151)، "العلو" للذهبي (ص 96 - 100)، "العلو" لابن قدامة (ص 164). (¬3) قاله الغزالي في: "المقصد الأسنى" (ص 110)، وانظر: "شأن الدعاء" (ص 66)، "اشتقاق أسماء الله" للزجاجي (ص 108).

قوله: "الكَبِيْر" (¬1) هو ذو الكبرياء (¬2)، والكبرياء عبارة عن كمال الذات، وكمال الذات عبارة عن كمال الوجود، وهو يرجع إلى أمرين: أحدهما: ذو أبدٍ أزلاً وأبداً، إذ كل موجود مقطوع بعدم سابق أو لاحظ فهو ناقص، فالرب أزلي لا أول لوجوده أبدي لا آخر له، والعبد أبدي غير أزلي، [بل] (¬3) مسبوق بالعلم، والدنيا ليست بأبدية ولا أزلية، بل هي فانية. والثاني: أن وجوده هو الوجود الذي يصدر عنه وجود كل موجود، فلذا كان كمال الوجود لله تعالى وحده. ¬

_ (¬1) الكبير: يوصف الله - عز وجل - بأنه الكبير، وهو أكبر من كل شيء، وهي صفة ذاتية ثابتة بالكتاب والسنة، و (الكبير) من أسمائه تعالى. الدليل من الكتاب: قال تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ (9)} [الرعد: 9]. وقال تعالى: {وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (62)} [الحج: 62]. الدليل من السنة: الأذكار الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، والتي فيها وصف الله - عز وجل - بالكبر، وأنه أكبر من كل شيء كثيرة جداً. منها: تكبيرات الأذان والصلاة "الله أكبر". ومنها: الله أكبر كبيراً. ومنها: "يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك ... ". انظر: "شأن الدعاء" (ص 66 - 67)، "الحجة" (2/ 187)، "اشتقاق أسماء الله" للزجاجي (ص 155 - 157). (¬2) قاله الغزالي في "المقصد الأسنى" (ص 112 - 113). (¬3) زيادة من (أ).

[قوله] (¬1): "الحَفِيْظ" (¬2) [446 ب] أي: الحافظ (¬3) لكل شيء، فهو حافظ أنفس العباد، وأن {كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ (4)} (¬4) وحافظ الذكر على العباد {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)} (¬5). ¬

_ (¬1) زيادة من (ب). (¬2) الحفظ: صفة من صفاته تعالى الثابتة بالكتاب والسنة، من أسمائه: (الحافظ، والحفيظ). الدليل من الكتاب: قوله تعالى: {إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (57)} [هود: 57]. وقوله تعالى: {فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (64)} [يوسف: 64]. الدليل من السنة: حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - المشهور: " ... احفظ الله يحفظك ... ". رواه الترمذي (2518)، وقال: "حديث حسن صحيح"، وهو كما قال، وأحمد (2804، 2669). يقول ابن القيم في "النونية" (2/ 83): وَهْوَ الحَفِيظُ عَلَيْهِم وَهْوَ الكَفِيلُ ... بِحِفْظِهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ عانِ "ومن أسمائه سبحانه: الحفيظ، وله معنيان: أحدهما: أنه يحفظ على العباد ما عملوه من خير وشر، وعرف ونكر، وطاعة ومعصية ... والمعنى الثاني من معنيي الحفيظ: أنه تعالى الحافظ لعباده من جميع ما يكرهون ... وحفظه لخلقه نوعان: عام وخاص. فالعام هو حفظه لجميع المخلوقات ... والنوع الثاني: حفظه الخاص لأوليائه حفظاً زائداً على ما تقدم؛ يحفظهم عما يضرّ إيمانهم ويزلزل يقينهم ... ". انظر: "شرح النونية" للهراس (2/ 83) باختصار، "شأن الدعاء" (ص 67 - 68). (¬3) قاله الغزالي في "المقصد الأسنى" (ص 114 - 115). (¬4) سورة الطارق: 4. (¬5) سورة الحجر: 9.

وحافظ [أعمالهم] (¬1) {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11)} (¬2) وهو حافظ السماوات عن الانفطار، وحافظ الأرض عن الانشقاق، فهو ممسك (¬3) السماوات والأرض أن تزولا، وحفظه تعالى داخل في كل شيء لو عددناه لطال، وقد عدّده شراح الأسماء. فائدة (¬4): يتخلق العبد من هذه الصفة بأن يكون حافظاً لجوارحه وقلبه ويحفظ دينه عن سطوة الغضب، [وجلابة] (¬5) الشهوة وخداع النفس وغرور الشيطان فإنه على شفا جرف، وقد اكتنفته هذه المهلكات، ولا سلامة له إلا بحفظ الله، فالله خير حفظاً (¬6). قوله: "المُقِيْت" (¬7) فسراه بما تراه. ¬

_ (¬1) في (ب): "أعماله". (¬2) سورة الانفطار: 10 - 11. (¬3) لقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا} [فاطر: 41]. (¬4) قاله الغزالي في "المقصد الأسنى" (ص 116). (¬5) في (ب): "وغلابة". (¬6) قال تعالى: {فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا} [يوسف: 64]. (¬7) يوصف الله - عز وجل - بأنه مقيت، يقدر لعباده القوت، ويحفظ عليهم رزقهم، وهذا ثابت بالكتاب العزيز. انظر: "شأن الدعاء" (ص 68 - 69). قوله تعالى: {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا (85)} [النساء: 85]. قال ابن جرير في "جامع البيان" (8/ 583): "اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا (85)} [النساء: 85] قال بعضهم: تأويله: وكان الله على كل شيء حفيظاً وشهيداً"، ونقل بإسناده هذا القول عن ابن عباس ومجاهد. ثم قال: "وقال آخرون: معنى ذلك: القائم على كل شيء بالتدبير"، ونقل بإسناده قول عبد الله بن كثير: "المقيت: الواهب". ثم قال: "وقال آخرون: هو القدير، ونقل ذلك بإسناده عن السدي وابن زيد". =

وفي شروح الأسماء (¬1): أي خالق (¬2) الأقوات وموصلها إلى الأبدان وهي الأطعمة، وإلى القلوب وهي المعرفة، فيكون بمعنى الرزاق إلا أنه أخص منه، إذ الرزق يتناول القوت وغير القوت. والقوت ما يكتفي به في قوام البدن. وإما أن يكون معناه المستولي على الشيء القادر عليه، والاستيلاء يتم بالقدرة والعلم، وعليه يدل قوله تعالى: {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا (85)} (¬3) أي: مطلقاً قادراً، فيكون معناه راجعاً إلى القدرة والعلم، فيكون على هذا المعنى وصفه بالمقيت أتم من وصفه بالقادر وحده وبالعالم وحده؛ لأنه دل على اجتماع المعنيين. ¬

_ = ثم قال الطبري: "والصواب من هذه الأقوال قول من قال: معنى (المقيت): القدير". اهـ وممن قال من أهل اللغة: المقيت بمعنى القدير: أبو إسحاق الزجاج في "تفسير أسماء الله الحسنى" (ص 48) - وله في قول آخر سيأتي -، وتلميذه أبو القاسم الزَّجَّاجي - المنسوب إليه - في "اشتقاق أسماء الله" (ص 136)، والفراء في "معاني القرآن" (1/ 280). وممن قال: المقيت بمعنى الحفيظ: الزجاج في "معاني القرآن وإعرابه" (2/ 85)، وهذا قول آخر له، ووافقه أبو جعفر النحاس في "معاني القرآن الكريم" (2/ 147). وقال ابن العربي في "الكتاب الأسنى" كما في "النهج الأسمى" (1/ 340): "وعلى القول بأنه القادر يكون من صفات الذات، وإن قلنا: إنه اسم الذي يعطي القوت؛ فهو اسم للوهاب والرزاق، ويكون من صفات الأفعال". اهـ (¬1) انظر: "اشتقاق أسماء الله" (ص 136 - 138)، "النهج الأسنى" (1/ 237)، "شرح أسماء الله الحسنى" للرازي (ص 270 - 272). (¬2) قاله الغزالي في "المقصد الأسنى" (ص 113). (¬3) سورة النساء: 85.

قوله: "الحَسِيْب" (¬1) فسراه بالكافي، وزاد شراح الأسماء (¬2): فهو حسب (¬3) كل أحد وكافيه، وهو وصف لا يتصور حقيقة لغيره تعالى، فإن الكفاية يحتاج إليها المكفي لوجوده ¬

_ (¬1) يوصف الله - عز وجل - بأنه الحسيب، وهو اسم له ثابت بالكتاب والسنة. الدليل من الكتاب: قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا (86)} [النساء: 86]. وقال تعالى: {وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا (6)} [النساء: 6]. الدليل من السنة: ما أخرجه البخاري رقم (6162)، ومسلم رقم (3000) من حديث أبي بكرة - رضي الله عنه - وفيه: " ... إن كان أحدكم مادحاً لا محالة، فليقل: أحسب كذا وكذا - إن كان يريك أنه كذلك - وحسيبه الله، ولا يزكي على الله أحد". وما أخرجه البخاري رقم (2641) عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: " ... فمن أظهر لنا خيراً أمنّاه وقربناه، وليس لنا من سريرته شيء، الله يحاسبه في سريرته ... ". وأخرج ابن جرير في "جامع البيان" (6/ 429) عن السدي: {وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا (6)} [النساء: 6] يقول: شهيداً. ثم قال ابن جرير: يقال منه: قد أحسبني الذي عندي، يراد به: كفاني. وقال في "جامع البيان" (7/ 278) في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا (86)} [النساء: 86] أصل الحسيب في هذا الموضع عندي فعيل من الحساب، الذي هو في معنى الإحصاء، يقال منه: حاسبت فلاناً على كذا وكذا وفلان يحاسبه على كذا وكذا، فهو حسيبه، وذلك إذا كان صاحب حسابه. فالحسيب: الحفيظ والكافي، والشهيد والمحاسب. انظر: "شأن الدعاء" (ص 69 - 70). (¬2) "شرح أسماء الله الحسنى" للرازي (ص 155 - 156)، "اشتقاق أسماء الله" للزجاجي (ص 129 - 130). (¬3) قاله الغزالي في "المقصد الأسنى" (ص 117 - 118).

ولدوام وجوده ولكمال وجوده، [447 ب] وليس في الوجود شيء، هو وحده كافٍ لكل شيء إلا الله، فإنه وحده كاف لكل شيء لا لبعض الأشياء، أي: هو وحده كافٍ ليحصل به وجود الأشياء ويدوم به وجودها، ويكمل به وجودها، فإنه الذي خلق لك الطعام والشراب والمسكن، وكفى الطفل بخلق اللبن في ثدي أمه، وخلق له الهداية إلى التقامه وامتصاصه، فالله وحده حسيب كل شيء وكافيه. قوله: "الجَلِيْل" (¬1) هو مما حذفا تفسيره، وغيرهما قال (¬2): هو الموصوف بنعوت الجليل، وهي الغنى والملك والتقدس والعلم والقدرة، وغيرها من صفات كماله، فالجامع لجميعها هو الجليل المطلق، والموصوف ببعضها جلالته [279/ أ] بقدر ذلك. فكما أن الكبير يرجع إلى كمال الذات، كذلك الجليل إلى كمال الصفات، والعظيم يرجع إلى كمال الذات والصفات. وقد أطالوا الكلام في بيان ذلك. ¬

_ (¬1) الجليل ليس من أسمائه تعالى. بل الجلال من أوصافه سبحانه وتعالى الجلال، وهي صفة ذاتية ثابتة بالكتاب والسنة. الدليل من الكتاب: قوله تعالى: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (27)} [الرحمن: 27]. وقوله تعالى: {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (78)} [الرحمن: 78]. الدليل من السنة: ما أخرجه البخاري في صحيحه رقم (7510) من حديث أنس - رضي الله عنه - وفيه: " ... وعزتي وجلالي وكبريائي وعظمتي، لأخرجن منها من قال: لا إله إلا هو". وقال الهراس: وأوصاف الجلال الثابتة له سبحانه، مثل العزة والقهر والكبرياء والعظمة والسعة والمجد، كلها ثابتة له على التحقيق لا يفوته منها شيء". "شرح النونية" (2/ 64). (¬2) قاله الغزالي في "المقصد الأسنى" (ص 119 - 120)، وانظر: "شأن الدعاء" (ص 70).

قوله: "الكَرِيْم" (¬1) هو مما تركا تفسيره، وقال شراح الأسماء (¬2): هو الذي إذا قدر عفا، وإذا وعد وفى، وإذا أعطى زاد على منتهى الرجاء، ولا يبالي كم أعطى ولا لمن أعطى، وإن رفعت حاجة إلى غيره لا يرضى، وإذا جفى عاتب وما استقصى، فلا يضيع من لاذ به والتجأ، ¬

_ (¬1) يوصف الله - عز وجل - بالكرم، وهو وصف ذاتي ثابت له بالكتاب والسنة، ومن أسمائه (الكريم) و (الأكرم). الدليل من الكتاب: قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6)} [الانفطار: 6]. وقوله تعالى: {فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15)} [الفجر: 15]. وقوله: {اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3)} [العلق: 3]. الدليل من السنة: ما أخرجه البخاري رقم (1891) من حديث طلحة بن عبيد الله - رضي الله عنه -، وقول الأعرابي للنبي - صلى الله عليه وسلم -: "والذي أكرمك بالحق، لا أتطوع شيئاً ... ". قال السعدي في تفسيره (5/ 299): "الرحمن الرحيم والبر الكريم الجواد الرؤوف الوهاب" هذه الأسماء تتقارب معانيها، وتدل كلها على اتصاف الرب بالرحمة والبر والجود والكرم، وعلى سعة رحمته ومواهبه التي عم بها جميع الوجود بحسب ما تقتضيه حكمته، وخص المؤمنين منها بالنصيب الأغر والحظ الأكمل. انظر: "الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى" للقرطبي (1/ 99 - 118). قال الزجاجي في "اشتقاق أسماء الله" (ص 176): الكريم الجواد، والكريم العزيز، والكريم الصفوح، هذه ثلاثة أوجه للكريم في كلام العرب كلها جائز وصف الله - عز وجل - بها، فإذا أريد بالكريم الجواد أو الصفوح، تعلق بالمفعول به؛ لأنه لا بد من متكرم عليه ومصفوح عنه موجود، وإذا أريد به العزيز، كان غير مفتعلٍ مفعولاً، أي: صفة ذات. والله أعلم. انظر: "الفروق" للعسكري (ص 143). (¬2) قاله الغزالي في "المقصد الأسنى" (ص 121). وانظر: "شرح أسماء الله الحسنى" للقشيري (ص 155)، "شرح أسماء الله الحسنى" للرازي (ص 277 - 278).

ويغنيه عن الوسائل والشفعاء، فمن اجتمع له جميع ذلك لا بالتكلف فهو الكريم المطلق، وذلك الله وحده فقط. قوله: "الَّرقِيْب" (¬1) فسراه بالحافظ الذي لا يغيب عنه شيء، قال الشراح: فمن (¬2) لاحظ الشيء حتى لا يغفل عنه ولاحظه ملاحظة لازمة دائمة لزوماً لو عرفه الممنوع عنه لما أقدم عليه، سمي رقيباً وكأنه يرجع إلى العلم والحفظ، لكن باعتبار كونه لازماً دائماً، وبالإضافة إلى [448 ب] ممنوع عنه محروس عن التناول. ¬

_ (¬1) الرقيب يوصف الله - عز وجل - بأنه الرقيب، وهو من صفات الذات والرقيب اسم من أسماء الله الثابتة بالكتاب. الدليل من الكتاب: قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1)} [النساء: 1]. وقوله تعالى: {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ} [المائدة: 117]. قال السعدي في تفسيره (5/ 301): الرقيب: المطلع على ما أكنَّته الصدور، القائم على كل نفس بما كسبت، الذي حفظ المخلوقات وأجراها على أحسن نظام وأكمل تدبير. وقال القرطبي في "الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى" (1/ 401 - 402): ورقيب بمعنى راقب، فهو من صفات ذاته الراجعة إلى العلم والسمع والبصر، فإن الله تعالى رقيب على الأشياء بعلمه المقدس عن مباشرة النسيان، ورقيب للمبصرات ببصره الذي لا تأخذه سنة ولا نوم، ورقيب للمسموعات بسمعه المدرك بكل حركة وكلام، فهو سبحانه رقيب عليها بهذه الصفات تحت رقبته الكليات والجزئيات وجميع الخفيات في الأرضين والسماوات ولا خفي عنده، بل جميع الموجودات كلها على نمط واحد في أنها تحت رقبته التي هي من صفته، وأصل الرقبة: الحفظ، يقال: رقبت الشيء أرقبه رقوباً ورقبة ورقباناً بالكسر فيهما إذا رصدته وحفظته وحرسته ورعيته، قال تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18)} [ق: 18] , مع قوله تعالى: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11)} [الانفطار: 10، 11]. (¬2) قاله الغزالي في "المقصد الأسنى" (ص 122).

فائدة (¬1): يتخلق العبد من هذه الصفة بأن يكون مراقباً لربه، وذلك بأن يعلم أن الله رقيبه وشاهده في كل حال، ويعلم أن نفسه عدو له والشيطان عدو له ينتهزان منه الفرص حتى يحملانه على الغفلة والمخالفة؛ فيأخذ منهما حذره بمعرفته مكائدهما ومداخلهما. قوله: "المجِيْب" (¬2) فسراه بما تراه وهو حسن، وأنه (¬3) الذي يجيب دعاء السائلين ويجيب المضطرين، بل ينعم قبل الدعاء، ويتفضل قبل النداء وليس ذلك إلا لله؛ لأنه يعلم حاجة المحتاجين قبل السؤال، بل علمها في الأزل، وقدر كفاية المحتاجين قبل ما نزل بهم من الحاجات وحلّ. ¬

_ (¬1) قاله الغزالي في "المقصد الأسنى" (ص 122)، "شرح القشيري لأسماء الله الحسنى" (ص 155 - 157)، "شرح أسماء الله الحسنى" للرازي (ص 280). (¬2) الإجابة صفة فعلية ثابتة لله - عز وجل - بالكتاب والسنة، و (المجيب) اسم من أسمائه تعالى. الدليل من الكتاب: قوله تعالى: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ} [آل عمران: 195]. وقوله تعالى: {إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ (61)} [هود: 61]. وقوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة: 186]. الدليل من السنة: ما أخرجه مسلم في صحيحه رقم (2735): "لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم؛ ما لم يستعجل" وقد تقدم. قال السعدي في تفسيره (5/ 304): " ... ومن آثاره الإجابة للداعين والإنابة للعابدين، فهو المجيب إجابة عامة للداعين مهما كانوا، وعلى أي حال كانوا، كما وعدهم بهذا الوعد المطلق، وهو المجيب إجابة خاصة للمستجيبين له، المنقادين لشرعه، وهو المجيب أيضاً للمضطرين ومن انقطع رجاؤهم من المخلوقين وقوي تعلقهم به طمعاً ورجاءً وخوفاً. (¬3) انظر: "المقصد الأسنى" (ص 123)، "شرح أسماء الله الحسنى" للرازي (ص 282).

فائدة (¬1): يتخلق العبد من هذا الوصف بأن يكون مجيباً لمولاه فيما إليه من التكاليف دعاه، مقبلاً على ما يرضاه، مجيباً لمن سأله أمراً يقضيه له وهو قادر عليه قضاه، مجيباً لمن سأله عن علم أفتاه بلطف الجواب وتحري الصواب. قوله: "الوَاسِعُ" (¬2) مشتق (¬3) من السعة، والسعة تضاف مرة إلى العلم إذا اتسع وأحاط بالمعلومات الكثيرة، ويضاف أخرى إلى "الإحسان وبسط النعم وكيف ما قدر، وعلى أي شيء نزل، فالواسع المطلق هو الله تعالى؛ لأنه إن نظر إلى علمه فلا ساحل لبحر معلوماته، بل تنفد ¬

_ (¬1) انظر: "المقصد الأسنى" (ص 123)، "شرح أسماء الله الحسنى" للرازي (ص 283). (¬2) الواسع يوصف الله - عز وجل - بأنه الواسع والموسع، وهذا ثابت بالكتاب والسنة، و (الواسع) من أسماءه تعالى. الدليل من الكتاب: قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (115)} [البقرة: 115]. وقوله تعالى: {وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا} [الأنعام: 80]. وقوله تعالى: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (47)} [الذاريات: 47]. الدليل من السنة: ما أخرجه مسلم في صحيحه رقم (1905) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: "إن أول الناس يقضى يوم القيامة ... ورجل وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال ... " وقد تقدم. قال البيهقي في "الاعتقاد" (ص 60): الواسع: هو العالم، فيرجع معناه إلى صفة العلم، وقيل: الغني الذي وسع غناه مفاقر الخلق. وقال الأصبهاني في "الحجة" (1/ 150): الواسع: وسعت رحمته الخلق أجمعين، وقيل: وسع رزقه الخلق أجمعين، لا تجد أحداً إلا وهو يأكل رزقه، ولا يقدر أن يأكل غير ما رزق. انظر: "تفسير السعدي" (5/ 305)، "اشتقاق أسماء الله" (ص 72)، "تفسير غريب القرآن" لابن قتيبة (ص 15). (¬3) قاله الغزالي في "المقصد الأسنى" (ص 124 - 125).

البحار ولو مداداً لكلماته، وإن نظر إلى إحسانه ونعمه، فلا نهاية لمقدوراته، وكل سعة وإن عظمت؛ فإنها تنتهي إلى طرف، فالذي لا تنتهي إلى طرف، هو أحق باسم السعة، والله تعالى هو الواسع المطلق. قوله: "الوَدُوْدُ" (¬1) قال المصنف: فعول (¬2) بمعنى مفعول من الود، وهو الذي يحب الخير لجميع الخلق فيحسن [449 ب] إليهم ويثني عليهم، وهو قريب من معنى الرحيم، وإنما أفعال المودة تقتضي الإنعام على سبيل الابتداء فمودته إرادته النعمة والكرامة، وللناس (¬3) كلام كثير في محبة الله عباده، ومحبتهم إياه معروف لا نطول به ولعله يأتي، والمصنف هنا قد جعل منه تعالى لعباده رضاه عنهم. قوله: "المَجِيْد" (¬4): ¬

_ (¬1) الودود: يوصف الله - عز وجل - بأنه الودود، الذي يود ويحب عباده الصالحين ويودونه، وهذا ثابت بالكتاب العزيز، و (الودود) من أسماءه تعالى. الدليل من الكتاب: قوله تعالى: {وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ (90)} [هود: 90]. وقوله تعالى: {وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (14)} [البروج: 14]. (¬2) انظر: "اشتقاق أسماء الله" (ص 152)، "شأن الدعاء" (ص 74)، "المقصد الأسنى" (ص 127). (¬3) "شرح الأسماء الحسنى" للرازي (ص 288). (¬4) المجد صفة ذاتية لله - عز وجل -، و (المجيد) اسم من أسمائه ثابت بالكتاب والسنة. الدليل من الكتاب: قوله تعالى: {رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ (73)} [هود: 73]. وقوله تعالى: {وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (14) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (15)} [البروج: 14، 15]. الدليل من السنة: =

في شرح الأسماء (¬1) أنه الشريف ذاته، الجميل أفعاله، الجزيل عطاؤه ونواله، فكل شريف الذات إذا قارنه حسن الفعال سمي ماجداً أو مجيد أيضاً، لكن أحدهما دال على المبالغة، وكأنه يجمع (¬2) اسم الجليل والوهاب والكريم. قوله: "البَاعِث" (¬3) هو الذي يحيي الخلق يوم النشور ويبعث من في القبور ويحصل ما في الصدر، والبعث هو النشأة الآخرة. ¬

_ = حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - وفيه: "ربنا ولك الحمد ... أهل الثناء والمجد، أحق ما قاله العبد ... " مسلم رقم (477). قال ابن القيم في "جلاء الأفهام" (ص 174): "وأما المجد؛ فهو مستلزم للعظمة والسعة والجلال، كما يدل على موضوعه في اللغة، فهو دال على صفات العظمة والإجلال، والحمد يدل على صفات الإكرام، والله سبحانه ذو الجلال والإكرام، وهذا معنى قول العبد: لا إله إلا الله والله أكبر، فلا إله دال على ألوهيته وتفرده فيها، فألوهيته مستلزم محبته التامة، والله أكبر دال على مجده وعظمته". وقال السعدي في تفسيره (5/ 300): "والمجيد الكبير العظيم الجليل: وهو الموصوف بصفات المجد والكبرياء والعظمة والجلال ... ". (¬1) قاله الغزالي في "المقصد الأسنى" (ص 129). (¬2) قال ابن منظور في "لسان العرب" المجد: المروءة والسخاء، والمجد: الكرم والشرف، والمجيد: من صفات الله عَزَّ وَجَلَّ، وفعيل أبلغ من فاعل، فكأنه يجمع معنى الجليل والوهّاب والكريم. (¬3) قال القرطبي في "الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى" (1/ 474): ورد في القرآن فعلاً فقال: {ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى} [الأنعام: 60]، وقال: {ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ} [البقرة: 56]، وقال: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ} [الجمعة: 2]، وجاء في حديث أبي هريرة الباعث، وأجمعت عليه الأمة. انظر: "اشتقاق أسماء الله" للزجاجي (ص 168)، "شأن الدعاء" (ص 75)، "شرح أسماء الله الحسنى" للرازي (ص 289 - 290).

ومعرفة هذا الاسم موقوفة على معرفة حقيقة البعث، وقد أطال الغزالي (¬1) في تحقيقه بما فيه دقة، ثم قال: حقيقة البعث يرجع إلى إحياء الموتى بإنشائهم نشأة أخرى. قال (¬2): والجهل هو الموت الأكبر، والعلم هو الحياة الأشرف، وقد ذكر الله العلم والجهل في الكتاب وسمَّاه حياة، وموتاً، ومن زف غيره من الجهل إلى المعرفة فقد أنشأه نشأةً أخرى، وأحياه حياة طيبة، فإن كان للعبد مدخل في إفادة الخلق ودعاؤهم إلى الله فذلك نوع من الإحياء، وهي رتبة الأنبياء - عليهم السلام - ومن ورثهم من العلماء. قوله: "الشهيد" (¬3): ¬

_ (¬1) "المقصد الأسنى" (ص 130). (¬2) أي الغزالي في "المقصد الأسنى" (ص 132). (¬3) الشهيد: يوصف الله - عز وجل - بأنه (شهيد)، والشهيد اسم من أسمائه تعالى، وهذه الصفة ثابتة بالكتاب والسنة. الدليل من الكتاب: قوله تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} [آل عمران: 18]. وقوله تعالى: {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ} [الأنعام: 19]. وقوله تعالى: {قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ} [الرعد: 43]. الدليل من السنة: ما أخرجه البخاري رقم (7078)، ومسلم رقم (31/ 1679) من حديث حجة الوداع وفيه: ... "اللهم اشهد! فليبلغ الشاهد الغائب ... ". قال السعدي في تفسيره (3/ 303): "الشهيد، أي: المطلع على جميع الأشياء، سمع جميع الأصوات خفيها وجليها، وأبصر جميع الموجودات دقيقها وجليلها، صغيرها وكبيرها، وأحاط علمه بكل شيء، الذي شهد لعباده وعلى عباده بما عملوه". انظر: "اشتقاق أسماء الله" للزجاجي (ص 132 - 134).

هو يرجع (¬1) معناه إلى العلم مع خصوص إضافة؛ بأنه تعالى عالم الغيب والشهادة، والغيب عبارة عما بطن، والشهادة عبارة عما ظهر وهو الذي يشاهد، فإذا اعتبر العلم مطلقاً فهو العليم، وإذا أضيف إلى الغيب والأمور الباطنة فهو الخبير، وإذا أضيف إلى الأمور الظاهرة فهو الشهيد [450 ب] وقد يعتبر مع هذا أن يشهد على الخلق يوم القيامة بما علم وشاهد منهم، والكلام في هذا الاسم يقرب من الكلام في العليم والخبير فلا نعيده. قوله: "الحق" (¬2) [280/ أ] هو (¬3) من مقابلة الباطل والأشياء تستبان بأضدادها وكل ما يخبر عنه، فإما باطل مطلقاً، أو حق مطلقاً، وإما حق من وجه باطل من وجه، فالممتنع بذاته هو الباطل مطلقاً، والواجب بذاته هو الحق مطلقاً، والممكن بذاته الواجب بغيره هو حق من وجه، باطل من وجه، فهو من حيث ذاته لا وجود له فهو باطل، وهو من جهة غيره ¬

_ (¬1) قاله الغزالي في "المقصد الأسنى" (ص 132)، وانظر: "شرح أسماء الله الحسنى" للرازي (ص 291 - 293). (¬2) الحق: يوصف الله - عز وجل - بأنه الحق سبحانه وتعالى، وهو اسم ثابت له بالكتاب والسنة. الدليل من الكتاب: قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6)} [الحج: 6]. وقوله تعالى: {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (116)} [المؤمنون: 116]. الدليل من السنة: ما أخرجه البخاري في صحيحه رقم (7385) من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - وفيه: " ... أنت الحق وقولك الحق". قال الأصبهاني في "الحجة" (1/ 135): "ومن أسمائه تعالى: الحق، وهو المتحقق كونه ووجوده، وكل شيء صح وجوده وكونه فهو حق". انظر: "تفسير السعدي" (5/ 305). (¬3) قاله الغزالي في "المقصد الأسنى" (ص 132).

مستفيد الوجود، فهو من الوجه الذي يلي مفيد لوجود موجود، فهو من ذلك الوجه حق، ومن جهة نفسه باطل، فلذلك: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} (¬1) وهو كذلك أولاً وأبداً، ليس ذلك في حال دون حال؛ لأن كل شيء سواه أزلاً، وأبداً لا يستحق الوجود، ومن جهته يستحق، فهو باطل بذاته حق بغيره. وبهذا يعرف أن الحق المطلق هو الموجود الحقيقي بذاته الذي منه يأخذ (¬2) كل حق حقيقته. فائدة (¬3): حظ العبد من هذا الاسم أن يرى نفسه باطلاً، ولا يرى غير الله حقاً، والعبد وإن كان حقاً فليس بحق نفسه، بل هو حق بالله؛ فإنه موجود به لا بذاته، بل هو بداية باطل لولا إيجاد الله الحق له. قوله: "الوَكِيْل" (¬4): ¬

_ (¬1) سورة القصص: 88. (¬2) قال السعدي في تفسيره (5/ 305): " ... وكل شيء ينسب إليه فهو حق، {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (62)} [الحج: 62]، {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: 29]، {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ} [يونس: 32]، {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا (81)} [الإسراء: 81] ". (¬3) انظر: "المقصد الأسنى" (ص 134 - 135)، "شرح أسماء الله الحسنى" للرازي (ص 293 - 295). (¬4) الوكيل: يوصف الله - عز وجل - بأنه الوكيل، وهذا ثابت بالكتاب والسنة، وهو اسم من أسمائه. الدليل من الكتاب: قوله تعالى: {حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173)} [آل عمران: 173]. وقوله تعالى: {وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (102)} [الأنعام: 102]. الدليل من السنة: =

هو (¬1) الموكولة إليه كل الأمور، وليس هو إلا الله، وهو المستحق بذاته أن تكون الأمور كلها موكولة إليه، والقلوب متوكلة عليه (¬2) لا بتولية وتفويض من جهة غيره، وذلك هو الوكيل المطلق وهو [451 ب] حقيق بالقيام بها، وفيٌ بإتمامها، والعبد قد يكون موكول إليه، لكن لا بذاته بل بتوكيل غيره له. ¬

_ = ما أخرجه البخاري في صحيحه رقم (4563) من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "حسبنا الله ونعم الوكيل، قالها إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - حين ألقي في النار، وقالها محمد - صلى الله عليه وسلم - ... ". قال ابن جرير في "جامع البيان" (6/ 245): (حسبنا الله ونعم الوكيل) يعني بقوله: (حسبنا الله) كفانا الله، يعني: يكفينا الله. (ونعم الوكيل) يقول: ونعم المولى عن وليه وكفله. وإنما وصف تعالى نفسه بذلك؛ لأن (الوكيل) في كلام العرب: هو المسندُ إليه القيام بأمر من أسند إليه القيام بأمره، فلما كان القوم الذين وصفهم الله بما وصفهم به في هذه الآيات، قد كانوا فوضوا أمرهم إلى الله، ووثقوا به، وأسندوا ذلك إليه، ووصف نفسه بقيامه لهم بذلك، وتفويضهم أمرهم إليه بالوكالة، فقال: ونعم الوكيل الله تعالى لهم. انظر: "تفسير أسماء الله الحسنى" للزجاج (ص 54)، "شأن الدعاء" (ص 77). (¬1) قاله الغزالي في "المقصد الأسنى" (ص 135). (¬2) قال الغزالي: لأن من يستحق أن يكون موكولاً إليه لا بذاته، ولكن بالتوكيل والتفويض، وهذا ناقص؛ لأنه فقير إلى التفويض والتولية.

قوله: "القَويُ (¬1) المتِيْن (¬2) " بالتاء الفوقية فمثناة تحتية والقوة (¬3) تدل على القدرة التامة، والمتانة تدل على شدة القوة، والله من حيث أنه بالغ القدرة تامها قوي، ومن حيث أنه شديد القوة متين، وذلك يرجع إلى معنى القدرة. قوله: "الوَليْ" (¬4): ¬

_ (¬1) القوة صفة ذاتية لله - عز وجل - ثابتة بالكتاب والسنة، و (القوي) من أسماء الله تعالى. الدليل من الكتاب: قوله تعالى: {وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (19)} [الشورى: 19]. قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58)} [الذاريات: 58]. ما أخرجه أحمد في "المسند" (5/ 297) بسند صحيح عن أبي قتادة - رضي الله عنه - وفيه: " ... يا رسول الله! رجل صام الأبد؟ قال: لا صام ولا أفطر، قال: صوم يومين وإفطار يوم. قال: ومن يطيق ذلك؟ قال: إفطار يومين وصوم يوم، قال: ليت الله قوّانا لذلك ... ". انظر: "شأن الدعاء" (ص 77)، "تفسير أسماء الله الحسنى" للزجاج (ص 54). (¬2) المتين، فالمتانة صفة ذاتية ثابتة لله - عز وجل - بالكتاب، والمتين من أسمائه سبحانه وتعالى. الدليل من الكتاب: قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58)} [الذاريات: 58]. قال ابن منظور في "لسان العرب": والمتين في صفة الله القوي، والمتانة: الشدة والقوة، فهو من حيث إنه بالغ القدرة شاقها قوي، ومن حيث إنه شديد القوة متين. انظر: "معاني القرآن" للزجاج (5/ 59)، "معاني القرآن" للفراء (3/ 90). (¬3) قاله الغزالي في "المقصد الأسنى" (ص 136). (¬4) الولي، يوصف الله - عز وجل - بأنه ولي الذين آمنوا ومولاهم، و (الولي) والمولى: اسمان لله تعالى ثابتان بالكتاب والسنة. الدليل من الكتاب: =

هو المحب الناصر، ونصرته ظاهرة؛ فإنه يقمع أعداء الدين وينصر أولياءه في الدارين، {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ (51)} (¬1)، {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ (11)} (¬2). قوله: "الحَمِيْد" (¬3): ¬

_ = قوله تعالى: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} [البقرة: 257]. وقوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ (11)} [محمد:11]. الدليل من السنة: ما أخرجه البخاري رقم (3129) من قول الزبير لابنه عبد الله يوم الجمل: يا بني! إن عجزت عن شيء منه (يعني: دينه) فاستعن عليه بمولاي، قال: فوالله! ما دريت ما أراد حتى قلت: يا أبت! من مولاك؟ قال: الله. قال: فوالله! ما وقعت في كربة من دينه إلا قلت: يا مولى الزبير! عنه دينه فيقضيه ... ". وما أخرجه مسلم رقم (2722) من حديث زيد بن أرقم - رضي الله عنه -: " ... اللهم آت نفسي تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها ... ". انظر: "شأن الدعاء" ص (78). (¬1) سورة غافر: 51. (¬2) سورة محمَّد: 11. (¬3) الحميد، يوصف الله - عز وجل - بأنه الحميد، وهي صفة ذاتية له، والحميد اسم من أسمائه ثابتة بالكتاب والسنة. والدليل من الكتاب: قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (267)} [البقرة: 267]. وقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15)} [فاطر: 15]. الدليل من السنة: ما أخرجه البخاري رقم (3370)، ومسلم رقم (406) من حديث كعب بن عجرة - رضي الله عنه - في التشهد: " ... قولوا: اللهم صل على محمَّد وعلى آل محمَّد، كما صليت على إبراهيم، إنك حميد مجيد". =

هو المحمود (¬1) المثنى عليه من كل خلق، {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} (¬2) والتسبيح ثناء على الله يحمد تعالى نفسه ويحمده كل شيء. قوله: "المحصِيْ" (¬3) هو العالم (¬4)، ولكن إذا أضيف العلم إلى المعلومات من حيث يحصر المعلومات، ويعدها ويحيط بها سمي إحصاء. والمحصي المطلق هو الذي ينكشف في علمه كل معلوم وعدده ومبلغه، {وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا (28)} (¬5). قوله: "المبدي المعيد" (¬6): ¬

_ = قال ابن منظور في "لسان العرب": "الحميد من صفاته سبحانه وتعالى، بمعنى المحمود على كل حال، وهو فعيل بمعنى مفعول". انظر: "شأن الدعاء" ص (78)، "تفسير أسماء الله الحسنى" للزجاج (ص 55). (¬1) انظر: "المقصد الأسنى" (137 - 138)، "تفسير القشيري لأسماء الله الحسنى" (ص 199 - 200)، "شرح أسماء الله الحسنى" للرازي (ص 302). (¬2) سورة الإسراء: 44. (¬3) انظر: "تفسير أسماء الله الحسنى" للزجاج (ص 55)، "شأن الدعاء" (ص 79). (¬4) قاله الغزالي في "المقصد الأسنى" (ص 138). (¬5) سورة الجن: 28. (¬6) قال القرطبي في "الأسنى أسماء الله الحسنى" (1/ 386): نطق بهما التنزيل فعلاً، فقال: {إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (13)} [البروج: 13]، وجاء في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - وهو حديث ضعيف، تقدم نصه وتخريجه. وقال الخطابي في "شأن الدعاء": المبدئ الذي أبدا الأشياء، أي: ابتدأها مخترعاً فأوجدها عن عدم. والمعيد: هو الذي يعيد الخلق بعد الحياة إلى الممات، ثم يعيدهم بعد الموت إلى الحياة، كقوله: {وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (28)} [البقرة: 28]. =

معناه (¬1) الموجود لكن الإيجاد إذا لم يكن مسبوقاً بمثله يسمى إعادة، والله تعالى بدأ الخلق [452 ب] ثم هو الذي يعيدهم، أي: يعيدهم نشأة أخرى ثم يحشرهم، والأشياء كلها منه بدأت وإليه تعود، وبه بدأت وبه تعود. قوله: "المميت" (¬2): ¬

_ = وكقوله: {إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (13)} [البروج: 13]. انظر: "تفسير أسماء الله الحسنى" للزجاج (ص 55 - 56). (¬1) قاله الغزالي في "المقصد الأسنى" (ص 139). (¬2) يوصف الله - عز وجل - بأنه المحيي والمميت، وهذا ثابت بالكتاب والسنة، وهما صفتان فعليتان خاصتان بالله - عز وجل -، وليسا هما من أسماء الله - عز وجل -. الدليل من الكتاب: قوله تعالى: {ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (28)} [البقرة: 28]. وقوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ (66)} [الحج: 66]. وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39)} [فصلت: 39]. الدليل من السنة: ما أخرجه البخاري رقم (6314) من حديث حذيفة - رضي الله عنه - في دعاء الاستيقاظ من النوم: "الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور". وما أخرجه البخاري رقم (6351)، ومسلم رقم (2680) من حديث أنس - رضي الله عنه -: "اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي". قال البيهقي في "الاعتقاد" (ص 62): "المحيي: هو الذي يحيي النطفة الميتة، فيخرج منها النسمة الحية، ويحيي الأجسام البالية بإعادة الأرواح إليها عند البعث، ويحيي القلوب بنور المعرفة، ويحيي الأرض بعد موتها، بإنزال الغيث، وإنبات الرزق. المميت: هو الذي يميت الأحياء، ويوهي بالموت قوة الأقوياء".

هو أيضاً راجع (¬1) إلى الإيجاد، ولكن الموجود إذا كان هو الحياة يسمى فعله إحياء، وإذا كان هو الموت يسمى فعله إماتة، ولا خالق للموت والحياة إلا الله {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} (¬2). قوله: "الحي" هو الفعَّال الدَّرَّاك، حتى أن من لا فعل له أصلاً ولا إدراك فهو ميت، [وأول] (¬3) درجات الإدراك أن يشعر المدرك بنفسه، فما لا يشعر بنفسه فهو الجماد والميت. فالحي (¬4) الكامل المطلق هو الذي منهاج جميع المدركات تحت إدراكه، وجميع الموجودات تحت فعله، حتى لا يشذ عن علمه مدرك، ولا عن فعله مفعول، [وذلك الله تعالى] (¬5) فهو الحي المطلق، وكل حي سواه فحياته بقدر إدراكه وفعله، وذلك محصور قليل. ¬

_ (¬1) وعبارة الغزالي في "المقصد الأسنى" (ص 139) هذا أيضاً يرجع إلى الإيجاد .. (¬2) سورة الملك: 2. (¬3) الذي في "المقصد": "أقل". (¬4) قاله الغزالي في "المقصد الأسنى" (ص 140). (¬5) الأولى قوله: وكل ذلك لله تعالى.

قوله: "القيُّوم" (¬1) اعلم أن (¬2) الأشياء تنقسم إلى ما يفتقر إلى محل كالأغراض والأوصاف, فيقال فيها أنها ليست قائمة بأنفسها، وإلى ما لا يحتاج إلى محل فيقال: إنه قائم بنفسه، مستغن عن محل يقوم به، ولكنه لا يستغني عن أمور لا بدّ منها لوجوده ويكون شرطاً في وجوده، فلا يكون قائماً بنفسه؛ لأنه محتاج [281/ أ] في قوامه إلى وجوده غيره، وإن لم يحتج إلى محل، فإن كان في الوجود موجود يكتفي [453 ب] ذاته بذاته ولا قوام له بغيره، ولا يشترط في دوام وجوده وجود غيره، فهو القائم بنفسه مطلقاً، فإن كان مع ذلك يقوم به كل ¬

_ (¬1) القيوم: يوصف الله - عز وجل - بأنه القيوم، وهو وصف ذاتي ثابت لله تعالى بالكتاب والسنة، و (القيوم) اسم من أسماء الله تبارك وتعالى. الدليل من الكتاب: قوله تعالى: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (255)} [البقرة: 255، آل عمران: 2]. وقوله تعالى: {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ (111)} [طه: 111]. الدليل من السنة: ما أخرجه البخاري رقم (7385، 7442، 7499)، ومسلم رقم (769) من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - في دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - في تهجده: " ... لك الحمد، أنت قيوم السماوات والأرض ومن فيهن ... ". قال ابن قتيبة في "تفسير غريب القرآن" (ص 7): ومن صفاته: القيُّوم والقيَّام، وقرئ بهما جميعاً، وهما (فيعول) و (فيعال) من قمت بالشيء: إذا وليته، كأنه القيم بكل شيء ... ". قال ابن جرير في "جامع البيان" (4/ 528): القيوم: القيم بحفظ كل شيء ورزقه وتدبيره وتصريفه فيما شاء، وأحب من تغيير وتبديل وزيادة ونقص. ثم قال ابن جرير: وأول التأولين - بعد ذكرهما - ما قال مجاهد والربيع، وأن ذلك وصف من الله تعالى ذكره نفسه بأنه القائم بأمر كل شيء، في رزقه والدفع عنه، وكلاءته، وتدبيره، وصرفه في قدرته". وانظر: "اشتقاق أسماء الله" (ص 105). (¬2) قاله الغزالي في "المقصد الأسنى" (ص 140).

موجود حتى لا يتصور للأشياء وجود ولا دوام وجود إلا به، فهو القيوم؛ لأن قوامه بذاته وقوام كل شيء به، وليس ذلك إلا لله. قوله: "الوَاجد" (¬1) بالجيم (¬2)، وهو الذي لا يعوزه شيء، ويقابله الفاقد، فالواجد هو الذي لا يعوزه شيء مما لا بد منه، وكل ما لا بد منه في صفات الإلهية وكمالها فهو موجود لله تعالى، فهو بهذا الاعتبار واجد، وهو الواجد المطلق، ومن عداه إن كان واجداً لشيء من صفات الكمال وأسبابه فهو فاقد لأشياء، فلا يكون واجداً إلا بالإضافة. قوله: "الماجد" (¬3) هو بمعنى المجيد، كالعالم بمعنى العليم، لكن الفعيل أكثر مبالغة، وقد سبق معناه. قوله: "الواحد" (¬4) هو بالحاء المهملة. ¬

_ (¬1) قال الخطابي في "شأن الدعاء" (ص 81): الواجد، هو الغني الذي لا يفتقر. والوجد والجدة: الغنى، يقال: رجل واجدٌ، أي: غنيٌ. وانظر: "تحفة الأحوذي" (9/ 342). (¬2) قاله الغزالي في "المقصد الأسنى" (ص 141)، وانظر: "شرح أسماء الله الحسنى" للرازي (ص 310 - 311) (¬3) انظر: "المقصد الأسنى" (ص 141)، "تفسير أسماء الله الحسنى" (ص 57)، "شأن الدعاء" (ص 82). (¬4) الواحد: يوصف الله - عز وجل - بالوحدانية بدلالة الكتاب والسنة، والواحد من أسمائه تعالى. الدليل من الكتاب: قوله تعالى: {إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ (171)} [النساء: 171]. وقوله تعالى: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (16)} [غافر: 16]. والدليل من السنة: ما أخرجه البخاري رقم (7372) من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ بن جبل - رضي الله عنه - لما بعثه إلى اليمن: " ... فليكن أول ما تدعوهم إلى أن يوحدوا الله تعالى ... ". =

وهو (¬1) الذي لا يتجزأ أو لا يتثنى، أما الذي لا يتجزأ فكالجوهر الواحد الذي لا ينقسم، فيقال: أنه واحد بمعنى لا جزء له، وكذا النقطة طرف لا جزء له، والله تعالى واحد بمعنى أنه يستحيل تقدير الانقسام في ذاته. وأما الذي لا يتثنى فهو الذي لا نظير له؛ كالشمس مثلاً؛ فإنها وإن كانت قابلة للانقسام بالوهم متجزئة في ذاتها؛ لأنها من قبيل الأجسام - فهي لا نظير لها، إلا أنه يمكن لها نظير فإن كان في الوجود موجود ينفرد بخصوص وجوده مفرداً لا يتصور أن يشاركه فيه غيره، فهو الواحد المطلق أزلاً وأبداً، والعبد إنما يكون واحدًا إذا لم يكن له في أبناء جنسه نظير في خصلة من خصال الخير، وذلك بالإضافة إلى أبناء جنسه، وبالإضافة [454 ب] إلى الوقت، إذ يمكن أن يظهر في وقت آخر مثله، وبالإضافة إلى بعض الخصال دون الجميع، فلا وحدة على الإطلاق إلا لله تعالى. قوله: "الصَّمَد" (¬2): ¬

_ = وقال البيهقي في "الاعتقاد" (ص 63): الواحد: هو الفرد والذي لم يزل وحده بلا شريك، وقيل: هو الذي لا قسيم لذاته ولا شبيه له ولا شريك وهذه صفة يستحقها بذاته. وانظر: "شأن الدعاء" (ص 82)، "تفسير أسماء الله" للزجاج (ص 57). (¬1) قاله الغزالي في "المقصد الأسنى" (ص 141)، وانظر: "شرح القشيري لأسماء الله الحسنى" (ص 216 - 217). (¬2) الصمد: صفة ذاتية لله - عز وجل -, وهو اسم له ثابت بالكتاب والسنة. الدليل من الكتاب: قوله تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2)} [الإخلاص: 1 - 2]، ولم يرد هذا الاسم إلا في هذه السورة. الدليل من السنة: =

هو الذي (¬1) يصمد إليه في الحوائج ويقصد إليه في الرغائب؛ إذ ينتهي إليه منتهى السُؤدد. ¬

_ = ما أخرجه البخاري في صحيحه رقم (4974) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - القدسي -: "كذبني ابن آدم ... وأما شتمه إياي؛ فقوله: اتخذ الله ولداً، وأنا الأحد الصمد، لم ألد ولم أولد، ولم يكن لي كفواً أحد". وقد اختلف في معنى الصمد على أقوال كثيرة، منها: 1 - قال مجاهد: "الصمد" المصمت الذي لا جوف له. 2 - قال الحسن: "الصمد" الذي لا جوف له، وعن عكرمة مثله. 3 - وقال الشعبي: "الصمد" الذي لا يطعم الطعام. وقال: الذي لا يأكل الطعام ولا يشرب الشراب. 4 - قال عكرمة: "الصمد" الذي لم يخرج منه شيء، ولم يلد ولم يولد. وقال آخرون: هو السيد الذي قد انتهى سؤدده. وقال آخرون: بل هو الباقي الذي لا يفنى. كلها أخرجا ابن جرير بأسانيد صحيحة. انظر ذلك مفصلاً في "مجموع فتاوى" (17/ 219 - 225)، "جامع البيان" (30/ 220 - 225). وقال أبو عبيدة: "الله الصمد" هو الذي يُصمد إليه، ليس فوقه أحد. والعرب كذلك تسمي أشرافها. "مجاز القرآن" (2/ 316). وقال الزجاج في "تفسيره لأسماء الله" (ص 58): وأصحُّه أنه السيد المصمود إليه في الحوائج. وقال الخطابي في "شأن الدعاء" (ص 58): "الصمد" هو السيد الذي يصمد إليه في الأمور ويقصد في الحوائج والنوازل، وأصل الصمد: القصد، ويقال للرجل: اصمد صَمْدَ فلان، أي: اقصد قصده، وجاء في التفسير: أن الصمد الذي قد انتهى سؤدده. وقيل: الصمد: الدائم. وقيل: الباقي بعد فناء الخلق. وأصح هذه الوجوه ما شهد له معنى الاشتقاق، والله أعلم. (¬1) قاله الغزالي في "المقصد الأسنى" (ص 142).

ومن جعله الله تعالى مقصد عباده في مهمات دينهم ودنياهم، وأجرى على يده ولسانه حوائج خلقه، فقد أنعم عليه بحظ من معنى هذا الاسم. لكن الصمد المطلق هو الذي يقصد إليه في جميع الحوائج وهو الله - سبحانه وتعالى -. قوله: "القَادِر (¬1) المقتَدِر": ¬

_ (¬1) القدرة صفة ذاتية ثابتة لله - عز وجل - بالكتاب والسنة، ومن أسمائه تعالي: (القادر)، و (القدير)، و (المقتدر). الدليل من الكتاب: قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20)} [البقرة: 20]. وقوله تعالى: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا (65)} [الأنعام: 65]. وقوله تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (55)} [القمر: 54 - 55]. الدليل من السنة: ما أخرجه مسلم في صحيحه رقم (2202) من حديث عثمان بن أبي العاص - رضي الله عنه - وفيه: "أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر". وما أخرجه مسلم في صحيحه رقم (1659) من حديث أبي مسعود البدري - رضي الله عنه - لما ضرب غلامه؛ قال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اعلم أبا مسعود! إن الله أقدر عليك منك على هذا الغلام". وقال الخطابي في "شأن الدعاء" (ص 85): ووصف الله نفسه بأنه قادر على كل شيء أراده، لا يعترضه عجز ولا فتور، وقد يكون القادر بمعنى المقدّر للشيء، يقال: قدَّرْتُ الشيء وقدَرْتُه بمعنى واحد، كقوله: {فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ (23)} [المرسلات: 23]. وقال في "شأن الدعاء" (ص 86): المقتدر: هو التام القدرة، الذي لا يمتنع عليه شيء، ولا يحتجز عنه بمنعة وقوة، ووزنه مفتعل من القدرة، إلا أن الاقتدار أبلغ وأعم؛ لأنه يقتضي الإطلاق، والقدرة قد يدخلها نوع من التضمين بالمقدور عليه، قال الله سبحانه: {عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (55)} [القمر: 55] أي: قادر على ما يشاء. انظر: "الاعتقاد" للبيهقي (ص 63)، "مجموع فتاوى" (8/ 7)، "تفسير السعدي" (5/ 301).

معناهما (¬1) ذو القوة، لكن المقتدر أكثر مبالغة. والقدرة: عبارة عن المعنى الذي يوجد الشيء متقدراً بتقدير الإرادة والعلم، واقعاً على وفقهما. والقادر هو الذي إن شاء فعل، وإن شاء لم يفعل، وليس من شرطه أن يشاء لا محالة؛ فإن الله قادر على إقامة القيامة الآن، لكنه أخرها لما جرى في سابق علمه من تقدير أجلها ووقتها وذلك لا يقدح في القدرة. والقادر المطلق هو الذي يخترع كل موجود اختراعاً ينفرد به ويستغني فيه عن معاونة غيره وهو الله تعالى، وأما العبد [فإن قدرته في الجملة ولكنها ناقصة] (¬2) إذ لا يتناول إلا بعض الممكنات، ولا يصلح للاختراع، بل الله تعالى هو المخترع لمقدورات العبد بواسطة قدرته مهما هيأ جميع أسباب الوجود لمقدوره. قوله: "المقَدِّمُ (¬3) المؤَخِّر" [282/ أ]: ¬

_ (¬1) قاله الغزالي في "المقصد الأسنى" (ص 143). (¬2) كذا في العبارة في المخطوط (أ. ب) وهي مضطربة. ونصها من "المقصد الأسنى": " ... فله قدرة على الجملة لكنها ناقصة ... ". (¬3) التقديم والتأخير صفتان من صفات الذات والأفعال لله - عز وجل - ثابتتان بالكتاب والسنة، والمقدِّم والمؤَخِّر اسمان لله تعالى. الدليل من الكتاب: قوله تعالى: {إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ (42)} [إبراهيم: 42]. وقوله تعالى: {وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا (11)} [المنافقون: 11]. الدليل من السنة: ما أخرجه البخاري رقم (1120)، ومسلم رقم (769) من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - وفيه: " ... أنت المقدِّم وأنت المؤخِّر، لا إله إلا أنت ... ". =

هو (¬1) الذي يقرب ويبعد، فمن قربه فقد قدمه، ومن أبعده فقد أخَّره، وقد قدم أنبياءه وأولياءه، بتقريبهم وهدايتهم، وأخر أعداءه بإبعادهم وضربه الحجاب بينه وبينهم. والملك إذا قرب شخصين مثلاً، وجعل [455 ب] أحدهما أقرب إلى نفسه يقال: قدمه، أي: جعله قدام غيره، والقدام تارة يكون في [المكان] (¬2) وتارة يكون في الرتبة، وهو مضاف لا محالة إلى متأخر عنه، ولا بد فيه من مقصد يكون هو الغاية بالإضافة إليه بتقدم ما يتقدم، وبتأخر ما يتأخر. والمقصد هو الله. والمتقدم عنده هو المقرب إليه؛ كالملائكة والأنبياء والعلماء. [والمراد التقدم، والتأخر في الرتبة وهو الذي وفق للأعمال المقتضية للتقدم، وخذل من أخره عن هدايته] (¬3). ¬

_ = وما أخرجه البخاري في صحيحه رقم (6419) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أعذر الله إلى امرئ أخر أجله حتى بلغه ستين سنة". قال الهراس في "شرح نونية ابن القيم" (2/ 109): "والتقديم والتأخير صفتان من صفات الأفعال التابعة لمشيئة الله تعالى وحكمته، وهما أيضاً صفتان للذات؛ إذ قيامهما بالذات لا بغيرها، وهكذا كل صفات الأفعال هي من هذا الوجه صفات ذات، حيث إن الذات متصفة بها، ومن حيث تعلقها بما ينشأ عنها من الأقوال والأفعال تسمى صفات أفعال". انظر: "مفردات ألفاظ القرآن" للراغب (ص 397)، "الاعتقاد" للبيهقي (ص 63). (¬1) قاله الغزالي في "المقصد الأسنى" (ص 144)، انظر: "شرح أسماء الله الحسنى" للرازي (ص 322 - 323)، "شأن الدعاء" للخطابي (ص 86 - 87)، "الأسماء والصفات" للبيهقي (ص 86). (¬2) في (ب): "المكانة". (¬3) قال الغزالي في "المقصد الأسنى" (ص 144 - 145): والمراد هو التقديم والتأخير في الرتبة، وتوجد إشارة إلى أنه لم يتقدم من تقدم بعلمه وعمله، بل بتقديم الله إياه. وكذلك المتأخر، في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ =

قوله: "الأَوَّلُ (¬1) الآخِر": ¬

_ = سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (101)} [الأنبياء: 101]، وقوله تعالى: {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ (13)} [السجدة: 13]. (¬1) الأولية صفة ذاتية لله - عز وجل -، وذلك من اسمه (الأول) الثابت في الكتاب والسنة، ومعناه: الذي ليس قبله شيء. والآخرية صفة ذاتية لله - عز وجل -، وذلك من اسمه الآخر، والذي ورد في الكتاب والسنة. الدليل من الكتاب: قوله تعالى: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (3)} [الحديد: 3]. والدليل من السنة: ما أخرجه مسلم في صحيحه (2713) عن سهيل؛ قال: كان أبو صالح يأمرنا؛ إذا أراد أحدنا أن ينام: أن يضطجع على شقه الأيمن، ثم يقول: "اللهم رب السماوات، ورب الأرض، ورب العرش العظيم، ربنا ورب كل شيء، فالق الحب والنَّوى، ومنزل التوراة والإنجيل والفرقان، أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته، اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء؛ اقض عنا الدَّيْنَ، وأغننا من الفقر". وكان يروى ذلك عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - معناه. قال ابن القيم في "طريق الهجرتين" (ص 27): "فأولية الله - عز وجل - سابقة على أولية كل ما سواه، وآخريته ثابتة بعد آخرية كل ما سواه، فأوليته سبقه لكل شيء، وآخريته بقاؤه بعد كل شيء، وظاهريته سبحانه فوقيته وعلوه على كل شيء، ومعنى الظهور يقتضي العلو، وظاهر الشيء هو ما علا منه وأحاط بباطنه، وبطونه سبحانه إحاطته بكل شيء، بحيث يكون أقرب إليه من نفسه، وهذا أقرب غير قرب المحب من حبيبه، هذا لون وهذا لون، فمدار هذه الأسماء الأربعة على الإحاطة، وهي إحاطتان: زمانية، ومكانية، فإحاطة أوليته وآخريته بالقبل والبعد، فكل سابق انتهى إلى أوليته، وكل آخر انتهى إلى آخريته، فأحاطت أوليته وآخريته بالأوائل والأواخر، وأحاطت ظاهريته وباطنيته بكل ظاهر وباطن، فما من ظاهر إلا والله فوقه، وما من باطن إلا والله دونه، وما من أول إلا والله قبله، وما من آخر إلا =

اعلم (¬1) أن الأول يكون أولاً بالإضافة إلى شيء، والآخر يكون آخرًا بالإضافة إلى شيء، فهما متناقضان، فلا يتصور أن يكون الشيء الواحد من وجه واحد بالإضافة إلى شيء واحد أولاً وآخراً جميعاً، بل إذا نظرت إلى ترتيب الوجود ولاحظت سلسلة الموجودات المترتبة، فالله تعالى بالإضافة إليها أول، إذ الموجودات كلها استفادت الوجود منه، وأما هو تعالى فموجود بذاته ولم يستفد الوجود من غيره. ومهما نظرت إلى مراتب السلوك، ولاحظت مراتب السائرين عليه فهو آخر، إذ هو آخر ما تترقى إليه درجات العارفين، وكل معرفة تحصل قبل معرفته، فهو مرقاة إلى معرفته، والمنزل الأقصى هو معرفة الله، فهو آخر [بالنسبة] (¬2) إلى السلوك، أول بالإضافة إلى الوجود، فمنه المبدأ أولاً، وإليه المرجع والمصير آخراً. هذا كلام الغزالي في "المقصد الأسنى" (¬3). ¬

_ = والله بعده، فالأول قدمه، والآخر دوامه وبقاؤه، والظاهر علوه وعظمته، والباطن قربه ودنوه، فسبق كل شيء بأوليته، وبقي بعد كل شيء بآخريته، وعلا على كل شيء بظهوره، ودنا من كل شيء ببطونه، فلا تواري منه سماء سماء، ولا أرض أرضاً، ولا يحجب عنه ظاهراً باطناً، بل الباطن له ظاهر، والغيب عنده شهادة، والبعيد منه قريب، والسر عنده علانية، فهذه الأسماء الأربعة تشتمل على أركان التوحيد، فهو الأول في آخريته، والآخر في أوليته، والظاهر في بطونه، والباطن في ظهوره، لم يزل أولاً وآخراً، وظاهراً وباطناً". انظر: "شأن الدعاء" (ص 88 - 89)، "الاعتقاد" للبيهقي (ص 64)، "مجموع فتاوى" (5/ 498 - 500). (¬1) قاله الغزالي في "المقصد الأسنى" (ص 145). (¬2) كذا في المخطوط، والذي في "المقصد": "بالإضافة". (¬3) (ص 145).

قوله: [456 ب] "الظَّاهِرُ (¬1) البَاطِنُ" هذان (¬2) الوصفان أيضاً من الإضافيات، فإن الظاهر يكون ظاهراً لشيء وباطناً لشيء، ولا يكون من وجه واحد ظاهراً وباطناً، بل يكون ظاهراً من وجه واحد بالإضافة إلى إدراك، باطناً من وجه آخر. فإن الظهور والبطون إنما يكون بالإضافة إلى الإدراكات، فالله تعالى باطن إن طلب من إدراك الحواس وخزانة الخيال ظاهر إن طلب من خزانة العقل بطريق الاستدلال. فإن قلت: كونه باطناً بالنظر إلى إدراك الحواس فواضح، وأما كونه ظاهراً للعقل فغامض؛ إذ الظاهر ما لا يتمارى فيه، ولا يختلف الناس في إدراكه، وهذا مما يوقع فيه الريب الكثير للخلق فكيف يكون ظاهراً؟ قلت (¬3): اعلم أنه إنما خفي مع ظهوره لشدة ظهوره، فظهوره سبب بطونه، ونوره هو حجاب نوره، ولا يفهم هذا إلا بمثال. ¬

_ (¬1) الظاهرية: صفة ذاتية لله - عز وجل -، من اسمه (الظاهر) الثابت بالكتاب والسنة. [انظرها في (أدلة الأول والآخر)]. وقد فسر النبي - صلى الله عليه وسلم - الظاهر بقوله: "ليس فوقك شيء". انظر: "الاعتقاد" للبيهقي (ص 64)، "شأن الدعاء" (ص 88). الباطنية: يوصف الله - عز وجل - بأنه الباطن، وهو اسم له ثابت بالكتاب والسنة. انظرها في أدلة (الأول والآخر). قال ابن مندة في "كتاب التوحيد" (2/ 82): "الباطن: المحتجب عن ذوي الألباب كنه ذاته وكيفية صفاته - عز وجل -". وقال ابن جرير في "جامع البيان" (27/ 215): هو الباطن لجميع الأشياء، فلا شيء أقرب إلى شيء منه, كما قال تعالى: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16)} [ق: 16]. (¬2) قاله الغزالي في "المقصد الأسنى" (ص 145 - 146)، وانظر: "شرح أسماء الله الحسنى" للرازي (ص 325 - 327). (¬3) أي: الغزالي في "المقصد الأسنى" (ص 146).

فأقول: إذا نظرت إلى كلمة واحدة يكتبها كاتب لاستدللت بها على كون الكاتب عالماً قادراً سميعاً بصيراً، واستقر عندك اليقين بوجود هذه الصفات فيه، بل لو رأيت كلمة مكتوبة لحصل لك يقين قاطع بوجود كاتب لها عالم قادر سميع بصير حي، ولم تدل على هذا إلا صورة كلمة [واحدة، كما] (¬1) تشهد هذه الكلمة شهادة قاطعة بصفات الكاتب. فما من ذرة في السماوات والأرض من فلك وكوكب وشمس وقمر، وحيوان [457 ب] ونبات وصفة وموصوف، إلا وهي شاهدة على نفسها بالحاجة إلى مدبر دبرها وقدرها وخصصها بخصوص [283/ أ] صفاتها، بل لا ينظر الإنسان إلى عضو من أعضاء نفسه وجزء من أجزائه ظاهراً وباطناً، بل إلى صفة من صفاته، وحالة من حالاته التي تجري عليها قهراً بغير اختياره؛ إلا وتراها قاطعة بالشهادة لخالقها وقاهرها ومدبرها، وكذلك كل ما يدركه بجميع [حواسه] (¬2) في ذاته أو خارجاً عن ذاته. لكن (¬3) لما كثرت الشهادات خفيت وغمضت لشدة الظهور، ولذا يقال: "ومن شدة الظهور الخفاء"، ولكنها (¬4) لما كانت الموجودات كلها [مثبتة] (¬5) في الشهادة والأحوال كلها مطردة على نسق واحد، كان ذلك سبباً لخفائه. ¬

_ (¬1) في (أ): "واحد وكما". (¬2) في (أ): "جوانبه". (¬3) العبارة اعتراها نقص، وإليك نصها من "المقصد الأسنى": "ولو كانت الأشياء مختلفة في الشهادة يشهد بعضها ولا يشهد بعضها لكان اليقين حاصلاً للجميع، ولكن لما كثرت الشهادات حتى اتفقت خفيت وغمضت لشدة الظهور". (¬4) قاله الغزالي في "المقصد الأسنى" (ص 147). (¬5) كذا في (أ. ب)، والذي في "المقصد" (ص 147): "متفقة". =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = قال ابن القيم في "طريق الهجرتين" (ص 47 - 49): " .. واعلم أن لك أنت أولا وآخراً، وظاهراً وباطناً، بل كل شيء فله أول وآخر وظاهر وباطن، حتى الخطرة واللحظة والنفس وأدنى من ذلك وأكثر. فأولية الله - عز وجل - سابقة على أولية كل ما سواه، وآخريته ثابتة بعد آخرية كل ما سواه، فأوليته سبقه لكل شيء وآخريته بقاؤه بعد كل شيء، وظاهريته سبحانه فوقيته وعلوه على كل شيء، ومعنى الظهور يقتضي العلو، وظاهر الشيء هو ما علا منه وأحاط بباطنه. وبطونه سبحانه إحاطته بكل شيء بحيث يكون أقرب إليه من نفسه، وهذا قرب غير قرب المحب من حبيبه، هذا لون وهذا لون. فمدار هذه الأسماء الأربعة على الإحاطة، وهي إحاطتان: زمانية ومكانية. فإحاطة أوليته وآخريته بالقبل والبعد، فكل سابق انتهى إلى أوليته وكل آخر انتهى إلى آخريته فأحاطت أوليته وآخريته بالأوائل والأواخر، وأحاطت ظاهريته وباطنيته بكل ظاهر وباطن، فما من ظاهر إلا والله فوقه، وما من باطن إلا والله دونه. وما من أول إلا والله قبله، وما من آخر إلا والله بعده. فالأول قدمه، والآخر دوامه، وبقاؤه والظاهر علوه وعظمته، والباطن قربه ودنوه. فسبق كل شيء بأوليته، وبقي بعد كل شيء بآخريته، وعلا على كل شيء بظهوره، ودنا من كل شيء ببطونه، فلا تواري منه سماءٌ سماءً، ولا أرضٌ أرضاً، ولا يحجب عنه ظاهر باطناً، بل الباطن له ظاهر، والغيب عنده شهادة، والبعيد منه قريب، والسر عنده علانية. فهذه الأسماء الأربعة تشتمل على أركان التوحيد، فهو الأول في آخريته، والآخر في أوليته، والظاهر في بطونه، والباطن في ظهوره، لم يزل أولاً وآخراً، وظاهراً وباطناً. والتعبد بهذه الأسماء رتبتان: الرتبة الأولى: أن تشهد الأولية منه تعالى في كل شيء، والآخرية بعد كل شيء، والعلو والفوقية فوق كل شيء، والقرب والدنو دون كل شيء، فالمخلوق يحجبه مثله عما هو دونه، فيصير الحاجب بينه وبين المحجوب، والرب جل جلاله ليس دونه شيء أقرب إلى الخلق منه. والمرتبة الثانية من التعبد: أن يعامل كل اسم بمقتضاه فيعامل سبقه تعالى بأوليته لكل شيء، وسبقه بفضله وإحسانه الأسباب كلها بما يقتضيه ذلك من إفراده، وعدم الالتفات إلى غيره، والوثوق بسواه، والتوكل على غيره. فمن ذا الذي شفع لك في الأزل حيث لم تكن شيئاً مذكوراً حتى سماك باسم الإسلام، ووسمك بسمة الإيمان، وجعلك من أهل قبضة اليمين، وأقطعك في ذلك الغيب عمالات المؤمنين، فعصمك عن العبادة للعبيد، وأعتقك من التزام الرق لمن له شكل ونديد، ثم وجه وجهة قلبك إليه سبحانه دون ما سواه. فاضرع إلى الذي عصمك من السجود للصنم، وقضى لك بقدم الصدق في القدم، أن يتم عليك نعمة هو ابتدأها =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وكانت أوليتها منه بلا سبب منك، واسم بهمتك عن ملاحظة الاختيار، ولا تركنن إلى الرسوم والآثار، ولا تقنع بالخسيس الدون. وعليك بالمطالب العالية والمراتب السامية التي لا تنال إلا بطاعة الله، فإن الله سبحانه قضى أن لا ينال ما عنده إلا بطاعته، ومن كان لله كما يريد كان الله له فوق ما يريد، فمن أقبل إليه تلقاه من بعيد، ومن تصرف بحوله وقوته ألان له الحديد، ومن ترك لأجله أعطاه فوق المزيد، ومن أراد مراده الديني أراد ما يريد. ثم اسم بسرك إلى المطلب الأعلى، واقصر حبك وتقربك على من سبق فضله وإحسانه إليك كل سبب منك، بل هو الذي جاد عليك بالأسباب، وهيأ لك وصرف عنك موانعها، وأوصلك بها إلى غايتك المحمودة. فتوكل عليه وحده وعامله وحده، وآثر رضاه وحده، واجعل حبه ومرضاته هو كعبة قلبك التي لا تزال طائفاً بها مستلماً لأركانها، واقفاً بملتزمها. فيا فوزك ويا سعادتك إن اطلع سبحانه على ذلك من قلبك, ماذا يفيض عليك من ملابس نعمه وخلع أفضاله "اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد، سبحانك وبحمدك". ثم تعبد له باسمه الآخر بأن تجعله وحده غايتك التي لا غاية لك سواه، ولا مطلوب لك وراءه، فكما انتهت إليه الأواخر وكان بعد كل آخر فكذلك اجعل نهايتك إليه، فإن إلى ربك المنتهى، إليه انتهت الأسباب والغايات فليس وراءه مرمى ينتهي إليه. وقد تقدم التنبيه على ذلك وعلى التعبد باسمه الظاهر. وأما التعبد باسمه الباطن؛ فإذا شهدت إحاطته بالعوالم وقرب العبيد منه وظهور البواطن له وبدوِّ السرائر وأنه لا شيء بينه وبينها فعامله بمقتضى هذا الشهود، وطهر له سريرتك فإنها عنده علانية، وأصلح له غيبك فإنه عنده شهادة، وزكِّ له باطنك فإنه عنده ظاهر. فانظر كيف كانت هذه الأسماء الأربعة جماع المعرفة بالله، وجماع العبودية له. فهنا وقفت شهادة العبد مع فضل خالقه ومنته، فلا يرى لغيره شيئاً إلا به وبحوله وقوته، وغاب بفضل مولاه الحق عن جميع ما منه هو مما كان يستند إليه أو يتحلى به، أو يتخذه عقدة أو يراه ليوم فاقته أو يعتمد عليه في مهمة من مهماته، فكل ذلك من قصور نظره وانعكاسه عن الحقائق والأصول إلى الأسباب والفروع، كما هو شأن الطبيعة والهوى وموجب الظلم والجهل، والإنسان ظلوم جهول، فمن جلى الله سبحانه صدأ بصيرته، وكمل فطرته، وأوقفه على مبادئ الأمور وغاياتها ومناطها ومصادرها ومواردها أصبح كمفلس حقاً من علومه وأعماله وأحواله =

فسبحان من احتجب عن الخلق بنوره، وخفي عنهم لشدة ظهوره. قوله: "البَر" (¬1) هو المحسن، والبر (¬2) المطلق هو الذي منه كل مبرة وإحسان. والعبد إنما يكون براً بقدر ما يتعاطاه من البر لا سيما بوالديه وشيوخه، وبفضل الله وبره وإحسانه إلى خلقه من الإيجاد من العدم، وإدرار النعم لا تطيقه عبارة ولا تغني عنه إشارة. قوله: "المنتقم" (¬3): ¬

_ = وأذواقه يقول: أستغفر الله من علمي ومن عملي، أي: من انتسابي إليهما، وغيبتي بهما عن فضل من ذكرني بهما، وابتدأني بإعطائهما من غير تقدم سبب مني يوجب ذلك. (¬1) البر: يوصف الله - عز وجل - بالبر، وذلك من اسمه (البر) الثابت له بالكتاب والسنة. الدليل من الكتاب: قوله تعالى: {إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ (28)} [الطور: 28]. الدليل من السنة: ما أخرجه البخاري رقم (2703)، ومسلم رقم (1675) من حديث أنس - رضي الله عنه -: "إن من عباد الله تعالى من لو أقسم على الله أبره". قال ابن جرير في "جامع البيان" (27/ 18): "إنه البر، يعني: اللطيف بعباده. وقال الخطابي في "شأن الدعاء" (ص 89 - 90): البر: هو العطوف على عباده المحسن إليهم، عمّ بره جميع خلقه، فلم يبخل عليهم برزقه. وهو البر بالمحسن في مضاعفته الثواب له، والبر بالمسيء في الصفح، والتجاوز عنه. انظر: "الأسماء والصفات" (ص 71)، "المنهاج" (1/ 204)، "فتح الباري" (10/ 508). (¬2) قاله الغزالي في "المقصد الأسنى" (ص 148). (¬3) ليس المنتقم من أسماء الله تعالى.

هو (¬1) الذي يقصم ظهور العتاة، وينكل بالجبابرة، ويشدد العقاب على الطغاة، وذلك بعد الإعذار منه تعالى والإنذار وبعد تمكينه العباد والإمهال وهداية النجدين وأراه الطريقين. فائدة (¬2): يتخلق العبد من هذه الصفة أن ينتقم من أعداء الله ومن نفسه إن تمردت عن طاعة الله. ¬

_ = يوصف الله - عز وجل - بأنه (ذو انتقام)، وأنه ينتقم من المجرمين كما يليق به سبحانه، وهي صفة فعلية ثابتة بالكتاب والسنة. الدليل من الكتاب: قوله تعالى: {وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (95)} [المائدة: 95]. وقوله تعالى: {إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ (22)} [السجدة: 22]. الدليل من السنة: ما أخرجه البخاري رقم (4822) من حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - وقوله عن قريش: "فكشف عنهم، فعادوا، فانتقم الله منهم يوم بدر، فذلك قوله تعالى: {يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (10)} [الدخان: 10]، إلى قوله جل ذكره: {إِنَّا مُنْتَقِمُونَ (16)} [الدخان: 16]. وما أخرجه الترمذي في "السنن" وأحمد في "المسند" من حديث أبي سعيد الخدري: " ... فقال للنار: أنت عذابي، أنتقم بك ممن شئت، وقال للجنة: أنت رحمتي، أرحم بك من شئت". وهو حديث صحيح. قال الخطابي في "شأن الدعاء" (ص 90): الانتقام: افتعال من نقم ينقم: إذا بلغت به الكراهة حد السخط. انظر: "تهذيب التهذيب" للأزهري (9/ 202 - 203)، "الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى" (1/ 486 - 490). (¬1) قاله الغزالي في "المقصد الأسنى" (ص 149 - 150)، وانظر: "شرح أسماء الله الحسنى" للرازي (ص 338)، "شرح القشيري لأسماء الله الحسنى" (ص 236 - 238). (¬2) قاله الغزالي في "المقصد الأسنى" (ص 149)، والرازي في "شرح أسماء الله الحسنى" (ص 339).

قوله: "العَفُو" (¬1) هو الذي (¬2) يمحو السيئات ويتجاوز عن المعاصي، وهو قريب من [458 ب] معنى الغفور، لكنه أبلغ منه؛ فإن الغفران ينبئ عن الستر، والعفو ينبئ عن المحو، والمحو أبلغ من الستر. وتخلق (¬3) العبد من هذه الصفة هو أن يعفو عمن ظلمه، بل يحسن إليه، كما أن الله محسن إلى العصاة والكفرة في دار الدنيا، ولم يعاجلهم بالعقوبة. قوله: "الرَّؤُوف" (¬4) أي: ذو الرأفة. ¬

_ (¬1) العَفو والمعافاة صفة فعلية لله - عز وجل - ثابتة له بالكتاب والسنة. ومعناها: الصفح عن الذنوب. والعفو اسم لله تعالى. الدليل من الكتاب: قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا (43)} [النساء: 43]. وقوله تعالى: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ} [التوبة: 43]. الدليل من السنة: ما أخرجه مسلم في صحيحه رقم (963) وفيه: "اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه ... ". وما أخرجه مسلم رقم (486) من حديث عائشة - رضي الله عنها -: "اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك ... ". قال السعدي في تفسيره (5/ 300): "العفو، الغفور، الغفار: الذي لم يزل ولا يزال بالعفو معروفاً، وبالغفران والصفح عن عباده موصوفاً". (¬2) قاله الغزالي في "المقصد الأسنى" (ص 150). (¬3) انظر: "شرح الأسماء الحسنى" للرازي (ص 339)، "شرح القشيري لأسماء الله الحسنى" (ص 239). (¬4) الرأفة صفة ثابتة لله - عز وجل -، وذلك من اسمه (الرؤوف) وهو ثابت بالكتاب. الدليل: قوله تعالى: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (20)} [النور: 20]. وقوله تعالى: {وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (10)} [الحشر: 10]. =

والرأفة (¬1) شدة الرحمة فهو بمعنى الرحيم مع المبالغة، وتقدم الكلام فيه. قوله: "ذُوْ الجَلالِ (¬2) والإِكْرامُ": ¬

_ = قال الخطابي في "شأن الدعاء" (ص 91): "الرؤوف: هو الرحيم العاطف برأفته على عباده، وقال بعضهم: الرأفة أبلغ الرحمة وأرقها، ويقال: إن الرأفة أخص والرحمة أعم، وقد تكون الرحمة في الكراهة للمصلحة، ولا تكاد الرأفة تكون في الكراهة، فهذا موضع الفرق بينهما". وقال ابن جرير في "جامع البيان" (2/ 654): قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (143)} [البقرة: 143]: "أنَّ الله بجميع عباده ذو رأفة، والرأفة أعلى معاني الرحمة، وهي عامة لجميع الخلق في الدنيا ولبعضهم في الآخرة". انظر: "تهذيب اللغة" للأزهري (15/ 238). (¬1) قاله الغزالى في "المقصد الأسنى" (ص 150). (¬2) الجلال من أوصافه سبحانه وتعالى، وهي صفة ذاتية ثابتة بالكتاب والسنة، والجليل ليس من أسمائه تعالى. الدليل من الكتاب: قوله تعالى: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (27)} [الرحمن: 27]. وقوله تعالى: {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (78)} [الرحمن: 78]. الدليل من السنة: ما أخرجه البخاري رقم (7510) من حديث أنس - رضي الله عنه -: " ... فيقول: وعزتي وجلالي وكبريائي وعظمتي؛ لأخرجن منها من قال لا إله إلا الله ... ". قال السعدي في تفسيره (5/ 302): (ذو الجلال والإكرام) أي: ذو العظمة والكبرياء، وذو الرحمة والجود والإحسان العام والخاص. المكرمة لأوليائه وأصفيائه الذين يجلونه ويعظمونه ويحبونه. وقال القرطبي في "الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى" (1/ 134): فمعنى جلاله استحقاقه لوصف العظمة ونعت الرفعة، والمتعالي عزاً وتكبراً وتنزهاً عن نعوت الموجودات، فجلاله إذًا صفة استحقها لذاته. =

هو الذي لا جلال ولا كمال (¬1) إلا وهو له، ولا كرامة ولا مكرمة إلا وهي صادرة منه، فالجلالة له في ذاته، والكرامة ما يصدر منه على خلقه، وفنون إكرامه خلقه لا تكاد تنحصر ولا تتناهى، وعليه دل قوله: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} (¬2) وهذا بالنسبة عليهم، وإلا فكرامته على كل مخلوق من حيوان وجماد. قوله: "المقسط" (¬3) هو من أقسط، وهو (¬4) الذي ينتصف للمظلوم من الظالم، وكماله أن يضيف إلى إنصاف المظلوم إرضاء الظالم، وذلك غاية العدل والإنصاف ولا يقدر عليه إلا الله. ومثاله: ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال - الراوي (¬5) -: "بينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس إذ ضحك حتى بدت ثناياه، فقال عمر: يا رسول الله! بأبي أنت وأمي، ما الذي أضحكك؟ قال: ¬

_ = انظر: "شرح نونية ابن القيم" (2/ 64)، "اشتقاق أسماء الله الحسنى" للزجاجي (ص 201)، "المنهاج" للحليمي (1/ 210). (¬1) قاله الغزالي في "المقصد الأسنى" (ص 151 - 152). (¬2) سورة الإسراء: 70. (¬3) قال القرطبي في "الأسنى" (1/ 446): ومنها المقسط جلّ جلاله وتقدست أسماؤه، لم يرد به القرآن فعلاً ولا اسماً، وورد فيه إشارة إليه، قال تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ (18)} [آل عمران: 18]. والقائم بالقسط هو المقسط. وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (42)} [المائدة: 42]. انظر: "شأن الدعاء" (ص 92)، "تفسير أسماء الله الحسنى" للزجاج (62 - 63). (¬4) قاله الغزالي في "المقصد الأسنى" (ص 152 - 153). (¬5) وهو أنس بن مالك - رضي الله عنه -.

رجلان من أمتي جثيا بين يدي رب العزة، فقال أحدهما: يا رب! خذ لي مظلمتي من هذا، فقال الله - عز وجل -: رد على أخيك مظلمته، فقال: يا رب! لم يبق من حسناتي شيء، فقال الله تعالى للطالب: كيف تصنع بأخيك ولم يبق من حسناته شيء؟ فقال: يا رب! فليحمل عني من أوزاري ثم [459 ب] فاضت عينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالبكاء، ثم قال: إن ذلك ليوم عظيم يحتاج الناس فيه إلى أن يحملوا عنهم من أوزارهم، قال: فيقول الله - عز وجل - للمتظلم: ارفع بصرك فانظر إلى الجنان، قال: يا رب! أرى مدائن من فضة وقصوراً من ذهب مكللة باللؤلؤ لأي نبي هذا؟ ولأي صديق هذا؟ ولأي شهيد هذا؟ قال الله: لمن أعطى الثمن، قال: يا رب! ومن يملك ذلك؟ قال: أنت تملكه، قال: بماذا يا رب؟ قال: بعفوك عن أخيك، قال: يا رب! فقد عفوت عنه، قال الله - عز وجل -: خذ بيد أخيك فأدخله الجنة، ثم قال - صلى الله عليه وسلم -: اتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم، فإن الله تعالى يصلح بين المؤمنين يوم القيامة" (¬1) فهذا سبيل الانتصاف والإنصاف, ولا يقدر عليه إلا رب الأرباب، إذ أوفر (¬2) العبيد تخلق بهذه الصفة من ينتصف أولاً من نفسه ثم لغيره من غيره، ولا ينتصف لنفسه من غيره. [284/ أ]. ¬

_ (¬1) أخرجه ابن أبي الدنيا في "حسن الظن بالله" رقم (118)، والحاكم في "المستدرك" (4/ 576) بسند ضعيف. (¬2) قاله الغزالي في "المقصد الأسنى" (ص 153).

قوله: "الجَامِع" (¬1) هو المؤلف (¬2) بين المتماثلات والمتباينات والمتضادات، أما جمعه المتماثلات؛ فإنه مثل جمعه الخلق الكثير من الإنس على ظهر الأرض، وكحشره إياهم في صعيد القيامة، وأما المتباينات فكجمعه بين السماوات والكوكب والهواء والأرض والبحار والحيوانات والنبات والمعادن المختلفة، كل ذلك متباين الأشكال والألوان والطعوم والأوصاف، وقد جمعها في الأرض، وجمع بين الكل في العالم وكذلك جمعه بين العظم [460 ب] والعصب والعرق والعضلة، والمخ والبشرة والدم وسائر الأخلاط في بدن الحيوان. وأما (¬3) المتضادات فكجمعه بين الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة في أمزجة الحيوانات، وهي متنافرات ومتعاندات وذلك أبلغ وجوه الجمع وتفصيل جمعه لا يعلمه إلا هو، واعلم أن بعد الجامع في سردها. قوله: "الغَني (¬4) المغْنِي" وأهمل المصنف شرحهما. ¬

_ (¬1) قال القرطبي في "الأسنى" (1/ 478): نطق به القرآن مضافاً فقال تعالى: {رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ (9)} [آل عمران: 9]. وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا (140)} [النساء: 140]. وقال تعالى: {يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ (9)} [التغابن: 9]. انظر: "شأن الدعاء" (ص 92). (¬2) قاله الغزالي في "المقصد الأسنى" (ص 154 - 155). (¬3) قاله الغزالي في "المقصد الأسنى" (ص 155). (¬4) الغِنى صفة ذاتية ثابتة لله - عز وجل - بالكتاب والسنة، و (الغني) من أسماء الله تعالى. الدليل من الكتاب: قوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [التوبة: 28]. =

والمعنى (¬1): هو الذي لا تعلق له بغيره، لا في ذاته ولا في صفاته، بل يكون منزهاً عن العلاقة مع الأغيار، فمن تتعلق ذاته أو صفات ذاته بأمر خارج من ذاته يتوقف عليه وجوده أو كماله، فهو فقير محتاج إلى الكسب، ولا يتصور ذلك إلا لله سبحانه، والله تعالى هو المغني، ولكن إغناؤه لا يتصور من يغنيه بفنائه غنياً مطلقاً، فإن أول أموره أنه محتاج إلى المغني فلا يكون غنياً، بل مستغنٍ عن غير الله بأن يمده ما يحتاج إليه لا أن يقطع عنه أصل الحاجة. والمعنى الحقيقي: هو الذي لا حاجة له أصلاً، والذي يحتاج ومعه ما يحتاج إليه، فهو غني بالمجاز، فهو غاية ما يدخل تحت الإمكان في حق غير الله [مما فيه الحاجة فلا] (¬2)، ولكن ¬

_ = وقوله تعالى: {وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15)} [فاطر: 15]. وقوله تعالى: {وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى (8)} [الضحى: 8]. الدليل من السنة: ما أخرجه البخاري رقم (279) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: "بينا أيوب - عليه السلام - يغتسل عرياناً ... فناداه ربه - عز وجل -: يا أيوب! ألم أكن أغنيتك عما ترى؟ قال: بلى وعزتك ... ". وأخرج مسلم في صحيحه رقم (2985) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: "قال الله تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك ... ". قال الهراس في "شرح النونية" (2/ 74): ومن أسمائه الحسنى (الغني)، فله سبحانه الغنى التام المطلق من كل وجه؛ بحيث لا تشوبه شائبة فقر وحاجة أصلاً، وذلك لأن غناه وصف لازم له لا ينفك عنه؛ لأنه تقتضي ذاته، وما بالذات لا يمكن أن يزول، فيمتنع أن يكون إلا غنياً كما يمتنع أن يكون إلا جواداً محسناً براً رحيماً كريماً. انظر: "تحفة الأحوذي" (9/ 343)، "الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى" (1/ 542). (¬1) قاله الغزالي في "المقصد الأسنى" (ص 154 - 155). (¬2) كذا في (أ. ب)، وفي "المقصد الأسنى" (ص 155): "فأما فقد الحاجة فلا". انظر: "شرح أسماء الحسنى" (344 - 345).

إذا لم يبق له حاجة إلا إلى الله سمي غنياً، ولكن الغني هو الله، ولذا قال تعالى: {وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ} (¬1). قوله: "المانع" (¬2): ¬

_ (¬1) سورة محمد: 38. (¬2) المانع من صفات الله تعالى، له معنيان: أحدهما: ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت" فكان - عز وجل - يعطي من استحق العطاء، ويمنع من لم يستحق إلا المنع، ويعطي من يشاء، ويمنع من يشاء، وهو العادل في جميع ذلك. والمعنى الثاني: أنه تبارك وتعالى يمنع أهل دينه، أي: يحوطهم وينصرهم. وقيل: يمنع من يريد من خلقه ما يريد، ويعطيه ما يريد، ومن هذا يقال: فلان في منعة، أي: في قوم يمنعونه ويحمونه، وهذا المعنى في صفة الله جل جلاله بالغ، إذ لا منعة لمن لم يمنعه الله، ولا يمتنع من لم يكن الله له مانعاً. "لسان العرب" مادة (منع)، "الحجة" للأصبهاني (1/ 148)، "الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى" (1/ 355 - 356). والعطاء والمنع: صفتان فعليتان لله - عز وجل - ثابتتان بالكتاب والسنة، والمعطي من أسماء الله - عز وجل -. الدليل من الكتاب: قوله تعالى: {قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (50)} [طه: 50]. وقوله تعالى: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1)} [الكوثر: 1]. الدليل من السنة: ما أخرجه البخاري رقم (7312)، ومسلم رقم (1037) من حديث معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنه -: "من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين، وإنما أنا قاسم ويعطي الله". وفي البخاري رقم (3116): "والله المعطي وأنا القاسم". =

هو الذي (¬1) يرد أسباب الهلاك والنقصان في الأديان والأبدان بما يخلقه من الأسباب [461 ب] المعدة للحفظ، وكل حفظ فمن ضرورية منع ودفع، فمن فهم معنى الحفيظ وقد سبق، فَهِم معنى المانع، فالمنع إضافة إلى السبب المهلك، والحفظ إضافة إلى المحروس عن الهلاك، وهو مقصود المنع وغايته، إذ كان المنع يراد للحفظ، والحفظ يراد للدفع والمنع، فكل حافظ دافع مانع، وليس كل مانع حافظاً إلا إذا كان مانعاً مطلقاً لجميع أسباب الهلاك والنقص، حتى يحصل الحفظ من ضرورته. قوله: "الضَّارُ (¬2) النّافِع" أهمل المصنف شرحهما، وهو (¬3) الذي يصدر منه الخير والشر والنفع والضر، وكل ذلك منسوب إلى الله تعالى، إما بواسطة الملائكة والجن والجمادات أو بغير واسطة، فلا تظن أن السم يقتل ويضر بنفسه، وأن الطعام يشبع وينفع بنفسه، أو أن أشياء من المخلوقات من الإنس والجن والشياطين والأفلاك يقدر على ضر أو نفع بنفسه، بل كل ذلك أسباب مسخرة لا يصدر منها إلا ما سخر له. ¬

_ = وما أخرجه البخاري رقم (844)، ومسلم رقم (471): " ... اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت ... " انظر: "شأن الدعاء" (ص 93 - 94). (¬1) قاله الغزالي في "المقصد الأسنى" (ص 155). (¬2) قال الرازي في "شرح أسماء الله الحسنى" (ص 345): واعلم أن الجمع بين هذين الاسمين أولى وأبلغ في الوصف بالقدرة على ما شاء كما شاء، فلا نافع ولا ضار غيره. انظر: "تحفة الأحوذي" (9/ 343)، "شأن الدعاء" (ص 94 - 95)، "الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى" (1/ 352 - 354). (¬3) قاله الغزالي في "المقصد الأسنى" (ص 156).

وجملة ذلك بالإضافة إلى القدرة الأزلية؛ كالقلم بالإضافة إلى الكاتب في اعتقاد العامي، كما أن السلطان إذا أوقع بكرامة أو عقوبة لم ير ضرر ذلك من القلم، بل من الذي القلم مسخر له، فكذلك سائر الوسائط والأسباب، والله تعالى [285/ أ] جميع الكائنات مسخرة له. قوله: "النُّور" (¬1): ¬

_ (¬1) النور: صفة ذاتية لله - عز وجل - ثابتة بالكتاب والسنة، وقد عد بعضهم (النور) من أسماء الله تعالى. الدليل من الكتاب: قوله تعالى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ} [النور: 35]. وقوله تعالى: {وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا} [الزمر: 69]. الدليل من السنة: حديث عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - مرفوعاً: "إن الله تبارك وتعالى خلق خلقه في ظلمة، فألقى عليهم من نوره، فمن أصابه من ذلك النور؛ اهتدى، ومن أخطأه؛ ضلَّ ... " رواه أحمد (6644 - شاكر)، والترمذي في "السنن" رقم (2624)، وهو حديث صحيح. وحديث: "اللهم لك الحمد؛ أنت نور السماوات والأرض، ولك الحمد ... " رواه البخاري (7385، 7442، 7499)، ومسلم (769). قال ابن تيمية في "مجموع فتاوى" (6/ 392): "وقد أخبر الله في كتابه أن الأرض تشرق بنور ربها، فإذا كانت تشرق من نوره، كيف لا يكون هو نوراً؟! ولا يجوز أن يكون هذا النور المضاف إليه إضافة خلق وملك واصطفاه، كقوله: {نَاقَةُ اللَّهِ} [الأعراف: 73] ونحو ذلك ... وقال ابن القيم في "اجتماع الجيوش الإسلامية" (ص 45): "والنور يضاف إليه سبحانه على أحد الوجهين: إضافة صفة إلى موصوفها، وإضافة مفعول إلى فاعله؛ فالأول كقوله تعالى: {وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا} [الزمر: 69] الآية؛ فهذا إشراقها يوم القيامة بنوره تعالى إذا جاء لفصل القضاء ... ". =

هو الظاهر (¬1) الذي به كل ظهور، فإن الظاهر في نفسه، المظهر لغيره يسمي نوراً، وهو المخرج لجميع الأشياء من ظلمة العدم إلى ظهور الوجود، فهو الحقيق بأن [462 ب] يسمى نوراً. والوجود نور فائض على الأشياء كلها، من نور ذاته فهو نور السماوات والأرض، وكما أنه لا ذرة من نور الشمس إلا وهي دالة على الشمس المنورة، كذلك لا ذرة من موجودات السماوات والأرض إلا وهي بجوار وجودها دالة على وجوب وجود موجدها. قوله: "الهَادِي" (¬2): ¬

_ = وقال رحمه الله في "النونية" (2/ 105): وَالنَّورُ مِنْ أَسْمَائِهِ أيْضاً وَمِنْ ... أَوْصَافِهِ سُبْحَانَ ذِي الُبرْهَانِ قال الهراس في "الشرح": "ومن أسمائه سبحانه النور، وهو أيضاً صفة من صفاته، فيقال: الله نور، فيكون اسماً مخبراً به على تأويله بالمشتق، ويقال: ذو نور، فيكون صفة؛ قال تعالى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [النور: 35]، وقال: {وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا} [الزمر: 69]: وفي الصحيح عن ابن عباس - رضي الله عنهما -؛ أنه - صلى الله عليه وسلم - كان حين يستيقظ من الليل؛ يقول: "اللهم لك الحمد؛ أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن". اهـ انظر: "شأن الدعاء" (ص 95 - 96)، "الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى" (1/ 458)، "مختصر الصواعق المرسلة" (2/ 192 - 200). (¬1) قاله الغزالي في "المقصد الأسنى" (ص 156 - 157)، وانظر: "شرح أسماء الله الحسنى" للرازي (ص 347). (¬2) الهادي: يوصف الله - عز وجل - بأنه (الهادي)، وهذا ثابت بالكتاب والسنة، وقيل: (الهادي) من أسماء الله. الدليل من الكتاب: قوله تعالى: {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا} [الأعراف: 43] .... وقوله: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص: 56]. =

هو (¬1) الذي هدى خواص عباده إلى معرفته، وهداهم بما أودعه في عجائب مخلوقاته، وهدى كل مخلوق إلى ما لا بد منه في قضاء حاجاته، كما أشار إليه قوله: {وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى (3)} (¬2)، {الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (50)} (¬3) فإنه هدى الطفل إلى التقام الثدي عند انفصاله، وهدى الفرخ إلى التقاط الحب عند خروجه، وهدى النحل إلى بناء بيته على ¬

_ = وقوله: {وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا (31)} [الفرقان: 31]. الدليل من السنة: الحديث القدسي المشهور، حديث أبي ذر - رضي الله عنه -: " ... يا عبادي! كلكم ضال إلا من هديته؛ فاستهدوني أهدكم ... " رواه مسلم (3577). حديث سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه -: " ... اللهم اغفر لي، وارحمني، واهدني، وارزقني" رواه مسلم (2696). قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي في "التفسير" (5/ 305): "الهادي؛ أي: الذي يهدي ويرشد عباده إلى جميع المنافع وإلى دفع المضار، ويعلمهم ما لا يعلمون، ويهديهم لهداية التوفيق والتسديد، ويلهمهم التقوى، ويجعل قلوبهم منيبة إليه منقادة لأمره". وقال ابن جرير في "جامع البيان" (17/ 134): {وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (54)} [الحج: 54] وإن الله لمرشد الذين آمنوا بالله ورسوله إلى الحق القاصد، والحق الواضح. وقال في قوله تعالى: {وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا} [الفرقان: 31]، يقول تعالى ذكره لنبيه: وكفاك يا محمد بربك هادياً يهديك إلى الحق، ويبصرك الرشد. وانظر: "اشتقاق أسماء الله الحسنى" للزجاجي (ص 187)، "شأن الدعاء" (ص 95 - 96)، "المنهاج" للحليمي (1/ 207 - 209). (¬1) قاله الغزالي في "المقصد الأسنى" (ص 157 - 158). (¬2) سورة الأعلى: 3. (¬3) سورة طه: 50.

شكل التسديس لكونه أوفق الأشكال لبدنه وأضواها وأبعدها عن أن يحللها [العرح] (¬1) وهدى الرجلين إلى المشي، واليدين إلى البطش، ولا تنحصر معرفة ذلك. قوله: "البَدِيع" (¬2) لم يفسره المصنف. ¬

_ (¬1) كذا رسمت في المخطوط غير مقروءة. (¬2) يوصف الله - عز وجل - بأنه بديع السماوات والأرض ومن فيهن، وهي صفة ثابتة له بالكتاب والسنة. الدليل من الكتاب: 1 - قوله تعالى: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (117)} [البقرة: 117] 2 - وقوله: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (101)} [الأنعام: 101]. الدليل من السنة: حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه -؛ قال: سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلاً يقول: اللهم إني أسألك بأن لك الحمد، لا إله إلا أنت وحدك، لا شريك لك، المنان، بديع السماوات والأرض، ذو الجلال والإكرام. فقال: "لقد سأل الله باسمه الأعظم، الذي إذا سئل به؛ أعطى، وإذا دُعِيَ به؛ أجاب". حديث صحيح، رواه الترمذي، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه واللفظ له. "صحيح سنن ابن ماجه" (3112)، وانظر: "جامع الأصول" (2143). المعنى: قال الشيخ عبد الرحمن السعدي في "التفسير" (5/ 303): "بديع السماوات والأرض؛ أي: خالقهما ومبدعهما في غاية ما يكون من الحسن والخلق البديع والنظام العجيب المحكم". وقال الخطابي في "شأن الدعاء" (ص 96): (البديع) هو الذي خلق الخلق، وفطره مبدعاً له مخترعاً، لا على مثال سبق. وقال ابن منظور في "اللسان" (1/ 230): (البديع) من أسماء الله تعالى، لإبداعه الأشياء وإحداثه إياها، وهو البديع الأول قبل كل شيء، ويجوز أن يكون بمعنى: مبدع، أو يكون من بدع الخلق، أي: بدأه، والله تعالى كما =

وهو (¬1) الذي لا عهد بمثله، فإن لم يكن بمثله فليس ببديع مطلق، ولا يليق هذا الاسم مطلقاً إلا بالله تعالى، فإنه ليس له قبل، فيكون مثله معهوداً قبله؛ وكل موجد بعده فحاصل بإيجاده، وهو غير مناسب لموجده، فهو بديع أزلاً وأبداً. قوله: "الباقي" (¬2) هو (¬3) الموجود الواجب وجوده بذاته، ولكنه إذا أضيف في الذهن إلى الاستقبال سمي باقياً، وإذا أضيف إلى الماضي سمي قديماً (¬4). ¬

_ = قال سبحانه: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [البقرة: 117] أي: خالقها ومبدعها، فهو سبحانه الخالق المخترع لا عن مثال سابق. (¬1) قاله الغزالي في "المقصد الأسنى" (ص 158 - 159). (¬2) البقاء: صفة ذاتية خاصة بالله - عز وجل - ثابتة بالكتاب العزيز. الدليل: قوله تعالى: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (27)} [الرحمن: 27]. وقد عدَّ بعضهم (الباقي) من أسماء الله تعالى، ولا دليل معهم، منهم: ابن منده في "كتاب التوحيد" (2/ 86)، والزجاجي في "اشتقاق أسماء الله" (ص 200)، وقوام السنة الأصبهاني في "الحجة" (1/ 127)، وغيرهم. قال الأصبهاني في "الحجة" (1/ 128): "معنى الباقي: الدائم، الموصوف بالبقاء، الذي لا يستولي عليه الفناء، وليست صفة بقائه ودوامه كبقاء الجنة والنار ودوامهما، وذلك أن بقاءه أبدي أزلي، وبقاء الجنة والنار أبدي غير أزلي، فالأزلي ما لم يزل، والأبدي ما لا يزال، والجنة والنار كائنتان بعد أن لم تكونا". وقال ابن تيمية في "مجموع فتاوى" (5/ 99): قال أبو بكر الباقلاني: "صفات ذاته التي لم يزل ولا يزال موصوفاً بها هي: الحياة، والعلم ... والبقاء، والوجه، والعينان ... ". (¬3) قاله الغزالي في "المقصد الأسنى" (ص 159 - 160). (¬4) القدم: يُخْبَرُ عن الله - عز وجل - بأنه قديم، لا صفة له، والقديم ليس اسماً له. قال ابن القيم في "بدائع الفوائد" (1/ 162): " ... ما يطلق عليه في باب الأسماء والصفات توقيفي، وما يطلق عليه من الأخبار لا يجب أن يكون توقيفاً؛ كالقديم، والشيء، والموجود، والقائم بنفسه". انظر تفصيل ذلك في "مجموع فتاوى" (9/ 300 - 302)، "الحجة على المحجة" (1/ 93)، "الاعتقاد" للبيهقي (ص 68).

فالباقي المطلق هو الذي لا تنتهي مبادئ وجوده في الماضي [463 ب] إلى أول، ويعبر عنه بأنه أزلي وقولك: واجب الوجود (¬1) بذاته متضمن [لجميع] (¬2) ذلك، وإنما هذه الأسامي بحسب إضافة هذا الوجود في الدهر إلى الماضي والمستقبل. وإنما يدخل في الماضي والمستقبل المتغيرات؛ لأنهما عبارتان عن الزمان، ولا يدخل في الزمان إلا المتغير والحركة، إذ الحركة بذاتها تنقسم إلى ماضٍ ومستقبل، والمتغير يدخل في الزمان بواسطة التغير، [فما خلا] (¬3) عن التغير والحركة فليس في زمان، فليس فيه ماض ولا مستقبل، فلا ينفصل فيه القِدَم عن البقاء، بل الماضي والمستقبل إنما يكون لنا إذ قضي علينا وفينا أمور، وستجدد أمور، ولا بد من أمور تحدث شيئاً بعد شيء حتى ينقسم إلى ماض قد انعدم وانقطع، وإلى راهن حاضر، وإلى ما يتوقع تجدده من بعد. فحيث لا تجدد ولا انقضاء فلا زمان، وكيف لا والحق تعالى قبل الزمان، وبعد خلق الزمان لم يتغير من ذاته شيء. فقبل خلق الزمان لم يكن للزمان عليه جريان، وبقي بعد خلق الزمان على ما كان عليه (¬4). قوله: "الوَارِث" (¬5): ¬

_ (¬1) انظر: "بدائع الفوائد" (1/ 162)، "مجموع فتاوى" (9/ 300 - 302). (¬2) في (أ): "بجميع". (¬3) كذا في (أ. ب)، والذي في "المقصد الأسنى": "فما جل". (¬4) في (أ) زيادة: "كان"، وفي "المقصد الأسنى": "على ما عليه كان". (¬5) يوصف الله - عز وجل - بأنه الوارث، وهذا ثابت بالكتاب العزيز، والوارث من أسمائه سبحانه وتعالى. الدليل: قوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ (40)} [مريم: 40]. =

هو (¬1) الذي إليه ترجع الأملاك وذلك هو الله سبحانه، إذ هو الباقي بعد فناء خلقه، وإليه مرجع كل شيء ومصيره [286/ أ]، وهو القائل إذا قال: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} (¬2) وهو المجيب: {لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (48)} (¬3). [464 ب]. قوله: "الرَّشِيْد" (¬4) هو (¬5) الذي تنساق تدبيراته إلى غاياتها على سنن السداد، من غير إشارة مشير، وتسديد مسدد، وإرشاد مرشد، وهو الله - سبحانه وتعالى -، وهو الذي أرشد كل عبد إلى تدابيره بقدر هدايته، وإلى إصابة مراده في ديناه ودنياه. ¬

_ = وقوله تعالى: {وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ (23)} [الحجر: 23]. قال الزجاج في "تفسير أسماء الله الحسنى" (ص 65): (الوارث) كل باقٍ بعد ذاهب فهو وارث. وقال ابن منظور في "اللسان" مادة (ورث): الوارث: صفة من صفات الله - عز وجل -، وهو الباقي الدائم، الذي يرث الخلائق، ويبقى بعد فنائهم. وانظر: "شأن الدعاء" (ص 96 - 97). وقال البيهقي في "الاعتقاد" (ص 66): الباقي: هو الذي دام وجوده، والبقاء له صفة قائمة بذاته. وفي معناه الوارث. (¬1) قاله الغزالي في "المقصد الأسنى" (ص 160). (¬2) سورة غافر: 16. (¬3) سورة إبراهيم: 48. (¬4) الرُّشد: صفة لله - عز وجل -، قال الخطابي في "شأن الدعاء" (ص 97): الرشيد: هو الذي أرشد الخلق إلى مصالحهم، فعيل بمعنى مُفعِل، ويكون بمعنى الحكيم ذي الرشد؛ لاستقامة تدبيره، وإصابته في أفعاله. والرشيد ليس من أسماء الله سبحانه. انظر: "شرح النونية" (2/ 297 - للهراس). (¬5) قاله الغزالي في "المقصد الأسنى" (ص 161)، وانظر: "شرح القشيري لأسماء الله الحسنى" (ص 265).

قوله: "الصَّبُور" (¬1) وهو (¬2) الذي لا تحمله العجلة على المسارعة إلى الفعل قبل أوانه، بل ينزل الأمور بقدر معلوم، ويجريها على سنن محدودة، لا يؤخرها عن آجالها المقدرة لها تأخير متكاسل، ولا يقدمها على أوقاتها تقديم مستعجل، [ويوقع] (¬3) كل شيء في أوانه على الوجه الذي يجب أن يكون كما ينبغي، وكل ذلك من غير مقاساة داعٍ على مضادة الإرادة. وأما صبر (¬4) العبد فلا يخلو عن مقاساة؛ لأن معنى صبره هو ثبات داعي الدين أو العقل في مقابلة داعي الشهوة والغضب، فإذا تجاذبه داعيان متضادان فدفع الداعي إلى المبادرة، ومال إلى باعث التأخير سمي صبوراً، إذ جعل باعث العجلة مقهوراً. وباعث العجلة في حق الله معدوم؛ فهو أبعد عن العجلة ممن [باعثها] (¬5) موجود، ولكنه مقهور، فهو أحق بهذا الاسم بعد أن أخرجت [465 ب] عن الاعتبار تناقض البواعث، ومصابرتها بطريق المجاهدة. ¬

_ (¬1) الصبر: يوصف الله - عز وجل - بصفة الصبر، كما هو ثابت في السنة الصحيحة، أما (الصبور) ففي إثبات أنه اسم لله تعالى نظر؛ لعدم ثبوته، ولم نجد آية أو حديثاً صحيحاً يثبت هذا الاسم لله سبحانه. الدليل: ما أخرجه البخاري رقم (7378)، ومسلم رقم (49) من حديث أبي موسى - رضي الله عنه -: "ما أحد أصبر على أذى سمعه من الله؛ يدعون له الولد، ثم يعافيهم ويرزقهم". قال الخطابي في "شأن الدعاء" (ص 98): معنى الصبور في صفة الله سبحانه قريب من معنى الحليم، إلا أن الفرق بين الأمرين: أنهم لا يأمنون العقوبة في صفة الصبور كما يسلمون منها في صفة الحليم، والله أعلم بالصواب. (¬2) قاله الغزالي في "المقصد الأسنى" (ص 161)، وانظر: "شرح أسماء الله الحسنى" للرازي (ص 353). (¬3) كذا في (أ. ب)، والذي في "المقصد الأسنى" (ص 161): "بل يودع". (¬4) قاله الغزالي في "المقصد الأسنى" (ص 161)، "شرح القشيري لأسماء الله الحسنى" (ص 267 - 268). (¬5) كذا في (أ. ب)، والذي في "المقصد الأسنى": "باعثه".

انتهى ما أردتُّ من إيضاح معاني أسمائه تعالى التي لا يحيط عبد بمعنى واحد منها ولا يحصيه، وإنما هذا كله تقريب بحسب طاقة البشر. وقد نقلت ذلك من "المقصد الأسنى شرح أسماء الله الحسنى" للإمام: محمد بن محمد ابن محمد الغزالي - رحمه الله - مع اختصار وحذف لبعض ما لا حاجة إليه في الأنظار، وانما طولت في شرحه بالنقل منه؛ لأني رأيت المصنف وابن الأثير رحمهما الله اقتصرا على مجرد تفسير الألفاظ، فأردت زيادة البيان وإيضاح ذلك، فإن أسماء الله حقيقة بالإطالة في البيان والحمد لله. [287/ أ]. [انتهى نقل الجزء الثاني من التحبير من خط المصنف الإمام محمد بن إسماعيل الأمير - رحمه الله -. ويليه الجزء الثالث أوله: الفصل الثاني في أدعية الصلاة مفصلاً. ثم نقل هذا في آخر نهار السبت (22) ربيع الأول سنة (1362). كتبه محمد بن أحمد بن علي الحجري وفقه الله بعناية مولانا أمير المؤمنين المتوكل على الله يحيى بن الإمام المنصور بالله محمد بن يحيى حميد الدين حفظه الله] (¬1) [466 ب]. ¬

_ (¬1) ما بين الحاصرتين زيادة من (ب).

الفصل الثاني: في أدعية الصلاة مفصلا - الاستفتاح

الفصل الثاني: في أدعية الصلاة مفصلاً - الاستفتاح 1 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: كَانَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إِذَا كَبَّرَ فِي الصَّلاَةِ سَكَتَ هُنَيَّةً قَبْلَ أَنْ يَقْرَأَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، سُكُوتَكَ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالقِرَاءَةِ مَا تَقُولُ؟ قَالَ: "أَقُولُ: اللهمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبيْنَ خَطَايَايَ كَما بَاعَدْتَ بَيْنَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ، اللهمَّ نَقِّنِي مِنْ خَطَايَايَ كَما يُنَقَّى الثَّوْبُ الأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ. اللهمَّ اغْسِلْنِي مِنْ خَطَايَايَ بِالثَّلْجِ وَالمَاءِ وَالبَرَدِ". أخرجه الخمسة (¬1) إلا الترمذي، وهذا لفظ الشيخين. [صحيح] زاد أبو داود (¬2) والنسائي (¬3) في أوله: "اللهمَّ بَاعِدْ بَيْني وَبيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْت بَيْنَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ". [بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ] (¬4) قوله: "الفصل الثاني". أقول: أي: من الباب الثاني، وتقدم أن فيه عشرين فصلاً، وهذا الفصل من القسم الأول، الذي فيه الأدعية المؤقتة والمضافة إلى أسبابها كما عرفت، فإن أوقات هذه الأدعية أسباب هذه الصلاة. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (2744)، ومسلم رقم (598)، وأبو داود رقم (781)، والنسائي في "السنن" رقم (894)، وابن ماجه رقم (805). قلت: وأخرجه أحمد (2/ 231)، والدارمي (1/ 283 - 284)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (2/ 195)، وابن خزيمة رقم (465)، والبغوي في "شرح السنة" (3/ 49 - 50)، وابن حبان رقم (1775)، وهو حديث صحيح. (¬2) في "السنن" رقم (781). (¬3) في "السنن" (2/ 128 - 129). (¬4) زيادة من (ب).

قوله: "مفصلاً" أقول: عبارة المصنف وابن الأثير مجملاً ومفصلاً. قوله: "الاستفتاح" هو من المفصل. وهو لغة (¬1): طلب الفتح. ومنه: {إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ} (¬2)، ويحتمل أن السين للتأكيد، والمراد به: الافتتاح، أي: افتتاح الصلاة. قوله: "عن أبي هريرة". قوله: "هنيَّة" (¬3) بالنون بلفظ التصغير، وهو عند الأكثر بتشديد المثناة التحتية. قال النووي (¬4): أصله هنوة، فلما صغرت صارت هنيوه، فاجتمعت واو وياء [وسبقت إحداهما بالسكون، فقلبت الواو ياءً] (¬5) وأدغمت. ووقع في إحدى روايات البخاري (¬6): "هنيهة" بقلبها هاء. قوله: "بأبي وأمي" الباء متعلقة بمحذوف اسم أو فعل، أي: أنت مفدى أو أفديك بسكوتك. هذا لفظ مسلم، ولفظ البخاري: "إسكاتك" وهو مرفوع (¬7) على الابتداء. ¬

_ (¬1) انظر: "الفائق" للزمخشري (3/ 86). (¬2) سورة الأنفال: 19. (¬3) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 916)، "الفائق" للزمخشري (4/ 114). (¬4) في شرحه لصحيح مسلم (5/ 96). (¬5) زيادة من (ب). (¬6) في صحيحه رقم (744). (¬7) قاله الحافظ في "فتح الباري" (2/ 229).

قوله: "ما تقول؟ " مشعر بأنه هنالك قولاً لكونه قال: ما تقول؟ ولم يقل هل [2 ب] تقول؟ ولعل أبا هريرة استدل على أصل القول بحركة الضم، كما استدل غيره على القراءة باضطراب اللحية (¬1). قوله: "اللهم نقني". أقول: لفظ البخاري (¬2): "اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني .. إلى آخره" فسقط هذا اللفظ من رواية المصنف كما سقط من رواية ابن الأثير في "الجامع"، قاله الحافظ ابن حجر في "الفتح" (¬3). فالعجب قوله وقول الربيع هذا!! اللفظ زيادة لأبي داود والنسائي، وهو في أول الدعاء في "الصحيحين". قال الحافظ ابن حجر في "الفتح" (¬4): وهذا من مفاسد اعتماد ابن الأثير في النقل عنهما على جمع الحميدي. وذكر المنذري (¬5) في "مختصر السنن" بعد سياقه بتمامه، أنه أخرجه البخاري (¬6) ومسلم (¬7)، والنسائي (¬8)، وابن ماجه (¬9). ¬

_ (¬1) قاله الحافظ في "الفتح" (2/ 229). (¬2) في صحيحه رقم (744). (¬3) (2/ 229 - 230). (¬4) (2/ 228). (¬5) في "مختصر السنن" (1/ 377). (¬6) في صحيحه رقم (744). (¬7) في صحيحه رقم (598). (¬8) في "السنن" رقم (894). (¬9) في "السنن" رقم (805).

قوله: "باعد" المراد به (¬1): محو ما حصل منها، والعصمة عما سيأتي منها، وهو مجاز؛ لأن حقيقة المباعدة إنما هي في المكان والزمان، وموقع التشبيه أن التقاء المشرق والمغرب مستحيل، فكأنه أراد: لا يبقى منه اقتراب بالكلية. قوله: "بالماء والثلج والبرد". قال الخطابي (¬2): ذكر الثلج والبرد تأكيداً، أو لأنهما ماءان لم تمسهما الأيدي، [ولم يمسهما الاستعمال] (¬3). وقال ابن دقيق العيد (¬4): عبر بذلك عن غاية المحو، فإن الثوب الذي تكرر عليه ثلاثة أشياء منقية يكون في غاية النقاء [3 ب]. قال: ويحتمل أن يكون المراد كل واحد من هذه الأشياء مجاز عن صفة يقع بها المحو، وكأنه كقوله تعالى: {وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا} (¬5). وفي "شرح مسلم" (¬6) خص البارد وإن كان السخن أنقى منه ليجانس ما قبله؛ لأن البرودة هي المناسبة لإطفاء حرارة النار، ومنه: برد الله مضجعه، وإضافة الماء إلى البارد من إضافة الموصوف إلى الصفة. 2 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: "بَيْنَمَا نَحْنُ نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - إذْ قَالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ: الله أَكْبرُ كَبِيرًا، وَالحَمْدُ لله كَثِيرًا، وَسُبْحَانَ الله بُكْرَةً وَأَصِيلاً، فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنِ القَائِلُ ¬

_ (¬1) قاله الحافظ في "فتح الباري" (2/ 230). (¬2) في "أعلام الحديث" (1/ 488). (¬3) كذا العبارة في المخطوط والذي في "أعلام الحديث": ولم تمتهنهما بمرسٍ واستعمال. (¬4) في "إحكام الأحكام" (ص 297). (¬5) سورة البقرة: 286. (¬6) (5/ 96 - 97).

كَلِمَةَ كَذَا وَكَذَا؟ ". قَالَ الرَّجُلُ: أَنَا يَا رَسُولَ الله، قَالَ: "عَجِبْتُ لهَا فُتِحَتْ لهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ". قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَمَا تَرَكْتُهُنَّ مُنْذُ سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ ذَلِكَ. أخرجه مسلم (¬1) والترمذي (¬2) والنسائي (¬3). [صحيح] وزاد النسائي (¬4) في رواية: "لَقَدِ رَأيْتُ ابْتَدَرَهَا اثْنَا عَشَرَ مَلَكاً". قوله: "إذ قال رجل من القوم: الله أكبر كبيراً" منتصب على الحال، لإفادة أنه تعالى كبير في صفته، وإن لم يكبره المكبرون [و] (¬5) "كثيراً" بالمثلثة. في قوله: "الحمد لله" منتصب على المصدر، و"بكرة وأصيلاً" على الظرفية. والبكرة: الغدوة، والأصيل: العشي، كما في "القاموس" (¬6). وخصها لقوله تعالى: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ (55)} (¬7). واعلم أنه لم يعين الراوي في أي محل في صلاته. قال ذلك مع احتمال أنه قالها قبل دخوله في الصلاة، إنما سمعه هو - صلى الله عليه وسلم - وهو يصلي، وكأنه لهذا ترجم ابن الأثير بقوله: "أدعية الصلاة" مجملاً ومفصلاً. فهذا من المجمل، إلا أن في رواية النسائي (¬8) قام رجل خلف نبي الله - صلى الله عليه وسلم - .. الحديث. ففي قوله: "قام" إشعار بأنه في افتتاح الصلاة. ¬

_ (¬1) في صحيحه رقم (601). (¬2) في "السنن" رقم (3592). (¬3) في "السنن" رقم (886)، وهو حديث صحيح. (¬4) في "السنن" رقم (885)، وهو حديث صحيح. (¬5) زيادة من (أ). (¬6) "القاموس المحيط" (ص 451). (¬7) سورة غافر: 55. (¬8) في "السنن" رقم (885)، وهو حديث صحيح.

قوله: "زاد النسائي (¬1) في رواية لفظه في الرواية الأخرى: عجبت لها، فذكر كلمة معناها فتحت لها أبواب السماء". وقوله: "يبتدرها" يأتي في الأحاديث الأخر، أيهم يرفعها، فلعله المراد هنا. قوله: "مسلم والترمذي" [4 ب]. وقال (¬2): "حسن صحيح غريب". 3 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: بَيْنَما رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي إذْ جَاءَهُ رَجُل قَدْ حَفَزَهُ النَّفَسُ، فَقَالَ الله أكْبَرُ، الحَمْدُ لله حَمْداً كَثِيراً طَيِّباً مُبَارَكاً فِيهِ. فَلَمَّا قَضَى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصَّلاَةَ قَالَ: "أَيُّكُمُ المُتَكَلِّمُ بِالكَلِمَاتِ؟ " فَأَرَمَّ القَوْمُ، فَقَالَ: "إنَّهُ لَمْ يَقُلْ بَأْسَاً، فَقَالَ الرَّجُلُ: أَنَا يَا رَسُولَ الله، فقال: "لَقَدْ رَأَيْتُ اثْنَيْ عَشَرَ مَلَكاً يَبْتَدِرُونَهَا أَيُّهُمْ يَرْفَعُهَا". أخرجه مسلم (¬3) وأبو داود (¬4) والنسائي (¬5). [صحيح] "حَفْزَهُ النَّفَسُ" (¬6) أي: تتابع بشدة كأنه يحفز صاحبه: أي يدفعه. "وَأرَمَّ القَوْمُ" أطرقوا سكوتاً (¬7). قوله: "إذ [جاءه] (¬8) رجل" الظاهر أنه غير الأول؛ لاختلاف لفظ الدعاء. وقوله: "حفزه" بالحاء المهملة والفاء فزاي، يأتي تفسيره للمصنف. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (886)، وهو حديث صحيح. (¬2) في "السنن" (5/ 576). (¬3) في صحيحه رقم (600). (¬4) في "السنن" رقم (763). (¬5) في "السنن" رقم (900)، وهو حديث صحيح. (¬6) "النهاية" (1/ 694)، "غريب الحديث" للخطابي (1/ 63). (¬7) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (4/ 185). (¬8) في (أ): "جاء".

قوله: "فأرم القوم" بفتح الهمزة فراء مهملة ساكنة. وفي "النهاية" (¬1): ويروى فأزم بالزاي وتخفيف الميم وهو بمعناه؛ لأن الأرم الإمساك عن الطعام. قوله: "أطرقوا سكوناً" في "النهاية" (¬2): سكتوا أو لم يجيبوا. قال ابن الأثير (¬3): زاد أبو داود في بعض رواياته: "فإذا جاء أحدكم فليمش نحو ما كان يمشي فليصل ما أدرك، وليقض ما سبق". انتهى. 4 - وعن جابر - رضي الله عنه - قال: كَانَ رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إذَا اسْتَفْتَحَ الصَّلاَةَ كَبَّرَ، ثُمَّ قَالَ: "إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لله رَبِّ العَالَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّل المُسْلِمِينَ. اللهمَّ اهْدِنِي لأَحْسَنِ الأَعْمَالِ وَأَحْسَنِ الأَخْلاَقِ، لاَ يَهْدِي لأَحْسَنِهَا إِلاَّ أَنْتَ، وَقِني سَيَّئَ الأَعْمَالِ، وَسَيَّئَ الأَخْلاَقِ، لاَ يَقِي سَيِّئَهَا إِلاَّ أَنْتَ". أخرجه النسائي (¬4). [صحيح] قوله: "وعن جابر". قوله: أي: للإحرام، ثم قال: بمعنى الفاء [إذ] (¬5) لا تراخي بين التكبيرة والقول. قوله: "ونسكي" النسك (¬6): العبادة، فهو من عطف العام على الخاص. و"المحيا والممات" مصدران ميميان، أي: حياتي وموتي هما لله ملكاً يملكهما، متى شاء أحيا، ومتى شاء أمات. ¬

_ (¬1) (1/ 59). (¬2) (1/ 694). (¬3) في "جامع الأصول" (4/ 185). (¬4) في "السنن" رقم (896)، وهو حديث صحيح. (¬5) في (ب): "إذا". (¬6) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 736 - 737)، "غريب الحديث" للخطابي (1/ 168).

قوله: "لا شريك له" حال مؤكدة؛ لأنه إذا كان مالك العالمين فلا شريك له، إذ العالمين عبارة عن كل مخلوق، والمخلوق كيف يكون شريكاً لخالقه؟ وقيل: العالمين الجن والإنس والملائكة. قيل: والشياطين. وقيل: بنو آدم خاصة. وقيل: الدنيا وما فيها، وهو مشتق من العلامة؛ لأن كل مخلوق علامة على وجود خالقه، وقيل: من العلم، فعلى هذا يختص بالعقلاء. قوله: "وبذلك" أي: بهذا [5 ب] القول أمرني الله وأنا أول المنقادين له، أي: من هذه الأمة، أو حكاية لقول إبراهيم. قوله: "وأحسن الأخلاق" من عطف الخاص على العام، فإن حسن الخلق من الأعمال. 5 - وعن محمد بن مسلمة - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبيَ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا قَامَ يُصَلِّي تَطَوُّعًا قَالَ: "الله أَكْبَرُ، وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ" وَذَكَرَ مِثْلَ حَدِيثِ جَابِرٍ، ثمَّ قَالَ: "اللهمَّ أَنْتَ المَلِكُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ، سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِك". ثُمَّ يَقْرَأُ. أخرجه النسائي (¬1). [صحيح] قوله: "عن محمد بن مسلمة" هو: أوسي، أنصاري، حارثي، أشهلي، كان من فضلاء الصحابة (¬2)، من الذين أسلموا على يد مصعب بن عمير بالمدينة، ومات بها بعد الأربعين، وهو ابن سبع وسبعين. قوله: "تطوعاً" لا يمنع ذلك عن الإتيان به في الفريضة، إذ هو مفهوم صفة لا يعمل به. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (898)، وهو حديث صحيح. (¬2) انظر: "التقريب" (2/ 208 رقم 707).

قوله: "فطر السماوات" أي: ابتدأ خلقهما على غير مثال سابق، وجمع السماوات ووحد الأرض، وإن كانت سبعاً كالسماوات؛ لأنه أراد جنس (¬1) الأرضين وجمع السماوات لشرفها. قيل: وهو يؤيد المذهب الصحيح المختار الذي عليه الجمهور: أن السماوات أفضل من الأرض، وقيل: الأرض أفضل؛ لأنها مستقر الأنبياء، وهو ضعيف. انتهى. قلت: وهذا التفضيل من الفضول. ولو قيل: إن الأرض أفضل بالنظر إلى بني آدم لأن فيها خلقوا، وفيها لله يعبدوا، وفيها يعيدهم الله. والسماوات أفضل، بالنظر إلى الملائكة؛ لأنها محل عباداتهم، وأمرهم وبلاغهم الوحي منها إلى العباد لكان قريباً. والحاصل: أن التفضيل إن كان على الذوات فلا يتم حتى تعرف صفات كل واحدة الخاصة بها، ولا يعرف إلا بالوحي، أو باعتبار ما يقع فيها من العبادة، فلا ريب أن السماوات لا تقع فيها معصية، والأرض موضع المعاصي ومستقر الشياطين وقرار الكفر بالله والشرك، فالسماوات أفضل مطلقاً، وكأنه الذي لاحظه الجمهور. قوله: "حنيفاً" (¬2) قيل: مستقيماً [6 ب]. وقال الاكثرون: مائلاً، وهو المائل إلى الحق هنا. وقال أبو عبيد (¬3): الحنيف عند العرب: من كان على دين إبراهيم - عليه السلام -، وانتصابه على الحال. قوله: "وما أنا من المشركين" بيان للحنيف وإيضاح لمعناه. ويطلق المشرك على كل كافر، من عابد صنم، ووثن، ويهودي، ونصراني، ومجوسي، وزنديق، وغيرهم. ¬

_ (¬1) انظر: "فتح الباري" (6/ 289 - 292، 293 - 295). (¬2) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 443). (¬3) انظر: "الغريبين" (2/ 503).

واعلم أن رواية النسائي (¬1) بعد حنيفاً مسلماً، وسقط هذا اللفظ من رواية ابن الأثير والمصنف. قوله: "وبحمدك" أي: أبتدي. وقيل: بحمدك تستجب. وقد تحذف الواو وتكون الباء للسبب أو الملابسة، أي: التسبيح سبب بالحمد أو ملابس له. قوله: "وذكر مثل حديث جابر". أقول: هكذا قاله ابن الأثير (¬2). وقوله وذكر الحديث مثل حديث جابر، أي: ذكر النسائي (¬3) في رواية محمد بن مسلمة، وراجعت النسائي وإذا الذي فيه في رواية محمد بن مسلمة بعد قوله: "من المشركين" هو قوله: "إن صلاتي" إلى قوله: "المسلمين"، وفي النسائي: "أول المسلمين" أيضاً، وكأنها نسخة منه ليستقيم قوله، إلا أنه قال: هذا وليس فيه ما في حديث من قوله: "اللهم اهدني" إلى آخره كما توهمه عبارة ابن الأثير والمصنف. 6 - وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كَانَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إِذَا افْتَتَحَ الصَّلاَةَ قَالَ: "سُبْحَانَكَ اللهمَّ وَبِحَمْدِكَ وَتبَارَكَ اسْمُكَ، وَتَعَالَى جَدُّكَ, وَلاَ إِلَهَ غَيْرُكَ". ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (898)، وهو حديث صحيح. (¬2) في "الجامع" (4/ 187 رقم 2151). (¬3) في "السنن" رقم (898) عن محمد بن مسلمة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا قام يصلي تطوعاً قال: "الله أكبر، وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً مسلماً وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين، اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك" ثم يقرأ. وهو حديث صحيح، وقد تقدم تخريجه.

أخرجه أبو داود (¬1) والترمذي (¬2). [صحيح] والمراد "بِالجَدِّ" (¬3) في حق الله تعالى عظمته وجلاله، أي: صار جدك عالياً. قوله: "في حديث عائشة أخرجه الترمذي وأبو داود". أقول: قال النووي في "الأذكار" (¬4): رواه أبو داود (¬5) والترمذي (¬6)، وابن ماجه (¬7)، بأسانيد ضعيفة، وضعفه أبو داود، والترمذي، والبيهقي وغيرهم، ورواه أبو داود (¬8) [7 ب] والترمذي (¬9)، والنسائي (¬10)، وابن ماجه (¬11)، والبيهقي (¬12) من رواية أبي سعيد الخدري ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (776). (¬2) في "السنن" رقم (243). وأخرجه ابن ماجه رقم (806)، والحاكم (1/ 235)، والبيهقي (2/ 33 - 34)، وابن خزيمة رقم (470). قال الترمذي: هذا حديث لا نعرفه من حديث عائشة إلا من هذا الوجه. قلت: بل روي من غير هذا الوجه، كما أخرجه أبو داود والحاكم والبيهقي. وهو حديث صحيح. (¬3) قال ابن الأثير في "غريب الجامع" (4/ 188). (¬4) (1/ 143 رقم 119/ 92). (¬5) في "السنن" رقم (776). (¬6) في "السنن" رقم (243). (¬7) في "السنن" رقم (806)، وهو حديث صحيح. (¬8) في "السنن" (775). (¬9) في "السنن" (242). (¬10) في "السنن" (2/ 132). (¬11) في "السنن" رقم (804). (¬12) في "السنن الكبرى" (2/ 33 - 34)، وهو حديث صحيح لغيره.

وضعفوه، قال البيهقي (¬1): وروى الاستفتاح: "سبحانك اللهم وبحمدك" (¬2) عن ابن مسعود (¬3) مرفوعاً، وعن أنس (¬4) مرفوعاً، وكلها ضعيفة. قال النووي (¬5): قلت: وأصح ما روي (¬6) فيه، عن عمر بن الخطاب، ثم رواه بإسناده. انتهى. ¬

_ (¬1) في "السنن الكبرى" (2/ 34). (¬2) زيادة من (أ). (¬3) أخرجه ابن ماجه رقم (808)، والحاكم (1/ 207)، والبيهقي (2/ 36)، وأحمد (1/ 403)، وابن المنذر في "الأوسط" (3/ 82 ث 1269)، وهو حديث صحيح لغيره. (¬4) أخرجه الدارقطني في "السنن" (1/ 300 رقم 12). قال أبو حاتم في "العلل" (1/ 135 رقم 374): سمعت أبي، وذكر حديثاً رواه محمد بن الصلت، عن أبي خالد الأحمر عن حميد عن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في افتتاح الصلاة: سبحانك اللهم وبحمدك، وأنه كان يرفع يديه إلى حذو أذنيه، فقال: هذا حديث كذب لا أصل له، ومحمد بن الصلت لا بأس به، كتبت عنه. وله طريق آخر رواه الطبراني في كتابه "المفرد في الدعاء" رقم (505)، وفي "الأوسط" (3039) بنفس الإسناد. وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (2/ 107) وقال: رواه الطبراني في "الأوسط"، ورجاله موثقون. قلت: بل عائذ بن شريح ضعيف. وله طريق ثانٍ أخرجه الطبراني في "الدعاء" رقم (506) بسند حسن. وقال الحافظ في "الدراية" (1/ 129): هذه متابعة جيدة لرواية أبي خالد الأحمر، أي: لرواية الدارقطني المتقدمة. وهو حديث حسن لغيره. (¬5) (1/ 144). (¬6) أخرجه مسلم في صحيحه رقم (52/ 399) موقوفاً على عمر. وهو أثر صحيح.

الركوع والسجود

أما رواية أبي سعيد؛ فإنها من رواية علي بن علي الرفاعي، قال الترمذي (¬1): كان يحيى ابن سعيد يتكلم في علي بن علي. وقال أحمد: لا يصح هذا الحديث. انتهى. وقال (¬2) في حديث عائشة: لا نعرفه (¬3) إلا من هذا الوجه، وحارثة يريد ابن أبي الرجال راويه عن عمرة عن عائشة قد تكلم فيه من قبل حفظه. انتهى. ومثله في "سنن أبي داود" الحديثين معاً (¬4). [289/ أ]. الركوع والسجود 1 - عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَلاَ وَإِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَقْرَأَ القُرْآنَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا، فَأَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ، وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ، فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ". أخرجه مسلم (¬5) وأبو داود (¬6) والنسائي (¬7). [صحيح] ومعنى "قَمِن" (¬8): جدير. قوله: "الركوع والسجود". ¬

_ (¬1) في "السنن" (2/ 10). (¬2) في "السنن" (2/ 11 - 12). (¬3) بل روي من غير هذا الوجه، كما أخرجه أبو داود والحاكم والبيهقي، وقد تقدم. (¬4) انظر ما تقدم. (¬5) في صحيحه رقم (479). (¬6) في "السنن" رقم (876). (¬7) في "السنن" رقم (1045، 1120). (¬8) قال ابن الأثير في "النهاية" (2/ 492): قَمِنٌ وقمِينٌ أي: خليق وجدير، فمن فتح الميم لم يثنِّ ولم يجمع ولم يؤنث؛ لأنه مصدر، ومن كسر ثنى وجمع، وأنث؛ لأنه وصف. وانظر: "الفائق" للزمخشري (2/ 197).

أي: ما يقال فيهما من الأدعية. قوله: "عن ابن عباس". أقول: أول الحديث: كشف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أستاره والناس صفوف خلف أبي بكر، فقال: "يا أيها الناس! إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له، ألا وإني نهيت ... " الحديث. قوله: "أن أقرأ القرآن" النهي يقتضي الفساد، فلو قرأ فسدت صلاته. وقال النووي (¬1): لا تبطل صلاته، إلا إذا قرأ بالفاتحة؛ ففيه وجهان. انتهى. قوله: "فعظموا فيه الرب". أقول: قد ورد تعيين التعظيم فيما أخرجه سعيد بن منصور (¬2)، وأحمد (¬3)، وأبو داود (¬4)، وابن ماجه (¬5)، وابن حبان (¬6)، والحاكم (¬7)، وصححه [8 ب] والبيهقي في ["سننه" (¬8)] (¬9) عن عقبة بن عامر الجهني قال: لما نزلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (74)} (¬10) ¬

_ (¬1) في شرحه لصحيح مسلم (4/ 197 - 198). (¬2) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (8/ 481). (¬3) في مسنده (4/ 155). (¬4) في "السنن" (869). (¬5) في "السنن" (887). (¬6) في صحيحه رقم (1898). (¬7) في "المستدرك" (1/ 225). (¬8) في (ب): "في شعبه". (¬9) في "السنن الكبرى" (2/ 286)، وهو حديث ضعيف، والله أعلم. (¬10) سورة الواقعة: 74.

قال: "اجعلوها في ركوعكم"، فلما نزلت: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)} (¬1) قال: "اجعلوها في سجودكم". قوله: "فاجتهدوا في الدعاء" أقول: بخير الدنيا والآخرة كما تفيده أحاديث الأدعية، والمراد مع التسبيح المأمور به. قوله: "أي جدير" (¬2) بالجيم مفتوحة فدال مهملة فراء، أي: حقيق. 2 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: كانَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ فِي سُجُودِهِ: "اللهمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي كُلَّهُ, دِقَّهُ وَجِلَّهُ, أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ، سِرَّهُ وَعَلاَنِيَتَهُ". أخرجه مسلم (¬3) وأبو داود (¬4). [صحيح] قوله: "وعن أبي هريرة". قوله: "دقه" بكسر المهملة فقاف. قوله: "وجله" بزنة دقه. قال ابن الأثير (¬5): الدقيق من الأمور، الصغير منها، والجليل، العظيم الكبير منها. قلت: وكأنه أريد صغائر الذنوب وكبائرها، وفيه دليل أنها تغفر الكبائر بغير توبة، وإلا لما جاز سؤال غفرانها. قوله: "أوله وآخره" ما تقدم منه وما تأخر. "سره وعلانيته" ما أخفي وما أظهر. ¬

_ (¬1) سورة الأعلى: 1. (¬2) تقدم شرحها. (¬3) في صحيحه رقم (486). (¬4) في "السنن" رقم (879)، وهو حديث صحيح. (¬5) في "غريب الجامع" (4/ 191).

3 - وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كَانَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: "سُبْحَانَكَ اللهمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ, اللهمَّ اغْفِرْ لِي" يَتَأَوَّلُ القُرْآنَ. أخرجه الخمسة (¬1) إلا الترمذي. [صحيح] وفي أخرى لمسلم (¬2) وأبي داود (¬3) والنسائي (¬4): "كانَ يَقُولُ في رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ المَلاَئِكَةِ وَالرُّوحِ". وفي أخرى لمالك (¬5) والترمذي (¬6) وأبي داود (¬7): فَقَدْتُهُ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ الفِرَاش فَلَمَسْتُهُ فَوَضَعْتُ يَدِي عَلَى قَدَمَيْهِ وَهُوَ سَاجِدٌ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سخَطِكَ وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ وَبِكَ مِنْكَ لاَ أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ". قوله: "في حديث عائشة: أخرجه الخمسة إلا الترمذي". أقول: زاد ابن الأثير (¬8) في آخره: "يتأول القرآن". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (817)، ومسلم رقم (484)، وأبو داود رقم (877)، والنسائي (2/ 219)، وابن ماجه رقم (889)، وأحمد (6/ 43)، وهو حديث صحيح. (¬2) في صحيحه رقم (487). (¬3) في "السنن" رقم (872). (¬4) في "السنن" رقم (1048، 1143). (¬5) في "الموطأ" (1/ 214 رقم 31). (¬6) في "السنن" رقم (3493). (¬7) في "السنن" رقم (879). وأخرجه مسلم رقم (486)، وابن ماجه رقم (3841)، والنسائي رقم (1100، 1130، 5534)، وهو حديث صحيح. (¬8) في "الجامع" (4/ 191 - 192).

قال النووي (¬1): معنى يتأول القرآن: يعمل بما أمر به في قوله تعالى: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (3)} (¬2). قال (¬3): وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول بهذا الكلام البديع في الجزالة المستوفى ما أمر به [9 ب] في الآية، وكان يأتي به في الركوع والسجود؛ لأن حالة الصلاة أفضل من غيرها، وكان يختارها لأداء هذا الواجب الذي أمر به, ليكون أكمل. قال (¬4) أهل العربية وغيرهم (¬5): التسبيح: التنزيه، وقولهم (سبحان الله) منصوب على المصدر، يقال: سبحت الله تسبيحاً، وسبحاناً، فسبحان الله معناه: نزه لله، وتنزيهاً له من كل نقص وصفة للمحدث. قالوا (¬6): وقوله: "وبحمدك" أي: وبحمدك سبحتك، ومعناه: بتوفيقك لي، وهدايتك، وفضلك علي سبحتك لا بحولي وقوتي، ففيه [شكر الله] (¬7) على هذه النعمة، والاعتراف بها والتفويض إلى الله، واستغفاره - صلى الله عليه وسلم - مع أنه مغفور له من باب العبودية [والاعتراف] (¬8) والافتقار إليه تعالى. قوله: "وفي أخرى لمسلم". ¬

_ (¬1) في شرحه لصحيح مسلم (4/ 201). (¬2) سورة النصر: 3. (¬3) أي النووي في شرحه لصحيح مسلم (4/ 201). (¬4) ذكره النووي في شرحه لصحيح مسلم (4/ 201 - 202). (¬5) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (1/ 745)، "غريب الحديث" للهروي (1/ 330). (¬6) ذكره النووي في شرحه لصحيح مسلم (4/ 202). (¬7) في (ب): "شكران"، وما أثبتناه من (أ)، و"شرح صحيح مسلم" (4/ 202). (¬8) كذا في (أ. ب)، والذي في "شرح صحيح مسلم": "والإذعان".

قوله: "سبوح قدوس" قال ابن الأثير (¬1): سبوح فعول من التسبيح، مضموم الأول وقد يفتح، وليس بالكثير. قلت: قال النووي (¬2): إنه بفتح السين والقاف، وبفتحها والضم أفصح وأكثر. قال الجوهري (¬3): كان سيبويه يقولهما بالفتح. وقال ابن فارس (¬4) والزبيدي (¬5) وغيرهما (¬6): سبوح هو الله تعالى، والمراد بالسبوح القدوس؛ المسبح المقدس، فكأنه قال: مسبح مقدس رب الملائكة والروح، قيل: الروح ملك عظيم الشأن والخلق. وقيل: هو اسم جبريل. وقيل: هو روح الخلائق التي بها حياتهم، قاله ابن الأثير (¬7). قوله: "وفي أخرى" رواية أخرى عن عائشة. قوله: "لمالك وأبي داود والترمذي". أقول [10 ب] في "الجامع" نسبها لمسلم (¬8)، والموطأ (¬9)، والترمذي (¬10)، وأبي داود (¬11)، ¬

_ (¬1) في "غريب الجامع" (4/ 192). (¬2) في شرحه لصحيح مسلم (4/ 204). (¬3) في "الصحاح" (3/ 961). (¬4) في "مقاييس اللغة" (3/ 125)، و (5/ 63 - 64). (¬5) في "تاج العروس" (8/ 408). (¬6) كالفيروز آبادي في "القاموس المحيط" (ص 285). (¬7) في "غريب الجامع" (4/ 192). (¬8) في صحيحه رقم (486). (¬9) في "الموطأ" (1/ 214 رقم 31). (¬10) في "السنن" رقم (3493). (¬11) في "السنن" رقم (879).

والنسائي (¬1)، فسقط على المصنف مسلم، والنسائي. قوله: "اللهم إني أعوذ برضاك" الحديث في "شرح مسلم" (¬2) قال أبو سليمان الخطابي (¬3): في هذا معنى لطيف، وهو أنه استعاذ بالله وسأله أن يجيره بعفوه من سخطه، وبمعافاته من عقوبته، والرضا والسخط ضدان متقابلان. وكذلك [المعافاة والعاقبة] (¬4)، ولما صار إلى ما لا ضد له وهو الله تعالى، استعاذ به منه لا غير، ومعناه: الاستغفار من التقصير في بلوغ الواجب من حق عبادته والثناء عليه. قوله: "لا أحصي ثناء عليك" أي: لا أطيقه، [ولا آتي عليه] (¬5). وقيل: لا أحيط به. وقال مالك (¬6): معناه لا أحصي نعمك وإحسانك والثناء عليك، وإن اجتهدت في الثناء عليك. قوله: "أنت كما أثنيت على نفسك" فالعجز اعتراف عن تفصيل الثناء، وأنه لا يقدر على حقيقته ورد الثناء إلى الجملة دون التفصيل والإحصاء والتعيين، فوكل ذلك إلى الله المحيط بكل شيء جملة وتفصيلاً، [و] (¬7) كما أنه لا نهاية لصفاته، لا نهاية للثناء عليه ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (1100، 1130، 5534)، وهو حديث صحيح، وقد تقدم. (¬2) (4/ 204). (¬3) في "معالم السنن" (1/ 547 - مع السنن). (¬4) كذا في (أ. ب)، والذي في "معالم السنن": "المعافاة والمؤاخذة بالعقوبة". (¬5) كذا في (أ. ب)، والذي في "المعالم": "ولا أبلغه". (¬6) ذكره النووي في "شرح صحيح مسلم" (4/ 204). (¬7) زيادة من (أ).

[290/ أ]؛ لأن الثناء تابع للمثني عليه وإن أكثر وطال [وبالغ] (¬1) فيه، فقدر الله أعظم، وسلطانه أعز، وصفاته أكبر وأكثر، وفضله وإحسانه أوسع وأسبغ. انتهى. 4 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا رَكَعَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ: سُبْحَانَ رَبِّيَ العَظِيمِ، وَذَلِكَ أَدْنَاهُ، وَإذَا سَجَدَ فَلْيَقُلْ: سُبْحَانَ رَبِّيَ الأَعْلَى ثَلاَثًا، وَذَلِكَ أَدْنَاهُ". أخرجه أبو داود (¬2) والترمذي (¬3). [ضعيف] قوله: "في حديث ابن مسعود: أخرجه أبو داود والترمذي". قلت: وقال الترمذي (¬4): "حديث ابن مسعود ليس إسناده بمتصل، عون بن عبدان بن عتبة لم يلق ابن مسعود". [11 ب]. قال المنذري (¬5): ذكره البخاري في تاريخه (¬6)، وقال: إنه مرسل. وقال: عون هذا هو عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي الكوفي، انفرد مسلم بإخراج حديثه. انتهى. 5 - وعن جابر - رضي الله عنه - قال: كانَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إِذَا رَكَعَ قَالَ: "اللهمَّ لَكَ رَكَعْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَلَكَ أَسْلَمْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، أَنْتَ رَبِّي، خَشَعَ سَمْعِي، وَبَصَرِي، وَلَحْمِي، وَدَمِي، وَعِظَامِي لله رَبِّ العَالَمِينَ". ¬

_ (¬1) كذا في (أ. ب)، والذي في "شرح صحيح مسلم": "وبولغ". (¬2) في "السنن" رقم (886) قال أبو داود: هذا مرسل، عون لم يدرك عبد الله. (¬3) في "السنن" رقم (261). وأخرجه ابن ماجه رقم (860)، والشافعي في "الأم" (2/ 254 - 255 رقم 226). وقال الشافعي عقب الحديث: إن كان هذا ثابتاً، وهذه منه إشارة إلى ضعف الحديث. وهو حديث ضعيف، والله أعلم. (¬4) في "السنن" (2/ 47). (¬5) في "مختصر السنن" (1/ 422). (¬6) (7/ 13 - 14)، ولم أجد قول: مرسل.

أخرجه النسائي (¬1). [صحيح] "الخُشُوعُ" (¬2) الخضوع والذل. 6 - وعن ابن أبي أوفى - رضي الله عنه - قال: كَانَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إِذَا رَفَعَ ظَهْرَهُ مِنَ الرُّكُوعِ قَالَ: "سَمِعَ الله لمَنْ حَمِدَهُ، اللهمَّ رَبَّنَا لَكَ الحَمْدُ، مِلْءَ السَّمَوَاتِ، وَمِلْءَ الأَرْضِ، وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ". أخرجه مسلم (¬3) وأبو داود (¬4) والترمذي (¬5). [صحيح] قوله: "في حديث ابن أبي أوفى: سمع الله" أي: أجاب حمده وتقبله. يقال: اسمع دعائي، أي: أجب؛ لأن غرض السائل الإجابة والقبول. قوله: "ملء السماوات" في "شرح مسلم" (¬6) بنصب الهمزة ورفعها، والنصب أشهر. وهو الذي اختاره ابن خالويه (¬7) ورجحه، وأطنب في الاستدلال له، وجوز الرفع على أنه مرجوح. وحكي عن الزجاج (¬8): أنه يتعين الرفع، ولا يجوز غيره، وبالغ في إنكار النصب، وقد ذكرت كل ذلك بدلائله في [كتاب] (¬9) "تهذيب الأسماء واللغات" (¬10). ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (1052)، وهو حديث صحيح، ولم يعلق عليه المصنف بشيء. (¬2) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (1/ 493)، "المجموع المغيث" (1/ 581). (¬3) في صحيحه رقم (476). (¬4) في "السنن" رقم (846). (¬5) في "السنن" رقم (3547). وهو حديث صحيح. (¬6) (4/ 192 - 193). (¬7) ذكره النووي في شرحه لصحيح مسلم (4/ 192). (¬8) ذكره النووي في شرحه لصحيح مسلم (4/ 193). (¬9) زيادة من (أ). (¬10) ذكره النووي في شرحه لصحيح مسلم (4/ 193).

قال العلماء: معناه حمداً لو كان جسماً لملأ السماوات والأرض، وفي هذا الحديث فوائد، منها: استحباب هذا الذكر. ومنها: وجوب الاعتدال، ووجوب الطمأنينة فيه، وأنه يستحب لكل مصلٍّ من إمام ومأموم ومنفرد أن يقول: "سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد" ويجمع بينهما، ويكون قوله: "سمع الله لمن حمده" في حال ارتفاعه، وقوله: "ربنا ولك الحمد" في حال اعتداله؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "صلوا كما رأيتموني أصلي" رواه البخاري (¬1). انتهى كلامه. قوله: [في حديث ابن أبي أوفى] (¬2): "ما شئت من شيء بعد" زاد مسلم (¬3) في رواية أبي سعيد [12 ب] بعد "بعد": "اللهم طهرني بالثلج والبرد والماء البارد، اللهم طهرني من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس" إلى هنا ساقه ابن الأثير (¬4) ناسباً هذه الزيادة إلى مسلم (¬5)، ورأينا الحديث في مسلم بتمامه: "أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد". في "شرح مسلم" (¬6) (أهل) منصوب على النداء، هذا هو المشهور، وجوز بعضهم رفعه على تقدير: أنت أهل الثناء، والمختار النصب. والثناء الوصف الجميل والمدح، والمجد العظمة ¬

_ (¬1) في صحيحه رقم (685). وأخرجه أحمد (5/ 53)، ومسلم رقم (674)، والنسائي (2/ 9)، والترمذي رقم (205). (¬2) زيادة من (أ). (¬3) في صحيحه رقم (204/ 476). (¬4) في "الجامع" (4/ 199). (¬5) في صحيحه (205/ 477). (¬6) في شرحه لصحيح مسلم (4/ 194).

ونهاية الشرف. وفيه أن (أحق) في رواية مسلم بالألف، و (كلنا) بالواو، وأما ما وقع في كتب الفقه: "حق ما قال العبد كلنا لك عبد" فهو غير معروف من حيث الرواية. وتقديره على رواية مسلم: "أحق قول العبد لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت" إلى آخره، واعترض بينهما بقوله: "وكلنا لك عبد"، وفيه (¬1) دلالة على فضيلة هذا اللفظ، فقد أخبر من لا ينطق عن الهوى أن هذا أحق ما قاله، وإنما كان أحق ما قاله العبد، لما فيه من التفويض إلى الله، والإذعان له والاعتراف بوحدانيته، والتصريح بأنه لا حول ولا قوة إلا به. والجد (¬2) المشهور الصحيح أنه بفتح الجيم هو الحظ والغنى والعظمة والسلطان، أي: لا ينفع ذا الحظ في الدنيا بالمال والولد والعظمة والسلطان [13 ب] فيك حظه، أي: لا ينجيه حظه منك، وإنما ينفعه وينجيه العمل الصالح، كقوله تعالى: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ} (¬3) انتهى باختصار. 7 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: كَانَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ: "اللهمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَاجْبُرْنِي وَاهْدِنِي وَارْزُقْنِي". أخرجه أبو داود (¬4) والترمذي (¬5)، واللفظ له. [حسن] قوله: "في حديث ابن عباس واللفظ له" أي: للترمذي. ¬

_ (¬1) قاله النووي في "شرح صحيح مسلم" (4/ 195 - 196). (¬2) انظر: "النهاية" (1/ 239)، "غريب الحديث" للهروي (1/ 256)، "الفائق" للزمخشري (1/ 192). (¬3) سورة الكهف: 46. (¬4) في "السنن" رقم (850). (¬5) في "السنن" رقم (284). وأخرجه ابن ماجه رقم (898)، والحاكم (1/ 271)، والبيهقي في "السنن" (2/ 381)، وهو حديث حسن.

قلت: لكنه قال (¬1) عقبه: "غريب" وقال: وروى [بعضهم] (¬2) الحديث عن كامل أبي العلاء مرسلاً، هذا آخر كلامه. قال المنذري (¬3): وكامل هو أبو العلاء أو أبو عبيد الله كامل بن العلاء التميمي السعدي الكوفي وثقه يحيى بن معين، وتكلم فيه غيره. [انتهى] (¬4). 8 - وعن علي - رضي الله عنه - قال: كانَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - إذَا سَجَدَ قَالَ: "اللهمَّ لَكَ سَجَدْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَلَكَ أَسْلَمْتُ، سَجَدَ وَجْهِيَ لِلَّذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ، وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ، تَبَارَكَ الله أَحْسَنُ الخَالِقِينَ"، ثُمَّ يَكُونُ آخِرَ مَا يَقُولُ بَيْنَ التَّشَهُّدِ وَالتَّسْلِيم: "اللهمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ، وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أسْرَرْتُ، وَمَا أعْلَنْتُ، وَمَا أسْرَفْتُ، وَمَا أَنْتَ اعْلمُ بِهِ مِنَّي، أَنْتَ المُقَدَّمُ، وَأَنْتَ المُؤَخِّرُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ". أخرجه الخمسة (¬5) إلا البخاري. [صحيح] قوله: "في حديث علي - عليه السلام -: الذي شق سمعي وبصري". قيل: فيه دليل لمذهب الزهري أن الأذنين من الوجه، وأجيب بأن المراد بالوجه: الذات، كقوله: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} (¬6)، وبأن الوجه يضاف إلى ما يجاوره، كما يقال: بساتين البلد. وقوله: "أحسن الخالقين" أي: المقتدرين والمعبودين [291/ أ]. ¬

_ (¬1) في "السنن" (2/ 77). (¬2) زيادة من (أ). (¬3) في "مختصر السنن" (1/ 403). (¬4) زيادة من (أ). (¬5) أخرجه مسلم رقم (771)، وأبو داود رقم (760)، وابن ماجه رقم (1054) مختصراً، والترمذي رقم (266، 3421، 3422)، والنسائي رقم (897). وهو حديث صحيح، والله أعلم. (¬6) سورة القصص: 88.

9 - وعن ابن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال: قَالَ أَبُو بَكْرٍ لِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -: عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلاَتِي، قَالَ: "قُلِ: اللهمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كثِيرًا، وَلاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ، فاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِك وَارْحَمْنِي إِنَّكَ أَنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ". أخرجه الخمسة (¬1) إلا أبا داود. [صحيح] قوله: "وعن ابن عمرو بن العاص". قوله: "أدعو به في صلاتي" أقول: هذا من الأدعية (¬2) المجملة في محل الصلاة؛ لأنه شامل لكل محل فيها، وفيه: أن الصلاة محل الدعاء، وأنه لا حجة لمن خالف في ذلك. قوله: "كثيراً" أقول: يروى بالباء الموحدة نظراً إلى كبر الذنوب في ذاتها، وروي بالمثلثة نظراً إلى تعددها. واعلم أن المطيع قد ينظر إلى تقصيره في كمال الطاعة، ويزدري اجتهاده في جنب عظمة الله تعالى، فيستكثر ذنوبه، ومن أراد الجمع بين الروايتين فليأت بالدعاء مرتين، وهو أحسن من ذكرهما معاً في مرة واحدة، فإن المذكور في كل رواية واحدة منها. وقوله: "من عندك" أي: تفضلاً وإن لم أكن لها أهلاً. قوله: "إنك أنت الغفور الرحيم" توصل إليه عند سؤال المغفرة بصفةِ عفوه لمناسبة المطلوب لتلك الصفة، وهو مشتق من آيات القرآن: {وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (114)} (¬3)، ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (834، 6326)، ومسلم رقم (2705)، والنسائي رقم (1302)، والترمذي رقم (2531)، وابن ماجه رقم (3835)، وابن حبان رقم (1967)، وعبد بن حميد رقم (5)، والبزار رقم (29)، وأبو يعلى في مسنده رقم (29)، (31)، وابن خزيمة رقم (845)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (2/ 154). وهو حديث صحيح. (¬2) انظر: "فتح الباري" (2/ 318). (¬3) سورة المائدة: 114.

بعد التشهد

{وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128)} (¬1) فعلى الداعي أن يلاحظ هذه الآداب القرآنية والنبوية. بعد التشهد 1 - عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: كانَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ بَعْدَ التَّشَهُّدِ: "اللهمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنهِ الدَّجَّالِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنهِ المَحْيَا وَالمَمَاتِ". أخرجه أبو داود (¬2). [إسناده حسن]. قوله: "في حديث ابن عباس: من فتنة المحيا". أقول: فتنة المحيا (¬3) ما يعرض للإنسان في مدة حياته من الافتتان بالدنيا والشهوات والجهالات، وأعظمها والعياذ بالله أمر الخاتمة عند الموت، وفتنة الممات، يحتمل أن يراد بها: الفتنة عنده أو بعده، وهي فتنة (¬4) القبر. بعد السلام 1 - عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: سَمِعْتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لَيْلَةً حِينَ فَرَغَ مِنْ صَلاَتِهِ يَقُولُ: "اللهمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِكَ تَهْدِي بِهَا قَلْبِي، وَتَجْمَعُ بِهَا أَمْرِي، وَتَلُمُّ بِهَا شَعَثِي، وَتَرُدُّ بِهَا غَائِبِي، وَتَرْفَعُ بِهَا شَاهِدِي، وَتُزَكِّي بِهَا عَمَلِي، وَتُلْهِمُنِي بِهَا رَشَدِي، وَتَرُدُّ بِهَا أُلْفَتِي، وَتَعْصِمُنِي بِهَا مِنْ كُلِّ سُوءٍ، اللهمَّ أَعْطِني إِيمَانًا وَيَقِينًا لَيْسَ بَعْدَهُ كُفْرٌ، وَرَحْمَةً أَنَالُ بِهَا شرَفَ كَرَامَتِكَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، اللهمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الفَوْزَ فِي القَضَاءِ، وَنُزُلَ الشُّهَدَاءِ، وَعَيْشَ السُّعَدَاءِ، وَالنَّصْرَ ¬

_ (¬1) سورة البقرة: 128. (¬2) في "السنن" رقم (984) بإسناد حسن. (¬3) قاله ابن دقيق العيد في "إحكام الأحكام" (2/ 77). (¬4) قال الحافظ في "فتح الباري" (2/ 318) وقيل: أراد بفتنة المحيا الابتلاء مع زوال الصبر، وبفتنة الممات السؤال في القبر مع الحيرة.

عَلَى الأَعْدَاءِ، اللهمَّ إِنِّي أُنْزِلُ بِكَ حَاجَتِي، وَإِنْ قَصُرَ رَأْيِي، وَضَعُفَ عَمَلِي، وَافْتَقَرْتُ إِلَى رَحْمَتِكَ، فَأَسْأَلُكَ يَا قَاضِيَ الأُمْورِ، وَيَا شَافِيَ الصُّدُورِ كَمَا تُجِيرُ بَيْنَ البُحُورِ أَنْ تُجِيرَنِي مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ، وَمِنْ دَعْوَةِ الثُّبُورِ، وَمِنْ فِتْنهِ القُبُورِ. اللهمَّ مَا قَصُرَ عَنْهُ رَأْييِ، [وَلَمْ تَبْلُغْهُ نِيَّتِي] (¬1) مِنْ خَيْرٍ وَعَدْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوْ خَيْرٍ أَنْتَ مُعْطِيهِ أَحَدًا مِنْ عِبَادِكَ, فَإِنِّي رَاغْبٌ إِلَيْكَ فِيهِ، وَأَسْأَلُكَهُ بِرَحْمَتِكَ يَا رَبَّ العَالَمِينَ. اللهمَّ يَا ذَا الحَبْلِ الشَّدِيدِ، وَالأَمْرِ الرَّشِيدِ، أَسْأَلُكَ الأَمْنَ يَوْمَ الوَعِيدِ، وَالجَنَّةَ يَوْمَ الخُلُودِ مَعَ المُقَرَّبِينَ الشُّهُودِ، والرُّكَّعِ السُّجُودِ، المُوفِينَ بِالعُهُودِ، إِنَّكَ رَحِيمٌ وَدُودٌ، وَأَنْتَ تَفْعَلُ مَا تُرِيدُ. اللهمَّ اجْعَلْنَا هَادينَ مُهْتَدِينَ غَيْرَ ضَالِّينَ وَلاَ مُضِلِّينَ، سِلْمًا لأَوْليَائِكَ، حرْباً لأَعْدَائِكَ، نُحِبُّ بِحُبِّكَ مَنْ أَحَبَّكَ، وَنُعَادِي بِعَدَاوَتِكَ مَنْ خَالَفَكَ. اللهمَّ هَذَا الدُّعَاءُ وَعَلَيْكَ الإِجَابَةُ، وَهَذَا الجَهْدُ وَعَلَيْكَ التُّكْلاَنُ. اللهمَّ اجْعَلْ لِي نُورًا فِي قبرِي، وَنُورًا فِي قَلْبِي، وَنُورًا مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ، وَنُورًا مِنْ خَلْفِي، وَنُورًا عَنْ يَمِيني، وَنُورًا عَنْ شِمَالِي، وَنُورًا مِنْ فَوْقِي، وَنُورًا مِنْ تَحْتِي، وَنُورًا فِي سَمْعِي، وَنُورًا فِي بَصَرِي، وَنُورًا فِي شَعْرِي، وَنُورًا فِي بَشَرِي، وَنُورًا فِي لَحْمِي، وَنُورًا فِي دَمِي، وَنُورًا فِي مُخَّي، وَنُورًا فِي عِظَامِي، اللهمَّ أَعْظِمْ لِي نُورًا، وَأَعْطِنِي نُورًا، وَاجْعَلْ لِي نُورًا، سُبْحَانَ الَّذِي تَعَطَّفَ العِزَّ وَقَالَ بِهِ، سُبْحَانَ الَّذِي لَبِسَ المَجْدَ وَتَكَرَّمَ بِهِ، سُبْحَانَ الَّذِي لاَ يَنْبَغِي التَّسْبِيحُ إِلاَّ لَهُ. سُبْحَانَ ذِي الفَضْلِ وَالنِّعَمِ. سُبْحَانَ ذِي المَجْدِ وَالكَرَمِ. سُبْحَانَ ذِي الجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ". أخرجه الترمذي (¬2). [إسناده حسن] "تَلُمُّ بِهَا شَعُثِي" (¬3) أي: تجمع بها متفرق أمري. "وَتُزَكِّي" تطهر. "تُجِيرُ بَيْنَ البُحُورِ" (¬4) أي: تمنع أحدها من الاختلاط بالآخر. ¬

_ (¬1) في (أ. ب): "ولم تبلغه مسألتي". (¬2) في "السنن" رقم (3419) بإسناد حسن. (¬3) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 872)، "المجموع المغيث" (2/ 202). (¬4) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 306).

"الحَبْلُ" (¬1) السبب، أو القرآن، أو الدين. "السِّلْمُ" المسالم المصالح. "وَالحَرْبُ" ضده تسميته بالمصدر. "الجُهْدُ" بفتح الجيم المشقة وبضمها الطاقة والقدرة، والمراد: "بالنورِ" (¬2) المسئول في جميع ما تقدم: ضياء الحق وبيانه. "تَعَطّفَ العِزَّ" أي: تردى به على سبيل التمثيل، ومعناه: الاختصاص بالعز، والاتصاف، ومعنى "وَقال بِهِ" أي: حكم فلا يرد حكمه. قوله: "بعد السلام". أي: الذكر المأثور الذي يقال بعد الخروج من الصلاة، وهذا الحديث في الدعاء عند السلام من صلاة. وترجمة المصنف وابن الأثير عامة لكل صلاة، وزاد ابن الأثير (¬3) والفراغ منها [15 ب]، وكأنهما عمما نظراً إلى أنه ينتاب الفراغ من أي صلاة، إلا أنه كان - صلى الله عليه وسلم - لا يقف في مصلاه بعد الفراغ من الفريضة، وقتاً يتسع لهذا الدعاء، فكان الأولى الاقتصار في الترجمة على ما ورد من أنه بعد صلاة الليل، سيما وقد أخرج الترمذي (¬4) من حديث عائشة وقال: "حسن صحيح" أنه - صلى الله عليه وسلم - كان لا يقعد في مصلاه إلا مقدار أن يقول: "اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام". قوله: "تلم بها شعثي" بالمعجمة فمهملة فمثلثة. في "النهاية" (¬5): تجمع بها ما تفرق من أمري. ¬

_ (¬1) "غريب الحديث" للهروي (4/ 102)، "النهاية في غريب الحديث" (1/ 325 - 326). (¬2) تقدم شرحها في أسماء الله الحسنى. (¬3) في "الجامع" (4/ 213). (¬4) في "السنن" رقم (298) وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وأخرجه أحمد (6/ 62، 184، 235)، ومسلم في صحيحه رقم (952)، وابن ماجه رقم (924)، وهو حديث صحيح. (¬5) (1/ 872).

وقوله: "وترد بها غائبي" كأنه يريد به ما غاب عني ذكره وأنسانيه الشيطان مما ينفعني [16 ب]. قوله: "أخرجه الترمذي" قلت: وقال (¬1): "غريب". قوله: "والمراد بالنور إلى آخره" قال ابن الأثير (¬2): كأنه يقول: اللهم استعمل هذه الأعضاء مني في الحق واجعل تصرفي وتقلبي في هذه الجهات على سبيل الحق. قوله: "تعطف" قال أيضاً: مأخوذ من العطاف وهو الرداء. قوله: "فلا يرد حكمه" وزاد ابن الأثير (¬3): يقال فيه: قال الرجل واقتال: إذا حكم ومضى حكمه، ومنه سمي الملك قيلاً. 2 - وعن ثوبان - رضي الله عنه - قال: كانَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إِذَا سَلَّمَ يَسْتَغْفِرُ ثَلاثَاً وَيَقُولُ: "اللهمَّ أَنْتَ السَّلاَمُ، وَمِنْكَ السَّلاَمُ، تبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ يَا ذَا الجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ". أخرجه الخمسة (¬4) إلا البخاري. [صحيح] قوله: "في حديث ثوبان: يستغفر ثلاثاً" زاد ابن الأثير (¬5): إنه قيل للأوزاعي: كيف الاستغفار؟ قال: يقول: أستغفر الله، أستغفر الله. ¬

_ (¬1) في "السنن" (5/ 484). (¬2) في "النهاية" (2/ 501). (¬3) في "النهاية" (2/ 501). (¬4) أخرجه مسلم رقم (591)، وأبو داود رقم (1513)، والترمذي رقم (300)، والنسائي في "المجتبى" (3/ 68)، وفي "الكبري" رقم (1261)، وابن ماجه رقم (928)، وهو حديث صحيح. (¬5) في "الجامع" (4/ 215).

3 - وعن كعب بن عجرة - رضي الله عنه -، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مُعَقِّبَاتٌ لاَ يَخِيبُ قَائِلُهُنَّ، أَوْ فَاعِلُهُنَّ دُبُرَ كُلِّ صَلاَةٍ، ثَلاَثٌ وَثَلاَثُونَ تَسْبِيحَةً، وَثَلاَثٌ وَثَلاُثونَ تَحْمِيدَةً، وَأَرْبَعٌ وَثَلاَثُونَ تَكْبِيرَةً". أخرجه مسلم (¬1) والترمذي (¬2) والنسائي (¬3). [صحيح] وفي رواية للنسائي (¬4) عن زيد بن ثابت - رضي الله عنه - قال: فَلَمَّا أُمِرُوا بِذَلِكَ رأَى رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فِي مَنَامِهِ أنَّ رَجُلاً يَقُولُ: اجْعَلوها خَمْسًا وَعِشْرِين، وَاجْعَلُوا فِيهَا التَّهْلِيلَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ ذَكَرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "اجْعَلُوهَا كَذَلِكَ". [صحيح] سمّى التسبيحات "مُعَقِّبَاتٍ" (¬5) لأنها تعود مرة بعد مرة، وكل من عمل عملاً ثم عاد إليه فقد عقب. قوله: "في حديث كعب بن عجرة: معقبات" التعقب العود بعد البدء، وإنما ذكر بلفظ التأنيث؛ لأن واحدها معقب، وجمعه معقبة، ثم جمع المعقبة معقبات. وقال ابن الأثير (¬6): إنما سميت معقبات؛ لأنها تعود مرة بعد مرة، وكل من عمل عملاً ثم عاد إليه فقد عقب. انتهى. [292/ أ]. ¬

_ (¬1) في صحيحه رقم (596). (¬2) في "السنن" رقم (3412). (¬3) في "المجتبى" (3/ 75)، وفي "السنن الكبري" رقم (1273)، وهو حديث صحيح. (¬4) في "المجتبى" (3/ 74)، وفي "السنن الكبرى" رقم (1275، 9911)، وأخرجه أحمد (5/ 184)، وابن خزيمة رقم (752)، وابن حبان رقم (2017)، والطبراني في "الكبير" رقم (4898)، وفي "الدعاء" رقم (731)، وابن المبارك في "الزهد" رقم (1160)، والترمذي رقم (3413)، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" رقم (4097)، وهو حديث صحيح. (¬5) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 231)، "الفائق" للزمخشري (3/ 12). (¬6) في "النهاية" (2/ 231).

قوله: "دبر كل صلاة" [17 ب] في "شرح مسلم" (¬1) بضم الدال، هذا هو المشهور في اللغة والمعروف في الروايات. وقيل: إنه بفتح الدال، آخر أوقات كل شيء من الصلاة وغيرها، وأما الخارجة فبالضم، وقيل: دبر الشيء بالضم والفتح آخر أوقاته. قال النووي (¬2): الصحيح الضم، ولم يذكر الجوهري وآخرون إلا الضم. واعلم أنه روى الترمذي وحسنه من حديث أبي أمامة: أنه قيل: يا رسول الله! أي الدعاء أسمع؟ قال: "جوف الليل الآخر ودبر الصلوات المكتوبات". قوله: "ثلاث وثلاثون تسبيحة" أقول: قال (¬3) جماعة من العلماء: إن الأعداد الواردة في الأذكار إذا زيد عليها لا يحصل الثواب المترتب عليها، لاحتمال أن يكون لتلك الأعداد حكمة وخاصية تفوت بمجاوزة ذلك العدد. قلت: بل يتعين هذا وإلا لما كان لتخصيص الشارع بها وجه، فهو كتخصيص الصلوات بأعداد الركعات. واعلم أنه قال النووي (¬4) ما معناه: إن الدارقطني استدرك على مسلم هذا الحديث وقال: الصواب أنه موقوف على كعب؛ لأن من رفعه لا يقاومون من وقفه في الحفظ، وأجاب عنه بأن الحديث الذي يُروى موقوفاً ومرفوعاً الصحيح أنه مرفوع على المذهب الصحيح الذي عليه الأصوليون والفقهاء والمحققون من المحدثين، منهم البخاري وآخرون، وقد رواه مسلم من طرق كلها مرفوعة، وذكره الدارقطني من طرق مرفوعة. ¬

_ (¬1) في شرحه لصحيح مسلم (5/ 95). (¬2) في شرحه لصحيح مسلم (5/ 196). (¬3) انظر: "فتح الباري" (11/ 99 - 101). (¬4) في شرحه لصحيح مسلم (5/ 95).

وإنما روايته موقوفاً من جهة منصور وشعبة، وقد اختلف عليهما أيضاً في رفعه [18 ب] ووقفه، وبين الدارقطني ذلك، ودليل قبول رافعه أنها زيادة عدل توجب قبولها ولا ترد لنسيان حصل ممن وقفه. وسبب الحديث ما في رواية الشيخين عن أبي هريرة: أن فقراء المهاجرين أتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا له: قد ذهب أهل الدثور بالدرجات العلى والنعيم المقيم؟ فقال: "وما ذاك؟ " قالوا: يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون ولا نتصدق، ويعتقون ولا نعتق، [فقال] (¬1): "أولا أدلكم على شيء تدركون به من سبقكم، وتسبقون به من بعدكم، ولا يكون أحد أفضل منكم، إلا من صنع مثل ما صنعتم؟ " قالوا: بلى يا رسول الله، قال: "تسبحون، وتكبرون، وتحمدون، دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين مرة". قال أبو صالح: فرجع فقراء المهاجرين إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلنا ففعلوا مثله. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء". قال: سُمَيّ: فحدثت بعض أهلي بهذا الحديث، فقال: وهمت، إنما قال: "تسبح الله ثلاثاً وثلاثين، وتحمد الله ثلاثاً وثلاثين، وتكبر الله أربعاً وثلاثين، فرجعت إلى أبي صالح فذكرت له ذلك فأخذ بيدي وقال: الله أكبر، وسبحان [الله] (¬2)، والحمد لله، الله أكبر، وسبحان الله، والحمد لله، حتى يبلغ من جميعهن ثلاثاً وثلاثين". قال ابن الأثير (¬3): هذا لفظ مسلم، وليس عند البخاري قول أبي صالح: فرجع فقراء المهاجرين وما قالوا. وما قال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. انتهى. وأبو صالح هو الراوي عن أبي هريرة. ¬

_ (¬1) في (أ): "فقاله". (¬2) زيادة من (ب). (¬3) في "الجامع" (4/ 219).

و"الدثور" (¬1) من دثر بفتح الدال المهملة، وإسكان المثلثة؛ وهو المال الكثير، وقد ورد في رواية لمسلم (¬2) عن أبي هريرة أنه يقول: من الكل ثلاثاً وثلاثين، ويختم بقوله: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. وهو في "الموطأ" (¬3) وفي "سنن أبي داود" (¬4) والترمذي (¬5) والنسائي (¬6) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص [19 ب] عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه تُسبِّح الله دبر كل صلاة عشراً، وتحمد الله عشراً، وتكبره عشراً، فذلك خمسون ومائة باللسان وألف وخمسمائة في الميزان. وفي "الأذكار" (¬7) ما لفظه، روينا بإسناد صحيح في "سنن أبي داود" (¬8) والنسائي (¬9) عن معاذ - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذ بيده وقال: "يا معاذ! والله إني لأحبك. فقال: أوصيك يا معاذ! لا تدعن في دبر كل صلاة تقول: اللهم أعني على شكرك وذكرك وحسن عبادتك". انتهى. ¬

_ (¬1) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (4/ 228). (¬2) في صحيحه رقم (116/ 597). (¬3) (1/ 209). (¬4) فى "السنن" رقم (5065). (¬5) في "السنن" رقم (3410). (¬6) في "المجتبى" (3/ 74)، وفي "السنن الكبرى" رقم (1272). وأخرجه ابن ماجه رقم (926)، والبخاري في "الأدب المفرد" رقم (1216)، والحميدي رقم (583)، وعبد ابن حميد في "المنتخب" رقم (356)، وابن حبان رقم (2012)، وعبد الرزاق في "المصنف" رقم (3189) و (3190)، وابن أبي شيبة (10/ 233 - 234)، وهو حديث صحيح. (¬7) (2/ 746). (¬8) (2/ 746). (¬9) في "السنن" رقم (1522)، في "المجتبى" (3/ 53).

وذكره ابن الأثير في "الجامع" (¬1) أيضاً. وإذا عرفت هذا كان الذاكر مخيراً بين أي العددين أراد، وبين ختم المائة بالتكبير أو التهليل. 4 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: "مَنْ سَبَّحَ دُبُرِ صَلاَةِ الغَدَاةِ مِائَةَ تَسْبِيحَةٍ، وَهَلَّلَ مِائَةَ تَهْلِيلَةٍ، غُفِرَتْ لَهُ ذُنُوبُهُ وَلَوْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ". أخرجه النسائي (¬2). [إسناده صحيح]. قوله: "في حديث أبي هريرة: ولو كانت مثل زبد (¬3) البحر" هو الخبث الذي يظهر على وجه الماء، وكذلك على وجه القدر. 5 - وعن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - قال: "أَمَرَنِي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أَنْ أَقْرَأَ المُعَوِّذَاتِ دُبُرَ كُلِّ صَلاَةٍ". أخرجه أبو داود (¬4) والنسائي (¬5). [صحيح] قوله: "في حديث عقبة بن عامر: أن أقرأ المعوذات". أقول: في "الأذكار" (¬6) للنووي: روينا في "سنن أبي داود (¬7) والترمذي (¬8) والنسائي (¬9) " أن أقرأ بالمعوذتين. ¬

_ (¬1) (4/ 219). (¬2) في "السنن" رقم (1354) بإسناد صحيح. (¬3) "النهاية" (1/ 716). (¬4) في "السنن" رقم (1523). (¬5) في "السنن" رقم (1336). وأخرجه الترمذي في "السنن" رقم (2903)، وأحمد (4/ 155، 210)، وابن خزيمة رقم (755)، وهو حديث صحيح. (¬6) (1/ 205). (¬7) في "السنن" رقم (1523). (¬8) في "السنن" رقم (2903). (¬9) في "السنن" رقم (1336)، وهو حديث صحيح، وقد تقدم.

الفصل الثالث: في الدعاء عند التهجد

قال: وفي رواية أبي داود: بالمعوذات. قال: فينبغي أن يقرأ: قل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس. انتهى. والمعوذات: جمع معوذة اسم فاعل، وتسمية الصمد معوذة تغليب. قوله: "أخرجه أبو داود والنسائي". قلت: زاد في "الأذكار" (¬1) والترمذي وابن الأثير لم يذكره كالمصنف، وراجعت "سنن الترمذي" فرأيته ذكره في فضائل سور القرآن بلفظ المعوذتين، وقال (¬2): "إنه غريب". [20 ب]. الفصل الثالث: في الدعاء عند التهجد 1 - عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: كَانَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ يَتَهَجَّدُ قَالَ: "اللهمَّ رَبَّنَا لَكَ الحَمْدُ، أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ وَلَكَ الحَمْدُ، أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الحَمْدُ أَنْتَ مَالِكُ السَّمَاوَاتِ والأرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ وَلَكَ الحَمْدُ، أَنْتَ الحَقُّ، وَوَعْدُكَ الحَقُّ، وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ، وَقَوْلُكَ حَقٌّ، وَالجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، وَالنَّبِيُّونَ حَقٌّ، وَمُحَمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم - حَقٌّ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ، اللهمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإلَيْكَ أَنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ، وَإلَيْكَ حَاكمْتُ، فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، وَمَا أَنْتَ أَعْلمُ بِهِ مِنَّي، أَنْتَ المُقَدَّمُ وَأَنْتَ المُؤَخَّرُ، لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ". أخرجه الستة (¬3)، وهذا لفظ الشيخين. [صحيح] ¬

_ (¬1) (1/ 205) (¬2) أي الترمذي في "السنن" (5/ 171). (¬3) البخاري في صحيحه رقم (1120)، ومسلم رقم (769)، وابن ماجه رقم (1355)، وأبو داود رقم (771)، والترمذي رقم (3418)، والنسائي رقم (1619).

قوله: [في] (¬1) (الفصل الثالث [في الدعاء] (¬2) عند التهجد). أقول: هو من الأضداد، يقال: تهجد إذا سهر، وتهجد إذا نام، وقيل: التهجد السهر بعد [النوم] (¬3)، وقيل (¬4): صلاة الليل خاصة، وكانت صلاة الليل فريضة على النبي - صلى الله عليه وسلم - في الابتداء وعلى الأمة، لقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2)} (¬5) ثم نزل التخفيف فصار الوجوب (¬6) منسوخاً في حق الأمة بالصلوات الخمس، وبقي الاستحباب. قال الله: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} (¬7)، وبقي الوجوب في حقه - صلى الله عليه وسلم -. وذهب قوم إلى أن الوجوب نسخ في حقه - صلى الله عليه وسلم - أيضاً؛ لقوله تعالى: {نَافِلَةً لَكَ} (¬8). قلت: كأنه توهم هذا القائل بأن النافلة مقابل الفريضة، كما هو المعروف عرفاً، وليس كذلك، بل النافلة الزيادة. فقوله: {نَافِلَةً لَكَ} أي: عبادة زائدة على الصلوات الخمس، والمعنى: أن التهجد زيد لك على الصلوات المفروضة فريضة عليك خاصة دون غيرك. قوله: "قيم" (¬9) ورواية مالك: "قيام". وهو القيام بتدبير خلقه المقيم لغيره. ¬

_ (¬1) زيادة من (أ). (¬2) زيادة من (ب). (¬3) في (أ): "نوم". (¬4) انظر: "مفردات ألفاظ القرآن" (ص 832). (¬5) سورة المزمل: 1 - 2. (¬6) انظر: "فتح الباري" (3/ 4 - 5). (¬7) سورة المزمل: 20. (¬8) سورة الإسراء: 79. (¬9) انظر: "فتح الباري" (3/ 4 - 5).

قوله: "أنت نور السماوات والأرض" (¬1) أنت نورهما بك يهتدي بمن فيهما. وقيل: المعنى أنت المنزه عن كل عيب، وقيل: هو اسم مدح، يقال: فلان نور البيت (¬2)، أي: مزينه. قوله: "أنت الحق" (¬3) أي: المتحقق الوجود الثابت بلا شك فيه. [21 ب]. قال القرطبي (¬4): وهذا الوصف خاص به تعالى بالحقيقة (¬5) لا ينبغي لغيره، إذ وجوده لذاته، فلم يسبقه عدم، ولا يلحقه عدم، بخلاف غيره. وقوله: "وعدك الحق" أي: الثابت الذي لا يُخلف، وإطلاق الحق على ما ذكر من الأمور بمعنى أنه مما يجب أن تصدق به، وكرر لفظه للتأكيد. قوله: "لك أسلمت" انقدت. "وبك آمنت" صدقت. "وإليك أنبت" رجعت في تدبير أمري. قوله: "خاصمت" جادلت بما أعطيتني من البرهان. ¬

_ (¬1) قال النووي في شرحه لصحيح مسلم (6/ 54 - 55): أنت قيام السماوات والأرض، وفي الرواية الثانية: "قيم" قال العلماء: من صفاته القيَّام والقيم كما صرح به هذا الحديث، والقيوم بنص القرآن وقائم. قال الهروي: ويقال: قوّام. قال ابن عباس: القيوم: الذي لا يزول. وقال غيره: هو القائم على كل شيء، ومعناه: مدبر أمر خلقه، وهما سائغان في تفسير الآية والحديث. انظر: "تفسير غريب القرآن" (ص 7)، "اشتقاق أسماء الله" (ص 105). (¬2) قال ابن القيم في "اجتماع الجيوش الإسلامية" (ص 45): "والنور يضاف إليه سبحانه على أحد الوجهين: إضافة صفة إلى موصوفها، وإضافة مفعول إلى فاعله، فالأول كقوله تعالى: {وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا} [الزمر: 69] ... الآية، فهذا إشراقها يوم القيامة بنوره تعالى إذا جاء لفصل القضاء ... ". انظر: "مجموع الفتاوى" (6/ 374 - 396)، "مختصر الصواعق المرسلة" (2/ 192 - 206). (¬3) تقدم شرحه فى أسماء الله الحسنى. (¬4) في "المفهم" (2/ 398). (¬5) في "المفهم" زيادة: "والخصوصية".

وقوله: "خاصمت" أي: من جحد الحق. قوله: "ما قدمت" على موقفي هذا من الذنوب. "وما أخرت" مما أمرتني بتقديمه. وقوله: "ما أسررت" من الذنوب. "وما أعلنت" منهما [293/ أ] كأن المراد: ما كان من الاعتقادات وخفي الإرادات (¬1) والمخالفات وما أعلنت من ذلك. قوله: "أنت المقدم" في "النهاية" (¬2): في أسماء الله المقدم (¬3)، هو الذي يقدم الأشياء ويضعها في مواضعها، فمن استحق [التقدم] (¬4) قدمه. وقوله: "المؤخر" (¬5) فيها في أسماء الله الآخر والمؤخر. فالآخر: هو الباقي بعد فناء خلقه كله ناطقة وصامتة. والمؤخر: هو الذي يؤخر الأشياء فيضعها في مواضعها، وهو ضد المقدم. قوله: "واللفظ للشيخين". أقول: في "الجامع" (¬6) ساق الحديث إلى قوله: "وما أعلنت" ثم قال: وفي رواية: "وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت، ولا إله غيرك"، وفي رواية: "اللهم ¬

_ (¬1) انظر: "فتح الباري" (3/ 5). (¬2) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 424 - 425). (¬3) تقدم شرحه في أسماء الله الحسنى. (¬4) في (أ): "التقديم". (¬5) قال الهراس في "شرح النونية" (2/ 109): التقديم والتأخير صفتان من صفات الأفعال التابعة لمشيئته تعالى وحكمته، وهما أيضاً صفتان للذات، إذ قيامهما بالذات لا بغيرها، وهكذا كل صفات الأفعال هي من هذا الوجه صفات ذات، حيث إن الذات متصفة بها، ومن حيث تعلقها بما ينشأ عنها من الأقوال والأفعال تسمى صفات أفعال ... ". (¬6) (4/ 233 - 234).

الفصل الرابع: في الدعاء عند الصباح والمساء

لك الحمد رب السماوات والأرض [22 ب] ومن فيهن" ثم قال: هذه رواية البخاري ومسلم، وذكر بقية ألفاظ غيرهما وما فيهما من مخالفة. فقول المصنف: هذا لفظ الشيخين؛ فيه تسامح. قوله: "الفصل الرابع" وجعله ابن الأثير (¬1) فصلاً ثالثاً؛ لأنه لم يجعل دعاء التهجد فصلاً. الفصل الرابع: في الدعاء عند الصباح والمساء 1 - عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: كَانَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقُولُ إِذَا أَمْسَى: "أَمْسَيْنَا وَأَمْسَى المُلْكُ لله وَالحَمْدُ لله، لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهَوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. رَبِّ أَسْأَلُكَ خَيْرَ مَا فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ، وَخَيْرَ مَا بَعْدَهَا، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا هَذِهِ اللَّيْلَةِ، وَشَرِّ مَا بَعْدَهَا، رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنَ الكَسَلِ وَسُوءِ الكِبَرِ، رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابٍ فِي النَّارِ وَعَذَابٍ فِي القَبْرِ". وَإِذَا أَصْبَحَ قَالَ ذلك: "أَصْبَحْنَا وَأَصْبَحَ المُلْكُ لله وَالحَمْدُ للهِ". أخرجه مسلم (¬2) وأبو داود (¬3) والترمذي (¬4). [صحيح] قوله: "عند الصباح والمساء" [الصباح] (¬5): من طلوع الفجر. والمساء: من غروب الشمس، كما يدل له ما أخرجه عبد الرزاق (¬6)، والفريابي (¬7) ................... ¬

_ (¬1) في "الجامع" (4/ 238). (¬2) في صحيحه رقم (2723). (¬3) في "السنن" رقم (5071). (¬4) في "السنن" رقم (3390)، وهو حديث صحيح. (¬5) في (أ): "فالصباح". (¬6) في مصنفه رقم (1772). (¬7) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (6/ 488).

وابن جرير (¬1)، وابن المنذر (¬2)، وابن أبي حاتم (¬3)، والطبراني (¬4)، والحاكم (¬5) وصححه، عن أبي رزين، قال: جاء نافع بن الأزرق إلى ابن عباس فقال: هل تجد الصلوات الخمس في القرآن؟ قال: نعم. فقرأ: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ} (¬6) قال: صلاة المغرب، {وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17)} (¬7) قال:. صلاة الصبح. {وَعَشِيًّا (11)} (¬8) صلاة العصر، {تُظْهِرُونَ (18)} (¬9) قال: صلاة الظهر. انتهى. فهذا تفسير الصحابي اللغوي للصباح والمساء، ومثله عن مجاهد (¬10). قال في أذكار النووي (¬11): إن هذا - أي: الدعاء في الصباح والمساء - باب واسع جداً، وليس في الكتاب أوسع منه. ¬

_ (¬1) في "جامع البيان" (18/ 474). (¬2) في "الأوسط" (2/ 321 رقم 932). (¬3) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (6/ 488). (¬4) في "المعجم الكبير" (ج 20 رقم 427 - 428). (¬5) في "المستدرك" (2/ 410 - 411). (¬6) سورة الروم: 17. (¬7) سورة الروم: 17. (¬8) سورة مريم: 11. (¬9) سورة الروم: 18. (¬10) أخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (18/ 475). (¬11) (1/ 218).

وأنا أذكر إن شاء الله فيه جملاً من مختصراته، فمن وفق للعمل [فيها] (¬1) فهي نعمة [294/ أ] وفضل من الله، وطوبى له، ومن عجز عن جميعها فليقتصر من مختصراتها على ما يشاء، ولو كان ذكراً واحداً. والأصل في هذا الباب [من] (¬2) القرآن العزيز قوله تعالى: [{وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا} (¬3)] (¬4)، وقال تعال: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ (55)} (¬5)، وقال تعالى: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ [23 ب] فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} (¬6) قال أهل اللغة (¬7): والآصال جمع أصيل، وهو ما بين العصر والمغرب. وقال الله تعالى: {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} (¬8) قال أهل اللغة (¬9): العشي: ما بين زوال الشمس وغروبها. ¬

_ (¬1) كذا في (أ. ب)، والذي في "الأذكار": "بكلها". (¬2) في (أ): "في". (¬3) سورة طه: 130. (¬4) زيادة من (أ). (¬5) سورة غافر: 55. (¬6) سورة الأعراف: 205. (¬7) انظر: "لسان العرب" (11/ 16 - 17). (¬8) سورة الأنعام: 52. (¬9) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 211)، "المجموع المغيث" (2/ 456)، "القاموس المحيط" (ص 1691).

وقال تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36) رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} (¬1). وقال: {إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ (18)} (¬2). انتهى. وهو كلام حسن، إلا أن المساء لا يكون إلا من بعد غروب الشمس، فأذكاره من ذلك الوقت، لقوله في دعائه: "أمسينا وأمسى الملك لله"، وإذا عرفت هذا عرفت أن المصنف اختصر في أذكار الصباح والمساء شيئاً كثيراً، وقد استوفاها ابن الأثير في "الجامع" (¬3). قوله: "في حديث ابن مسعود: أرذل العمر" الأرذل (¬4) من كل شيء: الأدنى والأردى، وأرذل العمر حال الكبر، والعجز، والخرف. 2 - وعن أبي سلام عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: سَمِعْتُ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مَنْ قَالَ إِذَا أَصْبَحَ وَاِذَا أَمْسَى: رَضِينَا بالله رَبًّا، وَبالإِسْلاَمِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولاً، كَانَ حَقًّا عَلَى الله أَنْ يُرْضِيَهُ" (¬5). [حسن بشواهده] وزاد رزين: "يَوْمَ القِيَامَةِ". ¬

_ (¬1) سورة النور: 36 - 37. (¬2) سورة ص: 18. (¬3) (4/ 335) وما بعدها. (¬4) "المجموع المغيث" (1/ 756)، "النهاية" (1/ 652). (¬5) أخرجه الترمذي في "السنن" رقم (3389)، وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه. وهو حديث حسن بشواهده. أخرجه أبو داود رقم (5072)، وابن ماجه رقم (3870)، والنسائي في "عمل اليوم والليلة" رقم (4، 565)، وابن السني في "عمل اليوم والليلة" رقم (68)، والحاكم في "المستدرك" (1/ 518)، وهو حديث حسن، والله أعلم.

قوله: "وعن أبي سلاَّم" ضبط بتشديد اللام. قال ابن الأثير (¬1): روى عن رجل من الصحابة في كتاب الجهاد [24 ب] وفي الشهداء. انتهى. قلت: بل روى هذا الحديث عن أنس في أذكار الصباح والمساء، وقد رواه عنه ابن الأثير (¬2)، فهي عنه. واعلم أن من رضي الله رباً وامتثل ما أمر به ففعله، وما نهى عنه فتركه، وما أنزل به من خير شكره، وما نزل به من شر صبر، وإن رضي بالإسلام ديناً أتى بكل خصائص الإسلام، ومن رضي بمحمد رسولاً آثر سننه، وسلك طريقته، وآثره على كل ما سواه، وعرف حقه، وقلبه يحبه. قوله: "وزاد رزين". قلت: الأولى أن يقول: أخرجه أبو داود (¬3). وزاد رزين ويأتي له أنه أخرجه أبو داود. وهذا الحديث أخرجه الترمذي عن ثوبان. ونقله في "الجامع" (¬4) إلا أنه قال: "نبياً" عوض قوله: "رسولاً"، ولكنه قال النووي في "الأذكار" (¬5): إن في إسناده سعيد بن المرزبان أبو سعيد البقال بالباء الكوفي، مولى حذيفة بن اليمان، وهو ضعيف باتفاق الحفاظ. ¬

_ (¬1) في تتمة "جامع الأصول" قسم التراجم (1/ 488) له، وانظر: "الاستيعاب" رقم (2998). (¬2) في "الجامع" (4/ 243). (¬3) في "السنن" رقم (5072). (¬4) (4/ 243) والذي فيه: "رسولاً". (¬5) (1/ 228).

قال (¬1): وقد قال الترمذي (¬2): "هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه". فلعله صح عنده من طريق آخر، وقد رواه أبو داود (¬3) والنسائي (¬4) بأسانيد جيدة عن رجل خدم النبي - صلى الله عليه وسلم - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بلفظه، فثبت أصل الحديث ولله الحمد، وقد رواه الحاكم (¬5) أبو عبد الله في "المستدرك على الصحيحين" وقال: "حديث صحيح الإسناد". ووقع في رواية أبي داود وغيره: "وبمحمد رسولاً"، وفي رواية الترمذي: "نبياً" فيستحب أن يجمع الإنسان بينهما فيقول: "نبياً ورسولاً" ولو اقتصر على [أحدهما] (¬6) كان عاملاً بالحديث. انتهى بلفظه. 3 - وعن عبد الله بن غنام البياضي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ: اللهمَّ مَا أَصْبَحَ بِي مِنْ نِعْمَةٍ أَوْ بِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِكَ فَمِنْكَ وَحْدَكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ، لَكَ الحَمْدُ، وَلَكَ الشُّكْرُ؛ فَقَدْ أَدَّى شُكْرَ يَوْمِهِ، وَمَنْ قَالَ مِثْلَ ذَلِكَ حِينَ يُمْسِي؛ فَقَدْ أَدَّى شُكْرَ لَيْلَتِهِ". أخرجهما أبو داود (¬7). [ضعيف] قوله: "وعن عبد الله بن غنام". ¬

_ (¬1) أي النووي في "الأذكار" (1/ 228). (¬2) في "السنن" (5/ 465). (¬3) في "السنن" رقم (5072). (¬4) في "عمل اليوم والليلة" رقم (4، 565). (¬5) في "المستدرك" (1/ 518). (¬6) في (ب): "إحداهما". (¬7) في "السنن" رقم (5073) وهو حديث ضعيف. وأخرجه النسائي في "عمل اليوم والليلة" رقم (7)، ومن طريقه ابن السني في "عمل اليوم والليلة" رقم (41)، وابن حبان رقم (861)، والطبراني في "الدعاء" رقم (307). وقد حسنه الحافظ ابن حجر في "نتائج الأفكار" (2/ 380).

الفصل الخامس: في أدعية النوم والانتباه

أقول: بفتح الغين المعجمة وتشديد النون. قال ابن الأثير (¬1): هو عبد الله بن غنام البياضي، عداده في أهل الحجاز، وحديثه عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن عبد الله بن عنبسة في الدعاء. انتهى. وقول المصنف البياضي [25 ب] نسبة إلى بني بياضة بطن من الأنصار. وهذا الحديث قال النووي في "الأذكار" (¬2): إنه رواه أبو داود بإسناد جيد لم يضعفه. انتهى. الفصل الخامس: في أدعية النوم والانتباه 1 - عن أنس - رضي الله عنه - قال: كَانَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ قَالَ: "الحَمْدُ لله الَّذِي أَطْعَمَنَا وَسَقَانَا، وَكَفَانَا وَآوَانَا، فَكَمْ مَنْ لاَ كَافِيَ لَهُ وَلاَ مُؤْوِيَ". أخرجه مسلم (¬3) وأبو داود (¬4) والترمذي (¬5). [صحيح] قوله: "الخامس: في أدعية النوم والانتباه" (¬6). قوله: "في حديث أنس: آوى" في "النهاية" (¬7): آوى وأوى بمعنى، والمقصور منها لازم ومتعد. قوله: "وآوانا" قال: فيها ومن الممدود حديث الدعاء: "الحمد لله الذي كفانا وآوانا" أي: ردنا إلى مأوى لنا ولم يجعلنا متشردين كالبهائم. ¬

_ (¬1) في تتمة "جامع الأصول" قسم التراجم (2/ 581) له. وانظر: "الاستيعاب" رقم (1470). (¬2) (1/ 230 رقم 211/ 20). (¬3) في صحيحه رقم (2715). (¬4) في "السنن" رقم (5053). (¬5) في "السنن" رقم (3396)، وهو حديث صحيح. (¬6) زيادة من (أ). (¬7) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 89 - 90).

والمأوى (¬1): المنزل. انتهى. ويفهم منه أن المراد ممن لا كافي ولا مؤوي هي البهائم ونحوها والسباع والطير. 2 - وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "كَانَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ نَفَثَ فِي يَدَيْهِ وَقَرَأَ المُعَوِّذَتَيْنِ، وَقُلْ هَوَ الله أَحَدٌ، وَيَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ وَجَسَدَهُ، يَفْعَلُ ذلكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا اشْتَكى كانَ يَأْمُرُنِي أَنْ أَفْعَلَ ذَلِكَ بِهِ". أخرجه الستة (¬2) إلا النسائي. [صحيح] وفي رواية: لهؤلاء غير مالك ومسلم. 3 - عن حذيفة - رضي الله عنه -: كَانَ إِذَا آوَى إِلَى فِرَاشِهِ قَالَ: "بِاسْمِكَ اللهمَّ أَحْيَا وَأَمُوتُ". وإذَا أَصْبَحَ قَالَ: "الحَمْدُ لله الَّذِي أَحْيَانَا بَعْدَ مَا أَمَاتَنَا، وَإِلَيْهِ النُّشُورُ" (¬3). [صحيح] قوله: "في حديث عائشة: ومضجعه" أقول: بفتح الجيم. وعن القرطبي (¬4) بكسرها أيضاً كالمطلع بالكسر وهو موضع الضجع. قوله: "نفث في يديه" قال أهل اللغة (¬5): النفث نفخ لطيف بلا ريق، والنفث يكون بعد جمع كفيه وقبل القراءة، وفائدته التبرك بالهدي، والنفس المباشر طريقة والذكر الحسن ¬

_ (¬1) قاله ابن الأثير في "النهاية" (1/ 90). (¬2) أخرجه البخاري رقم (5017)، وطرفاه رقم (5748 و6319)، ومسلم في صحيحه رقم (2192)، وأبو داود رقم (3902)، وابن ماجه رقم (3528، 3529)، ومالك في "الموطأ" (2/ 942 - 943). وهو حديث صحيح. (¬3) أخرجه البخاري رقم (6312)، والترمذي رقم (3417)، وأبو داود رقم (5049)، وابن ماجه رقم (3880)، وهو حديث صحيح. (¬4) انظر: "المفهم" (5/ 577 - 578). (¬5) "الفائق" للزمخشري (4/ 9)، "غريب الحديث" للهروي (1/ 298).

[295/ أ]، وكأنه يتبرك بغسالة ما يكتب من الذكر والأسماء الحسنى. قاله في "مفتاح الحصن". قوله: "ويمسح بهما وجهه وجسده" لفظه في الصحيحين: "ثم مسح بهما ما استطاع من جسده". [26 ب]. وعن البراء - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا أوَيْتَ إلى فرَاشِكَ فَقُل: اللهمَّ أَسْلَمْتُ نَفْسِي إِلَيْكَ، وَوَجَّهْتُ وَجْهِي إلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ، رَهْبَةً وَرَغْبَةً إِلَيْكَ، لاَ مَلْجَأَ وَلاَ مَنْجَا مِنْكَ إِلاَّ إِلَيْكَ، آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ، وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ. فَإِنْكَ إنْ مُتَّ مِنْ لَيْلَتِكَ مُتَّ عَلَى الفِطْرَةِ وَإنْ أصْبَحْتَ أصَبْتَ خَيْرًا". أخرجه الخمسة (¬1) إلا النسائي، ولم يذكر أبو داود: "وَإنْ أصْبَحْت .. إلخ". [صحيح] وفي أخرى للترمذي (¬2): "كانَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذَا أرَادَ أنْ يَنَامَ تَوَسَّدَ يَمِينَهُ وقال: "اللهمَّ قِنيِ عَذَابَكَ يَوْمَ تَجْمَعُ، أو تَبْعَثُ عِبَادَكَ". [صحيح] "الرَّغْبَةُ" (¬3): طلب الشيء وإرادته. "وَالرَّهْبَةُ" (¬4): الفزع. قوله: "في حديث البراء: رغبة ورهبة إليك" أي: طمعاً في ثوابك، خوفاً من عقابك. وقوله: "لا ملجأ منك" أي: إلى أحد. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (247)، ومسلم في صحيحه رقم (2710)، وأبو داود رقم (5046)، والترمذي رقم (3395، 3574)، وابن ماجه رقم (3876). (¬2) في "السنن" رقم (3398)، وهو حديث صحيح. (¬3) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 668). (¬4) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 705).

"ولا منجا منك إلا إليك" وأصل (¬1) ملجأ بالهمز ومنجا بغير همز؛ ولكن لما جمعا جاز أن يهمز للازدواج فهذه ثلاثة، ويجوز التنوين مع القصر. قوله: "متَّ على الفطرة" أي: دين الإسلام. وهذا الذكر يشتمل على الإيمان بكل ما يجب الإيمان به، من الكتب والرسل إجمالاً، وعلى إسناد الكل إلى الله مع التوكل عليه والرضا بقضائه والاعتراف بالثواب والعقاب. قوله: "أخرجه الخمسة" في "الجامع" (¬2) نسبه إلى البخاري ومسلم فقط. قوله: "وفي أخرى للترمذي". قلت: هي رواية أخرجها الترمذي عن حذيفة (¬3) والبراء (¬4)، ولفظها: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أن ينام وضع يده تحت رأسه ثم قال: "اللهم قني ... " الحديث. [27 ب] وفي حديث البراء: كان يتوسد يمينه. ورواه أبو داود (¬5) من حديث حفصة أم المؤمنين بلفظ: "إذا أراد أن يرقد وضع يده اليمنى تحت خده ثم يقول: وزاد ثلاث مرات". وقال الترمذي (¬6) بعد إخراج حديث حذيفة: "حسن غريب". ¬

_ (¬1) انظر: "الفائق" للزمخشري (1/ 36)، "المجموع المغيث" (3/ 111). (¬2) (4/ 263). (¬3) في "السنن" رقم (3398)، وهو حديث صحيح. (¬4) أخرجه الترمذي في "السنن" رقم (3399). (¬5) في "السنن" رقم (5045)، وهو حديث صحيح دون قوله: "ثلاث مرات". (¬6) في "السنن" رقم (5/ 471) وقال: هذا حديث حسن صحيح. وقال بعد حديث البراء رقم (3399): هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه.

5 - وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كَانَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - إِذَا اسْتَيْقَظَ مِنَ اللَّيْلِ قَالَ: "لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ اللهمَّ وَبِحَمْدِكَ أَستَغْفِرُكَ لِذَنْبِي وَأَسْأَلُكَ رَحْمَتَكَ. اللهمَّ زِدْنِي عِلْمًا، وَلاَ تُزِغْ قَلْبِي بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنِي وَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ" (¬1). [ضعيف] 6 - وعن علي - رضي الله عنه - قال: كانَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - يقُولُ عِنْدَ مَضْجَعِهِ: "اللهمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِوَجْهِكَ الكَرِيمِ، وَبِكَلِمَاتِكَ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ كُلِّ دَابَّةٍ أنتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِا. اللهمَّ أَنْتَ تَكْشِفُ المَغْرَمَ وَالمَأْثَمَ، اللهمَّ لاَ يُهْزَمُ جُنْدُكَ وَلاَ يُخْلَفُ وَعْدُكَ وَلاَ يَنْفَعُ ذَا الجَدَّ مِنْكَ الجَدُّ. سُبْحَانَك اللهمَّ وَبِحَمْدِكَ" (¬2). أخرجهما أبو داود. [ضعيف] "وَالمأْثَمُ" (¬3) ما يأثم به الإنسان وهو الإثم نفسه. "وَالمغْرَمُ" (¬4): التزام الإنسان ما ليس عليه من تكفل إنسان بدين فيؤديه عنه. قوله: "في حديث علي - عليه السلام -: من المأثم" هو الأمر الذي يأثم به الإنسان وهو الإثم نفسه، وضع للمصدر موضع الاسم، يريد به مغرم الذنوب والمعاصي، وقيل: المغرم كالغرم ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود في "السنن" رقم (5068) وهو حديث ضعيف. (¬2) أخرجه أبو داود في "السنن" رقم (5052)، وهو حديث ضعيف. وأخرجه النسائي في "عمل اليوم والليلة" رقم (767)، وابن السني في "عمل اليوم والليلة" رقم (713)، والطبراني في "الصغير" رقم (998)، وفي "الدعاء" رقم (238)، وفي "الأوسط" (2/ 124/ 2) من طرق. وقال الحافظ في "نتائج الأفكار" (2/ 384): إسناده صحيح. (¬3) قال ابن الأثير في "النهاية" (1/ 39): المأثم: الأمر الذي يأثم به الإنسان أو هو الإثم نفسه وضعاً للمصدر موضع الاسم. وانظر: "المجموع المغيث" (1/ 30). (¬4) قال ابن الأثير في "النهاية" (2/ 304): الغارم: الذي يلتزم ما ضمنه وتكفل به ويؤديه, والغرم: أداء شيء لازم. والمَغْرَم: هو مصدر وضع موضع الاسم، ويريد به مغرم: الذنوب والمعاصي.

وهو الدين، ويريد به ما استدين مما يكره الله أو فيما يجوز ثم عجز عن أدائه، فإما دين احتاج إليه وهو قادر على أدائه فلا يُستعاذ منه (¬1). 7 - وعن بريدة - رضي الله عنه - قال: شَكَا خَالِدُ بْنُ الوَلِيدِ المَخْزُوميُّ - رضي الله عنه - فقَالَ: يَا رَسُولَ الله، مَا أَنَامُ اللَّيْلَ مِنَ الأَرَقِ، فقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَقُلِ: اللهمَّ رَبَّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ، وَمَا أَظَلَّتْ، رَبَّ الأَرَضِينَ وَمَا أَقلَّتْ، وَرَبَّ الشَّيَاطِينِ وَمَا أَضَلَّتْ، كُنْ لِي جَارًا مِنْ شَرِّ خَلْقِكَ كُلِّهِمْ جَمِيعًا أَنْ يَفْرُطَ عَلَىَّ أَحَدٌ، أَوْ أَنْ يَبْغِيَ عَلَيَّ، عَزَّ جَارُكَ وَجَلَّ ثَنَاؤُكَ وَلاَ إِلَهَ غَيْرُكَ, وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ". أخرجه الترمذي (¬2). [ضعيف] "الأَرَقُ" (¬3): السهر. "وَيَفْرُطَ": يبدر. قوله: "في حديث بريدة: ما أظلت" بالظاء المشالة. وقوله: "الشياطين وما أضلت" بالضاد غير المشالة من الضلالة. قوله: "يفرط" (¬4) بفتح الفاء وضم الراء من الفرط، وهو العدول وتجاوز الحدّ ظلماً. قوله: "أخرجه الترمذي: قال النووي في "الأذكار" (¬5): إنه أخرجه بإسناد ضعيف وضعفه. 8 - وعن مالك: أنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ خَالِدَ بْنَ الوَلِيدِ - رضي الله عنه - قَالَ لِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -: إِنِّي أُرَوَّعُ فِي مَنَامِي. ¬

_ (¬1) قاله ابن الأثير في "النهاية" (2/ 304). (¬2) أخرجه الترمذي رقم (3523)، وهو حديث ضعيف. (¬3) قال ابن الأثير في "غريب الجامع" (4/ 272): السهر في الليل لامتناع النوم. (¬4) "النهاية" (2/ 361). (¬5) (1/ 280 رقم 289/ 76).

الفصل السادس: في أدعية الخروج من البيت والدخول إليه

فَقَالَ: "قُلْ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ الله التَّامَّةِ مِنْ غَضَبِهِ وَعِقَابِهِ وَشَرِّ عِبَادِهِ، وَمِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ، وَأَنْ يَحْضُرُونِ" (¬1). [ضعيف] قوله: "في حديث مالك: من همزات (¬2) الشياطين" أي: خطراتها التي تخطرها بقلب الإنسان. [28 ب] الفصل السادس: في أدعية الخروج من البيت والدخول إليه 1 - عن أم سلمة - رضي الله عنها - قالت: كانَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إِذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ قَالَ: "بِسْمِ الله تَوَكَّلْتُ عَلَى الله. اللهمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ نَزِلَّ، أَوْ نَضِلَّ، أَوْ نَظْلِمَ أَوْ نُظْلَمَ، أَوْ نَجْهَلَ، أَوْ يُجْهَلَ عَلَيْنَا". أخرجه أصحاب السنن (¬3)، وهذا لفظ الترمذي وهو آخر حديث من المجتبى للنسائي. [صحيح] ¬

_ (¬1) أخرجه مالك في "الموطأ" (2/ 950) وهو حديث ضعيف. وأخرجه أبو داود رقم (3893)، والترمذي رقم (359)، والنسائي في "عمل اليوم والليلة" رقم (765، 766)، وأحمد (2/ 181)، وابن السني في "عمل اليوم والليلة" رقم (746)، والحاكم (1/ 548)، والبيهقي في "الأسماء والصفات" (ص 241) عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يعلمهم من الفزع كلمات: "أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وشر عباده، ومن همزات الشياطين وأن يحضرون" وهو حديث حسن لغيره. (¬2) الهمز: الغيبة والوقيعة في الناس، وذكر عيوبهم، والهمز من الشيطان: النخس والغمز، وكل شيء رفعته فقد همزته. "النهاية" (2/ 912)، "الفائق" للزمخشري (4/ 112). (¬3) أخرجه أبو داود رقم (5094)، والترمذي رقم (3427)، وابن ماجه رقم (3884)، والنسائي رقم (5486، 5539)، وهو حديث صحيح.

2 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ قَالَ إِذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ: بِسْمِ الله تَوَكَّلْتُ عَلَى الله، ولاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِالله، يُقَالُ لَهُ: حَسْبُكَ هُدِيتَ وَكُفِيتَ وَوُقِيتَ وَتَنَحَّى عَنْهُ الشَّيْطَانُ". أخرجه أبو داود (¬1) والترمذي (¬2)، وهذا لفظه. [صحيح] 3 - وعن أبي مالك الأشعري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا وَلَجَ الرَّجُلُ إلَى بَيْتِهِ فَلْيَقُلِ: اللهمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَ المَوْلِجِ، وَخَيْرَ المَخْرَجِ. بِسْمِ الله وَلَجْنَا، وَبِسْمِ الله خَرَجْنَا، وَعَلَى الله رَبِّنَا تَوَكَّلْنَا، ثُمَّ لْيُسَلِّمْ عَلَى أَهْلِهِ". أخرجه أبو داود (¬3). [إسناده ضعيف]. قوله: "الفصل السادس في الخروج من البيت والدخول إليه". أي: في أذكارهما. قوله: "في حديث أم سلمة: من أن نزل" من الزلل (¬4) وهو الخطأ. "ونضل" من الضلال، وكلاهما بفتح أولهما. و"نظلم" أي: الغير. "أو نظلم" يظلمنا غيرنا. "أو نجهل" نتكلم بالجهل من قوله: ألا لا يجهلن أحد علينا "أو يجهل علينا" تغير صيغة كنظلم، أي: يجهل علينا غيرنا. قوله: "وهذا لفظ الترمذي". قلت: وقال (¬5): "حديث حسن صحيح" انتهى. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (5095). (¬2) في "السنن" رقم (3426)، وهو حديث صحيح. (¬3) في "السنن" رقم (5096)، وهو حديث ضعيف الإسناد. (¬4) الزلل: الخطأ والذنب. "النهاية" (1/ 730). (¬5) في "السنن" (5/ 490).

الفصل السابع: في أدعية المجلس والقيام منه

ولفظ أبي داود (¬1): "أن أضل أو أضل، أو أزل أو أزل" وكذلك الباقي بلفظ التوحيد. قوله: "في حديث أنس: يقال له حسبك" كأن القائل بذلك ملك. قوله: "أخرجه أبو داود والترمذي وهذا لفظه". قلت: وقال الترمذي (¬2): "حديث حسن، وفي نسخة: حسن صحيح" زاد أبو داود (¬3) في روايته: فيقول - يعني الشيطان - لشيطان آخر: كيف لك برجل قد هدي ووقي وكفي؟ [29 ب]. الفصل السابع: في أدعية المجلس والقيام منه 1 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ جَلَسَ مَجْلساً كَثُرَ فِيهِ لَغَطُهُ، فَقَالَ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ مِنْ مَجْلِسِهِ: سُبْحَانَكَ اللهمَّ وَبِحَمْدِكَ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إلهَ إلاَّ أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ، وَأَتُوبُ إِلَيْكَ، إِلاَّ غُفِرَ لَهُ مَا كَانَ فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ". أخرجه الترمذي (¬4) وصححه. [صحيح] "اللَّغَط" (¬5): رديء الكلام وقبيحه. 2 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قَلَّمَا كَانَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُومُ مِنْ مَجْلِسِهِ حَتَّى يَدْعُوَ بِهَؤُلاَءِ الكَلِمَاتِ لأَصْحَابِهِ: "اللهمَّ اقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا تَحُولُ بِهِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعَاصِيكَ، وَمِنْ ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (5095). (¬2) في "السنن" (5/ 490). (¬3) في "السنن" رقم (5095). (¬4) في "السنن" رقم (3433)، وهو حديث صحيح. وأخرجه النسائي في "عمل اليوم والليلة" رقم (397)، وابن السني في "عمل اليوم والليلة" رقم (449)، وابن حبان في صحيحه رقم (2366)، والحاكم (1/ 536 - 537). (¬5) اللغط: صوت وضجَّة لا يفهم معناها. "النهاية" (2/ 604)، "الفائق" للزمخشري (3/ 321).

طَاعَتِكَ مَا تُبَلِّغُنَا بِهِ جَنَّتَكَ، وَمِنَ اليَقِينِ مَا تُهَوِّنُ بِهِ عَلَيْنَا مَصَائِبَ الدُّنْيَا. اللهمَّ مَتّعْنا بِأَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُوَّتِنَا مَا أَحْيَيْتَنَا، وَاجْعَلْهُ الوَارِثَ مِنَّا، وَاجْعَلْ ثَأْرَنَا عَلَى مَنْ ظَلَمَنَا، وَانْصُرْنَا عَلَى مَنْ عَادَانَا، وَلاَ تَجْعَلْ مُصِيبَتَنَا فِي دِينِنَا، وَلاَ تَجْعَلِ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّنَا، وَلاَ مَبْلَغَ عِلْمِنَا، وَلاَ تُسَلِّطْ عَلَيْنَا مَنْ لاَ يَرْحَمُنَا". أخرجه الترمذي (¬1). [حسن] [(الفصل السابع): في أدعية المجلس والقيام منه] (¬2) قوله: "في حديث ابن عمر: قلما كان ... إلى آخره" لفظه في "الجامع" (¬3): "كان ابن عمر إذا جلس مجلساً لم يقم حتى يدعو لجلسائه، وزعم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يدعو بهن لجلسائه، اللهم اقسم ... " الحديث. فلفظ المصنف غير لفظه. قوله: "أخرجه الترمذي". قلت: هكذا في "الجامع" (¬4) والذي رأيته في الترمذي (¬5): أن ابن الزبير قال: ما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى آخره، زاد أنه رواه عن ابن عمر، ثم قال الترمذي: "حديث حسن غريب" قال (¬6): وقد روى بعضهم هذا الحديث عن خالد بن أبي عمران عن نافع عن ابن عمر. انتهى. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (3502) وهو حديث حسن. وأخرجه النسائي في "عمل اليوم والليلة" رقم (401)، وابن السني في "عمل اليوم والليلة" رقم (448)، والبغوي في "شرح السنة" (5/ 174). (¬2) زيادة من (ب). (¬3) (4/ 279 رقم 2276). (¬4) (4/ 279 - 280). (¬5) في "السنن" (5/ 528). (¬6) أي الترمذي في "السنن" (5/ 528) حيث قال: حدثنا علي بن حجر أخبرنا ابن المبارك أخبرنا يحيى بن أيوب عن عبيد الله بن زحر عن خالد بن أبي عمران أن ابن عمر قال ...

الفصل الثامن: في أدعية السفر

قال الترمذي: لم يروه إلا عن ابن الزبير لا عن ابن عمر، فالله أعلم كيف وقع لابن الأثير نسبته إلى ابن عمر وتبعه المصنف. [30 ب]. الفصل الثامن: في أدعية السفر 1 - عن مالك: أنَّهُ بَلَغَه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا وَضَعَ رِجْلَهُ فِي الغَرْزِ وَهُوَ يُرِيدُ السَّفَرَ يَقُولُ: "بِاسْمِ الله، اللهمَّ أنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ، وَالخَلِيفَةُ فِي الأَهْلِ، اللهمَّ ازْوِ لَنَا الأَرْضَ، وَهَوِّنْ عَلَيْنَا السَّفَرَ. اللهمَّ إِنِّي اَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ، وَكَآبَةِ المُنْقَلَبِ، وَمنْ سُوءِ المَنْظَرِ فِي المَالِ وَالأَهْلِ" (¬1). [إسناده منقطع] "الغَرْزُ" (¬2): ركاب الرجل من جلد. "وَالزَّيُّ" (¬3): الطي والجمع. "وَوَعثَاءُ السفَرِ" (¬4): تعبه ومشقته. "وَكآبَة المنْقَلَبِ": الحزن، والمنقلب: المرجع (¬5). قوله: "الثامن في أدعية السفر". قوله: "عن مالك أنه بلغه" أقول: كان الأولى أن يأتي عوض حديث البلاغ هذا بما أخرجه أبو داود (¬6) والترمذي (¬7) والنسائي (¬8). ¬

_ (¬1) أخرجه مالك في "الموطأ" (2/ 977). (¬2) "النهاية" (2/ 300). (¬3) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (4/ 285). (¬4) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (4/ 285). (¬5) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (4/ 285). (¬6) في "السنن" رقم (2602). (¬7) في "السنن" رقم (3446). (¬8) "عمل اليوم والليلة" رقم (502). وهو حديث صحيح.

قال النووي (¬1): بالأسانيد الصحيحة عن علي بن ربيعة قال: شهدت علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، أتى بدابة ليركبها، فلما وضع رجله في الركاب قال: بسم الله، فلما استوى على ظهرها، قال: الحمد لله، ثم قال: الحمد لله سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا (¬2) له مقرنين، وإنا [396/ أ] إلى ربنا لمنقلبون، ثم قال: الحمد لله ثلاث مرات، ثم قال: الله أكبر ثلاث مرات، ثم قال: سبحانك إني ظلمت نفسي فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ... الحديث. هذا لفظ رواية أبي داود. وقال الترمذي (¬3): "حسن" وفي بعض نسخه: "حسن صحيح" فلو أتى به كان أولى، وهو في "جامع ابن الأثير" (¬4). قوله: "في الغرز" (¬5) بفتح الغين المعجمة وسكون الراء فزاي، فسره المصنف. قوله: "وعثاء السفر" بفتح الواو فعين مهملة ساكنة فمثلثة ممدود، فسره المصنف. "والكآبة" بفتح الكاف والمد، فسره المصنف أيضاً. 2 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: كَانَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - إذَا قَفَلَ مِنْ السفَرِ يُكبَّر عَلَى كُلِّ شَرَفٍ مِنَ الأَرْضِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ يَقُولُ: "لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ، وَلَهُ ¬

_ (¬1) في "الأذكار" (1/ 555 - 556). (¬2) قال تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13) وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ (14)} [الزخرف: 13، 14] الآية. (¬3) في "السنن" (5/ 502). (¬4) (4/ 288). (¬5) تقدم شرح ألفاظ الحديث من "غريب الجامع".

الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ سَاجِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ، صَدَقَ الله وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ". أخرجه الستة (¬1) إلا النسائي. [صحيح] "القُفُولُ: الرجوع. "وَالشَّرَفُ": ما ارتفع من الأرض. وقوله: "آيُبونَ": أي راجعون (¬2). قوله: "آيبون" بكسر الهمزة بعد الألف، وكثير من الناس [31 ب] يلفظون بيا بعد الألف، وهو لحن، ومعناه: راجعون. ولفظة: "ساجدون" غير ثابتة في رواية "الأذكار" (¬3) للنووي في هذا الحديث، وأثبته في رواية أخرى منسوبة إلى الشيخين (¬4) عن ابن عمر. 3 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ الله، إِنِّي أُرِيدُ السفَرَ فَأَوْصِنِي. فَقَالَ: "عَلَيْكَ بِتَقْوَى الله وَالتَّكْبِيرِ عَلَى كُلِّ شَرَفٍ". فَلَمَّا وَلَّى قَالَ: "اللهمَّ اطْوِ لَهُ البُعْدَ، وَهَوِّنْ عَلَيْهِ السَّفَرَ". أخرجه الترمذي (¬5). [حسن] قوله: "في حديث أبي هريرة: قال: أوصني" ترجم له في "الأذكار" (¬6) باستحباب طلب الوصية من أهل الخير. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (1797)، ومسلم رقم (1344)، وأبو داود رقم (2770)، والترمذي رقم (950)، ومالك في "الموطأ" (2/ 421). (¬2) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (4/ 281). (¬3) (1/ 554 رقم 601/ 439). (¬4) البخاري رقم (1797)، ومسلم رقم (1344). (¬5) في "السنن" رقم (3445)، وهو حديث حسن. وأخرجه ابن ماجه رقم (2771)، وابن حبان رقم (2378، 2379)، والحاكم في "المستدرك" (2/ 98). (¬6) (1/ 554).

قوله: "أخرجه الترمذي" قلت: وقال (¬1): "حديث حسن". 4 - وعن عبد الله الخطمي - رضي الله عنه - قال: كَانَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إِذَا وَدَّعَ أحداً قَالَ: "أَسْتَوْدِعُ الله دِينَكُمْ وَأَمَانَتَكُمْ، وَخَوَاتِيمَ أَعْمَالِكُمْ". أخرجه أبو داود (¬2). [صحيح] وله (¬3) في أخرى عن ابن عمر - رضي الله عنهما -: "أَسْتَوْدِعُ الله دِينَكَ وَأَمَانَتَكَ، وَخَوَاتِيمَ عَمَلِكَ". [صحيح] قوله: "وعن عبد الله الخطمي" أقول: هو عبد الله (¬4) بن يزيد أبو موسى عبد الله بن يزيد بن زيد بن حصين بن عمرو بن الحارث بن خَطْمه، بفتح الخاء المعجمة وسكون الطاء المهملة، الأنصاري، الأوسي، شهد الحديبية وهو ابن سبع عشرة سنة، وكان أميراً على الكوفة في عهد ابن الزبير، ومات بها، وكان الشعبي كاتبه. قوله: "إذا ودع أحداً" أقول: لفظه في "الجامع" (¬5): "إذا أراد أن يستودع الجيش". ¬

_ (¬1) في "السنن" (5/ 500). (¬2) في "السنن" رقم (2601)، وهو حديث صحيح. وأخرجه النسائي في "عمل اليوم والليلة" رقم (507)، وابن السني في "عمل اليوم والليلة" رقم (506)، والحاكم (2/ 97). (¬3) أي لأبي داود في "السنن" رقم (2600)، وهو حديث صحيح. وأخرجه الترمذي رقم (3442، 3443)، وابن ماجه رقم (2826)، وأحمد (2/ 7)، والنسائي في "عمل اليوم والليلة" رقم (523). (¬4) انظر: "التقريب" (1/ 461 رقم 742). (¬5) (4/ 292)

وفي "أذكار النووي" (¬1): "كان إذا أراد أن يودع الجيش قال ... " إلى آخره. فهذا اللفظ هو الذي يطابق جمع الضمير في دينكم وما بعده، فما كان للمصنف تحويل لفظ الجامع وهو أصله. قوله: "أخرجه أبو داود" أقول: في "الأذكار" (¬2) زاد غيره بالإسناد الصحيح. قوله: وفي أخرى عن ابن عمر لفظه في "الجامع" (¬3) [32 ب] عن قزعة. قال: قال ابن عمر: هلم أودعك كما ودعني رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فذكره. 5 - وعن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال: كَانَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ عَلَيْهِ في السَّفَرِ قَالَ: "يَا أَرْضُ رَبِّي وَرَبُّكِ الله، أَعُوذُ بِالله مِنْ شَرِّكِ وَشَرِّ مَا خُلِقَ فِيكِ، وَشَرِّ مَا يَدِبُّ عَلَيْكِ. أَعُوذُ بِالله مِنْ أَسَدٍ وَأَسْوَدَ، وَمِنَ الحَيَّةِ وَالعَقْرَبِ، وَمِنْ سَاكِنِ البَلَدِ، وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ". أخرجه أبو داود (¬4). [ضعيف] "والمراد بِسَاكن البَلَدَ" الجن (¬5)، لأنهم سكان الأرض. "وَبِالوَالِدِ" هنا إبليس. "وَبِمَا وَلَدَ" نسله وذريته (¬6). ¬

_ (¬1) (1/ 553). (¬2) (1/ 553 رقم 599/ 437). (¬3) (4/ 291)، تقدم تخريجه وهو حديث صحيح. (¬4) في "السنن" رقم (2603)، وهو حديث ضعيف. وأخرجه أحمد (2/ 132)، والنسائي في "عمل اليوم والليلة" رقم (563)، والحاكم (2/ 100)، والبغوي في "شرح السنة" (5/ 146 - 147)، وابن خزيمة في صحيحه رقم (2572). (¬5) قاله الخطابي في "معالم السنن" (3/ 78 - مع السنن). (¬6) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (4/ 293)، والخطابي في "معالم السنن" (3/ 78 - مع السنن).

قوله: "في حديث ابن عمر: ساكن البلد" هم الجن. أقول: في "الأذكار" (¬1) قال الخطابي (¬2): هم الجن الذين هم سكان الأرض، والبلد من الأرض؛ ما كان فيه مأوى الحيوان، وإن لم يكن فيه بناء ومنازل. قال (¬3): ويحتمل أن المراد بالوالد إبليس وما ولد الشياطين، هذا كلام الخطابي. "والأسود" الشخص، وكل شخص يسمى أسود. انتهى. وفي غيره (¬4): الأسود: هو العظيم من الحيات وفيه سواد، ويكون تخصيصها بالذكر لخبثها. 6 - وعن خولة بنت حكيم - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ نَزَلَ مَنْزِلاً فَقَالَ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ الله التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ حَتَّى يَرْتَحِلَ". أخرجه مسلم (¬5) ومالك (¬6) والترمذي (¬7). [صحيح] قوله: "في حديث خولة" وهي بفتح الخاء المعجمة وسكون الواو. "وكلمات الله التامات" في "النهاية" (¬8) قيل: هي القرآن، وإنما وصف كلامه بالتمام؛ لأنه لا يجوز أن يكون في كلامه شيء من النقص والعيب كما يكون في كلام الناس. ¬

_ (¬1) (1/ 571). (¬2) في "معالم السنن" (3/ 78 - مع السنن). (¬3) أي الخطابي في "معالم السنن" (3/ 78 - مع السنن). (¬4) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (1/ 821)، "المجموع المغيث" (2/ 145). (¬5) في صحيحه رقم (2708). (¬6) في "الموطأ" (2/ 978). (¬7) في "السنن" رقم (3437)، وهو حديث صحيح. (¬8) (1/ 196)، وانظر: "المجموع المغيث" (1/ 240).

الفصل التاسع: في أدعية الكرب والهم

وقيل (¬1): معنى التمام هنا: أنها تنفع المتعوذ وتحفظه من الآفات وتكفيه. انتهى. قوله: "أخرجه مسلم ومالك والترمذي" وقال (¬2): "حسن صحيح غريب". الفصل التاسع: في أدعية الكرب والهم 1 - عن سعد - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَاهُ وَهُوَ فِي بَطْنِ الحُوتِ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالمِينَ. مَا دَعَا بِهَا أَحَدٌ قَطٌ إلاَّ اسْتُجِيبَ لَهُ". أخرجه الترمذي (¬3). [صحيح] قوله: "التاسع" أي: "الفصل التاسع" [في أدعية الكرب والهم] (¬4). [أقول: الكرب؛ بفتح الكاف [33 ب] وسكون الراء فموحدة، هو غاية الغَمِّ (¬5) الذي يأخذ بالنفس. والهم؛ هو الحزن والقلق لأمر متوقع. قوله: "عن سعد" هو ابن أبي وقاص. وهذا الحديث لم أجده في "الجامع" في هذا الفصل، ولا ذكره في التفسير في حرف "التاء" وذكره هنا مناسب؛ لأنه تعالى قال: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88)} (¬6) نعم .. ذكره ابن الأثير في قسم الأدعية المطلقة. ¬

_ (¬1) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (4/ 293). (¬2) في "السنن" (5/ 496). (¬3) في "السنن" رقم (3505)، وهو حديث صحيح. (¬4) في (ب): "مكررة". (¬5) "القاموس المحيط" (ص 166). (¬6) سورة الأنبياء: 88.

واعلم أن وجه تأثير هذه الأدعية الواردة ونحوها في دواء هذه الأمراض القلبية، أن القلب خلق لمعرفة فاطره ومحبته وتوحيده، والسرور به، والابتهاج بحبه والرضا عنه، والتوكل عليه، والحب فيه، والبغض فيه، والموالاة فيه، والمعاداة فيه، ودوام ذكره، وأن يكون أحب إليه من كل ما سواه، وأجلَّ في قلبه من كل ما سواه، ولا نعيم له ولا سرور ولا لذة؛ بل ولا حياة له إلا بذلك. وهذا له بمنزلة الغذاء والصحة والحياة، فإذا فقد غذاءه وصحته وحياته فالهموم والغموم والأحزان مسارعة إليه من كل صوب إليه، [ورهنٌ] (¬1) مقيم عليه .. فدواؤه الذي لا دواء سواه ما تضمنته هذه العلاجات النبوية [297/ أ] المضادة لهذه الأدواء، فإن المرض يزول بالضد، والصحة تحفظ بالمثل، فصحته تحفظ بهذه [الأمور] (¬2) النبوية وأمراضه بأضدادها. أفاده ابن القيم [34 ب] في "زاد المعاد" (¬3). قوله: "أخرجه الترمذي". قلت: وأحمد (¬4)، والنسائي (¬5)، والحكيم الترمذي في "نوادر الأصول" (¬6)، والبزار (¬7) , ¬

_ (¬1) في (ب): "ودوائهن". (¬2) في (أ. ب): "الأدوية"، وما أثبتناه من "زاد المعاد" (4/ 186). (¬3) (4/ 185 - 186). (¬4) في "المسند" (1/ 170). (¬5) في "عمل اليوم والليلة" رقم (656). (¬6) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (5/ 668). (¬7) في مسنده رقم (3150 - كشف).

وابن جرير (¬1)، وابن أبي حاتم (¬2)، والحاكم (¬3) وصححه، وابن مردويه (¬4)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (¬5). وأخرج الحديث ابن السني (¬6) عن سعد، بلفظ: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم - يقول: "إني لأعلم كلمة لا يقولها مكروب إلا فرج الله عنه، كلمة أخي يونس ... " الحديث. ففيه النص على المكروب، ورواية الترمذي التي ذكرها المصنف يدخل المكروب في عموم لفظ: "في شيء". 2 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: كَانَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ عِنْدَ الكَرْبِ: "لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله العَظِيمُ الحَلِيمُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله رَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله رَبُّ السَّمَوَاتِ (¬7)، [وَرَبُّ الأَرْضِ] (¬8)، وَرَبُّ العَرْشِ الكَرِيمِ" أخرجه الشيخان (¬9)، واللفظ لهما والترمذي (¬10). [صحيح] قوله: "في حديث ابن عباس، أخرجه الشيخان". ¬

_ (¬1) في "جامع البيان" (16/ 386). (¬2) في تفسيره (8/ 2465 رقم 13712). (¬3) في "المستدرك" (1/ 505). (¬4) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (5/ 668). (¬5) رقم (620). (¬6) في "عمل اليوم والليلة" رقم (349). (¬7) في المخطوط (أ. ب) زيادة: "السبع". (¬8) زيادة من مصادر الحديث. (¬9) البخاري رقم (6345، 6346، 7426، 7431)، ومسلم رقم (2730). (¬10) في "السنن" رقم (3435). وهو حديث صحيح.

قلت: وفي لفظ مسلم: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا حزبه أمر قال ذلك" و"حزبه" بفتح الحاء المهملة فزاي فموحدة، أي: إذا نزل به أمر مهم أو أصابه غم (¬1). 3 - وعن الخدري - رضي الله عنه - قال: دَخَلَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ يَوْمٍ المَسْجِدَ، فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ: أَبُو أُمَامَةَ، فَقَالَ: "يَا أَبَا أُمَامَةَ، مَا لِي أَرَاكَ جَالِسًا فِي المَسْجِدِ فِي غَيْرِ وَقْتِ صلاَةِ" قَالَ: هُمُومٌ لَزِمَتْنِي، وَدُيُونٌ يَا رَسُولَ الله. قَالَ - صلى الله عليه وسلم -: "أَلاَ أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ إِذَا قُلْتَهُنَّ أَذْهَبَ الله عنَّك هَمَّكَ، وَقَضَى دَيْنَكَ؟ " قَالَ: قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ الله. قَالَ: "قُلْ: إِذَا أَصْبَحْتَ وَإِذَا أَمْسَيْتَ: اللهمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الهَمِّ وَالحَزَنِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ العَجْزِ وَالكَسَلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الجُبْنِ وَالبُخْلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ، وَقَهْرِ الرِّجَالِ". فَقُلْتُ ذَلِكَ فَأَذْهَبَ الله عَنِّي غَمِّي، وَقَضَى دَيْنِي". أخرجه أبو داود (¬2). [ضعيف] قوله: "وعن الخدري" بضم الخاء المعجمة، وسكون الدال المهملة، فراء، بعدها ياء النسبة نسبة إلى خدرة، اسم قبيلة. هو أبو سعيد الخدري، واسمه: سعد بن مالك (¬3) الخزرجي الأنصاري، اشتهر بكنيته. كان من الحفاظ المكثرين، العلماء الفضلاء العقلاء، أول مشاهدة الخندق، وغزا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - اثنتي عشرة غزوة. مات سنة أربع وسبعين، ودفن بالبقيع. ¬

_ (¬1) قاله ابن الأثير في "النهاية في غريب الحديث" (1/ 369). (¬2) في "السنن" رقم (1555)، وهو حديث ضعيف. ويغني عن الضعيف؛ ما أخرجه البخاري رقم (6345)، ومسلم رقم (2730)، والترمذي رقم (3431)، والنسائي في "عمل اليوم والليلة" رقم (652)، وابن ماجه رقم (3882) عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول عند الكرب: "لا إله إلا الله الحليم العظيم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات والأرض، ورب العرش الكريم". (¬3) انظر: "التقريب" (1/ 289 رقم 101).

قوله: "يقال له أبو أمامة" هو إياس (¬1) بكسر الهمزة وتخفيف المثناة التحتية آخره مهملة ابن ثعلبة الأنصاري أحد بني الحارث بن الخزرج. قوله: "من العجز والكسل" العجز: عدم القدرة، والكسل: ترك الشيء مع القدرة [35 ب] على الأخذ في عمله. "والجبن" ضد الشجاعة والاستعاذة من قهر الرجال، لما في ذلك من الوهن في النفس والمعاش. 4 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: جَاءَتْ فَاطِمَةُ - رضي الله عنها - إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - تَسْأَلُهُ خَادِمًا، فَقَالَ لَهَا: "قُولِي: اللهمَّ رَبَّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ، وَرَبَّ العَرْشِ العَظِيمِ، رَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ، مُنْزِلَ التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالفُرْقَان، فَالِقَ الحَبِّ وَالنَّوَى. أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ شَيْءٍ أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ، أَنْتَ الأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيءٌ، وَأَنْتَ الآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ البَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ؛ اقْضِ عَنِّي الدَّيْنَ، وَأَغْنِنِي مِنَ الفَقْرِ" (¬2). [صحيح] قوله: "وعن أبي هريرة قال: جاءت فاطمة ... الحديث" لم يذكره ابن الأثير في "الجامع" في هذا الفصل. قوله: "أخرجه الترمذي". قلت: وقال (¬3): "إنه حسن غريب". قال: وهكذا روى بعض أصحاب الأعمش عن الأعمش نحو هذا. ورواه الأعمش (¬4)، عن أبي صالح مرسلاً لم يذكر فيه عن أبي هريرة. قوله: "وأنت الأول" الأربع الصفات تقدم تفسيرها في الأسماء الحسنى. ¬

_ (¬1) انظر: "التقريب" (1/ 87 رقم 665). (¬2) أخرجه الترمذي في "السنن" رقم (3481). (¬3) في "السنن" (5/ 519). (¬4) أخرجه مسلم في صحيحه رقم (2713)، والترمذي رقم (3400).

5 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: كَانَ رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إِذَا كَرَبَهُ أَمْرٌ يَقُولُ: "يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ" وقال: "ألِظَّوا بِياذَا الجَلاَلِ والإِكْرَام". أخرجه الترمذي (¬1). [حسن] ومعنى "ألِظُّوا" (¬2) الزموا ذلك، وثابروا عليه، وأكثروا من التلفظ به. 6 - وعن أسماء بنت عميس - رضي الله عنها - قالت: قَالَتْ قَالَ لِي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَلاَ أُعَلِّمُكِ كَلِمَاتٍ تَقُولِينَهُنَّ عِنْدَ الكَرْبِ؟ الله الله رَبِّي لاَ أُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا". أخرجه أبو داود (¬3). [حسن] قوله: "وعن أسماء بنت عميس" بضم العين المهملة بعد الميم مثناة تحتية آخره سين مهملة، وهي زوجة أبي بكر صحابية جليلة، كانت تحت جعفر بن أبي طالب، ثم تحت أبي بكر الصديق، ثم تحت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنهم - أجمعين، ولها أولاد من كل الثلاثة الأعيان. قوله: "الله الله ربي لا أشرك به شيئاً" قال المظفري [36 ب] في كتاب "الدعاء" له: كأن هذه الكلمات آخر كلام عمر بن عبد العزيز عند الموت. 7 - وعن ابن مسعود (¬4) - رضي الله عنه - قال: مَنْ كَثُرَ هَمُّهُ فَلْيَقلِ: "اللهمَّ إِنِّي عَبْدُكَ, وَابْنُ عَبْدِكَ, وَابْنُ أَمَتِكَ، وَفِي قَبْضَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ, مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضاؤُكَ. أَسْأَلُكَ بِكُلَّ ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (3524)، وهو حديث حسن. (¬2) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (4/ 296). (¬3) في "السنن" رقم (1525)، وهو حديث حسن. وأخرجه ابن ماجه رقم (3882)، وأحمد (6/ 369)، والنسائي في "عمل اليوم والليلة" رقم (647 - 649)، والطبراني في "الدعاء" رقم (1027). (¬4) وهو حديث حسن. =

اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوْ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ في مَكْنُونِ الغَيْبِ عِنْدَكَ؛ أَنْ تَجْعَلَ القُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَجَلاَءَ هَمِّي وغَمِّي، مَا قالهَا عَبْدٌ قَطٌّ إِلاَّ أَذْهَبَ الله غَمَّهُ وَأبْدَلَهُ فَرَحاً" أخرجه رزين. [حسن] "الاسْتِئْثَارُ" بالشيء التخصيص (¬1) به الانفراد، وقوله: "أنْ تَجْعَلَ القُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبي" شبه بالربيع من الزمان لارتياح الإنسان فيه وميله إليه. قوله: "وعن ابن مسعود قال: من كثر همه ... الحديث" هو موقوف عليه، هكذا في نسخ "التيسير"، والذي في "الجامع" (¬2) عن ابن مسعود أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من كثر همه" الحديث فهو مرفوع، وقصر المصنف بوقفه. قوله: "أن تجعل القرآن ربيع قلبي" سأل الله أن يجعل القرآن لقلبه كالربيع، الذي يرتع فيه الحيوان، وكذا القرآن ربيع القلوب، وأن يجعله نور صدره، أي: كالنور الذي هو مادة الحياة، وبه يتم معاش العبد، وأن يجعله شفاء همه وغمه، فيكون له بمنزلة الدواء الذي يستأصل الداء، ويعيد البدن إلى صحته واعتداله، وأن يجعله لحزنه كالجلاء الذي يجلو الطبوع والأصدية. قاله ابن القيم (¬3) - رحمه الله -. ¬

_ = أخرجه أحمد (1/ 391، 452)، وابن حبان في صحيحه رقم (972)، والحاكم في "المستدرك" (1/ 509)، والطبراني في "الكبير" رقم (10352)، و"الدعاء" رقم (1035)، وابن أبي شيبة في مصنفه (10/ 253)، وأبو يعلى في مسنده (9/ 198 - 199). (¬1) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (4/ 298). (¬2) (4/ 298 رقم 2300). (¬3) في "زاد المعاد" (4/ 184). وانظر: "الداء والدواء" (ص 35 - 36) ط. دار عالم الفوائد.

الفصل العاشر: في أدعية الحفظ

قوله: "أخرجه رزين" قد عرفناك عدم صحة هذه النسبة مراراً، وفي عدة الحصن الحصين (¬1): أنه أخرجه أحمد (¬2)، وابن حبان (¬3)، والبزار (¬4)، ونسبه النووي في "الأذكار" (¬5) إلى كتاب ابن السني (¬6)، وفيه أنه قال رجل من القوم: يا رسول الله! إن المغبون من غبن هؤلاء الكلمات. قال: "أجل، فقولوهن وعلموهن، فإن من قالهن التماس ما فيهن أذهب الله تعالى حزنه، وأطال فرحه" انتهى. قوله: "الاستئثار بالشيء" التخصيص به والانفراد. قلت: في "شرح الأسماء" (¬7) للبيهقي إن في هذا دلالة على صحة القول بأن لله تعالى أسماء غير التسعة والتسعين، وإنه ليس في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إن لله [تسعاً] (¬8) وتسعين اسماً" نفي لغيرها، وإنما وقع التخصيص بذكرها؛ لأنها أشهر الأسماء. انتهى بمعناه. وقد ذكر ذلك العلامة الكبير محمد بن إبراهيم الوزير - رحمه الله - في كتابه "إيثار الحق على الخلق". [37 ب]. الفصل العاشر: في أدعية الحفظ 1 - عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "جَاءَ عِليُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رضي الله عنه - إلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، تَفَلَّتَ هَذَا القُرْآنُ مِنْ صَدْرِي فَمَا أَجِدُنِي أَقْدِرُ عَلَيْهِ. فَقَالَ لَهُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يَا أَبَا ¬

_ (¬1) (ص 481). (¬2) في "المسند" (1/ 391، 452). (¬3) في صحيحه رقم (2372). (¬4) كما في "مجمع الزوائد" (10/ 186 - 187). (¬5) (1/ 339 - 340). (¬6) في "عمل اليوم والليلة" رقم (339). (¬7) في "الأسماء والصفات" (1/ 27 - 28). (¬8) في (أ): "تسعة".

الحَسَنِ! أَفلاَ أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ الله بِهِنَّ، وَيَنْفَعُ بِهِنَّ مَنْ عَلَّمْتَهُ, وَيُثبَّتُ مَا تَعَلَّمْتَ فِي صَدْرِك". قَالَ: أَجَلْ يَا رَسُولَ الله، فَعَلِّمْنِي. قَالَ: "إِذَا كَانَ لَيْلَةُ الجُمُعَةِ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَقُومَ فِي ثُلُثِ اللَّيْلِ الآخِيرِ، فَإِنَّهَا سَاعَةٌ مَشْهُودَةٌ، وَالدُّعَاءُ فِيهَا مُسْتَجَابٌ وَقَالَ أَخِي يَعْقُوبُ لِبَنِيهِ: {سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي} (¬1) يَقُولُ: حَتَّى تَأْتِيَ لَيْلَةُ الجُمُعةِ, فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَفِي وَسَطِهَا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَفِي أَوَّلِهَا، فَصَلِّ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ تَقْرَأُ فِي الأُولَى: بِفَاتِحَةِ الكتَابِ وَيس، وَفِي الثَّانِيَةِ: بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ وَحم الدُّخَانَ، وَفِي الثَّالِثَةِ: بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ وَالم تَنْزِيلُ السَّجْدَةَ، وَفِي الرَّابِعَةِ: بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ وَتبَارَكَ المُفَصَّلَ، فَإِذَا فَرَغْتَ فَاحْمَدِ الله تعَالَى، وَأَحْسِنِ الثَّنَاءَ عَلَيْهِ, وَصَلِّ عَلَيَّ وَأَحْسِنْ، وَصَلِّ عَلَى سَائِرِ الأنْبِيَاء، وَاسْتَغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ وَلإِخْوَانِكَ الَّذِينَ سَبَقُوكَ بِالإِيمَانِ، ثُمَّ قُلْ فِي آخِرِ ذَلِكَ: اللهمَّ ارْحَمْني بِتَرْكِ المَعَاصِي أَبَدًا ما أَبْقَيْتَنِي، وَارْحَمْني أَنْ أَتكَلَّفَ مَا لاَ يَعْنِينِي، وَارْزُقْنِي حُسْنَ النَّظَرِ فِيمَا يُرْضِيكَ عَنِّي. اللهمَّ بَدِيعَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَا ذَا الجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ وَالعِزَّةِ الَّتي لاَ تُرَامُ. أَسْأَلُكَ يَا الله يَا رَحْمَنُ بِجَلاَلِكَ، وَنُورِ وَجْهِكَ أَنْ تُلْزِمَ قَلْبِي حِفْظَ كِتَابِكَ كَمَا عَلَّمْتَنِي، وَارْزُقْنِي أَنْ أَتْلُوَهُ عَلَى النَّحْوِ الَّذِي يُرْضِيكَ عَنِّي. اللهمَّ بَدِيعَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ذَا الجَلاَلِ وَالإكْرَامِ وَالعِزَّةِ الَّتِي لاَ تُرَامُ، أَسْأَلُكَ يَا الله يَا رَحْمَنُ بِجَلاَلِكَ، وَنُورِ وَجْهِكَ أَنْ تُنَوَّرَ بِكِتَابِكَ بَصرِي، وَأَنْ تُطْلِقَ بِهِ لِسَانِي، وَأَنْ تُفَرِّجَ بِهِ عَنْ قَلْبِي، وَأَنْ تَشْرَحَ بِهِ صَدْرِي، وَأَنْ تَغْسِلَ بِهِ بَدَنِي فإِنَّهُ لاَ يُعِينُنِي عَلَى الحَقِّ غَيْرُكَ وَلاَ يُؤْتِينيِه إِلاَّ أَنْتَ، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِالله العَلِيِّ العَظِيمِ، يَا أَبَا الحَسَنِ: تَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلاَثَ جُمَعٍ أَوْ خَمْساً، أَوْ سَبْعَاً تُجَابُ بِإِذْنِ الله تعَالَى، وَالَّذِي بَعَثَني بِالحَقِّ مَا أَخْطَأَ مُؤْمِنًا قَطُّ". قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَوَالله مَا لَبِثَ عَليٌّ إِلاَّ خَمْسًا، أَوْ سَبْعًا حَتَّى جَاءَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي مِثْلِ ذَلِكَ المَجْلِسِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله، إِنِّي كُنْتُ فِيمَا خَلاَ لاَ آخُذُ إِلاَّ أَرْبَعَ آيَاتٍ أَوْ نَحْوَهُنَّ، فَإِذَا ¬

_ (¬1) سورة يوسف: 98.

قَرَأْتُهُنَّ عَلَى نَفْسِي تَفَلَّتْنَ، وَإنِّي أتعَلَّمُ اليَوْمَ أَرْبَعيِنَ آيَةً أَوْ نَحْوَهَا، فَإِذَا قَرَأْتُهَا عَلَى نَفْسِي، فَكَأَنَّمَا كِتَابُ الله بَيْنَ عَيْنَيَّ، وَلَقَدْ كُنْتُ أَسْمَعُ الحَدِيثَ، فَإِذَا رَدَّدْتُهُ تَفَلَّتَ، وَأَنَا اليَوْمَ أَسْمَعُ الأَحَادِيثَ، فَإِذَا تحَدَّثْتُ بِهَا لَمْ أَخْرِمْ مِنْهَا، فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم - عِنْدَ ذَلِكَ: "مُؤْمِنٌ وَرَبِّ الكَعْبَةِ أَبَا الحَسَنِ". أخرجه الترمذي (¬1). [موضوع] قوله: "العاشرة في أدعية الحفظ" أي: (الفصل العاشر). قوله: "في حديث ابن عباس: و {آلم (1) تَنْزِيلُ} لفظ "الجامع" (¬2): بالم تنزيل السجدة. قوله: "أبداً ما أبقيتني" أي: ما دمت حيّاً؛ لأن أبد كل إنسان مدته. قوله: "أخرجه الترمذي". قلت: وقال (¬3): "حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث الوليد بن مسلم". ورواه الحاكم (¬4) وقال: "صحيح على شرطهما"، إلا أنه قال: يقرأ في الثانية بالفاتحة و {آلم (1) تَنْزِيلُ} السجدة. وفي الثالثة الفاتحة والدخان، عكس ما في الترمذي. وقال في الدعاء: وأن "تشغل بدني"، عوض وأن "تستعمل" [298/ أ]، وهو كذلك في بعض نسخ الترمذي ومعناهما ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي في "السنن" رقم (3570)، وهو حديث موضوع. وأخرجه الحاكم في "المستدرك" (1/ 316) وصححه، وتعقبه الذهبي بقوله: هذا حديث منكر شاذ، أخاف أن يكون موضوعاً. (¬2) (4/ 299 رقم 2301). (¬3) في "السنن" (5/ 565). (¬4) في "المستدرك" (1/ 316)، وقد تقدم.

واحد [38 ب] وفي بعضها وأن "تغسل" قال الحافظ المنذري: - رحمه الله - في "الترغيب والترهيب" (¬1) أسانيد هذا الحديث جيدة ومتنه غريب جداً. وقال الجلال السيوطي في "الجامع الصغير" (¬2): أورده ابن الجوزي في "الموضوعات" (¬3) فلم يصب. 2 - وعن شداد بن أوس - رضي الله عنه - قال: كَانَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يُعَلِّمُنَا أنْ نَقُولَ في الصَّلاَةِ: "اللهمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الأَمْرِ، وَالعَزِيمَةِ عَلَى الرُّشْدِ، وَأَسْأَلُكَ شُكْرَ نِعْمَتِكَ، وَحُسْنَ عِبَادَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ لِسَانًا صَادِقًا، وَقَلْبًا سَلِيمًا، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا تَعْلَمُ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا تَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ مِمَّا تَعْلَمُ". أخرجه النسائي (¬4). [ضعيف] قوله: "وعن شداد بن أوس" حديث شداد بن أوس لم أجده في "الجامع" في هذا الفصل، ولا مناسبة فيه له؛ فإنه للحفظ، وحديث شداد من أدعية الصلاة، وفيها ذكره ابن الأثير في فصل الدعاء في الصلاة مطلقاً ومشتركاً. واعلم أن ابن الأثير جعل الفصل العاشر في دعاء الاستخارة [39 ب] ثم قال: إنه قد ورد دعاؤه المشهور مقروناً بصلاة الاستخارة فذكره في كتاب الصلاة. قلت: والمصنف قد أخره إلى هنالك فلم يجعل له فصلاً. ¬

_ (¬1) (2/ 337). (¬2) رقم (1477). (¬3) (2/ 458 - 459 رقم 1025). (¬4) في "السنن" رقم (1304)، وهو حديث ضعيف.

الفصل الحادي عشر: في دعاء اللباس والطعام

الفصل الحادي عشر: في دعاء اللباس والطعام 1 - عن الخدري - رضي الله عنه - قال: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إذَا اسْتَجَدَّ ثَوْبًا قَالَ: "اللهمَّ لَكَ الحَمْدُ أَنْتَ كَسَوْتَنِي هذَا، وَيُسمِّيِه: أَسْأَلُكَ خَيْرَهُ وَخَيْرَ مَا صُنِعَ لَه، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرَّهِ وَشَرِّ مَا صُنِعَ لَهُ". أخرجه أبو داود (¬1) والترمذي (¬2). [صحيح] قوله: "الحادي عشر" أي: (الفصل الحادي عشر: في دعاء اللباس والطعام) في "الجامع" (¬3) عقد الفصل لأدعية الطعام والشراب، ولم يذكر اللباس كما لم يذكر المصنف الشراب، وعقد لأدعية اللباس فصلاً مستقلاً. قوله: "في حديث الخدري: ويسميه" زاد في "الجامع" (¬4) باسمه، إما قميصاً، وإما عمامة، أو رداء. "أسألك خيره" إلى آخره، ولا أدري لم حذف المصنف بعض الحديث. 2 - وعن أبي أمامة قال: لَبِسَ ابْنُ عُمَرُ - رضي الله عنهما - ثَوْبًا جَدِيدًا، فَقَالَ: الحَمْدُ لله الَّذِي كَسَانِي مَا أُوَارِي بِهِ عَوْرَتِي، وَأَتَجَمَّلُ بِهِ فِي حَيَاتِي، ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مَنْ لَبِسَ ثَوْبًا جَدِيدًا فَقَالَ ذَلِكَ، ثُمَّ عَمَدَ إِلَى الثَّوْبِ الَّذِي أَخْلَقَ، فَتَصَدَّقَ بِهِ كَانَ فِي كَنَفِ الله وَحِفْظِه، الله وَسَتْرِهِ حَيًّا وَمَيِّتًا". أخرجه الترمذي (¬5). [ضعيف] قوله: "في حديث أبي أمامة: أخرجه الترمذي" قلت: وقال (¬6): "حسن". ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (4020). (¬2) في "السنن" رقم (1767)، وهو حديث صحيح. (¬3) (4/ 304). (¬4) (4/ 304 رقم 2305). (¬5) في "السنن" رقم (3560)، وهو حديث ضعيف، والله أعلم. وأخرجه أحمد (1/ 44)، وابن ماجه رقم (3557)، وابن السني في "عمل اليوم والليلة" رقم (272). (¬6) في "السنن" (5/ 558) وقال: هذا حديث غريب.

3 - وعن أبي سعيد - رضي الله عنه - قال: كانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا أَكَلَ أَوْ شَرِبَ قَالَ: "الحَمْدُ لله الَّذِي أَطْعَمَنَا وَسَقَانَا وَجَعَلَنَا مُسْلِمِينَ" (¬1). [ضعيف] 4 - وعن معاذ بن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَكَلَ طَعَامًا فَقَالَ: الحَمْدُ لله الَّذِي أَطْعَمَنِي هَذَا الطَّعَامَ وَرَزَقَنِيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّي، وَلاَ قُوَّةٍ؛ غُفِرَ لَه مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ" (¬2). أخرجهما أبو داود والترمذي. [حسن] وزاد أبو داود (¬3) في الثاني: "وَمَنْ لَبِسَ ثَوْبًا فَقَالَ: الحَمْدُ لله الَّذِي كَسَانِي هَذَا ورَزَقَنِيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّي، وَلاَ قُوَّةٍ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ" [حسن] قوله: "في رواية أبي سعيد: واجعلنا مسلمين" في "الجامع" (¬4): هذه رواية الترمذي، وفي رواية أبي داود: "كان إذا فرغ من طعامه قال: وذكر الحديث. انتهى. والمصنف نسب الروايتين إلى أبي داود والترمذي، وبين الروايتين تفاوت. قوله: "أخرجهما" أي: حديث أبي سعيد ومعاذ بن أنس. [40 ب]. قوله: "الترمذي" قلت: وقال (¬5): "حسن غريب". ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود في "السنن" رقم (3850)، والترمذي في "السنن" رقم (3457)، والنسائي في "عمل اليوم والليلة" رقم (289)، وابن السني في "عمل اليوم والليلة" رقم (466)، وابن ماجه رقم (3283)، وأحمد (3/ 32، 98)، والطبراني في "الدعاء" رقم (898)، وهو حديث ضعيف. (¬2) أخرجه أبو داود في "السنن" رقم (4023)، والترمذي رقم (3458)، وابن ماجه رقم (3458)، وهو حديث حسن، والله أعلم. (¬3) في "السنن" رقم (4023)، وهو حديث حسن. (¬4) (4/ 308). (¬5) في "السنن" (5/ 508).

5 - وعن معاذ بن أنس - رضي الله عنه - قال: قال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ الله لَيَرْضَى عَنِ العَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الأَكْلَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا، أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا". أخرجه مسلم (¬1) والترمذي (¬2). [صحيح] قوله: "في حديث معاذ بن أنس: ليرضى عن العبد يأكل الأكلة فيحمده عليها" هذا من فضله، يقال: أطعم، وسقى، وغفر لعبده بحمده له على ما أعطى. [و] (¬3) قوله: "الأكلة" (¬4) بضم الهمزة اللقمة، وبفتحها المرة الواحدة من الأكل. قوله: "مسلم والترمذي" قلت: وقال الترمذي (¬5): "حسن". 6 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: أكَلَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عِنْدَ سَعْدِ بْنِ عُبَادةَ - رضي الله عنه - خُبْزاً وَزَيتْاً، ثُمَّ قَالَ: "أَفْطَرَ عِنْدَكُمُ الصَّائِمُونَ، وأكَلَ طَعَامَكُمُ الأَبْرَارُ، وَصَلَّتْ عَلَيْكُمُ المَلاَئِكَةُ". أخرجه أبو داود (¬6). [صحيح] وله (¬7) في أخرى عن جابر - رضي الله عنه - قال: صَنَعَ أَبُو الهْيْثَمِ طَعَامًا، فَدَعَا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وَأَصْحَابَهُ، فَلَمَّا فَرَغُوا قَالَ: "أَثِيبُوا أَخَاكُمْ". قَالُوا: يَا رَسُولَ الله، وَمَا إِثَابَتُهُ؟ قَالَ: "إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا دُخِلَ بَيْتُهُ, وَأُكِلَ طَعَامُهُ، وَشُرِبَ شَرَابُهُ، فَدَعَوْا لَهُ فَذَلِكَ إِثَابَتُهُ". [ضعيف] ¬

_ (¬1) في صحيحه رقم (2734). (¬2) في "السنن" رقم (1816). وهو حديث صحيح. (¬3) زيادة من (أ). (¬4) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (1/ 69). (¬5) في "السنن" (5/ 265). (¬6) في "السنن" رقم (3854)، وهو حديث صحيح. وأخرجه أحمد (3/ 138)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (7/ 287). (¬7) أخرجه أبو داود رقم (3853) وهو حديث ضعيف.

"الإثَابَةٌ" (¬1) الجزاء. قوله: "في حديث أنس: أكل" لفظه في "الجامع" (¬2) أنه - صلى الله عليه وسلم - جاء إلى سعد بن عبادة، فجاء بخبز وزيت فأكل ... الحديث. وقوله: "أفطر عندكم الصائمون" دعا له بأن يفطر عنده الصائمون؛ لأن من فطر صائماً كان له مثل أجره، وإلا فإنه - صلى الله عليه وسلم - أكل ذلك الطعام وهو مفطر. ففيه أنه يقول المفطر لمن أطعمه، ويقوله الصائم لمن فَطَّرَه. وكذلك قوله: "أكل طعامكم الأبرار" دعا لهم بأن يطعمون الأبرار الذين في طعامهم تقوية لهم على برهم، وقد ورد حديث (¬3): "ولا يأكل طعامك إلا تقي". وقوله: "وصَلَّت عليكم الملائكة" استغفرت لكم. قوله: "أبو الهيثم" (¬4) بفتح الهاء، وسكون المثناة التحتية، فمثلة: هو ابن التيهان، بفتح المثناة الفوقية [41 ب] فمثناة تحتية مشددة. اسم أبي الهيثم مالك، وأبو الهيثم أحد النقباء الإثني عشر، شهد بدراً وأحداً والمشاهد كلها، مات في خلافة عمر سنة عشرين بالمدينة. وقيل: قتل بصفين سنة سبع وثلاثين، وقيل غير ذلك. قوله: "أثيبوا أخاكم" أي: بالدعاء له كما يقيده آخر الحديث. ¬

_ (¬1) قال ابن الأثير في "النهاية" (1/ 224) أي: جازوه على صنيعه. (¬2) (4/ 3311 رقم 2313). (¬3) أخرجه أبو داود رقم (4832)، والترمذي رقم (2395)، وأحمد (3/ 38)، والحاكم (4/ 128)، وابن حبان رقم (554, 555, 560)، والبيهقي في "الشعب" رقم (9383)، والطيالسي رقم (2213) من طرق، وهو حديث حسن. (¬4) "الاستيعاب" رقم (2285) ط. الأعلام.

الفصل الثاني عشر: في دعاء قضاء الحاجة

الفصل الثاني عشر: في دعاء قضاء الحاجة 1 - عن أنس - رضي الله عنه - قال: كَانَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا دَخَلَ الخَلاَءَ لِقضَاءِ الحاجَةِ يَقُولُ: "اللهمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الخُبْثِ وَالخَبَائِثِ". أخرجه الخمسة (¬1). [صحيح] "الخُبثُ" بضم الباء جمع خبيث. "والخَبَائِثُ" جمع خبيثة، والمراد بهما ذكور (¬2) شياطين الجن والإنس وإناثهم. [قوله] (¬3): (الثاني عشر) أي: (الفصل الثاني عشر: في دعاء قضاء الحاجة). قوله: "في حديث أنس: دخل الخلاء" (¬4) هو بالخاء المعجمة ممدوداً؛ اسم الفضاء الخالي عن الناس وصار عرفاً اسماً لمحل قضاء الحاجة. والمراد إذا أراد (¬5) دخوله كما في الرواية الأخرى. "كان إذا أراد أن يدخل الخلاء" (¬6). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (142، 6322)، ومسلم رقم (122/ 375)، وأبو داود رقم (4، 5)، والترمذي رقم (5، 6)، وابن ماجه رقم (298)، والنسائي في "عمل اليوم والليلة" رقم (19). وأخرجه أحمد (3/ 99، 101، 282)، وابن حبان رقم (1407)، وابن الجارود في "المنتقى" رقم (28)، وأبو عوانة (1/ 216)، والبيهقي (1/ 95)، وهو حديث صحيح. (¬2) قاله ابن حبان في صحيحه (4/ 254 - 255)، انظر: "فتح الباري" (1/ 243)، "غريب الحديث" للخطابي (3/ 221). (¬3) في (أ): "وكذا". (¬4) انظر: "النهاية" (1/ 529). (¬5) قاله الحافظ في "فتح الباري" (1/ 244). (¬6) أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" رقم (692).

وفي أخرى (¬1): "كان إذا دخل الكنيف" ذكرهما ابن الأثير في "الجامع" (¬2). قوله: "الخبث" بضم الباء (¬3)، وقيل بسكونها. قال النووي (¬4): ولا يصح قول من أنكر الإسكان [42 ب]، وفسره بما ترى. وقيل: "الخبث" الكفر، و"الخبائث" الشياطين. وقيل: "الخبث" الشيطان، و"الخبائث" المعاصي. 2 - وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا خَرَجَ مِنَ الخَلاَءِ قَالَ: "غُفْرَانَكَ". أخرجه أبو داود (¬5) والترمذي (¬6). [صحيح] وله (¬7) في أخرى عن علي - رضي الله عنه - قال: "سَتْرُ مَا بَيْنَ أَعْيُنِ الجِنِّ وَعَوْرَاتِ بَني آدَمَ إِذَا دَخَلَ أَحَدُهُمُ الخَلاَءَ أَنْ يَقُولَ: بِسْمِ الله". [صحيح] ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (142، 6322)، ومسلم رقم (122/ 375). (¬2) (4/ 313). (¬3) قاله الخطابي في "معالم السنن" (1/ 16 - مع السنن). (¬4) في شرحه لصحيح مسلم (4/ 71). (¬5) في "السنن" رقم (30). (¬6) في "السنن" رقم (7) وقال: هذا حديث حسن غريب. وأخرجه أحمد (6/ 155)، وابن ماجه رقم (300)، والنسائي في "عمل اليوم والليلة" رقم (79)، والحاكم في "المستدرك" (1/ 158)، وابن خزيمة في صحيحه رقم (90)، وابن حبان رقم (1444)، والبيهقي (1/ 97)، وابن السني في "عمل اليوم والليلة" رقم (23)، والبخاري في "الأدب المفرد" رقم (693)، والبغوي في "شرح السنة" (1/ 379). وهو حديث صحيح، والله أعلم. (¬7) أي الترمذي في "السنن" رقم (606)، وهو حديث صحيح.

"الغُفْرَانُ" (¬1) مصدر، ونصبه بإضمار أطلب، وأستغفر لقصور الشكر عن بلوغ هذه النعمة، وقيل: استغفر من تركه ذكر الله سبحانه مدة لبثه على الخلاء؛ لأنه كان لا يترك ذكر الله إلا عند قضاء الحاجة، فرأى ذلك تقصيراً فتداركه بالاستغفار. قوله: "في حديث عائشة: أخرجه الترمذي وأبو داود" قلت: وقال الترمذي (¬2): "حسن غريب". قوله: "في حديث علي: وله" أي: الترمذي. قلت: وقال (¬3): "غريب"، وفي "الأذكار" (¬4) أنه قال الترمذي: إسناده ليس بالقوي. قوله: "لقصور الشكر عن بلوغ هذه النعمة" قلت: ويؤيده حديث أبي ذر (¬5) عند الترمذي، كان يقول إذا خرج من الخلاء: "الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني"، وفي رواية: "الحمد لله الذي أخرج عني أذاه، وأبقى فيّ منفعته". وأخرجه ابن ماجه (¬6) عن أنس. ¬

_ (¬1) قاله ابن الأثير في "النهاية" (1/ 312). (¬2) في "السنن" (2/ 504). (¬3) في "السنن" (2/ 504) حيث قال: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وإسناده ليس بذاك القوي. (¬4) (1/ 106). (¬5) أخرجه النسائي كما في "الجامع الصغير" رقم (6249) من حديث أبي ذر، ورمز السيوطي .... وقال المناوي في "فيض القدير" (5/ 122): " ... وفي النسائي إسناده مضطرب غير قوي". وقال الدارقطني: حديث محفوظ. وقال المنذري: ضعيف. (¬6) في "السنن" رقم (301)، وهو حديث ضعيف. قال البوصيري في "مصباح الزجاجة" (1/ 92 رقم 120): "هذا حديث ضعيف، ولا يصح بهذا اللفظ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - شيء، وإسماعيل بن مسلم المكي متفق على تضعيفه, وفي طبقته جماعة يقال لكل منهم: إسماعيل بن مسلم؛ يضعفوا". وهو حديث ضعيف، والله أعلم.

الفصل الثالث عشر: في دعاء الخروج من المسجد والدخول إليه

قال النووي (¬1): إنه يستحب ذكر الدخول والخروج، سواء كان في البنيان أو في الصحراء. الفصل الثالث عشر: في دعاء الخروج من المسجد والدخول إليه 1 - عن فاطمة بنت الحسن بن علي عن جدتها فاطمة الكبرى - رضي الله عنها - قالت: كَانَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إِذَا دَخَلَ المَسْجِدَ صَلَّى عَلَى مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - وَقَالَ: "رَبَّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي، وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ"، وإِذَا خَرَجَ صَلَّى عَلَى مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - وَقَالَ: "رَبِّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي، وَافْتَحْ لِي أبوَابَ فَضْلِكَ". أخرجه الترمذي (¬2). [صحيح] قوله: "الثالث عشر" أي: "الفصل الثالث عشر في دعاء الدخول إلى المسجد والخروج منه" قوله: "عن فاطمة بنت الحسين" [299/ أ] أي: ابن علي بن أبي طالب - عليه السلام -. ولا يخفى أن فاطمة بنت الحسن لم تدرك فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فهو منقطع، إلا أنه ذكر ابن الأثير (¬3) تمام كلام الترمذي. قال إسماعيل بن إبراهيم (¬4): فلقيت عبد الله بن الحسن بمكة، فسألته عن هذا الحديث؟ فحدثني به قال: كان إذا دخل قال: "رب افتح لي باب رحمتك" وإذا خرج قال: "رب افتح لي باب فضلك" انتهى. إلا أنه في روايته الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم -، وأيضاً [43 ب] عبد الله بن الحسن لم يدرك جدته فاطمة الكبرى. والترمذي (¬5) قال بعد إخراجه: "غريب"، وكان الأحسن ¬

_ (¬1) في "الأذكار" (1/ 106). (¬2) في "السنن" رقم (314). (¬3) في "الجامع" (4/ 317). (¬4) ذكره أبو داود في "السنن" (2/ 128). (¬5) في "السنن" (2/ 128).

الباب الرابع عشر: في دعاء رؤية الهلال

للمصنف أن يقول: ما ذكره ابن الأثير (¬1) من حديث أبي أسيد وأبي قتادة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا دخل أحدكم المسجد فليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج فليقل: اللهم إني أسألك من فضلك" أخرجه مسلم (¬2) والنسائي (¬3). وزاد أبو داود (¬4) في الدخول: "فليسلم على النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم ليقل: اللهم افتح لي" وذكره، وإنما قلنا: كان الأحسن؛ لأنه موصول ومصحح، وهو ناقل من "الجامع"، فاقتصاره على الرواية التي غربها من أخرجها مع كونها مقطوعة تقصير. الباب الرابع عشر: في دعاء رؤية الهلال 1 - عن طلحة بن عبيد الله - رضي الله عنه - قال: كَانَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إِذَا رَأَى الهِلاَلَ قَالَ: "اللهمَّ أَهِلَّهُ عَلَيْنَا بِاليُمْنِ وَالإِيمَانِ، وَالسَّلاَمَةِ وَالإِسْلاَمِ رَبِّي وَرَبُّكَ الله". أخرجه الترمذي (¬5). [صحيح] قوله: "الرابع عشر" أي: "الفصل الرابع عشر في دعاء رؤية الهلال". أي: في الدعاء المشروع لمن رأى الهلال. قوله: "في حديث طلحة بن عبيد الله أخرجه الترمذي (¬6) وقال: حديث حسن". ¬

_ (¬1) في "الجامع" (4/ 316 - 317 رقم 2322). (¬2) في صحيحه رقم (713). (¬3) في "السنن" (729). (¬4) في "السنن" رقم (465). وهو حديث صحيح. (¬5) في "السنن" رقم (3451)، وهو حديث صحيح. (¬6) في "السنن" (5/ 504).

الفصل الخامس عشر: في دعاء الرعد والريح والسحاب

2 - وعن قتادة - رضي الله عنه -: أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا رَأَى الهِلاَلَ قَالَ: "هِلاَلُ خيْرٍ وَرُشْدٍ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ, آمَنْتُ بِالله الَّذِي خَلَقَكَ" ثَلاَثَ مَرَّاتٍ. ثُمَّ يَقُولُ: "الحَمْدُ لله الَّذِي ذَهَبَ بِشَهْرِ كَذَا وَجَاءَ بِشَهْرِ كَذَا". أخرجه أبو داود (¬1). [إسناده ضعيف]. وفي رواية له (¬2) عنه قال: كَانَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - إِذَا رَأَى الِهلاَلَ صَرَفَ وَجْهَهُ عَنْهُ. [إسناده ضعيف]. قوله: "في حديث قتادة" وهو قتادة بن النعمان صحابي أنصاري، أخرجه أبو داود إلى قوله: وفي رواية له. قال النووي في "الأذكار" (¬3) بعد سياقهما: هكذا رواهما أبو داود مرسلين، وفي بعض نسخ أبي داود. قال أبو داود (¬4): ليس في هذا الباب عن النبي - صلى الله عليه وسلم -[44 ب] حديث مسند صحيح. الفصل الخامس عشر: في دعاء الرعد والريح والسحاب 1 - عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: كَانَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - إِذَا سَمِعَ الرَّعْدِ وَالصَّوَاعِقِ قَالَ: "اللهمَّ لاَ تَقْتُلْنَا بِغَضَبِكَ, وَلاَ تُهْلِكْنَا بِعَذَابِكَ، وَعَافِنَا قَبْلَ ذَلِكَ". أخرجه الترمذي (¬5). [ضعيف] ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (5092) بإسناد ضعيف. (¬2) لأبي داود في "السنن" رقم (5093) بإسناد ضعيف. (¬3) (1/ 490). (¬4) في "السنن" (5/ 327). (¬5) في "السنن" رقم (3450). وأخرجه البخاري في "الأدب المفرد" رقم (721)، والنسائي في "عمل اليوم والليلة" رقم (928)، وأحمد في "مسنده" (2/ 100)، وابن السني في "عمل اليوم والليلة" رقم (304)، والحاكم (4/ 286)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (3/ 362)، والطبراني في "الدعاء" رقم (981)، وفي "المعجم الكبير" (12/ 245). =

قوله: "الخامس عشر" أي: "الفصل الخامس عشر في دعاء الرعد والسحاب والريح". أي: في الدعاء المشروع عند حدوث ذلك. قوله: "في حديث ابن عمر أخرجه الترمذي" قال النووي في "الأذكار" (¬1): بإسناد ضعيف. 2 - وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كَانَ رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إِذَا رَأَى نَاشِئًا فِي أُفُقِ السَّمَاءِ تَرَكَ العَمَلَ، وَإِنْ كَانَ فِي صَلاَةٍ خَفَّفَ، ثُمَّ يَقُولُ: "اللهمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا". فَإِنْ مُطِرَ قَالَ: "اللهمَّ صَيَّبًا هَييئًا". أخرجه أبو داود (¬2). [صحيح] و"النَّاشِئُ" (¬3) السحاب، و"الصَّيِّبُ" (¬4) المدرار. قوله: "في حديث عائشة: وإن كان في صلاة خفف" لم يذكر في "الأذكار" (¬5) لفظ: "خفف" بل قال: ترك العمل. وإن كان في صلاة، فينظر لفظ سنن أبي داود (¬6) إن شاء الله. ¬

_ = وهو حديث ضعيف، والله أعلم. (¬1) (1/ 472). (¬2) في "السنن" رقم (5099)، وهو حديث صحيح. وأخرجه أحمد (6/ 190)، وابن ماجه رقم (3889، 3890)، والنسائي في "عمل اليوم والليلة" رقم (914، 915). (¬3) قال ابن الأثير في "النهاية" (2/ 739) ناشئاً في الأفق، أى: سحاباً لم يتكامل اجتماعه واصطحابه. وقال ابن الأثير في "غريب الجامع". ناشئاً: الناشئ السحاب المرتفع. (¬4) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (4/ 321). (¬5) (1/ 467). (¬6) عن عائشة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا رأى ناشئاً في أفق السماء ترك العمل وإن كان في الصلاة، ثم يقول ... الحديث.

قوله: "ناشئاً" في "الأذكار" (¬1): "ناشئاً" بهمز آخره، أي: سحاباً لم يتكامل اجتماعه. "والصيب" (¬2) بكسر المثناة التحتية المشددة هو المطر الكثير. وقيل: المطر الذي يجري ماؤه وهو منصوب بفعل محذوف، أي: أسألك صيباً أو اجعله صيباً. قوله: "أخرجه أبو داود" قلت: في "الأذكار" (¬3)، والنسائي (¬4)، وابن ماجه (¬5). 3 - وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كَانَ رسولُ الله إِذَا عَصَفَتِ الرِّيحُ قَالَ: "اللهمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا وَخَيْرَ مَا فِيهَا وَخَيْرَ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ مَا فِيهَا وَشَرِّ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ". أخرجه الشيخان (¬6) هكذا والترمذي (¬7). [صحيح] 4 - وله (¬8) عن أبي بن كعب - رضي الله عنه -: "لاَ تَسُبُّوا الرِّيحَ، فَإِنْ رَأَيْتُمْ مَا تَكْرَهُونَ فَقُولُوا: اللهمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنْ خيْرِهَا ... ". الحديث. [صحيح] "عَصَفَتِ الرِّيحُ" إذا اشتد هبوبها. ¬

_ (¬1) (1/ 467). (¬2) ذكره النووي في "الأذكار" (1/ 467). (¬3) (1/ 46). (¬4) في "عمل اليوم والليلة" رقم (914، 915). (¬5) في "السنن" رقم (3889). (¬6) البخاري في صحيحه رقم (3206)، ومسلم رقم (15/ 899). (¬7) في "السنن" رقم (2449). وهو حديث صحيح. (¬8) أي للترمذي في "السنن" رقم (2252). وأخرجه أحمد (5/ 123)، والنسائي في "عمل اليوم والليلة" رقم (933)، وابن السني في "عمل اليوم والليلة" رقم (299)، والحاكم (2/ 272)، وهو حديث صحيح.

الفصل السادس عشر: في دعاء يوم عرفة وليلة القدر

قوله: "في حديث أبي بن كعب: اللهم إنا نسألك من خيرها" لفظه في "الجامع" (¬1): "اللهم إنا نسألك من خير هذه الريح، وخير ما فيها، وخير ما أمرت به. ونعوذ بك من شر هذه الريح، وشر ما فيها، وشر ما أمرت به" وهذه الرواية؛ قال الترمذي (¬2) بعد إخراجها [45 ب]: "حديث حسن صحيح". الفصل السادس عشر: في دعاء يوم عرفة وليلة القدر 1 - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده - رضي الله عنه - قال: قَالَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَفْضَلُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَأَفْضَلُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ، وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلَّ شَيْءٍ قَدِيرٌ". أخرجه مالك (¬3) عن طلحة بن عبيد الله بن كريز إلى قوله: "لا شريك له". [صحيح لغيره] والترمذي (¬4) عن عمرو بتمامه. [حسن] قوله: "السادس عشر" أي: "الفصل السادس عشر في دعاء يوم عرفة وليلة القدر". قوله: "أخرجه مالك عن طلحة بن عبيد الله" أقول: هو أبو مطرف طلحة بن عبيد الله ابن كريز بفتح الكاف وكسر الراء وسكون الياء وبالزاي، وهو الكعبي الخزاعي، تابعي من أهل المدينة، روى عن أم الدرداء، وأبي الدرداء وغيرهما. قاله ابن الأثير (¬5). ¬

_ (¬1) (4/ 322). (¬2) في "السنن" (4/ 521). (¬3) في "الموطأ" (1/ 214، 215)، وهو صحيح لغيره. (¬4) في "السنن" رقم (3585)، وهو حديث حسن. (¬5) في "تتمة جامع الأصول" (1/ 543 - قسم التراجم".

قلت: فروايته مرسلة. قوله: "والترمذي بتمامه" قلت: وقال (¬1): "حسن غريب من هذا الوجه" وحماد بن أبي حميد هو أبو إبراهيم الأنصاري المدني، وليس بالقوي عند أهل الحديث. 2 - وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، إِنْ وَافَقْتُ لَيْلَةٍ القَدْرِ مَا أَدْعُوا بِهِ؟ قَالَ: "قُولِي: اللهمَّ إِنَّكَ كَرِيمٌ تُحِبُّ العَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي". أخرجه الترمذي (¬2) وصححه. [صحيح] قوله: "في حديث عائشة: إن وافقت ليلة القدر". أقول: تريد إن عرفتها بعينها، وقد ذكرت لها علامات (¬3): عدم الحرِّ والبرد فيها، وأن تطلع الشمس في صبيحتها بيضاء بلا كثير شعاع؛ لخبر مسلم بذلك. وحكمة ذلك: أنها علامة جعلت لها، وأن ذلك لكثرة اختلاف الملائكة ونزولها وصعودها فسترت بأجنحتها وأجسامها اللطيفة ضوء الشمس وشعاعها، هكذا ذكر. وهذا يدل قلة شعاع الشمس بعد مرور ليلة القدر، وهو علامة لمرورها، والمطلوب علامات تستقبل بها وتعرف بها المراقب لها فيدعو. فأي فائدة بعد مرورها؟ وأجيب: بأن فائدة معرفة صفتها [46 ب] بعد فواتها بعد طلوع الفجر: أنه يسن أن يكون اجتهاده في يومها كاجتهاده في ليلتها. ¬

_ (¬1) في "السنن" (5/ 572). (¬2) في "السنن" رقم (3513)، وهو حديث صحيح. وأخرجه ابن ماجه رقم (385)، وأحمد (6/ 171، 182، 183، 258)، والحاكم (1/ 530)، والنسائي في "عمل اليوم والليلة" رقم (872 - 877)، وابن السني في "عمل اليوم والليلة" رقم (765). (¬3) سيأتي تفصيلها.

الفصل السابع عشر: في دعاء العطاس

قلت: ولا دليل (¬1) على هذه الدعوى. قالوا: أو لأنها لا تنتقل فيكون معرفة يومها لينتفع به في السنين الآتية [300/ أ] قالوا: ويسن لمن رآها كتمها. ولا أدري ما وجهه. ووجهوه بأن رؤيتها كرامة، والكرامة ينبغي كتمها، وما في "شرح صحيح مسلم" (¬2) من أنه لا ينال فضلها إلا من اطلع عليها، فمن قامها ولم يشعر بها لا ينال فضلها. رده جماعة ولم يقيموا دليلاً؛ فإن في "صحيح مسلم": "قام ليلة القدر فوافقها" أي: علم بها، إلا أن الأولين قالوا: تفسير الموافقة بالعلم ليس صحيحاً لغة، سيما وقد قال ابن مسعود (¬3): من يقم الحول يصبها، قالوا: ويرى حقيقة فيتأكد طلبها والاجتهاد في إدراكها وأحيا ليله كله بالعبادة، ولعله يأتي عند ذكرها زيادة على هذا. الفصل السابع عشر: في دعاء العطاس 1 - عن عامر بن ربيعة - رضي الله عنه - قال: عَطَسَ رَجُلٌ فِي الصَّلاَةِ خَلْفَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: الحمْدُ لله حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ حَتَّى يَرْضَى رَبُّنَا، وَبَعْدَ مَا يَرْضَى مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ. فَلَمَّا انْصَرَفَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنِ القَائِلُ الكَلِمَةَ؟ ". فَسَكَتَ الرَّجُلُ، ثُمَّ قَالَ: "مَنِ القَائِلُ الكَلِمَة, فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ بَأْسًا". فَقَالَ: أنَّا، وَلم أُرِدْ بِهَا إِلاَّ الْخَيْر. قَالَ: "مَا تَنَاهَتْ دُونَ عَرْشِ الرَّحْمَنِ تَعَالَى". [أخرجه أبو داود (¬4). [صحيح] ¬

_ (¬1) وهو كما قال. (¬2) (8/ 57). (¬3) ذكره النووي في شرحه لصحيح مسلم (8/ 58). (¬4) في "السنن" رقم (770)، (773). وأخرجه البخاري في صحيحه رقم (799)، والنسائي رقم (1062)، والترمذي رقم (404)، وابن حبان رقم (1910).

قوله: "السابع عشر" أي: "الفصل السابع عشر في دعاء العطاس". أي: فيما شرع عند حصوله للعاطس والسامع له. قوله: "عن عامر بن ربيعة" (¬1) هو العنزي بفتح العين المهملة والنون، نسبة إلى جده عنز ابن وائل، بفتح العين وسكون النون. قوله: "عطس رجل" لفظ "الجامع" (¬2): "عطس شاب من الأنصار" الحديث. قوله: "وهو في الصلاة" الضمير للشاب وأنه حمد الله في صلاته، وأقره النبي - صلى الله عليه وسلم -، بل أخبر بفضيلة ما قال. وقال النووي في "الأذكار" (¬3): إذا عطس في الصلاة فيستحب [47 ب] أن يحمد الله ويسمع نفسه، هذا مذهبنا، ولأصحاب مالك ثلاثة أقوال: أحدها: هذا، واختاره ابن العربي. والثاني: يحمد في نفسه. والثالث: قاله سحنون لا يحمد سراً ولا جهراً. انتهى. قلت: ولقد خالفوا كلهم ما أفاده الحديث، وتقريره - صلى الله عليه وسلم - له، ولم يقل لا تعد، أو أحمد في نفسك أو لا تحمد، والحق مع الحديث (¬4). وفي الترمذي (¬5): أنه كان هذا الحديث عند بعض أهل العلم في التطوع؛ لأن غير واحد من التابعين قالوا: إذا عطس الرجل في الصلاة المكتوبة إنما يحمد الله في نفسه، ولم يوسعوا له ¬

_ (¬1) "التقريب" (1/ 387 رقم 41). (¬2) (4/ 325). (¬3) (2/ 671 - 673). (¬4) انظر: "فتح الباري" (2/ 286)، "مجموع فتاوى" (22/ 510 - 511). (¬5) في "السنن" (2/ 255).

أكثر من ذلك. انتهى. وظاهر (¬1) الحديث أنه قالها في فريضة. 2 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قَالَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلِ: الحَمْدُ لله عَلَى كُلَّ حَالٍ، وَلْيَقُلْ لَهُ أَخُوهُ, أَوْ صَاحِبُهُ: يَرْحَمُكَ الله، فَإِذَا قَالَ له فَلْيَقُلْ: يَهْدِيكُمُ الله وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ". أخرجه البخاري (¬2) وأبو داود (¬3). [صحيح] "بَالَكُمْ" (¬4) شأنكم. قوله: "في حديث أبي هريرة: أخوه أو صاحبه" شك من الراوي، والأمر في: "فليقل" للندب؛ لأنه لو قال: الحمد لله؛ أجزأه للأحاديث الأخر. فإذا لم يحمد لم يستحق أن يقال له يرحمك الله. قال النووي (¬5): قال أصحابنا: وقول يرحمك الله سنة على الكفاية، لو قاله بعض الحاضرين أجزأ عنهم، لكن الأفضل أن يقوله كل واحد منهم، لظاهر قوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح: "كان حقاً على كل مسلم سمعه أن يقول له: يرحمك الله" انتهى. قلت: ولا يخفى أنه يفيد الحديث إيجابه على كل سامع كيف وقد سماه حقاً. واختار الإيجاب على كل سامع؛ ابن العربي، وهو الحق. ¬

_ (¬1) وهو كما قال. (¬2) في صحيحه رقم (6224). (¬3) في "السنن" رقم (5033). (¬4) قاله ابن الأثير في "النهاية" (1/ 166)، "المجموع المغيث" (1/ 200). (¬5) في "الأذكار" (2/ 672 - 673).

الفصل الثامن عشر: في دعاء داود - عليه السلام -

قلت: قال ابن الأثير (¬1): قد جاء [38 ب] ذكر العطاس وآدابه، وما يقال فيه في كتاب "الصحبة" من حرف "الصاد". قال (¬2): ونذكر ها هنا ما يختص بدعائه. انتهى. الفصل الثامن عشر: في دعاء داود - عليه السلام - 1 - عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كَانَ مِنْ دُعَاءِ دَاوُدَ - عليه السلام -: اللهمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ حُبَّكَ وَحُبَّ مَنْ يُحبُّكَ، وَالعَمَلَ الَّذِي يُبَلِّغُنِي حُبَّكَ. اللهمَّ اجْعَلْ حُبَّكَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي وَأَهْلِي وَمَالِي، وَمِنَ المَاءِ البَارِدِ". قَالَ: وَكَانَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إِذَا ذَكَرَ دَاوُدَ يُحَدَّثُ عَنْهُ بِقَولِهِ: "كَانَ أَعْبَدَ البَشَرِ". أخرجه الترمذي (¬3). [ضعيف] قوله: "الثامن عشر" أي: "الفصل الثامن عشر في دعاء داود - عليه السلام - ". وترجم ابن الأثير (¬4) بقوله: في أدعية مفردة، ثم بدأ بذكر دعاء ذي النون، وذكر سعد ابن أبي وقاص، فالمصنف قدمه في أدعية الكرب والهم، فاستغنى عن إعادته. قوله: "حبك" يحتمل أنه مضاف إلى الفاعل. أي: حبي إياك، أو إلى المفعول، أي: حبك إياي، ويحتملها وحب من يحبك، أي: أن يحبني من يحبك أو أحبه. قوله: "والعمل الذي" أي: وجب العمل الذي يبلغني حبك، أي: حبك إياي أو حبي إياك أي: يزيدني حباً لك. ¬

_ (¬1) في "الجامع" (4/ 325). (¬2) ابن الأثير في "الجامع" (4/ 325). (¬3) في "السنن" رقم (3490)، وهو حديث ضعيف. (¬4) في "الجامع" (4/ 330 رقم 2342).

الفصل التاسع عشر: في دعاء قوم يونس - عليه السلام -

قوله: "اللهم حبك إلي أحب من نفسي" ظاهره حبه هو لربه سبحانه. ويحتمل المعنى الآخر، والمراد: أوثر حبك على كل ما ذكر. واعلم أن للناس كلام طويل في محبة الله (¬1)، هل حقيقة أو مجاز؟ فالحق أنها حقيقة لا يعلم كنهها وكيفيتها. قوله: "أخرجه الترمذي وقال (¬2): حديث حسن غريب". الفصل التاسع عشر: في دعاء قوم يونس - عليه السلام - 1 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - يرفعه قال: "كانَ مِنْ دُعَائِهِمْ: يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ، يَا حَيُّ حِينَ لاَ حَيَّ، يَا مُحْيِي يَا مُمِيتُ، يَا ذَا الجَلاَلِ وَالإكْرَامِ" (¬3). أخرجه رزين. قوله: "التاسع عشر" أي: "الفصل التاسع عشر في ذكر دعاء قوم يونس - عليه السلام -". ¬

_ (¬1) الحب أو المحبة من صفات الله - عزوجل - الفعلية الاختيارية الثابتة بالكتاب والسُّنة. الدليل من الكتاب: قوله تعالى: {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195)} [البقرة: 195]. وقوله تعالى: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة: 54]. الدليل من السنة: ما أخرجه البخاري رقم (3009)، ومسلم رقم (2405) من حديث سهل بن سعد - رضي الله عنه -: " ... لأعطين الراية غداً رجلاً يفتح الله على يديه، يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله ... ". وما أخرجه سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه -: "إن الله يحب العبد التقي، الغني، الخفي". وأهل السنة والجماعة يثبتون صفة الحب والمحبة لله - عز وجل - ويقولون: هي صفة حقيقية لله - عز وجل -، على ما يليق به, وليس هي إرادة الثواب، كما يقول المؤولة. وكما يثبت أهل السنة لازم المحبة وأثرها، وهو إرادة الثواب وإكرام من يحبه سبحانه. (¬2) في "السنن" (5/ 522). (¬3) سيأتي تخريجه.

الفصل العشرون: في الدعاء عند رؤية المبتلى

أقول: يريد التي كشف الله بها عنهم العذاب، كما قال تعالى: {إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} (¬1) [49 ب]. وحديث أبي هريرة نسبه المصنف إلى إخراج رزين على قاعدته، وبيض له ابن الأثير (¬2)، ولم أجده في "الدر المنثور" (¬3)، إنما فيه: أخرج أحمد في الزهد (¬4)، وابن جرير (¬5)، وابن المنذر (¬6)، وابن أبي حاتم (¬7)، عن أبي الجلد، قال: لما غشي قوم يونس العذاب، مشوا إلى شيخ من بقية علمائهم [301/ أ] فقالوا له: ما ترى؟ قال: قولوا: يا حي حين لا حي، ويا حي محيي الموتى، ويا حي لا إله إلا أنت. فقالوا: فكشف عنهم العذاب. الفصل العشرون: في الدعاء عند رؤية المبتلى 1 - عن عمر وأبي هريرة - رضي الله عنهما - قالا: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ رَأَى صَاحِبَ بَلاَءٍ فَقَالَ: الحَمْدُ لله الَّذِي عَافَانِي مِمَّا ابْتَلاَكَ بِهِ وَفَضَّلَنِي عَلَى كثير مِمَّنْ خَلَقَ تَفْضِيلاً؛ عُوفِيَ مِنْ ذَلِكَ البَلاَءِ كَائِنًا مَا كَانَ مَا عَاشَ". أخرجه الترمذي (¬8) من روايتهما، وهذا لفظ رواية عمر. [حسن] وقال في رواية أبي هريرة (¬9): "لم يصبه ذلك البلاء" دون باقي الحديث. [صحيح] ¬

_ (¬1) سورة يونس: 98. (¬2) في "الجامع" (4/ 331). (¬3) (4/ 393). (¬4) (ص 34). (¬5) في "جامع البيان" (12/ 296). (¬6) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (4/ 393). (¬7) في تفسير (6/ 1989 رقم 10602). (¬8) في "السنن" رقم (3431)، وهو حديث حسن. (¬9) أخرجه الترمذي في "السنن" رقم (3432)، وهو حديث صحيح.

القسم الثاني من الباب الثاني: في أدعية غير مؤقتة ولا مضافة

قوله: "العشرون" أي: "الفصل العشرون في الدعاء المشروع لمن رأى المبتلى". بأي بلية. قوله: "عن عمر وأبي هريرة". أقول: هكذا في "الجامع" (¬1)، والذي رأيته في الترمذي (¬2) عن عمر وساقه، ثم قال (¬3): "هذا حديث غريب"، ثم قال: وفي الباب عن أبي هريرة (¬4). وأخرجه بعد أن قال في حديث عمر، ثم قال (¬5): وعمرو بن دينار قهرمان آل الزبير، شيخ بصري، وليس هو بالقوي في الحديث وقد تفرد عن سالم بن سالم بن عبد الله بن عمر. انتهى. وعمرو بن دينار: هو الذي ساق عنه رواية عمر، ثم قال الترمذي (¬6): وقد روي بن أبي جعفر محمد بن علي أنه قال: "إذا رؤي صاحب بلاء يتعوذ، يقول ذلك في نفسه ولا يسمع صاحب البلاء" ثم ساق حديث أبي هريرة بلفظ حديث عمر، إلا قوله عوفي في الأول، فإنه في الثاني [50 ب] لم يصبه كما ذكره المصنف وقال (¬7): "إنه حديث حسن غريب من هذا الوجه". القسم الثاني من الباب الثاني: في أدعية غير مؤقتة ولا مضافة 1 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: كَانَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "اللهمَّ أَصْلِحْ لِي دِينيَ الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي، وَأَصْلِحْ لِي دنْيَايَ الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي، وَأَصْلِحْ لِي آخِرَتِي الَّتِي فِيهَا مَعَادِي، ¬

_ (¬1) (4/ 331 رقم 2345). (¬2) في "السنن" رقم (3431)، وهو حديث حسن. (¬3) في "السنن" (5/ 493) (¬4) في "السنن" رقم (3432)، وهو حديث صحيح. (¬5) في "السنن" (5/ 493) (¬6) في "السنن" (5/ 493) (¬7) في "السنن" (5/ 493)

وَاجْعَلِ الحَيَاةَ زِيَادةً لِي فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ المَوْتَ رَاحَةً لِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ". أخرجه مسلم (¬1). [صحيح]. قوله: "القسم الثاني". تقدم له أن الباب الثاني في أقسام الدعاء وفيه قسمان. وعدَّ في القسم الأول عشرين فصلاً واستوفاها. قوله: "ولا مضافة" أي: إلى سبب. قوله: "في حديث أبي هريرة الذي فيه عصمة أمري". العصمة (¬2): المنعة. أي: منعة أمري عن شرور الدنيا والآخرة، والإصلاح: ضد الإفساد، وهذا حديث جليل اشتمل على خمس جمل كلها شاملة لصلاح كل حال. 2 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: كَانَ أَكْثَرُ دُعَاءِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "اللهمَّ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ". أخرجه الشيخان (¬3) وأبو داود (¬4). [صحيح] قوله: "في حديث أنس: آتنا في الدنيا حسنة" أخرج عبد الرزاق (¬5) عن قتادة في قوله: "آتنا في الدنيا حسنة" قال: عافية. "وفي الآخرة حسنة" قال: عافية. ¬

_ (¬1) في صحيحه رقم (2720)، وهو حديث صحيح. (¬2) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 216)، "غريب الحديث" للهروي (3/ 102). (¬3) أخرجه البخاري في صحيحه (4522)، ومسلم رقم (2690). (¬4) في "السنن" رقم (1519)، وهو حديث صحيح. (¬5) في مصنفه رقم (8963).

وأخرج ابن أبي شيبة (¬1)، وعبد بن حميد (¬2)، ابن جرير (¬3)، والمرهبي (¬4) في فضل العلم، والبيهقي في "شعب الإيمان" (¬5) عن الحسن في قوله: "ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة" قال: الحسنة في الدنيا العلم والعبادة، وفي الآخرة الجنة. وأخرج ابن جرير (¬6) عن السدي قال: حسنة الدنيا؛ المال، وحسنة الآخرة؛ الجنة. وأخرج ابن أبي حاتم (¬7) عن الحسن [51 ب]: "ربنا آتنا في الدنيا حسنة" قال: الرزق الطيب، والعلم النافع. وأخرج ابن أبي حاتم (¬8)، عن محمد بن كعب قال: المرأة الصالحة من الحسنات. وأخرج ابن المنذر (¬9) عن سالم بن عبد الله: "ربنا آتنا في الدنيا حسنة" قال: الثناء. فهذا تفسير السلف. قوله فيه: "أخرجه الشيخان وأبو داود" زاد في "الدر" (¬10): وابن أبي شيبة، والنسائي، وأبو يعلى. ¬

_ (¬1) في مصنفه (4/ 108)، (10/ 367 - 368). (¬2) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (1/ 560). (¬3) في "جامع البيان" (3/ 546). (¬4) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (1/ 560). (¬5) رقم (4045). (¬6) في "جامع البيان" (3/ 546 - 547). (¬7) في تفسيره (2/ 358 رقم 1879). (¬8) في تفسيره رقم (2/ 358 رقم 1882). (¬9) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (1/ 561). (¬10) (1/ 560).

3 - وعنه - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ سَأَلَ الله الجَنَّةَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، قَالَتِ الجَنَّةُ: اللهمَّ أَدْخِلْهُ الجَنَّةَ. وَمَنِ استَجَارَ بِالله ثَلاَثَ مَرَّاتٍ مِنَ النَّارِ، قَالَتِ النَّارُ: اللهمَّ أَجِرْهُ مِنَ النَّارِ". أخرجه الترمذي (¬1) والنسائي (¬2). [صحيح] وعن علي - رضي الله عنه -: أَنَّ مُكَاتَبًا جَاءَهُ فَقَالَ: إِنِّي قَدْ عَجَزْتُ عَنْ كِتَابَتِي فَأَعِنِّي. فَقَالَ: أَلاَ أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ عَلَّمَنِيهِنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لَوْ كَانَ عَلَيْكَ مِثْلُ جَبَلِ صِيرٍ دَيْنًا أَدَّاهُ الله عَنْكَ، قَالَ: "قُلِ: اللهمَّ اكْفِني بِحَلاَلِكَ عَنْ حَرَامِكَ، وَأَغْنِني بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ". أخرجه الترمذي (¬3) والنسائي (¬4). [حسن] "صِير" بصاد مهملة مكسورة، ثم مثناة من تحت ساكنة ثم راء: جبل لطيء، وجبل على الساحل أيضاً بين عمان وسيراف، فأما جبل صبير: بباء موحدة بين الصاد، والمثناة، فإنما جاء في حديث معاذ (¬5). ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (2572). (¬2) في "السنن" رقم (5521)، وهو حديث صحيح. (¬3) في "السنن" رقم (3563). (¬4) لم أجده في النسائي، ولم يعزه ابن الأثير في "الجامع" (4/ 348) رقم (2374) للنسائي. وأخرجه أحمد (1/ 154)، والحاكم (1/ 538)، والبزار رقم (563). وهو حديث حسن، والله أعلم. (¬5) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (4/ 348).

الباب الثالث: فيما يجري في مجرى الدعاء

الباب الثالث: فيما يجري في مجرى الدعاء وفيه: ثلاث فصول الفصل الأول: في الاستعاذة 1 - عن أنس - رضي الله عنه - قال: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "اللهمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ العَجْزِ، وَالكَسلِ، وَالجُبْنِ، وَالهَرَمِ، وَالبُخْلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ المَحْيَا وَالمَمَاتِ". أخرجه الخمسة (¬1). [صحيح] 2 - وعنه - رضي الله عنه - قال: كَانَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "اللهمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الجُذَامِ، وَالَبرَصِ، وَالجُنُونِ، وَمِنْ سَيِّء الأَسْقَامِ". أخرجه أبو داود (¬2) والنسائي (¬3). [صحيح] (الباب الثالث فيما يجري مجرى الدعاء) وفيه ثلاثة فصول. قوله: "الاستعاذة: الاستعاذة بالله" (¬4) هي: الاعتصام به والالتجاء إليه. قوله: "من العجز" العجز: ضد الاقتدار، والكسل ضد النشاط، والجبن ضد الشجاعة. وفي البخل (¬5) أربع لغات: ضم الموحدة وفتحها والخاء كذلك، وإسكان الخاء مع الضم والفتح في الموحدة. وتقدم تفسير فتنة المحيا والممات. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (2823، 4707)، ومسلم رقم (2706)، وأبو داود رقم (1540، 1541)، والترمذي رقم (3485)، والنسائي رقم (5457، 5459). (¬2) في "السنن" رقم (1554). (¬3) في "السنن" رقم (5493)، وهو حديث صحيح. (¬4) "تفسير غريب ما في الصحيحين" للحميدي (107/ 8)، "النهاية في غريب الحديث" (2/ 270). (¬5) "القاموس المحيط" (ص 1247)، "النهاية في غريب الحديث" (1/ 109).

3 - وعن ابن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال: كَانَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "اللهمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ قَلْبٍ لاَ يَخْشَعُ، وَمِنْ دُعَاءٍ لاَ يُسْمَعُ، وَمنْ نَفْسٍ لاَ تَشْبَعُ، وَمِنْ عِلْمٍ لاَ يَنْفَعُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَؤُلاَءِ الأَرْبَعِ". أخرجه الترمذي (¬1) والنسائي (¬2). [صحيح] قوله: "في حديث ابن عمرو بن العاص: ومن دعاء لا يسمع" في "النهاية" (¬3) أي: لا يستجاب ولا يُعتدُّ به، فكأنه غير مسموع. قوله: "من نفس لا تشبع" أي: لا تشبع [52 ب] من الدنيا، وقد بين ذلك حديث: "ليس الغنى عن كثرة العرض؛ ولكن الغنى غنى النفس" (¬4). قوله: "ومن علم لا ينفع" العلم إنما المراد العمل وهو نفعه وإذا لم يعمل به عالمه؛ فإنه لا فائدة له، بل هو ضر على حامله، فإن الله يقول فيمن علم وما عمل: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (5)} (¬5)، فمثل العالم غير العامل بأخس الحيوانات وهو الحمار، ومثله أيضاً بالكلب في قوله: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (3482)، وهو حديث صحيح. (¬2) في "السنن" رقم (5537) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -. وهو حديث صحيح. (¬3) (1/ 86). وانظر: "الفائق" للزمخشري (2/ 197). (¬4) أخرجه البخاري رقم (6446)، ومسلم رقم (1051)، والترمذي رقم (2373) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -. (¬5) سورة الجمعة: 5.

فَانسَلَخَ مِنهَا} (¬1) إلى قوله: {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ} (¬2) فهذان مثلان ضربهما الله سبحانه للعالم غير العالم وهو الذي لم ينفعه علمه. قلت: استعاذ - صلى الله عليه وسلم - من ذلك تعليماً للعباد، وإلا فإنه قد أعاذه الله بالعصمة من علم لا ينفع، وقد نفع علمه الأولين والآخرين [53 ب] من أمته. قوله: "أخرجه الترمذي". قلت: وقال (¬3): "حسن صحيح". 4 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسَولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "تَعَوَّذُوا بِالله مِنْ جَهْدِ البَلاَءِ، وَدرَكِ الشَّقَاءِ, وَسُوءِ القَضَاءِ، وَشَمَاتَةِ الأَعْدَاءِ". أخرجه الشيخان (¬4) والنسائي (¬5). [صحيح] قوله: "في حديث أبى هريرة من جهد (¬6) البلاء". أقول: بفتح الجيم وضمها: كل ما أصاب الإنسان من شدة, ومشقة [302/ أ]، وما لا طاقة له بحمله، ولا قدرة له على دفعه. وسئل عمر - رضي الله عنه - عن جهد البلاء؟ فقال: كثرة العيال وقلة المال. وقوله: "درك الشقاء" (¬7) بفتح الدال والراء المهملتين: الإدراك، اللحاق، والشقاء، يمد ويقصر، الهلاك في الدنيا والآخرة. ¬

_ (¬1) سورة الأعراف: 175. (¬2) سورة الأعراف: 176. (¬3) في "السنن" (5/ 519). (¬4) البخاري رقم (6347، 6616)، ومسلم رقم (2707). (¬5) في "السنن" رقم (5491) و (5492). وهو حديث صحيح. (¬6) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 314). (¬7) "القاموس المحيط" (ص 1211)، "النهاية" (1/ 565).

وقوله: "سوء القضاء" هو عام في أمور الدنيا والدين، والمراد من القضاء المقضي؛ لأن قضاء الله كله حسن لا سوء فيه. وقوله: "شماتة الأعداء" أي: فرحهم بنكبة تنزل بالمعادي، فهو استعاذة مما يوجب فرحهم. 5 - وعنه - رضي الله عنه - قال: كَانَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "اللهمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الشِّقَاقِ وَالنِّفَاقِ، وَسُوءِ الأَخْلاَقِ". أخرجه أبو داود (¬1) والنسائي (¬2). [ضعيف] وفي رواية (¬3): "اللهمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الجُوعِ، فَإِنَّهُ بِئْسَ الضَّجِيعُ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الخِيَانَةِ فَإِنَّهَا بِئْسَتِ البِطَانَةُ". [حسن] قوله: "في حديثه الثاني: من الشقاق" من المشاقة، ولا تكون إلا بين اثنين متعاديين متخاصمين كأن كل واحد منهما في شق عن الآخر، وهو استعاذة من [العداوات] (¬4). وقوله: "النفاق" في "النهاية" (¬5): قد تكرر في الحديث ذكر النفاق وما تصرف منه اسماً وفعلاً، وهو اسم إسلامي لم تعرفه العرب بالمعنى المخصوص به، وهو الذي يستر كفره، ويظهر إيمانه. وقوله: "سوء الأخلاق" هو ضد حسن الأخلاق. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (1546). (¬2) في "السنن" رقم (5471)، وهو حديث ضعيف. (¬3) أخرجه أبو داود رقم (1547)، والنسائي في "السنن" رقم (5468، 5469)، وهو حديث حسن. (¬4) في (أ): "العدوان". (¬5) (2/ 780).

الفصل الثاني: في الاستغفار والتسبيح والتهليل والتكبير والتحميد والحوقلة

قوله: "بئس الضجيع" الضجيع (¬1) المضاجع، وهو من يصحب الإنسان في مضجعه، أي: محل اضطجاعه. شبه [54 ب] الجوع به لملازمته الإنسان كالضجيع، والاستعاذة من الجوع لمشقته، ولأنه قد يحمل الجائع على أكل ما حرم عليه. وقوله: "الخيانة" هي خلاف الأمانة. و"البطانة" (¬2) ما يبطنه العبد من أموره، وأخبث ما يبطنه الخيانة؛ وذلك بأن يكون ظاهره الأمانة وباطنه خلافها. 6 - وعنه - رضي الله عنه - قال: قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "رَأَيْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي عِفْرِيتًا مِنَ الجِنِّ يَطْلُبُنِي بِشُعْلَةٍ مِنْ نَارٍ كُلَّمَا التَفَتُّ رَأَيْتُهُ, فَقَالَ لِي جبرِيلُ - عليه السلام -، أَلاَ أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ تَقُولهَا فَتُطفِئَ شُعْلَتُهُ وَيَخِرَّ لِفِيهِ؟ فَقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "بَلَى"، فَقَالَ جِبْرِيلُ: قُلْ: أَعُوذُ بِوَجْهِ الله الكَرِيمِ، وَبِكَلِمَاتِ الله التَّامَّاتِ اللاَّتِي لاَ يجاوِزُهُنَّ بَرٌّ وَلاَ فَاجِرٌ مِنْ شَرِّ مَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ، وَشَرِّ مَا يَعْرُجُ فِيهَا، وَشَرِّ مَا ذَرَأَ فِي الأَرْضِ، وَشَرِّ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا، وَمِنْ فِتَنِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَمِنْ طَوَارِقِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِلاَّ طَارِقًا يَطْرُقُ بِخيرٍ يَا رَحْمَنُ". أخرجه مالك (¬3). [حسن لغيره]. قوله: "في حديث أبي هريرة الثالث: أخرجه مالك". قلت: لفظ "الجامع" (¬4) أرسله مالك، عني يحيى بن سعيد، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال .. وذكر الحديث. الفصل الثاني: في الاستغفار والتسبيح والتهليل والتكبير والتحميد والحوقلة 1 - عن ابن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خَصْلَتَانِ أوْ خَلَّتَانِ لاَ يُحْصِيهِمَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ إِلاَّ دَخَلَ الجَنَّةَ, وَهُمَا يَسِيرٌ، وَمَنْ يَعْمَلُ بِهِمَا قَلِيلٌ، يُسَبِّحُ الله دُبُرِ كلِّ صَلاَةٍ ¬

_ (¬1) انظر: "النهاية" (2/ 70). (¬2) "النهاية" (1/ 142). (¬3) في "الموطأ" (2/ 950 - 951) وهو حسن لغيره. (¬4) (4/ 367).

عَشْرًا، وَيَحْمَدُهُ عَشْرًا، وَيُكَبَّرُهُ عَشْرًا". فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَعْقِدُهَا بِيَدهِ، قَالَ: "فَتِلْكَ خَمْسُونَ وَمِائَةٌ بِاللِّسَانِ، وَأَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ فِي المِيزَانِ، وإذَا أَخَذْتَ مَضْجَعَكَ تُسَبِّحُهُ وَتُكَبِّرُهُ وَتَحْمَدُهُ مِائَة مَرَّةٍ، فَتِلْكَ مِائَةٌ بِاللِّسَانِ، وَأَلْفٌ فِي الميزَانِ، فأَيُّكُمْ يَعْمَلُ فِي اليَوْمِ وَاللَّيْلَةِ أَلْفَيْنِ وَخَمْسَمِائَةِ سَيِّئَةٍ؟ ". قَالُوا: كَيْفَ لاَ نُحْصِيهمَا يَا رَسْولَ الله؟ قَالَ: "يَأْتِي أَحَدَكُمُ الشَّيْطَانُ، وَهُوَ فِي صَلاَتِهِ فَيَقُولُ: اذْكُرْ كَذَا وَكَذَا، حَتَّى يَنْفَتِلَ فَلَعَلَّهُ أَنْ لاَ يَفْعَلَ، وَيَأْتِيهِ وَفِي مَضْجَعِهِ، فَلاَ يَزَالُ يُنَوَّمُهُ حَتَّى يَنَامَ". أخرجه أصحاب السنن (¬1). [حسن] قوله: "الفصل [الثاني] (¬2) في الاستغفار إلى آخره". قوله: "في حديث ابن العاص: فتلك خمسون ومائة باللسان" يريد في الصلوات الخمس، إذ دبر كل صلاة ثلاثون وألف وخمس مائة في الميزان، إذ كل حسنة بعشر أمثالها. قوله: "كيف لا نحصيها يا رسول الله" هو جواب عن قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ومن يعمل بهما قليل" وأبان - صلى الله عليه وسلم - أنه يصرف الشيطان العبد عن الإيمان بذلك. قوله: "فأيكم يعمل في اليوم ألفين [55 ب] وخمس مائة سيئة" يريد عليه - صلى الله عليه وسلم - أن هذه ألفان وخمس مائة حسنة، كل حسنة تكفر سيئة، فأي العباد يأتي يومه بعد ذلك من السيئات، يعني أنه بعيد إتيان العبد بها فالحسنات في يومه أكثر من السيئات، وأما قوله: "تسبحه وتحمده وتكبره مائة مرة" فهو موافق للحديث الذي علمه - صلى الله عليه وسلم - فاطمة الزهراء - رضي الله عنها - لما شكت عليه التعب من الطحن، وحمل الماء، وكنس البيت. وهو حديث صحيح (¬3). وقال أمير المؤمنين علي - عليه السلام -: إنه ما تركه مذ سمعه. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود رقم (5065)، والترمذي رقم (3410)، وابن ماجه رقم (926)، والنسائي رقم (1348)، وهو حديث حسن، والله أعلم. (¬2) في (أ): "الثالث". (¬3) وقد تقدم نصه وتخريجه.

قال له قائل: ولا ليلة صفين؟ قال: ولا ليلة صفين. 2 - وعن ابن أبي أوفى - رضي الله عنهما - قال: جَاءَ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله، لاَ أَسْتَطِيعُ أَنْ آخُذَ مِنَ القُرْآنِ شَيْئًا فَعَلِّمْنِي مَا يُجْزِينِي، قَالَ: "قُلْ: سُبْحَانَ الله، وَالحَمْدُ لله، وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ الله، وَالله أَكْبَرُ، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِالله". قَالَ: يَا رَسُولَ الله، هَذَا لله فَمَا لِي؟ قَالَ: "قُلِ: اللهمَّ ارْحَمْنِي وَعَافِني وَاهْدِنِي وَارْزُقْنِي"، فَقَالَ هَكَذَا بِيَدهِ فَقَبَضَهُمَا، فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: "أَمَّا هَذَا فَقَدْ مَلأَ يَدَيْهِ مِنَ الخَيْرِ". أخرجه أبو داود (¬1) بتمامه، والنسائي (¬2) إلى قوله: "وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِالله". [حسن] قوله: "في حديث ابن أبي أوفى: قل سبحان الله" (¬3) هو تنزيه لله عن النقائص وصفات المحدثات كلها، وهو اسم منصوب على أنه واقع موقع المصدر، ونصبه بفعل محذوف تقديره: أسبح الله سبحاً وتسبيحاً. قالوا: ولا يستعمل سبحان غالباً إلا مضاف كسبحان الله، وهو مضاف إلى المفعول به، أي: يسبح الله المسبح والمنزه. قوله: "ولا حول ولا قوة إلا بالله". قال الأزهري (¬4): قال إبراهيم: معناه: لا حركة [56 ب] ولا استطاعة إلا بمشيئة الله إلا بالله. وقيل: معناه: لا حول في دفع شر، ولا قوة في تحصيل خير إلا بالله. وقيل: لا حول عن معصية الله إلا بالعصمة، ولا قوة على طاعته إلا بمعونته، حكي هذا عن ابن مسعود، وكله متقارب المعنى. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (832). (¬2) في "السنن" رقم (924)، وهو حديث حسن، والله أعلم. (¬3) انظر: "غريب الحديث" للهروي (1/ 330)، "النهاية في غريب الحديث" (1/ 745). (¬4) في "تهذيب اللغة" (5/ 243).

قال أهل اللغة (¬1): يعبر عن هذه الكلمة "بالحوقلة" و"الحولقة"، وبالأول جزم الأزهري. فعلى الأول؛ الحاء من الحول، والقاف من القوة، واللام من اسم الله. وعلى الثاني: الحاء واللام من الحول، والقاف من القوة. والأول هو الصحيح؛ لتضمنه جميع الألفاظ. ويقال: لا حيل ولا قوة، لغة غريبة حكاها الأزهري (¬2). قال ابن الأثير (¬3): والمعنى بهذا اللفظ: إظهار الفقر إلى الله بطلب المعونة منه على ما يزاوله العبد من الأمور، وهي حقيقة العبودية. 3 - وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كَانَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُكْثِرُ أَنْ يَقُولُ قَبْلَ مَوْتِهِ: "سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدهِ، أَسْتَغْفِرُ الله وأَتُوبُ إِلَيْهِ"، فَقُلْتُ لَهُ في ذلِكَ، فَقَالَ: "أَخْبَرَنِي رَبِّي أَنَّي سَأَرَى عَلاَمَةً فِي أُمَّتِي، فَإِذَا رَأَيْتُهَا أكثَرْتُ مِنْ قَوْلِ: سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ، أَسْتَغْفِرُ الله وأَتُوبُ إِلَيْهِ، فَقَدْ رَأَيْتُهَا: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1)} (¬4) السورة". أخرجه الشيخان (¬5). [صحيح] قوله: "في حديث عائشة: إذا جاء نصر الله والفتح" تقدم في الحديث في أدعية الركوع والسجود، وقوله (¬6): "يتأول القرآن". ¬

_ (¬1) انظر: "لسان العرب" (11/ 161 - 162)، "القاموس المحيط" (ص 1274). (¬2) في "تهذيب اللغة" (5/ 248). (¬3) في "النهاية في غريب الحديث" (1/ 456)، وانظر: "الفائق" للزمخشري (2/ 223). (¬4) سورة النصر: 1. (¬5) البخاري رقم (4967)، ومسلم رقم (484). (¬6) البخاري رقم (794، 817، 4293، 4967، 4968)، ومسلم رقم (217/ 484).

4 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لأَنْ أَقُولَ: سُبْحَانَ الله، وَالحَمْدُ لله، وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ الله، وَالله أَكْبَرُ؛ أَحَبُّ إِليَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ". أخرجه مسلم (¬1) والترمذي (¬2). [صحيح] قوله: "في حديث أبي هريرة: أحب إلي مما طلعت عليه الشمس" وهي تطلع على الدنيا، فهو يقول: أحب إليَّ من الدنيا؛ وذلك لما يترتب على قولها من الثواب. وقال بعضهم: اسم التفضيل يريد أحب إنما تستعمل في استواء الشيئين في أصل المعنى، وزيادة أحدهما يريد ولا استواء هنا، وقد غاب عنه بأنه قد حبب (¬3) إليه - صلى الله عليه وسلم - من الدنيا الطيب والنساء، ويجاب: بأنه أفعل لا يخرج عن [303/ أ] [57 ب] عن معناه، فلا يراد به المفاضلة. ومنه: {أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ} (¬4). 5 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَقِيتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي إِبْرَاهِيمَ - عليه السلام -، فَقَالَ لِي: يَا مُحَمَّدُ، أَقْرِئْ أُمَّتَكَ مِنِّي السَّلاَمَ، وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ الجَنَّةَ طَيَّبَةُ التُّرْبَةِ عَذْبَةُ المَاءِ، وَأَنَّهَا قِيعَانٌ، وَأَنَّ غِرَاسَهَا: سُبْحَانَ الله، وَالحَمْدُ لله، وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ الله، وَالله أَكْبَرُ". أخرجه الترمذي (¬5). [حسن] قوله: "قيعان" (¬6) وقيعة جمع قاع، وهو المكان المستوي الواسع. ¬

_ (¬1) في صحيحه رقم (2695). (¬2) في "السنن" رقم (3597)، وهو حديث صحيح. (¬3) أخرجه النسائي في "السنن" رقم (3939، 3940)، وأحمد (3/ 128، 199، 285)، والحاكم (2/ 160)، وهو حديث حسن. (¬4) سورة الفرقان: 15. (¬5) في "السنن" رقم (3362)، وهو حديث حسن. (¬6) قال ابن الأثير في "غريب الجامع" (4/ 380).

وقال ابن فارس (¬1): القاع: الأرض الملساء. ولا يخفى أنه إذا غرس العبد غرساً في أرض لا مالك استحق غرسه وملكه، فيفيد أن قائل ما ذكره لا يمنع عن دخول الجنة كما لا يمنع عن غرسه. قوله: "أخرجه الترمذي" قلت: وقال (¬2): "حسن غريب". 6 - وعن يسيرة مولاة لأبي بكر الصديق - رضي الله عنها - وكانت من المهاجرات الأول قالت: قَالَ لَنَا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "عَلَيْكُنَّ بِالتَّسْبِيحِ، وَالتَّهْلِيلِ، وَالتَّقْدِيسِ، وَالتَّكْبِيْر، وَاعْقِدْنَ بِالأنَامِلِ، فَإِنَّهُنَّ مَسْئُولاَتٌ مُسْتَنْطَقَاتٌ، وَلاَ تَغْفُلْنَ فَتَنْسَيْنَ الرَّحْمَةَ". أخرجه أبو داود (¬3) والترمذي (¬4)، واللفظ له. [حسن] قوله: "وعن يسيرة" (¬5) بضم المثناة التحتية فسين مهملة مفتوحة فمثناة تحتية ساكنة فراء فتاء التأنيث وهي بنت ياسر، أخت عمار بن ياسر، وليس لها في الكتب الستة غير هذا الحديث. قوله: "مولاة لأبي بكر" هذا اللفظ غير موجود في "الجامع" (¬6)، بل فيه: وعن يسيرة. وكانت من المهاجرات الأول، وفي رابع "الجامع" هي أم ياسر يسيرة. ¬

_ (¬1) في "مقاييس اللغة" (ص 838). (¬2) في "السنن" (5/ 450). (¬3) في "السنن" رقم (1501). (¬4) في "السنن" رقم (3583)، وهو حديث حسن. (¬5) وفي "التقريب" (2/ 618 رقم 1): يُسَيْرة بالتصغير، ويقال: أسيرة بألف، أم ياسر، صحابية من الأنصار، ويقال من المهاجرات. (¬6) (4/ 385).

وقيل (¬1): أم حميصة يسيرة بنت ياسر، كانت من المهاجرات المبايعات، وهي جدة هاني بن عثمان، حديثها عند أهل الكوفة. انتهى. فلم يذكر في الجزءين أنها مولاة لأبي بكر، كيف وهي بنت ياسر أخت عمار، وليسوا بموالي، فما أدري من أين جاءت هذه اللفظة للمصنف حتى ذكرها؟!! قوله: "لأنهن" أي: الأنامل مسؤولات مستنطقات، أي: يسألنه ويطلب منهن النطق. وفيه دليل أنه [58 ب] يسأل كل عضو من الإنسان نحو: {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ} (¬2) ... الآية. [ونحو] (¬3): {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ} (¬4) .... الآية. قوله: "أخرجه الترمذي" قلت: وقال (¬5): لا نعرفه إلا من حديث هانئ. 7 - وعن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا أَصَرَّ مَنِ اسْتَغْفَرَ، وَلَوْ عَادَ فِي اليَوْمِ سَبْعِينَ مَرَّةً". أخرجه أبو داود (¬6) والترمذي (¬7). [ضعيف] قوله: "وعن أبي بكر الصديق" جعل ابن الأثير (¬8) للاستغفار فرعاً، وذكر هذا الحديث في أوله. ¬

_ (¬1) انظر: "الاستيعاب" رقم (3482). (¬2) سورة يس: 65. (¬3) زيادة من (أ). (¬4) سورة النور: 24. (¬5) في "السنن" (5/ 571). (¬6) في "السنن" رقم (1514). (¬7) في "السنن" رقم (3559)، وهو حديث ضعيف. (¬8) في "الجامع" (4/ 385).

قوله: "ما أصرَّ" التَّعقُّد في الذَّنب، والتشدد فيه والامتناع عن الإقلاع عنه والدوام، والملازمة كما في "تعريفات المناوي" (¬1)، فمن استغفر فقد دل على إقلاعه عن الذنب وإن عاد فيه. قوله: "سبعين مرة" في "فتح الباري" (¬2) ذكر السبعين للمبالغة، وإلا ففي حديث أبي هريرة مرفوعاً: "أن عبداً أذنب ذنباً فقال: رب! إني أذنبت ذنباً فاغفر لي؛ فغفر له" وفي آخره: "علم عبدي أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ به، اعمل ما شئت فقد غفرت لك" (¬3) انتهى. قوله: "أخرجه الترمذي" (¬4). 8 - وعن أغرَّ مزينة - رضي الله عنه - قال: قَالَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّهُ ليُغَانُ عَلَى قَلْبِي حَتَّى أَسْتَغْفِرُ الله فِي اليَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ". أخرجه مسلم (¬5) وأبو داود (¬6). [صحيح] قوله: "وعن أغر مزينة" بفتح الهمزة وفتح الغين المعجمة فراء مشددة. ومزينة بميم مضمومة فزاي فمثناة تحتية فنون. قال في "الجامع" (¬7): هو الأغر المزني، عداده في أهل الكوفة، وقيل: في أهل البصرة، روى عنه ابن عمر، ومعاوية بن قرة المزني. ¬

_ (¬1) (ص 68). (¬2) (11/ 101). (¬3) أخرجه أحمد في "المسند" (2/ 405) بإسناد صحيح. (¬4) في "السنن" رقم (3559) وقال: هذا حديث غريب، إنما نعرفه من حديث أبي نضيرة، وليس إسناده بالقوي. (¬5) في صحيحه رقم (2702). (¬6) في "السنن" رقم (1515). (¬7) انظر: "تتمة جامع الأصول" (1/ 181 - 182 - قسم التراجم).

قوله: "ليغان (¬1) على قلبي" الغين والغيم بمعنى، وهو ما يتغشى القلب. قال القاضي (¬2): قيل: المراد به الفترات والغفلات عن الذكر الذي يشابه الدوام عليه، فإذا فتر عنه أو غفل عن ذلك [ذنباً] (¬3) واستغفر منه. وقيل: هو همه بسبب أمته وما اطلع عليه من أحوالها بعده فيستغفر لهم. وقيل: سببه اشتغاله [59 ب] بالنظر في أمر أمته، ومصالحهم، ومحاربة العدو، ومداراته وتأليف المؤلفة، فيشتغل بذلك عن عظيم مقامه فيراه ذنباً، بالنظر إلى عظيم منزلته، وإن كانت هذه الأمور من أعظم الطاعات وأفضل الأعمال، فهي نزول عن عالي درجته، ورفيع مقامه، من حضوره [بهمه كله] (¬4) مع الله سبحانه ومرافقته، ومشاهدته [عنده] (¬5) وفراغه عما سواه سبحانه، فيستغفر لذلك، ويحتمل أن الغين هو السكينة التي [تغشى] (¬6) قلبه، لقوله تعالى: {فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ} (¬7) فاستغفاره إظهار للعبودية. والافتقار وملازمة الخشوع وشكراً لما أولاه. ¬

_ (¬1) قال ابن الأثير في "غريب الجامع" (4/ 387): ليغطى ويغشى، والمراد به: السهو؛ لأنه كان - صلى الله عليه وسلم - لا يزال في مزيد من الذكر والقربة ودوام المراقبة، فإذا سها عن شيء منها في بعض الأوقات أو نسي؛ عده ذنباً على نفسه، ففزع إلى الاستغفار. (¬2) في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (8/ 197). (¬3) كذا في المخطوط، وصوابه كما في "إكمال المعلم": "فرأى الغفلة عنه ذنباً". (¬4) سقطت من (أ، ب) وما أثبتناه من "إكمال المعلم". (¬5) سقطت من (أ، ب) وما أثبتناه من "إكمال المعلم". (¬6) في (ب): "يغني". (¬7) سورة التوبة: 40.

قال المحاسبي (¬1): خوف الأنبياء - عليهم السلام - والملائكة خوف إعظام، وإن كانوا آمنين من عذاب الله. انتهى. قلت: وظاهر حديث الحشر واعتذار كل نبي بذنبه عن طلب الشفاعة يشعر بالخوف من عذاب الله. وقال في الملائكة: {وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (28)} (¬2). 9 - وفي رواية لمسلم (¬3): "تُوبُوا إِلَى رَبِّكُمْ، فَوَالله إِنِّي لأَتُوبُ إِلَى رَبِّي تبَارَكَ وَتَعَالَى في اليَوْم مِائَةَ مَرَّةٍ". [صحيح] 10 - وللبخاري (¬4) والترمذي (¬5) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "وَالله إِنِّي لأَسْتَغْفِرُ الله وأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي اليَوْمِ سَبْعِينَ مَرَّةً". [صحيح] "لَيُغَانُ" (¬6) أي: يغطى ويغشى، والمراد به السهو. قوله: "في حديث أبي هريرة: والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه" استشكل ذلك مع عصمته حتى من الصغائر، وأجيب (¬7): بأنه لا يلزم في الاستغفار صدور الذنب، بل فيه إظهار الحاجة إلى الله والتواضع وتعليم الأمة لتستن به. 11 - وعن أسماء بن الحكم الفزاري - رضي الله عنه - قال: سَمِعْتُ عَلِيًّا - رضي الله عنه - يَقُولُ: كُنْتُ إِذَا سَمِعْتُ حَدِيثًا مِنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - نَفَعَنِي الله تَعَالَى بِمَا شَاءَ أَنْ يَنْفَعَنِي مِنْهُ وَإِذَا حَدَّثَنِي رَجُلٌ عَنْهُ ¬

_ (¬1) ذكره القاضي عياض في "إكمال المعلم" (8/ 197). (¬2) سورة الأنبياء: 28. (¬3) في صحيحه رقم (41/ 2702). (¬4) في صحيحه رقم (6307). (¬5) في "السنن" رقم (3259). (¬6) انظر: "غريب الحديث" للهروي (1/ 136) , "النهاية في غريب الحديث" (2/ 335). (¬7) انظر: "فتح الباري" (11/ 101 - 102).

اسْتَحْلَفْتُهُ، فَإِذَا حَلَفَ لِي صَدَّقْتُهُ، وَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ - رضي الله عنه -، وَصَدَقَ أَبُو بَكْرٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مَا مِنْ رَجُلٍ يُذْنِبُ ذنْبًا، ثُمَّ يَقُومُ فَيَتَطَهَّرُ وَيُصَلِّي رَكعَتَيْنِ، ثُمَّ يَسْتَغْفِرُ الله تَعَالَى إِلاَّ غَفَرَ لَهُ". ثُمَّ قَرَأَ: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ} (¬1) الآية. أخرجه أبو داود (¬2) والترمذي (¬3). [حسن] قوله: "وعن أسماء بن الحكم الفزاري" (¬4) لفظ أسماء في الغالب من أسماء النساء [60 ب]، وهنا أتى في أسماء الرجال و (أسماء) المذكور تابعي، يعدُّ في الكوفيين، روى عن علي - عليه السلام -، [قال البخاري] (¬5): لم يرو عن أسماء بن الحكم إلا هذا الحديث الواحد، وحديث آخر لم يتابع عليه، وكان شعبة لا يضبط اسمه، فتارة يقول: أسماء بن الحكم، وتارة يقول: الحكم بن أسماء، وتارة يقول: أسماء بن أبي الحكم. قوله: "فإن حلف لي صدقته" قيل: هذا مشكل؛ لأنه إن كان التهمة بالكذب في الحديث فكيف يصدقه في يمينه؟ فإنه يحتمل أنه فيها كاذب، وأجيب عنه بأنه ليس تحليفه لتهمته بأنه كاذب، بل لتأكيد خبره والأخذ به وقبوله. [304/ أ]. قوله: "وصدق أبو بكر" كأن علياً - عليه السلام - كان جازماً بالحديث فصدق أبو بكر، وكان عالماً بأنه لا يكذب ولا يتهم. ¬

_ (¬1) سورة آل عمران: 135. (¬2) في "السنن" رقم (1521). (¬3) في "السنن" رقم (406، 3006). وأخرجه ابن ماجه رقم (1395)، وهو حديث حسن. (¬4) "التقريب" (1/ 64 رقم 468)، "تهذيب التهذيب" (1/ 136). (¬5) زيادة من (أ).

12 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قَالَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله، وَحْدهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ, وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ كَانَتْ لَهُ عِدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ وَكُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ, وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنَ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِيَ، وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ إِلاَّ رَجُلٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْهُ, وَمَنْ قَالَ: سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدهِ فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ حُطَّتْ خَطَايَاهُ, وإنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ". أخرجه الثلاثة (¬1) والترمذي (¬2). [صحيح] قوله: "وعن أبي هريرة" أقول: هذا الحديث جعله ابن الأثير (¬3) من الفرع الثالث، وهو فرع عنده للتهليل. والمصنف جعل الجميع في فصل واحد وحذف أحاديث في الاستغفار كثيرة، كحديث سعد في الاستغفار وغيره. قوله: "عمل أكثر منه" أقول: فيه دليل (¬4) على أن من أتى بالذكر المذكور أكثر من مائة مرة كان له الأجر على المائة، وأجر آخر على الزيادة، وأنه ليس هذا من الحدود والمقادير التي نهي عن زيادتها، فإن زيادتها لا فضل فيها أو تبطلها، كالزيادة في عدد الركعات، ويحتمل أن يراد بالزيادة من أعمال الخير، لا من التهليل، ويحتمل (¬5) أن المراد مطلق الزيادة من تهليل وغيره، وهذا الاحتمال أظهر. كذا قيل. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (3293، 6403)، ومسلم رقم (2691)، ومالك في "الموطأ" (1/ 209). (¬2) في "السنن" رقم (3469). (¬3) في "الجامع" (4/ 391). (¬4) ذكره الحافظ في "الفتح" (11/ 205 - 206). (¬5) قاله النووي في شرحه لصحيح مسلم (17/ 17).

قلت: بل الأول أظهر؛ إذ هو المتبادر، ثم ظاهر (¬1) الحديث حصول الأجر لمن قال ذلك متفرقاً، أو متوالياً في مجلس أو مجالس، أول النهار أو آخره، لكن الأفضل أن يأتي بها متوالية أول النهار، لتكون حرزاً له في جميع نهاره. 13 - وعن عمر - رضي الله عنه - قال: قَالَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ دَخَلَ السُّوقَ، فَقَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكُ لَهُ، لَهُ المُلْكُ، وَلَهُ الحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ، وَهُوَ حَيٌّ لاَ يَمُوتُ، بِيَدهِ الَخْيرُ وَهُوَ عَلَى كلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ؛ كَتَبَ الله لَهُ أَلْفَ أَلْفِ حَسَنةٍ, وَمَحَا عَنْهُ أَلْفَ أَلْفِ سَيِّئَةٍ, وَرَفَعَ لَهُ أَلْفَ أَلْفِ دَرَجَةٍ" (¬2). [حسن] وفي رواية: "عِوَضَ الثَّالِثَةِ، وَبَنَى لَهُ بَيْتاً في الجَنةِ". أخرجه الترمذي (¬3). [حسن] قوله: "في حديث عمر: من دخل السوق فقال: لا إله إلا الله ... " الحديث في "جامع المسانيد" لابن الجوزي أنه يقول ذلك جهراً. قلت: كأنه أخذه من قرينة عظم الأجر، وإنه سبب تنبيه الغافلين، وهو محتمل، والأظهر أنه يمتثل وينال الأجر سرّاً قاله أو جهراً. 14 - وعن جويرية زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - و - رضي الله عنها -: أَنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - خرَج مِنْ عِنْدِهَا بُكْرَةً حِينَ صَلَّى الصُّبْحَ وَهِيَ فِي مَسْجِدِهَا، ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَ أَنْ أَضْحَى وَهِيَ جَالِسَةٌ، فَقَالَ: "مَا زِلْتِ ¬

_ (¬1) قاله النووي في شرحه لصحيح مسلم (17/ 17)، وانظر "فتح الباري" (11/ 206). (¬2) أخرجه الترمذي في "السنن" رقم (3428). وأخرجه البخاري في "الكنى" (ص 50)، والدارمي (2/ 355)، وابن عدي في "الكامل" (1/ 420)، والطبراني في "الكبير" رقم (13175)، والحاكم (1/ 538) من طرق، وهو حديث حسن. (¬3) في "السنن" رقم (3429). وأخرجه ابن ماجه رقم (2235)، وأحمد (1/ 47)، والطيالسي رقم (1250)، والطبراني في "الدعاء" رقم (789 - 791)، وهو حديث حسن.

عَلَى الحَالِ الَّتِي فَارَقْتُكِ عَلَيْهَا؟ " قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: "لَقَدْ قُلْتُ بَعْدَكِ أَرْبَعَ كَلِمَاتٍ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ لَوْ وُزِنَتْ بِمَا قُلْتِ مُنْذُ اليَوْمِ لَوَزَنَتْهُنَّ: سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ، عَدَدَ خَلْقِه, وَرِضَا نَفْسِهِ, وزِنَةَ عَرْشِه, وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ" (¬1). أخرجه الخمسة إلا البخاري. [صحيح] وقوله: "زنَة عَرْشِه" أي: بوزن عرشه في عظم قدره (¬2). و"مِدَادَ كَلِمَاتِهِ" أي: مثلها وعددها، وقيل: المداد مصدر كالمد (¬3). قوله: "في حديث جويرية: ثلاث مرات" فسرتها رواية الترمذي والنسائي: أنه - صلى الله عليه وسلم - قال لها: "أعلمك كلمات تقوليهن: سبحان الله عدد خلقه، سبحان الله عدد خلقه، سبحان الله عدد خلقه ... " وذكر باقي الحديث كذلك. قال الترمذي (¬4): "حسن صحيح" قوله: "زنة عرشه" في "النهاية" (¬5): زنة عرشه في عظم قدره، وأصل الكلمة الواو، والهاء فيها عوض عن الواو المحذوفة من أولها، تقول: وزن، يزن، وزناً، وزنة، كوعد، عدة. قوله: "مداد كلماته" فيها أي: مثل عددها، وقيل: قدر ما يوازنها في الكثرة، عيار ليل أو وزن أو عدد أو ما أشبهه [62 ب] من وجوه الحصر والتقدير. وهذا تمثيل يراد به التقريب؛ لأن الكلام لا يدخل في الكيل والوزن، وإنما يدخل في العدد. فالمداد: مصدر كالمدد، يقال: مددت الشيء مداً ومداداً، وهو ما يكثر به ويزاد. انتهى. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم رقم (2140، 2726)، وأبو داود رقم (1503)، والترمذي رقم (3555)، والنسائي رقم (1352)، وهو حديث صحيح. (¬2) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (4/ 396). (¬3) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (4/ 396) (¬4) في "السنن" (5/ 556). (¬5) (1/ 734).

15 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِي المِيزَانِ، حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ: سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ الله العَظِيمِ". أخرجه الشيخان (¬1) والترمذي (¬2). [صحيح] 16 - وعنه - رضي الله عنه - قال: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَكْثِرُوا مِنْ قَوْلِ لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِالله، فَإنَّهَا كَنْزٌ مِنْ كنُوزِ الجَنَّةِ". قال مكحول: فَمَنْ قَالَهَا ثم قال: لاَ مَنْجَا مِنَ الله إِلاَّ إِلَيْهِ؛ كَشَفَ عَنْهُ سَبْعِينَ بَابًا مِنَ الضُّرِّ أَدْنَاهَا الفَقْرُ". أخرجه الترمذي (¬3). [صحيح] قوله: "في حديث أبي هريرة: كلمتان" هذا الحديث سيختم به المصنف كتابه هذا بسنده من شيخه إلى أبي هريرة، وكذلك ختم به البخاري (¬4) كتابه. فقوله: "كلمتان" خبر مقدم، و"حبيبتان إلى الرحمن" صفة لهما، كما أن ما قبلها صفة لهما. وقوله: "سبحان الله" (¬5) إلى آخره، هو المبتدأ، وإن كان جملة فهي في معنى المفرد؛ لأن المراد من الأولى التسبيح، ومن الثانية التحميد، وباقي الكلام على ذلك في آخر الكتاب. قوله: "وعنه" أي: أبي هريرة. ¬

_ (¬1) البخاري في صحيحه (6406، 6682، 7563)، ومسلم رقم (2794). (¬2) في "السنن" رقم (3467)، وهو حديث صحيح. (¬3) في "السنن" رقم (3601) وهو حديث صحيح. وقال الألباني: صحيح دون قول مكحول: "فمن قال ... " فإنه مقطوع. (¬4) في صحيحه رقم (7563). (¬5) قال الحافظ في "الفتح" (11/ 206). وسبحان اسم منصوب على أنه واقع موقع المصدر لفعل محذوف تقديره: سبحت الله سبحاناً كسبحت الله تسبيحاً، ولا يستعمل غالباً إلا مضافاً، وهو مضاف إلى المفعول، أي: سبحت الله.

أقول: هذا الحديث أخرجه الترمذي (¬1)، وإسناده ليس بمتصل، وأحسن منه سنداً ما أخرجه الشيخان (¬2)، وأبو داود (¬3)، والترمذي (¬4) من حديث أبي موسى أنه قال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يا عبد الله بن قيس! ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة؟ " فقلت: بلى يا رسول الله. قال: "قل لا حول ولا قوة إلا بالله". ذكره ابن الأثير في "الجامع". فلو أتى به المصنف كان أولى، والمراد: ثوابها كنز، أي: شيء نفيس؛ لأنها كلمة استسلام لله وتفويض إليه، وتقدم الكلام قريباً في تحقيقها. قوله: "قال مكحول" (¬5) هو أبو عبد الله مكحول بن عبد الله الشامي من سبي كابل. قال ابن عائشة (¬6): كان [63 ب] مولى لامرأة من قريش، وكان سنيد لا يفصح، وكان بالشام ولم يكن في زمانه أبصر بالفتيا منه، وكان لا يفتي حتى يقول لا حول ولا قوة إلا بالله، هذا رأي، والرأي يخطئ ويصيب، سمع أنس بن مالك وغيره. مات سنة ثمانية عشرة ومائة، وغير ذلك. وهذا الكلام منه يحتمل أنه سمع فيه حديثاً؛ فإنه لا مسرح [للرأي] (¬7) والاجتهاد في ما قاله. وعلى كل حال؛ فهو مرسل. أعني قوله: ثم قال: "لا منجا" إلى آخره. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (3601). (¬2) البخاري في صحيحه رقم (2992، 4205، 6384، 6409، 6610، 7386)، ومسلم رقم (2704). (¬3) في "السنن" رقم (1526، 1527، 1528)، والترمذي رقم (3461)، وابن ماجه رقم (3824) مختصراً. (¬4) انظر: "التقريب" (2/ 273 رقم 1354). (¬5) انظر: "التقريب" (2/ 273 رقم 1354). (¬6) انظر: "تهذيب التهذيب" (4/ 148 - 149)، "ميزان الاعتدال" (4/ 177 رقم 8749). (¬7) سقطت من (ب).

الفصل الثالث: في الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -

الفصل الثالث: في الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - 1 - عن أبي مسعود البدري - رضي الله عنه - قال: أَتَانَا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وَنَحْنُ فِي مَجْلِسِ سَعْدِ بْنِ عُبَادةَ، فَقَالَ لَهُ بَشِيرُ بْنُ سَعْدٍ: أَمَرَنَا الله تَعَالَى أَنْ نُصَلّيَ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ الله، فكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ قَالَ: "قُولُوا: اللهمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ. وَالسَّلاَمُ كَمَا قَدْ [عَلِمْتُمْ] (¬1) ". أخرجه الستة (¬2) إلا البخاري. [صحيح] وللستة (¬3) إلا الترمذي، عن أبي حميد الساعدي - رضي الله عنه - قال: قَالُوا: يَا رَسُولَ الله، كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ قَالَ: "قُولُوا: اللهمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى أَزْوَاجِهِ وذُرِّيَّتِهِ، كَما صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى أَزْوَاجِهِ وَذرَّيَّتِهِ, كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ". [صحيح] ¬

_ (¬1) في المخطوط (أ. ب): "عرفتم"، وما أثبتناه من مصادر الحديث. (¬2) أخرجه أحمد (5/ 273 - 274)، ومسلم في صحيحه رقم (405)، والنسائي في "المجتبى" (3/ 45)، وفي "السنن الكبرى" رقم (1209)، والترمذي رقم (3220)، وأبو داود رقم (980، 981). وأخرجه ابن خزيمة رقم (711)، وابن حبان رقم (1959)، والحاكم (1/ 268)، والدارقطني في "السنن" (1/ 354 - 355)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (2/ 146 - 147)، وهو حديث صحيح. (¬3) أخرجه البخاري رقم (3369)، ومسلم رقم (407)، وأبو داود رقم (979)، وابن ماجه رقم (905)، والنسائي في "السنن" رقم (1294)، وفي "عمل اليوم والليلة" رقم (259). وأخرجه ابن السني في "عمل اليوم والليلة" رقم (384)، والبيهقي في "معرفة السنن والآثار" رقم (3707)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (682)، وأحمد (5/ 424)، وهو حديث صحيح.

وللخمسة (¬1) عن كعب بن عجرة قال: خَرَجَ عَلَيْنَا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ الله، قَدْ عَلِمْنَا كَيْفَ نُسَلِّمُ عَلَيْكَ، فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ قَالَ: "قُولُوا: اللهمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللهمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ". [صحيح] قوله: "الفصل الثالث في الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - ". قوله: "عن أبي مسعود البدري". أقول: اسمه عقبة بن عمرو (¬2)، خزرجي أنصاري نجاري، شهد العقبة الثانية، وكان أصغر من شهدها ولم يشهد بدراً في الأصح، وإنما قيل له البدري؛ لأنه نزل بماء بدر فنسب إليه وسكن الكوفة، ومات في خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - عليه السلام -. قوله: "فقال له بشير بن سعد" لا يتوهم أنه ابن سعد بن عبادة المذكور قريباً، بل هو بشير (¬3) بن سعد بن ثعلبة بن خلاس، بفتح الخاء المعجمة، وتشديد اللام، وبالسين المهملة، أنصاري خزرجي، وهو والد النعمان بن بشير، شهد العقبة وبدراً [305/ أ] والمشاهد كلها. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (3370)، ومسلم رقم (68/ 406)، والنسائي في "المجتبى" (3/ 47)، وفي "الكبرى" رقم (1211)، وأبو داود رقم (976)، وابن ماجه رقم (904)، والترمذي رقم (483). وأخرجه أحمد (4/ 241، 244)، وعبد الرزاق في مصنفه رقم (3105)، والطبراني في "الكبير" (ج 9 رقم 266)، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" رقم (2233)، وعبد بن حميد رقم (368)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (687)، وهو حديث صحيح. (¬2) انظر: "التقريب" (2/ 27 رقم 249). (¬3) انظر: "الاستيعاب" رقم (186) ط. الأعلام. "التقريب" (1/ 103 رقم 87).

قوله: "كيف نصلي عليك" قال القاضي عياض (¬1): لما كان لفظ الصلاة المأمور بها في قوله: "صلوا عليه" يحتمل الرحمة والدعاء والتعظيم؛ سألوا بأي لفظ تؤدى؟ والحاصل: أنهم لما علموا أن السلام عرفوه بلفظ مخصوص، وهو السلام عليك [64 ب] أيها النبي الكريم ورحمة الله وبركاته - فهموا منه أن الصلاة أيضاً تقع بلفظ مخصوص فسألوا عنه. قوله: "قال: قولوا اللهم" هذه الكلمة أكثر (¬2) استعمالها في الدعاء، وهي بمعنى: يا الله، والميم عوض عن حرف النداء. قوله: "صلِّ" ثبت عن أبي العالية (¬3): أن معنى صلاة الله على نبيه: ثناؤه عليه عند ملائكته، ومعنى صلاة الملائكة عليه: الدعاء له، وعن جماعة (¬4) قالوا: صلاة الرب: الرحمة، وصلاة الملائكة: الدعاء، أي: بالرحمة ونحوها. ورجح الحافظ ابن حجر (¬5) كلام أبي العالية أنهما ثناؤه تعالى عليه وتعظيمه، أي: عظمه في الدنيا بإعلاء ذكره، وإنفاذ شريعته، وفي الآخرة بإجزال مثوبته, وتشفيعه في أمته، وإبداء فضيلته بالمقام المحمود، وعلى هذا فالمراد بقوله تعالى: "صلُّوا عليه" ادعوا ربكم بالصلاة عليه. قوله: "على محمد وعلى آل محمد" كذا وقع في الموضعين، في قوله: "صلِّ" وفي قوله: "وبارك" ولكن وقع في الثاني: "وبارك على آل إبراهيم". ¬

_ (¬1) في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (2/ 301 - 302). (¬2) قاله الحافظ في "الفتح" (11/ 155). (¬3) ذكره الحافظ في "الفتح" (11/ 155). (¬4) منهم ابن عباس. "فتح الباري" (11/ 156). (¬5) في "الفتح" (11/ 156).

قال الحافظ ابن حجر (¬1): والحق أن ذكر محمد وإبراهيم، وذكر آل محمد وآل إبراهيم ثابت في أصل الخبر، وإنما حفظ بعض الرواة ما لم يحفظ الآخر. ثم ساقه تاماً. قوله: "وآل محمد" أقول: (آل) تضاف إلى من يتناول إلى من أضيف إليه، ولا تضاف إلا إلى معظم، فلا يقال: آل الحجام، بخلاف أهل، ولا تضاف إلى غير العاقل غالباً ولا إلى الضمير عند الأكثر، ويطلق آل فلان على نفسه وعلى من يضاف إليه جميعاً. ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم - للحسن بن علي - عليه السلام -: "إنا آل محمد لا تحل لنا الصدقة" (¬2) واختلف في المراد بآل محمد [65 ب] في هذا الحديث. ففي "فتح الباري" (¬3): أن الراجح أنهم من حرمت عليهم الصدقة، وهذا نص عليه الشافعي (¬4) والجمهور (¬5)، ويؤيده قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إنا آل محمد لا تحل لنا الصدقة" وتقدم من لا تحل له الصدقة منهم في حديث زيد بن أرقم. والخلاف واسع في المراد بهم، والراجح ما ذكر، وقد أطلق آل محمد على أزواجه، كما في حديث عائشة: "ما شبع آل محمد من خبز وأدوم ثلاثاً" أخرجه البخاري (¬6). ¬

_ (¬1) في "فتح الباري" (11/ 156 - 157). (¬2) أخرجه أحمد في "المسند" (2/ 476) بسند صحيح. وسيأتي في الزكاة. (¬3) (3/ 355). (¬4) انظر: "المجموع شرح المهذب" (6/ 219 - 220). (¬5) "المغني" (4/ 111 - 112). (¬6) في صحيحه رقم (5423، 5438).

قوله: "كما صليت على إبراهيم" أقول: اشتهر (¬1) السؤال عن موقع التشبيه، مع أن المقرر أن المشبه دون المشبه به، والواقع هنا عكسه؛ لأن محمداً وحده أفضل من آل إبراهيم ومن إبراهيم، فكيف يشبه ما يطلب للأفضل بما أعطي المفضول؟ وفيه أجوبة: الأول: أن ذلك كان قبل أن يعلمه الله أنه أفضل من إبراهيم، ورد بأن لو كان كذلك لغير لفظ الصلاة بعد أن أعلم أنه أفضل. الثاني: أنه قال ذلك تواضعاً. الثالث: أن التشبيه إنما هو لأصل الصلاة بأصل الصلاة لا للقدر بالقدر، نحو قوله تعالى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ} (¬2)، وقوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} (¬3)، ورجح هذا القرطبي في "المفهم" (¬4). الرابع: أن الكاف للتعليل كما جاءت [كذلك] (¬5) في قوله: {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ} (¬6)، وقوله: {وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ} (¬7). ¬

_ (¬1) انظره نصاً في "فتح الباري" (11/ 161). (¬2) سورة النساء: 163. (¬3) سورة البقرة: 183. (¬4) "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" (2/ 41). (¬5) في (أ): "لذلك". (¬6) سورة البقرة: 151. (¬7) سورة البقرة: 198.

الخامس (¬1): أن قوله: "اللهم صلِّ علي محمد" مقطوع عن التشبيه فيكون التشبيه متعلقاً بقوله: "وعلى آل محمد" وتعقب بأن غير الأنبياء لا يمكن أن يساووا الأنبياء، فكيف يطلب لهم الصلاة، مثل الصلاة التي وقعت لإبراهيم [66 ب] والأنبياء وآله؟! رووا أيضاً بأنه وقع في حديث أبي سعيد البخاري (¬2) مقابلة الاسم فقط بالاسم فقط، ولفظه: "اللهم صلِّ على محمد كما صليت على إبراهيم". السادس: منع قولهم في أول الإشكال أن المشبه (¬3) به يكون أرفع من المشبه, وسنده: أن التشبيه قد يكون بالمثل بل بالأدنى، كما في قوله تعالى: {مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ} (¬4) وأين يقع نور المشكاة من نوره تعالى؟! ولكن لما كان المراد من المشبه به أن يكون شيئاً ظاهراً واضحاً للسامع حسن تشبيه النور بالمشكاة، وكذا هنا، لما كان تعظيم إبراهيم وآل إبراهيم بالصلاة عليهم مشهوراً واضحاً عند جميع الطوائف، حسن أن يطلب لمحمد وآل محمد بالصلاة عليهم، مثل ما حصل لإبراهيم وآل إبراهيم. وقد عبر الطيبي (¬5) عن هذا المعنى بقوله: ليس التشبيه المذكور من باب إلحاق الناقص بالكامل، بل من باب إلحاق ما لم يشتهر بما اشتهر. ¬

_ (¬1) انظر: "فتح الباري" (11/ 161). (¬2) في صحيحه رقم (6358). (¬3) قاله الحافظ في "فتح الباري" (11/ 162). (¬4) سورة النور: 35. (¬5) ذكره الحافظ في "الفتح" (11/ 162).

قوله: "وعلى آل إبراهيم" أقول: هم ذريته من إسماعيل وإسحاق، وإن ثبت أن له أولاداً من غير سارة وهاجر؛ فهم داخلون [306/ أ] والمراد (¬1) المتقون منهم، فيدخل الأنبياء والصديقون والشهداء والصالحون دون من عداهم. قوله: "وبارك" أقول: والمراد بالبركة هنا: الزيادة من الخير والكرامة, والمراد: أن يعطوا من الخير أوفاه وأن يثبت ذلك ويستمر دائماً. قوله: "إنك حميد مجيد" أقول: الحميد فعيل من الحمد بمعنى محمود، وأبلغ منه، وهو من حصل [له] (¬2) من صفات الحمد أكملها، وقد قدمنا بيان معناه (¬3) ومعنى مجيد في شرح أسماء الله الحسنى قريباً. ومناسبته ختم هذا الدعاء بهذين الاسمين الجليلين: هو أن المطلوب تكريم الله لرسوله، وثناؤه عليه والتنويه به وزيادة تقريبه, وذلك مما يستلزم وصفي الحمد والمجد، فذكرهما كالإشارة إلى التعليل المطلوب، أو كالتدليل له، والمعنى: أنك فاعل ما يستوجب الحمد من النعم المترادفة، كريم بكثرة الإحسان إلى جميع عبادك. نكتة: اتفقت [67 ب] كتب الحديث كتباً وتدريساً وإملاءً في الخطب في الجمع وغيرها من العلماء أهل المذاهب الأربعة (¬4) حذف لفظ الآل من الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم -، بل يقتصرون في كل ذلك على قولهم - صلى الله عليه وسلم -، وهذا حديث التعليم في كل رواية ما خلا عن ذكرهم والصلاة عليهم مع الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم -، وما كان أولاهم بالمحافظة على ما ورد، ولعله والله أعلم وقع ¬

_ (¬1) وعبارة الحافظ في "الفتح": ثم إن المراد المسلمون منهم، بل المتقون. (¬2) زيادة من (أ). (¬3) في أسماء الله الحسنى. (¬4) انظر: "فتح الباري" (11/ 166)، "مختصر اختلاف العلماء" (1/ 219)، "معاني الآثار" (1/ 277)، "المجموع" (3/ 445).

في أول الدول كالأموية ونحوها، ممن نال من الآل ما نال كراهية ذكرهم بخير فطواه العلماء تقية وخوفاً، وحملهم على السلامة يقضي بأنهم كانوا يتلفظون بها، ثم جاء المتأخرون فظنوا ذلك هو الشرع، وبه تتم الصلاة المأمور بها، ثم صار عصبية. لو أن عالماً يملي أي كتاب من كتب الحديث، أو الفقه الذي فيه أحاديث ويصلي على الآل ويأتي بالصلاة المشروعة؛ قام عليه سامع ورماه بالابتداع، من باب: (رمتني بدائها وانسلت) فإنه التارك لذكر هو المبتدع بالترك. قوله: "والسلام كما قد علمتم" ضبط بالبناء للفاعل وبالبناء للمفعول. قال البيهقي (¬1): فيه إشارة إلى السلام الذي في التشهد، وهو قوله: "السلام عليك أيها النبي الكريم ورحمة الله وبركاته". انتهى. وتفسير السلام بذلك هو الظاهر، ويأتي الكلام في وجوبها في الصلاة عند الكلام في الصلوات. [قوله: "عن أبي حميد الساعدي" أقول: اسم أبي حميد عبد الرحمن بن سعد بن المنذر أنصاري خزرجي، من بني ساعدة] (¬2). قوله: "وعلى أزواجه وذريته" أقول: استدل بعضهم به بأن المراد بالآل الأزواج والذرية، وأن هذا الحديث فسر الآل الذي في الحديث الأول. وتعقب بأنه ثبت الجمع (¬3) بين الثلاثة كما في حديث [68 ب] أبي هريرة، فيحتمل على أن بعض الرواة حفظ ما لم يحفظ غيره. فالمراد بالآل في التشهد الأزواج ومن حرمت عليهم ¬

_ (¬1) انظر: "السنن الكبرى" (2/ 136، 153). (¬2) زيادة من (أ). (¬3) انظر: "المجموع شرح المهذب" (3/ 446 - 450).

الصدقة، ويدخل فيهم الذرية، فبذلك يجمع بين الأحاديث، وكان الأزواج أفرد بالذكر تنويهاً بهن، وكذا الذرية. واعلم أنه قد اختلف: هل يجوز الترحم عن النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ فجزم ابن عبد البر (¬1) بمنعه فقال: لا يجوز لأحد إذا ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يقول: - رحمه الله -؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "من صلى علي" ولم يقل من ترحم علي، ولا قال من دعا لي، وإن كان معنى الصلاة الرحمة، ولكنه خص هذا تعظيماً له، فلا يعدل عنه إلى غيره، ويؤيده قوله تعالى: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} (¬2) انتهى. وهذا إذا أفردت (¬3) الرحمة، وأما إذا ضمت إلى السلام فجائزة، بل ورد بها النص: "السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته" في دعاء التشهد. وأخرج الطبري في "تهذيبه" عن حنظلة بن علي عن أبي هريرة رفعه بلفظ: "من قال اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وترحم على محمد وعلى آل محمد كما ترحمت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم؛ شهدت له يوم القيامة وشفعت له". قال الحافظ ابن حجر (¬4) [307/ أ]: رجال سنده رجال الصحيح، غير سعيد بن سليمان - مولى سعيد بن العاص الراوي له عن حنظلة بن علي - فإنه مجهول. انتهى. وفي حديث التشهد صحيح غنية عن هذا إذا لم يصح. ¬

_ (¬1) انظر: "الاستذكار" (6/ 261 - 263)، "فتح الباري" (11/ 159 - 160). (¬2) سورة النور: 63. (¬3) ذكره الحافظ في "الفتح" (11/ 159). (¬4) في "فتح الباري" (11/ 159).

قوله: "كعب بن عجرة" (¬1) أقول: هو أبو محمد كعب بن عجرة بن أمية، حليف بني سالم بن عوف الأنصاري. وقيل: هو من نفس (¬2) الأنصار وليس حليفاً لهم، تأخر إسلام كعب وكان له صنم في بيته يكرمه، وكان عبادة بن الصامت صديقاً له، فرصده يوماً، فلما خرج من بيته، دخل عبادة فكسره بالقدوم، ولما جاء كعب ورآه خرج مغضباً يريد أن يشاتم عبادة [69 ب] ثم فكر في نفسه فقال: لو كان عند هذا الصنم طائل لامتنع، فأسلم حينئذٍ. وعجرة: بضم العين المهملة وسكون الجيم وبالراء. واعلم أن [ألفاظ] (¬3) كيفية الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - قد تنوعت وتعددت في روايات الأمهات الست، وقد رأيت جمعها هنا لمن أحب أن يأتي بكل ما ورد. "اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد". "اللهم صل على محمد النبي الأمي وعلى آل محمد، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد". "اللهم صل على محمد النبي الأمي، وأزواجه أمهات المؤمنين، وذريته وأهل بيته، كما صليت على إبراهيم، إنك حميد مجيد". "اللهم صل على محمد عبدك ورسولك، كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد، وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم". ¬

_ (¬1) انظر: "الاستيعاب" رقم (2173)، "التقريب" (2/ 135 رقم 48). (¬2) قاله الواقدي كما في "الاستيعاب" (ص 626 رقم 2173). (¬3) زيادة من (أ).

"اللهم صل على محمد، كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم، إنك حميد مجيد". "اللهم صل على محمد، وأزواجه، وذريته كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد، وعلى أزواجه، وذريته كما باركت على إبراهيم، إنك حميد مجيد". فهذه ألفاظ "الجامع" (¬1) معزوة إلى من أخرجها من أهل الكتب الستة، وكلها من كلامه - صلى الله عليه وسلم - يجيب بها من سأله عن كيفية الصلاة فيقول: قل أو قولوا. قال في "فتح الباري" (¬2): والذي يظهر أن الأفضل لمن يتشهد أن يأتي بأكمل الروايات، أو يقول كلما ثبت هذه مرة، وهذه مرة، أما التلفيق (¬3) [70 ب] يريد الجمع بين الروايات في التشهد؛ فإنه يستلزم إحداث صفة في التشهد، لم ترد مجموعة في حديث واحد. قال ابن القيم (¬4): قد نص الشافعي أن الاختلاف في ألفاظ التشهد ونحوه كالاختلاف في القراءات. ولم يقل أحد من الأمة باستحباب التلاوة بجميع الألفاظ المختلفة في الحرف الواحد من القرآن، وإن كان بعضهم أجاز ذلك عند التعليم للتمرن. ¬

_ (¬1) (4/ 401 - 402). (¬2) (11/ 158)، وانظر: "المجموع شرح المهذب" (3/ 448). (¬3) قال الألباني في "صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - " (ص 176): "الفائدة الخامسة: واعلم أنه لا يشرع تلفيق صيغة صلاة واحدة من مجموع هذه الصيغ، وكذلك يقال في صيغ التشهد المتقدمة، بل ذلك بدعة في الدين، وإنما السنة أن يقول هذا تارة، وهذا تارة، كما بينه شيخ الإسلام ابن تيمية في بحث له في العيدين". (¬4) في "زاد المعاد" (1/ 236 - 237).

قال الحافظ ابن حجر (¬1): والذي يظهر أن اللفظ إن كان بمعنى اللفظ الآخر سواء كما في أزواجه وأمهات المؤمنين؛ فالأولى الاقتصار في كل مرة على أحدهما، وإن كان اللفظ مستقل بزيادة معنى ليس في اللفظ الآخر البتة، فالأولى الإتيان به. ويحمل على أن بعض الرواة حفظ ما لم يحفظ الآخر كما تقدم، وإن كان يزيد على الآخر في المعنى شيئاً ما فلا بأس بالإتيان به احتياطاً. وقالت طائفة منهم الطبري (¬2): إن ذلك من الاختلاف المباح، فأي لفظ ذكره المرء أجزأ، والأفضل أن يستعمل أكمله وأبلغه. قلت: كلام الطبري حسن جداً. وفي "الفتح" (¬3) أيضاً: وادعى ابن القيم (¬4) أن أكثر الأحاديث، بل كلها مصرحة بذكر محمد وآل محمد، وبذكر آل إبراهيم فقط، قال: ولم يجيء في حديث صحيح بلفظ إبراهيم وآل إبراهيم معاً، ثم ذكر من أوجه بلفظ: إبراهيم وآل إبراهيم معاً، وضعف روايته. قال ابن حجر (¬5) بعد نقل كلامه. قلت: وغفل عما وقع في "صحيح البخاري" (¬6) في أحاديث الأنبياء في ترجمة إبراهيم، وساق سنده فيه: "كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد". ¬

_ (¬1) في "فتح الباري" (11/ 158). (¬2) ذكره الحافظ في "فتح الباري" (11/ 158). (¬3) (11/ 158). (¬4) في "جلاء الأفهام" (ص 232 - 238). (¬5) في "فتح الباري" (11/ 159). (¬6) في صحيحه رقم (3369) وطرفه (6360).

وكذا في قوله: "كما باركت"، ثم ساق روايات في ذلك ثبت بذكر إبراهيم وآل إبراهيم، وقد قدمنا ألفاظ الكتب الستة، وفيها روايات بذكر إبراهيم وآل إبراهيم. [308/ أ]. 2 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاَةً وَاحِدَةً صَلَّى الله عَلَيْهِ عَشْرَ صَلَوَاتٍ، وَحُطَّتْ عَنْهُ عَشْرُ خَطِيئَاتٍ، وَرُفِعَتْ لَهُ عَشْرُ دَرَجَاتٍ". أخرجه النسائي (¬1). [صحيح] وله (¬2) في أخرى عن أبي طلحة - رضي الله عنه -: جَاءَ - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ يَوْمٍ وَالبِشْرُ فِي وَجْهِهِ، فَقُلْنَا: إِنَّا لَنَرَى البُشْرَى فِي وَجْهِكَ؟ فَقَالَ: "إِنَّهُ أَتَانِي المَلَكُ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ رَبَّكَ يَقُولُ: أَمَا يُرْضِيكَ أَنْ لاَ يُصَلِّي عَلَيْكَ أَحَدٌ إِلاَّ صَلَّيْتُ عَلَيْهِ عَشْرًا، وَلاَ يُسَلِّمُ عَلَيْكَ أَحَد إِلاَّ سَلَّمْتُ عَلَيْهِ عَشْرًا". [حسن لغيره]. قوله: في حديث أنس: صلى الله عليه عشر صلوات". ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (1297). وأخرجه أحمد في مسنده (3/ 102، 103)، والنسائي في "عمل اليوم والليلة" رقم (62، 362، 363)، وابن حبان رقم (904)، والحاكم (1/ 550)، والبيهقي في "شعب الإيمان" رقم (1554)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (1365)، وهو حديث صحيح. (¬2) أي للنسائي في "السنن" رقم (1295). وأخرجه أحمد في مسنده (4/ 29، 30)، والنسائي في "الكبرى" رقم (1206)، وفي "عمل اليوم والليلة" رقم (60)، والحاكم (2/ 420)، وابن أبي شيبة (2/ 516)، والدارمي (2/ 317)، والطبراني في "الكبير" رقم (4724)، وفي "الأوسط" رقم (4228) من طرق، وهو حديث حسن لغيره.

أقول: تقدم أنه أخرج ابن أبي حاتم (¬1) عن أبي العالية [76 ب] في قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ} (¬2) قال: صلاة الله ثناؤه, وصلاة الملائكة الدعاء. وأخرج عبد بن حميد (¬3) عن عكرمة: صلاة الرب الرحمة، وصلاة الملائكة الاستغفار. وأخرج ابن أبي حاتم (¬4) عن سعيد بن جبير في الآية قال: يصلي عليكم: يغفر لكم، وتستغفر لكم ملائكته، فالمراد بصلاة الله عليه عشراً: إنه يغفر له عشرة ذنوب، ويكون قوله: "وحطت عنه عشر خطيئات" عطف تفسيري، ورفعت عشر درجات, أي: في الجنة، كما أخرج ابن أبي حاتم (¬5)، وابن مردويه (¬6)، عن عبادة بن الصامت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "الجنة مائة درجة، ما بين كل درجتين منها كما بين السماء والأرض". قوله: "في حديث أبي طلحة" أقول: اسمه زيد (¬7) بن سهل الأنصاري، غلبت عليه كنيته، فبها يعرف، صحابي مشهور. قوله: "الملك" الظاهر أنه جبريل - عليه السلام -، فهو المعروف بالسفارة بالوحي بين الله ورسوله. ¬

_ (¬1) في تفسيره (9/ 3139 رقم 17704). (¬2) سورة الأحزاب: 43. (¬3) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (6/ 622). (¬4) في تفسيره (9/ 4139 رقم 17705). (¬5) لم أجده في تفسيره، ولم يعزه السيوطي في "الدر المنثور" (5/ 467) لابن أبي حاتم. (¬6) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (5/ 467). وأخرجه أحمد في مسنده (5/ 316)، وابن أبي شيبة (13/ 138)، وعبد بن حميد رقم (182)، والواحدي في تفسيره (3/ 171 - الوسيط)، والحاكم (1/ 80)، وهو حديث صحيح. (¬7) انظر: "التقريب" (1/ 275 رقم 184).

قوله: "إلا سلمت عليه عشراً" يحتمل أن المراد بالصلاة والسلام أنه يكتب له بكل صلاة عشر صلوات وبالسلام كذلك، ثم تضاعف الحسنة بعشر أمثالها، فتكون مائة صلاة ومائة سلام، يكتب له أجرها. 3 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قَالَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَوْلَى النَّاسِ بِي يَوْمَ القِيَامَةِ أَكْثَرُهُمْ عَلَيَّ صَلاَةً". أخرجه الترمذي (¬1). [حسن لغيره] وله (¬2) في أخرى عن علي - رضي الله عنه - قال: قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "البَخِيلُ مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فلَمْ يُصِلِّ عَلَيَّ". [صحيح] 4 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّ لله مَلاَئِكَةً سَيَّاحِينَ فِي الأَرْضِ يُبَلِّغُونِي عَنْ أُمَّتِي السَّلاَمَ". أخرجه النسائي (¬3). [صحيح] قوله: "في حديث ابن مسعود: أولى الناس بي يوم القيامة" أي: أقربهم إلي، أو أحقهم بشفاعتي أكثرهم صلاة علي، والإكثار لا نهاية له. قوله: "أخرجه الترمذي" قلت: وقال [72 ب]: "حديث حسن غريب". قوله: "في حديث علي: البخيل من ذكرت عنده فلم يصل علي" وذلك لأنه بخل بأيسر شيء وهو تحريك شفتيه ولسانه بالقول يناله به أجراً كثيراً، فأي بخلٍ أشد من هذا؟ ولذا قيل: ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (484)، وأخرجه ابن حبان في صحيحه رقم (911)، وهو حديث حسن لغيره. (¬2) أخرجه الترمذي رقم (3546)، والحاكم (1/ 549)، والنسائي في "عمل اليوم والليلة" رقم (56)، وابن حبان (909)، وهو حديث صحيح. (¬3) في "السنن" (3/ 43)، وفي "عمل اليوم والليلة" رقم (66)، وأخرجه أحمد (1/ 387، 441، 452)، وابن حبان رقم (914)، والبيهقي في "شعب الإيمان" رقم (1582)، والحاكم (2/ 421)، والدارمي (2/ 317)، والطبراني في "الكبير" رقم (10529، 10530)، وعبد الرزاق في مصنفه رقم (3116)، وهو حديث صحيح.

وأهون ما يعطي الصديق صديقه ... من الهين الموجود أن يتكلما واعلم أن أحاديث فضل الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - واسعة، وفيها كتب معروفة، وفيها ما هو صحيح، وما هو حسن، وما هو ضعيف، كما هو معروف. فائدة: قال الحليمي (¬1): المقصود بالصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - التقرب إلى الله بامتثال أوامره وقضاء حق النبي - صلى الله عليه وسلم -. وتبعه ابن عبد السلام (¬2) فقال: ليست صلاتنا على النبي - صلى الله عليه وسلم - شفاعة له، فإن مثلنا لا يشفع لمثله، ولكن الله أمرنا بمكافأة من أحسن إلينا، فإن عجزنا عنها كافيناه بالدعاء، فأرشدنا الله لما علم عجزنا عن مكافأة نبينا - صلى الله عليه وسلم - إلى الصلاة. وقال ابن العربي (¬3): فائدة الصلاة عليه ترجع إلى الذي يصلي عليه، لدلالة ذلك على صلاح العقيدة، وخلوص النية، وإظهار المحبة والمداومة على الطاعة، والاحترام للواسطة الكريمة - صلى الله عليه وسلم -. واعلم أنه قد تمسك بحديث علي - عليه السلام - وما في معناه، على وجوب الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - كلما ذكر. [73 ب]. قالوا: ومن علامات الوجوب من حيث المعنى: أن فائدة الصلاة المكافأة على إحسانه، وإحسانه مستمر فيتأكد إذا ذكر. وأجاب من لم يوجبه كلما ذكر بأجوبة، منها: - أنه قول لا يعرف عن أحد من الصحابة ولا التابعين، فهو قول مخترع، ولو كان ذلك على عمومه للزم المؤذن إذا أذن وكذا سامعه، وللزم القارئ إذا مر ذكره في القرآن، وللزم ¬

_ (¬1) في "الشعب" (2/ 133 - 134). (¬2) ذكره الحافظ في "فتح الباري" (11/ 168). (¬3) في "عارضة الأحوذي" (2/ 269).

الداخل في الإسلام إذا تلفظ بالشهادتين، ولكان في ذلك من المشقة والحرج ما جاءت الشريعة السمحة بخلافه، ولكان الثناء على الله كلما ذكر أحق بالوجوب ولم يقولوا به (¬1). وقال بعض الحنفية (¬2): إن القول بالوجوب كلما ذكر؛ مخالف للإجماع المنعقد قبل قائله؛ لأنه لا يحفظ عن أحد من الصحابة أنه خاطب النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولأنه لو كان كذلك لم يتفرغ السامع لعبادة أخرى. وأجابوا (¬3) عن حديث البخيل ونحوه من أحاديث (¬4) الوعيد على من ترك الصلاة عليه عند ذكره: بأنها خرجت للمبالغة في تأكيد ذلك وطلبه، وفي حق من اعتاد ترك الصلاة عليه. وعلى الجملة (¬5): فلا دليل على وجوب تكرير الصلاة عليه بتكرر ذكره في المجلس الواحد. ¬

_ (¬1) قاله الحافظ في "الفتح" (11/ 168). (¬2) ذكره الحافظ في "الفتح" (11/ 168) عن القدوري وغيره من الحنفية. (¬3) ذكره الحافظ في "الفتح" (11/ 169). (¬4) انظر: "جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام" (ص 19). (¬5) ذكره الحافظ في "فتح الباري" (11/ 169).

كتاب: الديات

كتاب: الديات [وفيه: ستة فصول] (¬1) الفصل الأول: في دية النفس 1 - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ قُتِلَ خَطَأً فَدِيَتُهُ مِنَ الإِبِلِ مِائَةٌ: ثَلاَثُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ، وَثَلاَثُونَ بِنْتُ لَبُونٍ، وَثَلاَثُونَ حِقَّةً، وَعَشَرَةُ ابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ". أخرجه أصحاب السنن (¬2). [حسن] إلا أن في رواية الترمذي (¬3): "مَنْ قَتَلَ مُتَعَمِّدًا دُفِعَ إِلَى أَوْليَاءِ المَقْتُولِ، فَإِنْ شَاءُوا قَتَلُوا، وَإِنْ شَاءُوا أَخَذُوا الدِّيَةَ, وَهِيَ: ثَلاَثُونَ حِقَّةً، وَثَلاَثُونَ جَذَعَةً، وَأَرْبَعُونَ خَلِفَةً، وَمَا صُولِحُوا عَلَيْهِ فَهُوَ لهُمْ". وَذَلِكَ تَشْدِيدِ العَقْلِ. [حسن] والمراد "بِالعَقلِ" (¬4): هنا الدية، ولما كان القاتل يجمعها ويعقلها بفناء أولياء المقتول ليتقبلوها منه سميت عقلاً. أقول: بتخفيف التحتية، جمع دية (¬5) مثل عدة، وعدات [74 ب] وأصلها: ودية بفتح الواو وسكون الدال، يقال: ودى القتيل يديه، إذا أعطى وليه ديته، وهي ما يحصل في مقابلة النفس سمي دية تسمية بالمصدر، وفاؤها محذوفة والهاء عوض. قوله: "الفصل الأول في [309/ أ] دية النفس". ¬

_ (¬1) زيادة من (ب). (¬2) أخرجه أبو داود رقم (4541)، وابن ماجه رقم (2630)، والنسائي رقم (4801). وأخرجه الدارقطني (3/ 176)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (8/ 74)، وهو حديث حسن. (¬3) في "السنن" رقم (1387)، وهو حديث حسن. (¬4) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 239)، "غريب الحديث" للهروي (3/ 210). (¬5) انظر: "المجموع المغيث" (3/ 401)، "النهاية في غريب الحديث" (2/ 837).

زاد ابن الأثير (¬1) في الترجمة: وتفصيلها، وفيه فرعان: الفرع الأول: في دية المسلم الحر الذكر، ثم ذكر حديث عمرو بن شعيب الذي أتى به المصنف. قوله: "ثلاثون بنت مخاض" أقول: صفة "لثلاثون" فتأويل ثلاثون ببعض، كأنه قيل: بعض بنت لبون فلم يقل بنات. وفي "النهاية" (¬2): والمخاض اسم للنوق الحوامل، وبنات المخاض، وابن المخاض، ما دخل في السنة الثانية؛ لأن أمه لحقت بالمخاض، أي: الحوامل، وإن لم تكن حاملاً. وقيل: هو الذي حملت أمه أو حملت الإبل التي فيها أمه وإن لم تحمل هي، وهذا هو معنى ابن مخاض وبنت مخاض؛ لأن الواحد لا يكون ابن نوق وإنما يكون ابن ناقة واحدة. والمراد أن يكون [والمراد أن تكون] (¬3) قد وضعتها أمها في وقت ما، وقد حملت النوق التي وضعت مع أمها، وإن لم تكن أمها حاملاً فنسبها إلى الجماعة بحكم مجاورتها أمها، وإنما سمي ابن مخاض في السنة الثانية؛ لأن العرب إنما كانت تحمل الفحول على الإناث بعد وضعها بسنة، ليشتد ولدها ويمخض، فيكون [ولدها] (¬4) ابن مخاض. قوله: "بنت لبون" أقول: وفيها أيضاً بنت لبون (¬5) وابن لبون، هما من الإبل: ما أتى عليه سنتان [75 ب] ودخل في الثالثة، فصارت أمه لبوناً، أي: ذات لبن؛ لأنها تكون قد حملت حملاً آخر ووضعته. ¬

_ (¬1) في "الجامع" (4/ 408). (¬2) (2/ 641). (¬3) زيادة من (ب). (¬4) زيادة من (أ). (¬5) "غريب الحديث" للهروي (3/ 71)، "المجموع المغيث" (3/ 71).

قوله: "حقه" (¬1) أقول: بكسر الحاء المهملة وتشديد القاف، وفيها أيضاً. الحقة من الإبل: ما دخل في السنة الرابعة إلى آخرها، سمي بذلك؛ لأنه استحق الركوب والتحميل، وتجمع على حقاق وحقائق. انتهى. واعلم أنه قال الخطابي (¬2): إنه لا يعلم أحد من الفقهاء قال بأن دية الخطأ أثلاث كما أفاده الحديث هذا، قال: وإنما قال أكثر العلماء: إن دية الخطأ أخماس، كذلك قال أصحاب الرأي (¬3) والثوري (¬4)، وكذلك قال مالك (¬5) والشافعي (¬6) وأحمد (¬7): إلا أنهم اختلفوا في الأصناف، فقال أصحاب الرأي (¬8) وابن حنبل (¬9): خمس بنو مخاض، وخمس بنات لبون، وخمس بنو لبون، وخمس حقاق، وخمس جذاع، وروي ذلك عن ابن مسعود (¬10). وقال مالك (¬11) والشافعي (¬12): خمس حقاق، وخمس جذاع، وخمس بنات لبون، وخمس بنات مخاض، وخمس بنو لبون، وحكي هذا عن عمر بن عبد العزيز والزهري. ¬

_ (¬1) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 405). (¬2) في "معالم السنن" (4/ 678 مع السنن). (¬3) "الهداية" (4/ 523)، "مختصر الطحاوي" (ص 232). (¬4) ذكره ابن قدامة في "المغني" (12/ 19). (¬5) في "عيون المجالس" (5/ 2015 - 2016). (¬6) انظر: "روضة الطالبين" (9/ 256). (¬7) في "المغني" (12/ 6 - 7). (¬8) انظر: "الهداية" (4/ 523)، "البناية في شرح الهداية" (12/ 208). (¬9) "المغني" (12/ 8 - 12). (¬10) أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (9/ 288)، والبيهقي في "السنن" (8/ 74). (¬11) "الإشراف" لعبد الوهاب (2/ 188)، "عيون المجالس" (5/ 2017). (¬12) "البيان" للعمراني (11/ 481 - 482).

وإنما عدل الشافعي عن رواية ابن مسعود (¬1)؛ لأن أحد رواتها (خشف بن مالك) وهو مجهول لا يعرف إلا بهذا الحديث، ولأن عد بني مخاض ولا مدخل لبني مخاض في شيء من أسنان الصدقات. انتهى. قلت: لو ثبت الحديث لما ضره أنه لا مدخل لبني المخاض في الصدقات، إذ كلامنا في الديات. قوله: "في الرواية الأخرى: ثلاثون جذعة" أقول: "في النهاية" (¬2): الجذع من الإبل؛ ما دخل في السنة الخامسة، ومن البقر والمعز ما دخل في السنة [الثانية، وقيل: البقر في] (¬3) الثالثة، ومن الضأن ما تمت له سنة [76 ب]، وقيل: أقل منها، ومن الناس من يخالف بعض هذا التقدير. قوله: "خلفة" (¬4) أقول: بفتح الخاء المعجمة واللام، الحامل من النوق، ويجمع على خلفات وخلائف، وقد خلفت إذا حملت، وأخلفت إذا حالت. انتهى. قوله: "وذلك لتشديد العقل" أقول: هذا آخر لفظ الحديث في "الجامع" (¬5). فقول المصنف: والمراد بالعقل إلى آخره؛ مدرج من كلامه وليس من كلام الترمذي، وقال (¬6) الترمذي بعد إخراجه: "حسن غريب". ¬

_ (¬1) قال البيهقي في "السنن الكبرى" (8/ 75): خشف بن مالك مجهول. وانظر: "مختصر السنن" للمنذري (6/ 350 - 351). (¬2) (1/ 246). وانظر: "تفسير غريب ما في الصحيحين" (61/ 1). (¬3) زيادة من (أ). (¬4) "المجموع المغيث" (1/ 608)، "النهاية في غريب الحديث" (1/ 523). (¬5) (4/ 409). (¬6) في "السنن" (4/ 12).

2 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قَالَ رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "فِي دِيَةِ الخَطَإِ عِشْرُونَ حِقَّةً، وَعِشْرُونَ جَذَعَةً، وَعِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ، وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ، وَعِشْرُونَ بَنِي مَخَاضٍ ذُكُورٍ". أخرجه أصحاب السنن (¬1). [ضعيف] قوله: "وعن ابن مسعود" أقول: تقدم تفسير ما فيه، وتقدم أن فيه راوياً مجهولاً. لفظ الحديث في الترمذي (¬2) عن ابن مسعود: "وقضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في دية الخطأ عشرين ابنة مخاض ذكور، وعشرين بنت لبون، وعشرين جذعة وعشرين حقة" هذا لفظه، ثم قال (¬3): "حديث ابن مسعود لا نعرفه مرفوعاً إلا من هذا الوجه، وقد روي موقوفاً، وقد ذهب بعض أهل العلم إلى هذا، وهو قول أحمد وإسحاق، وقد أجمع أهل العلم على أن الدية تؤخذ في ثلاث سنين" وقال: "حديث عبد الله بن عمرو؛ حسن غريب". ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود رقم (4545)، والترمذي رقم (1386)، والنسائي رقم (4802)، وابن ماجه رقم (2631)، وهو حديث ضعيف. وأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (9/ 133)، والدارقطني (3/ 173)، والبيهقي (8/ 75). قلت: وفي سنده حجاج بن أرطأة: مدلس وقد عنعن، وخشف - وهو ابن مالك - جهله غير واحد. وذكره ابن حبان في "الثقات". وقال أبو داود: وهو قول عبد الله. وقال البيهقي: يعني إنما رُوى من قول عبد الله موقوفاً غير مرفوع. وأخرجه موقوفاً عبد الرزاق في مصنفه رقم (17238)، وابن أبي شيبة في مصنفه (90/ 134)، والطبراني في "الكبير" رقم (9730)، والدارقطني في "السنن" (3/ 173 - 184)، وإسناده حسن. (¬2) في "السنن" رقم (1386)، وهو حديث ضعيف. (¬3) في "السنن" (4/ 11).

قال في "الجامع" (¬1): قال أبو داود (¬2): وهو قول عبد الله. انتهى. يريد أنه مذهب عبد الله ابن مسعود. قال الترمذي (¬3): وقد روي عنه موقوفاً. 3 - وعن علي - رضي الله عنه - قال: "دِيَةُ شِبْهِ العَمْدِ أَثَلاَثاً، ثَلاَثٌ وَثَلاَثُونَ حِقَّةً، وَثَلاَثٌ وَثَلاَثُونَ جَذَعَةً، وَأَرْبَعٌ وَثَلاَثُونَ ثَنِيَّةً إِلَى بَازِلِ عَامِهَا كُلُّهَا خَلِفَاتُ". وروي: فِي الخَطَإِ أَرْبَاعًا: خَمْسٌ وَعِشْرُونَ حِقَّةً، وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ جَذَعَةً، وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ بَنَاتِ لَبُونٍ، وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ بَنَاتِ مَخَاضٍ. أخرجه أبو داود (¬4). [ضعيف] وله (¬5) وللنسائي (¬6) في أخرى عن ابن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - يرفعه: "الخَطَأُ شِبْهِ العَمْدِ مَا كَانَ بِالسَّوْطِ وَالعَصَا". [حسن] قوله: "وعن علي - عليه السلام -: فيه شبه العمد" أقول: "في النهاية" (¬7) شبه العمد أن ترمي إنساناً بشيء ليس من عادته أن يقتل مثله، وليس من غرضك قتله، فيصادف قضاءً وقدراً فيقع في مقتل فيقتل، فتجب فيه الدية دون القصاص. انتهى. ¬

_ (¬1) (4/ 410) (¬2) في "السنن" (4/ 680). (¬3) في "السنن" (4/ 11). (¬4) في "السنن" (4551)، وهو حديث ضعيف. (¬5) أخرجه أبو داود رقم (4588). (¬6) في "السنن" رقم (4791). وأخرجه أحمد (2/ 164)، وابن ماجه رقم (2627)، والطحاوي في "مشكل الآثار" رقم (4946)، والدارقطني (3/ 104)، والبيهقي (8/ 44)، وهو حديث حسن. (¬7) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 841).

ويأتي تفسيره مرفوعاً بأنه ما كان بالسوط والعصا. قوله: "أثلاثاً" أقول: كذا الرواية [77 ب] بالنصب، على تقدير يكون: أو مسلم، أو يجعل وإلا فكان الظاهر الرفع، خبر دية. قوله: "ثنية إلى بازل" أقول: في "النهاية" (¬1) الثنية من الإبل؛ ما دخل في السنة السادسة والبازل من الإبل؛ الذي تم له ثماني سنين، ودخل في التاسعة، وحينئذٍ يطلع نابه وتكمل قوته، ثم يقال له بعد ذلك: بازل (¬2) عام وبازل عامين. انتهى. قوله: "كلها خلفات" المراد ما عدا البازل؛ فإنه اسم للمذكر، ويحتمل أن المراد إلى بازل أي: منتهية الثنية إلى سن البازل، فيكون الوصف عاماً. قوله: "أخرجه أبو داود" قلت: موقوفاً كما ساقه المصنف. واعلم أنه قد أخرج أبو داود (¬3) والنسائي (¬4) عن ابن عمرو بن العاص مرفوعاً بلفظ: "ألا إن دية الخطأ شبه العمد؛ ما كان بالسوط والعصا [310/ أ] مائة من الإبل، منها أربعون في بطونها أولادها". ومثله أخرجه النسائي، وفي رواية لأبي داود (¬5): عقل شبه العمد مغلظة مثل عقل العمد ولا يقتل صاحبه. 4 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده - رضي الله عنهما - قال: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "عَقْلُ المَرْأَةِ مِثْلُ عَقْلِ الرَّجُلِ حَتَّى تَبْلُغَ الثُّلُثَ مِنْ دِيَتهِ". ¬

_ (¬1) (1/ 222). (¬2) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (1/ 131). (¬3) في "السنن" رقم (4588)، وهو حديث حسن. (¬4) في "السنن" رقم (4791). (¬5) في "السنن" رقم (4547)، وهو حديث صحيح.

أخرجه النسائي (¬1). [ضعيف] قوله: "وعن عمرو بن شعيب" هذا أول حديث في "الجامع" (¬2) في الفرع الثاني، فإنه جعل قتل المرأة والمكاتب والمعاهد والذمي فرعاً ثانياً، وخص الأول بالذكر كما ذكرناه آنفاً. قوله: "في حديث عمرو بن شعيب: حتى يبلغ الثلث من ديته" أقول: في "النهاية" (¬3): فإذا جاوزت الثلث وبلغ العقل نصف الدية؛ صارت دية المرأة على النصف من دية الرجل. انتهى. قلت: بنى هذا التفسير على مذهب الشافعي [78 ب] في قوله القديم، ولكنه قال الرافعي في "العزيز" (¬4) الأنوثة ترد إلى الشطر، لما روى عمرو بن حزم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "دية المرأة نصف دية الرجل" (¬5) ويروى ذلك عن عمر، وعثمان، وعلي، والعبادلة: ابن مسعود، وابن عمر، وابن عباس. وكما أن دية المرأة على النصف فدية أطرافها وجراحاتها على النصف من دية أطراف الرجل وجراحاته. وبه قال أبو حنيفة (¬6) اعتباراً للأجزاء بالجملة. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (4805). وأخرجه الدارقطني في "السنن" (3/ 91 رقم 38). وهو حديث ضعيف؛ لأنه من رواية إسماعيل بن عياش عن غير الشاميين، فإن ابن جريج حجازي مكي، وقد قال يحيى بن معين: هو ثقة فيما روى عن الشاميين. (¬2) (4/ 415 رقم 2489). (¬3) (2/ 239). (¬4) "العزيز شرح الوجيز" المعروف بالشرح الكبير، لأبي القاسم عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم الرافعي القزويني الشافعي (ت: 623 هـ)، (10/ 327 - 328). (¬5) أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (8/ 96) وفيه انقطاع. (¬6) انظر: "الهداية" (4/ 523).

قال (¬1): وفي القديم قول أن المرأة تعاقل الرجل إلى ثلث الدية، أي: تساويه في العقل، فإذا زاد الواجب على الثلث صارت على النصف، لما روي أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "عقل المرأة كعقل الرجل إلى ثلث الدية". قال: وعلى هذا يجب في إصبع من أصابعها عشر من الإبل، وفي إصبعين عشرون، وفي ثلاث ثلاثون، وفي أربع عشرون على النصف مما يجب في الرجل؛ لأن الواجب في الأربع يزيد على الثلث، ويروى هذا عن مالك وأحمد، ويروى عنهما أنها تعاقله فيما دون الثلث، وفي الثلث وما فوقه على النصف. والقول القديم مرجوع عنه؛ لأن الشافعي قال: كان مالك يذكر أنه السنة وكنت أتابعه عليه، وفي نفسي منه [شبهه] (¬2) حتى علمت أنه يريد سنة أهل المدينة فرجعت عنه. هذا كلام "العزيز" ببعض تلخيص. 5 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما -: "أَنَّ رَسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَضَى فِي المُكَاتَبِ يُقْتَلُ أَنْ يُؤَدَّى بِقَدْرِ مَا أُعْتِقَ مِنْهُ دِيَةَ الحُرِّ، وَبِقَدْرِ مَا بَقِيَ دِيَةُ العَبْدِ". أخرجه أصحاب السنن (¬3)، واللفظ للنسائي. [صحيح] قوله: "في حديث ابن عباس: أن يودَّى بقدر ما أعتق منه دية الحر". أقول: المراد أن المكاتب إذا جنى عليه وقد أدى بعض كتابته؛ فإن الجاني عليه يدفع إلى ورثته بقدر ما كان أدى من كتابته دية حر، ويدفع إلى مولاه بقدر ما بقي من كتابته دية عبد، كأن كاتب على ألف وقيمته مائة، فأدى خمس مائة ثم قتل، فلورثته خمسة آلاف أو ستة آلاف ¬

_ (¬1) الرافعي في "العزيز شرح الوجيز" (10/ 328). (¬2) كذا في المخطوط، والذي في "العزيز": "شيء". (¬3) أخرجه أبو داود رقم (4581)، والترمذي رقم (1259)، والنسائي رقم (4808، 4812). وأخرجه أحمد (1/ 260، 263، 292)، والطيالسي (1/ 245 رقم 209 - منحة المعبود)، وابن الجارود في "المنتقى" رقم (982)، والحاكم (2/ 218)، والبيهقي (10/ 326)، وهو حديث صحيح.

نصف دية حر، ولسيده خمسون نصف قيمته، وهو مذهب النخعي، ويروى عن - عليه السلام - شيء منه. وأجمع العلماء على أن المكاتب عبد ما بقي عليه درهم (¬1). [79 ب]. قوله: "وبقدر ما بقي دية العبد" أقول: جعل في "الجامع" (¬2) هذه بعض الروايات، ولفظه بعد قوله: "دية الحر" (¬3)، زاد في رواية (¬4): "وما بقي دية الحر". قال: وفي أخرى (¬5): "أن مكاتباً قتل على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأمر أن يودى ما أدى دية الحر وما بقي دية المملوك"، وفي رواية (¬6): "إذا أصاب المكاتب حداً أو ورث ميراثاً؛ يرث على قدر ما عتق منه". قال أبو داود: وروي (¬7) عن عكرمة عن علي - عليه السلام - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. ¬

_ (¬1) أخرج أحمد (2/ 178، 206، 209)، وأبو داود رقم (3927)، والترمذي رقم (1260) وقال: حديث حسن غريب، وابن ماجه رقم (2519) عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أيما عبدٍ كوتب بمائة أوقية فأداها إلا عشر أوقيَّات فهو رقيق"، وهو حديث حسن. وأخرجه أبو داود رقم (3926)، والبيهقي في "السنن" (10/ 324) بلفظ: "المكاتب عبد ما بقي عليه من مكاتبته درهم" وهو حديث حسن. (¬2) (4/ 415 - 416). (¬3) أخرجه أبو داود رقم (4583)، وابن ماجه رقم (2644)، والترمذي رقم (1413)، والنسائي (4806)، وهو حديث حسن. (¬4) أخرجه أبو داود رقم (4581)، والترمذي رقم (1259)، والنسائي رقم (4808 - 4812)، وهو حديث صحيح. (¬5) أخرجه النسائي في "الكبرى" رقم (5000) موصولاً، ورقم (5005) مرسلاً. (¬6) أخرجه أبو داود رقم (4582)، والترمذي رقم (1259)، وهو حديث صحيح. (¬7) أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (10/ 325، 326).

وروي (¬1) عن عكرمة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -[له] (¬2) وجعله بعضهم من قول عكرمة. انتهى. 6 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده - رضي الله عنه - قال: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "دِيَةُ المُعَاهِدِ نِصْفُ دِيَةِ الحُرِّ". أخرجه أبو داود (¬3). [حسن] 7 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: وَدَى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - العَامِرِيَّيْنِ بِدِيَةِ المُسْلِمِينَ، وَكَانَ لَهُمَا عَهْدٌ مِنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -. أخرجه الترمذي (¬4). [إسناده ضعيف] قوله: "العامريين" أقول: رجلين من بني عامر، وهما اللذان قتلهما عمرو بن أمية الضمري وصاحبه، ولم يعلما أن لهما عهداً. قوله: "أخرجه الترمذي" قلت: وقال (¬5): "غريب". 8 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "عَقْلُ أَهْلِ الذِّمَّةِ نِصْفُ عَقْلِ المُسْلِمِينَ" وَهُمُ اليَهُودُ وَالنَّصَارَى. أخرجه النسائي (¬6). [حسن] 9 - وعنه أيضاً عن أبيه عن جده - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "عَقْلُ الكَافِرِ نِصْفُ عَقْلِ المُؤْمِنِ". أخرجه الترمذي (¬7). [حسن] ¬

_ (¬1) أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (10/ 324 - 325). (¬2) زيادة من (أ). (¬3) في "السنن" رقم (4583)، وهو حديث حسن. (¬4) في "السنن" (1404) وقال: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. قلت: إسناده ضعيف؛ لأن سعيد بن المرزبان أبو سعيد البقال لا يحتج به. (¬5) في "السنن" (4/ 20). (¬6) في "السنن" (4807). وأخرجه أحمد (2/ 183)، والترمذي رقم (1413) وقال: هذا حديث حسن. (¬7) في "السنن" رقم (1413). =

الفصل الثاني: في دية الأعضاء والجراح العين

قوله: "في حديث عمرو بن شعيب: وهم اليهود والنصارى" أقول: هذا مدرج من كلام الراوي، وهذا يعارض حديث العامريين، إلا أنه يقال: أنه - صلى الله عليه وسلم - زاد في ديتهما تأليف لقبيلتهما. قوله: "دية عقل الكافر" أقول: كذا في الرواية، والدية هي العقل، فالإضافة بيانية أي: دية هي العقل. قوله: "أخرجه الترمذي" وقال (¬1): حسن. الفصل الثاني: في دية الأعضاء والجراح العين 1 - عن سليمان بن يسار: أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ - رضي الله عنه - كَانَ يَقُولُ فِي العَيْنِ القَائِمَةِ إِذَا طَفِئَتْ مِائَةُ دِينَارٍ. أخرجه مالك (¬2). [موقوف صحيح] قوله: "الفصل الثاني في دية الأعضاء والجوارح". في نسخة: "والجراح" وهي عبارة ابن الأثير (¬3). قوله: "في حديث زيد بن ثابت: أن في العين مائة دينار". [80 ب]. أقول: هذا موقوف على زيد، وفي كتاب عمرو بن حزم (¬4) مرفوعاً: "وفي العينين الدية" انتهى. ¬

_ = وأخرجه أحمد (2/ 183)، والنسائي رقم (4806)، وابن ماجه رقم (2644)، وهو حديث حسن. (¬1) في "السنن" (3/ 525). (¬2) في "الموطأ" (2/ 857). (¬3) في "الجامع" (4/ 417). (¬4) أخرجه النسائي في "السنن" رقم (4853)، وهو حديث صحيح لغيره.

قالوا: وهو مجمع عليه (¬1)، وفي إحداهما نصف الدية، وهذا إذا اختار المجني عليه الدية، وإلا فالواجب القصاص؛ لقوله: {وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ} (¬2)، وعن أحمد بن حنبل (¬3): أنه لا قود. 2 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده - رضي الله عنهما - قال: قال رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "فِي العَيْنِ القَائِمَةِ السَّادَّةِ لِمَكَانِهَا ثُلُثُ الدِّيَةِ". أخرجه أبو داود (¬4) والنسائي (¬5). [حسن] وفي رواية النسائي (¬6): "قَضَى فِي العَيْنِ العَوْرَاءِ السَّادَّةِ لِمَكَانِهَا إِذَا طُمِسَتْ بِثُلُثِ الدِّيَةِ". [حسن] "القَائِمَةُ": هي التي تكون بحالها في موضعها إلا أنها لا تبصر (¬7). "وَالسَّادَّةُ لِمَكانِهَا" غير فارغ منها، وإنما ذهب ضياؤها (¬8). قوله: "في حديث عمرو بن شعيب: في العين القائمة السادة لمكانها". أقول: في "النهاية" (¬9): وفي حديث عمرو في العين القائمة ثلث الدية، هي الباقية في موضعها صحيحة وإنما ذهب نظرها وإبصارها. انتهى. ¬

_ (¬1) انظر: "المغني" (2/ 106)، و"الإشراف" لابن المنذر (2/ 152 رقم 1253). (¬2) سورة المائدة: 45. (¬3) انظر: "المغني" (2/ 106). (¬4) في "السنن" رقم (4567). (¬5) في "السنن" رقم (4840). وهو حديث حسن. (¬6) في "السنن" رقم (4840). (¬7) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (4/ 418 - 419). (¬8) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (4/ 419). (¬9) (1/ 504).

الأضراس

قوله: "وفي العين العوراء" أقول: أي صارت عوراء وذهب ضياؤها بالجناية، لتوافق الرواية الأولى، فأما إذا لم يكن له إلا عين واحدة، فذهب الهادي (¬1) و [311/ أ] الحنفية (¬2)، والشافعية (¬3)، إلى أن الواجب فيها، أي: في العوراء نصف الدية، قالوا: إذ لم يفصل الدليل. وهو حديث عمرو بن حزم (¬4)، وقياساً على من له يد واحدة؛ فإنه ليس له إلا نصف الدية، وهو مجمع عليه، وذهب جماعة من الصحابة (¬5) ومالك (¬6) وأحمد (¬7) إلى أن الواجب فيها دية كاملة؛ لأنها في معنى العينين (¬8). الأضراس 1 - عن ابن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال: قَالَ رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "فِي الأَسْنَانِ خَمْسٌ خَمْسٌ". أخرجه أبو داود (¬9). [حسن] ¬

_ (¬1) "البحر الزخار" (5/ 277). (¬2) "البناية في شرح الهداية" (12/ 226 - 227). (¬3) "البيان" للعمراني (11/ 515)، "روضة الطالبين" (9/ 272). (¬4) تقدم، وهو حديث صحيح لغيره. (¬5) أخرج عبد الرزاق في "المصنف" رقم (17422)، والبيهقي في "السنن" (1/ 94) عن علي في رجل أعور فقئت عينه الصحيحة عمداً، إن شاء أخذ الدية كاملة، وإن شاء فقأ عيناً، وأخذ نصف الدية. وأخرجه عبد الرزاق في "المصنف" رقم (17431) عن عبد الله بن صفوان: أن عمر بن الخطاب قضى في عين أعور فقئت عينه الصحيحة بالدية كاملة. (¬6) "عيون المجالس" (5/ 2027 رقم 1458). (¬7) في "المغني" (12/ 111). (¬8) أي: العماية بذهابها. (¬9) في "السنن" رقم (4563)، وهو حديث حسن. وأخرجه النسائي في "السنن" رقم (4841، 4842).

2 - وعن ابن المسيب قال: قَضَى عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ - رضي الله عنه - فِي الأَضْرَاسِ بِبَعِيرٍ بَعِيرٍ، وَقَضَى مُعَاوِيَةُ فِي كُلِّ ضِرْسٍ بِخَمْسَةِ أَبْعِرَةٍ. أخرجه مالك (¬1). [موقوف صحيح] قوله: "الأضراس" أي: ديتها. قوله: "في حديث ابن عمرو بن العاص: خمس خمس". أقول: ظاهر الحديث أن دية الأسنان تزيد على دية النفس، فإنها اثنان وثلاثون سناً، فإذا قلعها جميعاً معاً، أو مرتباً؛ لزمه مائة وستون بعيراً، فزاد أرشها على أرش النفس، بخلاف الأصابع ونحوها، كذا نقل عن القاضي (¬2) [81 ب] زكريا. ولا يخفى أن الأصابع عشرون إصبع إصبعاً، فإذا قطعت كلها لزم فيها مائتان من الإبل، أكثر مما لزم في الأسنان، فما أدري ما يريد بقوله بخلاف الأصابع، فيحمل على أنه يزيد على ذلك ويبلغ ديتين، وإن كانت عبارته ظاهرها في غيرها. قوله: "ببعيرين بعيرين" أقول: الذي في "الموطأ" (¬3) عن ابن المسيب: أنه قضى عمر في الأضراس ببعير بعير بالإفراد، وأن معاوية قضى في الأضراس بخمسة أبعرة خمسة أبعرة. تمامه في "الموطأ" (¬4). ¬

_ (¬1) في "الموطأ" (2/ 861) وفيه عن سعيد بن المسيب يقول: قضى عمر بن الخطاب في الأضراس ببعير بعير، وقضى معاوية بن أبي سفيان في الأضراس بخمسة أبعرة خمسة أبعرة. قال سعيد بن المسيب: فالدية تنقص في قضاء عمر بن الخطاب وتزيد في قضاء معاوية، فلو كنت أنا لجعلت في الأضراس بعيرين بعيرين، فتلك الدية سواء، وكل مجتهد مأجور. (¬2) انظر: "أسنى المطالب شرح روض الطالب" للقاضي أبي يحيى زكريا الأنصاري الشافعي (ت: 926 هـ). (8/ 131 - 132). (¬3) (2/ 861). (¬4) (2/ 861).

الأصابع

قال سعيد بن المسيب (¬1): فالدية تنقص في قضاء عمر، وتزيد في قضاء معاوية. قال: فلو كنت أنا لجعلت في الأضراس بعيرين بعيرين فتلك الدية، انتهى. قال ابن الأثير (¬2): كذا في كتاب رزين، والذي رأيته في "الموطأ" كل ضرس بعيرين بعيرين. انتهى. الأصابع 1 - عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قَالَ رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "هَذِهِ وَهَذِهِ سَوَاءٌ". يَعْنِي الخِنْصَرَ وَالإِبْهَامَ في الدِّيَةِ. أخرجه الخمسة (¬3) إلا مسلماً. [صحيح] وزاد الترمذي (¬4): "دِيَةُ أَصَابِعِ اليَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ سَوَاءٌ عَشْرٌ مِنَ الإِبِلِ لِكُلِّ أُصْبُعٍ". [صحيح] وللنسائي (¬5): "في الأصَابِعِ عَشْرٌ عَشْرٌ". [صحيح الإسناد موقوف]. قوله: "الأصابع" أي: ديتها. قوله: "وزاد الترمذي" أقول: ظاهره أنه زاد على اللفظ الأول. والترمذي لم يرو أول الحديث، بل لفظه بعد سياق سنده إلى ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "دية أصابع اليدين والرجلين سواء، عشرة من الإبل لكل إصبع" انتهى. ¬

_ (¬1) تقدم نصه. (¬2) في "الجامع" (4/ 419). (¬3) أخرجه البخاري رقم (6895)، وأبو داود رقم (4558)، والترمذي رقم (1392)، والنسائي رقم (4847)، وابن ماجه رقم (2652)، وهو حديث صحيح. (¬4) في "السنن" رقم (1391) وقال: حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه. وهو حديث صحيح. (¬5) في "السنن" رقم (4849) بإسناد صحيح موقوف.

الجراح

وعبر ابن الأثير (¬1) عن رواية الترمذي هذه بقوله: وفي رواية للترمذي، ثم ذكر هذا الذي سقناه، ثم قال الترمذي (¬2): حديث ابن عباس حديث حسن صحيح غريب، والعمل على هذا عند أهل العلم، وبه يقول سفيان الثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق. [وقال (¬3): هذا حديث حسن صحيح. وحاصله: أن لكل لفظ طريق لا يصح أن يقال: إنه زاد في رواية] (¬4). ثم أخرج (¬5) حديث: "هذه وهذه سواء" يعني الخنصر والإبهام مستقلة، بطريق، ويضاف إلى أخرى مروية بطريق آخر [82 ب] فإن لكل طريق حكماً، ألا تراه قال في الأول غريب، ولم يعرفه في الرواية الأخرى، وإن كان أحال ذلك إلى أنها زيادة، لكن من طريق أخرى والذي يوقع المصنف في هذا إرادة الاختصار، ولو عبر بعبارة "الجامع" لكان أولى. أو قال: وزاد الترمذي من طريق آخر. قوله: "وللنسائي في الأصابع عشر عشر" قلت: في "الجامع" (¬6) بغير لفظ: "في"، بل لفظه الأصابع. الجراح 1 - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده - رضي الله عنه - قال: قال رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "في المَوَاضِحِ خَمْسٌ خَمْسٌ". ¬

_ (¬1) في "الجامع" (4/ 420). (¬2) في "السنن" (4/ 13). (¬3) أي الترمذي في "السنن" (4/ 14). (¬4) زيادة من (أ). (¬5) أي الترمذي في "السنن" رقم (1392). (¬6) في "الجامع" (4/ 420).

الفصل الثالث: فيما جاء من الأحاديث مشتركا بين النفس والأعضاء

أخرجه أصحاب السنن (¬1). [حسن] "المَوَاضِحُ" (¬2): جمع موضحة, وهي الشجة التي تبدي وضح العظم، أي: بياضه. والمراد بذلك: موضحة الرأس والوجه دون سائر الجسد ففيها الحكومة. قوله: "الجراح" أي: دية الجراح. قوله: "في المواضح" أقول: جمع موضحة، يأتي تفسيرها. قوله: "في الرأس والوجه" قلت: لا أدري ما دليل تقييد إطلاق الحديث. وقال الترمذي (¬3) بعد إخراجه: "هذا حديث حسن، والعمل على هذا عند أهل العلم، وبه يقول سفيان الثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق" انتهى. ولم يذكر التقييد. الفصل الثالث: فيما جاء من الأحاديث مشتركاً بين النفس والأعضاء 1 - عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه: أَنَّ فِي الكِتَابِ الَّذِي كَتَبَهُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فِي العُقُولِ: "أَنَّ فِي النَّفْسِ مِائَةً مِنَ الإِبِلِ، وَفِي الأَنْفِ إِذَا أُوعِبَ جَدْعًا الدِّيَةُ الكامِلَةُ، وَفي المَأْمُومَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَفِي الجَائِفَةِ مِثْلُهَا، وَفِي العَيْنِ خَمْسُونَ، وَفِي اليَدِ خَمْسُونَ، وَفِي الرِّجْلِ خَمْسُونَ، وَفي كُلِّ أُصْبُعٍ مِمَّا هُنَالِكَ عَشْرٌ مِنَ الإِبِلِ، وَفِي كُلِّ سِنّ خَمْسٌ، وَفِي المُوضِحَةِ خَمْسٌ". أخرجه مالك (¬4) والنسائي (¬5). [صحيح لغيره] ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود رقم (4566)، والترمذي رقم (1390)، والنسائي رقم (4852)، وابن ماجه رقم (2655)، وهو حديث حسن. (¬2) قاله ابن الأثير في "غريب الحديث" (4/ 421). (¬3) في "السنن" (4/ 13). (¬4) في "الموطأ" (2/ 849). (¬5) في "السنن" (4856)، وهو حديث صحيح لغيره.

وفي أخرى للنسائي (¬1): "فِي النَّفْسِ الدِّيَةُ، وَفِي الأَنْفِ إِذَا أُوعِبَ جَدْعُهُ الدِّيَةُ، وَفِي اللِّسَانِ الدِّيَةُ, وَفِي الشَّفَتَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي البَيْضَتَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي الذَّكَرِ الدِّيَةُ، وَفِي الصُّلْبِ الدِّيَةُ، وَفِي العَيْنَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي الرِّجْلِ الوَاحِدَةِ نِصْفُ الدِّيَةٍ. وَفِي المَأْمُومَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَفِي الجَائِفَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ, وَفِي المُنَقِّلَةِ خَمْسَ عَشَرَةَ مِنَ الإِبِلِ، وَفِي كُلِّ أُصْبُعٍ مِنْ أَصَابعِ اليَدِ وَالرِّجْلِ عَشْرٌ مِنَ الإِبِلِ، وَفِي السِّنِّ خَمْسٌ مِنَ الإِبِلِ، وَفِي المُوضِحَةِ خَمْسٌ مِنَ الإِبِلِ، وَأَنَّ الرَّجُلَ يُقْتَلُ بِالمَرْأَةِ, وَعَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفُ دِينَارٍ". ومعنى "أَوْعَبَ" (¬2): استوفى جدعه. [ومعنى] (¬3): "وَالمُنَقِّلةُ" (¬4): الشجة التي تخرج منها صغار العظام. قوله: "الفصل الثالث فيمان جاء من الأحاديث مشتركاً بين النفس والأعضاء". قوله: "عن عبد الله (¬5) بن أبي بكر بن عمرو بن حزم" أقول: هو أبو محمد، وقيل: أبو بكر عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، بفتح المهملة وسكون الزاي، الأنصاري، المدني، أحد الأعلام المدنيين، تابعي، روى عن أنس بن مالك، وعروة بن الزبير، وغيرهم. قال ابن الأثير (¬6): كان [83 ب] كثير الحديث، رجل صدق. قال أحمد: حديثه شفاء، توفي سنة خمس وثلاثين ومائة وكان والياً لقضاء المدينة مع عمر بن عبد العزيز. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (4853). (¬2) انظر: "القاموس المحيط" (ص 181). (¬3) سقطت من (أ). (¬4) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 790)، "غريب الحديث" للهروي (3/ 76). (¬5) انظر: "التقريب" (1/ 405 رقم 215). (¬6) في "تتمة جامع الأصول" (1/ 229 - قسم التراجم)

قوله: "الذي كتبه لابن حزم" أقول: أي: إلى أهل اليمن، إلى شرحبيل بن عبد كلال ونعيم بن عبد كلال، قيل: ذي رعين، ومعافر، وهمدان، وكان الكتاب في رقعة من أدم وأوله: "من محمد النبي إلى شرحبيل". وفي الرواية زيادة: والحرث بين عبد كلال، فهم ثلاثة أولاد عبد كلال بفتح الكاف، كما في "الضياء"، وفي "القاموس" (¬1) بضمها. قوله: "مائة من الإبل" أقول: أي: تجب على القاتل عمداً إذا اختار الدية الأولياء، وهو دليل على أن قدر الدية مائة من الإبل، وعلى أن الإبل هي الواجبة، وأن بقية الأصناف ليست بتقدير شرعي، بل هي مصالحة، وإلى هذا ذهب جماعة، وقد حققنا ذلك في "سبل السلام" (¬2). قوله: "إذا أوعب" أقول: بضم الهمزة وسكون الواو والعين المهملة، فموحدة. أي: [استأصل] (¬3) قطعه، وهو أن يقطع من العظم المنحدر من مجمع الحاجبين، فإن فيه الدية. [312/ أ] وهو إجماع، وبينا في "سبل السلام" أن الأنف مركبة من أربع أجزاء، ولكل جزء إذا جني عليه حكم. وقوله: "جدعاً" أقول: فنصب على التمييز محمول عن الفاعل، أصله: إذا أوعب جدعه. قوله: "وفي المأمومة" (¬4) [84 ب] أقول: هي شجة تبلغ أم الدماغ، وهي أن يبقى بينها وبين الدماغ جلد رقيق. ¬

_ (¬1) "القاموس المحيط" (ص 169). (¬2) (7/ 39 - 48 بتحقيقي). (¬3) في (أ): "استوصل". (¬4) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 77)، "غريب الحديث" للهروي (2/ 125).

"والجائفة" بالجيم والفاء الطعنة التي تخالط الجوف وتنفذ فيه، والمراد بالجوف كل ما له فوه تحيله، كالبطن والدماغ. كذا في "غريب الجامع" (¬1)، ومثله في "النهاية" (¬2) والمراد أن فيها ثلث الدية. وقوله: "في العين خمسون" أي: من الإبل، أي: الواحدة، ويأتي أن فيهما معاً الدية، وتقدم، وبقية الحديث واضح. قوله: "في الرواية الأخرى عند النسائي: في الشفتين الدية" أقول: تثنية شفة، بفتح الشين المعجمة وكسرها، وحدها من تحت المنخرين إلى منتهى الشدقين في عرض الوجه، وفي طوله من أعلى الذقن إلى أسفل الخدين. وكون فيهما الدية إجماع، وأما إذا قطع أحدهما فعند الجمهور (¬3) فيها نصف الدية. وقوله: "وفي البيضتين الدية" (¬4) هو مجمع عليه في كل واحدة نصف الدية، وكذلك في الذكر الدية إذا قطع من أصله. هذا مجمع عليه. وظاهر الحديث أنه لا فرق بين العنين وغيره، والكبير والصغير، وإليه ذهب الشافعي (¬5)، وعند الأكثر أن في ذكر الخصي والعنين حكومة (¬6). ¬

_ (¬1) (4/ 424). (¬2) (1/ 310)، وانظر: "القاموس المحيط" (ص 1031). (¬3) انظر: "المغني" (12/ 122)، "البيان" للعمراني (11/ 525 - 526). (¬4) "المغني" (12/ 147)، "الإشراف" (2/ 176 رقم 1444). (¬5) "الأم" (7/ 297). (¬6) "المغني" (12/ 146 - 147).

"والصلب" (¬1) بضم الصاد المهملة، عظم من لدن الصلب إلى العجب، بفتح المهملة والجيم الساكنة: أصل الذنب، قال تعالى: {يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ (7)} (¬2). "والمنقلة" (¬3) هي التي تخرج صغار العظائم وتنقل عن أماكنها. وقيل: التي تنقل العظم، أي: تكسره. قوله: "على أهل الذهب ألف دينار" (¬4) [85 ب] فيه دليل على أن ذكر الإبل خاص بأهل الإبل، لا يكون أصل الدية الإبل، ويأتي في حديث عمرو بن شعيب ما يدل على أن ذلك قيمة الإبل. 2 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده - رضي الله عنه - قال: كَانَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُقَوِّمُ دِيَةَ الخَطَإِ عَلَى أَهْلِ القُرَى أَرْبَعَمِائَةِ دِينَارٍ، أَوْ عَدْلَهَا مِنَ الوَرِقِ، وَيُقَوِّمُهَا عَلَى أَثْمَانِ الإِبِلِ، فَإِذَا غَلَتْ رَفَعَ فِي قِيمَتِهَا، وَإِذَا هَاجَتْ أيْ: رَخُصَتْ، نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهَا، وَبَلَغَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - مَا بَيْنَ أَرْبَعِمِائَةِ دِينَارٍ إِلَى ثَمَانِمِائَةِ دِينَارٍ، وَعَدْلَهَا مِنَ الوَرِقِ ثَمَانِيَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ، وَقَضَى عَلَى أَهْلِ البَقَرِ بمِائَتَيْ بَقَرَةٍ، وَمَنْ كَانَ دِيَةُ عَقْلِهِ فِي الشَّاءِ فَأَلْفَا شَاةٍ، وَقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "العَقْلَ مِيرَاثٌ بَيْنَ وَرَثَةِ القَتِيلِ عَلَى قَرَابَتِهِمْ، فَمَا فَضَلَ فَلِلْعَصَبَةِ"، وَقَضَى في الأعْضَاء بِمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ. أخرجه أبو داود (¬5) والنسائي (¬6). [حسن] ¬

_ (¬1) "القاموس المحيط" (ص 135). (¬2) سورة الطارق: 7. (¬3) تقدم شرحها، وانظر: "القاموس المحيط" (ص 1375)، "النهاية في غريب الحديث" (2/ 790). (¬4) انظر: "المغني" (12/ 130 - 131)، "البحر الزخار" (5/ 279). (¬5) في "السنن" رقم (4564). (¬6) في "السنن" رقم (4801، 4841، 4842، 4850)، وهو حديث حسن.

الفصل الرابع: في دية الجنين

3 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الأَصَابِعُ سَوَاءٌ وَالأَسْنَانُ سَوَاءٌ، الثَّنِيَّةُ وَالضِّرْسُ سَوَاءٌ هَذِهِ وَهَذِهِ سَوَاءٌ". أخرجه أبو داود (¬1). [صحيح] 4 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده - رضي الله عنه - قال: "قَضَى رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي العَيْنِ العَوْرَاءِ السَّادَّةِ لِمَكَانِهَا إِذَا طُمِسَتْ بِثُلُثِ دِيَتِهَا، وِفِي اليَدِ الشَّلاَّءِ إِذَا قُطِعَتْ بِثُلُثِ دِيَتِهَا، وَفِي السِّنِّ السَّوْدَاءِ إِذَا نُزِعَتْ بِثُلُثِ دِيَتِهَا". أخرجه أبو داود (¬2) حديث العين وحدها، وأخرجه النسائي (¬3) كاملاً. [حسن] قوله: "في حديثه الآخر: وفي اليد الشلاء إذا قطعت بثلث ديتها" أقول: قال الخطابي (¬4): يشبه أن يكون والله أعلم إنما وجب فيها ثلث الدية (¬5) على جهة الحكومة، وذهب إسحاق بن راهويه أن ذلك بمعنى العقل. انتهى. وكأن الفرق أن الحكومة تزيد في التقدير وتنقص بخلاف العقل. الفصل الرابع: في دية الجنين 1 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: "اقْتَتَلَتِ امْرَأَتَانِ مِنْ هُذَيْلٍ، فَرَمَتْ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى بِحَجَرٍ فَقَتَلَتْهَا وَمَا في بَطْنِهَا، فَاخْتَصَمُوا إِلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَقَضَى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ دِيَةَ جَنِينِهَا غُرَّةٌ عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ". ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (4559)، وهو حديث صحيح. (¬2) في "السنن" رقم (4567). (¬3) في "السنن" رقم (4840)، وهو حديث حسن. (¬4) في "معالم السنن" (4/ 693 مع السنن). (¬5) انظر: "المغني" (12/ 154 - 155).

زاد في رواية أبي داود: أوْ بَغْلٌ أوْ فَرَسٌ، وَقَضَى بِدِيَةِ المَرْأَةِ عَلَى عَاقِلَتِهَا وَوَرَّثَهَا، وَلَدَهَا وَمَنْ مَعَهُمْ. أخرجه الستة (¬1). [صحيح] قوله: "الفصل الرابع في دية الجنين". قوله: "غرة (¬2) عبد أو أمة" أقول: الغرة بضم الغين المعجمة فراء مشددة، اسم لدية الجنين. وفي "النهاية" (¬3): الغرة: العبد أو الأمة، [وأصل] (¬4) الغرة البياض الذي يكون في وجه الفرس. والغرة عند الفقهاء (¬5): ما بلغ ثمنه نصف عشر الدية من العبيد والإماء، وإنما تجب الغرة إذا سقط ميتاً، فإن سقط حياً ثم مات ففيه الدية كاملة. قال (¬6): وقد جاء في بعض روايات الحديث: "بغرة عبد، أو أمة، أو فرس، أو بغل". وقيل: [إن] (¬7) الفرس والبغل غلط من الراوي. انتهى. [86 ب]. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (6740)، ومسلم رقم (36/ 1681)، ومالك في "الموطأ" (2/ 855)، وأبو داود رقم (4576، 4577)، والترمذي رقم (1411)، والنسائي رقم (4818، 4819)، وابن ماجه رقم (2639). (¬2) انظر: "الصحاح" (2/ 768)، "فتح الباري" (12/ 247). (¬3) (2/ 296). (¬4) في (ب): "والأصل". (¬5) انظر: "النهاية" (3/ 296)، "غريب الحديث" للخطابي (1/ 79)، "فتح الباري" (12/ 247). (¬6) ابن الأثير في "النهاية" (2/ 296). (¬7) زيادة من (أ).

الفصل الخامس: في قيمة الدية

ثم إن الغرة تكون لورثة الجنين على مواريثهم الشرعية، وهذا شخص يورث ولا يرث، واتفقوا على أن دية الجنين غرة، سواء (¬1) كان ذكراً أو أنثى، ناقص الأعضاء أو كاملها، أو مضغة متصور فيها خلق آدمي. قوله: "على عاقلتها" أقول: فيه دليل على أن دية الخطأ على العاقلة، واختصاصها بعصبة القاتل. في "النهاية" (¬2): العاقلة هي العصبة والأقارب من قبل الأب، الذي يعطون دية قتل الخطأ، وهي صفة جماعة عاقلة، وأصلها اسم فاعلة من العَقْل، وهي من الصفات الغالبة. الفصل الخامس: في قيمة الدية 1 - عن ابن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال: كَانَتْ قِيمَةُ الدِّيَةِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - ثَمَانَمِائَةِ دِينَارٍ، أَوْ ثَمَانِيَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ، وَكَانَتْ دِيَةُ أَهْلِ الكِتَابِ يَوْمَئِذٍ النِّصْفُ مِنْ دِيَةِ المُسْلِمِينَ إلَى أنِ اسْتُخْلِفَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ - رضي الله عنه -، فَقَامَ خَطِيبًا فَقَالَ: إِنَّ الإِبِلَ قَدْ غَلَتْ، فَفَرَضَهَا عُمَرُ عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفَ دِينَارٍ، وَعَلَى أَهْلِ الوَرِقِ اثْنَيْ عَشَرَ ألفِ دِرْهَمٍ، وَعَلَى أَهْلِ البَقَرِ مِائَتَيْ بَقَرَةٍ، وَعَلَى أَهْلِ الشَّاءِ ألفَيْ شَاةٍ، وَعَلَى أَهْلِ الحُلَلِ مِائَتَيْ حُلَّةٍ، وَتَرَكَ دِيَةَ أَهْلِ الذِّمَّةِ لَمْ يَرْفَعْهَا فِيمَا رَفَعَ مِنَ الدِّيَةِ". أخرجه أبو داود (¬3). [حسن] قوله: "الفصل الخامس في قيمة الدية". قوله: "في حديث ابن عَمْرو: كانت قيمة الدية" أقول: قال الخطابي (¬4): يريد قيمة الإبل التي هي الأصل في الدية، وإنما قومها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أهل القرى لعزة الإبل عندهم، ¬

_ (¬1) انظر: "البيان" للعمراني (11/ 498)، "عيون المجالس" (5/ 2058)، "المبسوط" (26/ 87). (¬2) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 239). (¬3) في "السنن" رقم (4542)، وهو حديث حسن. (¬4) في "معالم السنن" (4/ 679 مع السنن).

الفصل السادس: في أحكام تتعلق بالديات

فبلغت القيمة في زمانه من الذهب ثمانمائة دينار، ومن الورق ثمانية آلاف درهم، فجرى الأمر كذلك إلى أن كان عمر - رضي الله عنه - وعزَّت الإبل في زمانه، فبلغت قيمتها من الذهب ألف دينار، ومن الورق اثنا عشر ألفاً، وعلى هذا بنى أصله الشافعي (¬1) في دية العمد، فأوجب فيها الإبل، وأن لا يصار إلى التقود إلا عند عواز الإبل، فإذا أعوزت كان فيها قيمتها ما بلغت، ولم يعتبر قيمة عمر التي قومها في زمانه؛ لأنها كانت قيمة تعديل في ذلك الوقت، والقيم تختلف فتزيد وتنقص باختلاف الأزمنة، وهذا على قوله [313/ أ] [87 ب] الجديد. وقال في القديم: بقيمة عمر، وهو اثنا عشر ألفاً من الورق وبقيمتها من الذهب ألف دينار. وقد روي مثل ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الورق. قوله: "على أهل الذهب" أقول: قال مالك (¬2): أهل الذهب أهل الشام، وأهل مصر، وأهل الورق أهل العراق. ذكره في "الموطأ". الفصل السادس: في أحكام تتعلق بالديات 1 - عن زياد بن سعد بن ضميرة السلمي عن أبيه عن جده - رضي الله عنه -: وَكَانَا شَهِدَا مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - حُنَيْنًا: أَنَّ مُحَلِّمَ بْنَ جَثَّامَةَ اللَّيْثِيَّ قَتَلَ رَجُلاً مِنْ أَشْجَعَ فِي الإِسْلاَمِ، وَذَلِكَ أَوَّلُ غِيَرٍ قَضَى بِهِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فَتَكَلَّمَ عُيَيْنَةُ فِي قَتْلِ الأَشْجَعِيِّ لأَنَّهُ مِنْ غَطَفَانَ، وَتَكَلَّمَ الأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ دُونَ مُحَلِّمٍ لأَنَّهُ مِنْ خِنْدِفَ، فَارْتَفَعَتِ الأَصْوَاتُ، وَكَثُرَتِ الخُصُومَةُ وَاللَّغَطُ، فَقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يَا عُيَيْنَةُ! أَلاَ تَقْبَلُ الغِيَرَ؟ ". فَقَالَ: لاَ وَالله، حَتَّى أُدْخِلَ عَلَى نِسَائِهِ مِنَ الحَرْبِ وَالحَزَنِ مَا أَدْخَلَ عَلَى نِسَائِي، ثُمَّ ارْتَفَعَتِ الأَصوَاتُ، وَكَثُرَتِ الخُصُومَةُ وَاللَّغَطُ، فَقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يَا عُيَيْنَةُ! أَلاَ تَقْبَلُ الغِيَرَ". فَقَالَ عُيَيْنَةُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي لَيْثٍ اسْمُهُ مُكَيْتِلٌ عَلَيْهِ شِكَّةٌ، وَفِي يَدِهِ دَرَقَةٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله، إِنِّي لَمْ أَجِدْ لِمَا فَعَلَ هَذَا فِي غُرَّةِ الإِسْلاَمِ ¬

_ (¬1) "البيان" للعمراني (11/ 489 - 491)، "الأم" (7/ 258). (¬2) في "الموطأ" (2/ 850).

مَثَلاً إِلاَّ غَنَمًا وَرَدَتْ فَرُمِيَ أَوَّلُهَا فَنَفَرَ آخِرُهَا، أُسْنُنِ اليَوْمَ وَغَيِّرْ غَدًا، فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: "بَلْ نُعْطِيكُمْ خَمْسِينَ مِنَ الإِبلِ في فَوْرِنَا هذَا وَخَمْسِينَ إِذَا رَجَعْنَا إِلَى المَدِينَةِ"، وَذَلِكَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، وَمُحَلِّمٌ رَجُلٌ طَوِيلٌ آدَمُ وَهُوَ فِي طَرَفِ النَّاسِ، فَلَمْ يَزَالُوا حَتَّى تَخَلَّصَ فَجَلَسَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - وَعَيْنَاهُ تَدْمَعَانِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله، إِنِّي قَدْ فَعَلْتُ الَّذِي بَلَغَكَ، وَإِنِّي أَتُوبُ إِلَى الله، فَاسْتَغْفِرِ الله لِي، فَقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَقتَلْتَهُ بِسِلاَحِكَ فِي غُرَّةِ الإِسْلاَمِ؟ اللهمَّ لاَ تَغْفِرْ لمُحَلِّمٍ"، بِصَوْتٍ عَالٍ، فَقَامَ وَإِنَّهُ لَيَتَلَقَّى دُمُوعَهُ بِطَرَفِ رِدَائِهِ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَزَعَمَ قَوْمُهُ أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - اسْتَغْفَرَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ. أخرجه أبو داود (¬1). [ضعيف] "الغِيَرُ" (¬2): الدية. و"الشِّكَّةَ": السلاح (¬3). وقوله: "آدَمَ" أي: يضرب لونه إلى السواد من شدة سمرته (¬4). "وَغرَّةُ كُلِّ شَيْءٍ": أوله. قوله: "الفصل السادس في أحكام تتعلق بالدية". قوله: "عن زياد بن سعد بن ضميرة" (¬5) بالضاد المعجمة مصغر ضمرة، عن أبيه هو سعد بن ضميرة عن جده هو ضميرة. قلت: لم أجد سعداً ولا أباه ضميرة في رابع "الجامع"، وقد قال هنا: إنهما صحابيان، وهو يستوفي في ذكر الصحابة، ثم رأيت في كتاب الكاشغري في الصحابة ضمرة غير مصغر ابن سعد السلمي، له ولأبيه صحبة، وشهدا حنيناً، قال: ويقال: صرمة. انتهى. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (4503)، وهو حديث ضعيف. (¬2) قال ابن الأثير في "غريب الجامع" (4/ 441): الغَيرة: الدية، وجمعها غِيرٌ، مثل كِسرةٌ وكِسرٌ، وقيل: الغير واحد، وجمعه أغيار، مثل ضلع وأضلاع. (¬3) انظر: "غريب الحديث للخطابي" (1/ 233)، "الفائق" للزمخشري (3/ 83). (¬4) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (4/ 442). (¬5) انظر: "التقريب" (1/ 268 رقم 111).

وذكر في رابع "الجامع" زياداً فقال: زياد بن سعد بن ضميرة الضمري (¬1). ويقال: السلمي. وقيل: زياد بن ضميرة بن سعد، يعد في الحجازيين، روى عن عروة. انتهى. ولم يذكر أنه روى عن أبيه عن جده. قوله: "أن مُحلِّم بن جَثّامة" (¬2) بضم الميم وفتح الحاء المهملة وتشديد اللام المكسورة، وجثّامة: بفتح الجيم وتشديد المثلثة، وهو أخو الصعب بن جثامة. قوله: "قتل رجلاً في الإسلام" قيل: هو عامر بن الأضبط (¬3). وقيل: مرداس بن نهيك (¬4). قوله: "وذلك أول غير" (¬5) بكسر الغين المعجمة، وفتح المثناة التحتية، يأتي أنه اسم للدية. قال أبو عبيدة (¬6): يقال: غارني يغورني ويغيرني إذا وداك من الدية، [88 ب] والاسم الغيرة بالكسر وجمعها غيرى، قال الشاعر: لنجدعن بأيدينا أنوفكم ... بني أمية إن لم تقبلوا الغيرى فتكلم عيينة في قتل الأشجعي، كأن المراد بتكلمه طلبه القود من محلم كما يشعر به السياق، وينادي به قوله: "حتى أدخل على نسائه من الحرب والحزن ما أدخل على نسائي". ¬

_ (¬1) انظر: "ميزان الاعتدال" (2/ 89 رقم 2940). (¬2) "الاستيعاب" رقم (2518). (¬3) "الاستيعاب" رقم (1847). (¬4) "الاستيعاب" رقم (2412). (¬5) تقدم شرحها. (¬6) في "الغريبين" (4/ 1397 - 1398).

وقوله: "لأنه كان من غطفان" أي: من قبيلة الأشجعي، والأقرع بن حابس هو ومحلم من خندق بكسر الخاء المعجمة، وسكون النون، وفتح الدال المهملة، ففاء. تكلم بدافع عن القود واستيفائه من محلم وأن يدفع الدية. قوله: "فقام مكيتل" أقول: هو مصغر، أهمله الكاشغري، وهو في "سنن أبي داود" (¬1) وفي "السيرة" (¬2) وفي "سنن ابن ماجه" (¬3): مكينل، بالنون. وضبط ابن الأثير (¬4) فقال: مكيتل: بضم الميم، وفتح الكاف، وبالياء تحتها نقطتان، وبالتاء المعجمة باثنتين من فوق، وهي مكسورة، وباللام وقال: إنه لا يعرف له نسب. انتهى. قوله: "لم أجد لما فعل هذا في غُرَّة الإسلام" الحديث أقول: معناه أن فعل محلم بن جثامة وقتله الرجل، وطلبه أن لا يقتص منه [وتؤخذ] (¬5) منه الدية، والوقت أول الإسلام وصدره؛ يعني: كمثل هذه الغنم النافرة، يعني: إن جرى الأمر مع أولياء القتيل على ما يريد محلم، ثبط الناس [89 ب] عن الدخول في الإسلام بمعرفتهم أن القود يُغيَّر بالدية. والعرب خصوصاً هم الحراص على طلب الأوتار، وفيهم الأنفة عن قبول الديات. ثم حث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الإقادة منه بقوله: "اسْنُنِ اليوم وغيِّر غداً" يريد إن لم تقتص منه غيّرت سنتك [و] (¬6) لكنه ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (4503). (¬2) في السيرة النبوية (4/ 364 - 366). (¬3) في "السنن" رقم (2825). (¬4) في "أسد الغابة" (5/ 248 رقم 5086) ط. العلمية، وفي "تتمة جامع الأصول" (2/ 861 قسم التراجم)، وانظر: "الإصابة" رقم (8217). (¬5) في (أ): "أتؤخذ". (¬6) زيادة من (أ).

أخرج الكلام على الوجه الذي يهيج المخاطب ويحثه على الإقدام والجرأة على المطلوب منه. أفاده في "النهاية" (¬1). قوله: "اسنن اليوم وغير غداً" يقول: اعمل سُننَك التي سننتها في القصاص، ثم بعد ذلك إن شئت أن تغير فغير. 2 - وعن جابر - رضي الله عنه - قال: قال رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ أُعْفِي مَنْ قَتَلَ بَعْدَ أَخْذِ الدِّيَةَ". أخرجه أبو داود (¬2). [ضعيف] ومعنى "لاَ أُعْفِي": لا أقيله، ولا أعفو عنه، بل أقتله (¬3). قوله: "في حديث جابر: لا أعفي من قتل بعد أخذ الدية" أقول: بفتح الهمزة وعين مهملة ففاء. في "النهاية" (¬4): هذا دعاء عليه، أي: لا كثر ماله ولا استغنى. والمصنف ذكر معنى آخر كما ترى [314/ أ]. 3 - وعن عمرو بن شعيب: أَنَّ رَجُلاً مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ يُقَالُ لَهُ قَتَادَةُ، حَذَفَ ابْنَهُ بِسَيْفٍ، فَأَصَابَ سَاقَهُ فَنُزِيَ فِي جُرْحِهِ فَمَاتَ، فَقَدِمَ سُرَاقَةُ بْنُ جُعْشُمٍ عَلَى عُمَرَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ له عُمَرُ - رضي الله عنه -: اعْدُدْ لِي عَلَى مَاءِ قُدَيْدٍ عِشْرِينَ وَمِائَةَ بَعِيرٍ حَتَّى أَقْدِمَ عَلَيْكَ، فَلَمَّا قَدِمَ عُمَرُ - رضي الله عنه - أَخَذَ مِنْ تِلْكَ الإِبِلِ ثَلاَثِينَ حِقَّةً، وَثَلاَثِينَ جَذَعَةً، وَأَرْبَعِينَ خَلِفَةً، ثُمَّ قَالَ: أَيْنَ أَخُ المَقْتُولِ؟ قَالَ: هَا أَنَا ذَا، قَالَ: خُذْهَا، فَإِنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَيْسَ لِقَاتِلٍ شَيْءٌ". أخرجه مالك (¬5). [ضعيف] ¬

_ (¬1) (2/ 333). (¬2) في "السنن" رقم (4507)، وهو حديث ضعيف. (¬3) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (4/ 443). (¬4) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 229). (¬5) في "الموطأ" (2/ 867 رقم 10).

"نُزِي": أي جرى دمه فلم ينقطع. 4 - وعن جابر - رضي الله عنه -: أَنَّ امْرَأَتَيْنِ مِنْ هُذَيْلٍ قَتَلَتْ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا زَوْجٌ وَوَلَدٌ، فَجَعَلَ - صلى الله عليه وسلم - دِيَةَ المَقْتُولَةِ عَلَى عَاقِلَةِ القَاتِلَةِ، وَبَرَّأَ زَوْجَهَا وَوَلَدَهَا، لأنَّهُمَا مَا كانَا مِنْ هُذَيْلٍ، فَقَالَ عَاقِلَةُ المَقْتُولَةِ: مِيرَاثُهَا لَنَا، فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ، مِيرَاثُهَا لِزَوْجِهَا وَوَلَدِهَا". أخرجه أبو داود (¬1). [صحيح] 5 - وعن عائشة - رضي الله عنها -: أَنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَ أَبَا جَهْمِ بْنَ حُذَيْفَةَ مُصَدِّقًا فَلاَحَّهُ رَجُلٌ فِي صَدَقَتِهِ فَضَرَبَهُ أَبُو جَهْمٍ فَشَجَّهُ، فَأَتَوُا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالُوا: القَوَدَ يَا رَسُولَ الله، فَقَالَ: "لَكُمْ كَذَا وَكَذَا"، فَلَمْ يَرْضَوْا، فَقَالَ: "لَكُمْ كَذَا وَكَذَا"، [فَلَمْ يَرْضَوْا، فَقَالَ: "لَكُمْ كَذَا وَكَذَا"] (¬2) فَرَضُوا، فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنِّي خَاطِبٌ العَشِيَّةَ عَلَى النَّاسِ وَمُخْبِرُهُمْ بِرِضَاكُمْ" فَقَالُوا: نَعَمْ. فَخَطَبَ فَقَالَ: "إِنَّ هَؤُلاَءِ اللَّيْثِيِّينَ أَتَوْنِي يُرِيدُونَ القَوَدَ فَعَرَضْتُ عَلَيْهِمْ كَذَا وَكَذَا فَرَضُوا، أَرَضِيتُمْ؟ " قَالُوا: لاَ، فَهَمَّ بِهِمْ المُهَاجِرُونَ، فَأَمَرَهُمْ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَكُفُّوا عَنْهُمْ، فَكَفُّوا عَنْهُمْ، ثُمَّ دَعَاهُمْ فَزَادَهُمْ، فَقَالَ: "أَرَضِيتُمْ؟ ". فَقَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: "إِنِّي خَاطِبٌ عَلَى النَّاسِ وَمُخْبِرُهُمْ بِرِضَاكُمْ"، قَالُوا: نَعَمْ. فَخَطَبَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "أَرَضِيتُمْ؟ "، قَالُوا: نَعَمْ. أخرجه أبو داود (¬3) والنسائي (¬4). [صحيح] ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (4575)، وهو حديث صحيح. (¬2) ما بين الحاصرتين سقط من (أ. ب). (¬3) في "السنن" رقم (4534). وأخرجه أحمد في "المسند" (6/ 232)، وابن حبان في صحيحه رقم (4487)، وعبد الرزاق في مصنفه رقم (18032)، وابن ماجه رقم (2638). (¬4) في "السنن" رقم (4778)، وهو حديث صحيح.

قوله: "بعث أبا جهم" أقول: [اسمه هو] (¬1) بفتح الجيم وسكون الهاء، اسمه عامر بن حذيفة العدوي القرشي. قال ابن الأثير (¬2): يقال: اسمه عبيد، وهو مشهور بكنيته، وهو الذي طلب - صلى الله عليه وسلم - إنبجانيته. قوله: "فلاحّه رجل" في "النهاية" (¬3): لاحيته فلاحاة [ولحاء] (¬4) إذا نازعته. وقوله: "فشجه" (¬5) الشج في الرأس خاصة في الأصل وهو أن يضربه بشيء فيجرحه فيه، ثم استعمل في غيره من الأعضاء، يقال: شجه يشجه شجاً. قوله: "الليثيين" جمع ليثي بفتح اللام، وسكون المثناة التحتية، وبالمثلثة منسوب إلى ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر. قوله: "أرضيتم" أقول: قال الخطابي (¬6): فيه من الفقه وجوب الإقادة من الوالي والعاقل إذا تناول دماً بغير حقه، كوجوبها على من ليس بوالٍ. وفيه دليل على جواز إرضاء المشجوج بأكثر من دية شجته إذا طلب المشجوج القصاص. وفيه دليل على أن القول في الصدقة قول [91 ب] رب المال، وأنه ليس للساعي ضربه وإكراهه على ما لم يظهر له من ماله. ¬

_ (¬1) زيادة من (أ). (¬2) في "أسد الغابة" (3/ 530 رقم 3490)، وانظر: "الإصابة" رقم (5347). (¬3) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 595). (¬4) في (أ): "ولحاؤ". (¬5) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 843). (¬6) في "معالم السنن" (4/ 672 مع السنن).

وفيه حجة لمن رأى وقوف الحاكم عن الحكم بعلمه، لأنهم لما رضوا بما أعطاهم - صلى الله عليه وسلم - ثم رجعوا لم يلزمهم برضاهم الأول، حتى كان ما رضوا به ظاهراً، وروي عن أبي بكر وعمر: أنهما أقادا من العمال. وممن رأى عليهم القود: الشافعي (¬1)، وأحمد (¬2)، وإسحاق. انتهى. 6 - وعن هلال بن سراج بن مجاعة عن أبيه عن جده: أَنَّهُ أَتَى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يَطْلُبُ دِيَة أَخِيهِ، قَتَلَتْهُ بَنُو سَدُوسٍ مِنْ بَنِي ذُهْلٍ. فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْ كُنْتُ جَاعِلاً لمشْرِكٍ دِيَةً جَعَلْتُهَا لأَخِيكَ، وَلَكِنْ سَأُعْطِيكَ مِنْهُ عُتُبَى"، فَكَتَبَ لَهُ - صلى الله عليه وسلم - بِمِائَةٍ مِنَ الإِبِلِ مِنْ أَوَّلِ خُمُسٍ يَخرُجُ مِنْ مُشْرِكِي بَنِي ذُهْلٍ، فَأَخَذَ طَائِفَةً مِنْهَا، وَأَسْلَمَ بَنُو ذُهْل فَطَلَبَهَا بَعْدُ مُجَّاعَةُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، فَأَتَاهُ بِكِتَابِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فَكَتَبَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ بِاثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ صَاعٍ مِنْ صَدَقَةِ اليَمَامَةِ أَرْبَعَةِ آلاَفٍ بُرًّا، وَأَرْبَعَةِ آلاَفٍ شَعِيرًا، وَأَرْبَعَةِ آلاَفٍ تَمْرًا، وَكَانَ فِي كِتَابِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -: "بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، هَذَا كِتَابٌ مِنْ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - لِمُجَّاعَةَ بْنِ مُرَارَةَ مِنْ بَنِي سُلَيْم، أنِّي أَعْطَيْتُهُ مِائَةً مِنَ الإِبِلِ مِنْ أَوَّلِ خُمُسٍ يَخرُجُ مِنْ مُشْرِكِي بَنِي ذُهْل عُتْبَةً مِنْ أَخِيهِ". أخرجه أبو داود (¬3). [إسناده ضعيف]. قوله: "وعن هلال بن سراج بن مُجَّاعة" (¬4) أقول: أي: ابن مرارة الحنفي، روى عن أبيه، وعن ابن عمر، وأبي هريرة. وسراج: بكسر السين المهملة وبالراء آخره جيم. ومُجَّاعة: بضم الميم وتشديد الجيم. ومرارة: بضم الميم، فراءين مهملتين. ومُجَّاعة صحابي، ولكنه لم يذكره ابن الأثير في الصحابة، وذكره الكاشغري فقال: مُجَّاعة (¬5) بن مرارة الأسلمي، وقيل: ابن ¬

_ (¬1) "البيان" للعمراني (11/ 429 - 430). (¬2) انظر: "المغني" (11/ 465 - 466). (¬3) في "السنن" رقم (2990) بإسناد ضعيف؛ لجهالة سراج بن مُجَّاعة، والدخيل بن إياس محمد بن عيسى هو ابن الطباع البغدادي. (¬4) انظر: "التقريب" (2/ 323 رقم 134). (¬5) انظر: "الاستيعاب" رقم (2528)، "التقريب" (2/ 229 رقم 918).

سليم الحنفي، وَفَدَ هو وأبوه، ويقال له السلمي منسوب إلى جده سليم المذكور إلى سليم بن منصور، المنسوب إليه مجاشع بن مسعود. انتهى. ولا ذكر ابن الأثير سراجاً في التابعين. نعم: ذكر هلال بن سراج، وأنه روى عن أبيه، ولعل مُجَّاعة لم يتحقق إسلامه حتى يعد في الصحابة؛ لأن أخاه الذي قتله بنو سدوس كافر كما دل له قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لو كنت جاعل لمشرك دية". قوله: "ولكن سأعطيك منه عتبى" أقول: معنى العتبى (¬1): العوض. [92 ب] ويحتمل أن يكون أعطاه ذلك تألفاً له، أو لمن وراءه من قومه على الإسلام. قوله: "مُجَّاعة بن مرارة من بني سليم" (¬2) أقول: هذا يرد قول الكاشفري: إنه منسوب إلى جده سليم، بل إلى القبيلة. 7 - وعن جابر - رضي الله عنه - قال: "كَتَبَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - كُلِّ بَطْنٍ عُقُولَةً، وَلاَ يَحِلُّ لِوَلِيٍّ أَنْ يَتَوَلَّى مُسْلِمًا بِغَيْرِ إِذْنِهِ". أخرجه النسائي (¬3). [صحيح] قوله: "في حديث جابر: علي كل بطن عقوله" أقول: البطن (¬4) ما دون القبيلة وفوق الفخذ، أي: كتب عليهم ما تغرمه العاقلة من الديات، فبين على كل بطن منها، ويجمع على أبطن وبطون. ¬

_ (¬1) كذا في المخطوط: "عتبة"، وفي الشرح: "العتبي". والذي في "سنن أبي داود": "عقبة"، وكذلك في "جامع الأصول" (4/ 449). انظر: "النهاية" (2/ 154، 231). (¬2) انظر: "الاستيعاب" رقم (2528)، "التقريب" (2/ 229 رقم 918)، وقد تقدم. (¬3) في "السنن" رقم (4829). وأخرجه مسلم في صحيحه رقم (17/ 1507)، وأحمد (3/ 321، 342، 349)، وهو حديث صحيح. (¬4) قاله ابن الأثير في "النهاية" (1/ 143)، وانظر: "المجموع المغيث" (1/ 169).

قوله: "ولا يحل لولي أن يتولى مسلماً بغير إذنه" أقول: في "النهاية" (¬1) ومنه حديث: "من تولى قوماً بغير إذن مواليه" (¬2) أي: اتخذهم أولياء له، ظاهره يوهم أنه شرط وليس شرطاً؛ لأنه لا يجوز له إذا أذنوا أن يوالي غيرهم، وإنما هو بمعنى التأكيد لتحريمه والتنبيه على بطلانه، [والإرشاد] (¬3) إلى السبب فيه؛ لأنه إذا استأذن أولياؤه في موالاة غيرهم منعوه فيمتنع، والمعنى: إن سولت له نفسه ذلك فليستأذنهم فإنهم [يمنعونه] (¬4). انتهى. فقوله: "لولي" أي: لمولى. وقوله: "بغير إذنه" أي: إذن من يريد موالاته، ومعناه أن المسلم إذا استأذنه المولى أن يتولاه يمنعه عن ذلك ويعرفه أنه لا يحل له الخروج عن مواليه. 8 - وعن ابن شهاب - رضي الله عنه - قال: مَضَتِ (¬5) السُّنَّةُ أَنَّ العَاقلَةَ لا تَحْمِلُ مِنْ دِيَةِ العَمْدِ شَيْئاً إلاَّ أنْ تَشَاء. [منقطع صحيح] وَكّذلِكَ لاَ تَحْمِلُ (¬6) مِنْ ثَمَنِ العَبْدِ شَيْئاً قلَّ أَوْ كَثُرَ، وَإنَّمَا ذَلِكَ عَلَى الذي يُصِيبُهُ مِنْ مَالِهِ بَالِغاً مَا بَلَغَ لأنَّهُ سِلْعَةٌ مِنَ السِّلَعِ، لِقَوْلِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تَحْمِلِ العَاقِلَةٌ عَمْداً، وَلاَ صُلْحاً، وَلاَ اعْتِرَافاً، وَلاَ أَرْشَ جِنَايَةٍ، وَلاَ قِيمَةَ عَبْدٍ إلاَّ أَنْ تَشَاءَ، وَمضَتِ السُّنَّةُ أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا أَصَابَ امْرَأَتَهُ بِجُرْحٍ خَطأً أَنَّهُ يَعْقِلُهَا وَلاَ يُقَادُ مِنْهُ، فَإنْ أَصَابَهَا عَمْداً أُقِيدَ بِهَا". ¬

_ (¬1) (2/ 881). (¬2) أخرجه أحمد (2/ 398)، ومسلم رقم (1508)، وأبو داود رقم (5124). (¬3) في (ب): "الإشارة". (¬4) في (أ): "ينعونه". (¬5) أخرج مالك في "الموطأ" (2/ 865) عن الزهري قال: مضت السنة أن العاقلة لا تحمل شيئاً من دية العمد إلا أن يشاءوا. وهو منقطع صحيح. (¬6) أخرجه الدارقطني في "السنن" (3/ 177)، والبيهقي في "السنن" (8/ 104) عن عمر قال: العمد والعبد والصلح والاعتراف لا تعقله العاقلة. وهو أثر ضعيف منقطع.

وبلغني أن عمر - رضي الله عنه - قال: تُقَادُ المَرْأَةُ مِنَ الرَّجُلِ في كلِّ عَمْدٍ يَبْلُغُ ثُلُثَ نَفْسِهَا فَمَا دُونَهُ مِنَ الجْرَاحِ. أخرجه رزين. قوله: "في أثر ابن شهاب: لا تحمل العاقلة عمداً" أقول: يريد أن كل جناية عمد فهي في مال الجاني خاصة، ولا يلزم العاقلة منها شيء، وكذلك ما اصطلحوا عليه من الجنايات في الخطأ، وكذلك إذا اعترف الجاني بالجناية [93 ب] من غير بينة تقوم عليه، فإن ادعى أنها خطأ فلا يقبل منه، ولا تلزم بها العاقلة، وأما العبد إذا جنى على حر فليس على عاقلة مولاه شيء من جناية عبده، وإنما جنايته في رقبته، وهو مذهب أبي حنيفة (¬1). وقيل: هو أن يجني حر على عبد فليس على عاقلة الجاني [شيء] (¬2)، وإنما جنايته في ماله خاصة، وهو قول ابن أبي ليلى (¬3)، وهو موافق لكلام العرب إذ لو كان على الأول لقيل: لا تعقل العاقلة على عبد، ولم يكن لا تعقل عبداً، وهذا اختاره الأصمعي وأبو عبيدة (¬4). قوله: "أخرجه رزين" أقول: قد حذرنا عن هذه النسبة مراراً، واعلم أن أثر ابن شهاب ذكره ابن الأثير في "الجامع" (¬5) وبيض له، إلا أنه جعله خبرين. الأول: من قوله: "مضت السنة أن العاقلة لا تحمل" وآخره قوله: "ولا قيمة عبد إلا أن يشاء"، والأثر الثاني: أوله قوله: "ومضت السنة أن الرجل إذا أصاب امرأته" وآخره: "فما دونه من الجراح" [315/ أ] والمصنف جمعهما كما ترى. ¬

_ (¬1) انظر: "الهداية" (4/ 161). (¬2) زيادة من (أ). (¬3) انظر: "عيون المجالس" (5/ 1978)، "المغني" (11/ 473)، "روضة الطالبين" (9/ 151). (¬4) "الغريبين" (4/ 1311 - 1312). (¬5) (4/ 450).

9 - وعن طارق بن شهاب - رضي الله عنه - قال: جَاءَ وَفْدُ بُزَاخَةَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيق - رضي الله عنه - يَسْأَلُونَهُ الصُّلْحَ، فَخَيَّرَهُمْ بَيْنَ الحَرْبِ المُجْلِيَةِ وَالسِّلْمِ المُخْزِيَةِ، فَقَالُوا: هَذِه المُجْلِيَةُ قَدْ عَرَفْنَاهَا فَمَا المُخْزِيَةُ؟ قَالَ: نَنْزِعُ مِنْكُمْ الحلْقَةَ وَالكُرَاعَ، وَنَغْنَمُ مَا أَصَبْنَا مِنْكُمْ، وَتَرُدُّونَ عَلَيْنَا مَا أَصَبْتُمْ مِنَّا، وَتَدُونَ لَنَا قَتْلاَنَا وَتَكونُ قَتْلاَكُمْ في النَّار، وَتَتْرُكونَ أَقْوَامًا يَتَّبِعُون أَذْنَابَ الإِبِلِ حَتَّى يُرِيَ الله خَلِيفَةَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وَالمُهاجِرِينَ أَمْرًا يَعْذِرُونَكُمْ بِهِ, فَعَرَضَ أبُو بَكْرٍ مَا قَالَ عَلَى القَوْمِ، فقَالَ عُمَرُ: أمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنَ الحَرْبِ المُجْلِيَةِ وَالسِّلْمِ المُخْزِيَةِ، فَنِعْمَ مَا ذَكَرْتَ، وَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ أَنْ نَغْنَمَ مَا أَصَبْنَا مِنْكُمْ، وَترُدُّونَ مَا أصَبْتُمْ مِنَّا فَنِعْمَ مَا ذَكَرْتَ، وَأمَّا مَا ذَكَرْتَ تَدُونَ قَتْلاَنَا، وَتَكونُ قَتْلاَكُمْ في النَّارِ؛ فَإِنَّ قَتْلاَنَا قَاتَلَتْ فَقُتِلَتْ عَلَى أمْرِ الله تَعَالَى، أُجُورُهَا عَلَى الله لَيْسَ لَهَا دِيَّاتٌ، فَبَايَعَ القَوْمُ عَلَى مَا قَالَ عُمَرُ - رضي الله عنه - قلت: ذكر هذا الأثر بتمامه شرف الدين البارزي، ولم يعزه إلى من خرجه، ولم يذكره صاحب "الجامع". وقد ذكر منه البخاري (¬1) قول أبي بكر - رضي الله عنه -: تَتْبَعُونَ أذْنَابَ الإبِلِ حَتَّى يُرَيَ الله خَلِيفَةَ [رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -] (¬2) وَالمُهَاجِرِينَ أمراً يَعْذُرُونَكمْ بِهِ. فقط دون باقيه في آخر كتاب الأحكام (¬3) بغير سند، والله أعلم. قوله: "في حديث طارق بن شهاب: أن بزاخة" (¬4) بضم الموحدة وتخفيف الزاي وبالمعجمة، موضع بالبحرين، غزاهم أبو بكر وأسرهم، فسألوا [94 ب] الصلح فخيرهم بين ¬

_ (¬1) في صحيحه رقم (7221). (¬2) كذا في المخطوط، والذي في البخاري: نبيه - صلى الله عليه وسلم -. (¬3) في صحيحه (13/ 205 الباب رقم 51/ 51 مع الفتح). (¬4) قال الأصمعي: بُزاخة ماءٌ لطي بأرض نجد، وقال الشيباني: ماء لبني أسد كانت فيه رقعة عظيمة في أيام أبي بكر الصديق مع طليحة بن خويلد الأسدي. =

كتاب: الدين وآداب الوفاء

الحرب المجلية والسلم المخزية، فبايع القوم على ما قاله عمر. وهذا الأثر كما ذكره المصنف ليس في جامع ابن الأثير. قوله: "شرف الدين البارزي" أقول: هو قاضي حماة (¬1)، الذي اختصر كتاب أبن الأثير في كتابه الذي سماه: "تجريد الأصول في أحاديث الرسول" تقدم في [الخطبة للمصنف] (¬2) ذكره، والعجب من إتيانه بحديث ليس في "الجامع" الذي اختصر كتابه منه. كتاب: الدين وآداب الوفاء 1 - عن أبي موسى - رضي الله عنه - قال: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ مِنْ أَعْظَمَ الذُّنُوبِ عِنْدَ الله تَعَالَى أَنْ يَلْقَاهُ بِهِ عَبْدٌ - بَعْدَ الكَبَائِرِ الَّتِي نَهَى الله عَنْهَا - أَنْ يَمُوتَ رَجُلٌ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لاَ يَدَعُ لَهُ قَضَاءً". أخرجه أبو داود (¬3). [ضعيف] قوله: "كتاب الدين وآداب الوفاء". قوله: "في حديث أبي موسى: إن من أعظم الذنوب" هو خبر مقدم، والمبتدأ قوله: "أن يموت الرجل" والمعنى: إن من أعظم الذنوب بعد الكبائر التي نهي عنها موت رجل عليه دين لا يترك له قضاء، فهو ذنب عظيم لكنه ليس من الكبائر، بل هو عظيم في نفسه، ولا ريب أن أمر الدين أعظم، فإنه - صلى الله عليه وسلم - كان لا يصلي على من مات مديوناً ولم يدع قضاء دينه، وكذلك ¬

_ = "معجم البلدان" (1/ 408)، "معجم ما استعجم" (1/ 246 - 247). (¬1) تقدمت ترجمته في مقدمة هذا الكتاب. (¬2) زيادة من (أ). (¬3) في "السنن" رقم (3342). وأخرجه البيهقي في "الشعب" رقم (5541)، وهو حديث ضعيف.

قال: "إنه يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين" (¬1)، إلا أنه ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال بعد أن فتح الله عليه الفتوح: "إن من مات وعليه دين فإنه عليه - صلى الله عليه وسلم - " (¬2) أي: يجب عليه قضاؤه، ويجب أيضاً على الخلفاء بعده قضاء دين من مات ولم يخلف وفاءً، وإن كان حديث: "فعلي قضاؤه" (¬3) عام لكل ميت خلاف الوفاء أو لا. 2 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّى الله عَنْهُ, وَمَنْ أَخَذَهَا يُرِيدُ إِتْلاَفَهَا أَتْلَفَهُ الله". أخرجه البخاري (¬4). [صحيح] قوله: "في حديث أبي هريرة: يريد أداءاها" الحديث فيه تقييد لحديث أبي موسى، بأن المراد من أخذ أموال الناس لا يريد قضاءها وأداءها فإنه الإثم، بل إرادته إتلاف أموال العباد وإذهابها لا قضاؤها. وقوله: "أتلفه الله" أي [في] (¬5) الدنيا في نفسه (¬6) أو معاشه. [95 ب]. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم في صحيحه رقم (1886) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما -. وهو حديث صحيح. (¬2) أخرجه أحمد في "المسند" (6/ 74، 154)، وابن راهويه رقم (1063)، وعبد بن حميد في "المنتخب" رقم (1522)، وأبو يعلى رقم (4838)، والطبراني في "الأوسط" رقم (9334)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (7/ 22)، وفي "شعب الإيمان" رقم (5551) عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من حمل من أمتي ديناً، ثم جهد في قضائه فمات ولم يقضه؛ فأنا وليُّه". وهو حديث صحيح. (¬3) أخرجه مسلم في صحيحه رقم (1619) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -. وهو حديث صحيح. (¬4) في صحيحه رقم (2387)، وهو حديث صحيح. (¬5) في (ب): "من". (¬6) انظر: "فتح الباري" (5/ 54).

وقيل: في الآخرة بالعذاب، يؤيد حديث البخاري إيضاحاً حديث سمرة عند أبي داود (¬1)، والنسائي (¬2) أنه قال: خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوماً فقال: "أها هنا أحد من بني فلان؟ " فلم يجبه أحد، قالها ثلاثاً، فأجابه في الثالثة رجل منهم، فقال: أنا يا رسول الله. فقال له: "ما منعك أن تجيبني في المرتين الأوليين؟ إني لم أنوّه بكم إلا خيراً، إن صاحبكم - يريد رجلاً منهم - مات مأسوراً بدينه, فلقد رأيته أُدي عنه حتى [ما يطلبه أحد بشيء] (¬3) ". 3 - وعن عمران بن حذيفة قال: كَانَتْ مَيْمُونَةُ تَدَّانُ وَتُكْثِرُ فَقَالَ لَهَا أَهْلُهَا فِي ذَلِكَ وَلاَمُوهَا، فَقَالَتْ: لاَ أَتْرُكُ الدَّيْنَ، وَقَدْ سَمِعْتُ خَلِيلي وَصَفِيِّي - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مَا مِنْ أَحَدٍ يَدَّانُ دَيْنًا فَيَعْلَمُ الله أَنَّهُ يُرِيدُ قَضَاءَهُ إِلاَّ أَدَّاهُ الله عَنْهُ فِي الدُّنْيَا". أخرجه النسائي (¬4). [صحيح دون قوله: في الدنيا] قوله: "وعن عمران بن حذيفة" أقول: في نسخة من "الجامع" (¬5) عمران بن حذيفة عن أبي هريرة. قوله: "كانت ميمونة" أي: بنت الحارث الهلالية أم المؤمنين - رضي الله عنها -. قوله: "إلا أداه الله عنه في الدنيا" في "الجامع" (¬6): "والآخرة" وهي بمعنى الواو. 4 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَطْلُ الغَنيِّ ظُلْمٌ، واِذَا أُتْبعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِئٍ فَلْيَتْبَعْ". ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (3341). (¬2) في "السنن" رقم (4685) دون قوله: "فلقد رأيته أُدّيَّ ... " وهو حديث حسن. (¬3) كذا في (أ. ب)، والذي في "سنن أبي داود": "ما بقي أحد يطلبه بشيء". (¬4) في "السنن" رقم (4686)، وهو حديث صحيح دون قوله: "في الدنيا". (¬5) (4/ 453). (¬6) (4/ 453 رقم 2535).

أخرجه الستة (¬1). [صحيح] قوله: "إذّا أُتْبعَ" (¬2): بضم الهمزة، وتخفيف المثناة الساكنة، أي: أُحيل. "عَلَى مَلِئٍ" (¬3) أي: قادر فليحتل. قوله: "في حديث أبي هريرة: مطل الغني ظلم" أقول: هو من باب إضافة المصدر إلى فاعله، أي: مطل الغني غريمه. والمطل: هو المد والمدافعة، والمراد هنا: تأخير ما استحق أداؤه بغير عذر، ويأتي في معناه [ليُّ] (¬4) الواجد يبيح عرضه وعقوبته. قوله: "فإذا أُتبع أحدكم" أقول: بضم الهمزة (¬5) وسكون المثناة الفوقية مبنياً للمفعول، أي: أحيل، والمراد: إحالة من عنده له الحق، والمليء بالهمزة وقد تخفف أي: غني. وقوله: "فليتبع" بالتشديد والتخفيف، أي: فليحتل. والأمر أصله للوجوب، وقيل: أنه هنا للإباحة، وقيل: للإرشاد. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (2287)، ومسلم رقم (33/ 2564)، وأبو داود رقم (3345)، والترمذي رقم (1308)، والنسائي رقم (4688)، وابن ماجه رقم (2403). وأخرجه أحمد (2/ 245)، ومالك (2/ 674 رقم 84)، والدارمي (2/ 261)، والحميدي رقم (1032)، وابن الجارود رقم (560)، والبيهقي (6/ 70)، وهو حديث صحيح. (¬2) قاله الخطابي في "غريب الحديث" (1/ 87)، وفي "إصلاح غلط المحدثين" (ص 125) ط: دار المأمون. (¬3) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 674). (¬4) في (أ): "لولي". (¬5) قال ابن الأثير في "غريب الجامع" (4/ 454): قال الخطابي: أصحاب الحديث يروونه بتشديد التاء، وهو غلط، وصوابه: أُتبع ساكنة التاء، بوزن: أُكْرِمَ، ومعناه: إذا أُحيلَ أحدُكم على مَلِئٍ - أي قادر - فليحتل، يقال: تبعتُ الرجل أتبعهُ تباعةً: إذا طالبته، فأنا تبيعه، وليس هذا أمراً على الوجوب إنما هو على الأدب والرفق والإباحة. انظر: "غريب الحديث" للخطابي (1/ 87)، "إصلاح غلط المحدثين" (ص 125).

قال السبكي (¬1): تسمية المطل ظلم يشعر بكونه كبيرة [96 ب] كالغصب. وقال النووي (¬2): هو صغيرة. 5 - وعن الشرّيد - رضي الله عنه - قال: "لَيُّ الوَاجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ". قَالَ ابْنُ المُبَارَكِ (¬3): يُغَلَّظُ له وَيُحْبَسُ. أخرجه أبو داود (¬4) والنسائي (¬5). [صحيح] "الَّليُّ" (¬6): المطل. "وَالوَاجِدُ": القادر، أراد أنه يجوز لصاحب الدين أن يعيبه ويصفه بسوء القضاء، وأراد بالعرض نفس الإنسان، وبالعقوبة حبسه. قوله: "وعن الشريد" أقول: بفتح الشين المعجمة، فراء، فمثناة تحتية، فدال مهملة. هو ابن سويد بالتصغير وإهمال أوله وآخره، وكان اسم الشريد (¬7) مالكاً، فسماه النبي - صلى الله عليه وسلم - الشريد؛ لأنه قتل قتيلاً من قومه ولحق بمكة فأسلم، وهو ثقفي. 6 - وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: سَمِعَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صَوْتَ خُصُومٍ بِالبَابِ عَالِيَةً أَصْوَاتُهُمْ، وَإِذَا أَحَدُهُمَا يَسْتَوْضِعُ الآخَرَ وَيَسْتَرْفِقُهُ فِي شَيْءٍ وَهُوَ يَقُولُ: وَالله لاَ أَفْعَلُ. فَخَرَجَ ¬

_ (¬1) في "شرح المنهاج" كما في "فتح الباري" (4/ 466). (¬2) في شرحه لصحيح مسلم (10/ 228). (¬3) قال ابن المبارك: "يحل عرضه": يغلظ له، و"عقوبته": يحبس له. "سنن أبي داود" (4/ 46). (¬4) في "السنن" رقم (3628). (¬5) في "السنن" رقم (2427). وأخرجه أحمد (4/ 222، 388، 389)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (6/ 51)، والحاكم (4/ 102)، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. وابن حبان رقم (5089)، وعلقه البخاري في صحيحه (5/ 62 رقم الباب 13 مع الفتح). وهو حديث صحيح. (¬6) انظر: "النهاية" (2/ 627). (¬7) "التقريب" (1/ 350 رقم 60).

رسول الله عَلَيْهِمَا - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "أَيُّكُمْ المُتَأَلّي عَلَى الله أَنْ لاَ يَفْعَل المَعْرُوفَ؟ " فَقَالَ: أَنَا يَا رَسُولَ الله، فَلَهُ أَيُّ ذَلِكَ أَحَبَّ. أخرجه الشيخان (¬1). [صحيح] "يَسْتَوْضِعُ" (¬2) أي: يستحطُّ. "وَيَستَرْفِقُهُ": يسأله الرفق به. "والمتأَلِّي": الحالف. قوله: "في حديث عائشة: يستوضع الآخر" أي: يطلب منه الوضيعة، أي: الحطيطة من الدين. و"يسترفقه" أي: يطلب منه الرفق. "والمتألي" الحالف المبالغ في اليمين. قوله: "في شيء" أقول: في "فتح الباري" (¬3) وقع لنا في رواية ابن حبان في أول الحديث: دخلت امرأة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: إني ابتعت أنا وابني من فلان تمراً فأحصيناه. [لا والذي بعثك بالحق] (¬4) ما أحصينا منه [إلا الذي أكلنا في بطوننا] (¬5)، أو نطعم مسكيناً وجئنا نستوضعه ما نقصنا" الحديث. فظهر بهذا أن المخاصمة وقعت بين البائع والمشتري، ولم (¬6) أقف على تسمية واحد منهما. وأما تجويز بعض الشراح أن المتخاصمين كعب بن مالك وعبد الله بن أبي حدرد ففيه بُعْد لتغاير القصتين، فعرف بهذا أصل القصة. [316/ أ] [97 ب]. قوله: "أي ذلك أحب" أي: من الوضع أو الرفق. ¬

_ (¬1) البخاري في صحيحه رقم (2705)، ومسلم رقم (1557). (¬2) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (4/ 456). (¬3) (5/ 308). (¬4) كذا في (أ. ب)، والذي في "فتح الباري" (5/ 308): "لا والذي أكرمك بالحق". (¬5) كذا في (أ. ب)، والذي في "فتح الباري": "إلا ما نأكله في بطوننا". (¬6) قاله الحافظ في "فتح الباري" (5/ 308).

7 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كَانَ فِيمَا كانَ قَبْلكُمْ تَاجِرٌ يُدَايِنُ النَّاسَ، فَكَانَ إذَا رَأى مُعْسِراً قَالَ لِفِتْيَانِهِ: تَجَاوَزُوا عَنْهُ، لَعَلَّ الله أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنَّا، فَتَجَاوَزَ الله عَنْهُ". أخرجه الشيخان (¬1) والنسائي (¬2). [صحيح] 8 - وله (¬3) في أخرى: "أَنَّ رَجُلاً لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ وَكَانَ يُدَايِنُ النَّاسَ فَيَقُولُ لِرَسُولهِ: خُذْ مَا تيَسَّرَ وَاتْرُكْ مَا تَعَسَّرَ، وَتَجَاوَزْ لَعَلَّ الله تَعَالَى يَتَجَاوَزَ عَنَّا. فَلَمَّا هَلَكَ، قَالَ الله تَعَالَى: هَلْ عَمِلْتَ خَيْرًا قَطُّ؟ قَالَ: لاَ، إِلاَّ أنَّهُ كَانَ لِي غُلاَمٌ وَكُنْتُ أُدَايِنُ، فَإِذَا بَعَثْتُهُ يَتَقَاضَى. قُلْتُ لَهُ: خُذْ مَا تيَسَّرَ وَدع مَا تَعَسَّرَ وَتَجَاوَزْ لَعَلَّ الله يَتَجَاوَزُ عَنَّا، قَالَ الله تَعَالَى: قَدْ تَجَاوَزْتُ عَنْكَ". [صحيح] 9 - وعن أبي قتادة - رضي الله عنه -: أَنَّهُ طَلَبَ غَرِيمًا لَهُ فتوَارَى عَنْهُ ثُمَّ وَجَدَهُ, فَقَالَ: إِنِّي مُعْسِرٌ. فَقَالَ: الله؟ قَالَ: الله، قَالَ: فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُنْجِيَهُ الله مِنْ كُرَبِ يَوْمِ القِيَامَةِ فَلْيُنَفِّسْ عَنْ مُعْسِرٍ أَوْ يَضَعْ عَنْهُ". أخرجه مسلم (¬4). [صحيح] "تَوَارَى" أي: استترَ واختفى عن غريمه (¬5). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (2078، 3480)، ومسلم رقم (1562). (¬2) في "السنن" رقم (4695). (¬3) أخرجه النسائي في "السنن" رقم (4694). وأخرجه البخاري رقم (2391، 3451)، ومسلم رقم (28/ 1560) من حديث حذيفة - رضي الله عنه -. وأخرج مسلم في صحيحه رقم (30/ 1561) عن أبي مسعود قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "حوسب رجل ممن كان قبلكم فلم يوجد له من الخير شيء، إلا أنه كان يخالط الناس، وكان موسراً، فكان يأمر غلمانه أن يتجاوزوا عن المعسر، قال: قال الله - عز وجل -: نحن أحق بذلك منه، تجاوزوا عنه". (¬4) في صحيحه رقم (32/ 1563). (¬5) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (4/ 458).

10 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رسُول - صلى الله عليه وسلم - سِنٌّ مِنَ الإِبِلِ فَجَاءَهُ يَتَقَاضَاهُ، فَقَالَ: "أَعْطُوهُ" وَإنَّهُ أغْلَظَ لَهُ القَوْلِ حَتَّى هَمَّ بِهِ بَعْضُ القَوْمِ، فَقَالَ: "دَعُوهُ, فَإِنَّ لَصَاحِبَ الحَقِّ مَقَالاً، ثُمَّ قَالَ: أعْطوهُ فَطَلبُوا سِنَّهُ فلَمْ يَجِدُوا إلا سِنَّاً فَوْقَهَا. فقال: أعطوه. فقالَ: أوْفيْتَنِي أَوْفَاكَ الله تعَالى، فقَال - صلى الله عليه وسلم -: إنَّ خَيْرَكْمْ أحْسَنكُمْ قَضَاءً". أخرجه الخمسة (¬1) إلا أبا داود. [صحيح] قوله: "في حديث أبي هريرة: كان لرجل" أقول: هو زيد بن سبعة، بفتح السين المهملة فمثناة تحتية، فعين مهملة، كان من أحبار اليهود، ويقال: إنه أسلم لما رأى من موافقة اسمه - صلى الله عليه وسلم - بالحلم، [لما كان يجده في التوراة موصوفاً بالحِلم] (¬2)، وتوفي في غزوة تبوك مع النبي - صلى الله عليه وسلم -. [و] (¬3) قوله: "حتى هم به بعض القوم" هو عمر بن الخطاب. وقوله: "إن لصاحب الحق مقالاً" أي: من صولة الطلب وقيام الحجة. 11 - وعن أبي قتادة - رضي الله عنه - قال: أُتِيَ بِرَجُلٍ ليُصَلّيَ عَلَيْهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ فَإِنَّ عَلَيْهِ دَيْنًا". فقلت: هُوَ عَلَي يَا رَسُولَ الله، قال: "بِالوَفَاءِ؟ ".قلتُ: بِالوَفَاءِ. فَصَلَّى عَلَيْهِ. أخرجه الترمذي (¬4) وصححه والنسائي (¬5). [صحيح] ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (2392)، ومسلم رقم (122/ 1601)، والترمذي رقم (1316 , 1317)، والنسائي رقم (4618). (¬2) زيادة من (أ). (¬3) زيادة من (أ). (¬4) في "السنن" رقم (1069) وقال: حديث أبي قتادة حديث حسن صحيح. (¬5) في "السنن" رقم (1960). وأخرجه أحمد (5/ 297)، وابن ماجه رقم (2407)، وابن حبان رقم (3060)، وهو حديث صحيح.

قوله: "في حديث أبي قتادة قال: بالوفاء" قلت: زاد الحاكم (¬1) من حديث جابر، هما: أي: الديناران عليك في مالك والميت بريء منهما، قال: نعم. قوله: "فصلى عليه" أقول: تمام الحديث في "الجامع" (¬2): فلما فتح الله على رسوله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أنا أولى بكل مؤمن من نفسه فمن ترك ديناً فعلي [98 ب] قضاؤه، ومن ترك مالاً فلورثته" (¬3). وأخرج الشيخان (¬4)، والترمذي (¬5)، والنسائي (¬6) من حديث أبي هريرة قال: كان يؤتى بالرجل المتوفى عليه الدَّين، فيسأل: هل ترك لدينه قضاء؟ فإن حُدِّث أنه ترك وفاءً صلى عليه، وإلا قال للمسلمين: "صلوا على صاحبكم"، فلما فتح الله على رسوله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي ولا يسأل عن الدين، وكان يقول: "أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فمن توفي من المؤمنين وترك ديناً أو كلاًّ أو ضياعاً فعليَّ وإليَّ، ومن ترك مالاً فلورثته". انتهى. "الكَل" (¬7) بفتح الكاف: العيال والثقل، و"الضياع" (¬8) بفتح الضاد: العيال. ¬

_ (¬1) في "المستدرك" (2/ 58). (¬2) (4/ 466). (¬3) أخرجه أبو داود رقم (2343)، والنسائي رقم (1962)، وهو حديث صحيح. (¬4) البخاري في صحيحه رقم (2298)، وأطرافه (2398، 2399، 4781، 5371، 6731، 6745, 6763)، ومسلم رقم (1619). (¬5) في "السنن" رقم (1070، 2090). (¬6) في "السنن" رقم (1963). (¬7) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (4/ 467)، وانظر: "النهاية" (2/ 560). (¬8) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (4/ 467)، وانظر: "النهاية" (2/ 98).

حرف الذال

حرف الذال وفيه ثلاثة كتب الذكر - الذبائح - ذم الدنيا وأماكن من الأرض كتاب: الذكر 1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ لله مَلاَئِكَةً يَطُوفُونَ فِي الطُّرُقِ، يَلْتَمِسُونَ أِّهْلَ الذِّكْرِ، فَإِذَا وَجَدُوا قَوْمًا يَذْكُرُونَ الله تَعَالى تَنَادَوْا: هَلُمُّوا إِلَى حَاجَتِكُمْ، فَيَحُفُّونَهُمْ بِأَجْنِحَتِهِمْ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا، فَيَسأَلهُمْ رَبُّهُمْ وَهْوَ أَعْلَمُ بِهِمْ: مَا يَقُوُل عِبَادِي؟ فَيَقُولُونَ: يُسَبِّحُونَكَ، وُيكَبِّرُونَكَ، وَيَحْمَدُونَكَ، وُيمَجِّدُونَكَ. قَالَ فَيَقُولُ: هَلْ رَأَوْنِي؟ فَيَقُولُونَ: لاَ. فَيَقُولُ: كَيْفَ لَوْ رَأوْنِي؟ فَيَقُولُونَ: لَوْ رَأَوْكَ كانُوا أَشَدَّ لَكَ عِبَادَةً, وَأَشَدَّ لَكَ تَمْجِيدًا، وَأَكثَرَ لكَ تَسْبِيحًا. قال: فيَقُولُ: فَمَا يَسْأَلُونَ؟ فيَقُولُونَ: يَسْأَلُونَكَ الجَنَّةَ- فيقولُ: هَل رَأوْهَا؟ فَيَقُولُونَ: لا يَا رَبِّ. فَيَقُولُ: كَيْفَ لَوْ رَأَوْهَا؟ فَيَقُولُونَ: لَوْ رَأَوْهَا كَانُوا أَشَدَّ عَلَيْهَا حِرْصًا، وَأَشَدَّ لهَا طَلَبًا، وَأَعْظَمَ فِيهَا رَغْبَةً. قَالَ: فَمِمَّ يَتَعَوَّذُونَ؟ فَيَقُولُونَ: يَتَعَوَّذُونَ مِنَ النَّارِ. فَيَقُولُ: هَلْ رَأَوْهَا؟ فَيَقُولُونَ: لاَ يَا ربِّ. فَيَقُولُ كَيْف لَوْ رَأَوْهَا؟ فَيَقُولُونَ: لَوْ رَأَوْهَا كَانُوا أَشَدَّ مِنْهَا فِرَارًا، وَأَشَدَّ لهَا مَخَافَةً. قَالَ فَيَقُولُ: أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لهُمْ. قَالَ: فَيَقُوُل مَلَكٌ منهمْ: فِيهِمْ فُلاَنٌ عَبْدٌ خطَّاء لَيْسَ مِنْهُمْ إِنَّمَا جَاءَ لحِاجَةٍ فَجَلَسَ، فيقولُ: وله قد غفرت, هُمُ القَوْمُ لاَ يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ". أخرجه الشيخان (¬1) والترمذي (¬2). [صحيح] قوله: "حرف الذال" أي: المعجمة. "وفيه ثلاثة كتب" وهذا الباب آخر الثلث الأول من التيسير. ¬

_ (¬1) البخاري في صحيحه رقم (6408)، ومسلم رقم (2689). (¬2) في "السنن" رقم (3600).

الأول قوله: "كتاب الذكر". أقول: قال النووي في كتابه "الأذكار" (¬1): اعلم أن فضيلة الذكر غير منحصرة في التسبيح، والتهليل، والتحميد، والتكبير، ونحوها، بل كل عامل لله بطاعة فهو ذاكراً لله تعالى، كذا قاله سعيد بن جبير - رحمه الله - وغيره من العلماء. وقال عطاء (¬2): مجالس الذكر، هي مجالس الحلال والحرام، كيف يشتري ويبيع ويصلي ويصوم وينكح ويطلق ويحج، وأشباه هذا. انتهى. وفي "فتح الباري" (¬3): يطلق ذكر الله ويراد به المواظبة على العمل بما أوجبه, أو ندب إليه، كتلاوة القرآن وقراءة الحديث ومدارسة العلم، والتنفل بالصلاة، ثم الذكر يقع تارة باللسان ويؤجر عليه الناطق به، ولا يشترط استحضاره لمعناه، ولكن يشترط أن لا يقصد به غير [99 ب] معناه، وإن انضاف إلى النطق الذكر بالقلب فهو أكمل، وإن انضاف إلى ذلك استحضار معنى الذكر وما اشتمل عليه من تعظيم الله تعالى ونفي النقائص عنه ازداد كمالاً، فإن وقع ذلك في عمل صالح من صلاة، أو جهاد، أو غيرهما ازداد الكمال. وقال الفخر الرازي (¬4): المراد بذكر اللسان: الألفاظ الدالة على التسبيح والتحميد. والتمجيد والذكر: بالقلب التفكر في أدلة الذات والصفات، وفي أدلة التكليف في الأمر والنهي، حتى يطلع على أحكامها، وفي أسرار مخلوقات الله. ¬

_ (¬1) (1/ 70). (¬2) قاله النووي في "الأذكار" (1/ 70). (¬3) (11/ 209). (¬4) في تفسيره (6/ 185 - 186)، انظر: "فتح الباري" (11/ 209 - 210).

والذكر بالجوارح: هو أن تصير متفرقة في الطاعات، ومن ثمة سمى الصلاة ذكراً فقال: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} (¬1). ونقل عن [بعض] (¬2) العارفين قال (¬3): الذكر على سبعة أنحاء، فذكر العينين بالبكاء، وذكر الأذنين بالإصغاء، وذكر اللسان بالثناء، وذكر اليدين بالعطاء, وذكر البدن بالوفاء، وذكر القلب بالخوف والرجاء، وذكر الروح بالتسليم والرضا. قوله: "في حديث أبي هريرة: يلتمسون أهل الذكر. في رواية: يبتغون مجالس الذكر". قوله: "تنادوا" [100 ب] أي: يتنادون. وهي رواية. قوله: "هلموا إلى حاجتكم" أقول: هذا على لغة أهل نجد، وأما أهل الحجاز فيقولون للواحد والإثنين والجماعة: هلم. قوله: "فيحفونهم بأجنحتهم" [أقول] (¬4) أي: يدنون بأجنحتهم حول الذاكرين، والباء للتعدية، وقيل: للاستعانة (¬5). قوله: "إلى السماء الدنيا" في رواية سهيل (¬6): "قعدوا معهم، وحف بعضهم بعضاً بأجنحتهم حتى يملئوا ما بينهما وبين سماء الدنيا". قوله: "ما يقول عبادي" أقول: قد ورد بروايات فيها زيادات على هذه الأربع الجمل فيها: يهللونك، ويذكرونك، ومنها: ويسألونك، ومنها: ويصلون على نبيك، ويسألونك ¬

_ (¬1) سورة الجمعة: 9. (¬2) زيادة من (أ). (¬3) ذكره الحافظ في "فتح الباري" (11/ 209) عن بعض العارفين. (¬4) زيادة من (أ). (¬5) ذكره الحافظ في "فتح الباري" (11/ 212). (¬6) ذكره الحافظ في "الفتح" (11/ 212).

لدنياهم وأخراهم، ومنها (¬1): يعظمون الآلاء. أي: النعم، ويتلون كتابك، ويصلون على نبيك. قال الحافظ في "الفتح" (¬2) بعد سرد ما ذكر: ويؤخذ من مجموع هذه الطرق المراد بمجالس الذكر، وأنها التي يجتمع فيها على [317/ أ] ذكر الله بأنواع الذكر الوارد من تسبيح وتكبير وغيرهما، وعلى تلاوة كتاب الله، وعلى الدعاء بخيري الدنيا والآخرة، [قال] (¬3): وفي دخول قراءة الحديث النبوي، ومدارسة العلم الشرعي ومذاكرته، والاجتماع على صلاة النافلة في هذه المجالس نظر. والأشبه اختصاص ذلك بمجالس التسبيح والتكبير ونحوهما والتلاوة حسب، وإن كانت قراءة الحديث ومدارسة العلم والمناظرة فيه من جملة ما يدخل تحت مسمى ذكر الله تعالى. قوله: "فيقول ملك من الملائكة: فيهم فلان أتى لحاجة .. " وفي رواية (¬4): "فيقولون: إن فيهم [101 ب] فلاناً الخاطئ إنما جاء لحاجة" وفي أخرى (¬5): "رب! إن فيهم فلاناً عبد خطّاء، إنما مر بهم فجلس معهم". ¬

_ (¬1) قال الحافظ في "فتح الباري" (11/ 212) وفي حديث أنس عند البزار: "ويعظمون آلاءك، ويتلون كتابك، ويصلون على نبيك، ويسألونك لآخرتهم ودنياهم". أخرجه البزار في مسنده رقم (3062 - كشف). وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (10/ 77) وقال: رواه البزار من طريق زائدة بن أبي الرقاد، عن زياد النمري، وكلاهما وثق على ضعفه, فعاد هذا إسناده حسن. وهو حديث منكر، والله أعلم. (¬2) (11/ 213). (¬3) زيادة من (أ). (¬4) ذكره الحافظ في "الفتح" (11/ 213) من رواية أبي معاوية. (¬5) أخرجها البخاري رقم (6408)، ومسلم رقم (25/ 2689).

قوله: "لا يشقى جليسهم" أقول: في "الفتح" (¬1) في هذه العبارة مبالغة في نفي الشقاء عن جليس الذاكرين، فلو قيل سعد بهم جليسهم؛ لكان ذلك في غاية الفضل، لكن التصريح بنفي الشقاء، أبلغ في حصول المقصود. وفي الحديث (¬2) فضل مجالس الذكر والذاكرين، وفضل الاجتماع على ذلك، وأن جليسهم يندرج معهم في جميع ما يتفضل الله تعالى به عليهم، إكراماً لهم، ولو لم يشاركهم في أصل الذكر. وفيه محبة الملائكة لبني آدم واعتنائهم بهم، وطلبهم مجالس الذكر في دار الدنيا. 2 - وعنه - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ قَعَدَ مَقْعَدًا لَمْ يَذْكُرِ الله تَعَالَى فيهِ كَانَتْ عَلَيْهِ مِنَ الله تِرَةٌ، وَمَنِ اضْطَجَعَ مَضْجَعًا لاَ يَذْكُرُ الله فِيهِ كانَتْ عَلَيْهِ مِنَ الله تِرَةً, وَمَا مَشَى أَحَدٌ مَمْشَى لاَ يَذْكُرُ الله فِيهِ إِلاَّ كانَتْ عَلَيْهِ مَنَ الله ترَةٌ". أخرجه أبو داود (¬3) وهذا لفظه والترمذي (¬4). "التِّرَةُ" (¬5) هنا: التَّبِعَةُ. ¬

_ (¬1) (11/ 213). (¬2) ذكره الحافظ في "فتح الباري" (11/ 213). (¬3) في "السنن" رقم (4856). (¬4) في "السنن" رقم (3380). وأخرجه أحمد (2/ 432)، والبيهقي في "شعب الإيمان" رقم (546)، والنسائي في "عمل اليوم والليلة" رقم (404)، وابن حبان في صحيحه رقم (853)، وهو حديث صحيح. (¬5) "المجموع المغيث" (3/ 380).

قوله: "في حديث أبي هريرة الثاني: إلا كانت عليه ترة" أقول: بكسر المثناة الفوقية، فراء، فتاء تأنيث. فسرها المصنف بأنها التبعة هنا. وبها فسرها ابن الأثير (¬1)، وقال: أصل الترة النقص، يقال: وترت الرجل ترة كما يقال: وعدته عدة. 3 - وعن أبي مسلم الأغرّ قال: أَشْهَدُ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ - رضي الله عنهما - أَنَّهُمَا شَهِدَا عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ: "لاَ يَقْعُدُ قَوْمٌ يَذْكُرُونَ الله تَعَالى إِلاَّ حَفَّتْهُمُ المَلاَئِكَةُ, وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَنَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينةُ, وَذَكَرَهُمُ الله فِيمَنْ عِنْدَهُ". أخرجه مسلم (¬2) والترمذي (¬3). [صحيح] قوله: "في حديث أبي مسلم الأغر" لفظ "الجامع" (¬4) وعن الأغر أبي مسلم، ثم قال: في الرابع من أجزائه: الأغر (¬5) [102 ب] هو أبو مسلم، مولى أبي سعيد الخدري، وأبي هريرة، اشتركا في عتقه فهو مولاهما، وروى عنهما. قال شعبة: كان الأغر قاصاً من أهل المدينة، وكان رضياً، وهو بالغين المعجمة والراء. انتهى. وكان الأحسن للمصنف التعبير بعبارة ابن الأثير الذي نقله منه. قوله: "وغشيتهم السكينة" أقول: هي هنا الرحمة، ولها تفاسير أخر (¬6). 4 - وعن أبي موسى - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قَال: "مَثَلُ البَيْتِ الَّذِي يُذْكَرُ الله فِيهِ وَالبَيْتِ الَّذِي لاَ يُذْكَرُ الله فِيهِ مَثَلُ الحَيِّ وَالمِّيَتِ". ¬

_ (¬1) في "جامع الأصول" (4/ 472). وانظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 821). (¬2) في صحيحه رقم (2700). (¬3) في "السنن" رقم (3378)، وهو حديث صحيح. (¬4) (4/ 474 رقم 2560). (¬5) قاله ابن الأثير في "تتمة جامع الأصول" (1/ 180). (¬6) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 309).

أخرجه الشيخان (¬1). [صحيح] قوله: "في حديث أبي موسى: مثل البيت" أقول: المراد به ساكن البيت، فهو الذي يوصف بالحياة والموت حقيقة لا المسكن، شبه الذاكر (¬2) بالحي الذي ظاهره متزين بنور الحياة، وباطنه بنور المعرفة، وغير الذاكر بالميت, الذي ظاهره عاطل، وباطنه باطل. 5 - وفي رواية أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يَقُولُ الله تَعَالَى: أنَّا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي. فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلأٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلأٍ خيرٍ مِنْهُ, وإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ شبرًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِليَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً" أخرجه الشيخان (¬3) والترمذي (¬4). [صحيح] قوله: "في حديث أبي هريرة: أنا معه إذا ذكرني" أقول: قال الكرماني: المعية (¬5) هنا معية الرحمة. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (6407)، ومسلم رقم (779). (¬2) قاله الحافظ في "فتح الباري" (11/ 210 - 211). (¬3) أخرجه البخاري رقم (7405، 7537)، ومسلم رقم (2675). (¬4) في "السنن" رقم (3603). (¬5) بل يعتقد أهل الحق أهل السنة والجماعة: أن الله معنا على الحقيقة, وأنه فوق سماواته مستو على عرشه, وهذه المعية ثابتة بالكتاب والسنة. الدليل من الكتاب: قوله تعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الحديد: 4]. قوله تعالى: {وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} [المجادلة: 7]. الدليل من السنة: =

وأما قوله: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} (¬1) فهي معية العلم، يعني: فهذه أخص من المعية التي في الآية. 6 - وعن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال: قال رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ آوَى إِلَى فِرَاشِهِ طَاهِرًا يَذْكُرُ الله تَعَالَى حَتَّى يُدْرِكَهُ النُّعَاسُ لَمْ يتقلبْ سَاعَةً مِنَ اللَّيْلِ يَسْأل الله تعَالى مِنْ خيرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ إِلاَّ أَعْطَاهُ الله تَعَالى إِيَّاهُ". أخرجه الترمذي (¬2). [ضعيف] قوله: "في حديث أبي أمامة: أخرجه الترمذي" قلت: وقال (¬3): "حسن". 7 - وعن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - قال: "مَا عَمِلَ العبدُ عَملاً أَنْجَى لَهُ مِنْ عَذَابِ الله مِنْ ذِكْرِ الله تعَالى". أخرجه مالك (¬4). [موقوف ضعيف] ¬

_ = ما أخرجه البخاري رقم (406)، ومسلم رقم (547) من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما -: "إذا قام أحدكم إلى الصلاة فلا يبصق قبل وجهه؛ فإن الله قبل وجهه". وما أخرجه البخاري رقم (7405)، ومسلم رقم (2675) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: "أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني ... ". قال ابن تيمية في "الواسطية" (ص 193): "فصل: وقد دخل فيما ذكرناه من الإيمان بالله الإيمان بما أخبر الله به في كتابه، وتواتر عن رسوله، وأجمع عليه سلف الأمة: من أنه سبحانه فوق سماواته على عرشه, عليٌّ على خلقه، وهو سبحانه معهم أينما كانوا، يعلم ما هم عاملون"، ثم بعد أن أورد بعض الآيات قال: "وكل هذا الكلام الذي ذكره الله من أنه فوق العرش، وأنه معنا حق على حقيقته, لا يحتاج إلى تحريف، ولكن يصان عن الظنون الكاذبة". (¬1) سورة الحديد: 4. (¬2) في "السنن" رقم (3526)، وهو حديث ضعيف. (¬3) في "السنن" رقم (5/ 540). (¬4) في "الموطأ" (1/ 211 رقم 24)، وهو موقوف ضعيف. وأخرجه الترمذي في "السنن" رقم (3377)، وابن ماجه رقم (3790)، وهو حديث صحيح. =

قوله: "في حديث معاذ: أنجى من ذكر الله" أقول: روى أبو شبل المخزومي، وكان جده صحابياً: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لمعاذ بن جبل: "كم تذكر ربك كل يوم؟ تذكره كل يوم عشرة آلاف مرة" فقال: كل ذلك أفعل. قال: "أفلا أدلك على كلمات هن أهون عليك، وهن أكثر من عشرة آلاف، وعشرة آلاف مرة, تقول: لا إله إلا الله (¬1) عدد ما أحصى الله، لا إله إلا الله عدد كلماته, لا إله إلا الله عدد خلقه، لا إله إلا الله زنة عرشه, لا إله إلا الله ملء سماواته، لا إله إلا الله ملء أرضه, لا إله إلا الله ملء ذلك، لا يحصيه ملك ولا غيره" ذكره الكاشغري. قوله: "أخرجه مالك". ¬

_ = عن أبي الدرداء قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ألا أنبئكم بخير أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والورق، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟ " قالوا: بلى، قال: "ذكر الله تعالى". قال معاذ بن جبل: ما شيء أنجى من عذاب الله من ذكر الله. (¬1) أخرج أحمد (5/ 249)، والنسائي في "عمل اليوم والليلة" رقم (166)، وابن حبان رقم (830)، والحاكم (1/ 513) عن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال: رآني النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنا أُحرِّك شفتي، فقال لي: "بأي شيء تُحرَّك شفتيك يا أبا أمامة؟ " فقلت: أذكر الله يا رسول الله، فقال: "ألا أخبرك بأكثر وأفضل من ذكرك بالليل والنهار؟ " قلت: بلى يا رسول الله، قال: "سبحان الله عدد ما خلق، سبحان الله ملء ما خلق، سبحان الله عدد ما في الأرض والسماء، سبحان الله ملء ما في الأرض والسماء، سبحان الله عدد ما أحصى كتابه، سبحان الله ملء ما أحصى كتابه، سبحان الله عدد كل شيء، سبحان الله ملء كل شيء، الحمد لله عدد ما خلق، والحمد لله ملء ما خلق، والحمد لله عدد ما في الأرض والسماء، والحمد لله ملء ما في الأرض والسماء، والحمد لله عدد ما أحصى كتابه، والحمد لله ملء ما أحصى كتابه, الحمد لله عدد كل شيء, والحمد لله ملء كل شيء". وهو حديث صحيح، والله أعلم.

كتاب: الذبائح

كتاب: الذبائح وفيه أربعة فصول الفصل الأول: في آداب الذبح ومنهياته 1 - عن شداد بن أوس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ الله تَعَالى كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا القِتْلَةَ, وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ, وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ ولْيُرِحُ ذَبِيحَتَهُ". أخرجه الخمسة (¬1) إلا البخاري. [صحيح] "القِتْلةُ وَالذِّبْحَةُ" بكسر أولهما: الحالة، وبفتحها: المرة الواحدة من القتْل، والذبح وهو المصدر (¬2). قوله: "عن شداد" (¬3) بفتح الشين المعجمة، فدال مهملة مشددة، آخره مهملة، ابن أوس، بفتح الهمزة وسكون الواو، فسين مهملة، وهو أي: شداد ابن أخي حسان بن ثابت. قوله: "وليرح ذبيحته" أقول: من أراحه, والذبيحة المذبوح سميت به مجازاً، من باب: "من قتل قتيلاً فله سلبه" وإراحتها بإحداد السكين، وتعجيل إمرارها وغير ذلك، ويستحب (¬4) أن لا يحد السكين بحضرتها، وأن لا يذبح واحدة بحضرة أخرى، ولا يجرها إلى مذبحها بعنف. واعلم أن الأمر بإحسان القتلة عام في كل قتل من الذبائح، والقتل قصاصاً، وفي الحد. وهذا الحديث من جوامع الكلم. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم رقم (57/ 1955)، وأبو داود رقم (2815)، والترمذي رقم (1409)، والنسائي رقم (4405)، وابن ماجه رقم (3170)، وهو حديث صحيح. (¬2) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (4/ 480). (¬3) انظر: "التقريب" (1/ 347 رقم 26). (¬4) قاله النووي في شرحه لصحيح مسلم (13/ 107).

قوله: "وهي المصدر" هذه الصيغة صيغة المصدر الذي يراد به العدد. قال ابن أبي حمزة: فيه رحمة الله لعباده، حتى في حال القتل، فأذن في القتل [وأخذ] (¬1) وأمرنا بالرفق فيه. ويؤخذ منه: قهره لجميع عباده، وإنه لا يترك لأحد التصرف في شيء إلا قد حد له كيفية. 2 - وعن أبي هريرة وابن عباس - رضي الله عنهم - قالا: نَهَى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنْ شَرِيطَةِ الشَّيْطَانِ. قِيلَ: هِيَ الذَّبِيحَةُ يُقْطَعُ مِنْهَا الجِلْدُ وَلاَ تُفْرَى الأوَدَاجُ ثمَّ تُتْرَكُ حَتَّى تَمُوتَ. أخرجه أبو داود (¬2). [ضعيف] "الأوْدَاجُ": جمع وَدَج، وهو عرق العنق، وهما ودجان في جانبي العنق، وإنما أضافهما إلى الشيطان لحمله إياهم على ذلك، وكان من عمل الجاهلية (¬3). ¬

_ (¬1) كذا في (أ. ب) غير واضحة المعنى. (¬2) في "السنن" رقم (2826)، وهو حديث ضعيف. وأخرجه ابن حبان في صحيحه رقم (5888)، والحاكم (4/ 114)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (9/ 278)، وأحمد في "المسند" (1/ 289) من طرق عن عبد الله بن المبارك عن معمر عن عمرو بن عبد الله عن عكرمة عن ابن عباس وأبي هريرة, وزاد الحاكم: قال ابن المبارك: والشريطة: أن يخرج الروح منه بشرط من غير قطع الحلقوم، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي. قلت: وهذا إسناد ضعيف رجاله كلهم ثقات رجال مسلم، غير عمرو بن عبد الله وهو ابن الأسود اليماني وقد ضعِّف، كما قال الذهبي في "الكاشف" رقم الترجمة (4246)، ولم يوثقه من المشهورين أحد سوى ابن حبان. وقال الحافظ في "التقريب" رقم (5060): صدوق فيه لين، وبه أعله المنذري، فقال: وقد تكلم فيه غير واحد. (¬3) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (4/ 482).

3 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "مَنْ نَسِيَ التَّسْمِيَةَ فلا بَأْسَ، وَمَنْ تَعَمَّدَ فَلاَ تُؤْكلْ". أخرجه رزين. قوله: "في حديث أبي هريرة وابن عباس" قيل: هي الذبيحة يقطع منها الجلد. أقول: لفظ "النهاية" (¬1) قيل: هي الذبيحة التي لا تقطع أوادجها ويستقصي [104 ب] ذبحها، وهي من شريطة الحجام، وكان أهل الجاهلية يقطعون بعض حلقها ويتركونها حتى تموت. قوله: "أخرجه رزين" أقول: هو موقوف على ابن عباس، وقد علقه البخاري (¬2). قال في "الفتح" (¬3) [318/ أ]: إنه وصله الدارقطني، وذكره مالك بلاغاً عن ابن عباس. وأخرجه الدارقطني من وجه آخر عن ابن عباس مرفوعاً. وهذه التفرقة بين المتعمد وغيره اختارها البخاري. فقال في ترجمته (¬4): "باب التسمية على الذبيحة ومن ترك متعمداً" واستظهر يقول ابن عباس وبما ذكره بعده من قوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} (¬5) ثم قال: والناسي لا يسمى فاسقاً، يشير إلى قوله تعالى في الآية: {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} (¬6) فاستنبط منها أن الوصف للعامد فيختص الوصف به، والتفرقة بين الناسي والعامد في الذبيحة قول أحمد (¬7) ¬

_ (¬1) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 856). (¬2) في صحيحه (9/ 623 الباب رقم 15 مع الفتح). (¬3) في "فتح الباري" (9/ 624). (¬4) في صحيحه (9/ 623 الباب رقم 15 مع الفتح). (¬5) سورة الأنعام: 121. (¬6) سورة الأنعام: 121. (¬7) "المغني" (13/ 390).

وطائفة, وقواه الغزالي في "الإحياء" (¬1) محتجاً بأن ظاهر الآية الإيجاب مطلقاً، وكذلك الأخبار، وإن الأخبار الدالة على الرخصة تحتمل التعميم, وتحتمل الاختصاص بالناسي، فكان حمله عليه أولى لتحري الأدلة كلها على ظاهرها، ويعذر الناسي دون العامد. 4 - وعن ابن عمرو - رضي الله عنهما - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا مِنْ إِنْسَانٍ يَقْتلُ عُصْفُورًا فَمَا فَوْقَهَا بِغَيْرِ حَقِّ إِلاَّ سَأَلَهُ الله تَعَالَى عَنْهَا". قِيلَ: وَمَا حَقُّهَا؟ قَالَ: "يَذْبَحُهَا فَيَأْكُلُهَا وَلاَ يَقْطَعُ رَأْسَهَا وَيَرْمِي بِهَا". أخرجه النسائي (¬2). [ضعيف] 5 - وعن أبي واقد - رضي الله عنه - قال: قَدِمَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - المَدِينَةَ وَهُمْ يَجُبُّونَ أَسْنِمَةَ الإِبِلِ وَيَقْطَعُونَ أَلْيَاتِ الغَنَمِ وَيَأْكُلُونَ ذلِكَ، فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: "مَا قُطِعَ مِنَ البَهِيمَةِ وَهِيَ حَيَّةٌ فَهُوَ مَيْتَةٌ لاَ يُؤْكَلُ". أخرجه أبو داود (¬3) والترمذي (¬4). [صحيح] ¬

_ (¬1) (2/ 96 - 97). (¬2) في "السنن" رقم (4349)، وهو حديث ضعيف. وأخرجه أحمد في "المستدرك" (2/ 166)، والبخاري في "التاريخ الكبير" (4/ 316)، والبيهقي في "الشعب" رقم (11075)، وفي "السنن الكبرى" (9/ 279)، والدارمي (2/ 84)، والبغوي رقم (2787)، والحميدي رقم (587)، والشافعي في مسنده (2/ 171 - 172 رقم 598 - ترتيب). (¬3) في "السنن" رقم (2858). (¬4) في "السنن" رقم (1480) وقال: حسن غريب. لا نعرفه إلا من حديث زيد ين أسلم. وأخرجه الترمذي في "العلل الكبير" (2/ 632)، والدارمي رقم (2061) , وابن الجارود رقم (876)، والطحاوي في "مشكل الآثار" رقم (1572)، والطبراني في "الكبير" رقم (3304)، وابن عدي في "الكامل" (4/ 1608)، والدارقطني (4/ 292)، والحاكم (4/ 239) من طرق عن عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار، قال عبد الصمد في حديثه: حدثنا زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي واقد الليثي به. وهو حديث صحيح.

الفصل الثاني: في هيئة الذبح وموضعه

"الجَبُّ" (¬1): القطع. قوله: "وعن أبي واقد الليثي" أقول: اسمه الحرث بن عوف الليثي. قوله: "يجبون" بالجيم فموحدة، والجب: القطع. فقوله: "ويقطعون" تعني [105 ب] في العبارة. "وأليات الغنم" جمع الألية، وهي طرف الشاة. قوله: "وهما ودجان في جانب العنق" أقول: الأوداج (¬2): جمع ودج بفتح الدال المهملة والجيم، وهو العرق الذي في الأخدع. وهما عرقان متقابلان، قيل: ليس لكل بهيمة غير ودجين، وهما محيطان بالحلقوم. وقد اختلف العلماء فيما يجزي قطعه، وتحل به الذبيحة. فقالت طائفة من الحنفية (¬3): إذا قطع الحلقوم، والمريء، وعرقان من كل جانب أجزأ. وقال الشافعي (¬4): يجزي ولو لم يقطع من الودجان شيئاً. وعن الثوري (¬5): إن قطع الودجان أجزى. وأقوال العلماء مختلفة في ذلك. قوله: "أخرجه أبو داود، والترمذي" قلت: وقال (¬6): "حسن غريب". الفصل الثاني: في هيئة الذبح وموضعه 1 - عن أبي العُشراء أُسامةَ بن مالك بن قَهْطَم عن أبيه قال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، أَمَا تَكُونُ الذَّكَاةُ إِلاَّ فِي الحلْقِ وَاللَّبَّةِ؟ قَالَ: "لَوْ طَعَنْتَ فِي فَخِذِهَا أَجْزَأَ عَنْكَ". ¬

_ (¬1) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (4/ 483). (¬2) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 833)، "المجموع المغيث" (3/ 397). (¬3) "الهداية" (4/ 398). (¬4) "البيان" للعمراني (4/ 555)، "روضة الطالبين" (3/ 240). (¬5) انظر: "المغني" (13/ 291 - 292) , "فتح الباري" (9/ 627). (¬6) في "السنن" (4/ 74).

قال الترمذي (¬1): هذا في الضرورة. وقال أبو داود (¬2): هذا ذَكاةُ المُتَرَدِّي. أخرجه أصحاب السنن (¬3). [ضعيف] "التردِّي" الوقوع من موضوع عالٍ في بئر ونحو ذلك (¬4). قوله: "الفصل الثاني في هيئة الذبح وموضعه". قوله: "عن أبي العشراء" أقول: بضم العين المهملة، وفتح الشين المعجمة، وبالمد. اسمه: أسامة بن مالك (¬5) بن قهطم، بالقاف مكسورة, وبالطاء المهملة. وأسامة تابعي روى عن أبيه كما هنا. قوله: "في اللبة" (¬6) بفتح اللام وتشديد الموحدة، موضع القلادة من الصدر، وكأنه قد علم أن الذكاة لا تكون إلا فيهما، أو هو معناها لغة (¬7). وعلق البخاري (¬8) عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: الذكاة في الحلق واللبة. ¬

_ (¬1) في "السنن" (4/ 75). (¬2) في "السنن" (3/ 251). (¬3) أخرجه أبو داود رقم (2825)، والترمذي رقم (1481)، والنسائي رقم (4408)، وابن ماجه رقم (3184). قال الترمذي في "السنن" (4/ 75): هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث حماد بن سلمة, ولا نعرف لأبي العشراء عن أبيه غير هذا الحديث. وهو حديث ضعيف، والله أعلم. (¬4) "غريب الحديث" للخطابي (3/ 218). (¬5) ذكره ابن الأثير في "تتمة جامع الأصول" (1/ 172 - قسم التراجم). (¬6) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (4/ 484). (¬7) انظر: "الفائق" للزمخشري (1/ 265)، "النهاية" (2/ 580). (¬8) في صحيحه (9/ 640 الباب رقم 24 - مع الفتح).

قال الحافظ (¬1): وهو إسناد صحيح. قال (¬2): وجاء مرفوعاً من وجه واهٍ. قوله: "قال الترمذي (¬3): هذا في الضرورة" إلى آخره. أقول: إنما تأولاه لأن الأحاديث واردة في الذبح بفري الأوداج، فلا بدَّ من تأويل ما نافاه. 2 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: مَا أَعْجَزَكَ مِمَّا فِي يَدَيْكَ فَهْوَ كَالصَّيْدِ، وقال في بِعيرٍ ترَدَّى في بِئْرٍ: ذَكِّهِ مِنْ حَيْثُ قَدَرْت، وَرَأَى ذَلِكَ عِلِيٌّ وَابْنُ عُمَرَ وَعَائِشَةُ - رضي الله عنهم -. وقال: هُوَ وَأنَسٌ وَابنُ عُمَرَ: إذا قُطِعَ الرَّأْسُ مَعَ ابْتِدَاءِ الذَّبْح مِنَ الحَلْقِ فَلاَ بَأْسَ وَلاَ يَتَعَمَّدُ، فَإِن ذُبِحَ مِنَ القَفَا لَمْ يُؤْكَلْ سَوَاء قطع الرأس أو لم يقطع. ذكر ذلك البخاري (¬4) - رحمه الله - في ترجمة باب. قوله: "وعن ابن عباس" إلى آخره أقول: هو تأييد لتأويل الترمذي، وأبي داود. وهذا الأثر عن ابن عباس، كما قال المصنف أنه ذكره البخاري في ترجمته. وقال في "الفتح" (¬5): إنه وصله ابن أبي شيبة من طريق عكرمة وساقه. قوله: "ورأى ذلك علي" وصله ابن أبي شيبة وساقه. وأما أثر ابن عمر فوصله عبد الرزاق وساقه. ¬

_ (¬1) في "فتح الباري" (9/ 641). (¬2) أي الحافظ في "الفتح" (9/ 641). (¬3) في "السنن" (4/ 75). (¬4) في صحيحه (9/ 638 الباب رقم 23 - مع الفتح). (¬5) (9/ 638).

قال الحافظ ابن حجر (¬1): أما أثر عائشة فلم أقف عليه موصولاً، وهذا الحكم قد نقله ابن المنذر وغيره عن الجمهور، وخالفهم مالك (¬2) والليث (¬3)، ونقل عن سعيد بن المسيب (¬4)، وربيعة فقالوا: لا يحل أكل الإنسي إذا توحش؛ إلا بتذكيته في حلقه أو لبته. قوله: "وقال هو" أقول: أي: ابن عباس وأنس وابن عمر. هذا ذكره البخاري (¬5) ترجمة. قال في "الفتح" (¬6): إن أثر ابن عمر وصله أبو موسى الزمن وساقه، وأما أثر ابن عباس فوصله ابن أبي شيبة بسند صحيح وساقه، وأما أثر أنس فوصله ابن أبي شيبة وساقه. قوله: "في ترجمة باب" قلت: بل في ترجمة بابين (¬7)، وقول المصنف ذكره البخاري؛ إنما ساقه أحسن من قول ابن الأثير، أخرجه البخاري؛ لأنه لم يخرجه البخاري، إنما ساقه [107 ب] مقطوعاً، ولذا قال في "الفتح" (¬8): أتى ذكر من وصله، فإن وصله هو إخراجه، ثم الذي رأيته في ترجمة البابين, هو إلى قوله: "فلا بأس"، وأما زيادة ولا يتعمد، فإن ذبح ... إلى آخره؛ فلم أجده في ترجمة البابين، ولعله منقول من محل آخر في البخاري، فينظر. ¬

_ (¬1) في "فتح الباري" (9/ 638). (¬2) "عيون المجالس" (2/ 956 رقم 669). (¬3) انظر: "المغني" (13/ 292). (¬4) ذكره العمراني في "البيان" (4/ 555)، وابن قدامة في "المغني" (13/ 292). (¬5) في صحيحه (9/ 640 الباب رقم 24 - مع الفتح). (¬6) (9/ 640). (¬7) الأول في صحيحه (9/ 638 الباب رقم 23 - مع الفتح)، والآخر في صحيحه (9/ 640 الباب رقم 24 - مع الفتح). (¬8) (9/ 638 - 640).

3 - وعن الخدري - رضي الله عنه - قال: سئلَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فقيلَ: إنَّا نَنْحَرُ النَّاقَةَ وَنَذْبَحُ البَقَرَةَ وَالشَّاةَ فِي بَطْنِهَا الجَنِينَ، أَنُلْقِيهِ أَمْ نَأْكُلُهُ؟ قَالَ: "كُلُوهُ إِنْ شِئْتُمْ، فَإِنَّ ذَكاتَهُ ذَكَاةُ أُمِّهِ". أخرجه أبو داود (¬1) وهذا لفظه، والترمذي (¬2). [صحيح بطرقه وشواهده] قوله: "في حديث الخدري: فإن ذكاته ذكاة أمه" أقول: في "النهاية" (¬3) يروى هذا الحديث بالرفع والنصب، فمن رفعه جعله خبر المبتدأ، الذي هو ذكاة الجنين؛ فتكون ذكاة الأم هي ذكاة الجنين، فلا يحتاج إلى ذبح مستأنف. [319/ أ]. ومن نصب؛ كان التقدير: ذكاة الجنين كذكاة أمه, فلما حذف [الجارُّ] (¬4) نُصبَ، أو على تقدير: يذكَّى ذكاة كذكاة أمه, فحذف المصدر وصفته، وأقيم المضاف إليه مقامه، ولا بد عنده من ذبح الجنين إذا خرج حيّاً. انتهى. قلت: ويؤيد الوجه الأول وأنه لا يذكى الجنين؛ أنه أفاده الحديث فائدة يعتد بها. وأما على تقدير أنه يذكى كذكاة أمه؛ فهذا معلوم لا فائدة تحته يعتد بها. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (2827). (¬2) في "السنن" رقم (1476) وقال: هذا حديث حسن صحيح. وأخرجه أحمد (3/ 31)، وابن ماجه رقم (3199)، وابن الجارود رقم (900)، وعبد الرزاق في "المصنف" رقم (8650)، وابن أبي شيبة رقم (14/ 179)، والدارقطني (4/ 273 - 274 رقم 28، 29)، والبيهقي (9/ 335) من طرق عن مجالد عن أبي الودَّاك عن أبي سعيد الخدري به. وهو حديث صحيح وشواهده. (¬3) (1/ 608). (¬4) سقطت من (أ. ب)، وما أثبتناه من "النهاية".

قوله: "أخرجه أبو داود، والترمذي" قلت: وقال (¬1): وفي الباب عن جابر (¬2)، وأبي أمامة (¬3)، وأبي الدرداء، وأبي هريرة (¬4)، وهذا حديث حسن، وقد روي من غير هذا الوجه عن ¬

_ (¬1) في "السنن" (4/ 72 - 73). (¬2) أخرجه الدارمي في "السنن" (2/ 1260 رقم 2022)، وأبو داود رقم (2827). وأعله عبد الحق في "الأحكام الوسطى" (4/ 135) بعبيد الله القداح، وقال: إنه ضعيف الحديث. وتعقبه ابن القطان في "الوهم والإيهام" (3/ 220) بأنه لم يبين أنه من رواية عتاب بن بشير عنه، قال: وعتاب هو الحراني، زعموا أنه روى بآخره أحاديث منكرة, وأنه اختلط عليه العرض والسماع فتكلموا فيه. قال: وهذا عندي من الوسواس ولا يضره ذلك، فإن كل واحد منهما محمل صحيح. انظر: "نصب الراية" (4/ 89). قلت: أما القداح هذا فهو عبيد الله بن أبي زياد القداح، أبو الحصين المكي، قال أحمد: ليس به بأس. وقال الذهبي في "المغني": قال أحمد: صالح الحديث. ["العلل" رواية عبد الله (1504)، "الجرح والتعديل" (2/ 2/ 315)، "الميزان" (3/ 8)]. وأما عتاب بن بشير؛ فقد احتج به البخاري، ووثقه ابن معين مرة, وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به. وقال الذهبي في "الكاشف" (2/ 213): أحاديثه من خصيف منكرة, وقال ابن معين: ثقة. وخلاصة القول: أن حديث جابر حديث صحيح بطرقه وشواهده. (¬3) وأما حديث أبي أمامة وأبي الدرداء؛ فأخرجهما الطبراني في "الكبير" (ج 8 رقم 7498) عن أبي أمامة وأبي الدرداء مرفوعاً: "ذكاة الجنين ذكاة أمه" من طريق راشد بن سعد، وفيه ضعف وانقطاع. وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (4/ 35): فيه بشر بن عمارة, وقد وثق، وفيه ضعف. راشد بن سعد؛ قال عبد الله: قال أبي: راشد بن سعد لم يسمع من ثوبان. "العلل" رواية عبد الله رقم (455)، و"الجرح والتعديل" (1/ 2832)، "التاريخ الكبير" (2/ 1/ 292). (¬4) وأما حديث أبي هريرة: أخرجه الدارقطني في "السنن" (1/ 274 رقم 32). قال عبد الحق في "الأحكام الوسطى" (4/ 135): لا يحتج بإسناده, ولم يبين موضع العلة، وبينها ابن القطان في "الوهم والإيهام" (3/ 582) بعمر بن قيس، فقال: هو متروك. =

الفصل الثالث: في آلة الذبح

أبي سعيد، والعمل على هذا عند [108 ب] أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيرهم، وهو قول سفيان (¬1)، وابن المبارك (¬2)، والشافعي (¬3)، وأحمد (¬4)، وإسحاق. انتهى. 4 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - أنه قال: إِذَا نُحِرَتِ النَّاقَةُ فَذَكَاةُ مَا فِي بَطْنِهَا فِي ذَكَاتِهَا إِذَا كَانَ قَدْ تَمَّ خَلْقُهُ وَنَبَتَ شَعَرُهُ, فَإِذَا خَرَجَ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ ذُبِحَ حَتَّى يَخْرُجَ الدَّمُ مِنْ جَوْفِهِ. أخرجه مالك (¬5). [موقوف صحيح] الفصل الثالث: في آلة الذبح 1 - عن رافع بن خديج - رضي الله عنه - قال: كُنَّا مَعَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - فِي سَفَرٍ فَنَدَّ بَعِيرٌ فَطَلَبُوهُ فَأَعْيَاهُمْ فَأَهْوَى رَجُلٌ بِسَهْمٍ فَحَبَسَهُ الله تَعَالى، فقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ لهِذِهِ أَوَابِدَ كَأَوَابِدِ الوَحْشِ، فَمَا غَلَبَكُمْ مِنْهَا فَاصْنَعُوا بِهِ هَكَذَا". قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، إِنَّا لاَقُو العَدُوِّ غَداً، وَلَيْسَتْ مَعَنَا مُدىً، أَفَنَذْبَحُ بِالقَصَبِ؟ فَقَالَ: "مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ الله عليهِ فَكُلوهُ, لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفُرَ، ¬

_ = وعمر بن قيس المكي؛ قال البخاري: منكر الحديث، تركه أحمد والدارقطني، وقال يحيى: ليس بثقة، وقال أحمد أيضاً: أحاديثه بواطيل. ["التاريخ الكبير" (6/ 187)، و"المجروحين" (2/ 85)، "الجرح والتعديل" (6/ 129)]. (¬1) انظر: "موسوعة فقه الإمام سفيان الثوري" (ص 407). (¬2) انظر: "المغني" (13/ 309). (¬3) "روضة الطالبين" (3/ 279)، "البيان" للعمراني (4/ 556). (¬4) "المغني" (13/ 309). (¬5) في "الموطأ" (2/ 490 رقم 8)، وهو أثر موقوف صحيح.

سَأُحَدِّثُكُمْ عَنْ ذَلِكَ، أَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ، وَأَمَّا الظُّفُرُ فَمُدَى الحَبَشَةِ". أخرجه الخمسة (¬1). [صحيح] "نَدَّ" (¬2) أي: هرَب. ومعنى "حَبَسَهُ" منعه من الذهاب (¬3). "وَالأوَابِدُ" (¬4) الوحوش، وتأبَّدت البهائم توحَّشت ونَفَرت من الإنس. "وَالمُدى" (¬5) جمع مدية وهي الشَّفرة والسكين. "وَأَنْهَرَتِ الدَّمَ" (¬6) أي: أسالته تشبيهاً بجري الماء في النهر. قوله: "الفصل الثالث في آلة الذبح". قوله: "في حديث رافع بن خديج: في سفر" أقول: قد بينه في الرواية حيث قال: "بذي الحليفة من تهامة". قوله: "فندَّ منها بعير" (¬7) بفتح النون وتشديد الدال المهملة, أي: هرب وفرَّ. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (5498)، ومسلم رقم (20/ 1968)، وأبو داود رقم (2821)، والترمذي رقم (1491)، والنسائي رقم (4404)، وابن ماجه رقم (3178)، وهو حديث صحيح. (¬2) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (4/ 492). (¬3) أي: منعه من الذهاب بوقوع السهم فيه. قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (4/ 492). (¬4) انظر: "غريب الحديث" للهروي (2/ 54)، "الفائق" للزمخشري (1/ 18). (¬5) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (4/ 492). (¬6) قال ابن الأثير في "النهاية في غريب الحديث" (2/ 810): الإنهار الإسالة والصَّبُ بكثرة، شبَّه خروج الدم من موضع الذبح بجري الماء في النهر، وإنما نهى عن السنَّ والظفر؛ لأن من تعرض للذبح بهما خنق المذبوح، ولم يقطع حلقه. وانظر: "غريب الحديث" للهروي (2/ 55). (¬7) تقدم شرحها.

قوله: "وكان في القوم خيل يسيرة" فيه تمهيد لعذرهم في كون البعير الذي ندَّ أتعبهم، ولم يقدروا على تحصيله, كأنه يقول: لو كان فيهم خيول كثيرة لأمكنهم أن يحيطوا به فيأخذوه. قوله: "فحبسه الله" أي: أصابه السهم فوقف. قوله: "أوابد" (¬1) جمع آبدة بالمد وكسر الموحدة؛ أي: غريبة، يقال: جاء فلان بأبدة، أي بكلمة أو فعلة مستغربة, والمراد أن لها توحشاً. وفي رواية الطبري (¬2) بعد فاصنعوا به هكذا وكلوه. وفيه جواز كل ما رمي بالسهم في أي موضع كان من جسده؛ بشرط أن يكون وحشياً أو متوحشاً. واعلم (¬3) أن الحيوان الذي لا تحل ميتته ضربان، مقدور على ذبحه، ومتوحش، فالأول: لا يحل إلا بذبحه في الحلق واللبة، [109 ب] وسواء فيه الإنسي والوحشي إذا قدر على ذبحه، كأن أمسك الصيد أو كان مستأنساً. والثاني: جميع أجزائه تُذْبحُ ما دام متوحشاً، فإذا رماه بسهم أو أرسل عليه جارحاً فأصاب منه شيئاً فمات يحل بالإجماع. والإنسي إذا توحش كأن ندَّ البعير، أو فرس، أو بقرة، أو شردت شاة أو غيرها، فهو كالصيد يحل بالرمي إلي غير مذبحة، وبإرسال الكلب وغيره من الجوارح، وليس المراد من التوحش مجرد الإفلات؛ بل متى تيسر لحوقه فليس متوحشاً، فلا يحل إلا بالذبح في المذبح، فإن تحقق العجز حالاً جاز رميه (¬4). ¬

_ (¬1) تقدم شرحها. (¬2) ذكره الحافظ في "الفتح" (9/ 627). (¬3) انظر: "فتح الباري" (9/ 629). (¬4) انظر: "فتح الباري" (9/ 629).

قوله: "وليست معنا مدى" بضم (¬1) أوله مخفف مقصور؛ جمع مدية بسكون الدال بعدها تحتانية, وهي السكين، سميت بذلك لأنها تقطع مدى الحيوان، أي: عمره. والرابط بين قوله: "نلقى العدو وليست معنا مدى" يحتمل أن يكون مراده أنهم إذا لاقوا العدو وصاروا بصدد أن يغنموا منهم ما يذبحونه. ويحتمل أن يكون مراده أنهم يحتاجون إلى ذبح ما يأكلونه ليتقووا به على العدو إذا لقوه. قوله: "وكأنهم كرهوا أن يذبحوا بسيوفهم" لئلا يضر ذلك بحدها، والحاجة ماسة إلى معرفة ما يذبحون به. قوله: "ما أنهر الدم" أقول: بفتح الهمزة فنون ساكنة، فهاء مفتوحة, فراء، أي: أساله وصبَّه بكثرة, ولبعضهم (¬2) بالزاي، أي: المعنى الرفع، و (ما) موصولة مبتدأ، والخبر: فكلوه، أو شرطية وهو جزءه. وقوله: "أما السن فعظم" قال ابن الصلاح (¬3): هذا [110 ب] يدل على أنه قد كان قرر عندهم أن الذكاة لا تحصل بالعظم، فلذا اقتصر على قوله فعظم. قال: ولم أجد بعد البحث من ذكر المنع من الذبح بالعظم، معنى يعقل. وكذلك قاله ابن عبد السلام. وعلله النووي بأن العظم يتنجس بالدم إذا ذبح به وقد نهي عن تنجيسه: "لأنه زاد إخوانكم من الجن". قوله: "وأما الظفر فمدى الحبشة" قالوا: وهم كفار (¬4)، وقد نهى عن التشبه بهم. ¬

_ (¬1) قاله الحافظ في "فتح البارى" (9/ 628). (¬2) عزاه الحافظ في "فتح الباري" (9/ 628) لأبي ذر الخشني. (¬3) في "مشكل الوسيط" (7/ 142 - 143). (¬4) قاله الحافظ في "فتح الباري" (9/ 629).

وقيل (¬1): ينهى عنهما؛ لأن الذبح بهما تعذيب للحيوان، ولا يقع بهما غالباً إلا الخنق، الذي ليس هو على صورة الذبح. وقيل (¬2): المراد بالسن المتصلة, وبالظفر الذي هو نوع من البخور. وفي "المعرفة" (¬3) للبيهقي من رواية حرملة عن الشافعي، أنه حمل الظفر على النوع الذي يدخل في الطيب؛ فقال: معقول في الحديث أن السن إنما يذكى بها إذا كانت منتزعة، فأما وهي ثابتة فلو ذبح بها لكانت منخنقة؛ يعني: فدل على أن المراد بالسن السن المنتزعة, وهذا بخلاف ما نقل عن الحنفية من جوازه بالسن المتصلة. قال (¬4): وأما الظفر فلو كان المراد به ظفر الإنسان لقال فيه ما قاله في السن، لكن الظاهر أنه أراد به الظفر الذي هو طيب من بلاد الحبشة [320/ أ]، ترجم له البخاري (¬5) بقوله: (باب ما أنهر الدم من القصب). 2 - وعن نافع: أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَاً لكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ يُخْبِرُ ابنَ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أَنَّ أَبَاهُ أَخبَرَه أَنَّ جَارِيَةً لَهْمْ كانَتْ تَرْعى غَنَماً، فَأَبْصَرَتْ بِشَاةٍ مِنْها مَوْتًا، فَكَسَرَتْ حَجَرًا فَذَبَحَتْهَا. فَقَالَ لِأهْلِهِ: لاَ تَأْكُلُوا حَتَّى أَسْأَلَ رسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَسَأَلَهُ فَأَمَرَهُ بِأَكْلِهَا. ¬

_ (¬1) قاله ابن الصلاح وتبعه النووي. "مشكل الوسيط" (7/ 143)، "شرح صحيح مسلم" (19/ 125 - 126). (¬2) انظر: "فتح الباري" (9/ 629). (¬3) "معرفة السنن والآثار" (13/ 454 رقم 18815). (¬4) البيهقي في "معرفة السنن والآثار" (3/ 454 رقم 18815). (¬5) في صحيحه (9/ 630 الباب رقم 18 - مع الفتح) باب: ما أنهر الدم من القصب والمروة والحديد.

أخرجه البخاري (¬1) ومالك (¬2). [صحيح] قوله: "المروة" قال في "الفتح" (¬3): المروة حجر أبيض، وقيل: هو الذي تقدح به النار (¬4). قلت: وظاهر الحديث أنه ذبح الشاة المذكورة بحجر من جملة الأحجار لا خصوصية له. وفي الحديث (¬5) دليل أنه يصدق [111 ب] الأجير الأمين فيما أؤتمن عليه حتى يظهر دليل الخيانة. وفيه: جواز تصرف الأمين كالمودع بغير إذن المالك للمصلحة. وفيه: جواز أكل ما ذبح بغير إذن صاحبه. وعورض بقصة الشاة التي ذبحتها المرأة بغير إذن صاحبها، وامتنع - صلى الله عليه وسلم - عن أكلها لكنه قال: "أطعموها الأسارى" (¬6) فدل على جواز أكلها، وإنما تورع هو وأصحابه عن أكلها وقد جوز أكل ما تذبحه المرأة، صغيرة كانت أو كبيرة، حرة كانت أو أمة، طاهر أكانت أو غير طاهر. ¬

_ (¬1) في صحيحه رقم (5501). (¬2) في "الموطأ" (2/ 489). وأخرجه أحمد (3/ 454)، وهو حديث صحيح. (¬3) في "فتح الباري" (9/ 631). (¬4) انظر: "النهاية" (2/ 654)، "المجموع المغيث" (3/ 201). (¬5) ذكره الحافظ في "فتح الباري" (9/ 633). (¬6) أخرجه أحمد (5/ 294)، وأبو داود رقم (3332)، وهو حديث صحيح.

3 - وعن جابر - رضي الله عنه - قال: صَادَ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِي أَرْنَبًا أَوِ ثِنْتَيْنِ فَذَبَحَهُمَا بِمَرْوَةٍ وَعَلَّقَهُمَا حَتَّى سَأَلَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنْهُما فَأَمَرَهُ بِأَكْلِهِمَا. أخرجه الترمذي (¬1). [صحيح] قوله: "في حديث جابر: صاد رجل" أقول: اسمه صفوان بن محمد أو محمد بن صفوان. قوله: "أخرجه الترمذي" قلت: وقال (¬2): وفي الباب عن محمد بن صفوان، ورافع، وعدي بن حاتم. وقد رخَّص بعض أهل العلم في أن يُذكَّى بمروة، ولم يروا بأكل الأرنب بأساً، وهو قول أكثر أهل العلم، وقد كره بعضهم أكل الأرنب. وقد اختلف أصحاب الشعبي في رواية هذا الحديث. فروى داود بن أبي هند عن الشعبي عن محمد بن صفوان، وروى عاصم الأحول عن الشعبي عن صفوان بن محمد أو محمد بن صفوان، ومحمد بن صفوان [أصح] (¬3). وروى جابر الجعفي عن الشعبي عن جابر بن عبد الله نحو حديث قتادة عن الشعبي، ويحتمل أن يكون الشعبي روى عنهما جميعاً. قال محمد: حديث الشعبي عن جابر غير محفوظ. انتهى بلفظه. 4 - وعن عطاء بن يسار عن رجل من بني حارثة: "أَنَّهُ كَانَ يَرْعَى لِقْحَةً فَرَأَى بِهَا المَوْتُ فَلَمْ يَجِدْ مَا يَنْحَرُهَا بِهِ, فَأَخَذَ وَتَدًا فَوَجَأَ بِهِ لَبَّتِهَا حَتَّى اهْرَاقَ دَمَهَا، ثُمَّ أَخْبَرَ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فَأَمَرَهُ بِأَكْلِهَا". أخرجه الأربعة إلا الترمذي (¬4). [صحيح] ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (1472)، وهو حديث صحيح. (¬2) في "السنن" (4/ 70). (¬3) زيادة من (أ). (¬4) أخرجه أبو داود رقم (2823)، وهو حديث صحيح. =

"اللُّقْحَةُ": الناقة ذات اللبن. 5 - وعن زيد بن ثابت - رضي الله عنه -: أَنَّ ذِئْبًا نَيَّبَ شَاةٍ فَذَبَحُوهَا بِمَرْوَةٍ، فَرَخَّصَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فِي أَكْلِهَا. أخرجه النسائي (¬1). [صحيح لغيره] "المَرْوَةُ": الحجر. قوله: "وعن عطاء بن يسار" أقول: هو أبو محمد عطاء بن يسار، مولى ميمونة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو أخو سليمان بن يسار، من التابعين المشهورين [112 ب] بالمدينة. روى عن جماعة من الصحابة، وكان كثير الرواية عن ابن عباس. والحديث فيه رجل مجهول (¬2) إلا أنه صحابي فلا تضر جهالته، وهو حديث زيد بن ثابت الذي بعده وما تقدم دالة على معنى واحد حِلّ الذبح للضرورة بالحجارة. ¬

_ = وأخرجه مالك في "الموطأ" (2/ 489) والنسائي في "السنن" رقم (4402). (¬1) في "السنن" رقم (4400). وأخرجه أحمد (5/ 184)، وابن ماجه رقم (3176)، وهو حديث صحيح لغيره. (¬2) وهو حاضر بن المهاجر، وقيل: مقبول. وقد أخرج أحمد (2/ 12)، والبزار في مسنده رقم (1223 - كشف)، والطبراني في "الأوسط" رقم (7371) عن ابن عمر، وهو حديث صحيح. وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (4/ 33) وقال: رواه الطبراني في "الأوسط"، ورجال أحمد والبزار رجال الصحيح. وهو حديث صحيح.

[الفصل] الرابع: فيما نهى عن أكله من الذبائح

[الفصل] (¬1) الرابع: فيما نهى عن أكله من الذبائح 1 - عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: سُئِلَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ نَاساً يَأْتُونَنَا بِاللَّحْمِ لاَ نَدْرِي أَذَكَرُوا اسْمَ الله عَلَيْهِ أَمْ لاَ؟ قال: "سَمُّوا عَلَيْهِ أنْتُمْ وَكُلُوهُ". أخرجه البخاري (¬2) ومالك (¬3) وأبوداود (¬4) والنسائي (¬5). [صحيح] قوله: "الفصل الرابع: فيما نهى عنه من الذبائح". قوله: "عن عائشة" أقول: ترجم له البخاري (¬6): "باب ذبيحة الأعراب ونحوهم". قوله: "سموا عليه أنتم وكلوا" أقول: قال المهلب (¬7): هذا الحديث أصل في أن التسمية على الذبيحة لا تجب، إذ لو كانت واجبة لاشترطت على كل حال، وقد أجمعوا على أن التسمية - أي على الطعام - ليس فرضاً، فلما نابت عن التسمية على الذبح؛ دل على أنها سنة؛ لأن السنة لا تنوب عن الفرض. ودل هذا على أن الأمر في حديث عدي وأبي ثعلبة محمول على التنزيه؛ لأنهما كانا يصيدان على مذهب الجاهلية، فعلمهما النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر الصيد والذبح، فرضه ومندوبه لئلا يوافقا شبهة، وليأخذا بأكمل الأمور فيما يستقبلان. وأما الذين سألوا عن هذه الذبائح فلأنهم سألوا عن أمر قد وقع لغيرهم؛ ليس فيه قدرة على الأخذ بالأكمل، ... وعرفهم بأصل الحِلّ فيه. ¬

_ (¬1) كذا في "جامع الأصول" (4/ 497). (¬2) في صحيحه رقم (5507). (¬3) في "الموطأ" (2/ 488). (¬4) في "السنن" رقم (2829). (¬5) في "السنن" رقم (4436). وأخرجه أحمد (1/ 108)، وابن ماجه رقم (3174)، وهو حديث صحيح. (¬6) في صحيحه (9/ 634 الباب رقم 21 مع الفتح). (¬7) ذكره الحافظ في "فتح الباري" (9/ 635).

وقال ابن التين (¬1): يحتمل أن المراد بالتسمية هنا عند الأكل، وبذلك جزم النووي (¬2). قلت: ولا يخفى بعده. قال ابن التين: ويحتمل أن يراد أن تسميتكم الآن تستبيحون بها أكل ما لم تعلموا أذكر اسم الله عليه أم لا، إذا كان الذابح ممن تصح ذبيحته إذا سمى. ويستفاد منه: أن كل ما يوجد في أسواق المسلمين محمول على الصحة، وكذا ما ذبحه أعراب المسلمين؛ لأن الغالب أنهم عرفوا التسمية. وبهذا الأخير جزم ابن عبد البر (¬3) فقال فيه: إن ما ذبحه المسلم يؤكل، ويحتمل على أنه سمى؛ لأن المسلم لا يظن به [113 ب] في كل شيء إلا الخير حتى يتبين خلاف ذلك. وعكس هذا الخطابي (¬4) فقال: فيه دليل على أن التسمية غير شرط على الذبيحة؛ لأنها لو كانت شرطاً لم تستبح الذبيحة بالأمر المشكوك فيه، كما لو عرض الشك في نفس الذبح، فلم يعلم هل وقعت الذكاة المعتبرة أم لا. وهذا هو المتبادر من سياق الحديث، حيث وقع الجواب فيه: "فسموا أنتم وكلوا" كأنه قيل: لا تهتموا بذلك، بل الذي يهمكم أنتم أن تذكروا اسم الله وتأكلوا. ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (9/ 635). (¬2) في شرحه لـ "صحيح مسلم" (13/ 74). (¬3) في "التمهيد" (10/ 320 - الفاروق). (¬4) في "معالم السنن" (3/ 254 مع السنن).

وهذا من الأسلوب (¬1) الحكيم كما نبه عليه [321/ أ] الطيبي (¬2)، ومما يدل على عدم الاشتراط قوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} (¬3) فأباح الأكل من ذبائحهم مع وجود الشك في أنهم سموا أم لا. قوله: "أخرجه البخاري، ومالك" أقول: لفظ "الجامع" (¬4): أخرجه البخاري، وفي رواية "الموطأ" مرسلاً عن عروة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وفيها: "أن ناساً من البادية يأتوننا ... " الحديث. قال مالك (¬5): وكان ذلك في أول الإسلام. وفي رواية أبي داود (¬6): أنهم قالوا: يا رسول الله! إن قوماً حديث عهد بكفر يأتوننا بلحمان ... الحديث. انتهى. وبه يعرف إخلال المصنف بكثير مما لا ينبغي الإخلال به. ¬

_ (¬1) كذا سماه السَّكاكي، وهو من خلاف المقتضى، وهو تلقي المخاطب بغير ما يرتقب، يحمل كلامه على خلاف مراده، تنبيهاً على أن الأولى بالقصد أو السائل بغير ما يتطلب، بتنزيل سؤاله منزلة غيره تنبيهاً على أنه الأولى بحاله أو المهم به. مثاله: كقوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة: 189] قالوا: ما بال الهلال يبدو رقيقاً مثل الخيط، ثم يتزايد قليلاً قليلاً حتى يمتلأ ويستوي، ثم لا يزال ينقص حتى يعود كما بدأ؟ انظر: "معجم البلاغة العربية" (ص 280 - 281). (¬2) في شرحه على المشكاة (8/ 97). (¬3) سورة المائدة: 5. (¬4) (4/ 498). (¬5) في "الموطأ" (2/ 488). (¬6) في "السنن" رقم (2829).

2 - وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: "نَهَى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنْ أَكْلِ المُجَثَّمَةِ وَهِيَ الَّتِي تُصْبَرُ بِالنَّبْلِ، وَعَنِ الخَلِيسَةِ وَهِيَ التي يَأخُذْهَا الذِّئْبُ فَتُسْتَنْقَذُ". أخرجه الترمذى (¬1) إلى قوله: "تُصْبرُ للنَّبل". [صحيح] وأخرج باقيه رزين. قوله: "في حديث أبي الدرداء: عن أكل المجثمة" (¬2) أقول: بالجيم والمثلثة المفتوحة هي التي تربط وتجعل غرضاً للرمي. و"المصبورة" (¬3) بسكون الصاد المهملة التي تصبر، أي: لترمى. ولفظ الترمذي عن أبي الدرداء: "نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن المجثمة وهي تصبر بالنَّبل". قال: وفي الباب عن عرباض بن سارية، وأنس، وابن عمر، وابن عباس، وجابر، وأبي هريرة. وحديث أبي الدرداء؛ حديث (¬4) غريب، ثم ساق سنده إلى العرباض (¬5)، وذكر أنه نهى [114 ب] نهى - صلى الله عليه وسلم - عن أشياء، ومنها: "وعن المجثمة, وعن الخليسة" ثم قال (¬6): قال: محمد بن يحيى هو القطعي، سئل أبو عاصم عن المجثمة؟ فقال: أن تنصب الطير أو الشيء فيُرمى، وسئل عن الخليسة؟ فقال: الذئب أو السبع يدركه الرجل فيأخذه منه فيموت في يده قبل أن يذكيها. انتهى بلفظه. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (1473)، وهو حديث صحيح. (¬2) قال ابن الأثير في "غريب الجامع" (4/ 499): "المجثَّمة" كانوا ينصبون الحيوان ويرمونه بما يقتله، من نبل أو غيره صبراً، فهذه المجثمة كأنها أقعدت لذلك من جثم الطائر. (¬3) انظر: "النهاية" (2/ 10)، "الفائق" للزمخشري (2/ 277). (¬4) قاله الترمذي في "السنن" (4/ 71). (¬5) أخرجه الترمذي في "السنن" رقم (1474). (¬6) أي الترمذي في "السنن" (4/ 72 الحديث رقم 1474).

قوله: "وأخرج باقيه رزين" أقول: لفظ "الجامع" (¬1): "وعن الخليسة" وهي: التي يأخذها الذئب فاستنقذت منه بعد اليأس. ثم قال: هكذا أخرجه رزين، ولم أجده في الترمذي؛ إلا أقوله: "تصبر للنبل". قلت: قد سقنا لك لفظ الترمذي، وأن المجثمة والخليسة كلاهما في روايته عن العرباض (¬2) وتفسيرهما. نعم. رواية أبي الدرداء (¬3) ليس فيها أنه في الترمذي إلا المجثمة، وتفسير الخليسة أدرجه رزين في الحديث وهو في الترمذي من تفسير أبي عاصم كما عرفت، و"الخليسة" بفتح الخاء المعجمة وكسر اللام ومثناة تحتية وسين مهملة؛ فعلية بمعنى مفعولة. واعلم أن النهي عن المجثمة ينهى عن صبرها وينهى عن أكلها، أما صبرها فلأنه محرم؛ لما أخرجه الترمذي (¬4) عن ابن عباس قال: "نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يتخذ شيء فيه الروح غرضاً". قال (¬5) الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح". وأما عن أكلها؛ فلأنها موقوذة. ¬

_ (¬1) (4/ 499). (¬2) أخرجه الترمذي في "السنن" رقم (1474). (¬3) عند الترمذي رقم (1473)، وقد تقدم. (¬4) في "السنن" رقم (1475). وأخرجه أحمد (1/ 285)، ومسلم رقم (58/ 1957)، والنسائي رقم (4444)، وابن ماجه رقم (3187) , وهو حديث صحيح. (¬5) في "السنن" (4/ 72).

كتاب: ذم الدنيا وأماكن من الأرض

3 - وعن الزهري قال: لاَ بَأْسَ بِذَبيحَةِ نَصَارِىِّ العَرَبِ، فَإِنْ سَمِعْتَهُ يُسَمِّي لِغَيْرِ الله فَلاَ تَأْكُلْ، وإِنْ لَمْ تَسْمَعْهُ فَقَدْ أَحَلَّهُ الله، وَعَلِمَ كُفْرَهُمْ. [صحيح] ويذكر عن علي - رضي الله عنه - نحوه. أخرجه رزين. قلت: وهو في البخاري (¬1) في ترجمة باب، والله أعلم. قوله: "وعن الزهري" هذا من كلام الزهري (¬2) وليس بحجة, وقد تقدم أن أكل ذبائح أهل الكتاب حلال؛ للآية ولذا جاء في الحديث فى المجوس: "سنوا بهم سنة أهل الكتاب غير أكل ذبائحهم" (¬3) الحديث؛ فإنه يفيد أكل ذبائح أهل الكتاب. كتاب: ذم الدنيا وأماكن من الأرض وفيه فصلان الفصل الأول: [في ذم الدنيا 1 - عن أبي سعيد - رضي الله عنه - قال: جَلَسَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عَلَى المِنْبَرِ وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ، فَقَالَ: "إِنَّ مِمَّا أخافُ عَلَيْكُمْ بَعْدِي مَا يُفْتَحُ عَلَيْكُمْ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا وَزِينَتِهَا". فَقَالَ رَجُلٌ: أَوَ يَأْتِي الخَيْرُ بِالشَّرَّ؟ فَسَكَتَ عَنْهُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فَقِيلَ لَهُ: فَرُئِينَا أَنَّهُ يُنْزَلُ عَلَيْهِ فَأَفَاقَ يَمْسَحُ عَنْهُ الرُّحَضَاءَ، وَقال: "أينَ هَذَا السَّائِلَ؟ " - وَكَأَنَّهُ حَمِدَهُ - فَقَالَ: "إِنَّهُ لاَ يَأْتِي الخَيْرُ بِالشَّرِّ، وَإِنَّ مِمَّا ¬

_ (¬1) في صحيحه (9/ 636 الباب رقم 22 مع الفتح). (¬2) انظر: "فتح الباري" (9/ 637) حيث قال: ووصله عبد الرزاق عن معمر قال: سألت الزهري عن ذبائح نصارى العرب ... (¬3) أخرجه الشافعي في مسنده (ج 2 رقم 431 - ترتيب)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (9/ 189 - 190)، وابن حجر في "موافقة الخبر الخبر" (2/ 179)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (12/ 243 - 244)، ومالك في "الموطأ" (1/ 278 رقم 42) من حديث عبد الرحمن بن عوف ... قال الحافظ ابن حجر في "موافقة الخبر الخبر": هذا حديث غريب، وسنده منقطع أو معضل.

يُنْبِتُ الرَّبِيعُ مَا يَقْتُلُ حَبَطاً أَوْ يُلِمُّ إِلاَّ آكِلَةَ الخُضْرَةِ فَإِنَّهَا أَكَلَتْ حَتَّى إِذَا امْتَدَّتْ خَاصِرَتَاهَا اسْتَقْبَلَتْ عَيْنَ الشَّمْسِ فَثَلَطَتْ وَبَالَتْ ثُمَّ رَتَعَتْ, وَإِنَّ هَذَا المَالَ خَضِرٌ حُلْوٌ وَنِعْمَ صَاحِبُ المُسْلِمِ هُوَ لمِنْ أَعْطَى مِنْهُ المِسْكِينَ وَاليَتِيمَ وَابْنَ السَّبِيلِ، وَإِنَّ مَنْ يَأْخُذُهُ بِغَيْرِ حَقِّهِ كَمَنْ يَأْكُلُ وَلاَ يَشْبَعُ، وَيَكُونُ عَلَيْهِ شَهِيدًا يَوْمَ القِيَامَةِ". أخرجه الشيخان (¬1) والنسائي (¬2). [صحيح] "زَهْرَةُ الدُّنْيَا" حسنها وبهجتها. "وَالرُّحَضَاء" (¬3) العَرَق الكثير. "وَالحَبَطُ" (¬4) الانتفاخ، يقال: حبط بطنه إذا انتفخ فهلك "وَثَلَطَ البَعِيرُ" (¬5) يثلُط إذا ألقى رجيعه سهلاً رقيقاً، وفي الحديث مثلان، أحدهما للمفرط فى جمع الدنيا، والآخر للمقتصد في أخذها والانتفاع بها. قوله: "كتاب ذم الدنيا [وأماكن من] (¬6) الأرض وفيه فصلان"] (¬7). ["الفصل الأول في ذم الدنيا"] (¬8). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (921، 1465، 2842، 6437) , ومسلم رقم (1052). (¬2) في "السنن" رقم (2581). (¬3) قال ابن الأثير في "النهاية" (1/ 644): هو عرق يغسل الجلد لكثرته, وكثيراً ما يستعمل في عرق الحمى والمرض. وانظر: "غريب الحديث" للهروي (4/ 413). (¬4) من قولهم: حبطت الدابة حبطاً إما أصابت مرعى طيباً، فأفرطت في الأكل حتى تنتفخ فتموت. "النهاية" (1/ 324). (¬5) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (4/ 503 - 504). (¬6) ما بين الحاصرين سقط من (أ). (¬7) في (أ): "وذم أماكن منها". (¬8) زيادة من (ب).

قوله: "ذم الدنيا" أقول: ينبغي أن تكون على حذف، والمراد: ذم من آثرها على الأخرى، وليس في أحاديث الباب إلا ما يدل على هذا، فالدنيا مزرعة الآخرة، وما أحسن ما قاله (¬1) أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - عليه السلام - وقد سمع رجلاً يذم الدنيا فقال: أيها الذام للدنيا: أتغتر (¬2) بالدنيا ثم تذمها!! أنت المجرِّم عليها أم هي المتجرِّمة عليك؟ متى استهوتك أم متى غرتك؟ أبمصارع آبائك من البلاء، أم بمضاجع أمهاتك تحت الثرى؟ كم علَّلت [115 ب] بكفيك؟ ومرضت بيديك تبغي لهم الشفاء، وتستوصف لهم الأطباء غداة لا يغني عنهم دواؤك، ولا يجدي عليهم بكاؤك، لم ينفع أحدهم إشفاقك، ولم تسعف فيه بطلبتك، ولم تدفع عنه بقوتك، قد مثَّلت لك به الدنيا نفسك، وبمصرعه مصرعك. إن الدنيا دار صدق لمن صدقها، ودار عافية لمن فَهِمَ عنها، ودار غنى لمن تزوَّد منها، ودار موعظة لمن اتَّعظ بها، مسجد أحباء الله، ومصلى ملائكة الله، ومهبط وحي الله، ومتجر أولياء الله، اكتسبوا بها الرحمة، وربحوا فيها الجنة، فمن ذا يذمها؟ وقد آذنت ببينها ونادت بفراقها، ونعتت نفسها وأهلها، فمثلت لهم ببلائها البلاء، وشوقتهم بسرورها إلى السرور! راحت بعافية، وابتكرت بفيجعة ترغيباً وترهيباً وتخويفاً وتحذيراً، فذمها رجال غداة الندامة, وحمدها آخرون يوم القيامة، ذكرتهم الدنيا فتذكروا، وحدثتهم فصدقوا، ووعظتهم فاتعظوا. انتهى. وهو كلام يأخذ بأزمة القلوب، ويعرفك أن الدنيا ينال بها المرغوب والمرهوب، وما أحسن ترجمة البخاري (¬3) لحديث الباب حيث قال: (باب ما يحذر من زهرة الدنيا والتنافس فيها) انتهى. ¬

_ (¬1) انظر نصاً في "نهج البلاغة" (ص 590 - 591 رقم 131). (¬2) في "نهج البلاغة" زيادة: (المغترُّ بغرورها، المخدوع بأباطيلها". (¬3) في صحيحه (9/ 243 الباب رقم 7 مع الفتح).

فهو أحسن من الترجمة له بذمها، ولكنه سبق ابن الأثير (¬1) إلى ذلك فترجم به المصنف تبعاً له. قوله: "وذم أماكن منها". أقول: وفي "فتح الباري" (¬2) الدنيا؛ بضم الدال وحكي كسرها. فعلى من الدنو القرب (¬3) لسبقها الأخرى، أو لدنوها من الزوال، وهي ما على الأرض من الجو والهواء، وقيل: كل المخلوقات من الجواهر (¬4) والأعراض، ويطلق على كل جزء من ذلك مجاز ولفظها مقصور غير منون، وحكي تنوينها. انتهى. ¬

_ (¬1) في "الجامع" (4/ 501). (¬2) في "فتح الباري" (1/ 16 - 17). (¬3) انظر: "القاموس المحيط" (ص 1656)، "لسان العرب" (4/ 419). (¬4) قال الشوكاني في "الفتح الرباني" (4/ 1787 الرسالة رقم 46 بتحقيقي): " ... إن هذا الوجود الخارجيَّ المتشخص، إما جسم، أو هو جوهر، أو عرض، والجسم إما أن يكون نامياً أو غير نام، والنامي أن يكون حيواناً أو غير حيوان، وكل نوع من هذه الأنواع يختص باسم يتميز به عن الآخر؛ كالتراب، والماء, والنار، والهواء, ثم منها ما هو بسيط، ومنها ما هو مركب مع غيره, والمراد من هذا التقسيم: أن هذه الموجودات المشاهدة قد سميت بأسماء, ثم ما كان منها في جهة السفل فهي الأرض، وما كان منها في جهة العلو فهو السماء, ولكل نوع من الأجسام والأعراض الكائنة في الحيزين اسم يخصه, ويتميز به عن غيره, فهذه الموجودات الخارجية هي بالنسبة إلى الموجودات التي ستكون في الآخرة دنيا؛ لأنها دنت منا، أي: قربت، وتلك أخرى؛ لأنها تأخرت عنا، أي: بَعُدَت. وهكذا ما يوجد من المأكولات والمشروبات والملبوسات وسائر ما يستمتع به في هذه الدار يقال له دنيا؛ لأنها دنت ودنى الانتفاع بها بالنسبة إلى المأكولات والمشروبات والملبوسات ونحوها التي ستكون في الدار الآخرة؛ لأن هذه لما كانت قريبة, وتلك بعيدة كانت هذه دنيا وتلك أخرى، وهكذا الحياة الكائنة في هذه الدار فإنها =

قلت: ولا يخفى أنه أخرج الأرض في الحد الأول عن الدنيا وهي منها قطعاً. [116 ب]. فالقول الثاني أقرب إلى الصواب, فالحق عندي: أن المراد من الدنيا كل ما خلق للفناء، ولذا سميت دار الفناء، والأخرى: ما كان للبقاء، ولذا يقول الله: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26)} (¬1). ¬

_ = دنيا لدنوها بالنسبة إلى الحياة الكائنة في الآخرة, ولهذه وصفها الله سبحانه بالحياة الدنيا أي القريبة, وهكذا الأزمان والأكون الكائنة في هذه الدار، فإنها دنيا لأنها دنت بالنسبة إلى الأكوان والأزمان الكائنة في الآخرة. إذا عرفت هذا فقد تطلق هذه الصفة - أعني الدنيا - على جميع هذه الأشياء، وذلك إذا قوبلت بالآخرة ... وقد تطلق هذه الصفة على بعض هذه المذكورات كالحياة الدنيا، وقد يضاف بعض هذه المذكورات إلى الدنيا كمتاع الدنيا من باب إضافة الشيء إلى أصله، أو إلى جنسه كخاتم حديد، ومن ذلك: "الدنيا ملعونة, ملعون ما فيها" فإن أطلقها على بعض ما تطلق عليه، وجعل البعض الآخر كالمغاير لها من جهة كونه مظروفاً لها، والظرف غير المظروف مع أنه يصدق على الأشياء المظروفة أنها دنيا. فمعنى قوله - صلى الله عليه وسلم -: "حب الدنيا رأس كل خطيئة" حديث موضوع وقد تقدم، أن حب هذه الأشياء التي هي دانية إلينا رأس كل خطيئة، إذ لا يوجد ذنب من الذنوب, ولا خطيئة من الخطايا إلا وهي راجعة إلى حب هذه الأشياء، فإن جملة الدنيا الشهوات الجسمية والنفسية، فإنها بالنسبة إلى شهوات الآخرة دنيا، فكل مستلذٍّ للحواس والأعضاء فهو دنيا لقربه منا، وبعد مستلذات الحواس والأعضاء الكائنة في الآخرة عنا. ومن جملة الدنيا الأفعال والأقوال الكائنة في هذه الدار، فإنها بالنسبة إلى الأفعال والأقوال الكائنة في الآخرة دنيا، وليس من حق الدنيا أن تكون جميعها شراً محضاً، بل فيها ما هو خير كالأفعال والأقوال التي هي طاعات وعبادات. (¬1) سورة الرحمن: 26.

ويقول: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} (¬1) فالسماوات العلى وأملاكها وأفلاكها من الدنيا؛ لأنها للفناء: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ} (¬2)، و {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1)} (¬3) {وَخَسَفَ الْقَمَرُ (8)} (¬4)، ولذا قيل: لا الدهر يبقى ولا الدنيا ولا الفلك الأ .... على ولا النيران الشمس والقمر وفي قول الحافظ ابن حجر (¬5): أن الدنيا تطلق على كل جزء من ذلك مجاز. ففيه بحث؛ وذلك أن الدنيا لفظ كلي تحته أفراد؛ هي أجزاؤها، وإطلاق الكلي على أجزائه إطلاق حقيقي، فإن الحيوان كل يطلق على كل واحد من أجزائه من الإنسان والفرس وغيرهما إطلاقاً حقيقياً، بل الحق أن وجود الكلي وجود أجزائه. وقد بسطت هذا في جواب سؤال؛ لأني لم أجد لأحد كلاماً شافياً في حقيقة الدنيا. قوله: "في حديث أبي سعيد: من زهرة الدنيا" والزهرة: بسكون الزاي وفتح الهاء، والمراد بها: الزينة والبهجة، وهي مأخوذة (¬6) من زهرة الشجر وهو نورها بفتح النون، والمراد: ما فيها من أنواع المتاع، والعين، والنبات، والزروع وغيرها مما يغتر الناس بحسنه مع قلة البقاء. قلت: وفي تسميتها زهرة إشارة إلى ذلك؛ لأن الزهر سريع الذبول والذهاب. ¬

_ (¬1) سورة القصص: 88. (¬2) سورة إبراهيم: 48. (¬3) سورة التكوير: 1. (¬4) سورة القيامة: 8. (¬5) في "فتح الباري" (1/ 16 - 17). (¬6) انظر: "فتح الباري" (9/ 245).

قوله: "أو يأتي الخير بالشر؟ " أقول: هو بفتح الواو، والهمزة للاستفهام [323/ أ] والواو عاطفة على شيء مقدر، أي: أتصير النعمة عقوبة؟ لأن زهرة الدنيا نعمة من الله، فهل تعود هذه النعمة نقمة؟ وهو استفهام استرشاد لا إنكار. والباء في قوله: "بالشر" صلة (¬1) ليأتي، أي: هل يستجلب الخير الشر؟ [117 ب]. وقوله: "ينزل عليه" أي: الوحي، وكأنهم فهموا ذلك بالقرينة [من] (¬2) الكيفية التي جرت عادته بها عندما يوحى إليه. وقوله: "الرحضاء" بضم الراء وفتح المهملة ثم المعجمة والمد، وهو العرق الكثير (¬3). وقوله: ["وكأنه"] (¬4) أي النبي - صلى الله عليه وسلم -. "حمده" أخذه الراوي من قرينة الحال. "وإن مما ينبت الربيع" أي: الجدول، وإسناد الإثبات إليه مجازي، والمنبت هو الله تعالى. وفي لفظ البخاري (¬5): "وإن كل ما ينبت الربيع" فقال في "الفتح" (¬6): إن رواية (¬7) مما ليست فيها من للتبعيض، بل المعنى على التكثير ليوافق رواية كما أنبت. ¬

_ (¬1) قاله الحافظ في "فتح الباري" (9/ 246). (¬2) في (أ. ب): "و"، وما أثبتناه من "الفتح". (¬3) قاله الحافظ في "الفتح" (9/ 246)، وقد تقدم شرحها. (¬4) في (ب): "وكأن". (¬5) في صحيحه رقم (6427). (¬6) (9/ 247). (¬7) هكذا العبارة في (أ. ب)، وقد اعتراها نقص، وإليك نصها من "الفتح": وفي رواية هلال: "وإن مما ينبت" ومما في قوله: مما ينبت للتكثير وليست (من) للتبعيض لتوافق رواية: "كل ما أنبت"، وهكذا كلام كله واقع كالمثل للدنيا.

قوله: "ما يقتل حبطاً أو يلم حبطاً" بفتح المهملة والموحدة والطاء مهملة أيضاً. والحبط: انتفاخ البطن من كثرة الأكل؛ يقال: حبطت الدابة تحبط حبطاً إذا أصابت مرعى طيباً فاتسعت في الأكل حتى تنتفخ فتموت. وروي بالخاء المعجمة من التخبط وهو الاضطراب (¬1)، والأول المعتمد. وقوله: "أو يلم" بضم أوله أي: يقرب من الهلاك. وقوله: "إلا" بالتشديد حرف استثناء، وروي بفتح الهمزة وتخفيف اللام على الاستفتاح. و"أكلة" بفتح الهمزة وكسر الكاف، و"الخضر" بفتح الخاء المعجمة، وكسر الضاد المعجمة؛ وهو ضرب من الكلأ. قال ابن الأثير (¬2): الخضر؛ ضرب من النبات مما له أصل غامض في الأرض، وليس من أجزاء البقول، وإنما هو من كلأ الصيف في القبض والنعم لا تتكثر منه وإنما ترعاه لعدم غيره، فضرب آكلة الخضر من المواشي مثلاً لمن يقتصد في أخذ الدنيا وجمعها، ولا يحمله الحرص على أخذها بغير حقها، فهو ينجو من وبالها كما نجت آكلة الخضر. انتهى. قوله: "امتدت خاصرتاها" تثنية خاصرة؛ بفتح الخاء المعجمة وصاد مهملة, هما جانبا البطن من الحيوان. قوله: "فثلطت" بالثاء المثلثة واللام مفتوحتين ثم طاء مهملة. [118 ب] أي: ألقت (¬3) ما في بطنها رقيقاً، والمعنى: أنها إذا شبعت فثقل عليها ما أكلت، تحيلت في دفعه بأن تجتر ¬

_ (¬1) قال ابن الأثير في "النهاية" (1/ 324). وانظر: "فتح الباري" (9/ 247). (¬2) انظر: "النهاية" (1/ 498 - 499). (¬3) انظر: "النهاية" (1/ 498 - 499).

فيزداد نعومة، ثم تستقبل الشمس فتحمى بها فيسهل خروجه, فإذا خرج زال الانتفاخ فسلمت. وهذا بخلاف من لم يتمكن من ذلك، فإن الانتفاخ يقتلها سريعاً. قال الأزهري (¬1): هذا الحديث إذا فرق لم يكن يظهر معناه، وفيه مثالان؛ أحدهما: للمفرط في جمع الدنيا المانع من إخراجها في وجهها، وهو ما تقدم، أي: الذي يقتل حبطاً. والثاني: في المقتصد في جمعها وفي الانتفاع بها وهو آكلة الخضر؛ وهو ما فوق البقل ودون الشجر ترعاها المواشي بعد هيج البقول، فضرب آكلة الخضر وأكل ما يحبط الماشية إذا انحبس [رجيعها] (¬2) في بطنها، أي: مثلين لما ذكر. وقال الحافظ ابن حجر (¬3): إن سياق الحديث يقتضي وجود الحبط للجميع. أي: من أكلة الخضر وغيره إلا لمن وقعت منه المدارة حتى يدفع عنه ما يضر، وليس المراد أن آكلة الخضر لا يحصل لها من أكله ضرراً البتة، يريد كما قاله ابن المنير فيما نقله (¬4) عنه قال: فالمستثنى آكلة الخضر بالوصف المذكور، لا كل من اتصف بأنه آكل الخضر. قوله: "وإن هذا المال خضر حلو" أقول: معناه: أن صورة الدنيا حسنة مزينة. قال الحافظ في "الفتح" (¬5): إنه يؤخذ من الحديث التمثيل لثلاثة أصناف؛ لأن الماشية إذا رعت الخضر للتغذية؛ إما أن تفتقر منه على الكفاية، وإما أن تستكثر، الأول الزهاد، والثاني: إما أن [يحتاج إلى] (1) إخراج ما لو بقي أضر، فإذا أخرجه زال الضرر، واستمر النفع، ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (9/ 247). وقاله ابن الأثير في "النهاية" (1/ 324). (¬2) في (أ): "رجعتها". (¬3) في "فتح الباري" (9/ 247). (¬4) ابن حجر في "فتح الباري" (9/ 247). (¬5) في "فتح الباري" (9/ 248).

إما أن [يحتاج إلى] (¬1) إخراج ما لو بقي أضر، فإذا أخرجه زال الضرر، واستمر النفع، وإما أن يهمل ذلك، الأول: العاملون في جمع الدنيا بما يجب من إمساك وبذل، والثاني: العاملون في ذلك بخلاف ذلك. قال الزين ابن المنير (¬2): في هذا الحديث وجوه من التشبيهات بديعة: أولها: تشبيه المال ونموه بالنبات وظهوره. ثانيها: تشبيه المنهمك في الأسباب والاكتساب بالبهائم المنهمكة في الأعشاب. ثالثها: تشبيه الاستكثار منه والادخار له بالشره في الأكل والامتلاء منه. رابعها: تشبيه الخارج من المال مع عظمة في النفوس إذا أدى إلى [119 ب] المبالغة في البخل به بما تطرحه البهيمة من السلح؛ ففيه إشارة بديعة إلى استقذاره شرعاً. خامسها: تشبيه المتقاعد عن جمعه وضمه بالشاة إذا استراحت وحطت جانبها مستقبلة عين الشمس، فإنها من أحسن حالاتها سكوناً وسكينة، وفيه [إشارة] (¬3) إلى إدراكها لمصالحها. سادسها: تشبيه الجامع المانع بموت البهيمة الغافلة عن دفع ما يضرها. سابعها: تشبيه المال بالصاحب الذي لا يؤمن أن ينقلب عدواً، إذا بخل به جامعه، فينقلب سبباً للعقاب. قلت: ولذا ورد أنه يجعل يوم القيامة شجاعاً أقرع في عنق مانع الحق منه. ثامنها: تشبيه من أخذه بغير حق بالذي يأكل ولا يشبع. ¬

_ (¬1) كذا في (أ. ب)، والذي في "الفتح": "يحتال على". (¬2) انظره نصاً في "فتح الباري" (9/ 248). (¬3) في (أ): "الإشارة".

وقال الغزالي (¬1): مثل المال مثل الحية التي فيها ترياق نافع وسم نافع؛ فإذا أصابها العارف [324/ أ] الذي يحترز عن شرها، ويعرف استخراج ترياقها كان نعمة، وإن أصابها الغبي منه لقي البلاء المهلك. هذا وقد عدّ ابن دريد (¬2) هذا الحديث وهو قوله: "إن ما ينبت الربيع ما يقتل حبطاً أو يلم" من الكلام الفرد الوجيز الذي لم يسبق - صلى الله عليه وسلم - إلى معناه. والمصنف قد فسر ألفاظاً من الحديث رأينا عدم الاكتفاء بما قاله، والذي قاله حسن صحيح. 2 - وعنه - رضي الله عنه - قال: قال رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، وَإِنَّ الله مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا فَنَاظِر كيْفَ تَعْمَلُونَ، فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَالنِّسَاءَ فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَني إِسْرَائِيلَ كانَتْ في النِّسَاءِ". أخرجه مسلم (¬3) والنسائي (¬4). [صحيح] وعندهُ: "فَمَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ". قوله: "في حديث أبي سعيد الثاني: إن الدنيا حلوة خضرة" أقول: أنث الخبر؛ لأن الدنيا مؤنثة، وشبهها في الغربة فيها والميل إليها ومحبتها، وحرص النفوس عليها بالفاكهة المستلذة، فإن [كلاً] (¬5) من الخضرة والحلو مرغوب فيه على انفراده، فكيف إذا اجتمعا؟! والمراد بالدنيا كل ما فيه لذة للنفوس من شهواتها, ولذاتها الحسنة، وغير الحسنة. والإخبار عنها بما ذكر تحذير عن الاغترار بها. ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (9/ 248). (¬2) ذكره الحافظ في "الفتح" (9/ 248). (¬3) في صحيحه رقم (2742). (¬4) في كتاب "عشرة النساء" رقم (387). وأخرجه الترمذي رقم (2191)، وابن ماجه رقم (4000). (¬5) في (ب): "كان".

قوله: "مستخلفكم فيها" أقول: هو مأخوذ [120 ب] من قوله تعالى: {عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (129)} (¬1)، ومن قوله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ} (¬2) الآية، أي: يجعلكم خلف عن سلف، ويمكن لكم فيها فناظر كيف تعملون فيما استخلفكم فيه، وهو عالم بما تعملون، لكنه أراد إبراز علمه اليقين إلى عين اليقين، [و] (¬3) هو تحذير من الاغترار بالدنيا. وقد امتن الله على عباده في عدة آيات بأنه جعلهم خلائف الأرض، وخلائف في الأرض، كما قالت الرسل لأممهم: {وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ} (¬4) كما قاله هود لقومه، وكما قاله صالح لقومه: {وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ} (¬5) الآية. وفي هذه الأخبار منه تعالى ومن رسوله - صلى الله عليه وسلم - تزهيد، وأنها كانت تحت يد أقوام فارقوها كذلك أنتم مفارقون لها, ولذا قيل: إذا أنت لا تدري متى أنت ميت ... وقبرك لا تدري بأي مكان فحسبك قول الناس فيما ملكته ... لقد كان هذا مرة لفلان وهو نظير قوله: {وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} (¬6). ¬

_ (¬1) سورة الأعراف: 129. (¬2) سورة النور: 55. (¬3) زيادة من (ب). (¬4) سورة الأعراف: 69. (¬5) سورة الأعراف: 74. (¬6) سورة الحديد: 7.

قوله: "واتقوا النساء" أقول: تخصيص بعد التعميم من باب عطف، وجبريل وميكائيل على الملائكة لبيان شرفهما، وهنا خصهن مع دخلوهن في الدنيا زيادة للتحذير من فتنتهن، فهن أعظم شهوات الدنيا, ولذا قدم تعالى ذكرهن في قوله: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ} (¬1) الآية. فقدمهن على الستة الأشياء التي ذكرها في الآية، فإن القناطير المقنطرة أحد الستة، وإنما بينت بأنها الذهب والفضة، وقدمهن - صلى الله عليه وسلم - في قوله: "حبب إلي من دنياكم النساء والطيب" (¬2) الحديث. والفتنة: هي الامتحان، والابتلاء، والاختبار. [121 ب]. وقوله: "فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء" أقول: لا أعرف أول فتنة بني إسرائيل بالنساء، فمن عرفه فليلحقه، ولكن أول فتنة في الكون كانت من أول امرأة فيه، فإن حواء أم البشر؛ هي حسنت لآدم أبي البشر أكله من الشجرة التي كانت سبباً لأعظم الفتن من الخروج من الجنة وتحمل فتن الدنيا، وكانت أول فتنة في الدنيا من النساء؛ فكان قتل هابيل وهو أول دم سفك على وجه [الأرض] (¬3) بسبب النساء. أما الأول: فإنه أخرج ابن جرير (¬4)، وابن أبي حاتم (¬5)، عن ابن مسعود وناس من الصحابة قصة طويلة, ومنها: أنه قال إبليس: {هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى (120)} (¬6) ¬

_ (¬1) سورة آل عمران: 14. (¬2) أخرجه أحمد (3/ 128)، والنسائي رقم (3940)، وأبو يعلى رقم (3482) , والطبراني في "الأوسط" رقم (5199)، والبيهقي في "السنن" (7/ 78) من طرق من حديث أنس - رضي الله عنه -، وهو حديث صحيح. (¬3) زيادة من (ب). (¬4) في "جامع البيان" (16/ 189). (¬5) في تفسيره (7/ 2437 - 2438). (¬6) سورة طه: 120.

فأبى آدم أن يأكل منها، فتقدمت حواء فأكلت (¬1)، ثم قالت: يا آدم! كل فإني قد أكلت فلم يضرني، {فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ} (¬2)، والروايات في هذا واسعة. وأما الثاني: فإنه أخرج ابن جرير (¬3)، عن ابن مسعود وناس من الصحابة: أنه كان لا يولد لآدم مولود إلا ومعه جارية، فكان يزوج غلام هذا البطن جارية البطن الآخر، ويزوج جارية هذا البطن غلام البطن الآخر، حتى ولد له اثنان يقال لهما: هابيل وقابيل، وكان قابيل أكبرهما, وكانت له أخت أحسن من أخت هابيل، وكان هابيل طلب أن ينكح أخت قابيل فأبى عليه ... الحديث إلى أن قال: لأقتلنك حتى لا تنكح أختي فقتله, كما حكاه الله. وأخرج عبد بن حميد (¬4)، وابن جرير (¬5)، وابن المنذر (¬6)، وابن أبي حاتم (¬7)، وابن عساكر (¬8)، بسند جيد عن ابن عباس قال: ¬

_ (¬1) قال ابن جرير في "جامع البيان" (16/ 189): يقول تعالى ذكره: فأكل آدم وحواء من الشجرة التي نهيا عن الأكل منها وأطاعا أمر إبليس، وخالفا أمر ربهما: {فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا} [طه: 121] يقول: فانكشفت لهما عوراتهما، وكانت مستورة عن أعينهما. (¬2) سورة طه: 121. (¬3) في "جامع البيان" (8/ 322 - 323). (¬4) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (3/ 55). (¬5) في "جامع البيان" (8/ 339). (¬6) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (3/ 55). (¬7) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (3/ 55). (¬8) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (3/ 55).

نهى آدم أن ينكح المرأة [أخوها] (¬1) توأمها، وأن ينكحها غيره من إخوتها، وكان يولد له في كل بطن رجل وامرأة، فبينا هم كذلك ولد له امرأة وضية، وولد له أخرى قبيحة ذميمة، فقال أخو الذميمة: أنكحني أختك وأنكحك أختي؛ قال: لا، أنا أحق بأختي، فقربا قرباناً - في رواية (¬2) - إلى الله أيهما أحق بالجارية، فجاء صاحب الغنم وهو هابيل بكبش [122 ب] أعين أقرن أبيض، وصاحب الحرث؛ أي: وهو قابيل بصبرة من طعام، فتقل من صاحب الكبش، ولم يتقبل من صاحب الزرع فقتله. [324/ أ]. 3 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ مَلْعُونٌ مَا فِيهَا إِلاَّ ذِكْرَ الله تعَالى وَمَا وَالاَهُ, وَعَالِمٌ وَمُتَعَلِّمٌ". أخرجه الترمذي (¬3). [حسن] قوله: "في حديث أبي هريرة: الدنيا ملعون ما فيها" أقول: اللعن (¬4): الطرد والإبعاد، فلعنها بعدها من الله، وأنه لم ينظر إليها منذ خلقها. ¬

_ (¬1) في (أ): "أخاها". (¬2) أخرجها ابن جرير في "جامع البيان" (8/ 319). (¬3) في "السنن" رقم (2322) وقال: حديث حسن غريب. وأخرجه ابن ماجه رقم (4112) وهو حديث حسن. وأخرجه البغوي في "شرح السنة" رقم (4028) عن عبد الله بن ضمرة. وأخرجه أبو داود في "المراسيل" رقم (502)، وأحمد في "الزهد" رقم (246) من حديث جابر بن عبد الله. وأخرجه البزار في مسنده رقم (3310 - كشف) من حديث عبد الله بن مسعود. وهو حديث حسن إن شاء الله. (¬4) وقال الراغب الأصفهاني في "مفردات ألفاظ القرآن" (ص 741): اللعن: الطرد والإبعاد على سبيل السخط، وذلك من الله تعالى في الآخرة عقوبة, وفي الدنيا انقطاع من قبول رحمته وتوفيقه، ومن الإنسان دعاء على غيره. قال تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ} [المائدة: 78]. قال تعالى: {أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (18)} [هود: 18].

واعلم أنه ورد علينا (¬1) سؤال في لعن الدنيا، وأجيب بما حاصله: أنه معلوم أن الله تعالى قال: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ} (¬2) الآية، وأن الذي زينها هو الله تعالى، أي: جعل الطباع البشرية مائلة إلى ما زينه. ودليل أنه الذي زينها قوله: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ} (¬3) أي: ما زينه، وثبت حديث: "حبب إلي من دنياكم النساء والطيب" (¬4)، ومعلوم يقيناً أن الله لا يزين ولا يحبب إلى رسوله - صلى الله عليه وسلم - شيئاً ملعوناً قطعاً. وإذا عرفت هذا فلا بدَّ من النظر فيما هو ملعون منها. فالتحقيق: أنها تجري الأحكام الخمسة فيما خلقه الله من متاع الدنيا ونبينه في اللباس فإن ستر العورة واجب، والتجمل بالثياب لما شرع له التجمل سنة, ولبسه لا بنية التجمل مباح، ولبسه زيادة على الحاجة مكروه، ولبسه كبراً وفخراً محرم. ومعلوم أن غير المحرم غير ملعون فاعله، ولا الثوب الذي لبسه لأحدها؛ فتعين أن الملعون من متاعها هو المحرم، وقد لعن الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - من متاع الدنيا ما حرم كالخمر، وعاصرها، ومعتصرها، ونحوهما، والربا، وكاتبه، وشاهديه, وقال: {أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (18)} (¬5) لأنهم فاعلوا ¬

_ (¬1) يشير إلى الرسالة رقم (63) من "عون القدير من فتاوى ورسائل ابن الأمير" بتحقيقي، ط: ابن كثير دمشق. وهي بعنوان: تفسير لحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الدنيا ملعونة، ملعون ما فيها ... ". (¬2) سورة آل عمران: 14. (¬3) سورة الأعراف: 32. (¬4) تقدم نصه وتخريجه، وهو حديث حسن. (¬5) سورة هود: 18.

المحرمات، ولا ريب أن لفظ الدنيا (¬1) مجمل وليس بلفظ عام؛ لأن الدنيا من صيغ العموم يطلق على جميع الأعيان التي فيها [اللعن] (¬2) واقع على لفظ مجمل (¬3)، ولا بد من بيانه، فبينه الله ورسوله بلعن المحرمات، وأما قوله: "ملعون ما فيها" فهو لفظ عام (¬4)؛ لأن كلمة (ما) (¬5) بمعنى الذي، فهو في معنى ملعون كل شيء فيها, ولكن نعلم قطعاً ويقيناً أنه لم يرد هنا ¬

_ (¬1) قال الأمير الصنعاني في رسالته: تفسير لحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الدنيا ملعونة ... " وبهذا تعلم أن حديث: "الدنيا ملعونة" لفظ مجمل لا عام؛ لأن لفظ الدنيا ليست من ألفاظ العموم، وإذا كان مجملاً فلا بدّ لما أجمله الله ورسوله من البيان على لسان رسوله الذي أخبر الله أنه يبين للناس ما أنزل إليهم ... (¬2) في (أ): "فاللعن". (¬3) المجمل في اللغة: المبهم من أجمل الأمر إذا أبهم، وقيل في المجموع من: أُجمل الحساب إذا جُمع وجُعل جملة واحدة، وقيل: هو المتحصِّلُ من: أجمل الشيء إذا حصله. "مقاييس اللغة" (1/ 481)، "القاموس" (ص 1266). وفي الاصطلاح: قيل: ما له دلالة على أحد معنيين لا مزية لأحدهما على الآخر بالنسبة إليه. "الإحكام" للآمدي (3/ 13). وقال ابن فورك: ما يستقل بنفسه في المراد منه حتى يأتي تفسيره. "البحر المحيط" (3/ 454). وقال الشوكاني في "إرشاد الفحول" (ص 551): والأولى أن يقال: هو ما دل دلالة لا يتعين المراد بها إلا بمعين، سواء كان عدم التعين بوضع اللغة، أو بعرف الشرع، أو بالاستعمال. (¬4) العام: هو اللفظ المستغرق لجميع ما يصلح له بحسب وضع واحد دفعة. "تيسير التحرير" (1/ 190)، "البحر المحيط" (3/ 8). (¬5) (ما) تختص بما لا يعقل تكون استفهاماً كقولك: ما عندك؟ وما صنعت؟ وتكون شرطاً كقولك: ما تصنع أصنع. وتكون بمعنى "مَنْ" هي بمعنى (الذي) نحو قوله تعالى: {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (3)} [الليل: 3]. انظر: "البحر المحيط" (3/ 64 - 65)، "إرشاد الفحول" (ص 404، 417).

[123 ب] العموم؛ لأن مما فيها الأنبياء، والرسل، والأولياء، وأهل الإيمان (¬1)، وهؤلاء معلوم أنهم غير ملعونين، ثم فيها بقاع شريفة نعلم يقيناً أنها غير ملعونة، كالمساجد (¬2)، والحرمين (¬3)، ونحوها. فالتحقيق: أنه لفظ عام مخصص، وأن الملعون منه ما حرمه الله كما قلنا في الجملة الأولى. قوله: "إلا ذكر الله وما والاه" أقول: قد حققنا لك قريباً أن ذكر (¬4) الله عام لكل طاعة؛ ولكن قوله: "وما والاه" يشعر بأنه أريد بذكره تعالى نحو: التسبيح والتحميد وغيرهما من الأذكار، ويراد بما والاه: كل طاعة سواه، كما قدمناه. قوله: "أو عالم أو متعلم" أقول: في أكثر الروايات بغير ألف فيهما، على لغة ربيعة، أو على أنه يقرأ لفظاً وإن لم يكتب خطاً، وهو استثناء للأشخاص، كما أن الأول استثناء للمعاني. ¬

_ (¬1) واستشهد الأمير الصنعاني في رسالته يقول الله تعالى: {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى} [النمل: 59]. (¬2) واستشهد الأمير الصنعاني في رسالته بقوله تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} [النور: 36]. (¬3) يشير إلى قوله تعالى: {وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125)} [البقرة: 125]. (¬4) قال النووي في "الأذكار" (ص 49): اعلم أن فضيلة الذكر غير منحصرة في التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير ونحوها، بل كل عامل لله بطاعة فهو ذاكر لله تعالى، كذا قاله سعيد بن جبير - رضي الله عنه -، وغيره من العلماء. وقال عطاء رحمه الله تعالى: مجالس الذكر هي مجالس الحلال والحرام، كيف يبيع، كيف يشتري، ويصلي ويصوم، وينكح ويطلق، ويحج، وأشباه هذا.

وذكر الله من الدنيا؛ لأنه واقع فيها، وقد حققنا البحث في جواب السؤال، وفي هذا هنا إن شاء الله كفاية. قوله: "أخرجه الترمذي" قلت: وقال (¬1): "حسن غريب". قلت: وأخرجه الطبراني في "الكبير" (¬2) من حديث أبي الدرداء مرفوعاً بلفظ: "الدنيا ملعونة إلا ما ابتغي به وجه الله - عز وجل -". وأخرجه البزار (¬3) عن ابن مسعود مرفوعاً بلفظ: "الدنيا ملعونة ملعون ما فيها؛ إلا أمراً بالمعروف، أو نهياً عن منكر، أو ذكر الله". 4 - وعنه - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "الدُّنْيَا سِجْنُ المُؤْمِنِ وَجَنَّةُ الكَافِرِ". أخرجه مسلم (¬4) والترمذي (¬5). [صحيح] قوله: "وعنه" أي: أبي هريرة. قوله: "سجن المؤمن" أقول: أي: حبسه ومحل التضييق عليه، وذلك أنه لا يزال في خوف من الله ومما يحمله من التكاليف ومخافة عدم الوفاء بها، ومنعه لنفسه مما حرم الله عليه من شهواتها ولذاتها، فهو في سجن نفسه وتكاليفه. ¬

_ (¬1) في "السنن" (4/ 561). (¬2) كما في "مجمع الزوائد" (10/ 222) وقال الهيثمي: رواه الطبراني، وفيه خداش بن المهاجر ولم أعرفه, وبقية رجاله ثقات. وهو حديث حسن لغيره. (¬3) في مسنده رقم (3310 - كشف)، وقد تقدم. (¬4) في صحيحه رقم (2956). (¬5) في "السنن" رقم (2314) وقال: حديث حسن صحيح. وأخرجه ابن ماجه رقم (4113)، وأحمد (2/ 323، 389، 485)، وابن حبان في صحيحه رقم (2488 - موارد).

قوله: "وجنة الكافر" أقول: أي: محل تنعمه وقضاء أوطار شهواته، وأمنه من الله ومن عذابه، وخلوص عنقه عن تحمل التكاليف الشرعية، فهي جنة له، وقد أورد هنا سؤال معروف وهو أنه: كم من كافر في بلاء وعناء وحاجة وفاقة وذلّ وصغار فكيف تكون الدنيا جنته (¬1)؟ وكم من مؤمن في سعة وعافية وعز ونعمة، فكيف يكون في سجن؟ وأجيب عنه: بأن ما يصير إليه المؤمن من نعيم الآخرة ولذاتها، وسعة عطائه، وروح قلبه وقالبه؛ يعد ما هو ¬

_ (¬1) قال القرطبي في "المفهم" (7/ 109 - 110): قوله: "الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر" إنما كانت الدنيا كذلك؛ لأن المؤمن فيها مقيد بقيود التكاليف فلا يقدر على حركة ولا سكون إلا أن يفسخ له الشرع، فيفك قيده ويمكنه من الفعل أو الترك، مع ما هو فيه من توالي أنواع البلايا والمحن والمكابدات من الهموم والغموم والأسقام والآلام، ومكابدة الأنداد، والأضداد والعيال والأولاد. وعلى الجملة: "وأشد الناس بلاءً الأنبياء ثم الأولياء، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل بحسب دينه" كما قاله - صلى الله عليه وسلم -. وأيُّ سجنٍ أعظم من هذا؟! ثم هو في هذا السجن بحسب على غاية الخوف والوجل إذ لا يدري بماذا يختم له من عمل، كيف وهو يتوقع أمراً لا شيء أعظم منه, ويخاف هلاكاً لا هلاك فوقه؟ فلولا أنه يرتجي الخلاص من هذا السجن لهلك مكانه لكنه لطف به، فهون عليه ذلك كله بما وعد على صبره, وبما كشف له من حميد عاقبة أمره. والكافر منفك عن تلك الحالات بالتكاليف، آمنٌ من تلك المخاويف، مقبل على لذاته, منهمك في شهواته، معتز بمساعدة الأيام، يأكل ويتمتع كما تأكل الأنعام وعن قريب يستيقظ من هذه الأحلام، ويحصل السجن الذي لا يرام، فنسأل الله السلامة من أهوال يوم القيامة. وانظر: "شرح صحيح مسلم" للنووي (18/ 93). وقال القاضي عياض في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (8/ 511): قوله: "الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر" معناه: أن المؤمن مدة بقائه فيها، وعلمه بما أعدّ له في الآخرة من النعيم الدائم والبشر، أنه عند موته وعرضه عليه, فحبسه عنه في الحياة الدنيا، وتكليفه ما ألزمه، ومنعه مما حرم عليه من شهواته كالمسجون المحبوس عن لذاته ومحابه، حتى إذا ما فارقها استراح من نصبها وأنكادها خرج إلى ما أُعدَّ له واتسعت آماله، وقضى ما شاء من شهواته، والكافر إنما له من ذلك ما في الدنيا على قلته وتكديره بالشوائب، وتنكيده بالعوائق حتى إذا فارق ذلك صار إلى سجن الجحيم وعذاب النار، وشقاء الأبد.

فيه نعيم [124 ب] الدنيا سجن، وما يلقاه الكافر من العذاب والنكال والسلاسل والأغلال يعد ما فيه في الدنيا وإن كان في أعظم شدائدها جنة هو فيها. والحديث فيه تسلية لأهل الإيمان, وأنهم بفراق الدنيا يخرجون من السجن. قوله: "أخرجه الترمذي" قلت: وقال (¬1): "هذا حديث حسن صحيح" وفي الباب عن عبد الله بن عمرو (¬2)، انتهى. 5 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "حُبُّ الدُّنْيَا رَأْسُ كلِّ خَطِيئَةٍ, وَحُبُّكَ الشَّيْءَ يُعْمِي وَيُصِمُّ" (¬3) أخرجه رزين. [موضوع] ¬

_ (¬1) أي الترمذي في "السنن" (4/ 562). (¬2) أخرجه البزار في مسنده رقم (3645 - كشف) بسندين. وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (10/ 289) وقال: رواه البزار بسندين: أحدهما ضعيف، والآخر فيه جماعة لم أعرفهم. (¬3) أخرجه البيهقي في "الشعب" (7/ 338 رقم 10501) من مراسيل الحسن مرفوعاً. قلت: وأخرجه البيهقي في "الزهد" رقم (249) من كلام عيسى بن مريم - عليه السلام -. وأخرجه أحمد بن حنبل في "الزهد" رقم (472، 473) من طريقين عن عيسى - عليه السلام - من قوله، وهو الأشبه على إعضال الطريقين. وأخرجه أبو نعيم في "الحلية" (6/ 388) من قول عيسى - عليه السلام - أيضاً. وأورده الزركشي في "التذكرة في الأحاديث المشتهرة" (ص 122 رقم 1) وعزاه لابن أبي الدنيا في كتاب "مكائد الشيطان" من كلام ابن دينار. قلت: لم أجده في "مكائد الشيطان" المطبوع بتحقيق مجدي السيد إبراهيم. عزاه العراقي في "تخريج أحاديث إحياء علوم الدين" (4/ 1854) إلى ابن أبي الدنيا في ذم الدنيا. وعزاه الألباني في "الضعيفة" رقم (1226) إلى ابن عساكر (7/ 98 رقم 1) من قول: سعد بن مسعود الصيرفي، وذكر أنه تابعي، وأنه كان رجلاً صالحاً. =

قوله: "في حديث أنس: حب الدنيا رأس كل خطيئة" الحديث أقول: الحديث ساقه ابن الأثير (¬1) كما ساقه المصنف بلفظه, ثم بيض له بناءً على أنه لم يخرجه أحد الستة، ولكنا وجدنا آخر الحديث وهو قوله: "حبك الشيء يعمي ويصم" أخرجه أبو داود (¬2). ¬

_ = وأورده السيوطي في "الجامع الصغير" رقم (3662)، وعزاه للبيهقي فقط عن الحسن البصري مرسلاً. ورمز السيوطي لضعفه. وقال المناوي في "فيض القدير" (3/ 369) متعقباً على السيوطي: "ثم قال -أعني البيهقي -: ولا أصل له من حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال الحافظ الزين العراقي: ومراسيل الحسن عندهم شبه الريح. وقال المناوي في "التيسير بشرح الجامع الصغير" (1/ 492): "وقال المؤلف - يعني - في فتاويه: رفعه وهم، بل عدَّه الحفاظ موضوعاً". وقال السيوطي في "الدرر المنتثرة" (ص 191 رقم 184): "قد عدَّ الحديث في "الموضوعات"، وذكره ابن تيمية في "أحاديث القصاص" (ص 58 رقم 7) وقال: "هذا معروف عن جندب بن عبد الله البجلي، وأما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فليس له إسناد معروف". وأورده القاري في "الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة"، "الموضوعات الكبرى" (ص 188 رقم 163) وقال: "القائل بأنه موضوع لم يصرح بإسناده، والأسانيد مختلفة والمرسل حجة عند الجمهور إذا صح إسناده. قلت: المرسل ضعيف عند جماهير المحدثين والشافعي وكثير من الفقهاء وأصحاب الأصول، ولهذا قال ابن المديني: مرسلات إذا رواها عنه الثقات صحاح، وقال الدارقطني: في مراسيله ضعف، فالاعتماد على عماد الإسناد. اهـ وقد حكم المحدث الألباني على حديث الحسن البصري في "ضعيف الجامع" (3/ 90 رقم 2681) بالضعف، وعندما تكلم على طرقه في "الضعيفة" رقم (1226) حكم عليه بالوضع. وخلاصة الأمر: أن الحديث مو ضوع، والله أعلم. (¬1) في "الجامع" (4/ 506 رقم 2602). (¬2) في "السنن" رقم (5130) من حديث أبي الدرداء, وهو حديث ضعيف مرفوعاً، صحيح موقوفاً.

وأما أوله وهو قوله: "حب الدنيا رأس كل خطيئة" فلم يخرجه؛ وإنما ذكره السيوطي في "الجامع الصغير" (¬1) ونسبه إلى البيهقي (¬2) عن الحسن مرسلاً. [325/ أ]. وقول المصنف غير صحيح أنه أخرجه أبو داود؛ فإن الذي رأيناه في "سنن أبي داود" (¬3) إنما هو قوله: "حبك للشيء يعمي ويصم" أخرجه من حديث أبي الدرداء بلفظ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "حبك للشيء يعمي ويصم"، وترجم (¬4) له أبو داود بقوله: (باب في الهوى) ولم يذكر في الباب إلا هذا اللفظ من الحديث. وإذا عرفت هذا؛ عرفت أن ابن الأثير فرط حيث بيض له جميعاً. والمصنف فرط حيث نسبه جميعاً إلى أبي داود كما أخطأ في قوله: (أخرجه رزين)، وقال الحافظ المنذري في "مختصر السنة" (¬5): فيه بقية بن الوليد، وبكير بن عبد الله بن أبي مريم وفي كل منهما مقال. وروي عن بلال قوله ولم يرفعه؛ قيل: وهو أشبه بالصواب. ويروى من حديث معاوية ولا يثبت. وسئل ثعلب عنه فقال: يعمي العين عن النظر إلى مساوئه، ويُصمُّ الآذان عن استماع العذل فيه, وفائدته النهي عن حب ما لا ينبغي الإغراق فيه. انتهى. 6 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: دَخَلْتُ عَلَى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقَدْ نَامَ عَلى رِمَالِ حَصِيرٍ وَقَدْ أَثَّرَ في جَنْبِهِ. فقُلْتُ: يا رَسُولَ الله، لَوِ اتَّخَذْنَا لَكَ وِطَاءً تَجعَلْهُ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الحَصِيرِ يَقِيكَ ¬

_ (¬1) رقم (3662). (¬2) في "الشعب" رقم (10501) من مراسيل الحسن مرفوعاً. وفي "الزهد" رقم (249) من كلام عيسى بن مريم - عليه السلام -. (¬3) في "السنن" (5130). (¬4) في "السنن" (5/ 347 الباب رقم 125). (¬5) (8/ 31).

مِنْهُ؟ فَقَالَ "مَا لِي وَلِلدُّنْيَا، مَا أَنَا وَالدُّنْيَا إِلاَّ كَرَاكبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ ثُمّ رَاح وَتَرَكَهَا". أخرجه الترمذي (¬1) وصححه. [صحيح] قوله: "في حديث ابن مسعود: على رمال حصير" أي: حصير مضفر، ويقال: رملت [125 ب] الحصير أرمله إذا ضفرته ونسجته (¬2)، و"الوطا" (¬3) بكسر الواو ما يوطى عليه الإنسان مما فيه بعض نعومة. قال ابن الأثير (¬4) بعد نقله: ولم أجد في كتابه، يريد كتاب الترمذي. قوله: "وطاء" إلى قوله: "فيه" وهي في كتاب رزين انتهى بلفظه، فما كان يحسن من المصنف نسبته جميعاً إلى الترمذي كما لا يخفى لا سيما وهو ناقل من "الجامع" (¬5). 7 - وعن سهل بن سعد - رضي الله عنهما - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ الله جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِرًا مِنْهَا شَرْبَةَ مَاءٍ". أخرجه الترمذي (¬6). [صحيح] ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (2377)، وهو حديث صحيح. وأخرجه ابن ماجه رقم (4109). (¬2) قاله ابن الأثير "غريب الجامع" (4/ 507). (¬3) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 861). (¬4) في "الجامع" (4/ 507). (¬5) (4/ 507). (¬6) في "السنن" رقم (2320) وهو حديث صحيح. وأخرجه البيهقي في "الشعب" رقم (10466)، والعقيلي في "الضعفاء" (250)، وأبو نعيم في "الحلية" (3/ 253)، وابن عدي في "الكامل" (1/ 249)، والحاكم (4/ 306) من طرق.

قوله: "في حديث سهل: أخرجه الترمذي" قلت: وليس في لفظه "ماء" بل "شربة" فقط، وهكذا في "الجامع" (¬1) بحذف لفظة: "ماء"، وقال (¬2): وفي الباب عن أبي هريرة، وهذا حديث صحيح غريب من هذا الوجه. انتهى. 8 - وعن قتادة بن النعمان - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا أَحَبَّ الله عَبْدًا حَمَاهُ مِنَ الدُّنْيَا كما يَظَلُّ أَحَدُكُمْ يَحْمِي سَقِيمَهُ المَاءَ". أخرجه الترمذي (¬3). [صحيح] قوله: "في حديث قتادة بن النعمان: كما يظل أحدك يحمي سقيمه الماء" أقول: وذلك لأنه تعالى أعلم بما يصلح عباده، فمنهم من لو أعطاه الدنيا لأفسد فيها وضر نفسه، فحماه الله ذلك لتكمل صحة إيمانه، كما يحمي المريض عن الماء لتكمل صحته، وقد أشار الله إلى هذا بقوله: {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ} (¬4). قوله: "أخرجه الترمذي" قلت: وقال (¬5): "حسن غريب". 9 - وعن علي - رضي الله عنه - قال: "ارْتَحَلَتِ الدُّنْيَا مُدْبِرَةً، وَارْتَحَلَتِ الآخِرَةُ مُقْبِلَةً, وإنَّ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بَنِيْنَ، فَكُونُوا مِنْ أبنَاءِ الآخِرَة, وَلاَ تَكُونُوا مِنْ أبناءِ الدُّنْيَا، فَإِنَ اليَوْمَ عَمَلٌ وَلاَ حِسَابَ، وَغَدًا حِسَابٌ وَلاَ عَمَلَ". أخرجه رزين. قلت: وأخرجه البخاري (¬6) بغير إسناد، والله أعلم. قوله: "وعن علي - رضي الله عنه - " أقول: هذا من الخطب العلوية البالغة غاية البلاغة. ¬

_ (¬1) (4/ 507). (¬2) الترمذي في "السنن" (4/ 560). (¬3) في "السنن" رقم (2036)، وهو حديث صحيح. (¬4) سورة الشورى: 27. (¬5) في "السنن" (4/ 381). (¬6) في صحيحه (11/ 235 الباب رقم 4 مع الفتح).

قال الحافظ في "فتح الباري" (¬1): هذا قطعة من أثر لعلي - عليه السلام - جاء عنه موقوفاً ومرفوعاً وذكر في رواية لابن أبي شيبة (¬2)، وكذا في "الحلية" (¬3) لأبي نعيم: أن أوله عن مهاجر بن عمير قال: قال علي: إن أخوف ما أخاف عليكم اتباع الهوى وطول الأمل، فأما اتباع الهوى فيصد عن الحق، وأما طول الأمل فينسي الآخرة، إلا وإن الدنيا [126 ب] ارتحلت مدبرة. قال: ومن كلام علي أخذ بعض الحكماء قوله: "الدنيا مدبرة والآخرة مقبلة، فعجب لمن يقبل على المدبرة ويدبر عن المقبلة". قوله: "فإن اليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل" جعل اليوم نفس العمل، والمحاسبة مبالغة وهو كقولهم: "نهاره صائم" والتقدير في الموضعين: ولا حساب فيه ولا عمل فيه. ¬

_ (¬1) (11/ 236). (¬2) ذكره الحافظ في "الفتح" (11/ 236). (¬3) (1/ 76). وأخرجه ابن أبي الدنيا في "قصر الأمل" رقم (49)، وابن المبارك في "الزهد" رقم (255)، وابن الجوزي في "العلل المتناهية" رقم (1362)، وهو أثر ضعيف جداً. وأخرجه ابن عدي في "الكامل" (5/ 185)، وابن أبي الدنيا في "قصر الأمل" رقم (4)، وابن الجوزي في "العلل المتناهية" رقم (1361) كلهم من طرق عن علي بن علي اللهبي، قال: حدثنا محمَّد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله مرفوعاً، ولفظه: "إن أخوف ما أخاف على أمتي الهوى وطول الأمل، فأما الهوى؛ فيصد عن الحق، وأما طول الأمل؛ فينسي الآخرة، وهذه الدنيا مرتحلة, وهذه الآخرة قادمة، ولكل واحدة منها بنون، فكونوا بني الآخرة، ولا تكونوا من بني الدنيا، فإنكم اليوم في دار العمل، وأنتم غداً في دار جزاء ولا عمل". إسناده ضعيف جداً. اللهبي هذا؛ قال الذهبي في "الميزان": له مناكير، قاله أحمد. وقال أبو حاتم والنسائي: متروك. وقال ابن معين: ليس بشيء. "الميزان" (3/ 147 رقم 5897 ط: المعرفة). فالحديث لا يصح لا مرفوعاً ولا موقوفاً.

الفصل الثاني: في ذم أماكن من الأرض

قوله: "أخرجه رزين" كما سلف له مراراً هذا الغلط. وقوله: "قلت: وأخرجه البخاري بغير إسناد" عبارة متناقضة؛ لأنه إذا كان بغير إسناد فلا يسمى إخراجاً. وابن الأثير لم يذكر أنه ذكره رزين، فإنه لو ذكره رزين لبيض له ابن الأثير، بل ذكر أنه أخرجه البخاري في ترجمة فقط، ولا يخفى أنه يرد عليه ما أوردناه على المصنف في قوله: أخرجه. الفصل الثاني: في ذم أماكن من الأرض 1 - عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: لمَّا مَرَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِالحِجْرِ قَالَ: "لاَ تَدْخُلُوا مَسَاكنَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أنفُسَهُمْ إِلاَّ أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ أَنْ يُصِيبَكُمْ مَا أَصَابَهُمْ"، ثُمَّ قَنَّعَ رَأْسَهُ وَأَسْرَعَ السَّيْرَ حَتَّى أَجَازَ الوَادِيَ. أخرجه الشيخان (¬1). [صحيح] 2 - وفي أخرى لهما (¬2) عنه قال: لمَا نَزَلَ النَّاسُ مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - عَلَى الحِجْرِ أَرْضِ ثَمُودَ فَاسْتَقَوْا مِنْ آبَارِهَا وَعَجَنُوا بِهِ العَجِينَ فَأَمَرَهُمْ، رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُهَرِيقُوا مَا اسْتَقَوْا وَيَعْلِفُوا الإِبِلَ العَجِينَ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَسْتَقُوا مِنَ البِئْرِ الَّتِي كَانَتْ تَرِدُهَا النَّاقَةُ. [صحيح] قوله: "الفصل الثاني: في ذم أماكن من الأرض". وجه ذمها لما اتفق فيها من المعاصي وغضب الله على سكانها وإنزاله العقوبة. قوله: "بالحجر" أقول: هو المذكور في القرآن، وبه سميت السورة، وهو أرض بين الحجاز والشام إلى وادي القرى، وهو منازل ثمود. وزعم بعضهم أنه قرية ولم [يبرز دليل] (¬3). ويرده التصريح في رواية ابن عمر: "أنه لما نزل الحجر أمرهم أن لا يشربوا". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (433، 3377، 4420، 4702)، ومسلم رقم (2980). (¬2) البخاري رقم (3378، 3379)، ومسلم رقم (40/ 2981). (¬3) في (أ): "تزل قيل".

وقوله: "أن يصيبكم" بفتح الهمزة مفعول له، أي: كراهة الإصابة (¬1). وقوله: "لا تدخلوا" خطاباً لأصحابه - صلى الله عليه وسلم - الذين كانوا معه. وقوله: "ثم قنع رأسه وأسرع السير حتى أجاز الوادي" دليل أنه لم ينزل به ما في الحقيقة. وفي هذا حث على المراقبة عند المرور بديار الظالمين، ومثله العذاب، والإسراع فيه. ومنه إسراعه - صلى الله عليه وسلم - في وادي محسر؛ لأن أصحاب الفيل هلكوا هنالك، فينبغي [127 ب] للمار بهذه المواضع ونحوها المراقبة، والخوف، والبكاء، والاعتبار بهم وبمصارعهم، والبكاء عند ذلك، والاستعاذة بالله من ذلك. قوله: "في الرواية الأخرى: لما نزل" أقول: أي مَرَّ بها لا أنه أقام بها, لتصريح الأولى بأنه - صلى الله عليه وسلم - أجاز الوادي. قوله: "فاستقوا من آبارها" لا ينافي أن يستقوا مع المرور ويعجنوا به عند محل الإقامة، والآبار مثل آجال. قوله: "من البير التي كانت تردها الناقة" أقول: سئل البلقيني (¬2): من أين علمت تلك البئر؟ فقال [326/ أ]: بالتواتر، إذ لا يشترط فيه الإِسلام. وقال الحافظ ابن حجر (¬3): والذي يظهر أنها علمت بالوحي. ¬

_ (¬1) قال الحافظ في "فتح الباري" (1/ 531): "لا يصيبكم" بالرفع على أن (لا) نافية، والمعنى: لئلا يصيبكم، ويجوز الجزم على أنها ناهية، وهو أوجه، وهو نهي بمعنى الخبر. ثم قال ابن حجر: وللمصنف في أحاديث الأنبياء: "أن يصيبكم" أي: خشية أن يصيبكم، ووجه هذه الخشية أن البكاء يبعثه على التفكر والاعتبار، فكأنه أمرهم بالتفكر في أحوال توجب البكاء ... (¬2) ذكره الحافظ في "الفتح" (6/ 380). (¬3) في "الفتح" (6/ 380) حيث قال: والذي يظهر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - علمها بالوحي.

وفيه: النهي عن استعمال آبار الحجر إلا بئر الناقة, وأنه لو عجن بمائها عجين لا يؤكل، بل تعلفه الدواب. وفيه دليل على جواز علف الدابة طعاماً منع من أكله الآدمي. وفيه: مجانبة ديار الظالمين، وأن لا تسكن ولا يقام بها (¬1). 3 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يَا أَنَسُ! إِنَّ النَّاسَ يُمَصِّرُونَ أَمْصَارًا، وإنَّ مِصْرًا مِنْهَا تُسَمَّى البَصْرَةُ أَوِ البُصَيْرَةُ، فَإِنْ أنتَ مَرَرْتَ بِهَا وَدَخَلْتَهَا فَإِيَّاكَ وَسِبَاخَهَا وَكِلاَءَهَا وَسُوقَهَا وَأبوَابَ أُمَرَائِهَا، وَعَلَيْكَ بِضَوَاحِيهَا فَإِنَّهُ يَكُونُ بِهَا خَسْفٌ وَقَذْفٌ وَرَجْفٌ وَقَوْمٌ يَبِيتُونَ فَيُصْبِحُونَ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ". أخرجه أبو داود (¬2) والنسائي (¬3). [صحيح] "السِّبَاخ" (¬4) الأرض الملحة التي لا تكاد تُنْبِتُ نباتاً. "والكلاء" (¬5) بالمد والهمزة: ساحل كل نهر، وهو الموضع الذي تجتمع فيه السفن، ومنه كلاء البصرة لموضع سفنها. "وضَوَاحِي البَلَدِ" (¬6) ظَوَاهرُها الظاهرة للشمس. قوله: "في حديث أنس: أن الناس يمصرون أمصاراً" أي: يصيرون فلوات من الأرض لا عمارة فيها، مصراً بعمارتهم إياه، والاجتماع فيه، والسكون به. وهذا الحديث من أعلام النبوة فإنه إخبار الغيب، وقد كان كما قاله - صلى الله عليه وسلم - فإنها مصرت البصرة أيام عمر بن الخطاب. ¬

_ (¬1) انظر: "فتح الباري" (1/ 531). (¬2) في "السنن" رقم (4307)، وهو حديث صحيح. (¬3) لم أجده، ولم يعزه ابن الأثير في "الجامع" إلى النسائي. (¬4) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 747). (¬5) "الفائق" للزمخشري (2/ 422). (¬6) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 73).

وقوله: "أو البصيرة" شك من الراوي، أي: اللفظين حفظه. قوله: "فإياك وسباخها" قال ابن الأثير (¬1): أرض سبخة؛ مالحة التربة، لا تكاد تنبت نباتاً [128 ب]. وقوله: "وكلأها" بضم الكاف والمد وتشديد اللام، يأتي أنه ساحل كل نهر؛ وهو الموضع الذي تجتمع فيه السفن. ومنه كلاء البصرة لموضع سفنها. قوله: "وعليك بضواحيها" يأتي أن ضواحي البلدة ظواهرها، وهو ما يظهر منها للشمس. قوله: "فإنه يكون بها" أي: البلد، وأسواقها، وكلائها، وأبواب أمرائها. فالفاء تعليل لبيان وجه النهي عن التحذير مما ذكر، وظاهرة سلامة الضواحي عن الخسف وهو معروف، والقذف: الرمي بالحجارة، والرجف الرجفة، والله أعلم. لعل هذا قد وقع أو بعضه، وقد خربت البصرة الأولى، وعوضت بمدينة أخرى. وقبر أنس راوي الحديث في البصرة الأولى. 4 - وعن مالك (¬2): أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ - رضي الله عنه - أَرَادَ الخُرُوجَ إِلَى العِرَاقِ، فَقَالَ لَهُ كَعْبُ الأَحْبَارِ: لاَ تَخْرُجْ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، فَإِنَّ بِهَا تِسْعَةَ أَعْشَارِ السِّحْرِ أوِ الشَّرِّ، وَبِهَا فَسَقَةُ الجِنِّ، وَبِهَا الدَّاءُ العُضَالُ. يعني الهلاك في الدين. [موقوف ضعيف] ¬

_ (¬1) في "غريب الجامع" (4/ 513). (¬2) في "الموطأ" (2/ 975 رقم 30)، وهو أثر موقوف صحيح.

"الدَّاءُ العُضَالُ" (¬1) ما أعجز الأطباء فلا دواء له. قوله: "في حديث مالك: أراد الخروج إلى العراق فقال له كعب الأحبار: لا تخرج يا أمير المؤمنين" أي: لا تخرج لتنزل العراق، كما دل له قوله: "فإن بها تسعة أعشار السحر أو الشر"، شك من الراوي. "وبها فسقة الجن"، أي: المردة (¬2) منهم. ¬

_ (¬1) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (4/ 514)، وانظر: "النهاية" (2/ 220). (¬2) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 648).

حرف الراء

حرف الراء وفيه أربعة كتب الرحمة - الرفق - الرهن - الرياء كتاب: الرحمة وفيه ثلاثة فصول الفصل الأول: في الحث عليها 1 - عن ابن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الله تَعَالَى، ارْحَمُوا مَنْ في الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ, الرَّحِمُ شُجْنَةٌ مِنَ الرَّحْمَنِ، فَمَنْ وَصلَهَا وَصَلَهُ الله، وَمَنْ قَطَعَهَا قَطَعَهُ الله". أخرجه أبو داود (¬1) إلى قوله: "من في السماء"، والترمذي (¬2) بتمامه. [صحيح] "الشِّجْنَة" (¬3) بكسر الشين المعجمة وضمها بعدها جيم: القرابة المُشْتَبِكةُ كاشتباكَ العُروق. قوله: "حرف الراء". أي: الأحاديث التي أول حروفها الراء. قوله: "كتاب الرحمة". ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (4941). (¬2) في "السنن" رقم (1924). (¬3) انظر: "التوقيف على مهمات التعاريف" (ص 360)، "الكليات" (2/ 368).

أقول: الرحمة (¬1) هي الرقة المؤلمة تعتري من يرحم فيتحرك إلى قضاء حاجة المرحوم. هذا في حق العباد. وأما رحمة الله؛ فهي إضافة الخير على المحتاجين وإرادته لهم عناية بهم، وفي الرحمة الحقيقية، ورحمة الله عامة تعم المستحق وغير المستحق، وتامة؛ وذلك أنه حيث أراد قضاء حاجات المحتاجين قضاها [129 ب]. قوله: "الفصل الأول في الحث عليها". أي: في حث الرسول - صلى الله عليه وسلم - العباد على التراحم فيما بينهم، وأن يرحم بعضهم بعضاً. قوله: "في حديث ابن عمرو: الراحمون يرحمهم الله" أقول: لفظه في "الجامع" (¬2): "يرحمهم الرحمن" وهو كذلك في "سنن أبي داود، والترمذي"، فما أدري لعله سبق قلم من المصنف. قوله: "من في الأرض" أمر برحمة كل من في الأرض؛ من حيوان فتدخل البهائم، والطير، فضلاً عن بني آدم، وليس المراد مجرد الرحمة؛ بل وإزالة ما رحم الحيوان لأجله، فإن رحم الجائع أطعمه إن قدر؛ أو يسعى في ذلك. أو العاري؛ كساه، أو المريض؛ رقاه. والحاصل: أن الرحمة بمجردها خير، ولكن ليست المرادة بمجردها، بل المراد منها مسببها، وهي كشف ما نزل بالمرحوم مما رحمه لأجله. قوله: "يرحمكم من في السماء" أقول: هو مجزوم جواب الأمر، هو من باب: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} (¬3) أي: من جزء الفعل بجنسه، ومن في السماء يعم الملائكة وحملة ¬

_ (¬1) انظر: "مفردات ألفاظ القرآن" (ص 279)، "التوقيف على مهمات التعاريف" (ص 260 - 261). (¬2) (4/ 515 رقم 2615). (¬3) سورة الصف: 5.

العرش؛ وإنهم يرحمون من رحم من أهل الأرض فيدعون له، ويدلس له رواية: "ارحموا من في الأرض يرحمكم أهل السماء". ويحتمل [327/ أ] أن يراد الرب تعالى, أي: من في السماء أمره، من باب قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ} (¬1). قوله: "شجنة من الرحمن" أقول: بكسر المعجمة وبعدها نون. وجاء بضم أوله, وهي رواية ولغة، وأصل الشجنة: عروق الشجر المشتبكة. والشجن بالتحريك واحد الشجون، وهي طرق الأودية، ومنه قوله: "الحديث ذو شجون" أي: يدخل بعضه في بعض. قوله: "من الرحمن" أي: أخذ اسمها من هذا الاسم، كما يدل له حديث عبد الرحمن بن عوف في السنن مرفوعاً: "أنا الرحمن خلقت الرحم وشققت [130 ب] لها من اسمي" (¬2) والمعنى: أنها أثر من آثار الرحمة مشتبكة بها، فالقاطع لها منقطع من رحمة الله. قال القرطبي (¬3): الرحم التي توصل عامة وخاصة. فالعامة رحم الدين يجب مواصلتها بالتواد والتناصح والعدل والإنصاف والقيام بالحقوق الواجبة والمستحبة. وأما الرحم الخاصة؛ فيريد بالنفقة على القريب وتفقد أحوالهم، والتغافل عن زلاتهم، وتتفاوت مراتب استحقاقهم في ذلك كما جاء في الحديث الأول من كتاب الأدب: "الأقرب فالأقرب". ¬

_ (¬1) سورة الزخرف: 84. (¬2) أخرجه أبو داود رقم (1694)، والترمذي رقم (1907)، وأحمد (1/ 191، 194)، وابن حبان في صحيحه رقم (443) من حديث عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه -. وهو حديث صحيح لغيره. (¬3) في "المفهم" (6/ 526).

وقال ابن أبي جمرة (¬1): تكون صلة الرحم بالمال، والعون على الحاجة ودفع الضرر، وبطلاقة الوجه، وبالدعاء. والمعنى الجامع إيصال ما أمكن من الخير، أو دفع ما أمكن من الشر، بحسب الطاقة، وهذا إنما يستمر إذا كان أهل الرحم أهل استقامة. فإن كانوا كفاراً أو فجاراً فمقاطعتهم في الله هي صلتهم؛ بشرط بذل الجهد في [وعظهم ثم] (¬2) إعلامهم إن أصروا بأن ذلك سبب تخلفهم عن الحق، ولا يقطع مع ذلك صلتهم بالدعاء لهم بظهر الغيب أن يعودوا إلى الطريقة المثلى. انتهى. قلت: والحديث تخصيص برحمة الرحم بصلتها بالقول والفعل، والمال، وإلا فقد دخلت: "ارحموا من في الأرض". قوله: "أخرجه الترمذي" قلت: وقال (¬3): "حسن صحيح". 2 - وعن جرير - رضي الله عنه - قال: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يَرْحَمُ الله مَنْ لاَ يَرْحَمُ النَاسَ". أخرجه الشيخان (¬4) والترمذي (¬5). [صحيح] 3 - وفي أخرى لأبي داود (¬6) والترمذي (¬7) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تُنْزَعُ الرَّحْمَةُ إِلاَّ مِنْ شَقِيٍّ". [حسن] ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (10/ 418). (¬2) زيادة من "فتح الباري" (10/ 418). (¬3) في "السنن" (4/ 324). (¬4) البخاري في صحيحه رقم (6013، 7376)، ومسلم رقم (2319). (¬5) في "السنن" رقم (1922). (¬6) في "السنن" رقم (4942). (¬7) في "السنن" رقم (1923). وهو حديث حسن.

قوله: "في حديث جرير: لا تنزع الرحمة إلا من شقي" قال الترمذي (¬1): "هذا حديث حسن، وأبو عثمان الذي روى عن أبي هريرة لا يعرف اسمه. يقال: هو والد موسى بن أبي عثمان الذي روى عنه أبو الزناد. وقد روى أبو الزناد [131 ب] عن موسى بن أبي عثمان عن أبيه عن أبي هريرة غير حديث". انتهى. 4 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قَبَّلَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحَسَنَ بْنَ عَليٍّ وَعِنْدَهُ الأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ، فَقَالَ الأَقْرَعُ: إِنَّ لِي عَشَرَةً مِنَ الوَلَدِ مَا قَبَّلْتُ مِنْهُمْ أَحَدًا، فَنَظَرَ إِلَيْهِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ قَالَ: "مَنْ لاَ يَرْحَمُ لاَ يُرْحَمُ". أخرجه الخمسة (¬2) إلا النسائي. وزاد رزين: "أَوَ أَمْلِكُ إِنْ كَانَ الله نَزَعَ مِنْكُمُ الرَّحْمَةَ". قوله: "في حديث أبي هريرة: قبَّل حسناً" أقول: لفظه في "سنن أبي داود" (¬3): "أنه - صلى الله عليه وسلم - قبل حسيناً"، وفي "سنن الترمذي" (¬4): "وهو يقبل الحسن"، وقال ابن أبي عمر: الحسنَ والحسينَ. وفي البخاري (¬5): "الحسن بن علي". وقال ابن بطال (¬6): يجوز تقبيل الولد الصغير في كل عضو منه، وكذا الكبير عند العلماء ما لم تكن عورة. انتهى. ¬

_ (¬1) في "السنن" (4/ 323). (¬2) أخرجه البخاري رقم (5997)، ومسلم رقم (2318)، وأبو داود رقم (5218)، والترمذي رقم (1911). (¬3) في "السنن" رقم (5218) عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن الأقرع بن حابس أبصر النبي - صلى الله عليه وسلم - يقبِّل حسيناً ... (¬4) في "السنن" رقم (1981) وفيه: "وهو يقبِّل الحسن ... ". (¬5) في صحيحه رقم (5997). (¬6) في شرحه لصحيح البخاري (9/ 212).

الفصل الثاني: في ذكر رحمة الله تعالى

وقد أسند أبو يعلى (¬1) بسند رجاله ثقات، عن أبي هريرة: أنه دخل عيينة بن حصن على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرآه يقبل الحسن والحسين؛ فقال: أتقبلهما يا رسول الله؟ الحديث. قوله: "فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من لا يَرحم لا يُرحم" أقول: بالجزم والرفع في اللفظين، وهو عام يتناول - رحمه الله - الأطفال وغيرهم. وفيه: أن تقبيل الأولاد من الرحمة. قوله: "أو أملك" أقول: بهمزة الاستفهام (¬2) والواو للعطف على مقدر بعدها، كأنه يقول: وأن بفتح الهمزة مفعول أملك، أي: لا أقدر أن أضع الرحمة في قلبك. الفصل الثاني: في ذكر رحمة الله تعالى 1 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لمَّا قَضَى الله الخَلْقَ. وعند مسلم: لمَّا خَلَقَ الله الخَلْقَ كَتَبَ في كِتَابٍ فَهُوَ عِنْدَهُ فَوْقَ العَرْشِ: إِنَّ رَحْمَتي تَغْلِبُ غَضَبِي". أخرجه الشيخان (¬3) والترمذي (¬4). [صحيح] وعند البخاري (¬5) في أخرى: "إنَّ رَحْمَتي غَلَبَتْ غَضَبِي". [صحيح] وعند الشيخين (¬6) في أخرى: "سَبَقَتْ غَضَبِي". [صحيح] قوله: "الفصل الثاني من فصول الراء". ¬

_ (¬1) في مسنده رقم (5892، 5983، 6113) بسند صحيح. (¬2) قال الحافظ في "الفتح" (10/ 430): قوله: "أو أملك" هو بفتح الواو والهمزة الأولى للاستفهام الإنكاري، ومعناه النفي، أي: لا أملك، أي: لا أقدر أن أجعل الرحمة في قلبك بعد أن نزعها الله منه. (¬3) البخاري رقم (3194، 7422، 7453)، ومسلم رقم (14/ 2751). (¬4) في "السنن" رقم (3543). (¬5) في صحيحه رقم (3194). (¬6) البخاري رقم (7422)، ومسلم رقم (5/ 2751).

قوله: "في حديث أبي هريرة: كتب" أقول: قال الخطابي (¬1): المراد بالكتاب؛ إما القضاء الذي قضاه، كقوله: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي} (¬2) أي: قضى ذلك، ويكون معنى قوله: "فوق العرش" أي: عنده علم ذلك، فهو لا ينساه ولا يبدله، كقوله: {فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى (52)} (¬3). وإما في اللوح المحفوظ الذي فيه [132 ب] أصناف الخلق، وبيان أمورهم، وآجالهم، وأرزاقهم، وأحوالهم، ويكون معنى: "فهو عنده فوق العرش" (¬4) أي: ذكره وعلمه، فكل ذلك جارٍ على أن العرش خلق مخلوق تحمله الملائكة. انتهى. قلت: والعندية؛ من جملة ما يجب الإيمان به ويوكل إلى الله كسائر صفاته. والمراد من هذه الصفة عنايته تعالى بالكتاب؛ وهي عناية بما فيه من صفة سبق رحمته غضبه, والمراد من سبقها الغضب أنهن باعتبار التعليق، أي: تعلق الرحمة سابق غالب على تعلق الغصب؛ لأن الرحمة مقتضى ذاته المقدسة. والغضب (¬5) يتوقف على سابقة عمل من العبد. ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (13/ 413). (¬2) سورة المجادلة: 21. (¬3) سورة طه: 52. (¬4) واعلم أن أهل السنة والجماعة يعتقدون أن الله فوق جميع مخلوقاته، مستو على عرشه في سمائه، عالياً على خلقه، بائناً منهم، يعلم أعمالهم، ويسمع أقوالهم، ويرى حركاتهم وسكناتهم، لا تخفى عليه خافية. وقد تقدم تفصيله وأدلته. انظر: "العلو" للذهبي، و"إثبات صفة العلو" لابن قدامة. (¬5) الغضب صفة فعلية خبرية ثابتة لله - عز وجل - بالكتاب والسنة. الدليل من الكتاب: منها: قوله تعالى: {كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي} [طه: 81]. وقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} [الممتحنة: 13]. =

وقيل: معنى الغلبة (¬1) الكثرة والشمول. قلت: قال تعالى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} (¬2)، وقالت الملائكة: {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا} (¬3) أخرج عبد الرزاق (¬4)، وأحمد في "الزهد" (¬5) وغيرهما عن ¬

_ = والدليل من السنة: حديث أبي هريرة الذي ذكر. وما أخرجه البخاري رقم (3340)، ومسلم رقم (194) وفيه: " ... إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله ... ". وأهل السنة والجماعة يثبتون صفة الغضب لله - عز وجل - بوجه يليق بجلاله وعظمته، لا يكيفون ولا يشبهون ولا يؤولون، كمن يقول: الغضب إرادة العقاب، ولا يعطلون، بل يقولون: ليس كمثله شيء وهو السميع البصير. انظر: "شرح الطحاوية" (ص 463)، "الحجة في بيان المحجة" (2/ 457). (¬1) الغلبة صفة ذاتية ثابتة لله - عز وجل - بالكتاب والسنة، فالله غالب على أمره ولا غالب عليه. الدليل من الكتاب: قوله تعالى: {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (21)} [يوسف: 21]. وقوله تعالى: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي} [المجادلة: 21]. الدليل من السنة: ما أخرجه البخاري رقم (4114) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: "لا إله إلا الله وحده، أعز جنده، ونصر عبده, وغلب الأحزاب وحده"، قال السعدي في تفسيره (2/ 420): قوله: {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ} [يوسف: 21] أي: أمره تعالى نافذ لا يبطله مبطل، ولا يغلبه مغالب. (¬2) سورة الأعراف: 156. (¬3) سورة غافر: 7. (¬4) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (3/ 571). (¬5) لم يعزه السيوطي في "الدر المنثور" (3/ 571) إلى أحمد في "الزهد"، بل عزاه لعبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ.

الحسن وقتادة في قوله: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} (¬1) قالا: وسعت رحمته في الدنيا البر والفاجر، وهي يوم القيامة للذين اتقوا خاصة. 2 - وعنه - رضي الله عنه - قال: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "جَعَلَ الله الرَّحْمَةَ مِائَةَ جُزْءٍ، فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعَةً وَتسْعينَ، وَأَنْزَلَ فِي الأَرْضِ جُزْءًا وَاحِدًا، فَمِنْ ذَلِكَ الجُزْءِ تَتَرَاحَمُ الخَلَائِقُ، حَتَّى تَرْفَعَ الفَرَسُ حَافِرَهَا عَنْ وَلَدِهَا خَشْيًةَ أَنْ تُصيبَهُ". أخرجه الشيخان (¬2) والترمذي (¬3). [صحيح] قوله: "في حديث أبي هريرة الثاني: جعل الله الرحمة مائة جزء" أقول: قال ابن أبي جمرة (¬4) ما حاصله: كما حصله في "الفتح" (¬5): إن الرحمة رحمتان: رحمة من صفة الذات وهي التي لا تتعدد. ورحمة من صفة الفعل وهي إليها هنا. قوله: "وأنزل في الأرض جزءاً واحداً" قال القرطبي (¬6): هذا نص في أن الرحمة [328/ أ] يراد بها متعلق الإرادة لا نفس الإرادة؛ وأنها راجعة إلى المنافع والنعم. قوله: "الدابة" أقول: لفظ البخاري (¬7) [133 ب]: "حتى ترفع الفرس حافرها عن ولدها". ¬

_ (¬1) سورة الأعراف: 156. (¬2) البخاري رقم (6000)، وطرفه رقم (6469)، ومسلم رقم (2752). (¬3) في "السنن" رقم (3541). (¬4) ذكره الحافظ في "فتح الباري" (10/ 432). (¬5) (10/ 432). (¬6) في "المفهم". (¬7) في صحيحه رقم (6000).

قال ابن أبي جمرة (¬1): خص الفرس بالذكر؛ لأنها أشد الحيوان المألوف الذي يشاهد المخاطبون حركته مع ولده ولما في الفرس من الخفة والسرعة في التنقل. ومع ذلك تتجنب أن يصل الضرر إلى ولدها. قوله: "خشية أن تصيبه" أقول: قال ابن الأثير (¬2): هذه رواية البخاري ومسلم ولم يذكر معهما الترمذي، ثم ذكر رواية الترمذي بلفظ: "خلق الله مائة رحمة فوضع واحدة بين خلقه وعند الله تسعة وتسعون رحمة". قال: وللترمذي (¬3) في رواية أخرى: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمع في الجنة, ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة ما قنط من الجنة أحد". قال ابن الأثير (¬4): وللبخاري (¬5): أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله خلق الرحمة يوم خلقها مائة رحمة، فأمسك عنده تسعة وتسعين رحمة، وأرسل في خلقه كلهم رحمة واحدة فلو يعلم الكافر بكل الذي عند الله من الرحمة لم ييأس من الجنة, ولو يعلم المؤمن بكل الذي عند الله من العذاب لم يأمن [من] (¬6) النار". 3 - وعن سلمان الفارسي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ لله مِائَةَ رَحْمَةٍ, فَمِنْهَا رَحْمَةٌ يتراحَمُ بِهَا الخَلقُ بَيْنَهُمْ, وَتسْعَةٌ وتسْعُونَ لِيَوْمِ القِيَامَةِ". أخرجه مسلم (¬7). [صحيح] ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (10/ 430). (¬2) في "الجامع" (4/ 519 رقم 2623). (¬3) في "السنن" رقم (3542). (¬4) في "الجامع" (4/ 520). (¬5) في صحيحه رقم (6469). (¬6) سقطت من (أ). (¬7) في صحيحه رقم (20/ 2753).

4 - وله (¬1) في أخرى: "إِنَّ الله تَعَالى خَلَقَ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِائَةَ رَحْمَةٍ, كُلُّ رَحْمَةٍ طِبَاقَ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، فَجَعَلَ مِنْهَا في الأَرْضِ رَحْمَةً وَاحِدَة فِيْهَا تَعْطِفُ الوَالِدَةُ عَلَى وَلَدِهَا، وَالوَحْشُ وَالطَّيْرُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ القِيَامَةِ أَكمَلَهَا الله تَعَالَى بِهَذِهِ الرَّحْمَةِ". [صحيح] قال: ولمسلم: "إن لله مائة رحمة أنزل منها رحمة واحدة بين الجن والإنس والبهائم والهوام؛ فيها يتعاطفون، وبها يتراحمون، وبها تعطف الوحش على ولدها، وأخر تسعة وتسعين رحمة؛ يرحم الله بها عباده يوم القيامة". قال: وله في أخرى: "خلق الله مائة رحمة فوضع واحدة بين خلقه؛ وخبأ عنده مائة [134 ب] إلا واحدة" انتهى كلام ابن الأثير (¬2). قوله: "طباق الأرض" بكسر الطاء فموحدة آخره قاف؛ في "النهاية": أي: كغشائها. 5 - وعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: قُدِمَ عَلَى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسَبْيٍ، فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنَ السَّبْيِ تَسْعَى قَدْ تحَلَّبَ ثَدْيُهَا إِذْ وَجَدَتْ صَبِيًّا في السَّبْيِ فأَخَذَتْهُ فَألزَقَتْهُ بِبَطْنِهَا فَأَرْضَعَتْهُ، فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: "أترونَ هَذ المَرأَةَ طَارِحَةً وَلدهَا في النَّارِ؟ " قُلْنَا: لاَ وَالله، وَهْيَ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لاَ تَطْرَحَهُ. قَالَ: "فَالله تَعَالى أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذ بِوَلَدِهَا". أخرجه الشيخان (¬3). [صحيح] قوله: "في حديث عمر بن الخطاب: بسبي" أقول: هم سبي هوازن، كما قاله في "الفتح" (¬4)، وفيه: "أن تحلب ثديها" أنه بسكون المهملة من يحلب، وضم اللام. و"ثديها" بالنصب ورواية: "قد تحلّب" بفتح الحاء وتشديد اللام، أي: تهيأ لأن تحلب، وثديها بالرفع، ¬

_ (¬1) أي لمسلم في صحيحه رقم (21/ 2753). (¬2) في "الجامع" (4/ 521). (¬3) البخاري في صحيحه رقم (5999)، ومسلم رقم (2754). (¬4) "فتح الباري" (10/ 430).

و"تسعى" من السعي وهو المشي بسرعة، وفي رواية لمسلم (¬1): "تبتغي" من الابتغاء وهو الطلب. قوله: "فألزقته ببطنها" أقول: في "فتح الباري" (¬2) كذا للجميع، ولمسلم وحذف منه شيء بينته رواية الإسماعيلي ولفظه: "إذ وجدت صبياً فأرضعته" وقد صرحت الرواية أنه ابنها. وقوله: "أترون" بضم المثناة الفوقية: أتظنون. قوله: "قلنا: لا، وهي تقدر [على أن] (¬3) تطرحه" أو لا تطرحه أبداً. وقوله: "لله" بفتح اللام [وفي رواية: "والله"] (¬4). وقوله: "بعباده" المراد من مات منهم على الإِسلام، كما يؤيده ما أخرجه أحمد (¬5) والحاكم (¬6) من حديث [أنس] (¬7) قال: مر النبي - صلى الله عليه وسلم - في نفر من أصحابه وصبي على الطريق، فلما رأت أمه القوم خشيت على ولدها أن يوطأ، فأقبلت تسعى وتقول: ابني ابني، وسعت ¬

_ (¬1) في صحيحه رقم (22/ 2754). (¬2) (10/ 430). (¬3) كذا في (أ. ب)، والذي في "الفتح": "على أن لا". (¬4) في (أ): وزاد: "والله والله". قال الحافظ في "الفتح" (10/ 431): قوله: (لله) بفتح أوله لام تأكيد، وصرح بالقسم في رواية الإسماعيلي فقال: "والله لله أرحم ... ". (¬5) في "المسند" (3/ 104) بإسناد صحيح. (¬6) في "المستدرك" (1/ 58)، (4/ 177). (¬7) زيادة من (أ).

الفصل الثالث: فيما جاء من رحمة الحيوان

فأخذته، فقال القوم: يا رسول الله! ما كانت هذه لتلقي ابنها في النار، فقال: "ولا الله بطارح حبيبه في النار". فالتعبير "بحبيبه" يخرج الكافر، وكذا من شاء إدخاله ممن لم يتب من مرتكبي الكبائر. وقال الشيخ ابن أبي جمرة (¬1): لفظ العباد عام، ومعناه خاص بالمؤمنين، وهو كقوله: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ} (¬2) فهي عامة من جهة الصلاحية، وخاصة بمن كتبت له. الفصل الثالث: فيما جاء من رحمة الحيوان 1 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ اشْتَدَّ عَلَيْهِ العَطَشُ، فَوَجَدَ بِئْرًا فَنَزَلَ فِيهَا فَشَرِبَ، ثُمَّ خَرَجَ فَإِذَا كلْبٌ يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ العَطَشِ، فَقَالَ الرَّجُلُ: لَقَدْ بَلَغَ هَذَا الكَلْبَ مِنَ العَطَشِ مِثْلُ الَّذِي كانَ بَلَغَ مِنِّي، فَنَزَلَ البِئْرَ فَمَلأَ خُفَّهُ مَاءً، ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ حَتَّى رقِيَ فَسَقَى الكَلْبَ، فَشَكَرَ الله تعَالى لَهُ فَغَفَرَ لَهُ". قَالُوا: يَا رَسُولَ الله، وَإِنَّ لَنَا في البَهَائِمِ أَجْرًا؟ قَالَ: "في كُلِّ كبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ". أخرجه الثلاثة (¬3) وأبو داود (¬4). [صحيح] 2 - وفي أخرى (¬5): "أَنَّ امْرَأةً بغِيًّا رَأَتْ كلْبًا في يَوْمٍ حَارٍّ يُطِيفُ بِبِئْرٍ قَدْ أَدْلَعَ لِسَانَهُ مِنَ العَطَشِ، فَنَزَعَتْ لَهُ مُوقَهَا فَغُفِرَ لهَا بِهِ". [صحيح] ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (10/ 431). (¬2) سورة الأعراف: 156. (¬3) أخرجه البخاري رقم (2363)، ومسلم رقم (2244)، ومالك في "الموطأ" (2/ 929، 930). (¬4) في "السنن" رقم (2550). (¬5) أخرجه البخاري رقم (3321، 3467).

"لهَثُ (¬1) الكَلْبُ" وغيره إذا أخرج لسانه من شِدَّةِ العطش والحرِّ. وكذا "أَدْلَعَ لِسَانَهُ". "وَالثَّرَى" التراب النَّدِي، والمراد هنا التراب مطلقًا (¬2). "وَالكَبِدُ الرَّطْبَةُ" كل ذات رُوحٍ، ولا تكون رَطبَةً إلا إذَا كانَ صاحبها حياً (¬3). "وَالبَغيُّ" المرأة الزانية. "وَالمُوقُ" (¬4) الخُفُّ. قوله: [الفصل الثالث] (¬5) [135 ب]. "الفصل الثالث من حرف الراء". فيما جاء من رحمة الحيوان، أي: من الأحاديث الدالة على الحث على رحمة الإنسان للحيوان. قوله: "في حديث أبي هريرة" أقول: ترجمه البخاري (¬6) بقوله: "باب رحمة الناس والبهائم". قال الحافظ في "الفتح" (¬7): أي: صدور الرحمة من الشخص لغيره، وكأنه أشار إلى حديث ابن مسعود رفعه قال: "لن تؤمنوا حتى تراحموا" قالوا: كلنا رحيم يا رسول الله، قال: ¬

_ (¬1) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 623). (¬2) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (4/ 524). (¬3) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (4/ 524). (¬4) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 689)، "غريب الحديث" للخطابي (2/ 23). (¬5) زيادة من (ب). (¬6) في صحيحه (10/ 437 الباب رقم 27 مع الفتح). (¬7) (10/ 438).

"إنه ليس برحمة أحدكم صاحبه, ولكنها رحمة للناس رحمة العامة" أخرجه الطبراني (¬1) ورواته ثقات. قوله: "في حديث أبي هريرة: في كل كبد رطبة أجر" أقول: الرطوبة هنا كناية عن الحيوان، أي: في الإحسان إلى كل حي بسقيه ونحوه أجر، ويسمى الحي: ذا كبد رطبة؛ لأن الميت يجف جسمه وكبده, وفي الحديث: الإحسان إلى الحيوان المحترم وهو ما لم يؤمر [329/ أ] بقتله، أما ما أمر بقتله فيمتثل أمر الشارع، وأما المحترم فيؤجر من أحسن إليه، سواء كان مملوكاً له أو لغيره أو مباحاً. قوله: "إن امرأة بغياً" أقول: هي الزانية, وهذه الرواية: "إن امرأة" وفي الأولى: "رجل"، وحمل على التعدد. قوله: "لهث" بفتح الهاء وكسرها، ورجل لهثان وامرأة لهثى، وقد فسره المصنف. 3 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "دَخَلَتِ امْرَأةٌ النَّارَ في هِرَّةٍ، رَبَطَتْهَا فَلَمْ تطْعِمْهَا، وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ خِشَاش الأَرْضِ". أخرجه الشيخان (¬2). [صحيح] "خَشَاشُ (¬3) الأرْضِ" هَوَامُّهَا وحشراتها. قوله: "في حديث ابن عمر: دخلت النار في هرة" أقول: سيبها من أجل إساءتها إليها، وقد بين الحديث [136 ب] سبب الإساءة، ولابن حبان (¬4): "أن المرأة حميرية سوداء طويلة، فهي إذا أقبلت نهشتها، وإذا أدبرت نهشتها ... " الحديث. ¬

_ (¬1) عزاه الهيثمي في "مجمع الزوائد" (8/ 187) لأبي يعلى وقال: رجاله وثقوا إلا أن ابن إسحاق مدلس، ولم يعزه للطبراني. (¬2) البخاري في صحيحه رقم (3138)، ومسلم رقم (2242). (¬3) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (4/ 525). (¬4) في صحيحه رقم (5622)، وهو حديث صحيح.

إن قلت: فالهرة لما أدخلت النار؟ قلت: لتنتصف ممن أساء إليها، ويجعل الله النار على الهرة برداً وسلاماً، وعلى المرأة عذاباً ونكالاً. قوله: "خشاش الأرض" أقول: بمعجمات مثلث الأول والفتح أفصح. وفيه تحريم قتل الهرة؛ لأن في الرواية الأخرى: "سجنتها حتى ماتت". وفيه عدم وجوب إطعامها، بل تترك تأكل مما جعله لها رزقاً من حشرات الأرض، وهو لفظ رواية. 4 - وعن عبد الله بن جعفر - رضي الله عنهما - قال: كَانَ أَحَبَّ مَا اسْتَتَرَ بِهِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لِحاجَتِهِ هَدَفٌ أَوْ حَائِشَ نَخْلٍ. فَدَخَلَ حَائِطًا لِرَجُل مِنَ الأَنْصَارِ فَإِذَا فِيهِ جَمَلٌ، فَلَمَّا رَأَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - حَنَّ وَذَرَفَتْ عَيْنَاه, فَأَتَاهُ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فَمَسَحَ ذِفْرَاهُ فَسَكَتَ. فَقَالَ: "مَنْ رَبُّ هَذَا الجَمَلِ؟ ". فقَالَ فَتًى مِنَ الأَنْصَارِ: هَوَ لِي يَا رَسُولَ الله. فَقَالَ: "أَفَلاَ تَتَّقِي الله في هَذِهِ البَهِيمَةِ الَّتِي مَلَّكَكَ الله إِيَّاهَا؟ فَإِنَهُ شَكَا إِلَيَّ أَنَّكَ تُجِيعُهُ وَتُدْئِبُهُ". أخرجه أبو داود (¬1). [صحيح] "الهدَفُ" (¬2) ما ارتفع من الأرض من بناء وغيره. "وَحَائِشُ (¬3) النَّخْلِ" نَخْلَات مجتمعات. "وَالحَائِطُ" البُسْتَانُ. "وَذِفْرَى (¬4) البَعِيرِ" المَوْضِعُ الَّذِي يَعْرَقُ مِنْ قَفَاهُ خَلْفَ أُذنَيْهِ وَيُجْعَلُ فِيهِ القطْرَانُ وَهُمَا ذِفْرَيَانِ. "وَتُدْئِبُهُ" (¬5) تُتْعِبُهُ بكثرة استعماله. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (2549). وأخرجه مسلم رقم (342، 2429)، وابن ماجه رقم (340) مختصراً، وهو حديث صحيح. (¬2) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 897). (¬3) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 458)، "الفائق" للزمخشري (1/ 331). (¬4) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (4/ 527). (¬5) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (4/ 527)، وانظر: "القاموس" المحيط" (ص 105 - 106)

5 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تَتَّخِذُوا ظُهُورَ دَوَابَّكمْ مَنَابِرَ، إِنَّمَا سَخَّرَهَا الله لكُمْ لِتُبَلِّغَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَم تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنْفُسِ، وَجَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فَعَلَيْهَا فَاقْضُوا حَاجَتَكُمْ". أخرجه أبو داود (¬1). [حسن] "شِقُّ (¬2) الأنْفُسِ" جَهْدُها وَشِدَّةُ ما تلاقيه عند مقاساة الأمور الصعبة. قوله: "في حديث عبد الله بن جعفر: حنَّ" (¬3) أقول: أي: نزع واشتاق، وأصل الحنين ترجيع الناقة صوتها إثر ولدها. وفي الحديث من أعلام النبوة معرفته - صلى الله عليه وسلم - بنطق الجمل، وتحريم إتعابه، ووجوب إشباعه. قوله: "في حديث أبي هريرة: منابر" أقول: كالمنابر في الحديث عليها، كالحديث على المنابر. وفي الحديث الآخر (¬4): تعليل هذا بقوله: "فربَّ مركوب خير من راكبه وأكثر ذكراً لله منه". وقوله: "فعليها فاقضوا حاجتكم" أي: تحدثوا عليها. 6 - وعن عبد الرحمن بن عبد الله عن أبيه - رضي الله عنه - قال: كُنَّا مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - في سَفَرٍ، فَرَأَيْنَا حُمَّرَةً مَعَهَا فَرْخَانِ لَهَا فَأَخَذْنَاهُمَا، فَجَاءَتِ الحُمَّرَةُ تُعَرِّشُ. فَلَمَّا جَاءَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَن فَجَعَ هذِهِ بِوَلَدِهَا؟ رُدُّوا وَلَدَهَا إِلَيْهَا". وَرَأَى قَرْيَةَ نَمْلٍ قَدْ أَحْرَقْنَاهَا فَقَالَ: "مَنْ أَحْرَقَ ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (2567)، وهو حديث حسن. (¬2) "غريب الحديث" للخطابي (1/ 94)، "النهاية" (1/ 882). (¬3) "النهاية" (1/ 444)، "الفائق" للزمخشري (1/ 326). (¬4) أخرجه أحمد في مسنده (3/ 441) بسند ضعيف عن معاذ بن أنس عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تتخذوا الدواب كراسي، فربَّ مركوبة عليها هي أكثر لله تعالى من راكبها".

هَذِهِ؟ ". قُلْنَا: نَحْنُ. قَالَ: "إِنَّهُ لاَ يَنْبَغِي أَنْ يُعَذِّبَ بِالنَّارِ إِلاَّ رَبُّ النَّارِ". أخرجه أبو داود (¬1). [صحيح] "الحُمَّرَةُ" (¬2) بضم الحاء المهملة وتشديد الميم: نوع من الطير في شكل العُصْفُورِ. وقوله: "تُعَرِّشُ" بالعين المهملة والشين المعجمة، أي: تُرَفْرِفُ وَتُرْخِي جَناحَيْهَا وتدنو من الأرض لتقع عليها ولا تقع، وروي: "تَفْرُشُ" بالفاء من فَرَش الجناح وَبَسَطَهُ (¬3). قوله: "عن عبد الرحمن بن عبد الله" أقول: عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة [137 ب] المازني الأنصاري، روى عن أبيه، وقد فسر المصنف ألفاظ الحديث. وقوله: "لا ينبغي" أي: لا يحل ولا يجوز، نحو قوله: "إن هذه الصدقة لا تنبغي لآل محمَّد" (¬4). 7 - وعن محمَّد بن إسحاق: عن رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ يُقَالُ لَهُ أبو مَنْظُورٍ عَنْ عَمِّهِ عَنْ عَامِرٍ الرَّامِ أَخِي الخُضْرِ قال: إِنِّا [لَبِبِلادَنا] (¬5) إِذْ رُفِعَتْ لَنَا رَايَاتٌ وَأَلْوِيَةٌ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: لِوَاءُ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَأَتَيْتُهُ وَهُوَ جَالِسٌ تَحْتَ شَجَرَةٍ وَقَدِ اجْتَمَعَ إِلَيْهِ أَصحَابُهُ، فَجَلَسْتُ إِلَيْهِمْ فَذَكَرَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - الأَسْقَامَ والأمْرَاضَ، فَقَالَ: "إِنَّ المُؤْمِنَ إِذَا أَصَابَه السَّقَمُ ثُمَّ أَعْفَاهُ الله - عز وجل - مِنْهُ كَانَ كَفَّارَةً لِمَا مَضَى مِنْ ذُنُوبِهِ وَمَوْعِظَةً لَهُ فِيمَا يَسْتَقْبِلُ، وإنَّ المُنَافِقَ إِذَا مَرِضَ ثُمَّ أُعْفِيَ كَانَ كَالبَعِيرِ عَقَلَهُ أَهْلُهُ ثُمَّ أَرْسَلُوهُ فَلَمْ يَدْرِ لِمَ عَقَلُوهُ ولِمَ أَرْسَلُوهُ". فَقَالَ رَجُلٌ مِمنْ حَوْلَهُ: يَا رَسُولَ ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (2675) و (5268)، وهو حديث صحيح. (¬2) انظر: "المجموع المغيث" (1/ 495)، "الفائق" للزمخشري (1/ 316). (¬3) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (4/ 529). (¬4) أخرجه أحمد في "المسند" (2/ 476) بسند صحيح. (¬5) في المخطوط (أ. ب): "لبلاد"، وما أثبتناه من "سنن أبي داود".

ْالله، وَمَا الأَسْقَامُ؟ وَالله مَا مَرِضْتُ قَطُّ. فَقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قُمْ فَلَسْتَ مِنَّا". أخرجه أبو داود (¬1). [ضعيف] "وَالالوِيَةُ" (¬2) جمع لواء، وهي الراية الكبيرة دون الأعلام. "وَأَعْفَاهُ وَعَافَاهُ" بمعنى واحد. قوله في حديث ابن إسحاق: "عن عامر الرام" أقول: بالراء، أي: الرامي سُمِّي الرامي؛ لأنه كان أرمى العرب. وقوله: "الخضر" (¬3) هو بضم الخاء المعجمة, وسكون الضاد المعجمة أيضاً جمع أخضر، والخضر قبيلة من قيس عيلان وهم بنو مالك بن طريف، وكان مالك آدم فسمي ولده الخضر. قوله: "قم فلست منا" أي: من أهل هدينا وطريقتنا، [و] (¬4) تمام الحديث قال: "بينما نحن عنده إذ أقبل رجل وعليه كساء وفي يده شيء قد التفَّ عليه, فقال: يا رسول الله! إني لما رأيتك أقبلت فمرت بغيظة شجر فسمعت فيها أصوات فراخ طائر فأخذتهن فوضعتهن في كسائي، فجاءت أمهن واستدارت على رأسي فكشفت لها عنهن فوقعت عليهن فلففتها معهن بكسائي [فهُنَّ] (¬5) أولاء معي، قال: "ضعهن" ففعلت فأبت أمهن [138 ب] إلا لزومهن، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أتعجبون لرحم أم الأفراخ على فراخها؟ " قالوا: نعم. قال: "والذي ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (3089)، وهو حديث ضعيف. (¬2) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (4/ 531). (¬3) قاله ابن الأثير في "تتمة جامع الأصول" (2/ 558). (¬4) سقطت من (ب). (¬5) في (ب): هاهن.

بعثني بالحق، لله أرحم بعباده من أُمِّ الأفراخ بفراخها، ارجع بهن حتى تضعهن من حديث أخذتهن وأمهن معهن" [فرجع بهن] (¬1). 8 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "قَرَصَتْ نَمْلَةٌ نَبِيًّا مِنَ الأنبِيَاءِ، فَأَمَرَ بِقَرْيَةِ النَّمْلِ فَحُرِّقَتْ، فَأَوْحَى الله تَعَالى إلَيْهِ: أَنْ قَرَصَتْكَ نَمْلَةٌ أَحْرَقْتَ أُمَّةً مِنَ الأُمَمِ تُسَبِّحُ". أخرجه الخمسة (¬2) إلا الترمذي. [صحيح] "وَقَرْيَةُ النَّمْلِ" مسكنها. قوله في حديث أبي هريرة: "نبياً من الأنبياء" أقول: في "نوادر الأصول": أنه موسى، وفي "الترغيب والترهيب" (¬3): أنه عزير. قوله: "قرية النمل" أقول: هي موضع اجتماعهن، والعرب تفرق بين الأوطان، فتقول: لمسكن الإنسان وطن، والإبل عطن، والأسد عرين وغابة، وللظبي كناس، وللزنبور كور، ولليربوع نافقاء، وللنمل قرية. قوله: "فحرقت" أقول: قال العلماء: محمول على أن شرع ذلك النبي كان فيه جواز قتل النمل والإحراق بالنار، فلم يعتب عليه في أصل الإحراق، بل في الزيادة على نملة؛ لأنها الجانية فقط. أما شرعنا؛ فلا يجوز [] (¬4) فيه إحراق الحيوان بالنار، إلا إذا أحرق شخص إنساناً جاز لوليه القصاص بالإحراق. ولا يجوز قتل النمل بحال من الأحوال، لحديث ابن عباس: ¬

_ (¬1) سقطت من (أ. ب). (¬2) أخرجه البخاري رقم (3019)، ومسلم رقم (2241)، وأبو داود رقم (5265)، وابن ماجه رقم (3225)، والنسائي رقم (4358). (¬3) (3/ 590 بإثر الحديث رقم 4399). (¬4) في (ب): زيادة: "إحراق" ولا داعي لها.

كتاب: الرفق

"نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قتل أربع من الدواب: النملة, والنحلة، والهدهد، والصُّرد" (¬1) رواه أبو داود بإسناد صحيح على شرط الشيخين. كتاب: الرفق 1 - عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ الرِّفْقَ مَا كانَ في شَيْءٍ إِلا زَانَهُ, وَلاَ نُزِعَ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ شَانَهُ". أخرجه مسلم (¬2) وأبو داود (¬3). [صحيح] 2 - وفي (¬4) رواية قالت: رَكِبْتُ بَعِيرًا فِيهِ صُعُوبَةٌ، فَجَعَلْتُ أَرْدُدْهُ, فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: "عَلَيْكِ بِالرِّفْقِ". [صحيح] "الشّيْنُ" (¬5) العيب، وهو ضد الزين. أقول: بكسر الراء وهو لين الجانب بالقول والفعل والأخذ بالأسهل، وهو عام في كل شيء كما يأتي في الرفق بالبعير في آخر الرواية, ويقابل الرفق؛ العنف، ولذا أتى في حديث (¬6): "من يحرم الرفق يحرم الخير كله"، وفيه حث على الرفق. [330/ أ] [139 ب]. 3 - وعن جرير - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ يُحْرَمِ الرِّفْقَ يُحْرَمِ الخَيْرَ كُلَّهُ". ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد (9/ 332) وأبو داود رقم (5267) وابن ماجه رقم (3224) وابن حبان رقم (1078 - موارد)، والدارمي (2/ 89)، والبيهقي (9/ 317)، وهو حديث صحيح. (¬2) في صحيحه رقم (2594). (¬3) في "السنن" رقم (2478، 4808). (¬4) أخرجها مسلم في صحيحه رقم (79/ 2594). (¬5) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (4/ 533). (¬6) وهو الحديث رقم (3).

كتاب: الرهن

أخرجه مسلم (¬1). (¬2) [صحيح] 4 - وعن أبي موسى - رضي الله عنه - قال: كَانَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا بَعَثَ أَحَدًا في بَعْضِ أَمْرِهِ قَالَ: "بَشِّرُوا وَلاَ تُنَفِّرُوا، وَيَسِّرُوا وَلاَ تُعَسِّرُوا". أخرجه أبو داود (¬3). [صحيح] قوله: "بشروا ولا تنفروا" أقول: أي: بشروا العباد بكل خير من ربهم، ولا تنفروهم بالتخويف والوعيد، بل لكل مقام مقال. والتبشير هو الأكثر والأنفع، وبه جلب الخواطر وإدخال المسرة، وغير ذلك. كتاب: الرهن 1 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "يُرْكَبُ الرَّهْنُ بِنَفَقَتِهِ، وَيُشْرَبُ لبَنُ الدَّرِّ بِنَفَقَتِهِ إِذَا كَانَ مَرْهُونًا، وَعَلَى الَّذِي يَشْرَبُ وَيَرْكَبُ النَّفَقَةُ". أخرجه البخاري (¬4) وأبو داود (¬5) والترمذي (¬6). [صحيح] ¬

_ (¬1) في صحيحه رقم (2592). (¬2) زاد ابن الأثير في "الجامع" (4/ 534) وأبو داود، ولم يذكر مسلم: "كُلَّه". وأخرجه أبو داود في "السنن" رقم (4809). (¬3) في "السنن" رقم (4835). وأخرجه البخاري رقم (3038)، ومسلم رقم (1733). (¬4) في صحيحه رقم (2512). (¬5) في "السنن" رقم (3526). (¬6) في "السنن" رقم (1254). وأخرجه أحمد (2/ 472)، وابن ماجه رقم (2440)، وهو حديث صحيح.

"الدَّرِّ" (¬1) في أصل الكلام: اللبن، ومعنى هذا أن زيادة الرَّهْنِ ونماءُه وفضل قيمته للراهن، وعلى المرتهن ضمانه إن هلك. أقول: "في التعريفات" (¬2) الرهن بالفتح والسكون: التوثقة بالشيء بما يعادله بوجهٍ ما. وقيل: هو لغة: الثبوت والاستقرار. وشرعاً: عين مالية وثيقة بدين لازم أو آيلٍ إلى اللزوم. قوله في حديث أبي هريرة: "وعلى الذي يشرب ويركب النفقة" أقول: قيل: هو كلام مبهم، ليس في نفس اللفظ بيان من يركب ويحلب من الراهن أو المرتهن أو العدل الموضوع على يده الرهن، وقد اختلف أهل العلم في تأويله. فقال أحمد بن حنبل (¬3): للمرتهن أن ينتفع من الرهن بالحلب والركوب بقدر النفقة، وكذلك قال إسحاق. وعن أحمد (¬4): أنه لا ينتفع منه بشيء غيرهما، وبمثله قال غيره؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "وعلى الذي يحلب ويركب النفقة". ¬

_ (¬1) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (4/ 535). (¬2) (ص 376). وقيل: لغة: الاحتباس من قولهم: رهن الشيء إذا دام وثبت, ومنه: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38)} [المدثر: 38]. وفي الشرع: جعل مال وثيقة على دين، ويطلق على العين المرهونة تسمية للمفعول به باسم المصدر. "القاموس المحيط" (ص 1551)، و"لسان العرب" (13/ 188). (¬3) انظر: "المغني" (6/ 509 - 510). (¬4) قال ابن قدامة في "المغني" (6/ 509): مسألة: قال: "ولا ينتفع المرتهن من الرهن بشيء، إلا ما كان مركوباً أو محلوباً، فيركب ويحلب بقدر العلف". الكلام في هذه المسألة في حالين؛ أحدهما: ما لا يحتاج إلى مؤنة, كالدار والمتاع ونحوه, فلا يجوز للمرتهن الانتفاع به بغير إذن الراهن بحال، لا نعلم في هذا خلافاً؛ لأن الرهن ملك الراهن، فكذلك نماؤه ومنافعه، =

وقال الشافعي (¬1): منفعة الرهن للراهن ونفقته عليه، والمرتهن لا ينتفع بشيء من الرهن خلا الاحتفاظ به للوثيقة. والحديث دليل على جواز انتفاع المرتهن بالرهن إذا قام بمصلحته، ولو لم يأذن المالك، ومن حمله على الراهن فقد أبعد. 2 - وعن ابن المسيب - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يَغْلَقُ الرَّهْنُ". أخرجه مالك (¬2). [ضعيف] قال (¬3): وتفسير ذلك فيما نرى والله أعلم: أن يرهن الرجل الرهن عند الرجل بالشيء وفيه فَضْلٌ عما رُهِنَ فيه. فيقول المرتهن: إن لم تأتني بحقي إلى أجل كذا وكذا فهو لي، أو يقول ¬

_ = فليس لغيره أخذها بغير إذنه, فإن أذن الراهن للمرتهن في الانتفاع بغير عوض، وكان دَيْنُ الرَّهن من قرض، لم يجز؛ لأنه يحصل قرضاً يجر منفعة, وذلك حرام. قال أحمد: أكره قرض الدور، وهو الربا المحض. يعني: إذا كانت الدار رهناً في قرض ينتفع بها المرتهن. وإن كان الرهن بثمن مبيع، أو أجر دار، أو دين غير القرض، فأذن له الراهن في الانتفاع، جاز ذلك. روي ذلك عن الحسن، وابن سيرين، وبه قال إسحاق ... ". اهـ (¬1) انظر: "الوسيط في المذهب" (3/ 449 - 500). (¬2) في "الموطأ" (2/ 728) وهو مرسل ضعيف. وأخرجه أبو داود في "المراسيل" رقم (186، 187)، والدارقطني في "السنن" (3/ 33 رقم 132)، وقد صحح إرساله ابن القطان في "بيان الوهم والإيهام" (5/ 89 - 90 رقم 2334). وأخرج الشافعي في مسنده (ج 2 رقم 568 - ترتيب) والدارقطني في "السنن" (3/ 32 رقم 126) وقال: زياد بن سعد من الحفاظ الثقات, وهذا إسناد حسن متصل. عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يُغلقُ الرهن من صاحبه الذي رهنه، له غرمه وعليه عزمه"، وهو مرسل ضعيف. (¬3) أي مالك في "الموطأ" (2/ 729).

له الراهن: هو لك إن لم آتك به إلى الأجل. قال (¬1): وهذا الذي نهى عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلا يصلح. فلو جاء صاحبه بما فيه بعد الأجل فهو له، وأرى هذا الشرط منفسخاً. وقال الشافعي (¬2): معناه: لا يستحقه المرتهن إذا ترك الراهن قضاء حقه. قوله: "لا يغلق الرهن" أقول: مرسل، وقد وصل عن أبي هريرة (¬3). ومعناه: أن الرهن وثيقة يزيد المرتهن يترك في يده إلى غاية, ثم يكون رجوعه إلى الراهن [140 ب] وليس كالبيع يستغلق فيملك [حتى لا يفك] (¬4)، وقد فسره بما ترى، وهو في "الجامع" منسوب إلى مالك. 3 - وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "اشْتَرَى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مِنْ يَهُودِيٍّ طَعَامًا بِنَسِيئَةٍ وَأَعْطَاهُ دِرْعًا لَهُ رَهْنًا". أخرجه الشيخان (¬5) والنسائي (¬6). [صحيح] قوله: "في حديث عائشة: من يهودي طعاماً" أقول: اسم اليهودي أبو الشحم (¬7)، وقيمة الدرع أربعمائة درهم، والطعام ثلاثون (¬8) صاعاً من شعير، وكان الأجل سنة. ¬

_ (¬1) أي مالك في "الموطأ" (2/ 729). (¬2) في "الأم" (4/ 32 - 33). (¬3) تقدم تخريجه, وهو ضعيف. (¬4) زيادة من (أ). (¬5) البخاري في صحيحه رقم (2068، 2069، 2200، 2251، 2252، 2386، 2509، 2513، 2516، 4467)، ومسلم رقم (124/ 1603). (¬6) في "السنن" رقم (4609). (¬7) بينه الشافعي في "المسند" (ج 2 رقم 566 - ترتيب) بسند منقطع. والبيهقي في "السنن الكبرى" (6/ 37) وقال البيهقي: منقطع، كلاهما من طريق جعفر بن محمد عن أبيه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رهن درعاً له عند أبي الشحم اليهودي رجل من بني ظفر في شعير. وقد صح بمعناه موصولاً. (¬8) أخرج البخاري رقم (4467)، ومسلم رقم (125/ 1603) بلفظ: "توفي ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين صاعاً من شعير". =

وإنما اشترى - صلى الله عليه وسلم - من يهودي ورهنه درعه دون أصحابه بيان لجواز ذلك، وقيل: لم يكن عند أحدهم طعام فاضل عن حاجته وإنما كان عند اليهودي. وقيل: لأن الصحابة لا يأخذون رهنه, ولا يقبضون الثمن، فعدل إلى معاملة اليهودي لئلا يضيق على أحد من أصحابه. هذا وقد أجمع (¬1) المسلمون على جواز معاملة أهل الذمة وغيرهم من الكفار إذا لم يتحقق تحريم ما معه، لكنه لا يجوز للمسلم أن يبيع من أهل الحرب سلاحاً وآلة حرب، ولا ما يستعينون به في إقامة دينهم، ولا بيع مصحف، ولا عبد مسلم لكافر مطلقاً. وفي الحديث بيان ما كان عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من التقلل من الدنيا، وجواز الرهن في الحضر، وبه قال الأربعة وكافة العلماء إلا مجاهد (¬2) وداود؛ فإنما خصاه بالسفر تعلقاً بمفهوم الشرط في الآية, وتعلق الجمهور بهذا الحديث، وهو أقوى من دلالة المفهوم. ¬

_ = قال الحافظ في "الفتح" (5/ 141): لعله كان دون الثلاثين فجبر الكسر تارة, وألقى الجبر أخرى. وفي رواية الترمذي رقم (1214)، والنسائي رقم (4651) من هذا الوجه: "بعشرين". ولعله رهنه أول الأمر في عشرين ثم استزاده عشرة, فرواه الراوي تارة على ما كان الرهن عليه أولاً، وتارة على ما كان عليه آخر. (¬1) انظر: "المبسوط" للسرخسي (21، 64)، "فتح الباري" (5/ 140)، "المغني" (6/ 444)، "حلية العلماء" (4/ 403 - 405). (¬2) قال ابن الملقن في "الإعلام بفوائد عمدة الأحكام" (7/ 360 - 361): التاسع: في أحكامه (الأول) جواز الرهن في الحضر، وقد وقع التصريح به في بعض روايات الحديث، واتفق العلماء على جوازه في السفر عند عدم الكاتب، وخصه مجاهد وداود هذه الصورة لظاهر الآية, وقالا: لا يجوز الرهن إلا فيها. وجوزه الباقون حضراً وسفراً. وقالوا: الآية خرج الكلام فيها على الأغلب، لا على سبيل الشرط. انظر: "فتح الباري" (5/ 140)، "أضواء البيان" للشنقيطي (1/ 228)، "المحلى" (8/ 87).

كتاب: الرياء

كتاب: الرياء 1 - عن شُفَيٍّ الأصْبِحِي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَوَّلُ مَنْ يُدْعَى بِهِ يَوْمَ القِيَامِةِ رَجُلٌ جَمَعَ القُرْآنَ، وَرَجُلٌ قُتِلَ في سَبِيلِ الله، وَرَجُلٌ كَثِيرُ المَالِ. فَيَقُولُ الله تَعَالى لِلْقَارِئِ: أَلمْ أُعَلِّمْكَ مَا أَنْزَلْتُ عَلَى رَسُولِي؟ فيَقُولُ: بَلَى يَا رَبِّ. قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيمَا عَلِمْتَ؟ فيَقُولُ: كُنْتُ أَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ. فَيَقُوُل الله تعالى لَهُ: كَذَبْتَ. وَتَقُولُ لَهُ المَلاَئِكَةُ: كَذَبْتَ. وَيَقُولُ الله تَعَالى له: بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ فُلاَنٌ قَارِئٌ, وَقَدْ قِيلَ ذَلِكَ. وَيُؤْتَى بِصَاحِبِ المَالِ، فَيَقُوُل الله تعَالى: أَلمْ أُوَسِّعْ عَلَيْكَ حَتَّى لم أَدَعْكَ تَحْتَاجُ إِلَى أَحَدٍ؟ فيَقُوُل: بَلَى يَا رَبِّ. فيَقُولُ: فمَاذَا عَمِلْتَ فِيمَا آتَيْتُكَ؟ فيَقُولُ: كُنْتُ أَصِلُ الرَّحِمَ وَأَتَصَدَّقُ. فَيَقُوُل الله تَعَالى لَهُ: كَذَبْتَ, وَتَقُوُل لَهُ المَلاَئِكَةُ: كَذَبْتَ, وَيَقُولُ لَهُ الله تَعَالَى: بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ فُلاَنٌ جَوَادٌ, وَقَدْ قِيلَ ذَلِكَ. ثُمَّ يُؤْتَى بِالَّذِي قُتِلَ في سَبِيلِ الله، فَيَقُولُ له الله تَعَالى: فِي مَاذَا قُتِلْتَ؟ فَيَقُولُ: أُمِرْتُ بِالجِهَادِ فِي سَبِيلِكَ فَقَاتَلْتُ حَتَّى قُتِلْتُ. فَيَقُولُ الله تَعَالَى لَه: كَذَبْتَ, وَتَقُولُ لَهُ المَلاَئِكَةُ: كَذَبْتَ. وَيَقُولُ له الله تَعَالى: بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ فُلاَنٌ جَريء, وَقَدْ قِيلَ ذَاكَ". ثُمَّ ضَرَبَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عَلَى رُكْبَةِ أَبي هُرَيرَةَ, فَقَالَ: "يَا أَبا هُرَيْرَةَ! أُولَئِكَ الثَّلاَثَةُ أَوَّلُ خَلْقِ الله تُسَعَّرُ بِهِمُ النَّارُ يَوْمَ القِيَامَةِ". قال شُفّيٌّ: فَأَخْبَرْتُ مُعَاوِيَةَ بِهَذَا الحدِيثِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, فَقَالَ: قَدْ فُعِلَ بِهَؤُلاَءِ هَذَا، فكَيْفَ بِمَنْ بَقِيَ مِنَ النَّاسِ؟ ثُمَّ بَكَى مُعَاوِيَةُ بُكَاءً شَدِيدًا حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ هَالِكٌ، ثُمَّ أَفَاقَ وَمَسَحَ عَنْ وَجْهِهِ وَقَالَ: صَدَقَ الله وَرَسُولُهُ: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ

مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (16)} (¬1). أخرجه مسلم (¬2) والترمذي (¬3) واللفظ له والنسائي (¬4). [صحيح] أقول: "بكسر الراء فمثناة خفيفة وألف مقصورة, في "التعريفات" (¬5): الرياء الفعل المقصود به رؤية الخلق غفلة عن الخالق وعمى به عنه، وقيل: ملاحظة الأشكال في الأعمال. وقيل: سهولة الطاعة بمشهد الجماعة. وقيل: سقوط النشاط في الخلا وزوال المشاق في الملا. وقال الغزالي (¬6): حقيقة الرياء طلب المنزلة في قلوب الناس بالطاعة. قوله: "شفي الأصبحي" أقول: شفي بضم الشين المعجمة وفتح الفاء وتشديد المثناة التحتية، وهو ابن ماتع بالمثناة الفوقية، والأصبحي بكسر الهمزة والصاد والحاء المهملتين بينهما باء موحدة جزم [141 ب] ابن الأثير (¬7) أنه تابعي وقال: يعد في تابعي المصريين، وبأنه تابعي جزم المنذري (¬8)، وصدر الحديث عن شفي عند الترمذي: أنه دخل المدينة فإذا هو برجل قد اجتمع عليه الناس، فقال: من هذا؟ قالوا: أبو هريرة، فدنوت منه حتى قعدت بين يديه وهو ¬

_ (¬1) سورة هود: 15 - 16. (¬2) في صحيحه رقم (1905). (¬3) في "السنن" رقم (2382). (¬4) في "السنن" (6/ 23). (¬5) (ص 380). (¬6) في "الإحياء" (3/ 351). (¬7) في "تتمة جامع الأصول" (1/ 508 - قسم التراجم). (¬8) في "الترغيب والترهيب" (1/ 73).

يحدث الناس، فلما سكت وخلا قال له: أسألك بحقٍّ وبحقٍّ [لما] (¬1) حدثتني حديثاً سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال أبو هريرة: أجل، لأحدثنك حديثاً حدثنيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سمعته وعقلته، ثم نشغ (¬2) بالنون فشين معجمة فغين معجمة وهو الشهيق يكاد يبلغ الغشي، نشغة فلبث قليلاً، ثم أفاق فقال: لأحدثنك حديثاً حدثنيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذا البيت ما معنا أحد غيري وغيره. ثم نشغ أبو هريرة نشغة أخرى ثم أفاق ومسح وجهه، ثم نشغ نشغة شديدة ثم مال خاراً على وجهه فأسندته عليَّ طويلاً، ثم أفاق فقال: [331/ أ]: حدثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " [أن الله تبارك وتعالى] (¬3) إذا كان يوم القيامة ينزل إلى العباد ليقضي بينهم وكل أمة جاثية، فأول من يدعى به إلى يوم القيامة ... " الحديث [142 ب]. قوله: "واللفظ له" قلت: وقد حذف من لفظه فقال: الوليد أبو عثمان المدائني، فأخبرني عقبة: أن شفياً هو الذي دخل على معاوية فأخبره بهذا. قال أبو عثمان: وحدثني العلاء بن أبي حكيم: أنه كان سيافاً لمعاوية، قال: فدخل عليه رجل فأخبره بهذا عن أبي هريرة إلى آخره. قلت: يجمع بينهما بأن الرجل الذي أبهم هو شفي. قال الترمذي (¬4) عقيب إخراجه: أنه حديث حسن غريب. ¬

_ (¬1) في (أ): "إلا". (¬2) نشغ: أي شهق وغُشي عليه. والنشغ في الأصل الشهيق حتى يكاد يبلغ به الغشي، وإنما يفعل الإنسان ذلك تشوقاً إلى شيء فائت وأسفاً عليه. "النهاية في غريب الحديث" (2/ 745)، "غريب الحديث" للهروي (3/ 194). (¬3) في (أ. ب): "أنه"، وما أثبتناه من "سنن الترمذي". (¬4) في "السنن" (4/ 596).

2 - وعن كعب بن مالك - رضي الله عنه - قال: سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مَنْ طَلَبَ العِلْمَ لِيُجَارِيَ بِهِ العُلَمَاءَ وَيُمارِيَ بِهِ السُّفَهَاءَ وَيَصرِفَ بِهِ وُجُوهَ النَّاسِ إِلَيْهِ أَدْخَلَهُ الله النَّارَ". أخرجه الترمذي (¬1). [حسن] "المُمَارَاةٌ" (¬2) المجادلة والمناظرة. "وَالمُجَارَاةُ" (¬3) أن يجري مع قوم في شيء ويفعل مثل فعلهم. قوله: في حديث [أبي بن] (¬4) كعب: "أخرجه الترمذي". قلت: وقال (¬5): هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وإسحاق بن يحيى بن طلحة ليس بذاك القوي عندهم، تكلم فيه من قبل حفظه. انتهى. 3 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "تَعَوَّذُوا بِالله مِنْ جُبِّ الحُزْنِ". فَقَالُوا: يَا رَسُولَ الله! وَمَا جُبُّ الحُزْنِ؟ قَالَ: "وَادٍ فِي جَهَنَّمَ تَتَعَوَّذُ مِنْهُ جَهَنَّمُ كُلَّ يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ". قِيلَ: يَا رَسُولَ الله، وَمَنْ يَدْخُلُهُ؟ قَالَ: "القُرَّاءُ المُرَاءُونَ بِأَعْمَالهِمْ". أخرجه الترمذي (¬6). [ضعيف] قوله: في حديث أبي هريرة في جب الحزن: "أخرجه الترمذي". ¬

_ (¬1) في "السنن" (2654)، وهو حديث حسن. (¬2) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (4/ 543). (¬3) قال ابن الأثير في "النهاية" (1/ 259): ليجاري به العلماء أي: يجري معهم في المناظرة والجدال، ليظهر علمه إلى الناس رياءً وسمعة. (¬4) زيادة من (أ). (¬5) أي الترمذي في "السنن" (5/ 33). (¬6) في "السنن" رقم (2383). وأخرجه ابن ماجه رقم (256)، وهو حديث ضعيف.

قلت: وقال (¬1): هذا حديث غريب. 4 - وعن أبي هريرة وابن عمر - رضي الله عنهما - قالا: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ رِجَالٌ يَخْتِلُونَ الدُّنْيَا بِالدِّينِ، يَلْبَسُونَ لِلنَّاسِ جُلُودَ الضَّأنِ مِنَ اللِّينِ، أَلْسِنَتُهُمْ أَحْلَى مِنَ العَسَلِ وَقُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الذِّئَابِ يَقُولُ الله تَعَالى: أَبِي تغْتَرُّونَ أَمْ عَلَيَّ تَجتَرِئُونَ؟ فَبِي حَلَفْتُ لأَبْعَثَنَّ عَلَى أُولَئِكَ مِنْهُمْ فِتْنةً تَذَرُ الحَلِيمَ فِيهِم حَيْرَانَ". أخرجه الترمذي (¬2). [ضعيف جداً] "الختل" (¬3) الخدع. "وَالاجْتِرَاء" (¬4) الجسارة على الشيء. قوله: في حديث أبي هريرة وابن عمر: "يختلون" أقول: بفتح حرف المضارعة وسكون الخاء المعجمة، يقال: ختله يختله إذا خدعه وراوغه، ويقال (¬5): ختل الذئب الصيد إذا تخبأ له والمراد يطلب الدنيا بعمل الآخرة. قوله: "أخرجه الترمذي". ¬

_ (¬1) أي الترمذي في "السنن" (4/ 594). (¬2) في "السنن" رقم (2404) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، وهو حديث ضعيف جداً. وأخرجه برقم (2405) من حديث ابن عمر - رضي الله عنه -، وهو حديث ضعيف. (¬3) قال ابن الأثير في "النهاية" (1/ 471): ختل فيه من أشراط الساعة أن تعطل السيوف من الجهاد، وأن تختل الدنيا بالدين، أي: تطلب الدنيا بعمل الآخرة، يقال: ختله يختله إذا خدعه وراوغه. وانظر: "الفائق" للزمخشري (1/ 354)، "غريب الحديث" للخطابي (1/ 209). (¬4) أي متسلطين عليه غير هائبين. "النهاية" (1/ 248) (¬5) قاله ابن الأثير في "النهاية" (1/ 471).

5 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "يَقُوُل الله تَعَالَى: أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشَّرْكِ, مَنْ عَمِلَ عَمَلاً أَشْرَكَ مَعِي فِيهِ غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ". أخرجه مسلم (¬1). [صحيح] قول في حديث أبي هريرة: "تركته وشركه" أقول: في رواية: "شركته" ومعناه: أنا غني عن المشاركة وغيرها، فمن عمل شيئاً [143 ب] لي ولغيري لم أقبله، بل أتركه لذلك الغير. والمراد: أن عمل المرائي باطل لا ثواب فيه بل هو آثم به. 6 - وعنه - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "تَجِدُونَ مِنْ شَرِّ النَّاسِ عِنْدَ الله تَعَالى يَوْمَ القِيَامَةِ ذَا الوَجْهَيْنِ، الَّذِي يَأْتِي هَؤُلاَءِ بِوَجْهٍ وَهَؤُلاَءِ بِوَجْهٍ". أخرجه الستة (¬2) إلا النسائي. [صحيح]. قوله في حديث أبي هريرة: "ذا الوجهين" قد فسره بقوله: "يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه". والمراد المنافق يلاقي كل قوم بما يوافقهم (¬3)، كما قال تعالى في صفاتهم: {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ} (¬4) ومرادهم بذلك أن يأمنوهم ويأمنوا قومهم، ولذا ورد الوعيد الشديد في حديث عمار المذكور بعد هذا، وأنه يكون له يوم القيامة لسان [من] (¬5) نار. ¬

_ (¬1) في صحيحه رقم (2985)، وهو حديث صحيح. (¬2) أخرجه البخاري رقم (6058)، ومسلم رقم (2526)، وأبو داود رقم (4872) , والترمذي رقم (2025)، ومالك في "الموطأ" (2/ 991). (¬3) انظر: "فتح الباري" (10/ 474 - 475). (¬4) سورة البقرة: 14. (¬5) في (ب): "في".

7 - وعن عمار بن ياسر - رضي الله عنه - قال: رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ كَانَ لَهُ وَجْهَانِ فِي الدُّنْيَا كَانَ لَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ لِسَانَانِ مِنْ نَارٍ". أخرجه أبو داود (¬1). [حسن بشواهده]. 8 - وعن أبي وائل قال: سمعت أُسامة - رضي الله عنه - يقولُ: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يُؤْتَى بِالرَّجُلِ يَوْمَ القِيَامَةِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ، فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُ بَطْنِهِ، فَيَدُورُ بِهَا كَما يَدُورُ الحِمَارُ بِالرَّحَى، فَيَجْتَمِعُ إِلَيْهِ أَهْلُ النَّارِ فَيَقُولُونَ: يَا فُلاَنُ! أَلم تَكُنْ تَأْمُرُ بِالمَعْرُوفِ وَتَنْهَى عَنِ المُنْكَرِ؟ فَيَقُولُ: بَلَى، قَدْ كُنْتُ آمُرُ بِالمَعْرُوفِ وَلاَ آتِيهِ، وَأَنْهَى عَنِ المُنكَرِ وآتِيهِ". أخرجه الشيخان (¬2). [صحيح] "الِانْدِلاَقُ" (¬3) الخروج. و"الأقْتَابُ" (¬4) جمع قَتَبٍ، وهي الأمعاء. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (4873)، وهو حديث حسن بشواهده. (¬2) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (3267، 7098)، ومسلم رقم (51/ 2989). (¬3) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (4/ 548). وانظر: "القاموس المحيط" (ص 1141). (¬4) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 413)، "غريب الحديث" للهروي (2/ 30، 31).

حرف الزاي

حرف الزاي وفيه ثلاثة كتب الزكاة - الزهد - الزينة كتاب: الزكاة وفيه خمسة أبواب الباب الأول: في وجوبها وإثم تاركها 1 - عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: بَعثَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مُعَاذاً إِلَى اليَمَنِ فَقَالَ: "إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ أَهْلِ كِتَابٍ، فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ عِبَادةُ الله تَعَالى، فَإِذَا عَرَفُوا الله تَعَالى فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ الله فَرَضَ عَلَيْهِمْ زَكَاةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَهائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذلِكَ فَخُذْ مِنْهُمْ وَتَوَقَّ كَرَائِمَ أَمْوَالهِمْ، وَاتَّقِ دَعْوَةَ المَظْلُومِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهاَ وَبَيْنَ الله حِجَابٌ". أخرجه الخمسة (¬1). [صحيح] قوله: (حرف الزاي). قوله في حديث ابن عباس: "بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معاذاً" أقول: اختلف هل بعثه والياً أو قاضياً، فجزم الغساني (¬2) بالأول، وابن عبد البر (¬3) بالثاني، وكان بعثه سنة عشر (¬4) ربيع ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (1395)، ومسلم رقم (29/ 19)، وأبو داود رقم (1584)، والترمذي رقم (625)، والنسائي رقم (2435)، وابن ماجه رقم (1783)، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. (¬2) ذكره الحافظ في "الفتح" (3/ 358). (¬3) في "التمهيد" (7/ 58 - 59). (¬4) ذكره البخاري في صحيحه (8/ 61 رقم الباب 60 - مع الفتح).

الآخر، وقيل في آخر سنة تسع (¬1) بعد تبوك، وقيل (¬2): سنة ثمان ولم يزل بها حتى قدم في عهد أبي بكر - رضي الله عنه -. [144 ب]. قال البرماوي في "شرح العمدة": أنه - صلى الله عليه وسلم - بعثه قاضياً إلى الجند يعلم الناس القرآن وشرائع الإسلام ويقضي بينهم، وجعل إليه قبض الصدقات من العمال الذين باليمن، وكان - صلى الله عليه وسلم - قسم اليمن على خمسة، كما قال ابن عبد البر: خالد بن سعيد على صنعاء، والمهاجر بن أبي أمية على كندة، وزياد بن لبيد على حضرموت، ومعاذ على الجند، وأبي موسى على زبيد، وزمعة بفتح الزاي وسكون الميم وبالعين المهملة من منازل حمير، وعلى عدن والساحل. وسبب إرساله معاذاً لما أدّان حتى أغلق ماله كله بالدين، وسئل - صلى الله عليه وسلم - الحجر وبيع أمواله فأقام معاذ بعد قضاء دينه بغير شيء، فخيره النبي - صلى الله عليه وسلم - بإرساله إلى اليمن. قال الرازي: علم من الشرع أن الزكاة وجبت للمواساة، والمواساة لا تكون إلا في مال له بال، وهو النصاب، ثم جعلها تعالى في الأموال النامية وهي العين والزرع والماشية، فأجمعوا على وجوب الزكاة في هذه الأنواع، واختلفوا في غيرها كالعروض، فأوجب زكاتها الجمهور ومنعها داود تعلقاً منه بقوله [- صلى الله عليه وسلم -] (¬3): "ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقه" (¬4)، وحمله ¬

_ (¬1) أخرجه ابن سعد في "الطبقات الكبرى" (3/ 590) عن كعب بن مالك. (¬2) ذكره الحافظ في "الفتح" (7/ 61). (¬3) في (أ): "تعالى"، وهو خطأ. (¬4) وهو حديث صحيح. أخرجه أحمد (2/ 242، 254، 477)، والبخاري رقم (1464)، ومسلم رقم (8/ 982)، وأبو داود رقم (1595)، والترمذي رقم (628)، والنسائي رقم (2467، 2468)، وابن ماجه رقم (1812) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ليس على المسلم صدقة في عبده ولا فرسه".

الجمهور (¬1) على ما كان للقيمة، وحدد الشرع نصاب (¬2) كل جنس بما يحتمل المواساة، فنصاب الفضة خمس أواق وهي مائتا درهم بنص الحديث والإجماع، وأما الذهب فعشرون مثقالاً، والمعول فيه على الإجماع، وأما الزروع والثمار والماشية فنصبها معلومة. ورتب الشارع مقدار الواجب بحسب المؤنة والتعب في المال، فأقلها تعباً الركاز ففيه الخمس لذلك، ويليه الزرع والثمار ففيها العشر إن سقيت بماء السماء وإلا فنصفه، ويليه الذهب والفضة والتجارة ففيها ربع العشر؛ لأنها يحتاج فيها جميع السنة، ويليه الماشية؛ لأنها يدخلها الأوقاص بخلاف الأنواع السابقة. انتهى. قلت: الحاصل أن المفروض في الأموال الخمس، ونصفه, ونصف نصفه, وربعه. فائدة: سئل شيخ الإسلام البلقيني: هل علمت السنة التي فرضت فيها الزكاة أم لا؟ [145 ب]. فأجاب: بأنه لم يتعرض الحفاظ وأصحاب السنن للسنة التي فرضت فيها الزكاة، وقال: ووقع في في ذلك حديثان ظهر منهما تقريب ذلك ولم أسبق إليه. أحدهما في النسائي (¬3) خرج بإسنادين أحدهما صحيح على شرط الصحيح من حديث قيس بن سعد بن سعيد (¬4) قال: ¬

_ (¬1) انظر: "فتح الباري" (3/ 327)، المحلى (5/ 209 - 211). (¬2) سيأتي مفصلاً. (¬3) في "السنن" رقم (2506) عن قيس بن سعد بن عبادة قال: كنا نصوم عاشوراء ونؤدي زكاة الفطر، فلما نزل رمضان ونزلت الزكاة لم نؤمر به ولم ننه عنه, وكنا نفعله. وهو حديث صحيح. وأخرج النسائي في "السنن" رقم (2507) عن قيس بن سعد قال: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بصدقة الفطر قبل أن تنزل الزكاة، فلما نزلت الزكاة لم يأمرنا ولم ينهنا ونحن نفعله"، وهو حديث صحيح. (¬4) انظر ما تقدم.

أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬1) بصدقة الفطر فرضت في الثانية، فدل تأخير فرض زكاة المال عن ذلك. الثاني: أنه صح من حديث ضمام بن ثعلبة ذكر الزكاة، وقدوم ضمام كان في الخامسة (¬2) على ما قاله ابن حبيب وغيره، وقيل غير ذلك، والأول أرجح، وإذا كان كذلك علم أن فرض الزكاة كان بعد فرض الفطر وقبل قدوم ضمام. انتهى. قتل: ولم يفد كلامه تعيين سنة فرضها. وقال الدميري في "شرح المنهاج" (¬3): وفرضت - أي الزكاة - في السنة الثانية من الهجرة بعد زكاة الفطر، قاله الحافظ شرف الدين الدمياطي، واستدل بحديث قيس بن سعد المتقدم. قلت: ولا يخفى أنه ليس فيه تعيين سنة فرضها. وقيل (¬4): فرضت قبل الهجرة وبينت بعدها، وفي "تاريخ ابن جرير الطبري": أنها فرضت الزكاة في الرابعة. قوله: "فدعوهم إلى عبادة الله" أقول: في رواية لمسلم (¬5) عن ابن عباس عن معاذ بن جبل قال: بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "إنك تأتي قوماً من أهل كتاب، فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله" وذكر الحديث بنحوه، فالمراد من عباده كلمة الشهادة ولوازمها. قوله: "فإذا عرفوا الله" أقول: أي: أقروا بشهادة أن محمداً رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن أهل الكتاب كانوا مقرين بالله، ولكنهم كفروا برسوله - صلى الله عليه وسلم -. ¬

_ (¬1) تقدم نصه. (¬2) انظر: "فتح الباري" (3/ 266 - 267). (¬3) "النجم الوهاج في شرح المنهاج" (3/ 128). (¬4) ذكر الدميري في "شرح المنهاج" (3/ 128). (¬5) في صحيحه رقم (29/ 19).

قوله: "فأخبرهم أن الله فرض عليهم زكاة" أقول: في "الجامع" (¬1) وغيره: "فأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم، فإذا قبلوا فأخبرهم أن الله فرض عليهم زكاة ... " إلى آخره، ونسخ التيسير بحذف هذه الجملة [746 ب] ولا أدري لماذا حذفها، وكأنه يقول: إنما الباب معقود لوجوب الزكاة فيحذف ذكر وجوب الصلاة، ولكن كان الأحسن له أن يتبع ابن الأثير فإنه ناقل عنه. قوله: "زكاة تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم" أقول: في لفظ رواية عند الجماعة (¬2) الذين نسب إخراج الحديث إليهم: "فأخبرهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم" وهو لفظ رواية البخاري (¬3)، وهذا للإخبار لهم بالصلوات والزكوات كله [232/ أ] مجمل يأتي بيان الزكاة ومقاديرها في الفصل الأول من الباب الثاني، وأما بيان الصلاة فكأنه وقع بعد هذا بتعليم معاذ الناس لها. وفيه دليل أن الصدقة ترد على فقراء البلاد التي تؤخذ منها، ودليل أن الفقير من ليس بغني، وأن الغني من تجب عليه الزكاة وهو من يملك النصاب. قوله: "فخذ منهم" أي: الصدقة. "وتوقَّ كرائم أموالهم" (¬4) أي: محاسنها ونفائسها وما تكرم على صاحبها. قوله: "توقى واتقي" بمعنى على افتعل، فقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها، وأُبدلت منها التاء وأدغمت، فلما أكثر استعمالها على لفظ الافتعال توهموا أن التاء من نفس الحرف ¬

_ (¬1) (4/ 550 - 551 الحديث رقم 2655). (¬2) تقدم تخريجه. (¬3) في صحيحه رقم (1458). (¬4) قال ابن الأثير في "النهاية" (2/ 536): كرائم أموالهم؛ أي: نفائسها التي تتعلق بها نفس مالكها ويختصها بها، حيث هي جامعة للكمال الممكن في حقها، وواحدتها: كريمة.

فجعلوه: اتَّقى يتقي، بفتح التاء فيهما، ثم لم يجدوا له مثالاً في كلامهم يلحقونه به فقالوا: تَقيَ يَتْقي، مثل قضى يَقضي، قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (¬1). ويأتي بيان ما تؤخذ منه الصدقة، وما لا تؤخذ منه في الفصل الثاني من الباب الثاني. قوله: "ليس بينها وبين الله حجاب" أقول: ليس لها صارف يصرفها ولا مانع، ولأحمد (¬2) من حديث أبي هريرة: "دعوة المظلوم مستجابة وإن كان فاجراً ففجوره على نفسه". ¬

_ (¬1) (4/ 551 - 552). (¬2) في "المسند" (2/ 367) بسند ضعيف لضعف أبي معشر. قلت: وأخرجه الطيالسي رقم (2330)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (10/ 275)، والطبراني في "الأوسط" رقم (1182)، وفي "الدعاء" رقم (1318)، والقضاعي في "مسند الشهاب" رقم (315)، وابن عدي في "الكامل" (7/ 2517)، والخطيب في "تاريخه" (2/ 271 - 272)، والدارقطني في "العلل" (10/ 396) من طريق أبي معشر عن سعيد المقبري عن أبي هريرة به. وله شاهد أخرجه أحمد (3/ 153)، والدولابي في "الكنى" (2/ 73)، والقضاعي في "مسند الشهاب" رقم (960) من حديث أنس بن مالك يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اتقوا دعوة المظلوم، وإن كان كافراً، فإنه ليس دونها حجاب"، وإسناده ضعيف لجهالة أبي عبد الله الأسدي. والحديث حسنه الحافظ في "الفتح" (3/ 360) ولعله بمجموع الطريقين. وفي دعوة المظلوم: أخرج أحمد (2/ 258)، وابن أبي شيبة (10/ 429)، وأبو داود رقم (1536)، والترمذي رقم (1905)، و (3448)، والبخاري في "الأدب المفرد" رقم (32)، والطبراني في "الدعاء" رقم (1314)، وابن حبان رقم (2699) قال الترمذي: هذا حديث حسن. عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ثلاث دعوات مستجابات، لا شك فيهن: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد على ولده". وهو حديث حسن، والله أعلم. =

فائدة: لم يقع في حديث معاذ هذا ذكر فرض الصوم وفرض الحج مع أن إرسال معاذ كان بعد فرضهما، قال ابن الصلاح (¬1): لعله تقصير من بعض الرواة. قلت: إذا كان بعث معاذ بعد الفتح أو سنة سبع فلم يكن الحج قد فرض على الأصح، وأما الصوم فقد كان فرض قطعاً. [147 ب]. 2 - وعن أبي هريرة (¬2) وجابر - رضي الله عنهما - قالا: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا مِنْ صَاحِبِ إِبِلٍ وَلاَ بَقَرٍ وَلاَ غنَمٍ لاَ يُؤدِّي حَقَّ الله تَعَالى فِيهَا إِلاَّ جَاءَتْ يَوْمَ القِيَامَةِ أَكْثَرَ مَا كَانَتْ وَأُقَعِدَ لهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ تَسْتَنُّ عَلَيْهِ بِقَوَائِمِهَا وَأَخْفَافِهَا وَتَنْطَحُهُ بِقُرُونِهَا وَتَطَؤُهُ بِأَظْلاَفِهَا، لَيْسَ فِيهَا جَمَّاءُ وَلاَ مُنْكَسِرٌ قَرْنُهَا، كُلَّمَا مَرَّتْ عَلَيْهِ أُخْرَهَا عَادَتْ عَلَيْهِ أُولاَهَا حَتَّى يُقْضَى بينَ الخَلْق، وَلاَ صَاحِبِ كَنْزٍ لاَ يَفْعَلُ فِيهِ حَقَّهُ إِلاَّ جَاءَ كنْزُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ يَتْبَعُهُ فَاتِحًا فَاهُ فَإِذَا أَتَاهُ فَرَّ مِنْهُ فَيُنَادِيهِ: خُذْ كَنْزَكَ الَّذِي خَبَأْتَهُ فَأنَا عَنْهُ غَنِيٌّ، فَإِذَا رَأَى أَنْ لاَ بُدَّ لَهُ مِنْهُ سَلَكَ يَدَهُ فِي فِيهِ فَيَقْضَمُهَا قَضْمَ الفَحْلِ". ¬

_ = وأخرج أحمد (2/ 305)، والطيالسي رقم (2584)، وابن حبان رقم (3428)، والطبراني في "الدعاء" رقم (1315)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (3/ 354)، (8/ 162)، (10/ 88) من طرق عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ثلاثة لا ترد دعوتهم: الإمام العادل، والصائم حتى يفطر، ودعوة المظلوم تحمل على الغمام، وتفتح لها أبواب السماوات، ويقول الرب - عز وجل -: وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين". وهو حديث صحيح لغيره. (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (3/ 360). (¬2) أخرجه البخاري رقم (1399، 1400، 7284، 7285)، ومسلم رقم (20، 22)، وأبو داود رقم (1556)، والترمذي رقم (2607)، والنسائي رقم (2442)، (3091 - 3593) كلهم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.

أخرجه الخمسة واللفظ لمسلم (¬1) والنسائي (¬2) عن جابر، وللباقين بنحوه عن أبي هريرة. [صحيح] "القاعُ" (¬3) المستوي من الأرض الواسع. و"القَرْقَرُ" (¬4) الأمْلس. و"الظِّلْفُ" (¬5) للشاة كالحافر للفرس. و"الشَّجَاعُ" الحَيّةَ. و"الأقْرَعُ" صفة له بطول العمر؛ لأنه إذا طال عمره امَّرَقَ شعره، فهو أخبث وَأشَدُّ شراً (¬6). قوله في حديث أبي هريرة وجابر: "ما من صاحب إبل" أقول: هذا الحديث في بيان إثم تاركها، والأول في وجوبها، وهما ركنا الترجمة. [و] (¬7) قوله: "لا يؤدي حق الله [فيها] (¬8) " هو مجمل بينه الحديث الذي ذكرناه الآتي قريباً. قوله: "أكثر ما كانت" أقول: بها لفظ في مسلم (¬9): "أوفر ما كانت" أي: من السمن والعظم والكثرة لا يفقد فيها فصيلاً واحداً، لأنها تكون عنده على حالات مختلفة، فتأتي يوم ¬

_ (¬1) في صحيحه رقم (988). (¬2) في "السنن" رقم (2454) كلاهما عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما -. (¬3) انظر: "غريب الحديث" للهروي (2/ 238). (¬4) انظر: "الفائق" للزمخشري (3/ 172)، "غريب الحديث" للهروي (2/ 238). (¬5) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 141). (¬6) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 440). (¬7) زيادة من (أ). (¬8) في (ب): "بها". (¬9) في صحيحه رقم (26/ 987).

القيامة على أكثرها [وأضخمها وأكملها] (¬1) لتكون أشد عليه وأعظم نكاية له. قوله: "تستن" الاستنان (¬2): الجري. قوله: "ولا كنز" أقول: كل مال لا يؤدى زكاته فهو كنز، وإن كان ظاهراً على وجه الأرض، وأما ما أخرجت زكاته فليس بكنز؛ لأنه عفي عنه بإخراج ما وجب فيه، وأما ما لا تجب فيه الزكاة فلا يسمى كنزاً؛ لأنه معفو عنه (¬3). قوله: "شجاع" هي الحيات الذكر. وقيل: الذي يقوم على ذنبه ويواثب الفارس. "والأقرع" الذي لا شعر في رأسه وتمعض جلده وابيض لكثرة سمه (¬4). قوله: "يقضمها" القضم: الأخذ بطرف الأسنان. [333/ أ]. 3 - وعن معاذ - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أعْطَى زَكاةَ مَالِهِ مُؤْتَجِرًا فَلَهُ أَجْرُهَا، وَمَنْ مَنَعَهَا فَإِنَّا آخِذُوهَا وَشُطِّرَ مَالُهُ، عَزْمَةً مِنْ عَزَمَاتِ رَبِّنَا، لَيْسَ لآلِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - فِيهَا شَيْءٌ". أخرجه رزين. "مُؤْتَجراً" أي: طالب أجر. وقوله: "فَإِنَّا آخِذُوهَا وَشَطْرَ مَالُهُ" قال الحربي (¬5): إنما هو وَشُطِّرَ ماله يعني: يجعل شَطْرَيْنِ فيتخير عليه المُصَدِّقُ ويأخذ الصدقة من خير الشطرين عقوبة لمنعه الزكاة، فأما ما لا يلزمه فلا. ¬

_ (¬1) في (ب): "وأضخمها كلها". (¬2) قال ابن الأثير في "النهاية" (2/ 410): استن الفرس يستن استناناً، أي: عدا لمرحه ونشاطه شوطاً أو شوطين ولا راكب عليه. (¬3) انظر: "فتح الباري" (3/ 268). (¬4) قاله الحافظ في "الفتح" (3/ 270). (¬5) في "المجموع المغيث" (2/ 196). وانظر: "الفائق" للزمخشري (2/ 244).

"العَزْمَةُ" ضدَ الرخصة. قوله: في حديث معاذ: "مؤتجراً" أقول: أي طالباً بإعطاء زكاته الأجر، بامتثال أمر الله وأمر رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وهو نظير قوله: "وأعطاها طيبة بها نفسه" فلا يعطيها رياء ولا سمعة [148 ب] خوفاً من عمَّال السلطان. قوله: "وشُطِّر ماله" أي: وآخذون شطر ماله، والشطر يطلق على النصف غالباً. وتمام الحديث في "الجامع" (¬1): "عزمة من عزمات ربنا، ليس لآل محمد منها شيء". انتهى. قال ابن الأثير (¬2): عزمة مرفوع؛ لأنه خبر مبتدأ محذوف تقديره: ذلك عزمة، والعزمة ضد الرخصة، وهي ما يجب فعله. قوله: "أخرجه رزين" أقول: ذكره ابن الأثير في "الجامع" وبيض له على عادته، والمصنف نسب إخراجه إلي رزين على عادته. قوله: "وقال الحربي" أقول: بالحاء المهملة مفتوحة فراء ساكنة فموحدة فياء النسبة وهو: أبو إسحاق إبراهيم بن إسحاق بن إبراهيم الحربي، أصله من مرو، كان إماماً في العلم، رأساً في الزهد، عارف بالفقه على مذهب أحمد بن حنبل، حافظاً للحديث قيماً بالأدب، ولد سنة [ثمان وتسعين ومائة] (¬3)، ومات سنة خمس وثمانين ومائتين. قوله: "إنما هو" أقول: لفظ الحديث: "وشطّر ماله" أي: بضم الشين المعجمة وكسر الطاء مغير الصيغة، وقد فسره المصنف. ¬

_ (¬1) (4/ 573 رقم 2664). (¬2) في "غريب الجامع" (4/ 573). (¬3) سقطت من (ب).

ولفظ ابن الأثير (¬1): قال الحربي (¬2): غلط الراوي في لفظ الرواية، إنما هو: "وشطر ماله" يعني: أنه يجعل ماله شطرين عقوبة لمنعه الزكاة، فأما ما لا يلزمه فلا. وذكر الفقهاء أن الشافعي قال في القديم (¬3): من منع زكاة ماله أخذت منه وأخذ شطر ماله عقوبة على منعه؛ لهذا الحديث. وقال في الجديد (¬4): لا يؤخذ منه إلا الزكاة لا غير، وجعل هذا الحديث منسوخاً، وإن ذلك كان حين كانت العقوبة بالمال ثم نسخ، واستدل على قوله القديم بحديث بهز بن حكيم (¬5) عن أبيه عن جده. قلت: يريد بحديث بهز؛ ما أخرجه أبو داود (¬6) والنسائي (¬7) عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده عنه - صلى الله عليه وسلم - وفيه: "من أعطى الزكاة مؤتجراً" وفي رواية: "مؤتجراً بها فله أجرها، ومن منعها فإنا آخذوها وشطر ماله، عزمة من عزمات ربنا، ليس لآل محمد منها شيء". انتهى. وقد ذكره ابن الأثير في الفصل الثاني من كتاب الزكاة. ¬

_ (¬1) في "الجامع" (4/ 573). (¬2) في "المجموع المغيث" (2/ 196). (¬3) حكاه الشيرازي في "المهذب" (1/ 460، 461). (¬4) "المجموع شرح المهذب" (5/ 308)، "معرفة السنن والآثار" (6/ 58 رقم 7989). (¬5) وهو حديث حسن. وسيأتي تخريجه. (¬6) في "السنن" رقم (1575). (¬7) في "السنن" (5/ 25). وأخرجه أحمد (5/ 4)، وابن خزيمة رقم (2266)، والحاكم (1/ 398)، وابن حزم في "المحلى" (6/ 57)، والبيهقي (4/ 116)، والخطيب في "تاريخه" (9/ 448)، وأبو عبيد في "الأموال" رقم (987)، وعبد الرزاق رقم (6824)، وابن أبي شيبة (3/ 122)، وهو حديث حسن.

قال ابن الأثير (¬1): وهذا القول من الشافعي يرد ما ذهب إليه الحربي [149 ب] من تغليط الراوي، فإن الشافعي جعل الحديث حجة لقوله القديم في أخذ شطر مال مانع الزكاة مع الزكاة. انتهى كلام ابن الأثير. وفي "بلوغ المرام" (¬2) للحافظ ابن حجر ساق حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده وقال: أخرجه أحمد (¬3)، وأبو داود (¬4)، والنسائي (¬5)، وصححه الحاكم (¬6). وعلق عليه الشافعي القول على ثبوته، انتهى. وذلك أنه قال الشافعي (¬7): إن هذا الحديث لا يثبته أهل العلم بالحديث، ولو ثبت لقلنا به. انتهى. قال ابن حبان (¬8): كان - يعني بهزاً - يخطئ كثيراً، ولولا هذا الحديث لأدخلته في الثقات، وهو مما استخير الله فيه. انتهى. قلت: وعلى صحته والقول به فهو دليل على عقوبة مانع الزكاة بما ذُكِرَ من أخذ من شطر ماله، ولا يدل على العقوبة المال في غيره، إذ لا مجال للقياس هنا، ولأن القياس كله ظني، وحرمة مال المسلم قطعية لا يجوز العمل على استباحتها بالظني؛ على أن حديث بهز ¬

_ (¬1) في "الجامع" (4/ 574). (¬2) الحديث رقم (6/ 567 - مع السبل) بتحقيقي. (¬3) في "المسند" (5/ 4). (¬4) في "السنن" رقم (1575). (¬5) في "السنن" رقم (5/ 25). (¬6) في "المستدرك" (1/ 398). (¬7) "المجموع شرح المهذب" (5/ 304). (¬8) في "المجروحين" (1/ 194).

آحادي وهو ظني، فلا يقاوم قطعية حرمة مال المسلم. ولقد استرسل الملوك في هذه الأعصار في أخذ المال عقوبة استرسالاً ينكره الشرع والعقل، وصارت تناط الولايات بجهال لا يعرفون شيئاً من الشرعيات. وفي قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يحل لآل محمد منها شيء" دليل على أن هذا الشطر المأخوذ حكمه حكم الزكاة في أنه لا يحل لغير مصارفها، ولذا حرمه على آل محمد كتحريم الزكاة عليهم، وإنا لله وإنا إليه راجعون من مصائب عمت الرعايا بولاية الجهال، ثم لا يخفى أن رواية شطر مغير الصيغة كما قاله الحربي (¬1) فيه عقوبة بالمال؛ لأنه يأخذ المصدق من أي الشطرين شيئاً، وإن كان فيه كرائم الأموال وما نهي عن أخذه, فهذه الزيادة على [150 ب] الواجب كما لا يخفى [334/ أ]. 4 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: لمَّا تُوُفِّيَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَاسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ وَكَفَرَ مَنْ كَفَرَ مِنَ العَرَبِ، قَالَ عُمَرُ لأَبِي بَكْرٍ - رضي الله عنهما -: كَيْفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ وَقَدْ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أُمِرْتُ أَنْ أقاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله، فَمَنْ قَالهَا فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلاَّ بِحَقِّهِ، وَحِسَابُهُ عَلَى الله تعَالى". فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ - رضي الله عنه -: وَالله لأُقاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ المَالِ، وَالله لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقاً كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إِلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهَا. قَالَ عُمَرُ: فَوَالله مَا هُوَ إِلاَّ أَنْ رَأَيْتُ الله شَرَحَ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ لِلْقِتَالِ فَعَرَفْتُ أنَّهُ الحَقُّ. أخرجه الستة (¬2). وفي رواية (¬3): "عِقَالاً كانُوا يُؤَدُّونه". [صحيح] ¬

_ (¬1) في "المجموع المغيث" (2/ 196). (¬2) أخرجه البخاري رقم (1399)، ومسلم رقم (32/ 20)، وأبو داود رقم (1556)، والترمذي رقم (2607)، والنسائي رقم (2443). (¬3) أخرجها مسلم رقم (32/ 20)، والترمذي رقم (2607)، وأبو داود رقم (1556).

"العَنَاقُ" (¬1) هي الأنثى من ولد المعز. "وَالعِقَالُ" (¬2) حبل معروف، وقيل: المراد به صدقة عام. قوله في حديث أبي هريرة: "وكفر من كفر من العرب" أقول: في "النهاية" (¬3) كان أصحاب الردة صنفين: الصنف الأول: ارتدوا وهم طائفتان، أحدهما أصحاب مسيلمة، والأسود الذين آمنوا بنبوتهما. والأخرى: التي عادت إلى ما كانت عليه في الجاهلية، واتفق الصحابة على قتال هذا الصنف وسبيهم، ومنهم أم محمد بن الحنفية، ولم ينقرض عصر الصحابة حتى اتفقوا على أن المرتد لا يسبى. والصنف الثاني: لم يرتدوا عن الإيمان، لكن أنكروا الزكاة، وزعموا أن الخطاب بقوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} (¬4) خاص بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، ولذلك اشتبه على عمر قتالهم لإقرارهم بالتوحيد والصلاة، وثبت أبو بكر وتابعه الصحابة على قتالهم لمنعهم الزكاة؛ لأنهم قريبين عهد بزمان يقع فيه النسخ، ولم يقروا على ذلك، وهؤلاء بغاة، وأضيفوا إلى أهل الردة لما كانوا في زمانهم فانسحب عليهم اسمهم، فأما بعد ذلك فمن أنكر فرض أحد أركان الإسلام كان كافراً بالإجماع. انتهى. قوله: "قال عمر لأبي بكر" أقول: في الكلام طي، أي: أراد أبو بكر قتال من منع الزكاة. ¬

_ (¬1) انظر: ""القاموس" المحيط" (ص 1178)، "النهاية في غريب الحديث" (2/ 265). (¬2) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 241)، "غريب الحديث" للخطابي (2/ 19). (¬3) بل هو في "معالم السنن" للخطابي (2/ 199 - مع السنن). (¬4) سورة التوبة: 103.

وقوله: "حتى يقولوا لا إله إلا الله" أي: وقد قالوا، والمراد كلمة الشهادتين للعلم بأنه لا يترك قتالهم إلا بعد قولهما، فكأن جملة (لا إله إلا الله) قد صارت كالعلم للشهادتين إذا أطلقت، ومنه حديث: "من كان آخر قوله لا إله إلا الله دخل الجنة" (¬1). قوله: "فقد عصم مني ماله ونفسه" أقول: فإن الله أباح مال الكافر ودمه وأهله، فإذا قال كلمة التوحيد فقد منع ما أباح الله منه. قوله: "إلا بحقه" أقول: أي: بحق القول وحقه القيام بالأركان الأربعة (¬2) ومنها الزكاة، فإنها من حق كلمة التوحيد، أي: من لازم الإقرار بها؛ لأنها تضمنت الإقرار برسالته - صلى الله عليه وسلم - والتصديق به بكل ما جاء به [151 ب]، ومما جاء به إيجاب الزكاة. فقول أبي بكر: "لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة" كلام في غاية الصحة لدلالته على الاستدلال بأن من حق كلمة التوحيد ولازم الإقرار بها الإتيان بالصلاة والزكاة، ومنه يؤخذ قتال من ترك الصوم والحج (¬3). وقوله: "فإن الزكاة حق المال" كأنه يقول: للكلمة المذكورة حقوق بدنية؛ كالصلاة والصوم، وحقوق مالية؛ كالزكاة. قوله: "عناقاً" [أقول] (¬4): بفتح المهملة آخره قاف. قال ابن الأثير: العناق الأنثى من ولد المعز. ¬

_ (¬1) وهو حديث صحيح. أخرجه أحمد في "المسند" (5/ 233)، والبزار في مسنده رقم (2625). (¬2) دون الشهادتين. (¬3) انظر: "شرح صحيح مسلم" للنووي (1/ 208). (¬4) زيادة من (أ).

قال الخطابي (¬1): وفيه دلالة على وجوب الصدقة في السخال، والفصلان، والعجاجيل، وأن واحدة منها تجزي في الأربعين منها إذا كانت كلها صغاراً، ولا يكلف صاحبها مسنة. وفيه دليل على أن حول النتاج حول الأمهات، ولو كان يستأنف لها لم يوجد السبيل إلى أخذ العناق. وقال أبو حنيفة (¬2): لا شيء في السخال. وقال الشافعي (¬3): يؤخذ من أربعين سخلة واحدة منها. قوله: "وفي رواية: عقالاً" أقول: أي: عوض قوله: "عناقاً". قال ابن الأثير (¬4) نقلاً عن الخطابي (¬5): اختلف فيه، فقيل: العقال صدقة عام واحد. قلت: قاله أبو عبيد (¬6)، واستبعد بأنه تعسف وذهاب عن طريق العرب؛ لأن الكلام خرج مخرج التضييق والتشديد والمبالغة، فيقتضي قلة ما علق به وحقارته لا صدقة عام، وقيل: هو الحبل الذي يعقل به البعير، وهو مأخوذ من الصدقة؛ لأن على صاحبها التسليم وإنما يقع القبض بالرباط. وقيل: إذا أخذ المصدق أعيان الإبل قيل أخذ عقالاً، وإذا اخذ أثمانها قيل أخذ نقداً. قال: وتأول بعضهم عقالاً على معنى وجوب الزكاة فيه إذا كان من عروض التجارة فبلغ مع غيره منها قيمة نصاب. انتهى. [152 ب]. ¬

_ (¬1) في "معالم السنن" (2/ 207 - مع السنن). (¬2) انظر: "البناية في شرح الهداية" (3/ 393). (¬3) "البيان" للعمراني (3/ 204 - 205). (¬4) في "النهاية في غريب الحديث" (2/ 240). (¬5) في "غريب الحديث" له (2/ 19). (¬6) في "الغريبين" (4/ 1312).

الباب الثاني: في أحكام الزكاة المالية

قوله: "فعلمت أنه الحق" أقول: ليس مراد عمر أن مجرد شرح صدر أبي بكر دليل على وجوب القتال، بل يريد: أنه لما أقام دليلاً من السنة واستنبطه؛ علمت صحة دليله، وأنه دليل ينشرح به الصدر ويعرف به الحق. الباب الثاني: في أحكام الزكاة المالية وفيه عشرة فصول الفصل الأول: فيما اشتركن فيه من الأحاديث 1 - عن علي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قَدْ عَفَوْتُ لَكُمْ عَنِ الخَيْلِ وَالرَّقِيقِ، فَهَاتُوا صَدَقَةَ الرِّقَةِ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ، وَلَيْسَ فِي تِسْعِينَ وَمِائَةٍ شَيْءٌ، فَإِذَا بَلَغَتْ مِائَتَيْنِ فَفِيهمَا خَمْسَةُ درَاهِمَ". أخرجه أصحاب السنن (¬1). [صحيح] "الرِّقَةُ" الدراهم المضروبة. قوله: ([الباب] (¬2) الثاني في أحكام الزكاة [المالية] (¬3)). أقول: زاد ابن الأثير (¬4) في الترجمة: وأنواعها. قوله: "فيما اشتركن فيه من الأحاديث" أقول: الضمير للأموال، وهي أنواع من الأنعام والنقود والزرع وغيرها. وعلى زيادة ابن الأثير يكون الضمير للأنواع. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود رقم (1574)، والترمذي رقم (620)، والنسائي رقم (2477 - 2478). وأخرجه أحمد في "المسند" (1/ 121 - 122، 145). وهو حديث صحيح. (¬2) في (أ): "الفصل". (¬3) زيادة من (أ). (¬4) في "الجامع" (4/ 574).

قوله: "قد عفوت عن الخيل والرقيق" أقول: هكذا في عبارة "الجامع" (¬1) من دون "لكم"، والمراد بالعفو: أنه لا زكاة في الخيل والمماليك. "والرقة" بكسر الراء مخففة فقاف. وقوله: "ومن كل أربعين درهماً درهم" يريد إذا كان من له الأربعون يملك مائتي درهم على ما في الحديث نفسه من قوله: "إنه ليس في تسعين ومائة شيء". وفي الحديث دليل على أبي حنيفة (¬2) وزفر (¬3)؛ فإنهما ذهبا إلى أن في الخيل زكاة ذكوراً وإناثاً، فإذا انفردت زكت ذكورها لا إناثها، ثم المالك لها مخير بين أن يخرج عن كل فرس ديناراً وبين أن يقومها ويخرج ربع العشر، ولا حجة لهما لصحة هذا الحديث، [335/ أ] ولو لم يأت الحديث كان الأصل عدم الوجوب والدليل على من أثبته، وقد خالف أبا حنيفة صاحباه. نعم، في رواية مسلم (¬4): "أن على الرجل المسلم صدقة الفطر عن عبده" ولا يخفى أن هذا الحديث ليس مما اشتركت فيه أنواع الأموال إلا بتأويل الاشتراك نفياً وإثباتاً؛ لأنه ليس فيه من أنواعها إلا الخيل والرقيق والرقة، والأولان. أفاد الحديث نفي الزكاة فيهما والثالث إثباتها فيه. 2 - وعن أنس: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ - رضي الله عنه - كَتَبَ لَهُ حِينَ وَجَّهَهُ إلى البَحْرَيْنِ هَذَا الكِتَابَ وَخَتَمَهُ بَخَاتَمِ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، وَكانَ نَقْشُ الخَاتمِ ثَلاَثَةَ أسْطْر: مُحَمَّدٌ سَطْرٌ، وَرَسُولُ سَطْرٌ، وَالله ¬

_ (¬1) في "الجامع" (4/ 586 الحديث رقم (2667). (¬2) "البناية في شرح الهداية" (3/ 395 - 396). (¬3) انظر: "فتح الباري" (3/ 327). (¬4) في صحيحه رقم (10/ 982) عن أبي هريرة رضي الله قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ليس في العبد صدقة إلا صدقة الفطر".

سَطْرٌ. بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: "هَذِهِ فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ الَّتِي فَرَضَهَا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عَلَى المُسْلِمِينَ، وَالَّتِي أَمَرَ الله تعَالى بِهَا رَسُولَهُ - صلى الله عليه وسلم -، فَمَنْ سُئِلَهَا مِنَ المُسْلِمِينَ عَلَى وَجْهِهَا فَلْيُعْطِهَا، وَمَنْ سُئِلَ فَوْقَهَا فَلاَ يُعْطِ: فِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ مِنَ الإِبِلِ فَمَا دُونَهَا مِنَ الغَنَمِ في كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ، فِإِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ إِلَى خَمْسٍ وَثَلاثِينَ فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ أُنْثَى، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ ابْنَةُ مَخَاضٍ فابْنُ لَبُونٍ، فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَثَلاَنِينَ إِلَى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ فَفِيهَا بِنْتُ لبُونٍ أُنْثَى، فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَأَرْبَعِينَ إِلَى سِتِّينَ فَفِيهَا حِقَّةٌ طَرُوقَةُ الجَمَلِ، فَإِذَا بَلَغَتْ وَاحِدَةً وَسِتِّينَ إِلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ فَفِيهَا جَذَعَةٌ، فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَسَبْعِينَ إِلَى تِسْعِينَ فَفِيهَا بِنْتَا لَبُونٍ، فَإِذَا بَلَغَتْ إِحْدَى وَتسْعِينَ إِلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَفِيهَا حِقَّتَانِ طَرُوقَتَا الجَمَلِ، وَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ، وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ, وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إِلاَّ أَرْبَعٌ مِنَ الإِبِلِ فَلَيْسَتْ فِيهَا صَدَقَةٌ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا، فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا مِنَ الإِبِلِ فَفِيهَا شَاةٌ، وَصَدَقَةِ الغَنَمِ فِي سَائِمَتِهَا، فإِذَا بَلَغَتْ أَرْبَعِينَ إلى عِشْرينَ وَمِائَةٍ شَاةٍ شَاةٌ، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ إِلَى مِائَتَيْنِ ففِيهَا شَاتَانِ، وَإِذَا زَادَتْ عَلَى مِائَتيْنِ إِلَى ثَلاَثمِائَةٍ فَفِيهَا ثَلاَثٌ شِيَاهٍ، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى ثَلاَثِمِائَةٍ فَفِي كُلِّ مِائَةٍ شَاةٌ، فَإِذَا كَانَتْ سَائِمَةُ الرَّجُلِ نَاقِصَةً عَنْ أَرْبَعِينَ شَاةً وَاحِدَةً فَلَيْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا، وَلاَ يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ، وَلاَ يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ، وَمَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ وَلاَ يُخْرَجُ فِي الصَّدَقَةِ هَرِمَةٌ، وَلاَ ذَاتُ عَوَارٍ، وَلاَ تَيْسٌ، إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ المُصَدِّقُ، وَفي الرِّقَةِ رُبْعُ العُشْرِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنِ إِلاَّ تِسْعِينَ وَمِائَةً فَلَيْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا، وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ مِنَ الإِبِلِ صَدَقَةُ الجَذَعةِ، وَلَيْسَ عِنْدَهُ جَذَعَةٌ وَعِنْدَهُ حِقّةٌ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ الحِقَّةُ وَيَجْعَلُ مَعَهَا شَاتَيْنِ إِنِ اسْتَيْسَرَتَا لَهُ أَوْ عِشْرِين درْهَمًا، وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةُ الحِقَّةِ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ الحِقَّةُ وَعِنْدَهُ الجَذَعَةُ, فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ الجَذَعةُ, وَيُعْطِيهِ المُصَدِّقُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ، وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةُ الحِقَّةِ وَلَيْسَتْ عِنْدهُ وَعِنْدهُ ابْنَةُ لَبُونٍ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ ابنةُ لَبُونٍ، وَيُعْطي شَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا، وَمَنْ بَلَغَتْ صَدَقَته بِنْتَ لَبُونٍ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُ حِقَّةٌ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ الحِقَّةُ وَيُعْطِيهِ المُصَدِّقُ

عِشْرينَ درْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ، وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَتُهُ بِنْتَ لَبُونٍ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ بِنْتُ لَبُونٍ وَعِنْدَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ، فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ بِنْتُ مَخَاضٍ وَيُعْطي مَعَهَا عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ، وَمَنْ بَلغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةُ بِنْتِ مَخَاضٍ وَليْسَتْ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُ بِنْتُ لَبْونٍ فإنّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ بِنْتُ لَبُونٍ وَيُعْطِيهِ المُصَدِّقُ عشْرينَ دِرْهماً أوْ شَاتَيْنِ، فإنْ لَمْ تَكُنْ عِنْدَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ عَلَى وَجْهِها وَعِنْدَه ابنُ لَبُونِ فإنَّهُ يُقْبَلُ مِنْهُ، وَلَيْسَ مَعَهُ شَيء". أخرجه البخاري (¬1) وأبو داود (¬2) والنسائي (¬3). [صحيح] "بِنتُ المَخَاضِ (¬4) وَابنُ المَخَاض" من الإبل: ما استكمل السنة الأولى ودخل في الثانية. و"بِنتُ اللَّبُونِ (¬5) وابنُ اللَّبُونِ" ما استكمل الثانية ودخل في الثالثة. "الحِقَّةُ" (¬6) ما استكمل الثالثة ودخل في الرابعة. "الجَذَعةُ" (¬7) ما استكمل الرابعة ودخل في الخامسة. وقوله: "طَرُوقَةُ (¬8) الجمَل" أي يطرقها ويركبها. و"السَّائِمَةُ" من الغنم الراعية غير المعلوفة. ¬

_ (¬1) في صحيحه مفرقاً رقم (1448، 1450، 1451، 1454، 2487، 3106، 5878, 6955). (¬2) في "السنن" رقم (1567). (¬3) في "السنن" رقم (2447). وأخرجه أحمد (1/ 11 - 12)، والشافعي في "الأم" (3/ 9)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (4/ 85 - 86)، والدارقطني في "السنن" (2/ 114 - 116 رقم 2)، والحاكم (1/ 390 - 392)، وابن حبان في صحيحه رقم (3266)، وهو حديث صحيح. (¬4) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (4/ 580). (¬5) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (4/ 580). (¬6) "القاموس المحيط " (ص 1166)، "النهاية" (1/ 415). (¬7) "النهاية" (1/ 250)، "القاموس المحيط" (ص 915). (¬8) "النهاية" (2/ 109)، "غريب الحديث" للهروي (4/ 339).

وقوله: "لاَ يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ وَلاَ يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ خَشْيَةَ الصَّدقَةِ" هو أن يكون ثلاثة نفر مثلاً لكل واحد منهم أربعون شاة، وقد وجبت على كل واحد منهم بانفراد شاة فيجمعونها فتكون عليهم شاة فنهوا عن ذلك، هذا في الجمع. وأما التفريق فأن يكون لكل واحد من الخليطين مائة شاة وشاة فيجب عليهم ثلاث شياه، فإذا فرقاها كان على كل واحد منهما شاة, فنهوا عن ذلك إذا فعل خشية الصدقة. و"التَّرَاجُعُ" (¬1) التقاسط والتعادل. "وَالهَرِمَةُ" (¬2) الكبيرة الطاعنة في السن. و"العَوَارُ" (¬3) بفتح العين وقد تضم: هو العيب. و"المُصَدِّقُ" بتخفيف الصاد وتشديد الدال: عامل الصدقة والساعي أيضاً. وقوله: "إلاَّ أنْ يَشَاءَ المُصَدِّقُ" يدل على أن له الاجتهاد لأن يده كيد المساكين وهو كالوكيل لهم. قوله: وعن أنس [153 ب] قوله: "إلى البحرين" (¬4) أقول: بلفظ تثنية بحر وهو إقليم مشهور يشتمل على مدن معروقة قاعدتها هجر. قوله: "التي فرضها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المسلمين" أقول: ظاهره أنه خبر مرفوع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وليس موقوفاً على أبي بكر، والمراد بفرض (¬5) هنا أوجب أو شرع، أي: بأمر الله. وقيل: معناها قدر؛ لأن إيجابها ثابت بالكتاب، ففرضه وتقديره لها ببيان لمجمل الكتاب، فبين ¬

_ (¬1) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (1/ 638). (¬2) "المجموع المغيث" (3/ 495)، "النهاية" (2/ 903). (¬3) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 270). (¬4) تقدم ذكره. (¬5) انظر: "مفردات ألفاظ القرآن" (ص 630)، "فتح الباري" (3/ 318).

أنواع ما تجب فيه من الأموال، والفرض ورد بمعنى البيان نحو قوله تعالى: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} (¬1)، وبمعنى الإنزال: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ} (¬2) وبمعنى الحل نحو: {مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ} (¬3). قوله: "على المسلمين" أقول: لا يدل مفهومه على أنها لم تفرض على الكفار (¬4)، بل مأمورون بها وبشرط إجزائها وهو الإسلام فيعاقبون عليها. قوله: "على وجهها" أقول: أي: على الكيفية التي بينها هذا الحديث، وفيه دليل أن ولايتها إلى الإمام. قوله: "فلا يعط" أي: القدر الزائد على ذلك في سن أو عدد فله المنع. وقيل: معناها منع الساعي ويتولى هو إخراجها بنفسه (¬5). قلت: لأنه قد انعزل بسؤال لم يجب فليس بأمين، ومن شرط الساعي أن يكون أميناً. قوله: "في كل أربع وعشرين من الإبل فما دونها من الغنم في كل خمس شاة". أقول: قال الحافظ (¬6): إن ثبوت من [في] (¬7) (من الغنم) للأكثر، وقال عياض (¬8): من أثبتها فمعناه زكاتها أي: الإبل من الغنم، ومن البيان لا للتبعيض، واستدل به على وجوب ¬

_ (¬1) سورة التحريم: 2. (¬2) سورة القصص: 85. (¬3) سورة الأحزاب: 38. (¬4) تقدم توضيحه مراراً. (¬5) انظر: "المجموع شرح المهذب" (5/ 353). (¬6) في "فتح الباري" (3/ 319). (¬7) زيادة من (أ). (¬8) في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (3/ 462).

[154 ب] إخراج الغنم في مثل ذلك، وهو قول مالك (¬1) وأحمد (¬2). فلو أخرج بعيراً عن الأربعة والعشرين لم يجزه. وقال غيرهما: يجزيه إن وقت قيمته بقيمة أربع شياه، قالوا: لأنه إذا كان يجزيه في الخمس والعشرين ففيما دونها أولى، ولأن الأصل أن تجب من جنس المال، وإنما عدل عنه رفقاً بالمالك، فإذا رجع إلى الأصل باختياره أجزأه، ورد بأنه قياس في معرض النص، فهو فاسد الاعتبار، على أنه لا دخل له في هذا الباب. واستدل بالحديث على أن الخمس مأخوذة عن الجميع، وإن كانت الأربع الزائدة على العشرين وقصاً، وهو قول الشافعي (¬3) في البويطي، وفي غيره: إنه عفو. قوله: "فإذا بلغت خمس وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها بنت مخاض أنثى" أقول: بفتح الميم والمعجمة [مخففة] (¬4) وآخره معجمة، وهي التي أتى عليها حول ودخلت في الثاني وحملت أمها، والمخاض (¬5): الحامل التي دخل وقت حملها وإن لم تحمل. وقوله: "أنثى" بعد قوله: "بنت" تاكيد كقوله: "ابن لبون ذكر". قوله: "فإن لم تكن ابنة مخاض فابن لبون" أقول: إن لم توجد أجزأ عنها ابن لبون ذكر وهو ما دخل في الثالثة، وصارت أمه لبوناً بوضع الحمل. ¬

_ (¬1) "تسهيل المسالك إلى هداية المسالك إلى مذهب مالك" (3/ 700). (¬2) "المغني" (4/ 15). (¬3) انظر: "المجموع" (5/ 370)، "الأم" (3/ 19). (¬4) في (أ): "الحقيقة". (¬5) تقدم شرحها.

واستدل به على أنه لا يجب بين العددين شيء غير بنت مخاض، خلافاً لبعض الحنفية (¬1) فقال: يستأنف الفريضة، ففي كل خمس من الإبل تجب شاة مضافة إلى بنت اللبون (¬2). قوله: "فإذا بلغت ستاً وثلاثين إلى خمس وأربعين ففيها بنت لبون أنثى" أقول: والغاية داخلة، وإن كانت (إلى) للغاية ولا يدخل ما بعدها في حكم ما قبلها إلا بدليل، فدليله هنا قوله: "وفيما فوق ذلك" [إذ الإشارة] (¬3) إلى أقرب مذكور وهو الخمس والأربعين، فعلم أن حكمها حكم ما دونها، ومثله ما بعد أي فيما يأتي. قوله: "حقة" (¬4) أقول: بكسر المهملة وتشديد القاف جمعها حقاق، وبالكسر والتخفيف. "وطروقة الفحل" (¬5) بفتح الطاء أي: مطروقة فعيلة بمعنى مفعولة، كحلوبة بمعنى محلوبة، أي: بلغت أن يطرقها الفحل، وهي التي أتى عليها ثلاث سنين ودخلت في الرابعة. قوله: "جذعة" بفتح الجيم والمعجمة، وهي التي أتى عليها أربع ودخلت في الخامسة [155 ب] سميت بذلك لأنها جذعت مقدم أسنانها، أي: أسقطته [336/ أ] وهي غاية أسنان الزكاة، وهي مسماة باعتبار حالها، وما قبلها سمي باعتبار حال أمهاتها. قوله: "فإذا زادت على عشرين ومائة" أقول: أي: واحدة فصاعدا، وهو قول الجمهور (¬6). ¬

_ (¬1) انظر: "البناية في شرح الهداية" (3/ 388). (¬2) تقدم شرحها. (¬3) في (ب): "إشارة". (¬4) تقدم شرحها. (¬5) تقدم شرحها. (¬6) انظر: "القاموس" (ص 915)، "النهاية" (1/ 250).

قوله: "ومن لم يكن معه إلا أربع من الإبل فليس فيها صدقة" أقول: هو تصريح بمفهوم قوله في أول الحديث: "في كل خمس شاه" أي: لا تجب فيما دونها، وفيه دليل للعمل بمفهوم العدد، وقد يقال: بل التصريح به دليل إنه لا يعمل به. قوله: "وصدقة الغنم" أي: وبيان فريضتها في سائمتها أي راعيتها. قوله: "إذا بلغت أربعين" لا دونها كما يأتي التصريح به آخراً. وقوله: "شاة" مبتدأ خبره ما قبله. قوله: "فإذا زادت على ثلاثمائة ففي كل مائة شاة" ظاهره أنها لا تجب الشاة الرابعة حتى تكون أربع مائة, وهو قول الجمهور، قالوا: وفائدة ذكر الثلاثمائة لبيان النصاب الذي بعده لكون ما قبله مختلفاً، وعن الحسن بن صالح (¬1) ورواية عن أحمد (¬2): إذا زادت على الثلاثمائة واحدة وجبت أربع شياه. قوله: "ولا يجمعَ بين مفترق، ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة" أقول: يأتي للمصنف تفسير كثير مما هنا، ورأينا عدم الاتكال عليه فنقول: ¬

_ (¬1) ذكره ابن قدامة في "المغني" (4/ 39). (¬2) "المغني" (4/ 39). قال النووي في "المجموع" (5/ 386): " ... وقد جاء في رواية من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - ذكرها البيهقي وغيره: "فإذا كانت مائتين وشاة ففيها ثلاث شياه حتى تبلغ ثلاثمائة، فإذا زادت على ثلاثمائة فليس فيها إلا ثلاث شياه حتى تبلغ أربعمائة شاه، فإذا بلغت أربعمائة ففيها أربع شياه ثم في كل مائة شاه". فهذه الزيادة ترد ما حكي عن النخعي والحسن بن صالح في قولهما: إذا زادت على ثلاثمائة واحدة وجب أربع شياه إلى أربعمائة، فإذا زادت واحدة فخمس شياه, ومذهبنا ومذهب العلماء كافة غيرهما أنه لا شيء فيها بعد مائتين وواحدة حتى تبلغ أربعمائة فيجب أربع شياه ...

الجمع بين المفترق في الصدقة أن يكون ثلاثة نفر مثلاً، ويكون لكل أربعون شاة، وقد وجبت على كل واحد منهم في غنمه الصدقة، فإذا أتاهم المصدق جمعوها لئلا يكون عليهم منها إلا شاة واحدة فنهو عن ذلك. وتفسير قوله: "ولا يفرق بين مجتمع" أن الخليطين يكون لكل واحد منها مائة شاة وشاة [156 ب]، فيكون عليهما فيها ثلاث شياه, فإذا أتاهما المصدق فرقا غنمهما فلم يكن على كل واحد منهما إلا شاة واحدة فنهوا عن ذلك، قال: فهذا الذي سمعت في ذلك. وقال الخطابي (¬1): قال الشافعي (¬2): الخطاب في هذا للمصدق ولرب المال. قال: والخشية خشيتان: خشية الساعي أن يغل الصدقة، وخشية رب المال أن يغل ماله، فأمر كل واحد منهما أن لا يحدث في المال شيئاً من الجمع والتفريق خشية الصدقة. قوله: "وما كان من خليطين (¬3) فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية" أقول: التراجع بين الخليطين أن يكون لأحدهما مثلاً أربعون بقرة وللآخر ثلاثون بقرة ومالهما مشترك، فيأخذ المصدق عن الأربعين مسنة، وعن الثلاثين تبيعاً، فيرجع باذل المسنة بثلاثة أسباعها على خليطه، وباذل التبيع بأربعة أسباعه على خليطه؛ لأن كل واحد من الشيئين واجب على الشيوع، كأن المال ملك واحد. وفي قوله: "بالسوية" دليل على أن الساعي إذا ظلم أحدهما وأخذ منه زيادة على فرضه، فإنه لا يرجع بها على شريكه، وإنما يغرم له قيمة ما يخصه من الواجب دون الزيادة، وذلك معنى قوله: "بالسوية". ¬

_ (¬1) في "معالم السنن" (2/ 123 مع السنن". (¬2) في "الأم" (3/ 35). (¬3) انظر: "المغني" (4/ 52)، "البناية في شرح الهداية" (3/ 414 - 415)، "فتح الباري" (3/ 314 - 315).

قلت: وفيه تأمل لاحتمال اللفظ أن يستويا فيما أخذه مطلقاً، ومن أنواع التراجع: أن يكون بين رجلين أربعون شاة، فلكل واحد منهما عشرون، ئم عرف كل واحد منهما عين ماله، فيأخذ مصدق من نصيب أحدهما شاة فيرجع المأخوذ منه على شريكه بقيمة نصف شاة، وفي هذا دليل على أن الخلطة تصح مع تميز [157 ب] أعيان الأموال عند من يقول به. واعلم أنه لا خلاف في وجوب الصدقة في السائمة، واختلف في المعلوفة والعاملة من إبل وبقر. فقال مالك (¬1) والليث: فيهما الزكاة سواء رعت الأم أم لا؛ لأنها سائمة في صفتها. والماشية كلها سائمة، ومنعها من الرعي لا يمنع تسميتها سائمة. قال: والدليل قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ليس فيما دون خمس ذود صدقة" (¬2) وأنه أخذ من ثلاثين بقرة تبيعاً ومن الأربعين مسنة، ولم يخص سائمة من غيرها. وقال سائر (¬3) فقهاء الأمصار وأهل الحديث: لا زكاة فيها، وروي عن جماعة من الصحابة ولا مخالف لهم. قوله: "هرمة ولا ذات عوار" أقول: الهرمة (¬4) الطاعنة في السن، والعوار بفتح العين المهملة، وقد يضم: المعيب، واختلف في ضبطه، فالأكثر أنه ما يثبت به الرد في البيع. وقيل: ما يمنع الإجزاء (¬5) في الأضحية، ويدخل في المعيب المريض، والأصغر سناً بالنسبة إلى أكبر منه سناً. قوله: "المصدق" أقول: بتخفيف الصاد وتشديد [158 ب] الدال عامل الصدقة الساعي في قبضها. ¬

_ (¬1) انظر: "عيون المجالس" (2/ 493 - 494)، "الإشراف" لعبد الوهاب (1/ 163). (¬2) أخرجه أحمد (3/ 296)، ومسلم رقم (6/ 980) من حديث جابر - رضي الله عنه -، وهو حديث صحيح. (¬3) انظر: "المبسوط" (2/ 165)، "الإنصاف" (3/ 45)، "المحلى" (4/ 144). (¬4) تقدم شرحها. (¬5) انظر: "فتح الباري" (3/ 321).

قال الخطابي (¬1): كان أبو عبيد (¬2) يرويه: "إلا أن يشاء المصدق" بفتح الدال يريد صاحب الماشية، وقد خالفه عامة الرواة. وفيه دليل على أن للمصدق الاجتهاد؛ لأن يده كيد المساكين وهو بمنزلة الوكيل لهم. قوله: "وفي الرقة" أقول: تقدم أنها بكسر الراء الدراهم المضروبة، والهاء عوض عن الواو المحذوفة من الورق بناءً على أن أصلها ورقة. قوله: "ومن بلغت عنده من الإبل صدقة الجذعة، وليس عنده جذعة، وعنده حقة فإنها تقبل منه الحقة ويجعل معها شاتين إن استيسرتا له أو عشرين درهماً". أقول: قال الخطابي (¬3): يحتمل أن الشارع جعل الشاتين أو العشرين درهماً تقديراً في الجبران لئلا يكل الأمر إلى اجتهاد [337/ أ] الساعي، لأنها يأخذها على المياه حيِث لا يقوم غالباً بضبطه شيء ويقع التنازع كالصاع في المصراة، والغرة في الجنين، والله أعلم. قوله: "أخرجه البخاري (¬4) وأبو داود (¬5) والنسائي (¬6) " قلت: أخرجوه هو بعدة ألفاظ لهم، وروايات جمعها ابن الأثير في "الجامع" (¬7) والمصنف التقط منها ما ذكر. ¬

_ (¬1) في "معالم السنن" (2/ 222 - مع السنن). (¬2) في "الغريبين" (3/ 1068). (¬3) في "معالم السنن" (2/ 218 - مع السنن). (¬4) في صحيحه مفرقاً رقم (1448، 1450، 1451، 1453، 1454، 2487، 3106، 5878. 6955). (¬5) في "السنن" رقم (1567). (¬6) في "السنن" (2447). (¬7) (4/ 574 - 583).

الفصل الثاني: في زكاة النعم

الفصل الثاني: في زكاة النعم 1 - عن سالم عن أبيه - رضي الله عنه - قال: كَتَبَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - كِتَابَ الصَّدَقَةِ وَلَمْ يُخْرِجْهُ إِلَى عُمَّالِهِ حَتَّى قُبِضَ فَقَرَنَهُ بِسَيْفهِ, فَعَمِلَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ - رضي الله عنه - حَتَّى قُبِضَ، ثُمَّ عَمِلَ بِهِ عُمَرُ - رضي الله عنه - حَتَّى قُبِضَ، وَكَانَ فِيهِ: "فِي خَمْسٍ مِنَ الإِبِلِ شَاةٌ، وَفي عَشْرٍ شَاتَانِ, وَفِي خَمْسَ عَشَرَةَ ثَلاَثُ شِيَاهٍ، وَفِي عِشْرِينَ أَرْبَعُ شِيَاهٍ, وَفي خَمْسٍ وَعشرينَ بِنْتُ مَخَاضٍ، إِلَى خَمْسٍ وَثَلاَثِينَ. فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةً فَفِيهَا ابْنَةُ لَبُونٍ إِلَى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ، فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةً فَفِيهَا حِقَّةٌ إِلَى سِتِّينَ، فَإِنْ زَادَتْ وَاحِدَةً فَفِيهَا جَذَعَةٌ إِلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ، فَإنْ زَادَتْ وَاحِدَةً فَفِيهَا ابْنَتَا لبُونٍ إِلَى تِسْعِينَ، فَإنْ زَادَتْ وَاحِدَةً فَفِيهَا حِقَّتَانِ إِلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ، فَإِنْ كَانَتِ الإِبِلُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقّةٌ, وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ ابْنَةُ لَبُونٍ، وَفِي الغَنَمِ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ إِلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ, فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةً فَفِيهَا شَاتَان إِلَى المِائَتَيْنِ، فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةً عَلَى المِائَتَيْنِ فَفِيهَا ثَلاَثُ شِيَاهٍ إِلَى ثَلاَثِمِائَةٍ. فَإِنْ كَانَتِ الغَنَمُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَفِي كُلِّ مِائَةِ شَاةٍ شَاةٌ، ثُمَّ لَيْسَ فِيهَا شَيءٌ حَتَّى تَبْلُغَ المِائَةَ, وَلاَ يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ وَلاَ يُجْمَعُ بَينَ مُفْتَرِق مَخَافَةَ الصَّدَقةِ, وَمَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِّيةِ, وَلاَ يُؤْخَذُ فِي الصَّدَقَةِ هَرِمَةٌ وَلاَ ذَاتُ عَيْبٍ". قال الزهري: إذا جاء المصدق قسمت الشاء أثلاثاً: ثلثاً شراراً، وثلثاً خياراً، وثلثاً وسطاً. فيأخذ المصدق من الوسط، ولم يذكر الزهري البقر. أخرجه أبو داود (¬1) والترمذي (¬2). [صحيح] قوله: (الفصل الثاني في زكاة النعم). ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (1568). (¬2) في "السنن" رقم (621) وقال: حديث حسن. وهو حديث صحيح.

قوله: "عن سالم" أي: ابن عبد الله بن عمر. "عن أبيه" عبد الله بن عمر. والحديث قد أفاد ما أفاده الذي قبله، أعني حديث أنس. قوله: "أخرجه أبو داود والترمذي" أقول: ظاهره أنهما أخرجاه [159 ب] كله، وكلام الزهري اختص بذكره أبو داود (¬1)، ولذا قال ابن الأثير في "الجامع" (¬2) قال أبو داود: قال الزهري: وذكر كلام الزهري، وقال الترمذي (¬3) بعد إخراجه: قد روى هذا الحديث غير واحد عن الزهري عن سالم ولم يرفعوه؛ وإنما رفعه سفيان بن حسين. انتهى. وفي شرح "الموطأ" (¬4) أنه قال الحافظ (¬5): - يريد ابن حجر - إن سفيان ضعيف في الزهري، وقد خالفه من هو أحفظ منه فأرسله. انتهى. وترجم البخاري (¬6): باب زكاة البقر، وفي "الفتح" (¬7) ولم يذكر في الباب شيئاً مما يتعلق بنصابها لكونه لم يقع على شرطه، وإنما ذكر حديث الوعيد الذي تقدم بلفظ: "ما من صاحب إبل ولا بقر ولا غنم" الحديث. 2 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. "فِي كُلِّ ثَلاَثِينَ مِنَ البَقَرِ تَبِيعٌ أَوْ تَبِيعَةٌ, وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةٌ". أخرجه الترمذي (¬8). [صحيح بطرقه وشاهده] ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (1570)، وهو حديث صحيح. (¬2) (4/ 592). (¬3) في "السنن" (3/ 19). (¬4) (2/ 116 - 117 - شرح الزرقاني). (¬5) (3/ 314). (¬6) في صحيحه (3/ 323 الباب رقم 43 - مع الفتح). (¬7) (3/ 324). (¬8) في "السنن" رقم (622). =

قول في حديث ابن مسعود: "تبيع أو تبيعة" أقول: التبيع ولد البقرة أول سنة، وبقرة تبيع معها ولدها. قوله: "أخرجه الترمذي" قلت: وقال (¬1) أبو عيسى: هكذا روى عبد السلام بن حرب عن خصيف وعبد السلام ثقة حافظ، وروى شريك هذا الحديث عن خصيف عن أبي عبيدة عن أمه عن عبد الله، وأبو عبيدة بن عبد الله لم يسمع من أبيه. 3 - وعن معاذ - رضي الله عنه - قال: "بَعَثَنِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى اليَمَنِ وَأَمَرَنِي أَنْ آخُذَ مِنْ كُلِّ ثَلاَثِينَ بَقَرَةً تَبِيعًا أَوْ تَبِيعَةً, وَفي كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةً، وَمِنْ كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا أَوْ عِدْلَهُ مَعَافِرِيّاً" أخرجه أصحاب السنن (¬2)، واللفظ للترمذي. [صحيح] وزاد أبو داود: "وَالمُعَافِرِيُّ" ثياب تكون باليمن. قوله في حديث معاذ: [160 ب] "واللفظ للترمذي"، قلت: وقال (¬3): قال أبو عيسى: هذا حديث حسن، وروى بعضهم هذا الحديث عن سفيان عن الأعمش عن أبي وائل عن مسروق أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث معاذاً إلى اليمن فأمره أن يأخذ، وهذا أصح. انتهى. ¬

_ = وأخرجه ابن ماجه رقم (1804)، وابن الجارود رقم (344)، والبيهقي (4/ 99)، وأحمد (1/ 411). وقال الترمذي: وأبو عبيدة بن عبد الله لم يسمع من أبيه. قلت: وخصيف سيء الحفظ والحديث صحيح بطرقه وشاهده. والله أعلم. (¬1) في "السنن" (3/ 20). (¬2) أخرجه أبو داود رقم (1576)، والترمذي رقم (623)، والنسائي رقم (2450)، وابن ماجه رقم (1803). وأخرجه أحمد (5/ 230)، وابن حبان رقم (4886)، والحاكم (1/ 398)، وعبد الرزاق في مصنفه رقم (6841)، والطيالسي رقم (567)، والدارمي (1/ 382)، وابن الجارود رقم (343)، والدارقطني (2/ 102)، والبيهقي (4/ 98)، (9/ 193) من طرق, وهو حديث صحيح. (¬3) في "السنن" (3/ 20).

قلت: فهو مرسل. قال الحافظ ابن حجر (¬1): إن مسروقاً لم يلق معاذاً. قال: وإنما حسنه الترمذي لشواهده، ففي "الموطأ" (¬2) من طريق طاووس عن معاذ نحوه، وطاووس عن معاذ منقطع أيضاً، وفي الباب عن علي - عليه السلام - عند أبي داود. انتهى. 4 - وعن سفيان بن عبد الله الثقفي - رضي الله عنه -: "أَنَّ عُمَرَ - رضي الله عنه - بَعَثَهُ مُصَدِّقًا فَكَانَ يَعُدُّ عَلَى النَّاسِ بِالسَّخْلِ، فَقَالُوا: "أتعُدُّ عَلَيْنَا بِالسَّخلِ وَلاَ تَأْخُذُ مِئهُ شَيْئًا؟ فَلَمَّا قَدِم عَلَى عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ - رضي الله عنه - ذَكرَ لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ عُمَرُ: نَعَمْ، تَعُدُّ عَلَيْهِمْ بِالسَّخْلَةِ يَحْمِلُهَا الرَّاعِي، وَلاَ يَأْخُذُ المُصَدِّقُ، وَلاَ يَأْخُذُ الأَكُولَةَ، وَلاَ الرُّبَّى، وَلاَ المَاخِضَ، وَلاَ فَحْلَ الغَنَمِ، وَيَأْخُذُ الجَذَعَةَ وَالثَّنِيَّةَ، وَذَلِكَ عَدْلُ المَالِ بَيْنَ غِذَاءِ الغَنَمِ وَخِيَارِهِ". أخرجه مالك (¬3). [حسن] "الأكُولَةُ" (¬4) الشاة التي هي للأكل. "وَالرُّبّى" (¬5) التي تربى في البيت لأجل اللبن، وقيل: هي الحديثة النتاج. "وَالمَاخضُ" (¬6) الحامل إذا ضربها الطلق. ¬

_ (¬1) في "التلخيص" (2/ 299). (¬2) (1/ 259 رقم 24). (¬3) في "الموطأ" (1/ 265 رقم 26)، وفيه جهالة ابن عبد الله بن سفيان. وأخرجه الشافعي في "الأم" (3/ 24 - 25 رقم 766)، والبيهقي في "معرفة السنن والآثار" (6/ 47 رقم 7556)، وابن حزم في "المحلى" (5/ 275 - 276). وهو أثر حسن. (¬4) "القاموس المحيط" (ص 1242). (¬5) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 622). (¬6) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 641)، "الفائق" للزمخشري (2/ 44).

"وَغِذَاءُ المَالِ" (¬1) جمع غذى وهو الحَملُ أو الجَدى، والمراد أن يأخذ الساعي خيار المال ولا رديئه وإنما يأخذ الوسط. قوله: "وعن سفيان بن عبد الله" (¬2) أقول: هو أبو عمرو سفيان بن عبد الله بن ربيعة بن الحارث الثقفي، يعد في أهل الطائف، وقيل في أهل البصرة, كان عاملاً لعمر بن الخطاب على الطائف، وألفاظ الحديث قد فسرها المصنف. وفيه دليل على أنه يعد بالسخلة وهي أول ما ينتج ولا تؤخذ. قوله: "أخرجه مالك" (¬3). 5 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ جَلَبَ وَلاَ جَنَبَ في زَكاةٍ, لاَ تُؤْخَذُ زَكَاتُهُمْ إِلاَّ فِي دُورِهِمْ". قال محمد بن إسحاق: "لاَ جَلَبَ" يعني: لا تجلب الصدقات إلى المُصَدِّقِ. "وَلاَ جَنَبَ" أي: لا ينزل المُصَدِّقُ بأقصى مواضع أصحاب الصدقة فَتُجْنَبُ إليه، ولكن تؤخذ من الرجل في موضعه. أخرجه أبو داود (¬4). [صحيح] 6 - وعن عمران بن حصين - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ جَلَبَ وَلاَ جَنَبَ وَلاَ شِغَارَ فِي الإِسْلاَمِ، وَمَنِ انْتَهَبَ نُهْبَةً فَلَيْسَ مِنَّا". أخرجه النسائي (¬5). [صحيح] ¬

_ (¬1) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 292). (¬2) انظر: "التقريب" (1/ 311 رقم 313). (¬3) تقدم تخريجه. (¬4) في "السنن" رقم (1591). وأخرجه أحمد (2/ 180)، وهو حديث صحيح. (¬5) في "السنن" رقم (3335). =

"وَالشِّغَارُ" (¬1) في النكاح أن يقول الإنسان: زوجني ابنتك أو أختك، وأزوجك ابنتي أو أختي، وصداق كل واحدة منهما بُضْعُ الأخرى، فإن كان بينهما صداق مسمى فليس بشغار. قوله في حديث عمران: "لا شغار" أقول: قد فسره المصنف. قالوا: قيل له: شغار؛ لارتفاع المهر بينهما، من شغر الكلب إذا رفع إحدى رجليه ليبول، ومنه [161 ب] الحديث: "فإذا نام شغر الشيطان برجله [فبال] (¬2) في أذنه" قاله في "النهاية" (¬3). وفي "شرح مسلم" (¬4): أجمع العلماء أنه منهي عنه؛ لكن اختلفوا: هل هو نهي يقتضي إبطال النكاح أم لا؟ فعند الشافعي (¬5) يقتضي إبطاله، وحكاه الخطابي (¬6) عن أحمد وإسحاق وأبي عبيدة. وقال مالك (¬7): يفسخ قبل الدخول وبعده، وفي رواية عنه: قبله لا بعده. ¬

_ = وأخرجه أحمد (4/ 429، 439، 443)، وأبو داود رقم (2581)، والترمذي رقم (1123) وقال: هذا حديث حسن صحيح. وابن حبان في صحيحه رقم (3267)، والطيالسي رقم (838)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (4/ 381)، والبيهقي (10/ 21)، والدارقطني (4/ 303)، وهو حديث حسن. (¬1) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (1/ 876)، "غريب الحديث" للهروي (3/ 128). (¬2) سقطت من (ب). (¬3) (1/ 876). (¬4) (9/ 201). (¬5) "المهذب" (4/ 158 - 159). (¬6) في "معالم السنن" (2/ 561 - مع السنن). (¬7) "الاستذكار" (16/ 203).

الفصل الثالث: في زكاة الحلي

وقال جماعة: يصح بمهر المثل، وهو قول أبي حنيفة (¬1) وحكي (¬2) عن عطاء والزهري والليث، وهو رواية عن أحمد (¬3) وإسحاق (¬4)، وقال به أبو ثور (¬5) وابن جرير (¬6). انتهى. قوله: "أخرجه النسائي" قلت: قال ابن الأثير: وقال (¬7) - أي النسائي -: هذا خطأ فاحش. انتهى. فما كان للمصنف حذف كلام ابن الأثير عن النسائي، فإنَّ حذفه خطأ فاحش؛ لاتهامه أنه ارتضاه النسائي. الفصل الثالث: في زكاة الحلي 1 - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَمَعَهَا ابْنَةٌ لَهَا، وَفِي يَدِ ابْنَتِهَا مَسَكَتَانِ غَلِيظَتَانِ مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ لَهَا: "أتُعْطِينَ زَكَاةَ هَذَا؟ ". قَالَتْ: لاَ. قَالَ: "أيَسُرُّكِ أَنْ يُسَوِّرَكِ الله تعَالى بِهِمَا يَوْمَ القِيَامَةِ سِوَارَيْنِ مِنْ نَارٍ؟ ". قَالَ: فَخَلَعَتْهُمَا فَألقَتهُمَا إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَقَالَتْ: هُمَا لله وَلرَسُولِهِ. أخرجه أصحاب السنن (¬8). [حسن] ¬

_ (¬1) "البناية في شرح الهداية" (4/ 678 - 676). (¬2) انظر: "الاستذكار" (16/ 203 - 207)، "المغني" (10/ 42)، "فتح الباري" (9/ 163). (¬3) "المغني" (10/ 42). (¬4) انظر: "الاستذكار" (11/ 203). (¬5) "موسوعة فقه أبي ثور" (ص 470). (¬6) ذكره الحافظ في "فتح الباري" (9/ 163). (¬7) في "الجامع" (4/ 607). (¬8) أخرجه أبو داود رقم (1563)، والترمذي رقم (637)، والنسائي رقم (2479). وهو حديث حسن.

"المَسَكَةُ" (¬1) بتحريك السين: واحد المَسَكِ، وهي أسورة من ذَبْلٍ أو عاج، فإذا كانت من غير ذلك أضيفت إلى ما هي منه، فيقال: من ذهب أو فضة أو نحوهما. أقول: الحلي بفتح وسكون مفرد وبضم وكسر اللام وتشديد الياء جمع. قوله في حديث عمرو بن شعيب: "أتعطين زكاة هذا؟ " أقول: هذا مبني على أنهما نصاب، وفي قوله: "غليظتان" ما يشعر بذلك. قوله: "أخرجه أصحاب السنن" قلت: قد بين ابن الأثير (¬2) أن لفظ الكتاب لفظ أبي داود. قلت: ولفظه عند الترمذي (¬3) عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن امرأتين أتتا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي أيديهما سواران من ذهب، فقال لهما: "أتؤديان زكاته؟ " قالتا: لا. فقال لهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[162 ب]: "أتحبان أن يسوركما الله بسوارين من نار؟ " قالتا: لا. قال: "فأدِّيا زكاته". قال (¬4) أبو عيسى: هذا حديث قد رواه المثنى بن الصباح عن عمرو بن شعيب نحو هذا، والمثنى بن الصباح وابن لهيعة يضعفان في الحديث، ولا يصح في هذا الباب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - شيء. انتهى كلامه. ورواه من حديث ابن لهيعة عن عمرو، وذكر الرواية عن المثنى. ¬

_ (¬1) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 659)، "المجموع المغيث" (3/ 208). (¬2) (4/ 607 - 608). (¬3) في "السنن" رقم (637). (¬4) في "السنن" (3/ 30).

قال الترمذي (¬1): واختلف أهل العلم في ذلك، فرأى بعض أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - والتابعين في الحلي زكاة ما كان من ذهب وفضة، وبه يقول سفيان الثوري وعبد الله بن المبارك. وقال بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - منهم عمر، وعائشة، وجابر بن عبد الله، وأنس بن مالك: ليس في الحلي زكاة، وهكذا روي عن بعض فقهاء التابعين، وبه يقول مالك بن أنس (¬2) والشافعي (¬3) وأحمد (¬4) وإسحاق. انتهى. [338/ أ]. 2 - وعن عطاء قال: بلغني أن أم سلمة - رضي الله عنها - قالت: كُنْتُ أَلْبَسُ أَوْضَاحًا مِنْ ذَهَبٍ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، أَكَنْزٌ هُوَ؟ فَقَالَ: "مَا بَلَغَ أَنْ تُؤَدَّى زَكَاتُهُ فَزُكِّيَ فَلَيْسَ بِكَنْزٍ" (¬5). [حسن] قوله في حديث عطاء: "فليس بكنز" أقول: أي بكنز يدخل تحت الوعيد، فإن الوعيد على الكنز مع عدم الإنفاق فيما أمر الله أن ينفق منه، وهو حديث مرفوع، أخرجه البيهقي (¬6) وغيره عن ابن عمر بزيادة: "وإن كانت تحت سبع أرضين، وكل مال لا يؤدى زكاته فهو كنز، وإن كان ظاهراً على وجه الأرض" إلا أنه قال البيهقي (¬7): إنه ليس بمحفوظ، والمشهور وقفه. ¬

_ (¬1) في "السنن" (3/ 29). (¬2) "المدونة" (1/ 211)، "عيون المجالس" (2/ 526). (¬3) "البيان" للعمراني (3/ 304 - 305)، "المجموع" (6/ 4). (¬4) "المغني" (4/ 220 - 225). (¬5) أخرجه أبو داود في "السنن" رقم (1564)، وهو حديث حسن. (¬6) في "السنن الكبرى" (4/ 140). وأخرجه الدارقطني في "السنن" (2/ 105 رقم 1)، والحاكم في "المستدرك" (1/ 390). (¬7) في "السنن الكبرى" (2/ 105).

قال ابن عبد البر (¬1): يشهد له حديث أبي هريرة مرفوعاً: "إذا أديت زكاة مالك فقد أديت الذي عليك" رواه [163 ب] الترمذي (¬2) وقال: حسن غريب، وصححه الحاكم (¬3). 3 - وعن القاسم بن محمد: أنَّ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - كانَتْ تَلِي بَنَاتِ أخِيهَا مُحَمدٍ يَتَامَى في حِجْرِهَا وَلَهُنَّ الحُلِيُّ فَلاَ تُزَكِّيهِ (¬4). [موقوف صحيح]. 4 - وعن نافع: أن ابن عمر - رضي الله عنهما - كَانَ يُحَلِّي بَنَاتِهُ وَجَوَارِيَهُ الذَّهَبَ ثُمَّ لاَ يُخْرِجُ مِنْ حُلِيِّهِنَّ الزَّكَاةَ. أخرج الثلاثة مالك (¬5). [موقوف صحيح]. "الأوَضَاحُ" (¬6) حُلِيٌّ من الدراهم الصحاح أو من الفضة. قوله: "أخرج الثلاثة مالك" قلت: أخرج الثاني عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه: أن عائشة ... الحديث. والثالث أخرجه عن نافع عن ابن عمر كما هنا، ولم أجد حديث عطاء في "الموطأ" في باب ما لا زكاة فيه من الحلي، وهو في "الجامع" (¬7) منسوب إلى مالك أيضاً، وكأنه ذكره في باب آخر فينظر. ¬

_ (¬1) في "الاستذكار" (9/ 126 رقم 12711). (¬2) في "السنن" رقم (618) وقال: هذا حديث غريب. وهو حديث ضعيف. (¬3) في "المستدرك" (1/ 390). (¬4) أخرجه مالك في "الموطأ" (1/ 250 رقم 10)، وهو أثر موقوف صحيح. (¬5) أخرجه مالك في "الموطأ" (1/ 250 رقم 11). (¬6) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (4/ 610). (¬7) (4/ 610).

الفصل الرابع: في زكاة الثمار والخضروات

قلت: ومما يشعر بأن حديث عطاء عن أم سلمة ليس في "الموطأ" أن في شرح الموطأ في بحث الكنز ما لفظه: ولأبي داود (¬1) عن أم سلمة: "كنت ألبس أوضاحاً ... " الحديث بلفظ ما هنا وقال: صححه الحاكم (¬2) وابن القطان. وقال ابن عبد البر (¬3): في سنده مقال. وقال الزين العراقي (¬4): في سنده جيد. انتهى. فهذا يدل أنه لم يذكر في "الموطأ" وإلا لقال شارحه: قد ذكره مالك بلاغاً، ثم يقول: وأخرجه أبو داود إلى آخره، ويؤيد أنه لم يوجد في "الموطأ" أن في "بلوغ المرام" (¬5) نسبته إلى أبي داود والدارقطني وأنه صححه الحاكم. الفصل الرابع: في زكاة الثمار والخضروات 1 - وعن جابر - رضي الله عنه - قال: قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فِيمَا سَقَتِ الأَنْهَارُ وَالغَيْمُ العُشُورُ، وَفِيمَا سُقِيَ بِالسَّانِيَةِ نِصْفُ العُشْرِ". أخرجه مسلم (¬6) وأبو داود (¬7) والنسائي (¬8). [صحيح] "السَّانِيَةُ" (¬9) هو الناضح يُسْتقى عليه من الإبل والبقر. قوله: (الفصل الرابع في زكاة الثمار والخضروات). ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (1564)، وقد تقدم. (¬2) في "المستدرك" (1/ 390). (¬3) "الاستذكار" (9/ 126 رقم 12711). (¬4) في "طرح التثريب" (3/ 961). (¬5) الحديث رقم (21/ 582 - مع السبل) بتحقيقي. (¬6) في صحيحه رقم (7/ 981). (¬7) في "السنن" رقم (1597). (¬8) في "السنن" رقم (2489)، وهو حديث صحيح. (¬9) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 818)، "المجموع المغيث" (2/ 143).

زاد ابن الأثير (¬1): "والمعشرات". قوله في حديث جابر: "والغيم" أقول: هو هنا المطر. قال ابن الأثير (¬2): وعند أبي داود بدل "الغيم": "العيون"، وقال: "وبالسواني". وعند النسائي: "فيما سقت السماء، والأنهار، والعيون" انتهى. والعيون: هي الجارية على وجه الأرض التي لا يتكلف في رفع مائها لآلة ولا لجمل، واعلم أن هذا الحديث وحديث معاذ على التفرقة بين الأمرين ووجهه واضح وهو الرفق بما زادت مؤنته، ثم عمومها ظاهر في عدم شرط النصاب، وفي إيجاب الزكاة في كل ما يسقى بمؤنة، ولكن قيد هذا المطلق حديث: "ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة" (¬3) جمعاً بين الدليلين الخاص والعام، ولم يقيده به أبو حنيفة (¬4) ومن وافقه، ورده البخاري بأن المفسر يقضي على المبهم، والخاص يقضي على العام. وهي القاعدة الأصولية (¬5) المتفق عليها. إلا أن أبا حنيفة على ظاهر كلامه هنا ينازع فيها، فلا تقوم عليه الحجة، بخلاف الهادوية (¬6)؛ فإنهم قائلون بالقاعدة الأصولية فلا عذر لهم عن موافقة الجمهور (¬7)، وأنها لا تؤخذ الزكاة إلا [من] (¬8) خمسة أوسق. ¬

_ (¬1) في "الجامع" (4/ 611). (¬2) في "الجامع" (4/ 611). (¬3) تقدم تخريجه، وهو حديث صحيح. (¬4) "البناية في شرح الهداية" (3/ 491). (¬5) انظر: "إرشاد الفحول" (ص 536) بتحقيقي. (¬6) "البحر الزخار" (2/ 169). (¬7) انظر: "المغني" (4/ 161). (¬8) في (ب): "في".

2 - وعن معاذ - رضي الله عنه - قال: "أَمَرَنِي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إِلَى اليَمَنِ أَنْ آخُذَ مِمَّا سَقَتِ السَّمَاءُ العُشْرَ، وَفِيمَا سُقِيَ بِالدَّوَالِي نِصْفَ العُشْرِ". أخرجه النسائي (¬1). [سنده حسن]. 3 - وعن عتاب بن أسيد - رضي الله عنه - قال: "أَمَرَنَا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أَنْ نَخْرُصَ العِنَبَ كَمَا نَخْرُصُ النَّخْلَ، وَنَأْخُذَ زَكاتَهُ زَبِيباً كَمَا نَأْخُذُ صَدَقَةَ النَّخْلِ تَمْراً". أخرجه أصحاب السنن (¬2). [ضعيف] "الخَرْص" الحَزْرُ. قال الترمذي (¬3): والخرص أن يَنْظُرَ من يُبْصِرُ ذلك فيقول: يخرج من هذا الزبيب كذا وكذا، ومن التمر كذا وكذا [فيُجْعَلُ] (¬4) عليهم. أو يَنْظُرَ مَبْلغَ العُشْرِ من ذلك فَيُثْبِتُهُ عليهم ثم يخلي بينهم وبين الثَّمَارِ فيصنعون ما أحبوا. [فإذا] (¬5) أدْرَكَتِ الثمار أخَذَ مِنْهُمُ العشر. وقال أبو داود (¬6): "الخَارِصُ" يدع الثلث لِلْخُرْفِةِ قال: وكذا قال يحيى القَطَّانُ. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (2490) بسند حسن. (¬2) أخرجه أبو داود رقم (1603)، والترمذي رقم (644)، وابن ماجه رقم (1819)، والنسائي رقم (2618). وأخرجه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" (2/ 39)، والدارقطني (2/ 134 رقم 24)، والشافعي رقم (661 - ترتيب)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (4/ 122) قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. قلت: هذا الحديث منقطع؛ لأن عتاباً توفي في اليوم الذي توفي فيه أبو بكر الصديق - رضي الله عنه -. ومولد سعيد بن المسيب في خلافة عمر. "مختصر السنن" لابن المنذر (2/ 211). وهو حديث ضعيف، والله أعلم. (¬3) في "السنن" (3/ 36). (¬4) كذا في (أ. ب)، والذي في "السنن": "فيُحصى". (¬5) في (أ. ب): "فإن"، وما أثبتناه من "سنن الترمذي". (¬6) في "السنن" (2/ 260).

قوله في حديث عتاب: "أن تخرص العنب" الحديث أقول: الخرص (¬1): بفتح المعجمة وحكي كسرها وسكون الراء بعدها مهملة هو: حرز ما على النخل من الرطب تمراً، ويأتي تفسيره عن الترمذي. وفائدة الخرص التوسعة على أهل الثمار في التناول منها والبيع منها، وإيثار الأهل والجيران والفقراء؛ لأن في منعهم تضييق لا يخفى. وقال الخطابي (¬2): إنه أنكر أصحاب الرأي (¬3) الخرص. وقال بعضهم: إنما كان يفعل تخويفاً للزارعين لئلا يخونوا، لا ليلزم به الحكم؛ لأنه تخمين وغرور. ورده الخطابي وقال: ليس بتخمين وغرور، بل هو اجتهاد في معرفة مقدار الثمرة وإدراكه بالخرص الذي هو نوع من المقادير. واختلف القائلون به: هل واجب أو مستحب؟ فقيل بوجوبه، والجمهور (¬4) على استحبابه. وهل [165 ب] يختص بالنخل، أو يلحق به العنب، أو يعم كل ما ينتفع به رطباً وجافاً؟ بالأول: قال شريح والظاهرية (¬5). وبالثاني: قال الجمهور. وهل يمضي قول الخارص أو يرجع إلى ما آل إليه بعد الجفاف. الأول: قول مالك (¬6) وطائفة. ¬

_ (¬1) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 482)، "الفائق" للزمخشري (1/ 361). (¬2) في "معالم السنن" (2/ 259 - مع السنن". (¬3) "اللباب في الجمع بين السنة والكتاب" (1/ 394 - 396). (¬4) "المجموع شرح المهذب" (5/ 459). (¬5) "المحلى" (5/ 255 - 256). (¬6) "التسهيل" (3/ 717)، "مواهب الجليل" (2/ 288).

والثاني: قول الشافعي (¬1) ومن تبعه. وهل يكفي خارص واحد عارف ثقة أو لا بد من اثنين؟ وهما قولان للشافعي (¬2)، أظهرهما الثاني. قوله: "أخرجه أصحاب السنن" قلت: وقال الترمذي (¬3): إنه حديث حسن غريب. وقال أبو داود (¬4): سعيد يريد ابن المسيب راويه عن عتاب ولم يسمع من عتاب شيئاً. انتهى. قال الحافظ المنذري (¬5): وما ذكره - يعني أبو داود - ظاهر جداً، فإن عتاب بن أسيد مات في اليوم الذي توفي فيه أبو بكر، ومولد سعيد بن المسيب في خلافة عمر سنة خس عشرة على المشهور، وقيل: مولده بعد ذلك. انتهى. فالعجب حذف ابن الأثير ومن تبعه كلام أبي داود. قوله: "قال الترمذي (¬6): والخرص" قلت: وتمام كلامه هكذا، وفسره بعض أهل العلم. وأول كلامه والخرص: إذا أدركت الثمار من الرطب والعنب مما فيه زكاة بعث السلطان خارصاً فخرص عليهم، والخرص إلى آخر ما هنا. قوله: "وقال أبو داود" إلى آخره. ¬

_ (¬1) "الأم" (3/ 80)، "المجمع شرح المهذب" (5/ 459). (¬2) "البيان" (3/ 248 - 250). (¬3) في "السنن" (3/ 36). (¬4) في "السنن" (2/ 258). (¬5) في مختصره (2/ 211). (¬6) في "السنن" (3/ 36).

أقول: قال ابن الأثير (¬1): سهل بن أبي حثمة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: "إذا خرصتم فخذوا ودعوا الثلث، فإن لم تدعوا الثلث، فدعوا الربع" أخرجه الترمذي (¬2) [166 ب]. وعزاه أيضاً إلى أبي داود (¬3) [وإلى] (¬4) النسائي (¬5)، وذكر ألفاظهما بمعناه. فالعجب من المصنف في اقتصاره على كلام أبي داود، وإعراضه عن النص المرفوع مع أن كلام أبي داود قاصر على [339/ أ] إفادة الحديث المرفوع، فإنه أفاد التخيير بين الثلث والربع. قال المنذري في "مختصر السنن" (¬6) ما لفظه: إن حديث عبد الرحمن بن مسعود في ترك الثلث من الخرص أو الربع أخرجه الترمذي والنسائي، ولم يتكلم عليه المنذري. وقال ابن حجر (¬7): في إسناده عبد الرحمن بن مسعود بن دينار الراوي عن سهل بن أبي حثمة، وقد قال البزار: إنه تفرد به. ¬

_ (¬1) في "الجامع" (4/ 614 رقم 2699). (¬2) في "السنن" رقم (643). (¬3) في "السنن" رقم (1605). (¬4) سقطت من (ب). (¬5) في "السنن" رقم (2491). وأخرجه أحمد (3/ 448)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (3/ 194)، وأبو عبيد في "الأموال" رقم (1447)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (2/ 39)، والبيهقي (4/ 123)، وابن خزيمة رقم (2319، 2320)، وابن حبان رقم (3280)، والحاكم في "المستدرك" (1/ 402) من طرق. وفي سنده عبد الرحمن بن مسعود بن نيار، قال الحافظ في "التلخيص" (2/ 333): وقد قال البزار: إنه تفرد به. وقال ابن القطان: لا يعرف حاله ... وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف، والله أعلم. (¬6) (2/ 212). (¬7) في "التلخيص" (2/ 333).

وقال ابن القطان (¬1): لا يعرف حاله. قال الحاكم (¬2): وله شاهد بإسناد متفق على صحته. ثم ذكره, وذكر له غيره قاله في "تلخيص الحبير" (¬3) وأقره، لكنه قال في "تقريب التهذيب" (¬4) له: إن عبد الرحمن المذكور مقبول. وهذا يرد قول ابن القطان: لا يعرف حاله. وقال [المنذري] (¬5): وذهب بعضهم أنه يترك لهم من عرض المال ذلك توسعة عليهم، فلو أخذوا باستيفاء الحق كله لضر ذلك بهم. وقال بعضهم: لا يترك لهم شيء شايع، بل يفرد لهم تحلات معدودة قد علم مقدار ثمرها بالخرص. وقال بعضهم: لا يترك لهم شيء. وقال بعضهم: يراعي ما يأكل الرجل وجاره وصاحبه حتى لو أكل جميعه لم يجب عليه شيء. انتهى كلامه. قلت: لا يخفى أن القول بخلاف الحديث قول لا دليل عليه، بل الواجب العمل بالحديث، وأنه يخير الخارص في اجتهاده بين ترك الثلث أو الربع باعتبار نفقة من يخرص عليه من الملاك، وظاهر الحديث أن المتروك لا تجب فيه زكاة؛ بل هو عفو لرب المال. 4 - وعن سليمان بن يَسَار قال: كَانَ النبيُّ يَبْعَثُ ابْنَ رَوَاحَةَ إِلَى خَيْبَرَ فَيَخْرُصُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ يَهُودِ, فَجَعَلُوا لَهُ حَلْيًا مِنْ حَلْيِ نِسَائِهِمْ فَقَالُوا: هَذَا لَكَ، وَخَفِّفْ عَنَّا وَتجَاوَزْ فِي القَسْمِ. فَقَالَ عَبْدُ الله: يَا مَعْشَرَ اليَهُودِ! إِنَّكُمْ لِمَنْ أَبْغَضِ خَلْقِ الله تَعَالَى إِلَيَّ، وَمَا ذَاكَ بِحَامِلي عَلَى أَنْ ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "التلخيص" (2/ 333). (¬2) في "المستدرك" (1/ 402). (¬3) (2/ 333). (¬4) (1/ 497 رقم 1108). (¬5) زيادة من (أ).

أَحِيفَ عَلَيْكُمْ، وَأَمَّا مَا عَرَضْتُمْ مِنَ الرُّشْوَةِ فَإِنَّهَا سُحْتٌ وإِنَّا لاَ نَأْكُلُهَا. فَقَالُوا: بِهَذَا قَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ". أخرجه مالك (¬1). [صحيح لغيره] "الحَيْفُ" الظلم. و"الرِّشْوَةُ" البِرطِيلُ. و"السُّحْتُ" الحرام. قوله: "عن سليمان بن يسار" أقول: تقدم أنه تابعي مولى لميمونة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو أخو عطاء بن يسار، وكان سليمان فقيهاً ثقة وحديثه هذا عن جابر [مرسلاً] (¬2). قوله: "أخرجه مالك" قلت: وكذا في "الجامع" (¬3) لكن لم أجده [167 ب] في باب الخرص من "الموطأ"، فينظر إن شاء الله تعالى. نعم، أخرج أبو داود (¬4) من حديث عائشة قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يبعث ابن رواحة فيخرص النخل حين يطيب الثمار قبل أن يؤكل منه، ثم يُخَيَّرُ يهود أن يأخذوه بذلك الخرص أو يدفعوه إليه به لكي يحصي الزكاة من قبل أن تؤكل الثمار وتُفرق. وفي رواية (¬5) قالت وهي تذكر شأن خيبر: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يبعث عبد الله بن رواحة إلى يهود فيخرص النخل حتى يطيب قبل أن يؤكل منه. انتهى. ¬

_ (¬1) في "الموطأ" (2/ 703 - 704 رقم 2)، وهو صحيح لغيره. (¬2) في (أ): "مرسل". (¬3) (4/ 617). (¬4) في "السنن" رقم (1606، 3413). وأخرجه ابن راهويه رقم (904)، وأحمد (6/ 163)، وابن خزيمة رقم (2315)، والدارقطني (2/ 134)، والبيهقي (4/ 123)، وابن حزم في "المحلى" (5/ 255 - 256)، وأبي عبيد في "الأموال" رقم (1437). وفيه واسطة بين ابن جريج والزهري، ولم يعرف, وابن جريج مدلس فلعله تركها تدليساً. وقد أخرجه بدونها عبد الرزاق في "المصنف" رقم (7219)، والدارقطني (2/ 134 رقم 25). وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف، والله أعلم. (¬5) لأبي داود في "السنن" رقم (3413).

وذكره ابن الأثير في "الجامع" (¬1). [و] (¬2) قوله: "لكي يحصي الزكاة" يريد بها المعاملة، وهي شطر الثمار، إذ لا زكاة على اليهود، ولأنه - صلى الله عليه وسلم - أجرهم الأرض على شطر ما يخرج منها. تنبيه: ذكر المصنف في ترجمة هذا الفصل الخضروات ولم يأت فيها بشيء، وذكر ابن الأثير (¬3) فيها حديث معاذ: كتب إليَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الخضروات وهي [البقول ....] (¬4): "ليس فيها شيء" أخرجه الترمذي (¬5) وقال (¬6): هذا الحديث ليس بصحيح. انتهى. قلت: لفظه في الترمذي (¬7) عن معاذ: أنه كتب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يسأله عن الخضروات وهي البقول؟ فقال: "ليس فيها شيء" قال الترمذي (¬8): قال أبو عيسى: إسناد هذا الحديث ليس بصحيح، ولا يصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الباب شيء، وإنما يروى هذا عن موسى بن طلحة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلاً، والعمل على هذا عند أهل العلم، أن ليس في الخضروات صدقة. ¬

_ (¬1) (4/ 616). (¬2) زيادة من (أ). (¬3) (4/ 618 - 619). (¬4) سقطت من (أ. ب)، وما أثبتناه من "الجامع" و"سنن الترمذي". (¬5) في "السنن" رقم (638)، وهو حديث ضعيف. (¬6) في "السنن" (3/ 30 - 31). (¬7) فى "السنن" رقم (638)، وهو حديث ضعيف. (¬8) في "السنن" (3/ 30 - 31).

قال أبو عيسى (¬1): والحسن هو ابن عمارة يريد أحد رواة الحديث الذي ساقه به. قال: وهو ضعيف عند أهل الحديث، ضعفه شعبة وغيره، وتركة عبد الله بن المبارك. انتهى كلامه. قلت: فالعمل على أنه ليس فيها صدقة بناءً على البراءة الأصلية، وهو أن الأصل [168 ب] عدم وجوب الزكاة في أي شيء من الأموال حتى يقوم الدليل. وفي "الموطأ" (¬2) قال مالك: السنة [التي] (¬3) لا اختلاف فيها عندنا، والذي سمعت من أهل العلم؛ أنه ليس في شيء من الفواكه كلها. قال شارحه: سوى التمر والزبيب صدقة، الرمان والفرسك والتين. وقال (¬4) في أول باب الزكاة: إنها لا تكون الزكاة إلا في ثلاثة أشياء في الحرث، قال شارحه: وهو كل ما لا ينمو ويزكو إلا بالحرث والعين، قال: الذهب، والفضة، والماشية. قال أيضاً: الإبل، والبقر، والغنم. قلت: ويدل له حديث: "الصدقة في أربعة: التمر، والزبيب، والحنطة, والشعير، وليس فيما سواها صدقة" أخرجه الحاكم (¬5) والبيهقي (¬6) من حديث أبي بردة عن أبي موسى ومعاذ حين بعثهما النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى اليمن. قال البيهقي (¬7): رواته ثقات وهو متصل. ¬

_ (¬1) في "السنن" (3/ 31). (¬2) (1/ 276 - 277). (¬3) سقطت من (أ). (¬4) أي مالك في "الموطأ" (1/ 245). (¬5) في "المستدرك" (1/ 401) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. (¬6) في "السنن الكبرى" (4/ 129). (¬7) في "السنن الكبرى" (4/ 129).

الفصل الخامس: في زكاة المعدن والركاز

وأخرج ابن ماجه (¬1) والدارقطني (¬2) من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: "إنما سنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الزكاة في الحنطة والشعير والتمر والزبيب" زاد ابن ماجه (¬3): "والذرة" وإسنادها واهٍ، هو من رواية محمد بن عبيد الله العزرمي الكوفي وهو متروك، والراوي عن العزرمي إسماعيل بن عياش، وهو ضعيف في غير الشاميين. وحديث: "إنه ليس فيما سوى الأربعة صدقة" كما عرفت؛ يخصص عموم: "فيما سقت السماء العشر" (¬4) إذ الخضروات مما سقته السماء أو الأنهار أو المساني. الفصل الخامس: في زكاة المعدن والركاز 1 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم -: "العَجْمَاءُ جُبَارٌ، وَالبِئْرُ جُبَارٌ، وَالمَعْدِنُ جُبَارٌ، وَفِي الرِّكَازِ الخُمُسُ". أخرجه الستة (¬5). [صحيح] ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (1815). قال البوصيري في "مصباح الزجاجة" (2/ 57 رقم 647/ 1815)، وهذا إسناد ضعيف لضعف محمد بن عبيد الله ... (¬2) في "السنن" (2/ 94 رقم 1). وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف جداً. (¬3) في "السنن" (1815)، وقد تقدم وهو حديث ضعيف جداً. (¬4) تقدم، وهو حديث صحيح. (¬5) أخرجه البخاري رقم (1499، 6912)، ومسلم رقم (45/ 1710)، وأبو داود رقم (3085)، والنسائي رقم (2498، 2499)، والترمذي رقم (642، 1377)، وابن ماجه رقم (2673)، ومالك في "الموطأ" (2/ 868 - 869). وأخرجه أحمد (2/ 239، 254، 274, 285، 295)، وابن الجارود رقم (372، 795)، والدارقطني (3/ 149 - 150)، وابن خزيمة رقم (2326)، وابن حبان في صحيحه رقم (6005، 6006، 6007)، والبيهقي (4/ 155)، وهو حديث صحيح.

"العَجْمَاء" البهيمة. و"الجُبَارُ" الهدَرُ. وكذلك "المعْدِنُ وَالبِئْرُ" إذا هلك الأجير فيهما فَدَمُهُ هَدَرٌ لاَ يُطَالَبُ به (¬1). قوله: (الفصل الخامس في زكاة المعدن). أقول: كان الأولى على رأي المصنف وابن الأثير أن يقال: [169 ب] في زكاة الركاز لما ستعرفه قريباً. [340/ أ]. قوله في حديث أبي هريرة: "العجماء جبار" بضم الجيم فموحدة خفيفة, أقول: "في النهاية" (¬2) العجماء: هي البهمية، سميت بذلك لأنها لا تتكلم، والمراد من ذلك إن جرحت أحداً فهو هدر. قوله: "والبئر جبار" قيل: هي العادية القديمة لا يعلم لها حافر ولا مالك، فيقع فيها إنسان أو غيره، فهي هدر. وقيل: هو الأجير الذي ينزل فيها فينقيها، أو يخرج منها شيئاً فيقع فيها فيموت. وقوله: "والمعدن جبار" المراد أن من استأجر رجلاً يعمل في معدن فهلك؛ فإنه هدر. قوله: "وفي الركاز الخمس" (¬3) أقول: بكسر الراء وتخفيف الكاف آخره زاي؛ المال المدفون مأخوذ من الركز بفتح الراء، ركزه يركزه ركزاً إذا دفنه فهو مركوز. وفي "البخاري" (¬4) قال مالك وابن إدريس: الركاز دفن الجاهلية بكسر الدال المهملة وسكون الفاء: الشيء المدفون كذبح بمعنى مذبوح. وأما بالفتح فهو المصدر ولا يراد هنا، ثم ¬

_ (¬1) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (4/ 621). (¬2) (2/ 165). (¬3) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 685)، "غريب الحديث" للهروي (1/ 284). (¬4) انظر: "فتح الباري" (3/ 365)، "المغني" (4/ 235).

لا فرق عند مالك (¬1) والجمهور (¬2) في إيجاب الخمس بين قليله وكثيره، ولا بين النقدين وغيرهما كنحاس وحديد وجواهر. تنبيه: ترجمة المصنف وقبله ابن الأثير للحديث بزكاة المعدن دالة على ترادف المعدن والركاز، وفرق بينهما البخاري (¬3) ونسب عدم التفرقة إلى البعض، وفي "النهاية" (¬4): الركاز عند أهل الحجاز كنوز الجاهلية المدفونة في الأرض، وعند أهل العراق المعادن. والقولان تحتملهما اللغة؛ لأن كلاً منهما مركوز في الأرض، أي: ثابت. قال: وإنما [170 ب] جاء الحديث يريد حديث: "وفي الركاز الخمس" على التفسير الأول؛ وهو الكنز الجاهلي، وإنما كان فيه الخمس لكثرة نفعه وسهولة أخذه. انتهى. فترجمة ابن الأثير والمصنف تناسب من قال بترادفهما، وهو قول البعض (¬5)، كما في البخاري، وفسر بأبي حنيفة. قال الزين بن المنير (¬6): كأن الركاز مأخوذ من ركزته في الأرض إذا غرزته فيها. وأما المعدن: فإنه ينبت في الأرض بغير وضع واضع، هذه حقيقتهما، فإذا افترقا في أصلهما فكذلك في حكمهما. انتهى. ¬

_ (¬1) "التسهيل" (3/ 743)، و"الاستذكار" (9/ 61). (¬2) "المغني" (4/ 235). (¬3) في صحيحه (3/ 363 رقم الباب 66 - مع الفتح). (¬4) (1/ 685). (¬5) قال ابن التين: المراد ببعض الناس أبو حنيفة. "فتح الباري" (3/ 364). (¬6) ذكره الحافظ في "الفتح" (3/ 365).

[قوله: "أخرجه الستة" قلت: وقال (¬1) الترمذي: حسن صحيح] (¬2). 2 - وعن مالك (¬3) - رحمه الله - قال: الأمْرُ عِنْدَنَا الّذِي لاَ خِلاَفَ فِيهِ، وَالّذِي سَمِعْتُ مِنْ أَهْلِ العِلُمِ أَنَّ الرِّكازَ إنَّما هُوَ دَفْنُ يُوجَدُ مِنْ دَفْنِ الجَاهِلِيَّةِ مَا لَمْ يُطْلَبْ بِمَالٍ وَلَمْ يُتَكَلَّفْ فِيهِ نَفَقَة، وَلاَ كَثِيرُ عَمَلٍ، وَلاَ مَئُونَةٌ، فَأَمَّا مَا طُلِبَ بِمَالٍ وَتُكلِّفُ فِيهِ كَبِيرُ عَمَلٍ فَأُصِيبَ مَرَّةً وَأُخْطِئَ مَرَّةً فَلَيْسَ بِرِكَازٍ. قوله: "وعن مالك" في "الجامع" (¬4) وقال الترمذي: قال مالك ... إلى آخره. وتقدم التفرقة بينهما، واختلف في مصرف خمس الركاز. فقال أبو حنيفة (¬5): يصرف مصرف الفيء. وقال الشافعي (¬6): يصرف مصرف الصدقات. وحجة أبي حنيفة أنه مال مأخوذ من أيدي المشركين. وحجة الشافعي أنه مستفاد من الأرض كالزرع، وبأن الفيء يكون أربعة أخماسه للمقاتلة، وهذا يختص به الواجد له كمال الصدقة، أفاده الخطابي (¬7). 3 - وعن ضُبَاعَةَ بنت الزبير بن عبد المطلب، وكانت تحت المِقْدَاد - رضي الله عنها - قالت: ذهبَ المِقْدَادُ لِحَاجَتِهِ بِبَقِيعِ الخَبْخَبَة, فَإِذَا جُرَذٌ يُخْرِجُ مِنْ جُحْرٍ دِينَارًا، ثُمَّ لَمْ يَزَلْ يُخْرِجُ دِينَارًا دِينَارًا إلى ¬

_ (¬1) في "السنن" (3/ 34). (¬2) زيادة من (أ). (¬3) في "الموطأ" (1/ 249). (¬4) (4/ 620). (¬5) "البناية في شرح الهداية" (3/ 475 - 476). (¬6) "المجموع شرط المهذب" (6/ 38 - 39). (¬7) في "معالم السنن" (3/ 462 - مع السنن).

أَنْ أَخْرَجَ سَبْعَةَ عَشَرَ دِينَارًا، ثُمَّ أَخْرَجَ خِرْقَةً حَمْرَاءَ بَقِيَ فِيهَا دِينَارٌ فَكَانَتْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ دِينَارًا، فَذَهَبَ بِهَا إِلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فأَخبرَهُ وَقَالَ لَهُ: خُذْ صَدَقَتَهَا. فَقَالَ لَهُ - صلى الله عليه وسلم -: "هَلْ أهْوَيْتَ إِلَى الجُحْرِ؟ ". قَالَ: لاَ. قَالَ: "بَارَكَ الله لَكَ فِيهَا". أخرجه أبو داود (¬1). [ضعيف] "أَهْوَى" إلى الشَّيْءِ مَدَّ يَدَهُ إلَيْهِ. "وَالجُحْرُ" النَّقْبُ. والمعنى أنه لو فعل ذلك لكان كأنه قد عمل فيه وصار رِكازاً فيجب فيه الخمس، فلما لم يفعل ذلك صار في حكم اللقطة (¬2). قوله في حديث ضباعة: "وكانت تحت المقداد" أقول: هو ابن عمرو الكندي نسب إلى الأسود بن عبد يغوث الزهري، لكونه تبناه وكان من [حلف] (¬3) قريش، وتزوج ضباعة وهي هاشمية، فلولا الكفاءة لا تعتبر في النسب لما جاز له أن يتزوجها؛ لأنها فوقه في النسب [171 ب]. قوله: "لحاجته" أقول: زاد ابن ماجه (¬4): "وكان أحدهم لا ينهب في حاجته إلا في اليومين والثلاثة وإنما يبعر كما تبعر الإبل، ثم دخل خربة فبينا هو جالس لحاجته فإذا جرذ" الحديث. قوله: "بقيع الخبخبة" (¬5) أقول: بفتح الخاءين المعجمتين وسكون الباء الأولى موضع بنواحي المدينة. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (3087)، وهو حديث ضعيف. وأخرجه ابن ماجه رقم (2508). (¬2) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (4/ 622). (¬3) في (أ): "حلفاء". (¬4) في "السنن" رقم (2508). (¬5) قاله ابن الأثير في "النهاية" (1/ 468).

قوله: "أخرجه أبو داود" قلت: وقال المنذري في "مختصر السنن" (¬1): إن في إسناده موسى بن يعقوب الرافعي وثقه يحيى بن معين. وقال ابن عدي: هو عندي لا بأس به. وقال النسائي: ليس بالقوي. انتهى. وفي "التقريب" (¬2): صدوق سيء الحفظ. 4 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "لَيْسَ العَنبرُ بِرِكَازٍ، إنَّما هُوَ شَيْءٌ دَسَرَهُ البَحْرُ". أخرجه البخاري (¬3) ترجمة. "دَسَرَهُ" دفعه. قول في حديث ابن عباس: "ليس العنبر" (¬4) أقول: بفتح العين المهملة وسكون النون، وهو زبد "البحر". وقيل: روث دابة بحرية. وقيل: إنه شيء ينبت في البحر (¬5). وقال ابن سينا (¬6): هو نبع عين في البحر، وقيل غير ذلك. قوله: "أخرجه البخاري ترجمة" أقول: عبارة ابن الأثير (¬7) أخرجه البخاري في ترجمة باب. انتهى. ¬

_ (¬1) (4/ 2272). (¬2) (2/ 289 رقم 1521). (¬3) في صحيحه (3/ 362 الباب رقم 65). (¬4) انظر: "فتح الباري" (3/ 362). (¬5) قال الشافعي في "الأم" (4/ 234) فقال لي قائلاً: خبرت أن العنبر شيء ينبذه حوت من جوفه .. ثم قال الشافعي: أخبرني عدد ممن أثق به: أن العنبر نبات يخلقه الله تعالى في حشاف في "البحر". (¬6) ذكره الحافظ في "الفتح" (3/ 362). (¬7) في "الجامع" (4/ 622).

الفصل السادس: في زكاة الخيل والرقيق

وعبارتهما بأنه أخرجه غير صحيحة كما عرفناك مراراً، وإنما ذكره البخاري مقطوعاً فقال: وقال ابن عباس. قال الحافظ ابن حجر (¬1): إن هذا التعليق وصله الشافعي (¬2)، فقال: أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن أذينة عن ابن عباس، فذكر مثله. وأخرجه البيهقي (¬3) من طريقه، ومن طريق يعقوب بن سفيان حدثنا الحميدي، وغيره عن ابن عيينة، وصرح فيه بسماع أذينة من ابن عباس، وأذينه بمعجمة ونون مصغراً تابعي [ثقة] (¬4)، وقد جاء عن ابن عباس التوقف فيه، فأخرج ابن أبي شيبة (¬5) من طريق طاوس قال: سئل ابن عباس [172 ب] عن العنبر فقال: إن كان فيه شيء ففيه الخمس. ويجمع بين القولين: بأنه كان شك فيه، ثم تبين له أنه لا شيء فيه فجزم به، قاله في "فتح الباري" (¬6). الفصل السادس: في زكاة الخيل والرقيق 1 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَيْسَ عَلَى المُسْلِمِ صَدَقَةٌ فِي عَبْدِهِ وَلاَ فِي فَرَسِهِ". أخرجه الستة (¬7). [صحيح] ¬

_ (¬1) في "الفتح" (3/ 362). (¬2) في "الأم" (3/ 109 رقم 826). (¬3) في "السنن الكبرى" (4/ 146)، وفي "معرفة السنن والآثار" (6/ 145 رقم 6). (¬4) زيادة من (أ). (¬5) في مصنفه (3/ 243). (¬6) (3/ 362). (¬7) أخرجه البخاري رقم (1464)، ومسلم رقم (8/ 982)، وأبو داود رقم (1595)، والترمذي رقم (628)، والنسائي رقم (2467، 2468)، وابن ماجه رقم (1812)، وهو حديث صحيح.

الفصل السابع: في زكاة العسل

2 - وفي أخرى للشيخين (¬1): "لَيْسَ فِي العَبْدِ صَدَقَةٌ إِلاَّ صَدَقَةُ الفِطْرِ". [صحيح] "الرَّقِيقُ" اسم يقع على العبيد والإماء. قوله: (الفصل السادس في زكاة الخيل والرقيق). أقول: في عدم وجوبها. وقوله: "الرقيق" اسم يقع على العبيد والإماء تفسير لما في الترجمة, وليس في الحديث لفظ الرقيق، نعم هو في حديث لم يذكره المصنف أخرجه أبو داود (¬2). قوله: "أخرجه الستة" قلت: وقال الترمذي (¬3): حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح، والعمل عليه عند أهل العلم، أنه ليس في الخيل السائمة صدقة، ولا في الرقيق إذا كانوا للخدمة صدقة إلا أن يكونوا للتجارة ففي أثمانهم الزكاة إذا حال عليها الحول. انتهى. الفصل السابع: في زكاة العسل 1 - عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فِي عَشْرَةِ أَزْقَاقٍ زِقٌّ". أخرجه الترمذي (¬4) وقال: لا يصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الباب شيء. [مرسل] ¬

_ (¬1) البخاري في صحيحه رقم (1464)، ومسلم رقم (9/ 982). (¬2) في "السنن" رقم (1594)، وهو حديث صحيح. (¬3) في "السنن" (3/ 24). (¬4) في "السنن" رقم (629) قال الترمذي: حديث ابن عمر في إسناده مقال، ولا يصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الباب شيء ... وصدقة بن عبد الله ليس بحافظ، وقد خولف صدقة بن عبد الله في رواية هذا الحديث عن نافع. ثم روى بسند الصحيح عن عبيد الله بن عمر عن نافع قال: سألني عمر بن عبد العزيز عن صدقة العسل، قال: قلت: ما عندنا عسل نتصدق منه, ولكن أخبرنا المغيرة بن حكيم أنه قال: ليس في العسل صدقة. فقال عمر: عدل مرضي، فكتب إلى الناس أن توضع، يعني عليهم. =

قوله: (الفصل السابع في زكاة العسل). قوله في حديث ابن عمر: "أخرجه الترمذي (¬1) وقال: لا يصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الباب شيء" قلت: لفظ الترمذي (¬2)، وفي الباب عن أبي هريرة (¬3) وأبي سيارة المتعي (¬4)، وعبد ¬

_ = أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (3/ 142). قال الألباني في "الإرواء" (3/ 287): قلت: والمغيرة بن حكيم تابعي ثقة، وما ذكره من النفي لم يرفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فهو مقطوع. ولو رفعه لكان مرسلاً فليس يعارض بمثله حديث عمرو بن شعيب بعد أن ثبت عنه لا سيما وهو مثبت، وله ذلك الشاهد عن نافع عن ابن عمر. وهو وإن كان ضعيف السند فمثله لا بأس به في الشواهد، لا سيما وقد أثبت له البخاري أصلاً من حديث نافع مرسلاً، والله أعلم. اهـ (¬1) في "السنن" (3/ 25). (¬2) في "السنن" (3/ 24). (¬3) أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (4/ 126)، وعبد الرزاق في مصنفه رقم (6972)، وفي إسناده عبد الله بن محرر وهو متروك. قال البخاري: منكر الحديث، وقال الدارقطني وجماعة: متروك. "التاريخ الكبير" (5/ 212)، "الجرح والتعديل" (5/ 176)، "الميزان" (2/ 500). (¬4) عن أبي سيارة المتعي قال: قلت: يا رسول الله! إن لي نحلاً، قال: فأد العشور، قال: قلت: يا رسول الله! احم لي جبلها، قال: محمى لي جبلها. أخرجه أحمد (4/ 236)، وابن ماجه رقم (1823)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (3/ 141)، وعبد الرزاق في "المصنف" رقم (6973)، والطيالسي رقم (169)، وأبو عبيد في "الأموال" رقم (1488)، والدولابي في "الكنى" (1/ 37)، والطبراني في "الكبير" (ج 22 رقم 880، 881)، وفي "مسند الشاميين" رقم (317) و (318)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (4/ 126) من طرق. قال الترمذي في "العلل الكبير" (1/ 313): سألت محمد بن إسماعيل عن حديث سعيد بن عبد العزيز عن سليمان بن موسى، عن أبي سيارة ... الحديث. =

الله بن عمرو (¬1)، قال أبو عيسى: حديث ابن عمر في إسناده مقال ولا يصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كثير شيء، والعمل على هذا عند أهل العلم، وبه يقول أحمد وإسحاق. انتهى. وقال الشافعي (¬2) في القديم: الحديث: إن في العسل العشر؛ ضعيف، وفي إنه لا يؤخذ منه العشر ضعيف، إلا عن عمر بن عبد العزيز. وقال ابن المنذر (¬3): ليس في العسل حديث يثبت ولا إجماع فلا زكاة فيه، وهو قول الجمهور. انتهى. فقول الترمذي عند أكثر أهل العلم إشارة إلى ما روي عن عمر بن عبد العزيز أن فيه العشر، لكنها رواية ضعيفة كما قال الحافظ (¬4) [173 ب] قال: والرواية بأنه ليس فيه شيء أثبت [و] (¬5) قال: وعلق البخاري (¬6) عن عمر بن عبد العزيز أنه لم ير في العسل شيئاً. ¬

_ = فقال: هو حديث مرسل، سليمان لم يدرك أحداً من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، وللحديث شواهد. وهو حديث حسن بشواهده. (¬1) أخرجه ابن ماجه رقم (1824) من طريق نعيم بن حماد ثنا ابن المبارك ثنا أسامة بن زيد عن عمرو بن شعيب به. ونعيم ضعيف. وأخرجه أبو داود رقم (1600)، والنسائي رقم (2499) من طريق عمرو بن الحارث المصري عن عمرو بن شعيب به. قلت: وهذا إسناد صحيح. (¬2) انظر: "الأم" (4/ 99). (¬3) ذكره الحافظ في "الفتح" (3/ 348). (¬4) في "الفتح" (3/ 348). (¬5) زيادة من (أ). (¬6) في صحيحه (3/ 347 الباب رقم 55 - مع الفتح).

الفصل الثامن: في زكاة مال اليتيم

وفي "الفتح" (¬1) أنه وصله مالك في "الموطأ" (¬2) عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم. انتهى. الفصل الثامن: في زكاة مال اليتيم 1 - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَلاَ مَنْ وَلِيَ يَتِيمًا لَهُ مَالٌ فَلْيَتَّجِرْ فِيهِ وَلاَ يَتْرُكْهُ حَتَّى تَأْكُلَهُ الصَّدَقَةُ". أخرجه الترمذي (¬3). [ضعيف] [قوله: "الفصل الثامن في زكاة مال اليتيم"] (¬4). قوله في حديث عمرو بن شعيب: "أخرجه الترمذي" قلت: وقال (¬5): قال أبو عيسى: إنما رُوي هذا الحديث من هذا الوجه، وفي إسناده مقال؛ لأن المثنى بن الصباح يضعف في الحديث. وروى بعضهم هذا الحديث عن عمرو بن شعيب: أن عمر بن الخطاب فذكر هذا الحديث، وقد اختلف أهل العلم في هذا الباب، فرأى غير واحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - في مال اليتيم زكاة، منهم عمر وعلي وعائشة وابن عمر، وبه يقول مالك والشافعي (¬6) وأحمد (¬7) وإسحاق. وقالت طائفة من أهل العلم: ليس في مال اليتيم زكاة وبه يقول سفيان الثوري وعبد الله بن المبارك، ثم ذكر الخلاف في رواية عمرو بن شعيب نفسه، فقال: قد تكلم يحيى بن ¬

_ (¬1) (3/ 347). (¬2) (1/ 277 - 278 رقم 39)، وهو أثر مقطوع صحيح. (¬3) في "السنن" رقم (641)، وهو حديث ضعيف. (¬4) زيادة من (أ). (¬5) في "السنن" (3/ 33). (¬6) "البيان" للعمراني (3/ 136). (¬7) "المغني" (4/ 69 - 71).

الفصل التاسع: في تعجيل الزكاة

سعيد في حديث عمرو بن شعيب، وقال: هو عندي واهٍ. ومن ضعفه؛ فإنما ضعفه من قبل أنه يحدث من صحيفة جده عبد الله بن عمرو. وما أكثر أهل الحديث فيحتجون بحديث عمرو ابن شعيب ويثبتونه، منهم أحمد وإسحاق وغيرهما. وقال الترمذي (¬1): إنه قد سمع من جده عبد الله بن عمرو. انتهى. قلت: وإذا لم يثبت الحديث فالأصل عدم الوجوب، والدليل على من أثبت فيه الزكاة. الفصل التاسع: في تعجيل الزكاة 1 - عن علي - رضي الله عنه - قال: سَأَلَ العَبَّاسُ - رضي الله عنه - رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في تَعْجِيلِ الزَّكاةِ قَبْلَ أنْ يَحُولَ الحَوْلَ مُسَارَعَةً إلى الخَيْرِ. فَأَذِنَ لَهُ في ذِلِكَ. أخرجه أبو داود (¬2) والترمذي (¬3). [حسن] قوله [174 ب]: (الفصل التاسع في تعجيل الزكاة). أي: في جواز ذلك، وأنها وإن كانت مؤقتة بالحول، لكنها تخالف قرائنها من الصلاة والصوم والحج. قوله: "أخرجه أبو داود والترمذي" قلت: أخرجه الترمذي عن علي - عليه السلام - بلفظ: "أن العباس سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في تعجيل صدقته قبل أن تحل؟ فرخص له في ذلك" انتهى. ¬

_ (¬1) في "السنن" (3/ 33). (¬2) في "السنن" رقم (1624). (¬3) في "السنن" رقم (678). وأخرجه أحمد (1/ 104)، وابن ماجه رقم (1795)، والحاكم (3/ 332)، والبيهقي (4/ 111)، والدارمي (1/ 385)، وابن الجارود في "المنتقى" رقم (360)، وابن سعد في "الطبقات" (4/ 26)، والدارقطني (2/ 123 رقم 3)، وأبو عبيد في "الأموال" (ص 523 رقم 1885). قال الحاكم: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي. قلت: الحجاج بن دينار وحجية بن عدي مختلف فيهما، وغاية حديثهما أن يكون حسناً. وهو حديث حسن.

روي هذا من طريق إسماعيل بن زكريا عن الحجاج بن دينار [ثم روى من طريق إسرائيل عن الحجاج بن دينار] (¬1) إلى آخر سنده إلى علي - عليه السلام - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لعمر: "إنا قد أخذنا زكاة العباس عام الأول للعام" (¬2) ثم قال الترمذي (¬3): لا أعرف تعجيل الزكاة من حديث إسرائيل عن الحجاج بن دينار إلا من هذا الوجه. وحديث إسماعيل بن زكريا عن الحجاج عندي أصح من حديث إسرائيل عن الحجاج بن دينار، ثم ذكر أنه قد روي الحديث مرسلاً. قال (¬4): وقد اختلف أهل العلم في تعجيل الزكاة قبل محلها. فرأى طائفة من أهل العلم أن لا يعجلها، وبه يقول سفيان، قال: أحب أن لا يعجلها. وقال أكثر أهل العلم: إن عجلها قبل محلها أجزأت عنه. وبه يقول الشافعي (¬5) وأحمد (¬6) وإسحاق. انتهى. قلت: إن صح الحديث كان دليلاً لمخالفتها لقرائنها المؤقتة؛ وإلا فالأصل توقيتها وحديث تعجيل العباس قد روي أنه - صلى الله عليه وسلم - استلف منه زكاته لا أنه تعجلها. 2 - وعن محمد بن عُقْبَةَ مولى الزبير: "أَنَّهُ سَأَلَ القَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ: عَنْ مُكَاتَبٍ قَاطَعَهُ بِمَالٍ عَظِيمٍ، هَلْ عَلَيْهِ فِيهِ زَكَاةٌ؟ فَقَالَ القَاسِمُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ - رضي الله عنه - لَمْ يَكُنْ يَأْخُذُ مِنْ مَالٍ زَكَاةً حَتَّى ¬

_ (¬1) سقطت من (ب). (¬2) في "السنن" رقم (679). (¬3) في "السنن" (3/ 63). (¬4) في "السنن" (3/ 64). (¬5) "المجموع شرح المهذب" (6/ 113). (¬6) في "المغني" (4/ 79). وانظر: "التسهيل" (3/ 764)، "البناية في شرح الهداية" (3/ 426).

يَحُولَ عَلَيْهِ الحَوْلُ. قَالَ القَاسِمُ: فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ - رضي الله عنه - إِذَا أَعْطَى النَّاسَ عَطَايَاهُمْ يَسْأَلُ الرَّجُلَ: هَلْ عِنْدَكَ مِنْ مَالٍ وَجَبَتْ عَلَيْكَ فِيهِ الزَّكَاةُ؟. فَإِن قَالَ: نَعَمْ أَخَذَ مِنْ عَطَائِهِ زَكَاةَ ذَلِكَ المَالِ، وَإِنْ قَالَ: لاَ، سَلَمَ إِلَيْهِ عَطَاءَهُ وَلَمْ يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا". أخرجه مالك (¬1). [موقوف ضعيف]. قوله: "وعن محمد بن عقبة" بالقاف وهو أخو موسى بن عقبة. قوله: "قاطعه" قال أبو عمر: معنى مقاطعة المكاتب أخذ مال معجل منه دون ما كوتب عليه ليعجل عتقه. وقوله: "حتى يحول عليه الحول" والمقاطعة فائدة لا زكاة فيها [175 ب] حتى يحول عليها الحول عند مستفيدها، وأجمع العلماء على اشتراط الحول في الماشية والنقد دون المعشرات. واعلم أن هذا موقوف على أبي بكر حكاية ترك، وفي الباب حديث مرفوع، أخرجه الترمذي (¬2) من حديث ابن عمر عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من استفاد مالاً فإنه لا زكاة عليه فيه حتى يحول عليه الحول"، وفي رواية (¬3): "عند ربه"، ثم ذكر أنه قد روي موقوفاً عن ابن عمر قال (¬4): وهو أصح. [342/ أ] قال (¬5): وقد روي عن غير واحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه لا زكاة في المال المستفاد حتى يحول عليه الحول، وبه يقول مالك بن أنس، والشافعي، وأحمد بن حنبل، وإسحاق. ¬

_ (¬1) في "الموطأ" (1/ 245 - 246 رقم 4)، وهو أثر موقوف ضعيف. (¬2) في "السنن" رقم (631) عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من استفاد مالاً فلا زكاة عليه حتى يحول عليه الحول عند ربه". وهو حديث صحيح. (¬3) في "السنن" رقم (631، 632). (¬4) الترمذي في "السنن" (3/ 26). (¬5) الترمذي في "السنن" (3/ 26).

الفصل العاشر: في أحكام متفرقة للزكاة

وقال بعض أهل العلم: إذا كان عنده مال تجب فيه الزكاة ففيه الزكاة, وإن لم يكن عنده سوى المال المستفاد [ما تجب فيه الزكاة، لم يجب عليه في المال المستفاد] (¬1) زكاة حتَّى يحول عليه الحول. الفصل العاشر: في أحكام متفرقة للزكاة 1 - عن معاذ - رضي الله عنه -: أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال له حِينَ بَعَثَهُ إلى اليَمَنِ: "خُذِ الحَبَّ مِنَ الحَبِّ، وَالشَّاءَ مِنَ الغَنَمِ، وَالبَعِيرَ مِنَ الإِبِلِ، وَالبَقَرَ مِنَ البَقَرِ" (¬2). [ضعيف] قوله في حديث معاذ: "وخذ الحب من الحب" الحديث دليل على أنه يأخذ العين لا القيمة وفيها [خلاف] (¬3) يأتي. 2 - وعن سَمْرَةَ بن جُنْدُبِ - رضي الله عنه - قال: كَانَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَأْمُرُنَا أَنْ نُخْرِجَ الصَّدَقَةَ مِنَ الَّذِي نُعِدُّهُ لِلْبَيْعِ. أخرجه أبو داود (¬4). [ضعيف] قوله: "أخرجهما أبو داود" قال الحافظ (¬5) في الحديث الأول: إنه صححه الحاكم (¬6) على شرطهما إن صح سماع عطاء من معاذ. ¬

_ (¬1) سقطت من (ب). (¬2) أخرجه أبو داود رقم (1599)، وابن ماجه رقم (1814)، والحاكم في "المستدرك" (1/ 388) وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين إن صح سماع عطاء بن يسار عن معاذ بن جبل فإني لا أتقنه. وقال الذهبي: لم يلقه. وهو حديث ضعيف، والله أعلم. (¬3) في (ب): "خلافه بعد". (¬4) في "السنن" رقم (1562). (¬5) في "التلخيص" (2/ 330). (¬6) في "المستدرك" (1/ 388).

قال الحافظ (¬1): قلت: لم يصح؛ لأنه ولد بعد موته، أو في سنة موته، أو بعد موته بسنة. وقال البزار (¬2): لا نعلم أن عطاء سمع من معاذ. وأما الحديث الثاني: وهو حديث سمرة؛ قال الحافظ (¬3): أخرجه الدارقطني (¬4) والبزار (¬5) من حديث سليمان بن سمرة، عن أبيه، وفي إسناده جهالة. انتهى. قلت: وأما حديث [176 ب] أبي ذر أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "في الإبل صدقتها وفي البر صدقته" فإنه رواه الدارقطني (¬6) من طريقين ضعيفين، إذ مداره على موسى بن عبدة الربذي، وله طريق أخرى معلولة، وله طريق رواها الدارقطني (¬7) والحاكم (¬8) بإسناد قال الحافظ (¬9): لا بأس به. إلا أنه قال ابن دقيق العيد: إنه رآه في نسخة من المستدرك: "البر" بضم الباء الموحدة والراء المهملة. انتهى. ورواه الدارقطني بالزاي لكن طريقه ضعيفة. قلت: فلا يتم به الحكم بالإيجاب مع الشك في الطريق التي لا بأس فيها، ومع ضعف الطرق التي فيها الجزم بالزاي. ¬

_ (¬1) في "التلخيص" (2/ 330). (¬2) ذكره الحافظ في "التلخيص" (2/ 330). (¬3) في "التلخيص" (2/ 345). (¬4) في "السنن" (2/ 127 - 128). (¬5) في "مختصر زوائد البزار" (1/ 373 رقم 610). (¬6) في "السنن" (2/ 101). (¬7) في "السنن" (2/ 101). (¬8) في "المستدرك" (1/ 388). (¬9) في "التلخيص" (2/ 345) حيث قال: وهذا إسناد لا بأس به.

3 - وعن سعيد بن أبيض عن أبيه أَبْيَض بن حَمَّال - رضي الله عنه -: أنَّهُ كَلَّمَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي الصَّدَقَةِ حِينَ وَفَدَ عَلَيْهِ: أَنْ لاَ يَأْخُذَ الصَّدَقَةَ مِنْ أَهْلِ سَبَإِ، فقالَ: "يَا أَخَا سَبَإِ لا بُدَّ مِنْ صَدَقَةٍ". فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله، إِنَّمَا زَرْعُنَا القُطْنُ، وَقَدْ تبَدَّدَتْ سَبَأٌ وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ بِمَأْرِبٍ. فَصَالَحَ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عَلَى سَبْعِينَ حُلَّةِ بَزٍّ مِنْ قِيمَةِ وَفَاءِ بَزِّ المَعَافِرِ كُلَّ سَنَةٍ عَمَّنْ بَقِيَ مِنْ سَبَإٍ بِمَأْرِبَ، فَلَمْ يَزَالُوا يُؤَدُّونَهَا حَتَّى قُبِضَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فَأَقَرَّ ذلِكَ أَبُو بَكرٍ - رضي الله عنه - حَيَاتُهُ، فَلَمَّا مَاتَ أبُو بَكْرٍ انْتَقَضَ ذَلِكَ فَصَارَتْ عَلَى مُقْتَضَى الصَّدَقَةِ. أخرجه أبو داود (¬1). [ضعيف] قوله في حديث: "أبيض بن حمَّال" (¬2) أقول: بالمهملة وتشديد الميم: المأربي، بفتح الهمزة وكسر الراء ثم موحدة، له صحبة وأحاديث. [343/ أ] [177 ب]. 4 - وعن طاوس قال: قال مُعَاذٌ لأَهْلِ اليَمَنِ: "ائْتُونِي بِعَرْضٍ ثِيَابٍ خَمِيصٍ أَوْ لَبِيسٍ فِي الصَّدَقَةِ، مَكَانَ الشَّعيِرِ وَالذُّرَةِ أَهْوَنُ عَلَيْكُمْ، وَخَيْرٌ لأَصْحَابِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بِالمَدِينَةِ". أخرجه البخاري (¬3) في ترجمة باب. قوله في حديث طاوس: "ائتوني بعرض ثياب خميص أو لبيس" أقول: العرض (¬4) بفتح المهملة وسكون الراء ما عدا الدراهم والدنانير التي هي قيمة الأشياء. والخميصة: كساء أسود مربع، والمشهور خميس بالسين؛ وهو الذي طوله خمسة أذرع، وفي "النهاية" (¬5): سمي خميساً؛ لأن أول من عمله ملك باليمن يقال له خميس. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (3028)، وهو حديث ضعيف. (¬2) "التقريب" (1/ 49 رقم 322). (¬3) في صحيحه (3/ 311 الباب رقم 33 - مع الفتح). (¬4) انظر: "فتح الباري" (3/ 312). (¬5) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 533)، وانظر: "غريب الحديث" للهروي (4/ 135).

قوله: "لبيس" أي: ملبوس فعيل بمعنى مفعول، واستدل به على جواز أخذ العرض في الزكاة، وأن الأمر في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "خذ الحب من الحب" (¬1) الحديث، تقدم للندب لا للإيجاب، وعلى جوازه أخذه بهما بنى البخاري فقال: باب العرض (¬2) في الزكاة. قال ابن رشيد: وافق البخاري الحنفية (¬3) في هذه المسألة مع كثرة مخالفتهم له، لكن قاده إلى ذلك الدليل. انتهى. وأجيب بأن معاذاً قبض ذلك عن الخراج، ورد: بأن لفظ رواية البخاري بلفظ: "في الصدقة"، وبأن البيهقي (¬4) حكى أن بعضهم قال فيه: "في الجزية" بدل "الصدقة" فإن ثبت ذلك يسقط الاستدلال، لكن المشهور الأول. وقال الإسماعيلي (¬5): يحتمل [أن يقول] (¬6) ائتوني به آخذه منكم مكان الشعير والذرة الذي آخذه شراء بما أخذ به، ويكون بقبضه قد بلغ محله، ثم يأخذه مكان ما يشتريه مما هو أوسع عندهم وأنفع للآخذ. وقيل: هذا اجتهاد (¬7) من معاذ فلا حجة فيه. ودفع بأنه كان أعلم الناس بالحلال والحرام. قلت: وكونه كذلك لا يمنع الاجتهاد، وأنه بالاجتهاد يصير ما اجتهد فيه حلال. ¬

_ (¬1) تقدم، وهو حديث ضعيف. (¬2) في صحيحه (3/ 311 الباب رقم 33 - مع الفتح). (¬3) "شرح فتح القدير" لابن الهمام (2/ 199 - 200). (¬4) في "معرفة السنن والآثار" (6/ 86). (¬5) ذكره الحافظ في "الفتح" (3/ 312). (¬6) كذا في (أ. ب)، والذي في "الفتح": "أن يكون المعنى". (¬7) ذكره الحافظ في "فتح الباري" (3/ 313).

وقيل: إنه كان يطلق (¬1) على الجزية اسم الصدقة، فلعل هذا منها. [178 ب] ورد بأن في لفظه مكان "الشعير والذرة" وما كانت الجزية إلا من النقدين، وقيل: يؤيد أنها ليست من الزكاة أنه أمره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يأخذ الصدقة من أغنيائهم ويردها على فقرائهم (¬2). وأجيب: بأنه لا مانع أن يحمل الزكاة إلى الإمام لثبوت قسمتها. وقد احتج به من يرى جواز نقل الزكاة من بلد إلى بلد، وهي مسألة خلافية. واستدل البخاري بقوله - صلى الله عليه وسلم - فيما أخرجه هو وغيره من قوله - صلى الله عليه وسلم - للنساء: "تصدقن ولو من حليكن" (¬3) قال: فلم يستثن صدقة من غيرها، واختار ما ذكر لهذه الأدلة وغيرها. قلت: إلا أنه يقدح في كلام معاذ قوله فيه: "والذرة" وقد صح (¬4) أنه - صلى الله عليه وسلم - أمر بالقبض من أربعة أشياء: الحنطة، والشعير، والتمر، والزبيب، وأنه لا شيء فيما سوى ذلك. قوله: "أخرجه البخاري (¬5) في ترجمة باب" قلت: وهكذا عبارة ابن الأثير (¬6)، والبخاري لم يخرجه إنما ذكره تعليقاً مقطوعاً، ولفظه: وقال طاوس: قال معاذ لأهل اليمن، وساقه. قال الحافظ في "الفتح" (¬7): هذا التعليق صحيح الإسناد إلى طاوس، لكن طاوس لم يسمع من معاذ، فهو منقطع، فلا يعتبر بقول من قال ذكره البخاري. فالتعليق الجازم فهو صحيح عنده؛ لأن ذلك لا يفيد إلا الصحة إلى من علق عنه، وأما باقي الإسناد فلا، إلا أن ¬

_ (¬1) قاله القاضي عبد الوهاب المالكي كما قاله الحافظ في "الفتح" (3/ 313). (¬2) تقدم نصه وتخريجه، وهو حديث صحيح. (¬3) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (3040)، ومسلم رقم (79، 80). (¬4) تقدم نصه وتخريجه. (¬5) في صحيحه (3/ 311 الباب رقم 33 - مع الفتح). (¬6) (4/ 635). (¬7) (3/ 312).

الباب الثالث: في زكاة الفطر

إيراده في معرض الاحتجاج به يقتضي قوته عنده، وكأنه عضده بالأحاديث التي ذكرها في الباب. الباب الثالث: في زكاة الفطر 1 - عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: "فَرَضَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - زَكَاةَ الفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، عَلَى كُلِّ عَبْدٍ أَوْ حُرٍّ، صَغِيْرٍ أَوْ كَبِيْرٍ، ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، مِنَ المُسْلِمِينَ". أخرجه الستة (¬1). [صحيح] 2 - وفي رواية: فَعَدَلَ النَّاسُ بِهِ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ. وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ - رضي الله عنهما - يُعْطِي التَّمْرَ، فَأَعْوَزَ أَهْلُ المَدِينَةِ التَّمْرِ فَأَعْطَى شَعِيرًا" (¬2). [صحيح] قوله: (الباب الثالث في زكاة الفطر). أقول: ترجم البخاري (¬3) الباب بقوله: باب فرض صدقة الفطر. قال ابن قتيبة (¬4): المراد بصدقة الفطر [179 ب] صدقة النفوس، مأخوذة من الفطرة التي هي أصل الخلقة. وقيل: أضيفت الصدقة إلى الفطر لكونها تجب بالفطر من رمضان. قال الحافظ (¬5): وهو أظهر، ويؤيده قوله في بعض طرق الحديث كما سيأتي: "زكاة الفطر من رمضان". انتهى. قلت: ودلَّ ما ذكره أنها تسمى زكاة الفطر وصدقة الفطر. ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد (2/ 63)، والبخاري رقم (1503)، ومسلم رقم (12/ 984)، وأبو داود رقم (1611)، والترمذي رقم (676)، والنسائي (5/ 47)، وابن ماجه رقم (1826). (¬2) أخرجه أحمد (2/ 63)، والبخاري رقم (1511)، وأبو داود رقم (1615). (¬3) في صحيحه (3/ 367 الباب رقم 70 - مع الفتح). (¬4) ذكره الحافظ في "فتح الباري" (3/ 367). (¬5) في "فتح الباري" (3/ 367).

قوله في حديث ابن عمر: "فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة الفطر" أقول: زاد مسلم (¬1) من رواية مالك عن نافع: "من رمضان"، واستدل به على أن وجوبها غروب الشمس ليلة الفطر؛ لأنه وقت الفطر من رمضان. وقيل: وقت وجوبها طلوع الفجر من يوم العيد؛ لأن الليل ليس محلاً للصوم، وإنما يتبين الفطر الحقيقي بالأكل بعد طلوع الفجر. قال المازري (¬2): الخلاف ينبني على قوله: "الفطر من رمضان" الفطر المعتاد في سائر الشهر، فيكون الوجوب بالغروب، أو الفطر الطارئ بعد فيكون بطلوع الفجر. وقال ابن دقيق العيد (¬3): الاستدلال بذلك لهذا الحكم ضعيف؛ لأن الإضافة إلى الفطر لا تدل على وقت الوجوب، بل تقتضي إضافة هذه الزكاة إلى الفطر من رمضان، وأما وقت الوجوب فيطلب من أمر آخر. قوله: "صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير" أقول: انتصب على [344/ أ] أنه مفعول ثانٍ. قوله: "على كل عبد" أقول: ظاهره إخراج العبد عن نفسه، ولم يقل به إلا داود (¬4)، قال: يجب على السيد أن يمكن عبده من الاكتساب لها كما يجب عليه أن يمكنه من الصلاة. وخالفه أصحابه وغيرهم، واحتجوا بحديث أبي هريرة مرفوعاً: "ليس في العبد صدقة إلا صدقة الفطر" أخرجه مسلم (¬5). ¬

_ (¬1) في صحيحه رقم (12/ 984). (¬2) في "المعلم بفوائد مسلم" (2/ 9 - 10). (¬3) في "إحكام الأحكام" (2/ 198). (¬4) في "المحلى" (6/ 140 - 141 رقم 714). (¬5) في صحيحه رقم (10/ 982).

قوله: "والذكر والأنثى" أقول: ظاهره تجب على المرأة، سواء كان لها زوج أو لا. وبه قال الثوري (¬1) وأبو حنيفة (¬2) وابن المنذر (¬3). وقال آخرون (¬4): تجب على الزوج تبعاً للنفقة. ونقض بأن الزوج لا يخرجها عن زوجته الكافرة مع لزوم نفقتها. قلت: لا يخفى أنه لا نقض؛ لأن الكافرة لا تجب عليها صدقة الفطر [180 ب]، إنما الدليل على لزوم صدقة الفطر على الزوج عن زوجته هو ما احتج به الشافعي (¬5)، بما رواه من طريق محمد بن علي الباقر مرسلاً نحو حديث ابن عمر وزاد فيه: "ممن تموِّنون"، وأخرجه البيهقي (¬6) من هذا الوجه وزاد فيه ذكر علي، وهو منقطع أيضاً. ¬

_ (¬1) قال سفيان الثوري في "الموسوعة" (ص 474): ولا يجب على المسلم إخراج زكاة الفطر عن زوجته، ولا عن أبيه، ولا عن أمه ولا عن ولده الكبار، ولا عن أحد ممن تلزمه نفقته. (¬2) "البناية في شرح الهداية" (3/ 574). (¬3) في كتابه "الإقناع" (1/ 182). (¬4) انظر: "عيون المجالس" (2/ 563)، "المغني" (4/ 302)، "المجموع شرح المهذب" (6/ 84). (¬5) في "الأم" (3/ 161 - 162 رقم 86). وأخرجه البيهقي (4/ 161) وقال: هو مرسل. وإن رواية محمد بن علي بن الحسين بن علي عن جده علي مرسلة؛ لأن ولادته سنة (60 هـ) بعد وفاة علي - رضي الله عنه - بعشرين سنة. "تهذيب التهذيب" (3/ 650 - 651). وقال البيهقي في "معرفة السنن والآثار" (6/ 187 رقم 8430): قال أحمد: ورواه حاتم بن إسماعيل عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي قال: "فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على كل صغير أو كبير، أو حر أو عبد ممن تموَّنون ... " الحديث. وهو منقطع. (¬6) في "السنن الكبرى" (4/ 161)، وفي "معرفة السنن والآثار" (6/ 187).

وأخرجه (¬1) من حديث ابن عمر وهو ضعيف، إلا أنه لا يتم دليلاً إلا لمن يقبل المرسل. قوله: "والصغير والكبير" أقول: ظاهره وجوبها على الصغير، لكن المخاطب وليه، فوجوبها فى مال الصغير، وإلا فعلى من تلزمه نفقته. وقيل: لا تجب إلا على من صام، كما يدل له حديث ابن عباس مرفوعاً: "صدقة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث" أخرجه أبو داود (¬2). وأجيب: بأن ذكر التطهير خرج على الغالب. ¬

_ (¬1) أي البيهقي في "السنن الكبرى" (4/ 161) وقال: إسناده غير قوي. وأخرجه الدارقطني في "السنن" (2/ 141 رقم 12) وقال الدارقطني: رفعه القاسم وليس بقوي، والصواب موقوف. وقال العظيم آبادي في "التعليق المغني" (2/ 141): القاسم وعمير لا يعرفان بجرح ولا تعديل، ونقل عن التنقيح: أن الأبيض بن الأغر له مناكير. قلت: وأخرجه البيهقي في "معرفة السنن والآثار" (6/ 187)، والدارقطني في "السنن" (2/ 140 رقم 11) عن علي بن موسى الرضا عن أبيه عن جده عن آبائه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ... الحديث. قلت: وهو مرسل أيضاً، حيث إن جدَّ علي بن موسى هو جعفر الصادق، وهو من تابعي التابعين. "تهذيب التهذيب" (1/ 310 - 311). والحديث من رواية أبناء جعفر عنه, قال ابن حبان في "الثقات" (6/ 131): يحتج بروايته ما كان من غير رواية أولاده عنه؛ لأن في حديث ولده عنه مناكير كثيرة. وفيه إسماعيل بن همام، ذكره الحافظ في "لسان الميزان" (1/ 441) أن الكشي وابن النجاشي ذكراه في رجال الشيعة، ولم ينقل الحافظ توثيقه عن أحد. وقال ابن حبان في "الثقات" (8/ 456) في ترجمة علي بن موسى الرضا: يجب أن يعتبر حديثه إذا روى عنه غير أولاده وشيعته. وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف لا تقوم به الحجة. (¬2) في "السنن" رقم (1609). =

قلت: ولأنه مفهوم لا يقاوم منطوق الصغير. وهل تجب على الجنين؟ نقل ابن المنذر (¬1) الإجماع على أنها لا تجب عليه. وفي رواية عن أحمد (¬2) وجوبها عليه. قلت: والعمدة اللغة؛ إن أطلق عليه صغير وجبت وإلا لم تجب، واستدل بقوله: "طهرة للصائم" على وجوبها على [الفقير] (¬3)، وقد ورد صريحاً (¬4) في حديث أبي هريرة عند أحمد. وفي حديث ثعلبة عند الدارقطني، وعن الحنفية: لا تجب إلا على من ملك نصاباً، واستدل لهم بحديث أبي هريرة (¬5): "لا صدقة إلا عن ظهر غنى". قلت: وهو عام خصصه حديث إيجابها على الفقير، وقيل: لم يدل دليل على اعتبار النصاب فيها؛ لأنها زكاة بدنية لا مالية. قوله: "من المسلمين" أقول: استدل به على اشتراط الإسلام في صدقة الفطر، فلا يلزم المسلم إخراجها عن عبده الكافر. ¬

_ = وأخرجه ابن ماجه رقم (1827)، والدارقطني (2/ 138 رقم 1) وقال: ليس فيهم مجروح. والحاكم في "المستدرك" (1/ 409) وقال: صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. وهو حديث حسن. (¬1) في كتابه "الإجماع" (ص 50 رقم 110). (¬2) "المغني" (4/ 283). (¬3) في (ب): "الصغير". (¬4) ذكره الحافظ في "الفتح" (3/ 369). (¬5) أخرجه أحمد (2/ 476)، والبيهقي (7/ 466)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (1674) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى ... " وهو حديث صحيح.

وهو قول الجمهور (¬1)، وأوجبها عليه عنه عطاء (¬2)، والثوري، والحنفية، مستدلين بعموم قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ليس على المسلم في عبده صدقة إلا صدقة الفطر" (¬3). وأجيب: بأنه خصه حديث (¬4): "من المسلمين"، وأجيب: بأن من المسلمين صفة للمخرجين لا للمخرج عنهم. وأجيب: بأن ظاهر الحديث يأباه؛ لأن فيه "العبد" وفيه "الصغير". قلت: أما العبد الكافر فمحل نزاع؛ لأنه يقول المخالف لا يشترط إسلامه بل يخرج عنه وهو كافر، وأما الصغير؛ فإنه يسمى مسلماً، فالأحسن هو الرد برواية مسلم (¬5): "على كل نفس من المسلمين حر أو عبد" فإن الإسلام صفة للمخرج عنهم. قال القرطبي (¬6): ظاهر الحديث أنه قصد به بيان مقدار الصدقة ومن تجب عليه، ولم يقصد به بيان من يخرجها عن غيره [181 ب] بل يشمل الجميع. انتهى. قلت: الحنفية (¬7) هم القائلون بأنه يخرجها المسلم عن عبده الكافر، وما ذكره مخالفهم من الأدلة كلها مفاهيم، وهم لا يقولون بها كما عرف. ¬

_ (¬1) قال الحافظ في "الفتح" (3/ 369)، وهو أمر متفق عليه. انظر: "المجموع شرح المهذب" (6/ 107)، "المغني" (4/ 283). (¬2) حكاه عنهم ابن قدامة في "المغني" (4/ 283)، والحافظ في "الفتح" (3/ 369). (¬3) تقدم تخريجه. (¬4) أخرجه مسلم في صحيحه رقم (12/ 984). (¬5) أخرجه مسلم في صحيحه رقم (12/ 984). (¬6) في "المفهم" (3/ 20 - 21). (¬7) "شرح فتح القدير" (2/ 285)، "البناية في شرح الهداية" (3/ 566 - 567).

3 - وعن أبي سعيد - رضي الله عنه - قال: "كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعاً مِنْ أقِطٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ، فَلَمَّا جَاءَ مُعَاوِيَةُ وَجَاءَتِ السَّمْرَاءُ قَالَ: أُرَى أنَّ مُدًّا مِنْ هَذَا يَعْدِلُ مُدَّيْنِ". أخرجه الستة (¬1). [صحيح] قوله في حديث أبي سعيد: "كنا نخرج" أقول: قال عياض (¬2): مذهب مالك والشافعي أن قول الصحابي "كنا نفعل كذا" من قبيل المرفوع؛ لأنه إضافة إلى زمانه - صلى الله عليه وسلم -. والسنة قوله وفعله وإقراره، وهذا إقرار. وأما الرواية التي فيها إذا كان فينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والأخرى في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلا خلاف أنها مسندة، أي: مرفوعة، لا سيما في هذه الصدقة التي كانت تجمع عنده ويأمر بقبضها ودفعها. قوله: "صاعاً من طعام" أقول: أي من حنطة، فإنه اسم خاص به بدليل ذكر الشعير وغيره من الأقوات والحنطة أعلاها، فلولا أنه أرادها بذلك لذكرها عند التفصيل كغيرها، ولا سيما عطف عليها بحرف "أو" الفاصلة، وقد كان الطعام يستعمل في الحنطة عند الإطلاق، حتى إذا قيل: اذهب إلى سوق الطعام فُهِمَ منه سوق القمح، وإذا غلب العرف نزل اللفظ عليه؛ لأن ما غلب استعماله فخطوره عند الباب أقرب. كذا قاله الخطابي (¬3) وغيره. وقال ابن المنذر (¬4): وغلط من ظن أنه أيّ طعام في حديث أبي سعيد الحنطة؛ لأن أبا سعيد أجمل الطعام ثم فسره فقال: "كنا نخرج صاعاً من طعام، وكان طعامنا الشعير، ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد (3/ 98)، والبخاري رقم (1508)، ومسلم رقم (18/ 985)، وأبو داود رقم (1616)، والترمذي رقم (673)، والنسائي رقم (2513)، وابن ماجه رقم (1829)، وهو حديث صحيح. (¬2) في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (3/ 482). (¬3) "معالم السنن" (2/ 267 - 268). (¬4) ذكره الحافظ في "الفتح" (3/ 373).

والزبيب، والأقط، والتمر" كما في الصحيح. زاد الطحاوي (¬1): "ولا نخرج غيره"، قال: وفي قوله: "ولما جاء معاوية وجاءت السمراء" [345/ أ] دليل على أنها لم تكن لهم قوتاً قبل هذا، ولا نعلم في القمح خبراً ثابتاً عن النبي - صلى الله عليه وسلم - يعتمد عليه, ولم يكن البر [بالمدينة] (¬2) يومئذ إلا الشيء اليسير، فكيف يتوهم أنهم أخرجوا ما لم يكن قوتاً موجوداً. وأيد الحافظ [182 ب] ابن حجر (¬3) هذا الكلام بروايات، ثم قال: وهذه الطرق كلها تدل على أن المراد بالطعام غير الحنطة، فيحتمل أنه الذرة، فإنه المعروف عند أهل الحجاز، وهو قوت غالب لهم. قوله: "أو صاعاً من شعير" أقول: كلمة "أو" للتقسيم لا للتخيير؛ لاقتضائه أن يخرج الشعير من قوته التمر مع وجوده، وليس كذلك. قوله: "فلما جاء معاوية" أقول: أي إلى المدينة في خلافته كما صرحت به الروايات، قال: أرى هذا رأى منه خالفه فيه أبو سعيد، ففي مسلم (¬4) أنه قال: أما أنا فلا أزال أخرجه أبداً ما عشت. ولأبي داود (¬5): ولا أخرج أبداً إلا صاعاً. وللدارقطني (¬6)، وابن خزيمة (¬7)، والحاكم (¬8)، ¬

_ (¬1) في "شرح معاني الآثار" (2/ 41 - 42). (¬2) سقطت من (ب). (¬3) في "فتح الباري" (3/ 373). (¬4) في صحيحه رقم (18/ 985). (¬5) في "السنن" رقم (1615). (¬6) في "السنن" (2/ 144 - 145). (¬7) في صحيحه رقم (2408). (¬8) في "المستدرك" (1/ 411) وقال الحاكم: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي.

فقال له رجل: مدين من قمح، فقال له: لا تلك قيمة معاوية لا أقبلها ولا أعمل بها. قال النووي (¬1): تمسك بقول معاوية من قال بالمدين من الحنطة وفيه نظر؛ لأنه فعل صحابي خالفه فيه أبو سعيد وغيره من الصحابة، ممن هو أطول صحبة منه وأعلم بحال النبي - صلى الله عليه وسلم -. وقد صرح معاوية بأنه رأي رآه لا أنه سمعه. ومن هنا يعلم أن قوله في الحديث الأول وفي رواية: "فعدل الناس به نصف صاع بر" إنما هو من بعد أن جاء معاوية، وأن الناس تابعوه، والمراد بعضهم لخلاف جماعة له. وقال الحافظ في "الفتح" (¬2): أشار بقوله: "والناس" إلى معاوية ومن تبعه، وقد وقع ذلك صريحاً، وأسند إلى ابن عمر، فلما كان معاوية عدل الناس ... الحديث. ونسبه إلى إخراج الحميدي له وغيره، ومن قال عن عمر أو عثمان أنهما قالا بالمدين رواية واهية ضعفها العلماء. 4 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده - رضي الله عنه - قال: بَعَثَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - مُنَادِيًا فِي فِجَاجِ مَكَّةَ: أَلاَ إِنَّ صَدَقَةَ الفِطْرِ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ، صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ، مُدَّانِ مِنْ قَمْحٍ أَوْ سِوَاهُ صَاعٌ مِنْ طَعَامٍ". أخرجه الترمذي (¬3). [ضعيف الإسناد]. "الأَقِطُ" (¬4) لبن جامد. "وَالسَّمْرَاءُ (¬5) والقَمْحُ" الحنطة. قوله: "في حديث عمرو بن شعيب: "أخرجه الترمذي" قلت: وقال (¬6): غريب حسن. ¬

_ (¬1) في شرحه لصحيح مسلم (7/ 61). (¬2) (3/ 372). (¬3) في "السنن" رقم (674) وقال: هذا حديث حسن غريب. قلت: بل هو ضعيف الإسناد. (¬4) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (4/ 642). (¬5) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (4/ 642). (¬6) في "السنن" (3/ 60).

قلت: وكان الصارخ كان بعد فتح مكة. 5 - وعن نافع قال: "كَانَ ابْنُ عُمَر - رضي الله عنهما - يُعْطِي زَكَاةَ رَمَضَانَ بِمُدِّ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَفِي كَفَّارَةِ اليَمِينِ". أخرجه البخاري (¬1). [صحيح] قوله في حديث نافع: "يعطي بمد النبي - صلى الله عليه وسلم - " أقول: أراد نافع بذلك أنه كان [183 ب] لا يعطي بالمد الذي أحدثه هشام. قال ابن بطال (¬2): هو أكبر من مد النبي - صلى الله عليه وسلم - بثلثي رطل. قال الحافظ ابن حجر (¬3): هو كما قال، فإن المد الهشامي رطلان، والصاع منه ثمانية أرطال، ومد النبي - صلى الله عليه وسلم - رطل وثلث، وصاعه أربعة أمداد. 6 - وعن قيس بن سعد بن عُبَادَةَ قال: "أَمَرَنَا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بِصَدَقَةِ الفِطْرِ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ الزَّكَاةُ، فَلَمَّا نَزَلَتِ لَمْ يَأْمُرْنَا وَلَمْ يَنْهَنَا، وَنَحْنُ نَفْعَلُهُ". أخرجه النسائي (¬4). [صحيح] قوله في حديث قيس بن سعد: "أخرجه النسائي" أقول: قال السراج البلقيني: إنه على شرط الشيخين. قلت: قال الحافظ في "الفتح" (¬5): إن فيه راوياً مجهولاً. ¬

_ (¬1) في صحيحه رقم (6713). (¬2) في شرحه لصحيح البخاري (6/ 174). (¬3) في "الفتح" (11/ 598). (¬4) في "السنن" رقم (2507). وأخرجه ابن ماجه رقم (1828)، وهو حديث صحيح. (¬5) (3/ 368).

الباب الرابع: في عامل الزكاة وما يجب له عليه

ثم قال البلقيني (¬1): ولا خلاف أن صدقة الفطر فرضت في السنة الثانية، وأما زكاة المال فلم يتعرض الحفاظ وأصحاب السنن للسنة التي فرضت فيها. انتهى. قلت: وقول قيس: "فلم يأمرنا ولم ينهنا" ليس فيه دليل على شيء؛ لأنه قد أمر بها فلا يترك أمره إلا بقوله ونحوه، فالأصل بقاء الوجوب، فإن قوله: "أمرنا" دال على الوجوب؛ لأنه الأصل في الأمر. ونقل ابن المنذر (¬2) وغيره الإجماع على أنها فرض. ونقل المالكية (¬3) عن أشهب: أنها سنة مؤكدة. وهو قول بعض الظاهرية (¬4)، وتأولوا قوله: "فرض" بمعنى قدر. قال ابن دقيق العيد (¬5): هو أصله في اللغة، لكن نقل في عرف الشرع إلى الوجوب، فالحمل عليه أولى. الباب الرابع: في عامل الزكاة وما يجب له عليه 1 - وعن أبي حُمَيْدٍ الساعدي - رضي الله عنه - قال: اسْتَعْمَلَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رَجُلاً عَلَى الصَّدَقَةِ، وفي رواية: عَلَى صَدَقَاتِ بَنِي سُلَيْمٍ. فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ: هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِي لي. فَقَامَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عَلَى المِنبَرِ فَحِمِدَ الله وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُم قَالَ: "أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أَسْتَعْمِلُ الرَّجُلَ مِنْكُمْ عَلَى العَمَلِ مِمَّا وَلاَّنِي الله - عز وجل - فَيَأْتِي فَيَقُوُل: هَذَا لكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ لِي، أفلاَ جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ أوْ بَيْتِ أُمِّهِ حَتَّى تَأْتِيَهُ هَدِيَّتُهُ إِنْ كَانَ صَادِقًا؟ وَالله لاَ يَأْخُذُ أَحَدٌ مِنْكُمْ شَيْئًا بِغَيْرِ حَقِّهِ إِلاَّ لَقِيَ الله تَعَالَى يَحْمِلُهُ عَلَى ¬

_ (¬1) انظر: "فتح الباري" (3/ 266). (¬2) في كتابه "الإجماع" (ص 49 رقم 105). (¬3) "التسهيل" (3/ 769)، "عيون المجالس" (2/ 555). (¬4) في "المحلى" (6/ 118). وقال النووي في "المجموع" (6/ 61): حكى صاحب البيان وغيره عن ابن اللبان من أصحابنا أنها سنة وليست واجبة، قالوا: وهو قول الأصم وابن علية. (¬5) في "إحكام الأحكام" (2/ 197).

رَقَبَتِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ، إنْ كانَ بَعِيراً لهُ رُغَاء، أوْ بَقَرَةً لهَا خُوَارٌ أَوْ شَاةً تَيْعِرُ". ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رُئِيَ بَيَاضُ إِبْطَيْهِ يَقُولُ: "اللهمَّ هَلْ بَلَّغْتُ؟ ". ثَلاَثَاً. أخرجه الشيخان (¬1) وأبو داود (¬2). [صحيح] "الرغَاء" صوت البعير. "وَالخُوَارُ" بالخاء المعجمة: صوت البقر. "وَاليَعَارُ" صوت الشاة. (الباب الرابع في عامل الزكاة) أقول: مأخوذ من قوله تعالى: {وَالعاملِينَ عَلَيها} (¬3) ويقال له: الساعي، والمصدق، والمراد من بعثه الإمام لقبض الزكاة. قوله في حديث أبي حميد: "رجلاً" أقول: هو عبد الله بن اللُتْبية (¬4) بضم اللام وسكون التاء بعدها موحدة. وقيل: بفتح اللام والمثناة من بني لتب حي من الأزد. ويقال: الأسد بسكون وهي أمه عرف بها. قال النووي (¬5): في الحديث دليل أن هدايا العمال حرام وغلول [184 ب] لأنه خان في ولايته وأمانته، ولهذا ذكر في عقوبته حمله ما أهدي إليه يوم القيامة كما ذكر مثله في الغال، وقد بين - صلى الله عليه وسلم - سبب تحريم الهدية عليه، وأنها بسبب الولاية، بخلاف الهدية لغير العامل فإنها مستحبة. انتهى. قلت: ولم يأت البيان ماذا فعل - صلى الله عليه وسلم - بالهدية التي كانت مع هذا العامل، هل ردها - صلى الله عليه وسلم - لأهلها؟ أو أخذها لبيت مال المسلمين؟ أو تركها له؟ ولعله قبضها لبيت المال؛ لاحتمال جهل ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (2597)، ومسلم رقم (32/ 1832). (¬2) في "السنن" رقم (2946). وهو حديث صحيح. (¬3) سورة التوبة: 60. (¬4) قال الحافظ في "الفتح" (3/ 366): وابن اللتبية المذكور اسمه عبد الله. (¬5) في شرحه لصحيح مسلم (12/ 219).

أربابه، وأنه صار مظالم، أو علم صلى الله عليه وآله سلم أنهم غلوا من زكواتهم بقدر ما أهدوه للعامل، فينظر؛ فإني لم أجد فيه كلاماً. 2 - وعن بشير بن الخَصَاصِيةِ - رضي الله عنه - قال: قُلْنَا: يَا رَسُولَ الله: إِنَّ أَهْلَ الصَّدَقَةِ يَعْتَدُونَ عَلَيْنَا، أَفَنَكْتُمْ مِنْ أَمْوَالِنَا بِقَدْرِ مَا يَعْتَدُونَ؟ قَالَ: "لاَ". أخرجه أبو داود (¬1) [ضعيف] "الاعْتِدَاء" مجاوزة الحد. قوله: "وعن بشير بن الخصاصية" (¬2) أقول: بالباء الموحدة مفتوحة فشين معجمة فمثناة تحتية. والخصاصية: بفتح الخاء المعجمة وصاد مهملة وبعد الهمز مثلها فياء نسبة، وهو بشير ابن يزيد، وقيل: ابن معبد في الخصاصية وهي جدته. قال ابن الصلاح في "علوم الحديث" (¬3): هي أم الثالث من أجداده. قوله: "أخرجه أبو داود" قلت: في سنده رجل يقال له: دسيم، ذكره ابن حجر في "التقريب" (¬4) فقال: دسيم السدوسي مقبول. انتهى. [وأخرج] (¬5) حديثاً (¬6) آخر [185 ب] في معناه. وفيه دلالة على جواز الانظلام، وأنه لا يعتد بما أخذه الظالم من الواجبات، ولا يكون مثل هذا قدحاً في عمالته. ويحتمل أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يصدقهم فيما ادعوه [346/ أ]. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (1586، 1587)، وهو حديث ضعيف. (¬2) انظر: "التقريب" (1/ 102 رقم 85). (¬3) (ص 371). (¬4) (1/ 236 رقم 63). (¬5) في (ب): "وخرج". (¬6) رقم (1587).

وفي حديث جرير بن عبد الله عند مسلم (¬1) وأصحاب السنن (¬2) قال: جاء ناس من الأعراب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: إن ناساً من المصدقين يأتوننا فيظلموننا؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ارضوا مصدقيكم"، وفي رواية: "وإن ظلمتم" وفيه دليل على أنه لا يأثم من أبغضهم، وإلا لنهاهم عن بغضهم، لكنه أمر [بحمده صاحب المال يغير ومعه] (¬3). 3 - وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "المُعْتَدِي فِي الصَّدَقَةِ كمانِعِهَا". أخرجه أبو داود (¬4) والترمذي (¬5). [ضعيف] قوله في حديث أنس: "المعتدي في الصدقة كمانعها" قال الترمذي (¬6): يعني على المعتدي من الإثم كما على المانع إذا منع. قوله: "أخرجه أبو داود والترمذي" قلت: وقال (¬7): قال أبو عيسى: حديث أنس حديث غريب من هذا الوجه. وقد تكلم أحمد بن حنبل في سعد بن سنان، وهكذا يقول الليث بن سعد: عن يزيد بن حبيب عن سعد بن سنان عن أنس بن مالك. ¬

_ (¬1) في صحيحه رقم (989). (¬2) أخرجه أبو داود رقم (1589)، والترمذي رقم (647)، وابن ماجه رقم (1802)، والنسائي رقم (2460، 2461)، وهو حديث صحيح. (¬3) ما بين الحاصرتين غير واضحة في المخطوط. (¬4) في "السنن" رقم (1585)، وهو حديث ضعيف. (¬5) في "السنن" رقم (646)، وأخرجه ابن ماجه رقم (1808)، وأبو داود رقم (1585)، وهو حديث ضعيف. (¬6) في "السنن" (3/ 39). (¬7) في "السنن" (3/ 38 - 39).

ويقول عمرو بن الحارث وابن لهيعة: عن يزيد بن أبي حبيب عن سنان بن سعد عن أنس بن مالك. قال أبو عيسى: سمعت محمداً يقول: والصحيح سنان بن سعد. 4 - وعن جابر بن عَتِيك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "سَيَأْتِيكُمْ رُكَيبٌ مُبَغَّضُونَ، فَإِذَا جَاءُوكُمْ فَرَحِّبُوا بِهِمْ وَخَلُّوا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَبْتَغُونَ، فَإِنْ عَدَلُوا فَلأنْفُسِهِمْ، وَإِنْ ظَلَمُوا فَعَلَيْهَا، وَأَرْضُوهُمْ فَإِنَّ تَمَامَ زَكَاتِكُمْ رِضَاهُمْ وَلْيَدْعُوا لَكُمْ". أخرجه أبو داود (¬1). [ضعيف] "رُكَيْبٌ" تصغير ركب جمع راكب، أراد بهم السُّعَاةَ في الصدقة، جعلهم مبغضين؛ لأن الغالب في أرباب الأموال الكراهة للسعاة لما جُبِلَتْ عليه القلوب من حبّ المال (¬2). قوله في حديث جابر بن عتيك: "مبغضون" أقول: أي: يبغضهم من يأتون إليه لما ذكره المصنف في تفسير ذلك. قوله: "أخرجه أبو داود" قلت: وقال المنذري في "مختصره" (¬3): في إسناده أبو الغصن، وهو ثابت بن قيس (¬4) أبو الغصن المدني الغِفَاري مولاهم. وقيل: مولى عثمان بن عفان. قال الإمام أحمد: [186 ب] ثقة. وقال يحيى بن معين: ضعيف. وقال مرة: ليس به بأس. هذا آخر كلامه. 5 - وعن رافع بن خديج - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "العَامِلُ عَلَى الصَّدَقَةِ بِالحَقِّ كَالغَازِي فِي سَبِيلِ الله تَعَالَى حَتَّى يَرْجعَ إِلَى بَيْتِهِ". أخرجه أبو داود (¬5) والترمذي (¬6). [حسن] ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (1588)، وهو حديث ضعيف (¬2) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (4/ 651)، وانظر: "معالم السنن" للخطابي (2/ 245). (¬3) (2/ 202). (¬4) انظر: "ميزان الاعتدال" (1/ 366 رقم 1371). (¬5) في "السنن" رقم (2936). (¬6) في "السنن" رقم (645). =

قوله في حديث رافع بن خديج: "كالغازي في سبيل الله" أقول: وذلك إذا كان بالحق فإنه يقبض ما أمره فيؤجر، ويخلص صاحب المال من شر ماله فيؤجر ويعطيه الإمام أو المصارف فيؤجر ويأخذ أجرة لنفسه حلالاً جعلها الله في كتابه. قوله: "أخرجه أبو داود والترمذي" قلت: وقال أبو عيسى (¬1): حديث رافع حديث حسن، ويزيد بن عياض ضعيف عند أهل الحديث، ومحمد بن إسحاق أصح. انتهى. قلت: لأنه أخرجه من طريقين؛ من طريق يزيد بن عياض، ومن طريقه محمد بن إسحاق فحسنه لتعاضد الطريقين، وإلا فابن إسحاق لهم فيه كلام. 6 - وعن عبد الله بن أبي أوفى - رضي الله عنهما - قال: كَانَ أَبِي مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ، وَكَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا أتاهُ قَوْمٌ بِصَدَقَتِهِمْ قَالَ: "اللهمَّ صَلِّ عَلَى آلِ فُلاَنٍ". فَأتاهُ أَبِي بِصَدَقَتِهِ فَقَالَ: "اللهمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَي". أخرجه الخمسة (¬2) إلا الترمذي. [صحيح] قوله في حديث ابن أبي أوفى: "اللهم صلِّ على آل أبي أوفى" أقول: ترجم له البخاري (¬3): باب صلاة الإمام ودعاؤه لأهل الصدقة. قال الزين ابن المنير (¬4): عطف الدعاء على الصلاة ليبين أن لفظ الصلاة ليس بحتم، بل غيره من الدعاء ينزل منزلته. ¬

_ = وأخرجه أحمد (3/ 465)، (4/ 143)، وابن ماجه رقم (1809)، وهو حديث حسن. (¬1) في "السنن" (3/ 38) حيث قال: حديث رافع بن خديج حديث حسن صحيح. (¬2) أخرجه البخاري رقم (1497)، ومسلم رقم (176/ 1078)، وأبو داود رقم (1590)، والنسائي رقم (2459)، وابن ماجه رقم (1796). (¬3) في صحيحه (3/ 361 الباب رقم 64 مع الفتح). (¬4) ذكره الحافظ في "الفتح" (3/ 361).

قال الحافظ في "الفتح" (¬1): ويؤيد عدم الانحصار في لفظ الصلاة؛ ما أخرجه النسائي (¬2) من حديث وائل بن حجر أنه - صلى الله عليه وسلم - قال في رجل بعث بناقة حسنة في الزكاة: "اللهم بارك فيه وفي إبله". انتهى. قوله: "على آل أبي أوفى" أقول: أراد ما أوفى نفسه؛ لأن الآل يطلق على ذات الإنسان نفسه، لقوله - صلى الله عليه وسلم - في قصة أبي موسى: "لقد أوتي مزماراً من مزامير آل داود" (¬3). واسم أبي أوفى (¬4): علقمة بن خالد بن الحرث الأسلمي، شهد هو [و] (¬5) ابنه عبد الله بيعة الرضوان تحت الشجرف وعُمِّر عبد الله إلى أن كان آخر من مات من الصحابة بالكوفة، وذلك سنة سبع وثمانين. واستدل بالحديث على جواز الصلاة على غير الأنبياء، وكرهه [مالك (¬6). قال ابن التين (¬7): وهذا الحديث يعكر عليه, واستدل به على استحباب دعاء آخذ الصدقة لمعطيها، وأوجبه بعض] (¬8) أهل الظاهر (¬9). ¬

_ (¬1) (3/ 361). (¬2) في "السنن" رقم (2458) بإسناد صحيح. (¬3) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (5048)، ومسلم رقم (236/ 793) من حديث أبي موسى. (¬4) ذكره الحافظ في "الفتح" (3/ 362). (¬5) سقطت من (ب). (¬6) والجمهور كما في "الفتح" (3/ 362). (¬7) ذكره الحافظ في "الفتح" (3/ 362). (¬8) سقطت من (ب). (¬9) ذكره الحافظ في "الفتح" (3/ 362)، والنووي في "روضة الطالبين" (2/ 211).

الباب الخامس: فيمن تحل له الصدقة ومن لا تحل

ولعل دليلهم الأمر في الآية: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} (¬1) إلا أنه قد قيل: إن الأمر خاص به - صلى الله عليه وسلم - إذ لو كان واجباً على غايره لعلمه السعاة. [187 ب]. قلت: في رواية جابر بن عتيك عند أبي داود: "وليدعوا" أي: السعاة. "لكم" وهو أمر للسعادة كافٍ بها التعليم لهم، ولا يشترط لفظ معين (¬2). الباب الخامس: فيمن تحل له الصدقة ومن لا تحل وفيه فصلان الفصل الأول: فيمن لا تحل له 1 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: أَخَذَ الحسَنُ بْن عَليٍّ - رضي الله عنهما - تَمْرَةً مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ فَجَعَلَهَا فِي فِيهِ, فَقَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "كِخْ كِخْ، ارْمِ بِهَا، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّا لاَ نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ، أَوْ أَنَّا لاَ تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ". أخرجه الشيخان (¬3). [صحيح] قوله: (الباب الخامس فيمن تحل له الصدقة ومن لا تحل له). قوله في حديث أبي هريرة: "كخ كخ" (¬4) أقول: بفتح الكاف وكسرها وسكون المعجمة مشددة ومخففة وبكسرها منونة وغير منونة، كلمة تقال لردع الصبي عند تناوله ما يستقذر. وقيل: فارسية، والثانية تأكيد للأولى. ¬

_ (¬1) سورة التوبة: 103. (¬2) انظر: "روضة الطالبين" (2/ 211)، "المجموع شرح المهذب" (6/ 146). (¬3) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (1491)، ومسلم رقم (161/ 1069)، وأخرجه أحمد (2/ 409 - 410). (¬4) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 526)، "الفائق" للزمخشري (3/ 248).

قوله: "أما علمت" أقول: هو من خطاب (¬1) من لا يميز بقصد إسماع من يميز، وهذه صيغة يعبر بها عند الأمر الواضح، وإن لم يكن المخاطب به عالماً، أي: كيف خفي عليك مع ظهوره. وقوله: "إنا لا تحل لنا الصدقة" شك من أحد رواته، والحديث مخصص لعموم آية المصارف لجميع أصنافها، ولفظ البخاري: "أنا لا نأكل" ولفظ مسلم: "لا تحل لنا"، وفي رواية معمر (¬2): "إن الصدقة لا تحل لآل محمد" وكذا عند أحمد (¬3) والطحاوي (¬4) من حديث الحسن نفسه. وقال: كنت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فمر على جرين من تمر الصدقة فأخذت منه تمرة فألقيتها في فيَّ فأخذها بلعابها وقال: "إن آل محمد لا تحل لنا الصدقة". قال الحافظ (¬5): وإسناده قوي. قال النووي في "شرح مسلم" (¬6): مذهبنا أنه كان يحرم عليه صدقة الفرض بلا خلاف، وكذا صدقة التطوع على الأصح. وسئل ابن عيينة: هل حرمت الصدقة على أحدٍ من الأنبياء غير نبينا [188 ب]- عليه السلام -؟ فقال: [347/ أ] أما سمعت قول الله: {وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ (88)} (¬7) يريد أنها كانت حلالاً لهم. قاله البغوي (¬8). ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "فتح الباري" (3/ 355). (¬2) أخرجها أحمد في "المسند" (2/ 476) بسند صحيح. (¬3) في "المسند" (1/ 200) بسند صحيح. (¬4) في "شرح معاني الآثار" (2/ 6) و (3/ 297). (¬5) في "فتح الباري" (3/ 355). (¬6) (7/ 177). (¬7) سورة يوسف: 88. (¬8) في "معالم التنزيل" (4/ 272).

قلت: وهو مبني على أن إخوة يوسف كانوا حينئذ أنبياء، وفيه خلاف. واعلم أنه اختلف (¬1) في المراد بآل محمد كما في رواية الحسن بن علي - عليه السلام -. فقيل: هم بنو هاشم وبنو المطلب، وقيل: بنو هاشم فقط عن أبي حنيفة (¬2) ومالك (¬3). وقيل غير ذلك. والحق أنهم من عدهم زيد بن أرقم في حديثه في مسلم (¬4) وغيره، وهم: آل علي، وآل العباس، وآل عقيل، وآل جعفر، فإن الراوي أعرف بتفسير ما رواه. قلت: وكذلك عبد المطلب بن ربيعة بن الحرث بن عبد المطلب؛ فإنه ممن منعه النبي - صلى الله عليه وسلم - عنها، وعن العمالة عليه، وأخبره: "أنها لا تحل لآل محمد". قال ابن قدامة (¬5): لا نعلم خلافاً في أن بني هاشم تحرم عليهم الصدقة المفروضة. كذا قال. وقد نقل الطبري (¬6) الجواز عن أبي حنيفة (¬7). وقيل عنه: تجوز لهم إذا حرموا سهم ذوي القربى، وهو وجه لبعض الشافعية (¬8). وعن أبي يوسف: تحل من بعضهم لبعض لا من غيرهم. ¬

_ (¬1) تقدم مراراً. (¬2) "البناية في شرح الهداية" (3/ 554 - 555)، "حاشية ابن عابدين" (3/ 270). (¬3) "التسهيل" (3/ 747). (¬4) تقدم تخريجه، وهو حديث صحيح. (¬5) في "المغني" (4/ 109). (¬6) ذكره الحافظ في "الفتح" (3/ 354). (¬7) "البناية شرح الهداية" (3/ 554). (¬8) "المجموع شرح المهذب" (6/ 237).

وعند المالكية (¬1) في ذلك أربعة أقوال مشهورة: الجواز، المنع، جواز التطوع دون الفرض، ودليل المنع حديث [الباب] (¬2) ونحوه، وثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - سماها: "أوساخ الناس" كما رواه مسلم (¬3). قيل: ويؤخذ من هذا جواز التطوع دون الفرض، وهو قول أكثر الحنفية والمصحح عند الشافعية والحنابلة. واعلم أن قول أبي حنيفة بالجواز بصدد النظر، وقول أبي يوسف به إذا حرموا أسهم ذوي القربى، أقوالاً لا دليل عليها. وكيف يقال: إذا حرمهم الملوك ما هو لهم حل لهم ما حرم عليهم؟ وهل إلا نظير أن يقال: إذا أخذ ظالم مال زيد جاز لزيد أخذ مال عمرو، وأحل له؟ وهذا باطل، وقد أوضحت ذلك في رسالة سميتها: "حل العقال" (¬4). 2 - وفي أخرى لهما: أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِنِّي لأَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِي فَأَجِدُ التَّمْرَةَ سَاقِطَةً عَلَى فِرَاشِي أَوْ فِي بَيْتِي فَأَرْفَعُهَا لآكُلَهَا، فَأَخْشَى أَنْ تَكُونَ صَدَقَةً، فَأُلْقِيهَا" (¬5). [صحيح] "كِخ كِخ" (¬6) زَجْرٌ للصبيان وَرَدْعٌ عما يلابسونه من الأفعال. قوله: "وفي آخر لهما" الحديث. [قوله: "لهما"] (¬7) أي: للشيخين، إلا أني لم أجده في البخاري (¬8) في كتاب الزكاة، كأنه ذكره في غيره. [189 ب]. ¬

_ (¬1) انظر: "التسهيل" (3/ 748)، "فتح الباري" (3/ 357). (¬2) سقطت من (ب). (¬3) في صحيحه رقم (1072). (¬4) وهي الرسالة رقم (96) من "عون القدير من فتاوى ورسائل ابن الأمير" بتحقيقي. (¬5) أخرجه البخاري رقم (2432، 2055 معلقاً)، ومسلم رقم (163/ 1070). (¬6) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (4/ 658). (¬7) في (أ): "قولهما". (¬8) في صحيحه رقم (2432، 2055).

3 - وعنه - رضي الله عنه - قال: "كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا أُتِيَ بِطَعَامٍ سَأَلَ عَنْهُ، فَإِنْ قِيلَ هَدِيَّةٌ أَكَلَ، وَإِنْ قِيلَ صَدَقَةٌ لَمْ يَأْكُلْ، وقال لأصْحَابِهِ: كُلُوا". أخرجه الشيخان (¬1). [صحيح] قوله في حديث أبي هريرة الثاني: "وإن قيل صدقة لم يأكل" أقول: ظاهره العموم للفرض والنفل، ويؤيده أنه أتى سلمان (¬2) إليه - صلى الله عليه وسلم - بتمر فقال: "أصدقة أم هدية؟ " فقال: صدقة. ومعلوم أنه حين جاء به كان مملوكاً، بل لم يكن مسلماً، فأي صدقة فرض عليه على أن صدقة سلمان نفلاً محمول على إذن مولاه له، وإلا فلا ملك له. 4 - وعن أبي رافع - رضي الله عنه - قال: بَعَثَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - رَجُلاً مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَقَالَ: اصحَبْنِي لَعَلكَ تُصِيبُ مِنْهَا. فقُلْتُ: حَتَّى أَسْأَلَ رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ: "مَوْلَى القَوْمِ مِنْ أَنفُسِهِمْ، وإنَّا لاَ تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ". أخرجه أبو داود (¬3) والترمذي (¬4) واللفظ لهما، والنسائي (¬5). [صحيح] ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (2576)، ومسلم رقم (175/ 1077). (¬2) أخرجه أحمد في "المسند" (5/ 442)، وابن سعد في "الطبقات" (4/ 75 - 80)، والبيهقي في "السنن" (10/ 322، 340)، وفي "دلائل النبوة" (2/ 92). (¬3) في "السنن" رقم (1650). (¬4) في "السنن" رقم (657) وقال: هذا حديث حسن صحيح. (¬5) في "السنن" رقم (2612). وأخرجه أحمد (6/ 8 - 9)، وابن خزيمة رقم (2344)، وابن حبان رقم (3293)، والطيالسي رقم (972)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (3/ 214)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (2/ 8)، والحاكم (1/ 404)، والبيهقي (7/ 32)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (1607)، وهو حديث صحيح.

قال ابن الأثير (¬1): والمشهور من المذاهب أن موالي بني هاشم وبني المُطَّلِبِ لا تحرم عليهم الزكاة، وفي ذلك على مذهب الشافعي وجهان: أحدهما: لا تحرم؛ لانتفاء السبب الذي به حَرُمَ على بني هاشم وَالمُطِّلِبَ، ولانتفاء نصيب الخُمُسِ الذي جعل لهم عِوضَاً عن الزكاة، والثاني: تحرم لهذا الحديث. ووجه الجمع بين الحديث وبين نفي التحريم: أنه إنما قال ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي رافع تنْزِيهاً [وَحثَّاً له] (¬2) على التّشبُّهِ بهم وَالاسْتِنَانِ بِسُنَّتِهِمْ. قوله في حديث أبي رافع: "بعث رجلاً من بني مخزوم" أقول: هو الأرقم بن أبي الأرقم. قوله: "قال ابن الأثير" أقول: هذا قاله في "غريب الجامع" (¬3) وتمام كلامه بعد قوله: بسنتهم والاقتداء بسيرتهم من اجتناب مال الصدقة التي هي [غسالة] (¬4) أوساخ الناس، ولأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يكفي أبا رافع مولاه مؤنة ما يحتاج إليه، فقال له: إذا كنت مستغنياً من جانبي فلا تأخذ أوساخ الناس. قلت: وقول ابن الأثير ووجه الجمع (¬5) بين الحديث وبين نفي التحريم عجيب؛ لأن نفي التحريم لم يرد به دليل حتى يجمع بين الدليلين, إنما هو قول لأحد وجهي الشافعي وعلله بقوله: لانتفاء السبب الذي به حرم على بني هاشم والمطلب، لانتفاء نصيب الخمس الذي جعل لهم عوضاً عن الزكاة. ¬

_ (¬1) في "غريب الجامع" (4/ 660 - 661). (¬2) كذا في المخطوط (أ. ب)، والذي في "غريب الجامع": "بعثاً له". (¬3) (4/ 660 - 661). (¬4) زيادة من (أ. ب)، وليست في "غريب الجامع". (¬5) انظر: "المجموع شرح المهذب" (6/ 429 - 430)، "البناية في شرح الهداية" (4/ 578 - 579).

قلت: لا يخفى أن هذا التعليل عليل؛ لأن السبب الذي حرمت به الزكاة على بني هاشم كونها أوساخ الناس كما صرح [190 ب] به الحديث، وهذا السبب عام لأنفسهم ومواليهم، إذ قد جعلهم الشارع من أنفسهم. وقوله: ولانتفاء الخمس، يقال: إن أراد بانتفائه تغلب الملوك عليه فلا يصلح ذلك ما حرم، كان أراد غيره فما أعرف ما هو! فالحق أن موالي من حرمت عليهم الزكاة تحرم عليهم كأنفسهم (¬1). قوله: "أخرجه أبو داود والترمذي" قلت: وقال (¬2): وهذا حديث حسن صحيح. 5 - وعن ابن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنيٍّ وَلاَ لِذِي مِرَّةٍ سَوِيٍّ". أخرجه أبو داود (¬3) والترمذي (¬4). [صحيح] "المِرَّةُ" (¬5) القُوَّةُ والشدة. "وَالسَّوِيُّ" (¬6) السليم الخَلْق التام الأعضاء. ¬

_ (¬1) انظر: "المغني" (4/ 114 - 116)، "البناية في شرح الهداية" (3/ 555 - 556). (¬2) في "السنن" (3/ 46). (¬3) في "السنن" (1634). (¬4) في "السنن" رقم (652). وأخرجه أحمد (1/ 192)، والطيالسي رقم (2271)، وعبد الرزاق في "المصنف" رقم (7155)، والدارمي (1/ 386)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (2/ 14)، وابن الجارود في "المنتقى" رقم (363)، والدارقطني (3/ 119)، والحاكم (1/ 407)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (1599)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (7/ 13). (¬5) انظر: "الصحاح" للجوهري (2/ 815). (¬6) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (4/ 661)، وانظر: "الصحاح" للجوهري (6/ 2385).

قوله في حديث ابن عمرو بن العاص: "أخرجه أبو داود والترمذي" قلت: وقال (¬1): حديث عبد الله بن عمرو حديث حسن. وقد رَوَى شُعبةُ عن سعد بن إبراهيم هذا الحديث ولم يرفعه، وقد رُوِيَ في غير [هذا] (¬2) الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا تحل المسألة لغني ولا لذي مرة سوي"، وإذا كان الرجل قوياً محتاجاً ولم يكن عنده شيء فتصدق عليه أجزأ عن المتصدق عند أهل العلم. ووجه هذا الحديث عند بعض أهل العلم على المسألة، ثم ساق (¬3) سنده إلى حبشي بن جناده السلولي قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع، وهو واقف بعرفة، أتاه أعرابي فأخذ بطرف ردائه فسأله إياه فأعطاه وذهب، فعند ذلك حرمت المسألة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن المسألة لا تحل لغني ولا لذي مرة سوي، إلا لذي فقر مدقع، أو غرم مفظع، ومن سأل الناس ليُثرى به مَالَهُ كان خُموشاً في وجهه يوم القيامة، وَرَضْفاً يأكله من جهنم، فمن شاء فليقلل، ومن شاء فليكثر" انتهى. 6 - وعن عطاء بن يسار قال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنيٍّ إِلاَّ لِخَمْسَةٍ: لِغَازٍ فِي سَبِيلِ الله، أَوْ لِعَامِلٍ عَلَيْهَا، أَوْ لِغَارِمٍ، أَوْ لِرَجُلٍ اشْتَرَاهَا بِمَالِهِ أَوْ لِرَجُلٍ كانَ لَهُ جَارٌ مِسْكِينٌ فَتُصُدِّقَ عَلَى المِسْكِينِ فَأَهْدَى المِسْكِينُ لِلْغَنِيِّ". أخرجه مالك (¬4) وأبو داود (¬5). [صحيح] ¬

_ (¬1) في "السنن" (3/ 42 - 43). (¬2) سقطت من (أ. ب). (¬3) أي الترمذي في "السنن" رقم (653) وهو حديث ضعيف. ويغني عن الضعيف ما أخرجه أحمد (2/ 231)، ومسلم رقم (105/ 1041)، وابن ماجه رقم (1838) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من سأل الناس أموالهم تكثُّراً فإنما يسأل جَمْراً فليستقلَّ أو ليستكثر". وهو حديث صحيح. (¬4) في "الموطأ" (1/ 268) مرسلاً. (¬5) في "السنن" رقم (1635) مرسلاً، ووصله في "السنن" رقم (1636). =

الفصل الثاني: فيمن تحل له الصدقة

"الغَارِم" الكفيل ومن عليه دين ادّانه في غير معصية ولا إسراف (¬1). الفصل الثاني: فيمن تحل له الصدقة 1 - عن زياد بن الحارث الصدائي - رضي الله عنه - قال: أَتَيْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فَبَايَعْتُهُ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: أَعْطِنِي مِنَ الصَّدَقَةِ، فَقَالَ لَهُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ الله تَعَالَى لَمْ يَرْضَ بِحُكْمِ نَبِيٍّ وَلاَ غَيْرِهِ فِي الصَّدَقَاتِ حَتَى حَكَمَ فِيهَا هُوَ، فَجَزَّأَهَا ثمانِيَةَ أَجْزَاءٍ، فَإِنْ كُنْتَ مِنْ تِلْكَ الأَجْزَاءِ أَعْطَيْتُكَ حَقَّكَ". أخرجه أبو داود (¬2). [ضعيف] قوله: (الفصل الثاني فيمن تحل له الصدقة). قوله في حديث زياد الصدائي: "فإن كنت منهم أعطيتك" أقول: فيه دليل على أنه يقبل من السائل قوله: [إنه مصرف] (¬3) للزكاة، ويعطى ولا يطالب [191 ب] ببينة، ويقبل قوله: إنه غازٍ أو غارم أو مكاتب ونحوها. 2 - وعن أم عطية - رضي الله عنها -، واسمها نُسَيْبَةُ قالت: تُصُدِّقَ عَلَيَّ بِشَاةٍ فَأَرْسَلْتُ إلى عَائِشَةَ - رضي الله عنها - بِشَيْء، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "عِنْدَكمْ شَيْءٌ؟ " فقَالَتْ عَائِشَةُ رضيَ اللهُ عَنْهَا: لاَ، إِلاَّ مَا أَرْسَلَتْ بِهِ نُسَيْبَةُ مِنْ تِلْكَ الشَّاةِ، فَقَالَ: "هَاتِ فَقَدْ بَلَغَتْ مَحِلَّهَا". أخرجه الشيخان (¬4). [صحيح] ¬

_ = وهو حديث صحيح. (¬1) قال ابن الأثير في "جامع الأصول" (4/ 663)، وتمام عبارته: "وإنما أنفقه في وجهه". (¬2) في "السنن" رقم (1630)، وهو حديث ضعيف. (¬3) في (أ): "إن يصرف". (¬4) أخرجه البخاري رقم (1446)، وطرفاه (1494، 2579)، ومسلم رقم (174/ 1076).

3 - وفي أخرى لهما (¬1) ولأبي داود (¬2) والنسائي (¬3) عن أنس - رضي الله عنه - قال: أُتِيَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بِلَحْمٍ تُصُدِّق بِهِ عَلَى بَرِيرَةَ - رضي الله عنها - فَقَالَ: "هُوَ عَلَيْهَا صَدَقَةٌ، وَلَنَا هَدِيَّةٌ". [صحيح] قوله في حديث أم عطية: "نسيبة" بالنون فسين مهملة وموحدة مصغر. قوله: "بلغت محلها" أقول: أي فيما يصرف منها بالهدية [هي ملكتها انتقلت عن حكم الصدقة فحلت محل الهدية] (¬4) وكانت تحل له - صلى الله عليه وسلم - الهدية [348/ أ]. 4 - وعن بَشِيرِ بن يسار: زَعَمَ أَنَّ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ سَهْلُ بْنُ أَبِي حَثْمَةَ أَخْبَرَهُ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَدَاهُ بِمِائَةٍ مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ. يَعْنِي دِيَةَ الأَنْصَارِيِّ الَّذِي قُتِلَ بِخَيْبَرَ. أخرجه أبو داود (¬5). [صحيح] 5 - وفي رواية لرزين عن أبي لاس: أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - حَمَلَ عَلَى إبِلِ الصَّدَقَةِ. قُلْتُ: وَهُوَ في صَحِيحِ البُخَارِيِّ (¬6) مُعَلّقٌ، وَالله أعْلَمُ. قوله: "وعن بشير" أقول: بالموحدة والمعجمة مصغراً، ابن يسار بالتحتانية ومهملة خفيفة، وهو من موالي بني حارثة من الأنصار. ¬

_ (¬1) البخاري رقم (1495)، ومسلم رقم (1074). (¬2) في "السنن" رقم (1655). (¬3) في "السنن" رقم (3760)، وهو حديث صحيح. (¬4) سقطت من (ب). (¬5) في "السنن" رقم (4523)، وهو حديث صحيح. وأخرجه البخاري في صحيحه رقم (6898). (¬6) في صحيحه (3/ 331 الباب رقم 49 - مع الفتح) حيث قال: ويذكر عن أبي لاس: "حملنا النبي - صلى الله عليه وسلم - على إبل الصدقة للحج".

قال ابن إسحاق (¬1): كان شيخاً كبيراً فقيهاً، أدرك عامة الصحابة، وثقه يحيى بن معين والنسائي. قوله: "يقال له: سهل بن أبي حثمة" أقول: بفتح المهملة وسكون المثلثة، واسمه عامر ابن ساعدة بن عامر. قوله: "من إبل الصدقة" أقول: في "فتح الباري" (¬2) زعم بعضهم أنه غلط من سعيد بن عبيد، لتصريح يحيى بن سعيد بقوله: "من عنده"، وجمع بعضهم بين الروايتين بأن يكون اشتراها من إبل الصدقة بمال دفعه من عنده، أو المراد بقوله: "من عنده" من بيت المال المرصد للمصالح، وأطلق عليه صدقة باعتبار الانتفاع به مجازاً لما في ذلك من قطع المنازعة، وإصلاح ذات البين. وقد حمله بعضهم على ظاهره، فحكى القاضي عياض (¬3) عن بعض العلماء: جواز صرف الزكاة في المصالح العامة، واستدل بهذا الحديث وغيره. وقال القرطبي (¬4): يحتمل أن يكون - صلى الله عليه وسلم - تسلَّف ذلك من إبل الصدقة ليدفعه من مال الفيء. أو أن [يكون] (¬5) أولياء القتيل كانوا مستحقين للصدقة [فأعطاهم] (¬6) أو [أنه] (¬7) أعطاهم ذلك من سهم المؤلفة استئلافاً لهم، واستجلاباً لليهود. ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (12/ 232). (¬2) (12/ 235). (¬3) في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (5/ 457 - 458). (¬4) "المفهم" (5/ 16). (¬5) سقطت من (أ، ب)، وما أثبتناه من "المفهم". (¬6) كذا في المخطوط (أ. ب)، والذي في "المفهم": فأعطاها إياهم في صورة الدية، تسكيناً لنفرتهم وجبراً لهم، مع أنهم مستحقون لها. (¬7) سقطت من (أ. ب)، وما أثبتناه من "المفهم".

كتاب: الزهد والفقر

قوله: "أخرجه أبو داود" قلت: بل هو في البخاري (¬1) في كتاب القسامة، وهو حديث طويل. قوله: "عن أبي لاس" أقول: آخره مهملة واسمه زياد. وقيل: عبد الله بن عتمة (¬2) بفتحتين، صحابي له حديثان. قوله: "قلت: وهو في "صحيح البخاري معلق" (¬3) أقول: هو كذلك ذكره في الزكاة. [192 ب]. كتاب: الزهد والفقر وفيه فصلان الفصل الأول: في مدحهما والحث عليهما 1 - عن سهل بن سعد - رضي الله عنه - قال: مَرَّ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ لِرَجُلٍ عِنْدَهُ: "مَا رَأيُكَ فِي هَذَا؟ "، فَقَالَ: رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِ النَّاسِ، هَذَا وَالله حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ يُنْكَحَ، وَإِنْ شَفَعَ أَنْ يُشَفَّعَ. فَسَكَتَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ مَرَّ رَجُلٌ آخَرُ، فَقَالَ لَهُ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَا رأيُكَ فِي هَذَا؟ " فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله، هَذَا رَجُلٌ مِنْ فُقَرَاءِ المُسْلِمِينَ، هَذَا وَالله حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ لاَ ¬

_ (¬1) في صحيحه رقم (6898). (¬2) ذكره الحافظ في "الفتح" (3/ 332). (¬3) (3/ 331 الباب رقم 49 - مع الفتح). قال الحافظ في "الفتح" (3/ 332): وقد وصله أحمد وابن خزيمة والحاكم وغيرهم من طريقه، ولفظ أحمد: "على إبل من إبل الصدقة ضعاف للحج، فقلنا: يا رسول الله! ما نرى أن نحمل هذه؟ فقال: إنما يحمل الله" الحديث، ورجاله ثقات، إلا أن فيه عنعنة ابن إسحاق، ولهذا توقف ابن المنذر في ثبوته.

يُنْكَحَ، وَإِنْ شَفَعَ لاَ يُشَفَّعَ، وَإِنْ قَالَ لاَ يُسْمَعَ لِقَوْلِهِ. فَقَالَ النِّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -:"هَذَا خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الأَرْضِ مِثْلَ هَذَا". أخرجه الشيخان (¬1). [صحيح] قوله: (الكتاب الثاني من حرف الزاي في الزهد). أقول: في "التعريفات" (¬2) الزهد في الشيء قلَّة الرَّغبة فيه, وإنْ شئت قلت: الرَّغبةُ عنه. وفي اصطلاح أهل الحقيقة: بغض الدُّنيا والإعراض عنها. وقيل: ترك راحة الدنيا لراحة الآخرة. وقيل: أنْ يخلو قلبك مما خلت منه يدك. وقيل: بذل ما تملك ولا تؤثر ما تدرك. وقيل: ترك الأسف على معدوم ونفي الفرج بمعلوم. وقال ابن القيم في "شرح منازل السائرين" (¬3): وقد أكثر الناس الكلام في "الزهد" وكل أشار إلى ذوقه ونطق عن حاله وشاهده، ثم نقل أقوالاً في ذلك: فقال سفيان الثوري (¬4): الزهد في الدنيا قصر الأمل، ليس بأكل الغليظ، ولا لبس [العباء] (¬5). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (5091)، وطرفه رقم (6447)، ولم يخرجه مسلم. (¬2) (ص 290)، وانظر: "الكليات" (2/ 411)، "معجم مصطلحات الصوفية" (121). (¬3) في "مدارج السالكين" (2/ 13 - 15). (¬4) أخرجه البيهقي في "الزهد" (466)، وأبو نعيم كتاب "الحلية" (6/ 386)، والذهبي في "السير" (7/ 243)، وذكره القشيري في رسالته (ص 115). (¬5) في (أ. ب): "العباءة"، وما أثبتناه من "مدارج السالكين".

وقيل (¬1): الزهد في قوله تعالى: {لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ} (¬2) وذكر عبارات واسعة. وأما الورع (¬3) وإنْ لم يذكر في الترجمة فقد جمعه - صلى الله عليه وسلم - في كلمة واحدة وهي قوله: "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه" (¬4) فهو يعم ترك كل ما لا يعني من الأقوال والأفعال. [قال (¬5): والذي أجمع عليه العارفون: أن الزهد سفر القلب في وطن الدنيا إلى منازل الآخرة، وعلى هذا صنف المتقدمون كتب الزهد (¬6). قال: واختلف (¬7) في متعلق (الزهد)، فقالت طائفة: الزهد إنما هو في الحلال؛ لأن ترك الحرام فريضة. وقالت طائفة: بل الزهد لا يكون في الحرام، وأما الحلال [193 ب] فنعمة من الله على عباده، والله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده، فشكره على نعمه، والاستعانة بها على طاعته, واتخاذها طريقاً إلى جنته أفضل من الزهد فيها، والتخلي عنها، ومجانبة أسبابها. ¬

_ (¬1) ذكره القشيري في رسالته (116). (¬2) سورة الحديد: 23. (¬3) قال ابن تيمية: الزهد ترك ما لا ينفع في الآخرة. والورع: ترك ما تخاف ضرره في الآخرة. (¬4) أخرجه الترمذي في "السنن" رقم (2317) وقال: هذا حديث غريب لا نعرفه من حديث أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا من هذا الوجه. وهو حديث حسن. (¬5) أي ابن القيم في "مدارج السالكين" (2/ 17). (¬6) ثم قال: كالزهد لعبد الله بن المبارك، وللإمام أحمد، ولوكيع، ولهناد السري. (¬7) قال ابن القيم: وقد اختلف الناس في الزهد، هل هو ممكن في هذه الأزمنة أم لا؟

والتحقيق (¬1): أنها إن شغلته عن الله فالزهد فيها أفضل، وإن لم تشغله عن الله، بل كان شاكراً لله فيها فحاله أفضل، والزهد فيها تجريد القلب عن التعلق بها، والطمأنينة إليها، وكلام الناس في الزهد واسع] (¬2). قوله: "والفقر" أقول: قالوا: الفقر عام وخاص، فالعام الحاجة إلى الله تعالى، وهذا وصف كل مخلوق من مؤمن وكافر، وهو معنى قوله: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ} (¬3) والخاص: وصف أولياء الله وأحبائه، وهو خلو اليد من الدنيا، وخلو القلب من التعلق بها، اشتغالاً بالله وشوقاً إليه، وأُنساً بالفراغ والخلوة مع الله. قوله في حديث سهل بن سعد: "مرَّ رجل" قال الحافظ (¬4): لم أقف على اسمه. قوله: "حريٌّ" بفتح المهملة وكسر الراء وتشديد آخره، أي: جدير، وحقيق وزناً ومعنى (¬5). وقوله: "وأنْ يشفع" بتشديد الفاء، أي: تقبل شفاعته. قوله: "ثم مرَّ آخر" في رواية ابن حبان (¬6): "مسكين من أهل الصفة"، وفي "مسند الروياني" (¬7): "من فتوح مصر" عن أبي ذر أنه معقل بن سراقة. ¬

_ (¬1) قاله ابن القيم في "مدارج السالكين" (2/ 19). (¬2) ما بين الحاصرتين سقط من (أ). (¬3) سورة فاطر: 15. (¬4) في "الفتح" (11/ 277). (¬5) قاله الحافظ في "الفتح" (11/ 277)، وانظر: "النهاية في غريب الحديث" (1/ 367). (¬6) في صحيحه رقم (681). (¬7) ذكره الحافظ في "الفتح" (11/ 277).

قوله: "من ملء" بكسر الميم وسكون اللام مهموز. "الأرض" أقول: في الحديث دليل على أن السيادة بمجرد الدنيا لا أثر لها، وإنما الاعتبار في ذلك بالآخرة؛ لأن في رواية أحمد (¬1) وابن حبان (¬2): "عند الله يوم القيامة". والبخاري (¬3) ترجم للحديث بقوله: باب فضل الفقر. قال في "الفتح" (¬4): وفي الحديث فضيلة [194 ب] للفقر، لكن لا حجة فيه لتفضيل الفقير على الغني. وقال ابن بطال (¬5): طال نزاع الناس في ذلك، أي: في تفضيل الفقير على الغني أو عكسه. قال (¬6): فمنهم من فضل الفقر، واحتج بأحاديث الباب وغيرها من الصحيح والواهي، وذكر حجة من فضل الغنى بمثل حديث: "إنك إنْ تذر ذريتك أغنياء خير من أنْ تذرهم ... " (¬7) وحديث كعب بن مالك وقوله - صلى الله عليه وسلم - له: "أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك" (¬8) وغير ذلك من الأدلة. ¬

_ (¬1) في "المسند" (5/ 157، 170). (¬2) في صحيحه رقم (681). (¬3) في صحيحه (11/ 273 الباب رقم 16 مع الفتح). (¬4) (11/ 274). (¬5) في شرحه لصحيح البخاري (10/ 167 - 168). (¬6) أي ابن بطال في "شرح صحيح البخاري" (10/ 167). (¬7) أخرجه أحمد (1/ 171)، والبخاري رقم (2744)، ومسلم رقم (8/ 1628)، وأبو داود رقم (2864)، والترمذي رقم (2116)، والنسائي رقم (3626)، وابن ماجه رقم (2708)، وهو حديث صحيح. (¬8) أخرجه أحمد (3/ 454)، والبخاري رقم (6690)، ومسلم رقم (53/ 2769).

ثم قال: وأحسن ما رأيت في هذا قول أحمد بن نصر الداودي (¬1): الفقر والغنى محنتان من الله يختبر بهما عبادة في الصبر والشكر، كما قال تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (7)} (¬2)، وقوله: {ونَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} (¬3)، وثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يستعيذ (¬4) من شر فتنة الفقر ومن شر فتنة الغنى. قلت: قد بسط المسألة - أي مسألة تفضيل الفقير الصابر على الغني الشاكر أو العكس - الإمام ابن القيم في كتابه في "الصبر والشكر" (¬5) الذي لخصته في مكة المشرفة في كتاب "السيف الباتر في يمين الصابر والشاكر" (¬6) وبسطنا الأدلة في ذلك، فمن أحب ذلك راجعه. 2 - وعن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَيْسَتْ الزَّهَادَةُ فِي الدُّنْيَا بِتَحْرِيمِ الحَلاَلِ وَلاَ إِضَاعَةِ المَالِ، وَلكِنَّ الزَّهَادَةَ أَنْ تَكُونَ بِمَا فِي يَدِ الله تَعَالى أَوْثَقَ مِنْكَ بِمَا في يَدِكَ وَأَنْ ¬

_ (¬1) ذكره ابن بطال في "شرح صحيح البخاري" (10/ 168). (¬2) سورة الكهف: 7. (¬3) سورة الأنبياء: 35. (¬4) منها: ما أخرجه النسائي في "عمل اليوم والليلة" رقم (22/ 572)، وابن السني في "عمل اليوم والليلة" رقم (69)، وأحمد (5/ 42)، والحاكم (1/ 35، 252 - 253)، وفيه قوله: "اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر". وهو حديث صحيح. (¬5) "عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين" (285 وما بعدها). (¬6) وهي الرسالة رقم (164) من "عون القدير من فتاوى ورسائل ابن الأمير" بتحقيقي، ط: ابن كثير، دمشق. وهي بعنوانه "السيف الباتر في يمين الصابر والشاكر".

تَكُونَ فِي ثَوَابِ المُصِيبَةِ إِذَا أُصِبْتَ بِهَا أَرْغَبَ مِنْكَ فِيهَا لَوْ أَنَّهَا أُبْقِيَتْ لَكَ". أخرجه الترمذي (¬1). [ضعيف جداً] وزاد رزين: لِأنَّ الله تَعَالى يَقُولُ: {لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ} (¬2). قوله في حديث أبي ذر: "أخرجه الترمذي" قلت: وقال (¬3): هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وأبو إدريس الخولاني اسمه عائذ الله بن عبد الله، وعمرو بن واقد منكر الحديث. انتهى. وعمرو بن واقد أحد رواته. 3 - وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنْ سَرَّكِ اللُّحُوقُ بِي فَلْيَكْفِكِ مِنَ الدُّنْيَا كَزَادِ الرَّاكِب، وإيَّاكِ وَمُجَالَسَةَ الأَغْنِيَاءِ، وَلاَ ثَسْتَخْلِقِي ثَوْبًا حَتَّى تُرقِّعِيهِ". أخرجه الترمذي (¬4). [ضعيف جداً] وزاد رزين. قال عُرْوَة: فَمَا كَانَتْ عَائِشَةُ تَسْتَجِدُّ ثَوْباً حَتَّى تُرَقِّعَ ثَوْبَهَا وَتُنكَّسَهُ، وَلَقَدْ جَاءَهَا يَوْماً مِنْ عِنْدِ مُعَاوِيَةَ ثَمَانُونَ أَلْفاً، فَمَا أَمْسَى عِنْدَهَا دِرْهَمٌ. فَقَالَتْ جَارِيَتُهَا: فَهَلاَّ اشْتَرَيْتِ لَنَا مِنْهُ بِدِرْهَمٍ لَحْماً؟ فقَالَتْ: لَوْ ذَكَّرْتِينِي لَفَعَلْتُ. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (2340). وأخرجه ابن ماجه رقم (4100)، والبيهقي في "الشعب" رقم (10774)، و (10775)، وهو حديث ضعيف جداً. (¬2) سورة الحديد: 23. (¬3) في "السنن" رقم (4/ 571). (¬4) في "السنن" رقم (1780)، وهو حديث ضعيف جداً.

قوله في حديث عائشة [349/ أ]: "إياك ومجالسة الأغنياء" أقول: هو نحو حديث أبي هريرة أنّه - صلى الله عليه وسلم - قال: "من رأى من فُضِلَ عليه في الخلق والرزق فلينظر إلى من هو أسفل منه، فإنّه أجدر [195 ب] أنْ لا يزدري نعمة الله عليه" (¬1). ويروى عن عون بن عبد الله قال: صحبت الأغنياء فلم أرى أحداً أكبرُ هماً مني، أرى دابة خيراً من دابتي، وثوباً خيراً من ثوبي، وصحبت الفقراء فاسترحت. قوله: "ولا تستخلقي ثوباً حتى ترقعيه" أقول: الاستخلاق عدّ الثوب خلقاً، أي: بالياً. وقوله: "ولقد جاءها من عند معاوية" أخرج الطبري في "السمط الثمين" عن ابن المنكدر نظير ما هنا قال: عن أم ذر وكانت تغشي عائشة قالت: بعث ابن الزبير مال في غرارتين، قالت: أراه ثمانين ومائة ألف، فدعت بطبق وهي يومئذٍ صائمةٌ، فجلست تقسمه بين الناس، فأمست وما عندها منه درهمٌ، فلما أمست قالت: يا جاريتي، هلمي فطوري، فجاءت بخبز وزيت. فقالت لها أم ذر: ما استطعت [مما] (¬2) قسمت اليوم أنْ تشتري لنا بدرهم لحماً نفطر عليه. قالت: لا تعنفيني فلو ذكرتيني لفعلت. وخرجه في "الصفوة". 4 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: كانَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "اللهمَّ اجْعَلْ رِزْقَ آلِ مُحَمَّدٍ قُوتًا". وفي أخرى: "كفَافًا". أخرجه الشيخان (¬3) والترمذي (¬4). [صحيح] ¬

_ (¬1) ذكره الترمذي في السنن عقب الحديث رقم (1780). (¬2) في (أ) فيما. (¬3) البخاري في "صحيحه" رقم (6460)، ومسلم رقم (1055). (¬4) في "السنن" رقم (2361). وهو حديث صحيح.

"الكَفَافُ" الذي لا يفضل عن الحاجة. قوله في حديث أبي هريرة: "اللهم اجعل رزق آل محمد قوتاً" أقول: القوت ما يقوم بالإنسان من الطعام والكفاف الذي لا يفضل على الشيء قاله ابن الأثير (¬1). واستدل بالحديث من فضل الكفاف وهو القرطبي (¬2) قال: جمع الله لنبيه الحالات الثلاث: الفقر والغنى والكفاف، وكان الأول أول حالاته، فقام بواجبه من مجاهدة النفس، ثم فتحت عليه الفتوح، فصار بذلك في حد الأغنياء، ثمَّ قام بواجب ذلك من بذله لمستحقه والمواساة به، والإيثار مع اقتصاره على ما سد ضرورة عياله، وهي صورة الكفاية التي مات عليها. قال (¬3): وهي حالة سليمة من الغنى المطغي والفقر المؤلم، وأيضاً فصاحبها معدود في الفقراء؛ لأنَّه لا يترفه في طيبات الدنيا، بل يجاهد نفسه على الصبر على القدر الزائد على الكفاف، فلم يغنه [196 ب] من حال الفقراء إلاّ السلامة من قهر الحاجة وذلِّ المسألة. انتهى. قال الحافظ في "الفتح" (¬4): ويؤيده ما تقدم من الترغيب في غنى النفس وما أخرجه الترمذي (¬5) عن أبي هريرة رفعه: "وارض بما قسم لك تكن أغنى الناس"، وأصح ما ورد في ¬

_ (¬1) في "غريب الجامع" (4/ 671 - 672). (¬2) في "المفهم" (7/ 130 - 131). (¬3) القرطبي في "المفهم" (7/ 130). (¬4) في "فتح الباري" (11/ 275). (¬5) في "السنن" رقم (2305)، وهو حديث حسن.

ذلك ما أخرجه مسلم (¬1) عن عبد الله بن عمرو رفعه: "قد أفلح من هدي إلى الإسلام ورزق الكفاف وقنع". قال النووي (¬2): فيه فضيلة هذه الأصناف والكفاف الكفاية بلا زيادة ولا نقصان. وقال القرطبي (¬3): هو ما يكف عن الحاجات ويدفع الضرورات، ولا يلحق بأهل الترفهات، ومعنى الحديث: أنّ من اتصف بتلك الصفات حصل على مطلوبه، وظفر بمرغوبه في الدنيا والآخرة، ولذا قال - صلى الله عليه وسلم -: "اللهم [اجعل] (¬4) رزق آل محمد قوتاً" (¬5) أي: اكفهم من القوت ما لا يرهقهم إلى ذل المسألة، ولا يكون فيه فضول يبعث على الترفه والتبسط في الدنيا. وفيه حجة لمن فضَّل الكفاف؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - لا يدعو لنفسه ولآله إلا بأفضل الأحوال، وقد قال: "خير الأمور أوساطها" (¬6). قال في "الفتح" (¬7) بعد سياقه وزيادة عليه حذفناها قلت: وهذا كله صحيح، لكن لا يدفع أصل السؤال في أيهما أفضل الغنى أو الفقر؟ لأنَّ النزاع فيمن اتصف بأحد الوصفين أيهما في حقه أفضل عند الله. ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (125/ 1054). (¬2) في شرحه لـ "صحيح مسلم". (¬3) في المفهم (7/ 131). (¬4) سقطت من (ب). (¬5) تقدم مراراً. (¬6) أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (3/ 273). وانظر: "كشف الخفاء" (1/ 469 رقم 1247). (¬7) (11/ 275).

قال ابن تيمية (¬1): إذا استويا في التقوى فهما في الفضل سواء. قوله: "أخرجه الترمذي" قلت: وقال (¬2): حسن صحيح. 5 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: كانَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "اللهمَّ أَحْيِنِي مِسْكِينًا، وَأَمِتْنِي مِسْكِينًا، وَاحْشُرْنِي فِي زُمْرَةِ المَسَاكينِ يَوْمَ القِيَامَةِ". [حسن بشواهده] قَالَتْ عَائِشَةُ: لِمَ يَا رَسُولَ الله؟ قَالَ: "لأَنَّهُمْ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ قَبْلَ الأَغْنِيَاءِ بِأَرْبَعِينَ خَرِيفًا. يَا عَائِشَةُ لاَ تَرُدِّي المِسْكِينَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ, يَا عَائِشَةُ أَحِبِّي المَسَاكينِ وَقَرِّبِيهِمْ، فَإِنَّ الله يُقَرِّبُكِ يَوْمَ القِيَامَةِ". أخرجه الترمذي (¬3). [ضعيف] والمراد: "بِالخَرِيفِ" السَّنَةُ (¬4). وفي حديث آخر. خَمْسِمائَةِ عَامٍ، والجمع بينهما أن المراد بالأربعين تَقَدُّمُ الفقير الحريص على الغني الحريص، وبالخمسمائة تقدم الفقير الزاهد على الغني الراغب، فكان الفقير الحريص على درجتين من خمس وعشرين درجة من الفقير الزاهد، وهذا نسبة الأربعين إلى خمسمائة، وهذا التقدير وأمثاله لا يجري على لسان الرسول - صلى الله عليه وسلم - جُزافاً ولا اتفاقاً بل لسرٍّ أدركه، ونسبة أحاط بها عمله، فإنه لا ينْطِقُ عن الهوى (¬5). قوله في حديث أنس: "اللهم أحيني مسكيناً" في "النهاية" المسكين الذي لا شيء له وقيل: هو الذي له بعض الشيء، وقد تقع المسكنة على التضعف. ¬

_ (¬1) انظر: "مدارج السالكين" (2/ 552). (¬2) أي الترمذي في "السنن" (4/ 580). (¬3) في "السنن" رقم (2352)، الشطر الأول حسن بشواهده. والشطر الثاني ضعيف. (¬4) قال ابن الأثير في "غريب الجامع" (4/ 672): الخريف: الزمان المعروف، بين الصيف والشتاء، وأراد به: كنايةً عن الستة جميعها؛ لأنه متى أتى عليه عشرون خريفاً فقد أتى عليه عشرون سنة. (¬5) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (4/ 672 - 673).

قال: وقوله: "اللهم اجعلني مسكيناً" أراد به التواضع والإخبات، وألا يكون من الجبارين المتكبرين. قلت: فهذا تأويل يخرج الحديث عما ترجم للباب. قوله: "أخرجه الترمذي" [197 ب] قلت: وقال (¬1): غريب، وصرح ابن حجر بضعفه. قوله: "السنة" قال في "النهاية" (¬2): لأنّ الخريف لا يكون إلاّ في السنة مرة، فإذا انقضى أربعون خريفاً فقد مضت أربعون سنة. قوله: "وجمع بينهما" أقول: هذا الجمع ذكره الأثير في "غريب الجامع" (¬3) وزاد بعد قوله (¬4): فإنّه ما ينطق عن الهوى، فإنْ فطن أحدٌ من العلماء إلى شيء من هذه المناسبات، وإلاّ فليس طَعْنًا في صحتها. 6 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يَدْخُلُ الفقَرَاءُ الجَنَّةَ قَبْلَ الأَغْنيِاءِ بِخَمْسْمِائَةِ عَامٍ نِصْفِ يَوْمٍ". أخرجه الترمذي (¬5). [صحيح] قوله في حديث أبي هريرة: "نصف يوم" أقول: [أي:] (¬6) من اليوم الذي قدره الله بألف سنة في قوله: {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (5)} (¬7). ¬

_ (¬1) في "السنن" (4/ 578). (¬2) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 484). وانظر: "غريب الحديث" للهروي (4/ 499). (¬3) (4/ 672). (¬4) في "غريب الجامع" (4/ 673). (¬5) في "السنن" رقم (2353)، وهو حديث صحيح. (¬6) زيادة من (أ). (¬7) سورة السجدة الآية (5).

أخرج ابن جرير (¬1) وابن المنذر (¬2) عن ابن عباس في قوله: "يدبر الأمر" الآية. [قال: هذا في الدنيا "تعرج الملائكة في يوم مقداره ألف سنة"] (¬3). وأخرج ابن جرير عنه: "من أيامكم هذه ومسيرة ما بين السماء والأرض خمسمائة عام". وأخرج ابن جرير (¬4) عن قتادة في الآية يقول: مقدار مسيرة في ذلك اليوم ألف سنة مما تعدون من أيامكم من أيام الدنيا خمسمائة نزول وخمسمائة صعود. وأخرج ابن جرير (¬5) عن مجاهد "في يوم كان مقداره ألف سنة" يعني بذلك: نزول الأمر من السماء إلى الأرض، ومن الأرض إلى السماء في يوم واحد، وذلك مقدار ألف سنة؛ لأنّ ما بين السماء والأرض خمسمائة عام [350/ أ]. قوله: "أخرجه الترمذي" قلت: وقال (¬6): حسن صحيح. 7 - وعن أبي عبد الرحمن الحُبِلي قال: سَأَلَ رَجُلٌ عَبْدَ الله بْنَ عَمْرو بْن العَاصِ فَقَالَ: أَلَسْنَا مِنْ فُقَرَاءِ المُهَاجِرِينَ؟ فَقَالَ لَه: أَلكَ زَوْجَةٌ تَأْوِي إِلَيْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: أَلَكَ مَسْكَنٌ تَسْكُنُهُ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَأَنْتَ مِنَ الأَغْنِيَاءِ، قَالَ: فَإِنَّ لِي خَادِمًا؟ قَالَ: فَأَنْتَ مِنَ المُلُوكِ. أخرجه مسلم (¬7). [صحيح] ¬

_ (¬1) في جامع البيان (18/ 594 - 595). (¬2) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (6/ 300). (¬3) كذا في (أ. ب)، والذي في جامع البيان: قال: هذا في الدنيا، تعرجُ الملائكة إليه في يوم كان مقداره ألف سنة. (¬4) في جامع البيان (18/ 593). (¬5) في "جامع البيان" (18/ 592). (¬6) في "السنن" (4/ 578). (¬7) في "صحيحه" رقم (2979).

قوله: وعن أبي عبد الرحمن الحبلي أقول: اسمه عبد الله بن يزيد المعافري الحبلي بضم الحاء المهملة وبالموحدة ثقة من الثالثة قاله في "التقريب" (¬1). وتمام الحديث في "الجامع" (¬2): قال عبد الرحمن: وجاء ثلاثة نفر إلى عبد الله بن عمرو وأنا عنده، فقال: ما شئتم؟ إنْ شئتم رجعتم إلينا فأعطيناكم ما يسر الله [198 ب] لكم، وإن شئتم ذكرنا أمركم للسلطان، وإنْ شئتم صبرتم، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إنّ فقراء [المهاجرين] (¬3) يسبقون الأغنياء يوم القيامة بأربعين خريفاً، قالوا: نصبر لا نسأل شيئاً". 8 - وعن أبي سعيد - رضي الله عنه - قال: جَلَسْتُ فِي عِصَابَةٍ مِنْ ضُعَفَاءِ المُهَاجِرِينَ، وَإِنَّ بَعْضَهُمْ لَيَسْتَتِرُ بِبَعْضٍ مِنَ العُرْىِ، وَقَارِئٌ يَقْرَأُ عَلَيْنَا إِذْ جَاءَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَامَ عَلَيْنَا، فَسَكَتَ القَارِئُ. فقَالَ: "مَا كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ؟ ". قُلْنَا: كَانَ قَارِئٌ يَقْرَأُ عَلَيْنَا نَسْتَمِعُ كِتَابِ رَبِّنَا. فَقَالَ: "الحَمْدُ لله الَّذِي جَعَلَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ أُمِرْتُ [أَنْ] (¬4) أُصَبِّرَ نَفْسِي مَعَهُمْ، وَجَلَسَ وَسَطَنَا لِيَعْدِلَ نَفْسِهِ بِنَا". ثُمَّ قَالَ بِيدهِ هَكَذَا: فتَحَلَّقُوا وَبَرَزَتْ وُجُوهُهُمْ. قَالَ: فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عَرَفَ مِنْهُمْ أَحَدًا غَيْرِي. ثمَّ قَالَ: "أَبْشِرُوا يَا صَعَالِيكِ المُهَاجِرِينَ بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ القِيَامَةِ". [ضعيف] "تَدْخُلُونَ الجَنَّةَ قَبْلَ أَغْنِيَاءِ النَّاسِ بِنِصْفِ يَوْمٍ، وَذَلِكَ خَمْسُمِائَةِ سَنةٍ". أخرجه أبو داود (¬5) والترمذي (¬6). [صحيح بشواهده] ¬

_ (¬1) (1/ 462 رقم 749). (¬2) (4/ 673 - 674). (¬3) في (أ): المهاجرون. (¬4) سقطت من المخطوط (أ. ب). (¬5) في "السنن" رقم (3666) ضعيف دون قوله: "تدخلون الجنة ... " إلخ. فصحيح بشواهده. (¬6) في "السنن" رقم (2351). وأخرجه ابن ماجه رقم (4122).

"العِصَابةُ" الجماعة من الناس (¬1). "تَحَلّقُوا" أي: صاروا حلقة مستديرة (¬2). قوله في حديث أبي سعيد: "في عصابة" أقول في "النهاية" (¬3): العصابة من الناس من العشرة إلى الأربعين لا واحد لها من لفظها زاد في "غريب الجامع" (¬4): وكذلك من الخيل والطير. قوله: "من أمرت أنْ أصبر نفسي معهم"، أقول: يريد - صلى الله عليه وسلم - قوله تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ} (¬5) الآية. وقوله: "صعاليك" في "القاموس" (¬6): الصعلوك: كعصفور الفقير. 9 - وعن أسامة بن زيد - رضي الله عنهما - قال: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "قُمْتُ عَلَى بَابِ الجَنَّةِ فَكَانَ عَامَّةَ مَنْ دَخَلَهَا المَسَاكِينُ، وَأَصْحَابُ الجَدِّ مَحْبُوسُونَ، غَيْرَ أَنَّ أَصْحَابَ النَّارِ قَدْ أُمِرَ بِهِمْ إِلَى النَّارِ، وَقُمْتُ عَلَى بَابِ النَّارِ، فَإِذَا عَامَّةُ مَنْ دَخَلَهَا النِّسَاءُ". أخرجه الشيخان (¬7). [صحيح] "الجَدُّ" الحظُّ والسَّعادة (¬8). ¬

_ (¬1) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (4/ 675). (¬2) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (4/ 675). (¬3) (2/ 212)، وانظر: الفائق للزمخشري (1/ 81). (¬4) (4/ 675). (¬5) سورة الكهف الآية (28). (¬6) القاموس المحيط (ص 1221). (¬7) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (5196، 6547)، ومسلم رقم (2736). (¬8) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (4/ 676).

قوله في حديث أسامة: "وأصحاب الجد" فسره المصنف بالحظ والسعادة (محبوسون) مؤخرون عن دخول الجنة للحساب الذي لهم وعليهم، وفي قوله: "غير أنّ أهل النار قد أمر بهم إلى النار"، دليل على أنّ المراد بأهل الجد من أهل الإيمان؛ لأن أهل النار عند الإطلاق ينصرف إلى الكفار. قوله: "النساء" أقول: قد وردت بيان أكثرية النساء في النار لما سئل (¬1) - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك فقال: لكفرانهن العشير، أي: الزوج. 10 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "ابْغُونِي ضُعَفَاءَكُمْ، فَإِنَّمَا تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُوَن بِضُعَفَائِكُمْ". أخرجه أصحاب السنن (¬2). [صحيح] ومعنى: "أَبْغُونِي" اطلبوا لي. قوله: "اطلبوا لي" قال ابن الأثير (¬3): أبغني كذا، أي: أعطني وأوجدني، وأصله من الابتغاء: الطلب، يقال: بَغَى فلانٌ كذا إذا طلبه, وأبغيتُه كذا إذا أزلت ابتغاءه مثل: أشكيتُه إذا أزلت شكواه ببلوغ غرضه، وتقول [199 ب]. أبْغني بهمزة موصولة - أي: اطلُب لي، وأبغني بهمزة مقطوعة - أي: أعنِّ على الطلب. انتهى. 11 - وعنه - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا بَعَثَ الله نَبيًّا إلَّا رَعَى الغَنَمَ" قالُوا: وَأَنْتَ يَا رسولَ الله؟ قَالَ: "نَعَمْ، كُنْتُ أَرْعَاهَا عَلَى قَرَارِيطَ لِأَهْلِ مَكَّةَ". ¬

_ (¬1) تقدم نصه وتخريجه وهو حديث صحيح. (¬2) أخرجه أبو داود رقم (2594)، والترمذي رقم (1702)، والنسائي رقم (3179). وهو حديث صحيح. (¬3) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (4/ 676).

أخرجه البخاري (¬1) ومالك (¬2) ولم يذكر القراريط. [صحيح] قوله: في حديث أبي هريرة: "ما بعث الله نبياً إلا رعى الغنم" أقول: قيل: الحكمة في رعاية الأنبياء الغنم أنْ يأخذوا أنفسهم بالتواضع، ويعتادوا الخلوة ويترقوا من سياستها إلى سياسة الأمم، والإشارة إلى أنّ الله لم يضع النبوة في أبناء الدنيا والمترفين، وخصوا برعي الغنم بذلك؛ لكونها أضعف من غيرها؛ ولأنّ تفرقها أكثر من تفرق الإبل، والبقر؛ لأنَّه يمكن حفظهما بالربط دونها في العادة. وفي ذكره - صلى الله عليه وسلم - بعد علمه أنّه أكرم الخلق على الله، من عظيم التواضع لربه، والتصريح بعظيم مننه وإحسانه إليه، وإلى إخوانه من الأنبياء. قوله: "على قراريط" أقول: قيل: "على" بمعنى الباء وهي للسببية والمعاوضة، وقيل: أنّها للظرفية كما في رواية ابن ماجه (¬3): "بالقراريط" (¬4) وأنّه أسم موضع بمكة لا قيراط الفضة إذ لم تكن العرب تعرف ذلك وفي الحديث (¬5): "ستفتحون أرضاً يذكر فيها القراريط". 12 - وعن عبد الله بن مغفل - رضي الله عنه - قال: جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله! إِنِّي لأُحِبُّكَ. فَقَالَ: "انْظُرْ مَا تَقُولُ". قَالَ: وَالله إِنِّي لأُحِبُّكَ، ثَلاَثَ مَرَّاتٍ, فَقَالَ: "إِنْ كُنْتَ تُحِبُّنِي فَأعِدَّ ¬

_ (¬1) البخاري في "صحيحه" رقم (2262). (¬2) في "الموطأ" (2/ 971). (¬3) في "السنن" رقم (2149)، وهو حديث صحيح. (¬4) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 438)، "المجموع المغيث" (2/ 687). (¬5) أخرجه مسلم في "صحيحه" رقم (227/ 2543)، وأحمد في المسند (5/ 174)، عن أبي ذر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"إنكم ستفتحون مصر، وهي أرضٌ يُسمَّى فيها القيراط، فإذا فتحتموها، فأحسنوا إلى أهلها ... ".

لِلْفَقْرِ تِجْفَافًا، فَإِنَّ الفَقْرَ أَسْرَعُ إِلَى مَنْ يُحِبُّني مِنَ السَّيْلِ إِلَى مُنْتَهَاهُ". أخرجه الترمذي (¬1) [ضعيف] قوله في حديث عبد الله بن مغفل "تجفافاً" في "النهاية" (¬2): التجفاف ما جلل (¬3) به الفرس من سلاح وآلة تقيه الجراح. قلت: وكان هذا أغلبي فإنّه قد كان في الصحابة الذين لا يحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحدٌ كحبهم، أغنياء كعثمان وعبد الرحمن بن عوف والزبير حواري رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وغيرهم ومن بعدهم كذلك محبون له أغنياء. قال القعنبي: على قوله: "تجفافاً" معناه: أنْ يرفض الدنيا، ويزهد فيها، ويصبر على الفقر، والتقلل، وكنى بالتجفاف والجلباب عن الصبر؛ لأنَّه يستر الفقر كما يستر الجلباب البدن. وقال أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب "غريب الحديث" (¬4) قد تأوله على أنّه - صلى الله عليه وسلم - أراد من أحبني افتقر في الدنيا. قال: وليس لهذا وجه؛ لأنّا قد نرى من يحبه فيهم ما في الناس من الغنى [200 ب] والفقر، ولكنه عندي إنّما أراد فقر يوم القيامة يقول: ليعد ليوم فقره، وما فيه عملاً صالحاً ينتفع به يوم القيامة، وإنّما هذا منه على وجه القصد والنصيحة، كقولك: من أحب أنْ ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (2350). وهو حديث ضعيف. (¬2) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 273) حيث قال: وهو شيء من سلاح، يترك على الفرس، يقيه الأذى، وقد يلبسه الإنسان أيضاً، وجمعه تجافيف. (¬3) هذا المعنى في "القاموس المحيط" (ص 1030)، وليس في "النهاية". (¬4) لم أجده في "غريب الحديث".

يصحبني ويكون معي، فعليه بتقوى الله واجتناب [351/ أ] المعاصي، فإنّه لا يكون لي صاحب إلاّ من هذه [حاله] (¬1) ليس للحديث وجه غير هذا انتهى. وقد جعله نظير قوله - صلى الله عليه وسلم -: اسأل الله أنْ أكون معك في الجنة، فقال: "أعني على نفسك بكثرة السجود" ولكنه لا يخفى بُعد ما ذهب إليه والأقرب أنَّه حكم أغلبي، والله أعلم. قوله: "أخرجه الترمذي". [قلت: وقال (¬2): حسن غريب] (¬3). 13 - وعن علي - رضي الله عنه - قال: بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ - رضي الله عنه - مَا عَلَيْهِ إِلاَّ بُرْدَةٌ لامُرَقَّعَةٌ بِفَرْوٍ، فَلَمَّا رَآه النّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بَكَى لِلَّذِي كَانَ فِيهِ مِنَ النِّعْمَةِ، ثُمَّ قَالَ: "كَيْفَ بِكُمْ إِذَا غَدَا أَحَدُكُمْ فِي حُلَّةِ, وَرَاحَ فِي أُخْرَى، وَوُضِعَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ صَحْفَةٌ, وَرُفِعَتْ أُخْرَى، وَسَتَرْتُمْ بُيُوتَكُمْ كَمَا تُسْتَرُ الكَعْبَةُ". قَالُوا: يَا رَسُولَ الله! نَحْنُ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مِنَّا اليَوْمَ، نُكْفَي المُؤْنَةَ, وَنَتَفَرَّغُ لِلْعِبَادةِ, فقال: "بَلْ أنْتُمُ اليَوْمَ خَيْرٌ مِنْكُمْ يَوْمَئِذٍ". أخرجه الترمذي (¬4). [ضعيف] قوله في حديث علي: "للَّذي كان فيه من النعمة، أي: إذا كان مشركاً فإنَّه كان أرفه فتى في قريش، فلما أسلم وهاجر، ترك ما كان فيه". وفي رواية أبي يعلى: "أنّه - صلى الله عليه وسلم - لما رآه ذكر ما كان فيه من". ¬

_ (¬1) سقط من (ب). (¬2) في "السنن" (4/ 577). (¬3) سقط من (ب). (¬4) في "السنن" رقم (2476) وهو حديث ضعيف.

وفي رواية للبيهقي (¬1) عن عمر أنّه - صلى الله عليه وسلم - لمّا رأى [أي] (¬2) مصعب بن عمير مقبلاً عليه إهاب كبش قد تمنطق به فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "انظروا إلى هذا الذي نوَّر الله قلبه، لقد رأيته بين أبوين يغذونه بأطيب الطعام والشراب، لقد رأيت عليه حلة شروها أو شريت له بمائتي درهم، فدعاه حب الله وحب رسوله إلى ما ترون". وقوله: "إذا غدا في حلة وراح في أخرى" أي: لبس وقت الغداة ثياباً، وبدلها في يوم وقت الرواح بثياب أخرى سعة في ثيابه وترفهاً في ملبوسه، كما يتوسع في مأكوله فتأتيه صحفة بعد أخرى. وقوله: "وسترتم بيوتكم" ليس فيه دليل على حل تستير الجدارات فقد نهى عنه إنما هو إخبار بما سيكونون فيه، وهذا من أعلام النبوة, فكل ذلك قد وقع لأغلب الأمة. قوله: "بل أنتم اليوم خير منكيم يومئذٍ"؛ لأنه لا يأتي من التوسع في الغالب إلا محبة الدنيا، وزيادة التوسع على ما لا بد منه، وقلة شكر النعم. [201 ب]، والاشتغال عمَّا خلقوا له من العبادة، وهو من أدلة فضل الفقر على الغنى كما مَرَّ فيه الكلام. قوله: "أخرجه الترمذي" قلت: وقال (¬3): حسن غريب. وقال المنذري: فيه راوٍ لم يسم. 14 - وعن أبي أُمامة بن ثعلبة الأنصاري - رضي الله عنه - قال: ذَكَرُوا عِنْدَ النّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: الدُّنْيَا فقَالَ: "أَلاَ تَسْمَعُونَ، أَلاَ تَسْمَعُونَ إِنَّ البَذَاذَةَ مِنَ الإِيمَانِ، إِنَّ البَذَاذَةَ مِنَ الإِيَمانِ". أخرجه أبو داود (¬4) [حسن] ¬

_ (¬1) انظر: "دلائل النبوة" (3/ 299 - 300). (¬2) زيادة من (أ). (¬3) في "السنن" (4/ 647). (¬4) في "السنن" رقم (4161)، وهو حديث حسن. وأخرجه ابن ماجه رقم (4118).

"البَذَاذَةُ" بذالين معجمتين بينهما ألف: رثاثة الهيئة وترك الزينة، والمراد به التواضع في اللباس، وترك التبجُّح به (¬1). 15 - وعن جابر - رضي الله عنه - قال: ذُكِرَ رَجُلٌ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: بِعِبَادَةٍ، وَذُكِرَ آخَرُ بِوَرَعٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يُعْدَلْ الوَرَعُ بِشيْءٍ". أخرجه الترمذي (¬2). [ضعيف] قوله في حديث جابر: "لا يعدل الورع بشيء" أقول: قد جمع - صلى الله عليه وسلم - الورع كله في كلمة واحدة فقال: "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه" (¬3): فهذا يعم الترك لما لا يعني من الكلام، والنظر والاستماع، والبطش والمشي، والفكر وسائر الحركات الباطنة والظاهرة، فهذه الكلمة شافية في الورع. قال إبراهيم بن أدهم (¬4): الورع ترك كل شبهة، وترك كل ما لا يعنيك وهو ترك الفضلات. وفي الترمذي (¬5) مرفوعاً: "يا أبا هريرة, كان ورعاً تكن أعبد الناس". ¬

_ (¬1) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (4/ 680). (¬2) في "السنن" رقم (2519)، وفيه: " ... وذُكرَ آخرُ برِعةٍ، فقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لا يُعْدَلُ بالرِّعَةِ". وهو حديث ضعيف. (¬3) تقدم تخريجه وهو حديث صحيح. (¬4) ذكره القشيري في رسالته (ص 110). (¬5) في "السنن" رقم (2305). وأخرجه أحمد (2/ 300)، وابن أبي الدنيا في "الورع" رقم (2، 3)، وابن ماجه رقم (4217)، وهو حديث حسن.

وقيل (¬1): الورع في المنطق أشد منه في الذهب والفضة، والزهد في الرياسة، أشد منه في الذهب والفضة؛ لأنهما يبذلان في طلب الرياسة. وقال سفيان الثوري (¬2): ما رأيت أسهل من الورع، ما حاك في نفسك تركته. وسأل الحسن (¬3) غلاماً فقال: ما ملاك الدين؟ قال: الورع. قال: فما آفته؟ قال: الطمع. فعجب الحسن. وقال الحسن: مثقال ذرة من ورع خير من ألف مثقال من صوم وصلاة. وقال ابن القيم (¬4): والخوف يثمر الورع والاستقامة وقصر الأمل، وقوة الإيمان باللقاء تثمر الزهد، ثمَّ قال (¬5): وملاك ذلك كله أمر أن أحدهما: أنْ تنقل قلبك من وطن الدنيا فتسكنه في وطن الآخرة، ثم تقبل به كله على معاني القرآن واستجلائها وتدبرها، وفهم ما يراد منه، وما نزل لأجله، وأخذ نصيبك وحظك من كل آية من آياته، وتنزيلها على داء قلبك، فهذه [202 ب] طريقة مختصرة سهلة قريبة، موصلة إلى الرفيق الأعلى. انتهى. وقال ابن تيمية (¬6): الزهد ترك ما لا ينفع في الآخرة، والورع ترك ما يخاف ضره في الآخرة. قال ابن القيم (¬7): وهذه العبارة من أحسن ما قيل في الزهد والورع وأجمعها. ¬

_ (¬1) أخرجه البيهقي في "الزهد" رقم (851) عن إسحاق بن خلف، وذكره القشيري في رسالته (ص 110). (¬2) ذكره القشيري في رسالته (ص 111). (¬3) ذكره القشيري في رسالته (ص 112). (¬4) في "مدارج السالكين" (2/ 35). (¬5) أي: ابن القيم في "مدارج السالكين" (2/ 35). (¬6) ذكره ابن القيم في "مدارج السالكين" (2/ 14). (¬7) ذكره ابن القيم في "مدارج السالكين" (2/ 14).

الفصل الثاني: فيما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه عليه من الفقر

قوله: "أخرجه الترمذي". قلت: وبيض له ابن الأثير (¬1) بناء على عدم وجوده في الكتب الستة ولم أجده في الترمذي (¬2). 16 - وعن عطية السعدي - رضي الله عنه - قال: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يَبْلُغُ العَبْدُ حَقِيقَةَ التَّقْوَى حَتَّى يَدَعَ مَالاَ بَأْسَ بِهِ حَذْراً مما بِهِ بَأْسٌ". أخرجه الترمذي (¬3). [ضعيف] قوله في حديث عطية السعدي: "حتى يدع ما لا بأس به حذراً مما به البأس" أي: يترك ما لم ينه عنه الشارع حذراً من الوقوع فيما نهى، وهو نظير حديث: "ومن ترك الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه, ومن حام حول الحمى يوشك أنْ يقع فيه" (¬4). قال بعض الصحابة: كنا ندع سبعين باباً من الحلال مخافة أنْ نقع في باب من الحرام. قوله: "أخرجه الترمذي" قلت: وقال (¬5): حسن غريب. الفصل الثاني: فيما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه عليه من الفقر 1 - عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كَانَ يَأْتِي عَلَيْنَا الشَّهْرُ مَا نُوقِدُ فِيهِ نَارًا، إِنَّمَا هُوَ التَّمْرُ وَالمَاء, إِلاَّ أَنْ نُؤْتَي بِاللُّحَيْمِ. ¬

_ (¬1) في "الجامع" (4/ 682). (¬2) تقدم نصه وتخريجه وهو حديثٍ ضعيف. (¬3) في "السنن" رقم (2451). وأخرجه ابن ماجه في "السنن" رقم (4215). وهو حديث ضعيف. (¬4) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (52)، ومسلم في "صحيحه" رقم (1599) من حديث النعمان بن بشير، وهو حديث صحيح. (¬5) في "السنن" (4/ 634).

أخرجه الشيخان (¬1) والترمذي (¬2). [صحيح] وفي رواية (¬3): ما شَبعَ آلُ مُحَمَّدٍ مِنْ خُبْزِ البُرَّ ثَلاَثًا حَتَّى مَضى لِسَبيلهِ. وفي أخرى (¬4): مَا أَكَلَ آل مُحَمَّدٍ أَكْلَتَيْن في يَوْمٍ وَاحدٍ إلاّ إحْدَاهُمَا تَمْرٌ. [الفصل الثاني: فيما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه من الفقر] (¬5). قوله في حديث عائشة: كان يأتي علينا الشهر ما نوقد فيه ناراً إنما هو، أي: مأكولنا (التمر والماء). فيه إشارة إلى أنهم ربما لم يجدوا في الشهر كله طعام، وكان هذا كان أول أمرهم قبل فتح خيبر و (اللحيم) تصغير اللحم أشارت بتصغيره إلى قلته إلاّ أنّ قولها: (حتى قبض) يشعر بتقلله من الدنيا وبعد فتوحها عليه. قوله: "من خبز البر" دال على أنّه قد يقع من غيره من أنواع المأكولات، وفي رواية للبخاري (¬6): ثلاثاً تباعاً وأخرج [] (¬7) إلاّ وإحداهما تمر، وأخرجه مسلم بلفظ (¬8): "ما شبع آل محمد يومين من خبز البر إلاّ وأحدهما تمر". وأخرج عنها (¬9): "ما شبع آل محمد - صلى الله عليه وسلم - من خبز بُرِّ". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (6458)، ومسلم رقم (26/ 2972). (¬2) في "السنن" رقم (2357، 2358)، وهو حديث صحيح. (¬3) أخرجها مسلم في "صحيحه" رقم (21/ 2970). (¬4) أخرجها البخاري في "صحيحه" رقم (6455)، ومسلم رقم (25/ 2971). (¬5) زيادة من (أ). (¬6) في "صحيحه" رقم (5416، 6454)، وأخرجه مسلم في "صحيحه" رقم (20/ 2970). (¬7) في المخطوط (أ. ب) كلمة غير مقروءة. (¬8) في "صحيحه" رقم (25/ 2971) وقد تقدم. (¬9) أي: مسلم في "صحيحه" رقم (23/ 2970).

وأخرج عنها (¬1): "ما شبع آل محمد من خبز الشعير يومين متتابعين حتى قبض"، وأخرج عنها (¬2): "ما شبع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من خبز وزيت [203 ب] في يوم واحد مرتين" والأحاديث في معنى ما ذكر واسعة. قال الطبري (¬3): واستشكل بعض الناس كون النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه كانوا يطوون الأيام جوعاً، مع ما ثبت أنّه كان يرفع لأهله قوت سنته، وأنّه قسم بين أربعة أنفس ألف بعير مما أفاء الله عليه، وأنّه ساق في عمرته مائة بَدنة فنحرها وأطعمها المساكين، وأنّه أمر الأعرابي بقطيع من الغنم، وغير ذلك مع من كان معه من أصحاب الأموال، كأبي بكر وعمر وعثمان وطلحة وغيرهم، مع بذلهم أنفسهم وأموالهم بين يديه وغير ذلك. والجواب (¬4): أنّ ذلك كان منهم في حالة دون حالة، لا لعوز وضيق، بل تارة للإيثار وتارة لكراهة الشبع ولكثرة الأكل. قال ابن حجر في "الفتح" (¬5): والحق أنّ الكثير منهم كانوا في حال ضيق قبل الهجرة، حيث كانوا بمكة ثم لما هاجروا إلى المدينة كان أكثرهم كذلك، فواساهم الأنصار بالمنازل [والمتاع] (¬6). فلما فتحت لهم النضير وما بعدها، ردوا عليهم منائحهم، نعم كان [352/ أ]- صلى الله عليه وسلم - يختار ذلك مع إمكان حصول التوسع والتبسط في الدنيا. ¬

_ (¬1) أي: مسلم في "صحيحه" رقم (22/ 2970). (¬2) أي: مسلم في "صحيحه" رقم (29/ 2974). (¬3) ذكره الحافظ في "الفتح" (11/ 291). (¬4) ذكره الحافظ في "الفتح" (11/ 291). (¬5) (11/ 292). (¬6) كذا في (أ. ب)، والذي في "الفتح" و"المنائح".

كما أخرج الترمذي (¬1) عن أبي أمامة: "عرض عليٌّ ربي ليجعل في بطحاء مكة ذهباً، فقلت: لا يا رب، لكن أجوع يوماً وأشبع يوماً، فإذا جزعت تضرعت إليك وإذا شبعت شكرتك". وأخرج البيهقي في "الدلائل" (¬2) عن عائشة: دخلت عليَّ امرأة فرأت فراش رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عباءة مثنية، فبعثت إلي بفراش حشوه صوف، فدخل النبي - صلى الله عليه وسلم - فرآه فقال: "ردِّيه يا عائشة، والله لو شئت لأجرى الله معي جبال الذهب والفضة". 2 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "كانَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَبيتُ اللَّياليَ المُتَتَابعَةَ وَأَهْلُهُ طَاوِياً لاَ يَجِدُونَ عَشَاءً، وَكانَ أَكْثر خُبْزِهِمْ الشَّعِيرُ". أخرجه الترمذي (¬3) وصححه. [صحيح] 3 - وعن النعمان بن بشير - رضي الله عنهما - قال: "ذكَرَ عُمَرُ - رضي الله عنه - مَا أَصَابَ النَّاسُ مِنَ الدُّنْيَا فَقَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَظَلُّ اليَوْمَ يَلْتَوِي مَا يَجِدُ مِنَ الدَّقَلِ مَا يَمْلأُ بِهِ بَطْنَهُ". أخرجه مسلم (¬4). [صحيح] "الدَّقَلُ" (¬5) رديء التمر كالحشف ونحوه. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (2347 م) وهو حديث ضعيف، والله أعلم. (¬2) (1/ 345). (¬3) في "السنن" رقم (2360). وأخرجه ابن ماجه رقم (3347). وهو حديث صحيح. (¬4) في "صحيحه" رقم (2978). (¬5) قال ابن الأثير في "النهاية" (1/ 577): هو رديء التَّمر ويابسهُ، وما ليس له اسم خاص فتراه ليُبسه ورداءته لا يجتمع ويكون منثوراً. وانظر: "المجموع المغيث" (1/ 667).

قوله: "من الدَّقل" بفتح المهملة وتشديد القاف فسره المصنف بأنّه رديء التمر [204 ب]، وإذا فقد الرديء فبالأولى أنْ لا يجد الأعلى منه. 4 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَقَدْ أُخِفْتُ فِي الله مَا لَمْ يُخَفْ أَحَدٌ، وَأُوذِيتُ فِي الله وَمَا يُؤْذَى أَحَدٌ، وَلَقَدْ أَتَى عَلَيَّ ثَلاَثُونَ مَا بَيْنَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَمَا لِي وَلاَ لِبِلاَلٍ مِنَ الطَّعَامِ إِلاَّ شَيءٌ يُوَارِيهِ إِبْطُ بِلاَلٍ". أخرجه الترمذي (¬1) وصححه. وقال: وَذَلِكَ حِيْنَ خَرَجَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هَارِباً مِنْ مَكَّةَ وَمَعَهُ بِلاَلٌ. [صحيح] 5 - وعنه - رضي الله عنه - قال: مشَيْتُ إلَى رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - بِخُبْزِ شَعِيرٍ، وإهَالَةٍ سَنِخَةٍ, وَلَقَدْ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: "مَا أَمْسَى عِنْدَ آلِ مُحَمَّدٍ صَاعُ تَمْر، وَلاَ صَاعُ حَبٍّ وإِنَّ عِنْدَهُ يَوْمَئِذٍ لَتِسْع نِسْوَةٍ". أخرجه البخاري (¬2) والترمذي (¬3) والنسائي (¬4). [صحيح] "الإِهَالَةُ" ما أذيب من الشحم. و"السَّنِخُ" المتغير الرِّيح (¬5). قوله: "حين خرج هارباً من مكة" أي: إلى الطائف، بعد وفاة عمه أبي طالب، وفي الحديث جواز التحدث في الإخافة في الله، والحاجة فيه، وأنّه لا ينافي الرضى، وجواز إدخار ما يأكله الإنسان لغده. وفي الحديث الثاني جواز التحدث بأنّه ليس له ولأهله طعام، ليقتدى به. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (2472). وهو حديث صحيح. (¬2) في "صحيحه" رقم (2069، 2508). (¬3) في "السنن" رقم (1215). (¬4) في "السنن" رقم (4610). (¬5) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (4/ 690).

6 - وعن علي - رضي الله عنه - قال: لَقَدْ خَرَجْتُ مِنْ بِيْتِي فِي يَومٍ شَاتٍ، وَإنِّي لَشَدِيدُ الجُوعِ أَلْتَمِسُ شَيْئًا، فَمَرَرْتُ بِيَهُودِيٍّ فِي مَالٍ لَهُ يَسْقِي بِبَكَرَةٍ فَاطَّلَعْتُ عَلَيْهِ مِنْ ثُلْمَةِ الحَائِطِ، فَقَالَ: مَا لَكَ يَا أَعْرَابِيُّ: هَلْ لَكَ فِي دَلْوٍ بِتَمْرَةٍ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، فَافْتَحِ البَابَ حَتَّى أَدْخُلَ، فَفَتَحَ فَدَخَلْتُ فَأَعْطَانِي دَلْواً، فَكُلَّمَا نَزَعْتُ دَلْوًا أَعْطَانِي تَمْرَةً، حَتَّى إِذَا امْتَلأَتْ كَفِّي أَرْسَلْتُ دَلْوَهُ وَقُلْتُ: حَسْبِي فَأَكَلْتُهَا، ثُمَّ جَرَعْتُ مِنَ المَاءِ، ثُمَّ جِئْتُ المَسْجِدَ. أخرجه الترمذي (¬1). [ضعيف] قوله: "فكلما نزعت أعطاني تمرة" فيه جواز تأجير المؤمن نفسه من أهل الذمة، وأنّ ذلك ليس من جعل السبيل للكافر على المؤمن، ولا من علو الكافر على المؤمن. 7 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: خَرَجَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إِلَى المَسْجِدِ، فَوَجَد أَبا بَكرٍ وَعُمَر - رضي الله عنهما -، فَسَأَلَهُمَا عَنْ خُرُوجِهِمَا؟ فقَالاَ: أَخْرَجَنَا الجُوعُ، فَقَالَ: "وَمَا أَخْرَجَنِي إِلاّ الجُوْعُ". فَذَهَبُوا إِلَى أَبِي الهَيْثَمِ بْنِ التَّيَّهَانِ فَأَمَرَ لَهُمْ بِشَعِيرٍ، فَعُمِلَ وَقَامَ إِلَى شَاةٍ فَذَبَحَها، واسْتَعْذَبَ لَهُمْ مَاءً مُعَلّقاً عِنْدَهُمْ في نَخْلَةٍ ثمَّ أتُوا بِالطّعَامِ، فَأكلُوا وشَرِبُوا مِنْ ذَلِكَ المَاءِ، فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: "لَتُسْئَلُنَّ عَنْ نَعِيمِ هَذَا اليَوْمِ". أخرجه مسلم (¬2) ومالك (¬3) والترمذي (¬4). [صحيح] "اسْتَعْذَبَ لهُمْ مَاءً" أي: استقى لهم ماء عذباً. قوله في حديث أبي هريرة: "إلى أبي الهيثم بن التيهان" أقول: اسمه مالك بن التَّيَّهان بن مالك (¬5) شهد العقبة الأولى والثانية، وهو أحد النقباء الأثني عشر، وشهد بدراً وأحداً ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (2473)، وهو حديث ضعيف. (¬2) في "صحيحه" رقم (2038). (¬3) في "الموطأ" (2/ 932 رقم 28). (¬4) في "السنن" رقم (2369)، وهو حديث صحيح. (¬5) انظر: الاستيعاب رقم (2285).

والمشاهد كلها، قيل: قتل بصفين. وقيل: مات في خلافة عمر، والتيهان بفتح المثناة الفوقية وتشديد المثناة التحتية وكسرها وبالنون. وفي الحديث جواز الاستضافة، والإتيان إلى بيت الإنسان للطعام سيما من كان صديقاً، وقد كان هذا الصحابي الجليل من أعيان أصحابه - صلى الله عليه وسلم - فالإتيان إليه وأكل طعامه داخل تحت قوله - تعالى -[205 ب]: {أَوْ صَدِيقِكُمْ} (¬1) في [أنه ليس عليكم أن تأكلوا من {بُيُوتكُمْ} (¬2) (¬3) الآية (¬4)] (¬5). وفيه جواز استعذاب الماء، أي: طلب العذب منه للشرب، وأنّه ليس من الترفه المكروه. وفيه أن قوله تعالى: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (8)} (¬6) عام لكل نعيم يتنعم به العبد. وأخرج أحمد (¬7) وعبد بن حميد (¬8) والنسائي (¬9) والبيهقي في "شعب الإيمان" (¬10) عن أبي ¬

_ (¬1) سورة النور: 61. (¬2) سورة آل عمران: 49. (¬3) كذا في (أ): ولعلها بيوتهم. (¬4) ليست آية وإنما هي شرح لقوله: {أَوْ صَدِيقِكُم} [النور: 61]. (¬5) ما بين الحاصرتين زيادة من (أ). (¬6) سورة التكاثر: 8. (¬7) أخرجه عبد الله بن أحمد في "زوائد الزهد" (ص 31). (¬8) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (8/ 613 - 614). (¬9) لم يخرجه النسائي. (¬10) رقم (4607). =

هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنّ أول ما يسأل العبد عنه يوم القيامة من النعيم، ألم يصح لك جسدك، ويروك من الماء البارد". وأخرج ابن جرير (¬1) عن ثابت البناني عنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "النعيم المسئول عنه يوم القيامة كسرة تقوِّيه, وماء يُرويه, وثوبُ يُوَاريه"، وهذا حديث مرسل. وقد عارضه مرسل مثله وهو ما أخرجه عبد الله بن أحمد في "زوائد المسند"، والديلمي عن الحسن قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ثلاث لا يحاسب بهن العبد: ظل خُصٍّ يستظل به، وكسرة يشد بها صلبه, وثوب يواري به عورته" (¬2). وأخرج أحمد في "الزهد" والطيالسي عن عثمان بن عفان أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "كل شيء سوى ظل بيت وجلف الخبز، وثوب يواري عورته، والماء، فما فضل عن هذا، فليس لابن آدم فيه حق" (¬3). 8 - وعن عتبة بن غزوان - رضي الله عنه - قال: لَقَدْ رَأَيْتُنِي سَابِعَ سَبْعَةٍ مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وما لَنَا طَعَامٌ إِلاَّ وَرَقُ الحُبْلَةِ حَتَّى قَرِحَتْ أَشْدَاقُنَا. أخرجه مسلم (¬4). [صحيح] ¬

_ = وأخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (24/ 609)، والبغوي في تفسيره (8/ 519)، والحاكم في المستدرك (4/ 138)، وابن حبان في "صحيحه" رقم (7364)، والترمذي رقم (3358). وهو حديث صحيح. (¬1) في "جامع البيان" (24/ 609). (¬2) أخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (24/ 610 - 611). وأحمد في كتاب "الورع" (ص 188)، وعزاه السيوطي في "الدر المنثور" (8/ 619)، لا لعبد الله بن أحمد في "زوائد الزهد". (¬3) انظر "الدر المنثور" (8/ 619). (¬4) في "صحيحه" رقم (2967).

"الحُبْلَةُ" (¬1) بضم الحاء، وسكون الباء: ثمر السمر، وقيل: [هي] (¬2) ثمرة تشبه اللُّوبيا. "وَقُرِحَتْ أَشْدَاقُنَا" أي: طلعت فيها القروح كالجراح ونحوها (¬3). قوله: "أشداقنا" الأشداق: جوانب الفم [206 ب]. 9 - وعن أبي طلحة - رضي الله عنه - قال: شَكَوْنَا إِلَى رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - الجُوعَ، وَرَفَعْنَا عَنْ بُطُونِنَا عَنْ حَجَرٍ، فَرَفَعَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنْ حَجَرَيْنِ. أخرجه الترمذي (¬4). [ضعيف] قوله: "وعن أبي طلحة" أقول: في الترمذي (¬5): عن أنس بن مالك عن أبي طلحة. قال العلماء: الحكمة في ربط الحجر: أنّه يخف ببرده حرارة الجوع، وقيل: إنّ البطن مضمر من الجوع، فيخشى انحناء الصلب لذلك، فإذا وضع عليه الحجر اشتد فاستقام. قوله: "أخرجه الترمذي" قلت: وقال (¬6): هذا حديث غريب لا نعرفه إلاّ من هذا الوجه. 10 - وعن فضالة بن عبيد - رضي الله عنه - قال: كانَ رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إذَا صَلَّى بِالنَّاسِ يَخِرُّ رِجَالٌ مِنْ قَامَتِهِمْ فِي الصَّلاَةِ مِنَ الخَصَاصَةِ، وَهُمْ أَصْحَابُ الصُّفَّةِ حَتَّى تَقُولَ الأَعْرَابُ: هَؤُلاَءِ مَجَانيِنُ، فَإِذَا صَلَّى انْصَرَفَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ: "لَوْ تَعْلَمُونَ مَا لَكُمْ عِنْدَ الله تَعَالَى لأَحْبَبْتُمْ أَنْ تَزْدَادُوا فَاقَةً وَحَاجَةً". أخرجه الترمذي (¬7). [صحيح] ¬

_ (¬1) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (4/ 699). (¬2) كذا في (أ. ب)، والذي في "غريب الجامع" (4/ 699) هو. (¬3) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (4/ 699). (¬4) في "السنن" رقم (2371)، وهو حديث ضعيف. (¬5) في "السنن" (4/ 585 رقم (2371)). وقال الترمذي: هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه. (¬6) في "السنن" (4/ 585). (¬7) في "السنن" رقم (2368)، وهو حديث صحيح.

كتاب: الزينة

قوله في حديث فضالة: "من الخصاصة" (¬1) زاد في الترمذي بعد قوله أصحاب الصفة حتى تقول الأعراب: هؤلاء مجانين أو مَجَانُون، فإذا صلَّى ... الحديث. وتمامه: "قال فضالة: وأَنَا يومئذٍ مع رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - ". وأصحاب الصفة: هم فقراء المهاجرين، ومن لم يكن له منهم منزل يسكنه، فكانوا يأوون إلى موضع مُظلَّل في مسجد المدينة يسكنونه. قاله في "النهاية" (¬2). قوله: "أخرجه الترمذي" قلت: وقال (¬3): حسن صحيح. كتاب: الزينة وفيه سبعة أبواب الباب الأول: في الحليّ 1 - عن أنس - رضي الله عنه - قال: كَتَبَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - كِتَابًا، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهُمْ لاَ يَقْرَءُونَ كِتَابًا إِلاَّ مَخْتُومًا، فَاتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ، وَنَقَشَ فِيْهِ مُحَمَّدٌ رسول الله، وقال لِلنَّاس: إِنِّي اتَخَذْتُ خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ, وَنَقَشْتُ فِيهِ مُحَمَّدٌ رَسولُ الله فَلاَ يَنَقُشْ أَحَدٌ عَلَى نَقْشِهِ. ¬

_ (¬1) الخصاصة: الجوع والضعف، وأصلها: الفقرُ، والحاجة إلى الشيء "النهاية في غريب الحديث" (1/ 495). (¬2) (2/ 38). (¬3) في "السنن" (4/ 583). - قال ابن الأثير في "غريب الجامع" (4/ 704) (مجَانون). المجنون: جمعه جمع الصحة: مجنونون، وجمع التكسير: مجانين، فأمَّا مجانون فشاذ، وقد جاء في بعض القراءات: (واتبعوا ما تتلوا الشياطون) - وهي قراءة شاذة انظر "النهاية في غريب الحديث" (1/ 302).

وفي رواية: أَنَّ رَسول الله - صلى الله عليه وسلم - لَبِسَ خَاتَمَ فِضَّةٍ في يَمِينِهِ، وَكانَ فَصُّهُ حَبَشِيًّا، وَكانَ يَجْعَلُ فَصَّهُ مِمَّا يَلِي كَفَّهُ. أخرجه الخمسة (¬1). [صحيح] "الفَصُّ الحَبَشِيُّ": الجَزْعَ، أو العَقيقَ، أو ضرباً منهما يكون بالحبشة (¬2). (كتاب الزينة) الزينة: هي كل ما يتزين به من ملبوس وحلية وخضاب وخلوق وترجيل الشعر ودهن ونقوش وصور وستور قد جعلها ابن الأثير (¬3) سبعة أبواب وتبعه المصنف. قوله: "الباب الأول في الحلي". قوله: "كتب النبي - صلى الله عليه وسلم -" أقول: لفظه في "سنن أبي داود" (¬4): "أراد أنْ يكتب إلى بعض الأعاجم". قوله: "محمد رسول الله" قيل: ذكر بعض الشيوخ (¬5): أنّ كتابته كانت من أسفل إلى فوق, وأنّ الجلالة في أعلى الأسطر الثلاثة ثم قال ابن حجر (¬6): لم أر التصريح بذلك في شيء من الأحاديث. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (65، 2938، 3106، 5872, 5875، 5879، 7162). ومسلم رقم (2092، 2093، 2094، 2095)، وأبو داود رقم (4214، 4215، 4216، 4217، 4221)، والترمذي في "السنن" رقم (1739، 1740، 1741، 1742، 1743)، والنسائي رقم (5196، 5197، 5277، 5279). (¬2) قاله ابن الأثير في "غريب الحديث" (4/ 710). (¬3) في "الجامع" (4/ 705). (¬4) في "السنن" رقم (4214)، وهو حديث صحيح. (¬5) ذكره الحافظ في "الفتح" (10/ 329). (¬6) في "فتح الباري" (10/ 329).

قوله في حديث أنس: "فلا ينقش [207 ب] أحد على نقشه" أقول: وذلك لأنّه إنما نقشه كذلك ليختم به ويميزه عن غيره، فلو نقش أحد نظير نقشه فات المراد، من هذا يفهم اختصاص ذلك بحياته - صلى الله عليه وسلم - قال بعض العلماء (¬1): كان في خاتمه - صلى الله عليه وسلم - من السر شيء مما في خاتم سليمان، فإنّ سليمان لما فقد خاتمه ذهب ملكه، وعثمان لما فقد خاتم النبي - صلى الله عليه وسلم - انتقض عليه الأمر وخرج الخارجون عليه. وكان ذلك مبدأ الفتنة التي أفضت إلى قتله واتصلت إلى آخر الزمان. قلت: ونظير ذلك أنّ المنبر النبوي لمَّا احترق كان ذلك علامة [353/ أ] زوال المملكة عن أهل بيته بني العباس فلم تعد إليهم إلى الآن، قاله السيوطي في "التوشيح". وتمام الحديث في "سنن أبي داود" (¬2): فأمر بها فنزحت، فلم يقدر عليه". قال أبو داود (¬3): لم يختلف الناس على عثمان حتى سقط الخاتم من يده. فاتخذ (¬4) عثمان خاتماً ونقش عليه محمد رسول الله، وكان يختم أو يتختم به. وفي رواية مسلم (¬5): "أنّه سقط على معيقيب في بئر أريس" انتهى. ومُعَيقيب بضم الميم وفتح العين المهملة، وسكون المثناة التحتية، وكسر القاف، وبعده مثناة تحتية أخرى ساكنة، وآخرة موحدة يقال له: معيقيب (¬6) بن أبي فاطمة الدوسي. ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في الفتح (10/ 329). (¬2) في "السنن" (4/ 424 رقم 4215)، وأخرجه البخاري رقم (5879). (¬3) في "السنن" (4/ 425). (¬4) أخرج أبو داود في "السنن" رقم (4220)، عن ابن عمر عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "فالتمسوه فلم يجدوه" فاتخذ عثمان خاتماً ونقش فيه محمد رسول الله. قال: فكان يختم به أو يتختم به. وهو حديث ضعيف. (¬5) في "صحيحه" رقم (55/ 2091). (¬6) انظر: "الاستيعاب" رقم (2496).

مولى سعيد بن أبي العاص أسلم قديماً، وشهد بدراً، وكان على خاتم النبي - صلى الله عليه وسلم - واستعمله أبو بكر وعمر على بيت المال قاله ابن الأثير في "رابع الجامع" (¬1) وفي النسائي (¬2): [208 ب] "أنّه بقي في يد عثمان ست سنين فلما كثرت [عليه] (¬3) الكتب دفعه إلى رجل من الأنصار فكان يختم به, فخرج الأنصاري إلى قليب لعثمان فسقط فالتمس فلم يوجد". قوله: "فضة" بفتح الفاء وضمها وكسرها والكسر غير لحن كما وهمه الجوهري (¬4) قاله في "القاموس" (¬5). قوله: "الجزع": عبارة ابن الأثير يحتمل أنّه الجزع، أي: أخر ما هنا. 2 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: اصْطَنَعَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - خَاتَمًا مِنْ ذهب فَصَنَعَ النَّاسُ خَوَاتِمَ الذَّهبِ، ثُمَّ إِنَّهُ جَلَسَ عَلَى المِنْبَرَ فَنَزَعَهُ وَقالَ: وَالله: لاَ ألبَسُهُ أَبَدًا فَنَبَذَ النَّاسُ خَوَاتِيَمهُمْ. أخرجه الستة (¬6). [صحيح] وزاد في رواية (¬7): وَجَعَلَهُ فِي يَدِه اليُمْنى. ¬

_ (¬1) (2/ 859 - تتمة جامع الأصول - قسم التراجم). (¬2) في "السنن" رقم (5217). (¬3) سقطت من (ب). (¬4) في الصحاح (3/ 1098). (¬5) "القاموس المحيط" (ص 839). (¬6) أخرجه البخاري رقم (5865، 5866، 5867، 5873، 5876)، (665، 7298)، ومسلم رقم (53/ 2091)، وأبو داود رقم (4218)، وابن ماجه رقم (3645)، والنسائي رقم (5215 - 5217). (¬7) أخرجه مسلم في "صحيحه" رقم (2091).

وفي أخرى (¬1): اتَخَذَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - خَاتَماً مِنْ وَرِقٍ فكَانَ فِي يَدِهِ، ثُمَّ كانَ في يَدِ أَبِي بكْرٍ، ثُمَّ في يَدِ عُمَرَ، ثُمَّ في يَدِ عُثْمان - رضي الله عنهم - حَتَّى وَقَعَ في بِئْر أَرِيس، نَقْشُهُ مُحَمَّدٌ رسول الله. [صحيح] "بِئْرِ أَرِيس": عند مسجد قبا. قوله في حديث عمر: "فنبذه" قال ابن الأثير (¬2): نبذت الشيء: إذا ألقيته إلى الأرض. ولعل هذا كان قبل تحريم الذهب على الرجال، وفي قوله: "فنبذ النَّاس خواتيمهم" فيه الإعلام بما كان عليه الصحابة من الاقتداء به - صلى الله عليه وسلم -. قوله: "في بئر أريس" بفتح الهمزة وكسر الراء، بعدها تحتية ساكنة، ومهملة بستان بالمدينة قرب قباء، ينسب إلى رجل من يهود اسمه أريس وهو الفلاح بلغة أهل الشام. 3 - وعن بريدة - رضي الله عنه - قال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وَعَلَيْهِ خَاتَمٌ مِنْ حَدِيدٍ، فَقَالَ "مَا لِي أَرَى عَلَى أَحَدِكُمْ حِلْيَةَ أَهْلِ النَّار" فَطَرَحَهُ، ثُمَّ جَاءَهُ وَعَلَيْهِ خَاتَمٌ مِنْ صُفْرٍ، فَقَالَ: "مَا لِي أَجِدُ مِنْكَ رِيحَ الأَصْنَامِ". ثُمَّ أَتَاهُ وَعَلَيْهِ خَاتَمٌ مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ: "مَا لِي أَرَى عَلَيْكَ حِلْيَةَ أَهْلِ الجَنَّةِ؟ ". فَقَالَ مِنْ أَيِّ شَيءٍ أَتَّخِذُهُ؟ قَالَ: "مِنْ وَرِقٍ، وَلاَ تُتِمَّهُ مِثْقَالاً". أخرجه أصحاب "السنن" (¬3). [ضعيف] قوله في حديث بريدة: "حلية أهل النار" أقول: قال ابن الأثير (¬4): قال ذلك لأنّه زي بعض الكفار وأهل النار. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم في "صحيحه" رقم (55/ 2091). (¬2) في "غريب الجامع" (4/ 714). (¬3) أخرجه أبو داود رقم (4223)، والترمذي رقم (1785)، والنسائي رقم (5195)، وهو حديث ضعيف. والله أعلم. (¬4) في "غريب الجامع" (4/ 715).

وقيل: إنّما كره الحديد لسهوكته ونتنه، والسُهُوكة صدأ الحديد، وإنّما قال في الشَّبه (¬1): ريح الأصنام؛ لأنّها كانت تتخذ منه. 4 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: رَأَى رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي يَدِ رَجُلٍ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ فَنَزَعَهُ وَطَرَحَهُ وَقَالَ: "يَعْمِدُ أَحَدُكُمْ إِلَى جَمْرَةٍ مِنْ نَارٍ فَيَجْعَلُهَا فِي يَدهِ". فَقِيلَ لِلرَّجُلِ بَعْدَ مَا ذَهَبَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خُذْ خَاتَمَك انْتَفِعْ بِهِ. فَقَالَ: لاَ وَالله لاَ آخُذُهُ أَبَدًا، وَقَدْ طَرَحَهُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. أخرجه مسلم (¬2). [صحيح] قوله في حديث ابن عباس: "فنزعه فطرحه" قال النووي (¬3): فيه إزالة المنكر باليد لمن قدر عليها، وأمّا قوله - صلى الله عليه وسلم -: "يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في يده" ففيه تصريح بأنّ النهي عن خاتم الذهب للتحريم، وأجمعوا على تحريمه على الرجال ذلك، وأمّا قول صاحب [209 ب] الخاتم: (لا آخذه وقد طرحه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) ففيه المبالغة في امتثال أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واجتناب نهيه، وعدم الترخص فيه بالتأويلات الضعيفة، ثم إنّ هذا الرجل إنما ترك الخاتم على سبيل الإباحة لمن أراد أخذه من الفقراء، وغيرهم، وحينئذٍ يجوز أخذه لمن شاء، فإذا أخذه جاز تصرفه فيه، ولو كان صاحبه أخذه لم يحرم عليه، وجاز له التصرف فيه بالبيع ونحوه، لكن تورع عن أخذه، وأراد الصدقة به على من يحتاج إليه؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم ينهه عن التصرف فيه بكل وجه، إنّما نهاه عن لبسه، وبقي ما عداه من التصرف على الإباحة (¬4). ¬

_ (¬1) هذا لفظ أبي داود في "السنن" رقم (4223). (¬2) في "صحيحه" رقم (2090). (¬3) في شرحه لـ "صحيح مسلم" (14/ 65). (¬4) قاله النووي في شرحه لـ "صحيح مسلم" (14/ 65 - 66).

5 - وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قَدِمَتْ هَدَايَا مِنْ النَّجَاشِيِّ فِيهَا خَاتَمٌ مِنْ ذَهَبٍ فِيهِ فَصٌّ حَبَشِيٌ، فَأَخَذَهُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بِعُوذٍ, أَوْ بِبَعْضِ أَصَابِعِهِ مُعْرِضًا عَنْهُ، ثُمَّ دَعَا أُمَامَةَ بِنْتَ أَبِي العَاص بِنْتِ ابْنَتِهِ زَيْنَبَ، فَقَالَ: "تَحَلِّيْ [بهَذَه] (¬1) يَا بُنَيَّةُ". أخرجه أبو داود (¬2). [حسن] قوله في حديث عائشة: "هدايا" أقول: لفظ أبي داود: "قدِمتْ على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حليةٌ من عند النَّجاشي أهداها له فيها خاتم من ذهب فيه فصٌّ حبشيّ ... " الحديث، وساقه ابن الأثير (¬3) بلفظ أبي داود الذي نقلناه, فما أدري كيف لفظ المصنف. 6 - وعن سعيد بن المسيب قال: قَالَ عُمَرُ لِصُهَيْبٍ: "مَا لِي أَرَى عَلَيْكَ خَاتَمَ الذَّهَبِ؟ فَقَالَ: قَدْ رَآهُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ فَلَمْ يَعِبْهُ. قَالَ: مَنْ هُوَ؟ قال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " أخرجه النسائي (¬4). [إسناده ضعيف] قوله في حديث ابن المسيب: "أخرجه النسائي" قلت: وقال (¬5): هذا حديث منكر. انتهى. وعلى فرض صحته، فلعله رآه - صلى الله عليه وسلم - في يد صهيب قبل النهي، ولم يبلغه. 7 - وعن عليّ - رضي الله عنه - قال: "نَهَانِي رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أنْ أجْعَلَ خَاتَمِي في هذِهِ أو في هذه, وَأشارَ إلَى الوُسْطَى وَالَّتِي تَلِيهَا". أخرجه الخمسة (¬6) إلا البخاري. [صحيح] ¬

_ (¬1) كذا في (أ. ب)، والذي في "السنن" بهذا. (¬2) في "السنن" رقم (4235)، وأخرجه ابن ماجه رقم (3644)، وهو حديث حسن. (¬3) في "الجامع" (4/ 719 رقم 2831). (¬4) في "السنن" رقم (5163) بسند ضعيف. (¬5) في "السنن" (8/ 165). (¬6) أخرجه مسلم رقم (2078)، وأبو داود رقم (4225)، والترمذي رقم (1786)، وابن ماجه رقم (3648)، والنسائي رقم (1040، 1044، 5165، 5184). وهو حديث صحيح.

وفي رواية أبي داود (¬1) والترمذي (¬2): نَهَانِي عَنِ القَسِّيِّ، وَالمِيثَرَةِ الحَمْرَاءِ، وَأنْ البَسَ خَاتَمِي في هذِهِ، أوْ في هذِهِ، وَأشَارَ إلَى السَّبَّابِةِ وَالوْسْطَى". [صحيح] قوله في حديث علي - عليه السلام -: "والتي تليها" أي: تلي الوسطى، قيل: أنها المسبحة أو البنصر، إلا أن الحديث الآتي من رواية أبي داود والترمذي، بيَّن أنها السبابة، وأما في أي اليدين [215 ب] كان يتختم. فقال في رواية: "في يساره" وأخرى: "في يمينه" فالظاهر أنه مخير. وقال البيهقي: أن التختم في اليمن منسوخ وإنما محله اليسار. قوله: "عن القسي" بفتح القاف فسين مهملة مشددة، قال ابن الأثير: هو ضرب من ثياب كتان مخلوط بحرير، يؤتى به من مصر، نسب إلى قرية يقال لها: القسُّ قريب من تنيَّس (¬3). وقيل: هو القّزيُّ بالزاي، فأبدلت الزاي سيناً والقزيُّ، منسوب إلى القز، الذي هو الحرير، والأصل الأول؛ لأنه قد جاء في متن الحديث (¬4). قوله: "والميثرة الحمراء" أراد به ما كانوا يضعونه على الرِّحال فوق الجمال، قال: وهو كالقطائف، ويدخل في معناه: مياثر السُّروج؛ لأن المنهي عنه يشمل كل ميثرة حمراء، سواء كانت على رحل أو سرج. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (4225). (¬2) في "السنن" رقم (1786). (¬3) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (4/ 721 - 722). (¬4) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (4/ 721 - 722).

8 - وعنه - رضي الله عنه -: "أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كانَ يَتَخَتَّمُ فِي يَمِينِهِ". أخرجه أبو داود (¬1) والنسائي (¬2). [صحيح] 9 - وعن جعفر بن محمد عن أبيه: "أنَّ الحَسَنَ وَالحُسَيْنَ كانا يَنَخَتَّمانِ في يَسَارِهمَا". أخرجه الترمذي (¬3) وصححه. [صحيح موقوف] 10 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: "كَانَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَتَخَتَّمُ فِي يَسَارِهِ, وَكانَ فَصُّهُ فِي بَاطِنِ كَفِّهِ. وَكانَ ابنُ عُمَرَ يَفْعَلُهُ" أخرجه أبو داود (¬4). [الشطر الأول شاذ، والشطر الثاني صحيح] 11 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: "كَانَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا دَخَلَ الخَلاَءَ نَزَعَ خَاتَمَهُ". أخرجه الترمذي (¬5) وصححه, والنسائي (¬6). [ضعيف] وزاد رزين: "وَكانَ فِي يَدِه اليُسْرَى". 12 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: أتَتِ امْرَأةٌ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ الله، سِوَارَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ. فَقَالَ: "سِوَارَيْنِ مِنْ نَارٍ". فَقَالَتْ: طَوْقٌ مِنْ ذَهَبٍ؟ قَالَ: "طَوْقٌ مِنْ نَارٍ". قَالَتْ: قُرْطَيْنِ مِنْ ذهبٍ؟ قَالَ: "قُرْطَيْنِ مِنْ نَارٍ"، فَكَانَ عَلَيْهَا سِوَارَانِ مِنْ ذهبٍ فَرَمَتْ بِهِمَا وَقَالَتْ: ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (4226). (¬2) في "السنن" رقم (5203)، وهو حديث صحيح. (¬3) في "السنن" رقم (1743). صحيح موقوف. (¬4) في "السنن" رقم (4227). الشطر الأول شاذ، والشطر الثاني صحيح. (¬5) في "السنن" رقم (1746). (¬6) في "السنن" رقم (5213). وأخرجه أبو داود رقم (19)، وابن ماجه رقم (303). وهو حديث ضعيف، والله أعلم.

إِنَّ المَرْأَةَ إِذَا لَمْ تَتَزَيَّنْ لِزَوْجِهَا صَلِفَتْ عِنْدَهُ. فَقَالَ: "مَا يَمْنَعُ إِحْدَاكُنَّ أَنْ تَصْنَعَ قُرْطَيْنِ مِنْ فِضَّةٍ ثُمَّ تُصَفِّرَهُ بِزَعْفَرَانٍ أَوْ بِعَبِيرٍ". أخرجه النسائي (¬1). [ضعيف] "القُرطُ" من حلي الأذن معروف. و"وَصَلِفَتِ (¬2) المَرْأةُ عِنْدَ زَوْجِهَا" أي: لم تحظ عنده. و"وَالعَبِيرُ" أخلاط من الطيب تجمع بالزعفران (¬3). قوله في حديث أبي هريرة: "سوارين من نار" الحديث لعل هذا كان أول الأمر، ثم أحل للإناث التحلي بالذهب، فقد أخرج النسائي (¬4) عن أبي موسى أنه قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أحل الذهب والحرير لإناث أمتي وحرم على ذكورها". 13 - وعن ثوبان - رضي الله عنه - قال: جَاءَتْ فاطِمَةُ بِنْتُ هُبَيْرَةَ إِلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وَفِي يَدِهَا فَتْحٌ مِنْ ذَهَبٍ - أَيْ: خَوَاتِيمَ ضِخَامٍ - فَجَعَلَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يَضْرِبُ يَدَهَا، فَدَخَلَتْ عَلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - رضي الله عنها - تَشْكُو إِلَيْهَا الَّذِي صَنَعَ بِهَا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فَانْتَزَعَتْ فَاطِمَةُ - رضي الله عنها - سِلْسِلَةً فِي عُنُقِهَا مِنْ ذهبٍ، فَقَالَتْ: هَذِهِ أَهْدَاهَا إِلَيَّ أبُو حَسَنٍ، فَدَخَلَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وَالسِّلْسِلَةُ فِي يَدِهَا فَقَالَ: "يَا فَاطِمَةُ! أَيَسُرُّكِ أَنْ تَقُولَ النَّاسُ: ابْنَةُ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي يَدِهَا سِلْسِلَةٌ مِنْ نَارٍ". ثُمَّ خَرَجَ فلَمْ يَقْعُدْ، فَأَرْسَلَتْ فَاطِمَةُ بِالسِّلْسِلَةِ فَبَاعَتْهَا وَاشْتَرَتْ بِثَمَنِهَا عَبْدًا فَأَعْتَقَتهُ, فَحُدِّثَ رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بِذَلِكَ فَقَالَ: "الحَمْدُ لله الَّذِي أَنْجَى فَاطِمَةَ مِنَ النَّارِ". أخرجه النسائي (¬5). [صحيح] ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (5142)، وهو حديث ضعيف. (¬2) قال ابن الأثير في "النهاية" (2/ 47): أي: ثقلت عليه، ولم تحظ عنده. (¬3) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (4/ 727). (¬4) في "السنن" رقم (5148)، وهو حديث صحيح. (¬5) في "السنن" رقم (5140)، وهو حديث صحيح.

"الفَتْخُ" (¬1): جمع فتخة، وهي حلقة لا فصّ فيها تجعلها المرأة في أصابع يديها، وربما وضعتها في رجلها. قوله في حديث ثوبان: "هند بنت هبيرة" قال ابن الأثير (¬2): [211 ب] هند بنت هبيرة لها ذكر في كتاب الزينة في حديث ثوبان، يريد هذا الحديث. قال (¬3): ولم أجد في أسماء الصحابيات من اسمها هند بنت هبيرة. انتهى. قوله: "نجى فاطمة من النار" فيه دليل على تحريم الذهب على النساء إلا أنْ يدعى أنه منسوخ. قال الخطابي (¬4): أنه - صلى الله عليه وسلم - إنما قال ذلك في الزمن الأول، ثم نسخ وأبيح للنساء التحلي بالذهب، فقد ثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - قام على المنبر [354/ أ] في إحدى يديه ذهب، وفي الأخرى حرير وقال: "هذان حرام على ذكور أمتي حلال لإناثها" والوجه الآخر: أن هذا الوعيد إنما جاء فيمن لا يؤدي زكاة الذهب، لا فيمن أداها. 14 - وعن أخت لحذيفة - رضي الله عنها - قالت: قال رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: "يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ! أَمَا لَكُنَّ فِي الفِضَّةِ مَا تَحَلَّيْنَ بِه، أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ مِنْكُنَّ امْرَأةٌ تتَحَلّى ذَهَبًا وَتُظْهِرُهُ إِلاَّ عُذِّبَتْ بِهِ". أخرجه أبو داود (¬5) والنسائي (¬6). [ضعيف] ¬

_ (¬1) انظر: "غريب الحديث" للهروي (4/ 317). (¬2) في "تتمة جامع الأصول" (2/ 994 - قسم التراجم). (¬3) في "تتمة جامع الأصول" (2/ 994 - قسم التراجم). (¬4) في "معالم السنن" (4/ 437 - مع السنن). (¬5) في "السنن" رقم (4237). (¬6) في "السنن" رقم (5137، 5138)، وهو حديث ضعيف، والله أعلم.

15 - وعن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - قال: كَانَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَمْنَعُ أَهْلَهُ الحِلْيَةَ وَالحَرِيرَ وَيَقُولُ: "إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ حِلْيَةَ الجَنَّةِ وَحَرِيرَهَا فَلاَ تَلْبَسُوهَا فِي الدُّنْيَا". أخرجه النسائي (¬1). [صحيح] وفي أخرى له (¬2) عن ابن عمر قال: "نَهَى رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنْ لُبْسِ الذَّهَبِ إِلاَّ مُقَطَّعًا. [صحيح] "المُقَطع" الشيء اليسير نحو الشَّنف، والخاتم للنساء، وكره الكثير للسرف والخيلاء، وعدم إخراج الزكاة منه (¬3). قوله: "للخيلاء وعدم إخرل الزكاة منه" قال الخطابي (¬4): يشبه أنه - صلى الله عليه وسلم - كره استعمال الكثير منه؛ لأن صاحبه يبخل بإخراج الزكاة منه فيأثم ويحرج، وليس جنس الذهب محرماً عليهن كما حرم على الرجال (¬5). 16 - وعن بنانة مولاة عبد الرحمن بن حبان الأنصاري قالت: دُخِلَ عَلَى عَائِشَةَ - رضي الله عنها - بِجَارِيَةٍ لَهَا جَلاَجِلُ يُصَوِّتْنَ، فَقَالَتْ: لاَ تُدْخِلْنَهَا عَلَيَّ إِلاَّ أَنْ تَقْطَعْنَ جَلاَجِلَهَا، وَقَالَتْ: ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (5136)، وهو حديث صحيح. (¬2) أي للنسائي في "السنن" رقم (5160)، وهو حديث صحيح. (¬3) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (4/ 730). (¬4) في "معالم السنن" (4/ 437 - 438 - مع السنن). (¬5) ثم قال: قليله وكثيره.

سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "لاَ تَدْخُلُ المَلاَئِكَةُ بَيْتًا فِيهِ جَرَسٌ". أخرجه أبو داود (¬1). [حسن بشواهده]. قوله: "بنانة" بضم الباء الموحدة، وتخفيف النون الأولى، مولاة عبد الرحمن بن حيان بفتح الحاء المهملة، وتشديد المثناة التحتية، تابعية تروي عن عائشة (¬2). قوله: "جلاجل" بالجيمين جمع جلجل: وهو الجرس الصغير الذي يعلق في أعناق الدواب. 17 - وعن عرفجة بن أسعد قال: أُصِيبَ أَنْفِي يَوْمَ الكُلاَبِ فِي الجَاهِلِيَّةِ، فَاتَّخَذْتُ أَنْفًا مِنْ وَرِقٍ فَأَنْتَنَ عَلَيَّ، فَأَمَرَنِي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أَنْ أَتَّخِذَ أنفًا مِنْ ذَهَبٍ. أخرجه أصحاب السنن (¬3). [صحيح] "الكُلاَبُ" (¬4) بضم الكاف وتخفيف اللام: اسم ماء كان به، يوم معروف من أيام العرب (¬5). ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (4230)، وهو حديث حسن بشواهده، والتي منها: ما أخرجه مسلم في صحيحه رقم (103/ 2115) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تصحب الملائكة رفقة فيها كلب ولا جرس". ومنها: ما أخرجه النسائي في "السنن" رقم (5220) عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تصحب الملائكة رفقة فيها جُلجل". وهو حديث صحيح. (¬2) قاله ابن الأثير في "تتمة جامع الأصول" (1/ 224 - قسم التراجم). (¬3) أخرجه أبو داود في "السنن" رقم (4232، 4232، 4234)، والترمذي رقم (1770)، والنسائي رقم (5161, 5162). (¬4) انظر: "الفائق" للزمخشري (3/ 275). (¬5) قال ابن الأثير في "النهاية" (2/ 558): بين البصرة والكوفة.

قوله: "عن عرفجة" أقول: كذا في "الجامع" (¬1)، والذي في "سنن أبي داود" (¬2) و"سنن الترمذي" (¬3): وعن عبد الرحمن بن طرفة: أن جدّه عرفجة بن أسعد قطع أنفه ... الحديث. وبحذف ابن الأثير لعبد الرحمن الراوي عن جده صار الحديث مقطوعاً، وقال: "أنفي"، والذي في أبي داود: "أنفه". وعرفجة بفتح العين المهملة وسكون الراء ففاء فجيم، هو ابن أسعد بن صفوان، وقيل: أسعد بن كرب بفتح الكاف وكسر الراء، ويوم الكلاب بضم الكاف وتخفيف اللام (¬4). قال الخطابي (¬5): يوم معروف من أيام الجاهلية، ووقعة مذكورة من وقائعهم. قال (¬6): والورِق بكسر الراء الفضة والورق بفتحها: المال من الإبل والغنم. وفيه إباحة استعمال اليسير من الذهب للرجال عند الضرورة، كربط الأسنان وما يجري مجراه، مما لا يجري غير الذهب فيه مجراه. 18 - وعن أنس - رضي الله عنه -: أنَّ قَبِيعَةُ سَيْفِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - كَانَتْ مِنْ فِضَّةٍ. أخرجه أبو داود (¬7) والترمذي (¬8). [صحيح] ¬

_ (¬1) (4/ 731). (¬2) رقم (4232). (¬3) رقم (1770). (¬4) قاله ابن الأثير في "تتمة جامع الأصول" (2/ 600 - قسم التراجم). (¬5) في "معالم السنن" (4/ 434 - مع السنن). (¬6) أي الخطابي في "معالم السنن" (4/ 434). (¬7) في "السنن" رقم (2583). (¬8) في "السنن" رقم (1691)، وهو حديث صحيح.

الباب الثاني: في الخضاب

وفي رواية للنسائي (¬1) عن أنس قال: كَانَ نَعْلُ سَيْفِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - مِنْ فِضَّةٍ، وَقَبِيعَةُ سَيْفِهِ فِضَّةٌ، وَمَا بينَ ذَلِكَ حِلَقُ الفِضَّةٍ. [صحيح] قوله في حديث أنس: "كانت قبيعة" بفتح القاف فموحدة فمثناة تحتية، في "النهاية" (¬2): هي التي تكون على رأس قائم السيف، وقيل: هي ما تحت شاربي السيف، وفيها فعل السيف الحديدة التي في أسفل القراب. قوله: "أخرجه [213 ب] أبو داود والترمذي" قلت: وقال (¬3): هذا حديث حسن غريب. الباب الثاني: في الخضاب 1 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّ اليَهُودَ وَالنَّصَارَى لاَ يَصْبُغُونَ فَخَالِفُوهُم". أخرجه الخمسة (¬4) إلا الترمذي بهذا اللفظ. [صحيح] ولفظ الترمذي (¬5): "غّيِّرُوا الشِّيْبَ، وَلاَ تَشبَّهُوا بِاليَهُودِ". [صحيح] قوله: (الباب الثاني من أبواب الزينة في الخضاب). قوله في حديث أبي هريرة: "لا يصبغون" أي: الشيب، كما دلَّ له رواية الترمذي الآتية، وإلا بمخالفتهم للندب، وأطلق الصبغ، ويأتي أنه يكون بغير الأسود. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (5374). (¬2) (2/ 409). (¬3) في "السنن" (4/ 201). (¬4) أخرجه البخاري رقم (3462، 5899)، ومسلم رقم (2103)، وأبو داود رقم (4203)، والنسائي رقم (5069، 5072)، وابن ماجه رقم (3621)، وهو حديث صحيح. (¬5) في "السنن" رقم (1752)، وهو حديث صحيح.

2 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: مَرَّ رَجُلٌ وَقَدْ خَضَبَ بِالحِنَّاءِ فَقَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَا أَحْسَنَ هَذَا! ". ومَرَّ آخَرُ وَقَدْ خَضَبَ بِالحِنَّاء وَالكَتَمِ فَقَالَ: "هَذَا أَحْسَنُ مِنْ هَذَا"، ثُمَّ مَرَّ آخَرُ وقَدِ خَضَبَ بِالصُّفْرَةِ فَقَالَ: "هَذَا أَحْسَنُ مِنْ هَذَا كُلَّهِ". أخرجه أبو داود (¬1). [ضعيف] "الكَتمُ" (¬2) نبت يخلط بالوسمة يختضب به. قوله في حديث ابن عباس: "وقد خضب بالحناء" يحتمل لحيته، أو رأسه، أو هما معاً. قوله: "بالكتم والحناء" أقول: في "الفتح" (¬3): الكتم بفتح الكاف، فمثناة فوقية خفيفة، وحكي بتثقيلها: ورق يخضب به كالورس نبات ينبت في أصعب الصخور، فيتدلى خيطاناً لطافاً، ومجتناه صعب، ولذلك هو قليل. قوله: "بالصفرة: هذا أحسن من هذا كله" والصفرة كانت من الورس، وإنما فضلها على الحناء؛ لأن لون الحناء تكون فيه بعض الحمرة. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (4211). وأخرجه ابن ماجه رقم (3627)، وفي إسناده حميد بن وهب (أ) القرشي الكوفي، وهو منكر الحديث، ومحمد بن طلحة الكوفي (ب)، وكان ممن يخطئ، حتى خرج عن حد التعديل، ولم يغلب خطؤه صوابه حتى يستحق الترك، وهو ممن يحتج به إلا بما انفرد, قاله المنذري في "مختصر السنن" (6/ 107)، وهو حديث ضعيف. (¬2) "القاموس المحيط" (ص 446). (¬3) (10/ 355).

قوله: "يخلط بالوسمة" أقول: قال الخطابي (¬1): يقال: أن الكتم الوسمة، ويشبه أن يكون إنما أراد به استعمال كل واحد منهما مفرداً عن غيره، فإن الحناء إذا خلط بالكتم جاء أسود، ويقال: أنّ الكتم نوع آخر (¬2) غير الوسمة. انتهى. 3 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما -: أنَّهُ كَانَ يُصفِّرُ لِحْيَتَهُ بِالصُّفْرَةِ وَيَقُولُ: "رَأَيْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَصْبُغُ بِهَا، وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْهَا، وَقَدْ كَانَ يَصْبُغُ بِهَا ثِيَابَهُ". أخرجه أبو داود (¬3) والنسائي (¬4). [صحيح] وفي رواية لهما (¬5) عن أنس قال: "مَا خَضَبَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإنَّهُ لَمْ يَبْلُغْ مِنْهُ الشّيْبُ إلاَ قَلِيلاً، قَالَ: وَلَوْ شِئْتُ أنْ أعُدَّ شَمطَاتٍ كُنَّ في رَأْسِهِ لَفَعَلْتُ، وَكانَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ - رضي الله عنهما - يَصْبُغَانِ بِالحِنَّاءِ وَالكَتَم". [صحيح] "الشَّمَطُ": الشيب. "وَالشَّمَطَاتُ" الشعرات البيض (¬6). ¬

_ (¬1) في "معالم السنن" (4/ 416 - مع السنن). (¬2) انظر: "زاد المعاد" (4/ 367). (¬3) في "السنن" رقم (4210). (¬4) في "السنن" رقم (5244). وأصله عند أحمد (2/ 17، 110)، والبخاري رقم (166)، ومسلم رقم (1187)، والطبراني في "الكبير" رقم (13214، 13317)، وابن ماجه رقم (3626)، وابن أبي شيبة في مصنفه (8/ 443 رقم 5100)، وهو حديث صحيح. (¬5) أخرجه أبو داود رقم (4209)، والنسائي رقم (5086، 5087) دون ذكر أبي بكر وعمر. وهو حديث صحيح. (¬6) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (4/ 738).

قوله في حديث ابن عمر: "أخرجه أبو داود والنسائي" قلت: [214 ب] لفظ النسائي عن عبيد قال: رأيت ابن عمر يصفر لحيته، فقلت له في ذلك، فقال: "رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يصفر لحيته". وأخرج (¬1) عن نافع عن ابن عمر: أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يصفر لحيته بالورس والزعفران، وكان ابن عمر يفعل ذلك، وقال: إني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصبغ بها، ولم يكن شيء أحب إليه منها، وقد كان يصبغ ثيابه كلها حتى عمامته. وأخرجها أبو داود (¬2) والنسائي (¬3) كما في "الجامع" (¬4). قوله في حديث أنس: "ما خضب ... الحديث" ولابن سعد (¬5) بسند صحيح عن أنس: "ما كان في رأسه ولحيته إلا تسع عشرة أو ثمان عشرة" أي شعرات بيض. وفي "صحيح مسلم" (¬6): إنما كان البياض في عنفقته وفي الصدغين وفي الرأس نبذٌ، أي: متفرقة، قاله في "التوشيح". وقال النووي في "شرح مسلم" (¬7) بعد أن ذكر الروايات والاختلاف: والمختار أنه - صلى الله عليه وسلم - صبغ في وقت وترك في معظم الأوقات، فأخبر كل بما رأى وهو صادق. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (4064). (¬2) في "السنن" رقم (4064). (¬3) في "السنن" رقم (5244) بسند صحيح. (¬4) (4/ 736 رقم 2863). (¬5) في "الطبقات الكبرى" (1/ 431). (¬6) رقم (104/ 6341). (¬7) (14/ 79 - 80).

وهذا التأويل كالمتعين، فحديث ابن عمر أنه صبغ بالصفرة في الصحيحين (¬1). 4 - وعن كريمة بنت همام: أَنَّ امْرَأَةً سَأَلتْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - عَنْ خِضابِ الحِنَّاءِ فَقَالَتْ: لاَ بَأْسَ بِهِ، لَكِنِّي أَكْرَهُهُ، لِأنَّ حَبِيبِي - صلى الله عليه وسلم - يَكْرَه رِيحَهُ. أخرجه أبو داود (¬2) والنسائي (¬3). [ضعيف] قوله في حديث عائشة: "لكنني أكرهه" قال أبو داود (¬4): يعني خضاب شعر الرأس. انتهى. يريد لا اليدين والرجلين. قوله: "أخرجه أبو داود والنسائي" قلت: لم أجده في النسائي (¬5) في باب الأمر بالخضاب، وقد نسبها إليه ابن الأثير أيضاً، فيحتمل أن نقله من "السنن الكبري" لأني إنما راجعت المجتبى. [215 ب]. 5 - وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: أَوْمَأَتِ امْرَأَةٌ مِنْ وَرَاءِ سِتْرٍ بِيَدِهَا كِتَابٌ إِلَى رَسُولِ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - فَقَبَضَ - صلى الله عليه وسلم - يَدَهُ فَقَالَ: "مَا أَدْرِي أَيَد رَجُلٍ أَمْ يَدُ امْرَأَةٍ؟ ". فَقَالَتْ: بَلِ يَدُ امْرَأَةٌ، فَقَالَ: "لَوْ كنْتِ امْرَأةً لَغَيَّرْتِ أَظْفَارَكِ" يَعْنِي بِالحِنَّاءِ. أخرجه أبو داود (¬6) والنسائي (¬7). [ضعيف] 6 - وعنها - رضي الله عنها -: أَنَّ هِنْدَ بِنْتَ عُتْبَةَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ الله: بَايِعْنِي، قَالَ: "لاَ أبَايِعُكِ حَتَّى تُغَيِّرِي كَفَّيْكِ، كَأَنَّهُمَا كَفَّا سَبُعٍ". أخرجه أبو داود (¬8). [ضعيف] ¬

_ (¬1) البخاري في صحيحه رقم (166)، ومسلم رقم (1187). (¬2) في "السنن" رقم (4164). (¬3) في "السنن" رقم (5090). وهو حديث ضعيف، والله أعلم. (¬4) في "السنن" (4/ 395). (¬5) بل هو في "السنن" (المجتبى)، (8/ 143 رقم 5090). (¬6) في "السنن" رقم (4166). (¬7) في "السنن" رقم (5089). وهو حديث ضعيف، والله أعلم. (¬8) في "السنن" رقم (4165). وهو حديث ضعيف، والله أعلم.

الباب الثالث: في الخلوق

7 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: أُتِيَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بِمُخَنَّثٍ قَدْ خَضَبَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ بِالحِنَّاءِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - "مَا بَالُ هَذَا؟ "، قالُوا: يَتَشَبَّهُ بِالنِّسَاءِ. فَأُمِرَ بِهِ فَنُفِيَ إِلَى النَّقِيعِ، فَقِيلَ: أَلاَ نَقْتُلُهُ يَا رَسُولَ اللَّه؟ فَقَالَ: "إِنِّي نُهِيتُ عَنْ قَتْلِ المُصَلِّينَ". أخرجه أبو داود (¬1). [إسناده ضعيف]. "النّقِيعُ" بالنون: موضع بالمدينة كان حمىً. قوله في حديث أبي هريرة: "بمخنث" (¬2) أقول: بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة فنون مفتوحة وتكسر فمثلثة: هو من يتشبه بالنساء. قوله: "- صلى الله عليه وسلم -: ما بال هذا؟ " يشعر أنه كان الرجال لا يخضبون. [355/ أ]. الباب الثالث: في الخلوق 1 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: "نَهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنْ يَتَزَعْفَرَ الرَّجُلُ". أخرجه الخمسة (¬3). [صحيح] وقال الترمذي (¬4): معناه أن يتطيب به. (الباب الثالث في الخلوق) أقول: بفتح الخاء المعجمة وفتح اللام فقاف، في "النهاية" (¬5): هو طيب معروف مركب يتخذ من الزعفران وغيره من أنواع الطيب، وتغلب عليه الحمرة والصفرة، وقد ورد تارة ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (3982)، وهو حديث ضعيف الإسناد. (¬2) انظر: "القاموس المحيط" (ص 216). (¬3) أخرجه البخاري رقم (5846)، ومسلم رقم (2101)، وأبو داود رقم (4179)، والترمذي رقم (2815)، والنسائي رقم (5256, 5257). (¬4) في "السنن" (5/ 121). (¬5) (1/ 526).

بإباحته وتارة بالنهي عنه، والنهي أكثر وأثبت، وإنما نهى عنه؛ لأن من طيب النساء، وكن أكثر استعمالًا له منهم، والظاهر أن أحاديث النهي ناسخة. انتهى. قوله في حديث أنس: "أن يتزعفر" ظاهره خاص بالزعفران نفسه، وفسره الترمذي (¬1) بالتطيب به, ولفظه في "الجامع" (¬2): وقال الترمذي (¬3): ومعنى كراهية التزعفر للرجال أن يتطيب به، ثم قال (¬4): والحديث حسن صحيح. وأحاديث الباب دالة على ما قاله في "النهاية" (¬5) من التحريم. 2 - وعنه - رضي الله عنه - قال: أتَى رَجُلٌ النِّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَعَلَيْهِ أَثَرُ صُفْرَةٍ، وَكَانَ - صلى الله عليه وسلم - قَلَّمَا يُوَاجِهُ أحَدًا بِشَيْءٍ فِي وَجْهِهِ يَكْرَهُهُ، فَلَمَّا خَرَجَ قَالَ: "لَوْ أَمَرْتُمْ هَذَا أَنْ يَغْسِلَ عَنْهُ هَذَا". أخرجه أبو داود (¬6). [حسن] 3 - وعن يعلى بن مرة - رضي الله عنه - قال: رَأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رَجُلًا مُتَخَلِّقًا فَقَالَ: "اذْهَبْ فَاغْسِلْهُ، ثُمَّ اغْسِلْهُ, ثُمَّ لاَ تَعُدْ". أخرجه الترمذي (¬7) والنسائي (¬8). [إسناده ضعيف]. قوله في حديث يعلى بن مرة: "أخرجه الترمذي" قلت: وقال (¬9): حسن. [216 ب]. ¬

_ (¬1) في "السنن" (5/ 121). (¬2) (4/ 745). (¬3) في "السنن" (5/ 121). (¬4) في "السنن" (5/ 121). (¬5) (1/ 526). (¬6) في "السنن" رقم (4182) و (4789). وهو حديث حسن. (¬7) في "السنن" رقم (2816). (¬8) في "السنن" رقم (5121 - 5125). وهو حديث ضعيف الإسناد. (¬9) في "السنن" (5/ 122).

الباب الرابع: في الشعور شعر الرأس - الترجيل

4 - وعن أبي موسى - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يَقْبَلُ الله تَعَالَى صَلاَةَ رَجُلٍ فِي جَسَدِهِ شَيْءٌ مِنْ خَلُوقٍ". أخرجه أبو داود (¬1). [ضعيف] "الخَلُوقُ" (¬2): ضرب من الطيب ذو لون، يقال: تخلق إذا أطلى به. الباب الرابع: في الشعور شعر الرأس - الترجيل 1 - عن أبي قتادة - رضي الله عنه - قال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله! إِنَّ لِي جُمَّةً أَفَأُرَجِّلُهَا؟ قَالَ: "نَعَمْ وَأَكْرِمْهَا"، فَكَانَ أَبُو قَتَادَةَ رُبَّمَا دَهَنَهَا فِي اليَوْمِ مَرَّتَيْنِ مِنْ أجل قَوْلِهِ - صلى الله عليه وسلم -: "نَعَمْ وَأَكْرِمْهَا". أخرجه مالك (¬3) والنسائي (¬4). [ضعيف منكر]. "التَّرْجِيلُ" تسريح الشعر. (الباب الرابع في الشعور) أقول: جمع شعر، وجعله من الزينة، وهو من زينة الأبدان. قوله في حديث أبي قتادة: "جمة" أقول: بضم الجيم وتشديد الميم: هي أكبر من الوفرة، وهي أن تنزل عن شحمة الأذن. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (4178). (¬2) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (1/ 526)، وهو حديث ضعيف. (¬3) في "الموطأ" (2/ 949 رقم 6). (¬4) في "السنن" رقم (5237)، وهو حديث ضعيف منكر. قال الألباني في "الصحيحة" (5/ 319): " ... وعلته الانقطاع بين محمد بن المنكدر وأبي قتادة فإنه لم يسمع منه كما حققه الحافظ في "التهذيب", ويمكن استخراج علة ثانية، وهي الإرسال. وعلة ثالثة: وهي التدليس، فإن ابن مقدم هذا كان يدلس تدليسًا عجيبًا، يعرف عند العلماء بتدليس السكوت، فانظر ترجمته في "التهذيب".

والترجيل (¬1): بفتح المثناة الفوقية فراء فجيم فمثناة تحتية: هو تسريح الشعر. قوله: "من أجل قوله - صلى الله عليه وسلم -" تمامه في "الجامع" (¬2): "نعم وأكرمها". انتهى. فإنه سأل عن ترجيلها فزاده - صلى الله عليه وسلم - بعد الأذن في ترجيلها الأمر بإكرامها، فحمله على دهنها وبالغ فكرره. وأما الترجيل فليس فيه دليل أنه يكرره كل يوم، فلا ينافي حديث عبد الله بن مغفل ونهيه - صلى الله عليه وسلم - عن الترجيل إلا غبًا، وعند النسائي (¬3): "نهانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نمتشط كل يوم" وعنده: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان ينهى عن كثير من الأرفاه" وسئل راويه عن الإرفاه (¬4)؛ قال: الترجيل. 2 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قَالَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ كانَ لَه شَعْرٌ فَلْيُكْرِمْه". أخرجه أبو داود (¬5). [حسن لغيره]. ¬

_ (¬1) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (1/ 640). (¬2) (4/ 750 رقم 2884). (¬3) أخرجه النسائي في "السنن" (8/ 132). وأخرجه أحمد (4/ 86)، وأبو داود رقم (4159)، والترمذي رقم (1756) وقال: هذا حديث حسن صحيح. وهو حديث حسن. (¬4) أخرج أبو داود رقم (4160) من حديث فضالة بن عبيد قال: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان ينهانا عن كثير من الإرفاه. الإرفاه: هو كثرة التدهُّن والتنعُّم. وقيل: التوسُّع في المشرب والمطعم، وهو من الرِّفه، ورد الإبل وذاك أن ترد الماء متى شاءت, أراد ترك التنعم والدَّعة ولين العيش؛ لأنه من زي العجم وأرباب الدنيا. "النهاية" (1/ 676). (¬5) في "السنن" رقم (3163). =

3 - وعن عطاء بن يسار - رضي الله عنه - قال: أتَى رَجُلٌ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - ثَائِرَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ، فَأَشَارَ إِلَيْهِ - صلى الله عليه وسلم - كَأَنَّهُ يَأْمره بِإِصْلاَحَ شَعَرِهِ، فَفَعَلَ ثُمَّ رَجَعَ، فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: "أَلَيْسَ هَذَا خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدُكُمْ ثَائِرَ الرَّأْسِ كَأنَّهُ شَيْطَانٌ". أخرجه مالك (¬1). [ضعيف بهذا اللفظ] "ثَائِر الرَّأْسِ" أي: شعث الرأس بعيد العهد بالدهن والترجيل (¬2). 4 - وعن عبد الله بن مغفل - رضي الله عنه - قال: "نَهَى النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ التَّرَجُّلِ إلاَّ غِبًّا". أخرجه أصحاب السنن (¬3). [حسن] "الغِبُّ" مرة في أيام الأسبوع (¬4). ¬

_ = وأخرجه الطحاوي في "المشكل" (8/ 434 - 435 رقم 3365)، والبيهقي في "الشعب" رقم (6455)، وابن عبد البر في "التمهيد" (24/ 10)، وهو حديث حسن لغيره. (¬1) في "الموطأ" (2/ 949 رقم 7)، وهو ضعيف بهذا اللفظ. أخرج أبو داود رقم (4062)، والنسائي رقم (5236) عن جابر بن عبد الله قال: أتانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرأى رجلاً شعثاً قد تفرق شعره، فقال: "أما كان يجد هذا ما يسكن به شعره؟ " ورأى رجلاً آخر وعليه ثياب وسخة، فقال: "أما كان هذا يجد ما يغسل به ثوبه؟ ". وهو حديث صحيح. (¬2) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (4/ 751). (¬3) أخرجه أحمد (4/ 86)، وأبو داود رقم (4159)، والنسائي (8/ 132)، والترمذي رقم (1756)، وقد تقدم. وهو حديث حسن. (¬4) انظر: "القاموس المحيط" (ص 152)، "النهاية في غريب الحديث" (2/ 284).

الحلق

الحلق 1 - عن نافع أن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال. "نَهَى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنِ القَزَعِ. قِيلَ: وَمَا القَزَعُ؟ قَالَ: إذَا حَلَقَ رَأْسَ الصَّبيِّ تركَ هَا هُنَا وَهَا هُنَا"، وَأَشَارَ الرَّاوِي إلَى نَاصِيَتِهِ وَجَانِبَيْ رَأْسِهِ. أخرجه الخمسة (¬1) إلا الترمذي. [صحيح] (الحلق) قوله: "القزع" بفتح القاف وفتح الزاي فعين مهملة. قوله: "وأشار الراوي" أقول: هو عبد الله بن عمر، وتمام الحديث: "قيل له: والجارية؟ قال: لا أدري". وفي رواية: قال عبيد الله: قلت لنافع: وما القزع؟ قال: يحلق بعض رأس الصبي ويترك له ذؤابة. وفي رواية لمسلم (¬2) كما قال أبو مسعود الدمشقي: أنه صلى الله عليه وآله [217 ب] وسلم رأى غلامًا قد حلق بعض رأسه وترك بعض، فنهاهم عن ذلك وقال: "احلقوه كله أو ذروه كله". وفي رواية لأبي داود (¬3): "نهى عن القزع؛ وهو أن يحلق الصبي ويترك له ذؤابة". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (5920 , 5921)، ومسلم رقم (2120)، وأبو داود (4193)، والنسائي في "السنن" (8/ 130)، وابن ماجه رقم (3637). وهو حديث صحيح. (¬2) ذكره المنذري في "مختصر السنن" (6/ 100). وأخرجه أبو داود في "السنن" رقم (4195)، والنسائي رقم (4048)، وأحمد (2/ 88)، وهو حديث صحيح. (¬3) في "السنن" رقم (4194)، وهو حديث صحيح.

وعن وائل بن حجر: أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولي شعر طويل، فسمعته يقول: "ذباب، ذباب" وليس معه أحد، فقلت: يعنيني، فخرجت فجززته ثم أتيته فقال: "إني لم أعنك وهذا أحسن" أخرجه أبو داود (¬1). قال ابن الأثير (¬2): "ذباب" يقال: أصابك ذباب من هذا الأمر، أي: شؤم وشر. انتهى. 2 - وعن عبد الله بن جعفر - رضي الله عنهما -: أَنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - أَمْهَلَ آلَ جَعْفَرٍ حِينَ أَتَى نَعْيُهُ ثَلاَثًا قَبْل أَنْ يَأْتِيَهُمْ، ثُمَّ أَتَاهُمْ فَقَالَ: "لاَ تَبْكُوا عَلَي أَخِي بَعْدَ اليَوْمِ". ثُمَّ قَالَ: "ادْعُوا لِي بَنِي أَخِي"، فَجِيءَ بِنَا كَأنَّا أَفْرُخٌ، فَقَالَ: "ادْعُوا لِي الحَلَّاقَ"، فَأَمَرَهُ فَحَلَقَ رُءُوسَنَا. أخرجه أبو داود (¬3) والنسائي (¬4). [صحيح] قوله في حديث عبد الله بن جعفر: " [وكأنا] (¬5) أفرخ" أقول: بالفاء آخره خاء معجمة، جمع فرخ كفلس وأفلس، في "القاموس" (¬6): الفرخ ولد الطائر، وكل صغير من الحيوان والنبات. انتهى. قوله: "فأمره فحلق رءوسنا" فيه رد على من قال: لا يشرع الحلق إلا في حج أو عمرة. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود رقم (4190)، والنسائي رقم (5048)، وابن ماجه رقم (3636)، وهو حديث صحيح. (¬2) في "غريب الجامع" (4/ 755). انظر: "القاموس المحيط" (ص 109)، "النهاية في غريب الحديث" (1/ 598). (¬3) في "السنن" (4192). (¬4) في السنن" رقم (5227). وأخرجه أحمد (1/ 347). وهو حديث صحيح. (¬5) في (أ): "وكنا". (¬6) "القاموس المحيط" (ص 328).

3 - وعن علي - رضي الله عنه - قال: "نَهَى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أَنْ تَحْلِقَ المَرْأَةُ رَأْسَهَا". أخرجه النسائي (¬1). [ضعيف] ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (5049)، وهو حديث ضعيف. قلت: وأخرجه الترمذي (3/ 257 رقم 914)، وتمام في "فوائده" رقم (1411) قال الترمذي: "حديث عليٍّ فيه اضطراب، ورُوي هذا الحديث عن حماد بن سلمة عن قتادة عن عائشة. اهـ وقال عبد الحق في "أحكامه الصغرى" (2/ 815): هذا يرويه: همام بن يحيى عن قتادة عن خلاس بن عمرو عن علي، وخالفه هشام الدستوائي وحماد بن سلمة، فروياه عن قتادة مرسلًا عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. اهـ ورواية قتادة عن عائشة مرسلة كما قال أبو حاتم. وقال الحافظ في "الدراية" (2/ 32 رقم 483) عقب حديث علي: ورواته موثقون، إلا أنه اختلف في وصله وإرساله. اهـ وأخرجه البزار (2/ 32 رقم 1137 - كشف)، وابن عدي في "الكامل" (6/ 2371) من حديث عائشة. وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (3/ 263) وقال: وفيه معلى بن عبد الرحمن وقد اعترف بالوضع، وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به. اهـ قال الألباني متعقباً على ابن عدي في "الضعيفة" (2/ 124): هذا رجاء ضائع بعد اعترافه بالوضع ... اهـ وأخرجه البزار (2/ 32 رقم 1136 - كشف) من حديث عثمان. قال الحافظ في "الدراية" (2/ 32): إسناده ضعيف. وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (3/ 263) وقال: وفيه روح بن عطاء وهو ضعيف. ووهب بن عمير، أورده ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (9/ 24). ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، وقد تفرد عنه عطاء كما قال البزار، فهو مجهول. وعبد الله بن يوسف الثقفي لم يعرفه الألباني كما في "الضعيفة" (2/ 125). وخلاصة القول: أن حديث علي ضعيف لا يتقوى بهذه الشواهد الشديدة الضعف. حلق رأس المرأة يختلف باختلاف الداعي إلى الحلق: 1 - إن حلقته في مصيبة جزعاً فهو حرام. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = للحديث الذي أخرجه مسلم في صحيحه (1/ 100 رقم 167/ 104) من حديث أبي موسى ... "فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برئ من الصالقة والحالقة والشاقة". الصالقة: هي التي ترفع صوتها عند المصيبة. الحالقة: هي التي تحلق شعرها عند المصيبة. الشاقة: هي التي تشق ثوبها عند المصيبة. 2 - وإن حلقته تشبهاً بالرجال فهو حرام. للحديث الذي أخرجه البخاري رقم (5885) عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال". 3 - وإن حلقته تشبهاً بالكافرات فهو حرام. للحديث الذي أخرجه أحمد (2/ 50، 92)، وعبد بن حميد في "المنتخب" رقم (848)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (5/ 313)، وأبو سعيد الأعرابي في معجمه رقم (1137) عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " ... ومن تشبه بقوم فهو منهم". وهو حديث صحيح، صححه الألباني في الإرواء رقم (1269). 4 - وإن حلقته لضرورة كما لو مرضت، فأمرها الأطباء بحلق رأسها للعلاج؛ فإن ذلك جائز. قال ابن حزم في "المحلى" (10/ 74 - 75) المسألة (1911): ولا يحل للمرأة أن تحلق رأسها إلا من ضرورة لا محيد منها ... لحديث علي بن أبي طالب: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تحلق المرأة رأسها. فإن اضطرت إلى ذلك فقد قال الله تعالى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: 119]. اهـ 5 - وإن حلقته لغير ما تقدم فهو مكروه عند الحنفية والشافعية, وهو الصحيح من المذهب الحنبلي. انظر: "المغني" (1/ 124)، و"الإنصاف" (1/ 123). وقيل: يحرم, وهو مذهب المالكية، وقول في المذهب الحنبلي. انظر: "الفروع" (1/ 132)، و"المغني" (1/ 122)، و"الإنصاف" (1/ 123). =

الوصل

قوله في حديث علي - عليه السلام -: "أن تحلق المرأة رأسها" أقول: لأن شعرها زينة لها، وهو عام، فلا يشرع لها في الحج ولا العمرة إلا التقصير. الوصل 1 - عن أسماء - رضي الله عنها - قالت: سَأَلَتِ امْرَأَةٌ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ الله! إِنَّ ابْنَتِي أَصَابَتْهَا الحَصْبَةُ، فَامَّرَقَ شَعَرُهَا، وَإِنِّي زَوَّجْتُهَا أَفَأَصِلُهُ؟ فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: "الَعَنَ الله الوَاصِلَةَ وَالمُسْتَوْصِلَةَ" [صحيح] وفي رواية: "المَوْصُولَةَ" أخرجه الشيخان (¬1) والنسائي (¬2). [صحيح] قوله: (الوصل). أي: وصل الشعر بشعر آخر. قوله في حديث أسماء: "الحصبة" بفتح الحاء وسكون الصاد مهملات فموحدة: شبيه بالجدري. قوله: "فامَّرقَ شعرها" أقول: في "النهاية" (¬3) بالميم والراء والميم مشددة, ويقال: بالزاي، والأصل انمرق فأدغمت النون في الميم ومعناه بالزاي: انقطع. ¬

_ = 6 - أما قص المرأة من رأسها حتى يكون إلى المنكبين أو نحوه؛ فقد أجازه بعض العلماء، للحديث الذي أخرجه مسلم (1/ 256 رقم 42/ 320): عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: دخلت على عائشه, أنا وأخوها من الرضاعة, فسألها عن غُسْلِ النبي - صلى الله عليه وسلم - من الجنابة, فدعت بإناءٍ قَدْرِ الصَّاع، فاغتسلت, وبيننا وبينها ستر, وأفرغت على رأسها ثلاثاً، قال: وكان أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - يأخذن من رؤوسهن حتى تكون كالوفرة. الوفرة: شعر الرأس إذا وصل إلى شحمة الأذن. "النهاية" (5/ 210). (¬1) البخاري في صحيحه رقم (5941)، ومسلم رقم (115/ 2122). (¬2) في "السنن" رقم (5094). (¬3) (2/ 652).

وفي "الجامع" (¬1): تمرق الصوف أو الشعر عن الإهاب تمرق إذا انتثر، والواصلة التي تصل شعرها [218 ب] بشعر آخر زور، والموصلة المفعول بها ذلك. قال الخطابي (¬2): الواصلات اللاتي يصلن شعورهن بشعور غيرهن من النساء، ويردن بذلك طول الشعر يوهمن أن ذلك من أصل شعورهن، وقد تكون المرأة زعراء قليلة الشعر أو يكون شعرها أصهب فتصل شعرها بشعر أسود، فيكون ذلك كذباً وزوراً، فنهى عنه. وأما القرامل فقد رخص فيها أهل العلم؛ وذلك لأن الغرور لا يقع بها، لأن من نظر إليها لا يشك أن ذلك مستعار. انتهى. قلت: في "النهاية" (¬3): في القاف مع الراء عنه أنه رخص في القرامل، وهي ضفائر من شعر أو صوف أو إبريسم تصل بها المرأة شعرها. انتهى. 2 - وفي أخرى للستة (¬4) عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف: أَنَّ مُعَاوِيَةَ - رضي الله عنه - حَجَّ فَخَطَبَ النَّاسَ عَلَى المِنْبَرِ وَتَنَاوَلَ قُصَّةً مِنْ شَعَرٍ كَانَتْ فِي يَدِ حَرَسِيٍّ، فقَالَ: يَا أَهْلَ المَدِينَةِ! أَيْنَ عُلَمَاؤُكُمْ؟ سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَنْهَى عَنْ مِثْلِ هَذِهِ وَيَقُولُ: "إِنَّمَا هَلَكَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ حِينَ اتَّخَذَ هَذِهِ نِسَاؤُهُمْ". [صحيح] "الحَرسِيُّ" واحد الحرس، وهم خدم السلطان المرتبون بحفظه وحراسته. ¬

_ (¬1) (4/ 757). (¬2) في "معالم السنن" (4/ 397 - 398 مع السنن). (¬3) (2/ 445). (¬4) أخرجه البخاري رقم (3468، 5932)، ومسلم رقم (2127)، وأبو داود رقم (4167)، والترمذي رقم (2781)، والنسائي رقم (5092 , 5093) , ومالك في "الموطأ" (2/ 947).

السدل والفرق

قوله في حديث حميد بن عبد الرحمن: "أن معاوية حج" أقول: في "الفتح" (¬1): أنه حج عام إحدى وخمسين، وهي آخر حجة حجها في خلافته. وقوله: "أين علماؤكم" قال ابن حجر (¬2): فيه إشارة إلى أن العلماء إذ ذاك فيهم قد قلوا، وهو كذلك؛ لأن غالب الصحابة قد كانوا ماتوا. قوله: "تناول قُصَّةً من شعر" في "القاموس" (¬3): القصة بالضم شعر الناصية, والمراد هنا شيء من شعر كان النساء تصنعهن كشعر الناصية. وقوله: "إنما هلك" أي: أنه من جملة ما هلكت به، والمراد بهلاكها (¬4) أصابت الوبال بهم والرزايا. [356/ أ]. السدل والفرق 1 - عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: كَانَ أَهْلُ الكِتَابِ يَسْدِلُونَ أَشْعَارَهُمْ، وَكَانَ المُشْرِكُونَ يَفْرُقُونَ رُءُوسَهُمْ، وَكَانَ - صلى الله عليه وسلم - يُحِبُّ مُوَافَقَةُ أَهْلِ الكِتَابِ فِيمَا لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ، فَسَدَلَ نَاصِيَتَهُ, ثُمَّ فَرَقَ بَعْدُ. أخرجه الخمسة (¬5) إلا الترمذي. [صحيح] قوله: (السدل والفرق). ¬

_ (¬1) (10/ 374). (¬2) في "الفتح" (10/ 375). (¬3) "القاموس المحيط" (ص 809). (¬4) انظر: "فتح الباري" (10/ 375). (¬5) أخرجه البخاري رقم (5917)، ومسلم رقم (2236)، وأبو داود رقم (4188)، وابن ماجه رقم (3632)، والنسائي رقم (5238).

نتف الشيب

أقول: بالسين والدال مهملات، فالسدل إرسال الشعر، والفرق بسكون الراء، قسمة شعر الرأس في المفرق، "ويسدلون" بفتح حرف المضارعة وسكون السين وكسر الدال المهملتين. قوله: "ثم فرق بعدُ" أقول: بتخفيف الراء، قيل: والأمور التي وافق فيها [219 ب] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهل الكتاب ثم خالفهم السدل ثم الفرق، وترك صبغ الشعر ثم فعله، وصوم عاشوراء ثم خالفهم بصوم قبله أو بعده, واستقبال بيت المقدس ثم الكعبة، وترك مخالطة الحائض ثم المخالطة بكل شيء إلا الجماع، وصوم الجمعة ثم النهي عنه إلا بأن يصام [يوم] (¬1) قبله أو يوم بعده، والقيام للجنازة ثم تركه. نتف الشيب 1 - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - "لاَ تَنْتِفُوا الشَّيْبَ، فَإِنَّهُ مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَشِيبُ شَيْبَةً فِي الإِسْلاَمِ إِلاَّ كَانَتْ لَهُ نُورًا يَوْمَ القِيَامَةِ". أخرجه أصحاب السنن (¬2)، واللفظ لأبي داود. [صحيح] وفي رواية (¬3): "كَتَبَ الله لَهُ بِهَا حَسَنَةً, وَحَطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً". [صحيح] قوله: (نتف الشيب). ¬

_ (¬1) زيادة من (أ). (¬2) أخرجه أبو داود رقم (4202)، والترمذي رقم (2821) وقال: هذا حديث حسن. والنسائي رقم (5068)، وابن ماجه رقم (3721). وأخرجه أحمد (2/ 179، 207، 210)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (7/ 311)، والبغوي في "شرح السنة" (12/ 95 رقم 3181). (¬3) أخرجها أبو داود في "السنن" رقم (4202).

قص الشارب

أقول: المراد إزالته بالنتف والقص أو غيرهما، وهو عام لشيب الرأس واللحية، وعام لشيب النساء والرجال، وقد بين علته في الحديث وهو: "أنه ما من مسلم أو مسلمة يشيب شيبة في الإسلام إلا كانت له نوراً يوم القيامة" (¬1). قوله: "وفي رواية" أي: لأبي داود (¬2)، وعبارة "الجامع" (¬3) بعد سياق الروايتين أخرجه أبو داود. قص الشارب 1 - عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أنْهَكُوا الشَّوَارِبَ، وَأَعْفُوا اللِّحَى". أخرجه الستة (¬4). [صحيح] وفي رواية للشيخين (¬5) قال:"مِنَ الفِطْرَةِ حَلْقُ العَانَةِ, وَتَقْلِيمُ الأَظْفَارِ، وَقَصُّ الشَّارِبِ". [صحيح] ¬

_ (¬1) أخرجه الخلال في "كتاب الترجل من كتاب الجامع لعلوم الإمام أحمد بن حنبل" (ص 111 رقم 88) عن طلق بن حبيب مرسلًا؛ لأن طلق تابعي. وأخرج الترمذي في "السنن" رقم (1634)، والنسائي (6/ 27)، وأحمد (4/ 235 - 236)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (9/ 162) من حديث كعب بن مرة قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من شاب شيبة في الإسلام كانت له نوراً يوم القيامة". وهو حديث صحيح. (¬2) في "السنن" رقم (4202). (¬3) (4/ 761 رقم 2903). (¬4) أخرجه البخاري رقم (5893)، ومسلم رقم (259)، ومالك في "الموطأ" (2/ 947)، وأبو داود رقم (4199)، والترمذي رقم (2763)، والنسائي رقم (15، 5045، 5046، 5226). (¬5) البخاري رقم (5889)، ومسلم رقم (49/ 257).

وفي أخرى (¬1): "خَالِفُوا المُشْرِكِينَ، وَفِّرُوا اللِّحَى، وَأَحْفُوا الشَّوَارِبَ". [صحيح] "النَّهكُ وَالإِحْفَاءُ": المبالغة في القصِّ (¬2). "وَإعْفَاءُ اللِّحْيَةِ": تركها لا تقص حتى تعفو، أي: تكثر (¬3). (قص الشارب). قوله: "الإحفاء: المبالغة في القص" أقول: روى مالك (¬4) عن زيد بن أسلم: أن عمر كان إذا غضب فتل شاربه، فدل على أنه كان يوفره، وحكى ابن دقيق العيد (¬5) عن بعض الحنفية: أنه لا بأس بإبقاء الشوارب في الحرب لإرهاب العدو. قوله: "من الفطرة" أقول: أي السنة القديمة التي اختارتها الأنبياء، واتفقت عليها الشرائع، فكأنها أمر جبلي فطروا عليها، هذا أحسن ما قيل في تفسيرها وأجمعه. قوله: [220 ب] "وفروا اللحى" أقول: بتشديد الفاء من التوفير وهو الإبقاء، أي: اتركوها وافرة, واللحى بكسر اللام وحكي ضمها والقصر جمع، لحي ما ينبت على الخدين والذقن. "واعفوا واحفوا" بهمزة قطع فيهما في الأشهر، وكره الإمام مالك (¬6) طول اللحية جداً، فمنهم من حد بما زاد على القبضة فيزال. ¬

_ (¬1) البخاري في صحيحه رقم (5892)، ومسلم رقم (54/ 259). (¬2) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (4/ 764). (¬3) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (4/ 764). (¬4) انظر: "الاستذكار" (27/ 61)، "التمهيد" (3/ 136). (¬5) ذكره الحافظ في "الفتح" (10/ 351). (¬6) انظر: "الاستذكار" (27/ 62 - 63).

قال النووي (¬1): والمختار ترك اللحية على حالها، ولا يتعرض لها بتقصير شيء أصلًا، وفي الشارب ترك الاستئصال والاقتصار على ما يبدو منه طرف الشفة. وقال عياض (¬2): أما الأخذ من طولها - أي اللحية وعرضها - فحسن (¬3). قلت: وفي حديث زيد بن أرقم وحديث ابن عباس الآتيين دليل لقول النووي بترك الاستئصال؛ لأن في الأول: "من لم يأخذ من شاربه" و"من" للتبعيض، وفي الثاني: يقص من شاربه. وفي حديث ابن عمرو بن العاص دليل لما قاله عياض في الأخذ من طول اللحية وعرضها، إلا أنه قال الترمذي (¬4): أن حديث ابن عمرو غريب، وقال (¬5) في حديث زيد بن أرقم: حسن صحيح، وقال (¬6) في حديث ابن عباس: حسن غريب. 2 - وعن زيد بن أرقم - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ لَمْ يَأْخُذْ مِنْ شَارِبِهِ فَلَيْسَ مِنَّا". أخرجه الترمذي (¬7) وصححه النسائي (¬8). [صحيح] ¬

_ (¬1) في شرحه لصحيح مسلم (3/ 150 - 151). (¬2) في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (1/ 63 - 64). (¬3) وتمام العبارة: عند مالك وغيره من السلف، وكان ابن عمر يأخذ من طولها ما زاد على القبضة. (¬4) في "السنن" (5/ 94). (¬5) في "السنن" (5/ 93). (¬6) في "السنن" (5/ 93). (¬7) في "السنن" رقم (2761) وقال: هذا حديث حسن صحيح. (¬8) في "السنن" رقم (13، 5047). وأخرجه أحمد (4/ 366) و (4/ 368)، والقضاعي رقم (356 - 357)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (8/ 564)، والطبراني في "الكبير" رقم (5033، 5034، 5035، 5036)، وفي "الصغير" (1/ 100)، وابن حبان في صحيحه رقم (5477) من طرق. =

الباب الخامس: في الطيب والدهن

3 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: كَانَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقُصُّ مِنْ شَارِبِهِ وَيَقُولُ: "إنَّ إِبْرَاهِيمُ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ كَانَ يَفْعَلُهُ" (¬1). [حسن لغيره] 4 - وعن ابن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال: كَانَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يَأْخُذُ مِنْ لِحْيَتِهِ مِنْ عَرْضِهَا وَطُولِهَا (¬2). أخرجهما الترمذي. [إسناده ضعيف] الباب الخامس: في الطيب والدهن 1 - عن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "حُبِّبَ إلَيَّ الطِّيبُ وَالنِّسَاءُ، وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي في الصَّلاَةِ". أخرجه النسائي (¬3). [حسن] (الباب الخامس في الطيب والدهن). قوله في حديث أنس: "حبب إلي الطيب" أقول: إن الله حببه لأنه تعالى طيب يحب الطيب كما يأتي، ولأن الطيب تحبه الملائكة أيضاً، ولذا نُهي من أكل ذا رائحة كريهة كالكراث أن لا يقرب المسجد لئلا يؤذي الملائكة, ولأنه يقوي الأعضاء، وينشط للعبادة ويحبب العبد إلي من يجالسه. وقوله: "والنساء" أي: حبب إليه هذا النوع، وهو مما حببه الله إلى الناس، وزينه لهم بنص: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَآءِ} (¬4) الآية. وأبيح له منهن ما لم يبح لغيره، ¬

_ = وهو حديث صحيح، والله أعلم. (¬1) في "السنن" رقم (2760) وقال: هذا حديث حسن غريب. وهو من حديث سماك عن عكرمة عن ابن عباس، ورواية سماك عن عكرمة فيها اضطراب، فالسند ضعيف. وهو حديث حسن لغيره. (¬2) في "السنن" رقم (2760) بإسناد ضعيف. (¬3) في "السنن" رقم (3939، 3940) وهو حديث حسن. وأخرجه أحمد (3/ 128، 199، 285)، والحاكم (2/ 160). (¬4) سورة آل عمران: 14.

وقد كان له [221 ب]- صلى الله عليه وسلم - في عشرتهن والوفاء بحقوقهن ما لم يكن لأحد، وفي رواية (¬1): "حبب إليَّ من دنياكم". وقوله: "وجعلت قرة عيني في الصلاة" يقال: قرت العين إذا رضيت، والمراد: أن للصلاة في قلبه من السرور بمناجاة الله والقرب منه، فأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، وبها من روح الخاطر وقرة الناظر ما لا تصفه الأقلام، ولا تحيط بعبارة ذلك الأعلام. 2 - وعن ابن المسيب - رضي الله عنه -: أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إِنَّ الله تَعَالَى طَيِّبٌ يُحِبُّ الطَّيِّبَ، نَظِيفٌ يُحِبُّ النَّظَافَةَ، كَرِيمٌ يُحِبُّ الكَرَمَ، جَوَادٌ يُحِبُّ الجُودَ، فَنَظِّفُوا أَفْنِيَتَكُمْ، وَلاَ تَشَبَّهُوا بِاليَهُودِ. أخرجه الترمذي (¬2). [ضعيف بهذا التمام] ورفعه بعضهم عن عامر بن سعد عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. قوله في حديث ابن المسيب: "أفنيتكم" أقول: لفظ الترمذي (¬3): "أراه قال: [أخبيتكم] (¬4) ولا تشبهوا باليهود" قال: فذكرت ذلك لمهاجر بن مسمار فقال: حدثنيه عامر ¬

_ (¬1) أخرجه النسائي رقم (3940)، وأحمد (3/ 128)، والحاكم (2/ 160). (¬2) في "السنن" رقم (2799) وقال: هذا حديث غريب، وخالد بن إلياس يُضعّف، وهو حديث ضعيف بهذا التمام. قال الألباني في "غاية المرام" (ص 89 رقم 113): قلت: لكن قوله: "فنظفوا أفنيتكم ... " له طريق أخرى عن سعد بإسناد حسن كما بينته في "حجاب المرأة المسلمة" ص (101). وكذلك قوله: "جواد يحب الجود"، وانظر: "الصحيحة" رقم (1627). (¬3) في "السنن" (5/ 112). (¬4) كذا في (أ. ب)، والذي في "سنن الترمذي": "أفنيتكم".

ابن سعد عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله, إلا أنه قال: "نظفوا أفنيتكم"، وهكذا ساقه ابن الأثير (¬1)، ثم قال الترمذي (¬2): إلياس يريد أحد رواته يضعف. انتهى. وفي "النهاية" (¬3): الفناء هو المتسع من الأرض أمام الدار، وإذا أمر بتنظيف ما يتصل بالدار؛ فبالأولى الدار، وأولى منها صاحب الدار. 3 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ عُرِضَ عَلَيْهِ طِيبٌ فَلاَ يَرُدَّهُ, فَإِنَّهُ طَيِّبُ الرِّيحِ خَفِيفُ المَحْمَلِ". أخرجه مسلم (¬4) وأبو داود (¬5) والنسائي (¬6). [صحيح] قوله في حديث أبي هريرة: "فلا يرده" بضم الدال على الصحيح، ويستعمله من لا يعرف العربية بفتحها. وقوله: "المحمل" الميم الأولى وكسر الثانية كالمجلس، والمراد هنا: الحمل بفتح الحاء، أي: خفيف الحمل ليس بثقيل حتى يتبرم من حمله. وأخرج الترمذي (¬7) عن أبي عثمان النهدي مرفوعاً بلفظ: "إذا أعطى أحدكم الريحان فلا يرده فإنه خرج من الجنة" قال الترمذي (¬8): هذا حديث حسن غريب. ¬

(¬1) في "الجامع" (4/ 767). (¬2) في "السنن" (5/ 112). (¬3) (2/ 397). (¬4) في صحيحه رقم (20/ 2253) بلفظ: "من عرض عليه ريحان فلا يرده". (¬5) في "السنن" رقم (4172). (¬6) في "السنن" رقم (5259). وأخرجه أحمد (2/ 320). (¬7) في "السنن" (2791). (¬8) في "السنن" (5/ 108). وهو حديث ضعيف, والله أعلم.

4 - وعن أبي عثمان النهدي - رضي الله عنه - قال: قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا أُعْطيَ أحَدُكُمُ الرَّيْحَانَ فَلاَ يَرُدَّهُ, فَإِنَّهُ خَرَجَ مِنَ الجَنَّةِ" (¬1). [ضعيف] قوله في حديث أبي عثمان: "إذا أعطي أحدكم الريحان" أقول: قال أهل اللغة (¬2): هو كل نبت طيب مشموم [222 ب] طيب الريح. قال القاضي (¬3): ويحتمل عندي أنه أراد الطيب كله، وقد وقع هذا الحديث في رواية أبي داود (¬4): "من عرض عليه طيب" [357/ أ] , وفي الحديث النهي عن رد الريحان على من عرض عليه. 5 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -:"ثَلاَثَةُ لاَ تُرَدُّ: الوِسَادَةُ، وَالدُّهْنُ، وَالطِّيبُ" (¬5). أخرجهما الترمذي. [حسن] قوله: "أخرجهما" قلت: قال: في الأول (¬6) - أعني حديث أنس -[كذا في "الأم"، والذي في المتن الأول حديث النهدي، والثاني حديث ابن عمر فينظر] (¬7): هذا (¬8) حديث حسن صحيح. ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي في "السنن" (2791)، وقد تقدم تخريجه. (¬2) انظر: "القاموس المحيط" (ص 282). (¬3) في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (7/ 194). (¬4) في "السنن" رقم (4172)، وهو حديث صحيح. (¬5) في "السنن" رقم (2790)، وهو حديث حسن. (¬6) بل هو حديث أبي عثمان النهدي. (¬7) ما بين الحاصرتين زيادة من الناسخ في المخطوط (ب). (¬8) قال الترمذي في "السنن" (5/ 108) بإثر حديث أبي عثمان النهدي: هذا حديث غريب.

وقال في الثاني (¬1) - أعني حديث النهدي (¬2) -: هذا حديث غريب. 6 - وعن نافع قال: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَسْتَجْمِرُ بِالأَلُوَّةِ غَيْرِ مُطَرَّاةٍ، وَبِكَافُورٍ يَطْرَحُهُ مَعَ الأَلُوَّةِ وَيَقُولُ: هَكَذَا رَأَيْتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يَسْتَجْمِرُ. أخرجه مسلم (¬3) والنسائي (¬4). [صحيح] "الِاسْتِجمَارُ": هنا البخور، وهو استفعال من المجمرة، وهي التي توضع فيها النار (¬5). "الألُوةُ": بفتح الهمزة وضمها: العود الذي يتبخر به (¬6). و"وَالمُطرَّاةُ" (¬7): العود المربى المطيب (¬8). 7 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -:"طِيبُ الرِّجَالِ مَا ظَهَرَ رِيحُهُ وَخَفِيَ لَوْنُهُ، وَطِيبُ النِّسَاءِ مَا ظَهَرَ لَوْنُهُ وَخَفِيَ رِيحُهُ". أخرجه الترمذي (¬9) والنسائي (¬10). [صحيح لغيره] ¬

_ (¬1) بل هو الأول، والثاني حديث ابن عمر، قال الترمذي عقبه: هذا حديث غريب. "سنن الترمذي" (5/ 108). (¬2) بل هو حديث ابن عمر، انظر ما تقدم. (¬3) في صحيحه رقم (21/ 2254). (¬4) في "السنن" رقم (5135). (¬5) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (4/ 769). (¬6) ذكره النووي في شرحه لصحيح مسلم (15/ 10)، وانظر: "النهاية في غريب الحديث" (1/ 73). (¬7) قال ابن الأثير في "النهاية" (2/ 110): الألوة: العود، والمطرّاة التي يعمل عليها ألوان الطيب غيرها كالعنبر والمسك والكافور. انظر: "الفائق في غريب الحديث" (3/ 333). (¬8) قاله ابن الأثير في "غريب الحديث" (4/ 770). (¬9) في "السنن" رقم (2787). (¬10) في "السنن" رقم (5117 , 5118). =

قوله في حديث أبي هريرة: "أخرجه الترمذي والنسائي" قلت: وقال (¬1) الترمذي بعد أن أخرجه عن رجل: هكذا مجهول عن أبي هريرة، ثم أخرجه (¬2) عن الطُّفاويِّ عن أبي هريرة، فعيَّن المجهول أنه الطفاوي، هذا حديث حسن إلا أن الطفاوي لا نعرفه إلا في هذا الحديث ولا يعرف اسمه. قلت: ولا ذكره ابن حجر في "التقريب"، ولا ابن الأثير في "رابع الجامع"، ثم أخرج الترمذي (¬3) الحديث من طريق عن عمران بن حصين وفيه زيادة: "ونهى عن الميثرة الأرجوان" وقال (¬4): هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه. ¬

_ = وأخرجه أبو داود رقم (2174)، ورقم (4019)، والترمذي في "الشمائل" رقم (220)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (3162)، والبيهقي في "الشعب" رقم (7809)، وهو حديث صحيح بشواهده. (¬1) في "السنن" (5/ 107). (¬2) أي: الترمذي في "السنن" رقم (2787 م)، وهو حديث حسن. (¬3) في "السنن" رقم (2788) وقال: هذا حديث حسن غريب. وأخرجه أحمد (4/ 442)، وأبو داود رقم (4048)، والحاكم (4/ 191)، والبيهقي (3/ 246)، والطبراني في "الكبير" (18 ج رقم 314) كلهم من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن عن عمران بن حصين به، والحسن مدلس وقد عنعن. وسعيد بن أبي عروبة: مهران اليشكري مولاهم، أبو النضر البصري: ثقة حافظ له تصانيف، كثير التدليس، واختلط، وكان من أثبت الناس في قتادة. "التقريب" رقم (2365). وقال الحافظ في "تهذيب التهذيب" (2/ 35): قلت: والجمع بين القولين ما قاله أبو بكر البزار: إنه ابتدأ به الاختلاط سنة (133 هـ)، ولم يستحكم ولم يطبق به، واستمر على ذلك تم استحكم به أخيراً، وعامة الرواة عنه سمعوا منه قبل الاستحكام، وإنما اعتبر الناس اختلاطه بما قال يحيى القطان، والله أعلم. وهو حديث حسن لغيره, والله أعلم. (¬4) الترمذي في "السنن" (5/ 107).

8 - وعن عائشة (¬1) - رضي الله عنها - قالت: كَانَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يَتَطَيَّبُ بِذِكَارَةِ، الطِّيبِ: المِسْكِ وَالعَنْبَرِ، وَيَقُولُ: "أَطْيَبُ الطِّيبِ المِسْكُ". أخرجه الترمذي (¬2). [صحيح] "ذِكارَةُ الطِّيبِ": ما لا لون له. قوله: "بذكارة الطيب" أقول: ضبط بكسر الذال المعجمة. قال ابن الأثير (¬3): قال الأزهري (¬4): روي أنهم كانوا يكرهون المؤنث من الطيب، ولا يرون بذكورته بأساً. قال: والمراد بالمؤنث طيب النساء، مثل: الخلوق والزعفران. وأما ذكورته [مما] (¬5) لا لون له مثل [223 ب]: المسك والعود والكافور والعنبر، فعلى هذا التأويل تكون الذكورة جمع ذكر، وكذلك الذكارة التي جاءت في لفظ الحديث هي أيضاً جمع ذكر. انتهى. قلت: وفي "القاموس" (¬6): ذكار وذكارة في جمع الذكر مضبوطان بكسر ذالهما. ¬

_ (¬1) أخرجه النسائي رقم (5116) بسند ضعيف. والبخاري في "التاريخ الكبير" (2/ 88 - 89 رقم الترجمة 1786). وهو حديث ضعيف، والله أعلم. (¬2) لم يخرجه الترمذي من حديث عائشة, بل أخرجه في "السنن" رقم (991) من حديث أبي سعيد الخدري. وأخرجه مسلم في صحيحه رقم (2252)، وأبو داود رقم (3158)، والنسائي في "السنن" رقم (1905) , وهو حديث صحيح. (¬3) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 607). (¬4) في "تهذيب اللغة" (14/ 39). (¬5) في (ب): "فما". (¬6) "القاموس المحيط" (ص 508).

قوله: "أخرجه الترمذي" قلت: في "الجامع" (¬1) بعد قوله: "المسك والعنبر" ثم قال: أخرجه النسائي ولم ينسبه إلى الترمذي ولا وجدته فيه، فسقط على المصنف لفظ "العنبر" من الحديث، ووهم في نسبته. قوله: "ويقول: أطيب الطيب المسك" أقول: هذا اللفظ ليس في حديث عائشة، بل في حديث لأبي سعيد عند أبي داود (¬2) والترمذي (¬3) والنسائي (¬4) ولفظه عند أبي داود والترمذي: سئل عن المسك؟ فقال: "هو أطيب طيبكم"، وفي رواية لأبي داود (¬5): "أطيب الطيب المسك" وللنسائي (¬6) مثله. هكذا في "الجامع" (¬7)، والمصنف جعل هذه الجملة من حديث عائشة، وليس كذلك، ونسبها إلى الترمذي، وعرفناك أن حديث عائشة لم يخرجه (¬8) إلا النسائي باللفظ الذي ذكرناه. قوله: "أطيب الطيب المسك" أقول: فيه أنه أطيبه وأفضله، وأنه طاهر يجوز استعماله في البدن والثوب، ويجوز بيعه، وهذا مجمع عليه, وهو مستثنى من قاعدة: ما أبين من الحي فهو ميت، أو يقال: أنه في معنى الجنين واللبن والبيض. ¬

_ (¬1) (4/ 768 رقم 2919). (¬2) في "السنن" رقم (3158). (¬3) في "السنن" رقم (991). (¬4) في "السنن" رقم (1905)، وهو حديث صحيح. (¬5) في "السنن" رقم (3158). (¬6) في "السنن" رقم (1905). (¬7) (4/ 768 رقم 2919). (¬8) وهو كما قال، وقد تقدم تخريجه.

الباب السادس: في أمور من الزينة متعددة

9 - وعن أبي موسى - رضي الله عنه - قال: قال رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "كُلُّ عَيْنٍ زَانِيَةٌ، وَإنَّ المَرْأَةُ إِذَا اسْتَعْطَرَتْ، ثُمَّ مَرَّتْ بِالمَجْلِسِ فَهِيَ زَانِيَةً". أخرجه أصحاب السنن (¬1). [حسن] "اسْتَعَطَرَتْ": استفعلت من العطر، وهو الطيب. 10 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَصَابَتْ بَخُورًا فَلاَ تَشْهَدْ مَعَنَا العِشَاءَ الآخِرَةَ". أخرجه مسلم (¬2) وأبو داود (¬3) والنسائي (¬4). [صحيح] قوله في حديث أبي هريرة: "بخوراً" بفتح الموحدة ما يتبخر به، وبالأولى غيره من الأطياب، وحديث: "إذا استعطرت" عام لكل طيب. الباب السادس: في أمور من الزينة متعددة 1 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: "الفِطْرَةُ خَمْسٌ: الخِتَانُ، وَالِاسْتِحْدَادُ, وَقَصُّ الشَّارِبِ، وَتَقْلِيمُ الأَظْفَارِ، وَنَتْفُ الإِبْطِ". أخرجه الستة (¬5). [صحيح] "الِاسْتِحْدَادُ": كحلق العانة، ونحو ذلك من التنظيف الذي تحتاج المرأة إليه. قوله: (الباب السادس في أمور من الزينة متعددة). قوله في حديث أبي هريرة: "الفطرة خمس" أقول: فسرت الفطرة بالسنة وبالدين. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود رقم (4173) , والترمذي رقم (2786)، والنسائي رقم (5136)، وهو حديث حسن. (¬2) في صحيحه رقم (444). (¬3) في "السنن" رقم (4175). (¬4) في "السنن" رقم (5128)، وهو حديث صحيح. (¬5) أخرجه البخاري رقم (5889)، ومسلم رقم (49/ 257)، وأبو داود رقم (4198)، والترمذي رقم (2756)، وابن ماجه رقم (292)، والنسائي رقم (10, 11, 5225)، ومالك في "الموطأ" (2/ 921).

قوله: "الختان" أقول: الختان واجب على الرجال والنساء عند الشافعي (¬1) وكثير من العلماء، وسنة عند مالك (¬2) وأكثر العلماء (¬3)، وعند جمهور الشافعية (¬4): أن الختان جائز في حال الصغر وليس بواجب. قلت: لا يخفى أن إيلام الحيوان محرم إلا ما أباحه الشرع أو أوجبه، ولو كان غير واجب لما حل إيلام الآدمي، والإذن فيه دليل على وجوبه. قوله: "ونتف الإبط" أقول: قالوا: نتف الإبط أفضل لمن قوي عليه (¬5). قال يونس بن عبد الأعلى (¬6): دخلت على الشافعي والمزين يحلق إبطه. قال الشافعي (¬7): قد علمت أن السنة النتف، لكني لا أقوى على الوجع. قوله: "تحتاج المرأة إليه" أقول: لا وجه للتقييد بالمرأة، فالرجل كذلك، والنص على الاستحداد وهو استعمال الحديدة بالحلق لا بقصره عليه، بل [لإزالة بالنورة كذلك] (¬8). ¬

(¬1) انظر: "شرح صحيح مسلم" للنووي (3/ 148)، "المجموع شرح المهذب" (1/ 349). (¬2) "كشاف القناع" (1/ 99 - 100). (¬3) انظر: "المبسوط" (10/ 156). (¬4) "المجموع شرح المهذب" (1/ 349). (¬5) قاله النووي في شرحه لصحيح مسلم (3/ 149). (¬6) ذكره النووي في شرحه لصحيح مسلم (3/ 149). (¬7) النووي في "المجموع شرح المهذب" (1/ 341). (¬8) سقطت من (ب).

2 - وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رَسولُ الله: "عَشْرٌ مِنَ الفِطْرَةِ: قَصُّ الشَّارِبِ، وإعْفَاءُ اللِّحْيَةِ، وَالسِّوَاكُ، وَاسْتِنْشَاقُ المَاءِ، وَالمَضَمَضَةُ, وَقَصُّ الأَظْفَارِ، وَغَسْلُ البَرَاجِمِ، وَنَتْفُ الإِبْطِ، وَحَلْقُ العَانَةِ, وَانْتِفَاضُ المَاءِ" (¬1). "يَعْنِي الِاسْتِنْجَاءَ". [حسن] "الَبَراجِمُ": عقد الأصابع الظاهرة. قوله في حديث عائشة: "عشر من الفطرة" دليل على أن مفهوم العدد في حديث أبي هريرة غير معمول به، وتقدم الكلام في بعض هذه، وحذف الختان من الخمس الأولى، فإذا ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد (6/ 137)، ومسلم رقم (261). وهذا الحديث من الأحاديث التي انتقدها الدارقطني في كتابه "التتبع" (ص 507) على الإمام مسلم، حيث قال: حديث مصعب بن شيبة، عن طلق بن حبيب عن ابن الزبير عن عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "عشر من الفطرة ... " قال أبو الحسن - الدارقطني -: خالفه رجلان حافظان: سليمان وأبو بشر، روياه عن طلق بن حبيب من قوله: قاله معتمر عن أبيه, وأبو عوانة عن ابن بشر، ومصعب منكر الحديث، قاله النسائي. والحديث عزاه السيوطي في "الجامع الصغير" رقم (5432) إلى أحمد ومسلم وأصحاب السنن. وقال المناوي شارحه (4/ 316): قال النسائي (8/ 128): وللحديث علة وهو أن فيه حتى عند مسلم - مصعب بن شيبة منكر الحديث. وقال أحمد: له مناكير. وقال أبو حاتم والدارقطني: ليس بقوي، لكن لروايته شاهد صحيح مرفوع. اهـ قلت: مصعب بن شيبة؛ قال عنه يحيى بن معين والعجلي: ثقة. وقال ابن عدي: تكلموا في حفظه. وقال الحافظ ابن حجر: لين الحديث. انظر: "تهذيب التهذيب" (4/ 85)، و"التقريب" رقم (6691). وأخرجه النسائي رقم (5040)، والترمذي رقم (2757)، وأبو داود رقم (53)، وابن ماجه رقم (293). وهو حديث حسن، والله أعلم.

زيد على هذه العشر كانت خصال الفطرة إحدى [عشرة] (¬1) والمراد بقص الشارب ونحوه، أي: عند الاحتياج إليه. وقوله: "السواك" لم يبين له وقت، والمراد عند الحاجة، ومثله المضمضة والاستنشاق وسائر ما ذكر. قوله: "وانتفاض الماء" أقول: بالنون والقاف وصاد مهملة، المراد به الاستنجاء، قاله وكيع. وقيل: نضح الفرج بما فضل لينفي عنه الوسوسة. و"البراجم" بالموحدة والجيم جمع برجمة، يأتي تفسيرها للمصنف. 3 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: وَقَّتَ لَنَا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي قَصِّ الشَّارِبِ، وَتَقْلِيمِ الأَظْفَارِ، وَنَتْفِ الإِبْطِ، وَحَلْقِ العَانَةِ؛ أَنْ لاَ يُتْرَكَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً. أخرجه الخمسة (¬2) إلا البخاري. [صحيح] قوله في حديث أنس [225 ب]: "وقَّتَ لنا" أقول: هو من الأحاديث المرفوعة، كقوله: "أمرنا كذا" ومعناه: أن لا يترك أكثر من أربعين ليلة، لا أنه وقت لهم الترك أربعين ليلة. 4 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "اخْتَتَنَ إِبْرَاهِيمُ بِالقَدُّومِ"، وَقالَ بَعْضُهُمْ مُخَفَّفٌ: وَهْوَ ابْنُ ثَمَانيِنَ سَنَةً. أخرجه الشيخان (¬3). [صحيح] "القَدوم": بالتخفيف آلة النجار، وبالتشديد: اسم موضع، وقيل: بالعكس. ¬

_ (¬1) في (أ): "عشر". (¬2) أخرجه أحمد (3/ 122)، والترمذي رقم (2758، 2759) وقال: هذا أصح من الأول. والنسائي رقم (14)، وأبو داود رقم (4200)، وهو حديث صحيح. (¬3) البخاري رقم (3356)، ومسلم رقم (2370). وأخرجه البخاري في الأدب المفرد رقم (1244)، وأحمد (2/ 322، 418)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (8/ 325) من طرق.

قوله في حديث أبي هريرة: "بالقدوم" أقول: قال الحافظ في "الفتح" (¬1): رويناه بالتشديد عن الأصيلي والقابسي، ووقع في رواية غيرهما بالتخفيف، وأنكر يعقوب بن شيبة التشديد أصلًا. واختلف (¬2) في المراد به [358/ أ]، فقيل: اسم مكان. وقيل: اسم آلة النجار، فعلى الثاني هو بالتخفيف، وعلى الأول فيه اللغتان، هذا قول الأكثر. واختلف في الموضع؛ فقيل: قرية بالشام، وقيل: [بقعة] (¬3) بالسراة. والراجح (¬4) أن المراد في الحديث الآلة، فقد روى أبو يعلى (¬5): "أمر إبراهيم بالختان، فاختتن بقدوم فشق عليه, فأوحى الله إليه: عجلت قبل أن نأمرك بآلته، فقال: يا رب! كرهت أن أؤخر أمرك". قال الحافظ (¬6): واتفقت الروايات أنه اختتن وهو ابن ثمانين عند اختتانه، ووقع في "الموطأ" (¬7) موقوفاً عن أبي هريرة وعند ابن حبان (¬8) مرفوعاً: "إن إبراهيم اختتن وهو ابن مائة وعشرين سنة". ¬

_ (¬1) (6/ 390). (¬2) ذكره الحافظ في "الفتح" (6/ 390). (¬3) كذا في (أ. ب)، والذي في "الفتح": "ثنية". (¬4) ذكره الحافظ في "الفتح" (6/ 390). (¬5) في مسنده رقم (5981). (¬6) في "الفتح" (6/ 391). (¬7) (2/ 922). (¬8) في صحيحه رقم (6205).

قال (¬1): والظاهر أنه سقط من المتن شيء، فإن هذا مقدار عمره، ووقع في آخر كتاب العقيقة لأبي الشيخ من طريق الأوزاعي عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب موصولاً مرفوعاً مثله، وزاد: "وعاش بعد ذلك ثمانين سنة"، فعلى هذا يكون عمره مائتي سنة. قلت: ورواية رزين الآتية دالة عليه، وإن لم يخرجها أحد. 5 - وعن يحيى بن سعيد: أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ يَقُولُ: كَانَ إِبْرَاهِيم - عليه السلام - أَوَّلَ النَّاسِ ضَيَّفَ الضَّيْفَ، وَأَوَّلَ النَّاسِ اخْتَتَنَ، وَأَوَّلَ النَّاسِ قَصَّ شَارِبَهُ، وَأَوَّلَ النَّاسِ رَأَى الشَّيْبَ، فَقَالَ: يَا رَبِّ! مَا هَذَا؟ قَالَ: وَقَارٌ. قَالَ: رَبِّ زِدْنِي وَقَارًا. أخرجه مالك (¬2). [مقطوع صحيح] وزاد رزين: "وَهُوَ ابْنُ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً، وَعَاشَ بَعْدَ ذلِكَ ثَمَانِينَ". قوله: "أول الناس ضيَّف الضَّيف" أقول: قد حكى الله تعالى ضيافته للملائكة في القرآن في مواضع، قالوا: وكان إبراهيم لا يطعم طعاماً إلا ومعه ضيف، وقد يخرج نحو ميل يلتمس ضيفاً. قوله: "اختتن وقص شاربه" أقول [262 ب]: وذلك من الكلمات التي ابتلاه الله بها. فإنه أخرجه عبد الرزاق (¬3) وعبد بن حميد (¬4) وابن جرير (¬5) وابن المنذر (¬6) وابن أبي ¬

_ (¬1) قاله الحافظ في "الفتح" (6/ 391). (¬2) في "الموطأ" (2/ 922 رقم 4)، وهو أثر مقطوع صحيح. (¬3) في تفسيره (1/ 57). (¬4) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (1/ 273). (¬5) في "جامع البيان" (2/ 501). (¬6) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (1/ 273).

حاتم (¬1) والحاكم (¬2) وصححه والبيهقي في [سننه (¬3)] (¬4) عن ابن عباس في قوله تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ} (¬5) قال: ابتلاه الله بالطهارة، خمس في الرأس، وخمس في الجسد، [في الرأس] (¬6): قص الشارب، والمضمضة, والاستنشاق، والسواك، وفرق الرأس. وفي الجسد: تقليم الأظفار، وحلق العانة، والختان، ونتف الإبط، وغسل مكان الغائط والبول بالماء. انتهى. فلذا كان أول من عمل بها؛ لأنه أول من أمر بها. قوله: "وأول الناس رأى الشيب" كان آدم لم يشب وقد عاش ألف سنة، ونوح كذلك لم يره مع زيادته على ألف سنة، وإبراهيم شاب ولم يبلغ أعمارهم، فقد يحتمل أن آدم شاب ونوحاً كذلك، ولكنه دون شيب إبراهيم، وأن إبراهيم لما رأى ظهوره في شعره وكثرته أنكره. قوله: "وقاراً" أقول: في "النهاية" (¬7): الوَقَار: الحلم والرزانة، وكأن [المراد] (¬8) أن ظهور الشيب سبب لذلك، وسماه - صلى الله عليه وسلم - نوراً. ¬

_ (¬1) في تفسيره رقم (1168). (¬2) في "المستدرك" (2/ 266). (¬3) في "السنن الكبرى" (8/ 325). (¬4) في (أ, ب) شعبه، وما أثبتناه من الدر المنثور. (¬5) سورة البقرة: 124. (¬6) في (أ): "فالرأس". (¬7) (2/ 870). (¬8) في (ب): "أراد".

فيما أخرجه الترمذي (¬1) والنسائي (¬2) عن كعب بن مرة مرفوعاً: "من شاب شيبة في الإسلام كانت له نوراً يوم القيامة". وأخرج الحاكم في "الكنى" عن أم سليم مرفوعاً: "من شاب شيبة في الإسلام كانت له نوراً ما لم يغيرها". قال الحافظ العراقي: قد يقال: الشيب ليس من اكتساب العبد فما وجه ثوابه عليه؟ قال: والجواب أنه إذا كان شيبه [بسبب] (¬3) الجهاد أو غيره من أعمال البر كالدأب في العمل والخوف من الله - عز وجل - كان له الجزاء المذكور، والظاهر أنه يصير الشيب بنفسه نوراً يهتدي به صاحبه. انتهى. قلت: ولعله يقال: الإثابة جزاء ما يدركه العبد من الانكسار من رؤية الشيب، ولذا تسمى أول [الشيب] (¬4) الرائعة؛ لأنها تروع صاحبها، وتؤذنه بالرحيل، ولذا قيل: وما شئنان الشيب من أجل لونه ... ولكنه داع إلى الموت مسرع إذا طلعت منه الطليعة أذنت ... بأن المنايا خلفها تتطلع [227 ب] 6 - وعن ابن جبير قال: سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مِثْلُ مَنْ أَنْتَ حِينَ قُبِضَ رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قَالَ: أَنَا يَوْمَئِذٍ مَخْتُونٌ. قَالَ: وَكَانُوا لاَ يَخْتِنُونَ الرَّجُلَ حَتَّى يُدْرِكَ. أخرجه البخاري (¬5). [صحيح] ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (1634). (¬2) في "السنن" (6/ 27). وأخرجه أحمد (4/ 235 - 236)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (9/ 162)، وهو حديث صحيح. (¬3) في (ب): "سبب". (¬4) في (أ): "المشيب". (¬5) في صحيحه رقم (6299)، وطرفه في رقم (6300).

قوله في حديث ابن عباس: "وكانوا لا يختنون الرجل حتى يدرك" أقول: في "القاموس" (¬1): الرجل معروف، وإنما هو إذا احتلم أو نبت [أو] (¬2) هو رجل ساعة يولد. انتهى. فالمراد بالرجل هنا ما دون البلوغ، بدليل قوله: وأردك، أي: أدرك بعقله الأشياء. وهذا الحديث يعارض حديث: "أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يأمر بالختان يوم السابع من ولادة الطفل"؛ فإنه أخرج الحاكم (¬3) والبيهقي (¬4) من حديث عائشة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ختن الحسن والحسين يوم السابع من ولادتهما. وأخرج البيهقي (¬5) أيضاً من حديث جابر: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عق عن الحسن والحسين وختنهما لسبعة أيام. 7 - وعن أم عطية - رضي الله عنها -: أَنَّ امْرَأَةً كَانَتْ تَخْتِنُ النِّسَاءَ بِالمَدِينَةِ, فَقَالَ لَهَا رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تُنْهِكِي؛ فَإِنَّ ذَلِكَ أَحْظَى لِلْمَرْأَةِ, وَأَحَبُّ لِلْبَعْلِ". أخرجه أبو داود (¬6) وضعفه. [ضعيف] ورواه رزين: "أَشِمِّي وَلاَ تَنْهَكِي، فَإِنَّهُ أَنْوَرُ لِلْوَجْهِ, وَأَحْظَى عِنْدَ الرَّجُلِ". ¬

_ (¬1) "القاموس المحيط" (ص 1297). (¬2) في (ب): "إذ". (¬3) في "المستدرك" (2/ 551). (¬4) في "السنن الكبرى" (9/ 259، 303). (¬5) في "السنن الكبرى" (8/ 324). قال النووي في شرحه لصحيح مسلم (3/ 148) بعد أن ذكر الوجهين: وإذا قلنا بالصحيح استحب أن يختتن في اليوم السابع من ولادته ... (¬6) في "السنن" رقم (5271)، وهو حديث ضعيف.

قوله في حديث أم عطية: "أن امرأة كانت تختن النساء" أقول: هي أم عطية الراوية وهي الحافظة، وهي غير أم عطية التي كانت تغسل الموتى، وتغزو مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكلتاهما صحابيتان. قوله: "أشمِّي" في "النهاية" (¬1) [359/ أ] شبه القطع اليسير باشتمام الرائحة، والنَّهك بالمبالغة فيه، أي: اقطعي بعض النواة، ولا تستأصليها. انتهى. 8 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَعَنَ الله الوَاصِلَةَ وَالمُسْتَوْصِلَةَ، وَالوَاشِمَةَ وَالمُسْتَوْشِمَة". أخرجه الشيخان (¬2) والنسائي (¬3). [صحيح] قوله في حديث أبي هريرة: "لعن الله الواصلة ... إلى آخره" أقول: تقدم في وصل الشعر قريباً من رواية أسماء، وتقدم عليه الكلام، إلا أن زيادة: "الواشمة والمستوشمة" لم يكن [228 ب] في حديث أسماء. 9 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: لُعِنَتِ الوَاصِلَةُ وَالمُسْتَوْصِلَةُ، وَالنَّامِصَةُ وَالمُتنَمِّصَةُ، وَالوَاشِمَةُ وَالمُسْتَوْشِمَةُ مِنْ غيْرِ دَاءٍ. أخرجه أبو داود (¬4). [صحيح] [وقال: "الوَاصِلَةُ": التي تصل الشعر بشعر النساء. "وَالمْستَوْصِلَةُ: التي يعمل بها ذلك. "وَالنَّامِصَةُ": التي تنقش الحاجب حتى ترقه. "وَالمُتَنَمِّصَة": التي يعمل بها. "وَالوَاشِمَةُ": التي تجعل الخيلان في وجهها بكحل أو مداد. ¬

_ (¬1) (1/ 892)، وانظر: "الفائق" للزمخشري (2/ 263). (¬2) أخرجه البخاري رقم (5933)، ومسلم في صحيحه رقم (2187). (¬3) في "السنن" رقم (5106). (¬4) في "السنن" رقم (4170)، وهو حديث صحيح.

"وَالمسْتَوْشِمَةُ": المعمول بها] (¬1). 10 - وعن أبي الحصين الهيثم بن شفي قال: سَمِعْتُ أَبا رَيْحَانَةَ - رضي الله عنه - يَقُولُ: "نَهَى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عَنْ عَشْرٍ: عَنِ الوَشْرِ، وَالوَشْمِ، وَالنَّتْفِ، وَعَنْ مُكَامَعَةِ الرَّجُلِ الرَّجُلَ بِغيْرِ شِعَارٍ، وَعَنْ مُكَامَعَةِ المَرْأَةِ المَرْأَةَ بِغيرِ شِعَارٍ، وَأَنْ يَجْعَلَ الرَّجُلُ فِي أَسْفَلِ ثِيَابِهِ حَرِيرًا مِثْلَ الأَعَاجِمِ، أَوْ يَجْعَلَ عَلَى مَنْكِبَيْهِ حَرِيرًا مِثْلَ الأَعَاجِمِ، وَعَنِ النُّهْبَى، وَعَنِ رُكُوبِ النُّمُورِ، وَلُبُوسِ الخَاتَمِ إلَّا لِذِي سُلْطَانٍ". أخرجه أبو داود (¬2) والنسائي (¬3). [إسناده ضعيف] "الوَشْرِ" (¬4): أن تحدد المرأة أسنانها وترققها. "وَالمُكَامَعَةِ" (¬5): أن يجتمع الرجلان، أو المرأتان في إزار واحد لا حاجز بينهما. "وَالشَّعَارُ": الثوب الذي يلي جسد الإنسان (¬6). "وقوله: "وَعَنْ رُكُوبِ النُّمُورِ": أي جلودها، فيحتمل (¬7) أن يكون نهي عنها لما في ركوبها من الزينة والخيلاء، أو لعدم دباغها؛ لأن المراد شعرها، وهو لا يقبل الدباغ. وقوله: "إلاَّ لِذِي سُلْطَان" لأنه لغيره يكون زينة محضة لا لحاجة، ولا لأرب سواها. قوله: "وعن أبي الحصين الهيثم بن شُفَي" أقول: قدمنا ضبطه وأوله عند أبي داود أنه قال: خرجت أنا وصاحب لي يكنى أبا عامر ورجل من المعافر، لنصلي بإيلياء وكان قاضيهم ¬

_ (¬1) ما بين الحاصرتين قاله أبو داود في "السنن" (4/ 399). (¬2) في "السنن" رقم (4049). (¬3) في "السنن" رقم (5091) بإسناد ضعيف. (¬4) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 851)، "الفائق" للزمخشري (4/ 26). (¬5) "غريب الحديث" للهروي (3/ 264)، "النهاية" (2/ 562). (¬6) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (4/ 783). (¬7) قاله الخطابي في "معالم السنن" (4/ 326).

رجلاً من الأزد يقال له أبو ريحانة، من الصحابة. قال: قال أبو الحُصَين: فسبقني صاحبي إلى المسجد، ثم [جئت] (¬1) فجلست إلى جنبه فسألني: هل أدركت قصص أبي ريحانة؟ قلت: لا. قال: سمعته يقول: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... إذا عرفت هذا فأبو الحصين لم يسمع من أبي ريحانة، بل سمعه صاحبه الذي قال: أنه يكنى أبا عامر وهو مجهول، فكيف يصح قول المصنف: أنا أبا الحصين قال: سمعت أبا ريحانة وقد صرح بأنه لم يسمعه؟ ولله در ابن الأثير؛ فإنه قال في "الجامع" (¬2): أبو الحصين الهيثم بن شفي قال: خرجت أنا وصاحب لي وساق ما سقناه عن أبي داود، وأنه سبقه صاحبه إلى المسجد ... إلى قوله: فسألني: هل سمعت قصص أبي ريحانة؟ قلت: لا. قال: سمعته يقول: نهى رسول الله ... الحديث. فأفاد ابن الأثير ما أفاده أبو داود، من أن أبا الحصين لم يسمع أبا ريحانة، فلو تابعه المصنف لسلم من [وصمة] (¬3) نسبته السماع لأبي الحصين من أبي ريحانة. والمصنف قد استوفى تفسير ما فيه إلا الوشم؛ لأنه قد تقدم. [229 ب]. قوله: "أخرجه أبو داود" قلت: قال الحافظ المنذري (¬4): وأخرجه النسائي (¬5) وابن ماجه (¬6)، وفيه مقال، انتهى. والمقال لعله يريد ما ذكرناه. ¬

_ (¬1) كذا في (أ. ب)، والذي في السنن: "رَدِفْتُهُ". (¬2) (4/ 782). (¬3) في (ب): "وجهة". (¬4) في "مختصر السنن" (6/ 33). (¬5) في "السنن" رقم (5091). (¬6) في "السنن" رقم (3655). وقد تقدم، وإسناده ضعيف، والله أعلم.

11 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: كَانَ رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يكْرَهُ عَشْرَ خِلاَلٍ: الصُّفْرَةَ - يَعْنِي الخَلُوقَ - وَتَغْيِيرَ الشَّيْبِ، وَجَرَّ الإِزَارِ، وَالتَّخَتُّمَ بِالذَّهَبِ، وَالتَّبَرُّجَ بِالزِّينَةِ لِغَيْرِ مَحِلِّهَا، وَالضَّرْبَ بِالكِعَابِ، وَالرُّقَى بِغَيْرِ المُعَوِّذَاتِ، وَعَقْدَ التَّمَائِمِ، وَعَزْلَ المَاءِ عَنْ مَحِلِّهِ، وَفَسَادَ الصَّبِيِّ، غيْرَ مُحَرِّمِهِ. أخرجه أبو داود (¬1) والنسائي (¬2). [منكر]. "الخَلُوقَ" (¬3): إنما يكره للرجال دون النساء. "وَالتَّبَرُّجَ المَذْمُومُ": إظهار الزينة للأجانب [هو المذموم] (¬4)، أما للزوج فلا. "وَتَغْيِيِرُ الشَّيْبِ": إنما يكره بالسواد، أما بالحمرة والصفرة فلا. و"التَّخَتُّم بالذَّهَبِ": إنما يحرم على الرجال دون النساء. و"الضَّرْبُ بالكِعَابِ" (¬5): اللعب بها، وهي من أنواع القمار. و"عَقْدَ التَّمائِمِ": تعليق التعاويذ والحروز على الإنسان (¬6). و"عَزْلُ (¬7) المَاءِ عَنْ مَحَلِّهِ" أي: أن يعزل الرجل ماءه عن فرج المرأة الذي هو محل الماء. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (4222). (¬2) في "السنن" رقم (5088)، وهو حديث منكر. (¬3) تقدم معناه. (¬4) سقطت من (أ. ب). (¬5) قال ابن الأثير في "النهاية" (2/ 545): الكعاب: فصوص النَّرد, واحدها: كعبٌ وكعبة. واللعب بها حرام، وكرهها عامة الصحابة. وانظر: "المجموع المغيث" (3/ 53). (¬6) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (4/ 786). (¬7) قاله الخطابي في "معالم السنن" (4/ 427 - مع السنن).

وقوله: "وَفَسَادَ الصَّبيِّ": [هو أن يطأ الرجل امرأته المرضع، فإذا حملت فسد لبنها، وكان من ذلك فساد الصبي، ويسمى الغيلة] (¬1). وقوله: "غَيْرَ مُحَرَّمَةٍ": [أي: كره هذه الخصال جميعها، ولم يبلغ بها حَدّ التحريم] (¬2). قوله في حديث ابن مسعود: "يكره عشر خصال" قد بينها وشرحها المصنف، فلا زيادة على ما ذكر. 12 - وعن عليّ - رضي الله عنه - قال: نَهَانِي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عَنِ التَّخَتُّمِ بِالذَّهَبِ، وَعَنْ لِبَاسِ القَسِّيِّ، وَعَنِ القِرَاءَةِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَعَن لُبْسِ المُعَصْفَرِ. أخرجه الستة (¬3) إلا البخاري. [صحيح] وزاد الترمذي (¬4) والنسائي (¬5): وَعَنِ المِيثَرَةِ الحَمْرَاء، وَعَنِ الجَعَةِ، وَهُوَ شَرَابٌ يُتَّخَذُ بِمِصْرَ مِنَ الشَّعِيرِ، أَوْ الحِنْطَةِ. وزاد في رواية أبي داود (¬6): "لاَ أَقُولُ نَهَاكُمْ". ¬

_ (¬1) قاله الخطابي في "معالم السنن" (4/ 427 - مع السنن). (¬2) قاله الخطابي في "معالم السنن" (4/ 427 - مع السنن). (¬3) أخرجه مسلم رقم (2078)، وأبو داود رقم (4044)، والترمذي رقم (1737)، والنسائي رقم (1040 - 1044). وأخرجه أحمد (1/ 114)، وأبو يعلى رقم (415)، وأبو عوانة (2/ 171)، والطيالسي رقم (103)، والبزار في "المسند" رقم (919). (¬4) في "السنن" رقم (2808). (¬5) في "السنن" رقم (5182). (¬6) في "السنن" رقم (4046).

قوله في حديث علي: "أخرجه الستة إلا البخاري" قلت: وقال الترمذي (¬1): هذا حديث حسن صحيح. قوله: "وزاد الترمذي والنسائي" أقول: قد أطال ابن الأثير (¬2) النقل عن علي - عليه السلام - في الروايات واستوفاها بما يطول نقلها إلى هنا. قوله في حديث علي: "عن القسي" الحديث. قال الخطابي (¬3): القسي ثياب يؤتى بها من مصر فيها حرير، ويقال: أنها منسوبة إلى بلاد يقال لها القسي، بفتح القاف مشددة السين, وإنما حرمت هذه الأشياء على الرجال دون النساء. وأما القراءة في الركوع؛ فإنما نهى عنها من أجل أن الركوع محل التسبيح [أو الركوع محل التعظيم] (¬4)، وإنما محل القراءة القيام، فكره أن يجمع بينهما في محل واحد، فيكون كل واحد منهما في موضعه الخاص. [230 ب]. 13 - وعن البراء - رضي الله عنه - قال: نَهَانَا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنْ سَبْعٍ: عَنْ خَوَاتِيمِ الذَّهَبِ، وَعَنْ آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ، وَعَنِ المَيَاثِرِ، وَالقَسِّيَّةِ، وَالإِسْتَبْرَقِ، وَالدِّيبَاجِ، وَالحَرِيرِ. أخرجه الخمسة (¬5) إلا أبا داود، وهذا لفظ النسائي. [صحيح] 14 - وعن عمران بن حصين - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ أَركَبُ الأُرْجُوَانَ، وَلاَ أَلْبَسُ المُعَصْفَرَ، وَلاَ أَلْبَسُ المُكَفَّفَ بِالحَرِيرِ". وَأَوْمَأ الحُصَينُ إِلَى جَيْبِ قَمِيصِهِ. قَالَ: وَقَالَ: "أَلاَ وَطِيبُ الرِّجَالِ رِيحٌ لاَ لَوْنَ لَهُ، وَطِيبُ النِّسَاءِ لَوْنٌ لاَ رِيحَ لَهُ". [حسن] ¬

_ (¬1) في "السنن" (4/ 226). (¬2) في "الجامع" (4/ 786 - 788). (¬3) في "معالم السنن" (4/ 322 - مع السنن). (¬4) كذا في المخطوط (أ. ب)، والذي في "معالم السنن": "والذكر بالتعظيم". (¬5) أخرجه البخاري رقم (1239، 2445, 5175, 5635، 5838، 5849، 5863)، ومسلم رقم (2066)، والترمذي رقم (2809)، والنسائي رقم (1939, 3778, 5309).

قال بعض الرواة: هذا إذا خرجت، أما إذا كانت عند زوجها فَلْتَطَيِّبْ بما شاءت. أخرجه أبو داود (¬1). [حسن] "الأرْجُوانُ" (¬2): صِبْغ أحمر شديد الحمرة. 15 - وعن أبي أيوب - رضي الله عنه - قال: قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "الحِنَّاءُ وَالتَّعَطُّرُ وَالسِّوَاكُ وَالنَّكَاحُ مِنْ سُنَنِ المُرْسَلِينَ". أخرجه الترمذي (¬3). [ضعيف] قوله في حديث أبي أيوب: "الحناء" أقول: اختلف في ضبطه، فرواه الأكثر بالمثناة التحتية. وقال الحافظ مجد الدين الطبري بعد أن أخرج الحديث من طريق الترمذي بلفظ: "الحناء" بالنون، والمراد والله أعلم الخضاب في الرأس واللحية، لا في اليدين والرجلين. انتهى. ورواية الأكثر بالمثناة كما ذكرنا كما ذكر الطبراني (¬4) والدارقطني (¬5) وابن مندة (¬6) وأبو نعيم (¬7) وأحمد في مسنده (¬8)، والمراد: أن الحياء من صفاتهم وطريقتهم. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (4048). وأخرجه الترمذي في "السنن" رقم (2788) بنحوه. وهو حديث حسن. (¬2) تقدم معناه. (¬3) في "السنن" رقم (1080)، وهو حديث ضعيف. (¬4) في "الكبير" رقم (4805)، وفي "الشاميين" رقم (3590). (¬5) لم أجده. (¬6) في "الإيمان" (1/ 336). (¬7) في "الحلية" (5/ 363). (¬8) (5/ 421).

قوله: "أخرجه الترمذي" قلت: وقال (¬1): غريب، وأخرجه من طريق أبي الشمال وهو مجهول. وقال في "التقريب" (¬2): أبو الشمال بكسر أوله، وتخفيف الميم مجهول، ولم يخرج له إلا الترمذي 16 - وعن جابر - رضي الله عنه - قال: رأي النّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلاً شَعِثًا قَدْ تَفَرَّقَ شَعْرُهُ, فَفَالَ:"أَمَا وَجَدَ هَذَا مَا يُسَكِّنُ بِهِ شَعْرَهُ؟ " وَرَأَي آخَرَ عليه ثِيَابٌ وَسِخَةٌ فَقَالَ: "أَمَا كَانَ هَذَا يَجِدُ مَا يَغْسِلُ بِهِ ثَوْبَهُ؟ " (¬3) [صحيح] 17 - وعن رافع بن خديج - رضي الله عنه - قال: رَأَى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عَلَى رَوَاحِلِنَا أَكْسِيَةً فِيهَا خُيُوطُ عِهْنٍ حُمْرٌ، فَقَالَ: "لاَ أَرَى هَذِهِ الحُمْرَةَ قَدْ عَلَتْكُمْ". فَقُمْنَا سِرَاعًا لِقَوْلِهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى نَفَرَ بَعْضُ إِبِلِنَا فنزعنا الأَكْسِيَةَ (¬4). أخرجهما أبو داود. [إسناده ضعيف]. "العِهْنُ": صوف مصبوغ، وقيل الصوف مطلقاً (¬5). 18 - وعن عَبَّادِ بن تميم: أَنَّ أَبَا بَشِيرِ الأَنْصَارِيَّ - رضي الله عنه - أَخْبَرَهُ أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي سَفَرٍ: فَأَمَرَ مُنَادِيَهُ: "لاَ تَبْقَيَنَّ فِي رَقَبةِ بَعِيرٍ قِلاَدَةٌ مِنْ وَتَرٍ أَوْ قِلاَدَةٌ إلَّا قُطِعَتْ" (¬6). [صحيح] ¬

_ (¬1) في "السنن" (3/ 391). (¬2) (2/ 434 رقم 12). (¬3) في "السنن" رقم (4062). وأخرجه النسائي رقم (5236)، وهو حديث صحيح. (¬4) أخرجه أبو داود في "السنن" رقم (4070) بإسناد ضعيف. (¬5) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (4/ 794). (¬6) أخرجه البخاري رقم (3005)، ومسلم رقم (2115)، ومالك في "الموطأ" (2/ 937).

الباب السابع: في النقوش والصور والستورذم المصورين

قال مَالِكٌ (¬1): أرَى ذَلِكَ العَيْنِ. أخرجه الثلاثة وأبو داود (¬2). [صحيح] الباب السابع: في النقوش والصور والستورذم المصورين 1 - عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ الَّذِينَ يَصْنَعُونَ هَذِهِ الصُّوَرَ، وفي رواية: إنَّ أصْحَابَ هذِهِ الصُّوَرِ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ، يُقَالُ لهُمْ: أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ". أخرجه الشيخان (¬3) والنسائي (¬4). [صحيح] (الباب السابع في النقوش والصور والستور). قوله في حديث ابن عمر: "الذين يصنعون هذه الصور [231 ب] يعذبون يوم القيامة" بين عذابهم بقوله: "أحيوا ما خلقتم" أقول: قال الخطابي (¬5): والصورة: هو كل ما يصور من الحيوان، سواء في ذلك الصورة المنصوبة القائمة التي لها أشخاص، وما لا شخص له من المنقوشة في الجدر، والمصورة فيها في الفرش والأنماط، وقد رخص بعض العلماء فيما كان منها في الأنماط التي توطأ وتداس بالأرجل. انتهى. قوله: "أحيوا ما خلقتم" أقول: هو أمر تعجيز مثل: {كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا (50)} (¬6)، ويستفاد منه صفة عذاب المصورين، وهو أنه يكلف نفخ الروح في الصورة التي ¬

_ (¬1) في "الموطأ" (2/ 937). (¬2) في "السنن" (2252). (¬3) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (5951)، ومسلم رقم (2108). (¬4) في "السنن" رقم (5361)، وهو حديث صحيح. (¬5) في "معالم السنن" (4/ 384 - مع السنن). (¬6) سورة الإسراء: 50.

صورها وهو لا يقدر على ذلك، فيستمر تعذيبه. وفي رواية للبخاري (¬1): "أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ". قال الكرماني (¬2): أنه من تكليف ما لا يطاق. ورده الحافظ في "الفتح" (¬3) فقال: ليس كذلك، وإنما المراد طول تعذيبه, وإظهار عجزه عما كان يتعاطاه، ومبالغة في توبيخه وقبح فعله. 2 - وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قَدِمَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مِنْ سَفَرٍ وَقَدْ سَتَرْتُ سَهْوَةً لِي بِقِرَامٍ فِيهِ تَمَاثِيلُ، فَلَمَّا رَآهُ هَتكَهُ وَتَلَوَّنَ وَجْهُهُ وَقَالَ: "يَا عَائِشَةُ! أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ القِيَامَةِ الَّذِينَ يُضَاهُونَ بِخَلْقِ الله". قَالَتْ: فَقَطَعْنَاهُ فَجَعَلْنَا مِنْهُ وِسَادَةً أَوْ وِسَادَتَيْنِ. أخرجه الثلاثة (¬4) والنسائي (¬5). [صحيح] "السَّهْوَةُ" كالكوَّةِ: النافذة بين الدارين، وقيل: هي الصُّفةُ بين يدي البيت. وقيل: هي صفة صغيرة كالمخدع (¬6). "وَالقِرَامُ": الستر. "وَالمضَاهَاةُ": المشابهة والمماثلة (¬7). ¬

_ (¬1) في صحيحه رقم (2225، 5963، 7042). (¬2) ذكره الحافظ في "الفتح" (10/ 394). (¬3) في "فتح الباري" (10/ 394)، و (12/ 428). (¬4) أخرجه البخاري رقم (2479، 5954، 6109)، ومسلم رقم (2107)، ومالك في "الموطأ" (2/ 966). (¬5) في "السنن" رقم (5356). (¬6) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (4/ 798). (¬7) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (4/ 798).

قوله في حديث عائشة: "قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من سفر" أقول: لفظ أبي داود (¬1) عن عائشة: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعض مغازيه، فكنت أتحين قفوله، فأخذت غطاء كان لنا فسترت به على العرض (¬2)، فلما جاء استقبلته فقلت: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته، الحمد لله الذي أعزك وأكرمك، فنظر إلى البيت فرأى النمط فلم يرد [360/ أ] علي شيئاً، فرأيت الكراهة في وجهه، فأتى النمط حتى هتكه وقال: "إن الله لم يأمرنا فيما رزقنا أن نكسو الحجارة واللبن" قالت: فقطعته فجعلته وسادتين وحشوتهما ليفاً [232 ب] فلم ينكر ذلك عليَّ. انتهى. قال الخطابي (¬3): العرض هو الخشبة المعترضة يسقف بها البيت، ثم توضع عليها أطراف الأخشاب الصغار. قوله: "سهوة" أقول: قال الحافظ في "الفتح" (¬4): بفتح المهملة وسكون الهاء: الصفة في جانب البيت. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (4153). وأخرجه البخاري رقم (3225)، ومسلم رقم (2106)، وابن ماجه رقم (3649)، والترمذي رقم (2804)، والنسائي رقم (4282، 5347، 5348). (¬2) قال الهروي: المحدثون يروونه بالضاد المعجمة, وهو بالصاد والسين، وهو خشبة توضع على البيت عَرْضاً إذا أرادوا تسقيفه، ثم تلقى عليه أطراف الخشب القصار. "النهاية في غريب الحديث" (2/ 182)، "الفائق" للزمخشري (1/ 202). (¬3) "غريب الحديث" للخطابي (1/ 19). (¬4) (10/ 387).

وقيل: الكوة، وقيل: الرف، وقيل: أربعة أعواد ثلاثة تعارض بعضها ببعض يوضع عليها الشيء من الأمتعة، وقيل: أنْ يبني من حائط البيت حائط صغير، ويجعل السقف على الجميع، فما كان وسط البيت فهو السهوة، وما كان داخله فهو المخدع، ثم ساق تفاسير. قال (¬1): وقد وقع في حديث (¬2) عائشة: أنها علقته على بابها، فيتعين أن السهوة بيت صغير علقت الستر على بابه. انتهى. واعلم أن للحديث ألفاظ كثيرة سردها ابن الأثير في "الجامع" (¬3) منها هذا، وفي أخرى: سترت بها نمرقة فيها تصاوير. وفي أخرى: حشوت للنبي - صلى الله عليه وسلم - وسادة فيها تماثيل كأنها نمرقة. وفي رواية: فأخذته فجعلته مرفقتين، فكان يرتفق بهما في البيت. قوله: "أشد الناس عذاباً يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله" أقول: قال الحافظ في "الفتح" (¬4): قد استشكل كون المصور أشد عذاباً مع قوله تعالى: {أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (46)} (¬5) فإنه يقتضي أن يكون المصور أشد عذاباً من آل فرعون. وأجاب الطبري (¬6): بأن المراد هنا من يصور ما يعبد من دون الله، وهو عارف بذلك قاصد له، فإنه يكفر بذلك، ولا يبعد أن يدخل مدخل آل فرعون. وأما من لا يقصد ذلك؛ فإنه يكون عاصياً بتصويره فقط. ¬

_ (¬1) أي الحافظ في "الفتح" (10/ 387). (¬2) يشير إلى الحديث الذي أخرجه البخاري في صحيحه رقم (5955) عن عائشة قالت: قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - من سفر وعلَّقت درنوكاً فيه تماثيل، فأمرني أن أنزعه، فنزعته. (¬3) في "الجامع" (4/ 803 - 808). (¬4) (10/ 383). (¬5) سورة غافر: 46. (¬6) ذكره الحافظ في "الفتح" (10/ 387).

وأجاب غيره (¬1): بأن الرواية بإثبات (من) ثابتة وبحذفها محمولة عليها، وإذا كان من يفعل التصوير من أشد الناس عذاباً؛ كان مشتركاً مع غيره، وليس في الآية ما يقتضي اختصاص آل فرعون بأشد العذاب، بل هم في العذاب الأشد، فكذلك غيرهم، يجوز أن يكون في العذاب الأشد، وذكر أجوبة أخر. قال النووي (¬2): تصوير صورة [233 ب] الحيوان شديد التحريم، وهو من الكبائر؛ لأنه متوعد عليه هذا الوعيد الشديد، وسواء صنعه لما يمتهن أو لغيره فصنعته حرام بكل حال، وسواء كان في ثوب أو بساط أو دراهم أو دنانير أو فلس أو إناء أو حائط أو غيرها، فأما تصوير ما ليس فيه صورة حيوان فليس بحرام. قوله: "فقطعنا منه وسادة أو وسادتين" أقول: قال ابن الأثير (¬3): فقال رجل في المجلس حينئذ يقال له ربيعة بن عطاء مولى بني زهرة: أفما سمعت أبا محمد - يعني أباه, يريد راوي الحديث عن عائشة - فإنه ساقه من رواية عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه: أن عائشة نصبت ستراً ... الحديث يذكر أن عائشة قالت: فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرتفق عليها. فقال ابن القاسم: لا، فقال: لكني قد سمعته. يريد القاسم بن محمد. انتهى. وفي رواية ساقها ابن الأثير (¬4) قالت: فأخذته فجعلته مرفقتين فكان يرتفق بهما في البيت. انتهى. ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (10/ 387). (¬2) في شرحه لصحيح مسلم (3/ 81). (¬3) في "الجامع" (4/ 797). (¬4) في "الجامع" (4/ 797).

وهذا لفظ رواية مسلم (¬1)، وعليه بوب البخاري (¬2): باب ما وطئ من التصاوير، أي: أنه يرخص فيه. قال النووي (¬3): وهو قول جمهور العلماء من الصحابة والتابعين، وهو قول الثوري ومالك وأبي حنيفة والشافعي، ولا فرق بين ماله ظل ولا ما ظل له، فإن كان معلقاً على حائط أو ملبوساً أو عمامة أو نحو ذلك مما لا يعد ممتهناً فهو حرام. انتهى. قال الحافظ في "الفتح" (¬4): قلت: وفيما ذكره مؤاخذات منها: أن ابن العربي نقل أن الصورة إذا كان لها ظل حرام بالإجماع سواء كانت فيما يمتهن أو لا. قال الحافظ (¬5): وهذا الإجماع محله فيما إذا كان في غير لعب البنات. وفيها: أنه صحح ابن العربي أن الصورة التي لا ظل لها إذا بقيت على هيئتها [234 ب] حرمت، سواء كانت فيما يمتهن أولا وإن قطع رأسها، أو حرفت جاز. ونقل الرافعي عن الجمهور: أن الصورة إذا طقع رأسها ارتفع المانع. انتهى. قلت: هذا كله مبني على أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يرتفق بالوسادتين، وعلى أن الصور باقية فيهما، لكنه قد خرَّج البخاري (¬6) عن عائشة حديثاً يفيد أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يستعمل ما فيه الصورة أصلًا، ¬

_ (¬1) في صحيحه رقم (2107). (¬2) في صحيحه (10/ 386 الباب رقم 91). (¬3) في شرحه لصحيح مسلم (13/ 81 - 82). (¬4) (10/ 388). (¬5) في "فتح الباري" (13/ 388). (¬6) في صحيحه رقم (5957).

وبوب (¬1) له بقوله: باب من كره القعود على الصور، وساق حديث عائشة الذي [361/ أ] أشرت إليه. قال الحافظ في "الفتح" (¬2): أن البخاري أشار إلى الجمع بين رواية: أنه كان يرتفق بهما، ورواية: أنه لم يستعمله رأساً؛ بأنه لا يلزم من اتخاذ ما يوطأ من الصور جواز القعود على الصورة، فيجوز أن يكون استعمل من الوسادة ما لا صورة فيه، ويجوز أنه رأى التفرقة بين القعود والاتكاء، وهو بعيد. قال (¬3): ويحتمل أن يجمع بين الحديثين بأنها لما قطعت الستر وقع القطع في وسط الصورة، فخرجت عن هيئتها، فلهذا صار يرتفق بها. قال (¬4): وسلك الداودي مسلكاً آخر الجمع، فادعى أن حديث عدم استعماله - صلى الله عليه وسلم - له رأساً ناسخ لجميع أحاديث ما يفيد خلافه، واحتج بأنه خبر والخبر لا ينسخ. وتعقبه الحافظ (¬5): بأنه لا يثبت النسخ بالاحتمال، وقد أمكن الجمع، فلا يلتفت إلى دعوى النسخ. انتهى. قلت: وعلى كل تقدير حد الجمع مما ذكره الحافظ من أنه لما قطع؛ وقع القطع وسط الصورة, ثم لم يبق دليل على جواز بقائها فيما تمتهن، فإنه لا دليل عليه إلا ارتفاقه - صلى الله عليه وسلم - فيه صورة، وإذا كانت قطعت [235 ب] [لم يبق صورة] (¬6). ¬

_ (¬1) البخاري في صحيحه (10/ 389 الباب رقم 92). (¬2) (10/ 390). (¬3) أي الحافظ في "فتح الباري" (10/ 390). (¬4) الحافظ في "الفتح" (10/ 390). (¬5) في "الفتح" (10/ 390) (¬6) سقطت من (ب).

3 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما -: أنَّهُ أَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ. إِنِّي أُصَوِّرُ هَذِهِ الصُّوَرَ فَأَفْتِنِي فِيهَا، فَقَالَ: ادْنُ مِنِّي فَدَنَا، ثُمَّ قَالَ: ادْنُ مِنِّي، فَدَنَا حَتَّى وَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ, وَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "كُلُّ مُصَوِّرٍ فِي النَّارِ، يَجْعَلُ الله تعَالى لَهُ بِكُلِّ صُورَةٍ صَوَّرَهَا نَفْسًا فَيُعَذِّبُهُ فِي جَهَنَّمَ". وَقَالَ: إِنْ كُنْتَ لاَ بُدَّ فَاعِلًا فَاصْنَعِ الشَّجَرَ وَمَا لاَ نَفْسَ لَهُ. أخرجه الشيخان (¬1) والنسائي (¬2). [صحيح] قوله في حديث ابن عباس: "فاصنع الشجر" أقول: استدل به على جواز تصوير ما لا روح له فيه من شجر أو شمس أو قمر. ونقل الشيخ أبو محمد الجويني (¬3) وجهاً بالمنع؛ لأن من الكفار من عبدها. قال الحافظ ابن حجر (¬4): قلت: ولا يلزم من تعذيب من يصور ما فيه روح بما ذكر تجويز تصوير ما لا روح فيه، فإن عموم قوله: " [الذين] (¬5) يضاهون بخلق الله" وقوله: "ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي" يتناول ما فيه روح وما لا روح فيه. وقد قيد مجاهد صاحب ابن عباس جواز تصوير الشجر بما لا يثمر، وأما ما يثمر فألحقه بما له روح (¬6). قلت: وكأن ابن عباس أخذ ما أفتى به من قوله - صلى الله عليه وسلم -: "أحيوا ما خلقتم، أو ينفخ فيه الروح وليس بنافخ" ولكنه يقال: الأشجار حياتها أن تنمو، فالنمو روحها، وعموم: "يضاهون لخلق الله" وغيره دال على تحريم كل شيء من ذي روح وغيره ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (2225، 5963، 7042)، ومسلم رقم (100/ 2110). (¬2) في "السنن" رقم (5358). (¬3) ذكره الحافظ في "الفتح" (10/ 394). (¬4) في "الفتح" (10/ 394). (¬5) سقطت من (ب). (¬6) انظر: "فتح الباري" (10/ 394 - 395).

كراهة الصور والستور

4 - وعنه - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ صَوَّرَ صُورَةً عَذَّبَهُ الله بِهَا يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يَنْفُخَ فِيهَا الرُّوْح وَمَا هُوَ بِنَافِخٍ". أخرجه البخاري (¬1) والترمذي (¬2) والنسائي (¬3). [صحيح] قوله في حديث ابن عباس: "وليس بنافخ" أقول: تقدم أنه أمر تعجيز، وأن المراد منه طول تعذيبه، وإظهار عجزه، والمبالغة في توبيخه وتقبيح ما أتاه. قال الحافظ ابن حجر (¬4): واستشكل هذا الوعيد في حق المسلم، فإن وعيد القاتل عمدًا انقطع عند أهل السنة مع ورود تخليده، وتؤول التخليد على مدة مديدة، وهذا الوعيد أشد منه؛ لأنه هنا بما لا يمكن؛ وهو نفخ الروح، فلا يصح أن يحمل على أنه يعذب زمانًا طويلًا ثم يخلص. والجواب: أنه يتعين تأويل الحديث على أن المراد به الزجر الشديد بالوعيد بعقاب الكافر [236 ب] ليكون أبلغ في الارتداع، وظاهره غير مراد، وهذا في حق العاصي كذلك، وأما من فعله مستحلًا فلا إشكال. انتهى. كراهة الصور والستور 1 - عن أبي طلحة الأنصاري - رضي الله عنه - قال: قال رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تَدْخُلُ المَلاَئِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ، وَلاَ تَمَاثِيلُ". أخرجه الخمسة (¬5)، واللفظ لمسلم والترمذي. [صحيح] (الصور والستور). ¬

_ (¬1) في صحيحه رقم (2225، 7042). (¬2) في "السنن" رقم (1751). (¬3) في "السنن" رقم (5358، 5359). (¬4) في "فتح الباري" (10/ 394). (¬5) أخرجه البخاري رقم (3226)، ومسلم رقم (2106)، والترمذي رقم (2805)، وأبو داود رقم (4153)، والنسائي (8/ 212)، وهو حديث صحيح.

أي: حكم ذلك. قوله في حديث أبي طلحة: "لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب ولا تماثيل". أقول: أبو طلحة هو زيد بن سهل الأنصاري، زوج أم [سليم] (¬1) والدة أنس. وقوله: "الملائكة" ظاهره العموم، وقيل: يستثنى من ذلك الحفظة، فإنهم لا يفارقون الشخص في كل حال. وبذلك جزم ابن وضاح والخطابي (¬2) وآخرون. وقال القاضي عياض (¬3): الظاهر العموم، والمخصص الدال على كون الحفظة لا يمتنعون من الدخول ليس نصاً. قال الحافظ (¬4): قلت: ومن الجائز أن الله يطلعهم على عمل العبد ويسمعهم قوله وهم بباب الدار التي هو فيها مثلاً. وقوله: "بيتاً فيه كلب" المراد بالبيت الذي يستقر فيه الشخص، سواء كان بيتاً أو خيمة أو نحو ذلك. وظاهره العموم في كل كلب؛ لأنه نكرة في سياق النفي. وذهب الخطابي (¬5) وغيره إلى استثناء الكلاب التي أذن في اتخاذها وهي كلاب الصيد والماشية والزرع. ¬

_ (¬1) في (أ): "سلمة". (¬2) في "معالم السنن" (1/ 154 - مع السنن). (¬3) في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (6/ 630) حيث قال: فأما الحفظة فيدخلون كل بيت ولا يفارقون بني آدم على حال. (¬4) في "فتح الباري" (10/ 391). (¬5) في "معالم السنن" (4/ 384).

قال القاضي (¬1): واختلف في هذا المعنى الذي في الكلب حتى منع من دخول الملائكة البيت الذي هو فيه؛ فقيل: لكونها نجسة العين. وقيل: لكونها من الشياطين. وقيل: لأجل النجاسة تعلق بها فإنها تكثر أكل النجاسة وتتلطخ بها فتنجس ما تعلقت به. وقوله: "ولا تماثيل" في رواية: "ولا تصاوير"، وفي أخرى: "ولا صورة". قال الخطابي (¬2): والصورة التي [362/ أ] لا تدخل الملائكة البيت التي هي فيه، هو ما يحرم اقتناؤه, وهو أن يكون من الصور التي فيها روح مما لم يقطع رأسه ولم يمتهن. قال الحافظ في "الفتح" (¬3): وقد استشكل كون الملائكة لا تدخل البيت الذي فيه التصاوير مع قوله تعالى عند ذكر سليمان - عليه السلام -: {يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ} (¬4) [237 ب] وقد قال مجاهد: كانت صوراً من نحاس. أخرجه الطبري (¬5). وقال قتادة: كانت من خشب ومن زجاج. أخرجه عبد الرزاق (¬6). والجواب (¬7): أن ذلك كان جائزاً في تلك الشريعة, وكانوا يعملون أشكال الأنبياء - عليهم السلام - والصالحين منهم على هيئتهم في العادة ليقتدوا بعبادتهم. وقد قال أبو العالية (¬8): لم يكن ذلك في شرعهم حراماً، وقد جاء شرعنا بالنهي عنه. ويحتمل أن يقال: إن التماثيل التي ذكرت ¬

_ (¬1) في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (6/ 629 - 630). (¬2) في "معالم السنن" (4/ 384). (¬3) في "فتح الباري" (10/ 382). (¬4) سورة سبأ: 13. (¬5) في "جامع البيان" (19/ 230، 231). (¬6) في تفسيره (2/ 104). (¬7) ذكره الحافظ في "الفتح" (10/ 382). (¬8) ذكره الحافظ في "الفتح" (10/ 382).

كانت على صورة النقوش لغير ذات الأرواح، وإذا كان اللفظ محتملاً لم يتعين الحمل على المعنى المشكل. انتهى. قلت: وهو مبني على جواز تصوير ما لا روح له. وتقدم فيه الكلام. 2 - وعن سُفَينَة - رضي الله عنه - قال: دَعَا عَليَّ - رضي الله عنه - رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - إلى طَعَامٍ صَنَعَهُ، فَجَاءَ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى عِضَادَتَي البَابِ فَرَأَى القِرَامَ قَدْ ضُرِبَ فِي نَاحِيَةِ البَيْتِ فَرَجَعَ، فَقِيلَ لَهُ في ذلِكَ، فَقَالَ: "إِنَّهُ لَيْسَ لِي - أَوْ لِنَبِيٍّ أَنْ يَدْخُلَ بَيْتًا مُزَوَّقًا". أخرجه أبو داود (¬1). [حسن] "المُزَوَّقُ": المزين. قوله: "وعن سفينة قال: دعا علي - عليه السلام - النبي - صلى الله عليه وسلم - " أقول: لفظه في "الجامع" (¬2): "أن رجلاً ضاف علياً - عليه السلام - فصنع له طعاماً، فقالت فاطمة - رضي الله عنها -: لو دعونا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأكل معناه, فدعوه فجاء ... الحديث. قوله: "قرام" (¬3) بكسر القاف وتخفيف الراء: ستر فيه رقم ونقش. قوله: "إنه ليس لي أو لنبي" أقول: شك من الراوي، وفيه دليل أن المنع خاص بالأنبياء - عليهم السلام -. والتزويق: التزيين. وفيه دليل أنه لم ينه عن ستر الجدار، إنما امتنع هو من دخوله، وقد تقدم حديث أبي داود الدال على النهي عن ستر الجدارات. 3 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَتَانِي جِبْرِيلُ - عليه السلام - فَقَالَ: أَتَيْتُكَ البَارِحَةَ، فَلَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَدْخُلَ إِلاَّ أنَّهُ كانَ فِي البَيْتِ قِرَامُ سِتْرٍ فيهِ تمَاثِيلُ، وَكانَ فِي البَيْتِ كَلْبٌ، ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (3755). وأخرجه أحمد في مسنده (5/ 221، 222)، وابن ماجه رقم (3360)، وهو حديث حسن. (¬2) (4/ 811 رقم 2968). (¬3) قال ابن الأثير في "غريب الحديث" (2/ 444): القرام: الستر الرقيق، وقيل: الصفيق من صوف ذي ألوان.

وَعَلَى البَابِ تَمَاثِيلُ الرِّجَال، فَمُرْ بِرَأْسِ التَّمَاثِيلِ فَتُقْطَعَ فَيصِيرَ كَهَيْئَةِ الشَّجَرَةِ, وَمُرْ بِالقِرَامِ فَيُجْعَلَ مِنْهُ وِسَادَتَانِ تُوطآنِ، وَبِالكَلْبِ فَيُخْرَجْ، فَفَعَلَ ذلِكَ. أخرجه الخمسة (¬1) إلا البخاري، وهذا لفظ أبي داود والترمذي. [صحيح] قوله في حديث أبي هريرة: "قرام ستر فيه تماثيل" [238 ب] أقول: لعل هذا لم يكن باطلاعه - صلى الله عليه وسلم -، أو لعله كان قبل التحريم. قوله: "فيصير كهيئة الشجرة" فيه مأخذ لفتوى ابن عباس، وفيه دليل على جواز وطء ما فيه التماثيل، وتقدم تحقيق ذلك كله. 4 - وعن علي - رضي الله عنه - قال: قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تَدْخُلُ المَلاَئِكَةُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ، وَلاَ جُنُبٌ، وَلاَ كَلْبٌ". أخرجه أبو داود (¬2) والنسائي (¬3). [شاذ] قوله في حديث [علي - عليه السلام -] (¬4): "فيه صورة" أقول: تقدم الكلام فيه، وزاد فيه: "ولا جنب" ولم يتقدم ذكره، وكأن المراد جنب لم يتوضأ بعد اجتنابه إن نام، وظاهره: أنها تعتزل البيت حتى يتطهر من فيه جنابة. ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد (2/ 305)، وأبو داود رقم (4158)، والترمذي رقم (3806)، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وأخرجه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" (4/ 287)، وابن حبان في صحيحه رقم (5854)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (7/ 270) من طرق. (¬2) في "السنن" رقم (227) و (4152). (¬3) في "السنن" رقم (261)، وهو حديث شاذ. (¬4) سقطت من (ب).

وروى البزار (¬1) بإسناد صحيح عن ابن عباس قال: ثلاثة لا تقربهم الملائكة: الجنب، والسكران، والمتضمخ بالخلوق. قال عبد العظيم: المراد بالملائكة هنا الذين ينزلون بالرحمة والبركة دون الحفظة؛ فإنهم لا يفارقون العبد على كل حالٍ من الأحوال (¬2). قلت: تقدم الكلام في ذلك. قال: قيل هذا في حق كل من أخر الغسل لغير عذر أو لعذر إذا أمكنه الوضوء ولم يتوضأ. وقيل: هو الذي يؤخره تهاوناً وكسلاً ويتخذ ذلك عادة. 5 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: لمَّا رَأَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - الصُّوَرَ فِي البَيْتِ لَم يَدْخُلْ، حَتَّى أَمَرَ بِهَا فَمُحِيَتْ، وَرَأَى صُوْرَةَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ بِأَيْدِيهِمَا الأَزْلاَمُ فَقَالَ: "قَاتَلَهُمُ الله, وَالله إِنِ اسْتَقْسَمَا بِالأَزْلاَمِ قَطُّ". أخرجه البخاري (¬3). [صحيح] ¬

_ (¬1) في مسنده (3/ 355 رقم 2930 - كشف). وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (5/ 72) وقال: رواه البزار، ورجاله رجال الصحيح، خلا العباس بن أبي طالب وهو ثقة. (¬2) انظر "فتح الباري" (10/ 381). (¬3) في صحيحه رقم (3352).

حرف السين

حرف السين وفيه خمسة كتب السخاء - السفر - السبق - السؤال - السحر كتاب: السخاء والكرم 1 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "السَّخِيُّ قَرِيبٌ مِنَ الله، قَرِيبٌ مِنَ النَّاسِ، قَرِيبٌ مِنَ الجَنَّةِ, بَعِيدٌ مِنَ النَّارِ. وَالبَخِيلُ بَعِيدٌ مِنَ الله، بَعِيدٌ مِنَ النَّاسِ، بَعِيدٌ مِنَ الجَنَّةِ, قَرِيبٌ مِنَ النَّارِ، وَلجَاهِلٌ سَخِيٌّ أَحَبُّ إِلَى الله تعَالى مِنْ عَابِدٍ بَخِيلٍ". أخرجه الترمذي (¬1). [ضعيف] (حرف السين المهملة). وفيه خمسة كتب: الأول: السخاء، والثاني: السفر، والثالث: السبق. زاد ابن الأثير (¬2): والرمي، وسيأتي به المصنف في النشر، ولغيره مما زاده ابن الأثير في الترجمة. والرابع (¬3): السؤال، زاد ابن الأثير: وآدابه. والخامس (¬4): السحر، زاد ابن الأثير: والكهانة. فالأول: (كتاب السخاء والكرم). ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (1961)، وهو حديث ضعيف. (¬2) في "الجامع" (5/ 36). (¬3) في "الجامع" (5/ 54). (¬4) في "الجامع" (5/ 60).

أقول: في "التعريفات" (¬1): السخاء الجود، وإعطاء ما ينبغي [239 ب] لمن يبتغي، أو بذل النائل قبل إلحاف السائل. وقال (¬2) في الكرم: [الكرم] (¬3) إفادة ما ينبغي لا لغرض، فمن وهب المال لجلب نفع، أو دفع شر، أو خلاصٍ من ذمٍّ غير كريم. انتهى. قوله في حديث أبي هريرة: "السخي قريب من الله" لأنه تخلق بأحب الأخلاق إليه. "قريب من الجنة" لأنها دار الأسخياء. "قريب من الناس" لأنها جبلت الطباع على حبه والقرب منه, لنيل رفده. "بعيد من النار" لإنجائه نفسه تيسره لليسرى، قال تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7)} (¬4) فجعل الإعطاء أول أسباب التيسير لليسرى، وجعل التيسير لليسرى مما أعطاه رسوله - صلى الله عليه وسلم - حيث قال: {وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى (8)} (¬5) ومن يسر لليسرى بعيد من النار، قريب من الجنة، قريب من الله. قوله: "والبخيل" أقول: في "التعريفات" (¬6) البخل: إمساك المقتنيات عمالا يحل حبسها عنه، وضده الجود. والبخيل من يَكْثُر منه البخل، والبخل ضربان؛ بخل بمقتنيات نفسه، وبخل بمقتنيات غيره، وهو أكثرهما ذماً، والبخل شرعاً: منع الواجب. انتهى. ¬

_ (¬1) (ص 400). (¬2) المناوي في "التعريفات" (ص 603). (¬3) سقطت من (ب). (¬4) سورة الليل: 5 - 7. (¬5) سورة الأعلى: 8. (¬6) (ص 117).

"بعيد من الله" هو بضد السخي يقرب مما بعد منه، ويبعد مما قرب منه، ولذا جعل الله البخل من أول أسباب التيسير للعسرى فقال: {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8)} (¬1) الآية. ومن يسر للعسرى كان بعيداً عن كل خير. [240 ب]. قوله: " [ولجاهل سخي] (¬2) " أقول: في رواية الترمذي: "والبخيل" [363/ أ] بالتعريف وتنكير سخي، وعلى رواية المصنف؛ فاللام جواب قسم محذوف أي: والله لجاهل إلى آخره. قوله: "أحب إلى الله" هو خبر المبتدأ، فجمع الله للسخي بين أحبيته على العابد البخيل وقربه من الله تعالى. قوله: "أخرجه الترمذي" قلت: وقال (¬3): هذا حديث لا نعرفه من حديث يحيى بن سعيد عن الأعرج عن أبي هريرة، إلا من حديث سعيد بن محمد، وقد خولف سعيد بن محمد في رواية هذا الحديث عن يحيى بن سعيد، إنما يروي عن يحيى بن سعيد عن عائشة شيء مرسل. انتهى. 2 - وعنه - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قَالَ الله - عز وجل -: أُنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ، وَقَالَ: يَدُ الله مَلأَى لاَ تَغِيضُهَا نَفَقَةٌ سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ. أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَاءَ وَالأَرْضَ فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ مَا فِي يَدهِ، وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى المَاءِ، وَبِيَدهِ الِميزَانُ يَخْفِضُ وَيَرْفَعُ". أخرجه الشيخان (¬4) والترمذي (¬5). "لاَ يُغَضُهَا" أي: لا ينقصها. [صحيح] ¬

_ (¬1) سورة الليل: 8. (¬2) في (أ): "وبخيل جاهل". (¬3) في "السنن" (4/ 343). (¬4) أخرجه البخاري في صحيحه (4684، 5352، 7411، 7496)، ومسلم رقم (993). (¬5) في "السنن" رقم (3045).

وقوله: "سَحَّاء" (¬1) أي: لا ينقطع عطاؤها كَسَحِّ المطَر. قوله في حديث أبي هريرة الثاني: "لا يغيضها" أقول: في "النهاية" (¬2): "لا يغضها" يقال: غاض الماء يغيض إذا غار، ومنها سحاء الليل والنهار، أي: دائمة الصَّبِّ والهطل بالعطاء، يقال: سح يسيح سحاً فهو ساح، والمؤنثة سحاء، وفي رواية: "يمين الله سحاً" بالتنوين على المصدر، واليمين (¬3) هنا كناية عن محل عطائه ووصفها بالامتلاء لكثرة منافعها فجعلها كالعين الثرة التي لا يغيضها الاستقاء ولا ينقصها الامتياح، وخص اليمين؛ لأنها في الأكثر مظنة العطاء على طريق الاتساع والمجاز، والليل والنهار منصوبان على الظرف. انتهى. وهو تمثيل، والمراد أنه في غاية الغنى وعنده من الرزق ما لا نهاية له. 3 - وعن أنس - رضي الله عنه - قَالَ: "كانَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - "لاَ يَدَّخِرُ شَيْئًا لِغَدٍ". أخرجه الترمذي (¬4). [حسن] ¬

_ (¬1) انظر: "النهاية" (1/ 758)، "غريب الحديث" للخطابي (2/ 80)، (3/ 266). (¬2) (2/ 334). (¬3) بل توصف يد الله - عز وجل - بأنها يمين، وهذا ثابت بالكتاب والسنة. الدليل من الكتاب: قوله تعالى: {وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر: 67]. الدليل من السنة: ما أخرجه البخاري رقم (7382)، ومسلم رقم (2787) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - وفيه: " ... ويطوي السماء بيمينه ... ". وما أخرجه البخاري في صحيحه رقم (7419)، ومسلم رقم (994) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: "يمين الله ملأى لا يغيضها نفقة ... ". فأهل السنة والجماعة يؤمنون أن لله عز وجل يدين، وأن إحدى يديه يمين، وقد تقدم تفصيل ذلك. (¬4) في "السنن" رقم (2362)، وهو حديث حسن.

قوله في حديث أنس: "لا يدخر شيئاً لغد" أقول: أي لنفسه، وإلا فإنه أعطى نساءه نفقة السنة (¬1)، وهذا عام في كل ادخار لأي شيء، فلا يدخر الخليفة شيئاً مما بيده بل ينفقه في وجوهه، ويدل له ما يأتي في حديث [عقبة] (¬2). قوله: "أخرجه الترمذي" قلت: وقال (¬3): هذا حديث غريب، وقد روي هذا عن [241 ب] جعفر بن سليمان عن ثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلاً. [انتهى] (¬4). 4 - وعن جبير بن مُطْعِمٍ - رضي الله عنه - قال: بَيْنَمَا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يَسِيرُ قَافِلاً مِنْ حُنَيْنٍ فَعَلِقَ بِهِ الأَعْرَاب يَسْأَلُونَهُ، حَتَّى اضْطَرُّوهُ إِلَى سَمُرَةٍ فَخَطِفَتْ رِدَاءَهُ، فَوَقَفَ فَقَالَ: "أَعْطُونِي رِدَائِي، فَلَوْ كَانَ لي عَدَدُ هَذِهِ العِضَاهِ نَعَمًا لَقَسَمْتُهُ بَيْنَكُمْ، ثُمَّ لاَ تَجِدُونِي بَخِيلاً وَلاَ كَذَّاباً وَلاَ جَبَانًا". أخرجه البخاري (¬5). [صحيح] قوله في حديث جبير بن مطعم: "حتى اضطرُّوه" أقول: أي ألجؤوه إلى "سمرة" بضم الميم: شجرة ذات شوك. [و] (¬6) قوله: "خطفت" بكسر الطاء فقاف: الخطفة الأخذ بسرعة، و"العضاة" بكسر المهملة وضاد معجمة خفيفة آخره هاء: شجر ذو شوك. وفي الحديث جواز وصف الإنسان بالخصال الحميدة عند الحاجة، كخوف ظن أهل الجهل به خلاف ذلك، ولا يكون ذلك من الفخر المذموم. ¬

_ (¬1) تقدم ذكره. (¬2) في (ب): "عنه". (¬3) في "السنن" (4/ 580). (¬4) زيادة من (أ). (¬5) في صحيحه رقم (2821)، وطرفه في رقم (3148). (¬6) زيادة من (أ).

5 - وعن عقبة بن الحارث - رضي الله عنه - قال: صَلَّى بِنَا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العَصْرَ فَأَسْرَعَ وَأقْبَلَ يَشُقُّ النَّاسَ حَتَّى دَخَلَ بَيْتَهُ، فَعَجِبَ النَّاسُ مِنْ سُرْعَتِهِ، ثمَّ لَمْ يَكُنْ بِأَوْشَكَ مِنْ أنْ خَرَجَ، فقَالَ: "إنِّي ذَكَرْتُ شَيْئًا مِنْ تِبْرٍ كانَ عِنْدِي فَخَشِيتُ أنْ يَحْبِسَنِي فَقَسَّمْتُهُ". أخرجه البخاري (¬1) والنسائي (¬2). [صحيح] "التِّبْرُ" (¬3): الذهب الذي لم يضرب دنانير. قوله في حديث عقبة بن الحارث: "ثم لم يكن بأوشك" أقول: بفتح الهمزة: بأسرع. و"التَّبر": الذهب والفضة قبل أن يضربا دنانير ودراهم، فإذا ضربا كان عيناً، وقد يطلق التبر على غيرهما من المعدنيات كالنحاس، والحديد، والرصاص، وأكثر اختصاصه بالذهب، ومنهم من يجعله في الذهب أصلا، وفي غيره فرعاً ومجازاً. قاله في "النهاية" (¬4). وفي هذا دليل على أن الخليفة ومن عنده حق مشترك [242 ب] يبادر إلى قسمته بين من له فيه حق، وأنه لا يدخر منه شيئاً لجهاد ولا غيره. قوله: "فخشيت أن يحبسني" في لفظ للبخاري (¬5): "فكرهت أن يبيت عندي"، وقوله: "يحبسني" يقال: حبسني هذا الأمر يحبسني إذا عاقني. 6 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: لمَّا قَدِمَ المُهَاجِرُونَ المَدِينَةَ لَمْ يَكُنْ بِأَيْدِيهِمْ شَيْء، وَكَانَتِ الأَنْصَارُ أَهْلَ الأرَاضِي وَالعَقَارِ، فَقَاسَمُوهُمْ عَلَى أَنْصَافَ ثِمَارِ أَمْوَالهِمْ كُلَّ عَامٍ وَيَكْفُونَهُمُ العَمَلَ وَالمؤنَةَ. وَكَانَتْ أُمُّ أَنَسِ أَعْطَتْ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عِذَاقًا كانَتْ لَهَا، فَلَمَّا فَرَغَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ ¬

_ (¬1) في صحيحه رقم (851)، وأطرافه في (1221، 1430، 6275). (¬2) في "السنن" رقم (1365). (¬3) (1/ 180). وانظر: "المجموع المغيث" (1/ 214). (¬4) (1/ 180). وانظر: "المجموع المغيث" (1/ 214). (¬5) في صحيحه رقم (1221).

قِتَالِ أَهْلِ خَيْبَرَ رَدَّ المُهَاجِرُونَ إِلَى الأَنْصارِ مَنَائِحَهُمُ، وَرَدَّ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إِلَى أُمِّ أنَسٍ عِذَاقَهَا". أخرجه الشيخان (¬1). [صحيح] "العِذَاقُ" (¬2): جمع عَذْقِ بفتح العين وهو النخلة بما عليها من الحمل. و"المَنِيحَةُ" (¬3) هنا: العطية. قوله في حديث أنس: "على أنصاف ثمار أموالهم" أقول: هذه هي المخابرة (¬4)، وهي التي جعلها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع أهل خيبر. وأما عذاق أم أنس؛ فالظاهر أنها أعطته منيحة، لا أنها مخابرة. قوله: "والمنيحة هنا: العطية" لا يخفى أن الأنصار إنما زارعوا المهاجرين، لا أنهم أعطوهم الأموال والثمار، وإنما سميت منائح مجازاً، حيث تبرع الأنصار بذلك إشفاقاً على المهاجرين، ولينالوا خيراً من ثمارهم وإن كان أجرة عملهم. قال ابن الأثير (¬5): الأصل فيه الناقة أو الشاة تعيرها غيرك، لينتفع بها وبلبنها ثم يردها. انتهى. ¬

_ (¬1) البخاري في صحيحه رقم (2630)، وأطرافه (3128، 4120,4030)، ومسلم رقم (1771). (¬2) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (5/ 13). (¬3) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 683)، "الفائق" للزمخشري (3/ 389). (¬4) تقدم ذكرها. (¬5) (2/ 682).

كتاب: السفر وآدابه

كتاب: السفر وآدابه وهي عشرة أنواع النوع الأول: في يوم الخروج 1 - عن كعب بن مالك - رضي الله عنه - قال: "قَلَّمَا كَانَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يَخْرُجُ إِلَى سَفَرٍ إِلاَّ يَوْمَ الخَمِيسِ". أخرجه أبو داود (¬1). [صحيح] 2 - وعن صَخْرٍ بنِ وَدَاعَةَ الغَامِدِيَّ - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله: "اللهمَّ بَارِكْ لأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا". وَكَانَ - صلى الله عليه وسلم - إذَا بَعَثَ سَرِيَّةً أَوْ جَيْشًا بَعَثَهُمْ فِي أَوَّل النَّهَارِ. وَكَانَ صَخْرٌ تَاجِرًا، وَكَانَ يَبْعَثُ تِجَارَتَهُ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ فَأَثْرَى وَكَثُرَ مَالُهُ. أخرجه أبو داود (¬2) والترمذي (¬3). [حسن] (كتاب السفر وآدابه). أقول: في "التعريفات" (¬4): السفر: الارتحال، وقيل: قطع المسافة، وسافر فهو مسافر، خص بالمفاعلة؛ اعتباراً بأن المسافر سفر عن المكان، والمكان سفر عنه. قوله: "وعن صخر بن وداعة" بالمهملتين الغامدي بالغين المعجمة ودال مهملة. قال ابن عبد البر (¬5): وغامد من الأزد، وسكن بالطائف، وهو معدود في أهل الحجاز. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (2605)، وهو حديث صحيح. وأخرجه البخاري في صحيحه رقم (2949). (¬2) في "السنن" رقم (2606). (¬3) في "السنن" رقم (1212). وأخرجه ابن ماجه رقم (2236)، وهو حديث حسن. (¬4) (ص 406). (¬5) في "الاستيعاب" رقم (1213).

النوع الثاني: في الرفقة

وقال الترمذي (¬1): [و] (¬2) لا نعرف لصخر الغامدي غير هذا الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وكذا قال ابن عبد البر (¬3)، قال: ورواه جماعة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وفي هذا الحديث والذي قبله دليل على استحباب [243 ب] الخروج للسفر وغيره من الأعمال في أول اليوم لدعائه - صلى الله عليه وسلم - بالبركة للأمة في بكورها، وهو عام لأي عمل وسفر وغيره، وفي "القاموس" (¬4) البكرة: الغدوة. النوع الثاني: في الرفقة 1 - عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مِنَ الوَحْدَةِ مَا أَعْلَمُ مَا سَرَى رَاكِبٌ بِلَيْلٍ وَحْدَهُ". أخرجه البخاري (¬5) والترمذي (¬6). [صحيح] 2 - وعن سعيد بن المسيب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الشَّيْطَانُ يَهُمُّ بِالوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ، فَإِذَا كَانُوا ثَلاَثَةً لَمْ يَهُمَّ بِهِمْ". أخرجه مالك (¬7). [ضعيف] ([النوع الثاني الرفقة] (¬8)) قوله في حديث ابن عمر: "لو يعلم الناس من الوحدة" أقول: الوحدة بفتح الواو، ويجوز كسرها. ¬

_ (¬1) في "السنن" (3/ 517). (¬2) زيادة من (ب). (¬3) في "الاستيعاب" (ص 346 رقم 1213). (¬4) "القاموس المحيط" (ص 451). (¬5) في صحيحه رقم (2998). (¬6) في "السنن" رقم (1673). (¬7) في "الموطأ" (2/ 978 رقم 36)، ضعيف. (¬8) زيادة من (أ).

قوله: "ما أعلم" أي: من الآفات. وفيه النهي (¬1) عن سفر الإنسان وحده؛ لأنه يتعرض لإصابته بالآفات. 3 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الرَّاكِبُ شَيْطَانٌ، وَالرَّاكِبَانِ شَيْطَانَانِ، وَالثَّلاَثَةُ رَكْبٌ". أخرجه مالك (¬2) وأبو داود (¬3) والترمذي (¬4). [حسن] قوله في حديث عمرو بن شعيب: "الراكب شيطان" أقول: يعني أن الانفراد والذهاب في الأرض على سبيل الوحدة من فعل الشيطان، أو [يبقى] (¬5) يحمله عليه الشيطان، وكذلك الراكبان، وهو حث على اجتماع الرفقة في [364/ أ] السفر. وعن عمر أنه قال في رجل سافر وحده: [أرأيتم] (¬6) إن مات من أسأل عنه؟ قال الطبري: هذا الزجر زجر أدب وإرشاد، لما يخشى على الواحد من الوحشة والوحدة وليس بحرام، فالسائر وحده في فلاة، وكذا البايت في بيت وحده لا يأمن من الاستيحاش لا سيما إذا كان ذا فكرة ردية وقلب ضعيف، والناس يتفاوتون في ذلك، فيحتمل أن يكون الزجر وقع عن ذلك لحسم المادة، فلا يتناول ما إذا وقعت الحاجة إلى ذلك. ¬

_ (¬1) انظر: "فتح الباري" (6/ 138). (¬2) في "الموطأ" (2/ 978 رقم 35). (¬3) في "السنن" رقم (2607). (¬4) في "السنن" رقم (1674). وأخرجه الحاكم (2/ 102)، والنسائي في "الكبرى" رقم (8849). وهو حديث حسن. (¬5) زيادة من (أ). (¬6) في (أ) مكررة.

وقيل: إنما كره ذلك؛ لأن المسافر إذا مات في سفره (¬1) ذلك لم يجد من يقوم عليه، وكذلك الإثنان لو ماتا أو أحدهما لم يجد من يعينه [244 ب] بخلاف الثلاثة ففي الغالب تؤمن تلك الخشية. قلت: قد سمى الرسول - صلى الله عليه وسلم - الواحد شيطان والإثنين شيطانين، وقال: "لو يعلم الناس ما في الوحدة ما سار راكب وحده" وما بعد هذه التسمية زجر، فالظاهر أنه للتحريم، وأما حكمته فلا يلزم معرفتها. وهذه الوجوه التي ذكرت تخمين، ثم إنه ليس المراد الراكب، بل والماشي لا ينفرد، وإنما ذكر الراكب خرج على الغالب. قوله: "أخرجه مالك وأبو داود والترمذي" قلت: وقال (¬2): حسن. 4 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا خَرَجَ ثَلاًثَةٌ فِي سَفَرٍ فَلْيُؤَمِّرُوا أَحَدَهُمْ". أخرجه أبو داود (¬3). [حسن] قوله في حديث أبي هريرة: "فليؤمروا أحدهم" [قلت] (¬4): هذا أمر الأصل فيه الوجوب، ويجب عليهم امتثال أمره، ويجب عليه ما يجب على الأمراء من العدل، والإنصاف، وحياطتهم، وغير ذلك. ¬

_ (¬1) قال الخطابي في "معالم السنن" (3/ 80 - 81 - مع السنن): الرّاكب شيطان، معناه والله أعلم: أن التفرد بالذّهاب في الأرض من فعل الشيطان، أي: يحمله عليه الشيطان ويدعوه إليه، فقيل: إن فاعله شيطان، وكذلك الاثنان ليس معهما ثالث، فإذا صاروا ثلاثة فهم ركب، أي: جماعة. وروي عن عمر - رضي الله عنه - أنه قال في رجل سافر وحده: أرأيتم إن مات من أسأل عنه، فإن المنفرد في السفر لو مات لم يكن عنده من يغسله ويدفنه, ولا من يوصي إليه في ماله وأهله، ويحمل خبره إليهم. (¬2) في "السنن" (4/ 193). (¬3) في "السنن" رقم (2609)، وهو حديث حسن. (¬4) في (أ): "أقول".

النوع الثالث: في السير والنزول

النوع الثالث: في السير والنزول 1 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا سَافَرْتُمْ فِي الخِصْبِ فَأَعْطُوا الإِبِلَ حَظَّهَا مِنَ الأَرْضِ، وَإِذَا سَافَرْتُمْ فِي الجَدْبِ فَأَسْرِعُوا عَلَيْهَا السَّيْرَ وَبَادِرُوا بِهَا نِقْيَهَا، وَإِذَا عَرَّسْتُمْ فَاجْتَنِبُوا الطَّرِيقَ فَإِنَّهَا مَأْوَى الهَوَامِّ بِاللَّيْلِ". أخرجه مسلم (¬1) وأبو داود (¬2) والترمذي (¬3). [صحيح] وزاد أبو داود (¬4): "وَلاَ تَعْدُوا المَنَازِلَ". "النِّقْيُ" (¬5): مُخُ العظام. "وَالتَّعْرِيسُ": نزول المسافر آخر الليل ساعة للاستراحة (¬6). قوله: (النوع الثالث) أي: من العشرة في السير والنزول. قوله في حديث أبي هريرة: "في الخصب" أقول: بكسر الخاء المعجمة، وسكون الصاد المهملة آخره موحدة، في "القاموس" (¬7): الخصب بالكسر: كثرة العشب ورفاعة العيش. وقوله: "فأعطوا الإبل حظها" أي: ارفقوا بها في السير ترعى في حال سيرها وغير الإبل مثلها من الأنعام. "والجدب" بفتح الجيم وسكون المهملة فموحدة: المحل، وهو ضد الخصب. ¬

_ (¬1) في صحيحه رقم (1926). (¬2) في "السنن" رقم (2569). (¬3) في "السنن" رقم (2808)، وهو حديث صحيح. (¬4) في "السنن" رقم (2569). (¬5) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (5/ 19). (¬6) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (5/ 19). (¬7) "القاموس المحيط" (ص 102).

قوله: "وبادروا نقيها" أقول: بكسر النون وإسكان القاف والمثناة التحتية وهو المخ، والمعنى: أسرعوا بها حتى تصلوا المقصد قبل أن يذهب مخها في السير. والتعريس: نزول القوم آخر الليل للاستراحة كما في "القاموس" (¬1). قوله: "مأوى الهوام" [245 ب] في رواية: "الموطأ" (¬2): "فإنها طرق الدواب والحيات" كما يأتي. وقوله: "ولا تعدّوا المنازل" بفتح المثناة الفوقية، وتشديد الدال المهملة من العدو، وهو نهي عن مجاوزة المحال التي يعتاد المسافرون نزولها، لوجود المرافق فيها وعدمها في غيرها. قوله: "النقي" (¬3) أي: بكسر النون وسكون القاف. 2 - وعن خالد بن مَعْدَانَ يرفعه قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ الله رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ وَيَرْضَى بِهِ، وَيُعِينُ عَلَيْهِ مَا لاَ يُعِينُ عَلَى العُنْفِ، فَإِذَا رَكِبْتُمْ هَذ الدَّوَابَّ العُجْمَ فَأنزِلُوهَا مَنَازِلهَا، فَإِنْ كَانَتِ الأَرْضُ جَدْبَةً فَانْجُوا عَلَيْهَا بِنِقْيِهَا، وَعَلَيْكُمْ بِسَيْرِ اللَّيْل؛ فَإِنَّ الأَرْضَ تُطْوَى بِاللَّيْلِ مَا لاَ تُطْوَى بِالنَّهَارِ، وإِيَّاكُمْ وَالتَّعْرِيسَ عَلَى الطَّرِيقِ؛ فَإِنَّهَا طَرِيقُ الدَّوَابِّ وَمَأْوَى الحَيَّاتِ". أخرجه مالك (¬4). [صحيح لغيره] قوله في حديث خالد بن معدان: أقول: هو أبو عبد الله خالد بن معدان بن أبي كريب الكلاعي من أهل حمص تابعي. قال: لقيت سبعين رجلاً من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -. ¬

_ (¬1) "القاموس المحيط" (ص 718). (¬2) في "الموطأ" (2/ 979 رقم 38)، وهو أثر صحيح لغيره. (¬3) تقدم معناها. (¬4) في "الموطأ" (2/ 979 رقم 38)، وهو أثر صحيح لغيره.

قال ابن الأثير (¬1): كان من ثقات الشاميين. فقول المصنف يرفعه هو كما قاله ابن الأثير أيضاً، وهو مرسل كما لا يخفى. قوله: "رفيق يحب الرفق" أقول: رفيق من الرفق والرأفة، فعيل بمعنى فاعل. قوله: "تطوى بالليل" أي: تقطع مسافتها؛ لأن الإنسان فيه أنشط منه في النهار، وأقدر على المشي والسير، لعدم الحر وغيره، قاله في "النهاية" (¬2). ويمكن أن ذلك لسر يعلمه الله، وأنه يزوي الأرض فيه. 3 - وعن أبي قتادة - رضي الله عنه - قال: "كَانَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إِذَا كَانَ عَرَّسَ بِلَيْلٍ اضْطَجَعَ عَلَى يَمِينِهِ, وَإذَا عَرَّسَ قَبْلَ الصُّبْحِ نَصَبَ ذِرَاعَهُ وَوَضَعَ رَأْسَهُ عَلَى كَفِّهِ". أخرجه مسلم (¬3). [صحيح] قوله في حديث أبي قتادة: "نصب ذراعه" أقول: قال العلماء: نصب ذراعه لئلا يستغرق في النوم فتفوت صلاة الصبح عن [246 ب] وقتها أو عن أول وقتها. 4 - وعن أبي ثَعْلَبَةَ الخُشَنِيُّ - رضي الله عنه - قال: كَانَ النَّاسُ إِذَا نَزَلَ رسول الله مَنْزِلاً تَفَرَّقُوا فِي الشِّعَابِ وَالأَوْدِيَةِ، فَقَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ تَفَرُّقَكُمْ فِي الشِّعَابِ وَالأَوْدِيَةِ إِتَّما ذَلِكُمْ مِنَ الشَّيْطَانِ". فَلَمْ يَنْزِلْ بَعْدَ مَنْزِلاً إِلاَّ انْضَمَّ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ حَتَّى يُقَالُ: لَوْ بُسِطَ عَلَيْهِمْ ثَوْبٌ لَعَمَّهُمْ (¬4). [صحيح] ¬

_ (¬1) في "تتمة جامع الأصول" (1/ 350 - 351 - قسم التراجم). (¬2) (2/ 130). (¬3) في صحيحه رقم (683). (¬4) في "السنن" رقم (2628)، وهو حديث صحيح.

النوع الرابع: في إعانة الرفيق

قوله في حديث أبي ثعلبة: "إن تفرقكم هذا من الشيطان" أقول: لما يخاف من وجود الأعداء وهم متفرقون فيأخذهم على غفلة، وكأن قرب بعضهم سبباً لانتفاع بعضهم ببعض، وتعاونهم على ما فيه نفعهم ودفع الضر عنهم. وفي الحدث: بيان امتثال أصحابه - صلى الله عليه وسلم - له وإقبالهم على ما يحثهم عليه. 5 - وعن سهل بن معاذ الجُهَنِيِّ عن أبيه - رضي الله عنه - قال: "كان النَّبي - صلى الله عليه وسلم - في غَزْوَةَ فَنَزَلَ مَنْزِلاً فَضَيَّقَ النَّاسُ المنَازِلَ وَقَطَعوا الطَّرِيقَ، فَبَعَثَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - مُنَادِيًا يُنَادِي فِي النَّاسِ: أَنَّ مَنْ ضَيَّقَ مَنْزِلاً، أَوْ قَطَعَ طَرِيقًا؛ فَلاَ جِهَادَ لَهُ". أخرجهما أبو داود (¬1). [حسن] قوله في حديث سهل بن معاذ: أقول: هو تابعي، روى هذا عن أبيه معاذ بن أنس الجهني. قوله: "ضيقوا المنازل" أقول: كأنه بعد نهيهم عن التفرق بالغوا في خلافه حتى ضيقوا فحال نزولهم، وضيقوا الطريق بقعودهم فيها. النوع الرابع: في إعانة الرفيق 1 - عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لاَ ظَهْرَ لَهُ، وَمَنْ كَان لَهُ فَضْلٌ زَادٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لاَ زَاَدَ لَهُ". فَذَكَرَ أصْنَافَاً مِنَ المَالِ حَتَّى رَأَيْنَا أَنْ لاَ حَقَّ لأَحَدٍ مِنَّا فِي فَضْلٍ. أخرجه مسلم (¬2) وأبو داود (¬3). [صحيح] [(النوع الرابع في إعانة الرفيق)] (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود في "السنن" رقم (2629، 2930)، وهو حديث حسن. (¬2) في صحيحه رقم (1728). (¬3) في "السنن" رقم (1663)، وهو حديث صحيح. (¬4) زيادة من (ب).

قوله في حديث أبي سعيد: "فضل ظهر" أقول: الفضل (¬1): الزيادة والظهر؛ الإبل التي تركب، والمراد: من كان معه زيادة على ما يحتاجه فليعطه أخاه مواساة منه. وظاهر الحديث الإيجاب، وهو الذي فهمه الصحابي، وهذا في سفر الجهاد, وهو من الجهاد بالمال. 2 - وعن جابر - رضي الله عنه - قال: أَرَادَ النّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - الغَزْوَ فَقَالَ: "يَا مَعْشَرَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ! إِنَّ مِنْ إِخْوَانِكُمْ مَنْ لَيْسَ لَهُ مَالٌ وَلاَ عَشِيرَةٌ، فَلْيَضُمَّ أَحَدُكُمْ إِلَيْهِ الرَّجُلَيْنِ وَالثَّلاَثَةَ. فَضَمَمْتُ إِلَىَّ اثْنَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةً وَمَا لِي إِلأَ عُقْبَةٌ كَعُقْبَةِ أَحَدِهِمْ مِنْ جَمَلِي" (¬2). [صحيح] قوله في حديث جابر: "وما لي إلا عقبة" (¬3) أقول: بضم المهملة وسكون القاف من تعاقب القوم بالركوب واحد بعد [365/ أ] واحد. يقال: جاءت عقبة فلان، أى: جاء وقت ركوبه. والمعنى: أنه أقسم ركوب ظهر جمله بين من ذكر، حتى كان له عقبة من جمله، كأنه صار [247 ب] مشتركاً. 3 - وعنه - رضي الله عنه - قال: "كَانَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يَتَخَلَّفُ في السَّيْرِ، فَيُزْجِي الضَّعِيفَ وَيُرْدِفُ وَيَدْعُو لهُمْ" (¬4). أخرجهما أبو داود. [صحيح] "يُزْجِي (¬5) الضَّعِيفَ" بالزاي، أي: يسوقه لِيُلْحِقهُ بالرِّفَاق. ¬

_ (¬1) انظر: "النهاية" (2/ 378). (¬2) أخرجه أبو داود في "السنن" (2534)، وهو حديث صحيح. (¬3) قال ابن الأثير في "غريب الجامع" (5/ 23): العقبة: النَّوبة والبدل، يقال: نحن نعتقب بعيراً إذا كنت تركبه مرةً, ويركبه رفيقك أُخرى. (¬4) أخرجه أبو داود رقم (2639)، وهو حديث صحيح. (¬5) قاله ابن الأثير في "النهاية" (1/ 719).

النوع الخامس: في سفر المرأة

قوله في حديثه الآخر: "أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يتخلف في السير" أي: يكون خلف الجيش. و"يزجي" بضم حرف المضارعة وسكون الزاي وتشديد الجيم. قال في "النهاية" (¬1) أي: يسوقه ليلحقه بالرفاق، وبه فسره المصنف (¬2). "ويردف" أي: يحمل معه على دابته وغيره. النوع الخامس: في سفر المرأة 1 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِالله وَاليَوْمِ الآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إلاَّ وَمَعَهَا مَحْرَمٌ لهَا". أخرجه الستة (¬3) إلا النسائي. [صحيح] (النوع الخامس في سفر المرأة) قوله في حديث أبي هريرة: "تسافر" أقول: أي سفر كان من واجب أو غيره، واختلف فيها إذا كانت موسرة ولم يكن لها محرم هل تحج؟ فقال بعض العلماء (¬4): لا يجب عليها الحج؛ لأن المحرم من السبيل؛ لقوله تعالى: {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} (¬5)، وهو قول سفيان (¬6) وأهل الكوفة (¬7). ¬

_ (¬1) أي ابن الأثير في "النهاية" (1/ 719). (¬2) انظر: "غريب الجامع" (5/ 23). (¬3) أخرجه البخاري رقم (1088)، ومسلم رقم (1339)، ومالك في "الموطأ" (2/ 979)، وأبو داود رقم (1723، 1724، 1725)، والترمذي رقم (1170). (¬4) انظر: "فتح الباري" (4/ 77)، "المغني" (5/ 30)، "المجموع شرح المهذب" (7/ 69). (¬5) سورة آل عمران: 97. (¬6) انظر: "الفتح" (4/ 75)، "البناية في شرح الهداية" (4/ 21). (¬7) انظر: "المغني" (5/ 30 - 31).

وقال الشافعي (¬1) ومالك (¬2): إذا كان الطريق آمناً فإنها تخرج مع الناس في الحج. قلت: وهو خلاف ما أفاده الحديث، [والحديث] (¬3) لم يشرّط لأجل خوف الطريق. وقوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الثاني (¬4): "انطلق فحج مع امرأتك" دليل على أنها لا تخرج إلا بمحرم أمنت الطريق أم لا، إذ من المعلوم أنها خرجت والطريق آمنة. 2 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلاَّ وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ، فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله! إِنَّ امْرَأَتِي خَرَجَتْ حَاجَّةً وَإِنِّي اكْتُتِبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: "انْطَلِقْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ". أخرجه الشيخان (¬5). [صحيح] قوله: "لا يخلون رجل بامرأة" قيل: فيه دليل على جواز خلو الرجلين والثلاثة بالأجنبية. قلت: وهو حمل لمفهوم العدد الذي أفاده إفراد رجل، والأصح عدم العمل به؛ إلا أنه قد علله في الحديث بأنه إذا خلى بها [رجل] (¬6) فإن ثالثهما الشيطان، فيحتمل أنه إذا زاد على رجل جازت الخلوة، ولا يقوى ذلك على النهي الظاهر. وقوله: "مسيرة يوم وليلة" يؤخذ من مفهومه جواز ما دون ذلك، لكنه أخرج أبو داود (¬7) من حديث أبي هريرة مرفوعاً: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر ¬

_ (¬1) انظر: "المجموع شرح المهذب" (7/ 69). (¬2) "المدونة" (1/ 452). (¬3) في (أ): "والمحرم". (¬4) سيأتي تخريجه، وهو حديث صحيح. (¬5) أخرجه البخاري رقم (3006)، ومسلم رقم (424/ 1341). (¬6) زيادة من (أ). (¬7) في "السنن" رقم (1725)، وهو حديث شاذ.

النوع السادس: فيما يذم استصحابه في السفر

[248 ب] بريداً إلا ومعها ذو محرم منها" وهذا منطوق لا يقاومه مفهوم. "يوم وليلة (¬1) ولا ثلاثة أيام" (¬2) كما في رواية أخرى، وبه أخذت الهادوية (¬3) فاشترطوه في البريد. النوع السادس: فيما يذم استصحابه في السفر 1 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تَصْحَبُ المَلاَئِكَةُ رُفْقَةً فِيهَا كَلْبٌ وَلاَ جَرَسٌ". أخرجه مسلم (¬4) وأبو داود (¬5) والترمذي (¬6). [صحيح] وفي رواية (¬7): "الجَرَسُ مَزَامِيرُ الشِّيْطَانِ". [صحيح] وفي أخرى لأبي داود (¬8): "لاَ تَصْحَبُ المَلاِكَةُ رُفْقَةً فِيهَا جِلْدُ نَمِرٍ". [شاذ]. (النوع السادس فيما يذم استصحابه في السفر). قوله في حديث أبي هريرة: "رفقة" أقول: يقال للجماعة في السفر رفقة لارتفاق بعضهم ببعض. والجرس في الأصل: الصوت الخفي. قال الأصمعي: كنت في مجلس شعبة فقال: صوت جرش بالشين المعجمة. فقلت: جرس، فقال: خذوها فإنه أعلم بهذا منا. ¬

_ (¬1) تقدم نصه وتخريجه، وهو حديث صحيح. (¬2) أخرجه أحمد (3/ 54)، ومسلم رقم (423/ 1340)، وأبو داود رقم (1726)، والترمذي رقم (1169)، وابن ماجه رقم (2898) كلهم من حديث أبي سعيد الخدري. (¬3) انظر: "فتح الباري" (4/ 77). (¬4) في صحيحه رقم (2113، 2114). (¬5) في "السنن" رقم (2555، 2556). (¬6) في "السنن" رقم (1703). (¬7) أخرجها مسلم في صحيحه رقم (104/ 2114). (¬8) في "السنن" رقم (4130)، وهو حديث شاذ.

النوع السابع: في القفول من السفر

والمراد هنا الجلجل (¬1) الذي يعلق على الدواب. قيل: إنما كرهه؛ لأنه يدل على أصحابه بصوته، وكان - عليه السلام - يحب أن لا يعلم به العدو حتى يأتيهم فجأة. وقيل غير ذلك. قلت: العلة ما صرح به قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تصحب الملائكة" وصحبة الملائكة مقصودة للمؤمنين، وقد زاد الترمذي (¬2): "الجرس مزمار الشيطان". النوع السابع: في القفول من السفر 1 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنَ العَذَابِ، يَمْنَعُ أَحَدَكُمْ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَنَوْمَهُ, فَإِذَا قَضَى أَحَدُكُمْ نَهْمَتَهُ فَلْيُعَجِّلْ إِلَى أَهْلِهِ". أخرجه الثلاثة (¬3). [صحيح] "نَهْمَتَهُ" (¬4) بفتح النون: أي حاجته. ([النوع السابع في القفول من السفر] (¬5)) قوله في حديث أبي هريرة: "فليعجل إلى أهله" أقول: زاد الحاكم (¬6) من حديث عائشة: "فإنه أعظم لأجره". قال ابن عبد البر (¬7): زاد فيه بعض الضعفاء عن مالك: "وليهد لأهله، وإن لم يجد إلا حجراً" يعني: حجر الرماد. قال: وهي زيادة منكرة. ¬

_ (¬1) قال ابن الأثير في "النهاية" (1/ 277): هو الجرس الصغير، الذي يعلق في أعناق الدواب وغيرها. (¬2) بل هو عند أبي داود في "السنن" رقم (2556). وأخرجه مسلم رقم (2114). (¬3) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (1804)، ومسلم رقم (1927)، ومالك في "الموطأ" (2/ 980). (¬4) قال ابن الأثير في "غريب الجامع" (5/ 28): نهمته: النهمة بلوغ الهمة في الشيء، والنهم من الجوع. (¬5) زيادة من (أ). (¬6) لم أجده في "المستدرك"، وذكره الحافظ في "الفتح" (3/ 623) من حديث عائشة، ولم يعزه للحاكم. (¬7) انظر: "الاستذكار" (27/ 279 - 282) , "التمهيد" (22/ 33)، "فتح الباري" (3/ 623).

قال ابن بطال (¬1): ولا يعارض متن هذا الحديث وحديث (¬2): "سافروا تصحوا" فإنه [249 ب] لا يلزم من الصحة في السفر لما فيه من الرياضة، أن لا يكون قطعة من العذاب، لما فيه من المشقة، فصار كالدواء المر الذي تعقبه الصحة، وإن كان في تناوله الكراهة. لطيفة: سئل إمام الحرمين حين جلس موضع أبيه: لم كان السفر قطعة من العذاب؟ فأجاب على الفور: لأن فيه فراق الأحباب. قلت: ونظيره ما روي أن محمد بن داود الظاهري لما قعد أول مجلس للتدريس، سئل: ما علامة السكران؟ فأجاب فوراً: إذا غربت عنه الفهوم، وباح بسره المكتوم. 2 - وعن جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا جِئْتَ مِنْ سَفَرٍ فَلاَ تَأْتِ أَهْلِكَ طُرُقاً حَتَّى تَسْتَحِدَّ المُغِيبَةُ, وَتَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ, وَعَلَيْكَ بِالكَيْسِ". أخرجه الخمسة (¬3) إلا النسائي. [صحيح] 3 - وفي رواية (¬4): "كانَ يَنْهَاهُمْ أَنْ يَطْرُقُوا النِّسَاءَ لَيْلاً لِئَلاَّ يَتَخَوَّنُوهُنَّ وَيَطْلُبُوا عَثَرَاتِهنُّ". [صحيح] 4 - وفي أخري (¬5): "لاَ تَلِجُوا عَلَى المُغِيبَاتِ, فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنْ أَحَدِكُمْ مَجْرَى الدَّمِ". فَقُلْنَا: وَمِنْكَ؟ قَالَ: "وَمِنِّي، إلاَّ أَنَّ الله أَعَانَنِي عَلَيْهِ فَأَسْلَمُ". [صحيح] ¬

_ (¬1) في شرحه لصحيح البخاري (4/ 455). (¬2) أخرجه أحمد في مسنده (2/ 380)، والطبراني في"الأوسط" رقم (8308) بإسناد ضعيف. (¬3) أخرجه البخاري رقم (5245)، ومسلم رقم (183/ 715) , وأبو داود رقم (2776، 2777، 2778)، والترمذي رقم (1172). (¬4) أخرجه مسلم في صحيحه رقم (184/ 715). (¬5) أخرجه أحمد (3/ 309)، والترمذي رقم (1172) وقال: غريب من هذا الوجه. =

قال سفيان: معناه أسلم أنا منه، فإن الشيطان لا يسلم. 5 - وفي أخرى (¬1): كانَ إذَا قَفَلَ مِنْ غَزْوَةٍ أَوْ سَفَرٍ فَوَصَلَ عَشِيَّةً لَمْ يَدْخل حَتَّى يُصْبِحَ، فَإِذَا وَصَلَ قَبْلَ الصُّبْحِ لَمْ يَدْخُلْ إلاّ وَقْتَ الغَدَاةِ، يَقُولُ: "أُمْهِلُوا كيْ تَمْتَشِطَ التَّفِلَةُ, وَتَسْتَحِدُ "المُغِيبَةُ. [صحيح] "الطُّرُوقُ" (¬2): المجيء ليلاً. "وَالتَّخَوُّنُ": طلب الخيانة والتهمة. "وَالِاسْتِحْدَادُ" (¬3): حلق العانة، وهو استفعال من الحديد، وكأنه استعمله على طريق الكتابة والتورية. "وَالمُغِيبَةُ" (¬4): التي غاب عنها زوجها. "وَالشّعِثُّةُ": البعيدة العهد بالغسل وتسريح الشعر والنظافة (¬5). "وَالتِّفِلَةُ": التي لم تتطيب. "وَالكَيْسُ": الجماع، وَالكَيْسُ العقل، فيكون قد جعل طلب الولد من الجماع عَقْلاً (¬6). ¬

_ = وهو حديث صحيح. (¬1) أخرجه أحمد (3/ 303)، والبخاري رقم (5245)، ومسلم رقم (181/ 715). (¬2) انظر: "النهاية" (2/ 108 - 109)، "غريب الحديث" للهروي (2/ 46). (¬3) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (5/ 31). (¬4) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (5/ 31). (¬5) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (5/ 31). (¬6) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (5/ 31).

6 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: لمَّا نَهَاهُمْ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَطْرُقُوا النِّسَاءَ لَيْلاً طَرَقَ رَجُلاَنِ بَعْدَ النَّهْيِ، فَوَجَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلاً. أخرجه الترمذي (¬1). [صحيح] قوله في حديث جابر: "ويطلبوا عثراتهن" أقول: جمع عثرة وهي الزلة، إلا أنه قال ابن الأثير (¬2): إنه قال عبد الرحمن بن مهدي عن [سفيان] (¬3): أنا لا أدري هذا في الحديث أم لا، يعني: يتخونوهن، ويطلبوا عثراتهن. انتهى. والطروق (¬4): بالضم المجيء بالليل، والآتي طارق، ولا يقال في النهار إلا مجازاً. قال العلماء (¬5): نهى عن الطروق ليلاً؛ لئلا تكون غير متطيبة فيرى منها ما يكون سبباً لنفرته عنها، أو يجدها على غير حالة مرضية، والشارع يحافظ على الستر. وقد خالف بعضهم فرأى عند أهله رجلاً معاقبة له، ويأتي فيه حديث الترمذي (¬6). ¬

_ (¬1) في "السنن" بإثر الحديث رقم (2712) معلقاً عن ابن عباس. وأخرج ابن خزيمة في صحيحه كما في "فتح الباري" (9/ 340 - 341)، وعبد الرزاق رقم (14018) من حديث ابن عمر قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يطرق النساء ليلاً، فطرق رجل فوجد مع امرأته ما يكره. وأخرج أبو عوانة في مسنده (5/ 114، 116)، وعبد الرزاق رقم (14019) عن جابر: أن عبد الله بن رواحة أتى امرأته ليلاً، وعندها امرأة تمشطها فظنها رجلاً، فأشار إليه بالسيف، فلما ذكر للنبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك نهى أن يطرق الرجل أهله ليلاً. (¬2) في "الجامع" (5/ 29). (¬3) في (أ. ب): "سعد"، وما أثبتناه من "الجامع" (5/ 29). (¬4) تقدم شرحها. (¬5) انظر: "فتح الباري" (9/ 341). (¬6) تقدم ذكره.

النوع الثامن: في سفر البحر

قوله (¬1): "والكيس" أقول: فسره ابن حبان بالجماع. وفسره البخاري وغيره بطلب الولد. وفسره بعضهم بالرفق وحسن التأني. [250 ب]. وفي رواية ابن خزيمة (¬2) عن جابر: فدخلنا حين أمسينا، فقلت للمرأة: إن رسول الله أمرني أن أعمل عملاً كيساً، قالت: سمعاً وطاعة فدونك، فبت معها حتى أصبحت. النوع الثامن: في سفر البحر 1 - عن ابن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تَرْكَبُ البَحْرَ إِلاَّ حَاجَّاً أَوْ مُعْتَمِرَاً أَوْ غَازِيَاً فِي سَبِيلِ الله تَعَالى، فَإِنَّ تَحْتَ البَحْرِ نَارًا، وَتَحْتَ النَّارِ بَحْرًا". أخرجه أبو داود (¬3). [منكر]. قال الخطابي (¬4) في قوله: إن تحت البحر نَاراً ... إلخ. هذا تفخيم لأمر البحر وتهويل لشأنه، فإن الآفة تسرع إلى راكبه، ولا يؤمن هلاكه في غالب الأمر كما لا يؤمن الهلاك من النار لمن لابسها ودنا منها، وهذا في معرض التَّخَيُّلِ والتمثيل. ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (9/ 342). (¬2) كما في "فتح الباري" (9/ 342). (¬3) في "السنن" رقم (2489)، وهو حديث منكر. (¬4) في "معالم السنن" (3/ 13 - 14 - مع السنن). وأخرجه سعيد بن منصور في سننه (2/ 152 رقم 2393)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (4/ 334). قال المنذري في "المختصر" (3/ 359): في هذا الحديث اضطراب, روي عن بشير هكذا، وروي عنه: أنه بلغه عن عبد الله بن عمر، وروي عنه عن رجل عن عبد الله بن عمرو، وقيل غير ذلك. وذكره البخاري في "تاريخه الكبير" (2/ 104 - 105)، وأورد له هذا الحديث، وذكر اضطرابه، وقال: لم يصح حديثه. وقال الخطابي: وقد ضعفوا إسناد هذا الحديث. وقال النووي في "المجموع" (1/ 137): حديث ضعيف باتفاق المحدثين، وممن بيَّن ضعفه أبو عمر بن عبد البر، ولو ثبت لم يكن فيه دليل ولا معارضه بينه وبين حديث: "هو الطهور ماؤه". =

2 - وعن مُطَرِّفٍ قال: "لاَ بَأْسَ بِالتَّجَارَةِ في البَحْرِ، وَمَا ذَكَرَهُ الله تَعَالى في القُرْآنِ إلاّ بِحَقٍ، ثُمَّ تَلاَ: {وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} " (¬1). أخرجه رزين. قلت: وأخرجه البخاري (¬2) في ترجمة, والله أعلم. "مَوَاخِرَ" جمع ماخرة: وهي الجارية. ([النوع الثامن في سفر البحر] (¬3)) قوله في حديث ابن عمرو بن العاص [366/ أ]: "فإن تحت البحر ناراً" أقول: في "سنن الترمذي" عن ابن عمرو قال عبد الله بن عمرو: هو نار. قال ابن العربي (¬4): أي طيف نار؛ لأنه بنفسه ليس بنار. وقد كره ابن عمر وابن عمرو الوضوء بماء البحر. قلت: ولا وجه له, فقد ثبت حديث: "هو الطهور ماؤه"، وحديث ابن عمرو هذا ضعيف باتفاق المحدثين. قوله: "عن مطرف" أقول: هو بضم (¬5) الميم وفتح الطاء المهملة وتشديد الراء المكسورة وبالفاء: ابن عبد الله بن الشخير العامري البصري، روى عن أبي ذر وعثمان بن أبي العاص. ¬

_ = وقال المحدث الألباني في "الضعيفة" رقم (478): حديث منكر. (¬1) سورة فاطر: 12. (¬2) في صحيحه (4/ 299 رقم الباب 10). (¬3) زيادة من (أ). (¬4) في"عارضة الأحوذي" (7/ 148). (¬5) قاله ابن الأثير في "تتمة جامع الأصول" (2/ 905 - قسم التراجم).

النوع التاسع: في تلقي المسافر

قوله: "الجارية" يريد السفينة من قوله تعالى: {وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ (24)} (¬1)، والمخر في الأصل: الشق مخرت السفينة إذا شقته بصدرها. النوع التاسع: في تلقي المسافر 1 - عن السائب بن يزيد - رضي الله عنهما - قال: ذهَبنَا نَتلَقَّى رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - مَعَ الصِّبْيَانِ إِلَى ثَنِيَّةِ الوَدَاعِ مَقْدَمَهُ مِنْ غزْوَةِ تَبُوكَ. أخرجه البخاري (¬2) وأبو داود (¬3) والترمذي (¬4). [صحيح] ([النوع التاسع في تلقي المسافر] (¬5)) قوله في نوع تلقي المسافر: "عن السائب بن يزيد" (¬6) أقول: ولد (¬7) في الثانية من الهجرة، حضر حجة الوداع مع أبيه وهو ابن سبع سنين. [252 ب]. قوله: "مقدمه من غزوة تبوك" أقول: قال ابن الأثير (¬8) بعد رواية أول الحديث: بلفظ زاد في رواية: "مقدمه من غزوة تبوك"، وفي رواية قال: "أذكر أني خرجت مع الصبيان"، وفي أخرى: "بغلمان نتلقى النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى ثنية الوداع مقدمه من تبوك" أخرجه البخاري. انتهى. قوله: "ثنية الوداع" بفتح المثلثة وكسر النون وتشديد المثناة التحتية وهي: الطريق في الجبل كالنقب. وقيل: الطريق إلى الجبل. وقيل: العقبة. وقيل: الجبل نفسه، وأضيفت إلى ¬

_ (¬1) سورة الرحمن: 24. (¬2) في صحيحه رقم (4426، 4427). (¬3) في "السنن" رقم (2779). (¬4) في "السنن" رقم (1718). (¬5) سقط من (أ). (¬6) قاله ابن الأثير في "تتمة جامع الأصول" (1/ 434 - قسم التراجم). (¬7) قاله ابن الأثير في "تتمة جامع الأصول" (1/ 434 - قسم التراجم). (¬8) في "جامع الأصول" (5/ 33 - 34).

الوداع؛ لأن الخارج من المدينة يمشي معه المودعون إليها. وقيل: إن المسافرون من المدينة كان يشيع إليها ويودع عندها قديماً. وصحح هذا القاضي عياض (¬1)، واستدل عليه بقول نساء الأنصار حين مقدم النبي - صلى الله عليه وسلم -: طلع البدر علينا ... من ثنيات الوداع فدل على أنه اسم قديم، وبعده: وجب الشكر علينا ... ما دعا لله داع قوله: "كانوا يودعون من توجه إلى الشام منها ويتلقون من قدم منه إليها". 2 - وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قَدِمَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ وَرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فِي بَيْتِي، فَأتَاهُ فَقَرَعَ البَابَ فَقَامَ إِلَيْهِ - صلى الله عليه وسلم - عُرْيَانًا يَجُرُّ ثَوْبَهُ، وَالله مَا رَأَيْتُهُ عُرْيَانًا قَبْلَهَا وَلاَ بَعْدَهَا، فَاعْتَنَقَهُ وَقَبَّلَهُ. أخرجه الترمذي (¬2). [ضعيف] قوله في حديث عائشة: "عرياناً" بضم المهملة أي: ليس على جسده ثوبه، لا أنه عرياناً لا مئزر عليه، ورج ثوبه للعجلة يتلقى من يحبه وقدم عليه. وفيه جواز العناق والتقبيل. قوله: "أخرجه الترمذي" قلت: وقال (¬3): حسن غريب. 3 - وعن الشعبي قال: تَلَقَّى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، فَالتَزَمَهُ وَقَبَّلَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ. أخرجه أبو داود (¬4). [ضعيف] ¬

_ (¬1) في "مشارق الأنوار" (1/ 204). (¬2) في "السنن" رقم (2732)، وهو حديث ضعيف. (¬3) في "السنن" (5/ 77) وقال: حسن غريب، لا نعرفه من حديث الزهري إلا من هذا الوجه. (¬4) في "السنن" رقم (5220)، وهو حديث ضعيف.

قوله: "وعن الشعبي" أقول: هو عامر بن شراحيل الشعبي، تابعي جليل (¬1) القدر، فقيه كبير، قال: أدركت خمس مائة من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أو أكثر. مات سنة أربع ومائة، وله اثنتان وثمانون سنة. إذا عرفت هذا فحديثه هذا [252 ب] مرسل، ومعناه معنى حديث عائشة الذي قبله، إلا أنه عين هنا موضع التقبيل، وأنه بين عينيه، إلا أن لفظ ابن الأثير (¬2): "قبل ما بين عينيه". واحتج الثوري (¬3) بهذا الحديث على مالك بن أنس (¬4) في جواز المعانقة، وذهب مالك إلى أنه مخصوص بالنبي - صلى الله عليه وسلم -. وما ذهب إليه سفيان (¬5) من حمل الحديث على عمومه أظهر. وأما المصافحة باليد؛ ففيها أحاديث، منها قوله - صلى الله عليه وسلم -: "تمام تحيتكم المصافحه" (¬6)، وقوله: "إن أهل اليمن قد سنوا لكم المصافحة" (¬7)، وقد أطال في "فتح الباري" (¬8) في جواز ذلك. ¬

_ (¬1) قاله ابن الأثير في "تتمة جامع الأصول" (2/ 625 - 626 - قسم التراجم). (¬2) في "الجامع" (5/ 34 رقم 3028). (¬3) انظر: "موسوعة سفيان الثوري" (ص 260). (¬4) "مدونة الفقه المالكي وأدلته" (2/ 347 - 348). (¬5) "مدونة الفقه المالكي وأدلته" (2/ 347 - 348). (¬6) أخرجه الترمذي في "السنن" رقم (2731) عن أبي أمامة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "تمام عيادة المريض أن يضع أحدكم يده على جبهته - أو قال: على يده - فيسأله كيف هو، وتمام تحياتكم بينكم المصافحة". وهو حديث ضعيف، والله أعلم. (¬7) أخرج أحمد (3/ 251) عن أنس قال: إنه لما أقبل أهل اليمن؛ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قد جاءكم أهل اليمن هم أرق منكم قلوباً" قال أنس: وهم أول من جاء بالمصافحة. بإسناد صحيح. (¬8) (11/ 54 - 55).

النوع العاشر: في ركعتي القدوم

النوع العاشر: في ركعتي القدوم 1 - عن ابن عمر وكعب بن مالك - رضي الله عنهم - قالا: كانَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذَا قَفَلَ مِنْ سَفَرٍ بَدَأَ بِالمَسْجِدِ فَرَكَعَ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ انْصَرَفَ إلى بَيتِهِ. قَالَ نَافِعٌ: وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُ ذلِكَ. أخرجه أبو داود (¬1). [إسناده حسن] ([النوع العاشر في ركعتي القدوم] (¬2)) قوله في حديث ابن عمر: "حين أقبل من حجته" أقول: أعم منه حديث كعب بن مالك: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين ثم جلس للناس. قال ابن الأثير (¬3): هذا طرف من حديث توبة كعب بن مالك، وهو مذكور في كتاب "تفسير القرآن" من حرف التاء، وقد أخرجه البخاري (¬4) ومسلم (¬5) كاملاً، وهذا الطرف أخرجه أبو داود (¬6) مفرداً. انتهى. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (2782) بإسناد حسن. (¬2) زيادة من (ب). (¬3) في "الجامع" (5/ 35). (¬4) في صحيحه رقم (4418). (¬5) في صحيحه رقم (2769). (¬6) في "السنن" (2782) بإسناد حسن.

كتاب: السبق والرمي

كتاب: السبق والرمي وفيه فصلان الفصل الأول: في أحكامهما 1 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ سَبْقَ إِلاَّ فِي خُفٍّ أَوْ حَافِرٍ أَوْ نَصْلٍ". أخرجه أصحاب السنن (¬1). [صحيح] والمراد "بالخُفِّ" (¬2) الإبل. و"بِالحَافِرِ" الخيل (¬3). و"بِالنَّصْلِ" (¬4) السهم. "وَالسَّبقُ" بفتح الباء: الجُعْلُ، وبإسكانها مصدر سبقت أسبق سَبْقاً (¬5). (الكتاب الثالث في السبق) أقول: بفتح السين المهملة وسكون الموحدة، مصدر سبقت أسبق سبقاً. وبفتح الموحدة: الجعل الذي يقع السباق عليه. قوله في حديث أبي هريرة: "لا سبق" أقول: قال الخطابي (¬6): الرواية الصحيحة بفتح الباء يريد أن الجعل والعطاء لا يستحق إلا في سباق هذه الأشياء. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود رقم (2574)، والترمذي رقم (1700) وقال: هذا حديث حسن. والنسائي رقم (3585)، وابن ماجه رقم (2878). وأخرجه أحمد (2/ 425)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (2653)، وابن حبان رقم (4690)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (10/ 16)، وهو حديث صحيح. (¬2) انظر: "غريب الحديث" للهروي (4/ 472)، "النهاية" (1/ 512). (¬3) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (5/ 37). (¬4) انظر: "النهاية" (2/ 752). (¬5) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (5/ 36 - 37). (¬6) في "معالم السنن" (3/ 63 - مع السنن).

"خف أو حافر أو نصل" (¬1). فالخف كناية عن الإبل، والحافر عن الخيل، والنصل عن السهم، وذلك بتقدير حذف المضاف، وإقامة المضاف إليه مقامه. أي: ذو خف وحافر وذو نصل. انتهى. وقد ألم به [253 ب] المصنف، وقد اختلف في السباق بالأقدام ونحوه، والظاهر جوازه، وكذلك بالبهائم ونحوها، وفيه دليل أنه لا بأس بإتعاب المراكيب وحملها على الجري (¬2). 2 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: كانَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يُضَمِّرُ الخَيْلَ يُسَابِق بِهَا. أخرجه أبو داود (¬3). [صحيح] 3 - وعنه - رضي الله عنه - قال: "سَبَّقَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَ الخَيْلِ وَفَضَّلَ القُرَّح في الغَايَةِ". أخرجه أبو داود (¬4). [صحيح] 4 - وعنه - رضي الله عنه - قال: أَجْرَى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - مَا ضُمِّرَ مِنَ الخَيْلِ مِنَ الحَفْيَاءِ إِلَى ثَنِيَّةِ الوَدَاعِ، وَمَا لَمْ يُضَمَّرْ مِنَ الثَّنِيَّةِ إِلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ. أخرجه الستة (¬5). [صحيح] ¬

_ (¬1) تقدم معناها. (¬2) انظر: "فتح الباري" (6/ 71)، "البيان" للعمراني (7/ 421 - 422). (¬3) في "السنن" رقم (2576)، وهو حديث صحيح. (¬4) في "السنن" رقم (2577). وأخرجه الدارقطني في "السنن" (4/ 299)، وابن حبان رقم (4688)، وهو حديث صحيح. (¬5) أخرجه البخاري رقم (2870)، ومسلم رقم (95/ 1870)، وأبو داود رقم (2575)، والترمذي رقم (1699)، والنسائي رقم (3584)، وابن ماجه رقم (2877)، وهو حديث صحيح.

قوله في حديث ابن عمر: "يضمر [الخيل] (¬1) " أقول: المراد يأمر بالخيل تضمر، وهو بضم حرف المضارعة وسكون الضاد المعجمة وتشديد الميم. والتضمير: أن تعلف الخيل حتى تسمن وتقوي، ثم يقلل علفها، فلا تعلف إلا قوتاً، وتدخل بيتاً وتغشى بالجلال حتى تحمى وتعرق، ويخف عرقها فيخف لحمها وتقوى على الجري (¬2). وقوله: "سابق بها" بيان لعلة الأمر بالتضمير. وفيه جواز تضمير الخيل لما فيه من المصلحة ومن القوة على الجري. قوله في حديث ابن عمر: "فضل القُرَّح" بضم القاف وتشديد الراء، آخره حاء مهملة جمع قارح وهو من الخيل، ما كان ابن خمس سنين (¬3) فأكثر، وهو أشد قوة مما هو أصغر منه سناً. ويقال في نظيره من الإبل: بازل (¬4). قال الخطابي (¬5): لا يضمر من الخيل إلا القرح دون غيرها. ¬

_ (¬1) في (أ): "بالخيل". (¬2) "الصحاح" للجوهري (2/ 722)، "الفائق" للزمخشري (2/ 347). (¬3) قال الخطابي في "معالم السنن" (3/ 65): القُرَّح بضم القاف وفتح الراء مشددة: جمع قارح وهو من الخيل الذي دخل في السنة الخامسة. انظر: "النهاية" (2/ 433 - 434). (¬4) قال ابن الأثير في "النهاية" (1/ 131): البازل من الإبل الذي تم ثماني سنين ودخل في التاسعة, وحينئذ يطلع نابه، وتكمل قوته، ثم يقال له بعد ذلك بازل عام وبازل عامين. (¬5) في "معالم السنن" (3/ 65 - 66 - مع السنن).

وقوله: "وفضل القُرَّح في الغاية" يحتمل أنه فضل أصحابها فيما يعطى على السبق, [367/ أ] , أو أنه وصفها بالفضل على غيرها، وأجمعوا على جواز المسابقة بغير عوض، وعلى جوازها بعوض لكن بشرط أن يكون العوض من غير المتسابقين؛ إما الإمام أو أحد الرعية. وقال الجمهور (¬1): وكذا لو كان من أحدهما خاصة. وعن طائفة منع هذه الصورة، وهي رواية عن مالك (¬2). قوله في حديثه الثاني: "من الحفياء" أقول: بفتح الحاء المهملة وسكون الفاء ومثناة تحتية ممدودة. "إلى ثنية الوداع" تقدم الكلام عليها، ونقل شارح "طرح التثريب" عن موسى بن عقبة (¬3): أن بين الحفيا وثنية الوداع ستة أميال أو سبعة. وعن سفيان الثوري (¬4): ستة أميال أو خمسة. وجزم [254 ب] في "سنن الترمذي" (¬5) بأنها ستة أميال. قوله: "إلى مسجد بني زريق" أقول: بتقديم الزاي على الراء، أضيف إليهم لصلاتهم فيه، وبينه وبين الحفياء ميل. وتمام الحديث: قال ابن عمر: فكنت فيمن أجرى فطفَّفَ بي الفرسُ المسجد. وفي الحديث (¬6) دليل على جواز المسابقة بين الخيل، وأنها من الرياضة المحمودة لا من العبث؛ لأنه يحصل بها الانتفاع في الحرب عند الحاجة كراً وفراً، وهذا مجمع عليه. ¬

_ (¬1) "المغني" (13/ 407)، "البيان" للعمراني (7/ 421 - 422). (¬2) "مدونة الفقه المالكي وأدلته" (2/ 478 - 479). (¬3) أخرجه البخاري رقم (2870)، ومسلم رقم (95/ 1870). (¬4) أخرجه البخاري في صحيحه (2868). (¬5) في "السنن" رقم (1699)، وقد تقدم. (¬6) انظر: "فتح الباري" (6/ 73)، "المغني" (13/ 407).

وإنما الخلاف في أنه مستحب أو مباح. فعند الشافعية (¬1) أنها مستحبة, ولا بد في المسابقة من إعلام (¬2) ابتداء الغاية وانتهائها بالإجماع، وإلا أدى إلى النزاع الذي ليس له انقطاع. وفي الحديث (¬3) دليل على أنه لا يسابق إلا بين الفرسين اللذين يمكن أن يسبق أحدهما الآخر؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - سابق بين المضمرات على حدة، وبين غيرها على حدة؛ لأن غير المضمرات لا تسابقها، كيف وقد جعل ميدان المضمرات ستة أميال، وميدان غيرها ميل. 5 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَدْخَلَ فَرَسًا بَيْنَ فَرَسيْنِ وَهُوَ لاَ يَأْمَنُ أَنْ يُسْبَقَ فَلَيْسَ بِقِمَارٍ، وَمَنْ أَدْخَلَ فَرَسًا بَيْنَ فَرَسَيْنِ وَقَدْ أَمِنَ أَنْ يُسْبَق؛ فَهُوَ قِمَارٌ". أخرجه أبو داود (¬4). [ضعيف] ¬

_ (¬1) "البيان" للعمراني (7/ 426). (¬2) وفي "البحر الزخار" (5/ 104 - 106) شروط المسابقة خمسة: الأول: كون العوض معلوماً. الثاني: كون المسابقة معلومة الابتداء والانتهاء. الثالث: كون السبق بسكون الموحدة معلوماً، يعني المقدار الذي يكون من سبق به مستحقاً للجعل. الرابع: تعيين المركوب. الخامس: إمكان سبق كل منهما، فلو علم عجز أحدهما لم يصح؛ إذ القصد الخبرة. (¬3) انظر: "فتح الباري" (6/ 71 - 72). (¬4) في "السنن" (2579). وأخرجه أحمد (2/ 505)، وابن ماجه (2876)، والحاكم (2/ 114)، والبيهقي (10/ 20)، والدارقطني (4/ 111، 305)، وأبو عبيد (2/ 143)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (2654) من طرق عن سفيان بن حسين عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة به. =

قوله في حديث أبي هريرة: "من أدخل فرساً بين فرسين" أقول: هذا الثالث سمي المحلل، وذلك أنهم كانوا إذا لم يكن بي الفرسين ثالث، فلا يصح جعل الجعل من أحدهما، فإذا كان معهما ثالث جاز أن يكون الجعل من أحدهما كما صرح به. قوله: "فليس بقمار" (¬1) وصورة ذلك: أن يخرج معهما ثالث على فرس مكافئ فرسيهما ولا يخرج المحلل من عنده شيئاً، ولكنه يشترط أن لا يأمن السبق، فما كان كذلك حل الجعل من أحد الفارسين، فإن أمن أن يسبق فهو القمار. ¬

_ = وتابعه سعيد بن بشير عن الزهري به, أخرجه أبو داود رقم (2580)، والحاكم (2/ 114)، وابن عدي في "الكامل" (3/ 1208)، والبيهقي (10/ 20). قال أبو داود: رواه معمر وشعيب وعقيل عن الزهري، عن رجال من أهل العلم، وهذا أصح عندنا. وقال أبو عبيد: وكان غير سفيان بن حسين لا يرفعه. وقال الحافظ في "التلخيص" (4/ 300): ... وسفيان هذا ضعيف في الزهري، وقد رواه معمر وشعيب وعقيل عن الزهري عن رجال من أهل العلم، قاله أبو داود، قال: وهذا أصح عندنا. وقال أبو حاتم: أحسن أحواله أن يكون موقوفاً على سعيد بن المسيب، فقد رواه يحيى بن سعيد عن سعيد قوله. وكذا هو في "الموطأ" (2/ 468 رقم 46) عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن سعيد بن المسيب قال: ليس برهان الخيل بأس، إذا دخل فيها محلل، فإن سبق أخذ السبق، وإن سُبق لم يكن عليه شيء. وهو مقطوع صحيح. وقال الحافظ في "التلخيص" (4/ 300): وقال ابن خيثمة: سألت ابن معين عنه, فقال: هذا باطل ... وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف، والله أعلم. (¬1) "القاموس المحيط" (ص 598).

قوله: "أخرجه أبو داود" أقول: عن سفيان بن حسين عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة، ولم ينفرد به سفيان بن حسين كما قيل، بل قد أخرجه أبو داود (¬1) أيضاً من طريق سعيد بن بشير عن الزهري. واعلم أن المراد بالسباق بين الفرسين وعليهما راكبان؛ لأن المراد إرسال الفرسين ليجريا بأنفسهما [255 ب]، وقد صرح الفقهاء أنه لو شرط في عقد المسابقة لم يصح؛ لأن الدواب لا تهتدي لقصد الغاية من غير راكب، وربما نفرت قالوا: بخلاف الطيور إذا جوزت المسابقة عليها؛ فإنها تهتدي للمقصد. 6 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: كَانَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - نَاقَةٌ تُسَمَّى العَضْبَاءَ لاَ تُسْبَقُ، فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ. عَلَى قَعُودٍ فَسَبَقَهَا، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى المُسْلِمِينَ، فَقَال - صلى الله عليه وسلم -: "حَقٌّ عَلَى الله أَنْ لاَ يَرْتَفِعَ شَيْءٌ مِنَ الدُّنْيَا إِلاَّ وَضَعَهُ". أخرجه البخاري (¬2) وأبو داود (¬3) والنسائي (¬4). [صحيح] قوله في حديث أنس: "العضباء" أقول: العضباء مشقوقة الأذن، ولم تكن ناقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عضباء إنما كان هذا لقباً لها (¬5). و"القعود" من الإبل ما أمكن أن يركب، وأدناه أن يكون له سنتان، وهو قعود إلى أن يدخل في السنة السادسة، ثم هو جمل، والأنثى لا يقال لها قعود وإنما يقال لها قلوص. وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "حق على الله أن لا يرتفع شيء من هذه الدنيا إلا وضعه" عام لكل ما ارتفع عن غيره من نظرائه، بأي رفعة كانت، وفيه تسلية وتأسية. ¬

_ (¬1) في "السنن" (3/ 67 رقم 2580). (¬2) في صحيحه رقم (2872) تعليقاً. (¬3) في "السنن" رقم (4802). (¬4) في "السنن" رقم (3587)، وهو حديث صحيح. (¬5) انظر: "النهاية" (2/ 318)، وقد تقدم ذكره مراراً.

7 - وعن فُقَيْمَ اللخمي قال: قُلْتُ لِعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ - رضي الله عنهما -: تخْتَلِفُ بَيْنَ هَذَيْنِ الغَرَضَيْنِ وَأَنْتَ كَبِيرٌ يَشُقُّ عَلَيْكَ. فَقَالَ: لَوْلاَ كَلاَمٌ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - لمْ أُعَانِهِ. سَمِعْتُهُ يَقُولُ: "مَنْ تَعَلَّمَ الرَّمْيَ ثُمَّ تَرَكَهُ فَلَيْسَ مِنَّا، أَوْ قَدْ عَصَى". أخرجه مسلم (¬1). [صحيح] (لم أعانه): معَانَاة الشيء: مُقاساته وملابسته (¬2). قوله: "وعن فقيم" (¬3) بالفاء والقاف فمثناة تحتية مصغراً اللخمي بالخاء المعجمة، تابعي روى عن عقبة بن عامر. قوله: "الغرضين" أقول: بالغين المعجمة فراء بعدها ضاد معجمة: هو ما يقصده الرامي بالإصابة. 8 - وعن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ الله لَيُدْخِلُ بِالسَّهْمِ الوَاحِدِ ثَلَاَثةَ نَفَرٍ الجَنَّةَ: صَانِعَهُ يَحْتَسِبُ فِي صَنْعَتِهِ الَخيْرَ، وَالرَّامِيَ بِهِ، وَالمُمِدَّ به" (¬4). [ضعيف] قوله في حديث عقبة: "إن الله يدخل في السهم الواحد ثلاثة نفر" ثم بينهم. "صانعه يحتسب في صنعته الخير" أي: يقصد نفع المجاهدين ونكاية العدو. ¬

_ (¬1) في صحيحه رقم (167/ 1919). وأخرجه أحمد (4/ 157)، وهو حديث صحيح. (¬2) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (5/ 41). (¬3) ذكره ابن الأثير في "تتمة جامع الأصول" (2/ 775 - قسم التراجم). (¬4) أخرجه أحمد (4/ 146، 148)، وأبو داود رقم (2513)، والترمذي رقم (1637 م) وقال: هذا حديث حسن صحيح. والنسائي رقم (3578)، وابن ماجه رقم (2811). وهو حديث ضعيف، والله أعلم.

"والرامي به والممد به" أي: الذي يمد به الرامي، أي: يعطيه إياه، إما أنه يقف بجانبه أو خلفه [256 ب] ومعه عدد من النبل يناوله واحدة بعد واحدة, أو أنه يرده عليه من الهدف أو غيره، والنبل: السهام الصغار معروفة (¬1). 9 - وفي رواية (¬2): "وَمُنْبِلَهُ, وَارْمُوا، وَارْكَبُوا، وَأَنْ تَرْمُوا أَحَبُّ إِلىَّ مِنْ أَنْ تَرْكَبُوا، كُلُّ لَهْوٍ بَاطِلٍ، لَيْسَ مِنَ اللهوِ مَحْمُودٌ إِلاَّ ثَلاَثٌ: تَأْدِيبُ الرَّجُلِ فَرَسَهُ, وَمُلاَعَبَتُهُ أَهْلَهُ, وَرَمْيُهُ بِقَوْسِهِ وَنَبْلِهِ فَإنَّهُنَّ مَنَ الحَقِّ، وَمَنْ ترَكَ الرَّمْيَ بَعْدَ مَا عَلِمَهُ رَغْبَةً عَنْهُ فَإِنَّهَا نِعْمَةٌ تَرَكَهَا". أَوْ قَالَ: "كَفَرَهَا". أخرجه أصحاب السنن، وهذا لفظ أبي داود. [حسن] "وَالمُنَبَّلُ" (¬3) الذي يناول الرامي النَّبْلَ ليرمي به, وهو المُمِدُّ به. وقوله: "كَفَرَها" أي: جحدها (¬4). "وفي رواية: منبلة" [بمعناه] (¬5) وهو بضم الميم وإسكان النون وكسر الموحدة. قال المنذري (¬6): ويحتمل أن يريد بالمنبل الذي يعطيه المجاهد، ويجهزه به من ماله، إمداداً له وتقوية. قوله: "بقوسه ونبله" وهي خصلة واحدة من الثلاث. [368/ أ]. 10 - وعن سَلمةَ بن الأكوع - رضي الله عنه - قال: خَرَجَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَلَى نَفَرٍ مِنْ أَسْلَمَ يَنْتَضِلُونَ بِالسُّوق. فَقَالَ: "ارْمُوا بَني إِسْمَاعِيلَ، فَإِنَّ أَبَاكُمْ كَانَ رَامِيًا، ارْمُوا وَأَنَا مَعَ بَنِي فُلاَنٍ" ¬

_ (¬1) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (5/ 43). (¬2) أخرجه أبو داود في "السنن" رقم (2513)، وهو حديث حسن بهذا السياق. (¬3) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (5/ 43). (¬4) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (5/ 43). (¬5) سقطت من (ب). (¬6) في "الترغيب والترهيب" (2/ 241)

فَأَمْسَكَ أَحَدُ الفَرِيقَيْنِ بِأَيْدِيهِمْ، فَقَالَ: "مَا لَكُمْ لاَتَرْمُونَ؟ ". فَقَالُوا: كَيْفَ نَرْمِي وَأَنْتَ مَعَهُمْ؟ قَالَ: "ارْمُوا وَأَنَا مَعَكُمْ كُلِّكُمْ". أخرجه البخاري (¬1). [صحيح] قوله: "من أسلم" أقول: أي من بني أسلم القبيلة المعروفة، وهي بلفظ أفعل التفضيل من السلامة. "وينتضلون" (¬2) بالضاد المعجمة، أي: يترامون، والنضال الترامي للسبق، ونضل فلان فلاناً إذا غلبه. قوله: "كيف نرمي وأنت معهم" وقع في رواية الطبراني (¬3) فقالوا: من كنت معه فقد غلب. وكذا في رواية ابن إسحاق (¬4) فقال: نضلة بالضاد والنون المعجمة: من كنت معه فقد غلب. ونضله أحد المتناضلين، والآخر محجن بن الأدرع (¬5) كما في رواية ابن إسحاق، فإنه سماهما كذلك وبين أن قوله - صلى الله عليه وسلم -: "وأنا مع بني فلان" أراد به محجن بن الأدرع، ولذا قال: نضله بما قال. ¬

_ (¬1) في صحيحه رقم (3507)، وأخرجه أحمد (4/ 50). (¬2) انظر: "القاموس المحيط" (ص 1373). (¬3) في "المعجم الكبير" رقم (2989). وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (5/ 268) وقال: فيه عبد الله بن يزيد البكري، وهو ضعيف. (¬4) ذكره الحافظ في "التلخيص" (4/ 303). (¬5) قال ابن حجر في "الإصابة" (3/ 123 رقم 3386): سلمة بن ذكوان، ويقال: هو ابن الأدرع ... وقيل: هو سلمة، وقيل: هو محجن، وهو الأكثر. وقال ابن سعد في "الطبقات الكبرى" (4/ 316): محجن بن الأدرع الأسلمي وهو من بني سهم، وهو الذي قال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ارموا وأنا مع ابن الأدرع" وكان يسكن المدينة, ومات بها في خلافة معاوية بن أبي سفيان. وانظر: "التلخيص" (4/ 303).

الفصل الثاني: فيما جاء من صفات الخيل

فقوله: "نفر" أي: جماعة كأنهم ينظرون من يغلب، وإلا فالمتناضلان اثنان. وقوله: "ينتضلون" جرى في الضمير على وفق الظاهر. قوله: "وأنا معكم كلكم" بكسر اللام، وكأن المراد: أنه يرمي مع كل واحد. وفيه أن الجد الأعلى يسمى أباً. وفيه حسن خلقه صلى الله عليه وآهل ومعرفته بأمور الحرب. وفيه الندب إلى اتباع خصال الآباء المحمودة والعمل بمثلها. وفيه حسن أدب الصحابة معه - صلى الله عليه وسلم -. وأخرج الحديث الدارقطني وغيره، إلا أنهم قالوا: "ارموا وأنا مع بني الأدرع" وفيه [257 ب]: "فرموا عامة يومهم فلم يفضل أحدهم الآخر" [و] (¬1) قيل: وأراد معكم بالنية والهمة لا في الرهن والمال والغلبة. الفصل الثاني: فيما جاء من صفات الخيل 1 - عن أبي وَهب الجُشَمي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "عَليْكُمْ بِكُلِّ كُمَيْتٍ أَغَرَّ مُحَجَّلٍ، أَوْ أَشْقَرَ أَغَرَّ مُحَجَّلٍ، أَوْ أَدْهَمَ أَغَرَّ مُحَجَّلٍ". قِيلَ لِأبِي وَهْبٍ: لِمَ فُضِّلَ الأشْقَرُ؟ قَالَ: لأَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَ سَرِيَّةً، فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ جَاءَ بِالفَتْحِ صَاحِبُ أَشْقَرَ. أخرجه أبو داود (¬2) والنسائي (¬3). [ضعيف] ¬

_ (¬1) سقطت من (أ). (¬2) في "السنن" رقم (2543). (¬3) في "السنن" رقم (3565). وأخرجه أحمد (4/ 345). إسناده ضعيف؛ لجهالة عقيل بن شبيب، فإنه لم يوثقه غير ابن حبان. وقال الذهبي: لا يعرف هو ولا الصحابي إلا بهذا الحديث، تفرد به محمد بن مهاجر عنه. وهو حديث ضعيف، والله أعلم.

وعنده (¬1): "ارْتَبِطُوا الخَيْلَ وَامْسَحُوا بِنَوَاصِيهَا وَأَكْفَالِهَا، وَقَلِّدُوهَا وَلاَ تُقَلِّدُوهَا الأَوْتَارَ". ومعنى: "لا تقلدوها الأوتار" (¬2): أنهم كانوا يقلدون خيلهم الأوتار من العَيْنِ فأعلمهم أن ذلك لا يرد من قدر الله شيئاً. وقيل: معناه لا تطلبوا عليها الأوتار التي وُتِرْتُم بها في الجاهلية. قوله: (الفصل الثاني فيما جاء في صفات الخيل). قوله: "عن أبي وهب الجشمي" أقول: قال ابن الأثير (¬3): أبو وهب الجشمي اسمه كنيته، وله صحبة ورواية، والجشمي بضم الجيم وفتح الشين [المعجمة] (¬4). قوله في حديثه: "بكل كميت" في "القاموس" (¬5): الكميت الذي خالط حمرته قتوم، ويؤنث ولونه الكتمة. و"الأغر" بالغين المعجمة ذو الغرة, وهي بياض الوجه. و"المحجل" هو الذي يرتفع البياض في يديه إلى موضع القيد، ويجاوز الأرساغ، ولا يجاوز الركبتين؛ لأنها مواضع الأحجال، وهي الخلاخيل والقيود، ولا يكون التحجيل باليد واليدين ما لم يكن معها رجل ورجلان، قاله في "النهاية" (¬6). والشقرة (¬7): لون الأشقر وهي في الإنسان حمرة صافية وبشرته مائلة إلى البياض. ¬

_ (¬1) أي النسائي في "السنن" رقم (3565)، وهو حديث ضعيف. (¬2) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (5/ 46). (¬3) في "تتمة جامع الأصول" (2/ 975 - قسم التراجم). (¬4) سقطت من (ب). (¬5) القاموس المحيط (ص 204). (¬6) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 238 - 239). (¬7) قاله الفيروزآبادي في "القاموس المحيط" (ص 536).

وفي الخيل: حمرة صافية تحمر معها الغرة والذنب، فإن اسود فهو كميت. 2 - وعن أبي قتادة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خيْرُ الخَيْلِ الأَدْهَمُ الَأْقرَحُ الأَرْثَمُ، ثُمَّ الأَقْرَحُ المُحَجَّلُ طَلْقُ اليَمِينِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَدْهَمَ فَكُمَيْتٌ عَلَي هَذِهِ الشِّيَةِ". أخرجه الترمذي (¬1). [صحيح] "الأقْرَحُ" (¬2) الذي في جبهته قَرْحَةٌ، وهي بياض يسير في وسطها. "وَالأرُثمُ" (¬3) الذي في شفته العليا بياض. "وَطَلُقُ اليَمِينِ" بضم الطاء واللام: غير مَحَجَّلِهَا (¬4). "وَالشَّيَةُ" كل لون خالف معظم لون الخيل وغيره (¬5). قوله في حديث أبي قتادة: واسم أبي قتادة الحارث بن ربعي (¬6). وقيل: اسمه النعمان. "أخرجه الترمذي" قلت: وقال (¬7): حسن صحيح. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (16969). وأخرجه أحمد (5/ 300)، وابن ماجه رقم (2789)، وهو حديث صحيح. (¬2) "الفائق" للزمخشري (3/ 143)، "النهاية" (2/ 433). (¬3) "القاموس المحيط" (ص 1435)، "النهاية" (1/ 635). (¬4) انظر: "شمس العلوم" (7/ 4138)، "غريب الحديث" للهروي (1/ 143). (¬5) قال ابن الأثير في "غريب الجامع" (5/ 47): الشَّيَةُ: كل لون يخالف معظم لون الفرس وغيره, ولها فيها عوض من الواو الذاهبة من أوله، والجمع: شياتٌ. "النهاية في غريب الحديث" (1/ 907). (¬6) قاله ابن الأثير في "تتمة جامع الأصول" (1/ 284). (¬7) في "السنن" (4/ 204).

3 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: "يُمْنُ الخَيْلِ في شُقْرِهَا". أخرجه أبو داود (¬1) والترمذي (¬2). [حسن] "اليُمْنُ" البركة. 4 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: "كَانَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - الشِّكَالَ في الخَيْلِ، وَهُوَ أنْ يَكُونُ الفَرَسُ فِي رِجْلِهِ اليُمْنَى بَيَاضٌ وَفِي يَدِهِ اليُسْرَى أَوْ يَدِهِ اليُمْنَى وَرِجْلِهِ اليُسْرَى. وَقِيلَ: الشِّكَالُ أَنْ يَكُونَ ثَلاَثُ قَوَائِمَ مُحَجَّلَةً وَوَاحِدَةٌ مُطْلَقَةً، أَوْ الثَّلاَثُ مُطْلَقَةً وَوَاحِدَةٌ مُحَجَّلَةً، وَلاَ يَكُونُ الشِّكَالُ إِلاَّ فِي رِجْلٍ، وَقِيلَ: هَوَ اخْتِلاَفُ الشِّيَةِ بِبَيَاضٍ في خِلاَفٍ". أخرجه الخمسة (¬3) إلا البخاري. [صحيح] قوله في حديث أبي هريرة: [258 ب] "يكره الشكال في الخيل" قد فسره المصنف. وفي "النهاية" (¬4) الشكال في الخيل: هو أن يكون ثلاث قوائم منه محجلة [وواحدة] (¬5) مطلقة تشبيهاً بالشكال الذي تشكل به الخيل؛ لأنه يكون في ثلاث قوائم غالباً. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (2545). (¬2) في "السنن" رقم (1695) وقال: هذا حديث حسن غريب. وأخرجه أحمد (1/ 272). وهو حديث حسن، والله أعلم. (¬3) أخرجه مسلم رقم (102/ 1875)، وأبو داود رقم (2547)، والترمذي رقم (1698) وقال: هذا حديث حسن صحيح. والنسائي رقم (3566)، وهو حديث صحيح. (¬4) (1/ 886). (¬5) في (ب): "والثلاث".

وقيل: هو أن يكون واحدة محجلة والثلاث مطلقة (¬1). وقيل: هو أن يكون إحدى يديه وإحدى رجليه من خلاف محجلتين (¬2). وإنما كرهه؛ لأنه كالمشكول صورة تفاؤلاً، ويمكن أن يكون جرب ذلك الجنس فلم يكن فيه نجابة. وقيل: إذا كان مع ذلك أغر زالت الكراهة لزوال شبهه للشكال (¬3). انتهى. 5 - وعن عروة بن الجعد - رضي الله عنه - قال: قال رسول - صلى الله عليه وسلم -: "الخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الخَيْرُ: الأَجْرُ وَالمَغْنَمُ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ". أخرجه الخمسة (¬4) إلا أبا داود. [صحيح] قوله في حديث عروة بن الجعد؛ هو البارقي بالموحدة وكسر الراء بعدها قاف نسبة إلى بارق جبل باليمن. وقيل: ماء بالسراة نزله بنو عدي بن حارثة بن عمرو قبيلة من الأزد، ولقب به منهم سعيد بن عدي فكان يقال بارق. قوله: "الخيل معقود بنواصيها الخير" أقول: خص النواصي من (¬5) أعضاء الخيل؛ لأن العرب تقول: فلان مبارك الناصية، وهو ما يغنمه على ظهورها من الغنائم، وما يناله من بطونها من النتاج. والناصية (¬6): هي الشعر المسترسل على الجبهة. وقوله: "الأجر والمغنم" بدل أو عطف بيان من الخير، فإنه ينال بها خير الآخرة، وهو الأجر بالجهاد عليها في سبيل الله، وينال بها خير الدنيا وهي الغنائم. ¬

_ (¬1) قاله أبو عبيد في "غريب الحديث" (3/ 18). (¬2) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 252)، "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (6/ 291). (¬3) قاله القاضي عياض في "مشارق الأنوار" (2/ 252). (¬4) أخرجه البخاري رقم (2852)، ومسلم رقم (98/ 1873)، والترمذي رقم (1694)، والنسائي رقم (3574 - 3577)، وابن ماجه رقم (2305، 2786). (¬5) انظر: "فتح الباري" (6/ 56). (¬6) قاله الخطابي في "غريب الحديث" (2/ 579).

وفي قوله: [259 ب] "إلى يوم القيامة" دليل على أنه لا ينقطع الجهاد وإن ولي أمور العباد ذووا الظلم والفساد. وبهذا استدل البخاري وعقد له باباً فقال: باب الجهاد (¬1) ماض مع البر والفاجر، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "الخيل معقود بنواصيها الخير". قال في "فتح الباري" (¬2) [369/ أ]: سبقه إلى الاستدلال بهذا الإمام أحمد؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - ذكر بقاء الخير في نواصي الخيل إلى يوم القيامة، وفسره بالأجر والمغنم، والمغنم المقترن بالأجر، إنما يكون من الخيل بالجهاد، ولم يقيد ذلك ما إذا كان الإمام عادلًا، فدل على أنه لا فرق في حصول هذا الخير مع الإمام العادل والجائر. وفي الحديث بشرى ببقاء الإسلام وأهله إلى يوم القيامة؛ لأن من لازم [بقاء] (¬3) الجهاد بقاء المجاهدين وهم المسلمون. وهو مثل الحديث الآخر (¬4): "لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون علي الحق". وفي "سنن الترمذي" (¬5) من حديث أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ثلاث من أصل الإيمان: الكفُّ عمَّن قال لا إله إلا الله لا نكفره بذنب ولا نخرجه عن الإسلام بعمل، والجهاد ماض، [260 ب] بعثني الله إلى أن يقاتل آخر أمتي الدجال، لا يبطله جور جائر، ولا عدل عادل، والإيمان بالأقدار". ¬

_ (¬1) في صحيحه (6/ 56 الباب رقم 44 - مع الفتح). (¬2) (6/ 56). (¬3) سقطت من (أ. ب)، وأثبتناها من "فتح الباري". (¬4) أخرجه أبو داود في "السنن" رقم (2484) من حديث عمران بن الحصين. وهو حديث صحيح. (¬5) لم يخرجه الترمذي، بل أخرجه أبو داود في "السنن" رقم (2532)، وهو حديث ضعيف.

وأخرج أيضاً عن أبي هريرة (¬1) قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الجهاد واجب عليكم مع كل أمير براً كان أو فاجراً، والصلاة واجبة عليكم خلف كل مسلم برّاً كان أو فاجراً، وإن عمل الكبائر". والحديثان مما سكت أبو داود (¬2) عليهما. وفيه فضيلة الخيل فإنه لم يأت عنه - صلى الله عليه وسلم - في غيرها مثل هذا القول. 6 - وعن [عُتْبَةَ بن عبد السلمي] (¬3) - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -:"لاَ تَقُصُّوا نَوَاصِيَ الخَيْلِ وَلاَ أعْرَافَهَا وَلاَ أَذْنَابَهَا، فَإِن أَذْنَابَهَا مَذَابُّهَا، وَمَعَارِفَهَا دِفَاؤُهَا، وَنَوَاصِيهَا مَعْقُودٌ فِيهَا الخَيْرُ". أخرجه أبو داود (¬4). [ضعيف] قوله: "وعن [عتبة بن عبد السلمي] (¬5) " بالعين المهملة مضمومة, والمثناة الفوقية فموحدة وعبد بفتح العين، وسكون الموحدة. وعتبة كان اسمه عتلة فسماه النبي - صلى الله عليه وسلم - عتبة شهد خيبر. مات بحمص سنة سبع وثمانين، وهو ابن أربع وتسعين، وهو آخر من مات بالشام من الصحابة. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود في "السنن" رقم (2533)، وهو حديث ضعيف. قال المنذري: هذا منقطع؛ مكحول لم يسمع من أبي هريرة. (¬2) وهذا يثبت أن الشارح أخطأ في عزوهما إلى الترمذي. (¬3) في المخطوط (أ. ب): "عتبة بن عبد الله السلمي" وهو خطأ، وما أثبتناه من "الجامع" (5/ 50 رقم 3052)، و"التقريب" (2/ 5 رقم 20). (¬4) في "السنن" رقم (2542)، وهو حديث ضعيف. (¬5) في المخطوط (أ. ب): "عتبة بن عبد الله السلمي" وهو خطأ، وما أثبتناه من "الجامع" (5/ 50 رقم 3052)، و"التقريب" (2/ 5 رقم 20)

قوله: "لا تقصوا نواصي الخيل" تقدم تفسير الناصية، وهذا نهي عن قص شعرها، وقد علله بأن الخير معقود بنواصيها. وفيه دليل على أن الناصية حقيقة لا أنها كناية عن ذات الفرس كما قاله الخطابي (¬1)، فإنه قال: كنى بالناصية عن جميع ذات الفرس، يقال: فلان مبارك الناصية ومبارك الغرة، أي: الذات. انتهى. ولا أعرفها، أي: لا يقصوها وهو شعر عنق الفرس. وقد علله في الحديث. ولا أذنابها أي: لا يقصوها، وعللها بأنها مذابها (¬2) بفتح الميم فذال معجمة جمع مذب، أي: تذب بها وتدفع ما يؤذيها من الذباب وغيره. قوله: "أخرجه أبو داود" أقول: في "الجامع" (¬3) أن هذا اللفظ الذي أتى به المصنف ذكره رزين، وأن لفظ أبي داود (¬4): "لا تقصوا نواصي الخيل ولا معارفها ولا أذنابها، فإن أذنابها مذابها، ومعارفها دفاؤها، ونواصيها معقود فيها الخير" [261 ب] انتهى. فاللفظ الذي نسبه المصنف لأبي داود هو لفظ رزين فاعرف. 7 - وعن جرير - رضي الله عنه - قال: رَأَيْتُ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - يلْوِي نَاصِيَةَ فَرسٍ بِإِصْبَعِهِ وَيَقُولُ: "الخَيْلُ مَعْقُودٌ في نَوَاصِيهَا الخَيْرُ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، الأَجْرُ وَالغَنيمَةُ". أخرجه مسلم (¬5) والنسائي (¬6). [صحيح] ¬

_ (¬1) في "غريب الحديث" (2/ 579). (¬2) "القاموس المحيط" (ص 109). (¬3) (5/ 50 رقم 3052). (¬4) في "السنن" رقم (2542)، وهو حديث ضعيف. (¬5) في صحيحه رقم (97/ 1872). (¬6) في "السنن" رقم (3572). وأخرجه أحمد (4/ 361)، وهو حديث صحيح.

8 - وعن يحيى بن سعيد قال رُئِيَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - وهُوَ يَمْسَحُ وَجْهَ فَرَسِهِ بِرِدَائِهِ، فَقِيلَ لَهُ في ذَلِكَ، فَقَالَ: "إِنِّي عُوتِبْتُ اللَّيْلَةَ فِي الخَيْلِ". أخرجه مالك (¬1). [صحيح لغيره] 9 - وعن أبي ذرّ - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"مَا مِنْ فَرَسٍ عَرَبِيِّ إِلاَّ يُؤْذَنُ لَهُ عِنْدَ كُلِّ سَحَرٍ بِكَلِمَاتٍ يَدْعُو بِهِنَّ: اللهمَّ خَوَّلْتَنِي مَنْ خَوَّلْتَنِي مِنْ بَني آدَمَ وَجَعَلْتَنِي لَهُ فَاجْعَلْنِي أَحَبَّ أَهْلِهِ وَمَالِهِ إِلَيْهِ، أَوْ مِنْ أَحَبِّ مَالِهِ وَأَهْلِهِ إِلَيْهِ". أخرجه النسائي (¬2). [صحيح] قوله: "وعن يحيى بن سعيد" أقول: هو القطان، وهو تابعي يروي عن ابن عمر، فالحديث مرسل. قوله في حديث أبي ذر: "فاجعلني أحب أهله وماله إليه" أقول: لفظ "الجامع" (¬3) في الحديث: "فاجعلني أحب أهله وماله، أو من أحب أهله وماله إليه" بالشك في لفظ الراوي. 10 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: كَانَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُسَمِّي الأُنْثَى مِنَ الخَيْلِ فَرَسًا. أخرجه أبو داود (¬4). [صحيح] قوله في حديث أبي هريرة: "يسمى الأنثى فرساً" أقول: في "القاموس" (¬5) الفرس للذكر والأنثى وهي فرسة. 11 - وعن سَهْل بن سعد - رضي الله عنه - قال: كانَ لِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فَرَسٌ في حَائِطِنَا يُقَالُ لَهُ اللَّخِيفُ. أخرجه البخاري (¬6). [صحيح] ¬

_ (¬1) في "الموطأ" (2/ 468 رقم 47)، وهو أثر صحيح لغيره. (¬2) في "السنن" رقم (3579)، وهو حديث صحيح. (¬3) (5/ 52 رقم 3057). (¬4) في "السنن" رقم (2546)، وهو حديث صحيح. (¬5) "القاموس المحيط" (ص 725). (¬6) في صحيحه رقم (2855).

كتاب: السؤال

وَيُرْوَى بِالحَاءِ وَالخَاءِ مُكَبَّراً وَمُصَغَّرَاً. قوله: "بالحاء والخاء مكبراً ومصغراً" أقول: رجح الدمياطي (¬1) أنها بالمهملة مكبراً، وبه جزم الهروي (¬2) وقال: سمي بذلك طول ذنبنه، فعيل بمعنى فاعل، كأنه يلخف الأرض بذنبه. 12 - وعن علي - رضي الله عنه - قال: أُهْدِيَتْ للنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بَغْلَةٌ فَرَكِبَهَا، فَقُلْتُ لَهُ: لَوْ حَمَلْنَا الحُمُر عَلَى الخَيْلِ فَكَانَتْ لَنَا مِثْلَ هَذِهِ؟ فَقَالَ: "إِنَّما يَفْعَلُ ذَلِكَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ". أخرجه أبو داود (¬3) والنسائي (¬4). [صحيح] كتاب: السؤال 1 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "دَعُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كثْرَةُ سُؤَالِهمْ وَاخْتِلاَفِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ, وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ". أخرجه الشيخان (¬5) والترمذي (¬6). [صحيح] [قوله] (¬7): (كتاب السؤال). ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (6/ 59). (¬2) في "الغريبين" (5/ 1679). (¬3) في "السنن" رقم (2565). (¬4) في "السنن" رقم (3580)، وهو حديث صحيح، والله أعلم. (¬5) أخرجه البخاري رقم (7288)، ومسلم رقم (130/ 1337). (¬6) في "السنن" رقم (2679). وأخرجه أحمد (2/ 258)، وابن ماجه رقم (2)، والنسائي رقم (2619). (¬7) زيادة من (أ).

قوله في حديث أبي هريرة: "دعوني ما تركتكم" أقول: قالوا: إنما كره - صلى الله عليه وسلم - لهم ذلك لمعانٍ، منها: أنه ربما كان سببًا لتحريم شيء على المسلمين فتلحقهم به المشقة, وقد بين هذا قوله: "أعظم المسلمين جرماً" الحديث. ومنها: أنه قد يكون الجواب بما يكره السائل. ومنها: أنهم ربما أحفوه في المسألة فألحقوه المشقة والأذى، فيكون سبب هلاكهم، وقد قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} (¬1) الآية. ثم المراد من النهي عن السؤال هو سؤال ما لا حاجة إليه للسائل، وأما ما يحتاج عنه السؤال لمصلحة دينه أو دنياه فلا نهي عنه. [370/ أ]. وفي الحديث دليل على أن أصل الأشياء الحل، وهو الذي دل له قوله تعالى: {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} (¬2). قوله: "كثرة سؤالهم" دليل على أن بعض السؤال وقليله لا بأس به. قوله: "واختلافهم [262 ب] على أنبيائهم" يحتمل أن الهلاك بسبب الأمرين، وفي الحديث أن باب المنهيات واجب الاجتناب حصلت الاستطاعة لاجتنابه أم لا. وباب المأمورات مقيد بالاستطاعة؛ وذلك لأن النهي لدفع المفاسد، ولا يخفف عن شيء منها والترك مستطاع. وباب المأمورات لجلب المصالح، ولا يجب عليه منها إلا المستطاع، ¬

_ (¬1) سورة الأحزاب: 57. قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} [الأحزاب: 57]. (¬2) سورة البقرة: 29.

ويدل له: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (¬1)، ولكن التقوى شاملة للأمرين لترك المنهيات وفعل المأمورات، فيكون الحديث مقيداً لإطلاق الآية، وأن المراد بالاستطاعة منها في المأمورات. قوله: "أخرجه الشيخان والترمذي"، قلت: قال ابن الأثير (¬2): أخرجه الشيخان، وأخرج الترمذي الرواية إلى قوله: "أنبيائهم". انتهى. 2 - وعن سعد بن أبي وَقّاصٍ - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ أَعْظَمَ المُسْلِمِينَ فِي المُسْلِمِينَ جُرْمًا؛ مَنْ سَأَلَ عَنْ شَيْءٍ لَمْ يُحَرَّمْ عَلَى النَّاسِ فَحُرِّمَ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ". أخرجه الشيخان (¬3) وأبو داود (¬4). [صحيح] قوله في حديث سعد بن أبي وقاص: "إن أعظم جرماً" أقول: أي: إثماً. وقيل: المراد به الحدث على المسلمين لا الإثم المعاقب به؛ لأن السؤال كان مباحاً. هكذا قال القاضي (¬5). وأجيب: بأنه ضعيف أو باطل، بل المراد به كما قاله الخطابي (¬6) والجمهور (¬7): الإثم والذنب، وهو فيمن سأل تكلفاً أو تعنتاً لا فيمن سأل لحاجة. 3 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يَزَالُ النَّاسُ يَسْأَلُونَكُمْ عَنِ العِلْمِ حَتَّى يَقُولُوا: هَذَا الله خَالِقُ كُلِّ شَيْء, فَمَنْ خَلَقَ الله؟ ". ¬

_ (¬1) سورة التغابن: 16. (¬2) في "الجامع" (5/ 54 رقم 3061). (¬3) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (7289)، ومسلم رقم (132/ 2358). (¬4) في "السنن" رقم (4610). (¬5) القاضي عياض في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (7/ 329). (¬6) في "معالم السنن" (5/ 16 - مع السنن). (¬7) انظر: "فتح الباري" (13/ 268).

أخرجه الشيخان (¬1) وأبو داود (¬2). [صحيح] وزاد (¬3) قال أبو هريرة وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِ رَجُلٍ: صَدَقَ الله وَرَسُولُهُ, قَدْ سَأَلَنِي اثْنَانِ وَهَذَا الثَّالِثُ. [صحيح] 4 - وله (¬4) في أخرى: "فَإِذَا قَالُوا ذَلِكَ فَقُولُوا: الله أَحَدٌ، الله الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، ثُمَّ لْيَتْفُلْ عَنْ يَسَارِهِ ثَلَاثًا، وَلْيَسْتَعِذْ مِنَ الشَّيْطَانِ". [حسن] 5 - وعنه - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "شِرَارُ النَّاسِ الَّذِينَ يَسْأَلُونَ عَنْ شِرَارِ المَسَائِلِ كَيْ يُغَلِّطُوا بِهَا العُلَمَاءَ". أخرجه رزين. قوله في حديث أبي هريرة: "أخرجه الشيخان وأبو داود وزاد" أي: أبو داود إلى آخره. أقول: الذي في "الجامع" (¬5) أن قوله: فقال أبو هريرة: "هو آخذ بيد رجل" إلى آخره إلى قوله: "وهذا الثالث" هو من رواية [263 ب] الشيخين فقط، وزاد في "الجامع" لهما فيه، وفي رواية (¬6) قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يزال الناس يسألونكم يا أبا هريرة حتى يقولوا: هذا الله فمن خلق الله؟!! ". ¬

_ (¬1) البخاري في صحيحه رقم (3276)، ومسلم رقم (134). (¬2) في "السنن" (4721). (¬3) أخرجها مسلم في صحيحه رقم (215/ 135). (¬4) أخرجها أبو داود في "السنن" رقم (4722)، وهو حديث حسن. (¬5) (5/ 56 رقم 3064). (¬6) أخرجها مسلم في صحيحه رقم (135).

قال: فبينما أنا في المسجد إذ جاءني ناس من الأعراب فقالوا: يا أبا هريرة! هذا الله فمن خلق الله؟ قال: فأخذ حصى بكفه فرماهم، ثم قال: قوموا قوموا (¬1) نعم، فيه أنه أخرج أبو داود (¬2)، ورواية أبي هريرة: وقال: "لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال: هذا خلقه الله فمن خلق الله؟ فمن وجد من ذلك شيئاً فليقل: آمنت بالله ورسله" ثم قال: وله (¬3) في [رواية] (¬4) أخرى: "فإذا قالوا ذلك فقولوا: الله أحد ... " إلى آخره. وراجعت "سنن أبي داود" وإذا فيه روايتان؛ رواية (¬5): "لا يزال الناس" إلى قوله: "آمنت بالله" وليس فيه "ورسله" (¬6) وكأنها في بعض نسخه. والرواية الثانية (¬7) فيه التي ساقها المصنف، وبهذا تيقنت أن قول المصنف: وزاد - أي أبو داود - قال أبو هريرة: "وهو آخذ بيد رجل" ليست لأبي داود، بل للشيخين (¬8). قوله في رواية أبي هريرة: "أخرجه رزين" أقول: هذا كما عرفت غير صحيح. وبيض له ابن الأثير (¬9)، وأحسن منه ما هو معزو إلى من خرجه، وهو ما أخرجه أبو داود (¬10) في معناه عن معاوية أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الغلوطات. ¬

_ (¬1) ثم قال: صدق خليلي. (¬2) في "السنن" رقم (4721) وفيه: "آمنت بالله"، وهو حديث صحيح. (¬3) أي لأبي داود رقم (4722)، وهو حديث حسن. (¬4) زيادة من (ب). (¬5) في "السنن" رقم (4721)، وهو حديث صحيح. (¬6) وهو كما قال. (¬7) في "السنن" رقم (4722)، وهو حديث حسن. (¬8) بل أخرجها مسلم رقم (215/ 135). (¬9) في "الجامع" (5/ 57). (¬10) في "السنن" رقم (3656)، وهو حديث ضعيف. =

قال ابن الأثير (¬1): الغلوطات بفتح الغين جمع غلوطة لشاة (¬2) حلوب، وناقة ركوب، ثم تجعل اسماً بزيادة الياء فيقال: غلوطية، وهي المسألة التي يغالط بها العالم فيستزل بها. وقيل (¬3): الصواب بضم الغين، والأصل فيها الأغلوطات [264 ب] فطرحت الهمزة، وألقيت حركتها على الغين، ومن رواها الأغلوطات فهو الأصل. انتهى. 6 - وعن أبي ثَعْلَبَةَ الخُشَنِيِّ - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ الله فَرَضَ فَرَائِضَ فَلاَ تُضَيِّعُوهَا، وَحَدَّ حُدُودًا فَلاَ تَعْتَدُوهَا، وَحَرَّمَ أَشْيَاءَ فَلاَ تَقْرَبُوهَا، وَترَكَ أَشْيَاءَ عَنْ غَيْرِ نِسْيَانٍ فَلاَ تَبْحَثُوا عَنْهَا" (¬4). أخرجه رزين. قوله: "وعن أبي ثعلبة الخشني" (¬5) أقول: اسمه جرهم بضم الجيم وسكون الراء وضم الهاء. ابن ناشب بالنون والشين المعجمة وبالموحدة. والخشني (¬6): بضم الخاء المعجمة وفتح الشين المعجمة وبالنون، بايع بيعة الرضوان. ¬

_ = وأخرجه أحمد في "المسند" (5/ 435)، والبيهقي في "المدخل" (303)، والخطيب في "الفقيه والمتفقه" (2/ 10 - 11). إسناده ضعيف؛ لجهالة عبد الله بن سعد، وهو ابن فروة البجلي مولاهم، وقال الساجي: ضعفه أهل الشام. (¬1) في "النهاية" (2/ 314). (¬2) انظر: "غريب الحديث" للخطابي (1/ 128)، "الفائق" للزمخشري (3/ 73). (¬3) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (5/ 85). (¬4) أخرجه الدارقطني في "السنن" (4/ 183 رقم 42). (¬5) ذكره ابن الأثير في "تتمة جامع الأصول" (1/ 259 - قسم التراجم). (¬6) انظر المرجع المتقدم.

كتاب: السحر والكهانة

وهذا الحديث قد اشتمل على الأمر بأداء الفرائض، واجتناب المحارم، والوقف عند الحدود، وترك البحث عما سكت الله ورسوله عنه. فقد استوفى أمور الدين؛ لان شرائعه لا تخرج عن هذه الأنواع المذكورة في الحديث. أما الفرائض: فهي الواجبات، وأما المحرمات: فهي المنهيات، وأما الحدود: فهي الأمور التي حدها الله لعباده وأمر بالمحافظة عليها، فقال: {وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ} (¬1) وذم من تعداها فقال: {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229)} (¬2)، وأما ما سكت عنه فهو من المباحات. والحديث لم يخرجه أحد من الستة، وبيض له ابن الأثير (¬3). والمصنف قال: أخرجه رزين كل منهما على قاعدته، وقاعدة ابن الأثير أثر عند التحقيق. [371/ أ]. كتاب: السحر والكهانة 1 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -:"مَنْ عَقَدَ عُقْدَةً ثُمَّ نَفَثَ فِيهَا فَقَدْ سَحَرَ، وَمَنْ سَحَرَ فَقَدْ أَشْرَكَ, وَمَنْ تَعَلَّقَ شَيْئًا وُكِّلَ إِلَيْهِ". أخرجه النسائي (¬4). [ضعيف] 2 - وعن صفِيَّةَ بنت أبي عبيد عن بعض أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ فَصَدَّقَهُ لم تُقْبَلْ لَهُ صَلاَةٌ أَرْبَعِينَ يَوْمَاً". أخرجه مسلم (¬5). [صحيح] ¬

_ (¬1) سورة التوبة: 112. (¬2) سورة البقرة: 229 (¬3) في "الجامع" (5/ 59 رقم 3070). (¬4) في "السنن" رقم (4079)، وهو حديث ضعيف. (¬5) في صحيحه رقم (125/ 2230). وأخرجه أحمد (4/ 68) , وهو حديث صحيح.

(كتاب السحر) أقول: قال الرازي: السحر (¬1) في عرف الشرع يختص بكل أمر يخفى سببه، ويتخيل على غير حقيقته ويجري مجرى التمويه والخداع، وإذا أطلق ذم فاعله، وقد يستعمل مقيداً فيما يمدح ويحمد نحو خبر: "إن من البيان لسحراً" (¬2)، أو "إن بعض البيان سحراً" لأن بعضه يوضح المشكل، ويكشف عن حقيقة المجمل بحسن بيانه, فيستميل القلوب كما تستمال بالسحر (¬3). قوله: "والكهانة" (¬4) أقول: بفتح الكاف ويجوز كسرها: ادعاء علم الغيب. قال القاضي (¬5): كانت الكهانة في العرب على ثلاثة أضرب: أحدها أن يكون للإنسان ولي من الجن من يخبره بما [265 ب] يسترقه من السماء. وهذا القسم بطل من حين مبعث نبينا - صلى الله عليه وسلم -. الثاني: أن يخبره بما يطرأ ويكون في أقطار الأرض، وما خفي [عليه] (¬6) مما قرب أو بعد. وهذا لا يبعد وقوعه، [ومنعت] (¬7) المعتزلة وبعض المتكلمين هذين الضربين وأحالوهما، ولا ¬

_ (¬1) انظر: "الكليات" (3/ 5)، "مفردات ألفاظ القرآن" (331)، "التعريفات" (ص 399). (¬2) أخرجه البخاري رقم (5767)، ومسلم رقم (2006). (¬3) انظر: "النهاية" (1/ 759) (¬4) قال ابن الأثير في "النهاية" (2/ 573): الكاهن: الذي يتعاطى الخبر عن الكائنات في مستقبل الزمان، ويدعي معرفة الأسرار. وانظر: "المجموع المغيث" (3/ 94). (¬5) في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (7/ 154). (¬6) كذا في (أ. ب)، والذي في "الإكمال": "عنه". (¬7) كذا في (أ. ب)، والذي في "الإكمال": "ونفت".

استحالة في ذلك، ولا بعد في وجوده، ولكنهم يصدقون ويكذبون، والنهي عن تصديقهم [وإتيانهم] (¬1) عام. [و] (¬2) الثالث: المنجمون، وهذا الضرب يخلق الله فيه لبعض الناس قوة ما، لكن الكذب فيه أغلب، ومن هذا الفن العرافة وصاحبها عرَّاف. وهو الذي يستدل على الأمور بأسباب [وعلامات] (¬3) يدعي معرفتها بها. وهذه الأضرب كلها تسمى كهانة وقد أكذبهم ونهى عن إتيانهم وتصديقهم. قوله في حديث أبي هريرة: "من عقد عقدة ثم نفث فيها فقد سحر" أي: [قد] (¬4) فَعَلَ فِعْلَ السحرة، وهو من قوله تعالى: {النَّفَّاثَاتِ (¬5) فِي الْعُقَدِ (4)} (¬6) أي: النساء السواحر اللواتي ينفثن في العقد يتكلمن بشيء من الكلمات المخالفة للشريعة التي هن كلمات كفرية ثم ينفثن، والنفث دون النفخ، ثم يعقدن ما نفثن فيه فيكون بإذن الله سحراً. 3 - وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: سُحِرَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى إِنَّهُ لَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ فَعَلَ الشَّيْءَ وَمَا فَعَلَهُ، حَتَّى إِذَا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ وَهْوَ عِنْدِي دَعَا الله ثُمَّ دَعَاهُ, ثُمَّ قَالَ: "أَشَعَرْتِ يَا عَائِشَةُ أَنَّ الله قَدْ أَفْتَانِي فِيمَا استَفْتَيْتُهُ فِيهِ؟ " قُلْتُ: وَمَا ذَاكَ يَا رَسُولَ الله؟ قَالَ: "جَاءَنِي رَجُلاَنِ، فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِي وَالآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيَّ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: مَا وَجَعُ الرَّجُلِ؟ قَالَ: مَطْبُوبٌ. ¬

_ (¬1) كذا في (أ. ب)، والذي في "الإكمال": "والسماع منهم". (¬2) زيادة من (ب). (¬3) كذا في (أ. ب)، والذي في "الإكمال": "ومقدمات". (¬4) زيادة من (أ). (¬5) قال ابن جرير في "جامع البيان" (24/ 749): وقوله: {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4)} [الفلق: 4] يقول: ومن شر السواحر اللاتي ينفثن في عقد الخيط، حين يرقين عليها. (¬6) سورة الفلق: 4.

قَالَ: وَمَنْ طَبَّهُ؟ قَالَ: لَبِيدُ بْنُ الأَعْصَمِ اليَهُودِيُّ مِنْ بَنِي زُرَيْقٍ. قَالَ: فِيمَاذَا؟ قَالَ: فِي مُشْطٍ وَمُشَاطَةٍ, وَجُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ. قَالَ: فَأَيْنَ هُوَ؟ قَالَ: فِي بِئْرِ ذَرْوَانَ". فَذَهَب - صلى الله عليه وسلم - فِي أُنَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ إِلَى البِئْرِ، فَنَظَرَ إِلَيْهَا وَعَلَيْهَا نَخْلٌ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى عَائِشَةَ فَقَالَ: "وَالله لَكَأَنَّ مَاءَهَا نُقَاعَةُ الحِنَّاءِ، وَلَكَأَنَّ نَخْلَهَا رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ". قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله! أَفَأَخْرَجْتَهُ؟ قَالَ: "لاَ، أَمَّا أَنَا فَقَدْ عَافَانِي الله تَعَالى وَشَفَانِي، وَخَشِيتُ أَنْ أُثِيرَ عَلَى النَّاسِ مِنْهُ شَرًّا". وَأَمَرَ بِهَا فَدُفِنَتْ. أخرجه الشيخان (¬1). "المَطْبُوبُ" المسحور. "وَالمُشَاطَةُ" ما يخرج من الشعر إذا مُشِطَ. "وَالجُفُّ" وِعَاء الطّلْعِ، وغشاؤه الذي يَكِنُّهُ (¬2). "وَذَرْوَانُ" بئر في بني زريق. قوله في حديث عائشة: "سحر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" أقول: مغير الصيغة، وقد ورد بيان فاعله، ففي البخاري (¬3): "سحر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجل من بني زريق" بالزاي قبل الراء مصغراً، يقال له: لبيد بفتح اللام فموحدة مكسورة، بعدها تحتية مثناة، ثم دال مهملة ابن الأعصم بمهملتين. وفي رواية (¬4): أنه يهودي [266 ب]، وفي أخرى (¬5): أنه حليف لليهود، وكان منافقاً. وبنو زريق بطن من الأنصار، فمن قال إنه يهودي أطلقه عليه لأنه كان حليفاً لهم. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (3268)، ومسلم رقم (43/ 2189)، وأخرجه أحمد (6/ 57). (¬2) سيأتي شرح الكلمات الغريبة. (¬3) في صحيحه رقم (3268) و (5763). (¬4) أخرجها البخاري رقم (5766). (¬5) أخرجها البخاري في صحيحه رقم (5765).

وقد بين الواقدي السنة (¬1) التي سحر فيها - صلى الله عليه وسلم - أنه في المحرم سنة سبع بعد رجوعه - صلى الله عليه وسلم - من الحديبية، وأن رؤساء اليهود أتوا لبيد بن الأعصم وجعلوا له جعلاً على أن يسحر النبي - صلى الله عليه وسلم - ففعل. قال السهيلي (¬2): أما قدر مدة لبثه - صلى الله عليه وسلم - مسحوراً فلم أقف في الأحاديث المشهورة على قدرها حتى ظفرت في "جامع معمر" عن الزهري أنه لبث سنة. قال الحافظ ابن حجر (¬3): وقد وجدناه موصولاً بسند صحيح فهو المعتمد. قوله: "حتى إنه ليخيل أنه فعل الشيء وما فعله" أقول: قال المازري (¬4): أنكر بعض المبتدعة هذا الحديث، وزعموا أنه يحط منصب النبوة ويشكك فيها، وكل ما أدى إلى ذلك فهو باطل، وزعموا أن تجويز هذا يهدم الشرائع التي شرعها، إذ يحتمل على هذا أنه يخيل إليه أنه رأى جبريل وليس هو، وأنه يوحى إليه شيء ولم يوح إليه بشيء. قال المازري (¬5): وهذا كله مردود؛ لأن الدليل قد قام على صدق النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يبلغه عن الله، وعلى عصمته في التبليغ، والمعجزات قائمة بتصديقه فتجويز ما قام الدليل على خلافه باطل، وأما ما يتعلق ببعض أمور الدنيا التي لم يبعث [372/ أ] لأجلها ولا كانت الرسالة من أجلها، فهو في ذلك عرضة لما يعرض للبشر، كالأمراض فغير بعيد أن يخيل إليه في أمر من أمور ما لا حقيقة له مع عصمته عن مثل ذلك في أمور الدين [267 ب]. زاد في رواية في البخاري بعد هذا: "حتى يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن". ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (10/ 226). (¬2) ذكره الحافظ في "الفتح" (3/ 227). (¬3) في "فتح الباري" (10/ 226). (¬4) في "المعلم بفوائد مسلم" (3/ 93). (¬5) في "المعلم بفوائد مسلم" (3/ 93).

قال سفيان: وهذا أشد ما يكون من السحر. قال الداودي (¬1): يُرى بضم أوله: يظن. وقال ابن التين: بفتح أوله. قال ابن حجر (¬2): وهذا من الرأي لا من الرؤية، فيرجع إلى معنى الظن. قال القاضي عياض (¬3): يحتمل أن يكون المراد بالتخييل المذكور أنه يظهر له من نشاطه ما ألفه من سابق عادته من الاقتدار على الوطء، فإذا دنا من المرأة فتر كما هو شأن المعقود. وقال المهلب (¬4): صونه - صلى الله عليه وسلم - من الشياطين لا يمنع إرادتهم كيده، فقد مضى في الصحيح: "أن شيطاناً أراد [أن] (¬5) يفسد عليه صلاته فأمكنه الله منه" فكذلك السحر ما ناله من ضرره ما لا يدخل نقصاً على ما يتعلق بالتبليغ، بل هو من جنس ما كان يناله من ضرر سائر الأمراض من ضعف عن الكلام، أو عجز عن بعض [الفعل] (¬6) أو حدوث تخيل لا يظهر، بل يزول ويبطل الله كيد الشياطين. قوله: "حتى إذا كان ذات يوم" بالنصب، ويجوز الرفع، [ثم قيل: إنها مقحمة] (¬7) وقيل: من إضافة الشيء إلى نفسه عند من يجيزه. وهو عندي دعا الله ثم دعاه، في رواية عند مسلم (¬8): "فدعا ثم دعا ثم دعا" وهذا هو المعهود منه أنه كان يكرر الدعاء ثلاثاً. ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (10/ 227). (¬2) في "فتح الباري" (10/ 227). (¬3) في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (7/ 154 - 155). (¬4) ذكره الحافظ في "الفتح" (10/ 227). (¬5) سقطت من (ب). (¬6) في (ب): "الفحل". (¬7) في (أ. ب) قيله التاء معجمة، وما أثبتناه من "الفتح". (¬8) في صحيحه رقم (43/ 2189).

قال النووي (¬1): فيه استحباب الدعاء عند حضور الأمور المكروهات وتكريره والالتجاء إلى الله. قوله: "ثم قال: أشعرت يا عائشة! أن الله قد أفتاني فيما استفتيته فيه؟ " أقول: أي: أجابني فيما دعوته، فأطلق على الدعاء استفتاء؛ لأن الداعي طالب، والمجيب مستفتي (¬2)، والمراد: أجابني عما سألته عنه. قوله: "قلت: وما ذاك يا رسول الله؟ قال: جاءني رجلان" أقول: في رواية عند أحمد (¬3): "أتاني ملكان" وسماهما ابن سعد (¬4) في رواية منقطعة: "جبريل وميكائيل". [268 ب]. قوله: "فقعد أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي" أقول: قال الحافظ (¬5): لم يقع لي أيهما قعد عند رأسه, لكني أظنه جبريل (¬6) والسائل هو ميكائيل. قوله: "فقال أحدهما للآخر: ما وجع الرجل؟ " أقول: لعله فيه إشارة إلى أنهما أتياه في المنام، إذ لو كان في اليقظة لخاطباه وسألاه. وفي بعض الأحاديث دلالة على أنه كان - صلى الله عليه وسلم - نائماً. قوله: "مطبوب" (¬7) أقول: أي: مسحور. يقال: طب الرجل بالضم إذا سحر، يقال: كنوا بالطب عن السحر تفاؤلاً. ¬

_ (¬1) في شرحه لصحيح مسلم (14/ 176 - 177). (¬2) كذا في (أ. ب)، والذي في "الفتح": "مفتٍ". (¬3) في "المسند" (6/ 57). (¬4) ذكره الحافظ في "الفتح" (10/ 228). (¬5) في "فتح الباري" (10/ 228). (¬6) قال الحافظ: لخصوصيته به عليهما السلام، ثم وجدت في السيرة للدمياطي: الجزم بأنه جبريل، قال: لأنه أفضل. (¬7) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 100)، "الفائق" للزمخشري (3/ 179).

وقال ابن الأنباري (¬1): الطب من الأضداد، يقال لعلاج الداء طب، والسحر من الداء يقال له: طب. قال القرطبي (¬2): إنما قيل للسحر طب؛ لأن أصل الطب الحذق بالشيء والتفطن له، فلما كان كل من علاج المرض والسحر لا يكون إلا عن فطنة وحذق؛ أطلق على كل منهما هذا الاسم. قوله: "قال: من طبه؟ قال: لبيد بن الأعصم اليهودي من بني زريق" أقول: تقدم ضبطه وبيان أنه ليس من اليهود أنفسهم، بل حليف لهم من بني زريق بطن من الأنصار. قوله: "في مشط ومشاطة" المشط بضم الميم وسكون الشين المعجمة فيهما، وقد يضم ثانيه مع ضم أوله، وهو الآلة المعروفة التي يسرح بها الشعر، ووقع في رواية عمرة عن عائشة: "فإذا فيها مشط رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن مشاطة رأسه" وفي حديث ابن عباس (¬3): "ومن شعر رأسه". قوله: "وجف طلعة" بضم الجيم ففاء وهو وعاء الطلع وغشاوة الذي يكنه، وفي رواية: "جب" بالموحدة. قال القرطبي (¬4): روايتنا في مسلم (¬5) بالفاء. وقال النووي (¬6): في أكثر نسخ بلادنا بالباء، يعني في مسلم، وفي بعضها بالفاء، وهما بمعنى واحد. ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (10/ 228). (¬2) في "المفهم" (5/ 571). (¬3) ذكره الحافظ في "الفتح" (10/ 229). (¬4) في "المفهم" (5/ 572). (¬5) في صحيحه رقم (2189). (¬6) في شرحه لصحيح مسلم (14/ 177).

قوله: "قال: فأين هو؟ قال: في بئر ذروان" أقول: بفتح الذال [269 ب] المعجمة فراء مفتوحة فواو ساكنة. قوله: "فذهب النبي - صلى الله عليه وسلم - في أناس من أصحابه إلى البئر، فنظر إليها وعليها نخل" أقول: في رواية عمرة عن عائشة: "فنزل رجل فاستخرجه وإنه وجد في الطلعة تمثالاً من شمع، تمثال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإذا فيه إبر مغروزة, وإذا [373/ أ] وتر فيه إحدى عشرة عقدة، فنزل جبريل بالمعوذتين، فكان كلما قرأ آية انحلت عقدة وكلما نزع إبرة وجد لها ألماً ثم يجد بعدها راحة". قوله: "ثم رجع إلى عائشة فقال: يا عائشة" وفيه: "لكان ماؤها نقاعة الحناء" أقول: بضم النون وتخفيف القاف. والحناء معروف، وهو بالمد، أي: لون ماء العين، لون الماء الذي ينقع فيه الحناء. قال ابن التين (¬1): يعني أحمر. وقال الداودي (¬2): المراد الماء الذي يكون من غسالة الإناء الذي يعجن فيه الحناء. قوله: "وكأن نخلها رؤوس الشياطين" أقول: قد [وقع] (¬3) تشبيه شجرة الزقوم برؤوس الشياطين؛ لأنها موصوفة بالقبح. وقد تقرر في اللسان أن من قال: فلان شيطان؛ أراد به خبيث أو قبيح (¬4). قوله: "فقلت: يا رسول الله! أفأخرجته؟ قال: أما أنا فقد عافاني الله وشافاني، وخشيت أن أثير على الناس منه شر، وأمر بها فدفنت" أقول: قال النووي (¬5): خشي - صلى الله عليه وسلم - من إخراجه ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (10/ 230). (¬2) ذكره الحافظ في "الفتح" (10/ 230). (¬3) زيادة من (أ). (¬4) انظر: "فتح الباري" (10/ 230). (¬5) في شرحه لصحيح مسلم (14/ 178).

وإشاعته ضرر على المسلمين ممن تذكر السحر وتعلمه ونحو ذلك. وهو من باب ترك المصلحة خوف المفسدة. 4 - وعن زيد بن أرقم - رضي الله عنه - قال: "سُحِرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَاشْتَكَى لِذَلِكَ أَيَّامًا، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ: إِنَّ رَجُلاً مِنَ اليَهُودِ سَحَرَكَ, عَقَدَ لَكَ عُقَدًا فِي بِئْرِ كَذَا وَكَذَا. فَأَرْسَلَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عَلِيّاً فَاسْتَخْرَجَهَا فَحَلَّهَا. فَقَام - صلى الله عليه وسلم - كَأنَّمَا نَشِطَ مِنْ عِقَالٍ. فَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ لِذَلِكَ اليَهُودِيِّ وَلاَ رَآه فِي وَجْهِهِ قَطُّ". أخرجه النسائي (¬1). [إسناده صحيح] قوله: "وعن زيد بن أرقم قال: سحر النبي - صلى الله عليه وسلم -" أقول: تقدم بيان من سحره، ويأتي في الحديث نفسه. وقوله: "فاشتكى لذلك أياماً" تقدم أنه ستة (¬2). وقوله: "أتاه جبريل فقال: إن رجلاً من اليهود سحرك، عقد لك عقداً" تقدم [270 ب] أنها إحدى (¬3) عشرة. "في بئر كذا وكذا" تقدم أنها بئر ذروان. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (4080) بإسناد صحيح. (¬2) قال الحافظ في "الفتح" (10/ 226): ووقع في رواية أبي هريرة عند الإسماعيلي: "فأقام أربعين ليلة" وفي رواية وهيب عن هشام عند أحمد: "ستة أشهر"، ويمكن الجمع بأن تكون الستة أشهر من ابتداء تغير مزاجه، والأربعين يوماً من استحكامه. وقال السهيلي: لم أقف في شيء من الأحاديث المشهورة على قدر المدة التي مكث النبي - صلى الله عليه وسلم - فيها في السحر حتى ظفرت به في "جامع معمر" عن الزهري: أنه لبث ستة أشهر، كذا قال، وقد وجدناه موصولاً بإسناد الصحيح، فهو المعتمد. (¬3) انظر: "فتح الباري" (10/ 230).

"فأرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علياً فاستخرجها فحلها" أي: حل العقد، وتقدم أنه تلا آيات المعوذات، وحلَّ بكل آية عقدة، ولم يذكر هنا أنه - صلى الله عليه وسلم - أتى (¬1) البئر، فيكون قد اختصر ذلك من هذه الرواية. قوله: "فقام - صلى الله عليه وسلم - كأنما نشط من عقال، فما ذكر لذلك اليهودي، ولا رآه في وجهه قط". أقول: وقع في حديث عمرة عن عائشة: فقيل: يا رسول الله! لو قتلته؟ قال: " [ما] (¬2) وراءه من عذاب الله أشد"، وفي رواية لها: "فأخذه النبي - صلى الله عليه وسلم - فاعترف فعفا عنه". وفي مرسل (¬3) عمر بن الحكم قال: "ما حملك على هذا؟ " قال: حب الدنانير. قلت: وذلك أن في رواية (¬4) مرسلة: أنه جاءت رؤساء اليهود إلى لبيد بن الأعصم، وكان حليفاً في بني زريق، وكان ساحراً، فقالوا له: يا أبا الأعصم! أنت أسحرنا، وقد سحرنا محمد فلم يصنع شيئاً، ونحن نجعل لك جعلاً على أن تسحره لنا بسحر [شكاة] (¬5) فجعلوا له دنانير ... الحديث. قيل: وليس فيه دليل على أنه لا يقتل الساحر؛ لأن تركه - صلى الله عليه وسلم - قتله لئلا يثير بقتله فتنة، ولئلا ينفر الناس عن الأمور في الإسلام، وهو من جنس ما راعاه - صلى الله عليه وسلم - من منع قتل المنافقين ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (5765). (¬2) زيادة من (أ). (¬3) ذكره الحافظ في "الفتح" (10/ 231). (¬4) ذكرها الحافظ في "الفتح" (10/ 226). (¬5) كذا في المخطوط (أ. ب)، والذي في "الفتح": "ينكؤه".

حيث قال: "لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه" (¬1) وقد كان لبيد أظهر الإسلام، وكان - صلى الله عليه وسلم - يؤثر الإغضاء على من أظهر الإسلام. ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد (3/ 393)، والبخاري رقم (4905، 4907)، ومسلم رقم (2584)، والترمذي رقم (3315)، والطيالسي رقم (1708) كلهم من حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما -.

حرف الشين

حرف الشين وفيه ثلاثة كتب [271 ب]: [الشراب - الشركة - الشعر] (¬1) كتاب: الشراب [وفيه بابان الباب الأول: في آدابه وفيه ستة فصول] (¬2) الفصل الأول: في الشرب قائمًا: جوازه 1 - عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: سَقَيْتُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ فَشَرِبَ وَهُوَ قائِمٌ. أخرجه الخمسة (¬3) إلا أبا داود. [صحيح] وفي رواية (¬4): "اسْتَسْقَى وَهُوَ عِنْدَ البَيْتِ فَأَتَيْتُهُ بِدَلْوٍ". وزاد في رواية (¬5): "فَحَلَفَ عِكْرِمَةُ مَا كانَ يَوْمَئِذٍ إلَّا عَلَى بَعِيرٍ". 2 - وفي رواية الترمذي (¬6) والنسائي (¬7): "شَرِبَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - مِنْ زَمْزَمَ وَهُوَ قَائِمٌ". [صحيح] ¬

_ (¬1) زيادة من (ب). (¬2) زيادة من (ب). (¬3) أخرجه البخاري رقم (5617)، ومسلم رقم (117/ 2027)، والترمذي رقم (1882)، والنسائي رقم (2964، 2965)، وابن ماجه رقم (3422). (¬4) أخرجها مسلم في صحيحه رقم (120/ 2027). (¬5) أخرجه ابن ماجه في "السنن" رقم (3422)، وهو حديث صحيح. (¬6) في "السنن" رقم (1882). (¬7) في "السنن" رقم (2964، 2965).

(كتاب الشراب) قوله: "الفصل الأول من الستة: الشرب قائماً". أقول: ترجم البخاري (¬1) لذلك بقوله: "باب الشرب قائمًا. قال ابن بطال (¬2): أشار بهذه الترجمة إلى أنها لم تصح عنده الأحاديث الواردة بكراهة الشرب قائماً. كذا قال وليس بجيد، بل الذي يشبه صنيعه إذا تعارضت الأحاديث أن لا يثبت الحكم. انتهى. قلت: هنا لم يذكر البخاري حكماً، بل أطلق؛ إلا أن يدعي أنه إذا أطلق فقد أثبت حكماً هو الجواز فلا كراهة. قوله في حديث ابن عباس (¬3): "فشرب وهو قائم" أقول: تأتي أحاديث النهي عن الشرب قائماً قريباً. فقال طوائف من العلماء: إنما شرب - صلى الله عليه وسلم - قائماً لبيان الجواز (¬4). قال الشيخ مجد الدين في "سفر السعادة": قال بعض العلماء: لا ينبغي أن يشرب قائماً [374/ أ] , وإذا منع [من] (¬5) القعود عذر جاز الشرب قائماً. وتأتي وجوه الجمع بين أحاديث النهي والجواز، فهذا أحد الوجوه. ¬

_ (¬1) في صحيحه (10/ 81 الباب رقم 16 - مع الفتح). (¬2) ذكره الحافظ في "الفتح" (10/ 81). (¬3) تقدم تخريجه، وهو حديث صحيح. (¬4) قال النووي في "شرح صحيح مسلم" (13/ 195): ... وليس في هذه الأحاديث - بحمد الله تعالى - إشكال ولا فيها ضعف, بل كلها صحيحة، والصواب فيها: أن النهي فيها محمول على كراهة التنزيه، وأما شربه - صلى الله عليه وسلم - قائماً فبيانٌ للجواز فلا إشكال ولا تعارض. (¬5) في (ب): "عذر".

قوله: "فحلف عكرمة ما كان إلا على بعير" أقول: وفي رواية ابن ماجه (¬1) من وجه آخر عن عاصم في هذا الحديث قال - أي عاصم -: فذكرت ذلك لعكرمة فحلف أنه ما كان حينئذ إلا راكباً. وعند أبي داود (¬2) عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - طاف على بعير ثم أناخه بعد طوافه، فصلى ركعتين، فلعله حينئذ شرب من ماء زمزم قبل أن يعود إلى بعيره ويخرج إلى الصفا، بل هو الذي يتعين المصير إليه [272 ب] لأن عمدة عكرمة في إنكار كونه شرب قائماً إنما هو ما ثبت عنده أنه - صلى الله عليه وسلم - طاف على بعيره، وسعى كذلك، لكن لا بد من تخلل ركعتي الطواف بين ذلك، وقد ثبت أنه صلاهما على الأرض، فما المانع من كونه شرب حينئذ من سقاية زمزم قائماً؟ كما حفظه الشعبي عن ابن عباس. قاله الحافظ في "الفتح" (¬3). وقول عكرمة: "إلا على بعير" قال ابن العربي (¬4): لا حجة في هذا على الشرب قائماً؛ لأن الراكب على البعير قاعد غير قائم. انتهى. والبخاري (¬5) ترجمه: باب من شرب وهو واقف على بعيره. قال في "الفتح" (¬6): الذي يظهر لي أن البخاري أراد بيان حكم هذه الحالة، وهل تدخل تحت النهي أو لا؟ وإيراده الحديث من فعله - صلى الله عليه وسلم - يدل على الجواز، فلا يدخل في الصورة المنهي عنها. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (3422)، وهو حديث صحيح. (¬2) في صحيحه رقم (1881)، وهو حديث ضعيف. (¬3) (10/ 85). (¬4) ذكره الحافظ في "فتح الباري" (10/ 85). (¬5) في صحيحه (10/ 85 الباب رقم 17 - مع الفتح). (¬6) (10/ 85).

قلت: وحلف عكرمة دال على أنه فهم أن الراكب لا يدخل تحت من نهى عن الشرب قائماً؛ لأن راكب البعير قاعد عليه. وقول الحافظ ابن حجر (¬1): أن الراكب يشبه القائم من حيث كونه سائراً غير صحيح؛ لأنه حال شربه قاعد وعلى بعيره واقف ... شرب قائماً ولا سائراً. قوله: "وفي رواية للترمذي والنسائي" قلت: وقال (¬2) فيها الترمذي: حسن صحيح. 3 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: كُنَّا نَأْكُلُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - ونَحْنُ نَمْشِي وَنَشْرَبُ وَنَحْنُ قِيَامٌ. أخرجه الترمذي (¬3) وصححه. [صحيح] 4 - وعن مالك (¬4): أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيَّاً - رضي الله عنهم - كَانُوا يَشْرَبُونَ قِيَامًا. [موقوف ضعيف] قوله في حديث ابن عمر: "أخرجه الترمذي وصححه" قلت: قال (¬5) أبو عيسى: هذا حديث صحيح غريب من حديث عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر. ¬

_ (¬1) في "الفتح" (10/ 85). (¬2) في "السنن" رقم (4/ 301). (¬3) في "السنن" رقم (1880) وقال: هذا حديث صحيح غريب. وأخرجه أحمد (2/ 12)، وابن ماجه رقم (3301)، وهو حديث صحيح. (¬4) في "الموطأ" (2/ 925 رقم 13). إسناده ضعيف؛ لإعضاله، وهو موقوف ضعيف. (¬5) في "السنن" (4/ 300).

المنع منه 1 - عن أنس - رضي الله عنه - قال: نَهَى رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عِنِ الشَّربِ قَائِمًا. قِيلَ لِأَنسٍ: فَالأَكْلُ؟ قَالَ: ذلِكَ أشَدُّ، أوْ قَالَ: ذَاكَ أَشَرُّ وَأَخْبَثُ. أخرجه مسلم (¬1) والترمذي (¬2)، وأخرجه أبو داود (¬3) بدون ذكر الأكل. [صحيح] قوله: "المنع منه". أي: من الشرب قائماً. قوله في حديث أنس: "ذلك شر وخبث" أقول: كذا وقع، والمشهور في كتب العربية (¬4) شر بغير ألف. قلت: ولفظ الترمذي: "أشد" بالدال المهملة، وليس منه: "وأخبث" [273 ب] , ولفظ "الجامع" (¬5): قال: ذلك أشد أو قال: شر وأخبث. 2 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"لاَ يَشْرَبَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ قَائِمًا، فَمَنْ نَسِيَ فَلْيَسْتَقِئْ". أخرجه مسلم (¬6). [صحيح] ¬

_ (¬1) في صحيحه رقم (113/ 2024). (¬2) في "السنن" رقم (1879) وقال: هذا حديث حسن صحيح. وأخرجه أحمد (3/ 131). (¬3) في "السنن" رقم (3717)، وهو حديث صحيح. (¬4) انظر: "الكتاب" لسيبويه (2/ 412). (¬5) (5/ 73 رقم 3087). (¬6) في صحيحه رقم (116/ 2026).

قوله في حديث أبي هريرة: "فليستقئ" أقول: قال الكثير من العلماء: [إن الأمر بالاستقياء] (¬1) محمول على الندب، ولما تعارضت الأحاديث جوازاً ونهياً اختلف العلماء في ذلك على مسالك: الأول: الترجيح لأحاديث الجواز لكونها أثبت من أحاديث النهي؛ لأن حديث مسلم (¬2) فيه عن أنس فيه أبو عيسى، وهو غير مشهور، وهو عن قتادة معنعناً، وقتادة مدلس وقد عنعنه (¬3). وأجيب (¬4): بأن أبا عيسى وثقه الطبري وابن حبان، [وبأن قتادة صرح في نفس السند بما يقتضي سماعه له من أنس] (¬5). وثانيها: طريق النسخ، وأن أحاديث النهي على تقدير ثبوتها منسوخة بأحاديث الجواز. وهذه طريقة سلكها الأثرم (¬6). ¬

_ (¬1) في (أ): "الأمر باستقياء". (¬2) في صحيحه رقم (113/ 2024)، وقد تقدم، وهو حديث صحيح. (¬3) وتمام العبارة كما في "الفتح" (10/ 83)، فيجاب عنه بأنه صرح في نفس السند بما يقتضي سماعه من أنس. (¬4) هذا الجواب ليس عن حديث أنس، وإنما هو عن حديث أبي سعيد. قال الحافظ في "الفتح" (10/ 83): ... وأما تضعيفه حديث أبي سعيد بأن أبا عيسى غير مشهور فهو قول سبق إليه ابن المديني، لأنه لم يروه عنه إلا قتادة, لكن وثقه الطبري وابن حبان، ومثل هذا يخرج في الشواهد. ودعواه اضطرابه مردودة؛ لأن لقتادة فيه إسنادين وهو حافظ. (¬5) ما بين الحاصرتين جواب عن حديث أنس عند مسلم كما في "فتح البارى" (10/ 83). حديث أبي سعيد أخرجه أحمد (3/ 32)، ومسلم قم (115/ 2025). وهو حديث صحيح. (¬6) ذكره الحافظ في "الفتح" (10/ 84).

الفصل الثاني: في الشرب من أفواه الأسقية جوازه

قال: وقرينة عمل الخلفاء [الراشدين] (¬1) ومعظم الصحابة والتابعين بالجواز. وعكس ذلك أبو محمد بن حزم (¬2) فادعى نسخ أحاديث الجواز بأحاديث النهي، متمسكاً بأن الجواز على وفق الأصل، وأحاديث النهي مقررة لمحكم الشرع، فمن ادعى الجواز بعد النهي فعليه البيان، فإن النسخ لا يثبت بالاحتمال. وثالثها: الجمع بين أحاديث النهي بأنه للتنزيه، وأحاديث الجواز لبيانه. وهذه طريقة الخطابي (¬3) وابن بطال (¬4) في آخرين. قال الحافظ ابن حجر (¬5): وهذا أحسن المسالك وأسلمها وأبعدها من الاعتراض. قلت: وهو الوجه الذي قدمناه عن صاحب "سفر السعادة". الفصل الثاني: في الشرب من أفواه الأسقية جوازه 1 - عن كبشة الأنصارية - رضي الله عنها - قالت: دَخَلَ عَلَيَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فشَرِبَ مِنْ فِي قِرْبَةٍ مُعَلَّقَةٍ قَائِمًا، فَقُمْتُ إِلَى فَمِهَا فَقَطَعْتُهُ. أخرجه الترمذي (¬6). [صحيح] وزاد رزين: فَاتَّخَذْتُهُ رَكْوَةً أشْرَبُ فِيهَا. "الرَّكْوَةُ" (¬7): دلو صغير يشرب منه. ¬

_ (¬1) سقطت من (ب)، وفي (أ): "الراشد"، وما أثبتناه من "فتح الباري". (¬2) في "المحلى" (7/ 520). (¬3) في "معالم السنن" (4/ 108 - مع السنن). (¬4) في شرحه لصحيح البخاري (6/ 72). (¬5) في "فتح الباري" (10/ 84)، وانظر: "شرح صحيح مسلم" (13/ 195). (¬6) في "السنن" رقم (1892) وقال: هذا حديث صحيح غريب. وأخرجه ابن ماجه رقم (3423)، وهو حديث صحيح. (¬7) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (5/ 76).

([الفصل الثاني: في الشرب من أفواه الأسقية] جوازه] (¬1)) قوله: "وعن كبشة" أقول: هي كبشة (¬2) بنت [274 ب] ثابت أخت حسان بن ثابت، تكنى أم ثابت، حدث عنها عبد الرحمن بن أبي عمرة، وقيل: كبيشة وتعرف بالبرصاء، قاله الكاشغري. قوله: "فقطعته" صيانة منها لموضع فمه أن يبتذله كل أحد، أو لتحفظه للتبرك والاستقاء. قوله: "أخرجه الترمذي" أقول: وقال (¬3): حديث حسن صحيح. 2 - وعن عيسى بن عبد الله رجل من الأنصار عن أبيه: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - دَعَا يَوْمَ أُحُدٍ بِإِدَاوَةٍ، فَقَالَ: "اخْنُثْ فَمَ الإِدَاوَةِ"، فَفَعَلْتُ، فَشَرِبَ مِنْ فَمِهَا. أخرجه أبو داود (¬4). [منكر]. "الإِدَاوَةُ": كالرّكوة، وقيل: هي السطحية (¬5). ¬

_ (¬1) زيادة من (ب). (¬2) قاله ابن الأثير في "تتمة جامع الأصول" (2/ 818 - قسم التراجم). (¬3) في "السنن" (4/ 306). (¬4) في "السنن" رقم (3721). وأخرجه الترمذي رقم (1891)، وهو حديث منكر، والله أعلم. (¬5) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (5/ 76). الاختناث: أن تكسر شفة القربة وتشرب منها، قيل: إن الشراب فيها كذلك إذا دام مما يغير ريحها. "غريب الجامع" (5/ 75). وقال ابن الأثير في "النهاية" (1/ 535): خنثتُ السِّقاء الشفاء: إذا ثنيت فمه إلى داخل، وإنما نهى عنه؛ لأنه ينتِّنها، فإن إدامة الشرب هكذا مما يغير ريحها. وقيل: لا يؤمن أن يكون فيها هامَّةٌ.

قوله: "وعن عيسى بن عبد الله رجل من الأنصار [375/ أ] عن أبيه" أقول: هو عبد الله بن [أنيس] (¬1) الأنصاري، روى عن عيسى بن عبد الله عن عبيد الله بن عمر المعروف بالعمري. قوله: "فقال: أخنث فم الإداوة" أقول: بضم الهمزة وسكون الخاء المعجمة ونون مضمومة فمثلثة يأتي تفسيره في حديث المنع منه حيث قال: "نهى عن اختناث الأسقية أن يشرب من أفواهها" (¬2) وهو افتعال، ومعناه: ألا يطوي فمه، وفي "مسند ابن أبي شيبة" (¬3) أن سبب هذا النهي أن رجلًا شرب من سقاء فانساب في بطنه جان، أي: حية فنهى إلى آخره. واتفقوا على أن النهي عن اجتنابها للتنزيه؛ لأنه قد يكون في السقاء ما يؤذيه، فيدخل جوفه وهو لا يدري. المنع منه 1 - عن أبي سعيد - رضي الله عنه - قال: نَهَى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عَنِ اخْتِنَاثِ الأَسْقِيَةِ أنْ يُشْرَبَ مِنْ أفْوَاهِهَا. أخرجه الخمسة (¬4) إلا النسائي. [صحيح] [وفي رواية] (¬5): "وَاختِنَاثُهَا": أن يقلب رأسها فيشرب منه. ¬

_ (¬1) في (ب): "زيد"، وهو خطأ. (¬2) أخرجه البخاري رقم (5626)، ومسلم رقم (111/ 2023)، وأحمد (3/ 6، 67، 69) من حديث أبي سعيد. (¬3) في مصنفه (8/ 19). (¬4) أخرجه البخاري رقم (5626)، ومسلم رقم (111/ 2023)، وأبو داود رقم (3720)، والترمذي رقم (1890)، وابن ماجه رقم (3418)، وهو حديث صحيح. (¬5) زيادة يستلزمها السياق.

الفصل الثالث: في التنفس عند الشرب

قوله: "واختناثها أن يقلب رأسها" إلى آخره. قال ابن الأثير (¬1): أن يشرب من أفواهها، وفي رواية: "واختناثها" إلخ يريد [رواية] (¬2). قوله: "أخرجه الخمسة إلا النسائي" أقول: في "الجامع" (¬3) ساق الحديث عن أبي سعيد كما ساقه المصنف، إلا أنه قال: أن يقلب رأسها ثم يشرب منه. وقال: أخرجه البخاري ومسلم، وجعل قوله: "واختناثها" إلى آخره في رواية لهما فقط [275 ب] غير مرفوع إلا أن يثبت أن الرواية [فهي مغير صيغة] (¬4). [وأبو داود والترمذي، إلا أن الترمذي أخرجه عن عبيد الله بن عبد الله عن أبي سعيد روايةً أنه نهى عن اختناث الأسقية، وأخرجه أبو داود إلى قوله: "الأسقية" انتهى كلامه. فعرفت أن تفسير الاختناث إنما هو في رواية للشيخين وعرفت أن حديث الترمذي] (¬5). الفصل الثالث: في التنفس عند الشرب 1 - عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تَشْرَبُوا وَاحِدًا كَشُرْبِ البَعِيرِ، وَلَكِنِ اشْرَبُوا مَثْنَى وَثُلاَثَ، وَسَمُّوا الله تَعَالَى إِذَا أَنْتُمْ شَرِبْتُمْ، وَاحْمَدُوا الله إِذَا أَنْتُمْ رَفَعْتُمْ". أخرجه الترمذي (¬6). [ضعيف] ¬

_ (¬1) في "جامع الأصول" (5/ 77). (¬2) زيادة من (أ). (¬3) (5/ 77). (¬4) سقطت من (ب). (¬5) كذا في المخطوط غير واضحة المعنى. (¬6) في "السنن" رقم (1885)، وهو حديث ضعيف.

2 - وروى الخمسة (¬1) إلا النسائي عن أنس - رضي الله عنه - قال: "كانَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَتَنَفَّسُ ثَلاَثًا". [صحيح] وزاد مسلم (¬2) والترمذي (¬3) ويقول: "إنَّهُ أَرْوَى وَأَبْرَأُ وَأَمْرَأُ". [صحيح] قوله: (الفصل الثالث: في التنفس عند الشرب). قوله في حديث ابن عباس: "أخرجه الترمذي" قلت: وقال (¬4): هذا حديث غريب. قوله: "كان يتنفس" زاد الترمذي (¬5): "في الإناء" ويقول: "هو أروى وأبرأ وأمرأ" أقول: في نسختين هو أمرى وأورى فقط، إلا أن في "الجامع" (¬6) كما في "التيسير" وكأن الثلاث لمسلم. قال ابن الأثير (¬7): وفي رواية أبي داود أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا شرب تنفس ثلاثاً، وقال: "هو أهنأ وأمرأ وأبرأ". قال ابن الأثير (¬8): أروى من الري وهو ذهاب العطش، وأبرأ من البراء وهو ذهاب المرض، فإما أن يريد به أنه يبرئه من ألم العطش، أو أنه لا يكون منه مرض، فإنه قد جاء في ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (5630)، ومسلم رقم (122/ 2028)، وأبو داود رقم (3727)، والترمذي رقم (1884). (¬2) في صحيحه رقم (123/ 2028). (¬3) في "السنن" رقم (1884). (¬4) في "السنن" (4/ 302). (¬5) في "السنن" رقم (1884). (¬6) (5/ 80). (¬7) في "الجامع" (5/ 80). (¬8) في "الجامع" (5/ 80).

حديث آخر أنه يورث الكباد، وهو مرض بالكبد. [و] (¬1) قوله: "أمرأ" من الاستمراء، وهو ذهاب كظة الطعام وثقله (¬2). انتهى. 3 - وعن أبي قتادة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا شَرِبَ أَحَدُكُمْ فَلاَ يَتَنَفَّسْ فِي الإِنَاءِ". أخرجه الخمسة (¬3) إلا أبا داود. [صحيح] قوله في حديث أبي قتادة: "فلا يتنفس في الإناء" أقول: زاد الترمذي (¬4) في رواية عن ابن عباس: "ولا ينفخ فيه" وقال (¬5): إنه حسن صحيح كما قال (¬6) أيضاً في حديث أبي قتادة هذا إنه حسن صحيح. قال العلماء (¬7): وهذا النهي للتأديب لإرادة المبالغة في النظافة، إذ قد يخرج مع النفس بصاق أو مخاط أو بخار رديء فيكسبه رائحة كريهة، فيتقذر بها هو أو غيره [276 ب] عن شرابه. 4 - وعن أبي المثنى الجهني قال: دَخَلَ أَبُو سَعِيدٍ عَلَى مَرْوَانَ، فَقَالَ لَهُ: أَسَمِعْتَ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَنْهَى عَنِ النَّفْخِ في الإِنَاءِ؟ قَالَ: نَعَمْ. وَسَأَلَ رَجُلٌ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: فَقَالَ: إِنِّي لاَ أُرْوَى مِنْ ¬

_ (¬1) زيادة من (أ). (¬2) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (5/ 80). (¬3) أخرجه البخاري رقم (5630)، ومسلم رقم (121/ 267)، والترمذي رقم (1889)، والنسائي في "السنن" رقم (31). (¬4) في "السنن" رقم (1888)، وهو حديث صحيح. أخرجه أبو داود رقم (3728)، وابن ماجه رقم (3288). (¬5) في "السنن" (4/ 300). (¬6) أي الترمذي في "السنن" (4/ 300). (¬7) انظر: "فتح الباري" (10/ 92، 93).

الفصل الرابع: في ترتيب الشاربين

نَفَسٍ وَاحِدٍ. فقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: "فَأَبِنِ القَدَحَ عَنْ فِيكَ ثُمَّ تَنَفَّسْ" قَالَ: فَإِنِّي أَرَى القَذَاةَ فِيهِ. قَالَ: "فَأَهْرِقْهَا". أخرجه الأربعة (¬1) إلا النسائي. [صحيح] قوله: "وعن أبي المثنى الجهني" أقول: لم يذكر ابن الأثير (¬2) اسمه ولا شيئاً من أحواله غير أنه تابعي، روى عن أبي سعيد هذا الحديث. قوله: "أخرجه الأربعة إلا النسائي" قلت: إلا أن هذا الذي ساقه المصنف لفظ "الموطأ" (¬3)، وفي رواية الترمذي (¬4) زيادة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن النفخ في الشراب، وفي رواية أبي داود (¬5): نهى أن يشرب من ثلمة القدح، وأن ينفخ في الشراب. قوله: "القذاة" يريد كالعود وفتات الخزف وما يكنس به المسجد. الفصل الرابع: في ترتيب الشاربين 1 - عن أنس - رضي الله عنه - قال: أُتِيَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِقَدِح لَبَنٍ قَدْ شِيبَ بِمَاءٍ، وَعَنْ يَسَارِهِ أَبُو بَكْرٍ، وَعَنْ يَمِينِهِ أَعْرَابِيٌّ، فَأَعْطَى الأَعْرَابِيَّ فَضْلَهُ، وَقَالَ: "الأَيْمَنَ فَالأَيْمَنَ". أخرجه الستة (¬6) إلا النسائي. [صحيح] قوله: (الفصل الرابع: في ترتيب الشاربين). ¬

_ (¬1) أخرجه مالك في "الموطأ" (2/ 925)، وأبو داود رقم (3722)، والترمذي رقم (1887)، وهو حديث صحيح. (¬2) في "تتمة جامع الأصول" (2/ 926 - قسم التراجم). (¬3) (2/ 925). (¬4) في "السنن" رقم (1887). (¬5) في "السنن" رقم (3722). (¬6) أخرجه البخاري رقم (5619)، ومسلم رقم (124/ 2029)، وأبو داود رقم (3726)، والترمذي رقم (1893)، وابن ماجه رقم (3425)، وأخرجه أحمد (3/ 110، 113، 197، 231).

قوله في حديث أنس: "الأيمن فالأيمن" أقول: ضبط بالنصب والرفع. فالأول بإضمار (قدموا) والثاني إنه مبتدأ يقدر خبره أحق، أو بأن يقدم الأيمن. واستنبط من تكرير الأيمن أن السنة إعطاء الذي على اليمين ثم الذي يليه, وهلم جرا، أو هو عام في كل شرب. ونقل عن مالك وحده أنه خصه بالماء. وقال ابن عبد البر (¬1): لا يصح عنه. قلت: وهو الأولى، وكيف والنص هنا في اللبن؟! وهذا محمول على الاستحباب. وقال ابن حزم (¬2): إنه واجب ذلك، وفي رواية من طريق سعيد عن الزهري أنه قال عمر وخاف أن يعطي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأعرابي (¬3). أعطِه أبا بكر، وفي رواية: وقال عمر: هذا أبو بكر. قال الخطابي (¬4) وغيره: كانت [العادة] (¬5) جارية لملوك الجاهلية ورؤسائهم تقديم (¬6) الأيمن في الشرب، حتى قال عمرو بن كلثوم في قصيدة له: وكان الكأس مجراها اليمينا فخشي عمر بذلك أن يقدم - صلى الله عليه وسلم - الأعرابي على أبي بكر في الشرب، فنبه على ذلك؛ لأنه احتمل عنده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يؤثر تقديم أبي بكر على تلك العادة, فتصير السنة تقديم الأفضل في الشرب على الأيمن، فبين النبي [277 ب]- صلى الله عليه وسلم - بفعله وقوله أن تلك العادة لم تغيرها ¬

_ (¬1) في "التمهيد" (15/ 255 - 256). (¬2) في "المحلى" (7/ 522). (¬3) أي قال عمر: يا رسول الله! أعطه أبا بكر ... "المحلى" (7/ 522). (¬4) في "غريب الحديث" (1/ 388 - 389). (¬5) في (ب): "عادة". (¬6) انظر: "فتح الباري" (10/ 86).

السنة، وأنها مستمرة، وأن الأيمن يقدم على الأفضل في ذلك، ولا يلزم من ذلك حط رتبة الأفضل. [376/ أ]. واعلم أنه ترجم له البخاري (¬1) بقوله: باب شرب الماء باللبن. وساق ابن الأثير (¬2) رواية أنس فقال: أنه رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يشرب لبناً وأتى داره فاستقى قال: فحلبت شاةً فشبت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - من البئر، فتناول القدح فشرب، وعن يساره أبو بكر، وعن يمينه أعرابي ... الحديث. وفي رواية (¬3) قال: أتانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في دارنا هذه، فحلبت له شاة ثم شبته من ماء بئرنا هذه فأعطيته، وأبو بكر عن يساره, وعمر تجاهه، وأعرابي عن يمينه، فلما فرغ قال عمر: هذا أبو بكر، فأعطى الأعرابي وقال: "الأيمنون الأيمنون الأيمنون". قال أنس: فهي سنة، فهي سنة، فهي سنة. 2 - وعن سهل بن سعد - رضي الله عنه - قال: أُتِيَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِشَرَابٍ فَشَرِبَ، وَعَنْ يَمِينِهِ غُلاَمٌ، وَعَنْ يَسَارِهِ الأَشْيَاخُ، فَقَالَ لِلْغُلاَمِ: "أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أُعْطِيَ هَؤُلاَءِ؟ ". فَقَالَ الغُلاَمُ: وَالله يَا رَسُولَ الله، لاَ أُوثِرُ بِنَصِيبِي مِنْكَ أَحَدًا. قَالَ: فَتَلَّهُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فِي يَدِهِ. أخرجه الشيخان (¬4). [صحيح] وزاد رزين: "قَالَ: وَكانَ الغُلاَمُ الفَضْلُ بْنَ العَبَّاس". ¬

_ (¬1) في صحيحه رقم (10/ 75 الباب رقم 14 - مع الفتح). (¬2) في "الجامع" (5/ 83). (¬3) أخرجه البخاري رقم (2571)، ومسلم رقم (126/ 2029). (¬4) أخرجه البخاري رقم (5620)، ومسلم رقم (127/ 2030)، وأخرجه أحمد (5/ 333، 338).

قوله في حديث سهل بن سعد: "وعن يمينه غلام" أقول: هو عبد الله عباس. وقيل: أخوه الفضل، وهو الذي يأتي عن رزين. وقال ابن بطال (¬1): كان الغلام أحد بني خالد بن الوليد. وقيل: عبد الله بن عباس، وهو المشهور، قاله أحمد بن الخير. وكان ذلك في بيت ميمونة. قال ابن الجوزي: وإنما استأذن الغلام ولم يستأذن الأعرابي؛ لأن الأعرابي لم يكن له علم بالشريعة فاستألفه بترك استئذانه بخلاف الغلام. قلت: ترجم البخاري (¬2) للحديث بباب: هل يستأذن الرجل من عن يمينه في الشرب ليعطي الآخر. قال في "الفتح" (¬3): كأنه لم يجزم بالحكم، لكونها واقعة عين فيتطرق عليها الاختصاص. [278 ب] فلا يطرد الحكم فيها لكل جليسين. قوله: "أتأذن لي" أقول: هو ظاهر (¬4) في أنه لو أذن له لأعطاهم. قيل: ويؤخذ منه جواز الإيثار بمثل ذلك، وهو مشكل على ما اشتهر من أنه لا إيثار بالقرب. قلت: وقد يقال: إنه ليس من إيثار بالقرب إذ القرب ما يتقرب به إلى الله تعالى، والتقدم في الشرب من فضله - صلى الله عليه وسلم - فيه شرف ومزية, وأما أنه يؤجر على التقدم حتى يكون قربة فمحل نظر، ثم إن هذا الإيثار في الفضلة بالمشروب، وهل يجري في غيره من المأكول والطيب؟ ¬

_ (¬1) في شرحه لـ "صحيح البخاري" (6/ 74). (¬2) في صحيحه (10/ 86 الباب رقم 19 - مع الفتح). (¬3) (10/ 86). (¬4) ذكره الحافظ في "الفتح" (10/ 87).

الفصل الخامس: في تغطية الإناء

فمن قال: إن تقديم من في جهة اليمين ليس لمعنى فيمن قدم؛ بل لمعنى في جهة اليمين وهو فضلها على جهة اليسار، فيؤخذ منه العموم لكل من في جهة اليمين في كل خصلة. قوله: "فتلَّه في يده" أقول: بفتح المثناة الفوقية وتشديد اللام أي: وضعه (¬1). 3 - وعن ابن أبي أوفى وأبي قتادة - رضي الله عنهم - قالاَ: قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "سَاقِي القَوْمِ آخِرُهُمْ شُرْبَاً". أخرجه أبو داود (¬2) عن الأول. [صحيح] والترمذي (¬3) عن الثاني. [صحيح] قوله في حديث ابن أبي أوفى وأبي قتادة: "ساقي القوم آخرهم شرباً" أقول: فالسنة أن يسقي القوم ثم يشرب ما فضل، كما في قصة أبي هريرة في سقيه اللبن أهل الصفة. وقوله: "أخرجه الترمذي" قلت: وقال (¬4): هذا حديث حسن صحيح، وفي الباب عن ابن أبي أوفى. الفصل الخامس: في تغطية الإناء عن جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "غَطُّوا الإِنَاءَ وَأَوْكُوا السَّقَاءِ". أخرجه الشيخان (¬5) وأبو داود (¬6). [صحيح] ¬

_ (¬1) أي: وضعه بعنف. قاله الخطابي في "غريب الحديث" (1/ 388). وانظر: "النهاية" (1/ 194 - 195). (¬2) في "السنن" رقم (3725)، وهو حديث صحيح. (¬3) في "السنن" رقم (1894) وقال: هذا حديث حسن صحيح. وأخرجه ابن ماجه رقم (3434)، وهو حديث صحيح. وأخرج مسلم في صحيحه رقم (311/ 681) عن أبي قتادة الأنصاري وفيه: قلت: لا أشرب حتى يشرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، فقال: "إن الساقي آخرهم ... " (¬4) أي الترمذي في "السنن" (4/ 307). (¬5) أخرجه البخاري رقم (5623، 5624)، ومسلم رقم (2012). (¬6) في "السنن" رقم (3731). =

وزاد مسلم (¬1): "فَإِنَّ فِي السَّنَةِ لَيْلَةً يَنْزِلُ فِيهَا وَبَاءٌ لاَ يَمُرُّ بِإِنَاءٍ لَيْسَ عَلَيْهِ غِطَاءٌ، أَوْ سِقَاءٍ لَيْسَ عَلَيْهِ وِكَاءٌ؛ إِلَّا نَزَلَ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ الوَبَاءِ". [صحيح] قَالَ اللَّيْثُ (¬2): "فَالأعاجِمُ عِنْدَنَا يَتَّقُونَ ذلِكَ في كانُونَ الأوَّلَ". 2 - وفي رواية لهما (¬3): اسْتَسْقَى - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ الله! أَلاَ نَسْقِيكَ نَبِيذًا؟ قَالَ: "بَلَى". قَالَ: فَخَرَجَ الرَّجُلُ يَشْتِدُّ, فَجَاءَ بِقَدَحٍ فِيهِ نَبِيذٌ، فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: "أَلاَّ خَمَّرْتَه, وَلَوْ أَنْ تَعْرُضُ عَلَيْهِ عُودًا وَشَرِبَ. [صحيح] ولمسلم (¬4) عن أبي حميد: "إنَّمَا أُمِرْنَا بِإيكاءِ السِّقَاءِ لَيْلًا، وَبِالأبْوَابِ أَنْ تُغْلَقَ لَيْلًا". [صحيح] قوله: (الفصل الخامس في تغطية الإناء). أي: في شرعيته. قوله في حديث جابر: "غطوا الإناء وأوكوا السقاء" أقول: ظاهره مطلق الإناء، ولو لم يكن فيه شيء وفي كل وقت من الأوقات، إلا أنه يأتي عن تقييد ذلك بالليل، وفي رواية [279 ب] للبخاري (¬5): "وخمروا الطعام والشراب" والتخمير: التغطية، وعلله في رواية ¬

_ = وأخرجه أحمد (3/ 355)، والترمذي رقم (2857)، والنسائي في "عمل اليوم والليلة" رقم (746). (¬1) في صحيحه رقم (99/ 2014). (¬2) أخرجه مسلم في صحيحه رقم (000/ 2014). (¬3) أخرجه البخاري رقم (5605، 5606)، ومسلم رقم (95/ 2011)، وأخرجه أبو داود رقم (3734). (¬4) في صحيحه رقم (93/ 2010). (¬5) في صحيحه رقم (5624).

الفصل السادس: في أحاديث متفرقة

مسلم (¬1) بقوله: "فإن في السنة ليلة ينزل فيها وباء" وهو بفتح الواو فموحدة, ممدود مقصور، مرض عام، وإيكاء السقاء: شده, يقال: أوكيت السقاء أوكيه إيكاءً إذا شددته. قوله: "في كانون الأول" أقول: وهو ثلاث: الشولة والنعايم والبلدة. قوله: "تعرض" (¬2) أقول: بفتح المثناة الفوقية، وضم الراء، يجعله عليه بعرضه. ورواه أبو عبيد (¬3) بكسر الراء، والصحيح الأول. وللتغطية فائدتان: صيانته من الشيطان؛ لأنه لا يكشف غطاء، ولا يحل سقاء. وصيانته من الوباء الذي ينزل ليلة في السنة، ومن النجاسات والأقذار والحشرات والهوام، فربما يقع شيء منها فيشربه وهو غافل أو في الليل. قوله: "ولمسلم (¬4) عن عبد بن حميد" أقول: عرفت أن الأمر بالتغطية عام فيتمسك بعمومه, وهذا التخصيص ليس في اللفظ ما يدل عليه. والمختار عند الأكثر من الأصوليين أنه لا يخص (¬5) العام بمذهب الراوي إذا كان خلاف ظاهر اللفظ, ولا يكون حجة، ولا يلزم غيره من المجتهدين موافقته، وأما إذا كان اللفظ مجملاً فإنه يرجع إلى بيانه وتفسيره؛ لأنه إذا كان مجملاً لا يحل له حمله على شيء إلا بتوقيف. الفصل السادس: في أحاديث متفرقة 1 - عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كانَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُسْتَعذَبُ لَهُ المَاءُ مِنْ بُيُوتِ السُّقْيَا. ¬

_ (¬1) في صحيحه رقم (2014)، وقد تقدم. (¬2) انظر: "النهاية" (2/ 188). (¬3) ذكره الحافظ في "الفتح" (10/ 72). (¬4) في صحيحه رقم (93/ 2010). (¬5) انظر: "إرشاد الفحول" (ص 533) بتحقيقي، "البحر المحيط" (3/ 400).

قال قتيبة: هِيَ عَيْنٌ بَيْنَها وَبَيْنَ المَدِينَةِ يَوْمَانِ. أخرجه أبو داود (¬1). [صحيح] (الفصل السادس في أحاديث متفرقة [377/ أ]) قوله في حديث عائشة: "يستعذب له الماء" أي: يطلب له العذب منه، وهو خلاف الملح والأجاج. "من بيوت السقيا" وفسرها قتيبة بأنها عين. وفيه دليل أن ذلك ليس من الإتراف المنهي عنه، وأنه لا بأس بطلب طيبات [280 ب] المأكول والمشروب. 2 - وعن جابر - رضي الله عنه - قال: دَخَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى حَائِطَ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ وَهُوَ يُحَوِّلُ المَاءَ فِي حَائِطِهِ، فَقَال - صلى الله عليه وسلم-: "إِنْ كَانَ عِنْدَكَ مَاءٌ بَاتَ هَذِهِ اللَّيْلَةَ فِي شَنَّةٍ, وَإِلَّا كَرَعْنَا". فَقَالَ: عِنْدِي مَاء بَارِدٌ، فَانْطَلَقَ إِلَى العَرِيشِ فَسَكَبَ فِي قَدَحٍ، ثُمَّ حَلَبَ عَلَيْهِ مِنْ دَاجِنٍ لَهُ فَشَرِبَ. أخرجه البخاري (¬2) وأبو داود (¬3). [صحيح] "الكَرْعُ": الشرب بالفم من النهر أو الساقية (¬4). "وَالعَرِيشُ" (¬5): معروف. قوله في حديث جابر: "حائط رجل من الأنصار" أقول: هو أبو الهيثم بن التيهان. قوله: "وهو يحول الماء في حائطه" أي: ينقل الماء من مكان إلى آخر في البستان ليعم أشجاره بالسقي (¬6). ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (3735)، وهو حديث صحيح. (¬2) في صحيحه رقم (5613). (¬3) في "السنن" رقم (3724). (¬4) بالفم من غير إناء ولا باليد. قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (5/ 88). (¬5) قال ابن الأثير في "غريب الجامع": العريش ما يستظل به من خشب وفرش تتخذ بناءً. (¬6) انظر: "فتح الباري" (10/ 77 - 78).

قوله: "بات هذه الليلة في شنة" أقول: بفتح المعجمة وتشديد النون: هي القربة الخلقة. وقال الداودي (¬1): هي التي زال شعرها من البلى. قال المهلب (¬2): الحكمة في طلب الماء البائت أنه يكون أبرد وأصفى. قوله: "وإلا كرعنا" فيه حذف تقديره: فاسقنا، وإن لم يكن عندك "كرعنا" والكرع تناول الماء بالفم من غير إناء ولا كف (¬3). قال ابن حجر (¬4): إنما قيل للشرب بالضم كرع؛ لأنه فعل البهائم لشربها بأفواهها، والغالب أنها تدخل أكارعها حينئذ. وأما حديث ابن عمر عند ابن ماجه (¬5): نهانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نشرب على بطوننا وهو الكرع؛ فسنده ضعيف، ويحتمل أن النهي خاص بهذه الصورة، وهو أن يكن الشارب منبطحاً على بطنه. قوله: "داجن" بالدال المهملة وجيم: الشاة التي تألف البيوت. واعلم أنه ساق في "الجامع" (¬6) روايتين في هذا الحديث عن جابر معناهما متقارب، إلا أن فيهما معاً أنه كان معه - صلى الله عليه وسلم - رجل من أصحابه وفسر بأبي بكر. 3 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: كَانَ لأُمِّ سُلَيْمٍ قَدَحٌ، فَقَالَتْ: سَقَيْتُ فِيهِ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كُلَّ الشَّرَابِ: المَاءَ، وَالعَسَلَ، وَاللَّبَنَ، وَالنَّبِيذَ. ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (10/ 77). (¬2) ذكره الحافظ في "الفتح" (10/ 77). (¬3) قاله الحافظ في "الفتح" (10/ 77). (¬4) في "فتح الباري" (10/ 77). (¬5) في "السنن" رقم (3431)، وهو حديث ضعيف. (¬6) (5/ 88 رقم 3109).

الباب الثاني: في الخمور والأنبذة

أخرجه النسائي (¬1). [صحيح] الباب الثاني: في الخمور والأنبذة وفيه ستة فصول الفصل الأول: في تحريم كل مسكر 1 - عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قَالَ رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "كُلُّ شَرَابٍ أسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ". أخرجه الستة (¬2). [صحيح] 2 - وفي رواية (¬3): سُئِلَ عَنِ البِتْعِ، فقال: "كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ". "البِتْعُ": نبيذ العسل. [صحيح] 3 - وفي أخرى لأبي داود (¬4): "كُلُّ مُسْكرٍ حَرَامٌ، وَمَا أَسْكَرَ مَنْهُ الفَرْقُ فَمِلْءُ الكَفِّ مِنْهُ حَرَامٌ". وفي أخرى للترمذي (¬5): "فَالحَسْوَةُ مِنْهُ حَرَامٌ". "الفَرَقُ" (¬6) بفتح الراء وسكونها: إناء يسع تسعة عشر رطلاً. "وَالحَسْوَةُ" (¬7): الجرعة من الماء. (الباب الثاني في الخمور والأنبذة) ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (5753)، وهو حديث صحيح. (¬2) أخرجه البخاري رقم (5585)، ومسلم رقم (67/ 2001)، وأخرجه أحمد (4/ 402، 410، 417). (¬3) أخرجه البخاري رقم (242، 5585، 5586)، ومسلم رقم (67/ 2001). (¬4) في "السنن" رقم (3687). (¬5) في "السنن" رقم (1866)، وهو حديث صحيح. (¬6) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (5/ 90). (¬7) وهي بمقدار ما يحسى مرة واحدة، والحسوة بالفتح: المرة الواحدة.

قوله في حديث عائشة: "عن البتع" (¬1) أقول: بكسر الموحدة وسكون المثناة وقد تفتح، زاد في رواية لأبي داود (¬2) وغيره (¬3) وهو نبيذ العسل، كان أهل اليمن يشربونه، والسائل عن ذلك بينته رواية أبي بردة عن أبيه أبي موسى (¬4) أنه - صلى الله عليه وسلم - بعثه إلى اليمن فسأله عن أشربة تصنع [281 ب] [بها] (¬5) قال: "ما هي؟ " قال: البتع والمزر. فقال: "كل مسكر حرام" رواه البخاري (¬6) في المغازي، وأخرجه أيضاً مسلم (¬7) ويأتي حديث أبي موسى. قوله: "البتع نبيذ العسل" أقول: هو بلفظه وزيادة، وكان أهل اليمن يشربونه في رواية "الجامع" (¬8) من ألفاظ حديث عائشة هذا. وقال: [إنه] (¬9): أخرجها الجماعة بأسرهم إلا "الموطأ". قال الحافظ ابن حجر (¬10): ظاهره أن التفسير من كلام عائشة، والظاهر أنه من كلام من دونها. انتهى. ¬

_ (¬1) قال ابن الأثير في "النهاية" (1/ 100): البتع: بسكون التاء، نبيذ العسل، وهو خمر أهل اليمن، وقد تحرَّك التاء كقِمْع وقمَعَ. (¬2) في "السنن" رقم (3682 م)، وهو حديث صحيح. (¬3) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (5586). (¬4) أخرجه أبو داود في "السنن" رقم (3684). (¬5) زيادة من (أ). (¬6) في صحيحه رقم (4343). (¬7) في صحيحه رقم (2001). (¬8) (5/ 90). (¬9) زيادة من (أ). (¬10) في "الفتح" (10/ 42).

4 - وعن أبي موسى - رضي الله عنه - قال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله! أَفْتِنَا فِي شَرَابَيْنِ كُنَّا نَصْنَعُهُمَا بِاليَمَنِ: البِتْعُ وَهُوَ مِنَ العَسَلِ يُنْبَذُ حَتَّى يَشْتَدَّ، وَالمِزْرُ: وَهُوَ مِنَ الذُّرَةِ وَالشَّعِيرِ يُنْبَذُ حَتَّى يَشْتَدَّ، فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: "أَنْهَى عَنْ كُلِّ مُسْكِرٍ أَسْكَرَ عَنِ الصَّلاَةِ". أخرجه الخمسة (¬1) إلا الترمذي. [صحيح] قوله في حديث أبي موسى: "أفتنا في شرابين" أقول: أوله في "الجامع" (¬2) عن أبي موسى قال: بعثني النبي - صلى الله عليه وسلم - ومعاذاً إلى اليمن فقال: "ادعوا الناس، وبشرا ولا تنفرا، ويسرا ولا تعسرا، وتطاوعا ولا تختلفا" قال: فقلت: يا رسول الله! أفتنا ... الحديث. والمزر بكسر الميم وسكون الزاي فراء، فسره في الحديث. وقوله: "يشتد" أي: يسكر. وفي رواية: "الجامع" (¬3) بغير يقوله: يشتد. قال: وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أعطي جوامع الكلم بخواتمه فقال: "أنهى" إلى آخره، وكأن المصنف حذف كلام أبي موسى أعني قوله: وكان ... إلى آخره، واقتصر على المرفوع. 5 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: سَأَلَ رَجُلٌ رَسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الأشْرِبَةِ، فقَالَ: "اجْتَنِبْ كُلَّ مُسْكِرٍ ينِشُّ: قَلِيلَهُ وَكَثِيرَهُ". أخرجه النسائي (¬4). [موقوف بإسناد صحيح]. "يَنِشُّ": أي يغلي (¬5). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (4341، 4342، 4344، 4345، 5586)، ومسلم رقم (2001)، وأبو داود رقم (3684)، والنسائي رقم (5595، 5597، 5602، 5604). (¬2) (5/ 91 رقم 3114). (¬3) (5/ 92). (¬4) قاله في "السنن" رقم (5696)، موقوف صحيح الإسناد. (¬5) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (5/ 94).

6 - وعن ابن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال: نَهَى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عَنْ الخَمْرِ وَالمَيْسِرِ وَالكُوْبَةِ وَالغُبَيْرَاءِ، وَقَالَ: "كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ". [صحيح] قيل: "الغُبَيْرَاءُ": السكركة تعمل من الذرة: شراب تعمله الحبشة. أخرجه أبو داود (¬1). "الكُوبَةُ": طبل صغير مخصَّر ذو رأسين (¬2). قوله في حديث ابن عمرو: "والميسر" أقول: الخمر يأتي تحقيقه والميسر في "القاموس" (¬3) الميسر [282 ب]: اللعب بالقداح، أو هو الجزور التي كانوا يتقامرون عليها، كانوا إذا أرادوا أن ييسروا اشتروا جزوراً نسيئةً، ونحروه قبل أن ييسروا، وقسموه ثمانية وعشرين قسماً، أو عشرة أقسام، فإذا خرج واحد واحد باسم رجل رجل، ظهر فوز من خرج لهم ذوات الأنصباء، وغرم من خرج له الغُفْلُ، ثم قال: أو هو النّرد أو كل قمار. انتهى. وقوله: "الغفل" بضم الغين المعجمة ففاء ساكنة قال: ما لا علامة فيه من القداح. وأوضح منه كلام "الكشاف" (¬4) فإنه قال: فإن قلت: كيف صفة الميسر؟ قلت: كانت لهم عشرة أقداح، وهي الأزلام، والأقلام، والفذ، والتوأم، والرقيب، والحلس، والنافس، والمسبل، والمعلى، والمنيح، والسفيح، والوغد، [378/ أ] لكل واحد منها نصيب معلوم من جزور ينحر، ومنها ويجزئونها عشرة أجزاء. ¬

_ (¬1) في السنن رقم (3658) وهو حديث صحيح. (¬2) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (5/ 98). (¬3) "القاموس المحيط" (ص 643). (¬4) (1/ 428).

وقيل: ثمانية وعشرين إلا لثلاثة, وهي: المنيح، والسفيح، والوغد، ولبعضهم لي في الدُّنيا سِهَامٌ ... ليسَ فيهنَّ ربيحُ وأساميهنَّ وغدٌ ... وسفيحٌ ومنيحُ للفذ سهم، وللتوأم سهمان، وللرقيب ثلاثة, وللحلس أربعة, وللنافس خمسة، وللمسبل ستة, وللمعلى سبعة، يجعلونها في الربابة، وهي خريطة, ويضعونها على يدي عدل، ثم يجلجلها ويدخل يده فيخرج باسم رجل رجل قدحاً منها، فمن خرج له قدح من ذوات الأنصباء، أخذ نصيبه المرسوم له بذلك القدح، ومن خرج له قدح مما لا نصيب له لم يأخذ شيئاً، ويغرم ثمن الجزور كله، وكانوا يدفعون تلك الأنصباء إلى الفقراء ولا يأكلون منها، ويفتخرون بذلك ويذمون من لم يدخل فيه ويسمونه البرم. انتهى. قوله: "السَّكُرْجَة" أقول: بضم السين المهملة، وضم الكاف فراء مشددة فجيم. وفي "النهاية" (¬1). "والغبيراء" يعني: بالغين المعجمة فموحدة فمثناة [283 ب] تحتية فراء فهمزة ممدودة، ضرب من الشراب تتخذه الحبشة من الذرة وتسمَّى السَّكُرْجَةَ. وقال (¬2) في "سكرجة" بعد ضبطها بما سلف: أنها إناء صغير يُؤكل فيه الشيء القليلُ من الأُدْم، وهي فارسية، وأكثرُ ما يوضع فيها الكوافح ونحوها. انتهى. ¬

_ (¬1) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 258)، وانظر: "غريب الحديث" للخطابي (1/ 82). (¬2) أي: ابن الأثير في "النهاية" (1/ 790).

الفصل الثاني: في تحريم المسكر وذم شاربه

الفصل الثاني: في تحريم المسكر وذم شاربه 1 - عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، وَمَنْ شَرِبَ الخَمْرَ فِي الدُّنْيَا وَمَاتَ وَهُوَ يُدْمِنُهَا لَمْ يَتُبْ مِنْهَا لَمْ يَشْرَبْهَا فِي الآخِرَةِ". أخرجه الستة (¬1). [صحيح] قال الخطابي (¬2): معنى "لَمْ يَشْرَبهْاَ في الآخِرَةِ": لم يدخل الجنة. الفصل الثاني في تحريم المسكر وذم شاربه قوله في حديث ابن عمر: "كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام" أقول: لم يأت بهذا اللفظ في أول هذا الحديث بلفظ: "من شرب خمراً في الدنيا، ثم لم يتب منها حرمها في الآخرة" قال الحافظ ابن حجر (¬3): وزاد مسلم (¬4) في أول الحديث مرفوعاً: "كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام". قوله: "كل مسكر" عام سواء اتخذ من العنب ومن غيره. ودل على أن علة التحريم الإسكار، وأن كل شراب وجد فيه الإسكار حرم تناوله قليله وكثيره. وقد ثبت عند أبي داود (¬5)، والنسائي (¬6)، وصححه ابن حبان (¬7) من حديث جابر قال: ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (5575)، ومسلم رقم (77/ 2003). وأبو داود رقم (3679)، والنسائي رقم (5761)، وابن ماجه رقم (3373)، وأخرجه أحمد (2/ 21). (¬2) في "معالم السنن" (4/ 86 - مع السنن). (¬3) في فتح الباري (10/ 32). (¬4) في صحيحه رقم (73/ 2003). (¬5) في السنن رقم (3681). (¬6) في السنن رقم (5607). (¬7) في صحيحه رقم (5382). =

قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما أسكر كثيره فقليله حرام". ولأبي داود (¬1) من حديث عائشة مرفوعاً: "كل مسكر حرام، وما أسكر منه الفرق فملء الكف منه حرام". وعند ابن حبان (¬2) والطحاوي (¬3) من حديث سعد بن أبي وقاص عنه - صلى الله عليه وسلم -: "أنهاكم عن قليل ما أسكر كثيره". قال الطحاوي (¬4): اختلفوا في تأويل الحديث، فقال بعضهم: أراد جنس ما يسكر. وقال بعضهم: أراد به ما تبع السكر عنده، ويؤيده أن القاتل لا يسمى قاتلاً حتى يقتل ويدل له حديث (¬5) [285 ب] ابن عباس رفعه: "حرمت الخمر قليلها وكثيرها، والسكر من كل شراب". ¬

_ = وأخرجه أحمد (3/ 343)، والترمذي رقم (1865)، وابن ماجه رقم (3393)، والبيهقي (8/ 296)، والطحاوي (4/ 217). وهو حديث صحيح. (¬1) في "السنن" رقم (3687) وقد تقدم. (¬2) في "صحيحه" رقم (5370). (¬3) في شرح معاني الآثار (4/ 216). (¬4) في شرح معاني الآثار (4/ 216). (¬5) أخرجه النسائي في "السنن" رقم (5683)، وهو أثر صحيح موقوف. وأخرجه النسائي في "السنن" رقم (5684) و (5685)، وهو حديث صحيح. وأخرجه برقم (5686) وقال: وهذا أولى بالصواب من حديث ابن شبرمة, وهُشيم بن بشير كان يدلس، وليس في حديثه ذكر السماع من ابن شبرمة. ورواية أبي عون أشبه بما رواه الثقات عن ابن عباس.

قلت: قال في "النهاية" (¬1) عند الكلام على هذا الحديث: السكر: بفتح السين والكاف الخمر المعتصر من العنب، هكذا رواه الأثبات، ومنهم من يرونه بضم السين وسكون الكاف يريد حالة السكران، فيجعلون التحريم للسكر، لا لنفس المسكر، فيبيحون قليله الذي لا يسكر والمشهور الأول. انتهى. قال الحافظ ابن حجر (¬2): إن الحديث الذي ذكره الطحاوي أخرجه النسائي ورجاله ثقات، إلا أنه اختلف في وصله وانقطاعه، وفِى وقفه ورفعه. قال: وعلى تقدير صحته فقد رجح الإمام أحمد وغيره أن الرواية فيه بلفظ: "المسكر" بضم الميم وسكون السين "السكر" بضم ثم سكون أو بفتحتين. والحاصل أنه يقول الحنفية (¬3) ومن معهم: أنه لا يحرم إلا ما أسكر بالفعل. وقد رد الحافظ ابن حجر (¬4) ما ذهبوا إليه، وأطال واستدل بمطلق قوله: "كل مسكر حرام" على تحريم ما يسكر ولو لم يكن شراباً، فيدخل في ذلك الحشيشة وغيرها. وقد جزم النووي (¬5) وغيره بأنها مسكرة. وجزم آخرون بأنها مخدرة. قال ابن حجر (¬6): وهو مكابرة؛ لأنها تحدث بالمشاهدة ما يحدث الخمر من الطرب والنشاط والمداومة عليها والانهماك فيها. ¬

_ (¬1) (1/ 790). (¬2) في "فتح الباري" (10/ 43). (¬3) "مختصر اختلاف العلماء" (4/ 371). (¬4) في "الفتح" (10/ 43). (¬5) في شرحه لـ "صحيح مسلم" (13/ 167). (¬6) في "الفتح" (10/ 44).

وعلى تقدير أنها ليست بمسكرة فقد ثبت في سنن أبي داود (¬1) النهي عن كل مسكر ومفتر وهو بالفاء. قوله: "ومن شرب الخمر في الدنيا [379/ أ] فمات وهو يدمنها، لم يتب منها، لم يشربها في الآخرة"، أقول: لفظ البخاري (¬2): "ومن شرب الخمر في الدنيا ثم لم يتب منها حرمها في الآخرة". ولفظ المصنف نسبه ابن الأثير (¬3) إلى مسلم (¬4). قال الخطابي (¬5) والبغوي في "شرح السنة" (¬6): معنى الحديث لا يدخل الجنة؛ لأن الخمر شراب أهل الجنة، فإذا حرم شربها دلَّ على أنه لا يدخل الجنة. وقال ابن عبد البر (¬7): هذا وعيد شديد يدل على حرمانه دخول الجنة؛ لأن الله تعالى أخبر أنَّ في الجنة أنهاراً من خمر لذة للشاربين، وأنهم لا يصدّعون ولا ينزفون، فلو دخلها وعلم أن فيها خمراً وأنه حرمها [258 ب] عقوبةً له، لوقع له الهم والحزن والجنة لا هم فيها ولا حزن، وإن لم يعلم بوجودها في الجنة، ولا أنه حرمها عقوبةً له، لم يكن عليه في فقدها ألم، فلهذا قال بعض من تقدم: إنه لا يدخل الجنة أصلاً. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (3686)، وهو حديث ضعيف. (¬2) في "صحيحه" رقم (5575). (¬3) في "الجامع" (5/ 98 - 99). (¬4) في "صحيحه" رقم (77/ 2003). (¬5) في "معالم السنن" (4/ 86). (¬6) (11/ 355). (¬7) في "التمهيد": (14/ 150 - الفاروق).

قال (¬1): وهو مذهب غير مرضي. قال: ومحمل الحديث عند أهل السنة على أنه لا يدخلها، ولا يشرب الخمر فيها، إلا إن عفا الله عنه كما في بقية الكبائر، وهو في المشيئة، فعلى هذا فمعنى الحديث جزاؤه في الآخرة أن يحرمها بحرمانه دخول الجنة، إلا أن يعفى عنه وجائز أن يدخل الجنة بالعفو، ثم لا يشرب الخمر ولا يشتهيها، وإن علم بوجودها فيها، ويؤيده ما أخرجه الطيالسي (¬2)، وصححه ابن حبان (¬3) عن أبي سعيد مرفوعاً: "من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة، وإن دخل الجنة". ومثله ما أخرجه أحمد (¬4) بإسنادٍ حسن من حديث ابن عمر مرفوعاً: "من مات من أمتي وهو يشرب الخمر حرم الله عليه شربها في الجنة". وذلك بأن ينساها ولا يشتهيها وليس عليه في ذلك حسرة، ولا يكون ترك شربها عقوبة له بل هو نقص نعيم بالنسبة إلى من هو أتم منه نعيماً، كما تختلف درجاتهم، ولا يلحق من هو أنقص درجة حينئذٍ، عما يلحق الأعلى درجة منه تنغيص، ولا هم، ولا حزن، استغناءً بما أعطي واغتباطاً به. وفي الحديث دليل على أن التوبة تكفر الكبائر، وهو في التوبة من الكفر قطعي أو ظني؟ وفي غيره من الذنوب خلاف بين أهل السنة. هل هو قطعي أو ظني. ¬

_ (¬1) أي: ابن عبد البر في "التمهيد" (14/ 150). (¬2) في "مسنده" رقم (2217). (¬3) في "صحيحه" رقم (5437). وأخرجه أحمد (3/ 23)، والطحاوي (4/ 246)، والحاكم (4/ 91)، وصححه الحاكم وأقره الذهبي. إسناده ضعيف؛ لجهالة داود السراج، وشطره الأول ثابت عن عدد من الصحابة في الصحيحين. (¬4) في "المسند" (2/ 209)، بسند ضعيف؛ لسماع يزيد بن هارون من الجريري - وهو سعيد بن إياس - بعدما اختلط. وباقي رجاله ثقات، وأورده الهيثمي في "المجمع" (5/ 74)، وقال: رجاله ثقات.

قال النووي (¬1): الأقوى أنه ظني. قال القرطبي (¬2): من استقرأ الشريعة علم أن الله يقبل توبة الصادقين قطعاً. وفي الحديث أن الوعيد يتناول من شرب الخمر، وإن لم يسكر؛ لأنه رتب الوعيد في الحديث على مجرد الشرب من غير قيد، وهو مجمع عليه في الخمر المتخذ من عصير العنب، وكذا فيما يسكر من غيرها، وأما [ما] (¬3) لا يسكر من غيرها فالأمر فيه كذلك عند الجمهور (¬4). وفيه قوله [286 ب]: "ثم لم يتب" دليل على مشروعية التوبة في جميع العمر ما لم يصل إلى الغرغرة كما يدل "ثم" من التراخي، وأنها ليست المبادرة إلى التوبة شرطاً. 2 - وعنه - رضي الله عنه -: أَنَّ عُمَرَ - رضي الله عنه - قَالَ عَلَى مِنْبَرِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّهُ نَزَلَ تَحْرِيمُ الخَمْرِ، وَهْىَ مِنْ خَمْسَةٍ: مِنَ العِنَبِ، وَالتَّمْرِ، وَالعَسَلِ، وَالحِنْطَةِ, وَالشَّعِيرِ، وَالخَمْرُ، مَا خَامَرَ العَقْلَ". أخرجه الخمسة (¬5). [صحيح] قوله: "وعنه" أي: عن ابن عمر أقول: ترجم البخاري (¬6) للحديث هذا بقوله: باب ما جاء في أن الخمر ما خامر العقل من الشراب. ¬

_ (¬1) في شرحه لـ "صحيح مسلم" (13/ 173). (¬2) في "المفهم" (5/ 269)، ونصه: "إن من استقرأ الشريعة قرآناً وسنةً، وتتبع ما فيهما من هذا المعنى علم علم اليقين أن الله يقبل توبة الصادقين". (¬3) سقطت من (ب). (¬4) قاله الحافظ في "الفتح" (10/ 33). (¬5) أخرجه البخاري رقم (5580)، ومسلم رقم (33/ 2032)، وأبو داود رقم (3669)، والترمذي رقم (1874)، والنسائي رقم (5578، 5579). (¬6) في "صحيحه" (10/ 45 الباب رقم 5 - مع الفتح).

وقوله: "وهي من خمسة" جملة حالية. أي: نزل تحريم حال كونها تصنع من خمسة. قال الحافظ ابن حجر (¬1): وهذا الحديث أورده أصحاب المسانيد والأبواب في الأحاديث المرفوعة؛ لأن له عندهم حكم الرفع؛ لأنه خبر صحابي شهد التنزيل أخبر عن سبب نزولها، وقد خطب به عمر على المنبر بحضرة كبار الصحابة وغيرهم فلم ينقل عن أحد إنكاره. قلت: لا يخفى أن سبب نزول آية المائدة ما ذكره أصحاب السنن (¬2) من حديث عمر أنه قال: "اللهم بين لنا في الخمر بياناً شفاءً" فنزلت آية المائدة، ثم إن حديث عمر هذا إخبار بأن الخمر الذي سألوا عنه ونزل فيه: {إِنَّمَا الْخَمْرُ} (¬3) الآية فسمَّاه ما ذكر، فما معنى أن له حكم الرفع. قال الحافظ (¬4): وأراد عمر بنزول تحريم الخمر أي بآية المائدة: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ} (¬5) إلى آخره، ومراده بيان أن الخمر في الآية ليس خاصاً بالمتخذ من العنب، بل يتناول المتخذ من غيرها. وقد ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل ما قاله عمر، فأخرج أصحاب السنن الأربعة (¬6)، ¬

_ (¬1) في "فتح الباري" (10/ 46). (¬2) أخرجه أبو داود رقم (3670)، والترمذي رقم (3050)، والنسائي رقم (5540)، وهو حديث صحيح. (¬3) سورة المائدة: 90. (¬4) في "الفتح" (10/ 40). (¬5) سورة المائدة: 90. (¬6) أخرجه أبو داود رقم (3677)، والترمذي رقم (1872)، وقال: غريب وابن ماجه رقم (3379).

وصححه ابن حبان (¬1) من وجهين، عن الشعبي: أن النعمان بن بشير قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن الخمر من العصير والزبيب، والتمر، والحنطة، والشعير، والذرة، وإني أنهاكم عن كل مسكر". وأخرجه أبو داود (¬2) من وجه آخر عن النعمان بلفظ: "إن من العنب خمراً، وإن من التمر خمراً، وإن من العسل خمراً، وإن من البر خمراً، وإن من الشعير خمراً" وسيأتي للمصنف قريباً، والتي قبلها (¬3) فيها "الزبيب" دون "العسل" والكل مقبول؛ لأنه زيادة عدل. قوله: "والخمر ما خامر العقل". أقول: أي: غطاه أو خالطه، ولم يتركه على حاله [380/ أ]. قال الراغب في "مفردات القرآن" (¬4): سمي الخمر لكونه خامراً للعقل، أي: ساتراً له. وهو عند بعض الناس اسم لكل مسكر، وعند بعضهم للمتخذ من العنب خاصة، وعند بعضهم للمتخذ من العنب والتمر، وعند بعضهم لغير المطبوخ، فرجح أن كل شيء يستر العقل يسمى خمراً حقيقة. وقد أطال في "فتح الباري" (¬5) نقل كلام الناس في مسمى الخمر إطالةً مملة. وأقول: بعد ثبوت حديث: "كل مسكر خمر" فالخمر كل ما أسكر حتى شمل الحشيشة، وثبت أن كل مسكر حرام. ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (5358). (¬2) في "السنن" رقم (3676). وأخرجه ابن ماجه رقم (3379)، وهو حديث حسن. (¬3) أخرجها أبو داود، وفي "السنن" رقم (3677). (¬4) (ص 298 - 299). (¬5) (10/ 46 - 48).

وقول الحنفية (¬1): إن تحريم خمر العنب قطعي وتحريم غيره ظني غير مسلم، بل قد ثبت تحريم الخمر كتاباً وسنة، وبين الشارع مسماها أنه كل مسكر، فلا حاجة بنا إلى معرفة مما كانت الخمر عند نزول الآية بعد تسميته كل مسكر خمر، فإنه - صلى الله عليه وسلم - بين أن المراد من الآية المسكر، وأن الآية في معنى إنما المسكر والأنصاب والأزلام، ولقد عظم الخطب بين الحنفية والشافعية (¬2) في هذه المسألة لاختلافهم حتى سرى الاختلاف في المذهب إلى الدعاوى على اللغة. فقال صاحب "الهداية" (¬3) من الحنفية: الخمر عندنا ما اعتصر من [ماء] (¬4) العنب إذا اشتد، وهو المعروف عند أهل اللغة وأهل العلم. انتهى. وقال الخطابي (¬5): زعم قوم أن العرب لا تعرف الخمر إلا من العنب، فيقال لهم: إن الصحابة سمو المتخذ من غير العنب خمراً، وهم عرب فصحاء، فلو لم يكن [288 ب] هذا الاسم صحيحاً لما أطلقوه. انتهى. قلت: ولا يخفى أنه قد فصل الأمر الشارع بقوله: "كل مسكر خمر"، فإذا ثبت تسمية كل مسكر خمراً من الشارع كان حقيقة شرعية وهي مقدمة على الحقيقة اللغوية. 3 - وعن جابر - رضي الله عنه - قال: إِنَّ عَلَى الله عَهْدًا لمَنْ شَرِبَ السَّكَرَ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الخَبَالِ. قَالُوا: يَا رَسُولَ الله! وَمَا طِينَةُ الخَبَال؟ قَالَ: "عَرَقُ أَهْلِ النَّارِ". ¬

_ (¬1) "الهداية" (4/ 108) "مختصر اختلاف العلماء" (4/ 373 - 374). (¬2) "البيان" للعمراني (12/ 519). (¬3) (4/ 108). (¬4) زيادة من (أ). (¬5) في أعلام الحديث (3/ 2089).

الفصل الثالث: في تحريمها ومن أي شيء هي؟

أخرجه مسلم (¬1) والنسائي (¬2). [صحيح] 4 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: لَعَنَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الخَمْرِ عَشَرَةً: عَاصِرَهَا، وَمُعْتَصِرَهَا، وَشَارِبْهَا وَسَاقِيْهَا، وَحَامِلَهَا وَالمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ، وَبَائِعَهَا وَمُبْتَاعَهَا، وَوَاهِبَهَا، وَآكِلَ ثَمَنِهَا" أخرجه الترمذي (¬3). [صحيح بشواهده] 5 - وعن أبي موسى - رضي الله عنه - أنه كان يقول: مَا أُبَالِي شَرِبْتُ الخَمْر، أَوْ عَبَدْتُ هَذِهِ السَّارِيَةَ دُونَ الله. أخرجه النسائي (¬4). [إسناده صحيح] الفصل الثالث: في تحريمها ومن أي شيء هي؟ 1 - عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: حُرِّمَتِ الخَمْرُ بِعَيْنِهَا، قَلِيلُها وَكَثِيرُهَا، وَمَا أَسْكَرَ مِنْ كُلِّ شَرابٍ. أخرجه النسائي (¬5). [صحيح] 2 - وعن النعمان بن بشير - رضي الله عنهما - قال: قال رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ مِنَ العِنَبِ خَمْرًا، وَإِنَّ مِنَ التَّمْرِ خَمْرًا، وَإِنَّ مِنَ العَسَلِ خَمْرًا، وَإِنَّ مِنَ البُرِّ خَمْرًا، وَإِنَّ مِنَ الشَّعِيرِ خَمْرًا، وَأَنْهَاكُم عَنْ كُل مُسْكرٍ". أخرجه أبو داود (¬6) والترمذي (¬7). [صحيح] ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (2002). (¬2) في "السنن" رقم (5709). وهو حديث صحيح. (¬3) في "السنن" رقم (1295)، وقال: هذا حديث غريب. وأخرجه ابن ماجه رقم (3380). وهو حديث صحيح بشواهده. (¬4) في "السنن" رقم (5663) بسند صحيح. (¬5) في "السنن" رقم (5684، 5685)، وهو حديث صحيح، وقد تقدم. (¬6) في "السنن" رقم (3676، 3677)، وقد تقدم. (¬7) في "السنن" رقم (1872). وهو حديث صحيح.

[الفصل الثالث في تحريمها ومن أي شيء هي] (¬1) قوله في حديث النعمان بن بشير: "أخرجه أبو داود والترمذي" قلت: وقال (¬2): قال أبو عيسى: هذا حديث غريب، ثم قال (¬3): أنا الحسن بن علي الخلال، ثنا يحيى بن آدم عن إسرائيل نحوه. وروى أبو حيان التيمي هذا الحديث عن الشعبي، عن ابن عمر، عن عمر قال: إن من الحنطة خمراً، فذكر هذا الحديث، ثم قال (¬4): وهذا أصح من حديث إبراهيم بن مهاجر يريد به حديث النعمان بن بشير، فإنَّه عن إبراهيم بن مهاجر. 3 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "الخَمْرُ مِنْ هَاتَيْنِ الشَّجَرَتَيْنِ: النَّخْلَةِ، وَالعِنَبَةِ". أخرجه الخمسة (¬5) إلا البخاري. [صحيح] قوله في حديث أبي هريرة: "الخمر من هاتين الشجرتين: النخلة والعنبة" أقول: لا يعارضه ما تقدم إذ لا حصر فيه. وكأنه أريد الإخبار بأن غالبه منهما، على أنه قال ابن حجر (¬6): إن البخاري أشار إلى ضعفه. قوله: "أخرجه الخمسة" قلت: وقال الترمذي (¬7): هذا حديث حسن صحيح. ¬

_ (¬1) زيادة من (ب). (¬2) في "السنن" (4/ 297). (¬3) في "السنن" رقم (1873). (¬4) أي: الترمذي في "السنن" (4/ 298). (¬5) أخرجه مسلم رقم (13/ 1985)، وأبو داود رقم (3678)، والترمذي رقم (1875)، والنسائي رقم (5573)، وابن ماجه رقم (3378)، وهو حديث صحيح. (¬6) في "فتح الباري" (10/ 35). (¬7) في "السنن" (4/ 298).

4 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: نَزَلَ تَحْرِيمُ الخَمْرِ، وَإنَّ بِالمدِينةِ يَوْمَئِذٍ لَخَمسَةَ أَشْرِبَةٍ مَا فِيهَا شَرَابُ العِنَبِ. أخرجه البخاري (¬1). [صحيح] قوله في حديث ابن عمر: "ما فيها شراب العنب" وأخرج عنه البخاري (¬2): "لقد حرمت الخمر وما بالمدينة منها" أي: من خمر العنب شيء". وقوله هنا: "ما فيها شراب العنب". قال ابن حجر (¬3): حمل على ما كان يصنع بها لا على ما كان يجلب إليها، وهذا هو [وجه] (¬4) التلفيق بين هذا الحديث، وحديث (¬5) عمر أنه نزل تحريم الخمر، وهي من خمسة: العنب، والتمر، الحديث. فإن مراده وهي توجد من الخمسة الأشياء تجلب خمر العنب إلى المدينة. قوله: "أخرجه البخاري" قلت: أخرجه في كتاب "التفسير" في تفسير سورة المائدة لا في باب الأشربة [289 ب]. 5 - وعن أبي سعيد - رضي الله عنه - قال: قَالَ رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ الله تَعَالَى يُعَرِّضُ بِالخَمْرِ، فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْهَا شَيءٌ مِنْهَا فَلْيَبِعُهَا وَيَنْتَفِعُ بِهِا". فَمَا لَبِثْنَا إِلاَّ يَسِيرًا حَتَّى قَالَ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ الله تَعَالَى حَرَّمَ الخَمْرَ، فَمَنْ أَدْرَكَتْهُ هَذِهِ الآيَةُ وَعِنْدَهُ مِنْهَا شَيءٌ فَلاَ يَشْترِهَا، وَلاَ يَبِعْهَا، وَلاَ يَنْتَفِعْ بِهَا". فَاسْتَقْبَلَ النَّاسُ بِمَا عِنْدَهُم مِنْهَا طُرُقَ المَدِينَةِ فَسَفَكُوهَا. أخرجه مسلم (¬6). [صحيح] ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (4616). (¬2) في "صحيحه" رقم (5579). (¬3) في "فتح الباري" (10/ 47). (¬4) في (ب): الحد. (¬5) تقدم تخريجه وهو حديث صحيح. (¬6) في "صحيحه" رقم (1578).

6 - وعن الحسن بن عليّ عن أبيه - رضي الله عنهما - قال: كَانَ ليِ شَارفٌ مِنْ نَصِيبي يَوْمَ بدْرٍ، وَأَعْطَانِي رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - شَارِفًا مِنَ الخُمُسِ، فَبَيْنَا شَارفايَ مُنَاخَتَانِ إلى حُجْرَةِ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ فَجِئْتُ، فَإِذَا شَارِفَيَّ قَدْ جُبَّتْ أَسْنِمَتُهُمَا وَبُقِرَتْ خَوَاصِرُهُمَا، وَأُخِذَ مِنْ أَكْبَادِهِمَا، فَلَمْ أَمْلِكْ عَيْنَي حِينَ رَأَيْتُ ذَلِكَ المَنْظَرَ، فَقُلْتُ: مَنْ فَعَلَ هَذَا؟ قَالُوا: فَعَلَهُ حَمْزَةُ وَهُوَ في هذَا البَيْتِ فِي شَرْبٍ مِنَ الأَنْصَارِ غنَّتْهُ قَيْنَةٌ، فقَالَتْ في غِنَائِهَا: أَلاَ يَا حَمْزُ لِلشُّرِفِ النِّوَاءِ ... وَهُنَّ مُعَقِّلاتٌ بِالفِنَاءِ ضَعِ السِّكِّينَ في اللبَّاتِ مِنْهَا ... وَعَجِّلْ مِنْ قَدِيدٍ أَوْ شِوَاء فَوَثَبَ حَمْزَةُ إِلَى السَّيْفِ، فَأَجَبَّ أَسْنِمَتَهُمَا، وَبَقَرَ بُطُونَهُمَا، وَأَخَذَ مِنْ أَكْبَادِهِمَا، قَالَ: فَانْطَلَقْتُ فَدَخَلْتُ عَلَى رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، وَعِنْدَهُ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، فَعَرَفَ فِي وَجْهِي الّذِي لَقِيتُ، فقَالَ: "مَا لَكَ؟ " فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، مَا رَأَيْتُ كَاليَوْمِ، عَدَا حَمْزَةُ عَلَى نَاقَتَيَّ، فَأَجْتَبَّ أَسْنِمَتَهُمَا، وَبَقَرَ خَوَاصِرَهُمَا، وَهَا هُوَ ذَا فِي البَيْتِ مَعَهُ شَرْبُ، فَدَعَا - صلى الله عليه وسلم - بِرِدَائِهِ، فَارْتَدَاهُ ثُمَّ انْطَلَقَ يَمْشِي، وَاتَّبَعْنَاهُ حَتَّى جَاءَ البَيْتَ الَّذِي فِيهِ حَمْزَةُ، فَاسْتَأْذَنَ فَأُذِنَ لَهُ، فَإِذَا هُمْ شَرْبٌ، فَطَفِقَ - صلى الله عليه وسلم - يَلُومُ حَمْزَةَ فِي فِعْلِهِ, فَإِذَا حَمْزَةُ ثَمِلٌ مُحْمَرَّةٌ عَيْنَاهُ، فَنَظَرَ إِلى رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ صَعَّدَ النَّظَرَ إِلَى رُكْبَتَيْهِ ثُمَّ صَعَّدَ النَّظَرَ فَنَظَرَ إَلَى سُرَّتِهِ، ثُمَّ صَعَّدَ النَّظَرَ فَنَظَرَ إِلَى وَجْهِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَهَلْ أَنْتُمْ إِلاَّ عَبِيدٌ لأَبِي، فَعَرَفَ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَدْ ثَمِلَ، فَنَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ القَهْقَرِي، حَتَّى خَرَجَ وَخَرَجْناه مَعهُ، وَذلِكَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الخَمرِ. أخرجه الشيخان (¬1) وأبو داود (¬2). [صحيح] ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (2089, 2375، 3091، 4003، 5580, 5582، 5584، 5793، 7253)، ومسلم رقم (1979). (¬2) في "السنن" رقم (2986).

وليس عندهم من الشعر (¬1) إلا نصف البيت الأول، والله أعلم. "الشَّارِفُ" (¬2): الناقة المسنة الكبيرة. "وَالنَّوَاءُ" (¬3): السمان. "وَالجبُّ" (¬4): القطع. "وَالبقْرُ" (¬5): شق البطن. "وَالشَّربُ" بفتح الشين وسكون الراء: الجماعة الذين يشربون الخمر. "وثَمِلَ (¬6) الشّارِبُ": إذا أخذت منه الخمر فتغير. "وَنَكَصَ (¬7) عَلَى عَقِبَيْهِ" رجع إلى ورائه ماشياً. قوله في حديث الحسن. لفظ "الجامع" (¬8) عن الحسين بن علي أو الحسن. ولفظ مسلم (¬9) عن ابن شهاب عن علي بن حسين عن أبيه حسين بن علي عن علي. الحديث، ونسخ التيسير عن الحسن. ¬

_ (¬1) انظر الشعر في "فتح الباري" (6/ 200). (¬2) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (5/ 115). (¬3) انظر: "غريب الحديث" للخطابي (1/ 244). (¬4) انظر: "النهاية" (1/ 149)، "الفائق" للزمخشري (1/ 123). (¬5) ذكره ابن الأثير في "غريب الجامع" (5/ 115). (¬6) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 219). (¬7) الرُّجوع إلى وراء. وهو القهقري. "النهاية" (2/ 795). (¬8) (5/ 114 رقم 3144). (¬9) في "صحيحه" رقم (1979).

قوله: "أصبت شارفاً" (¬1) هي بالشين المعجمة وبالفاء، وهي الناقة المسنة، وجمعها شرف بضم الراء وإسكانها. قوله: "مناختان" قال النووي (¬2): إنه في معظم نسخ مسلم: "مناخان" وفي بعضها: "مناختان" بزيادة التاء، وهكذا اختلفت نسخ البخاري. وهما صفات مؤنث باعتبار المعنى، ومذكر باعتبار اللفظ. قوله: "فإذا شارفي قد جبت أسنمتهما" أي: قطعت. "وبقرت خواصرهما" لإخراج أبكادهما. قوله: "فلم أملك عيني" أي: يمنعهما عن البكاء. وقال النووي (¬3): إن هذا البكاء والحزن الذي أصابه سببه ما خافه من تقصيره في حق فاطمة - رضي الله عنها - وجهازها والاهتمام بأمرها، وتقصيره أيضاً بذلك في حق النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولم يكن لأجل الشارفين من حيث هما من متاع الدنيا. قلت: وذلك أن في القصة أن أمير المؤمنين علياً - عليه السلام - قد أراد التزوج بفاطمة - رضي الله عنها -، وواعد رجلاً بأنه يأتي له على شارفيه لما يبيعه منه ويجعل قيمته في الزواج. قوله: "في شرب" بفتح الشين المعجمة وسكون الراء هم الجماعة الشاربون. قوله: "غنته قينة" هي بفتح القاف الجارية المغنية (¬4). قوله: "للشرف" بضم الشين المعجمة والراء وإسكان الراء أيضاً جمع شارف. ¬

_ (¬1) تقدم شرحها. (¬2) في شرحه لـ "صحيح مسلم" (13/ 146). (¬3) في شرحه لـ "صحيح مسلم" (13/ 146). (¬4) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (5/ 116).

و"النواء" (¬1) بكسر النون وتخفيف الواو والمد، أي: السمان جمع ناوية بالتخفيف، وهي السمينة. والأبيات في "شرح مسلم" (¬2) هكذا: ألا يا حمزة للشرف النواء ... وهن معقلات [في الفناء] (¬3) ضع السكين في اللبات منها ... وخرجهن حمزة بالدماء وعجل من أطايبها لشرب ... قديداً من طبيخ أو شواء وليس في "الجامع" (¬4) إلا نصف البيت الأول، وهو الذي في مسلم (¬5). قوله: "فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بردائه فارتدى" قال النووي (¬6): فيه جواز لباس الرداء [381/ أ] وترجم له البخاري (¬7) باباً وفيه: أن الكبير إذا خرج من منزله تجمل بثيابه ولا [291 ب] يقتصر على ما يكون عليه في خلوته في بيته، وهذا من المروءات والآداب. "فطفق يلوم حمزة" أي: جعل يلومه على فعله. قوله: "ثمل" بفتح المثلثة وكسر الميم سكران، وكان أصل الشرب والسكر إذ ذاك مباحاً؛ لأنه قبل تحريم الخمر، فما وقع من الخمرة لا إثم فيه، إذ هو في حال سكره غير مكلف، ¬

_ (¬1) تقدم معناها. (¬2) (13/ 144). (¬3) كذا في (أ. ب)، والذي في "شرح مسلم": بالفناء. (¬4) (5/ 114). (¬5) في "صحيحه" رقم (1979). (¬6) في شرحه لـ "صحيح مسلم" (13/ 147). (¬7) في "صحيحه" (10/ 265 الباب رقم (7 - مع الفتح).

الفصل الرابع: فيما يحل من الأنبذة وما يحرم

فلا إثم عليه فيما يقع منه في ذلك الحال بلا خلاف، وأما غرامة ما أتلفه فيجب في ماله (¬1). قال النووي (¬2): فلعل علياً أبرأه في ذلك بعد معرفة قيمة ما أتلفه، أو أنه أداه إليه حمزة بعد ذلك، أو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أداه عنه لحرمته عنده وكمال حقه ومحبته إياه وقرابته. وقد جاء في كتاب عمر بن شبه من رواية ابن عباس: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - غرم حمزة الناقتين. وقد أجمع العلماء على أن ما أتلفه السكران من الأموال يجب ضمانه كالمجنون، فإن الضمان لا يشترط فيه التكليف. الفصل الرابع: فيما يحل من الأنبذة وما يحرم 1 - عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُحَرِّمَ، إنْ كانَ محُرِّمًا مَا حَرَّمَ الله [ورسوله] (¬3) فَلْيُحَرَّمِ النَّبِيذَ (¬4). [صحيح الإسناد موقوف]. وفي رواية قال له قيس بن وهب: إِنَّ لِي جُرَيْرَةً أنْتَبِذُ فِيهَا، حَتَّى إِذَا غَلَى وَسَكَنَ شَرِبْتُهُ قَالَ: مُذْ كَمْ هَذَا شَرَابُكَ؟ قُلْتُ مُذْ عِشْرُونَ سَنَةً قَالَ: طَالمَا تَرَوَّتْ عُرُوقُكَ مِنَ الخَبَثِ. أخرجه النسائي (¬5). [ضعيف] الفصل الرابع فيما يحل من الأنبذة قوله في حديث ابن عباس: "قال له قيس بن وهب" أقول: [الذي] (¬6) في "الجامع" (¬7) ¬

_ (¬1) انظر "فتح الباري" (6/ 201). (¬2) في شرحه لـ "صحيح مسلم" (13/ 144 - 145). (¬3) سقطت من (أ. ب) وأثبتناها من سنن النسائي. (¬4) أخرجه النسائي في "السنن" رقم (5688)، وهو أثر موقوف بإسناد صحيح. (¬5) في "السنن" رقم (5693)، وهو أثر ضعيف. (¬6) زيادة من (أ). (¬7) (5/ 119 رقم 3122).

قيس بن (وهبان) مثنى وهب "إن لي جريرة". قوله: "منذ عشرين سنة" أقول: في "الجامع" (¬1) أو قال: منذ أربعين سنة. هكذا رواه بالشك فما كان يحسن صنف الطرف الآخر؛ لأنه يصير مجزوماً به مع الاقتصار عليه، وهو مشكوك فيه في الرواية المنقول منها. واعلم أنه يحمل كلام ابن عباس على النبيذ المشتد الذي ينش. أي: يغلي، لما أخرجه النسائي وأبو داود عن أبي هريرة كما يأتي. وأخرج (¬2) أيضاً من حديث ابن مسعود أنه - صلى الله عليه وسلم - رخص في الجر [292 ب] غير المزفت. وبوب (¬3) له النسائي، باب الإذن في الجر خاصة. وحديث ابن عباس هذا. الذي ذكره المصنف ذكره ابن الأثير (¬4). ولم أجده في "المجتبى" (¬5) وكأنه في "السنن الكبرى" [للنسائي] (¬6). 2 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: كَانَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَصُومُ فَتَحَيَّنْتُ فِطْرَهُ بِنَبِيذٍ صَنَعْتُهُ فِي دُبَّاءٍ، ثُمَّ أتَيْتُهُ بِهِ، فَإِذَا هُوَ يَنِشُّ وَيَغْلِي، فَقَالَ: "اضْرِبْ بِهَذَا الحَائِطَ, فَإِنَّ هَذَا شَرَابُ مَنْ لاَ يُؤْمِنُ بِالله وَلَا بِاليَوْمِ الآخِرِ". ¬

_ (¬1) (5/ 119). (¬2) في "السنن" رقم (5650). وأخرجه البخاري رقم (5593)، ومسلم رقم (200). (¬3) في "السنن" (8/ 310 الباب رقم 39). (¬4) في "الجامع" (5/ 119). (¬5) بل هو في رقم (5688)، وهو أثر موقوف بإسناد صحيح. وأخرج النسائي رواية قيس بن وهب برقم (5693)، وهو أثر ضعيف. (¬6) زيادة من (أ).

أخرجه أبو داود (¬1) والنسائي (¬2). [صحيح] قوله: "أخرجه أبو داود والنسائي" أقول: لفظه عند النسائي (¬3) عن أبي هريرة: علمت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصوم فتحينت فطره بنبيذ صنعته له في دباء فجئته به فأدنيته منه فإذا هو ينش ... الحديث. هذا لفظ النسائي، وفي "الجامع" (¬4) مثل ما في "التيسير" إلا أنه قال بعد قوله: وصوله أو قال: فطره وساق الحديث ثم قال: وأول روايتهما قال: علمت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصوم فتحينت فطره ... الحديث. ثم راجعت "سنن أبي داود" (¬5) وإذا لفظه ولفظ النسائي واحد. بلفظ عن أبي هريرة: علمت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصوم فتحينت فطره بنبيذ صنعته في دباء ... الحديث بلفظه. فلا أدري من أين لفظ رواية. كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر، فإني لم أجدها في أبي داود ولا النسائي. فقول ابن الأثير: وأول روايتهما هذا هو الذي فيهما دون غيره مما ساقه من ذكر السفر. وصاحب "التيسير" أتى برواية السفر وحذف قول ابن الأثير فتحينت وصوله، أو قال: فطره فإنها ثابتة في "الجامع" (¬6) بالشك، فجزم صاحب "التيسير". ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (3716). (¬2) في "السنن" رقم (5610، 5704). وأخرجه ابن ماجه رقم (3409). وهو حديث صحيح، والله أعلم. (¬3) في "السنن" رقم (5610، 5704). (¬4) (5/ 121 رقم 3156). (¬5) في "السنن" رقم (3716). (¬6) (5/ 121 رقم 3156).

3 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: جَاءَ رَجلٌ إِلَى رَسُولِ إلله - صلى الله عليه وسلم - بقَدَحٍ فِيهِ نَبِيذٌ، وَهُوَ عِنْدَ الرُّكْنِ، وَدَفَعَ إِلَيْهِ القَدَحَ، فَرَفَعَهُ إِلَى فِيهِ فَوَجَدَهُ شَدِيدًا فَرَدَّهُ عَلَى صَاحِبِهِ، فَقَالَ لَهُ الرَجُل: أَحَرَامٌ هُوَ يَا رَسُولَ الله؟ فَقَالَ: "عَلَيَّ بِالرَّجُلِ". فَأُتِيَ بِهِ، فَأَخَذَ مِنْهُ القَدَحَ ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَصَبَّهُ فِيهِ، ثَمَّ رَفَعَهُ إِلَى فِيهِ فَقَطَّبَ، ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ أَيْضًا فَصَبَّهُ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: "إِذَا اغْتَلَمَتْ عَلَيْكُمْ هَذِهِ الأَوْعِيَةُ فَاكسِرُوا مُتُونَهَا بِالمَاءِ". أخرجه النسائي (¬1)، وقال: هذا الحديث ليس بالمشهور، ولا نحتج به. [إسناده ضعيف] "قَطّبَ وَجْهَهُ": إذا عبس وجمع جلدته من شيء كرهه (¬2). "وَاغْتَلَمَتْ": اشتدت واضطربت وذلك عند الغليان (¬3). 4 - وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كُنَّا نَنْبِذُ لِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - غُدْوَةً فِي سِقَاةٍ فَيَشْرَبُهُ عَشِيَّةً، وَعَشِيَّةً فَيَشْربُهُ غُدْوَةً، قَالَتْ: وَكُنَّا نَغْسِلُ السِّقَاءَ غُدْوَةً وَعَشِيَّةً مرَّتَيْنِ فِي يومٍ. أخرجه أصحاب "السنن" (¬4). [صحيح] 5 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: كانَ يُنْبَذُ لِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - الزَّبِيبُ فَيَشْرَبُهُ اليَوْمَ وَالغَدَ وَبَعْدَ الغَدِ إلى مَسَاءِ الثَّالِثَةِ، ثُمَّ يأْمُرُ بِهِ فَيُسْقَى الخَدَمُ أَوْ يُهْرَاقُ. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (5694). (¬2) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (5/ 122). (¬3) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (5/ 123). (¬4) أخرجه أبو داود رقم (3711 و3712). وابن ماجه رقم (3398)، والترمذي رقم (1871)، والنسائي في "السنن" (5680)، وأخرجه مسلم رقم (85/ 2005)، وأحمد (6/ 124). وهو حديث صحيح.

أخرجه مسلم (¬1) وأبو داود (¬2) والنسائي (¬3). [صحيح] قوله في حديث ابن عباس: [293 ب] "فيسقي" أقول: زاد في "سنن أبي داود" (¬4): "الخادم أو يراق" قال: ومعنى سقي الخادم يتناول به الفساد، انتهى. وكذا لفظ (الخادم) في مسلم (¬5) في رواية [وفي] (¬6) أخرى: "يخدمه" كما في "التيسير"، وكذلك في "الجامع" (¬7) لابن الأثير. قال شارح مسلم (¬8): إن في هذه الأحاديث دلالة على جواز الانتباذ، وجواز شرب النبيذ ما دام حلواً لم يتغير ولم يغل، وهذا جائز بإجماع الأمة. وأما سقيه الخادم بعد ثلاث أو صبه فمعناه: تارة يسقيه الخادم، وتارة يصبه، وذلك الاختلاف لاختلاف حال النبيذ، فإن كان لم يظهر فيه تغير ونحوه [382/ أ] من مبادئ الإسكار سقاه الخادم ولا يريقه؛ لأنه مال يحرم إضاعته، ويترك شربه تنزهاً، وإن كان قد ظهر فيه شيء من مبادئ الإسكار والتغير أراقه؛ لأنه إذا أسكر صار حراماً، ويجب أن يراق ولا يسقيه الخادم؛ لأن المسكر لا يجوز سقيه الخادم كما لا يجوز شربه. وأما شربه - صلى الله عليه وسلم - له قبل الثلاث بحيث لم يتغير ولم يظهر مبادئ التغير، ولا إسكار أصلاً. ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (79/ 2004). (¬2) في "السنن" رقم (3713). (¬3) في "السنن" رقم (5735، 5736). وهو حديث صحيح. والله أعلم. (¬4) في "السنن" رقم (3713). (¬5) في "صحيحه" رقم (79/ 2004) و (80/ 2004). (¬6) زيادة من (أ). (¬7) (5/ 126 رقم 3164). (¬8) أي النووي في شرحه لـ "صحيح مسلم" (13/ 173 - 174).

6 - وعن جابر - رضي الله عنه - قال: "نَهَىَ رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُخْلَطَ الزَّبِيبُ وَالتَّمْرُ جَمِيعًا، وَالبُسْرُ وَالتَّمْرُ جَمِيعاً، وقالَ لاَ: تَنْبِذُوا الزَّبِيبَ وَالتَّمْرَ جَمِيعاً، وَلاَ الرُّطَبَ وَالبُسْرَ جَمِيعاً". أخرجه الخمسة (¬1). [صحيح] قوله في حديث جابر: "نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يخلط الزبيب والتمر والبسر والتمر جميعاً". أقول: قال النووي (¬2): ذهب أصحابنا وغيرهم من العلماء أن سبب النهي عن الخليط أن الإسكار يسرع إليه بسبب الخلط قبل أن يشتد، فيظن الشارب أنه لم يبلغ حد الإسكار، ويكون قد بلغه. قال: ومذهب الجمهور (¬3): أن النهي عن ذلك للتنزيه وإنا يمتنع إذا صار مسكراً ولا تخفى علامته، وقال بعض المالكية (¬4): [294 ب] هو للتحريم. وعن الشافعي (¬5) "نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الخليطين". فلا يجوز بحال. وعن مالك (¬6) على ذلك أدركت أهل العلم ببلدنا. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (5601)، ومسلم رقم (17/ 1986)، وأبو داود رقم (3703)، والنسائي رقم (5556)، وابن ماجه رقم (3395)، ولم يخرجه الترمذي. وأخرجه أحمد (3/ 363). وهو حديث صحيح. - أخرجه الترمذي في "السنن" رقم (1877) بلفظ عن جابر بن عبد الله: أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى أن ينتبذ البُسرُ والرُّطب جميعاً". وهو حديث صحيح. (¬2) في شرحه لـ "صحيح مسلم" (13/ 154). (¬3) انظر: "فتح الباري" (10/ 68). (¬4) "مدونة الفقه المالكي" (2/ 256)، "التهذيب في اختصار المدونة" (4/ 501 - 502). (¬5) انظر: شرح "صحيح مسلم" (13/ 154 - 155) "الإشراف" لابن المنذر (2/ 373 - 374). (¬6) "مدونة الفقه المالكي وأدلته" (2/ 256)، "التهذيب في اختصار المدونة" (4/ 502).

قال الخطابي (¬1): ذهب إلى تحريم الخليطين وإن لم يكن الشراب منهما مسكر جماعة لظاهر الحديث. وهو قول مالك (¬2)، وأحمد (¬3)، وإسحاق، وظاهر مذهب الشافعي. وقال القرطبي (¬4): النهي عن الخليطين ظاهر في التحريم، وهو قول جمهور فقهاء الأمصار (¬5). 7 - وعن أبي قتادة - رضي الله عنه - قال: قال رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تَنْبِذُوا الزَّهْوَ وَالرُّطَبَ جَمِيعًا، وَلاَ تَنْبِذُوا الرُّطَبَ وَالزَّبِيبَ جَمِيعاً، وَلكِنِ انْبِذُوا كُلَّ واحِدٍ عَلَى حِدَتِهِ" أخرجه مسلم (¬6) ومالك (¬7) وأبو داود (¬8) والنسائي (¬9). [صحيح] 8 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: "نَهَىَ رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أن يُخْلَطَ الزَّهْوَ وَالتَّمْرُ ثُمَّ يُشْرَبَ، وَكانَ عَامَّةَ خُمُورِهِمْ حِينَ حُرِّمَتِ الخَمْرُ". أخرجه مسلم (¬10) والنسائي (¬11). [صحيح] ¬

_ (¬1) في "معالم السنن" (4/ 100). (¬2) "مدونة الفقه المالكي وأدلته" (2/ 256)، "التهذيب في اختصار المدونة" (4/ 502). (¬3) "المغني" (12/ 515). (¬4) في "المفهم" (5/ 258 - 259). (¬5) انظر: "المغني" (12/ 515)، "الفتح" (10/ 68). (¬6) في "صحيحه" رقم (24/ 1988). (¬7) في "الموطأ" (2/ 844). (¬8) في "السنن" (3704). (¬9) في "السنن" رقم (5551، 5552، 5561, 5566، 5567). وأخرجه البخاري رقم (5602)، ولكنه ذكر التمر بدل الرطب. (¬10) في "صحيحه" رقم (8/ 1981). (¬11) في "السنن" رقم (5542). وأخرجه البخاري رقم (5580، 5584). وهو حديث صحيح.

قوله في حديث أنس: "الزهو" أقول: قال في "شرح مسلم" (¬1): الزهو هو بفتح الزاي وضمها لغتان مشهورتان، والزهو هو البسر الملون الذي بدأ فيه حمرة أو صفرة وطاب. 9 - وعن جابر بن زيد وعكرمة - رضي الله عنه -: أَنَّهُمَا كانَا يَكْرَهَانِ البُسْرُ وَحْدَهُ ويَأْخُذَانِ ذَلِكَ عَنِ ابنْ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -. أخرجه أبو داود (¬2). [إسناده صحيح]. قوله في حديث "عن جابر بن زيد وعكرمة كانا يأخذان ذلك عن ابن عباس" أقول: يرويانه عنه وتمام الحديث في "الجامع" (¬3) وفي "سنن أبي داود". وقال ابن عباس: أخشى أن يكون المزّاء الذي نهيت عنه عبد القيس. قال: فقلت لقتادة: ما المزَّاء؟ قال: النبيذ في الحنتم والمزفت، انتهى لفظهما. والمزَّاء: بضم الميم فزاي ممدود قال الخطابي (¬4): قد فسر قتادة المزاء وأخبر أنه النبيذ في الحنتم والمزفت. وذكره أبو عبيد (¬5) قال: من الأشربة المسكرة شراب يقال له المزاء ولم يفسره بأكثر من هذا. 10 - وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كُنَّا نَنْبِذُ لِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - زَبِيباً فَنُلْقِي فِيهِ تمَرًا (¬6). [إسناده ضعيف]. ¬

_ (¬1) أي: شرح "صحيح مسلم" للنووي (13/ 156). (¬2) في "السنن" رقم (3709)، بإسناد صحيح. (¬3) (5/ 136). (¬4) في "معالم السنن" (4/ 103 - مع السنن). (¬5) في "غريب الحديث" (1/ 300). (¬6) أخرجه أبو داود رقم (3707) بإسناد ضعيف.

11 - وفي أخرى: كُنْتُ آَخُذْ قَبْضَةً مِنْ زَبِيْبٍ، وَقَبْضَةً مِنْ تَمْرٍ فَأُلْقِيَهُ في إِنَاءٍ، فَأَمْرِسَهُ ثُمَّ أَسْقِيَه رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -. أخرجه أبو داود (¬1). [إسناده ضعيف] قوله في حديث عائشة: "كنا ننبذ لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - زبيباً ... " الحديث هو يعارض أحاديث النهي عن الخلط. وقال الخطابي (¬2): فيه حجة لمن رأى الانتباذ بالخليطين. قال الخطابي (¬3): إنه رخص فيه الثوري، وأصحاب الرأي، وكأنهم جعلوا هذا قرينة الترخيص. (والقبضة) بضم القاف ما قبضت عليه من شيء، يقال: أعطاه قبضة من سويق أو تمر أي: كفًّا منه [295 ب] وربما جاء بالفتح قاله الجوهري (¬4). قوله: "أخرجه أبو داود" قلت: لكن في سنده أبو بحر عبد الرحمن (¬5) بن عثمان البكراوي، أحد الضعفاء، وذكر المزي عن البخاري أنه واهم. قلت: وله طرق فيها اختلاف واضطراب وحينئذٍ فلا يعارض أحاديث النهي. 12 - وعن سويد بن غفلة - رضي الله عنه - قال: قَرَأْتُ كِتَابَ عُمَرَ إِلَى أَبِي مُوسَى: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّهَا قَدِمَتْ عَلَيَّ عِيرٌ مِنَ الشَّامِ تَحْمِلُ شَرَابًا غَلِيظًا أَسْوَدَ كَطِلاَءِ الإِبِلِ، وَإِنِّي سَأَلتُهُمْ عَلَى كَمْ ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (3708) بإسناد ضعيف. (¬2) في "معالم السنن" (4/ 102 - مع السنن). (¬3) في "معالم السنن" (4/ 100 - مع السنن). (¬4) في "الصحاح" (3/ 1100). (¬5) انظر: "التقريب" رقم (3943). وقال المنذري في "المختصر" (5/ 278): لا يحتج بحديثه. وقال أبو حاتم في "الجرح والتعديل" (5/ 264): وليس هو بالقويّ.

يَطْبُخُونَهُ، فَأَخْبَرُونِي أَنَّهُمْ يَطْبُخُونَهُ عَلَى الثُّلُثَيْنِ، ذَهَبَ ثُلُثَاهُ الأَخْبَثَانِ: ثُلُثٌ بِرِيحِهِ وَثُلُثٌ بِبَغْيِهِ، فَمُرْ مَنْ قِبَلَكَ يَشْرَبُونَهُ. أخرجه النسائي (¬1). [صحيح لغيره] 13 - وفي رواية له (¬2): قَالَ عَبْدُ الله بنُ يزِيدَ الخطَميُّ: كَتَبَ إِلَيْنَا عُمَرُ - رضي الله عنه - أَمَّا بَعْدُ: فَاطْبُخُوا شَرَابَكُمْ حَتَّى يَذْهَبَ مِنْهُ نَصِيبُ الشَّيْطَانِ، فَإِنَّ لَهُ اثْنَيْنِ وَلَكُمْ وَاحِدًا. [صحيح] والمراد "بِبَغْيِهِ": أذاه وشدّته. قوله: "وعن سويد بن غفلة" أقول: غفلة بفتح الغين المعجمة والفاء. وسويد هو أبو أمية الجعفي مخضرم من كبار التابعين قدم المدينة يوم دفن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكان مسلماً في حياته ثم نزل الكوفة (¬3). قوله: "الطلاء" في "النهاية" (¬4) الطلا هو بالكسر والمد الشراب المطبوخ من عصير العنب وهو الرُّبُّ، وأصله القطران الخاثر الذي تطلى به الإبل، ومنه الحديث: "إن أول ما يكفأ الإسلام كما يكفأ الإناء في شراب يقال له: الطلاء" (¬5) هذا نحو الحديث الآخر: "سيشرب ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها" (¬6) يريد أنهم يشربون النبيذ المسكر المطبوخ ويسمونها طلاءً "تحرجاً" أن يسموه خمراً. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (5716)، وهو حديث صحيح لغيره. (¬2) أخرجه النسائي في "السنن" رقم (5717)، وهو حديث صحيح. (¬3) انظر: التقريب (1/ 341 رقم 603). (¬4) (2/ 121). (¬5) أخرجه الدارمي في "مسنده" (2/ 1333 رقم 2145) عن عائشة قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إنَ أول ما يُكفأُ - قال زيدٌ: يعني في الإسلام - كما يُكفأ الإناء - يعني الخمر" فقيل: كيف يا رسول الله وقد بيَّن الله فيها ما بيّن؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يسمونها بغير اسمها فيستحلونها" بإسناد حسن. (¬6) أخرجه البخاري رقم (305)، ومسلم رقم (2911)، أحمد (6/ 273).

قال: فأما الذي في حديث علي فليس من الخمر في شيء إنما الرُّبُّ الحلال. انتهى. واعلم أن الرواية في النسائي (¬1) عن سويد بن غفلة بلفظ قال: كتب عمر إلى بعض عماله أن ارزق المسلم من الطلاء ما ذهب ثلثه وبقي ثلثاه. وقال: أخبرنا سويد، أخبرنا عبد الله، عن سليمان التيمي، عن أبي مجلز، عن عامر بن عبد الله أنه قال: قرأت كتاب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى [383/ أ] وساق الحديث الذي ساقه المصنف. إذا عرفت هذا فالذي قرأ كتاب عمر هو عامر بن عبد الله لا سويد بن غفلة، وسويد بن غفلة [296 ب] إنما أخبر عن كتاب عمر إلى بعض عماله، يأمره أن يرزق المسلمين من الطلاء، وابن الأثير (¬2) قد تنبه لذلك فروى كلام سويد بن غفلة, ثم قال: وفي رواية عامر بن عبد الله، قال: قرأت كتاب عمر الحديث. والمصنف اختلط عليه الروايتان حتى نسب قراءة كتاب عمر إلى سويد بن غفلة، وهو غلط. قلت: وهذا الطلاء هو الذي يقال له الباذق (¬3)، بالموحدة بعد ألفه معجمة قيل: بفتحها. وقيل: بكسرها. قالوا: إنه الخمر إذا طبخ، وهو أن يطبخ العصر حتى يصير مثل طلاء الإبل. ويقال: للباذق المثلث؛ لأنه ذهب ثلثاه بالطبخ. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (5716)، وهو حديث صحيح لغيره. (¬2) في "الجامع" (5/ 138 رقم 3183). (¬3) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (1/ 117).

قال البخاري (¬1): ورأى عمر (¬2) وأبو عبيدة (¬3) ومعاذ شراب الطلاء، أي: رأوا جواز شرب الطلاء إذا طبخ وصار على الثلث، ونقص منه الثلثان. وقد وافق على جواز شربه أمير المؤمنين علي - عليه السلام - كما أخرج النسائي (¬4) عن الشعبي، قال: كان علي يرزق الناس طلاء يقع فيه الذباب، فلا يستطيع أن يخرج منه، ووافق على ذلك جماعة من الصحابة والتابعين. قال ابن حزم (¬5): إنه شاهد من العصير ما إذا طبخ إلى الثلث ينعقد ولا يصير مسكراً أصلاً، ومنه ما إذا طبخ على الربع كذلك، بل ذكر أنه شاهد منه ما يصير دُبّاً خاثراً لا يسكر. ¬

_ (¬1) في "صحيحه" (10/ 62 الباب رقم 10 - مع الفتح) معلقاً. (¬2) أثر عمر أخرجه مالك في "الموطأ" (2/ 847) رقم (14) من طريق محمود بن لبيد الأنصاري: "أن عمر ابن الخطاب حين قدم الشام، شكا إليه أهل الشام وباءَ الأرض وثقلها، وقالوا: لا يصلحنا إلا هذا الشراب، فقال عمر: اشربوا هذا العسل، قالوا: لا يصلحنا العسل، فقال رجل من أهل الأرض: هل لك بأن نجعل لك من هذا الشراب شيئاً لا يسكر؟ قال: نعم. فطبخوه حتى ذهب منه الثلثان وبقي الثلثُ فأتوا به عمر. فأدخل فيه عمرُ إصبعَهُ. ثم رفع يده، فتبعها يتمطط. فقال: هذا الطلاء. هذا مثل طلاء الإبل. فأمرهم عمر أن يشربوه. فقال له عبادة بن الصامت: أحللتها والله. فقال عمر: كلاَّ واللهِ، اللهم إني لا أُحِلُّ لهم شيئاً حرمته عليهم، ولا أحرِّم عليهم شيئاً أحللته لهم". قلت: وأخرجه الشافعي في المسند (ج 2 رقم 306 - ترتيب) والبيهقي في "السنن الكبرى" (8/ 300 - 301)، وفي "المعرفة" (6/ 440 رقم 5213 - العلمية) بسند صحيح. وهو أثر صحيح. (¬3) قال الحافظ في الفتح (10/ 64): "وأما أثر أبي عبيدة وهو ابن الجراح، ومعاذ وهو ابن جبل، فأخرجه أبو مسلم الكجي، وسعيد بن منصور، وابن أبي شيبة في "المصنف" (7/ 528) رقم (4039)، وعبد الرزاق في المصنف رقم (17122) من طريق قتادة عن أنس: "أن أبا عبيدة، ومعاذ بن جبل، وأبا طلحة، كانوا يشربون من الطلاء ما طبخ على الثلث، وذهب ثلثاه". (¬4) في "السنن" رقم (5718)، وهو أثر موقوف صحيح الإسناد. (¬5) في "المحلى" (7/ 498).

قال: فوجب حمل ما ورد عن الصحابة من أمر الطلاء على ما لا يسكر بعد الطبخ. وقد ثبت عن ابن عباس بسندٍ صحيح: "أن النار لا تحل شيئاً ولا تحرمه" أخرجه النسائي (¬1) من طريق عطاء عنه. قلت: ويدل على أنه أباح من ذكر ما ليس بمسكر، قوله: حتى تذهب ريحه وبغيه، وبغيه هو إسكاره، وقد فسره المصنف بأذاه وشدته، وهو إسكاره. قوله: "عبد الله بن يزيد الخطمي" (¬2) أقول: وهو بفتح المعجمة وسكون المهملة صحابي صغير ولي لكوفة لابن الزبير. قوله: "فإن له اثنين ولكم واحد" أقول: فسر الاثنين الثلثان فيما روى عنه قريباً وهي ريحه وبغيُه، وهو إشارة إلى ما أخرجه النسائي (¬3) في قصة نوح - عليه السلام - عن ابن سيرين قال: سمعت أنس بن مالك يقول: إن نوحاً نازعه الشيطان في عود الكرم، فقال: هذا لي، وقال هذا [297 ب] لي فاصطلحا على أن لنوح ثلثها وللشيطان ثلثيها. 14 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما -: أَنَّه سَأَلَهُ رَجُلٌ عَنِ العَصِيرِ، فَقَالَ: اشْرَبْهُ مَا كَانَ طَرِيًّا. قَالَ إِنِّي أطْبُخهُ، وَقِي نَفْسِي مِنْهُ شَيْءٌ. فَقَالَ: أَكُنْتَ شَارِبَهُ قَبْلَ أَنْ تَطْبُخَهُ؟ قَالَ: لاَ. قَالَ:" فَإِنَّ النَّارَ لاَ تُحِلُّ شَيْئًا قَدْ حُرِّمَ". أخرجه النسائي (¬4). [موقوف صحيح الإسناد] ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (5730) عن عطاء قال: سمعت ابن عباس يقول: والله ما تُحلُّ النارُ شيئاً ولا تحرمه. قال: ثمَّ فسَّرَ لي قوله: لا تحل شيئاً لقولهم في الطلاء ولا تحرمه. بإسناد صحيح. (¬2) انظر: التقريب (1/ 461 رقم 742). (¬3) في "السنن" رقم (5726)، وهو أثر موقوف بسند حسن. (¬4) في "السنن" رقم (5729)، وهو أثر موقوف بسند صحيح.

قوله في حديث ابن عباس: "فإن النار لا تحل شيئاً قد حُرِّم" أقول: قال الحافظ ابن حجر (¬1): هذا يقيد ما أطلق في الآثار الماضية وهو الذي يطبخ، إنما هو العصير من الطريُّ قبل أن يتخمر، أما لو صار خمراً فطبخ فإن الطبخ لا يحله، ولا يطهره إلا على رأي من يجيز تخليل الخمر. والجمهور على خلافه، وحجتهم الحديث الصحيح عن أنس وأبي طلحة أخرجه مسلم (¬2)، وأخرج ابن أبي شيبة (¬3) والنسائي (¬4) من طريق سعيد بن المسيب والشعبي والنخعي: "اشربوا العصير ما لم يغل" وعن الحسن البصري: "ما لم يتغير" وهذا قول كثير من السلف أنه إذا بدا فيه التغير يمتنع، وعلامة ذلك أن يأخذ في الغليان وبهذا قال أبو يوسف (¬5). وقيل: إذا انتهى غليانه وابتدأ في الهدوِّ بعد الغليان - وقيل: إذا سكن غليانه. وقال أبو حنيفة (¬6): ¬

_ (¬1) في "الفتح" (10/ 64). (¬2) في "صحيحه" رقم (1983) عن أنس: أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - سُئل عن الخمر تتخذ خلاًّ؟ فقال: "لا" وهو حديث صحيح. وأخرج أبو داود رقم (3675)، وأحمد (3/ 119) عن أنس: أنّ أبا طلحة سأل النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - عن أيتام ورثوا خمراً، قال: "أهرِقها" قال: أفلا نجعلها خلاًّ؟ قال: "لا" وهو حديث صحيح. (¬3) في "المصنف" (7/ 494 رقم 3905) عن سعيد بن المسيب. وفي "المصنف" (7/ 495 رقم 3909) عن الشعبي. وفي "المصنف" (7/ 495 رقم 3912) عن إبراهيم النخعي. (¬4) في "السنن" رقم (5731) عن سعيد بن المسيب. وهو أثر صحيح الإسناد مقطوع. وللنسائي في "السنن" رقم (5732) عن إبراهيم النخعي بسند صحيح مقطوع. (¬5) مختلف الرواية لأبي الليث السمرقندي (4/ 1829). (¬6) "المبسوط" (24/ 13)، و"البناية في شرح الهداية" (11/ 447 - 448).

الفصل الخامس: في الظروف وما يحل منها وما يحرم

لا يحرم عصير العنب النيء حتى يغلي ويقذف بالزبد، فإذا غلا وقذف بالزبد حرم، وأما المطبوخ حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه فلا يمتنع مطلقاً، ولو قذف بالزبد بعد الطبخ. وقال مالك (¬1) والشافعي (¬2) والجمهور (¬3): يمتنع إذا صار مسكراً شرب كثيره وقليله سواء غلي أم لم يغل؛ لأنه يجوز أن يبلغ حد الإسكار بأن يغلي ثم يسكن غليانه بعد ذلك، وهو مراد من قال: حد منع شرابه إن تغير. انتهى. الفصل الخامس: في الظروف وما يحل منها وما يحرم 1 - عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: "نَهَىَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنْ نَبِيذِ الجَرِّ وَالدُّبَّاءِ وَالمزَفَّتِ". أخرجه الستة (¬4) إلا البخاري. [صحيح] 2 - وفي رواية لمسلم (¬5): "نَهَى عَنِ الحَنْتَمِ وَهِيَ: الجَرَّةُ، وَعَنِ الدُّبَّاءِ وَهِيَ: القَرْعَةُ, وَعَنِ المُزَفَّتْ وَهُوَ: المُقَيِّرُ، وَعَنِ النَّقِيرِ، وَهِيَ: النَّخْلَةُ تُنْسَحُ نَسْحاً، وَتُنْقَرُ نَقْراً، وَأَمَرَ أَنْ يُنْبذَ فِي الأَسْقِيَةِ". [صحيح] الفصل الخامس في الظروف وما يحل منها وما يحرم [384/ أ] [298 ب] ¬

_ (¬1) "التهذيب في اختصار المدونة" (4/ 500). (¬2) انظر: "البيان" للعمراني (12/ 521). (¬3) انظر: "فتح الباري" (10/ 65). (¬4) أخرجه مسلم رقم (46/ 1997)، وأبو داود رقم (3690)، والنسائي رقم (5643). (¬5) أخرجه مسلم رقم (57/ 1999). وأخرجه أحمد (2/ 93)، والنسائي رقم (5654)، والترمذي رقم (1868)، وهو حديث صحيح.

قوله في حديث ابن عمر: "عن نبيذ الجر والدباء والمزفت" أقول: فسر الجر وما ذكر معه حديث مسلم الثاني: بأنها الجر الحنتم (¬1)، وهو بالحاء المهملة مفتوحة فنون ساكنة فمثناة فوقية. وفسره في رواية ابن عباس: أن الجر كل شيء يصنع من المدر (¬2). وفسر الدباء (¬3) وهو بضم الدال المهملة فموحدة مشددة بالقرعة بفتح القاف وسكون الراء. وفسر المزفت (¬4)، وهو بضم الميم وسكون الزاي ففاء فمثناة فوقية، المقير وهو بالقاف فمثناة تحتية مشدودة فراء. قلت: وفي "فتح الباري" (¬5) المزفت: بالزاي والفاء ما طلي بالزفت، والمقير بالقاف والياء الأخير ما طلي بالقار. ثم زاد في رواية مسلم "النقير" بفتح النون فقاف مكسورة فراء وفسره بأنها النخلة تنسح (¬6) بسين وحاء مهملتين أي: تقشر ثم تنقر فيصير نقيراً. ومن رواه بالجيم صحف. ¬

_ (¬1) قال ابن الأثير في "غريب الجامع" (5/ 146): الحنتم: جرٌّ كانوا يجلبون فيه الخمر إلى المدينة، قيل: إنه أخضر. وقال في "النهاية" (1/ 440): ثم اتُسع فيها، فقيل: للخزف كله حنتم، واحدتها حنتمة. (¬2) انظر: "الفائق" للزمخشري (3/ 351)، "النهاية" (2/ 644). (¬3) انظر: "النهاية" (1/ 549). (¬4) اسم مفعول، وهو الإناء المطلي بالزفت، وهو نوع من القار. "غريب الحديث" للهروي (2/ 182)، "النهاية" (1/ 725). (¬5) (10/ 61). (¬6) النسح بالحاء، معناه: أن يُنحى قشرها عنها، وتُملَّس وتُحفر. انظر: تهذيب اللغة للأزهري (4/ 323)، "النهاية" (2/ 735).

واعلم أنه قد نسخ (¬1) النهي عن هذه الظروف بحديث بريدة (¬2) الآتي وفيه: "وكنت نهيتكم عن الظروف فاشربوا في كل وعاء غير أن لا تشربوا مسكراً"، وأحاديث النسخ ثابتة بروايات في "سنن النسائي" وفي بعض ألفاظ بريدة عنه - صلى الله عليه وسلم -: "نهيتكم عن الظروف، وإنَّ ظرفاً لا يحل شيئاً ولا يحرمه، وكل مسكر حرام". ¬

_ (¬1) قال الخطابي في معالم "السنن" (4/ 93): ذهب الجمهور إلى أنّ النهي إنَّما كان أوّلاً ثم نسخ، وذهب جماعة إلى أن النهي عن الانتباذ في هذه الأوعية باقٍ منهم: ابن عمر، وابن عباس، وبه قال مالك وأحمد وإسحاق كذا أطلق، قال: والأول أصحُّ، والمعنى في النهي: أن العهد بإباحة الخمر كان قريباً، فلما اشتهر التحريم أبيح لهم الانتباذ في كل وعاء بشرط ترك شرب المسكر، وكأنَّ من ذهب إلى استمرار النهي لم يبلغه الناسخ. وقال الحازمي في "الاعتبار" (ص 521): لمن نصر قول مالك أن يقول: ورد النهي عن الظروف كلِّها ثم نسخ منها ظروف الأدم، والجرار غير المزفتة، واستمرّ ما عداها على المنع. ثم تعقب ذلك بما ورد من التصريح في حديث بريدة - تقدم تخريجه -. قال الحازمي: وطريق الجمع أن يقال: لمَّا وقع النهي عامًّا شكوا إليه الحاجة، ترخص لهم في ظروف الأدم، ثم شكوا إليه أنَّ كلهم لا يجد ذلك، ترخص لهم في الظروف كلِّها. وقال ابن بطال في شرحه لـ "صحيح البخاري" (6/ 56): النهي عن الأوعية إنّما كان قطعاً للذريعة، فلما قالوا: لا نجد بداً من الانتباذ في الأوعية قال: "انتبذوا وكلَّ مسكر حرام" وهكذا الحكم في كل شيء نهي عنه بمعنى النظر إلى غيره فإنّه يسقط للضرورة كالنهي عن الجلوس في الطرقات، فلما قالوا: لا بد لنا منها قال: "أعطوا الطريق حقها" -[البخاري رقم (2465) ومسلم رقم (144/ 2121)، وأحمد (3/ 36)]-. انظر: المغني (12/ 514 - 515)، "مدونة الفقه المالكي وأدلته" (2/ 256)، "التمهيد" (14/ 131). (¬2) سيأتي تخريجه، وهو حديث صحيح.

الفصل السادس: في لواحق الباب

3 - وعن بريدة - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "كُنْتُ نَهَيْتُكُمُ عَنِ الأَشْرِبةِ إلاَّ فِي ظُرُوفِ الأدَمِ، ألاَ فَاشْرَبُوا في كُلِّ وِعَاءٍ غَيْرَ أنْ لاَ تَشرَبُوا مُسْكِراً". أخرجه الخمسة (¬1) إلا البخاري. [صحيح] الفصل السادس: في لواحق الباب 1 - عن أنس - رضي الله عنه - قال: "نَهَى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الخَمْر أنْ يُتَّخَذَ خَلاًّ". أخرجه مسلم (¬2) والترمذي (¬3). [صحيح] الفصل السادس في لواحق الباب قوله في حديث أنس: "نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الخمر أن يتخذ خلاً" أقول: قال النووي في "شرح مسلم" (¬4): في هذا دليل للشافعي والجمهور بأنه لا يجوز تخليل الخمر، ولا تطهر بالتخليل [299 ب] هذا إذا خللها بخبز أو بصل أو خميرة أو غير ذلك، مما يلقى فيها فهي باقية على نجاستها، وينجس ما ألقي فيها، ولا يطهر [هذا] (¬5) الخل بعده أبداً لا بغسلٍ ولا غيره، أما إذا انقلب من الشمس إلى الظل، أو من الظل إلى الشمس ففي طهارتها وجهان ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم رقم (65/ 1999)، وأبو داود رقم (3698)، والنسائي رقم (5654). وأخرجه أحمد (5/ 350، 355)، وهو حديث صحيح. (¬2) في "صحيحه" رقم (11/ 1983). (¬3) في "السنن" رقم (1294)، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وأخرجه أحمد (3/ 180)، وأبو داود رقم (3675). وهو حديث صحيح. (¬4) في شرحه لـ "صحيح مسلم" (13/ 152). (¬5) سقطت من (ب).

لأصحابنا أصحهما تطهر. وهذا الذي ذكرناه أنها لا تطهر إذا ألقي شيء فيها هو مذهب الشافعي وأحمد والجمهور (¬1). وقال الأوزاعي والليث وأبو حنيفة (¬2): تطهر. وعن مالك (¬3) ثلاث روايات. أصحها عنه أن التخليل حرامٌ، فلو خللها عصى وطهرت. والثانية: حرام ولا تطهر. والثالثة: حلال وتطهر. واتفقوا على أنها إذا انقلبت بنفسها خلاً طهرت. قلت: وأول أقوال مالك أظهرها؛ لأنها قد صارت خلاً لغة وشرعاً. 2 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أُتِيْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي بِقَدَحَيْنِ مِنْ خَمْرٍ وَلَبَنٍ، فَأَخَذْتُ اللَّبَنَ، فَقَالَ المَلَكُ: الحَمْدُ للهِ الَّذِي هَدَاكَ لِلْفِطْرَةِ، وَلَوْ أَخَذْتَ الخَمْرَ غَوَتْ أُمَّتُكَ". أخرجه النسائي (¬4). [صحيح] قوله في حديث أبي هريرة: "بقدحين" أقول: في رواية بثلاثة، الثالث من عسل، لكن هذا عند رفعه إلى سدرة المنتهى، وذلك بإيلياء، وإيلياء بكسر الهمزة وسكون التحتية وكسر اللام وفتح التحتانية الخفيفة مع المد. هي مدينة القدس. قوله: "فأخذت اللبن" أقول: قال ابن التين (¬5): يحتمل أنه نفر من الخمر؛ لأنه تفرس أنها ستحرم لأنها كانت حينئذٍ مباحة، ولا مانع من اقتران مباحين مشتركين في أصل الإباحة ¬

_ (¬1) انظر: "المغني" (12/ 517). (¬2) "المبسوط" (24/ 7)، "البناية في شرح الهداية" (11/ 454). (¬3) "مدونة الفقه المالكي وأدلته" (2/ 256)، "التهذيب في اختصار المدونة" (4/ 503). (¬4) في "السنن" رقم (5657). وأخرجه البخاري رقم (3394، 3437، 4709، 5576، 5603)، ومسلم رقم (168). (¬5) ذكره الحافظ في "الفتح" (10/ 33) من كلام ابن عبد البر، وفي نسخة أخرى: قال ابن المنير.

في أن أحدهما سيحرم والآخر تستمر إباحته. قال الحافظ ابن حجر (¬1): ويحتمل أن يكون نفر منها لكونه لم يعتد شربها فوافق بطبعه ما سيقع من تحريمها بعد حفظاً من الله له ورعاية، واختار اللبن لكونه مألوفاً له، سهلاً طيباً طاهراً، سائغاً للشاربين، سليم العاقبة، بخلاف الخمر في جميع ذلك. قلت: أما قوله: طاهراً فإن الخمر قبل تحريمه طاهراً، والأحسن أن يقال: هداه الله إلى اللبن كما قال جبريل: الحمد الذي هداك ولم [300 ب] ينفر عن الخمر بل استغنى باللبن. قوله: "للفطرة" أقول: قال في "الفتح" (¬2): المراد بها الاستقامة على الدين الحق. قوله: "غوت أمتك" أقول: قالوا: يحتمل أن يكون أخذه من طريق الفأل. أو يظهر له علم ترتب كل من الأمرين وهو أظهر (¬3). 3 - وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: سُئِلَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنْ أطْيَبِ الشَّرَابِ، فَقَالَ: "الحُلْوُ البَارِدُ". أخرجه الترمذي (¬4). [حسن] قوله في حديث عائشة: "فقال: الحلو البارد". قوله: "أخرجه الترمذي" قلت: ورواه بلفظ: "كان أحب الشراب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحلو البارد". قال أبو عيسى (¬5): هكذا رواه غير واحد عن ابن عيينة مثل هذا عن معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة. ¬

_ (¬1) في "فتح الباري" (10/ 33). (¬2) (10/ 33). (¬3) قاله الحافظ في "الفتح" (10/ 33). (¬4) في "السنن" رقم (1895)، وهو حديث حسن. (¬5) في "السنن" (4/ 307).

كتاب: الشركة

والصحيح ما روي عن الزهري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلاً، ثم ساق سنده (¬1). وقال: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أي الشراب أطيب؟ قال: "الحلو البارد". قال أبو عيسى (¬2): وهكذا روى عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلاً، وهذا أصح من حديث ابن عيينة. انتهى. وقد نبه [385/ أ] ابن الأثير (¬3) على هذا فقال: أخرجه الترمذي (¬4) عن الزهري مرسلاً. قال: وهو أصح. انتهى. فلو نقل المصنف كلام ابن الأثير لكان صواباً. وذكر ابن الأثير (¬5) الرواية الأخرى وهو قول عائشة: كان أحب الشراب إلى آخره. كتاب: الشركة 1 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "يَقُولُ الله تَعالى: أنَا ثاَلِثُ الشّريكِين مَا لَمْ يَخُنْ أحَدُهُمَا صَاحِبَهُ, فإِذَا خَانَهُ خَرَجْتُ مِنْ بَيْنهمَا". أخرجه أبو داود (¬6). [ضعيف] ¬

_ (¬1) الترمذي رقم (1896). (¬2) في "السنن" (4/ 308). (¬3) في "الجامع" (5/ 160 رقم 3212). (¬4) في "السنن" رقم (1896). (¬5) في الجامع (5/ 160). (¬6) في "السنن" رقم (3383). قلت: وأخرجه الدارقطني (3/ 35 رقم 139)، والحاكم (2/ 52)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (6/ 78، 78 - 79) من طريق محمد بن الزبرقان أبي همام عن أبي حيان التيمي عن أبيه عن أبي هريرة. قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكر الحديث. قال الحاكم: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي. وتعقبهما الألباني في: الإرواء (5/ 288 - 289) بقوله: "وأقول: بل هو ضعيف الإسناد وفيه علتان: =

وزاد رزين: "وَجَاءَ الشَّيْطَانُ". الكتاب الثاني من حرف الشين في الشركة أقول: الشركة بكسر أوله، وسكون ثانيه، وبفتح أوله، وفتح ثانيه (¬1). قوله في حديث أبي هريرة: "أنا ثالث الشريكين" حث على الشركة، وأنه تعالى معين لهما، فإذا حصلت الخيانة نزعت البركة، وهو معنى خرجت من بينهما، أي: نزعت البركة من مالهما. 2 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: اشْتَرَكْتُ أَنَا وَعَمَّارٌ وَسَعْدٌ فِيماَ نُصيبُ يَوْمَ بَدْرٍ، فَجَاءَ سَعْدٌ بِأَسِيرَيْن، وَلمْ أجِيءْ أنَا وَعَمَّارٌ بِشَيْءٍ. أخرجه أبو داود (¬2) والنسائي (¬3). [ضعيف] ¬

_ = الأولى: الجهالة. فإن أبا حيان التيمي اسمه يحيى بن سعيد بن حيان، وأبوه سعيد، قد أورده الذهبي في الميزان (2/ 132 رقم 3157) وقال: "لا يكاد يعرف، وللحديث علة" ... والعلة الأخرى: الاختلاف في وصله، فرواه ابن الزبرقان هكذا موصولاً بذكر أبي هريرة فيه، وهو صدوق يهم كما قال الحافظ. وخالفه جرير فقال: عن أبي حيان التيمي عن أبيه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. قلت: وجملة القول: أن الحديث ضعيف الإسناد؛ للاختلاف في وصله وإرساله وجهالة راويه، فإن سلم من الأولى، فلا يسلم من الأخرى" اهـ. وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف، والله أعلم. (¬1) ذكر الحافظ في الفتح (5/ 129). وانظر: "تهذيب اللغة" للأزهري (14/ 17). (¬2) في "السنن" رقم (3388). (¬3) في "السنن" رقم (4697). وأخرجه ابن ماجه رقم (2288)، إسناده ضعيف؛ لانقطاعه بين أبي عبيدة وأبيه عبد الله بن مسعود، فإنه لم يسمع منه. =

قوله في حديث ابن مسعود: "اشتركت أنا وعمار وسعد فيما نصيب يوم بدر" أقول: هذه شركة الأبدان [301 ب] وهي صحيحة عند الثوري وأصحاب الرأي (¬1)، وهذا الحديث حجة لهم، واحتج به أحمد بن حنبل (¬2) فأثبت شركة الأبدان [301 ب] وأثبتها الهادوية (¬3): وهي أن يكون الشريكان خياطين، أو قصارين، فيعملان أو يعمل كل واحد منهما منفرداً، أو يكون أحدهما خياطاً والآخر جزاراً أو حداداً، سواء اتفقت الصناعات أو اختلفت، فكل ما أصاب أحدهما من أجرة على عمله كان صاحبه شريكه فيها، ويشتركان على أن ما يكسبه كل واحد منهما بينهما وإن لم يكن العمل معلوماً، إلا أن بعضهم قال: لا يدخل فيه الاصطياد والاحتشاش وغيرهما. وقاسوهما على المضاربة. وأبطل شركة الأبدان الشافعي (¬4) وأبو ثور. ¬

_ = وسكت الحافظ في التلخيص (3/ 49 - ط. المعرفة)، فلم يحسن، قلت: وهناك علة أخرى وهي تدليس أبو إسحاق، وأبو عبيدة وكلاهما من المدلسين الذين لا يقبل حديثهم إلا إذا صرحوا بالسماع ولم يصرحا بالسماع هنا. [الإرواء رقم 1474]. وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف والله أعلم. (¬1) "بدائع الصنائع" (6/ 63)، "شرح فتح القدير" (6/ 172). (¬2) "المغني" (7/ 111 - 120). (¬3) "البحر الزخار" (4/ 91). (¬4) "البيان" (6/ 372)، "المهذب" (3/ 334 - 335). قال ابن حزم في "المحلى" (8/ 122): "لا تجوز الشركة بالأبدان أصلاً لا في دلالة، ولا في تعليم، ولا في خدمة، ولا في عمل يد، ولا في شيء من الأشياء، فإن وقعت فهي باطل لا تلزم، ولكل واحد منهم أو منهما ما كسب، فإن اقتسماه وجب أن يُقْضَى له بأخذه ولا بد لأنه شرط ليس في كتاب الله تعالى فهو باطل". ثم قال: (8/ 123 - 124): "وهذا عجب عجيب، وما ندري على ماذا يحمل عليه أمر هؤلاء القوم؟ ونسأل الله السلامة من التمويه في دينه تعالى بالباطل. =

وأما شركة المفاوضة فهي عند الشافعي (¬1) فاسدة، ووافقه في ذلك أحمد (¬2) وأبو ثور. وجوزها الثوري وأصحاب الرأي (¬3). وهو قول الأوزاعي، وابن أبي ليلى. ¬

_ = الأول: ذلك أن هذا خبر منقطع؛ لأن أبا عبيدة لا يذكر من أبيه شيئاً، روينا ذلك من طريق وكيع عن شعبة عن عمرو بن مرة، قال: قلت: لأبي عبيدة أتذكر من عبد الله شيئاً؟ قال: لا. والثاني: أنه لو صح لكان أعظم حجة عليهم؛ لأنهم أو قائل معنا ومع سائر المسلمين أن هذه شركة لا تجوز، وأنه لا ينفرد أحد من أهل العسكر بما يصيب دون جميع أهل العسكر حاشا ما اختلفنا فيه من كون السلب للقاتل، وإنه إن فعل فهو غلول من كبائر الذنوب. والثالث: أن هذه شركة لم تتم ولا حصل لسعد ولا لعمار ولا لابن مسعود من ذينك الأسيرين إلا ما حصل لطلحة بن عبيد الله الذي كان بالشام. ولعثمان بن عفان الذي كان بالمدينة، فأنزل الله تعالى في ذلك: {قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا} [الأنفال: 1]، فكيف يستحل من يرى العار عاراً أن يحتج بشركة أبطلها الله تعالى ولم يمضها؟ والرابع: أنهم - يعني الحنفيين - لا يجيزون الشركة في الاصطياد، ولا يجيزها المالكيون في العمل في مكانين، فهذه الشركة المذكورة في الحديث لا تجوز عندهم، فمن أعجب ممن يحتج في تصحيح قوله برواية لا تجوز عنده؟ والحمد لله رب العالمين على توفيقه لنا" اهـ. وانظر: "روضة الطالبين" للنووي (4/ 279)، و"المبسوط" للسرخسي (11/ 217، 218)، و"بداية المجتهد" (4/ 12) بتحقيقي، و"سبل السلام" (5/ 164 - 165) بتحقيقي. قال الشافعي: شركة الأبدان كلها باطلة؛ لأن كل واحد منهما متميز ببدنه ومنافعه، فيختص بفوائده، وهذا كما لو اشتركا في ماشيتهما وهي متميزة ليكون الدر والنسل بينهما فلا يصح. "روضة الطالبين" للنووي (4/ 275)، "المهذب" (3/ 334 - 335). (¬1) "روضة الطالبين" للنووي (4/ 274 - 278). (¬2) الإنصاف (5/ 412)، "المغني" (7/ 128). (¬3) مختصر الطحاوي (ص 107).

وقال أبو حنيفة (¬1) وسفيان: لا تكون شركة المفاوضة حتى يكون رأس مالهما سواء. 3 - وعن زهرة بن معبد عن جده عبد الله بن هشام [وكان] (¬2) قدْ أدْرَكَ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَذَهَبَتْ بِهِ أُمُّهُ زَيْنَبُ بِنْتُ حُمَيْدٍ إِلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ الله! بَايِعْهُ. فَقَالَ: "هُوَ صَغِيرٌ". فَمَسَحَ رَأْسَهُ وَدَعَا لَهُ بالبَرَكةِ، فكانَ يَخْرُجُ بِهِ جَدُّهُ عَبْدُ الله بنُ هِشَامٍ إلى السُّوقِ، فيَشْتَرِي الطَّعَامَ فيَلْقَاهُ ابنُ عُمَرَ، وَابنُ الزُّبَيْر فيَقُولاَنِ أشْركْنَا، فإنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ دَعَا لَكَ بِالَبرَكَةِ فيُشْركْهُمْ، فَرُبَّمَا أصَابَ الرَّاحِلَةَ كما هِيَ فيَبْعَثُ بِهَا إلى المَنْزِلِ. أخرجه البخاري (¬3). [صحيح] فقوله: "عن زهرة بن معبد" أقول: في "التقريب" (¬4) زهرة بضم أوله بن معبد بن عبد الله بن هشام القرشي التيمي، أبو عقيل المدني. نزيل مصر ثقة عابد. انتهى. وعبد الله جده هو ابن هشام بن زهرة التيمي من بني عمرو بن كعب بن سعد بن تيم ابن مرة رهط أبي بكر وهو جد زهرة لأبيه. وقوله: "زينب بنت حميد" أي: ابن زهر بن الحارث بن أسد بن عبد العزي معدود في الصحابة، وأما هشام بن زهرة فمات كافراً. وفيه دليل على الشركة وإن كان فعل صحابي؛ لأن هذا كان بعد وفاته - صلى الله عليه وسلم -. 4 - وعن السائب بن أبي السائب - رضي الله عنه - قال: أَتيْتُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَجَعَلُوا يُثْنُونَ عَلَيَّ وَيَذْكُرُونَنِي، فقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: أنَا أعْلَمُكُمْ بهِ، فقلْتُ: صدَقْتَ بأَبِي أنْتَ وَأُمِّي، كُنْتَ شَريكِي، فنِعْمَ الشَّريكُ كُنْتَ لاَ تُدَارى وَلاَ تُمَاري. ¬

_ (¬1) مختصر الطحاوي (ص 107). (¬2) سقطت من (أ. ب) وهي في البخاري. (¬3) في "صحيحه" رقم (2501، 2502)، وطرفه في (7210). (¬4) (1/ 263 رقم 70).

أخرجه أبو داود (¬1). [صحيح] "المُدَارَةُ" (¬2): المدافعة. "وَالمُمَارَاةُ" (¬3): المجادلة. قوله: "وعن السائب بن أبي السائب" أقول: قال ابن عبد البر في "الاستيعاب" (¬4): كان السائب بن أبي السائب من المؤلفة وممن حسن [302 ب] إسلامه منهم. انتهى. واسم أبي السائب صيفي بن عابد بالموحدة. قوله: "لا تداريء" مهموز معناه لا يشاغب ولا يخالف صاحبه. قاله ابن الجوزي في "جامع المسانيد". [و] (¬5) قال المحب الطبري في "أحكام الرواية" يداري بغير همز يتراوح. ولا يداري. قال ابن هشام (¬6): السائب ابن أبي السائب الذي جاء فيه الحديث: "نعم الشريك"، ذكر الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس: أن السائب بن أبي السائب بن عابد بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم ممن هاجر وأعطاه النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الجعرانة من غنائم حنين. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (4836). وأخرجه ابن ماجه رقم (2287)، والنسائي في "السنن الكبرى" رقم (10071)، والحاكم (2/ 61)، وأحمد (3/ 425). قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وهو حديث صحيح والله أعلم. (¬2) "النهاية" (1/ 561)، "غريب الحديث" للخطابي (2/ 11). (¬3) انظر: "النهاية" (2/ 653)، "غريب الحديث" للهروي (2/ 11). (¬4) رقم (1060) الأعلام. (¬5) زيادة من (أ). (¬6) ذكره ابن عبد البر في "الاستيعاب" (ص 310 - 311)، الأعلام.

كتاب: الشعر

قال أبو عمر (¬1): وهذا أولى ما عُوِّل عليه في هذا الباب. قال السهيلي (¬2): والحديث فيمن كان شريك النبي - صلى الله عليه وسلم - مضطرب جداً، منهم من يجعله السائب بن أبي السائب، ومنهم من يجعله أبو السائب، ومنهم من يجعله قيس بن السائب، ومنهم من يجعله عبد الله بن السائب، وهذا الاضطراب لا يثبت به شيء ولا تقوم به حجة. وكذلك اختلفت الرواية في "لا يداري ولا يماري" ويروى "لا يشاري" (¬3) أي: بالشين المعجمة. ولا يداري فمنهم من يجعله من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في أبي السائب، ومنهم من يجعله من قول أبي السائب في رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والذي وقع في الشين المعجمة وقع في كتاب رزين وفسرت بالملاحاة (¬4)، ولا يداري (¬5) بالمدافعة. كتاب: الشعر 1 - عن أبيّ بن كعب - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّ مِنَ الشِّعْر حِكْمَةً". أخرجه البخاري (¬6) وأبو داود (¬7). [صحيح] ¬

_ (¬1) في "الاستيعاب" (ص 311). (¬2) انظر: "الروض الأنف" (1/ 291). (¬3) قال الزمخشري في "الفائق" (1/ 203)، المشاراة: الملاجَّة. انظر: "النهاية" (1/ 864). (¬4) قال ابن الأثير في "غريب الجامع" (5/ 162) (تشاري). المشاراة: الملاجَّة والملاحاةُ. (¬5) تقدم معناها. (¬6) في "صحيحه" رقم (6145). (¬7) في "السنن" رقم (5010). وهو حديث صحيح.

2 - وفي رواية (¬1) له عن ابن عباس: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَجَعَلَ يَتَكَلَّمَّ بِكَلاَمٍ، فقالَ - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّ مِنَ البَيَانِ سِحْراً، وَإنَّ مِنَ الشّعْرِ حِكَمًا". [صحيح] كتاب الشعر أقول: في "التوشيح": الشعر (¬2) في الأصل اسم لما دق ثم استعمل في الكلام المقفى الموزون قصداً وهذا القيد يخرج ما وقع في القرآن، وكلام النبوة موزوناً. انتهى. قوله في حديث أبي بن كعب: "إن من الشعر حكمة" أقول: اختلف فيه هل هو وارد مورد المدح أو الذم؟ قال النووي (¬3): هو مدح [386/ أ] على الصحيح؛ لأن الله امتن على عباده [303 ب] بتعليمهم البيان وهو من الفهم وذكاء القلب وشبه بالسحر لميل القلب إليه. وأصل السحر الصرف والبيان يصرف القلوب يميلها إلى ما يدعو إليه. وقيل: هو ذمٌ؛ لأنه إمالة القلوب وصرفها بمقاطع الكلام إليه حتى تكتسب من الإثم به كما تكتسب بالسحر. وأدخله مالك في "الموطأ" في باب ما يكره من الكلام وهو مذهبه في تأويل الحديث والتأويل الأول هو المختار. وقال ابن التين (¬4): البيان نوعان: الأول: ما يبين به المراد. والثاني: تحسين اللفظ حتى يستميل قلوب السامعين وهذا الذي يشبه بالسحر؛ لأن السحر صرف الشيء عن حقيقته. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود في "السنن" رقم (5011)، وهو حديث صحيح. (¬2) انظر: الكليات (ص 537 - 538). التوقيف على مهمات التعاريف (ص 430 - 431). (¬3) ذكره الحافظ فى "الفتح" (10/ 540). (¬4) ذكره الحافظ في "الفتح" (10/ 540).

قوله: "وإن في الشعر حكماً" أقول: قولاً صادقاً مطابقاً للحق، وهو ما فيه المواعظ والأمثال (¬1). 3 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَأنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ أَحَدِكُمْ قَيْحًا حَتَّى يَرِيَهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمْتَلئَ شِعْراً". أخرجه الخمسة (¬2) إلا النسائي. [صحيح] وفي أخرى لمسلم (¬3) عن الخدريّ: بَيْنَا النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَسِيرُ إذْ عَرَضَ شَاعِرٌ يُنْشِدُ. فقال - صلى الله عليه وسلم -: خُذُوا الشَّيْطَانَ، أَوْ أَمْسِكُوا الشَّيْطَانَ. وذكر نحوه. [صحيح] "القَيْحُ": الصديد الذي يسيل من الدمل والجرح (¬4). ومعنى "يَرِيَهُ" يأكله. قوله في حديث أبي هريرة: "حتى يريه" أقول: بفتح حرف المضارعة، وكسر الراء من الوَرْى وهو داء (¬5) يعتري الجوف وقوله: "خير له من أن يمتلئ شعراً" قال في "التوشيح": هو من المذموم دون الممدوح. وقيل (¬6): خاص بشعر هُجي به النبي - صلى الله عليه وسلم -. وقيل: إنه ورد في أقوامٍ كان لهم غاية الإقبال على الشعر فبولغ فيه زجراً لهم عنه ليقبلوا على القرآن والذكر والعبادة. ¬

_ (¬1) قاله الحافظ في الفتح (10/ 540). (¬2) أخرجه البخاري رقم (6155)، ومسلم رقم (2257). وأبو داود رقم (5009)، والترمذي رقم (2851)، وابن ماجه رقم (3759)، وهو حديث صحيح. (¬3) في "صحيحه" رقم (9/ 2259). (¬4) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (5/ 165). (¬5) قال ابن الأثير في "النهاية" (2/ 843): هو من الوَرْى: الدَّاء، يقال: وُرِيَ يوري فهو مَوْرِيٌّ، إذا أصاب جوفه الدَّاء. وانظر "غريب الحديث" للخطابي (2/ 184). (¬6) ذكره النووي في "شرح صحيح مسلم" (15/ 14).

قوله: "أخرجه الخمسة إلا النسائي" قلت: قال ابن الأثير (¬1): إن أبا داود لم يذكر "حتى يريه" فمراد المصنف أخرجوه في الجملة. قوله: "وفي أخرى لمسلم" أقول: في "الجامع" (¬2) لمسلم والنسائي. وقوله: "يسير" لفظه في "الجامع" (¬3): "بينا نحن نسير مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالعرج إذ عرض ... " إلى آخره. قوله: "في رواية الخدري: خذوا الشيطان" أقول: قيل: سماه شيطاناً [304 ب] لكونه كافراً، أو كان شعره من القسم المذموم، أو كان الشعر غالباً عليه. وعلى الجملة فتسميته شيطاناً إنما في قضية عين يتطرق إليها احتمالات، ولا عموم لها فلا يحتجّ بها (¬4). قوله: "وذكر نحوه" أي: نحو ما في الحديث الأول، ولفظ "الجامع" (¬5): "أمسكوا الشيطان لأن يمتلئ جوف رجل قيحاً خير له من أن يمتلئ شعراً". واعلم أنه قال ابن الأثير (¬6) بعد هذا: وذكر رزين في كتابه قال: وزاد النسائي وساقه عن عائشة "هجيت به" وأنكر ابن معين هذه الزيادة. ولم أجد هذه الزيادة ولا الحديث بأسره في كتاب النسائي الذي قرأته، ولعله قد وقع له في بعض النسخ فأثبته. انتهى لفظ الجامع (¬7). ¬

_ (¬1) في الجامع (5/ 165). (¬2) (5/ 167). (¬3) (5/ 166 رقم 3223). (¬4) قاله النووي في "شرح صحيح مسلم" (15/ 14). (¬5) (5/ 167). (¬6) في "الجامع" (5/ 167). (¬7) (5/ 167).

قلت: ولو ثبتت هذه الرواية لكانت هي الوجه في تسميته شيطاناً، فإنه لا يحفظ ما هجا المشركون به الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلا شيطان. 4 - وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كَانَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَضَعُ لِحَسَّان - رضي الله عنه - مِنْبَرًا فِي المَسْجِدِ يَقُومُ عَلَيْهِ يُفَاخِرُ أَوْ يُنَافِحُ عنْ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، وكانَ يَقُولُ: "إنَّ الله يُؤَيِّدُ حَسَّاناً بِرُوحِ القُدْسِ مَا نَافَحَ، أَوْ فَاخَرَ عَنْ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - ". أخرجه البخاري (¬1) وأبو داود (¬2) والترمذي (¬3). [صحيح] "المُنافَحَةُ": المخاصمة (¬4). "وَالتَّأْييدُ": التقوية. "وَرُوحُ القُدُسِ": هو جبريل - عليه السلام -. قوله في حديث عائشة: "منبراً" أي: شيئاً مرتفعاً يقوم عليه ليسمع من في المسجد. قوله: "يفاخر، أو ينافح" هو شك من الراوي، والمنافحة بالنون والفاء والحاء المهملة فسرها المصنف. ¬

_ (¬1) لم أجده. قال الحافظ في "الفتح" (1/ 548)، وفي الترمذي من طريق أبي الزناد عن عروة عن عائشة قالت: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينصب لحسان منبراً في المسجد فيقوم عليه يهجو الكفار، وذكر المزي في "الأطراف أن البخاري أخرجه تعليقاً نحوه، وأتم منه، لكني لم أره فيه ... ". (¬2) في "السنن" رقم (5015). (¬3) في "السنن" رقم (2846). وأخرجه مسلم في "صحيحه" رقم (2490) مطولاً. (¬4) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (5/ 168).

وحسان (¬1) هو ابن ثابت بن حرام بن عمرو الأنصاري الخزرجي، يكنى أبا الوليد. قال ابن سعد: عاش مائة وعشرين سنة، ستين في الجاهلية وستين في الإسلام. وكذلك أبوه وجده وجد أبيه، ولا يعرف في العرب أربعة تناسلوا اتفقت مدة أعمارهم. ومات حسان في أيام معاوية، وكان قديم الإسلام، ولم يشهد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مشهداً؛ لأنه كان يجبن. أخرج ابن عساكر (¬2) عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة [305 ب] فهجته قريش وهجوا الأنصار معه، وأتى المسلمون كعب بن مالك فقالوا: أجب عنا، قال: استأذنوا لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأذن له، فقال فأحسن وأجمل ولم يبلغ حاجتنا. فجاءوا إلى حسان فقالوا: أجب عنا، فقال: استأذنوا لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "ادعوه" فجاء حسان، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إني أخاف أن تصيبني معهم بهجو بني عمي" قال حسان: لأنسلنك عنهم نسل الشعرة من العجين، ولي مِقْول ما أحب أن لي به مقول أحد من العرب، وإنه ليفري ما لا تفريه الحربة. ثم أخرج لسانه، فضرب بها أنفه، كأنه لسان حية بطرفه شامة سوداء، ثم ضرب به ذقنه، فأذن له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وفي رواية: أخرجها الحاكم (¬3) وصححها، عن البراء، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اذهب إلى أبي بكر فيحدثك حديث اليوم وأيامهم، وأحسابهم، واهجهم وجبريل معك". وقد أطال السيوطي ترجمته في شواهد "مغني اللبيب" (¬4). ¬

_ (¬1) انظر: "سير أعلام النبلاء" (2/ 512 رقم 106 - الرسالة). "تهذيب التهذيب" (2/ 247 - 248)، "أسد الغابة" (2/ 5)، "تاريخ الإسلام" (2/ 277). (¬2) في "تاريخ بغداد" (12/ 392 - 393)، وانظر: "سير أعلام النبلاء" (2/ 514 - 515). (¬3) في "المستدرك" (3/ 486 - 487). (¬4) انظر: "شرح شواهد المغني" للسيوطي (2/ 852 - 853).

5 - وعن عمر بن الشريد عن أبيه - رضي الله عنه - قال: رَدِفْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَوْمًا فَقَالَ: "هَلْ مَعَكَ مِنْ شِعْرِ أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ شَيٌ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: "هِيهِ". فَأَنْشَدْتُهُ بَيْتًا، فَقَالَ: "هِيهِ". ثُمَّ أَنْشَدْتُهُ بَيْتًا، فَقَالَ: "هِيهِ". حَتَّى أَنْشَدْتُهُ مِائَةَ بَيْتٍ. أخرجه مسلم (¬1). [صحيح] قوله: "عمرو بن الشريد" (¬2) بفتح الشين المعجمة فراء فمثناة تحتية فدال مهملة. هو أبو الوليد الثقفي الطائفي، وأبوه الشريد صحابي شهد بيعة الرضوان. قيل: كان اسمه مالكاً فسماه النبي - صلى الله عليه وسلم - الشريد؛ لأنه قتل قتيلاً ولحق بمكة فأسلم. قوله: "ردفت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوماً" أي: ركب خلفه على مركوبه - صلى الله عليه وسلم - فقال: "هل معك من شعر أمية بن أبي الصلت" [387/ أ] بالصاد المهملة آخره مثناة فوقية، وأمية بن أبي الصلت (¬3) أقول: هو [306 ب] مصغراً أمة، واسمه عبد الله بن أبي الصلت ثقفي جاهلي كان شاعراً، وكان قد تنبأ أول زمانه وفيه قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "آمن شعر أمية بن أبي الصلت وكفر قلبه" أخرجه ابن الأنباري (¬4). ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (2255)، وهو حديث صحيح. (¬2) انظر: تتمة جامع الأصول (2/ 722 - قسم التراجم). "التقريب" (2/ 72 رقم 706). (¬3) أمية بن أبي الصلت عبد الله بن أبي ربيعة بن عوف بن عقدة بن نميرة بن عوف بن ثقيف، وهو قسي بن منبِّه بن بكر بن هوازن، أبو عثمان، ويقال: أبو الحكم الثقفيِّ. شاعرٌ جاهلي قيل: إنه كان في أول أمره على الإيمان، ثم زاغ عنه. انظر: "معجم الشعراء" (1/ 346 رقم 33). الشعر والشعراء (ص 276). "تاريخ ابن معين" (2/ 42). (¬4) وهو حديث ضعيف. أخرجه أبو بكر الأنباري في "المصاحف" والخطيب في "تاريخ بغداد" كما في "فيض القدير" (1/ 59)، وابن عساكر في "تاريخه" (9/ 272)، وأورده التقي الهندي في "كنز العمال" (3/ 577 رقم (7980) وعزاه إلى أبي بكر بن الأنباري في المصاحف والخطيب وابن عساكر. =

قال أبو الفرج الأصبهاني في "الأغاني" (¬1): إنه لما أنشد النبي - صلى الله عليه وسلم - قول أمية: الحمدُ للهِ مُمسانا ومُصْبَحنَا ... بالخيرِ صَبَّحنا ربي ومَسَّانا ألا نبيَّ لنا منَّا فَيُخبِّرَنَا ... ما بُعدُ غَايَتنا من بعد مُجرانا بينا يُرَبيننا أباؤُنَا هَلَكُوا ... وبينما [ننمي] (¬2) الأولاد أفنانا وقد علمنا لو أنَّ العلمَ ينفعنا ... أنْ سوف يلحق أخرانا بأُولانا يا رب (¬3) لا تجعلني كافراً أبداً ... واجعل سريرة قلبي الدهر إيمانا فقال - صلى الله عليه وسلم - "آمن شعره وكفر قلبه" ولم يؤمن ومات كافراً، وكان من أهل القيافة وزجر الطير، صاح غراب وهو عند ندمة له من الطائف فتطير به فقيل له ما قال؟ قال: إنه قال: إني أشرب كأساً فأموت. ثم صاح أخرى فقال: إنه يقول: إنه يقع على هذه الخربة فيثير عظماً فيبتلعه فيموت. فكان كما قال. وقد ذكرنا هذا في شرحنا "التنوير على الجامع الصغير" (¬4) في حرف الهمزة في شرح حديث "آمن شعر أمية بن أبي الصلت وكفر قلبه". ¬

_ = وقال ابن كثير في "البداية والنهاية" (3/ 294) هذا الحديث "لا أعرفه". قلت: وفي إسناد أبي بكر بن الأنباري في "المصاحف" وابن عساكر في التاريخ أبو بكر الهذلي: وهو إخباري متروك الحديث. قاله الحافظ ابن حجر في التقريب رقم (8002). وأخرج القصة الفاكهيُّ في كتاب مكة من طريق الهبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس مطولة، وقد نقلها الثعلبي في "تفسيره" كما في "الإصابة" (8/ 260 - 261). قلت: والكلبي متهم بالكذب. (¬1) (4/ 102). (¬2) كذا في "المخطوط"، والذي في "الأغاني": نعَتني. (¬3) وهذا آخر الأبيات. (¬4) الحديث رقم (191) بتحقيقي. ط. دار ابن الجوزي/ الدمام.

قوله: "أخرجه مسلم" أقول: قال في "الجامع" (¬1) وفي رواية: "استشهدني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " وذكر نحوه وزاد: "إن كان ليسلم" وفي أخرى وفيه: "كاد يسلم في شعره" أخرجه مسلم (¬2). انتهى. قوله: "هيه" (¬3) بكسر الهاء وإسكان الياء وكسر الهاء الثانية. قالوا: الهاء الأولى بدل من الهمزة، أصله إيه، وهي كلمة استزادة من الحديث المعهود، وهي مبنية على الكسر، فإن وصلتها نونتها فقلت: ايهاً حديثاً أي: زدنا من هذا الحديث. والمراد من الحديث: أنه - صلى الله عليه وسلم - استحسن شعر أمية واستزاد من إنشاده لما فيه من الإقرار بالواحدانية [والبعث] (¬4). 6 - وعن جابر بن سمرة - رضي الله عنه - قال: جَالَسْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ مَرَّةٍ، فَكَانَ أَصْحَابُهُ يَتَنَاشَدُونَ الشِّعْرَ، ويتَذَاكَرُونَ أَشْيَاءَ مِنْ أَمْرِ الجَاهِلِيَّةِ, وَهُوَ سَاكِتٌ، فَرُبَّمَا تَبَسَّمَ مَعَهُمْ. أخرجه الترمذي (¬5). [صحيح] قوله في حديث سمرة: "أخرجه الترمذي" قلت: وقال (¬6): حسن صحيح. [307 ب]. ¬

_ (¬1) (5/ 169). (¬2) في "صحيحه" رقم (2255). (¬3) قال ابن الأثير في "النهاية" (2/ 924)، هِيهِ بمعنى: إيهِ، فأبدل من الهمزة هاءً، وإيه: اسمٌ سُمّيَ به الفعل، ومعناهُ الأمرُ، تقول للرجل: إيهِ بغير تنوين، إذا استزدته من الحديث المعهود بينكما، فإذا نوّنت: استزدته من حديث ما غير معهود؛ لأنَّ التنوين للتَّنكير، فإذا سكنته وكففته قلت: إيهاً بالنصب. (¬4) سقطت من (ب). (¬5) في "السنن" رقم (2850). وأخرجه مسلم رقم (670 و2322)، والنسائي في "السنن" رقم (1358). وهو حديث صحيح. (¬6) في "السنن" (5/ 140).

7 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: دَخَلَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - مَكَّةَ فِي عُمْرَةِ القَضَاءِ وَعَبْدُ الله بْنُ رَوَاحَةَ يَمْشِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُوَ يَقُول: خَلُّوا بَنِي الكُفَّارِ عَنْ سَبِيلِهِ ... اليَوْمَ نَضْرِبْكُمْ عَلَى تَنْزِيلِهِ ضَرْبًا يُزِيلُ الهَامَ عَنْ مَقِيلِهِ ... وَيُذْهِلُ الخَلِيلَ عَنْ خَلِيلِهِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ - رضي الله عنه -: بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، وَفِي حَرَمِ الله تَقُولُ الشَّعْرَ، فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: "خَلَّ عَنْهُ يَا عُمَرُ، فَلَهِيَ أَسْرَعُ فِيهِمْ مِنْ نَضْحِ النَّبْلِ". أخرجه الترمذي (¬1) وصححه النسائي (¬2). [صحيح] "نضْحُ النَّبْلِ": الرمي به (¬3). قوله في حديث أنس: "في عمرة القضاء" أقول: تقدم أنها العمرة التي قاضاهم - صلى الله عليه وسلم - عليها لما صدوه عن عمرته حين بلغ الحديبية. وقوله: "خلوا بني الكفار" خطاب لأهل مكة. و"سبيله" الطريق إلى مكة قاله عند دخولها. وقوله: "نضربكم" ضبط بسكون الموحدة على تنزيل الوصل منزلة الوقف، وضمير تنزيله (¬4) عائد على القرآن (¬5) وإن لم يتقدم ذكره لكنه يفهمه السياق، أو الضمير لرسول الله ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (2847). (¬2) في "السنن" رقم (2873). وهو حديث صحيح. (¬3) انظر: "ديوان عبد الله بن رواحة" (ص 144، 145). (¬4) انظر: "ديوان عبد الله بن رواحة" (ص 144، 145). (¬5) ويؤيد قول الشارح ما جاء في الديوان (ص 144). قدْ أنزل الرحمن في تنزيله ... في صحف تتلى على رسوله =

- صلى الله عليه وسلم -، وتنزيله بمعنى نزوله أي: نضربكم على نزوله مكة ودخوله إليها. يعني: لو منعتموه من ذلك، وإلا فإنهم قد صالحوه - صلى الله عليه وسلم - على دخولها وأخلوها له ثلاثة أيام وخرجوا عنها. [و] (¬1) قوله: "ضرباً" منتصب على المصدرية. و"الهام" في "القاموس" (¬2) والهامة رأس كل شيء جمعها هام. فالمراد: يزيل الرءوس عن الرقاب أو عن البدن لأنها تقلها. قوله: "أخرجه الترمذي" قلت: وقال (¬3): حسن غريب صحيح. وفي "الجامع" (¬4) قال الترمذي: وقد روي في غير هذا الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل مكة في عمرة القضاء، وكعب بن مالك بين يديه. وهذا أصح عند بعض أهل الحديث؛ لأن عبد الله بن رواحة قتل يوم مؤتة، وإن كانت عمرة القضاء بعد ذلك. انتهى. وقال الحافظ في "الفتح" (¬5): قلت: وهو ذهول شديد وغلط مردود، ولا أدري كيف وقع الترمذي في ذلك مع وفور معرفته، مع أن في قصة عمرة القضاء اختصام جعفر وأخيه علي وزيد بن حارثة في بنت حمزة، وجعفر قتل هو وزيد وابن رواحة في موطن واحد. وكيف يخفى عليه - أعني: الترمذي - مثل هذا؟! ولو نقل المصنف [308 ب] كلام "الجامع" (¬6) هذا الذي عن الترمذي لكان مفيداً؛ لأنه قد قال: وصححه فلو قال: أصح منه كذا. ¬

_ = انظر: "فتح الباري" (7/ 500 - 503). (¬1) زيادة من (أ). (¬2) "القاموس المحيط" (ص 1513). (¬3) في "السنن" (5/ 139). (¬4) (5/ 171). (¬5) (7/ 502). (¬6) (5/ 171).

8 - وعنه - رضي الله عنه - قال: كَان لِرسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - حَادٍ يُقَالُ لَهُ: أَنْجَشَةُ، وَكَانَ حَسَنَ الصَّوْتِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "رُوَيْدَكَ يَا أَنْجَشَةُ، لاَ تَكْسِرِ القَوَارِيرَ أوْ سَوْقَكَ بِالقَوَارِير. يَعْنِي: ضَعَفَةَ النِّسَاءِ. أخرجه الشيخان (¬1). [صحيح] وقوله: "رُوَيْدَكَ" يعني: ارفق وتأنِّ (¬2)، ونحو ذلك. وشبه النساء "بِالقَوَاريرِ" (¬3) لأن أقلّ شيء يؤثر فيهن من الحداء، أو الغناء، أو أراد أن النساء لا قوة لهن على سرعة السير. "وَالحُدَاِء" مما يهيج الإبل ويبعثها على السير وسرعته فيضر ذلك بالنساء اللاتي عليهن (¬4). قال في "الجامع" (¬5): قال أنس: كان البراء بن مالك يحدو بالرجال وأنجشة يحدو بالنساء. انتهى. ولم ينسبه إلى كتاب وقال: إنه كان - أنجشة - عبداً حبشياً أسود، وكان حسن الحداء، روى عنه أبو طلحة الأنصاري وأنس بن مالك. انتهى. قوله: "أو سوقك بالقوارير" أقول: يوهم أنه شك من الراوي، وليس كذلك، بل هذه رواية أخرى في رواية الشيخين (¬6) كما في "الجامع" (¬7)، ولفظها: كانت أم سليم مع نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يسوق بهن بسوَّاق، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يا أنجشة! رويدك سوقك بالقوارير" وفي ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (6149، 6161، 6202، 6210)، ومسلم رقم (70/ 2323). (¬2) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (5/ 173). (¬3) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (5/ 173). (¬4) قاله ابن الأثير في غريب الجامع (5/ 173). (¬5) في "تتمة جامع الأصول" (1/ 147 - قسم التراجم). (¬6) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (6210)، ومسلم رقم (71/ 2323). (¬7) (5/ 172).

لفظ: "ارفق يا أنجشة ويحك بالقواير" فهي رواية لا شك من الراوي. نعم، الصادر عنه - صلى الله عليه وسلم - أحد اللفظين إذا كان قصة واحدة، لكن كل راوٍ جزم بما رواه. قوله: "يعني ضعفة النساء" أقول: هو تفسير قتادة، ذكره البخاري (¬1) في الرواية. قوله: "والحداء مما يهيج الإبل ويبعثها على السير" أقول: في "القاموس" (¬2) في بيان أصل الحداء [388/ أ]. والحديث دليل على جواز الحداء على نحو حداء العرب، وفيه حث للجمال على السير وتبسيط لها، ولذا قال الشاعر: إن كنت تنكر أن للـ ... أنغام في الأسماع وقعا فانظر إلى الإبل اللوا ... تي هن أغلظ منك طبعا تصغي إلى قول الحدا ... ة وتقطع الفلوات قطعا [309 ب] 9 - وعن الهيْثم بن أبي سنان: أنَّهُ سَمِعَ أَبا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - فِي قَصَصِهِ يَذْكُرُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِنَّ أَخًا لَكُمْ لاَ يَقُولُ الرَّفَثَ". يَعْنِي ابْنَ رَوَاحَةَ (¬3) قَالَ: [أتَانَا] (¬4) رَسُولُ الله يَتْلُو كِتَابَهُ ... إِذَا انْشَقَّ مَعْرُوفٌ مِنَ الفَجْرِ سَاطِعُ أَرَانَا الهُدَى بَعْدَ العَمَى فَقُلُوبُنَا ... بِهِ مُوقِنَاتٌ أَنَّ مَا قَالَ وَاقِعُ يَبِيتُ يُجَافِي جَنْبَهُ عَنْ فِرَاشِهِ ... إِذَا اسْتَثْقَلَتْ بِالمُشْرِكِيْنَ المَضَاجِعُ (¬5) ¬

_ (¬1) في صحيحه رقم (6211). (¬2) قال الفيروز آبادي في "القاموس المحيط" (ص 1643): حَدَا الإبل حَدْواً وحُداءً (وحِداء) زجرها وساقها ... وأصل الحُداء في "دي دي ورجل حادٍ وحَدَّا". (¬3) انظر: ديوانه (ص 162). (¬4) كذا في (أ. ب)، وفي "جامع الأصول" (5/ 173)، والذي في البخاري: "والديوان فينا". (¬5) وجاء في "الديوان" (ص 162) قول عبد الله بن رواحة: =

أخرجه البخاري (¬1). [صحيح] "الرَّفَث" (¬2): الفَحْشُ في القول. قوله: "وعن الهيثم بن أبي سنان" أقول: بالسين المهملة مكسورة ونون قبل ألفه وبعدها مثلها، وهو تابعي سمع من ابن عمرو وأبي هريرة، وروى عنه بكير بن الأشج، والزهري (¬3). قوله: "في قصصه" أقول: بفتح القاف وصادين مهملتين. قوله: "إن أخاً لكم" هو مقول أبي هريرة. وقوله: "يعني" هو قول الهيثم. وقوله: "الرفث" بالراء والفاء مثلثة، الفحش في القول كما فسره المصنف. وقوله في الأبيات: "من الفجر" هو بيان للمعروف. 10 - وعن البراء - رضي الله عنه - قال: قَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ قُرَيْظَةَ لِحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ: "اهْجُ المُشْرِكِينَ، فَإِنَّ جِبْرِيلَ مَعَكَ". أخرجه الشيخان (¬4). [صحيح] 11 - وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: اسْتَأْذَنَ حَسَّانُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي هِجَاءِ المُشْرِكِينَ، فَقَالَ: "فَكَيْفَ بِنَسَبِي؟ " فَقَالَ: لأَسُلَّنَّكَ مِنْهُمْ كَمَا تُسَلُّ الشَّعَرَةُ مِنَ العَجِينِ. أخرجه الشيخان (¬5). [صحيح] ¬

_ = وأعْلم عِلماً ليس بالظَّنِّ أَنَّني ... إلى اللهِ مَحْشُورٌ هناكَ وَرَاجعُ (¬1) في صحيحه رقم (6151). (¬2) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (5/ 174)، وقد تقدم معناها مراراً. (¬3) قاله ابن الأثير في "تتمة جامع الأصول" (2/ 991 - قسم التراجم). (¬4) أخرجه البخاري رقم (2313، 4123، 6153)، ومسلم رقم (153/ 2486). (¬5) أخرجه البخاري رقم (3515، 4145، 6150)، ومسلم رقم (156/ 2489).

وزاد مسلم (¬1) في رواية فقال (¬2): وَإنَّ سَنَامَ المَجْدِ مِنْ آلِ هَاشِمٍ ... بنُو بنت مَخْزُومٍ وَوَالِدُكَ العَبْدُ "سَنَامُ" كل شيء أعلاه. "وَالمَجْدُ" الشرف والعلا والفخر والسؤدد وما أشبهه. قوله في حديث عائشة: "كما تسل الشعرة من العجين" أقول: فلا يعلق بها شيء منه، أي: لأتلطفن في تخليص نسبك من الهجو حتى لا يبقى جزء من نسبك في نسبهم يناله الهجو؛ لأن الشعرة إذا سلت من العجين لا يبقى فيها منه شيء، بخلاف ما لو سلت من [310 ب] شيء صلب، فربما تنقطع ويبقى فيها بقية. قوله: "ووالدك العبد" سب لأبي سفيان بن الحارث، وبعد البيت (¬3): [ومن] (¬4) ولدت أبناءُ زهرة منهم ... كِرَامٌ ولم يَقْرَبْ عجائزكَ المجدُ والمراد ببنت مخزوم: فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم أم عبد الله أبي النبي - صلى الله عليه وسلم - والزبير وأبي طالب. وأبو سفيان هو ابن الحارث بن عبد المطلب ابن عم النبي - صلى الله عليه وسلم - كان ذلك الوقت يؤذي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين ثم أسلم وحسن إسلامه، والمراد بقوله: ومن ولدت أبناءُ زهرة منهم .................................... هالة بنت وهب بن عبد مناف أم حمزة وصفية. ¬

_ (¬1) في صحيحه رقم (156/ 2489). (¬2) أي حسان بن ثابت الأنصاري. انظر: شرح ديوانه (ص 212 - 213). (¬3) انظره في "شرح ديوان حسان بن ثابت" (ص 213). (¬4) كذا في (أ. ب)، والذي في "الديوان": "وما". انظر: "شرح ديوان حسان بن ثابت" (ص 212 - 213).

وقوله: "ووالدك العبد" سب لأبي سفيان المذكور؛ لأن أم الحارث بن عبد المطلب والد أبي سفيان هذا، هي سمية بنت موهب، وموهب غلام لبني عبد مناف، وكذا أم سفيان كانت كذلك، وهو المراد بقوله: . . . . . . . . . . . . ... كِرَامٌ ولم يَقْرَبْ عجائزكَ المجدُ وبعده (¬1): ولست كَعَبَّاسٍ ولا كابن أُمِّه ... ولكنْ لئيمٌ لا يقوم له زَندُ وإِنَّ امرءاً كانت سميةُ (¬2) أمَّهُ ... وسمراءُ (¬3) مغمور إذا بلُغَ الجَهدُ وأنت [هجينٌ] (¬4) نيطَ بآلِ هاشم ... كما نيط خَلْفَ الرَّاكب القَدحُ الفَرْدُ أفاده في "الاستيعاب" (¬5). 12 - وعن عائشة (¬6) - رضي الله عنها - قالت: سَمِعْتُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "هَجَاهُمْ - يعني: المشركين - حَسَّانُ فَشَفَى وَاشْتَفَى". قَالَ حَسَّانُ (¬7) - رضي الله عنه -: ¬

_ (¬1) انظر: "ديوان حسان بن ثابت" (ص 213). (¬2) سمية: هي أم سفيان بن الحارث، وهي أم ولد، وأبو سفيان هذا ابن عم النبي - صلى الله عليه وسلم -، أسلم يوم فتح مكة. (¬3) وسمراء: هي أم أبيه الحارث بن عبد المطلب، وهي أيضاً أم ولد. (¬4) كذا في (أ. ب)، و"الاستيعاب" (ص 164)، والذي في "شرح الديوان" (ص 213): زنيمٌ. (¬5) (ص 164) الأعلام. (¬6) أخرجه مسلم في صحيحه رقم (157/ 2490). (¬7) انظر: "الاستيعاب" (ص 164) الأعلام، "شرح ديوان حسان بن ثابت" (ص 54 - 63). ومطلع هذه الأبيات: عَفَتْ ذاتُ الأصابع فالجواءُ ... إلى عذراءَ منزِلُها خلاءُ =

هَجَوْتَ مُحَمَّدًا فَأَجَبْتُ عَنْهُ ... وَعِنْدَ الله فِي ذَاكَ الجزَاءُ (¬1) هَجَوْتَ مُحَمَّدًا بَرًّا تَقِيًّا ... رَسُولَ الله شِيمَتُهُ الوَفَاءُ أَتَهْجُوهُ وَلَسْتُ لهُ بِكُفْءٍ ... فشَرَّكُمَا لِخَيْرِكُمَا الفِدَاءُ فَإِنَّ أَبِي وَوَالِدَهُ وَعِرْضِي ... لِعِرْضِ مُحَمَّدٍ مِنْكُمْ وِقَاءُ ثَكِلْتُ بُنَيَّتِي إِنْ لَمْ تَرَوْهَا ... تُثِيرُ النَّقْعَ مَوْرِدُهَا كُدَاءُ يُبَارِينَ الأَعِنَّةَ مُصْعِدَاتٍ ... عَلَى أَكْتَافِهَا الأُسْلُ الظِّمَاءُ تَظَلُّ جِيَادُنَا مُتَمَطِّرَاتٍ ... تُلَطِّمُهُنَّ بِالخُمُرِ النِّسَاءُ فَإِنْ أَعْرَضْتُمُو عَنَّا اعْتَمَرْنَا ... وَكَانَ الفَتْحُ وَانْكَشَفَ الغِطَاءُ وَإِلاَّ فَاصْبِرُوا لِضِرَابِ يَوْمٍ ... يُعِزُّ الله فِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَقَالَ الله قَدْ أَرْسَلْتُ عَبْدًا ... يَقُولُ الحَقَّ لَيْسَ بِهِ خَفَاءُ وَقَالَ الله قَدْ يَسَّرْتُ جُنْدًا ... هُمُ الأَنْصَارُ عُرْضَتُهَا اللِّقَاءُ يلاَقِي كُلَّ يَوْمٍ مِنْ مَعَدٍّ ... سِبَابٌ أَوْ قِتَالٌ أَوْ هِجَاءُ فَمَنْ يَهْجُو رَسُولَ الله مِنْكُمْ ... وَيَمْدَحُهُ وَيَنْصُرُهُ سَوَاءُ وَجِبْرِيلٌ رسول الله فِينَا ... وَرُوحُ القُدْسِ لَيْسَ لَهُ كِفَاءُ أخرجه مسلم (¬2). [صحيح] "وَالمُبَارَاةُ": المجاراة والمسابقة. "وَالأسْلُ" (¬3): الرماح. ¬

_ = قال ابن عبد البر في "الاستيعاب" (ص 164): قال مصعب الزبيري: هذه القصيدة قال حسان صدرها في الجاهلية، وآخرها في الإسلام. (¬1) اعلم أن هذه الأبيات التي في رواية مسلم مختلف في ترتيب الأبيات وعددها عما في شرح الديوان. (¬2) في صحيحه رقم (157/ 2490). (¬3) قال ابن الأثير في "النهاية" (1/ 61): الأسل: الرماح والنبل، والأسل في الأصل: الرماح الطِّوال وحدها.

"وَالظَّمَاءُ": جمع ظامئ وهو العطشان، جعلها عطاشاً إلى ورود الماء استعارة. "مُتَمطِّراتُ" (¬1) أي: مسرعة. "عُرْضَتُها" يقال فلان عرضة لكذا إذا كان مستعداً له ومتعرضاً له (¬2). قوله في حديث عائشة: "فشفى واشتفى" أقول: أي: شفى المسلمين واستشفى، هو بما ناله من عرض الكفار ومزقها، ونافح عن الإسلام والمسلمين. قوله: "هجوت محمداً" الخطاب لأبي سفيان بن الحارث كما دل له (¬3): ألاَ أبلغْ أبا سُفْيانَ عنيِّ [311 ب] ... فأنتَ مجُوَّفٌ (¬4) نَخِبٌ هَوَاءُ هَجَوْتَ محمداً فأجبتُ عنهُ ... وعندَ الله في ذاك الجَزاءُ 13 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَصْدَقُ كَلِمَةٍ قَالهَا شَاعِرٌ كلِمَةُ لَبِيدٍ: أَلاَ كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلاَ الله بَاطِلٌ (¬5) ¬

_ (¬1) يقال: تمطَّر به فرسه إذا جرى وأسرع، وجاءت الخيل متمطرة، أي: يسبق بعضها بعضاً. "النهاية" (2/ 665). (¬2) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (5/ 179). (¬3) انظر: "شرح ديوان حسان بن ثابت" (ص 60 - 61). (¬4) يقال: رجل مجوف، أي: جبان لا قلب له. (¬5) قال لبيد بن ربيعة العامري: ألا كُلِّ شيءٍ ما خلا الله باطلُ ... وكلُّ نعيم لا محالة زائلُ انظر: "ديوان لبيد بن ربيعة العامري" (ص 254 - 257). وهي قصيدة يرثي فيها النعمان بن المنذر، وقد جاء في أولها: =

وَكادَ أُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ أَنْ يُسْلِمَ". أخرجه الشيخان (¬1) والترمذي (¬2). [صحيح] قوله في حديث أبي هريرة: "أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد" أقول: لبيد (¬3) بفتح اللام وكسر الموحدة: هو أبو عقيل لبيد بن ربيعة بن عامر بن مالك بن جعفر (¬4)، قدم على النبي - صلى الله عليه وسلم - سنة وفود قومه بنو جعفر بن كلاب بن ربيعة، وكان شريفاً في الجاهلية والإسلام، نزل الكوفة ومات بها سنة إحدى وأربعين وله مائة وأربعون سنة، وقيل مائة وسبع وخمسون. "ألا كل شيء ما خلا الله باطل" لفظه في الترمذي (¬5): "أشعر كلمة تكلمت بها العرب كلمة لبيد" قال الترمذي (¬6): إنه حديث حسن صحيح. 14 - وعن عائشة - رضي الله عنها -: أنَّهَا سُئِلَتْ: هَلْ كَانَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يتَمَثَّلُ بِشَيْءٍ مِنَ الشِّعْرِ؟ قَالَتْ: كَانَ يَتَمَثَّلُ بِشِعْرِ ابْنِ رَوَاحَةَ وَيَقُولُ: "وَيَأْتِيكَ بِالأَخْبَارِ مَنْ لَمْ تُزَوِّدِ". ¬

_ = ألا تسألانِ المرءَ ماذا يُحاوِلُ ... أَنَحْبٌ فيُقَضَى أم ضَلاَلٌ وباطِلُ (¬1) أخرجه البخاري رقم (3481، 6147، 6489)، ومسلم رقم (2256). (¬2) في "السنن" رقم (2849)، وهو حديث صحيح. (¬3) قاله ابن الأثير في "تتمة جامع الأصول" (2/ 827 - قسم التراجم). (¬4) وتمام نسبه: ابن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة العامري. (¬5) في "السنن" رقم (2849). (¬6) في "السنن" (5/ 140).

أخرجه الترمذي (¬1). [صحيح بلفظ: بشعر طرفه] قوله في حديث عائشة: "ويأتيك بالأخبار من لم تزود" أقول: هذا المصراع ليس لابن رواحة كما قد يوهمه السياق، بل هو لطرفة بن العبد (¬2) وهي من المعلقات أولها: لخولة إطلال ببيرقة ثهمد ... ضللت بها أبكي وأبكي إلى الغد ومنها: ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً ... ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد ومن بعده (¬3): لعمرك ما الأيام إلا معارة ... فما استطعت من معروفها فتزود قوله: "أخرجه الترمذي" قلت: وقال (¬4): وفي الباب عن ابن عباس، هذا حديث حسن صحيح. 15 - وعن جندب بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: بَيْنَمَا نَحْنُ مَعَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - إِذْ أَصَابَهُ حَجَرٌ فَعَثَرَ فَدَمِيَتْ إِصْبَعُهُ فَقَالَ: هَلْ أَنْتِ إِلاَّ إِصْبَعٌ دَمِيتِ ... وَفِي سَبِيلِ الله مَا لَقِيتِ أخرجه الشيخان (¬5). [صحيح] ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (2848)، وهو حديث صحيح بلفظ: بشعر طَرَفة. (¬2) وهو كما قال. انظر: "المعلقات العشر وأخبار شعرائها" (ص 39)، و"شرح المعلقات السبع" (ص 60 - 61). (¬3) لم أجده في "معلقة طرفة بن العبد". (¬4) في "السنن" (5/ 139). (¬5) أخرجه البخاري رقم (2802، 6146)، ومسلم رقم (112/ 1796).

قوله في حديث جندب: [312 ب] "هل أنت إلا إصبع دميت" اختلف (¬1) هل قاله - صلى الله عليه وسلم - منشداً أو متمثلاً، بالثاني جزم الطبري (¬2) وغيره (¬3)، فقيل: هو للوليد بن الوليد بن المغيرة. وقيل: لعبد الله بن رواحة، قاله في غزوة مؤتة، وقد [389/ أ] أصيبت إصبعه وبعده أبيات (¬4). قال ابن الأثير (¬5): وقد جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في استماع الشعر والتمثل به أحاديث عدة قد ذكرت في أبوابها التي هي بها أولى مثل غزوة الخندق، وغيرها من المواضع، فلذلك لم نُعدِ ذكرها في هذا الكتاب. انتهى. ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (10/ 541). (¬2) ذكره الحافظ في "الفتح" (10/ 541). (¬3) كالواقدي. (¬4) وإليك الأبيات من "ديوان عبد الله بن رواحة" (ص 99). (¬5) في "جامع الأصول" (5/ 181).

التَّحبير لإيضَاح مَعَاني التَّيسير (*) تَأليف العَلاّمَة محمَّد بن إسمَاعيل الأمير حَقّقه وعَلقّ عَليه وَخَرّجَ أحَاديثَه وَضبَط نصَّه محَمَّد صُبْحي بن حَسَن حَلّاق أبو مصعب الجُزء الخامس مَكتَبَةُ الرُّشد ناشرون

_ (*) العنوان في (أ): التحبير حاشية التيسير. وفي (ج): التحبير شرح التيسير. والمثبت من المخطوط (ب).

جميع الحقوق محفوظة الطبعة الأولى 1433 هـ - 2012 م مَكتَبَةُ الرُّشد - ناشرون المملكة الْعَرَبيَّة السعودية - الرياض الإدارة: مركز البستان - طريق الملك فهد هاتف 4604818 ص. ب. 17522 الرياض 11494 - فاكس 4602497 E-mail:[email protected] Website:www.rushd.com.sa فروع المكتبة داخل المملكة - الرياض: المركز الرئيسي: الدائري الغربي، بين مخرجي 27 و28 هاتف: 4329332 - الرياض: فرع طريق عثمان بن عفان، هاتف: 2690444 - 2051500 - فرع مكة المكرمة: شارع الطائف هاتف: 5585401 فاكس: 5583506 - فرع المدينة المنورة: شارع أبي ذر الغفاري هاتف: 8340600 فاكس: 8383427 - فرع جدة: مقابل ميدان الطائرة هاتف: 6776331 فاكس: 6776354 - فرع القصيم: بريدة - طريق المدينة هاتف: 3242214 فاكس: 3241358 - فرع أبها: شارع الملك فيصل: هاتف: 2317307 فاكس: 2242402 - فرع الدمام: شارع الخزان هاتف: 8150566 فاكس: 8418473 - فرع حائل: هاتف: 5322246 فاكس: 5662246 - فرع الإحساء: هاتف: 5813028 فاكس: 5813115 - فرع تبوك: هاتف: 4241640 فاكس: 4238927 - فرع القاهرة: شارع إبراهيم أبو النجا - مدينه نصر: هاتف: 22728911 - فاكس: 22712625 مكاتبنا بالخارج - القاهرة: مدينة نصر هاتف: 2744605 - موبايل: 01001622653 - بيروت: بئر حسن موبايل: 554353/ 03 - تلفاكس: 462895/ 05

التَّحبير لإيضَاح مَعَاني التَّيسير - 5 - الجُزء الخَامِس

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

حرف الصاد

حرف الصاد وفيه عشرة كتب [الصلاة، الصوم، الصدق، صلة الرحم، الصحبة، الصداق، الصيد، الصفات] (¬1) كتاب الصلاة وهو قسمان القسم الأول في الفرائض، وفيه: تسعة أبواب الباب الأول: في فضل الصلاة 1 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهَرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ خَمسٍ مَرَّاتٍ مَا تَقُولُونَ يُبْقِي ذَلِكَ مِنْ دَرَنِهِ شيئاً؟ قَالُوا: لاَ يُبْقِي ذَلِكَ مِنْ دَرَنِهِ شَيْئًا. قَالَ: "فَذَلِكَ مِثْلُ الصَّلَوَاتِ الخَمْسِ، يَمْحُو الله بِهَا الخَطَايَا". أخرجه الخمسة (¬2) إلا أبا داود. [صحيح] "الدَّرَنُ": الوسخ. (حرف الصاد المهملة وفيه عشرة كتب) قوله: "كتاب الصلاة" وهو قسمان: القسم الأول: في الفرائض وفيه تسعة أبواب (الباب الأول: في فضل الصلاة) قوله في حديث أبي هريرة: "أرأيتم" أقول: استفهام تقرير متعلق بالاستخبار. أي: أخبروني. ¬

_ (¬1) سقطت من (ب) وقد سقط من (أ) كتاب الصبر، وكتاب الصدقة. (¬2) أخرجه البخاري رقم (528) ومسلم رقم (667) والترمذي رقم (2868) والنسائي رقم (462).

قوله: "لو أن نهراً" أقول: أي: لو ثبت (¬1) نهر صفته كذا، والنهر بسكون الهاء وفتحها ما جنبتي الوادي، سمي بذلك لسعته، وكذلك سمي النهار لصفوه. وفي قوله: "بباب أحدكم" [313 ب] إشارة إلى قربة وتسهله. قوله: "ما تقولون؟ " أقول: كذا بالجمع، ولفظ البخاري (¬2): "ما تقول" قال الحافظ في "الفتح" (¬3): كذا في النسخ المعتمدة بإفراد المخاطب، والمعنى ما تقول أيها السامع؟ قال: ولمسلم وأبي نعيم في "المستخرج" وكذلك للإسماعيلي، والجوزقي "ما تقولون؟ " بصيغة الجمع. قلت: كذا قاله الحافظ في "الفتح" (¬4) وراجعت "صحيح مسلم" فلم أجد (¬5) فيه لفظ: "تقولون" ولا "تقول" ولا لفظ: "قالوا" بل لفظه هكذا: "أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمس مرات هل يبقى من درنه شيء؟ قال: فذلك مثل الصلوات الخمس يمح الله بها الخطايا". والعجب أنه ذكر الحافظ لفظ مسلم هذا دون آخره مستدلاً بأن لفظه: "ما تقول" وليست إلا عند البخاري (¬6) وحده. ¬

_ (¬1) قال الطبيبي: لفظ "لو" يقتضي أن يدخل على الفعل، وأن يجاب، لكنه وضع الاستفهام موضعه تأكيداً وتقريراً، والتقدير لو ثبت نهر صفته كذا لما بقي كذا. "شرح الطيبي على مشكاة المصابيح" (2/ 172). وانظر: "فتح الباري" (2/ 11). (¬2) في "صحيحه" رقم (528). (¬3) (2/ 11). (¬4) في "صحيحه" رقم (667). (¬5) في "صحيحه" رقم (528). (¬6) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 11).

قلت: وكذلك جواب المخاطبين بقولهم. قالوا: ما يبقى شيء ليست في مسلم، بل فيه: أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "هل يبقي من درنه شيء؟ " والإشارة في ذلك للاغتسال. قال ابن مالك (¬1): على إجراء فعل القول مجرى فعل الظن، وشرطه أن يكون مضارعاً مسنداً إلى المخاطب متصلاً باستفهام. [و] (¬2) قوله: "يبقي" بضم أوله على الفاعلية. "من درنه" زاد مسلم "شيئاً" كذا قال الحافظ (¬3): ولم أجد شيئاً في مسلم، وكأنها نسخة منه. قوله: "لا يبقي" بضم أوله أيضاً وشيئاً منصوب على المفعولية. ولمسلم: "لا يبقى" بفتح أوله و"شيء" بالرفع إلا أن هذا اللفظ في مسلم من كلامه - صلى الله عليه وسلم - لا من كلام من خاطبهم، فإنه ليس فيه "ما تقولون؟ " ولا "ما تقول؟ " كما يأتي لفظه. والفاء في قوله: "فكذلك" جواب شيء محذوف. أي: إذا تقرر ذلك عندكم مثل الصلوات إلى آخره. وفائدة التمثيل (¬4) جعل المعقول كالمحسوس. قال الطيبي (¬5): في هذا الحديث مبالغة [314 ب] في نفي الذنوب؛ لأنهم لم يقتصروا في [الجواب] (¬6) على [لا] (¬7) بل أعادوا اللفظ تأكيداً. ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 11). (¬2) زيادة من (أ). (¬3) في "فتح الباري" (2/ 11). (¬4) قاله الحافظ في "الفتح" (2/ 11). (¬5) في شرحه على "مشكاة المصابيح" (2/ 172 - 173). (¬6) في (ب) الحديث. (¬7) سقطت من (ب).

وقال ابن العربي (¬1): وجه التمثيل أن العبد كما يتدنس [بالأقذار] (¬2) المحسوسة في ثيابه وبدنه، ويطهر بالماء الكثير، فكذلك الصلوات تطهر العبد عن أقذار الذنوب حتى لا يبقى له ذنب إلا أسقطته. انتهى. وظاهره: أن المراد بالخطايا في الحديث ما هو أعم من الصغيرة والكبيرة. لكن قال ابن بطال (¬3): يؤخذ من الحديث أن المراد الصغائر خاصة؛ لأنه شبه الخطايا بالدرن، والدرن صغير بالنسبة إلى ما هو أكبر منه من القروح والخرّاجات، انتهى. قال الحافظ (¬4): وهو مبني على أن المراد بالدرن في الحديث الحب، والظاهر أن المراد به الوسخ؛ لأنه هو الذي يناسبه الاغتسال والطيب، وقد جاء من حديث (¬5) أبي سعيد التصريح بذلك [390/ أ]. قال القرطبي (¬6): ظاهر الحديث: أن الصلوات الخمس تستقل بتكفير جميع الذنوب، وهو مشكل، لكن روى مسلم قبله حديث إسماعيل، عن أبيه، عن أبي هريرة مرفوعاً: "الصلوات الخمس كفارة لما بينها ما اجتنبت الكبائر" (¬7). ¬

_ (¬1) في عارضة الأحوذي (10/ 315). (¬2) كذا في (أ. ب) والذي في "العارضة" الأقتار. (¬3) في شرح "صحيح البخاري" (2/ 157). (¬4) في "فتح الباري" (2/ 12). (¬5) أخرجه البزار في "مسنده" (رقم 344 - كشف)، وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (1/ 298): رواه البزار والطبراني في "الأوسط" و"الكبير"، وفيه عبد الله بن قريظ، ذكره ابن حبان في الثقات، وبقية رجاله رجال الصحيح. وهو حديث صحيح لغيره. (¬6) في "المفهم" (1/ 492). (¬7) أخرجه مسلم رقم (233) والترمذي رقم (214) وأحمد (2/ 359، 400، 414). وهو حديث صحيح.

فعلى هذا المقيد يحمل ما أطلق في غيره. وقال ابن بزيزة (¬1): بالموحدة المفتوحة، فزاي مكسورة، فمثناة تحتية ساكنة، فزاي، فهاء، كسفينة. قال في "القاموس" (¬2): وإنه مالكي مغربي له تصانيف. انتهى. في "شرح الأحكام" (¬3) يتوجه على حديث الصلاة إشكال يصعب التخلص منه، وذلك أن الصغائر بنص القرآن مكفرة باجتناب الكبائر، وإذا كان كذلك فما الذي تكفر الصلوات الخمس، انتهى. قال الحافظ ابن حجر (¬4): وقد أجاب عنه شيخنا الإمام البلقيني: بأن السؤال غير وارد؛ لأن مراد الآية: {إِنْ تَجْتَنِبُوا} (¬5) أي: في جميع العمر، ومعناه: الموافاة على هذه الحالة من وقت الإيمان والتكليف إلى الموت، والذي في الحديث: أن الصلوات الخمس تكفر ما بينها في يومها ما اجتنبت الكبائر في ذلك، فعلى هذا لا تعارض (¬6) بين الآية والحديث، انتهى. قلت: لا يخفى أن السائل [315 ب] يقول: الصلوات كفرت الصغائر في كل يوم من أيام العمر، حتى وافى ولا صغيرة، فما الذي كفره اجتناب الكبائر المنصوص، إذ الغرض أنه لم يأت بكبيرة ولا ترك صلاة. فالسؤال باقٍ لم يحله شيخ الحافظ. ¬

_ (¬1) في "شرح الأحكام" كما في "فتح الباري" (2/ 12). (¬2) "القاموس المحيط" (ص 647). (¬3) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 12). (¬4) في "الفتح" (2/ 12). (¬5) سورة النساء الآية (31). (¬6) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 12).

وقال الحافظ (¬1) مجيباً عن السؤال ما لفظه: وعلى تقدير ورود السؤال، فالتخلص منه بحمد الله أسهل، وذلك أنه لا يتم اجتناب الكبائر إلا بفعل الصلوات الخمس، فمن لم يفعلها لم يعد مجتنباً للكبائر؛ لأن تركها من الكبائر لتوقف التكفير على فعلها، والله أعلم، انتهى. قلت: الغرض: أن السائل أورد السؤال على من حافظ على الصلوات طول عمره، ولم يفته شيء منها، فالسؤال باقٍ. فالحق في الجواب أن يقال: إذا وافى العبد الآخرة تاركاً للكبائر آتياً بالصلوات فقد فضل [بمكفران] (¬2) مكفر نص القرآن وهو الاجتناب، ومكفر نص عليه حديث الباب فيكفر - عز وجل - عنه بأيهما شاء، ويبقى له أجر الآخر موفوراً أجره عليه [بلا] (¬3) إشكال، إن كان مراد السائل ذلك كما هو ظاهر إيراده. نعم، لا يتصور اجتناب الكبائر مع ترك الصلوات، إذ هو منها بل من أعظمها، ويتصور فعل الصلوات مع إتيان الكبائر، ولكنه لا تكفر عنه بها صغائره؛ لتقييد تكفيره باجتناب الكبائر. ثم ذكر الحافظ في "الفتح" (¬4) تفصيلاً لشيخه البلقيني فيه إشكالات لا يتم به حل السؤال، بل متروك به الإشكال. وقد علقه على هامش "الفتح". 2 - وعن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - قال: كَانَ رَجُلاَنِ أَخَوَانِ فَهَلَكَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ صَاحِبِهِ بِأَرْبَعِينَ لَيْلَةً، فَذُكِرَتْ فَضِيلَةُ الأَوَّلِ مِنْهُمَا عِنْدَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَلَمْ يَكُنِ الآخَرُ مُسْلِمًا؟ " قَالُوا: بَلَى، وَكَانَ لاَ بَأْسَ بِهِ. فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "وَمَا يُدْرِيكُمْ مَا بَلَغَتْ ¬

_ (¬1) في "الفتح" (2/ 12). (¬2) في (ب): بكفران. (¬3) في (أ): فلا. (¬4) (2/ 12 - 13).

بِهِ صَلاَتُهُ بَعْدَهُ, إِنَّمَا مَثَلُ الصَّلاَةِ كَمَثَلِ نَهْرٍ عَذْبٍ غَمْرٍ بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَقْتَحِمُ فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ، فَمَا تَرَوْنَ ذَلِكَ يُبْقِي مِنْ دَرَنِهِ؟ فَإِنَّكُمْ لاَ تَدْرُونَ مَا بَلَغَتْ بِهِ صَلاَتُهُ". أخرجه مالك (¬1). "الغَمْرُ" (¬2): بفتح الغين المعجمة: الكثير. و"يَقْتَحِمُ (¬3) فِيهِ": يدخله ويلقي نفسه فيه. قوله في حديث سعد بن أبي وقاص: "فإنكم لا تدرون ما بلغت به صلاته" أقول: في الحديث دليل على فضيلة طول العمر في الطاعة، ويشهد له ما أخرجه الترمذي (¬4) من حديث عبد الله بن بسر: أن أعرابياً قال: يا رسول الله! أي الناس خير؟ [316 ب] قال: "من طال عمره وحسن عمله"، قال (¬5): وفي الباب عن أبي هريرة وجابر. وقال (¬6): حسن غريب من هذا الوجه، انتهى. قلت: وأما ما أخرجه سعيد بن منصور (¬7)، وابن جرير في تفسره (¬8) عن أبي الدرداء أنه قال: "ما من مؤمن إلا الموت خير له، وما من كافر إلا الموت خير له، فمن لم يصدقني فإنَّ الله ¬

_ (¬1) في "الموطأ" (1/ 174 رقم 91) وهو حديث صحيح لغيره. (¬2) "النهاية" (2/ 319)، "المجموع المغيث" (2/ 576). (¬3) قال ابن الأثير في "النهاية" (2/ 419): اقتحم الأمر وغيره: إذا رمى نفسه فيه من غير رويَّة وتثبُّت. (¬4) في "السنن" رقم (2329) وهو حديث صحيح. (¬5) في "السنن" (4/ 565). (¬6) في "السنن" (4/ 565). (¬7) في "سننه" (547 - تفسير). (¬8) في "جامع البيان" (6/ 327).

يقول: {وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ (198)} (¬1)، {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ} (¬2) الآية". وأخرج نحوه عبد الرزاق في تفسيره (¬3) وابن أبي شيبة (¬4)، والطبراني (¬5)، والحاكم (¬6)، عن ابن مسعود. فلا يخفى أنه استنباط من الآيتين واجتهاد، ولكن الحديث المرفوع الذي قدمناه عن الترمذي. وحديث "الموطأ" (¬7) دال على أن ظاهر الأرض وطول الحياة خير للمؤمن؛ لأنها إخبار على ما عنده من الجزاء والمثوبة خير للأبرار من أعمالهم، فهي مثل من جاء بالحسنة فله خير منها، بل المؤمن كلما طال عمره كثر عند الله له الخير. وأما الكافر فباطن الأرض خير له بالنظر إلى أنه ببقائه على ظاهرها يزداد كفراً وكسباً للسيئات، وظاهرها خير له باعتبار شدة ما يلقاه من العذاب في البرزخ من عذاب القبر. 3 - وعن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال: بَيْنَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي المَسْجِدِ، وَنَحْنُ مَعَهُ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله! إِنِّي أَصَبْتُ حَدًّا فَأَقِمْهُ عَلَيَّ. فَسَكَتَ عَنْهُ، ثُمَّ أَعَادَ فَسَكَتَ، وَأُقِيمَتِ الصَّلاَةُ، فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - تَبِعَهُ الرَّجُلُ، وَاْتّبَعْتَهُ أَنْظُرُ مَاذَا يَرُدُّ عَلَيْهِ، فَقَالَ ¬

_ (¬1) سورة آل عمران الآية (198). (¬2) سورة آل عمران الآية (178). (¬3) في تفسيره (1/ 142). (¬4) في مصنفه (13/ 303). (¬5) في "الكبير" رقم (8759). (¬6) في "المستدرك" (2/ 298). (¬7) (1/ 174 رقم 91) وهو حديث صحيح لغيره.

لَهُ: "أَرَأَيْتَ حِينَ خَرَجْتَ مِنْ بَيْتِكَ، أَلَيْسَ قَدْ تَوَضَّأْتَ فَأَحْسَنْتَ الوُضُوءَ؟ ". قَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ الله. قَالَ: "ثُمَّ شَهِدْتَ الصَّلاَةَ مَعَنَا؟ " قَالَ: نَعَمْ يَا رَسُولَ الله. قَالَ: "فَإِنَّ الله تَعَالَى قَدْ غَفَرَ لَكَ حَدَّكَ, أَوْ قَالَ: ذَنْبَكَ". أخرجه مسلم (¬1) وأبو داود (¬2). [صحيح] قوله: في حديث أبي أمامة: "أصبت حداً" أقول [391/ أ] في "النهاية" (¬3): ذنباً أوجب عليه حداً، أي: عقوبة. قوله: "واتبعته" أي: أبو أمامة. قال النووي (¬4): المراد بالحد [هنا] (¬5) معصية توجب التعزير لا الشرعي الحقيقي بحد الزنا، فإنه لا يسقط بالصلاة، [317 ب]. ولا يجوز للإمام تركه، ويرشد إلى أنه ليس بحد شرعي ما أخرجه ابن حبان (¬6) عن ابن مسعود قال: قال رجل: يا رسول الله إني لقيت امرأةً في البستان فضممتها وقبلتها وباشرتها وفعلت بها كل شيء إلا أني لم أجامعها. فسكت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنزل الله: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (114)} (¬7). ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (2765). (¬2) في "السنن" رقم (4381). وهو حديث صحيح. (¬3) (1/ 345). (¬4) في شرحه لـ "صحيح مسلم" (17/ 81). (¬5) في (أ) ها هنا. (¬6) في "صحيحه" رقم (1730). وأخرجه أحمد (7/ 281) وأبو يعلى رقم (5389) وابن جرير في جامع البيان (12/ 618)، والمروزي في "تعظيم قدر الصلاة" رقم (70). (¬7) سورة هود الآية (114).

فدعاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقرأها عليه. فقال عمر: يا رسول الله أله خاصة؟ قال: "بل للناس كافة". وأخرج ابن مردويه (¬1) عن بريدة قال: جاءت امرأة من الأنصار إلى رجل يبيع تمراً بالمدينة وكانت امرأة حسناء جميلة، فلما نظر إليها أعجبته. وقال: ما أرى عندي ما أرضى لك ها هنا، ولكن في البيت حاجتك، فانطلقت معه حتى إذا دخلت أرادها عن نفسها، فأبت وجعلت تناشده، فأصاب منها من غير أن يكون أفضى إليها، فانطلق الرجل وندم على ما صنع حتى أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "ما حملك على ذلك؟ " قال: الشيطان. قال له - صلى الله عليه وسلم -: "صل معنا" ونزل {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ}. يقول: صلاة الغداة، والظهر، والعصر. {وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ} المغرب، والعشاء {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} (¬2) فقال الناس: يا رسول الله ألهذا خاصة؟! قال: "بل هي للناس عامة". وفي "الدر المنثور" (¬3) عدة روايات في تفسير الآية، وسبب نزولها فيمن أتى غير الحد الشرعي. وهذا الفعل الذي صدر من المذكور دال على سقوط التعزير الذي كان يقتضيه مباشرة الأجنبية لتوبته [318 ب] وندامته وصلاته. ومثله حديث أنس الثاني، ولعله وحديث أبي أمامة قصة واحدة. 4 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله: إِنِّي أَصَبْتُ حَدًّا فَأَقِمْهُ عَلَيَّ، وَلَمْ يَسْالهُ، وَحَضَرَتِ الصَّلاَةُ فَصَلَّى مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الصَّلاَةَ قَامَ إِلَيْهِ الرَّجُلُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله إِنِّي أَصَبْتُ حَدًّا، فَأَقِمْ فِيَّ كِتَابَ الله تَعَالَى. قَالَ: ¬

_ (¬1) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (3/ 352). (¬2) سورة هود الآية (114). (¬3) (3/ 352 - 353).

"أَلَيْسَ قَدْ صَلَّيْتَ مَعَنَا؟ ". قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: "اذْهَبْ, فَإِنَّ الله قَدْ غَفَرَ لَكَ ذَنْبَكَ". أوْ قَالَ "حَدَّكَ". أخرجه الشيخان (¬1). [صحيح] 5 - وعن عاصم بن سفيان الثقفي - رضي الله عنه -: أَنَّهُمْ غَزَوْا غَزَاةَ السَّلاَسِلِ، فَفَاتَهُمُ الغَزْوُ فَرَابَطُوا، ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى مُعَاوِيَةَ وَعِنْدَهُ أَبُو أَيُّوبَ، وَعُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ، فَقَالَ عَاصِمٌ: يَا أَبَا أَيُّوبَ فَاتَنَا الغَزْوُ العَامَ، وَقَدْ أُخْبِرْنَا أَنَّهُ مَنْ صَلَّى فِي المَسَاجِدِ الأَرْبَعَةِ غُفِرَ لَهُ ذَنْبُهُ. فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي أَدُلُّكَ عَلَى أَيْسَرَ مِنْ ذَلِكَ، إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مَنْ تَوَضَّأَ كَمَا أُمِرَ، وَصَلَّى كَمَا أُمِرَ، غُفِرَ لَهُ مَا قَدَّمَ مِنْ عَمَلٍ. أَكَذَلِكَ يَا عُقْبَةُ؟ " قَالَ: نَعَمْ. أخرجه النسائي (¬2). [صحيح] قوله: "وعن عاصم بن سفيان" أقول: في "الجامع" (¬3) هو عاصم بن سفيان الثقفي روى عنه ابنه قيس، ولا يصح حديثه، انتهى، عدَّه في الصحابة. وفي كتاب الكاشغري في الصحابة عاصم بن سفيان الثقفي سكن المدينة. روى حشرج بن نباتة عن هشام بن حبيب، عن بشر بن عاصم عن أبيه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديث [الولي] (¬4) ووقوفه على جسر جهنم لم يقل عن أبيه. وقال الترمذي: لا يصح حديثه. انتهى. وهنا أنه بشر بن عاصم. وابن الأثير قال: قيس بن عاصم وفي "التقريب" (¬5) بشر بن عاصم بن سفيان بن عبد الله بن ربيعة بن الحارث الثقفي الطائفي ثقة، انتهى. ¬

_ (¬1) البخاري في "صحيحه" رقم (6823) ومسلم رقم (2764). (¬2) في "السنن" رقم (144). وهو حديث صحيح. (¬3) في تتمة "جامع الأصول" (1/ 556 قسم الرجال). (¬4) في (أ): الوالي. (¬5) (1/ 99 رقم 60).

وهو هذا فيما أظن؛ لأنه لم يذكر قيس بن عاصم الثقفي في "القاف" وصرح ابن الأثير في حرف "الباء الموحدة" (¬1) بأنه بشر بن عاصم بن سفيان، فما وقع فيه في قوله: قيس بن عاصم لعله غلط من الكاتب. قوله: "غزاة السلاسل" أقول: بالمهملتين والأولى مفتوحة في الأكثر، وتروى مضمومة، وهذه التسمية وقعت في غزاة عمرو بن العاص في السنة السابعة، وقيل: في الثامنة من الهجرة، سميت بذلك؛ لأنه ارتبط بعضهم ببعض خشية أن يفروا. وقيل: سميت باسم ماء بأرض جذام. قلت: ولكن هذه الغزوة المذكورة هنا غير تلك قطعاً، وكأنه وافق الاسم فإن هذه في أيام معاوية. قوله: "يا أبا أيوب فاتنا الغزو العام" كأنه عدّ فواته ذنباً لهم، فلذا قال: "وقد أخبرنا" مغير صيغه أي: عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ ما ذكره لا يكون إلا توقيفاً. "والمساجد الأربعة" مسجد بيت الله الحرام، ومسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومسجد بيت المقدس، ولا أدري ما أراد بالرابع أمسجد الكوفة فإنه قد عُمّر حينئذٍ [319 ب] لأنها عمرت في أيام عمر - رضي الله عنه -. 6 - وعن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - قال: سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقُولُ: "يَعْجَبُ رَبُّكَ مِنْ رَاعِي غَنَمٍ فِي رَأْسِ شَظِيَّةِ الجَبَلِ يُؤَذِّنُ بِالصَّلاَةِ وَيُصَلِّي، فَيَقُولُ: الله تَعَالَى: انْظُرُوا إِلَى عَبْدِي هَذَا، يُؤَذِّنُ وَيُقِيمُ الصَّلاَةَ يَخَافُ مِنِّي، قَدْ غَفَرْتُ لِعَبْدِي وَأَدْخَلْتُهُ الجَنَّةَ". أخرجه أبو داود (¬2) والنسائي (¬3). [صحيح] ¬

_ (¬1) في "تتمة جامع الأصول" (1/ 217 - قسم التراجم). (¬2) في "السنن" رقم (1203). (¬3) في "السنن" رقم (666). وهو حديث صحيح.

"الشَّظِيَّةُ": قطعة مرتفعة في رأس الجبل. قوله في حديث عقبة: "يعجب ربك" أقول: العجب (¬1) من الرب استحسانه ومحبته للفاعل أو للفعل. و"شظية" (¬2) بشين معجمة مفتوحة فطاء معجمة مكسورة فمثناة تحتية. قوله: "يؤذن ويقيم [الصلاة] (¬3) فيه شرعية ذلك للمنفرد [392/ أ]. وقد أخرج مالك في "الموطأ" (¬4) وغير مالك (¬5) من حديث أبي سعيد أنه قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إني أراك تحب الغنم والبادية, فإذا كنت في باديتك أو غنمك فأذنت بالصلاة فارفع صوتك بالنداء ... " (¬6) الحديث. ¬

_ (¬1) العجب صفة من صفات الله عز وجل الفعلية الخبرية الثابتة له بالكتاب والسنة. قال أبو يعلى الفراء في "إبطال التأويلات" (ص 245) بعد أن ذكر الثلاثة أحاديث في إثبات صفة العجب: "اعلم أنه لا يمتنع إطلاق ذلك عليه وحمله على ظاهره" إذ ليس في ذلك ما يحيل صفاته، ولا يخرجها عمّا تستحقه؛ لأن لا نثبت عجباً هو تعظيم لأمر وهمه استعظمه لم يكن عالماً به؛ لأنه مما لا يليق بصفاته، بل نثبت ذلك صفة كما أثبتنا غيرها من صفاته. انظر: مزيد تفصيل: "مجموع فتاوى" (4/ 181). (¬2) قال ابن الأثير في "النهاية" (1/ 870) الشظيَّة: قطعةٌ مرتفعة في رأس الجبل. وقال في "غريب الجامع" (5/ 395): الشظية من الجبل: قطعة انقطعت منه ولم تنفصل، كأنها انكسرت منه ولم تنكسر، والجمع شظايا. (¬3) سقطت من (ب). (¬4) في "الموطأ" (1/ 69 رقم 5). (¬5) وأخرجه البخاري رقم (609، 3296، 7548). (¬6) وتمامه: " ... فإنَّه: لا يسمع مدى صوت المؤذن جنٌّ ولا إنس، ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة" قال أبو سعيد: سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

وقوله: "رأس شظية" حكاية للواقع؛ لأنه لا ينال الأجر هذا إلا من كان في [مثل] (¬1) ذلك. 7 - وعن مالك (¬2) - رضي الله عنه -: أَنَّهُ بَلَغَهُ أّنَّ رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا، وَاعْلَمُوا أَنَّ خَيْرَ أَعْمَالِكُمُ الصَّلاَةُ، وَلاَ يُحَافِظُ عَلَى الوُضُوءِ إِلاَّ مُؤْمِنٌ". [صحيح لغيره] قوله في حديث مالك: "استقيموا" أقول: هو من قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} (¬3). وقد فسر - صلى الله عليه وسلم - الاستقامة بما أخرجه الترمذي (¬4) والنسائي (¬5) والبزار (¬6) وأبو يعلى (¬7) وابن جرير (¬8) وابن أبي حاتم (¬9) وابن عدي (¬10) وابن مردويه (¬11) عن أنس قال: قرأ علينا ¬

_ (¬1) زيادة من (أ). (¬2) في "الموطأ" (1/ 34 رقم 36) وهو مرسل، ولكنه جاء من حديث ثوبان عن النّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - من طرق. أخرجه أحمد (5/ 276 - 277) وابن ماجه رقم (277) من حديث ثوبان، وهو حديث صحيح. (¬3) سورة فصلت الآية (30)، سورة الأحقاف الآية (13). (¬4) في "السنن" رقم (3250). (¬5) في "السنن الكبرى" رقم (11409). (¬6) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (7/ 321). (¬7) في "مسنده" رقم (3495). (¬8) في "جامع البيان" (20/ 422). (¬9) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (7/ 321). (¬10) في "الكامل" (3/ 1288). (¬11) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (7/ 321).

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذة الآية: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} (¬1) قد قالها ناس من الناس ثم كفر أكثرهم، فمن قالها حتى يموت فهو ممن استقام [320 ب] عليها، انتهى. والمراد بها كلمة التوحيد. وأخرج ابن المبارك (¬2) وعبد الرزاق (¬3) والفريابي (¬4) وسعيد بن منصور (¬5) وغيرهما عن أبي بكر الصديق في قوله: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} قال: الاستقامة أن لا تشركوا بالله شيئاً. وأخرج ابن مردويه (¬6) من طريق الثوري عن بعض الصحابة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا على فرائض الله" وفي معناه أحاديث. قوله: "ولن تحصوا" أي: لا تطيقون الإتيان بكل ما أمرتم، ولكن قاربوا وسددوا. وهو يراد به الاقتصاد في الأعمال، والإتيان بهذه الجملة بعد الأمر بالاستقامة كالاحتراز عن أن يظن السامع [أَنَّه] (¬7) يراد المبالغة في الاستقامة. قوله: "واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة" أقول: الإيمان لما علم قطعاً أنه خير الأعمال، وأنه لا صلاة إلا لمؤمن "ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن"؛ لأن الوضوء من أشرف ¬

_ (¬1) سورة فصلت الآية (30)، سورة الأحقاف الآية (13). (¬2) عزاة إليه السيوطي في "الدر المنثور" (7/ 321). (¬3) في تفسيره (2/ 187). (¬4) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (7/ 322). (¬5) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (7/ 321). (¬6) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (7/ 322). (¬7) في (ب): أن.

الطاعات، وفيه مشقة سيما في [الشتوات] (¬1) [فلا] (¬2) يحافظ عليه إلا مصدق بالله وبرسله [وبفضيلة] (¬3) ما أمر به. في "الجامع" (¬4) أخرجه "الموطأ" وقد قال في أوله: كما قال المصنف، وعن مالك بلغه والمصنف اكتفى بروايته عنه عن نسبته إليه. 8 - وعن حذيفة - رضي الله عنه - قال: "كانَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ صَلى" أخرجه أبو داود (¬5). [حسن] "حَزَبَهُ": بالباء والنون: أي: نزل به، وأوقعه في الحزن. قوله في حديث حذيفة: "حزبه" قد فسره المصنف، ويروى بالنون والموحدة، وقد أشار إلى تفسيرهما، وكان الأولى أن يقول: أو أوقعه في الحزن. في "النهاية" (¬6): "كان إذا حزبه أمر صلى" أي: أوقعه في الحزن يقال: حزبني الأمر وأحزبني فأنا محزون، ولا يقال: محزن ثم قال: ويروى بالباء وفسره فيها بقوله: أي: إذا نزل [به] (¬7) وأصابه غم، وفيه دليل على أن الصلاة تدفع الهموم والأحزان [321 ب] وأنه دواء لذلك الداء. 9 - وعن عبد الله بن سلمان عن رجل من أصحاب النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: جَاءَ رَجُلٌ يَوْمُ خَيْبَرَ إِلَى النّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله لَقَدْ رَبِحْتُ اليَوْمَ رِبْحاً مَا رَبِحَهُ أَحَدٌ مِنْ هَذَا الوَادِي؟ قَالَ: "وَيْحَكَ، وَمَا رَبِحْتَ؟ ". قَالَ: مَا زِلْتُ أَبِيعُ وَأَبْتَاعُ حَتَّى رَبِحْتُ ثَلاَثَمائَةِ أُوقِيَّةٍ، فَقَالَ لَهُ - صلى الله عليه وسلم -: ¬

_ (¬1) في (أ): الشهوات. (¬2) في (ب): ولا. (¬3) في (ب): بفضله. (¬4) (9/ 395). (¬5) في "السنن" رقم (1319) وهو حديث حسن. (¬6) (1/ 369). (¬7) في (ب): بهم.

"أفلَا أُنَبِّئُكَ بِخَيْرِ رَجُلٍ رَبِحَ؟ " فَقَالَ: مَا هُوَ يَا رَسُولَ الله؟ قَالَ: "رَكعَتَيْنِ بَعْدَ الصَّلاَةِ". أخرجه أبو داود (¬1). [ضعيف] 10 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "حُبِّب إِليَّ النِّسَاءُ وَالطِّيبُ، وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي في الصَّلاَةِ". أخرجه النسائي (¬2). [صحيح] قوله: "عن عبد الله بن سلمان" أقول: لم أجد الحديث في "الجامع" (¬3) [فِيَ] (¬4) كتاب فضل الصلاة ولا وجدت عبد الله بن سليمان في رجال "الجامع" [393/ أ]. 11 - وعن ربيعة بن كعب الأسلمي قال: كُنْتُ أَبِيتُ مَعَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَآتِيهِ بِوَضُوئِهِ وَبِحَاجَتِهِ، فَقَالَ لِي: "سَلْنِي"؟ قُلْتُ: فَإِنِّي أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الجَنَّةِ، فَقَالَ: "أَوَغَيْرَ ذَلِكَ؟ ". قُلْتُ: هُوَ ذَاكَ. قَالَ: "فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ". أخرجه مسلم (¬5) وأبو داود (¬6). [صحيح] 12 - وعن معدان بن أبي طلحة اليعمري - رضي الله عنه - قال: لَقِيتُ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، وَ - رضي الله عنه -، فَقُلْتُ: أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ أَعْمَلُهُ يُدْخِلُنِي الله بِهِ الجَنَّةَ. أَوْ قَالَ: قُلْتُ: بِأَحَبِّ الأَعْمَالِ إِلَى الله تَعَالَى. فَسَكَتَ، ثُمَّ سَالتُهُ فَسَكَتَ، ثُمَّ سَالتُهُ الثَّالِثَةَ، فَقَالَ: سَالتُ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (2785). (¬2) في "السنن" رقم (3939، 3940). وأخرجه أحمد (3/ 128، 199، 285) والحاكم (2/ 160) وقد تقدم مراراً، وهو حديث صحيح. (¬3) وهو كما قال. (¬4) في (ب): من. (¬5) في "صحيحه" رقم (226/ 489). (¬6) في "السنن" رقم (1320). وأخرجه أحمد (4/ 59) والنسائي رقم (2/ 527)، وهو حديث صحيح.

الباب الثاني: في وجوب الصلاة أداء وقضاء

فَقَالَ: "عَلَيْكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ, فَإِنَّكَ لاَ تَسْجُدُ للهِ تَعَالَى سَجْدَةً إِلاَّ رَفَعَكَ الله بِهَا دَرَجَةً، وَحَطَّ عَنْكَ بِهَا خَطِيئَةً". قَالَ مَعْدَانُ: ثُمَّ أَتَيْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ فَسَالتُهُ، فَقَالَ: مِثْلَ مَا قَالَ لِي ثَوْبَانُ. أخرجه مسلم (¬1) والترمذي (¬2) والنسائي (¬3). [صحيح] الباب الثاني: في وجوب الصلاة أداء وقضاء 1 - عن أنس - رضي الله عنه - قال: سَأَلَ رَجُلٌ نَبيَّ الله - صلى الله عليه وسلم -: فقَالَ: يا رسولَ الله! كَمِ افْتَرَضَ الله عَلَى عِبَادِهِ مِنَ الصَّلَوَاتِ؟ قَالَ: "افْتَرَضَ الله عَلَى عِبَادِهِ صَلَوَاتٍ خَمْساً". قَالَ: يا رسولَ الله هَلْ قَبْلَهُنَّ أَوْ بَعْدَهُنَّ شيءٍ؟ قَالَ: "افْتَرَضَ الله عَلَى عِبَادِهِ صَلَوَاتٍ خَمْسًا"، فَحَلَفَ الرَّجُلُ لاَ يَزِيدُ عَلَيْهَا شَيْئًا، وَلاَ يَنْقُصُ مِنْهَا شَيْئًا، فَقَالَ رَسُولُ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنْ صَدَقَ لَيَدْخُلَنَّ الجَنَّةَ". أخرجه مسلم (¬4) والترمذي (¬5) والنسائي (¬6)، وهذا لفظ النسائي. [صحيح] وقد أخرجه مسلم والترمذي في جملة حديث طويل مذكور في كتاب الإيمان. [.............................................................................] (¬7). ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (225/ 488). (¬2) في "السنن" رقم (388). (¬3) في "السنن" رقم (1139). وأخرجه ابن ماجه رقم (1423) وابن أبي شيبة في "المصنف" (2/ 51). (¬4) في "صحيحه" رقم (12). (¬5) في "السنن" رقم (619). (¬6) في "السنن" رقم (2091، 2093). وأخرجه البخاري رقم (63) بنحوه, وأخرجه ابن ماجه رقم (1402). (¬7) في (ب) بياض بمقدار ستة أسطر.

(الباب الثاني في وجوب الصلاة أداءً وقضاءً) قوله: "رجل" تقدم أنه ضمام بن ثعلبة الذي وقع له نحو هذا فلعله هو، واعلم أنه قال الحربي (¬1): إن الصلاة قبل الإسراء. قوله: "صلوات خمساً" أقول: في "الجامع" (¬2) قال: يا رسول الله! قبلهن أو بعدهن من شيء؟ قال: "افترض الله على عباده صلوات خمساً" وهكذا لفظه في النسائي (¬3) في باب كم فرضت في اليوم والليلة، وذكر حديث ضمام بن ثعلبة ولم يصرح باسمه، بل قال رجل: رواه من حديث طلحة (¬4) بن عبيد الله، ثم أخرج هذا الحديث من حديث أنس (¬5) إلا أنه في الأول ذكر الفرائض ما عدا الحج. وقال في آخره: "والله لا أزيد على هذا ولا [أنقص] (¬6) قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أفلح إن صدق" فأول حديث أنس مقتطع من ذلك، فرواه طلحة كاملاً ورواه أنس مختصراً. قوله: "وهذا لفظ النسائي" أقول: هو كما قال، إلا أن لفظ الزيادة التي ذكرناها [322 ب] لعلها سقطت على المصنف أو على غيره. 2 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: فُرِضَتْ عَلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ الصَّلَاةُ خَمْسِينَ، ثُمَّ نُقِصَتْ حَتَّى جُعِلَتْ خَمْسًا، ثُمَّ نُوديَ: "يَا مُحَمَّدُ! إِنَّهُ لاَ يُبَدَّلُ القَوْلُ لَدَيَّ، وَإِنَّ لَكَ بِهَذِهِ الخَمْسِ خَمْسِينَ". ¬

_ (¬1) انظر: "فتح الباري" (1/ 463 - 464). (¬2) (5/ 183). (¬3) في "السنن" رقم (458، 459). (¬4) رقم (458) وهو حديث صحيح. (¬5) رقم (459) وهو حديث صحيح. (¬6) في (أ): انتقص.

أخرجه الخمسة (¬1) إلا أبا داود. [صحيح] وهذا لفظ للترمذي. قوله في حديث أنس: "فرضت [الصلاة] (¬2) خمسين" أقول: الحديث بعضه وطوله مذكور في أحاديث الإسراء. قال ابن الأثير (¬3): هنا بعد ذكر رواية الترمذي هذه، وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي في حديث طول يتضمن ذكر الإسراء، والحديث بطوله مذكور في كتاب النبوة من حرف النون. قوله: "وإن لك بهذه الخمس خمسين". أقول: أي: أجر خمسين صلاة، الصلاة بعشر صلوات كغيرها من الحسنات. قوله: "وهذا لفظ الترمذي" قلت: وقال (¬4): وفي الباب عن عبادة بن الصامت، وطلحة ابن عبيد الله وأبي قتادة، وأبي ذر، ومالك بن صعصعة، وأبي سعيد الخدري. قال أبو عيسى (¬5): حديث أنس حسن صحيح غريب. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (349) ومسلم رقم (263/ 163)، والنسائي (1/ 217) والترمذي رقم (213) وقال: حديث حسن صحيح غريب. وأخرجه أحمد (3/ 161) وأبو عوانة (1/ 118 - 120 رقم 354)، وابن حبان رقم (7406) وابن منده رقم (714) والبغوي رقم (3754). (¬2) في (أ): الصلوات. (¬3) في "الجامع" (5/ 184). (¬4) في "السنن" (1/ 418). (¬5) في "السنن" (1/ 418).

3 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: فَرَضَ الله الصَّلاَةَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ - صلى الله عليه وسلم - فِي الحَضَرِ أَرْبَعًا، وَفِي السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ، وَفِي الخَوْفِ رَكْعَةً. أخرجه مسلم (¬1) وأبو داود (¬2) والنسائي (¬3). [صحيح] قوله في حديث ابن عباس: "في الحضر أربعاً" أقول: يريد أنه استقر فرضها كذلك، وإلا ففي حديث عائشة (¬4): أنها فرضت الصلوات ركعتين ركعتين ثم أقرت في [السفر وزيدت في الحضر] (¬5). قوله: "وركعتين في السفر" أقول: ظاهره أنها فرضت أي: أوجبت كذلك قال النووي في "شرح مسلم" (¬6): اختلف العلماء في القصر في السفر. فقال الشافعي (¬7) ومالك بن أنس (¬8) وأحمد (¬9) وأكثر العلماء: يجوز القصر والإتمام والقصر أفضل، ولنا قول: أن الإتمام أفضل، ووجه أنهما سواء، والصحيح المشهور القصر. ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (5/ 687). (¬2) في "السنن" رقم (1247). (¬3) في "السنن" رقم (1532). وهو حديث صحيح. (¬4) عن عائشة - رضي الله عنها - بلفظ: "فرضت الصلاة ركعتين، فأقرّت صلاة السفر وأتمت صلاة الحضر". [أخرجه أحمد (6/ 234) والبخاري رقم (1090) ومسلم رقم (1/ 685)]. (¬5) في (أ) الحضر وزيدت في السفر. وهو خطأ. (¬6) في شرحه لـ "صحيح مسلم" (5/ 196). (¬7) "الأم" (4/ 224)، "المجموع شرح المهذب" (2/ 356 - 357). (¬8) في "المدونة" (1/ 119). (¬9) المغني (3/ 142 - 143).

وقال أبو حنيفة (¬1): وكثير [من أهل العلم] (¬2) أن القصر واجب، ولا يجوز الإتمام، ويحتجون بهذا الحديث، وبأن أكثر فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه كان القصر. واحتج الشافعي (¬3) وموافقوه بالأحاديث المشهورة في "صحيح مسلم" (¬4) وغيره أن الصحابة كانوا يسافرون مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فمنهم القاصر ومنهم [323ب] المتم، ومنهم المفطر ومنهم الصائم لا يعيب بعضهم على بعض، وبأن عثمان كان منهم وعائشة وغيرهما، وهو ظاهر قول الله: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} (¬5)، وهذا يقتضي رفع الجناح والإباحة. وأما أحاديث: "فرضت الصلاة ركعتين"، فمعناه: فرضت لمن أراد الاقتصار عليها فزيد في صلاة الحضر ركعتان على سبيل التحتيم، وأقرت صلاة السفر على جواز الاقتصار. وثبتت دلائل جواز الإتمام، فوجب المصير إليها والجمع بين دلائل الشرع، انتهى. وقد كنت كتبت رسالة في جواز القصر (¬6) والإتمام واستوفيت فيها الكلام. قوله: "وفي الخوف ركعة" أقول: قال أيضاً في "شرح مسلم" (¬7): هذا الحديث قد عمل بظاهره طائفة من السلف منهم: الحسن البصري، والضحاك، وإسحاق بن راهويه. ¬

_ (¬1) "البناية في شرح الهداية" (3/ 40). (¬2) زيادة من شرح "صحيح مسلم" (5/ 197). (¬3) انظر: المجموع شرح المهذب (4/ 224). (¬4) (5/ 194 - 195). (¬5) سورة النساء الآية (101). (¬6) وهي الرسالة رقم (78) من "عون القدير" من فتاوى ورسائل ابن الأمير - بتحقيقي. ط: ابن كثير - دمشق. (¬7) (5/ 197).

وقال الشافعي ومالك والجمهور: إن صلاة الخوف كصلاة الأمن في عدد الركعات، إن كانت في الحضر وجب أربع، وإن كانت في السفر وجب ركعتان، ولا يجوز الاقصار على ركعة واحدة في حالٍ من الأحوال. وقالوا: حديث ابن عباس هذا بأن المراد ركعة مع الإمام، وركعة أخرى يأتي بها منفرداً، كما جاءت الأحاديث الصحيحة في صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه في صلاة الخوف، وهذا التأويل لا بد منه للجمع بين الأدلة. انتهى. 4 - وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: فَرضَ الله الصَّلَاةَ حِينَ فَرضَهَا رَكْعَتَيْن، ثم أتمها في الحضر، وأقرت صلاة المسافر على الفريضة الأولى. أخرجه الستة (¬1) إلا الترمذي [صحيح] قوله في حديث عائشة: "ثم أتمها في الحضر" أقول: في رواية "الجامع" عن عائشة بلفظ: "ثم هاجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ففرضت أربعاً، فأفاد وقت فريضة صلاة الحضر". 5 - وعن عمر - رضي الله عنه - قال: "صَلَاةُ النَّحْرِ رَكْعَتَانِ، وَصَلَاةُ الفِطْرِ رَكْعَتَانِ، وَصَلاَةُ السَّفَرِ رَكْعَتَانِ، وَصَلاَةُ الجُمُعَةِ رَكْعَتَانِ، تَمَامٌ غَيْرُ قَصْرٍ عَلَى لِسَانِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ". أخرجه النسائي (¬2). [صحيح] قوله في حديث عمر: "تمام غير قصر" [324 ب] أقول: هذا حال من قوله: "وصلاة المسافر ركعتان"؛ لأن صلاة السفر هي التي تسمى قصراً وفي القرآن: {أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (1090، 3935) ومسلم رقم (2/ 685) وأبو داود رقم (1198) والنسائي رقم (453 - 455) ومالك في الموطأ (1/ 146). وهو حديث صحيح. (¬2) في السنن رقم (1420). وأخرجه أحمد (1/ 37) وابن ماجه (1063) وأبو يعلى (241) وابن حبان (2783) والطيالسي (48)، (136) وعبد الرزاق رقم (4278) والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 421) وابن أبي شيبة (2/ 188، 477) وعبد بن حميد رقم (29) والبيهقي (3/ 199 - 200) وأبو نعيم في "الحلية" (4/ 353 - 354) والبزار في المسند (331). وهو حديث صحيح.

الصَّلَاةِ} (¬1) على القول: بأنها من صلاة السفر. ومراد عمر أن أجرها [394/ أ] أجر الصلاة التامة. أو مراده أن الركعتين هي الفريضة الأصلية، وإن زيدت في الحضر. وقوله: "على لسان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " كأنه يريد [فرضت] (¬2) هذه الصلوات المذكورة على هذا العدد على لسان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال الحربي: إن الصلاة قبل الإسراء كانت صلاة قبل غروب الشمس، وصلاة قبل طلوعها، ويشهد له {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ (55)} (¬3)، ثم فرضت الصلوات الخمس ليلة الإسراء قبل الهجرة بعام. فعلى هذا يحتمل حديث عائشة فزيد في صلاة الحضر أي: زيد فيها حتى كملت خمساً، فتكون الزيادة في الركعات وفي عدد الصلوات ويكون قولها (¬4): "فرضت الصلاة ركعتين" أي: قبل الإسراء. وقد قال بهذا طائفة من السلف، منهم ابن عباس. ويجوز أن يكون قولها: "فرضت الصلاة" أي: ليلة الإسراء ثم زيد في صلاة الحضر بعد ذلك، وهذا هو المروي عن بعض رواة هذا الحديث عن عائشة. وقد رويت زيادة في حديث عائشة عند أحمد في "مسنده" (¬5): "إلا المغرب فإنها كانت ثلاثاً". ولابن خزيمة (¬6) وابن حبان (¬7): "فلما قدم المدينة زيد في صلاة الحضر ركعتان، وتركت ¬

_ (¬1) سورة النساء الآية (101). (¬2) في (ب) صفة. (¬3) سورة غافر الآية (55). (¬4) انظر "فتح الباري" (2/ 464). (¬5) (1/ 36). (¬6) في صحيحه (367). (¬7) في صحيحه رقم (2738).

صلاة الفجر لطول القراءة، وصلاة المغرب؛ لأنها وتر النهار". انتهى. 6 - وعن عبد الله بن فضالة عن أبيه - رضي الله عنه - قال: عَلَّمَنِي رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، وَكَانَ فِيمَ عَلَّمَنِي: "وَحَافِظْ عَلَى الصَّلَوَاتِ الخَمْسِ". قَالَ: قُلْتُ: إِنَّ هَذِهِ سَاعَاتٌ لِي فِيهَا أَشْغَالٌ، فَمُرْنِي بِأَمْرٍ جَامِعٍ إِذَا أَنَا فَعَلْتُهُ أَجْزَأَ عَنِّي؟ فَقَالَ: "حَافِظْ عَلَى العَصْرَيْنِ". وَمَا كَانَتْ مِنْ لُغَتِنَا، قُلْتُ: وَمَا العَصْرَانِ؟ فَقَالَ: "صَلاَةٌ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَصَلاَةٌ قَبْلَ غُرُوبِهَا". أخرجه أبو داود (¬1). [منكر]. قوله في حديث عبد الله بن فضالة: "فقلت: وما العصران" [325 ب] أقول: المراد بهما صلاة الفجر وصلاة العصر سماهما عصرين؛ لأنهما يقعان في طرفي العصرين: وهما الليل والنهار، والأشبه أنه غلب أحد الاسمين على الآخر كالعمرين لأبي بكر وعمر والقمرين للشمس والقمر، قاله في "النهاية" (¬2) وليس المراد أنه أذن - صلى الله عليه وسلم - له بتأخير الصلوات بل حثه على هاتين الصلاتين زيادة في حثه على غيرهما؛ لأنهما وقت النوم ووقت الاشتغال في الأسواق. 7 - وعن سبرة بن معبد - رضي الله عنه - قال: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مُرُوا الصَّبِيَّ بِالصَّلاَةِ إِذَا بَلَغَ سَبْعَ سِنِينَ، فَإِذَا بَلَغَ عَشْرَ سِنِينَ فَاضْرِبُوهُ عَلَيْهَا". أخرجه أبو داود (¬3) والترمذي (¬4): ولفظه: "عَلِّمُوا الصَّبيَّ الصَّلَاةَ ابْنَ سَبْعٍ وَاضْرِبُوهُ عَلَيْهَا ابن عَشْرٍ". [حسن] ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (428) وهو حديث منكر. (¬2) في "غريب الحديث" (5/ 186 - 187). (¬3) في "السنن" رقم (494). (¬4) في "السنن" (407). =

قوله: "عن سبرة بن معبد" هو أبو ثرية مضمومة وفتح الراء، وتشديد المثناة التحتية، وهو ابن معبد. ويقال: ابن عوسجة الجهني، سكن المدينة, روى عنه ابنه الربيع (¬1). قوله: "مروا الصَّبي بالصلاة" أقول: الأمر للأولياء بأنهم يأمروا الصبيان بالصلوات الخمس إذا بلغوا في السن سبع سنين، وهذا أمر بغير ضرب، فإذا بلغوا عشر من السنين وجب ضربهم على الإتيان بها، وفي الأمر بضربهم دليل على أنه قد صار ابن العشر مكلف بالصلاة، إذ لو كانت مندوبة في حقه لما جاز إيلامه بالضرب. والصلاة شأنها عظيم، لا يبعد التكليف بها قبل التكليف بغيرها من الواجبات، وقد ذكرنا هذا في حواشي ضوء النهار" (¬2). 8 - وعن ابن عمرو بن العاص - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مُرُوا أَوْلاَدَكُمْ بِالصَّلاَةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعٍ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرِ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي المَضَاجعِ". أخرجه أبو داود (¬3). [حسن] 9 - وله (¬4) في أخرى: أَنَّ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: "إِذَا عَرَفَ يَمِينَهُ مِنْ شِمَالِهِ فَمُرُوهُ بِالصَّلاَةِ". [ضعيف] ¬

_ = وأخرجه الدارمي (1/ 333) والطحاوي في "مشكل الآثار" (3/ 231) والحاكم (1/ 201) والبيهقي (2/ 14) (3/ 83 - 84) وأحمد (3/ 201) من طرق، وهو حديث حسن، والله أعلم. (¬1) ذكره ابن الأثير في "تتمة جامع الأصول" (1/ 434 - قسم التراجم). (¬2) في "منحة الغفار" (2/ 10 - 11 - مع ضوء النهار) بتحقيقي. (¬3) في "السنن" رقم (495). وأخرجه الحاكم (1/ 197) والدارقطني (1/ 230 رقم 2، 3) والبيهقي في "السنن الكبرى" (7/ 94). وهو حديث حسن. (¬4) أخرجه أبو داود في "السنن" رقم (497). وهو حديث ضعيف.

قوله في حديث ابن عمرو: "وفرقوا بينهم في المضاجع" [أقول] (¬1): قيدوه ببين الذكور والإناث. والظاهر عدم التقييد. قوله: "وله" أي: أبي داود في رواية ظاهره أنها رواية عن ابن عمرو، وليس كذلك، بل أخرجها أبو داود (¬2) عن معاذ (¬3) بن عبد الله بن حبيب الجهني. قال: رواية: دخلنا عليه فقال لامرأته [326 ب]: متى يصلي الصبي؟ قالت: [نعم] (¬4) كان رجل منا يذكر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه سئل عن ذلك؟ فقال: "إذا عرف يمينه من شماله الصلاة" هكذا في "الجامع" (¬5) ولا يخفى أن فيه رجلاً مجهولاً (¬6). وفيه دلالة على أنه إذا عرف يمينه من شماله، وإن لم يبلغ سبعاً فإنَّه يؤمر بالصلاة. 10 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: عَرَضَنِي رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يوْمَ أُحُدٍ وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ فَلَمْ يُجِزْنِي، وَعَرَضَنِي يَوْمَ الخَنْدَقِ، وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَأَجَازَنِي. قَالَ نَافِعٌ: فَقَدِمْتُ عَلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ، وَهُوَ خَلِيفَةٌ فَحَدَّثْتُهُ هَذَا الحَدِيثَ، فَقَالَ: إِنَّ هَذَا الحَدَّ مَا بَيْنَ الصَّغِيرِ وَالكَبِيرِ، فَكَتَبَ إِلَى عُمَّالِهِ أَنْ يَفْرِضُوا لِمَنْ بَلَغَ خَمْسَ عَشْرَةَ، وَمَا كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَاجْعَلُوهُ فِي العِيَالِ. ¬

_ (¬1) زيادة من (أ). (¬2) في "السنن" رقم (497) وهو حديث ضعيف. (¬3) وهو كما قال. (¬4) ليست في نسخة "سنن أبي داود" التي بين أيدينا. (¬5) (5/ 188 رقم 3244). (¬6) قال ابن القطان في "الوهم والإيهام الواقعين في كتاب الأحكام" (3/ 339 - 340 رقم 1084): لا تعرف هذه المرأة ولا الرجل الذي روت عنه.

أخرجه الخمسة (¬1). [صحيح] قوله في حديث ابن عمر: "فلم يجزني" أقول: [من] (¬2) الإجازة (¬3): الإذن في الخروج معهم للحرب. ومن قال: المراد لم يعطني من الغنيمة فهو باطل؛ لأن أُحداً لم تكن فيه غنيمة، والخندق لا غنيمة فيه. فالمراد: أنه أذن له في الخندق بحضور الجهاد، ولم يأذن له بذلك في أحد. [395/ أ]. قوله: " [إن] (¬4) هذا الحد ما بين الصغير والكبير" أقول: هذا أخذ من الحديث بطريق الاستخراج منه وإلا فإنه ليس فيه تصريح بذلك، ولذا قيل: إن الخمسة عشر ليست سن البلوغ، وإنما هذا منه - صلى الله عليه وسلم - في الرد والإذن؛ لأن مدار الجهاد على القوة والجلادة (¬5). [و] (¬6) قوله: "أن يفرضوا" أي: من مال بيت المال والغنائم. 11 - وعن أنس - رضي الله عنه -: أَنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ نَسِيَ صَلاَةً فَلْيُصَلِّ إِذَا ذَكَرَهَا، لاَ كَفَّارَةَ لهَا إِلاَّ ذَلِكَ". أخرجه الخمسة (¬7). [صحيح] ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (2664) ومسلم رقم (91/ 1868)، وأبو داود رقم (4406) والنسائي رقم (3431) والترمذي رقم (1361) وابن ماجه رقم (2543)، وهو حديث صحيح. (¬2) زيادة من (أ). (¬3) انظر: "النهاية" (1/ 260) "غريب الحديث" للهروي (1/ 56). (¬4) زيادة من (أ). (¬5) انظر: "فتح الباري" (5/ 278 - 279). (¬6) زيادة من (أ). (¬7) أخرجه البخاري رقم (597) ومسلم رقم (314/ 684). وأبو داود رقم (4406)، (442) والنسائي رقم (613، 614)، وابن ماجه رقم (696)، والترمذي رقم (178) دون قوله: "لا كفارة لها إلا ذلك" وهو حديث صحيح.

12 - وفي أخرى للشيخين (¬1): "إِذَا رَقَدَ أَحَدُكُمْ عَنِ الصَّلاَةِ، أَوْ غَفَلَ عَنْهَا، فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا، فَإِنَّ الله - عز وجل - يَقُولُ: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14)} (¬2) ". [صحيح] قوله في حديث أنس: "فليصل" قال الحافظ (¬3): كذا في جميع الروايات بحذف المفعول. ورواه مسلم (¬4) من رواية هداب بن خالد عن همام بلفظ: "فليصلها" وهو أبين للمراد. انتهى. قول: "إذا ذكرها" أقول: في بعض ألفاظه "لا وقت لها إلا ذلك" فيفيد وجوب الإتيان بها عند الذكر لا يؤخرها. وقال بعضهم (¬5): إنه محمول على الاستحباب، وأنه يجوز تأخيرها لعذر. [قال (¬6)] (¬7): وشد بعض الظاهرية فقال: لا يجب قضاء الفائتة لغير عذر، يريد المتروكة عمداً، ويأتي البحث في ذلك. قوله: "لا كفارة لها إلا ذلك" أقول: زاد في [327 ب] "الجامع" (¬8) في هذه الرواية وتلا قتادة: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14)} (¬9). قوله: "وفي أخرى" أقول: عن أنس. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم رقم (316/ 648)، ولم يخرجه البخاري. (¬2) سورة طه الآية (14). (¬3) في "فتح الباري" (2/ 71). (¬4) في "صحيحه" رقم (314/ 684). (¬5) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 71). (¬6) أي: الحافظ في "الفتح" (2/ 71). (¬7) سقطت من (ب). (¬8) (5/ 189). (¬9) سورة طه الآية (14).

وقوله: "للذكرى" بلامين، وفتح الراء بعدها ألف مقصورة، زاد وكان الزهري يقرؤها (¬1) كذلك قال في "التوشيح": قلت: وهي المتعينة؛ [لأنها] (¬2) التي تصلح للاستدلال، فإن [معناها حين يذكرها بخلاف القراءة المشهورة فإن] (¬3) معناها لذكري فيها. ومن إعجاز القرآن تنوع قراءته بحيث أن لكل قراءة معنى، فيكون بمنزلة تعدد الآيات، انتهى. قوله: "أو غفل عنها" وذلك بالنسيان لها. 13 - وعن أبي قتادة - رضي الله عنه - قال: سِرْنَا مَعَ رَسولِ - صلى الله عليه وسلم - لَيْلَةً فَقَالَ بَعْضُ القَوْمِ: لَوْ عَرَّسْتَ بِنَا يَا رَسُولَ الله؟ قَالَ: "أَخَافُ أَنْ تَنَامُوا عَنِ الصَّلاَةِ". فَقَالَ بِلاَلٌ: أَنَا أُوقِظُكُمْ. فَاضْطَجَعُوا، وَأَسْنَدَ بِلاَلٌ ظَهْرَهُ إِلَى رَاحِلَتِهِ، فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ فَنَامَ، فَاسْتَيْقَظَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، وَقَدْ طَلَعَ حَاجِبُ الشَّمْسِ، فَقَالَ: "يَا بِلاَلُ أَيْنَ مَا قُلْتَ؟ ". فَقَالَ: مَا القِيَتْ عَلَىَّ نَوْمَةٌ مِثْلُهَا قَطُّ. قَالَ: "إِنَّ الله قَبَضَ أَرْوَاحَكُمْ حِينَ شَاءَ، وَرَدَّهَا عَلَيْكُمْ حِينَ شَاءَ، يَا بِلاَلُ! قُمْ فَأَذِّنْ بِالنَّاسِ بِالصَّلاَةِ, فَتَوَضَّأَ، فَلَّمَّا ارْتَفَعَتِ الشَّمْسُ وَابْيَاضَّتْ قَامَ فَصَلَّى بِالنَّاسِ جَمَاعَةً". ¬

_ (¬1) قرأ في الوصل بفتح ياء الإضافة نافع وأبو عمرو وأبو جعفر والزهري واليزيدي "لذكريَ إن". وقرأ بإسكانها حمزة والكسائي وعاصم في رواية أبي بكر وابن كثير وابن عامر. وقرأ السلمي والنخعي وأبو رجاء وابن مسعود وأبي بن كعب وابن السميفع "لِلّذكرَى" بلام التعريف وألف التأنيث. وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي وأبو رجاء والشعبي والزهري: "لِذكْرَى" بألف التأنيث وبغير لام التعريف. انظر: "النشر" (2/ 323) الكشف عن وجوه القراءات (2/ 110). "روح المعاني" (16/ 172)، "البحر المحيط" (6/ 232). (¬2) في (ب): لا. (¬3) سقطت من (ب).

أخرجه الخمسة (¬1)، واللفظ للبخاري والنسائي. [صحيح] قوله في حديث أبي قتادة: "سرنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة" أقول: في سفر. أقول: جزم ابن القيم (¬2) أن ذلك كان في رجوعه - صلى الله عليه وسلم - من خيبر. [و] (¬3) قوله: "فقال بعض القوم: لو عرست بنا يا رسول الله" التعريس: نزول آخر [الليل] (¬4) للاستراحة والنوم، وحذف جواب لو، أي: لكان أسهل لنا. وقوله: "أخاف أن تناموا عن الصلاة" أي: صلاة الفجر جاء في رواية (¬5): أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: ["اكْلْأ لنَا الليلَ"] (¬6). قوله: "فاستيقظ النبي - صلى الله عليه وسلم - " أقول: وكان أولهم استيقاظاً كما في مسلم (¬7) [328 ب]. وقوله: "قبض أرواحكم" هو من قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ} (¬8) ومن قوله: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} (¬9). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (2595، 7471) ومسلم رقم (681)، وأبو داود رقم (437، 438، 439، 440، 441) والترمذي رقم (177) وابن ماجه رقم (698) والنسائي رقم (616). (¬2) في "زاد المعاد" (3/ 315 - 316). (¬3) زيادة من (أ). (¬4) سقطت من (ب). (¬5) أخرجها مسلم في "صحيحه" رقم (309/ 680). (¬6) في (أ. ب): اكلأنا يا بلال. وما أثبتناه من "صحيح مسلم". (¬7) في "صحيحه" رقم (309/ 680). (¬8) سورة الأنعام الآية (60). (¬9) سورة الزمر الآية (42).

وقوله: "ابياضت" (¬1) أي: صفت وكمل بياضها. ويأتي "أنه لم يوقظهم إلا حر الشمس". قوله: "قم فأذن" في "الفتح" (¬2) كذا هو بتشديد ذال أذن وبالموحدة فيهما. قوله: "بالناس" وعند الكشميهني (¬3): "فآذن [بالناس] (¬4) " بالمد وبحذف الموحدة [من (بالناس) وآذن] (¬5) معناه أعلم. قوله: "فتوضأ" زاد أبو نعيم في "المستخرج" (¬6) فتوضأ الناس. قوله: "واللفظ للبخاري" أقول: آخره فيه "فصلى" زاد أبو داود (¬7): "بالناس". قال الحافظ (¬8): وفي الحديث فوائد جواز التماس الأتباع ما يتعلق بمصالحهم الدنيوية وغيرها، لكن بصيغة العرض لا بصيغة الاعتراض، وأن على الإمام أن يراعي المصالح الدينية والاحتراز عما يحتمل فوات العبادة عن وقتها بسببه، وجواز التزام الخادم القيام بمراقبة ذلك والاكتفاء في الأمور المهمة بالواحد. وقبول العذر ممن اعتذر بأمر سائغ. وتسويغ المطالبة بالوفاء وبالالتزام، وإنما بادر بلال بقوله: "أنا أوقظكم" اتباعاً لعادته في الاستيقاظ في مثل ¬

_ (¬1) قال الحافظ في "الفتح" (2/ 67): "وابياضت" وزنه افعال بتشديد اللام مثل احمار وابهار، أي: صفت، وقيل: إنما يقال ذلك في كل لون بين لونين، فأما الخالص من البياض مثلاً فإنما يقال له أبيض. (¬2) (2/ 67). (¬3) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 67). (¬4) في (أ): الناس. (¬5) زيادة يستلزمها النص والمعنى وهي من "فتح الباري". (¬6) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 67). (¬7) في "السنن" رقم (439). (¬8) في "فتح الباري" (2/ 67 - 68).

ذلك الوقت؛ لأجل الأذان إلى أن قال: وفي الحديث ما ترجم له وهو الأذان للفائتة، وبه قال الشافعي في القديم وأحمد وأبو ثور وابن المنذر. وقال الأوزاعي ومالك والشافعي في الجديد: لا يؤذن لها. والمختار عند كثير من أصحابه أنه يؤذن لها لصحة الحديث. واستدل بالحديث بعض المالكية على عدم قضاء السنة الراتبة؛ لأنها لم تذكر فيه أنهم صلوا ركعتي الفجر. ولا دلالة فيه؛ لأنه لا يلزم من عدم الذكر عدم وقوع [329 ب] لا سيما وقد ثبت أنه ركعها في حديث أبي قتادة هذا عند مسلم (¬1). قلت: وكذلك ثبت صلاتهما عند النسائي (¬2) من حديث جبير بن مطعم. ويأتي قريباً أنهم صلوا ركعتي الفجر، وفيه روايات أنه أذن بلال وأقام. قوله: "واللفظ للبخاري" قلت: لكنه ليس فيه لفظ: "بالناس جماعة" بل آخره فيه: "قام فصلى" ولم أجده في النسائي ولفظ "الجامع" (¬3): أخرجه البخاري والنسائي ولم يقل: واللفظ للبخاري [396/ أ]. 14 - وعند أبي داود (¬4): فَمَا أَيْقَظَهُمْ إِلاَّ حَرُّ الشَّمْسِ، فَقَامُوا فَسَارُوا هُنيَةً، ثُمَّ نَزَلُوا فَتَوَضَّئُوا، وَأَذَّنَ بِلاَلٌ فَصَلَّوْا رَكْعَتَيِ الفَجْرِ، ثُمَّ صَلَّوُا الفَجْرَ وَرَكِبُوا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: قَدْ فرَّطْنَا فِي صَلاَتِنَا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّهُ لاَ تَفْرِيطَ فِي النَّوْمِ، إِنَّما التَّفْرِيطُ فِي اليَقَظَةِ، فَإِذَا سَهَا أَحَدُكُمْ عَنْ صَلاَةٍ فَلْيُصَلِّهَا حِينَ يَذْكُرُهَا، وَمِنَ الغَدِ لِلْوَقْتِ". [صحيح] ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (310/ 680). (¬2) في "السنن" رقم (624) بإسناد صحيح. (¬3) (5/ 191). (¬4) في "السنن" رقم (437) و (441). وأخرجه ابن ماجه رقم (698)، والترمذي رقم (177)، والنسائي (615)، وهو حديث صحيح.

قوله: "ولأبي داود" أوله في "الجامع" (¬1): أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان في سفر فمال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وملت معه فقال: "انظر" قلت: هذا راكب [هذان] (¬2) راكبان، هؤلاء ثلاثة، حتى صرنا سبعة. قال: "احفظوا علينا صلاتنا" - يعني صلاة الفجر - فضرب على آذانهم، فما أيقظهم إلا حر الشمس ... الحديث. والجمع بينه وبين ما تقدم أن بلالاً هو الذي قال: أنا أوقظكم. يحتمل أنه أحد السبعة وكان الخطاب منه. قوله: "فتوضئوا" هذا يناسب ما ذكرناه عن المستخرج في "شرح مسلم" (¬3) فإن قيل: كيف نام - صلى الله عليه وسلم - عن صلاة الفجر حتى طلعت الشمس، مع قوله: "إن عيناي تنامان ولا ينام قلبي؟ ". فجوابه من وجهين أصحهما وأشهرهما: أنه لا منافاة بينهما؛ لأن القلب إنما يدرك الحسيات المتعلقات به كالحدث والألم ونحوهما، ولا يدرك طلوع الفجر وغيره مما يتعلق بالعين، وإنما يدرك ذلك بالعين والعين نائمة وإن كان القلب يقظان. والثاني: أنه كان له - صلى الله عليه وسلم - حالان. أحدهما: ينام فيه القلب، وصادف هذا الموضع. والثاني: [لا ينام] (¬4) وهذا هو الغالب من أحواله. وهذا التأويل ضعيف، والصحيح المعتمد هو الأول. انتهى. قوله: "إنما التفريط في اليقظة" هو دليل لما أجمع عليه (¬5) العلماء. أن النائم غير مكلف، وإنما يجب عليه قضاء الصلاة ونحوها [330 ب] بأمر جديد، وأما إذا أتلف النائم برجله أو ¬

_ (¬1) (5/ 191). (¬2) في (أ): هذا. (¬3) (5/ 184). (¬4) سقطت من (ب). (¬5) ذكره النووي في "شرح صحيح مسلم" (5/ 186 - 187).

بعض أعضائه شيئاً في حال نومه، فيجب [عليه] (¬1) ضمانة بالاتفاق، وليس ذلك تكليفاً للنائم؛ لأن غرامة المتلفات لا يشترط فيها التكليف بالإجماع. بل لو أتلف الصبي أو المجنون أو الغافل وغيرهم ممن لا تكليف عليه، وجب عليه ضمانة بالاتفاق، ودليله في القرآن: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} (¬2) فرتب تعالى على قتل الخطأ الدية والكفارة مع أنه [لم] (¬3) يأثم بالإجماع. قوله: "حين يذكرها من الغد" أقول: لعله سقط الواو، أي: وحين يذكرها من الغد، للوقت لتوافق ما يأتي من قوله: "فمن أدرك منكم صلاة الغداة من غدٍ صالحاً فليقض معها مثلها" (¬4). قال النووي (¬5): معناه: إذا فاتته صلاة فقضاها لا يتغير وقتها ويتحول في المستقبل، بل يبقى كما كان، فإذا كان الغد صلى صلاة الغد في وقتها المعتاد، ولا يتحول، وليس معناه أنه يقضي الفائتة مرتين مرة في الحال ومرة من الغد، وإنما معناه ما ذكرنا. هذا هو الصواب في معنى هذا الحديث. وقد اضطربت أقوال العلماء فيه، واختار المحققون ما ذكرته، انتهى. قلت: لكن في بعض ألفاظه: "فمن أدرك منكم صلاة الغداة من غد صالحاً فليقض معها مثلها"، وهو يبعد التأويل. وقال الخطابي (¬6): لا أعلم أحداً من الفقهاء قال بهذا وجوباً، ويشبه الأمر بها استحباباً. ¬

_ (¬1) زيادة من (ب). (¬2) سورة النساء الآية (92). (¬3) في أ: (لا) والذي في شرح صحيح النووي غير. (¬4) أخرجه أبو داود في "السنن" رقم (438) وهو حديث شاذ. (¬5) في شرح "صحيح مسلم" (5/ 187). (¬6) في معالم "السنن" (1/ 305 - مع السنن).

ومثله قال ابن حبان (¬1): وقال ابن رسلان في "شرح السنن": قال قوم: ظاهره إعادة المقضية مرة أخرى عند حضور وقتها الآتي. قال القرطبي (¬2): ترك العمل بهذا الظاهر؛ لأنه يعارضه ما رواه النسائي (¬3) من حديث عمران بن حصين أيضاً أنهم قالوا: يا رسول الله! ألا نقضيها لوقتها من الغد؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا ينهاكم الله عن الربا ويأخذه منكم" ولأن الطريق المشهورة ليس فيها من تلك الزيادة شيء إلا ما ذكر من هذا الحديث وهو محتمل. قال شيخنا ابن حجر (¬4): لم يقل أحد من السلف باستحباب إعادتها [331 ب] لوقتها الآتي، بل هذا الحديث غلط من راويه، وحكى ذلك الترمذي وغيره عن البخاري. قال: وفي النسائي (¬5) عن عمران أنهم قالوا: يا رسول الله ألا نقضيها لوقتها من الغد؟ فقال: "لا ينهاكم عن الربا ويأخذه منكم". 15 - وفي أخرى له: فَقُمْنَا وَهِلِينَ لِصَلاَتِنَا فَقَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "رُوَيْدًا رُوَيْدًا، لَا بَأْسَ عَلَيْكُمْ" حَتَّى إِذَا تَعَالَتِ الشَّمْسُ. قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ كَانَ مِنْكمْ يَرْكَعُ رَكعَتَي الفَجْرِ فلْيَرْكَعْهُمَا". فَقَامَ مَنْ كَانَ يَرْكَعُهُمَا، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ يَرْكَعُهُمَا فَرَكَعَهُمَا، ثُمَّ أَمَرَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أنْ ¬

_ (¬1) في "صحيحه" (6/ 375). (¬2) في "المفهم" (2/ 316). (¬3) في "السنن" (1/ 171). وأخرجه أحمد (4/ 431، 441) وابن خزيمة رقم (994) وابن حبان في "صحيحه" رقم (1461) وابن أبي شيبة (2/ 64 - 65) والطبراني في "الأوسط" كما في "مجمع الزوائد" (1/ 322) والدارقطني (1/ 385)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/ 400)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (2/ 217)، وأبو داود رقم (443)، والشافعي (1/ 54 - 55 - بدائع المنن) وعبد الرزاق في "مصنفه" رقم (2241) من طرق. وهو حديث صحيح. (¬4) في "فتح الباري" (2/ 71). (¬5) انظر: ما تقدم.

يُنَادَي بِالصَّلاَةِ فَنُودِيَ بِهَا، فَقَامَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فَصلَّى بِنَا، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: "أَلاَ إِنَّا بِحَمْدِ الله لَمْ نَكُنْ فِي شَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا يَشْغَلُنَا عَنْ صَلاَتِنَا، وَلَكِنَّ أَرْوَاحَنَا كَانَتْ بِيَدِ الله تَعَالَى، فَأَرْسَلَهَا أَنَّى شَاءَ، فَمَنْ أَدْرَكَ مِنْكُمْ صَلاَةَ الغَدَاةِ مِنْ غَدٍ صَالِحًا فَلْيَقْضِ مَعَهَا مِثْلَهَا" (¬1). [شاذ] 16 - وفي أخرى (¬2) له وللترمذي (¬3) والنسائي (¬4) فقال: أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ، إِنَّمَا التَّفْرِيطُ عَلَى مَنْ لَمْ يُصَلِّ الصَّلَاةَ حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُ الصَّلَاةِ الأُخْرَى. [صحيح] قوله: "حتى يدخل وقت الصلاة الأخرى" أقول: قال النووي (¬5): في الحديث دليل على امتداد كل صلاة من الخمس حتى يدخل وقت الأخرى، وهذا مستمر على عمومه في الصلوات كلها إلا الصبح، فإنها لا تمتد إلى الظهر بل يخرج وقتها بطلوع الشمس لمفهوم: "من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس وفقد أدرك الصبح" (¬6)، وأما المغرب ففيها خلاف سبق بيانه في بابه. والأصح المختار امتداد وقتها إلى دخول وقت العشاء للأحاديث الصحيحة الثابتة في مسلم (¬7)، انتهى. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود في "السنن" رقم (438). (¬2) لأبي داود في "السنن" رقم (441). (¬3) في "السنن" رقم (177). (¬4) في "السنن" رقم (615). (¬5) في شرحه لصحيح مسلم (5/ 187). (¬6) سيأتي نصه وتخريجه. (¬7) (منها) ما أخرجه مسلم رقم (608). وأخرجه البخاري رقم (579) وأحمد (2/ 348، 459) وأبو داود رقم (412) والترمذي رقم (186) والنسائي (1/ 257 - 258) وابن ماجه رقم (699) ومالك في "الموطأ" (1/ 6) عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أدرك من الصبح ركعةً قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح، ومن أدرك ركعةً من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر".

17 - وفي رواية لمسلم (¬1) عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: فَلَمْ نَسْتَيْقِظْ حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ، فَقَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لِيَأْخُذْ كُلُّ رَجُلٍ بِرَأْسِ رَاحِلَتِهِ، فَإِنَّ هَذَا مَنْزِلٌ حَضَرَنَا فِيهِ الشَّيْطَانُ". قَالَ: فَفَعَلْنَا. [صحيح] قوله: "حضرنا فيه الشيطان" وفي اللفظ الآخر: "أصابتكم فيه الغفلة" أقول: الغفلة والنسيان من الشيطان: {وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ} (¬2) قال ابن القيم (¬3): وفيه تنبيه على اجتناب الصلاة في أمكنة الشيطان، كالحمام، والحشِّ بطريق الأولى، فإن هذه منازلُه يأوي إليها ويسكُنها، فإذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - ترك المبادرةَ إلى الصلاة في ذلك الوادي وقال: "إن به شيطاناً" فما الظن بمأوى [الشياطين وبيتهم] (¬4). انتهى [397/ أ]. (تنبيه). قدمنا إشارة إلى قضاء من ترك الصلاة عمداً. واعلم أن ابن الأثير (¬5) والمصنف ترجموا "بباب وجوب الصلاة أداءً قضاءً"، وكأنهما جعلا حديث نومه - صلى الله عليه وسلم - عن الصلاة والإتيان بها بعد خروج وقتها قضاءً، ولا دليل على أنها قضاء. بل الحديث نفسه دال على أنها صليت في وقتها وهو حقيقة [332 ب] الأداء بل صرح [أنه] (¬6) لا وقت لها إلا ذلك، أي: حين اليقظة والذكرى، وحقيقة الأداء ما فعل في وقته المقدر له أولًا، ولما كانت مراده ذهب طائفة من ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (310/ 680). (¬2) سورة الكهف الآية (63). (¬3) في "زاد المعاد" (3/ 317). (¬4) كذا في (أ. ب)، والذي في "زاد المعاد": الشيطان وبيته. (¬5) في "الجامع" (5/ 183). (¬6) في (أ): بأنَّه.

العلماء أنه لا قضاء للمتروكة عمدًا، قال في "فتح الباري" (¬1): وقد تمسك بدليل الخطاب منه القائل: بأن العامد لا يقضي الصلاة؛ لأن انتفاء الشرط يستلزم انتفاء المشروط، فيلزم منه أن من لم ينس لا يصلي. ومن قال: يقضي العامد بأن ذلك يستفاد من مفهوم الخطاب فيكون من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى؛ لأنه إذا وجب القضاء على الناسي مع سقوط الإثم ورفع الحرج عنه، فالعامد أولى، انتهى. واعلم أن المسألة قد بسطها بعض أئمة التحقيق (¬2)، وذكر مستوفياً لأدلة كل فريق فقال: اختلف السلف في هذه المسألة، أي: من ترك الصلاة عمداً من غير عذر مع علمه بوجوبها وفرضيتها ثم ندم وتاب، فقال طائفة: توبته بالندم والاشتغال بأداء الفرائض المستأنفة، وقضاء الفرائض المتروكة، وهذا قول الأئمة الأربعة وغيرهم. وقالت طائفة: توبة هذا باستئناف العمل في المستقبل، ولا ينفعه تدارك ما مضى بالقضاء، ولا يقبل منه فلا يجب عليه، وهذا قول أهل الظاهر (¬3) وهو مروي عن جماعة من السلف [وحجة] (¬4) الموجبين قوله - صلى الله عليه وسلم -: "من [نام] (¬5) عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها" وقرره كما قرره ابن حجر (¬6) في وجه الاستدلال به. قالوا: ولأنه كان يجب عليه أمران الصلاة وإتيانها في وقتها، فإذا ترك أحد الأمرين وجب عليه الآخر. ¬

_ (¬1) (2/ 71). (¬2) انظر: "المحلى" (2/ 235 - 245). (¬3) انظر: "المحلى" (2/ 237). (¬4) في (أ): حجية. (¬5) في (ب): سهى. (¬6) في "فتح الباري" (2/ 71 - 72).

قالوا: ولأن مصلحة الفعل إذا لم يكن تداركها تدارك العبد منها ما أمكن، وقد [فاتت] (¬1) مصلحة الفعل في الوقت، فبتدارك ما أمكن منها وهو فعل خارج الوقت. قالوا: وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أمرتكم بأمر فأتوا [333 ب] منه استطعتم" (¬2) وهذا قد استطاع بالإتيان بالمأمور به خارج الوقت، فيجب عليه الإتيان بالمستطاع. قالوا: ولأن الصلاة خارج (¬3) الوقت بدل عن الصلاة في الوقت، والعبادة إذا كان لها بدل وتعذر المبدل انتقل المكلف إلى بدله كالتيمم مع الوضوء ونحوه. قالوا: ولأن الصلاة حق مؤقت، فتأخيره عن وقته لا يسقطه إلا بمبادرته خارج الوقت كديون الآدميين المؤجلة. قالوا: ولأن غايته أنه أثم بالتأخير، وهذا لا يسقط القضاء، كمن أخر الحج تأخيراً أثم به، أو الزكاة عن وجوبها تأخيراً أثم به. قالوا: ولو ترك الجمعة حتى صلاها الإمام عمداً عصى بتأخيرها، ولزمه أن يصلي الظهر، ونسبة الظهر إلى الجمعة كنسبة صلاة الصبح بعد طلوع الشمس إلى صلاتها قبل الطلوع. قالوا: وقد أخر النبي - صلى الله عليه وسلم - صلاة العصر يوم الأحزاب (¬4) إلى أن صلاها بعد غروب الشمس، فدل على أن فعلها ممكن خارج الوقت في العمد سواء كان مقدوراً كهذا التأخير، أو لم يكن مقدوراً به كتأخير المفرط، فتأخيرهما إنما يختلف في الإثم وعدمه لا في وجوب التدارك بعد الترك. ¬

_ (¬1) في (ب): فات. (¬2) تقدم تخريجه مراراً، وهو حديث صحيح. (¬3) انظر: المجموع شرح المهذب (3/ 14 - 16). "المحلى" (2/ 237 - 238). "البدائع" (1/ 131). (¬4) انظر: "المحلى" (2/ 243).

قالوا: ولأن كل تائب له طريق على التوبة، فكيف نسد على هذا طريق التوبة؟ ونجعل إثم التضييع لازماً له، وطائراً في عنقه، فهذا لا يليق بقواعد الشارع وحكمته ورحمته ومراعاته لمصالح العباد في المعاش والمعاد، فهذا أقصى ما يحتج به لهذه المقالة. قال أصحاب القول الآحر: الصلاة إذا أمر [بها] (¬1) على صفة معينة، أو في وقت بعينه لم يكن المأمور ممتثلاً [للأمر] (¬2) إلا إذا أوقعها على الوجه المأمور [334 ب] من وصفها وشرطها ووقتها وإيقاعها في وقتها المحدود لها شرعاً شرط في صحة التعبد بها والامتثال، فانتفاء وقتها كانتفاء شرطها، وشرطها فلا يتناولها الأمر بدونه. قالوا: وإخراجها عن وقتها كإخراجها عن استقبال القبلة مثلاً، وكالسجود على الخد مثلاً بدلاً عن الجبهة والبروك على الركبة بدل الركوع ونحوه. قالوا: والعبادات التي جعلت لها ظروف من الزمان لا تصح إلا فيه، كالعبادة التي جعلت لها ظروف من المكان، فلو أراد نقلها إلى [أمكنة] (¬3) غيرها لم تصح إلا في أمكنتها، ولا يقوم مكان مقام مكان، كأمكنة المناسك من مكة وعرفة ومزدلفة، والجمار ونحوها، فنقل العبادة إلى أزمنة غير أزمنتها التي جعلت أوقاتاً لها شرعاً إلى غيرها كنقلها عن أمكنتها [398/ أ] التي جعلت لها شرعاً إلى غيرها ولا فرق بينهما في الإثم. قالوا: وأما استدلالكم بحديث "من نام عن صلاته" (¬4) الحديث، وأنه - صلى الله عليه وسلم - أوجب القضاء على المعذور فالمفرط أولى، فهذا الحجة إلى أن تكون عليكم أقرب منها أن تكون لكم، فإنه - صلى الله عليه وسلم - شرط في فعلها بعد الوقت أن يكون الترك عن نوم أو نسيان، والمعلق على شرط ¬

_ (¬1) في (ب): به. (¬2) في (ب): بالأمر. (¬3) سقطت من (ب). (¬4) تقدم تخريجه وهو حديث صحيح.

عدم عند عدمه. وأيضاً فلم يؤخر الصلاة عن وقتها، بل وقتها المأمور به حين استيقظ، وذكر لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "فإن ذلك وقتها" فإن الله يقول: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14)} (¬1) أي: عند ذكري أو وقت ذكري. وأما قولكم: كان يجب عليه أمران: العبادة وإيقاعها في وقتها، فإذا ترك أحدهما بقي عليه الآخر فجوابه أن هذا إنما ينفع إذا لم يكن أحد الأمرين مرتبطاً بالآخر [335 ب] ارتباط [الشرطية] (¬2) كمن أمر بالحج والزكاة، فترك أحدهما لم يسقط عنه الآخر. وأما ما كان شرطاً أو وصفاً له، فكيف يقال: إنه يؤمر بالآخر بدونه، ويصح منه بدون وصفه وشرطه، فأين أمره بذلك؟!! وأما قولكم: إذا لم يكن تدارك مصلحة [الفعل] (¬3) تدارك ما أمكن منها، فجوابه أن هذا إنما يفيد إذا لم يكن حصول المصلحة موقوفاً على شرط تزول المصلحة بزواله، والتدارك بعد فوات شرطه وخروجه عن الوجه المأمور به ممتنع. واستدلالكم بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أمرتكم بأمر" الحديث. فجوابه: أن هذا إنما يدل على أن المكلف إذا عجز عن حمله المأمور به أتى بما يقدر عليه منه، كمن عجز عن القيام للصلاة فيصلي من قعود ونحو ذلك. وقولكم: إن الصلاة خارج الوقت بدل عن الصلاة في الوقت إلى آخره. فجوابه أن هذا مجرد دعوى وهل وقع النزاع إلا في هذا؟ ونحن نطالبكم بالأمر بها أولاً، وبكونها مقبولة ثانياً، وبكونها بدلاً ثالثاً، ولا سبيل لكم إلى إثبات شيء من ذلك البتة، وإنما يعلم كون الشيء بدلاً بإعلام الشارع كشرعية التيمم (¬4) عند العجز عن الماء. وأما قياسكم فعلها خارج الوقت ¬

_ (¬1) سورة طه الآية (14). (¬2) في (ب): الشرعية. (¬3) في (ب): بالفعل. (¬4) انظر: "المحلى" (2/ 243).

على صحة أداء دين الآدميين بعد وقتها فقياس فاسد؛ لأن الوقت الوجوب في حقه ليس محدود الطرفين كوقت الصلاة, فلا يتصور فيه إخراج عن وقت محدود هو شرط لفعله، يعم أول الأوقات، [به] (¬1) الوقت الأول على الفور وتأخيره عنه لا يوجب كونه قضاء. وأما استدلالكم بمن ترك الجمعة عمداً إلى آخر ما ذكرتم. فالجواب أن الواجب في هذا الوقت أحد الصلاتين، ولا بد إما الجمعة [وإما] (¬2) الظهر، فإذا ترك الجمعة فوقت الظهر قائم [336 ب] باقٍ وهو مخاطب بوظيفة الوقت، ولا سيما عند من يجعل الجمعة بدلاً من الظهر، فإنه إذا فاته البدل رجع إلى الأصل (¬3). وأما صلاته - صلى الله عليه وسلم - العصر يوم الأحزاب بعد غروب الشمس، فالجواب أن للعلماء في ذلك قولين: الأول: أنه منسوخ، وهو مذهب الجمهور وأحمد ومالك والشافعي، وأنه كان قبل نزول صلاة الخوف ثم نسخ بنزولها، فكان هذا التأخير الذي نسخ كان مأموراً به، فهو كتأخير المغرب ليلة جمع إلى المزدلفة، وما نسخ لا حكم له على أنه قد قيل: أنه - صلى الله عليه وسلم - أخرها نسياناً كما يفيده قوله - صلى الله عليه وسلم - لعمر وقد قال: ما كدت أُصلي العصر يا رسول الله حتى جانبت كفار قريش. فقال - صلى الله عليه وسلم -: "وأنا والله ما صليت" (¬4)، فإن العبارة ترشد أنه كان ناسياً. ¬

_ (¬1) زيادة من (أ). (¬2) في (أ): أو. (¬3) انظر: "المحلى" (2/ 235 - 236). (¬4) عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما -: أنّ عمرَ جاء يوم الخندق بعدما غربت الشمس فجعل يسبُّ كفار قريش، وقال: يا رسول الله! ما كدت أُصلِّي العصر حتى كادت الشمس تغرب فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "والله ما صلَّيتها"، فتوضأ وتوضأنا فصلَّى العصر بعدما غربت الشمس، ثم صلى بعدها المغرب". [أخرجه البخاري رقم (596) ومسلم رقم (631) والنسائي (3/ 84 - 85)، والترمذي رقم (180)].

[و] (¬1) الثاني: إنه غير منسوخ، وإنه باقٍ حكمه في حق المقاتل، وأنَّ له تأخير الصلاة حال اشتغاله بالحرب والمسايفة، ويفعلها عند تمكنه منها وهو قول أبي حنيفة، ورواية عن أحمد، وإذا عرفت هذا فعلى التقدير [لا يصح] (¬2) إلحاق التارك عمداً وتفريطاً بما ذكر. وكذلك تأخير بعض الصحابة العصر يوم بني قريظة كان تأخيراً مأموراً به عند طائفة كأهل الظاهر. أو تأخيراً سائغاً للتأويل عند آخرين، ولذا لم يعنف - صلى الله عليه وسلم - من صلاها في الطريق، ولا من أخرها إلى الليل حتى صلاها في بني قريظة؛ لأن هؤلاء تمسكوا بظاهر الأمر، والآخرين نظروا إلى المعنى، والكل مجتهدون قاصدون طاعة الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -. ولهذا قيل: إن الذين أخروا [337 ب] أسعد باتباع النص؛ لأن هذا التأخير كان واجباً لأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - به، فهو الطاعة في ذلك اليوم لله تعالى، والله يأمر بما يشاء، فأمره بالتأخير كأمره بالتقديم، فالذين أخروا فازوا بالأجرين الموعود بهما لمن اجتهد فأصاب [399/ أ] وإنما لم يعنف الآخرين لأجل التأويل، فإنهم قصدوا طاعة الله ورسوله، وهم أهل الأجر الواحد. ومن عرف هذا كيف يقول: يلحق العامد المفرط العاصي لله ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - بهؤلاء فهذا في غاية الفساد. قالوا (¬3): وأما قولكم: إن هذا تائب نادم فكيف تسد عليه طريق التوبة، وتجعل إثم التضييع لازماً له وطائراً في عنقه؟ فمعاذ الله أن نسد عليه باب التوبة الذي لا يغلق إلا عند طلوع الشمس من مغربها، وتقبل منه التوبة (¬4) ما لم يغرغر، وإنما الشأن كل الشأن في طريق توبته وتحقيقها هل يتعين لها القضاء؟ أم يستأنف العمل ويصير ما مضى لا له ولا عليه؟ ¬

_ (¬1) زيادة من (أ). (¬2) سقطت من (ب). (¬3) انظر: "المحلى" (2/ 237 - 238). (¬4) تقدم تخريجه وهو حديث صحيح.

ويكون حكمه حكم الكافر إذا أسلم في استئناف العمل وقبول التوبة، فإن ترك فريضة من فرائض الإسلام لا تزيد على ترك الإسلام بجملته وفرائضه. فإذا كانت توبة ترك الإسلام مقبولة صحيحة, فلم يشترط في صحتها إعادة ما فاته في حال كفره أصلياً كان أو مرتداً كما أجمع عليه الصحابة في ترك أمر المرتدين لما رجعوا إلى الإسلام بالقضاء، فقبول تارك الصلاة عامداً، وعدم توقفها على القضاء أولى، فهذا نهاية إقدام الطائفتين ومنتهى شوط الفريقين، وبه يعلم أن القائل بعدم القضاء على العامد أسعد بالأدلة، وإن خالفه العلماء [338 ب] الأجلة. نعم قد كان يبدي لي أن حديث: "فدين الله أحق أن يقضى" (¬1) في جوابه - صلى الله عليه وسلم - للمرأة التي سألته عن حجها عن أبيها، وهو شيخ كبير لا يستطيع الحج لنفسه؟ فقال - صلى الله عليه وسلم -: "أرأيت لو كان على أبيك دين أكنت قاضيته؟ " قالت: نعم. قال: "فدين الله أحق أن يقضى" (¬2). وكنت أقرر الدليل على عمومه بقضاء كل واجب فات وقته، بأن لفظ دين الله عام؛ لأنه اسم جنس مضاف، فيشمل كل حق لله، ثم نظرت وإذا القضاء في قوله: "أحق أن يقضى" مراد به التأدية نحو: "فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض" (¬3)، ومثله حديث: "فصلّ ما أدركت واقض ما فات" (¬4) فيمن أدرك مع الجماعة بعض صلاته - أي: إذ ما سبقت به. أي: إذا أديت. والحج وقته العمر والحج عن المعذور تأدية. ¬

_ (¬1) تقدم تخريجه، وهو حديث صحيح. (¬2) تقدم تخريجه، وهو حديث صحيح. (¬3) سورة الجمعة الآية (10). (¬4) أخرجه أحمد (2/ 270) والبخاري رقم (636)، ومسلم رقم (151، 153/ 602)، وأبو داود رقم (572)، والنسائي رقم (861)، وابن ماجه رقم (775) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصَّلاة، وعليكم السَّكينَة والوقَار، ولا تُسرعوا، فما أدركتم فصلّوا، وما فاتكم فأتمُّوا". وهو حديث صحيح. =

وكذلك قضاء الدين تأديته، فالقضاء بالعنى المراد في لسان الأصوليين والفقهاء، وهو الإتيان بها فات وقته في غير وقته، لم يأت عليه دليل إلا في الصوم {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (¬1) على أن من أوجب الفطر ولم يجعله رخصة يقول: بأن صوم رمضان في أيام أخر أداء لا قضاء، ويجري أيضاً هذا على من يقول: إن الفطر رخصة، وأنه يخير المسافر مثلاً بين الصوم في سفره والإفطار، فإذا أفطر فقد فعل أحد الأمرين الذين خير فيهما، فإذا صام بعد ذلك فصومه أداء. 18 - وفي أخرى لأبي داود (¬2) عن أبي هريرة أيضاً: فقالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "تَحَوَّلُوا عَنْ مَكَانِكُمْ الّذِي أَصَابَتْكُمْ فِيهِ الغَفْلَةُ". [صحيح] "التَّعْرِيسُ" (¬3): نزول المسافر آخر الليل للاستراحة والنوم. "وَالوَهَلُ" (¬4): الفزع والراعب. ومعنى "رُوَيْداً" (¬5): الأمر بالتأني والتمهل. 19 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: أَدْلَجَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ عَرَّسَ فَلَمْ يَسْتَيْقِظْ حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ، أَوْ بَعْضُهَا فَلَمْ يُصَلِّ حَتَّى ارْتَفَعَتِ فَصَلَّى، وَهِيَ صَلاَةُ الوُسْطَى. أخرجه النسائي (¬6). [منكر بزيادة: "وهي صلاة الوسطى"] ¬

_ = وأخرج مسلم في "صحيحه" رقم (154/ 602) بلفظ: "إذا ثوّبَ بالصلاة فلا يسعى إليها أحدكم، ولكن ليمش وعليه السَّكينَة والوقار، فصلّ ما أدركت، واقْض ما سبقك". (¬1) سورة البقرة الآية (184). (¬2) في "السنن" رقم (436)، وهو حديث صحيح. (¬3) قاله ابن الأثير في "النهاية" (2/ 181). (¬4) انظر: "غريب الحديث" للخطابي (1/ 151). "النهاية" (2/ 886). (¬5) انظر: "الفائق" للزمخشري (3/ 278). "النهاية" (1/ 701 - 702). (¬6) في "السنن" رقم (625)، وهو حديث منكر بزيادة "وهي صلاة الوسطى".

قوله في حديث ابن عباس: "وهي صلاة الوسطى" أقول: هذا أحد الأقوال في الصلاة: إنها الفجر، وقد كان الصحابة مختلفين في تعيينها كما أخرج ابن جرير (¬1) عن سعيد بن المسيب قال: كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مختلفين في الصلاة هكذا وشبَّك بين أصابعه. وأخرج ابن جرير (¬2) من طريق أبي العالية عن ابن عباس مثل ما هنا أنها صلاة الفجر. وأخرج عنه عبد الرزاق (¬3)، وابن أبي شيبة (¬4)، وعبد بن حميد (¬5)، وابن جرير (¬6)، وابن المنذر (¬7)، وابن الأنباري (¬8)، والبيهقي (¬9) مثل ذلك، وأنها صلاة الفجر، وقنت فيها ورفع يديه. ثم قال: هذه الصلاة الوسطى التي أمرنا أن نقوم فيها قانتين. ومثله عن جماعة من الصحابة. كما أخرجه عبد الرزاق (¬10)، وابن جرير (¬11) عن أبي العالية: أنه صلى مع أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - الغداة، فلما أن فرغوا قلت لهم: أيتهن الصلاة الوسطى؟ قالوا: التي صليناها قبل. ¬

_ (¬1) في "جامع البيان" (4/ 338). (¬2) في "جامع البيان" (4/ 368). (¬3) في "مصنفه" رقم (2207). (¬4) في "مصنفه" (2/ 506). (¬5) في "جامع البيان" (4/ 269). (¬6) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (1/ 722). (¬7) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (1/ 722). (¬8) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (1/ 722). (¬9) في "السنن" (1/ 461). (¬10) في "مصنفه" (1/ 579). (¬11) في "جامع البيان" (4/ 367 - 369).

وكذلك عن جابر (¬1) بن عبد الله وابن عمر (¬2) وأبي أمامة (¬3) وجماعة من التابعين (¬4). وقال مالك (¬5): بلغني عن علي بن أبي طالب وابن عباس أنهما كانا يقولان: صلاة الوسطى صلاة الصبح. وأخرجه البيهقي في "سننه" (¬6). وقال آخرون: إنها الظهر. فأخرج عبد بن حميد (¬7) عن مكحول: أن رجلاً أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فسأله عن صلاة الوسطى قال: "هي أول صلاة تأتيك بعد صلاة الفجر" وعن زيد بن ثابت (¬8) [400/ أ] من طرق في "الدر المنثور" (¬9) أنها الظهر. وكذلك عن ابن عمر (¬10). ¬

_ (¬1) انظره في "شرح السنة" للبغوي (2/ 235)، "زاد المسير" (1/ 249)، "فتح الباري" (8/ 196). (¬2) أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (2/ 505)، والبيهقي في "السنن" (1/ 362)، وابن عبد البر في "التمهيد" (4/ 284)، وابن حزم في "المحلى" (4/ 250)، والرواية عن ابن عمر: أنها العصر أصح. انظر: "فتح الباري" (8/ 196)، "زاد المسير" (1/ 249). (¬3) انظر: "فتح الباري" (8/ 196)، "المحرر الوجيز" (2/ 233). (¬4) انظر: "شرح السنة" للبغوي (2/ 235)، "فتح الباري" (8/ 196)، "التمهيد" (4/ 284). (¬5) انظر: "التمهيد" (4/ 284)، "المحرر الوجيز" (2/ 234)، روح المعاني (3/ 156). (¬6) (1/ 362). (¬7) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (1/ 721). (¬8) انظر: "الدر المنثور" (1/ 721)، "المحرر الوجيز" (2/ 233)، "طرح التثريب" (2/ 174). (¬9) (1/ 720 - 723). (¬10) حكاه عنه ابن المنذر في "الأوسط" (2/ 366)، وعبد الرزاق في "المصنف" (1/ 576)، وابن حزم في "المحلى" (4/ 260)، وابن عبد البر في "التمهيد" (4/ 289)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (1/ 461)، وهي أصح الروايات عن ابن عمر.

وعن أبي سعيد الخدري (¬1)، وعن عائشة (¬2)، وعن علي بن أبي طالب (¬3)، وعن أُبي بن كعب (¬4)، وعن حفصة (¬5) أم المؤمنين، وهذه ثابتة مخرجة في "الدر المنثور" [من طرق] (¬6). وذهب [340 ب] قوم إلى أنها العصر، وهو أكثر الأقوال وادعي فيه الإجماع (¬7). وأخرج ابن أبي شيبة (¬8)، والترمذي (¬9)، وابن حبان (¬10)، من طرق عن ابن مسعود قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "صلاة الوسطى صلاة العصر". ¬

_ (¬1) حكاه عنه ابن المنذر في "الأوسط" (2/ 366)، وابن عبد البر في "التمهيد" (4/ 288)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (1/ 461). (¬2) وهي أصح الروايات عنها. أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 504)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (1/ 461)، وابن عبد البر في "التمهيد" (4/ 289)، وابن حزم في "المحلى" (4/ 260). (¬3) حكاه عنه ابن المنذر في "الأوسط" (2/ 366)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (1/ 461)، والبغوي في "شرح السنة" (2/ 235)، وابن عبد البر في "التمهيد" (4/ 288)، وابن حزم في "المحلى" (4/ 259). (¬4) حكاه عنه ابن المنذر في "الأوسط" (2/ 366)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (1/ 461)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (2/ 506)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/ 175). (¬5) حكاه عنها ابن عبد البر في "التمهيد" (4/ 289)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (2/ 504)، وزين الدين أبو الفضل في "طرح التثريب" (2/ 173). (¬6) زيادة من (أ). (¬7) انظر: "فتح الباري" (8/ 196)، "التمهيد" (4/ 289). (¬8) في "مصنفه" (2/ 508). (¬9) في "السنن" رقم (181) و (2985). (¬10) في "صحيحه" رقم (1746). وأخرجه أحمد (1/ 392، 403، 404، 456)، ومسلم رقم (628) والطيالسي رقم (366)، والبيهقي (1/ 461)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/ 174) وهو حديث صحيح.

وأخرج ابن المنذر (¬1)، والطبراني (¬2) من طريق مقسم وسعيد بن جبير عن ابن عباس: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال يوم الخندق: "شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس"، والأحاديث فيها كثيرة. وأخرج ابن سعد (¬3) والبزار (¬4) وابن جرير (¬5) والطبراني (¬6) والبغوي (¬7) في "معجمه" عن كُهِيل بن حَرْملَةَ قال: سئل أبو هريرة عن الصلاة الوسطى. فقال: اختلفنا فيها كما اختلفتم فيها، ونحن بفناء بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وفينا الرجل الصالح أبو هاشم بن عُتبة بن عبد شمس، فقال: أنا أعلمكم بذلك، فقام فاستأذن على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدخل عليه ثم خرج إلينا فقال: أخبرنا أنها صلاة العصر. وذهب آخرون إلى أنها الظهر، مستدلين بما أخرجه أحمد (¬8) والبخاري في تاريخه (¬9)، ¬

_ (¬1) في "الأوسط" (2/ 366). (¬2) في المعجم "الكبير" رقم (12069)، وفي "الأوسط" رقم (1995). وانظر: "جامع البيان" (4/ 355 - 356). (¬3) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (1/ 725). (¬4) في "مسنده" رقم (391 - كشف). (¬5) في "جامع البيان" (4/ 356). (¬6) في "الكبير" رقم (7198). (¬7) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (1/ 725). (¬8) في "المسند" (5/ 206). (¬9) (5/ 281، 282، 283).

وأبو داود (¬1)، وابن جرير (¬2)، والطحاوي (¬3)، والروياني (¬4)، وأبو يعلى (¬5)، والطبراني (¬6)، والبيهقي (¬7)، من طريق الزبرقان، عن عروة بن الزبير، عن زيد بن ثابت: أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: كان يصلي الظهر بالهاجرة، وكانت أثقل الصلاة على أصحابه، فنزلت: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} (¬8)؛ لأنها قبلها صلاتين وبعدها صلاتين. وأخرج عبد بن حميد عن مكحول (¬9): أن رجلاً أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فسأله عن صلاة الوسطى قال: "هي أول صلاة تأتيك بعد صلاة الفجر". وأخرج الطبراني في "الأوسط" (¬10) بسند رجاله ثقات عن ابن عمر: أنه سئل عن الصلاة الوسطى قال: كنا نتحدث أنها الصلاة التي وجه فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى القبلة الظهر. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (411). (¬2) في "جامع البيان" (4/ 362 - 363). (¬3) في "شرح معاني الآثار" (1/ 167). (¬4) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (1/ 725). (¬5) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (1/ 725). (¬6) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (1/ 725). (¬7) في "السنن الكبرى" (1/ 462). (¬8) سورة البقرة الآية (238). (¬9) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (1/ 728). (¬10) رقم (240).

وأخرج عبد الرزاق (¬1)، وعبد بن حميد (¬2)، وابن المنذر (¬3)، عن حرمة مولى زيد بن ثابت [341 ب] قال: تمارى زيد بن ثابت، وأبي بن كعب في الصلاة الوسطى. فأرسلاني إلى عائشة فسألتها: أي الصلاة هي؟ قالت: الظهر. وأخرج ابن المنذر (¬4) من طريق أبي جعفر محمد بن علي بن حسين، عن علي بن أبي طالب، قال: الصلاة الوسطى هي الظهر. وأخرج ابن جرير (¬5) عن ابي سعيد قال: صلاة الظهر هي الصلاة الوسطى. وذهب الأقل إلى أنها المغرب مستدلين بما أخرج ابن جرير (¬6) عن قبيصة بن ذؤيب قال: الصلاة الوسطى صلاة المغرب ألا ترى أنها ليست بأقلها ولا أكثرها، ولا تقصر في السفر؟ قلت: وهذا ليس فيه دليل؛ لأنه من كلام قبيصة واجتهاده. وذهب آخرون: أنها في الخمس غير معينة لما أخرجه عبد بن حميد (¬7) عن مجاهد، وابن سيرين، قال: سأل رجل زيد بن ثابت عن الصلاة الوسطى، قال: حافظ على الصلوات تدركها. وأخرج ابن أبي شيبة (¬8). ¬

_ (¬1) في "مصنفه" (1/ 577). (¬2) عزأه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (1/ 720). (¬3) في "الأوسط" (2/ 366). (¬4) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (1/ 721). (¬5) في "جامع البيان" (4/ 359 - 360). (¬6) في "جامع البيان" (4/ 367). (¬7) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (1/ 729). (¬8) في "مصنفه" (2/ 506).

وعبد بن حميد (¬1) عن الربيع بن خيثم: أن سائلاً سأله عن الصلاة الوسطى. قال: حافظ عليهن، فإنك إن فعلت أصبتها إنما هي واحدة منهن. وأخرج ابن أبي شيبة (¬2) عن ابن سيرين قال: سئل شريح عن الصلاة الوسطى. قال: حافظوا عليهن تصيبوها. قلت: الأدلة على أنها العصر نصوص لا ريب فيها، ولذا ادُعي الإجماع على أنها العصر، [فأما] (¬3) بقية الأقوال فأدلتها دون ذلك، وإن كان في الفجر أدلة قوية، لكنها لا تقوى على الترجيح على أدلة صلاة العصر. 20 - ولمالك (¬4) عن زيد بن أسلم فقال: إِنَّ الله قَبَضَ أَرْوَاحَنَا، وَلَوْ شاءَ لَرَدَّهَا إِلَيْنَا فِي حِينٍ غَيْرِ هَذَا، ثُمَّ التَفَتَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رضي الله عنه - فقَالَ: إِنَّ الشَّيْطَانَ أَتَى بِلاَلاً وَهُوَ قَائِم يُصَلِّي فَأَضْجَعَهُ، فَلَمْ يَزَلْ يُهَدْهِدُهُ كما يُهَدْهَدُ الصَّبِيُّ حَتَّى نَامَ". ثُمَّ دَعَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بلاَلاً، فَأَخْبَرَ بِلاَلٌ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - مِثْلَ الَّذِي أَخْبَرَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أبَا بَكْرٍ فَقَالَ - رضي الله عنه -، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ الله. [حسن لغيره] "الإِدْلَاجُ": بالتخفيف السير من أول الليل، وبالتشديد من آخره. 21 - وعن جابر - رضي الله عنه -: أَنَّ عُمَرَ - رضي الله عنه - جَاءَ يَوْمَ الخَنْدَقِ بَعْدَ مَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ، فَجَعَلَ يَسُبُّ كُفَّارَ قُرَيْشٍ، وَقَالَ: يَا رَسُولَ الله: مَا كِدْتُ أُصَلِّي العَصْرَ حَتَّى كَادَتِ الشَّمْسُ تَغْرُبُ. فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: "وَالله مَا صَلَّيْتُهَا". فَقُمْنَا إِلَى بُطْحَانَ، فَتَوَضَّأَ لِلصَّلاَةِ، وَتَوَضَّأْنَا، فَصَلَّى العَصْرَ بَعْدَ مَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى بَعْدَهَا المَغْرِبَ. ¬

_ (¬1) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (1/ 729). (¬2) في "مصنفه" (2/ 506). (¬3) في (أ): وأمَّا. (¬4) في "الموطأ" (1/ 14 - 15 رقم 26)، وهو أثر حسن لغيره.

أخرجه الخمسة (¬1) إلا أبا داود. [صحيح] "وَبَطْحَانُ": اسم واد بالمدينة. قوله في حديث جابر: "ما كدت أصلي" أقول: اليعمري (¬2) لفظة: كاد (¬3) من أفعال المقاربة، فإذا قلت: كاد زيد يقوم فهم منه أنه قارب القيام، ولم يقم، فقوله: ما كدت أُصلي [342 ب] حتى كادت الشمس تغرب. معناه: أنه صلى العصر قرب غروب الشمس؛ لأن نفي الصلاة لا يقتضي إثباتها، وإثبات الغروب يقتضي نفيه، فيحصل من ذلك لعمر ثبوت الصلاة ونفي الغروب. فإن قيل: كيف اختص عمر بإيقاع الصلاة [401/ أ] قبل الغروب دون النبي - صلى الله عليه وسلم -، وبقية أصحابه؟ أجيب: بأنه لعله وقع الشغل بالمشركين إلى قرب الغروب، وكان عمر حينئذٍ متوضئاً فبادر فصلى ثم جاء النبي - صلى الله عليه وسلم - فأعلمه. وكان سبب تأخير الصلاة يومئذٍ الشغل بالمشركين. وللنسائي (¬4) عن أبي سعيد أن ذلك كان قبل أن ينزل الله صلاة الخوف {فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} (¬5). وفيه: أنه فاتهم يومئذٍ الظهر والعصر. وفي الترمذي (¬6) والنسائي (¬7) عن ابن مسعود: أربع صلوات حتى ذهب من الليل ما شاء الله. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (596)، ومسلم رقم (631)، والنسائي (3/ 84 - 85)، والترمذي رقم (180) وقال: حديث حسن صحيح. (¬2) أي: قال اليعمري. (¬3) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 69). (¬4) في "السنن" (1/ 297). (¬5) سورة البقرة الآية (238). (¬6) في "السنن" رقم (179) وقال: ليس وبإسناده بأس، إلا أن أبا عبيدة لم يسمع من عبد الله. (¬7) في "السنن" رقم (662). وهو حديث صحيح لغيره. =

قال ابن العربي (¬1): وما في الصحيح هو [المعتمد] (¬2) وهو أن الذي فات العصر خاصة. وجمع بعضهم بأن واقعة الخندق كانت أياماً، فكان ذلك في أوقات مختلفة في تلك الأيام. ورجحه اليعمري (¬3) وابن حجر (¬4). قلت: وبهذا الجمع أيضاً يجمع بين حديث أنها ردت عليه الشمس يوم الخندق حتى صلى العصر، فلعله كان في يوم آخر غير الذي ذكرت قصته في الصحيح قاله في "التوشيح". 22 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه -: أَنَّ المُشْرِكِينَ شَغَلُوا رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ الخَنْدَقِ عَنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ حَتَّى ذَهَبَ مِنَ اللَّيْلِ مَا شَاءَ الله، فَأَمَرَ بِلاَلاً فَأَذَّنَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى العَصْرَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى المَغْرِبَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى العِشَاءَ". أخرجه الترمذي (¬5) والنسائي (¬6). [صحيح لغيره] قلت: وحديث ابن مسعود هو الذي أتى به المصنف هنا وقال: "أخرجه الترمذي والنسائي" قلت: لكن قال الترمذي (¬7) بعد إخراجه: حديث عبد الله ليس به بأس، إلا أن أبا عبيدة لم يسمع من عبد الله، انتهى. ¬

_ = أخرجه أحمد في "المسند" رقم (3555، 4013 - شاكر) وفي سنده انقطاع كما قال الترمذي، إلا أنّه يعتضد بحديث أبي سعيد. (¬1) في عارضة الأحوذي (1/ 291). (¬2) في (ب): المغني. (¬3) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 69). (¬4) في "فتح الباري" (2/ 70). (¬5) في "السنن" رقم (179). (¬6) في "السنن" رقم (662). وهو حديث صحيح لغيره، وقد تقدم. (¬7) في "السنن" (1/ 338).

[و] (¬1) قوله فيه: "بطحان" وهو بفتح الموحدة وضمها وادٍ بالمدينة [343 ب]. 23 - وعن نافع: أَنَّ عبد الله بن عمر أُغْمِيَ عَلَيْهِ، فَذَهَبَ عَقْلُهُ فَلَمْ يَقْضِ الصَلَاةَ. أخرجه مالك (¬2). [موقوف صحيح] وقال (¬3): وَذَلِكَ فِيمَا نَرَى- وَالله أَعْلَمُ - أَنَّ الوَقْتَ ذَهَبَ، فَأَمَّا مَنْ أَفَاقَ وَهُوَ فِي وَقْتِ الْصَّلَاةِ فَإِنَهُ يُصَلِّي. 24 - وعن نافع أيضاً: أنّ ابنَ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: "مَنْ نَسِيَ صَلَاةً فلَمْ يَذْكُرْهَا إِلاَّ وَهُوَ مَعَ الإِمَامِ، فإذا سلم الإمام فَلْيُصَلِّ الصَّلاَةَ الَّتِي نَسِيَ، ثُمَّ ليُصَلِّ بَعْدَهَا الصَّلاةَ الأُخْرَى". أخرجه مالك (¬4). [موقوف صحيح] 25 - وعن جابر - رضي الله عنه -: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُوْلُ: "بَيْنَ الرَّجُلِ وبَيْنَ الشِّرْكِ تَرْكَ الصَّلاَةِ". أخرجه مسلم (¬5)، واللفظ له، وأبو داود (¬6)، والترمذي (¬7). ولفظه (¬8): "بَيْنَ الكُفْرِ وَالإِيْمَانِ تَرْكُ الصّلَاةِ". ¬

_ (¬1) زيادة من (أ). (¬2) في "الموطأ" (1/ 13 رقم 24)، وهو أثر موقوف صحيح. (¬3) أي: مالك في "الموطأ" (1/ 13). (¬4) في "الموطأ" (1/ 168 رقم 77)، وهو أثر موقوف صحيح. (¬5) في "الصحيحة" رقم (82). (¬6) في "السنن" رقم (678). (¬7) في "السنن" رقم (2622). وهو حديث صحيح. (¬8) عند الترمذي.

26 - وفي أخرى له (¬1) ولأبي داود (¬2): "بَيْنَ العَبْدِ وبَيْنَ الكُفْرِ تَرْكُ الصَلَاةِ". [صحيح] قوله في حديث ابن عمر الثاني: "فإذا سلم الإمام فليصل الصلاة التي نسي" أقول: هذا قول ابن عمر، وبه أخذ مالك (¬3). وقال أبو حنيفة (¬4): إذا ذكرها وهو مع الإمام فسدت صلاته، ووجب عليه صلاة الفائتة، ثم يصلي صلاة الوقت. قلت: ودليله: "فليصليها إذا ذكرها"، وقد ذكرها وهو خلف الإمام، فيجب عليه الخروج، وكلام أبي حنيفة قويم. 27 - وعن بريدة - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "العَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمُ الصَّلاَةُ، فَمَنْ ترَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ". أخرجه الترمذي (¬5) وصححه النسائي (¬6). [صحيح] قوله: "وعن بريدة" أقول: هذه الأحاديث الدالة على كفر تارك الصلاة، جعل لها ابن الأثير (¬7) فرعاً. ¬

_ (¬1) أي: الترمذي. (¬2) في "السنن" رقم (4678)، وهو حديث صحيح. (¬3) انظر: "فتح الباري" (2/ 72 - 73). (¬4) انظر: "البدائع" (1/ 131 - وما بعدها). (¬5) في "السنن" رقم (2621). (¬6) في "السنن" (1/ 231). وأخرجه أحمد (5/ 346)، وابن ماجه (1079)، والحاكم (1/ 6 - 7)، وابن حبان رقم (1454) من طريق الحسين بن واقد عن عبد الله بن بريدة عن أبيه. قال الترمذي: حديث حسن صحيح غريب. وقال الحاكم: صحيح الإسناد لا تعرف له علة بوجهٍ من الوجوه، ووافقه الذهبي وهو كما قالا. وهو حديث صحيح. (¬7) في "الجامع" (5/ 203).

فقال: الفرع الثالث: في إثم تاركها، وساق ما ساقه المصنف من الأحاديث. وجعل الفرع الثاني في قضاء الصلاة. والمصنف أدمجه في الباب الثاني. قوله في حديث بريدة: "العهد الذي بيننا وبينهم" أقول: بين أهل الإسلام، وبين أهل الشرك، إقامة الصلاة، فمن أقامها فهو مسلم، ومن تركها فلم يقمها فهو مشرك كافر. قوله: "أخرجه الترمذي وصححه" قلت: قال (¬1): هذا حديث حسن صحيح غريب. 28 - وعن عبد الله بن شقيق قال: كَانَ أَصْحَابُ رَسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - لا يَروْنَ شَيْئاً مِنَ الأَعْمَالِ تَرْكُهُ كُفْرٌ إِلَّا الصَّلَاةَ. أخرجه الترمذي (¬2). [صحيح موقوف] قوله في حديث عبد الله بن شقيق: هو بالشين المعجمة فقاف، فمثناة تحتية، فقاف بزنة رغيف. ["كان من الصحابة" ظاهر إجماعهم] (¬3). ¬

_ (¬1) في "السنن" (5/ 14). (¬2) في "السنن" رقم (2622). وأخرجه الحاكم في "المستدرك" (1/ 7) من حديث عبد الله بن شقيق عن أبي هريرة وصححه على شرطهما. وقال الذهبي: وإسناده صالح. وقال المحدث الألباني: في "صحيح الترغيب والترهيب" (1/ 367 رقم 565/ 3). التعليقة رقم (1): " ... فيه قيس بن أنيف، ولم أعرفه، وقد خالفه الترمذي فلم يذكر فيه أبا هريرة، وهو الصواب، لكني وجدت له شاهداً عن جابر بن عبد الله بنحوه. أخرجه ابن نصر في "الصلاة" (238/ 1) بسند حسن. وهذا ونحوه محمول على المعاند المستكبر الممتنع من أدائها ولو أنذر بالقتل، كما قال ابن تيمية وابن القيم. انظر: رسالتي "حكم تارك الصلاة". اهـ. وخلاصة القول: أنه صحيح موقوف، والله أعلم. (¬3) كذا في (أ. ب). =

[ويأتي تحقيق ذلك] (¬1). قوله: "أخرجه الترمذي" [344 ب]. 29 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما -: "الَّذِي تَفُوتُهُ صَلاَةُ العَصْرِ، كَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ". أخرجه الستة (¬2). [صحيح] "وُتِرَ" (¬3): أي: نقص. قوله في حديث ابن عمر: "الذي تفوته صلاة العصر" أقول: في "التوشيح" قيل: تخصيص صلاة العصر لا يدرك، فقيل: لأنها وقت السعي على الأهل لطلب المعاش، ولهذا حسن التشبيه بفوات الأهل، والمال، والمراد بفواتها خروج الوقت مثل فواتها في الجماعة وإلا فسائر الصلوات كذلك. 30 - وعن أبي المليح - رضي الله عنه - قال: كُنَّا مَعَ بُرَيْدةَ فِي غَزَاةٍ فِي يَوْمٍ ذِي غَيْمٍ. فَقَالَ: بَكِّرُوا بِصَلاَةِ العَصْرِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ ترَكَ صَلاَةَ العَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ". ¬

_ = ولعل الصواب: والظاهر من الصيغة أن هذه المقالة اجتمع عليها الصحابة؛ لأن قوله: "كان أصحاب رسول الله" جمع مضاف، وهو من المشعرات بذلك. قاله ابن حجر في "التلخيص" (2/ 148 - 149). (¬1) زيادة من (أ). (¬2) أخرجه البخاري رقم (552)، ومسلم رقم (626)، وأبو داود رقم (414)، والترمذي رقم (175)، والنسائي (1/ 255)، وابن ماجه رقم (685). وأخرجه أحمد (2/ 64). وهو حديث صحيح. (¬3) قال ابن الأثير في "غريب الجامع" (5/ 204): "وتر أهله وماله" يقال: وترتُه: إذا نقصته، أي: نقص أهله وماله. وقيل: إن أصل الوتر: الجناية التي يجنيها الرجل على الرجل: من قتله حميمه وأخذه ماله، فشبه ما يلحق هذا الذي تفوته صلاة العصر بمن قتل حميمه وأخذ ماله.

أخرجه البخاري (¬1) والنسائي (¬2). [صحيح] ومعنى "بكروا": بادروا إليها في أول أوقاتها (¬3). ومعنى "حبط عمله" (¬4): أي بطل. قوله في حديث أبي المليح: "فقد حبط عمله" قيل: هو خارج مخرج الزجر والتهديد، وظاهره غير مراد. واعلم أن هذه الأحاديث دالة على كفر من ترك الصلاة متعمداً لما علم من قواعد الشريعة أن غير المتعمد لا يأثم. ولذا اختلف العلماء في ذلك. قال ابن عبد البر في "الاستذكار" (¬5): إن من أقر (¬6) بعمل الصلاة وإقامتها على ما يجب فيها وكِّلَ إلى قوله: وقبل منه؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قبلَ من أبي محجن لما قال له: قد صليت في أهلي. وأجمع (¬7) المسلمون على أن جاحد فرض الصلاة كافر يقتل إن لم يتب من كفره ذلك. واختلفوا في المقر بفرضها التارك لها عمداً حتى يخرج وقتها وأبى من أدائها وقضائها، وقال: لا أصلي فهو كافر ودمه وماله حلال؛ لأنه إن لم يتب ويراجع الصلاة، ويستتاب، فإن ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (553). (¬2) في "السنن" (1/ 236). وهو حديث صحيح. (¬3) قاله ابن الأثير في غريب "الجامع" (5/ 206). (¬4) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 324). (¬5) (5/ 241 - 344). (¬6) وهي في "الاستذكار" برقم (7130). (¬7) وهي في "الاستذكار" برقم (7131).

تاب وإلا قتل، ولا يرثه ورثته من المسلمين، وحكم ماله حكم مال المرتد إذا قتل على الردة. وبهذا (¬1) قال أبو داود والطيالسي، وأبو حنيفة، وزهير بن حرب، وأبو بكر بن أبي شيبة. قال إسحاق (¬2): وهو رأي أهل العلم من لدن زمان النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى زماننا هذا. قال إسحاق (¬3): أجمع المسلمون على أن من سبَّ الله أو سبَّ رسولَهُ أو دفع شيئاً مما أنزل الله، أو قتل نبياً من الأنبياء إنه كافر بذلك، وإن كان مقراً [345/ أ] بكل ما أنزل الله. قال: وكذلك تارك الصلاة حتى يخرج وقتها عامداً. قال: ولذا أجمعوا في الصلاة على شيء لم يجمعوا عليه في سائر الشرائع. قالوا: من عرف بالكفر ثم رأوه يصلِّي الصلاة في وقتها (¬4)، ولم يعلموا أنه أقر بلسانه إنه يحكم له بالإيمان، ولا يحكموا له في الصوم والزكاة والحج بمثل ذلك. قال إسحاق (¬5): [و] (¬6) لقد كفر إبليس بالسجدة (¬7) التي أمر بسجودها، قال: فكذلك تارك الصلاة. وقال أحمد (¬8): لا يكفر أحد بذنب إلا تارك الصلاة عمداً، ثم ذكر أدلة هؤلاء، وهي ¬

_ (¬1) ذكره ابن عبد البر في "الاستذكار" برقم (7137). (¬2) انظر: "الاستذكار" (5/ 343 رقم 7142). (¬3) انظر: "الاستذكار" (5/ 343 رقم 7142). (¬4) في "الاستذكار"، حتى صلَّى صلوات كثيرةً في أوقاتها. (¬5) ذكره ابن عبد البر في "الاستذكار" (5/ 343 رقم 7142). (¬6) زيادة من (أ). (¬7) كذا العبارة في (أ، ب)، والتي في "الاستذكار" (5/ 344 رقم 7143)، ولقد كفر إبليس إذ لم يسجد السجدة ... (¬8) ذكره ابن عبد البر في "الاستذكار" (5/ 344 رقم 7145). وانظر: "الروض المربع شرح زاد المستنقع" (ص 61).

هذه الأحاديث التي سردها المصنف. ثم قال: وبآثار كثيرة ذكرتها في "التمهيد" (¬1). قال الشافعي (¬2): [ويقول الإمام لتارك الصلاة: صلِّ، فإن ذكر علة تجشمه أمر بالصلاة على قدر طاقته، فإن أبى من الصلاة حتى يخرج وقتها قتله الإمام] (¬3). وإنما يستتاب ما دام وقت الصلاة, فإن قتله ورثه ورثته. وهذا قول مالك وأصحابه. قال ابن وهب (¬4): سمعت مالكاً يقول: من آمن بالله، وصدق المرسلين، وأبى أن يصلِّي قُتلَ، وبه قال أبو ثور، ومكحول، وحماد بن زيد، ووكيع، وكل هؤلاء لا يرى أنه إذا قتله الإمام فلا يمنع ورثته من ميراثه؛ لأنه لم يقتله على الكفر إذا كان مقراً بمحمد - صلى الله عليه وسلم -، وما جاء به من التوحيد والإسلام والشرائع، ومقر بفرض الصلاة والصيام، إلا أنه أبى من أدائها. ومن الأدلة على لذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: "نهيت عن قتل المصلين (¬5) " فدل على أن من لم يصل يقتل. ومنها قوله - صلى الله عليه وسلم -: "سيكون عليكم أمراء تعرفون وتنكرون" إلى أن قال لما قالوا: ألا تقاتلهم؟ قال: "لا ما صلَّوا" (¬6) الخمس قالوا: وهذا كله يدل على القتل ولا يدل على الكفر. [وقالوا] (¬7): ما وردَّ من أدلة التكفير، وأنه يراد به عظم المعصية. ¬

_ (¬1) (4/ 227 - 228). (¬2) ذكره ابن عبد البر في "الاستذكار" (5/ 345 رقم 7154). (¬3) كذا في العبارة في (أ. ب) والذي في "الاستذكار": ويقول الإمام لتارك الصلاة: صَلِّ، فإن قال: لا أُصلِّي، سُئل، فإنْ ذكَرَ علَّة بجسمه أمر بالصلاة على قدر طاقته، فإن أبى من الصلاة حتى يخرج وقتها قتله الإمام. (¬4) ذكره ابن عبد البر في "الاستذكار" (5/ 346 رقم 7157). (¬5) أخرجه أحمد (4/ 43 - 44)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (3/ 367). (¬6) أخرجه مسلم في "صحيحه" رقم (62/ 1854) من حديث أم سلمة مرفوعاً. (¬7) زيادة من (أ).

قلت: وقد عقد البخاري في "صحيحه" (¬1) باباً لكفر دون كفر. وقد روى (¬2) عن ابن عباس: أنه قال: ليس بالكفر الذي ينقل من الملة، وتلى قوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44)} (¬3) [346 ب]، فبهذا كله ورثوا من تارك الصلاة إذا قتل ورثته، انتهى بتلخيص كثير. قال (¬4): وسئل ابن شهاب عن تارك الصلاة فقال: إذا تركها؛ لأنه [ابتغى] (¬5) ديناً غير الإسلام قتل. وإن كان إنها فعل ذلك فسقاً ومجوناً وتهاوناً، فإنه يضرب ضرباً مبرحاً، ويسجن حتى يرجع. قال: والذي يفطر في رمضان كذلك. قال الطحاوي: وهو قولنا، وإليه ذهب جماعة من سلف الأمة منهم أبو حنيفة وأصحابه. قال ابن عبد البر (¬6): وبه يقول داود ومن تبعه. وحجة هؤلاء ومن قال بقولهم. قوله - صلى الله عليه وسلم -: "خمس صلوات كتبهن الله على العباد" (¬7) ثم قال: "ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد، إن شاء عذبه، وإن شاء أدخله". ¬

_ (¬1) (1/ 83 الباب رقم 21 باب كفران العشير، وكفر دون كفر مع الفتح). (¬2) أخرجه ابن عبد البر في "الاستذكار" (5/ 352 رقم 7179). (¬3) سورة المائدة الآية (44). (¬4) أي: ابن عبد البر في "الاستذكار" (5/ 353 رقم 7188). (¬5) كذا في (أ. ب) والذي في "الاستذكار": ابتدع. (¬6) في "الاستذكار" (5/ 353 رقم 7190). (¬7) أخرجه أحمد (5/ 315) وأبو داود رقم (1420) والنسائي (1/ 230)، وابن ماجه رقم (1401)، ومالك (1/ 123 رقم 14)، وابن حبان رقم (1732، 2417)، وابن عبد البر في "التمهيد" (4/ 184 - 185)، وهو حديث صحيح.

الباب الثالث: في المواقيت

واحتجوا أيضاً بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، وأني رسول الله، فإذا قالوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها" (¬1). قالوا: وقد بين - صلى الله عليه وسلم - حقها فقال: "لا يحل دم امرئٍ مسلم إلا بإحدى ثلاث: كفر بعد إيمان، وزنا بعد إحصان، وقتل نفس بغير نفس" (¬2). قال ابن عبد البر (¬3): وقد بسطنا هذه المسألة في "التمهيد" (¬4) بسطاً شافياً، وذكرنا سائر أحوال أهل القبلة فيها، انتهى. قلت: [وقد أطال المسألة وأدلتها العلامة ابن القيم في كتابه الصغير الذي ألفه في الصلاة] (¬5). الباب الثالث: في المواقيت 1 - عن أبي موسى - رضي الله عنه -: "أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَتَاهُ سَائِلٌ يَسْأَلُهُ عَنْ مَوَاقِيتِ الصَّلاَةِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا، وَأَمَرَ بِلاَلاً فَأَقَامَ الفَجْرَ حِينَ انْشَقَّ الفَجْرُ، وَالنَّاسُ لاَ يَكَادُ يَعْرِفُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الظُّهْرَ حِينَ زَالَتِ الشَّمْسُ، وَالقَائِلُ يَقُولُ: انْتَصَفَ النَّهَارُ وَهُوَ كَانَ أَعْلَمُ مِنْهُمْ، ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ بِالعَصْرَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ، ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ بِالمَغْرِبَ حِينَ وَقَعَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ أَمَرَهُ فقَامَ بِالعِشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ، ثُمَّ أَخَّرَ الفَجْرَ مِنَ الغَدِ حَتَّى انْصَرَفَ مِنْهَا، وَالقَائِلُ يَقُولُ: قَدْ ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (25)، ومسلم رقم (22)، وابن مندة في "الإيمان" رقم (25)، والبيهقي (3/ 367) و (8/ 177)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (33) وابن حبان رقم (175)، كلهم من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما -. (¬2) أخرجه أحمد (1/ 465)، والنسائي (8/ 13)، وابن حبان رقم (5977) من حديث عبد الله بن مسعود. (¬3) في "الاستذكار" (5/ 355 رقم 7195). (¬4) (4/ 24). (¬5) ما بين الحاصرتين سقطت من (أ).

طَلَعَتِ الشَّمْسُ أَوْ كَادَتْ، ثُمَّ أَخَّرَ الظُّهْرَ حَتَّى كَانَ قَرِيبًا مِنْ وَقْتِ العَصْرِ بِالأَمْسِ، ثُمَّ أَخَّرَ العَصْرَ حَتَّى انْصَرَفَ مِنْهَا، وَالقَائِلُ يَقُولُ: قَدِ احْمَرَّتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ أَخَّرَ المَغْرِبَ حَتَّى كَانَ عِنْدَ سُقُوطِ الشَّفَقِ". [صحيح] 2 - وفي رواية: فَصَلَّى المَغْرِبَ قَبْلَ أَنْ يَغِيبَ الشّفَقُ فِي اليَوْمِ الثَّانِي، ثُمَّ أَخَّرَ العِشَاءَ حَتَّى كَانَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الأَوّلُ، ثُمَّ أَصْبَحَ فَدَعَا السَّائِلَ، فَقَالَ: "الوَقْتُ بَيْنَ هَذَيْنِ". أخرجه مسلم (¬1)، واللفظ له، وأبو داود (¬2)، والنسائي (¬3). [صحيح] 3 - وفي رواية لأبي داود (¬4): فأَقَامَ الفَجْرَ حِينَ كَانَ الرَّجُلُ لاَ يَعْرِفُ وَجْهَ صَاحِبِهِ أَوْ أَنَّ الرَّجُلَ لاَ يَعْرِفُ مَنْ إِلَى جَنْبِهِ، ثُمَّ أَخّرَ العَصْرَ حَتَّى انْصَرَفَ مِنْها، وَقدْ اصْفَرَتْ الشَمْسُ، وَقَالَ فِي آخِره: وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ فَقَالَ: ثُمَّ صَلّى العِشَاءِ إِلَى شَطْرِ اللَّيْلِ. [صحيح] قوله: "الباب الثالث في المواقيت" أقول: جمع ميقات، اسم زمان من الوقت، وهو الوقت الذي عينه الله لأداء الصلوات، كما تدل عليه الأحاديث الآتية، وقد بينها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأفعاله وأقواله، وذلك أن الله تعالى ذكرها في القرآن مجملة كما ذكر الصلاة كقوله: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا (103)} (¬5)، وقوله: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ} (¬6)، و {أَقِمِ الصَّلَاةَ ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (614). (¬2) في "السنن" رقم (395). (¬3) في "السنن" (1/ 260، 261). (¬4) في "السنن" رقم (395). (¬5) سورة النساء الآية (103). (¬6) سورة الإسراء الآية (78).

[347 ب] طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ} (¬1) فجاءت الأحاديث ببيان هذا الإجمال بياناً شافياً ليس وراءه بيان؛ لأنه جمع فيه البيان بالقول والفعل كما ستراه. قوله: "عن أبي موسى" حديث أبي موسى هذا قدمه ابن الأثير (¬2) في الباب كما صنع المصنف؛ لأنه أبلغ حديث في باب المواقيت. قوله: "فلم يرد عليه شيئاً" [403/ أ] قال النووي: في "شرح مسلم" (¬3) أي: لم يرد عليه جواباً ببيان الأوقات باللفظ بل قال له: "صل معنا" لتعرف ذلك ويحصل لك البيان بالفعل، وإنما [تأولناه لنجمع] (¬4) بينه وبين حديث بريدة (¬5)؛ ولأن المعلوم من أحوال النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يجيب إذا سئل مما يحتاج إليه السائل. قلت: ويريد بحديث بريدة هو ما رواه مسلم (¬6): أن رجلاً سألة - صلى الله عليه وسلم - عن وقت الصلاة فقال: "صل معنا هذين اليومين"، وذكر الصلاة في اليومين في وقتين وهو الحديث الآتي قريباً، والأحاديث فيها دلالة على اتساع أوقات الصلاة، وأن كل صلاة يمتد وقتها من أوله إلى عند آخره، وأن أول الفجر انشقاق طلوع الفجر المنتشر، كما قيد به في غيره، ويستمر إلى قبيل طلوع الشمس. وأول الظهر زوال الشمس عن كبد السماء، وآخره عند مصير ظل الشيء مثليه. وهو أول العصر كما في حديث جبريل. ¬

_ (¬1) سورة هود الآية (114). (¬2) في "الجامع" (5/ 206 رقم 3270). (¬3) (5/ 115 - 116). (¬4) في (ب): تأولنا للجمع. (¬5) أخرجه مسلم في "صحيحه" رقم (177/ 613). (¬6) أخرجه مسلم في "صحيحه" رقم (177/ 613).

وأما حديث أبي موسى وبريدة ففيهما: أنه "صلى العصر والشمس مرتفعة"، وفي اللفظ الآخر: "بيضاء"، وتقدير ما في [حديث] (¬1) هو بيان لارتفاعها وبياضها يمتد حتى تحمر الشمس. ثم أول المغرب عند سقوط قرص الشمس، ثم يستمر إلى غروب الشفق، وهو أول العشاء ثم يستمر [348 ب] إلى ثلث الليل أو نصفه، ثم أبان - صلى الله عليه وسلم - بصلاته في اليوم الثاني امتداد أوقات الصلوات من أولها إلى آخر وقتها بفعله، ثم بقوله حيث قال: "الوقت ما بين هذين الوقتين". وقوله: "وقت صلاتكم بين ما رأيتم" وقول جبريل: "الوقت ما بين هذين الوقتين"، فدلت الأحاديث كلها أن هذه هي أوقات الصلوات. قال النووي (¬2): وفيه. أي: حديث بريدة: أن وقت المغرب ممتد، يريد خلاف ما في حديث جبريل، فإنه صلاها في اليومين معاً في وقت واحد، فتفضل الله بعد ذلك بالزيادة إلى غروب الشفق. قال (¬3): وفيه البيان بالفعل فإنه أبلغ في الإيضاح والحفظ، وتعم فائدته السائل وغيره. وفيه تأخير البيان إلى وقت الحاجة، وهو مذهب جمهور الأصوليين. وفيه احتمال تأخير الصلاة عن أول وقتها وترك فضيلة أول الوقت لمصلحة راجحة. قلت: وهو هنا متعين لا يجوز غيره؛ لأنه إبلاغ للشريعة، وبيان لأوقات الصلوات. ¬

_ (¬1) كذا في (أ. ب)، ولعله: حديثهما. (¬2) في شرحه لـ "صحيح مسلم" (5/ 117). (¬3) أي: النووي في شرحه لـ "صحيح مسلم" (5/ 114).

قال (¬1): وقوله: "وقت صلاتكم ما بين ما رأيتم"، هو خطاب للسائل وغيره وتقديره: وقت صلاتكم في الطرفين اللذين صليت فيهما، وفيما بينهما، وترك ذكر الطرفين لحصول علمهما بالفعل. أو يكون المراد ما بين الإحرام بالأولى والسلام من الثانية. 4 - وعن بريدة - رضي الله عنه -: أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ رَسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنْ وَقْتِ الصَّلاَةِ؟ فَقَالَ لَهُ: "صَلِّ مَعَنَا هَذَيْنِ اليَوْمَيْنِ". فَلَمَّا زَالَتِ الشَّمْسُ أَمَرَ بِلاَلاً فَأَذَّنَ، ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الظُّهْرَ، ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ العَصْرَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ بَيْضَاءُ نَقِيةٌ، ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ المَغْرِبَ حِينَ غَابَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ العِشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ، ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الفَجْرَ حِينَ طَلَعَ الفَجْرُ، فَلَمَّا أَنْ كَانَ اليَوْمِ الثَّانِي أَمَرَهُ فَأَبْرَدَ بِالظُّهْرِ فَأَبْرَدَ بِهَا، فَأَنْعَمَ أَنْ يُبْرِدَ بِهَا، وَصَلَّى العَصْرَ وَالشَمْسُ مُرْتَفِعَةٌ أَخَّرَهَا فَوْقَ الَّذِي كَانَ، وَصَلَّى المَغْرِبَ قَبْلَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ، وَصَلَّى العِشَاءَ بَعْدَمَا ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ، وَصَلَّى الفَجْرَ فَأَسْفَرَ بِهَا، ثُمَّ قَالَ: "أَيْنَ السَّائِلُ عَنْ وَقْتِ الصَّلاَةِ؟ ". فَقَالَ الرَّجُلُ: أنَّا يَا رَسُولَ الله. فَقَالَ: "وَقْتُ صَلاَتِكُمْ بَيْنَ مَا رَأَيْتُمْ". أخرجه مسلم (¬2) والترمذي (¬3) والنسائي (¬4). [صحيح] "الإبْرَادُ" (¬5): انكسار الوهج والحرِّ. ومعنى "أنْعَمَ" (¬6): أطال الإبراد. ¬

_ (¬1) أي: النووي في شرحه لـ "صحيح مسلم" (5/ 114). (¬2) في "صحيحه" رقم (177/ 613). (¬3) في "السنن" رقم (152)، وقال: هذا حديث حسن غريب صحيح. (¬4) في "السنن" (1/ 258). (¬5) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (5/ 209). (¬6) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 765).

قوله في حديث بريدة وأبي موسى: "أنه صلى العشاء بعد ثلث الليل"، وفي حديث عبد الله بن عمرو (¬1): "ووقت العشاء إلى نصف الليل" قال أبو العباس بن سريج إنه [لا اختلاف] (¬2) بين الحديثين، بل المراد بثلث الليل أنه أول ابتدائها وبنصفه آخر انتهائها. قال النووي (¬3): وهذا الذي قاله يوافق ظاهر هذه الأحاديث؛ لأنَّ قوله: "وقت العشاء إلى [349 ب] نصف الليل" ظاهر أنه آخر وقتها المختار. قوله في حديث بريدة: "وأنعم أن يبرد بها" أقول: هو لفظ مجمل بينه حديث: "ثم أخر الظهر حتى كان قريباً من وقت العصر بالأمس"، وأوضح منه بياناً حديث جبريل: "أنه صلى الظهر حين صار ظل كل شيء مثله". وقوله: "أنعم أن يبرد [بها] (¬4) " أي: أنه أطال الإبراد، وبيانه ما سمعته، وسيأتي حديث الإبراد بالصلاة والكلام عليه إن شاء الله. 5 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما -: أَنَّ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أَمَّني جِبْريلُ - عليه السلام - عِنْدَ البَيْتِ مَرَّتَيْنِ، فَصَلَّى الظُّهْرَ فِي الأُولَى مِنْهُمَا حِينَ كانَ الفَيْءُ مِثْلَ الشِّرَاكِ, ثُمَّ صَلَّى العَصْرَ حِينَ كَانَ كُلُّ شَيْءِ مِثْلَ ظِلِّهِ، ثُمَّ صَلَّى المَغْرِبَ حِينَ وَجَبَتِ الشَّمْسُ، وَأَفْطَرَ الصَّائِمُ، ثُمَّ صَلَّى العِشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ، ثُمَّ صَلَّى الفَجْرَ حِينَ بَزَقَ الفَجْرُ، وَحَرُمَ الطَّعَامُ عَلَى الصَّائِمِ، وَصَلَّى المرَّةَ الثَّانِيَةَ الظُّهْرَ حِينَ كانَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ لِوَقْتِ العَصْرِ بِالأَمْسِ، ثُمَّ صَلَّى العَصْرَ حِينَ كانَ ظِلُّ كلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ، ثُمَّ صَلَّى المَغْرِبَ لِوَقْتِهِ الأَوَّلِ، ثُمَّ صَلَّى العِشَاءَ الآخِر حِينَ ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ، ثُمَّ ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم في "صحيحه" رقم (173/ 612). (¬2) في (ب): خلاف. (¬3) في شرحه لـ "صحيح مسلم" (5/ 116). (¬4) سقطت من (أ).

صَلَّى الصُّبْحَ حِينَ أَسْفَرَتِ الأَرْضُ، ثُمَّ التَفَتَ إِلَىَّ جِبْرِيلُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ! هَذَا وَقْتُ الأنبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ والسَّلَامُ مِنْ قَبْلِكَ، وَالوَقْتُ فِيمَا بَيْنَ هَذَيْنِ الوَقْتَيْنِ". أخرجه أبو داود (¬1) والترمذي (¬2)، وهذا لفظه. [صحيح لغيره] 6 - وفي رواية للنسائي (¬3) عن جابر: ثُمَّ أَتَاهُ حِينَ امْتَدَّ الفَجْرُ، وَأَصْبَحَ وَالنُّجُومُ بَادِيَةٌ مُشْتَبِكَةٌ، فَصَنَعَ كَمَا صَنَعَ بِالأَمْسِ فَصَلَّى الغَدَاةَ. [صحيح] 7 - وفي أخرى (¬4): فَصَلَّى الظُّهْرَ حِينَ زَالَتِ الشَّمْسُ، وَكَانَ الفَيْءُ قَدْرَ الشِّرَاكِ, ثُمَّ صَلَّى العَصْرَ حِينَ كَانَ الفَيْءُ مِثْلَ الشِّرَاكِ، وَظِلِّ الرَّجُلِ، ثُمَّ صَلَّى المَغْرِبَ حِينَ غَابَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى العِشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ، ثُمَّ صَلَّى الفَجْرَ حِينَ طَلَعَ الفَجْرُ، ثُمَّ صَلَّى الغَدِ الظُّهْرَ حِينَ كَانَ الظِّلُّ طُولَ الرَّجُلِ، ثُمَّ صَلَّى العَصْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّ الرَّجُلِ مِثْلَيْهِ، ثُمَّ صَلَّى المَغْرِبَ حِينَ غَابَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى العِشَاءَ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ، أَوْ نِصْفِ اللَّيْلِ، ثُمَّ صَلَّى الفَجْرَ فَأَسْفَرَ. [صحيح لغيره] والمراد "بِالشِّرَاكِ" (¬5): أحد سيور النعل. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (393). (¬2) في "السنن" رقم (149) وقال: هذا حديث حسن صحيح. وأخرجه أحمد (1/ 333) وابن خزيمة في "صحيحه" رقم (1472) والدارقطني في "سننه" (1/ 258 رقم 6) والحاكم (1/ 193). وهو حديث صحيح لغيره. (¬3) في "السنن" رقم (513) وهو حديث صحيح. (¬4) أخرجه النسائي في "السنن" رقم (524) وهو حديث صحيح لغيره. (¬5) قال ابن الأثير في "غريب الجامع" (5/ 210) الشِّراك: سيرٌ من سيور النّعل. وليس قدر الشراك في هذا على التحديد، ولكنَّ الزوال لا يُستبانُ إلا بأقل ما يُرى من الفيء. وأقلُّه فيما يقدَّر: هو ما بلغ قدر الشِّراك أو نحوه. وسيأتي من كلام الخطابي بتمامه.

قوله في حديث ابن عباس: "أمني جبريل" أقول: بين ابن إسحاق (¬1) في "المغازي" أن ذلك كان صبيحة الليلة التي فرضت فيها الصلاة، وهي ليلة الإسراء، وساق سنده إلى نافع ابن جبير وغيره لما أصبح النبي - صلى الله عليه وسلم - من الليلة التي أسري به، لم يرعه إلا جبريل نزل حين زاغت الشمس، وبذلك سميت: "الأولى" أي: صلاة الظهر فأمر من يصيح بأصحابه: الصلاة جامعة فاجتمعوا، فصلى به جبريل وصلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بالناس، الحديث. قال الحافظ (¬2): وفيه رد على من زعم أن بيان الأوقات إنما وقع بعد الهجرة. والحق أن ذلك وقع قبلها ببيان جبريل ثم بعدها ببيان النبي - صلى الله عليه وسلم -[350 ب]. قوله: "في الأولى منهما" أقول: في المرة الأولى كما يدل له قوله: "وصلى المرة الثانية الظهر" ولولا المقابلة به لاحتمل أن يراد بالأولى الصلاة الأولى؛ لأن صلاة الظهر تسمى الأولى كما عرفت قريباً. وقوله: "حين كان الفيء" هو بالفاء والهمز الظل والشِّراك، المراد به أحد سيور النعل التي على ظهره. قال الخطابي (¬3): ليس قدر الشراك في هنا على معنى التحديد. ولكن الزوال لا يُستبان إلا بأقل ما يرى من الفيء، وأقله فيما يقدر هو ما بلغ قدر الشراك أو نحوه. وليس هذا مقدار الشراك مما يتبين به الزوال في جميع البلدان، إنما يتبين به ذلك في مثل مكة من البلدان التي ينتقل فيها الظل، وإذا كان أطول يوم في السنة واستوت الشمس فوق الكعبة لم يكن لشيء من جوانبها ظل، وكل بلد كانت أقرب إلى وسط الأرض، كان الظل فيه أطول، وقد اعتمد ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 4). (¬2) في "الفتح" (2/ 4). (¬3) في "معالم السنن" (1/ 274 - مع السنن).

الشافعي هذا الحديث وعول عليه في بيان مواقيت الصلوات إذ كان قد وقع به المقصد إلى بيان أمر الصلاة في أول زمن الشرع. وقد اختلف (¬1) أهل العلم في القول بظاهره. فقالت به طائفة وعدل آخرون عن القول ببعض ما فيه إلى أحاديث أخر، وإلى سنن سنّها رسول - صلى الله عليه وسلم - في بعض المواقيت لما هاجر إلى المدينة، وقد أطال [نقله] (¬2) لخلاف، والأقوال بما فيه طول. قوله: "حين غاب الشفق" أقول: قال الخطابي (¬3): لم يختلفوا في أن أول وقت العشاء الآخرة غيبوبة الشفق. إلا أنهم اختلفوا في الشفق. فقالت طائفة: هو الحمرة (¬4). روي عن عمر وابن عباس. وهو قول مكحول وطاوس، وقال مالك وسفيان الثوري وابن أبي ليلى وأبو يوسف ومحمد وهو قول الشافعي (¬5) وأحمد بن حنبل (¬6) وإسحاق بن راهويه. وروي عن أبي هريرة أنه قال: شفق بياض [351 ب] وعن عمر بن عبد العزيز مثله. واليه ذهب أبو حنيفة (¬7)، وهو قول الأوزاعي. وقال بعضهم: الشفق الأحمر والأبيض معاً، إلا أنه إنما يطلق في أحمر ليس بقاني أو أبيض ليس بناصع، وإنما يعلم المراد منه بالقرائن كالقرء الذي يقع على الطهر والحيض معاً، وكنظائره من الأسماء المشتركة ذكره الخطابي (¬8). ¬

_ (¬1) قاله الخطابي في معالم "السنن" (1/ 275 - 276 - مع السنن). (¬2) في (أ): نقلنا. (¬3) في "معالم السنن" (1/ 276 - مع السنن). (¬4) انظر: "القاموس المحيط" (ص 1159)، "تهذيب اللغة" للأزهري (8/ 332). (¬5) انظر: "المجموع شرح المهذب" (3/ 44 - 45). (¬6) انظر: "المغني" (2/ 25 - 26). (¬7) انظر: "البناية في شرح الهداية" (5/ 30 - 32). (¬8) في "معالم السنن" (1/ 276 - 277 - مع السنن".

قوله: "لوقت العصر بالأمس" أقول: قال الخطابي (¬1): بعد أن ذكر أنه استدل به أبو حنيفة بأن آخر وقت الظهر وقت العصر ما لفظه. قلت: ومعنى هذا الكلام معقول إنه إنما أراد فراغه من صلاة الظهر في اليوم الثاني في الوقت الذي ابتدأ فيه صلاة العصر من اليوم الأول. وذلك أن هذا الحديث إنما سيق لبيان الأوقات، وتحديد أوائلها وأواخرها دون بيان عدد الركعات وصفاتها وسائر أحكامها. ألا تراه يقول في آخره: "الوقت فيما بين هذين الوقتين" انتهى. وكأنه يريد إبطال وقت الاشتراك والأدلة قائمة عليه. إذ في حديث: "وصلى الظهر من اليوم الثاني في الوقت الذي صلى فيه العصر من اليوم الأول" فلو أن مصليين صلى أحدهما الظهر في ذلك الوقت، والآخر صلى العصر فيه لصحت صلاتهما؛ لأنه وقت مشترك بينهما. وأما قول الخطابي في رد ذلك أنه لو كان الأمر كما قالوا لجاء الإشكال من أجل أن ذلك يتوقف على معرفة مقدار صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - ليعلم الوقت بها، فيزاد في الوقت بقدرها بحسب كميتها فيه، والصلاة لا تقدر بشيء معلوم لا يزيد عليه ولا ينقص منه؛ لأنه قد يطول في العادة ويقصر. وفي هذا بيان فساد ما ذهبوا إليه. فجوابه: أنه [405/ أ] قد قدر الصحابة صلاته - صلى الله عليه وسلم - العصر والظهر بما هو معروف في كتب الحديث، وأنه تقدر الأربع ركعات [352 ب] بأوسط ما قدروه وحزروه، ويغتفر اليسير، ولا يهجر ظاهر الحديث المذكور. قوله: "ثم صلى المغرب لوقته الأول". أقول: قال الخطابي (¬2): أجمع العلماء على أن أول وقتها غروب الشمس. ¬

_ (¬1) في "معالم السنن" (1/ 275 - مع السنن). (¬2) في "معالم السنن" (1/ 276 - مع السنن).

واختلفوا في آخر وقتها. فذهب مالك والأوزاعي والشافعي (¬1) إلى أنه لا وقت للمغرب إلا وقت واحد [وهو عملاً] (¬2) بظاهر حديث ابن عباس. وقال سفيان الثوري وأبو حنيفة وأصحابه وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وقت المغرب إلى مغيب الشفق. قال الخطابي (¬3): وهو أصح القولين للأخبار [الثلاثة] (¬4) وهي خبر أبي موسى الأشعري، وبريدة الأسلمي، وعبد الله بن عمرو بن العاص. قوله: "ثم صلى العشاء حين ذهب ثلث الليل" أقول: قال الخطابي (¬5): اختلفوا في آخر وقت عشاء الآخرة. فروي عن عمر بن الخطاب، وأبي هريرة: أن آخر وقتها ثلث الليل. وكذلك قال عمر بن عبد العزيز: وبه قال الشافعي (¬6) عملاً بظاهر حديث ابن عباس. وقال الثوري وأبو حنيفة (¬7) وأصحابه, وابن المبارك، وإسحاق بن راهويه: أنّ آخر وقتها نصف الليل. وحجة هؤلاء حديث عبد الله بن عمر قال: ووقت العشاء إلى نصف الليل. وكان الشافعي يقول به إذ هو بالعراق. قوله: "حين أسفرت الأرض" أقول: قال الخطابي (¬8) أيضاً: اختلفوا في آخر وقت الفجر. ¬

_ (¬1) انظر: الأم (2/ 29 رقم 1001)، والمجموع شرح المهذب (3/ 32 - 34). (¬2) كذا في (أ. ب) والذي في المعالم: قولاً. (¬3) في "معالم السنن" (1/ 276 - مع السنن). (¬4) كذا في (أ. ب)، والذي في المعالم: الثابتة. (¬5) في "معالم السنن" (1/ 277 - مع السنن). (¬6) انظر: "المجموع شرح المهذب" (3/ 45 - 46). (¬7) انظر: "البناية في شرح الهداية" (2/ 32 - 33). (¬8) في "معالم السنن" (1/ 277 - مع السنن).

فذهب الشافعي (¬1) إلى ظاهر حديث ابن عباس وهو الإسفار، وذلك لأصحاب [الرفاهية] (¬2) ولمن لا عذر له، وقال: من صلى ركعة قبل طلوع الشمس لم تفته الصبح. وهذا في أصحاب العذر والضرورات. وقال مالك (¬3) وأحمد بن حنبل (¬4) وإسحاق بن راهويه (¬5): من صلى ركعة من الصبح وطلعت الشمس أضاف إليها أخرى، وقد أدرك الصبح فجعلوه مدركاً للصلاة على ظاهر حديث أبي هريرة الآتي قريباً. 8 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ لِلصَّلاَةِ أَوَّلاً وَآخِرًا، وَإِنَّ أَوَّلَ وَقْتِ صَلاَةِ الظُّهْرِ حِينَ تَزُولُ الشَّمْسُ، وَآخِرَ وَقْتِهَا حِينَ يَدْخُلُ وَقْتُ العَصْرِ، وَإِنَّ أَوَّلَ وَقْتِ العَصْرِ حِينَ يَدْخُلُ وَقْتُهَا، وَإِنَّ آخِرَ وَقْتِهَا حِينَ تَصْفَرُّ الشَّمْسُ، وَإِنَّ أَوَّلَ وَقْتِ المَغْرِبِ حِينَ تَغْرُبُ الشَّمْسُ، وَإِنَّ آخِرَ وَقْتِهَا حِينَ يَغِيبُ الشَّفَقُ، وَإِنَّ أَوَّلَ وَقْتِ العِشَاءِ حِينَ يَغِيبُ الأُفُقُ، وَإِنَّ آخِرَ وَقْتِهَا حِينَ يَنْتَصِفً اللَّيْلُ، وَإِنَّ أَوَّلَ وَقْتِ الفَجْرِ حِينَ يَطْلُعُ الفَجْرُ، وَإِنَّ آخِرَ وَقْتِهَا حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ". أخرجه الأربعة (¬6) إلا أبا داود، وهذا لفظ الترمذي. [حسن] 9 - وفي رواية مالك عن عبد الله بن رافع مولى أمّ سلمة: أنَّهُ سَأَلَ أَبَا هُرَيْرَةَ عَنْ وَقْتِ الصَّلاَةِ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَنَا أُخْبِرُكَ: صَلِّ الظُّهْرَ إِذَا كَانَ ظِلُّكَ مِثْلَكَ، وَالعَصْرَ إِذَا كَانَ ظِلُّكَ ¬

_ (¬1) انظر: "المجموع شرح المهذب" (3/ 54). "الأوسط" لابن المنذر (2/ 377). (¬2) زيادة من (أ). (¬3) انظر: "المدونة" (1/ 289). (¬4) حكاه ابن المنذر في "الأوسط" (2/ 377). (¬5) ذكره النووي في "المجموع" (3/ 54). (¬6) أخرجه الترمذي في "السنن" (151) والنسائي في "السنن" (1/ 249). ومالك في "الموطأ" (1/ 7 - 8). وأخرجه الحاكم في "المستدرك" (1/ 194)، وهو حديث حسن، والله أعلم.

مِثْلَيْكَ، وَالمَغْرِبَ إِذَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ، وَالعِشَاءَ مَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ ثُلُثِ اللَّيْلِ، وَصَلِّ الصُّبْحَ بِغَبَشٍ. يَعْنِي: الغَلَسَ (¬1). [موقوف صحيح] قوله في حديث أبي هريرة: "إن للصلاة أولاً وآخراً" أقول: أي: لوقتها؛ لأن السياق فيه، وإن كانت الصلاة نفسها لها أولاً وآخراً. قوله: "حين تزول الشمس" أي: وكان الفيء قدر الشراك كما قيده ما سلف. وقوله في أول وقت العصر: "حين يدخل وقتها" إحالة على ما عرف من تعيينه في حديث ابن عباس أنه أتاه جبريل حين [إذ كان فيء الرجل مثله] (¬2) حان العصر. فقال: يا محمد قم فصل العصر. وقوله: "حين تصفر الشمس" بينه حديث جبريل حين كان فيء الرجل مثليه. [و] (¬3) قوله: "حين يغيب الأفق" أي: الشفق كما بينه في غيره. ولفظه في رواية النسائي (¬4): "حين ذهب شفق الليل". [و] (¬5) قوله: "حين ينتصف الليل" قدمنا الكلام فيه. قوله: "وهذا لفظ الترمذي" أقول: وفي "الجامع" (¬6) ساق رواية [غيره] (¬7) ممن ذكر، وفي ألفاظها اختلاف يسير. ¬

_ (¬1) في "الموطأ" (1/ 8 رقم 9) وهو أثر موقوف صحيح. (¬2) كذا في المخطوط (أ. ب)، وصوابه صار فيء الرجل مثله. (¬3) زيان من (أ). (¬4) في "السنن" (1/ 258) وقد تقدم. (¬5) زيادة من (أ). (¬6) (5/ 214 رقم 3274). (¬7) في (ب): غير.

وقال الترمذي (¬1) بعد إخراجه: عن محمد بن فضيل، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة. سمعت محمداً يريد به البخاري يقول: حديث الأعمش عن مجاهد في المواقيت أصح من حديث محمد بن فضيل عن الأعمش، وحديث محمد بن فضيل خطأ أخطأ فيه محمد ابن فضيل، انتهى. ثم أخرج الترمذي (¬2) حديث الأعمش عن مجاهد بلفظ كان يقال: إن للصلاة أولاً وآخراً، فذكر نحو حديث محمد بن فضيل عن الأعمش نحوه بمعناه [354 ب] هذا كلام الترمذي. وهو دال على أن الأصح أنه مقطوع غير مرفوع كما قاله البخاري. 10 - وعن مالك (¬3) قال: كَتَبَ عُمَرَ - رضي الله عنه - إِلَى عُمَّالِهِ: إِنَّ أَهَمَّ أَمُورِكُمْ عِنْدِي الصَّلاَةُ، مَنْ حَفِظَهَا وَحَافَظَ عَلَيْهَا حَفِظَ دِينَهُ، وَمَنْ ضَيَّعَهَا فَهُوَ لِمَا سِوَاهَا أَضْيَعُ. ثُمَّ كَتَبَ: أَنْ صَلُّوا الظُّهْرَ إِذَا كَانَ الفَيْءُ ذِرَاعًا إِلَى أَنْ يَكُونَ ظِلُّ أَحَدِكُمْ مِثْلَهُ، وَالعَصْرَ وَالشَّمْس مُرْتَفِعَةٌ بَيْضَاءُ نَقِيَّةٌ قَدْرَ مَا يَسِيرُ الرَّاكِبُ فَرْسَخَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةً قَبْلَ مَغِيْبِ الشَّمْسِ وَالمَغْرِبَ إِذَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ، وَالعِشَاءَ إِذَا غَابَ الشَّفَقُ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ، فَمَنْ نَامَ فَلاَ نَامَتْ عَيْنُهُ، فَمَنْ نَامَ فَلاَ نَامَتْ عَيْنُهُ، فَمَنْ نَامَ فَلاَ نَامَتْ عَيْنُهُ، وَالصَّبْحَ وَالنُّجُومُ بَادِيَةٌ مُشْتَبِكَةٌ. [موقوف ضعيف] 11 - وفي أخرى له: أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ إِلِى أَبِي مُوْسَى، وَذَكَرَ مِثْلَهُ، وَقَالَ: وَاقْرَأْ فِيْهَا. أَيْ: فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ بِسُورَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ مِنَ المُفَصَّلِ. أخرجه مالك (¬4). [موقوف صحيح] ¬

_ (¬1) في "السنن" (1/ 284). وانظر: "التلخيص" (1/ 173 - 174). (¬2) في "السنن" (1/ 284 بإثر الحديث رقم 151). وأخرجه أحمد (2/ 232)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (1/ 375). (¬3) في "الموطأ" (1/ 6 - 7)، وهو أثر موقوف ضعيف. (¬4) في "الموطأ" (1/ 7 رقم 7).

12 - وفي أخرى (¬1) نحوه، وفيها: وَأَنْ صَلِّ العِشَاءَ فِيمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ ثُلُثِ اللَّيْلِ، فَإِنْ أَخَّرْتَ فَإِلَى شَطْرِ اللَّيْلِ، وَلاَ تَكُنْ مِنَ الغَافِلِينَ. [موقوف ضعيف] قوله في حديث عمر: "من حفظها وحافظ عليها" أقول: قد قابل الحفظ بالضياع فحفظها عدم ضياعها. والمحافظة عليها المواظبة على الإتيان بها؛ لأنه قد يكون الإنسان حافظاً للشيء غير محافظ عليه. وقوله: "حفظ دينه" لأن الصلاة الدين، بل سماها الله إيماناً في قوله: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} (¬2)؛ ولأنها تنهى عن الفحشاء والمنكر، فهو سبب لحفظ الدين، ولذا قال: "ومن ضيعها فهو لما سواها من أمور الدين أضيع" أشد تضييعاً من تضييعه لها؛ لأنه لا يوفق بعد إضاعته للصلاة للإتيان بخصال الدين. قوله: "إذا كان الفيء ذراعاً" أقول: تقدم تقديره بالشراك (¬3) في المرفوع، وتقدم أنه ليس على التحديد، وأن المراد تحقق الزوال والدلوك، ويمتد وقتها إلى أن يكون ظل أحدكم مثله كما سلف. وقوله: "قدر ما يسير الراكب" أقول: أي: بعد فراغه منها. وقوله: "فرسخين أو ثلاثة" لعله شك من الراوي، وتقدم في حديث جابر: "قدر ما يسير الراكب سير العنق إلى ذي الحليفة" وكل هذه تقريبات، والصريح [في] (¬4) قوله في أحاديث: "حين كان ظل الرجل مثليه" [406/ أ]. ¬

_ (¬1) أخرجه مالك في "الموطأ" (1/ 7 - 8) وهو أثر موقوف ضعيف. (¬2) سورة البقرة الآية (143). (¬3) تقدم شرحها. (¬4) زيادة من (ب).

قوله: "فمن نام" أي: عن صلاة العشاء فلا نامت عنه" دعاء عليه لتفريطه بالنوم عن الصلاة. والمراد لا انتفع بنومه، أو لا نامت فيما يستقبله من عمره، وهذا فيمن نام تهاوناً بالصلاة لا فيمن غلبه النوم. وقوله في الرواية الثالثة: "فإن أخرت فإلى شطر الليل" أي: [355 ب] نصفه، وهو يوافق ما سلف من الأحاديث المرفوعة. 13 - وعن ابن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما -: أَنَّ رَسول الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "وَقْتُ الظُّهْرِ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ، وَكَانَ ظِلُّ الرَّجُلِ كَطُولِهِ مَا لَمْ تَحْضُرِ العَصْرُ، وَوَقْتُ العَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ، وَوَقْتُ صَلاَةِ المَغْرِبِ مَا لَمْ يَغِبِ الشَّفَقُ، وَوَقْتُ صَلاَةِ العِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ الأَوْسَطِ، وَوَقْتُ صَلاَةِ الصُّبْحِ مِنْ طُلُوعِ الفَجْرِ إِلى أّنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ، فَإِذَا طَلَعَتِ فَأَمْسِكْ عَنِ الصَّلاَةِ، فَإِنَّهَا تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ". أخرجه مسلم (¬1)، وهذا لفظه، وأبو داود (¬2) والنسائي (¬3). [صحيح] قوله في حديث ابن عمرو بن العاص: "ما لم تحضر العصر" أقول: أي يستمر وقت الظهر إلى حضور وقت العصر ويتمخض للعصر. قال النووي (¬4): فيه دليل للشافعي والأكثرين أنه لا اشتراك بين وقت الظهر ووقت العصر. ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (612). (¬2) في "السنن" رقم (396). (¬3) في "السنن" رقم (522). (¬4) في شرحه لـ "صحيح مسلم" (5/ 110).

وقال مالك وطائفة من العلماء: إذا صار ظل كل شيء مثله، دخل وقت العصر ولم يخرج وقت الظهر، بل يبقى بعد ذلك قدر أربع ركعات صالح للظهر والعصر أداءً. واحتجوا بقوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث جبريل: "وصلى بي الظهر اليوم الثاني حين صار ظل كل شيء مثله"، وظاهره اشتراكهما في قدر أربع ركعات. واحتج الشافعي ومن معه بالحديث الذي نحن فيه. وأجابوا عن حديث جبريل بأن معناه فرغ من الظهر حين صار ظل كل شيء مثله، وشرع في العصر في اليوم الأول حين صار ظل كل شيء مثله، فلا اشتراك، وهذا التأويل متعين للجمع بين الحديثين؛ ولأنه إذا حمل على الاشتراك يكون آخر وقت الظهر مجهولاً؛ لأنه إذا ابتدأ بها حين صار ظل كل شيء مثله لم يعلم متى فرغ منها. انتهى. وقدمنا البحث وكلام الخطابي (¬1). قوله: "إلى أن تصفر الشمس" قال النووي (¬2): معناه: فإنه وقت لأدائها بلا كراهة فإذا اصفرت صار وقت كراهة وتكون أيضاً أداءً حتى تغرب الشمس للحديث السابق: "من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر" (¬3) ثم قال: قال أصحابنا: للعصر خمسة أوقات. فضيلة، واختيار [356 ب]، وجواز بلا كراهة، وجواز مع كراهة، ووقت عذر. فأما وقت الفضيلة فأول وقتها، ووقت الاختيار يمتد إلى أن يصير ظل كل شيء [مثليه] (¬4)، ووقت الجواز إلى الاصفرار، ووقت الجواز مع الكراهة حالة الاصفرار إلى ¬

_ (¬1) في معالم "السنن" (1/ 274 - 277). (¬2) في شرحه لـ "صحيح مسلم" (5/ 110). (¬3) تقدم وهو حديث صحيح. (¬4) في (أ): مثله.

الغروب، ووقت العذر هو وقت الظهر في حق من يجمع بين الظهر والعصر لسفر أو مطر ويكون العصر في هذه الخمسة الأوقات أداءً. قوله: "ما لم يغب الشفق" أقول: قال النووي (¬1) أيضاً: هذا الحديث وما بعده من الأحاديث صريح في أن وقت المغرب يمتد إلى أن يغيب الشفق، وهو الصحيح. والصواب الذي لا يجوز غيره. قلت: وقدمنا كلام الخطابي (¬2) في ذلك. قوله: "بين قرني شيطان" أقول: قيل: المراد بقرنيه أمته وشيعته. وقيل: قرنه جانب رأسه. وهذا ظاهر الحديث، وهو أولى، ومعناه: أنه يدني رأسه إلى الشمس في هذا الوقت ليكون الساجدون للشمس من الكفار في هذا الوقت كالساجدين له، وحينئذٍ يكون له ولشيعته تسليط وتمكن من أن يلبسوا على المصلي صلاته، فكرهت الصلاة في هذا الوقت، لهذا المعنى، كما كرهت في مأوى الشيطان قاله النووي (¬3). 14 - وعن أبي المنهال قال: دَخَلْتُ أَنَا وَأَبِي عَلَى أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ - رضي الله عنه -، فَقَالَ لَهُ أَبِي: كَيْفَ كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي المَكْتُوبَةَ؟ فَقَالَ: كَانَ يُصَلِّي الهَجِيرَ الَّتِي تَدْعُونَهَا الأُولَى حِينَ تَدْحَضُ الشَّمْسُ، وَيُصَلِّي العَصْرَ، ثُمَّ يَرْجِعُ أَحَدُنَا إِلَى رَحْلِهِ فِي أَقْصَى المَدِينَةِ وَالشَّمْسُ حَيَّةٌ، وَنَسِيتُ مَا قَالَ فِي المَغْرِبِ، وَكَانَ يَسْتَحِبُّ أَنْ يُؤَخِّرَ العِشَاءَ الَّتِي تَدْعُونَهَا العَتَمَةَ، وَكَانَ يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَهَا وَالحَدِيثَ بَعْدَهَا، وَكَانَ يَنْفَتِلُ مِنْ صَلاَةِ الغَدَاةِ حِينَ يَعْرِفُ المَرْء جَلِيسَهُ، وَيَقْرَأُ بِالسِّتِّينَ إِلَى المِائَةِ. ¬

_ (¬1) في شرحه لـ "صحيح مسلم" (5/ 111). (¬2) في معالم "السنن" (1/ 277). (¬3) في شرحه لـ "صحيح مسلم" (5/ 112 - 113).

أخرجه الخمسة (¬1) إلا الترمذي. [صحيح] وفي رواية (¬2): وَلاَ يُبَالِي بِتَأْخِيرِ العِشَاءِ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ، ثُمَّ قَالَ: إِلَى شَطْرِ اللَّيْلِ. وهذا لفظ الشيخين. [صحيح] قوله: "وَالشمْسُ حَيَّةٌ": أي: مرتفعة عن المغرب لم يتغير لونها بمقاربة الأفق (¬3). قوله: "وعن أبي المنهال" (¬4) أقول: بكسر الميم وسكون النون اسم سيار بفتح السين المهملة وتشديد المثناة التحتية، وبالراء ابن سلامة الرياحي بكسر الراء فمثناة تحتية خفيفة [357 ب] فحاء مهملة. "على أبي برزة" بالموحدة مفتوحة فراء ساكنة، فزاي فهاء اسمه نضلة (¬5) بن عبيد. وقيل: ابن عبد الله، وقيل: ابن عمرو. وقيله: اسمه عبد الله بن نضلة. قوله: "يصلي الهجير" أقول: أي: صلاة الهجير وهي الهاجرة، وسميت الأولى؛ لأنها أول صلاة صلاها جبريل بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، ودحوض الشمس (¬6) دلوكها. ومراده حين يتبين بزيادة ظل نحو الشراك (¬7). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (541، 568) و (771)، مسلم رقم (235/ 647)، وأبو داود رقم (398)، والنسائي (495، 530). (¬2) البخاري رقم (771) ومسلم رقم (647). (¬3) قاله ابن الأثير في غريب "الجامع" (5/ 220) ثم قال: قيل: هي حيَّة، كأن مغيبها وتغيُّر لونها موتها. (¬4) ذكره ابن الأثير في "تتمة جامع الأصول" (1/ 481 - قسم التراجم). (¬5) انظر: "التقريب" (2/ 394 رقم 11). (¬6) قال ابن الأثير في "النهاية في غريب الحديث" (1/ 556): تدحض الشمس: أي: تزول عن وسط السماء إلى جهة المغرب، كأنّها دحضت، أي: زلقت. وانظر: "الفائق" للزمخشري (1/ 413). (¬7) تقدم معناها.

"والشمس حية" حياتها: صفاؤها قبل أن تصفر وتُغير، وهو مثل قوله: بيضاء نقية. وقال الخطابي (¬1): تفسير حياتها على وجهين: أحدهما: أن حياتها شدة وهجها وبقاء حرها لم ينكسر منه شيء. والوجه الآخر: أن حياتها صفاء لونها، لم يدخلها التغير، وقد فسر المصنف (¬2) حياتها. وقوله: "ونسيت" أي: نسي أبو أبي المنهال ما قاله أبو برزة في وقت المغرب، أو أبو المنهال نفسه نسي. قال الحافظ (¬3): إنه سيأتي (¬4)، بينه (¬5) أحمد في رواية عن حجاج عن شعبة عنه. قوله: "وكان ينفتل": أن ينصرف من الصلاة أو يلتفت إلى المأمومين. وقوله: "ويقرأ" أي: في صلاة الصبح. قوله: "ثم قال: إلى شطر الليل" أقول: زاد هنا في "الجامع" (¬6) قال معاذ عن شعبة: ثم لقيته مرة أخرى فقال: أو ثلث الليل. 15 - وعن محمد بن عمرو بن الحسن بن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: قَدِمَ الحَجَّاجُ المَدِينَةَ، فَكانَ يُؤَخِّرُ الصَّلاَةَ، فَسَالنَا جَابِرَ بْنَ عَبْدِ الله فَقَالَ: كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي الظُّهْرَ بِالهَاجِرَةِ، وَالعَصْرَ وَالشَّمْسُ نَقِيَّةٌ، وَالمَغْرِبَ إِذَا وَجَبَتْ الشمْسُ، وَالعِشَاءَ أَحْيَانًا يُؤَخِّرُهَا، ¬

_ (¬1) في معالم "السنن" (1/ 281 - مع السنن). (¬2) انظر: "غريب الجامع" (5/ 220) وقد تقدم بنصه. (¬3) في "الفتح" (2/ 22). (¬4) في "الفتح" (2/ 27). (¬5) قال الحافظ في "الفتح" (2/ 27) قوله: "ونسيت ما قال في المغرب". قائل ذلك هو سيّار، بينه أحمد في روايته عن حجاج عن شعبة عنه. (¬6) (5/ 218 رقم 3277).

وَأَحْيَانًا يُعَجِّلُ، إِذَا رَآهُمْ اجْتَمَعُوا عَجَّلَ، وَإِذَا رَآهُمْ أَبْطَئُوا أَخَّرَ، وَالصُّبْحَ كَانَ يُصَلِّيهَا بِغَلَسٍ. أخرجه الخمسة (¬1) إلا الترمذي. [صحيح] 16 - وفي أخرى للنسائي (¬2) عن أنس: وُيُصّلي الصُّبْحَ إِلَى أنْ يَنْفَسِحَ البَصَرُ. [إسناده صحيح] قوله: "عن محمد بن عمرو بن الحسين" أقول: في رابع "الجامع" (¬3) محمد بن عمرو بن الحسن بن علي بن أبي طالب الهاشمي القرشي الذي روى عن جابر بن عبد الله. ومثله في "الجامع" (¬4) هنا فنسخة التيسير بلفظ حسين [358 ب] سبق قلم، وهو في بعض نسخه ابن الحسن على الصواب. قوله: "قدم الحجاج" أقول: بفتح الحاء (¬5) المهملة وتشديد الجيم وآخره جيم. هو ابن يوسف الثقفي، ومن رواه بضم أوله جمع حاج فقد صحف، وكان قدوم الحجاج المدينة أميراً عليها من قبل عبد الملك بن مروان سنة أربع وسبعين، وذلك عقب قتل ابن الزبير، أمره عبد الملك على الحرمين، وما معهما ثم نقله بعد إلى العراق. قوله: "والشمس نقية" أقول: بالنون خالصة صافية لم يدخلها صفرة ولا تغير. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (560, 565)، ومسلم رقم (646)، وأبو داود رقم (397)، والنسائي رقم (527). (¬2) في "السنن" رقم (552) بإسناد صحيح. (¬3) في "تتمة جامع الأصول" (2/ 887 - قسم التراجم). (¬4) (5/ 220 رقم 3278). (¬5) انظر: "فتح الباري" (2/ 41 - 42). "التقريب" (1/ 154 رقم 167).

قوله: "إذا وجبت (¬1) " أي: غابت وأصل الوجوب السقوط، والمراد سقوط قرص الشمس، وفاعل وجبت مستتر وهو الشمس. قوله: "أحياناً يؤخرها" الأحيان جمع حين وهو اسم مبهم يقع على القليل والكثير من الزمان على المشهود (¬2)، ويدل الحديث على أن انتظار من تكثر بهم الجماعة أولى من التقديم، قال الحافظ (¬3): ومحل ذلك إذا لم يفحش التأخير ولم يشق على الحاضرين. فائدة: قال ابن دقيق العيد (¬4): إذا تعارض في شخص أمران أحدهما: أن يقدم الصلاة في أول الوقت منفرداً أو يؤخرها في الجماعة، أيهما أفضل؟ والأرب عندي أن التأخير لصلاة الجماع أفضل. انتهى كلامه. ودليل الأفضلية كثرة الحث على الجماعة والوقت قد وسعه الله. قوله: "كان يصليها بغلس" أقول: الغلس (¬5) بفتح اللام بين غين معجمة وسين مهملة هو: ظلمة آخر الليل وهو متعلق بأي الفعلين. 17 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - كَانَ قَدْرُ صَلَاةِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - الظُّهْرَ فِي الصَّيْفِ ثَلَاثَةَ أَقْدَامُ إِلَى خَمْسَةُ أَقْدَامُ، وَفِي الشِّتَاءِ خَمْسَةَ أَقْدَامِ إِلَى سَبْعَةِ أَقْدَامٍ". أخرجه أبو داود (¬6) والنسائي (¬7). [صحيح] ¬

_ (¬1) قاله الحافظ في "الفتح" (2/ 42). وانظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 825). (¬2) قاله الحافظ في "الفتح" (2/ 42). (¬3) في "الفتح" (2/ 42). (¬4) في "إحكام الأحكام" (ص 207). (¬5) "القاموس المحيط" (ص 723). (¬6) في "السنن" رقم (400). (¬7) في "السنن" رقم (503). وهو حديث صحيح، والله أعلم.

قوله في حديث ابن مسعود: "كان قدر صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الظهر في الصيف ثلاثة أقدام، وفي الشتاء خمسة أقدام إلى سبعة أقدام". أقول: قال الخطابي في "معالم السنن" (¬1) قلت: هذا أمر مختلف في الأقاليم والبلدان، ولا يستوي في جميع المدن والأمصار، وذلك أن العلة في طول الظل وقصره هو زيادة ارتفاع الشمس في السماء [وانحطاطها] (¬2) فكلما كانت أعلى وإلى محاذاة [359 ب] الرؤوس في مجراها أقرب كان الظل أقصر، وكلما كانت أخفض، ومن محاذاة الرؤس أبعد، كان الظل أطول، ولذلك ظلال الشتاء نراها أبداً أطول من ظلال الصيف في كل مكان، وكانت صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة والمدينة وهما من الإقليم الثاني، ويذكرون أن الظل فيهما في أول الصيف في شهر آذار ثلاثة أقدام وشيء ويشبه أن تكون صلاته - صلى الله عليه وسلم - إذا اشتد الحر متأخرة عن الوقت المعهود قبله، فيكون الظل عند ذلك خمسة أقدام، وأما الظل في الشتاء فإنهم يذكرون أنه في تشرين الأول خمسة أقدام وشيء، وفي [الكانون (¬3)] سبعة أقدام أو سبعة أقدام وشيء، فقول ابن مسعود ينزل على هذا التقدير في ذلك الإقليم دون سائر الأقاليم والبلدان التي هي خارجة عن الإقليم الثاني، والله أعلم. انتهى كلامه. ونقل الحافظ ابن حجر في "التلخيص" (¬4) عن ابن العربي أنه قال في "القبس" (¬5) كتاب له: ليس في الإبراد تحديد إلا ما ورد في حديث ابن مسعود وساق هذا الحديث. انتهى. ¬

_ (¬1) (1/ 283 - مع السنن). (¬2) في (ب): وانخفاضها. (¬3) في (ب): كانون. (¬4) (1/ 325). (¬5) "القبس في شرح موطأ مالك بن أنس" (1/ 108).

(وقت الفجر)

فجعله تحديداً للإبراد، ويأتي الكلام في الإبراد وفي حواشي "التلخيص" أن حديث ابن مسعود من طريق عبيدة بن حميد الضبي الكوفي عن أبي مالك سعد بن طارق عن كثير بن مدرك عن الأسود وفي عبيدة وشيخه خلاف، وفي "الميزان" (¬1) في ترجمة عبيدة وقد ضعف عبد الحق حديث تقدير صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصيف والشتاء بالأقدام. انتهى. (وقت الفجر) 18 - وَعَنْ عَائِشَةُ - رضي الله عنها - قَالَتْ: "كُنَّ نِسَاءَ المُؤْمِنَاتِ يَشْهَدْنَ مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - صَلَاةَ الفَجْرِ مُتَلَفِّعَاتِ فِي مُرُوطِهِنَّ، ثُمَّ يَنْقَلِبْنَ إِلَى بُيُوْتِهِنَّ حِيْنَ يَقْضينَ الصَّلَاةَ, وَلَا يَعْرِفْهُنَّ أَحَدٌ مِنَ الغَلَسْ". أخرجه الستة (¬2). [صحيح] "التَّلَفُّعْ" (¬3): الالتحاف والتغطي. و"المُروطُ" (¬4): الأكسية. "وَالغَلَسُ" (¬5): ظلمة آخر الليل قبل طلوع الفجر وأوّل طلوعه. قوله في حديث عائشة: "متلفعات" أقول: بعين مهملة بعد الفاء، قال ابن العربي (¬6): التلفع هو التلفف، إلا أن فيه تغطية الرأس، فكل متلفع متلفف، وليس كل متلفف متلفعاً. انتهى [360 ب]. ¬

_ (¬1) (3/ 25 رقم 5458). (¬2) أخرجه البخاري رقم (578)، ومسلم رقم (645)، وأبو داود رقم (423)، والترمذي رقم (153)، والنسائي (1/ 271)، وابن ماجه رقم (669). وأخرجه أحمد (6/ 33). (¬3) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 607). (¬4) "القاموس المحيط" (ص 887). (¬5) "القاموس المحيط" (ص 723). (¬6) في عارضة الأحوذي (1/ 261).

ولفظ الترمذي (¬1): "ملففات" وقال (¬2): قال قتيبة: [متلفعات] (¬3). قوله: "أخرجه الستة" قلت: وقال الترمذي (¬4): حديث عائشة حسن صحيح، وقد رواه الزهري عن عائشة نحوه، وهو الذي اختاره غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - منهم أبو بكر وعمر ومن بعدهم من التابعين، وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق يستحبون التغليس بصلاة الفجر. انتهى. وقد عارضه ما أخرجه الترمذي (¬5) من حديث رافع بن خديج أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر" قال الترمذي (¬6): إنه حديث حسن صحيح، قال (¬7): وقد روى غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - والتابعين الإسفار بصلاة الفجر وبه يقول سفيان الثوري. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (153). (¬2) أي: الترمذي في "السنن" (1/ 288). (¬3) في (أ): متلففات. (¬4) في "السنن" (1/ 288). (¬5) في "السنن" رقم (154). أخرجه أحمد (3/ 465)، وأبو داود رقم (424)، والنسائي (1/ 272)، وابن ماجه رقم (672)، وابن حبان رقم (1491)، والطيالسي (ص 129 رقم 959)، والدارمي (1/ 277)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/ 178)، وأبو نعيم في "الحلية" (7/ 94)، وفي ذكر أخبار أصبهان (2/ 329)، والقضاعي في "مسند الشهاب" (1/ 408 رقم 458)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (1/ 457)، والخطيب في "تاريخ بغداد" (13/ 45). وهو حديث صحيح. (¬6) في "السنن" (1/ 290). (¬7) أي: الترمذي في "السنن" (1/ 290).

(وقت الظهر)

وقال الشافعي وأحمد وإسحاق: معنى الإسفار أن يَضحَ [...] (¬1) يضيء الفجر فلا يشك فيه ولم [يروا] (¬2) أن معنى الإسفار تأخير الصلاة. انتهى. وقال ابن سعد (¬3): إنها من الإسفار والتبيين والتيقن، والمراد هنا إذا انكشف واتضح لئلا يصلي المصلي في شك من دخول الوقت. انتهى. (وقت الظهر) 19 - وعنها - رضي الله عنها - قَالَتْ: "مَا رَأَيْتُ رَجُلَاً كَانَ أَشَدُّ تَعْجِيْلَاً لْلظُّهْرِ مِنْ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وَلَا مِنْ أَبِي بَكْرٍ، وَلَا مِنْ عُمَرَ - رضي الله عنهما" -. أخرجه الترمذي (¬4) [ضعيف] قوله في حديث عائشة: "في شدة تعجله - صلى الله عليه وسلم - بالظهر"، "أخرجه الترمذي" قلت: وقال (¬5): حديث عائشة حديث حسن، وهو الذي اختاره أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن بعدهم. قال علي: قال يحيى بن سعيد: وقد تكلم شعبة في حكيم بن جبير من أجل حديثه الذي روى عن ابن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من سأل الناس وله ما يغنيه" (¬6) قال يحيى: وروى له سفيان وزائدة ولم ير يحيى بحديثه بأساً. قال محمد: وقد روي عن حكيم بن جبير، عن سعيد ابن جبير، عن عائشة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في تعجيل الظهر. انتهى. ¬

_ (¬1) كلمة غير مقروءة, ولم أجدها في سنن الترمذي. (¬2) في (أ): يرى. (¬3) في "الطبقات" (1/ 292). (¬4) في "السنن" رقم (155). (¬5) أي: الترمذي في "السنن" (1/ 293 - 294). (¬6) تقدم تخريجه.

وحكيم (¬1) بن جبير روى عن سفيان هذا الحديث ومن طريقه أخرجه الترمذي. 20 - وَلَهُ (¬2) فِي أُخْرَى عَنْ أُمِّ سَلَمَة - رضي الله عنها - قَالَتْ: "كَانَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - أَشَدُّ تَعْجِيْلَاً لِلظُّهْرِ مِنْكُمْ، وَأَنْتُمْ أَشَدُّ تَعْجِيْلَاً لِلْعَصْرِ مِنْهُ". [صحيح] قوله [361 ب]: "وله" أي: للترمذي عن أم سلمة الحديث، قلت: وقال بعد إخراجه: قال أبو عيسى (¬3): وقد روي هذا الحديث عن ابن جريج، عن أبي مليكة، عن أم سلمة نحوه. انتهى. 21 - وَعَنْ خَبَّابُ - رضي الله عنه - قَالَ: "شَكَوْنَا إِلَى رَسُوْلُ الله - صلى الله عليه وسلم - حَرَّ الرَّمْضَاءِ فَلَمْ يَشْكُنَا، قَالَ زَهَيْرُ لَأَبِي إِسْحَاقَ: أَفْي الظُّهْرِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: أَفِي تَعْجيْلِهَا؟ قَالَ: نَعَمْ". أخرجه مسلم (¬4) والنسائي (¬5). [صحيح] "الرَّمْضَاءِ" (¬6): شدة الحر على وجه الأرض. وقوله "فَلَمْ يُشْكُنَا" (¬7) أي: لم يزل شكوانا. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (155)، وهو حديث ضعيف. (¬2) أي: للترمذي في "السنن" رقم (161)، وهو حديث صحيح. (¬3) في "السنن" (1/ 303). (¬4) في "صحيحه" رقم (619). (¬5) في "السنن" (1/ 247). وهو حديث صحيح. (¬6) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (5/ 225) ثم قال: وأصل الرمضاء: الرّمل إذا لفحته الشمس فاشتد حرُّه. (¬7) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 887)، "الفائق" للزمخشري (2/ 86).

قوله: "وعن خباب" (¬1) أقول: بفتح الخاء المعجمة فموحدة مشددة [408/ أ] فألف فموحدة هو ابن الأرت فتح الهمزة فراء مفتوحة فمثناة فوقية، وخباب هو أبو عبد الله، وقيل: أبو يحيى، وقيل أبو محمد أسلم قديماً وعذب في الله على إسلامه، وهو مهاجري شهد بدراً وما بعدها، نزل الكوفة ومات بها سنة سبع وثلاثين، وله ثلاث وسبعون سنة, ويقال: إنه أول من مات بالكوفة من الصحابة, وصلى عليه أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه. قوله: "قال شكونا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حر الرمضاء" زاد الحاكم (¬2) والبيهقي (¬3): "في جباهنا وأكفنا"، وأعلت هذه الزيادة. قوله: "فلم يشكنا" أقول: بضم حرف المضارعة أي: لم يزل شكوانا، واستدل به من ذهب إلى أن تعجل الظهر أفضل مطلقاً، وتمسكوا بالأدلة الدالة على أفضلية أول الوقت، وبأن الصلاة حينئذٍ تكون أكثر مشقة فتكون أفضل. وذهب الجمهور (¬4) إلى أنه يستحب تأخير الظهر في شدة الحر إلى أن يبرد الوقت وينكسر الوهج، وخصه بعضهم بالجماعة، فأما المنفرد فالتعجيل في حقه أفضل، وهذا قول أكثر المالكية (¬5) والشافعي (¬6)، ولكنه خصه بالبلد الحارة، وفيه الجماعة بما إذا كانوا ينتابون مسجداً من بعد فلو كانوا مجتمعين أو كانوا يمشون في كن، فالأفضل في حقهم التعجيل. ¬

_ (¬1) قال ابن الأثير في "تتمة جامع الأصول" (1/ 344 - قسم التراجم). (¬2) في "المستدرك" (1/ 190). (¬3) في "السنن الكبرى" (1/ 439). (¬4) انظر: "شرح صحيح مسلم" (5/ 120)، "الأوسط" (2/ 360 - 361). (¬5) "بداية المجتهد" (1/ 233 - بتحقيقي). (¬6) انظر: "شرح صحيح مسلم" (5/ 120 - 121).

والمشهور عند أحمد التسوية من غير تخصيص ولا تقييد وهو قول إسحاق (¬1) والكوفيين، وابن المنذر (¬2)، والدليل على الإبراد حديث أبي هريرة (¬3) عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة [362 ب] فإن شدة الحر من فيح جهنم"، أخرجه الترمذي (¬4) وقال (¬5): حسن صحيح، قال: وفي الباب عن أبي سعيد (¬6) وأبي ذر (¬7) وابن عمر (¬8) والمغيرة (¬9) ¬

_ (¬1) انظر: "مسائل أحمد وإسحاق" (1/ 32). (¬2) في "الأوسط" (2/ 360 - 361). (¬3) أخرجه البخاري رقم (533، 534، 536)، ومسلم رقم (615)، وأبو داود رقم (402)، والترمذي رقم (157)، والنسائي (1/ 284 - 285). وابن ماجه رقم (677)، وأحمد (2/ 238)، وابن الجارود رقم (156)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/ 186)، وابن خزيمة (1/ 170 رقم 329)، وأبو نعيم في "الحلية" (6/ 274)، والبيهقي (1/ 437)، والخطيب في "تاريخ بغداد" (10/ 349)، والبغوي في "شرح السنة" (2/ 204 رقم 361)، والدارمي (1/ 274)، والطبراني في الصغير، (1/ 236 رقم 384). وفي الباب عن جماعة وقد عُدّ متواتراً. انظر: قطف الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة للسيوطي (ص 75 - 76 رقم 24). نظم المتناثر من الحديث المتواتر للكتاني ص 56 رقم 62). (¬4) في "السنن" رقم (157). (¬5) في "السنن" (1/ 296). (¬6) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (538) وطرفه رقم (3259). (¬7) أخرجه البخاري رقم (539) ومسلم رقم (616). (¬8) أخرجه البخاري رقم (534)، وابن ماجه رقم (681). (¬9) أخرجه أحمد (4/ 250)، وابن ماجه رقم (680)، وابن حبان رقم (1505)، والبيهقي (1/ 439)، والطبراني في "الكبير" (ج 20 رقم 949)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/ 187). قال البوصيري في "مصباح الزجاجة" (1/ 243): "هذا إسناد صحيح، رجاله ثقات، رواه ابن حبان في "صحيحه" عن محمد بن عبد الرحمن الشامي، ثنا أحمد بن حنبل، ثنا إسحاق بن يوسف, فذكره بحروفه =

والقاسم بن صفوان (¬1) عن أبيه وأبي موسى (¬2) وابن عباس (¬3) وأنس (¬4)، وروي (¬5) عن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا ولا يصح. قال (¬6): وقد اختار قوم من أهل العلم تأخير صلاة الظهر في شدة الحر، قال أبو عيسى (¬7): وهو قول ابن المبارك وأحمد وإسحاق. وقال الشافعي: إنما الإبراد بصلاة الظهر إذا كان مسجداً ينتاب أهله من البعد، فأما المصلي وحده والذي يصلي في مسجد قومه فالذي أحب له أن لا يؤخر الصلاة في شدة الحر. قال أبو عيسى (¬8): ويعني من ذهب إلى تأخير الظهر في شدة الحر هو أولى وأشبه بالإتباع، وأما ما ذهب إليه الشافعي أن الرخصة لمن ينتاب من البعد للمشقة على الناس، فإن ¬

_ = وبإسناده ومتنه وأصله في الصحيحين، والترمذي والنسائي وغيرهم من حديث أبي هريرة، وأبي ذر في البخاري من حديث أنس وأبي سعيد" اهـ. (¬1) أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (1/ 325)، والحاكم (3/ 251)، وأحمد (2/ 262)، والطبراني في "الكبير" كما في "مجمع الزوائد" (1/ 306) وقال: "والقاسم بن صفوان وثقه ابن حبان، وقال أبو حاتم: القاسم بن صفوان لا يعرف إلا في هذا الحديث". انظر: تعجيل المنفعة رقم (869) , و"الجرح والتعديل" (7/ 111)، "التاريخ الكبير" (7/ 161)، الثقات (5/ 304). (¬2) أخرجه النسائي في "السنن الكبرى" (1/ 170 رقم 331). (¬3) أخرجه البزار كما ذكره الحافظ في "التلخيص" (1/ 324 - 325) وقال: وفيه: "عمر بن صهبان، وهو ضعيف". (¬4) أخرجه البخاري رقم (906)، والنسائي رقم (499). (¬5) انظر: "التلخيص" (1/ 324). (¬6) أي: الترمذي في "السنن" (1/ 296). (¬7) في "السنن" (1/ 296). (¬8) في "السنن" (1/ 297).

في حديث أبي ذر ما يدل على خلاف ما قال الشافعي، قال أبو ذر: كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفر فأذن بلال لصلاة الظهر، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يا بلال! أبرد ثم أبرد"، فلو كان الأمر على ما ذهب إليه الشافعي لم يكن للإبراد في ذلك الوقت معنى لاجتماعهم في السفر، وكانوا لا يحتاجون أن ينتابوا من البعد ثم ساق (¬1) حديث أبي ذر بإسناده. قلت: وقد تعقب الكرماني (¬2) شارح البخاري كلام الترمذي وبسطه، هذا وأما حديث خباب فأجيب عنه بأنهم طلبوا تأخيراً زائداً عن وقت الإبراد، وهو زوال حر الرمضاء، وذلك قد يستلزم خروج الوقت، فلذلك لم يجيبهم، أو بأنه منسوخ بأحاديث الإبراد فإنها متأخرة عنه كما نقله الخلال عن أحمد (¬3)، فإنه أخرج حديث المغيرة بن شعبة، كنا نصلي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الظهر بالهاجرة, ثم قال لنا: "أبردوا بالصلاة" قال الحافظ (¬4): وهو حديث رجاله ثقات، قال الخلال (¬5) عن أحمد (¬6) أنه قال: هذا آخر الأمرين من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وفي "التثريب شرح التقريب" (¬7) فقال: والجواب عما قاله الترمذي أن اجتماعهم في السفر قد يكون أكثر مشقة منه في الحضر، فإنه قد يكون كل واحد منهم في خبائه أو مستقراً في ظل شجرة أو صخرة ويؤذيه حرُّ الرمضاء إذا خرج من موضعه [363 ب] وليس هناك ظل يمشون فيه، وأيضاً فليس هنا خبأ كبير يجمعهم فيحتاجون إلى أن يصلوا في الشمس، والظاهر أيضاً أن ¬

_ (¬1) أي الترمذي في "السنن" رقم (158). (¬2) في شرحه لـ "صحيح البخاري" (4/ 189). (¬3) في "المسند" (4/ 250)، وقد تقدم. (¬4) في "الفتح" (2/ 17). (¬5) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 17)، وفي "التلخيص" (1/ 324). (¬6) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 17)، وفي "التلخيص" (1/ 324). (¬7) في "طرح التثريب في شرح التقريب" (1/ 332 - 333).

(وقت العصر)

أخبيتهم كانت قصيرة لا يتمكنون من القيام فيها، وقد ثبت في الصحيح أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يأمر منادياً ينادي في الليلة المطيرة أو الباردة في السفر أن يقول: "ألا صلوا في رحالكم" (¬1)، فلما كان البرد أو المطر [في السفر] (¬2) مقتضٍ لترك الجماعة، فكذلك وجود الحر الشديد مقتضٍ للإبراد في الظهر، وهذا أجود ما يقال في جوابه. وأما الجواب عن أحاديث فضيلة أول الوقت، فإنها عامة، وهذا خاص، والخاص مقدم على العام. 22 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: "كَانَ رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إِذَا نَزَلَ مَنْزِلاً لَمْ يَرْتَحِلْ حَتَّى يُصَلِّيَ الظُّهْرَ. قَالَ رَجُلٌ: وَإِنْ كَانَ بِنِصْفِ النَّهَارِ؟ قَالَ: وَإِنْ كانَ نِصْفِ النَّهَارِ". أخرجه أبو داود (¬3) والنسائي (¬4). [صحيح] قوله في حديث أنس: "إذا نزل منزلاً لم يرتحل" أقول: ظاهر هذا أنه في السفر، ويأتي كيفية صلاته فيه. (وقت العصر) 23 - وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "إنّ رَسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُصَلِّي العَصْرَ وَالشَّمْسُ وَاقِعَةٌ فِي حُجْرَتِي". زاد في رواية أبي داود (¬5): "قَبْلَ أَنْ تَظْهَرَ". أخرجه الخمسة (¬6). [صحيح] ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (632)، ومسلم رقم (23/ 697)، وأحمد (2/ 4) من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما -. (¬2) في (أ): السفر. (¬3) في "السنن" رقم (1205). (¬4) في "السنن" رقم (498). (¬5) في "السنن" رقم (407). (¬6) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (522)، ومسلم رقم (611)، وأبو داود رقم (407) والترمذي رقم (159)، وابن ماجه رقم (683)، والنسائي رقم (505).

قوله في حديث عائشة: "والشمس واقعة في حجرتي" أقول: أي: بيتي، وكانت الحجرة ضيقة العرصة قصيرة الجدار، بحيث يكون جدارها أقل من مساحة العرصة بشيء يسير، فإذا صار ظل الجدار مثله دخل وقت العصر، وتكون الشمس بعد في أواخر العرصة [409/ أ] لم يرتفع الفيء في الجدار الشرقي (¬1). 24 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: "كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي العَصْرَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ حَيَّةٌ, فَيَذْهَبُ الذَّاهِبُ إِلَى العَوَالِي، فَيَأْتِي العَوَالِيَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ، وَبَعْضُ العَوَالِي مِنَ المَدِينَةِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ". أخرجه الستة (¬2) إلا الترمذي. [صحيح] وفي رواية (¬3): "فَيَذْهَبُ الذَّاهِبُ مِنَّا إلى قُبَاء". 25 - وفي أخرى (¬4): قَالَ أَسْعَدُ بنُ سَهْلٍ بنِ حُنَيْفٍ: صَلَّيْنَا مَعَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ الظُّهْرَ، ثُمَّ خَرَجْنَا حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، فَوَجَدْنَاهُ يُصَلِّي العَصْرَ، فَقُلْتُ: يَا عَمِّ! مَا هَذِهِ الصَّلاَةُ الَّتِي صَلَّيْتَ؟ قَالَ: العَصْرُ، وَهَذِهِ صَلاَةُ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - الَّتِي كُنَّا نُصَلِّي مَعَهُ. [صحيح] 26 - وفي أخرى قال (¬5): صَلَّى لَنَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - العَصْرَ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ, فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله! إِنَّا نُرِيدُ أَنْ نَنْحَرَ جَزُورًا لَنَا، وإِنَّا نُحِبُّ أَنْ تَحْضُرَهَا. قَالَ: "نَعَمْ". ¬

_ (¬1) انظر: "فتح الباري" (2/ 25 - 26). (¬2) أخرجه البخاري رقم (550) ومسلم رقم (621)، وأبو داود رقم (404)، والنسائي رقم (506 - 508)، وابن ماجه رقم (682). (¬3) أخرجها مسلم في "صحيحه" (193/ 621). (¬4) أخرجها البخاري رقم (549) ومسلم في "صحيحه" رقم (196/ 623). (¬5) أخرجها مسلم في "صحيحه" رقم (624).

فَانْطَلَقَ وَانْطَلَقْنَا مَعَهُ، فَوَجَدْنَا الجَزُورَ لَمْ تُنْحَرْ، فَنُحِرَتْ، ثُمَّ قُطِّعَتْ، ثُمَّ طُبِخَ مِنْهَا، ثُمَّ أَكَلْنَا قَبْلَ أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ. [صحيح] قوله في حديث أنس: "وبعض العوالي إلى آخره" أقول: هو مدرج من كلام الزهري [365 ب] بينه عبد الرزاق (¬1) والبيهقي (¬2). ووقع في رواية (¬3): "وبعد العوالي" بضم الباء والدال المهملة، والعوالي القرى المجتمعة حول المدينة من جهة نجد وقباء من العوالي تصرف ولا تصرف، وتذكر وتؤنث، والأفصح مده وتذكيره وصرفه وهو على نحو ثلاثة أميال من المدينة. وأبعد العوالي (¬4) على ثمانية أميال (¬5) من المدينة، وأقربها ميلان. قوله: "ويذهب المذاهب إلى قباء" أقول: قال ابن عبد البر (¬6): لم يختلف على مالك أنه قال في هذا الحديث إلى قباء، ولم يتابعه أحد من أصحاب الزهري، بل كلهم يقولون: إلى العوالي. وهو الصواب عند أهل الحديث. قال: وقول مالك: إلى قباء وهم بلا شك، انتهى كلامه .. ¬

_ (¬1) في "مصنفه" (1/ 327). (¬2) في "السنن الكبرى" (1/ 440). (¬3) قال الحافظ في "الفتح" (2/ 28)، وروى البيهقي حديث الباب من طريق أبي بكر الصغاني عن أبي اليماني شيخ البخاري فيه, وقال في آخره: "وبعد العوالي. بضم الموحدة وبالدال المهملة، وكذلك أخرجه المصنف في "الاعتصام" تعليقاً، ووصله البيهقي من طريق الليث عن يونس عن الزهري، لكن قال: "أربعة أميال أو ثلاثة". (¬4) قاله النووي في "شرح صحيح مسلم" (5/ 122). (¬5) الميل = 1848 متراً. انظر: "الإيضاحات العصرية في المقاييس والمكاييل والأوزان الشرعية". (¬6) في "التمهيد" (6/ 177)، و"الاستذكار" (1/ 244 - 245).

[وقت المغرب]

وقد تعقب بأنه يحتمل أن يكون الوهم من مالك أو من الزهري حين حدث به مالكاً، إذ قد رواه خالد بن مخلد عن مالك وقال: إلى العوالي ما قال الجماعة, فقد اختلف فيه على مالك وتوبع عن الزهري بخلاف ما جزم به ابن عبد البر. قاله في "فتح الباري" (¬1). قوله في حديث أنس: "فيأتيهم والشمس مرتفعة" أقول: قال النووي (¬2): في هذا الحديث المبادرة بصلاة العصر في أول وقتها؛ لأنه لا يمكن أن يذهب بعد صلاة العصر ميلين أو أكثر والشمس تتغير، ففيه دليل للجمهور على أن وقت العصر مصير ظل كل شيء مثله. قوله: "مع عمر بن عبد العزيز" أقول: هذا حين ولي عمر بن عبد العزيز المدينة، لا في خلافته؛ لأن أنساً توفي قبل خلافته بنحو سبع سنين. [وقت المغرب] (¬3) 27 - وعن سلمة بن الأكوع - رضي الله عنه -: "أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -كَانَ يُصَلِّي المَغْرِبَ إِذَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ، وَتَوَارَتْ بِالحِجَابِ". أخرجه الخمسة (¬4) إلا النسائي. [صحيح] وفي أخرى (¬5) لأبي داود: "سَاعَةَ تَغْرُبُ الشَّمْسُ إِذَا غَابَ حَاجِبُهَا". [صحيح] قوله في حديث سلمة بن الأكوع: "إذا غربت الشمس وتوارت بالحجاب" أقول: هو غروبها. ¬

_ (¬1) (2/ 29). (¬2) في شرحه لـ "صحيح مسلم" (5/ 122 - 123). (¬3) سقطت من (ب). (¬4) أخرجه البخاري رقم (561)، ومسلم رقم (636)، وأبو داود رقم (417)، والترمذي رقم (164)، وابن ماجه رقم (688). قاله الترمذي: حديث سلمة بن الأكوع حديث حسن صحيح. وهو حديث صحيح. (¬5) في "السنن" رقم (417).

قوله: "أخرجه الستة" قلت: قال الترمذي (¬1): بعد سياقه بلفظه. وفي الباب (¬2) عن جابر، والصنابحي، وزيد بن خالد، وأنس، ورافع بن خديج، وأبي أيوب، وأم حبيبة، وعباس بن عبد المطلب، وحديث العباس قد روي عنه موقوفاً وهو أصح، والصنابحي لم يسمع من النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو صاحب أبي بكر. قال أبو عيسى (¬3): حديث سلمة بن الأكوع حديث حسن صحيح، وهو قول أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن بعدهم من التابعين اختاروا تعجيل صلاة المغرب، وكرهوا تأخيرها حتى قال بعض أهل العلم: ليس لصلاة المغرب إلا وقت واحد، وذهبوا إلى حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -، حيث صلى به جبريل، وهو قول ابن المبارك والشافعي، انتهى. قلت: تقدم الكلام على امتداد وقت المغرب إلى غروب الشفق. والحديث أفاد مبادرته إلى صلاة المغرب، وكانت تلك عادته - صلى الله عليه وسلم - في جميع الصلوات، إلا فيما ثبت فيه خلاف ذلك، كالإبراد وكتأخير العشاء إذا أبطئوا كما في حديث جابر. 28 - وعن رافع بن خديج - رضي الله عنه - قال: كُنَّا نُصَلِّي المَغْرِبَ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَيَنْصَرِفُ أَحَدُنَا، وَإِنَّهُ لَيُبْصِرُ مَوَاقِعَ نَبْلِهِ. أخرجه الشيخان (¬4). [صحيح] 29 - وللنسائي (¬5): عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَسْلَمَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - المَغْرِبَ، ثُمَّ يَرْجِعُونَ إِلَى أَهلِيهِمْ إِلَى أَقْصىَ المَدِينَةِ يَرْمُونَ يُبْصِرُونَ مَوَاقِعَ سِهَامِهِمْ. [صحيح] ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (1/ 305). (¬2) انظر تخريجها في "نيل الأوطار" (3/ 113 - 114 بتحقيقي). (¬3) في "السنن" (1/ 305). (¬4) أخرجه البخاري رقم (559)، ومسلم رقم (637). (¬5) في "السنن" رقم (520)، وهو حديث صحيح.

قوله في حديث رافع: "فينصرف أحدنا وإنه ليبصر مواقع نبله" أقول: النبل: بفتح النون وسكون الموحدة السهام العربية, وهي مؤنثة لا واحد لها من لفظها. وقيل: واحدها نبلة. قال النووي (¬1): معناه: أنه يبكر بها في أول وقتها بمجرد غروب الشمس حين ننصرف ويرمي أحدنا [366 ب] بالنبل عن قوسه, ويبصر موقعه لبقاء الضوء، وفي هذين الحديثين يريد حديث سلمة بن الأكوع وحديث رافع هذا أن المغرب تعجل عقب غروب الشمس. وهذا مجمع عليه, وقد حكي عن الشيعة فيه شيء لا التفات إليه ولا أصل له. وأما ما ورد في تأخير المغرب إلى وقت سقوط الشفق فكان لبيان جواز التأخير كا سبق إيضاحه، فإنها كانت جواب سائل عن الوقت. وهذان الحديثان إخبار عن عادة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المتكررة التي واظب عليها إلا لعذر، انتهى. 30 - وعن مرثد بن عبد الله المزني - رضي الله عنه - قال: قَدِمَ عَلَيْنَا أَبُو أَيُّوبَ غَازِيًا، وَعُقْبَةُ ابْنُ عَامِرٍ يَوْمَئِذٍ عَلَى مِصْرَ، فَأَخَّرَ عُقْبَةُ المَغْرِبَ، فَقَامَ إِلَيْهِ أَبُو أَيُّوبَ فَقَالَ: مَا هَذِهِ الصَّلاَةُ يَا عُقْبَةُ؟! فَقَالَ: شُغِلْنَا. قَالَ: أَمَا سَمِعْتَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "لاَ تَزَالُ أُمَّتِي بِخَيْرٍ - أَوْ قَالَ: عَلَى الفِطْرَةِ - مَا لَمْ يُؤَخِّرُوا المَغْرِبَ إِلَى أَنْ تَشْتَبِكَ النُّجُومُ". أخرجه أبو داود (¬2). [حسن] "وَاشْتِبَاكُ النُّجُومِ": ظهور صغارها بين كبارها حتى لا يخفى منها شيء (¬3). ¬

_ (¬1) في شرحه لـ "صحيح مسلم" (5/ 136). (¬2) في "السنن" رقم (418). وأخرجه أحمد (5/ 415، 421)، والحاكم (1/ 190). وهو حديث حسن. (¬3) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (5/ 233).

قوله: "وعن مرثد" (¬1) أقول: بفتح الميم وسكون الراء فمثلثة فدال مهملة ابن عبد الله المزني، هو أبو الخير مرثد بن عبد الله المزني المصري، سمع عقبه بن عامر وأبا أيوب وابن عمرو بن العاص واليزني بفتح المثناة التحتانية وفتح الزاي وبالنون. قوله: "قدم علينا أبو أيوب غازياً" أقول: أسم أبي أيوب (¬2) خالد بن زيد الأنصاري، والمراد قدم مصر متجهزاً للغزو. وقوله: "وعقبة بن عامر" (¬3) هو أبو حماد، وقيل: أبو عامر. وقيل: غير ذلك, قد اختلف في نسبه، كان والياً على مصر لمعاوية بعد أخيه عتبة بن أبي سفيان، ثم عزله ومات بها سنة ثمانٍ وخمسين [410/ أ] روى عنه جابر، وابن عباس، وأبو أمامة، ومن التابعين خلق. قوله: "فأخر عقبة المغرب فقام إليه أبو أيوب فقال: ما هذه الصلاة يا عقبة؟! [قال] (¬4): إنا شغلنا. قال: أما سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لن تزال أمتي بخير أو قال: على الفطرة" كأنه شك من أحد الرواة "ما لم يؤخروا المغرب إلى أن تشتبك النجوم" اشتباك النجوم فسره المصنف بما فسره به ابن الأثير [367 ب]. 31 - وعن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لَهُ: "يَا عِليُّ ثَلاَثاً لاَ تُؤَخِّرْهَا: الصَّلاَةُ إِذَا دَخَلَ وَقْتُهَا، وَالجَنَازَةُ إِذَا حَضَرَتْ, وَالأَيِّمُ إِذَا وَجَدْتَ لهَا كُفْؤًا". أخرجه الترمذي (¬5). [ضعيف] ¬

_ (¬1) قاله ابن الأثير في "تتمة جامع الأصول" (2/ 898). (¬2) انظر: "التقريب" (1/ 210 رقم 3). (¬3) انظر: "التقريب" (1/ 27 رقم 242). (¬4) في (ب): فقال. (¬5) في "السنن" رقم (171، 1075) قال الترمذي: هذا حديث غريب، وما أرى إسناده بمتصل.

قوله في حديث علي - عليه السلام -: "والأيم إذا وجدْت لها كفؤاً" أقول: الأيم: المرأة التي لا زوج لها بكراً كانت أو ثيباً، وكذلك الرجل والكفء النظير والمثل والعديل. قوله: "أخرجه الترمذي" قلت: وسكت عليه وفي نسخة منه [أنه] (¬1) غريب. 32 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أَنَّ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الصُّبْحِ رَكْعَةً قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ، وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ العَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ العَصْرَ". أخرجه الستة (¬2) بهذا اللفظ. [صحيح] قوله: "وعن أبي هريرة" أقول: جعل ابن الأثير فرعاً في تأخير أوقات الصلاة. قوله: "فقد أدرك الصبح" أي: صلاة الصبح، والمراد مؤداة, وإلا فأصل الإدراك الذي هو الوصول إلى الشيء حاصل لا محالة ولو بدون ركعة، وفي رواية البيهقي (¬3): "فلم تفته" وللنسائي (¬4) فقد أدرك الصلاة كلها إلا أنه يقضي ما فاته". والمراد بالركعة أخف ما يقدر عليه أحد. 33 - وفي أخرى للبخاري (¬5) والنسائي (¬6): ¬

_ (¬1) زيادة من (أ). (¬2) أخرجه البخاري رقم (579)، ومسلم رقم (608)، وأبو داود رقم (412)، والترمذي رقم (186)، والنسائي (1/ 257 - 258)، وابن ماجه رقم (699)، ومالك في "الموطأ" (1/ 6)، وأخرجه أحمد (2/ 348, 459). (¬3) في "السنن الكبرى" (1/ 379). وهو حديث صحيح. (¬4) في "السنن الكبرى" رقم (1541/ 1)، وهو حديث صحيح. (¬5) في "صحيحه" رقم (556). (¬6) في "السنن" (1/ 257).

"إِذَا أَدْرَكَ أَحَدُكُمْ سَجْدَةً مِنْ صَلاَةِ العَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَلْيُتِمَّ صَلاتَهُ, وإِذَا أَدْرَكَ سَجْدَة مِنْ صَلاَةِ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَلْيُتِمَّ صَلاَتَهُ". [صحيح] إلا أن النسائي (¬1) قال: "أوّلَ سَجْدَةً فِي المَوْضِعَيْنِ". قوله: "وفي أخرى للبخاري والنسائي إذا أدرك أحدكم سجدة" إلى آخره. أقول: ترجم [له] (¬2) البخاري (¬3). باب من أدرك ركعة من العصر قبل الغروب. قال الحافظ ابن حجر (¬4): كأنه أراد تفسير الحديث، وأن المراد بقوله فيه: "سجدة" أي: ركعة. وقد رواه الإسماعيلي (¬5) من طريق حسين بن محمد عن شيبان بلفظ: "من أدرك منكم ركعة" فدل على أن الاختلاف في (¬6) اللفظ وقع [من] (¬7) الرواة. قال الخطابي (¬8): المراد بالسجدة الركعة بركوعها وسجودها، والركعة بركوعها وسجودها، والركعة إنما يكون تمامها سجودها، فسميت على هذا المعنى سجدة. انتهى. وترجم أيضاً البخاري (¬9) بقوله: وإذا أدرك سجدة من صلاة الصبح بقوله [368 ب]: ¬

_ (¬1) في "السنن" (1/ 257). (¬2) زيادة من (أ). (¬3) في "صحيحه" (2/ 37 الباب رقم 17 - مع "الفتح"). (¬4) في "الفتح" (2/ 38). (¬5) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 38). (¬6) كذا في (أ. ب)، والذي في "الفتح" الألفاظ. (¬7) في (أ): في. (¬8) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 38). (¬9) في "صحيحه" (2/ 56 الباب رقم 28 - مع الفتح).

باب من أدرك من الفجر ركعة. قال ابن حجر (¬1): في قوله: "فقد أدرك الصبح" ظاهره: أنه يكتفي بذلك. وليس ذلك مراداً بالإجماع. وقيل: يحمل على أنه أدرك الوقت، فإذا صلى ركعة أخرى فقد كملت صلاته، وهذا قول الجمهور، وقد صرح بذلك في رواية الدراوردي (¬2) عن زيد بن أسلم. أخرجه البيهقي من وجهين ولفظه: "من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس وركعة بعدما تطلع فقد أدرك الصلاة". وأصرح منه رواية أبي غسان (¬3) محمد بن مطرف عن زيد بن أسلم عن عطاء هو ابن يسار عن أبي هريرة بلفظ: "من صلى من العصر ركعة قبل أن تغرب الشمس، ثم صلى ما بقي بعد غروب الشمس لم تفته العصر". وقال مثل ذلك: في "الصبح"، وفي هذا رد على الطحاوي حيث قصر الإدراك باحتلام الصبي، وطهر الحائض، وإسلام الكافر، ونحوها نصرة لمذهبه أن من أدرك من الصبح ركعة تعد صلاته؛ لأنه لا يكملها لا في وقت الكراهة، وهو مبني على أن الكراهة تناول الفرض والنفل وهي خلافية مشهورة، الأظهر فيها أن النهي عن النوافل في أوقات الكراهة، لا على الفرائض. كيف في حديث (¬4): "من نام عن صلاته وسهى عنها" إلى أن قال: "لا وقت لها إلا ذلك"، فإنه ناهض على أن من قام من نومه أو ذكر من نسيانه في وقت الكراهة، فإنه وقت لهما ليس لهما وقت غيره. ¬

_ (¬1) في "فتح الباري" (2/ 56). (¬2) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 65). (¬3) في (أ. ب) زيادة عن وأسقطناها لعدم اللزوم. (¬4) تقدم نصه وتخريجه.

(الإبراد بصلاة الظهر في شدة الحر)

(الإبراد بصلاة الظهر في شدة الحر) 34 - وعنه - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِذَا اشْتَدَّ الحَرُّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلاَةِ، فَإِنَّ شِدَّةَ الحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ". أخرجه الستة (¬1) بهذا اللفظ. [صحيح] قوله: "وعنه" أي: أبي هريرة. "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة" أقول: قدمنا في حديث خباب بعضاً من بحث الإبراد. قوله: "إذا اشتد الحر" أقول: أصله اشتدد بزنة افتعل [369 ب] من الشدة، ثم أدغمت إحدى الدالين في الأخرى، ومفهومه: أن الحر إذا لم يشتد لا يشرع الإبراد، وكذا لا يشرع في البرد من باب الأولى. وقوله: "فأبردوا" بقطع الهمزة وكسر الراء، أي: أخروا إلى أن يبرد الوقت يقال: أبرد إذا دخل في البرد كأظهر إذا دخل في الظهيرة, واختلف في الأمر بالإبراد، فقيل: أمر استحباب. وقيل: أمر إرشاد. وقيل: للوجوب، فمن نقل أنه ليس للوجوب بالإجماع فقد عقل عما حكاه القاضي (¬2) عياض وغيره من القول بالإيجاب. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (533، 534، 536)، ومسلم رقم (615)، وأبو داود رقم (402)، والترمذي رقم (157)، والنسائي (1/ 284 - 285)، وابن ماجه رقم (677). وأخرجه أحمد (2/ 238)، وابن الجارود رقم (156)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/ 186)، وابن خزيمة (1/ 170 رقم 329)، وأبو نعيم في "الحلية" (6/ 274)، والبيهقي في "السنن" (1/ 437)، والخطيب في "تاريخ بغداد" (10/ 349)، والبغوي في "شرح السنة" (2/ 204 رقم 361)، والدارمي (1/ 274)، والطبراني في "الصغير" (1/ 236 رقم 384). وقد تقدم. (¬2) في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (2/ 583).

وقوله: "عن الصلاة" قالوا: يحتمل [بأن] (¬1) "عن" هنا أوجهاً أحدها أن تكون بمعنى الباء [كما تكون الباء] (¬2) بمعنى عن، فمن الأول على [411/ أ] ما قيل: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3)} (¬3)، ومن الثاني: {فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا (59)} (¬4). ثانياً: أنها زائدة أي: الصلاة. ثالثها: بضمير أبردوا معنى أخروا، وحذف مفعوله تقديره أخروا أنفسكم عن الصلاة، والمراد بالصلاة صلاة الظهر؛ لأنها التي يشتد الحر في وقتها غالباً، وقد حمل بعضهم ذلك على عمومه بناءً على أن المفرد المعرف يعم. قيل به في العصر، وعن أحمد (¬5) في العشاء يؤخر في الصيف دون الشتاء. وقال: من خصه بالظهر إنه قد ورد كذلك: "فأبردوا بالظهر" رواه البخاري (¬6) من حديث أبي سعيد، واختلف في الإبراد بالجمعة. فقيل: يبرد بها؛ لأنها عوض عن الظهر، ولحديث أنس (¬7): كان النبي - صلى الله عليه وسلم - "إذا اشتد الحر أبرد بالصلاة" يعني به: الجمعة. قوله: "فإن شدة الحر" تعليل للأمر بالتأخير، واختلف في وجهه فقيل: إنه لرفع المشقة لكونها قد تسلب الخشوع. وقيل: لكونها التي ينتشر فيها العذاب كما ورد "أن عند استواء الشمس [370 ب] تسجر جهم". ¬

_ (¬1) سقطت من (ب). (¬2) سقطت من (أ). (¬3) سورة النجم الآية (3). (¬4) سورة الفرقان الآية (59). (¬5) انظر: "مسائل أحمد وإسحاق" (1/ 32). (¬6) في "صحيحه" رقم (538) وطرفه رقم (3259). (¬7) تقدم تخريجه.

قوله: "من فيح جهنم" ويقال: فوح، والفاء فيهما مفتوحة, وبالحاء المهملة, وهو سطوع حرها وانتشاره يقال: فاحت القدر تفوح إذا غلت. واختلف هل هنا حقيقة أو مجاز، فالجمهور على أنه حقيقة. فقالوا: وهج الحرّ من فيح جهنم، ويؤيده حديث أبي هريرة: "اشتكت النار إلى ربها - عز وجل -، فأذن لها بنفسين" يأتي. وقيل: إنه كلام خرج مخرج التشبيه. أي: كأنه نار جهنم في الحر فاجتنبوا ضرره. قال القاضي (¬1): حمله على الحقيقة أولى. وقال ابن عبد البر (¬2): إنه لقصده عموم الخطاب، وظاهر الكتاب، وهو أولى بالصواب. 35 - وفي رواية لمالك (¬3): "إِنَّ النَّارَ اشْتَكَتْ إِلَى رَبِّهَا، فَأَذِنَ لهَا فِي كُلِّ عَامٍ بِنفَسَيْنِ: نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ، وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ". [صحيح لغيره] قوله: "وفي رواية لمالك: أن النار اشتكت" إلى آخره. أقول: هذه الرواية في الصحيح (¬4) من حديث سعيد بن المسيب. قوله: "اشتكت إلى ربها" أقول: اختلف في هذه الشكوى: هل هي بلسان المقال أو الحال؟ ذهب إلى كلِّ طائفة. قال ابن عبد البر (¬5): لكلا القولين وجه، ونظائر والأول أرجح. ¬

_ (¬1) أي: القاضي عياض في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (2/ 583). (¬2) في "الاستذكار" (1/ 353 رقم 938)، حيث قال: القول الأول يعضده عموم الخطاب وظاهر الكتاب وهو أولى بالصَّواب. والله أعلم. (¬3) في "الموطأ" (1/ 15 رقم 27)، وهو حديث صحيح لغيره. (¬4) خرجه البخاري رقم (536، 537) وطرفه رقم (3260). (¬5) "التمهيد" (5/ 4 - 5)، "الاستذكار" (1/ 352 - 353).

وقال عياض: إنه الأظهر. وقال القرطبي (¬1): لا إحالة في حمل اللفظ على حقيقته. قال (¬2): وإذا أخبر الصادق بأمر جائز لم يحتج إلى تأويله فحمله على حقيقته أولى. ورجح البيضاوي (¬3) حمله على المجاز. فقال: شكواها مجاز عن غليانها. وأكل بعضها بعضاً مجاز عن ازدحام أجزائها، ونفسها مجاز عن خروج ما يبرز منها، واستبعده الزين ابن المنير (¬4)، وقال: حمله على الحقيقة لصلاحية القدرة لذلك أولى. قوله: "بنفسين" أقول: النفس بفتح الفاء معروف، وهو ما يخرج من الجوف، ويدخل فيه من الهواء. قوله: "نفس في الشتاء ونفس في الصيف" بالجر فيهما بدلاً أو بياناً، ويجوز الرفع والنصب [لو تباعدت علة الكتابة] (¬5). قلت: هكذا رواه ابن الأثير في "الجامع" (¬6) وتبعه "التيسير" ولكن في البخاري (¬7) زيادة: "فأشد ما يكون من الحر من فيح جهنم، وأشد ما تجدون من الزمهرير"، انتهى [371 ب]. والزمهرير: شدة البرد. واستشكل وجوده في النار، ولا إشكال؛ لأن المراد بالنار محلها وفيها طبقة زمهريرية. فإن قلت: فلم لم يؤمر بتأخير الصلاة في شدة البرد كما في شدة الحر؟ ¬

_ (¬1) في "المفهم" (2/ 244). (¬2) في "المفهم" (2/ 244). (¬3) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 19). (¬4) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 19). (¬5) في (أ): ساعدت عليه الكتابة. (¬6) (5/ 236). (¬7) في "صحيحه" رقم (536).

قلت: شدة البرد يكون غالباً وقت الصبح، ولا يزول إلا بطلوع الشمس وارتفاع النهار، فلو أخرت الصلاة لشدة البرد لخرجت عن وقتها، ولا سبيل إلى ذلك، ولم يقل به أحد، ثم إن التنفس يحصل عند أشدية الحر، ولم يقتصر في الإبراد على أشده لوجود المشقة عند شديده أيضاً، فالأشدية تحصل عند التنفس، والشدة مستمرة بعد ذلك فيستمر الإبراد إلى أن تذهب الشدة (¬1). 36 - وعن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي سَفَرٍ، فَأَرَادَ ألمُؤَذِّنُ أَنْ يُؤَذِّنَ لِلظُّهْرِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَبْرِدْ". ثُمَّ أَرَادَ المُؤَذِّن أَنْ يُؤَذِّنَ فَقَالَ لَهُ: "أَبْرِدْ" مَرْتَيْنِ أَوْ ثَلاثَاً حَتَّى رَأَيْنَا فَيْءَ التُّلُولِ، ثُمّ قَالَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ شِدَّةَ الحَر مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ, فَإِذَا اشْتَدَّ الحَرُّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلاَةِ". أخرجه الخمسة (¬2) إلا النسائي. [صحيح] "الفَيْحُ": اللَّفح والوَهَج (¬3). قوله في حديث أبي ذر: "كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفر، فأراد المؤذن أن يؤذن للظهر. فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أبرد" ثم أراد أن يؤذن فقال له: "أبرد" أقول: ترجمة البخاري (¬4) باب الإبراد بالظهر في السفر. قال الحافظ (¬5): أراد بهذه الترجمة أن الإبراد لا يختص بالحضر، لكن محل ذلك ما إذا كان السافر نازلاً، أما إذا كان سائراً أو على سير ففيه جمع التقديم والتأخير. والمؤذن المذكور بينته روايات بأنه بلال، ووردت رواية بأنه قال له الثلاثة أيضاً. أي: أمره ¬

_ (¬1) انظر: "فتح الباري" (2/ 19). (¬2) أخرجه البخاري رقم (535)، ومسلم رقم (616)، وأبو داود رقم (401)، والترمذي رقم (158). (¬3) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (5/ 236). (¬4) في "صحيحه" (2/ 20 الباب رقم 10 - مع الفتح). (¬5) في "فتح الباري" (2/ 20).

بالإبراد وهي عند البخاري (¬1) في باب الأذان للمسافرين. فإن قيل: الإبراد للصلاة, فكيف أمر به المؤذن للأذان؟ فالجواب: أن ذلك ينبني هل الأذان للوقت أو للصلاة وفيه [372 ب] خلاف معروف، والأمر المذكور يقوي القول بأنه للصلاة. وقيل: بل لأنها جرت عادتهم أن لا يتخلفوا عند سماع الأذان عن الحضور للجماعة، فالإبراد بالأذان لغرض الإبراد بالجماعة. قوله: "حتى رأينا فيء التلول" (¬2) أقول: الفيء بفتح الفاء وسكون الياء بعدها همزة هو ما بعد الزوال من الظل. والتلول: جمع تل بفتح المثناة الفوقية وتشديد اللام. وهو كل ما اجتمع على الأرض من تراب أو رمل أو نحو ذلك، وهي في الغالب منبطحة غير شاخصة، فلا يظهر لها ظل إلا إذا [412/ أ] ذهب أكثر وقت الظهر. وقد اختلف (¬3) العلماء في حد الإبراد: فقيل: حتى يصير الظل ذراعاً بعد ظل الزوال. وقيل: ربع قامة. وقيل: ثلثها. وقيل: نصفها. وقيل غير ذلك. قال الحافظ (¬4): والجاري على القواعد أنه يختلف باختلاف الأحوال، لكن يشترط أن لا يمتد إلى آخر الوقت. وأما [ما] (¬5) وقع عند البخاري (¬6) في الأذان بلفظ: "حتى ساوى الظل التلول"، فظاهره أنه أخرها إلى أن صار ظل كل شيء مثله. ويحتمل أن يراد بهذه المساواة ظهور الظل تحت التل ¬

_ (¬1) في "صحيحه" (2/ 111 الباب رقم 18 - مع الفتح). (¬2) "القاموس المحيط" (ص 1254). (¬3) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 20). (¬4) في "فتح الباري" (2/ 20 - 21). (¬5) سقطت من (ب). (¬6) في "صحيحه" (2/ 111 الباب رقم 18 - مع الفتح).

بعد أن لم يكن ظاهراً، فساواه في الظهور لا في المقدار. أو يقال: كان ذلك في السفر فلعله أخر صلاة الظهر حتى يجمعها مع العصر. وتقدم الكلام على بقية الحديث وعلى معارضة أحاديث الإبراد في شرح حديث خباب. 37 - وعن القاسم بن محمد قال: مَا أَدْرَكْتُ النَّاسُ إِلاَّ يُصَلُّونَ الظُّهْرَ بِعَشِي. أخرجه مالك (¬1). [موقوف صحيح] قوله: "في حديث القاسم بن محمد" وهو ابن أبي بكر: "ما أدركت الناس لا يصلون الظهر بعشي" أقول: العشي في "النهاية" (¬2): أن ما بعد الزوال إلى المغرب عشاء، وقيل: العشي: من زوال الشمس إلى الصباح، انتهى. وكأنه يريد القاسم أنهم يؤخرون الظهر [373 ب]. 38 - وعن أبي موسى - رضي الله عنه - قال: "كانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إِذَا كانَ الحَرُّ أَبرَدَ بِالصَّلاَةِ, وإِذَا كَانَ البرْدُ عَجَّلَ". أخرجه النسائي (¬3). [صحيح] 39 - وعن عليّ بن شيبان - رضي الله عنه - قال: قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَكَانَ يُؤَخِّرُ العَصْرَ مَا دَامَتِ الشَّمْسُ بَيْضَاءَ نَقِيَّةً. أخرجه أبو داود (¬4). [ضعيف] قوله: "علي بن شيبان" أقول: هو أبو يحيى علي بن شيبان الحنفي اليمامي. روى عنه ابنه عبد الرحمن حديثه في الصلاة. قاله ابن الأثير (¬5). ويريد بحديثه هذا. فإنه أخرجه أبو داود عن زيد بن عبد الرحمن بن علي بن شيبان، عن أبيه, عن جده. وتقدم معنى الحديث مراراً. ¬

_ (¬1) في "الموطأ" (1/ 9 رقم 12)، وهو أثر موقوف صحيح. (¬2) (2/ 211). (¬3) في "السنن الكبرى" (1/ 465 رقم 1490/ 4). (¬4) في "السنن" رقم (408) وهو حديث ضعيف. (¬5) في "تتمة جامع الأصول" (2/ 608 قسم التراجم).

40 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قَالَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا قُدِّمَ العَشَاءُ فَابْدَءُوا بِهِ قَبْلَ صَلاَةَ المَغْرِبِ، وَلاَ تَعْجَلُوا عَنْ عَشَائِكُمْ". أخرجه الخمسة (¬1) إلا أبا داود. [صحيح] قوله في حديث أنس: "إذا قدم العشاء" أقول: يأتي في حديث عائشة (¬2): "إذا أقيمت الصلاة وحضر العشاء" فزيد ذكر إقامة الصلاة وأما "حضر" فهو كقدم في معناه. وفي حديث ابن عمر (¬3): "إذا وضع وأقيمت الصلاة". قوله: "فابدءوا به" أقول: أي: بالعشاء قبل صلاة المغرب يأتي في حديث عائشة إطلاق الصلاة، وفي حديث ابن عمر، وهذا الحديث بينها. وقوله: "أحدكم" هو أخص من قوله: "العشاء" فتحمل تلك الرواية على عشاء من يريد الصلاة، فلو وضع عشاء غيره لم يدخل في ذلك. ويحتمل أن يقال: بالنظر إلى المعنى لو كان جائعاً واشتغل خاطره بطعام غيره كان كذلك قال الحافظ (¬4). "ولا تعجلوا عن عشائكم" بل أبدءوا به. أقول: قال النووي (¬5): في هذه الأحاديث كراهة الصلاة بحضرة الطعام الذي يريد أكله لما فيه من ذهاب كحال الخشوع، ويلحق به ما في معناه مما يشغل القلب. وهذا إذا كان في الوقت سعة، فإن ضاق صلى على حاله محافظةً على حرمة الوقت، ولا يجوز التأخير. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (672)، ومسلم رقم (557)، والترمذي رقم (353)، والنسائي (2/ 111). (¬2) سيأتي تخريجه. وهو حديث صحيح. (¬3) سيأتي تخريجه. وهو حديث صحيح. (¬4) في "فتح الباري" (2/ 160). (¬5) في شرحه لـ "صحيح مسلم" (5/ 46).

وحكى المتولي وجهاً أنه يبدأ بالأكل وإن خرج الوقت؛ لأن مقصود الصلاة [374 ب] الخشوع فلا يفوته، انتهى. قال الحافظ (¬1): وهذا [إنما] (¬2) يجيء على من يوجب الخشوع. ثم فيه نظر؛ لأن المفسدتين إذا تعارضتا اقتصر على أخفهما، وخروج الوقت أشد من ترك الخشوع بدليل صلاة الخوف، والغريق وغير ذلك. وإذا صلى لمحافظة الوقت صحت مع الكراهة، وتستحب الإعادة عند الجمهور. وادّعى ابن حزم (¬3) أن في الحديث دليلاً على امتداد الوقت في حق من وضع له الطعام، ولو خرج الوقت المحدود. وقال: مثل ذلك في حق النائم والناسي. واستدل به القرطبي (¬4) على أن شهود الجماعة ليس بواجب؛ لأن ظاهره: أنه يشتغل بالأكل وإن فاتته الصلاة في جماعة. قال الحافظ (¬5): وفيه نظر؛ لأن بعض من ذهب إلى الوجوب كابن حبان جعل حضور الطعام عذراً في ترك الجماعة، فلا دليل فيه حينئذٍ على إسقاط الوجوب مطلقاً. واستدل بقوله: "فابدءوا" على تخصيص ذلك لمن لم يشرع في الأكل، وأما من شرع فيه وأقيمت الصلاة فلا يتمادى بل يقوم إلى الصلاة. وتعقب بما يأتي عن ابن عمر. وأجيب بأنه رأي له، وإلا فالنظر إلى المعنى يقتضي ما ذكروه؛ لأنه يكون قد أخذ من الطعام ما يدفع به شغل البال. ¬

_ (¬1) في "فتح الباري" (2/ 161). (¬2) سقطت من (ب). (¬3) في "المحلى" (4/ 46 - 47). (¬4) في "المفهم" (1/ 274). (¬5) في "الفتح" (2/ 161).

41 - وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا أُقِيْمَتِ الصَّلاَةُ، وَحَضَرَ العِشَاءُ, فَابْدَءُوا بِالعَشَاءِ". أخرجه الشيخان (¬1). [صحيح] 42 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما -: أَنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِذَا وُضِعَ عَشَاءُ أَحَدِكُمْ، وَأُقِيمَتِ الصَّلاةُ، فَابْدَءُوا بِالعَشَاءِ, وَلاَ يَعْجَلْ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهُ, وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُوضَعُ لَهُ الطَّعَامُ، وَتُقَامُ الصَّلاَةُ, فَلاَ يَأْتِيهَا حَتَّى يَفْرُغَ، وَإِنَّهُ لَيَسْمَعُ قِرَاءَةَ الإِمَامِ". أخرجه الستة (¬2) إلا النسائي. [صحيح] 43 - وفي أخرى لأبي داود (¬3) عن عبد الله بن عبيد بن عمير قال: "كُنْتُ مَعَ أَبِي فِي زَمَانِ ابْنِ الزُّبَيْرِ إِلَى جَنْبِ عَبْدِ الله بْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -، فَقَالَ عَبَّادُ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ الزُّبَيْرِ: إِنَّا سَمِعْنَا أَنَّهُ يُبْدَأُ بِالعَشَاءِ قَبْلَ الصَّلاَةِ. فَقَالَ عَبْدُ الله بْنُ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: وَيْحَكَ, مَا كَانَ عَشَاؤُهُمْ؟ أَتُرَاهُ كَانَ مِثْلَ عَشَاءِ أَبِيكَ". [إسناده قوي]. قوله في حديث ابن عمر: "وكان ابن عمر" أقول: قال الحافظ (¬4): هذه موصولة عند أبي عوانة في "مستخرجه" (¬5)، وروى سعيد بن منصور (¬6)، وابن أبي شيبة (¬7) بإسناد حسن عن أبي ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (671) ومسلم رقم (558). (¬2) أخرجه البخاري رقم (673)، ومسلم رقم (559)، وأبو داود رقم (3757)، والترمذي رقم (354)، ومالك في "الموطأ" (1/ 971). (¬3) في "السنن" رقم (3759) بإسناد قوي. (¬4) في "فتح الباري" (2/ 161 - 162). (¬5) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 161). (¬6) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 161). (¬7) في "مصنفه" (2/ 420).

هريرة, وابن عباس: أنهما كان يأكلان طعاماً وفي التنور شواء، فأراد المؤذن أن يقيم الصلاة [375 ب] فقال [413/ أ] له ابن عباس: لا تعجل لئلا تقوم وفي أنفسنا منه شيء. وفي رواية ابن أبي شيبة (¬1): "لئلا يعرض لنا في صلاتنا"، وله (¬2) عن الحسن بن علي قال: العشاء قبل الصلاة يذهب النفس اللوامة. قلت: وهذا كله من عناية الشارع بشأن الصلاة، وأنه يتفرغ العبد للإقبال عليها وعلى خشوعها بعد قضاء ما يشغله عن شيء من أفعالها وأقوالها وخشوعها. قوله: "وعن عبد الله بن عبيد بن عمير" أقول: هو أبو هاشم (¬3) عبد الله بن عبيد بن عمير بن قتادة الليثي المكي، يعد في التابعين، كثير الحديث، روى عن أبيه, وعن ابن عمر. مات سنة عشر ومائة. وأما عباد بن عبد الله بن الزبير (¬4). أي: ابن العوام، فهو حجازي من أهل مكة وسادات التابعين، سمع أباه وعائشة. قوله: "ما كان عشاؤهم أتراه مثل عشاء أبيك" يريد ابن عمر بعشائهم. أي: الصحابة الذين خوطبوا بحديث: "فابدءوا بالعشاء" كعشاء ابن الزبير أيام خلافته، وهذا كأنه يخصص ابن عمر العشاء بالعادة التي وقعت زمن الخطاب بالحديث، وهذا لا وجه له، بل العشاء يطلق على الخشن والحسن، وهذا ابن عباس، وابن عمر، قدما الشواء على الصلاة، وغاية عشاء ابن الزبير أن يكون كذلك. ¬

_ (¬1) في "مصنفه" (2/ 421). (¬2) لابن أبي شيبة في "مصنفه" (2/ 421). (¬3) قاله ابن الأثير في "تتمة جامع الأصول" (2/ 670 - قسم التراجم). (¬4) قاله ابن الأثير في "تتمة جامع الأصول" (2/ 628 - قسم التراجم).

44 - وعن جابر - رضي الله عنه - قال: قال رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تُؤَخَّرُوا الصَّلاةَ لِطَعَامٍ، وَلَا لِغَيْرِهِ". أخرجه أبو داود (¬1). [ضعيف] قوله في حديث جابر: "لا تؤخروا الصلاة لطعامٍ ولا لغيره". أقول: هذا مخالف لما تقدم من أحاديث الأمر بتقديم العشاء على الصلاة. قال الخطابي (¬2): وجه الجمع بين الحديثين: أن [حديث] (¬3) الأمر بتقديم الطعام إنما جاء فيمن كانت نفسه تنازعه شهوة الطعام، وكان شديد التوقان إليه، فإذا كان كذلك، وحضر الطعام وكان في الوقت فضل بدأ بالطعام لتسكن شهوة نفسه، فلا يمنعه عن توفية الصلاة [حقها] (¬4) وكان [376 ب] الأمر يخف عليهم في الطعام وقرب مدة الفراغ منه إذ كانوا لا يستكثرون منه، ولا ينصبون الموائد، [ولا يتناقلون] (¬5) الألوان، وإنما هو مذقة من لبن أو شربة من سويق أو كف من تمر أو نحو ذلك، ومثل هذا لا يؤخر الصلاة عن زمانها، ولا يخرجها عن وقتها. وأما حديث جابر (¬6): "لا تؤخروا الصلاة لطعام ولا لغيره" فهو لما كان بخلاف ذلك من حال المصلي، وصفة الطعام، ووقت الصلاة وإن كان الطعام لم يوضع، وكان الإنسان متماسكاً في نفسه وحضرت الصلاة وجب أن يبتدئ بها ويؤخر الطعام. وهذا وجه بناء أحد الحديثين على الآخر. انتهى. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (3758)، وهو حديث ضعيف. (¬2) في معالم "السنن" (4/ 134 - مع السنن). (¬3) سقطت من (ب). (¬4) سقطت من (أ. ب) , وأثبتناها من "المعالم". (¬5) كذا في (أ. ب)، والذي في "المعالم": ويتناولون. (¬6) قاله الخطابي في "معالم السنن" (4/ 134 - مع السنن).

45 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: أَعْتَمَ رَسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - بِالعِشَاءِ، فَخَرَجَ عُمَرُ - رضي الله عنه - فَقَالَ: الصَّلاَةَ يَا رَسُولَ الله، رَقَدَ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ، فَخَرَجَ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ، يَقُولُ: "لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لأَمَرْتُهُمْ بِالصَّلاَةِ هَذِهِ السَّاعَةَ". أخرجه الشيخان (¬1) والنسائي (¬2). [صحيح] قوله في حديث ابن عباس: "أعتم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالعشاء" أقول: قد ثبت النهي عن تسمية صلاة العشاء بالعتمة. وفي مسلم (¬3): "لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم، فإنها في كتاب الله العشاء، وهم يعتمون بِحلاَب الإبل"، انتهى. وكان ابن عمر إذا سمعهم يقولون: العتمة صاح وغضب. أخرجه الشافعي، واختلف السلف في ذلك منهم من كرهه، ومنهم من جعله خلاف الأولى، وأن النهي كان للتنزيه, والأحاديث قد وردت بتسميتها بالأعتمة وبالإعشاء. وأما إطلاق أعتم ونحوه فإنه لا نهي عنه وإنما النهي عن إطلاق الاسم. قوله: "الصلاة" بالنصب على الإغراء. [و] (¬4) قوله: "رقد النساء والصبيان" أي: ممن ينتظر الصلاة منهم في المسجد. قيل: إنما [قال ذلك عمر؛ لأنه ظن أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما] (¬5) أخر الصلاة ناسياً لها أول وقتها. فائدة: زاد الطبراني (¬6) في حديث ابن عباس هذا. قال: ذهب الناس إلا عثمان بن ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (567)، ومسلم رقم (642). (¬2) في "السنن" (1/ 265، 266) في "المواقيت" باب: ما يستحب من تأخير العشاء. (¬3) في "صحيحه" رقم (644) من حديث عبد الله بن عمر. (¬4) زيادة من (أ). (¬5) سقطت من (ب). (¬6) في "المعجم الكبير" (11/ 11023). =

مظعون في ستة عشر رجلاً فخرج - صلى الله عليه وسلم - فقال: "ما صلى هذه الصلاة أحد قبلكم" (¬1) قوله: "ورأسه يقطر" معناه: أنه اغتسل حينئذٍ. فقوله: "أعتم" أي: أخر صلاة العشاء حتى اشتدت عتمة الليل. وهي ظلمته. قال النووي (¬2): وأعلم أن التأخير المذكور في هذا الحديث [377 ب] وما بعده كله تأخير لم يخرج به عن وقت الاختيار، وهو نصف الليل أو ثلثه على الخلاف المشهور. 46 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: أَنَّهُ سُئِلَ: هَلِ اتَّخَذَ رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - خَاتِمًا؟ قَالَ: أَخَّرَ لَيْلَةً العِشَاءِ إِلَى شَطْرِ اللَّيْلِ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ, فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ خَاتَمِهِ، وَقَالَ: "إِنَّ النَّاسَ قَدْ صَلَّوْا وَرَقَدُوا، وَإِنَّكُمْ لَمْ تَزَالُوا فِي صَلاَةٍ مَا انْتَظَرْتُمُوهَا". أخرجه الشيخان (¬3) والنسائي (¬4). [صحيح] "الوَبِيصُ" (¬5): البريق واللمعان. 47 - وعنه - رضي الله عنه - قال: أُقِيْمَتْ العِشَاءُ, فَقَالَ رَجُلٌ: لِي حَاجَةٌ، فَقَامَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُنَاجِيهِ حَتَّى نَامَ القَوْمُ، أَوْ بَعْضُ القَوْمِ ثُمَّ صَلَّوْهَا. أخرجه الخمسة (¬6)، واللفظ لمسلم. [صحيح] ¬

_ = وأورده الهيثمي في "المجمع" (1/ 313) وقال: رجاله موثقون. (¬1) كذا في المخطوط والذي في "المعجم الكبير": "ما صلى صلاتكم هذه أمة قط قبلكم، وما زلتم في صلاة بعد ... ". (¬2) في شرحه لـ "صحيح مسلم" (5/ 137 - 138). (¬3) أخرجه البخاري رقم (572، 600، 661، 847، 5869)، ومسلم رقم (640). (¬4) في "السنن" (1/ 268) في "المواقيت"، باب: آخر وقت العشاء. (¬5) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (5/ 247). (¬6) أخرجه البخاري رقم (642، 643، 6292)، ومسلم رقم (376)، وأبو داود رقم (201، 542، 544)، والترمذي رقم (518)، والنسائي رقم (791).

قوله في حديث أنس: "إلى وبيص خاتمه" أقول: أول الحديث في "الجامع" (¬1) سئل أنس: "اتخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خاتماً؟ قال: أخَّر" الحديث. وقوله: "وبيص خاتمه" أقول: بفتح الواو فموحدة فمثناة تحتية فصاد مهملة فسره المصنف، زاد في مسلم (¬2): "من فضة"، ورفع إصبعه اليسرى بالخنصر. قال النووي (¬3): هكذا هو في الأصول. وفيه محذوف تقديره مشيراً بالخنصر. أي: أن الخاتم كان في خنصر يده اليسرى، وهذا الذي رفع إصبعه هو أنس. قال: وفي الإصبع عشر لغات، كسر الهمزة وفتحها وضمها مع كسر الباء وفتحها وضمها. والعاشرة أصبوع، وأفصحهن كسر الهمزة مع فتح الباء. انتهى. [414/ أ]. قوله: "إن الناس" قيل: أراد بهم اليهود والنصارى. وقوله: "لن تزالوا في صلاة ما انتظرتموها" أي: لكم أجر الراكع الساجد القائم مهما كنتم منتظرين لأداء الصلاة تفضلاً من الله - عز وجل -. وفي "الجامع" (¬4) قال الحسن: إن الناس لا يزالون في خير ما انتظروا الخير. قوله في حديث أنس: "حتى نام القوم أو بعض القوم" أقول: كأنه شك من الراوي. قال النووي (¬5): إنه محمول على نوم لا ينقض الوضوء، وهو نوم الجالس ممكناً مقعدته. وفيه دليل على أن مثل هذا النوم لا ينقض، انتهى. ¬

_ (¬1) (5/ 245 - 246 رقم 3318). (¬2) في "صحيحه" رقم (222/ 640). (¬3) في شرحه لـ "صحيح مسلم" (5/ 140). (¬4) (5/ 246). (¬5) في شرحه لـ "صحيح مسلم" (5/ 39).

قلت: يأتي في نواقض الوضوء تحقيقه. وفيه دليل على أنه لا بأس بالخطاب بعد الإقامة، وبعد قيام الإمام إلى الصلاة وتوجهه نحو القبلة، إذ في رواية: "لقد رأيت رسول الله [378 ب]- صلى الله عليه وسلم - بعد ما تقام الصلاة يكلِّمه الرجل يقوم بينه وبين القبلة" (¬1). 48 - وعن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - قال: بَقِينَا نَنْتَظِرُ رَسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي صَلاَةِ العَتَمَةِ فَتَأَخَّرَ حَتَّى ظَنَّ الظَّانُّ أَنَّهُ لَيْسَ بِخَارِجٍ، وَالقَائِلُ مِنَّا يَقُولُ: قَدْ صَلَّى، فَإِنَّا لَكَذَلِكَ حَتَّى خَرَجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالُوا لَهُ كَمَا قَالُوا؟ فَقَالَ: "أَعْتِمُوا بِهَذِهِ الصَّلاَةِ، فَإِنَّكُمْ قَدْ فُضِّلْتُمْ بِهَا عَلَى سَائِرِ الأُمَمِ، لَمْ تُصَلِّهَا أُمَّةٌ قَبْلَكُمْ". أخرجه أبو داود (¬2). [صحيح] قوله في حديث معاذ: "فقالوا له كما قالوا" أي: من أنهم ظنوا أنه ليس بخارج أو أنه قد صلى. قوله: "قد فضلتم بها على سائر الأمم" فيه دليل أنهم اختصوا بفريضة صلاة العشاء، أو أنهم اختصوا بفضيلة تأخيرها لقوله: "فإن الناس قد صلوا ورقدوا" حيث أريد بهم أهل الكتابين. 49 - وعن أبي موسى - رضي الله عنه - قال: عَتَمَ بِالصَّلاَةِ, يَعْنِي: النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى ابْهَارَّ اللَّيْلُ، ثُمَّ خَرَجَ، فَصَلَّى بِهِمْ، فَلَمَّا قَضَى النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - صَلاَتَهُ. قَالَ لمِنْ حَضَرَهُ: "عَلَى رِسْلِكُمْ أُعْلِمُكُمْ وَأَبْشِرُوا، إِنَّ مِنْ نِعْمَةِ الله عَلَيْكُمْ أنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ يُصَلِّي هَذِه السَّاعَةَ غَيْرُكُمْ". أخرجه الشيخان (¬3). [صحيح] ¬

_ (¬1) سيأتي نصه وتخريجه. (¬2) في "السنن" رقم (421). وأخرجه أحمد (5/ 237)، والبيهقي (1/ 451)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (1/ 331)، وهو حديث صحيح. (¬3) أخرجه البخاري رقم (567)، ومسلم رقم (641).

"ابْهَارَّ الليْلُ" (¬1): ذهب معظمه، أو نصفه. "وَرِسْلِكُمْ" (¬2): بكسر الراء، أي: على هينتكم. قوله في حديث أبي موسى: "حتى ابهارَّ الليل" أقول: بفتح الهمزة فموحدة ساكنة وآخره راء مشدودة، أي: انتصف. قاله النووي (¬3). وفي "الفتح" (¬4) أي: طلعت نجومه واشتبكت. والباهر الممتلئ بهاءً ونوراً قاله أبو سعيد الضريرِ. وعن سيبويه (¬5)، ابهار الليل كثرت ظلمته، وابهارَّ القمر كثر ضوءه. وقال الأصمعي (¬6): ابهار انتصف مأخوذة من بهرة الليل، وهو وسطه، ويؤيده أنه في بعض الروايات "حتى إذا كان قريباً من نصف الليل". وسيأتي في حديث أنس عند المصنف - أي البخاري - إلى نصف الليل. انتهى. وقوله: "على رسلكم" هو بكسر الراء وفتحها لغتان والكسر أفصح وأشهر. أي: تأنوا. وقوله: "أن من نعم الله عليكم" هو بفتح الهمزة معمول لقوله: "أعلمكم" وكذلك أنه ليس بفتحها. قال النووي (¬7): فيه جواز الحديث بعد صلاة العشاء إذا كان في خيرٌ، وإنما نهى عن ¬

_ (¬1) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (5/ 250). (¬2) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (1/ 657). (¬3) في شرحه لـ "صحيح مسلم" (5/ 141). (¬4) في "فتح الباري" (2/ 48). (¬5) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 48). (¬6) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 48). (¬7) في شرحه لـ "صحيح مسلم" (5/ 141).

الكلام إذا كان في غير خير. انتهى. قال في "الفتح": إن إن في "إن من نعمة" [379 ب] مكسورة ووهم من ضبطها بالفتح وأما قوله: "أنه ليس أحد" فهو بفتح أن للتعليل، انتهى. قلت: والظاهر مع النووي أن الأولى مفتوحة معمولة لأعلمكم كما قال، وليس بوهم، إلا أنه ليس في رواية البخاري (¬1): [لأعلمكم] (¬2) بل فيها "أبشروا" فالكسر في روايته متعين، والفتح في رواية مسلم (¬3) متعين. زاد في رواية (¬4) البخاري قال أبو موسى: فرجعنا فرحى بما سمعنا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، انتهى. وهو بفتح الفاء وسكون الراء فحاء مهملة فألف مقصورة. قال الحافظ (¬5): جمع فرحان على غير القياس. ومثله {وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى} (¬6) في قراءة من قرأ. أو تأنيث أفرح، وهو نحو الرجال فعلت، وفي رواية الكشميهني (¬7): "فرجعنا وفرحنا" وسبب فرحهم علمهم باختصاصهم بهذه العبادة التي هي نعمة عظمى، مستلزمة للمثوبة الحسنى، مع [ما] (¬8) انضاف إلى ذلك من تجميعهم خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، انتهى. ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (567). (¬2) في (أ): وأعلمكم. (¬3) في "صحيحه" رقم (641). (¬4) أخرجها البخاري في "صحيحه" رقم (567). (¬5) في "فتح الباري" (2/ 49). (¬6) سورة الحج الآية (2). (¬7) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 49). (¬8) سقطت من (ب).

وفي "جامع الأصول" (¬1) بلفظ: "فرجعنا فرحين" وكأنه عبارة رواية مسلم (¬2). 50 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أنّ النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصّلاَةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصّلاَةَ كُلَّهَا" أخرجه الستة (¬3). [صحيح] وفي رواية (¬4): "مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصَّلاّةِ مَعَ الإِمَامِ". [صحيح] قوله في حديث أبي هريرة: "من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة كلها" أقول: تقدم الكلام قريباً فيمن أدرك ركعة من الصبح، الحديث فيشمل من أدرك ركعة مع الإمام كما صرحت به الرواية الآتية، وقلنا بعد خروجه من الصلاة: أنه أدركها جماعة، ويدل على أنه قد يستحق بعمل البعض أجر الكل مثل الذي من العصر إلى الليل أو النهار كله، وهو نظير الذي يعطي أجر الصلاة كلها، ولو لم يدرك إلا ركعة. قال الحافظ (¬5): ونسبة الركعة إلى الرباعية الربع. كما أن نسبة ما بين العصر إلى النهار الربع [380 ب] قوله (¬6). 51 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما -: أنّ النّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ صَلاَةٍ مِنَ الصّلَوَاتِ، فَقَدْ أَدْركَهَا إِلاَّ أنّهُ يَقْضِي مَا فاتَهُ". أخرجه النسائي (¬7). [صحيح] ¬

_ (¬1) (5/ 250). (¬2) في "صحيحه" رقم (224/ 641). (¬3) أخرجه البخاري رقم (580)، ومسلم رقم (607)، وأبو داود رقم (1121)، والترمذي رقم (5240)، وابن ماجه رقم (1122)، والنسائي رقم (553 - 556). (¬4) أخرجه البخاري رقم (580)، ومسلم رقم (262/ 607). (¬5) في "فتح الباري" (2/ 39). (¬6) كذا في المخطوط (أ. ب). (¬7) في "السنن" رقم (558) , وهو حديث صحيح.

في حديث ابن عمر: "إلا أنه يقضي ما فاته" أي: يأتي به وهو أداء، وكأنه احتراس عن ظن من يظن أن من أتى بركعة أجزأته لقوله: "فقد أدرك الصلاة". 52 - وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "مَا صَلَّى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -صَلاَةً لِوَقْتِهَا الآخِرِ مَرَّتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ الله" (¬1). [حسن] قوله في حديث عائشة: "لوقتها الآخر مرتين حتى قبضه الله" أقول: حديث: "إن للصلاة أولاً وآخراً" تقدم، وبيَّنَ الأول والآخر بياناً شافياً. كقوله: "إن أول وقت [الظهر] (¬2) حين تزول الشمس، وآخر وقتها حين يدخل وقت العصر" (¬3). وعن غيره كذلك، وإن كان قدمنا في الحديث مقالاً في رفعه، لكن أحاديث التوقيت القولية والفعلية دالة عليه. فقولها: آخر وقتها تريد به ما ذكر. وقوله: "مرتين" كأنها تشير إلى ما في حديث ابن عباس (¬4) من أنه - صلى الله عليه وسلم - جمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء. أي: أنه أخر الظهر إلى آخر وقتها، وأخر المغرب إلى آخر وقتها، كما صرح به أبو الشعثاء ظناً منه, ووافقه عليه غيره, ودلَّ له حديث عائشة هذا. قلت: ويأتي أنه أخرج حديث عائشة هذا الترمذي، لكنه قال عقب (¬5) إخراجه: هذا حديث غريب، وليس إسناده بمتصل. وفي حواشي: "التلخيص" أنه بناء على أن عمر بن علي - عليه السلام - (¬6) لم يسمع من أبيه لصغره. ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي في "السنن" رقم (174)، وقال: حديث حسن غريب، وهو حديث حسن. (¬2) في (ب): للظهر. (¬3) تقدم تخريجه. (¬4) تقدم تخريجه. (¬5) في "السنن" (1/ 328). (¬6) انظر "التقريب" (2/ 61 رقم 590).

وقال أبو حاتم: إنه سمع من أبيه فاتصل إسناده (¬1). ثم قال: قال الشافعي (¬2): الوقت الأول من الصلاة أفضل، ومما يدل على فضل أول الوقت على آخره اختيار النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر، فلم يكونوا يختارون إلا ما هو أفضل، ولم يكونوا يدعون الفضل، وكانوا يصلون أول الوقت. حدثنا بذلك أبو الوليد المكي عن الشافعي، انتهى. [415/ أ]. 53 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما -: أنّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "الوَقْت الأَوَّلُ مِنَ الصَّلاَةِ رِضْوَانُ الله، وَالآخِرُ عَفْوُ الله" (¬3). أخرجهما الترمذي. [حسن] قوله في حديث ابن عمر: "أول الوقت رضوان الله" أقول: قد نسبه إلى الترمذي. وقال ابن حجر في "التلخيص" (¬4): وأخرجه الدارقطني (¬5) من حديث يعقوب بن الوليد المديني، عن عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر ويعقوب. قال أحمد بن حنبل (¬6) [381 ب]: كان من الكذابين الكبار، وكذبه ابن معين (¬7). وقال النسائي: متروك. وقال ابن حبان (¬8): كان يضع الحديث, وما روى هذا الحديث غيره. ¬

_ (¬1) انظر: "نصب الراية" (1/ 435). (¬2) "البيان" للعمراني (2/ 360). (¬3) أخرجه الترمذي في "السنن" رقم (174). وهو حديث حسن. (¬4) (1/ 321 رقم 260/ 18). (¬5) في "السنن" (1/ 249). (¬6) ذكره الذهبي في "الميزان" (4/ 455 رقم 9829). (¬7) ذكره الذهبي في "الميزان" (4/ 455). (¬8) في "المجروحين" (3/ 137 - 138).

وقال الحاكم (¬1): الحمل فيه عليه. وقال البيهقي (¬2): يعقوب كذبه سائر الحفاظ، ونسبوه إلى الوضع، وذكر (¬3) أنه روى عن جماعة من الصحابة وذكر رواياتهم وطعن فيها كلها. 54 - وعن رافع بن خديج - رضي الله عنه -: أنّ رسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "أَسْفِرُوا بِالفَجْرِ، فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْأَجْرِ". أخرجه أصحاب السنن (¬4). وزاد رزين: "وَإِنّ أَفْضَلَ العَمَل الصَّلاَةُ لِوَقْتِهَا". قوله في حديث رافع بن خديج: "أسفروا بالفجر". أقول: تقدم القول فيه، وأن المراد: اتضاح وقته. قال في "الفتح" (¬5): وحمله الطحاوي (¬6) على أن المراد الأمر بتطويل القراءة حتى يخرج من الصلاة مسفراً وأبعد من قال: إنه ناسخ للصلاة في الغلس. ¬

_ (¬1) انظر: "ميزان الاعتدال" (4/ 455). (¬2) ذكره الحافظ في "التلخيص" (1/ 321). (¬3) أي: الحافظ في "التلخيص" (1/ 322). (¬4) أخرجه أبو داود رقم (424)، والترمذي رقم (154)، والنسائي (1/ 272)، وابن ماجه رقم (672). وأخرجه أحمد (3/ 465)، وابن حبان رقم (1491)، والطيالسي رقم (959)، والدارمي (1/ 277)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/ 178)، وأبو نعيم في "الحلية" (7/ 94). وفي "أخبار أصبهان" (2/ 329)، والقضاعي في "مسند الشهاب" رقم (458)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (1/ 457)، والخطيب في "تاريخ بغداد" (13/ 45). وهو حديث صحيح، والله أعلم. (¬5) (2/ 55). (¬6) في "شرح معاني الآثار" (1/ 178).

55 - وعن يحيى بن سعيد - رضي الله عنه - قال: إِنَّ المُصَلِّيَ لَيُصَلِّي الصَّلاَةَ وَمَا فَاتَتْهُ، وَلمَا فَاتَهُ مِنْ وَقْتِهَا أَعْظَمُ مِنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ. أخرجه مالك (¬1). [مقطوع صحيح] قوله: "وعن يحيى بن سعيد" أقول: هو موقوف ومعناه صحيح. 56 - وعن أمّ فروة - رضي الله عنها -: وَكَانَتْ مِمَّنْ بَايَعَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَتْ: سُئِلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: أَيُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "الصَّلاَةُ لأَوَّلِ وَقْتِهَا". أخرجه أبو داود (¬2) والترمذي (¬3). [صحيح] قوله: "وعن أم فروة" أقول: هي أخت أبي بكر الصديق لأبيه. ومن قال فيها: أم فروة الأنصارية فقد وهم. قاله عبد العظيم المنذري (¬4). قال السهيلي (¬5): ولم يعش لأبي قحافة ولد ذكر إلا أبو بكر، ولا يعلم له بنت إلا أم فروة التي أنكحها أبو بكر الأشعث بن قيس. وقيل: كانت له أخرى تسمى قريبة تزوجها قيس بن سعد بن عبادة. قوله: "أخرجه أبو داود والترمذي" قلت: [وقال الترمذي (¬6): قال أبو عيسى] (¬7): حديث أم فروة لا يروى إلا من حديث عبد الله بن عمر العمري، وليس هو بالقوي عند أهل الحديث، واضطربوا في هذا الحديث، انتهى. ¬

_ (¬1) في "الموطأ" (1/ 12 رقم 23)، وهو أثر مقطوع صحيح. (¬2) في "السنن" رقم (170). (¬3) في "السنن" رقم (426)، وهو حديث صحيح. (¬4) في "مختصر السنن" (1/ 247). (¬5) انظر: "الروض الأنف" (1/ 287 - 288). (¬6) في "السنن" (1/ 323). (¬7) وهما واحد.

أوقات الكراهة

أوقات الكراهة 1 - عن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - قال: "ثَلاَثُ سَاعَاتٍ كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَنْهَانَا أَنْ نُصَلِّيَ فِيهِنَّ أَوْ أَنْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا: حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً حَتَّى تَرْتَفِعَ، وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ حَتَّى تَميِلَ الشَّمْسُ، وَحِيِنَ تَضَيَّفُ الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ حَتَّى تَغْرُبَ". أخرجه الخمسة (¬1) إلا البخاري. [صحيح] "تَضَيَّفُ" بضاد معجمة, وبعدها مثناة من تحت مشددة، أي: تميل. (أوقات الكراهة) أي: الأوقات التي تكره فيها الصلاة وقبر الأموات. قوله: [382 ب] "عن عقبة بن عامر" تقدم ذكر ترجمته قريباً. قوله: "ثلاث ساعات" أقول: مفهوم العدد غير مراد لما يأتي من ثلاثة أوقات غيرها للكراهة. قوله: "فيها" فالأصل في النهي التحريم. واختلف كلام النووي فصح في كتابه "الروضة" (¬2) أنه للتحريم. وقال في "التحقيق": إنها للتنزيه، وصرح بأنها لا تنعقد الصلاة فيها، بل هي باطلة، وهذا لا يتم إلا على أنه للتحريم (¬3). قوله: "أن نصلي فيهن" إطلاق الصلاة مقيد بما يأتي من صلاة النائم والناسي. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم في "صحيحه" رقم (293/ 831)، وأبو داود رقم (3192)، والترمذي رقم (1030)، والنسائي (1/ 275)، وابن ماجه رقم (1519)، وأخرجه أحمد (4/ 152)، والطيالسي رقم (1001)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/ 151)، والبيهقي (2/ 452)، وهو حديث صحيح. (¬2) (1/ 194 - 195). (¬3) انظر: "فتح الباري" (2/ 59 - 60).

قوله: "أو نقبر فيهن موتانا" أي: ندخلهم القبور ثم بين الثلاث بقوله: "حين تطلع الشمس بازغةً حتى ترتفع"، وليس المراد مطلق الارتفاع على الأفق، بل الارتفاع الذي تذهب معه صفرة الشمس [و] (¬1) حمرتها، وهو مقدر بقدر رمح أو رمحين. قيل: ولا تنافي هذه الزيادة لفظ هذا الحديث؛ لأن معنى عند حضرة الشيء مما قارب الطلوع والغروب، فله حكمه، لكن المراد: ما يقارب الطلوع مما بعده، وما يقارب الغروب مما قبله. قلت: كذا في "شرح التبريز". وقد ثبت التحديد (¬2) بالرمح في حديث مسلم (¬3)، عن عمرو بن عبسة وفيه: "حتى يستقل الظل بالرمح"، انتهى. فهذا تنصيص على قدر الرمح، فلا ينبغي أن يزاد ورمحين. وقوله: "حين يقوم قائم الظهيرة" هي حالة استواء الشمس في كبد السماء وحتى تزول. وهذا متفق عليه إلا ما يروى عن مالك (¬4) أنه قال: لا أكره الصلاة عند استوائها، ولا أعرف هذا النهي. وتأول بأنه لا يصح عنده الخبر. قوله: "وحين تضيف للغروب" أي: قبل كما فسره المصنف، على حالة صفرتها وتغيرها. قال ابن عبد البر (¬5): لا أعلم خلافاً بين المتقدمين [383 ب] والمتأخرين أن صلاة التطوع والنوافل كلها غير جائز شيء منها أن يصلي عند طلوع الشمس وعند غروبها. ¬

_ (¬1) في (أ): أو. (¬2) انظر: شرح "صحيح مسلم" للنووي (6/ 116 - 117). (¬3) في "صحيحه" رقم (294/ 832). (¬4) انظر: "المنتقى" للباجي (1/ 228). (¬5) "الاستذكار" (1/ 383)، "التمهيد" (13/ 32).

واعلم أن الحنفية (¬1) حملوا هذا النهي في الثلاثة الأوقات على عموم كل صلاة، ولو كانت فريضة حتى صبح يومه، فلو أخر أحد صلاة الفجر حتى شرعت الشمس في الطلوع لم يجز له أن يبتدئ بها حتى يتم طلوعها وترتفع، فلو شرع فيها قبل ذلك فطلعت الشمس وهو في أثنائها بطلت ووجب اسئنافها بعد ذلك، ولم يستثنوا من ذلك إلا عصر يومه، فقالوا: له فعله عند غروب الشمس، فلو شرع فيه قبل ذلك فغربت الشمس، وهو في أثنائه أتمه، ووجهه أن بطلوع الشمس يدخل وقت النهي وبغروبها يخرج. قلت: الدليل قائم على أن النهي في الثلاثة عن النوافل دون الفرائض كما دل له حديث: "من أدرك ركعة من الصبح قبل الطلوع، أو من العصر قبل الغروب فقد أدرك صلاته" (¬2). ولا ريب أن هذا صلى في أوقات النهي، وحكم الشارع بصحة صلاته، وثبت حديث (¬3): "من نام عن صلاته أو نسيها فليصلها إذا ذكرها". وفي رواية: "لا وقت لها إلا ذلك". وهذا يدل بأن أحاديث النهي واردة في النوافل. ولكن قال ابن دقيق العيد في "شرح العمدة" (¬4): إن بين الحديثين حديث: "من نام عن صلاته"، وحديث النهي عن الصلاة في الثلاثة الأوقات عموماً وخصوصاً من وجه، فحديث النهي خاص في الوقت عام في الصلاة، وحديث النوم والنسيان خاص في الصلاة الفائتة عام في الوقت، فكل واحد منهما بالنسبة إلى الآخر [383 ب] عام من وجه خاص من وجه. يعني: وإذا كان كذلك لم يكن القضاء [41/ أ] بأحدهما على الآخر لعدم المرجح. ¬

_ (¬1) "البناية في شرح الهداية" (2/ 59). (¬2) تقدم، وهو حديث صحيح. (¬3) تقدم مراراً. (¬4) (ص 229).

قلت: لكن قوله في [النوم] (¬1) عنها والمنسية لا وقت لها إلا ذلك، تعيين لوقتهما، فهو خاص بالنسبة إلى حديث النهي؛ لأنه عام، فبتعيين وقتهما صار حديثهما خاص، فمن استيقظ عند طلوع الشمس فهو وقت صلاة الفجر الذي عينه الشارع لها، وأنه لو ترك الصلاة فيه كان عاصياً متعمداً لترك صلاة الفريضة، فحديثهما مقدم تقديم الخاص على العام [] (¬2) بقضاء، فليس لنا صلاة تقضى؛ لأن النائم والناسي صلاتهما وقت الذكرى والاستيقاظ أداءً، والتارك عمداً قدمنا البحث فيه, وأن الراجح أنه لا قضاء عليه, وأما ذوات الأسباب كتحية المسجد ونحوها فلا دليل على تخصيصها عن النهي. وما من صلاة إلا ولها سبب. فإن الصلاة خير موضوع وأعظم أسبابها يتقرب بها إلى الله, فهو سبب لا يفارقها، فإن عمموا ذات السبب كان تحكماً والأقوال مختلفة في نظر العلماء قد [بسطت] (¬3) في شروح الحديث [] (¬4) الذي ذكرناه. خلاصته ما فهمناه من الأدلة. 2 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يَتَحَرَّى أَحَدُكُمْ فَيُصَلِّي عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَلاَ عِنْدَ غُرُوبِهَا". أخرجه الثلاثة (¬5) والنسائي (¬6). [صحيح] قوله في حديث ابن عمر: "لا يتحرى أحدكم فيصلي عند طلوع الشمس ولا عند غروبها"، أقول: تحري (¬7) الشيء بالحاء المهملة والراء المشددة. قصده وتوخيه وتعمده ¬

_ (¬1) في (أ): المنوم. (¬2) فراغ في المخطوط بمقدار كلمة. (¬3) في (ب): بثت. (¬4) كلمة غير مقروءة في (أ. ب). (¬5) أخرجه البخاري رقم (582، 3273)، ومسلم رقم (290/ 828)، ومالك في "الموطأ" (1/ 220). (¬6) في "السنن" رقم (563). (¬7) "النهاية" (1/ 367).

وتخصيصه بأمر، ومنه قوله تعالى: {فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا (14)} (¬1). أي: توخوا وتعمدوا، وهو طلب ما هو أحرى. أي: أجر بالاعتماد في [غالب] (¬2) الظن. قوله: هنا "لا يتحرى" أي: لا يقصد ويتعمد هذين الوقتين لتخصيصهما بإيقاع الصلاة فيهما. والحديث خبر في معنى النهي. وفيه الاقتصار على عندية الطلوع والغروب وغيره، قد أفاد امتداد الأول حتى ترتفع رمحاً، والثاني لتضيفها للغروب, وسبق بيانه، كما أنه اقتصر هنا على [وقتين] (¬3) وأثبت غيره ثالثة، وهي عند الاستواء حتى تزول كما سلف. والنهي يقتضي التحريم فيحرم تحري [385 ب] الوقتين بالصلاة فيهما، ولا تنعقد لو فعلها ومع علمه يكون آثماً مخالفاً للنهي. 3 - وعن عبد الله الصنابحي - رضي الله عنه - قال: أَنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -قَالَ: "إِنَّ الشَّمْسُ تَطْلُعُ وَمَعَهَا قَرْنُ الشَّيْطَانِ، فَإِذَا ارْتَفَعَتْ فَارَقَهَا، ثمَّ إِذَا اسْتَوَتْ قَارَنَهَا، فَإِذَا زَالَتْ فَارَقَهَا، فَإِذَا دَنَتْ لِلْغُرُوبِ قَارَنَهَا، فَإِذَا غَرَبَتْ فَارَقَهَا". وَنَهَى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الصَّلاَةِ فِي تِلْكَ السَّاعَاتِ. أخرجه مالك (¬4) والنسائي (¬5). [ضعيف] قوله: "عن عبد الله الصنابحي" اختلف في اسمه. ¬

_ (¬1) سورة الجن الآية (14). (¬2) في (ب): أغلب. (¬3) في (أ): حالتين. (¬4) في "الموطأ" (1/ 219 رقم 44). (¬5) في "السنن" رقم (275، 559). وأخرجه ابن ماجه رقم (1253)، والشافعي في "مسنده" (1/ 55 رقم 163 - ترتيب)، وهو حديث ضعيف. وقال الألباني: صحيح إلا قوله: "فإذا استوت قارنها، فإذا زالت فارقها".

فقال ابن الأثير (¬1): عبد الرحمن بن عبيد أبو عبد الله، ونسب ذلك إلى الحميدي في "الجمع بين الصحيحين" وقال (¬2): إنه هاجر من اليمن قبل وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فوصل إلى الجحفة فبلغه وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال: والمعروف ما ذكره البخاري [في تاريخه] (¬3) ومسلم في كتاب "الكنى"، وابن مندة في "أسماء الصحابة" وغيرهم أنه عبد الرحمن بن عسيلة أبو عبد الله الصنابحي، بضم الصاد المهملة وتخفيف النون وكسر الباء الموحدة وبالحاء المهملة. وعسيلة: بضم العين المهملة وفتح السين المهملة وسكون الياء، انتهى ملخصاً. وعلى كل تقدير فهو تابعي، وحديثه مرسل. سمع أبا بكر الصديق وغيره, ونزل الشام، وحديثه فيهم، وفي "التلخيص" (¬4): أنه [نص] (¬5) القطان، نص حفص بن ميسرة على سماعه من النبي - صلى الله عليه وسلم -. وترجمه ابن السكن باسمه في الصحابة. وقال ابن معين: لست أثبت أن له صحبة (¬6). قوله: "ومعها قرن شيطان" قدمنا الكلام عليه، والحديث أفاد ما أفاده حديث عقبة بن عامر [386 ب] إلا أنه لم يذكر تعبير الأموات. 4 - وعن عمرو بن عبسة السلمي - رضي الله عنه - قال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله: هَلْ مِنْ سَاعَةٍ أَقْرَبُ إِلى الله - عز وجل - مِنْ أُخْرَى؟ أَوْ هَلْ مِنْ سَاعَةٍ يُبْتَغَى ذِكْرُهَا؟ قَالَ: "نَعَمْ، إِنَّ أَقْرَبَ مَا يَكُونُ الرَّبُّ مِنَ العَبْدِ جَوْفُ اللَّيْلِ الآخِرِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَذْكُرُ الله - عز وجل - فِي تِلْكَ السَّاعَةِ ¬

_ (¬1) في "تتمة جامع الأصول" (2/ 644 - قسم التراجم). (¬2) أي: ابن الأثير في "تتمة جامع الأصول" (2/ 644 - قسم التراجم). (¬3) سقطت من (أ. ب)، وأثبتناها من "تتمة جامع الأصول". (¬4) (1/ 333). (¬5) كذا في (أ. ب)، وفي "التلخيص": قال. (¬6) قاله ابن حجر في "التلخيص" (1/ 333).

فَكُنْ، فَإِنَّ الصَّلاَةَ مَحْضُورَةٌ مَشْهُودَةٌ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ، فَإِنَّهَا تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ، وَهِيَ سَاعَةُ صَلاَةِ الكُفَّارِ، فَدَعِ الصَّلاَةَ تَرْتَفِعَ قِيدَ رُمْحٍ، وَيَذْهَبَ شُعَاعُهَا، ثُمَّ الصَّلاَةُ مَحْضُورَةٌ مَشْهُودَةٌ حَتَّى تَعْتَدِلَ الشَّمْسُ اعْتِدَالَ الرُّمْحِ بِنِصْفِ النَّهَارِ، فَإِنَّهَا سَاعَةٌ تُفْتَحُ فِيهَا أَبْوَابُ جَهَنَّمَ وَتُسْجَرُ، فَدَعِ الصَّلاَةَ حَتَّى يَفِيءَ الفَيْءُ، ثُمَّ الصَّلاَةُ مَحْضُورَةٌ مَشْهُودَةٌ حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ، فَإِنَّهَا تَغِيبُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ، وَهِيَ صَلاَةُ الكُفَّارِ". أخرجه أبو داود (¬1) والنسائي (¬2)، وهذا لفظه. [صحيح] "جَوْفُ اللَّيْلِ الآخِرُ" هو ثلثه [الأخير] (¬3)، والمراد السدس الخامس من أسداس الليل. وقوله: "مَشْهُودَةٌ" أي: يشهدها الملائكة, وتكتب أجرها للمصلي. "وَقِيدَ رُمْحٍ" بسكر القاف. أي: قدره. "وَفاءَ الفَيْءُ" إذا رجع من جانب الغرب إلى جانب الشرق (¬4). قوله: "وعن عمرو بن عبسة" أقول: بفتح المهملة فموحدة فسين مهملة. وهو أبو نجيح (¬5). ويقال: أبو شعيب، أسلم قديماً، قيل: كان رابع [رابعة] (¬6) في الإسلام ثم رجع إلى قومه بني سليم. وقال - صلى الله عليه وسلم -: "إذا سمعت أني خرجت فاتبعني". فلم يزل مقيماً بقومه حتى ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (1277). (¬2) في "السنن" رقم (572). وأخرجه مسلم في "صحيحه" رقم (832)، وابن ماجه رقم (1251)، والترمذي رقم (3579). وهو حديث صحيح. (¬3) في "غريب الجامع": الآخر. (¬4) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (5/ 259). (¬5) قاله ابن الأثير في "تتمة جامع الأصول" (2/ 616 - قسم التراجم). (¬6) في (أ): أربعة.

أنقضت خيبر، ثم قدم بعد ذلك وأقام بالمدينة وعداده في الشاميين. ونجيح [بفتح] (¬1) النون فجيم فمثناة تحتية فحاء مهملة. قوله: "هل من ساعة أقرب إلى الله - عز وجل - من الأخرى؟ " أى: يكون العبد فيها أقرب إلى الله تعالى لا الساعة نفسها كما دل له قوله - صلى الله عليه وسلم -: "نعم, إن أقرب ما يكون الرب من العبد جوف الليل الآخر" قرب الله (¬2) نؤمن به ونكل حقيقته إليه تعالى. ¬

_ (¬1) في (ب): بضم. (¬2) القرب أو التقرب والدُّنو من صفات الله الفعلية الاختيارية, ثابتة له بالكتاب والسنة. و"القريب" اسم من أسمائه تعالى. - الدليل من الكتاب: 1 - قوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة: 186]. 2 - وقوله: {فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ (61)} [هود: 61]. - الدليل من السنة: 1 - حديث: " ... من تقرب مني شبراً، تقربت منه ذراعاً، ومن تقرب مني ذراعاً، تقربت منه باعاً ... ". رواه البخاري (7405)، ومسلم (2675) من حديث أبي هريرة, ومسلم (2687) من حديث أبي ذر - رضي الله عنهما -. 2 - حديث أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه -: "أيها الناس! اربعوا على أنفسكم، إنكم لا تدعون أصم ولا غائباً، ولكن تدعون سميعاً قريباً، إن الذي تدعون أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته". رواه مسلم (2704). 3 - حديث عائشة - رضي الله عنها - مرفوعاً: "ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة, وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة". رواه مسلم (1348). - اعلم أن أهل السنة والجماعة من السلف وأهل الحديث يعتقدون أن الله عز وجل قريب من عباده حقيقة كما يليق بجلاله وعظمته, وهو مستوٍ على عرشه, بائن من خلقه, وأنه يتقرب إليهم حقيقة, ويدنو منهم حقيقة، ولكنهم لا يفسرون كل قرب، ورد لفظه في القرآن أو السنة بالقرب الحقيقي، فقد يكون القرب قرب الملائكة, وذلك حسب سياق اللفظ. =

وقد ثبت قرآناً: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16)} (¬1). {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ} (¬2). قوله: "فإنها ساعة تسجر فيها نار جهنم" تقدم في الحديث الأول تعليل ترك الصلاة عند استوائها بأنه يقارنها الشيطان, وهنا بأنها تسجر جهنم، أي: توقد، ولا منافاة بينهما بل العلة [الكل] (¬3). قال الخطابي (¬4): قوله: "تسجر جهنم" و"بين قرني الشيطان" وأمثالهما من الألفاظ الشرعية التي أكثرها ينفرد الشارع بمعانيها، ويجب علينا التصديق بها، والوقوف عند الإقرار بصحتها والعمل بموجبها. 5 - وعن أبي سعيد - رضي الله عنه -: أنّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لاَ صَلاَةَ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَمْسُ، وَلاَ صَلاَةَ بَعْدَ العَصْرِ حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ". ¬

_ = قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع فتاوى" (5/ 466): "وأما دنوه وتقربه من بعض عباده, فهذا يثبته من يثبت قيام الأفعال الاختيارية بنفسه، ومجيئه يوم القيامة, ونزوله، واستواءه على العرش، وهذا مذهب أئمة السلف وأئمة الإسلام المشهورين، وأهل الحديث, والنقل عنهم بذلك متواتر". اهـ. وقال في موضع آخر من "مجموع فتاوى" (6/ 14): " ... ولا يلزم من جواز القرب عليه أن يكون كل موضع ذكر فيه قربه يراد به قربه بنفسه، بل يبقى هذا من الأمور الجائزة, وينظر في النص الوارد، فإن دل على هذا، حُمل عليه، وإن دل على هذا، حُمل عليه"، وقد تقدم مفصلاً. وانظر: "مجموع فتاوى" (5/ 232 - 237)، (6/ 19 - 25، 76). (¬1) سورة ق الآية (16). (¬2) سورة البقرة الآية (186). (¬3) في (ب): للكل. (¬4) في "معالم السنن" (2/ 57 - مع السنن).

أخرجه الشيخان (¬1) والنسائي (¬2). [صحيح] 6 - وفي أخرى للخمسة (¬3) عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: شَهِدَ عِنْدِي رِجَالٌ مَرْضِيُّونَ، وَأَرْضَاهُمْ عِنْدِي عُمَرُ - رضي الله عنه -: "أَنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنِ الصَّلاَةِ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَشْرُقَ الشَّمْسُ، وَبَعْدَ العَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ". [صحيح] والمراد بقوله: "حَتَّى تَشْرُقَ الشَّمْسُ" ارتفاعها وإضاءتها. قوله في حديث أبي سعيد: "لا صلاة بعد الصبح حتى ترتفع الشمس، ولا صلاة بعد العصر حتى تغيب الشمس" أقول: هذا مما أشرنا إليه أنه [زاده] (¬4) الشارع، فلا اعتداد بمفهوم العدد في حديث عقبة. والحديث دال على كراهة النفل في هذين الوقتين بعد الصلاتين بعد الصبح وبعد العصر. وبه قال الجمهور (¬5) وخالفهم آخرون وهي خلافية بين الصحابة، إلا أن مع صحة الحديث لا عذر عن القول به، ومن لم يقل به عارضه بأحاديث وأفعال لا تنهض على تقديمها عليه، ثم إن الذين قالوا بالنهي [417/ أ] في هاتين الصورتين اتفقوا على أن النهي فيما بعد العصر متعلق بفعل الصلاة، فإن قدمها وسع وقت النهي، وإن أخرها ضاق. وأما فيما بعد الصبح فاختلفوا، فقال الشافعي (¬6): هو كالذي لا كراهة إلا بعد الفعل. وقالت ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (586)، ومسلم رقم (827). (¬2) في "السنن" رقم (566). (¬3) أخرجه البخاري رقم (581)، ومسلم رقم (826)، وأبو داود رقم (1276)، والترمذي رقم (183)، وابن ماجه رقم (1250)، والنسائي رقم (562، 569). (¬4) زيادة من (أ). (¬5) انظر: "فتح الباري" (2/ 63) المغني (2/ 525 - 526). (¬6) انظر: "المجموع شرح المهذب" (4/ 81 - 82). "الأم" (10/ 101 - اختلاف الحديث).

المالكية (¬1) والحنفية (¬2): إنها بعد طلوع الفجر إلا ركعتي الفجر وهو المشهور عن أحمد (¬3). وهو قول للشافعية، بل ادعى ابن الصباغ (¬4) أنه ظاهر مذهبه، واحتج أهل هذا القول بما في "سنن أبي داود" (¬5) عن يسار مولى ابن عمر. قال: رآني ابن عمر وأنا أصلي بعد طلوع الفجر فقال: يا يسار! إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج علينا ونحن نصلي هذه الصلاة. فقال: "ليبلغ شاهدكم غائبكم، لا تصلوا بعد الفجر إلا سجدتين". وفي لفظ للدارقطني (¬6): "لا صلاة بعد طلوع الفجر إلا سجدتان". وفي لفظ: "إلا ركعتي الفجر". وقال: غريب وفي "المنتقى" (¬7) لابن تيمية عن أبي سعيد: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا صلاة بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس، ولا صلاة بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس" متفق عليه (¬8). وفي لفظ: "لا صلاة بعد صلاتين: بعد الفجر حتى تطلع الشمس [388 ب] وبعد العصر حتى تغرب الشمس" رواه أحمد (¬9) والبخاري (¬10). ¬

_ (¬1) انظر: "الاستذكار" (1/ 387 - 388). (¬2) "البناية في شرح الهداية" (2/ 59). (¬3) "المغني" (2/ 525 - 526). (¬4) انظر: "المجموع شرح المهذب" (4/ 81 - 82). (¬5) في "السنن" رقم (1278)، وهو حديث صحيح بمجموع طرقه. (¬6) في "السنن" (1/ 419 رقم 1). وأخرجه أحمد (2/ 104) والترمذي رقم (419). (¬7) الحديث رقم (96/ 987 - مع نيل الأوطار) بتحقيقي. (¬8) أخرجه البخاري رقم (586)، ومسلم رقم (827). (¬9) في "المسند" (3/ 59 - 60). (¬10) في "صحيحه" رقم (1197، 1864).

ثم روي عن ابن عمر (¬1) مثله بلفظ: "لا صلاة بعد صلاة الفجر". ثم قال: وهذه النصوص الصحيحة تدل على أن النهي في الفجر لا يتعلق بطلوعه, بل بالفعل، انتهى. قلت: فأحاديث بعد الفجر وبعد العصر المراد بها الصلاتان لا الوقتان لما بينته الأحاديث المذكورة. قوله في حديث ابن عباس: "شهد عندي رجال مرضيون" أقول: عبر عن الرواية بالشهادة؛ لأنها تضمن الشهادة على المروي عنه أنه صدر عنه القول. أو لأنهم رووه بلفظ الشهادة، فقد وردت روايات بلفظ: "أشهد على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال". وقوله: "مرضيون" جمع مرضي مأخوذ من قوله تعالى: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} (¬2). وقوله: "وأرضاهم عندي عمر" أي: ابن الخطاب. فيه تفاوت المرضيين، وأن فيهم الرضي والأرضى، وقوله: "بعد الصبح" أي: صلاته على ما قدرنا قبل. وكذلك قوله: "بعد العصر" وقد قيد المصنف الشروق بما قيدته به الأحاديث. ولو قال: "ترتفع قدر الرمح" لكان أولى لنصه - صلى الله عليه وسلم -. 7 - وعن نصر بن عبد الرحمن عن جده معاذ - رضي الله عنه -: أنَّهُ طَافَ مَعَ مُعَاذِ ابْنِ عَفْرَاءَ فَلَمْ يُصَلِّ، فَقُلْتُ: أَلاَ تُصَلَّي؟ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لاَ صَلاَةَ بَعْدَ العَصْرِ حَتَّى تَغِيبَ الشّمْسُ، وَلاَ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ". أخرجه النسائي (¬3). [إسناده ضعيف] ¬

_ (¬1) تقدم تخريجه. (¬2) سورة البقرة الآية (282). (¬3) في "السنن" رقم (518) بإسناد ضعيف.

قوله: "وعن نصر بن عبد الرحمن" قال ابن الأثير (¬1): إنه روى عن جده معاذ يريد هذا الحديث، وروى عنه سعد بن إبراهيم. وقوله: "أنه طاف مع معاذ بن عفراء" أقول: هو ابن الحارث (¬2) بن رفاعة بن سواد الأنصاري الزرقي. وعفراء بفتح المهملة فراء ممدودة هي أمه وهي عفراء بنت [عبيد] (¬3) بن ثعلبة، وكان معاذ بن عفراء ورافع بن مالك أول أنصاريين أسلما شهدا بدراً وما بعدها، ومات في خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - عليه السلام -. قوله: "فلم تصل" أي: ركعتي الطواف، وقد بوب البخاري (¬4) لصلاة [389 ب] الطواف بعد الصبح والعصر، وذكر فيه آثاراً مختلفة، ويظهر من صنيعه أنه يختار فيه التوسعة. قال ابن عبد البر (¬5): كر الثوري والكوفيون الطواف بعد العصر والصبح. قالوا: فإن فعل فليؤخر الصلاة. وقال ابن المنذر (¬6): ورخص في الصلاة بعد الطواف كل وقت جمهور الصحابة ومن بعدهم، ومنهم من كره ذلك، أخذاً بعموم النهي عن الصلاة بعد العصر والصبح، وهو قول عمر وطائفة. وقال البخاري (¬7): كان ابن عمر يصلي ركعتي الطواف ما لم تطلع الشمس. ¬

_ (¬1) في "تتمة جامع الأصول" (2/ 951 - قسم التراجم). (¬2) قاله ابن الأثير في "تتمة جامع الأصول" (2/ 854 - قسم التراجم). (¬3) في (ب): عبسة, وما أثبتناه من (أ) و"تتمة جامع الأصول". (¬4) في "صحيحه" (3/ 488 الباب رقم 73 - مع الفتح). (¬5) انظر: "الاستذكار" (1/ 388). (¬6) ذكره الحافظ في "الفتح" (3/ 488). (¬7) في "صحيحه" (3/ 488 الباب رقم 73 - مع الفتح).

أخرجه تعليقاً. ووصله سعيد بن منصور (¬1)، وعلق عن عمر (¬2) أنه طاف بعد الصبح فركب حتى صلى الركعتين بذي طوى، ووصله مالك. 8 - وعن عائشة - رضي الله عنها -: أَنَّهَا قالَتْ: وَهِمَ عُمَرُ - رضي الله عنه - إِنَّمَا نَهى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لاَ تَتَحَرَّوْا بِصَلاَتِكُمْ طلُوعَ الشَّمْسِ وَلاَ غُرُوبَهَا، فَإِنَّهَا تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ". أخرجه مسلم (¬3) والنسائي (¬4). [صحيح] وزاد مسلم (¬5): "لَمْ يَدَعْ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ العَصْرِ". [صحيح] 9 - وعن جندب بن السكن الغفاريِّ وهو أبو ذر - رضي الله عنه -: أَنَّهُ قَالَ وَقَدْ صَعِدَ عَلَى دَرَجَةِ الكَعْبَةِ مَنْ عَرَفَنِي فَقَدْ عَرَفَنِي، وَمَنْ لَمْ يَعْرِفْنِي فَأَنَا جُنْدُبٌ، سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "لاَ صَلاَةَ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَلاَ بَعْدَ العَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ، إِلاَّ بِمَكَّةَ, إِلاَّ بِمَكَّةَ، إِلاَّ بِمَكَّةَ" (¬6). أخرجه رزين. [صحيح دون قوله: "إلا بمكة"] قوله في حديث أبي ذر: "إلا بمكة إلا بمكة" الحديث لم يخرجه أهل الأمهات، وأخطأ المصنف بقوله: أخرجه رزين كما عرفناك. وهو حديث ضعيف, إلا أنه قال ابن عبد البر (¬7): إن في حديث جبير بن مطعم ما يقوله مع قول جمهور علماء المسلمين به. ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (3/ 489). (¬2) أي البخاري في "صحيحه" (3/ 488 الباب رقم 73 - مع الفتح). (¬3) في "صحيحه" رقم (833). (¬4) في "السنن" رقم (570)، وهو حديث صحيح. (¬5) في "صحيحه" رقم (296/ 833). (¬6) أخرجه أحمد (5/ 165)، والطبراني في "الأوسط" رقم (851)، والبيهقي (2/ 46)، وابن خزيمة رقم (2748)، وهو حديث صحيح لغيره دون قوله: "إلا بمكة". (¬7) "التمهيد" (1/ 313 - 314).

قلت: يريد بحديث جبير بن مطعم ما رواه الشافعي (¬1) وأصحاب السنن (¬2)، وصححه الترمذي (¬3)، وابن خزيمة (¬4)، وغيره (¬5) من حديث جبير بن مطعم: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "يا بني عبد مناف! من ولي منكم من أمر الناس شيئاً فلا يمنعن أحداً طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة من ليلٍ أو نهار". انتهى. ومع ثبوت هذا الحديث فهو مُستقل بالحكم الذي ذكره المصنف عن رزين [390 ب]. 10 - وعن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: "أَنّ رسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - نَهَىَ عَنِ الصّلاَةِ بَعْدَ العَصْرِ إِلاَّ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ". أخرجه أبو داود (¬6) والنسائي (¬7). [إسناده حسن] وعنده (¬8): "إِلاَّ أنْ تَكُونَ الشَّمْسُ بَيْضَاءَ نَقِيَّةً". 11 - وعن أبي بصرة الغفاري - رضي الله عنه - قال: صَلَّى بِنَا رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بِالمُخَمَّصِ صَلاَةَ العَصْرِ. فَقَالَ: "إِنَّ هَذ الصَّلاَةَ عُرِضَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلكُمْ فَضَيَّعُوهَا، فَمَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا كَانَ لَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ، وَلاَ صَلاَةَ بَعْدَهَا حَتَّى يَطْلُعَ الشَّاهِدُ". ¬

_ (¬1) في "الأم" (1/ 148). (¬2) أخرجه أبو داود رقم (1894)، والترمذي رقم (868)، والنسائي رقم (2924)، وابن ماجه رقم (1254). لم يعزه المزي "تحفة الأشراف" (2/ 410) إلى الإمام مسلم. (¬3) في "السنن" (3/ 220). (¬4) في "صحيحه" رقم (2747). (¬5) كابن حبان رقم (1552)، والدارقطني في "السنن" (1/ 424 رقم 2). (¬6) في "السنن" رقم (1274). (¬7) في "السنن" رقم (573) بإسناد حسن. (¬8) أي: عند النسائي.

و"الشَّاهِدُ": النَّجْمُ. أخرجه مسلم (¬1) والنسائي (¬2). [صحيح] قوله: "وعن أبي بصرة" أقول: بفتح الموحدة وسكون الصاد المهملة واسمه حُميل (¬3) [418/ أ] بضم الحاء المهملة بن بصرة على الأصح، وقيل: جميل بالجيم. قوله: "بالمخمّص" بضم الميم الأولى وفتح الخاء المعجمة والميم جميعاً. وقيل: بفتح الميم وسكون الخاء وكسر الميم بعدها، وفي آخره صاد مهملة اسم طريق قاله المنذري في "الترغيب" (¬4)، والحديث دال على أجر المحافظة على صلاة العصر، وعلى أنه لا صلاة بعدها إلى غروب الشمس، وأما ما ورد من أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي بعد العصر ركعتين، فإنه قد بين سببها، وهو أنه - صلى الله عليه وسلم - أتاه مال (¬5) فشغله تفريقه عن ركعتي الظهر ثم قضاهما بعد العصر، ثم استمر عليهما، وورد أنها قالت له أم سلمة (¬6): أنه هل يقضي أحد ركعتي الظهر بعد العصر كما صنع؟ فقال: "لا". 12 - وعن السائب بن يزيد - رضي الله عنه -: أَنَّهُ رَأَى عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ يَضْرِبُ المُنْكَدِرَ فِي الصَّلاَةِ بَعْدَ العَصْرِ. أخرجه مالك (¬7). [موقوف صحيح] ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (830). (¬2) في "السنن" رقم (521)، وهو حديث صحيح. (¬3) قاله ابن الأثير في "تتمة جامع الأصول" (1/ 214 - قسم التراجم). (¬4) (1/ 365). (¬5) أخرجه البخاري رقم (1233)، ومسلم رقم (297/ 834) , وأحمد (6/ 310) من حديث أم سلمة - رضي الله عنها -. (¬6) أخرجه أحمد (6/ 315). وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (2/ 223 - 224)، وقال: رجاله رجال الصحيح. (¬7) في "الموطأ" (1/ 221 رقم 50)، وهو أثر موقوف صحيح.

قوله: "يضرب المنكدر" بضم الميم بزنة اسم الفاعل، وهو اسم رجل. إلا أني لم أجده في الصحابة ولا في التابعين، إنما فيهم محمد بن المنكدر أثنى عليه ابن الأثير كثيراً (¬1). وهو دليل على أن عمر يرى الصلاة تلك الساعة محرمة فعاقب عليها؛ لأن النهي يقتضي التحريم. 13 - وعن أبي قَتادةَ - رضي الله عنه -: "أنّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كانَ يَكْرَهُ الصّلاَةَ نِصْفِ النَّهَارِ إِلاَّ يَوْمَ الجُمُعَةِ, وَقَالَ: إنّ جَهَنَّمْ تُسْجَرُ إِلاَّ يَوْمَ الجُمْعَةِ". أخرجه أبو داود (¬2). [ضعيف] قوله في حديث أبي قتادة: "إلا يوم الجمعة قال: إن جهنم تسجر إلا يوم الجمعة" أقول: على هذا بنى الشافعية (¬3) فقالوا: لا تكره الصلاة نصف النهار يوم الجمعة. قال ابن عبد البر (¬4): هي رواية عن الأوزاعي وأهل الشام، واستدلوا بهذا [391 ب] الحديث، إلا أنه قال أبو داود (¬5): إنه مرسل؛ لأن أبا الخليل لم يسمع من أبي قتادة. قال البيهقي (¬6): وله شواهد وإن كانت أسانيدها ضعيفة, وتمسكوا أيضاً بأنه - صلى الله عليه وسلم - ندب الناس إلى التبكير إلى الجمعة ورغب في الصلاة إلى خروج الإمام من غير تخصيص ولا استثناء. ¬

_ (¬1) في "تتمة جامع الأصول" (2/ 892 - 893 - قسم التراجم). (¬2) في "السنن" رقم (1083). وفيه ليث بن أبي سليم، وهو ضعيف, وهو أيضاً منقطع؛ لأنه من رواية أبي الخليل عن أبي قتادة, ولم يسمع منه. انظر: المجروحين (2/ 231)، والجرح والتعديل (7/ 177). "تهذيب الكمال" للمزي (13/ 89 - 90 رقم 2837). (¬3) "المجموع شرح المهذب" (4/ 81 - 82). (¬4) في "الاستذكار" (1/ 370 رقم 990). (¬5) في "السنن" (1/ 653) حيث قال: مجاهد أكبر من أبي الخليل، وأبو الخليل لم يسمع من قتادة. (¬6) في "السنن الكبرى" (3/ 193).

قلت: وفيما ذهبوا إليه تأمل. قوله: "أخرجه أبو داود" قلت: وقال (¬1): ما قدمناه من أنه مرسل، وأن أبا الخليل لم يسمع من أبي قتادة. وفيه ليث بن أبي سليم (¬2)، وهو ضعيف. ورواه الشافعي (¬3) من حديث أبي هريرة، وفيه ضعيفان، ورواه الأثرم (¬4)، وفيه متروك، ورواه البيهقي (¬5) بسند آخر وفيه متروك، وإنما قواه الشافعي (¬6) بما رواه عن ثعلبة بن أبي مالك عن عامة أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أنهم كانوا يصلون نصف النهار يوم الجمعة" أفاده الحافظ في "التلخيص" (¬7)، ولا يخفى أن ما ذكر لا يقوى على تخصيص عموم النهي. 14 - وعن العلاء بن عبد الرحمن: أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فِي دَارِهِ بِالبَصرَةِ حِينَ انْصَرَفَ مِنَ الظُّهْرِ، وَدَارُهُ بِجَنْبِ المَسْجِدِ. قَالَ: فَلَمَّا دَخَلْتُ عَلَيْهِ قَالَ: أَصَلَّيْتُمُ العَصْرَ؟ فقُلْتُ لَهُ: لا. إِنَّمَا انْصَرَفْنَا السَّاعَةَ مِنَ الظُّهْرِ. ¬

_ (¬1) في "السنن" (1/ 653) حيث قال: مجاهد أكبر من أبي الخليل، وأبو الخليل لم يسمع من قتادة. (¬2) ليث بن أبي سليم كوفي، ضعيف، قاله النسائي، ويحيى، وقال ابن معين: لا بأس به. وقال الدارقطني: كان صاحب سنة، وإنما أنكروا عليه الجمع من عطاء وطاوس ومجاهد حسب. مات سنة (148هـ). "المجروحين" (2/ 231)، و"الجرح والتعديل" (7/ 177)، "الميزان" (3/ 420). (¬3) في "مسنده" (رقم 408 - ترتيب) بسند ضعيف جداً. (¬4) ذكره الحافظ في "التلخيص" (1/ 339). (¬5) في "السنن الكبرى" (2/ 464). (¬6) في "مسنده" رقم (409 - ترتيب) وهو موقوف صحيح. (¬7) (1/ 339).

قَالَ: فَصَلُّوا العَصْرَ. فَقُمْنَا فَصَلَّيْنَا, فَلَمَّا انْصَرَفْنَا قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "تِلْكَ صَلاَةُ المُنَافِقِ، يَجْلِسُ يَرْقُبُ الشَّمْسَ حَتَّى إِذَا كَانَتْ بَيْنَ قَرْنَيْ الشَّيْطَانِ. قَامَ فَنَقَرَهَا أَرْبَعًا لاَ يَذْكُرُ الله فِيهَا إِلاَّ قَلِيلاً". أخرجه الستة (¬1) إلا البخاري. [صحيح] قوله في حديث أنس: "بين قرني الشيطان" أقول: قدمنا ما فسر به ذلك قريباً. وقد تمسك بالحديث من رد على أهل الهيئة القائلين: بأن الشمس في السماء الرابعة، والشياطين قد منعوا من ولوج السماء. قال الحافظ ابن حجر (¬2): والحق أن الشمس في الفلك الرابع والسموات السبع عند أهل الشرع غير الأفلاك خلافاً لأهل الهيئة، انتهى. وفي تفسير البيضاوي (¬3) في تفسير قوله تعالى: {كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (33)} (¬4) [392 ب] الفلك السماء، قاله ابن عباس (¬5) وأكثر المفسرين على أن الفلك مسرح تحت السماء تجري فيه الشمس والقمر والنجوم. وقال الحسن (¬6): الفلك يشبه الطاحونة تجري تحت السماء. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم رقم (2622 وأبو داود رقم (413) والترمذي رقم (160) والنسائي (1/ 254)، وأخرجه أحمد (3/ 149). وهو حديث صحيح. (¬2) انظر: "فتح الباري" (2/ 529). (¬3) (2/ 419)، ولم أجده, بل هو في تفسير البغوي "معالم التنزيل" (5/ 317). (¬4) سورة الأنبياء الآية (33). (¬5) أخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (16/ 265). (¬6) أخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (16/ 266).

وقال قتادة (¬1): [الفلك] (¬2) استدارة بين السماء والأرض تدور بالنجوم مع ثبوت السماء. وقيل: الفلك (¬3) الجرم مستدير، والاستدارة به تسمى فلكاً، ولكل واحد من السيارات فلك، وذلك الأفلاك تحركها حركة واحدة من المشرق إلى المغرب، انتهى. قلت: والآيات القرآنية دالة على أن كلاً من النيرات في السماء الدنيا {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ} (¬4). 15 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: "مَا رَأَيْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي صَلاَةً لِغَيْرِ مِيقَاتِهَا إِلاَّ صَلاَتَيْنِ، جَمَعَ بَيْنَ المَغْرِبِ وَالعِشَاءِ بِجَمْعٍ، وَصَلَّى الفَجْرَ يَوْمَئِذٍ قَبْلَ مِيقَاتِهَا". أخرجه الشيخان (¬5). [صحيح] 16 - وفي أخرى للبخاري (¬6) عن عبد الرحمن بن يزيد قال: حَجَّ ابنُ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - فَأَتَيْنَا المُزْدَلِفَةَ حِينَ الأَذَانِ بِالعَتَمَةِ، أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ. فَأَمَرَ رَجُلاً فَأَذَّنَ وَأَقَامَ، ثُمَّ صَلَّى المَغْرِبَ، وَصَلَّى بَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ دَعَا بِعَشائِهِ فَتَعَشَّى، ثُمَّ أَمَرَ رَجُلاً فَأَذَّنَ وَأَقَامَ، ثُمَّ صَلَّى العِشَاءَ رَكْعَتَيْنِ، فَلَمَّا كانَ حِينَ طَلَعَ الفَجْرُ قَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ لاَ يُصَلِّي هَذِهِ السَّاعَةَ إِلاَّ هَذِهِ الصَّلاَةَ، فِي هَذَا المَكَانِ، مِنْ هَذَا اليَوْمِ. قَالَ عَبْدُ الله: هُمَا صَلاَتَانِ تُحَوَّلاَنِ عَنْ وَقْتِهِمَا: صَلاَةُ المَغْرِبِ بَعْدَ مَا يَأتِي النَّاسُ المُزْدَلِفَةَ، وَالفَجْرُ حِينَ يَبْزُغُ الفَجْرُ. قَالَ: رَأَيْتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَفْعَلُهُ. ثُمَّ وَقَفَ حَتَّى أَسْفَرَ، ثُمَّ قَالَ: لَوْ أَنَّ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ يَعْنِي: عُثْمَانَ - رضي الله عنه - أَفَاضَ الآنَ ¬

_ (¬1) أخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (16/ 266) وعبد الرزاق في "تفسيره" (2/ 23، 24). (¬2) زيادة من (أ). (¬3) انظر: "جامع البيان" (6/ 264 - 265). (¬4) سورة الملك الآية (5). (¬5) أخرجه البخاري رقم (1682)، ومسلم رقم (292/ 1289). (¬6) في "صحيحه" رقم (1683). وأخرجه أحمد (1/ 449).

أَصَابَ السُّنَّةَ. فَمَا أَدْرِي أَقَوْلُهُ كَانَ أَسْرَعَ أَمْ دَفْعُ عُثْمَانَ؟ فَلَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ العَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ. [صحيح] قوله في حديث ابن مسعود: "لغير ميقاتها" أقول: ليس المراد أنه صلاهما في وقتهما الشرعي بل المراد أنه صلى [في المزدلفة] (¬1) المغرب مع العشاء جمعاً بينهما في وقت العشاء؛ لأنه مسافر. وأما الفجر فبادر بها أول تحقق وقتها ولم يؤخرها إلى الوقت الذي كان يعتاد صلاتها فيه. وفيه دليل على أن حديث ابن عباس في قوله: "جمع بين المغرب (¬2) والعشاء، وبين الظهر والعصر في المدينة"، أن مراده صلاهما معاً كل واحدة في وقتها جمعاً صورياً، ولهذا قال ابن مسعود: إنه ما صلى صلاة لغير ميقاتها، واستثنى فيه بين العشائين في المزدلفة، فدلّ على أن جمعه في المدينة لم يكن فيه صلاة خارجة عن ميقاتها [393 ب] بل جمع بينهما كل صلاة في وقتها [419/ أ]، وإلا لما صح قول ابن مسعود: لم يصل الصلاة لغير ميقاتها. أقول: أي الذي كان يداوم على الصلاة، وهو أنه كان يؤخر بعد الأذان حتى يحضر الناس للجماعة, وقد أمر - صلى الله عليه وسلم - المؤذن أن يجعل بين أذانه وإقامته مهلة، فهذا مراد ابن مسعود، لا أنه صلاها قبل دخول وقتيهما، إذ المعلوم يقيناً أنها لا تجب ولا تجزئ إلا بعد دخوله، وإنما بادر بهما في المزدلفة وهي جمع؛ لأنه جمع العشائين فأخر المغرب عن أول وقتها كما كان قد يفعله في أسفاره إذا جدّ به السير، وصلى الفجر فيها في أول وقتها لم ينتظر بعد دخوله؛ لأن المصلين حاضرون لديه فما للانتظار معنى. وقد بين ابن مسعود تحولهما في قوله: أنه - صلى الله عليه وسلم - صلى المغرب بعدما يأتي الناس، أي: مزدلفة. ¬

_ (¬1) في (ب): بالمزدلفة. (¬2) انظر: "فتح الباري" (3/ 531 - 532).

الباب الرابع: في الأذان والإقامة وفيه فروع

والفجر حين يبزغ الفجر هذا أحد ألفاظ رواية البخاري. أي: فهذا المراد بتحولهما، وقد روى لفظ: "تحولتا" مرفوعاً والمراد ما ذكرناه. قوله: "ثم قال" أقول: أي: ابن مسعود لو أن أمير المؤمنين. أي: عثمان أفاض الآن أصحاب السنة أي: وافق فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وقوله: "أم دفع عثمان" أي: إفاضته. الباب الرابع: في الأذان والإقامة وفيه فروع الفرع الأول: في فضله 1 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أنّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الأَوَّلِ، ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلاَّ أَنْ يَسْتَهِمُوا لاَسْتَهَمُوا". أخرجه الشيخان (¬1). [صحيح] "الِاسْتِهَامُ" (¬2): الاقتراع. 2 - وعنهُ - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ وَلَهُ ضُرَاطٌ، حَتَّى لاَ يَسْمَعَ التَّأْذِينَ، فَإِذَا قُضِى التَّأذِيْنِ أَقْبَلَ، حَتَى إِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلاَةِ أَدْبَرَ، حَتَّى إِذَا انْقَضَى التَّثْوِيبَ أَقْبَلَ حَتَّى يَخْطُرَ بَيْنَ المَرْءِ وَنَفْسِهِ, يَقُولُ لَهُ: اذْكُرْ كَذَا، اذْكُرْ كَذَا. لِمَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ مِنْ قَبْلُ. حَتَّى يَظَلَّ الرَّجُلُ لاَ يَدْرِي كَمْ صَلَّى" أخرجه الستة (¬3) إلا الترمذي. [صحيح] ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (615، 721)، ومسلم رقم (739)، وأخرجه أحمد (2/ 278). (¬2) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 830). "الفائق" للزمخشري (3/ 309). (¬3) أخرجه البخاري رقم (608)، ومسلم رقم (389)، وأبو داود رقم (516)، وابن ماجه رقم (1216، 1217)، والنسائي رقم (670).

3 - وفي أخرى لمسلم (¬1): "إِنَّ الشَّيْطَانَ إِذَا سَمِعَ النِّدَاءَ بِالصَّلاَةِ أَحَالَ، وَلَهُ ضُرَاطٌ حَتَّى لاَ يَسْمَعَ صَوْتَهُ. فَإِذَا سَكَتَ رَجَعَ فَوَسْوَسَ. فَإِذَا سَمِعَ الإِقَامَةَ ذَهَبَ حَتَّى لاَ يَسْمَعَ صَوْتَهُ. فَإِذَا سَكَتَ رَجَعَ فَوَسْوَسَ". هذا لفظه، وللبخاري (¬2) نحوه. [صحيح] والمراد "بالتّثْويبِ" (¬3) ها هنا: إقامة الصلاة. ومعنى "أحَالَ" (¬4): تحَوّل عن موضعه. (الباب الرابع في الأذان والإقامة) أقول: في "النهاية" (¬5): الأذان هو الإعلام بالشيء. يقال: منه أذن يؤذن إيذاناً، أو أذن يؤذن تأذيناً، والمشدد مخصوص في الاستعمال بإعلام وقت الصلاة. انتهى، ويأتي في الفرع الثاني بدء الأذان. (الفرع الأول في فضله) قوله: "لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول) أي: من الفضيلة. "ثم لم يجدوا" سبيلاً إليهما. " [إلا أن يستهموا] (¬6) عليه لاستهموا" وذلك لأنهم [394 ب] كانوا يكتبون أسمائهم على السهام إذا اختلفوا في الشيء فمن خرج سهمه غلب. وقيل: المراد التزموا بالسهام مبالغة ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (16/ 389). (¬2) في "صحيحه" رقم (608، 1222، 1232، 3285). (¬3) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (1/ 223). "غريب الحديث" للخطابي (1/ 269). (¬4) انظر: "المجموع المغيث" (1/ 527). وقال ابن الأثير في "النهاية" (1/ 454): هو بمعنى طفق وأخذ وتهيَّأ لفعله. (¬5) (1/ 47). (¬6) سقطت من (ب).

كما تدل له رواية لتجالدوا عليه بالسيوف. قوله في حديثه الثاني: "أدبر الشيطان له ضراط" أقول: هي جملة حالية بدون واو، ولحصول الارتباط بالضمير. قيل: إن الضراط عبارة عن شدة نفوره, شبه شغل الشيطان بنفسه عند سماع المؤذن بالصوت الذي يملأ السمع ويمنعه عن سماع غيره، ثم سماه ضراطاً تقبيحاً له. وقيل: هو على حقيقته لأنه جسم منفذ يصح منه خروج الريح، ثم يحتمل أنه يتعمد خروج ذلك إما ليشغل نفسه عن سماع الأذان أو استخفافاً كما يفعله السفهاء. قلت: إذا حمل على الحقيقة فهو شيء لا يحدث بالإرادة بل بالمشقة, فلا يتم تعمده. ويحتمل أنه لا يتعمد بل يحصل له عند سماعه لشدة خوف يحصل ذلك بسببها، ويحتمل أن يراد له [ضرط] (¬1) بضرط يفهمه كحديث (¬2): "فأضرط به علي". أي: يصوت بفيه كصوت الضراط. قوله: "حتى إذا انقضى التثويب" أي: الإقامة. واعلم أن في رواية البخاري (¬3) الآتية أنه يرجع بعد انتهاء الأذان فيوسوس، فإذا وقعت الإقامة ذهب. فهذا إطلاق هنا مقيد بما يأتي. والتثويب: بالمثناة الفوقية فمثلثة مأخوذ من الثوب، وأصله أنه كان إذا جاء الرجل مستصرخاً يلوح بثوبه ليرى ويشتهر، فسمي الدعاء بالصلاة تثويباً لذلك، وكل داعٍ مثوب. وقيل: سمي تثويباً من باب يثوب إذا رجع، فالمؤذن يرجع بالإقامة إلى الدعاء إلى الصلاة [395 ب] قال عبد المطلب: فحنت ناقتي فعلمت أني ... غريب حين ثاب إلي عقلي ¬

_ (¬1) في (أ): ضراط. (¬2) ذكره ابن الأثير في "النهاية" (2/ 79) عن علي: "أنه دخل بيت المال فأضرط به". أي: استخف به. وانظر: "الفائق" للزمخشري (2/ 338). (¬3) في "صحيحه" رقم (608).

قوله: "يخطر" أقول: قال الحافظ ابن حجر (¬1): بضم الطاء كذا سمعناه من أكثر الرواة, وضبطناه عن المتقنين بالكسر وهو الوجه. ومعناه: يوسوس، وأصله من خطر البعير بذنبه إذا حركه فضرب فخذه به. وأما بالضم فمن المرور، أي: يمر بين المرء وقلبه فيشغله. [و] (¬2) قوله: "ونفسه" أي: قلبه وهو بهذا اللفظ للبخاري من وجه آخر في بدأ الخلق. قال الباجي (¬3): أي: يحول بين المرء وبين ما يريده، من إقباله على صلاته وإخلاصه فيها. قوله: "يقول: اذكر كذا، اذكر كذا" أقول: زاد في رواية في مسلم (¬4): "فهناه ومناه، وذكر من حاجاته ما لم يكن يذكر"، وهو عام فيما يكون من أمور الدنيا ومن أمور الدين، وقيل: وهل يشمل ذلك التفكر في معاني الآيات التي يتلوها. قيل: لا يبعد ذلك لأن مراده نقص خشوعه وإخلاصه بأي وجه كان. قلت: وفيه تأمل؛ لأنه إنما صرح الحديث بأن شغله عن عدد الركعات. قوله: "حتى يظل الرجل" للجمهور (¬5) بالظاء المشالة المفتوحة, ومعنى يظل في الأصل اتصاف الخبر عنه بالخبر نهاراً، لكنها هنا بمعنى يصير كما في قوله: {ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا} (¬6)، ¬

_ (¬1) في "فتح الباري" (2/ 86). (¬2) سقطت من (أ). (¬3) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 86). (¬4) في "صحيحه" رقم (1/ 389). (¬5) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 86). (¬6) سورة النحل الآية (58).

والرجل لا مفهوم له، وفي رواية يضل بكسر الضاد المعجمة من باب {لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى (52)} (¬1)، وقوله: {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا} (¬2). وقوله: "ما يدري كم صلى"، وفي لفظ للبخاري (¬3): (لا يدري) أي: يجهل درايته وينسى عدد ركعاته. فائدة: اختلف العلماء (¬4) في الحكمة في هروب الشيطان [420/ أ] عند سماع [396 ب] الأذان والإقامة دون سماع القرآن والذكر في الصلاة. فقيل: يهرب حتى لا يشهد للمؤذن يوم القيامة. "فإنه لا يسمع صوت المؤذن جن ولا إنس إلا شهد له" وهو في البخاري (¬5) كما يأتي إلا أنه تعقب بأن المراد يشهد من تصح منه الشهادة، وذلك خاص بالمؤمنين. وأما الكفار فلا تقبل لهم شهادة، فالعام في قوله: "لا يسمع صوت المؤذن إنس ولا جن" المراد به المؤمنون. وقيل: يهرب نفوراً من سماع الأذان، ثم يرجع موسوساً ليفسد على المصلي صلاته، فصار رجوعه من جنس فراره. والجامع بينهما الاستخفاف. وقال ابن عبد البر (¬6): إنما يهرب لما يلحقه من الذعر والخزي عند ذكر الله تعالى، وذكر الله في الأذان تفزع منه القلوب ما لا تفزع من شيء من الذكر؛ لما فيه من الجهر بالذكر وتعظيم الله. ¬

_ (¬1) سورة طه الآية (52). (¬2) سورة البقرة الآية (282). (¬3) في "صحيحه" رقم (608)، وطرفه (1222، 1231، 1232، 3285). (¬4) ذكره الحافظ في "فتح الباري" (2/ 86 - 87). (¬5) في "صحيحه" رقم (609). وطرفاه في (3296، 7548). (¬6) في "الاستذكار" (4/ 50 رقم 4074).

قوله: "في رواية مسلم أحال" بالحاء المهملة. قوله: "والتثويب هنا إقامة الصلاة" أقول: قال الخطابي (¬1): العامة لا تعرف التثويب إلا قول المؤذن في صلاة الصبح: "الصلاة خير من النوم" ومعنى التثويب الإعلام بالشيء، والإنذار بوقوعه, وسميت الإقامة تثويباً؛ لأنها إعلام بإقامة الصلاة، والأذان إعلام بوقت الصلاة. 4 - وعن جابر - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِنَّ الشَّيْطَانَ إِذَا سَمِعَ النِّدَاءَ بِالصَّلاَةِ ذَهَبَ حَتَّى يَكُونَ مَكَانَ الرَّوْحَاءِ". قال الراوي: والروحاء من المدينة على ستة وثلاثين ميلاً. أخرجه مسلم (¬2). [صحيح] قوله في حديث جابر: "حتى يكون بالروحاء" أقول: النداء هو الأذان، وهو بكسر الموحدة وقد تضم. والروحاء بفتح الراء وسكون الواو فحاء مهملة وألف ممدودة. والراوي في. قوله: "قال الراوي" هو أبو سفيان (¬3) طلحة بن نافع القرشي مولاهم يروي عن نافع. 5 - فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: كُنَّا مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَامَ بِلاَلٌ يُنَادِي، فَلَمَّا سَكَتَ قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ قَالَ مِثْلَ هَذَا يَقِينًا دَخَلَ الجَنَّةَ". أخرجه النسائي (¬4). [حسن] قوله في حديث أبي هريرة: "من قال مثل هذا يقيناً دخل الجنة" أقول: تأتي رواية: "خالصاً من قلبه" وهو المراد بقوله هنا "يقينًا". ¬

_ (¬1) في "معالم السنن" (1/ 355 - مع السنن). (¬2) في "صحيحه" رقم (15/ 388). (¬3) انظر: شرح "صحيح مسلم" (4/ 91). (¬4) في "السنن" رقم (674)، وهو حديث حسن.

قال النووي (¬1): ناقلاً عن عياض (¬2): واعلم أن الأذان كلمة جامعة [397 ب] لعقيدة الإيمان مشتملة على نوعية من العقليات والسمعيات، فأوله إثبات (¬3) الذات وما تستحقه من الكمال والتنزيه عن أضدادها وذلك بقوله: الله أكبر. وهذا اللفظ مع اختصاره دال على ما ذكرناه, ثم صرح بإثبات الوحدانية، ونفي ضدها من الشركة المستحيلة في حقه تعالى، وهذه عمدة الإيمان والتوحيد المقدَّمة على كل وظائف الدين. ثم صرح بإثبات النبوة والشهادة بالرسالة لنبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -، وهي قاعدة عظيمة بعد الشهادة بالوحدانية, وموضعها بعد التوحيد [لأنها] (¬4) من باب الأفعال الجائزة الوقوع، وتلك المقدمات من باب الواجبات، وبعد هذه القواعد كملت العقائد العقليات فيما يجب، ويستحيل، ويجوز في حقه - سبحانه وتعالى - ثم دعا إلى ما دعاهم الله من العبادات فدعاهم إلى الصلاة وعقبها بعد إثبات النبوة؛ لأن وجوبها من جهة النبي - صلى الله عليه وسلم - لا من جهة العقل، ثم [دعاهم] (¬5) إلى الفلاح وهو الفوز والبقاء في النعيم المقيم، وفيه إشعار بأمور الآخرة من البعث والجزاء، وهي آخر تراجم عقائد الإسلام، ثم كرر ذلك بإقامة الصلاة للإعلام بالشروع فيها، وهو متضمن لتأكيد الإيمان وتكرير ذكره عند الشروع في العبادة بالقلب واللسان، وليدخل المصلي فيها على بينة من أمره وبصيرة من إيمانه، ويستشعر عظيم ما دخل فيه، وعظمة من يعبده ¬

_ (¬1) في شرحه لـ "صحيح مسلم" (4/ 89). (¬2) في إكمال المعلم بفوائد مسلم (2/ 253 - 254). (¬3) بقوله: "الله". (¬4) في (ب): فإنَّها. (¬5) في (أ): دعا.

وجزيل ثوابه [398 ب] هذا آخر كلام القاضي (¬1) - رحمه الله - وهو من النفائس الجليلة, وبالله التوفيق، انتهى. 6 - وعن ابن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما -: أَنَّهُ سَمِعَ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِذَا سَمِعْتُمُ النِّدَاءَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ، ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ، فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاَةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا، ثُمَّ سَلُوا الله لِي الوَسِيلَةَ, فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الجَنَّةِ، لاَ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ إِلاَّ لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ الله، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ، فَمَنْ سَألَ الله لِيَ الوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ". أخرجه الخمسة (¬2) إلا البخاري. [صحيح] قوله في حديث ابن عمرو: "فقولوا مثلما يقول" أقول: قال الكرماني (¬3): لم يقل مثل ما قال: يشعر أنه يجيبه بعد كل كلمة، انتهى. ويأتي حديث ابن عمر صريحاً في كيفية قول السامع عقب قول المؤذن، ويأتي فيه بيان أن هذا العام مخصص بكلمات الحيعلة، وأنه لا يقول مثلما يقول، بل يجيب بالحولقة. قوله: "ثم صلوا علي" أي: بعد تمام النداءَ كما تقتضيه كلمة ثم، والملاحظ فيها هو الترتيب لا مهلة, ثم علل الأمر بصلاتهم عليه بقوله: "فإنه من صلَّى عليَّ صلاة - صلى الله عليه وسلم - عليها بها عشراً" [لدخول ذلك تحت] (¬4) من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها، فالعبد بصلاته عليه - صلى الله عليه وسلم - كاسب لنفسه عشر حسنات بدعائه لرسوله - صلى الله عليه وسلم - "ثم سلوا الله لي الوسيلة" أي: بعد أن يصلوا ¬

_ (¬1) في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (2/ 253 - 254). (¬2) أخرجه مسلم رقم (384)، وأبو داود رقم (523)، والترمذي رقم (3614)، والنسائي (2/ 25 - 26). وأخرجه أحمد (2/ 168). وهو حديث صحيح. (¬3) في شرحه لـ "صحيح البخاري" (5/ 12). (¬4) زيادة من (ب).

عليه يسألون له الوسيلة, وقد فسرها - صلى الله عليه وسلم - بقوله: "فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله". قال النووي (¬1): قال أهل اللغة: الوسيلة: المنزلة عند الملك. "وأرجو أن أكون أنا هو" أي: ذلك العبد الذي له المنزلة. وفيه أن الدعاء له - صلى الله عليه وسلم - بها مستحب وواجب، وأنه لا يرد بعد الأذان, ولذا أمر أن يسأل له بعده، وقد ورد به النص. "حلت له الشفاعة" قال النووي (¬2): أي: وجبت. وقيل: ثابتة. 7 - وعن جابر - رضي الله عنه -: أنّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ: اللهمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلاَةِ القَائِمَةِ, آتِ مُحَمَّدًا الوَسِيلَةَ وَالفَضِيلَةَ, وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ". وفي رواية: "كَمَا وَعَدْتْهُ إِلاَّ حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ القِيَامَةِ". أخرجه الخمسة (¬3) إلا مسلماً. [صحيح] قوله في حديث جابر: "من قال حين يسمع النداء" أقول: ترجم البخاري (¬4): باب: الدعاء عند النداء. ¬

_ (¬1) في شرحه لـ "صحيح مسلم" (4/ 86). (¬2) في شرحه لـ "صحيح مسلم" (4/ 88). (¬3) أخرجه البخاري رقم (614، 4719)، وأبو داود رقم (529)، والترمذي رقم (211)، والنسائي في "السنن" (2/ 26 رقم 680)، وفي "عمل اليوم والليلة" رقم (46)، وابن ماجه رقم (722). وأخرجه أحمد (3/ 354)، والبيهقي (1/ 410)، وأبن السني في "عمل اليوم والليلة" رقم (95)، وابن خزيمة رقم (420)، والبغوي في "شرح السنة" (2/ 284)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/ 146). (¬4) في "صحيحه" (2/ 94 الباب رقم 8 - مع الفتح).

قال [399 ب] الحافظ في "الفتح" (¬1): أي: عند تمام النداء، وكأن المصنف لم يقيده بذلك، اتباعاً لإطلاق الحديث، واللام في قوله: "النداء" للعهد. أي: الأذان فقد صار كالعلم له. وظاهره أنه يقول: الذكر المذكور حال سماع الأذان، ولا يتقيد بفراغه، ويحتمل أن المراد عند إتمامه إذ المطلق يحمل على الكامل. قلت: إلا أن اللام للعهد ولا يصدق عليه أنه سمع النداء إلا بعد تمام كلماته, وإلا فإنه سمع بعض النداء، ثم حديث: "ثم صلوا علي" تقدم تقيد هذا الإطلاق. فالظاهر أنه أريد عند تمام سماع النداء، واستدل به الطحاوي (¬2) على أنه لا يتعين إجابة المؤذن بمثل ما يقول، بل لو اقتصر على الذكر المذكور كفاه، وأجيب بأن الذكر المذكور محمول على بعد الفراغ. قلت: والأحسن أن يقال [421/ أ] إجابة المؤذن مسكوت عنها في حديث جابر، لكنها قد ثبتت في حديث غيره, واستدل به أيضاً على أنها لا تجب إجابة المؤذن؛ لعدم ذكر لفظ الأمر فيه. وأجيب بأن الأمر في رواية مسلم (¬3). قوله: "الدعوة التامة" أقول: المراد بها دعوة التوحيد؛ لقوله تعالى: {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ} (¬4)، أو لأنها التي تستحق صفة التمام (¬5). وقيل: لأن فيها أتم القول وهو: لا إله إلا الله. ¬

_ (¬1) في "فتح الباري" (2/ 94). (¬2) في "شرح معاني الآثار" (1/ 146). (¬3) في "صحيحه" رقم (384). (¬4) سورة الرعد الآية (14). (¬5) قال الحافظ في "الفتح" (2/ 95): وقيل لدعوة التوحيد: تامة؛ لأن الشركة نقص، أو التامة التي لا يدخلها تغيير ولا تبديل، بل هي باقية إلى يوم النشور، أو لأنّها هي التي تستحق صفة التمام، وما سواها فمعرض للفساد.

وقيل: من أوله. أي: قوله: محمد رسول الله هو الدعوة التامة، والظاهر أنه صفة للأذان كله، وتقدم بيان ما اشتملت عليه كلماته من المعاني الدالة على تمامه في الإعلان بعقائد الإيمان. "والصلاة القائمة" المراد بها التي أذن لها. وقوله: "الوسيلة" تقدم أنها المنزلة (¬1) كما فسرها - صلى الله عليه وسلم - بذلك. "والفضيلة" المرتبة الزائدة على سائر مراتب العباد. "مقاماً محموداً" أي: يحمد القائم فيه وهو مطلق في كل ما يجلب الحمد معه من أنواع الكرامات (¬2)، ونصبه على الظرفية [400 ب] أي: ابعثه يوم القيامة، فأقمه مقاماً محموداً. قال النووي (¬3): أثبتت الرواية بالتنكير، وكأنه حكاية للفظ القرآن. وقال الطيبي (¬4): إنما نكره؛ لأنه أفخم وأجزل كأنه قيل: مقاماً. أي: مقام محموداً بكل لسان. قال الحافظ في "الفتح" (¬5): وقد جاء في هذه الرواية بعينها من رواية علي بن عباس شيخ البخاري فيه بالتعريف عند النسائي (¬6). وهو في "صحيح ابن خزيمة" (¬7) و"ابن حبان" (¬8) ¬

_ (¬1) انظر: "فتح الباري" (2/ 95). (¬2) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 95). (¬3) في "المجموع شرح المهذب" (3/ 124). (¬4) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 95). (¬5) (2/ 95). (¬6) في "السنن" رقم (680). (¬7) في "صحيحه" رقم (420). (¬8) في "صحيحه" رقم (1689).

أيضاً، وفي "الطبراني" (¬1) و"الطحاوي" (¬2) [] (¬3)، والبيهقي (¬4)، وفيه تعقب على من أنكر ذلك كالنووي (¬5)، انتهى. قلت: وكذلك أنكره ابن القيم في "الهدي" (¬6) ... الذي وعدته. قال الطيبي (¬7): المراد بذلك قوله: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا (79)} (¬8)، ويطلق عليه الوعد؛ لأن عسى من الله واقع كما صح عن ابن عيينة وغيره، والموصول إما بدل أو عطف بيان أو خبر مبتدأ محذوف، وليس صفة للنكرة. [و] (¬9) قال ابن الجوزي (¬10): الأكثر على أن المراد بالمقام المحمود الشفاعة. ووقع في "صحيح ابن حبان" (¬11) من حديث كعب ابن مالك مرفوعاً: "يبعث الله الناس" فيكسوني ربي حلة خضراء فأقول: ما شاء الله أن أقول، فذلك المقام المحمود. ¬

_ (¬1) في "الصغير" (1/ 240). (¬2) في "شرح معاني الآثار" (1/ 146). (¬3) في المخطوط (أ) زيادة: في "الدعاء". (¬4) في "السنن الكبرى" (1/ 410). (¬5) في "المجموع شرح المهذب" (2/ 124). (¬6) في "زاد المعاد" (2/ 393 - 394). (¬7) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 95). (¬8) سورة الإسراء الآية (79). (¬9) زيادة من (ب). (¬10) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 95). (¬11) في "صحيحه" رقم (6479). =

قال الحافظ (¬1): ويظهر من القول أن الثناء الذي يقدمه بين يدي الشفاعة, ويظهر أن المقام المحمود هو مجموع ما يحصل له في تلك الحالة. قوله: "الذي وعدته" أقول: كأنه يريد عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً، فقد تقدم أن عسى منه تعالى، وهو تعالى لا يخلف الميعاد، فيكون سؤال المقام المحمود له منا محض تعبد نحو {قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ} (¬2). 8 - وعن عمر - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا قَالَ المُؤَذِّنُ: الله أَكْبَرُ الله أَكْبَرُ. فَقَالَ أَحَدُكُمُ: الله أَكْبَرُ الله أَكْبَرُ. ثُمَّ قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله. قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله، ثُمَّ قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله. قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله. ثُمَّ قَالَ: حَيَّ عَلَى الصَّلاَةِ. قَال: لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِالله. ثُمَّ قَالَ: حَيَّ عَلَى الفَلاَحِ. قَالَ: لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِالله. ثُمَّ قَالَ: الله أَكْبَرُ الله أَكْبَرُ. قَالَ: الله أَكْبَرُ الله أَكْبَرُ. ثُمَّ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله مِنْ قَلْبِهِ دَخَلَ الجَنَّةَ". أخرجه مسلم (¬3) وأبو داود (¬4). [صحيح] قوله في حديث عمر: "إذا قال [المؤذن] (¬5): الله أكبر" إلى آخره. أقول: [401 ب] هو تفصيل لما أجمل في غيره، وبيان لكيفية الإجابة. ¬

_ = وأخرجه أحمد (3/ 456)، والحاكم (2/ 363)، والطبراني في "الكبير" (ج 19/ 142) بإسناد صحيح، عن كعب بن مالك: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "يبعث الناس يوم القيامة، فأكون أنا وأمتي على تلًّ، فيكسوني ربِّي حُلّةً خضراء، فأقول: ما شاء الله أن أقول، فذلك المقام المحمود". (¬1) في "الفتح" (2/ 95). (¬2) سورة الأنبياء الآية (112). (¬3) في "صحيحه" رقم (12/ 385). (¬4) في "السنن" رقم (527). وهو حديث صحيح. (¬5) زيادة من (أ).

وقوله: "لا حول ولا قوة" قال النووي في "شرح مسلم" (¬1): قال الهروي (¬2): قال أبو الهيثم: الحول الحركة. أي: لا حركة ولا استطاعة إلا بمشيئة الله، وكذا قاله ثعلب وآخرون. وقيل: لا حول عن معصيته إلا بعصمته، ولا قوة على طاعته إلا بمعونته، وحكي هذا عن ابن مسعود (¬3). قلت: وأخرج ابن النجار عنه أنه قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ألا أخبرك بتفسير لا حول ولا قوة إلا بالله؟ لا حول عن معصية الله إلا بعصمته, ولا قوة على طاعة الله إلا بعون الله. هكذا أخبرني جبريل يا ابن أم عبد"، انتهى. ووجه مناسبة إجابة المؤذن "حي على الصلاة, حي على الفلاح" بالحوقلة أنهما دعاء للسامع إلى الصلاة والفلاح، فلا يناسب أن يدعو السامع إلى ذلك حتى يقول كما قال المؤذن, بل المناسب أن يستعين على الإتيان بما دعي إليه بإرجاع الحول والقوة وقصرهما على الله، وأنه الذي يعين على إجابة الداعي والإتيان بما دعي إليه، وتقدمت إشارة إلى حكم الإجابة. وفي شرح [مسلم] (¬4) للنووي (¬5) ما لفظه: واعلم أنه يستحب إجابة المؤذن بالقول مثل قوله لكل من سمعه من متطهر ومحدث وجنب وحائض وغيرهم ممن لا مانع لهم من الإجابة, فمن أسباب المنع أن يكون في الخلاء، أو جماع أهله، أو نحوهما، ومنها أن يكون في صلاة, فمن كان في صلاة فريضة أو نافلة فيسمع المؤذن لم يوافقه وهو في الصلاة، فإذا سلم أتى بمثله، فلو فعله في الصلاة فهل يكره؟ فيه قولان للشافعي، أظهرهما يكره؛ لأنه أعرض ¬

_ (¬1) (4/ 87). (¬2) في "غريب الحديث" (4/ 423). (¬3) انظر: "شرح صحيح مسلم" (4/ 87). (¬4) زيادة من (أ). (¬5) (4/ 88).

عن الصلاة، لكن لا تبطل صلاته، وإن قال ما ذكرناه؛ لأنها أذكار، فإن قال: حي على الصلاة، أو الصلاة خير من النوم بطلت صلاته إن كان عالمًا بتحريمه؛ لأنه كلام آدمي، ولو سمع الأذان وهو في تلاوة [402 ب] أو تسبيح أو نحوهما قطع ما هو فيه، وأتى بمتابعة المؤذن. ويتابعه في الإقامة كالأذان، إلا أنه في لفظ الإقامة: "أقامها الله وأدامها" وإذا ثوب المؤذن في صلاة الصبح فقال: "الصلاة خير من النوم" قال سامعه: صدقت وبررت هذا تفصيل مذهبنا. وقال القاضي عياض (¬1): اختلف أصحابنا: هل يحكي المصلي لفظ المؤذن في صلاة الفريضة والنافلة من يحكيه فيهما أم لا يحكيه في النافلة دون الفريضة؟ على ثلاثة أقوال، ومنع أبو حنيفة فيهما. وهل القول مثل ما قال المؤذن واجب على من سمعه في غير الصلاة؟ أم مندوب؟ فيه خلاف، حكاه الطحاوي (¬2). الصحيح الذي عليه الجمهور: أنه مندوب [422/ أ]. قال: واختلفوا: هل يقال عند سماع كل مؤذن أم لأول مؤذن فقط؟ انتهى. وفي "فتح الباري" (¬3) نقلاً عن "شرح المهذب" (¬4) للنووي فيما إذا أذن مؤذن آخر هل يجيبه بعد [إجابة] (¬5) الأول أم لا؟ قال النووي (¬6): لم أر فيه شيئاً لأصحابنا. ¬

_ (¬1) في إكمال المعلم بفوائد مسلم (2/ 251). (¬2) انظر: "شرح معاني الآثار" (1/ 146 - 147). (¬3) (2/ 92). (¬4) "المجموع شرح المهذب" (3/ 127). (¬5) في (أ): إجابته. (¬6) في "المجموع شرح المهذب" (3/ 127).

وقال ابن عبد السلام: يجيب كل واحد بإجابة لتعدد السبب، وإجابة الأول أفضل إلا في الصبح والجمعة فهما سواء؛ لأنهما مشروعان. قال الحافظ (¬1): إنه استدل به على وجوب إجابة المؤذن، وأنه حكاه الطحاوي عن قوم من السلف، وبه قال الحنفية (¬2) وأهل الظاهر وابن وهب. واستدل الجمهور. أي: القائلون: بالندب بما أخرجه مسلم (¬3) وغيره (¬4) من أنه - صلى الله عليه وسلم - سمع مؤذناً، فلما كبر. قال: "على الفطرة" فلما تشهد قال: "خرج من النار" قالوا: فلما قال - صلى الله عليه وسلم - غير ما قال المؤذن علمنا أن الأمر بذلك للاستحباب. وتعقب (¬5) بأنه ليس في الحديث أنه لم يقل مثل ما قال. فيجوز أن يكون قاله ولم ينقله الراوي اكتفاءً بالعادة. ونقل القول الزائد وبأنه يحتمل أن ذلك وقع قبل صدور الأمر، ويحتمل لما أمر لم يرد إدخال نفسه [403 ب] في عموم من خوطب بذلك، انتهى. 9 - وعن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه -: أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ المُؤَذِّنَ: وَأنَا أَشْهدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَحْدهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، رَضِيتُ بِالله رَبًّا وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولاً". وفي رواية: "نَبِيًّا، وَبِالإِسْلاَمِ دِينًا، غُفِرَ لَهُ ذَنْبُهُ". ¬

_ (¬1) في "فتح الباري" (2/ 92). (¬2) "البناية في شرح الهداية" (2/ 108 - 109). (¬3) في "صحيحه" رقم (382). (¬4) كأحمد (1/ 407)، والترمذي رقم (1618) من حديث أنس، وهو حديث صحيح. (¬5) قاله الحافظ في "الفتح" (2/ 93).

أخرجه الخمسة (¬1) إلا البخاري. [صحيح] 10 - وعن أبي أمامة أسعد بن سهل قال: سَمِعْتُ مُعَاويَة بْنَ أَبِيِ سُفْيَانَ، وَهُوَ جَالِسٌ عَلَى المِنْبَرِ، حِيْنَ أَذَّنَ المُؤَذِّنُ فَقَالَ: الله أَكْبَرُ الله أَكْبَرُ. فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: الله أَكْبَرُ الله أَكْبَرُ. قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله. قَالَ مُعَاوِيَةُ: وَأَنَا. قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله. قَالَ مُعَاوِيَةُ: وَأَنَا. قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله. قَالَ مُعَاوِيَةُ: وَأَنَا. قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله. قَالَ مُعَاوِيَةُ: وَأَنَا. فَلَمَّا أَنْقَضَى التَّأْذِينَ قَالَ: يَا أَيُّهَا النَاسُ سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عَلَى المِنْبَرِ حِيْنَ أَذَّنَ المُؤَذِّنُ يَقُولُ مِثْلَ مَا سَمِعْتُمْ مِنْ مَقَالَتِي. أخرجه البخاري (¬2). [صحيح] قوله في حديث معاوية: "وأنا"، ورفعه إليه - صلى الله عليه وسلم - فيكون من يجيب المؤذن في التشهدين، مخير بين الإتيان بلفظهما وبين قوله: "وأنا"، وقد أيده حديث عائشة عند أبي داود (¬3) أنه - صلى الله عليه وسلم - كان إذا سمع المؤذن يتشهد قال: "وأنا وأنا"، فيكون قوله في أحاديث مثلما يقول مخصصاً عمومه بما ذكر، ثم قوله: "وأنا وأنا" يحتمل أنه يكرره بعد كل واحدة من كلمتي التشهد، أو أنه يوزعه عليهما. وحديث معاوية يدل للأخير، ويؤخذ منه أنه يكفي أن يقول الكافر إذا دخل في الإسلام إجابة للمؤذن عند التشهد، وأنا، وأنه يصير مسلماً وإن لم يتلفظ بكلمة الشهادة. ويرد بأن حديث: "حتى يقولوا: لا إله إلا الله" دال على أنه لا بد من الإتيان بكلمة التوحيد. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم رقم (13/ 386)، والنسائي رقم (679)، وابن ماجه رقم (721)، وأبو داود رقم (525)، والترمذي رقم (210). (¬2) في "صحيحه" رقم (613). وأخرجه أحمد (4/ 91 - 92)، والنسائي رقم (677)، وابن خزيمة رقم (414)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (1/ 409)، والدارمي (1/ 272)، وعبد الرزاق في المصنف (1/ 479 رقم 1844). (¬3) في "السنن" رقم (526)، وهو حديث صحيح.

11 - وعن عائشة - رضي الله عنها -: "أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كانَ إِذَا سَمِعَ المُؤَذَّنُ يَتَشَهَّدُ قَالَ: وَأَنَا وأنَا". أخرجه أبو داود (¬1). [صحيح] 12 - وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِذَا سَمِعْتُمُ النِّدَاءَ فَقُولُوا مِثْلَ ما يَقُولُ المُؤَذِّنُ". أخرجه الستة (¬2). [صحيح] 13 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَذَّنَ سَبْعَ سِنِينَ مُحْتَسِبًا كَتَبَ الله لَهُ بَرَاءَةٌ مِنَ النَّارِ" أخرجه الترمذي (¬3). [ضعيف] "المُحْتَسِبُ" طالب الأجر والثواب على فعله من الله تعالى. قوله في حديث ابن عباس: "أخرجه الترمذي" قلت: وقال (¬4): حديث ابن عباس حديث غريب، وأبو تميلة اسمه [404 ب] يحيى بن واضح، وأبو حمزة السكري اسمه محمد ابن ميمون. وجابر بن زيد الجعفي ضعفوه، وتركه يحيى بن سعيد، وعبد الرحمن بن مهدي، انتهى. وساقه في إسناده عن أبي تميلة، عن أبي حمزة, عن جابر عن مجاهد عن ابن عباس. وأبو تميلة (¬5)، وأبو حمزة (¬6) ثقتان كما في "التقريب", إنما الكلام في جابر الجعفي ولهم فيه كلام كثير. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (526)، وهو حديث صحيح وقد تقدم. (¬2) أخرجه البخاري رقم (611)، ومسلم رقم (383)، وأبو داود رقم (522)، والترمذي رقم 208)، والنسائي (2/ 23)، وابن ماجه رقم (720). وأخرجه مالك في "الموطأ" (1/ 67)، والدارمي (1/ 272)، والطيالسي رقم (2214). (¬3) في "السنن" رقم (206). وأخرجه ابن ماجه رقم (727). وهو حديث ضعيف، والله أعلم. (¬4) في "السنن" (1/ 401). (¬5) انظر: "التقريب" (2/ 359 رقم 194). (¬6) انظر: "التقريب" (2/ 212 رقم 763).

14 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه -: "المُؤَذِّنُ يُغْفَرُ لَهُ مَدَى صَوْتِهِ، وَيَشْهَدُ لَهُ كُلُّ رَطْبٍ وَيَابِسٍ، وَشاهِدُ الصَّلاَةِ يُكْتَبُ لَهُ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ صَلاَةَ, وَيُكَفَّرُ عَنْهُ مَا بَيْنَهُمَا". أخرجه أبو داود (¬1) والنسائي (¬2). [صحيح] وفي رواية (¬3): "بَعْدَ قَوْلِهِ: كُلُّ رَطَبٍ وَيَابِسٍ؟ وَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ صَلَى مَعَهُ". "المَدَى" الأَمَدُ والغاية, والمعنى: أنه يَسْتَوفي ويستكمل مَغْفرة الله إذا استوفى وُسْعَهُ في رفع صوته فيبلغ الغاية من المغفرة إذا بلغ الغاية من الصوت، وقيل غير ذلك (¬4). قوله في حديث أبي هريرة: "مدى صوته" أقول: في "النهاية" (¬5): المدى الغاية. أي: يستكمل مغفرة الله إذا استنفذ وسعه في رفع صوته فبلغ الغاية في المغفرة إذا بلغ الغاية في الصوت. وقيل: هو تمثيل. أي: إن المكان الذي ينتهي إليه الصوت لو قدر أن يكون بين أقصاه وبين مقام المؤذن ذنوب تملأ تلك المسافة لغفرها الله له، انتهى. وقريب منه كلام المصنف. "ويشهد له كل رطب ويابس" عام لكل موجود من حيوان وجماد. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (515). (¬2) في "السنن" رقم (645). وأخرجه أحمد (2/ 411، 429، 458، 461)، وابن ماجه رقم (7241)، وابن خزيمة رقم (390)، وابن حبان رقم (1666). وهو حديث صحيح. (¬3) أخرجها أحمد (4/ 284)، والنسائي رقم (646). (¬4) قاله ابن الأثير في غريب "الجامع" (9/ 385). (¬5) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 644).

وفي حديث أبي سعيد عند البخاري (¬1) وغيره (¬2) كما يأتي "فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة". قال البيضاوي (¬3): غاية الصوت تكون أخفى من ابتدائه، فإذا شهد له من بعد عنه، ووصل إليه منتهى صوته، فلأن يشهد له من دنى منه وسمع مبادئ صوته أولى. قال الحافظ (¬4): ظاهره أي: لفظ حديث البخاري: يشمل الحيوانات والجمادات، فقوله: "ولا شيء" من العام بعد الخاص، ويؤيده ما في رواية ابن خزيمة (¬5): "لا يسمع صوته شجر ولا حجر ولا مدر ولا جن ولا إنس". قال القرطبي (¬6): [405 ب] قوله: "ولا شيء" المراد به الملائكة، وتعقب بأنهم داخلون في قوله: "جن"؛ لأنهم يستجنون عن الأبصار. وقال غيره (¬7): المراد كل ما يسمع المؤذن من الحيوان حتى ما لا يعقل دون الجمادات، ومنهم من حمله على ظاهره, وذلك غير ممتنع عقلاً ولا شرعاً. قوله: "وشاهد الصلاة" في الجماعة. تأتي فضائل الجماعة. ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (609). (¬2) كالنسائي في "السنن" (2/ 12)، وابن ماجه رقم (723)، وأحمد (3/ 35، 43)، والشافعي في "مسنده" رقم (176 - ترتيب) ومالك في "الموطأ" (1/ 69). (¬3) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 88). (¬4) في "فتح الباري" (2/ 88). (¬5) في "صحيحه" رقم (389). (¬6) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 88). (¬7) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 89).

15 - وعن البَرَاء - رضي الله عنه -: أَنَّ نَبِيَّ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّ الله وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الصَّفِّ المُقَدَّمِ، وَالمُؤَذِّنُ يُغْفَرُ لَهُ مَدَى صَوْتِهِ، وَيُصَدِّقُهُ مَنْ سَمِعَهُ مِنْ رَطْبٍ وَيَابِسٍ، وَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ صَلَّى مَعَهُ". أخرجه النسائي (¬1). [صحيح] قوله في حديث البراء: "ويصدقه من سمعه" هذا التصديق غير الشهادة الماضية، وأنها تكون يوم القيامة, والتصديق عند ندائه يقول كل سامع له: صدقت. قوله: "وله مثل أجر من صلى معه" أي: للمؤذن مثل أجر من صلى معه ممن سمع أذانه (¬2) مطلقاً. 16 - وعن ابن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما -: أَنَّ رَجُلاً قَالَ: أَنَّ رَجُلاً قَالَ: يَا رَسُولَ الله إِنَّ المُؤَذِّنِينَ يَفْضُلُونَنَا. فَقَالَ: "قُلْ كَمَا يَقُولُونَ، فَإِذَا انْتَهَيْتَ فَسَلْ تُعْطَهْ". أخرجه أبو داود (¬3). [حسن] قوله في حديث ابن عمرو: "فقل مثلما يقولون" الحديث دليل على أن من أجاب المؤذن له مثل ما يناله من الأجر. 17 - وعن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صَعْصعَةَ: أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ - رضي الله عنه - قَالَ لَهُ: أَرَاكَ تُحِبُّ الغَنَمَ وَالبَادِيَةَ، فَإِذَا كُنْتَ فِي غَنَمِكَ أَوْ بَادِيَتِكَ فَأَذَّنْتَ بِالصَّلاَةِ فَارْفَعْ صَوْتَكَ بِالنِّدَاءِ، ¬

_ (¬1) في "السنن" (646)، وهو حديث صحيح. (¬2) في (أ): زيادة أو. (¬3) في "السنن" رقم (524). وأخرجه النسائي في "عمل اليوم والليلة" رقم (44)، وابن حبان رقم (1695)، وفي "السنن الكبرى" (1/ 410)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (426، 427) من طرق. وهو حديث حسن. والله أعلم.

فَإِنَّهُ لاَ يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ المُؤَذِّنِ جِنٌّ وَلاَ إِنْسٌ وَلاَ شَيْءٌ. إِلاَّ شَهِدَ لَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ". قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -. أخرجه البخاري (¬1) ومالك (¬2) والنسائي (¬3). [صحيح] قوله: "ابن أبي صعصعة" أقول: بصادين مهملتين مفتوحتين، وعينين مهملتين الأولى منهما ساكنة. [قوله] (¬4) إلا شهد له يوم القيامة [أقول] (¬5) قال التروبشتي (¬6): المراد من هذه الشهادة إشهار المشهود له يوم القيامة بالفضل وعلو الدرجة. وقال ابن المنير (¬7): إن أحكامه لآخرة جرت على نحو أحكام الخلق في الدنيا من توجيه الدعوى والجواب والشهادة، انتهى. قلت: وعلى [406 ب] من تكون الدعوى هنا، فكلام التوربشتي دعوى لا دليل عليها. 18 - وعن معاوية - رضي الله عنه - قال: سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "المُؤَذِّنُونَ أَطْوَلُ النَّاسِ أَعْنَاقًا يَوْمَ القِيَامَةِ". أخرجه مسلم (¬8). [صحيح] ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (609). (¬2) في "الموطأ" (1/ 69). (¬3) في "السنن" (2/ 12). وأخرجه أحمد (3/ 35، 43)، والشافعي في "مسنده" رقم (76 - ترتيب)، وابن ماجه رقم (723)، وقد تقدم. (¬4) زيادة من (أ). (¬5) زيادة من (أ). (¬6) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 89). (¬7) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 89). (¬8) في "صحيحه" رقم (387). =

قوله في حديث معاوية: "أطول الناس أعناقاً" أقول: في "النهاية" (¬1). أي: أكثر أعمالاً. يقال: لفلان عنق من الخير. أي: قطعة. وقيل: أراد طول الأعناق. أي: الرقاب؛ لأن الناس يومئذٍ في الكرب وهم في الرَّوح [متطلعون] (¬2)؛ لأن يؤذن لهم في دخول الجنة. وقيل (¬3): إنه أراد أنهم يكونون رؤساء سادة، والعرب تصف السادة بطول الأعناق. وروي إعناق بكسرة الهمزة (¬4). أي: أكثر إسراعاً وأعجل إلى الجنة. يقال: أعنق يعنق إعناقاً فهو معنق والاسم العنق بالتحريك، انتهى. قوله في حديث أبي سعيد: "سمعته" أقول: في "التوشيح" أي: قوله: "فإنه لا يسمع" إلى آخره كما بين في رواية ابن خزيمة (¬5) بخلاف ذكر الغنم والبادية، فإنه موقوف (¬6). وفهم الرافعي أنه مرفوع، وأن "سمعته" عائد إلى ما تقدم، وسبقه إلى ذلك إمام الحرمين والغزالي والقاضي حسين وغيرهم. وتعقبه النووي ووافقه ابن حجر (¬7). ¬

_ = وأخرجه أحمد (4/ 95)، وابن ماجه رقم (725)، وأبو عوانة (1/ 333)، والطبراني في "الكبير" (19/ 736)، والبيهقي (1/ 432)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (415)، وابن أبي شيبة في "مصنفه" (1/ 225) من طرق. وقد تقدم. (¬1) (2/ 263). (¬2) في (ب): ويتطلعون. (¬3) قاله النضر بن شميل، كما في "إكمال المعلم" (2/ 255). (¬4) ذكره البغوي في "شرح السنة" (2/ 277). والقاضي عياض في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (2/ 255). (¬5) في "صحيحه" رقم (389)، وقد تقدم. (¬6) قاله الحافظ في "الفتح" (2/ 89). (¬7) انظر: "فتح الباري" (2/ 89).

الفرع الثاني: في بدئه

19 - وعن عاصم بن بَهْدَلة قال: مَرَّ رَجُلٌ عَلَى زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ وَهُوَ يُؤَذِّنُ فَقَالَ: يَا أَبَا مَرْيَمَ أَتُؤَذِّنُ؟ إِنِّي لأَرْغَبُ بِكَ عَنِ الأَذَانِ. فَقَالَ زِرٌّ: أَتَرْغَبُ بِي عَنِ الفَضْلِ؟ وَالله لاَ أُكَلِّمُكَ. أخرجه رزين. ومعنى "لأَرْغَبُ بِكَ" أي: لأكره لك. قوله: "وعن عاصم بن بهدلة" أقول: بفتح الموحدة وسكون الهاء فدال مهملة وهو عاصم المقرئ. صدوق له أوهام، حجة في القراءة. قاله في "التقريب" (¬1). قال: وزر بكسر أوله وتشديد الراء بن حبيش بمهملة وموحدة ومعجمة مصغر ثقة جليل مخضرم. قوله: "لأرغب بك عن الأذان" أقول: في "القاموس" (¬2): رغب بنفسه عنه رأى لنفسه عليه فضل، انتهى. فمعنى ما هنا الإنكار على زر، وأنه أفضل من أن يؤذن. ولقد أحسن زر في حلفه أن لا يكلمه؛ لأنه على الأذان. وقد كان عمر يقول: لولا [الخليفاء] (¬3) أي: الشغلة بأمور الخلافة لأذنت. قوله: "أخرجه رزين" [407 ب] وبيض له ابن الأثير (¬4) على عادته. الفرع الثاني: في بدئه 1 - عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: كَانَ المُسْلِمُونَ حِينَ قَدِمُوا المَدِينَةَ يَجْتَمِعُونَ فَيَتَحَيَّنُونَ الصَّلاَةَ، وَلَيْسَ يُنَادَي بِهَا أَحَدٌ, فَتكلَّمُوا يَوْمًا فِي ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضهُمْ: اتَّخِذُوا نَاقُوسًا مِثْلَ ¬

_ (¬1) (1/ 383 رقم 3). (¬2) "القاموس المحيط" (ص 116). (¬3) في (ب): الخليف. (¬4) في "الجامع" (9/ 387).

نَاقُوسِ النَّصَارَى، وَقالَ بَعْضُهُمْ: اتَّخَذُوا قَرْناً مِثلَ قَرْنِ اليَهُودِ. فَقَالَ عُمَرُ - رضي الله عنه -: أَوَلاَ تَبْعَثونَ رَجُلاً ينَادِي بِالصَّلاَةِ؟ فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "يَا بِلاَلُ قُمْ فَنَادِ بِالصَّلاَةِ". تحفة أخرجه الخمسة إلا أبا داود (¬1). [صحيح] "التَّحَيُّنُ" طلب الحين والوقت (¬2). قوله: "الفرع الثاني في بدئه" أي: الأذان. أي: ابتداء شرعيته. زاد ابن الأثير (¬3) في الترجمة وكيفيته. وترجم البخاري (¬4) بباب بدء الأذان. فسره ابن حجر (¬5). أي: ابتدائه. قوله: "فيتحينون" بالحاء المهملة بعدها مثناة تحتية ثم نون. أي: يقدرون أحيانها ليأتوا إليها والحين الوقت والزمان. قوله: "ليس ينادي [بها] (¬6) أحد" أقول: قال الحافظ (¬7): بفتح الدال على البناء للمفعول. قال ابن مالك (¬8): فيه جواز استعمال ليس حرفاً لا اسم لها ولا خبر. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (604، 3540، 3541، 5670، 6352)، ومسلم رقم (377)، والترمذي رقم (190)، والنسائي رقم (626). (¬2) ذكره ابن الأثير في "غريب الجامع" (5/ 269). (¬3) في "الجامع" (5/ 268). (¬4) في "صحيحه" (2/ 77 الباب رقم 10 - مع الفتح). (¬5) في "فتح الباري" (2/ 77). (¬6) في (أ): لنا. (¬7) في "فتح الباري" (2/ 80). (¬8) في "شواهد التوضيح والتصحيح" لابن مالك (ص 141 - 142) حيث قال: ولك أن تجعل "ليس" حرفاً لا اسم لها ولا خبر، وفي قول ابن عمر - رضي الله عنهما -: "ليس ينادَى لها" شاهد على استعمال "ليس" حرفاً، لا اسم لها ولا خبر، أشار إلى ذلك سيبويه، وحمل على ذلك قول بعض العرب: ليس الطيب إلا المسكُ بالرفع، =

وقد أشار إليه سيبويه (¬1). ويحتمل أن يكون اسمها ضمير الشأن، والجملة بعدها. قلت: ورواية مسلم تؤيد ذلك، فإن لفظه: " [ليس] (¬2) ينادي لها أحد". قوله: "ناقوساً" أقول: في "القاموس" (¬3): الناقوس: الذي يضرب به النصارى في أوقات صلاتهم، خشبة كبيرة طويلة، وأخرى قصيرة اسمها الوبيل، انتهى. في رواية ابن ماجه (¬4): أنه - صلى الله عليه وسلم - كرهه من أجل النصارى، وسيأتي قريباً. بسط في رواية أبي داود (¬5). قوله: "قرناً" أي: بل اتخذوا قرناً، وفي بعض نسخ البخاري (¬6): "بوقاً" وعليها شرح الحافظ (¬7) قال: والقرن رواية مسلم والنسائي. والقرن والبوق معروفان. ويقال: للبوق القنع بضم القاف وسكون النون فعين مهملة. والمراد: أنه ينفخ فيه فيجتمعون عند سماع صوته, وهو من شعار اليهود، ويسمى أيضاً الشبور بالشين المعجمة المفتوحة [409 ب] والموحدة المضمومة الثقيلة. ¬

_ = وأجاز في قولهم: ليس في خلق الله مثله، حرفية "ليس" وفعليتها، على أن يكون اسمها ضمير شأن, والجملة بعدها خبر، وإن جُوِّز الوجهان في "ليس ينادى لها" فغير ممتنع. (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 80). وابن مالك في "شواهد التوضيح" (ص 141). (¬2) زيادة من (أ). (¬3) "القاموس المحيط" (ص 746). (¬4) في "السنن" رقم (706). (¬5) في "السنن" رقم (498)، وهو حديث صحيح. (¬6) في "صحيحه" رقم (604). (¬7) في "الفتح" (2/ 81).

قوله: "أولاً" الهمزة فيها للاستفهام، والواو للعطف على مقدر كما في نظائره (¬1). قوله: "يا بلال قم فناد بالصلاة" أقول: وهذا النداء دعاء إلى الصلاة غير الأذان كان قبل مشروعية الأذان. وفي مرسل عند ابن سعد (¬2): أن بلالاً كان ينادي بقوله: "الصلاة جامعة"، ثم شرع الأذان. قيل: في السنة الثانية من الهجرة, وهو الراجح كما في "فتح الباري" (¬3). وقيل: في السنة الأولى بعد بنائه مسجده - صلى الله عليه وسلم -، والروايات المصرحة بأنه شرع في مكة لم يصح منها شيء. 2 - وعن أبي عمير بن أنس عن عمومة له من الأنصار قال: اهْتَمَّ رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - لِلصَّلاَةِ كَيْفَ يَجْمَعُ النَّاسَ لَهَا؟ فَقِيلَ لَهُ: انْصِبْ رَايَةً عِنْدَ حُضُورِ الصَّلاَةِ، فَإِذَا رَأَوْهَا آذَنَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا: فَلَمْ يُعْجِبْهُ ذَلِكَ، فَذُكِرَ لَهُ القُنْعُ، وَهُوَ شَبُّورُ اليَهُودِ, فَلَمْ يُعْجِبْهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: "هذَا مِنْ أَمْرِ اليَهُودِ". فَذُكِرَ لَهُ النَّاقُوسُ فَقَالَ: "هُوَ مِنْ أَمْرِ النَّصَارَى". فَانْصَرَفَ عَبْدُ الله بْنُ زَيْدٍ الأَنْصَارِيُّ وَهُوَ مُهْتَمٌّ لِهَمِّ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فأُرِىَ الأَذَانَ فِي مَنَامِهِ. أخرجه أبو داود (¬4). [صحيح] قوله: "وعن أبي عمير بن أنس" أقول: بالمهملة مصغراً في "التقريب" (¬5). قيل: اسمه عبد الله ثقة من الرابعة كان أكبر أولاد أنس بن مالك. قوله: "عبد الله بن زيد" (¬6) أقول: ابن عبد ربه بن ثعلبة الأنصاري الخزرجي أبو محمد ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 82). (¬2) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 82). (¬3) (2/ 78 - 79)، وهو حديث صحيح. (¬4) في "السنن" رقم (498)، وهو حديث صحيح. (¬5) (2/ 456 رقم 192). (¬6) انظر: "التقريب" (1/ 417 رقم 318).

الذي أري النداء في الأذان، صحابي، مشهور، وهو غير عبد الله بن زيد بن عاصم بن كعب الأنصاري (¬1)، أبو محمد. وهو صحابي شهير يقال: أنه الذي قتل مسيلمة بخلاف الأول، فإنه قيل: استشهد بأحد، وقيل: مات سنة اثنين وثلاثين، وأما هذا الآخر فإنه قتل بالحرة أيام يزيد. قوله: "فأري الأذان في منامه" هذا مجمل بينه ما يأتي بعده. قوله: "أبو داود" قال المنذري (¬2): وأخرجه الترمذي (¬3)، وابن ماجه (¬4). وقال الترمذي (¬5): حسن صحيح. قلت: أخرجه بقريب من ألفاظ أبي داود، ثم قال (¬6): حديث عبد الله بن زيد حديث حسن صحيح، ثم قال (¬7): وعبد الله بن زيد هو ابن عبد ربه. ويقال: ابن عبد رب، ولا يعرف له عن النبي - صلى الله عليه وسلم - شيئاً يصح إلا هذا الحديث الواحد في الأذان [424/ أ]. 3 - وفي أخرى له (¬8): جَاءَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله إِنِّي لمَّا رَجَعْتُ - لِمَا رَأَيْتُ مِنَ اهْتِمَامِكَ - رَأَيْتُ رَجُلاً كَأَنَّ عَلَيْهِ ثَوْبَيْنِ أَخْضَرَيْنِ، فَقَامَ عَلَى المَسْجِدِ فَأَذَّنَ ثُمَّ قَعَدَ قَعْدةً ثُمَّ قَامَ فَقَالَ مِثْلَهَا إِلاَّ أَنَّهُ يَقُولُ: قَدْ قَامَتِ الصَّلاَةُ، وَلَوْلاَ أَنْ يَقُولَ النَّاسُ لَقُلْتُ: إِنِّي ¬

_ (¬1) انظر: "التقريب" (1/ 417 رقم 317). (¬2) في "مختصر السنن" (1/ 273) بإثر الحديث رقم (499)، وهو حديث حسن. (¬3) في "السنن" رقم (189). (¬4) في "السنن" رقم (706). (¬5) في "السنن" (1/ 359). (¬6) أي: الترمذي في "السنن" (1/ 359). (¬7) الترمذي في "السنن" (1/ 360). (¬8) في "السنن" رقم (499)، وهو حديث حسن.

كُنْتُ يَقْظَانًا غَيْرَ نَائِمٍ. فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَقَدْ أَرَاكَ الله خَيْرًا، فَمُرْ بِلاَلاً فَلْيُؤَذِّنْ". فَقَالَ عُمَرُ - رضي الله عنه -: أَمَا إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ مِثْلَ الَّذِي رَأَى، وَلَكِنِّي لمَّا سُبِقْتُ اسْتَحْيَيْتُ. وَقَالَ فِيهِ: فاستقبل القبلة، فقال: الله أَكْبَرُ، الله أَكْبَرُ، الله أَكْبَرُ الله أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله، أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله، حَيَّ عَلَى الصَّلاَةِ مَرّتينْ، حَيَّ عَلَى الفَلاَحِ مَرّتيْن، الله أَكْبَرُ، الله أَكْبَرُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله، ثُمَّ أُمْهِلَ هُنَيَةً، ثُمَّ قَامَ فَقَالَ مِثْلَها، إلَّا أنَّهُ زَادَ بَعْدَ مَا قَالَ: حَيَّ عَلَى الفَلاَحِ، قَدْ قَامَتِ الصَلاَةُ، قَدْ قَامَتِ الصَلاةُ. قَالَ: فَقَالَ رَسُوْلُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لقِّنْهَا بِلاَلاً" فَأَذّنَ بِهَا بِلاَلٌ. [حسن] "الشّبُّورَ" البُوقُ. قوله: "وله" أقول: أي: لأبي داود جاء رجل من الأنصار اللفظ وذكر "الثوبين الأخضرين" في "سنن أبي داود" (¬1) [] (¬2) ذلك في سنن ابن ماجه (¬3) عن عبد الله بن زيد: "رأيت رجلًا عليه ثوبان أخضران"، انتهى. والثانية (¬4): فيه عن عبد الله بن زيد قال: لما أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالناقوس يعمل ليضرب به للناس لجمع الصلاة, طاف بي وأنا نائم رجل يحمل ناقوساً بيده. فقلت: يا عبد الله أتبيع هذا الناقوس؟ إلى قوله قال: أفلا أدلك على ما هو خير من ذلك؟ فمَلت له: بلى. فقال: تقول [410 ب]: الله أكبر إلى آخر ما هنا. فقوله: هنا "جاء رجل من الأنصار" أتى به أبو داود (¬5) بلفظ عبد الله بن زيد. ¬

_ (¬1) في "السنن" (498، 499)، وليس فيه ذكر الثوبين الأخضرين. (¬2) في (ب): بياض. (¬3) في "السنن" رقم (706)، وهو حديث حسن. (¬4) لأبي داود في "السنن" رقم (499). (¬5) في "السنن" رقم (499)، وهو حديث حسن.

قوله: "فقعد" الذي في أبي داود: "ثم استأخر عني غير بعيد" وقوله: فقعد رواية فيه. قال: ثم تقول: إذا أقمت الصلاة الله أكبر، وسرد ألفاظ الإقامة. قوله: "فقال عمر": "أما أنا فقد رأيت مثل الذي رأى" أقول: في "سنن أبي داود" (¬1): أن عمر كان قد أري الأذان قبل عبد الله بن زيد بعشرين يوماً. وفي "سنن ابن ماجه" (¬2): أن عبد الله بن زيد، وعمر بن الخطاب رأياه في ليلة فطرق الأنصاري رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلاً، فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلالاً فأذن به. فقال عمر: يا رسول الله! قد رأيت مثل الذي رأى، ولكنه سبقني. وفي "سنن ابن ماجه" (¬3) قال أبو عبيد: فأخبرني أبو بكر الحكمي أن عبد الله بن زيد الأنصاري قال في ذلك. أَحْمَدُ الله ذَا الجَلاَلِ وَذَا الإِكْرَ ... امِ حَمْدًا عَلَى الأَذَانِ كَثِيرًا إِذْ أَتَانِي بِهِ البَشِيرُ مِنَ الله ... فَأَكْرِمْ بِهِ لَدَيَّ بَشِيرًا فِي لَيَالٍ وَالَى بِهِنَّ ثَلاَثٍ ... كُلَّمَا جَاءَ زَادَنِي تَوْقِيرًا انتهى. قوله: "وقال فيه: فاستقبل القبلة" أقول: لم أجد هذا في هذه الرواية في "سنن أبي داود" (¬4)، وفي "التلخيص" (¬5): أنه قال الرافعي: وينبغي أنه يستقبل القبلة. قال ابن حجر (¬6): قال إسحاق في "مسنده": أخبرنا أبو معاوية, عن الأعمش، عن عمرو بن مرة, عن عبد ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (498). (¬2) في "السنن" رقم (706)، وقد تقدم. (¬3) في "السنن" رقم (706)، وهو حديث حسن، وقد تقدم. (¬4) وهو كما قال. (¬5) (1/ 364). (¬6) في "التلخيص" (1/ 364).

الرحمن بن أبي ليلى، قال: جاء عبد الله بن زيد. فقال: يا رسول الله! إني رأيت رجلاً نزل من السماء، فقام على جذم حائط [411 ب] فاستقبل القبلة، فذكر الحديث ثم ذكر أن بلالاً كان إذا كبر بالأذان استقبل القبلة. انتهى. قلت: واستقبالها ثابت في أبي داود وغيره من الستة، وما كان يحسن أن يعدل عنه ابن حجر في تخريجه. 4 - وعن عبد الله بن زيد - رضي الله عنه - قال: لمَّا أَمَرَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بالنَّاقُوسِ يُعْمَلُ لِيُضْرَبَ بِهِ لِلنَّاسِ لِجَمْعِ الصَّلاَةِ طَافَ بِي وَأَنَا نَائِمٌ رَجُلٌ يَحمِلُ نَاقُوسًا فِي يَدِهِ, فَقُلْتُ: يَا عَبْدَ الله أَتَبِيعُ النَّاقُوسَ؟ قَالَ: وَمَا تَصْنَعُ بِهِ؟ فَقُلْتُ: نَدْعُو بِهِ إِلَى الصَّلاَةِ. قَالَ: أَفَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ؟ فَقُلْتُ لَهُ: بَلَى. قَالَ: تَقُولُ: الله أَكْبَرُ الله أَكْبَرُ, الله أَكْبَرُ الله أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله، أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله، حَيَّ عَلَى الصَّلاَةِ، حَيَّ عَلَى الصَّلاَةِ, حَيَّ عَلَى الفَلاَحِ، حيَّ عَلَى الفَلاَحِ، الله أَكْبَرُ، الله أَكْبَرُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله. قَالَ: ثُمَّ اسْتَأْخَرَ عَنِّي غَيْرَ بَعِيدٍ ثُمَّ قَالَ: ثُمَّ تَقُولُ إِذَا أَقَمْتَ الصَّلاَةَ: الله أَكْبَرُ الله أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله، أَشْهَدُ أَنْ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله، حَيَ عَلَى الصَّلاَةِ، حَيَّ عَلَى الفَلاَحِ، قَدْ قَامَتِ الصَّلاَةِ، قَدْ قَامَتِ الصَّلاَةُ، الله أَكْبَرُ الله أَكْبَرُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله. فَلَمَّا أَصْبَحْتُ أَتَيْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فَأَخْبَرْتُهُ مَا رَأَيْتُ فَقَالَ: "إِنَّهَا على لَرُؤْيَا، حَقٍّ إِنْ شَاءَ الله، فَقُمْ مَعَ بِلاَلٍ فَالقِ عَلَيْهِ مَا رَأَيْتُ فَلْيُؤَذِّنْ بِهِ, فَإِنَّهُ أَنْدَى صَوْتًا مِنْكَ". فَقُمْتُ مَعَ بِلاَلٍ فَجَعَلْتُ القِيهِ عَلَيْهِ وَيُؤَذِّنُ بِهِ، فَسَمِعَ ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ - رضي الله عنه - وَهُوَ فِي بَيْتِهِ, فَخَرَجَ وَهُوَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ, يَقُولُ: يا رَسُوْلَ الله! وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ لَقَدْ رَأَيْتُ مِثْلَ الَّذِي أُرِيَ. فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "فَللهِ الحَمْدُ".

أخرجه أبو داود (¬1) والترمذي (¬2). [حسن] وفي أخرى (¬3): "فَقَالَ عَبْدُ الله: أَنَا رَأَيْتَهُ وَأَنَا كُنْتُ أُرِيدُهُ. قال: فَأَقِمْ أَنْتَ". [ضعيف] وفي رواية للترمذي (¬4): "وَذَكَرَ قِصَّةَ الأَذَانِ مَثْنَى مَثْنَى، وَالإِقَامَةَ مَرَّةً". [حسن] وفي أخرى له (¬5) قال: "كَانَ أَذَانُ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - شَفْعَاً شَفْعَاً فِي الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ". [بإسناد ضعيف] قوله: "وعن عبد الله بن زيد" أقول: هذا لفظ رواية أبي داود دون الأولى. قوله: "فإنه أندى (¬6) منك صوتاً" الندى بعد ذهاب الصوت. يقال: فلان أندى صوتاً من فلان إذا كان بعيد الصوت. قوله: "يقول: والذي بعثك بالحق لقد رأيت مثل الذي رأى". قلت: وفي "الأوسط" (¬7) للطبراني: أن أبا بكر أيضاً رأى الأذان. ولأبي داود في "المراسيل" (¬8) عن عبيد بن عمير الليثي أحد كبار التابعين: أن عمر لما رأى، جاء ليخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - فوجد الوحي قد ورد بذلك. فقال له - صلى الله عليه وسلم -: "سبقك بذلك ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (499). (¬2) في "السنن" رقم (189)، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وهو حديث حسن. (¬3) أخرجها أبو داود في "السنن" رقم (512)، وهو حديث ضعيف. (¬4) في "السنن" رقم (189)، وهو حديث حسن. (¬5) عند الترمذي في "السنن" رقم (194) بإسناد ضعيف. (¬6) تقدم نصه وتخريجه. (¬7) رقم (2020)، وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (1/ 329)، وقال: رواه الطبراني في "الأوسط"، وفيه من تكلم فيه وهو ثقة. (¬8) (ص 126 رقم 20).

الوحي" قيل: وبه يعرف أن العمل وقع بالوحي لا بمجرد الرؤيا من الصحابة. قال السهيلي (¬1): وقد ورد أنه - صلى الله عليه وسلم - سمع الأذان ليلة الإسراء فوق سبع سموات. أخرجه البزار (¬2) وهو أقوى من الوحي، وإنما تأخر حتى أعلم الناس به على غير لسانه للتنويه به، ورفع ذكره بلسان غيره؛ ليكون أقوى لأمره وأفخم لشأنه. قوله: "فجعلت ألقيه عليه ويؤذن به" أقول: كانت مساجد المدينة تسعة [مع] (¬3) مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلهم يصلون بأذان بلال. كذا قال بكر بن عبد الله بن الأشج فيما روى عنه أبو داود في "مراسيله" (¬4) والدارقطني (¬5) في "سننه" [412 ب] فمنها مسجد رابَح، ومسجد بني عبد الأشهل، ومنها مسجد بني [عمرو بن مبذول] (¬6) ومسجد جهينة وأسلم، وأحسبه قال: ومسجد بني سلمة. وسائرها مذكورة في السنن، انتهى. قوله: "فأقم أنت" أقول: قد عارضه "ومن أذن فهو يقيم" أخرجه أبو داود (¬7) في قصة الصدائي. وأجيب بأنه حديث ضعيف؛ لأنه لا يعرف إلا من رواية الأفريقي، والأفريقي ضعيف عند أهل الحديث. قاله الترمذي (¬8). ¬

_ (¬1) انظر: "الروض الأنف" (2/ 253). (¬2) في "مسنده" (1/ 178 - 179 رقم 352 - كشف). وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (1/ 329)، وقال: رواه البزار، وفيه زياد بن المنذر، وهو مجمع على ضعفه. (¬3) في (ب): إلا. (¬4) (ص 121 - 122 رقم 15). (¬5) (2/ 85)، وهو مرسل حسن، والله أعلم. (¬6) في (أ): عمرو، وفي (ب): عمر. وما أثبتناه من "مراسيل أبي داود". (¬7) في "السنن" رقم (514)، وهو حديث ضعيف. (¬8) في "السنن" (1/ 384).

قوله: "وفي رواية للترمذي" وذكر قصة الأذان مثنى مثنى. أقول: لفظ "الجامع" (¬1) قال الترمذي (¬2): وقد روى هذا الحديث إبراهيم بن سعد، عن محمد بن إسحاق أتم من هذا الحديث وأطول، وذكر قصة الأذان مثنى مثنى، والإقامة مرة، انتهى. وبه يعرف أن الترمذي إنما ذكر أن محمد بن إسحاق (¬3) روى قصة الأذان إلى آخره، لا أنه روى ذلك عن عبد الله بن زيد كما هو ظاهر قول المصنف، وفي رواية له، وذكر قصة الأذان. الذاكر هو عبد الله بن زيد؛ لأن السياق [425/ أ] في رواياته، وليس كذلك فهذا لفظ الترمذي وهو بعينه الذي نقله في "الجامع" (¬4)، ويحتمل أن محمد بن إسحاق رواه عن عبد الله ابن زيد، ولكن ليس للمصنف أن ينسبه إليه بل الواجب عليه الإتيان بلفظ "الجامع"، ويعرف أن الترمذي لم يخرج هذه الرواية، إنما ذكر (¬5) أنه قد روى الحديث إبراهيم بن سعد إلى آخره. قوله: "في رواية" أي: للترمذي أقول: وقال الترمذي (¬6): بعد سياقه لها عن عبد الله بن زيد ما لفظه قال أبو عيسى: حديث عبد الله بن زيد رواه وكيع، عن الأعمش، عن عمرو بن مرة, عن عبد الرحمن بن أبي ليلى: أن عبد الله بن زيد رأى الأذان في المنام. وقال شعبة: عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن أبي ليلى قال: حدثنا أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم -: "أن عبد الله بن زيد رأى الأذان في المنام". ¬

_ (¬1) (5/ 279). (¬2) في "السنن" (1/ 360 - 361). (¬3) أخرجه أبو داود رقم (499)، والترمذي رقم (189)، وابن ماجه رقم (706)، وهو حديث حسن. (¬4) (5/ 279). (¬5) في "السنن" (1/ 360). (¬6) في "السنن" (1/ 371).

وهذا أصح من حديث ابن أبي ليلى، وعبد الرحمن بن أبي ليلى لم يسمع من عبد الله بن زيد. قال (¬1): وبعض أهل العلم يقول: الأذان مثنى مثنى، والإقامة مثنى. وبه يقول سفيان الثوري وابن المبارك وأهل الكوفة، انتهى. بلفظه، وقد عقد قبله (¬2) باب ما جاء في إفراد الإقامة [413 ب]، وذكر حديث أنس (¬3) بلفظ عن أنس: أمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة. قال: وفي الباب عن ابن عمر. قال أبو عيسى: حديث أنس حسن صحيح. وهو قول بعض أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - والتابعين وبه يقول مالك (¬4) والشافعي (¬5) وأحمد (¬6) وإسحاق، انتهى كلامه. قلت: وقد بوب البخاري لذلك فقال: باب الأذان مثنى وساق حديث أنس. 5 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: لمَّا كَثُرَ النَّاسُ ذَكَرُوا أَنْ يُعْلِّمُوا وَقْتَ الصَّلاَةِ بِشَيْءٍ يَعْرِفُونَهُ، فَذَكَرُوا أَنْ يُورُوا نَارًا أَوْ يَضْرِبُوا نَاقُوسًا. فَأَمَرَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بِلاَلاً أَنْ يَشْفَعَ الأَذَانَ وَأَنْ يُوتِرَ الإِقَامَةَ. أخرجه الخمسة (¬7). [صحيح] ¬

_ (¬1) أي: الترمذي في "السنن" (1/ 372). (¬2) أي: الترمذي في "السنن" (1/ 369 الباب رقم 141). (¬3) رقم (194). (¬4) انظر: المدونة (1/ 58). (¬5) انظر: "المجموع شرح المهذب" (3/ 100 - 102). (¬6) "مسائل أحمد وإسحاق" (1/ 41). (¬7) أخرجه البخاري رقم (606)، ومسلم رقم (378)، وأبو داود رقم (508)، والترمذي رقم (193)، والنسائي (2/ 3)، وابن ماجه رقم (730). وأخرجه أحمد (3/ 103، 189)، والطيالسي رقم (2095). =

قوله في حديث أنس: "أن يعلموا" بضم أوله من الإعلام، وبفتحه من العلم، وبها وردت الرواية. قوله: "يوروا ناراً" أقول: لفظ "الجامع" (¬1): "ينوروا ناراً" ولفظ البخاري (¬2): "يوروا ناراً" في "الفتح" (¬3)، أي: يوقدوها. يقال: ورى الزند: إذا خرجت ناره. وأوريته: إذا أخرجته. قال: وفي رواية مسلم (¬4): "أن ينوروا" أي: يظهر نورها، انتهى بلفظه. "والناقوس" (¬5) خشبة تضرب بخشبة أصغر منها فيخرج منها صوت، وهو من شعار النصارى. قوله: "وأن يوتر الإقامة" أي: يأتي بلفظ: "قد قامت الصلاة" وبه احتج من قال بإفرادها. قال الحافظ ابن حجر (¬6): والحديث الذي قبله حجة عليه، يريد: أنه قدم البخاري (¬7) رواية: "وأن يوتر الإقامة إلا الإقامة" أي: فإنه يأتي بها مثناة فيقول: "قد قامت الصلاة, قد ¬

_ = والدارمي (1/ 270)، وابن الجارود رقم (159)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/ 132 - 133)، والدارقطني في "السنن" (1/ 239)، والبيهقي (1/ 412، 413)، وأبو عوانة (1/ 326، 327، 328)، وابن خزيمة (1/ 190، 191)، والبغوي في "شرح السنة" (2/ 253، 254) من طرق وهو حديث صحيح. (¬1) (5/ 280 رقم 3357). (¬2) في "صحيحه" رقم (606). (¬3) (2/ 83). (¬4) في "صحيحه" (378). (¬5) قاله الحافظ في "الفتح" (2/ 83). (¬6) في "فتح الباري" (2/ 83). (¬7) في صحيحه رقم (605).

قامت الصلاة"، والأظهر أرجحية رواية تثنية كلمة الإقامة مع إفراد غيرها، وإلى هنا انتهت روايات عبد الله بن زيد ثم ذكرت روايات أبي محذورة. 6 - وعن أبي محذورة - رضي الله عنه - قال: قُلْتُ: يَا رسَولَ الله! عَلِّمْنِى سُنَّةَ الأَذَانَ، قَالَ: فَمَسَحَ مُقَدَّمَ رَأْسِي، قَالَ: "تَقُولُ: الله أَكْبَرُ الله أَكْبَرُ، الله أَكْبَرُ الله أَكْبَرُ، تَرْفَعُ بِهَا صَوْتَكَ، ثُمَّ تَقُولُ: أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله، أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله، تَخْفِضُ بِهَا صَوْتَكَ، ثُمَّ تَرْفَعُ صَوْتَكَ بِالشَّهَادَةِ: أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله، أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُوُل الله، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُوُل الله، حَيَّ عَلَى الصَّلاَةِ حَيَّ عَلَى الصَّلاَةِ, حَيَّ عَلَى الفَلاَحِ حَيَّ عَلَى الفَلاَحِ، فَإِنْ كَانَ صَلاَةُ الصُّبْحِ قُلْتَ: الصَّلاَةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ، الصَّلاَةُ خيْرٌ مِنَ النَّوْمِ، الله أَكْبَرُ الله أَكْبَرُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله". أخرجه الخمسة (¬1) إلا البخاري. [صحيح] 7 - وفي رواية (¬2): وَعَلَّمَنِي الإِقَامَةَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ: "الله أَكْبَرُ الله أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله، أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله، حَيَّ عَلَى الصَّلاَةِ, حَيَّ عَلَى الصَّلاَةِ, حَيَّ عَلَى الفَلاَحِ، حَيَّ عَلَى الفَلاَحِ، الله أَكْبَرُ الله أَكْبَرُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله". ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم في صحيحه رقم (379)، وأبو داود رقم (500 , 502 , 503 , 504, 505)، والترمذي رقم (192)، وابن ماجه رقم (709)، والنسائي رقم (630). قال النووي في شرحه لصحيح مسلم (4/ 81) عقب الحديث: هكذا وقع هذا الحديث في "صحيح مسلم" في أكثر الأصول في أوله: الله أكبر مرتين فقط, ووقع في غير مسلم: أربع مرات. وقال القاضي عياض في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (2/ 244): ووقع في بعض طرق الفارسي في "صحيح مسلم" أربع مرات. (¬2) أخرجها أبو داود رقم (501)، وهو حديث صحيح دون قوله: وكان أبو محذورة لا يجز ناصيته ...

قال أبو داود (¬1) وقال عبد الرزاق: "وَإِذَا أَقَمْتَ الصَّلاَةَ فَقُلْهَا مَرَّتَيْنِ: قَدْ قَامَتِ الصَّلاَةُ قَدْ قَامَتِ الصَّلاَةُ" أَسَمِعْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ، وقَالَ: وَكَانَ أَبُو مَحْذُورَةَ لاَ يَجُزُّ نَاصِيَتَهُ وَلاَ يَفْرَقُهَا؛ لأَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - مَسَحَ عَلَيْهَا. [صحيح دون قوله: وكان أبو محذورة] قوله [414 ب]: "وعن أبي محذورة" أقول: [اسمه (¬2) سلمة وقيل سمرة] (¬3) وفي خبره: أنه لما سمع الأذان مع فتية من قريش خارج مكة أقبلوا يستهزئون ويحكون صوت المؤذن غيظاً، وكان أبو محذورة من أحسنهم صوتاً، فرفع صوته مستهزئاً، فسمعه - صلى الله عليه وسلم - فأمر به فمثل بين يديه، وهو يظن أنه مقتول فمسح ناصيته وصدره بيده - صلى الله عليه وسلم - قال: فامتلأ قلبي والله إيماناً ويقيناً، وعلمت أنه رسول الله. فألقى عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأذان وعلمه إياه وأمره أن يؤذن لأهل مكة، وهو ابن ستة عشر سنة, فكان مؤذنهم حتى مات، ثم عقبه بعده يتوارثون الأذان كابراً عن كابر، وفي أبي محذورة يقول الراجز: أما ورب الكعبة المستورة ... وما تلا محمد من سورة والنفحات من أبي محذورة ... لأفعلن فعلة مذكورة قوله: "تقول: الله أكبر" أقول: ذكرها هنا أربعاً، وهي رواية الخمسة, ورواية مسلم (¬4): أن التكبير في أوله مرتين، كما قاله الحافظ في "بلوغ المرام" (¬5). ¬

_ (¬1) في "السنن" (1/ 341). (¬2) قال ابن الأثير في "تتمة جامع الأصول" (2/ 924): اسم أبي محذورة سمرة بن معير. وقال ابن حجر في "التقريب" (2/ 469 رقم 22): أبو محذورة الجُمَحي المكي المؤذن صحابي مشهور، اسمه أوس، وقيل: سمرة، وقيل: سلمة، وقيل: سلمان ... (¬3) أخرجه النسائي في "السنن" رقم (632) بإسناد صحيح. (¬4) في صحيحه رقم (379). (¬5) (1/ 47 الحديث رقم 4/ 170) بتحقيقي.

قال ابن عبد البر في "الاستذكار" (¬1): التكبير أربع مرات في أول الأذان محفوظ من رواية الثقات من حديث أبي محذورة، ومن حديث عبد الله بن زيد، وهي زيادة يجب قبولها. قوله: "تخفض بها صوتك ثم ترفع صوتك بالشهادتين" أقول: هذا هو الترجيع. أقول: تخفض بها صوتك، قيل: المراد أن يسمع من يقربه, قالوا: والحكمة في ذلك أن يأتي بهما أولاً بتدبر وإخلاص ولا يأتي [415 ب] كمال ذلك إلا مع خفض الصوت، ثم يرفع بهما صوته. وهذا الترجيع اختلف العلماء في أنه مشروع، فالجمهور (¬2) أنه مشروع لهذا الحديث الصحيح، وهو زيادة على حديث عبد الله بن زيد، وزيادة العدل مقبولة. وذهب الهادوية (¬3) والحنفية (¬4) إلى عدم مشروعيته عملاً منهم بحديث عبد الله بن زيد، وهذا مشروع في حق المؤذن دون السامع، إلا أن يكون بقرب المؤذن بحيث يسمع ما أسرَّ به شرع له أن يقوله كما يقوله المؤذن، لعموم حديث (¬5) الأمر بأن يقول كما يقول. ويحتمل أن يخص هذا؛ لأنه قد فصل - صلى الله عليه وسلم - كيفية قول المجيب، وأنه يأتي عقب كل جملة قالها المؤذن بمثلها، ولم يذكر إجابته في الإسرار بالترجيع. قوله: "وكان يقول في الفجر: الصلاة خير من النوم" ظاهره [426/ أ] أنه كان يقولها من تلقاء نفسه لا أنه - صلى الله عليه وسلم - أمره بها، ولكنه يأتي في حديث تعليمه - صلى الله عليه وسلم - له أنه ألقاها عليه. وظاهر الرواية أيضاً: أنه كان يقول ذلك في أذان فريضة الفجر، وقد روى الترمذي (¬6) وابن ¬

_ (¬1) (4/ 13 - 14). (¬2) انظر: "المجموع شرح المهذب" (3/ 100 - 101). (¬3) "البحر الزخار" (1/ 191). (¬4) "البناية في شرح الهداية" (2/ 90 - 91). (¬5) تقدم، وهو حديث صحيح. (¬6) في "السنن" رقم (198).

ماجه (¬1) وأحمد (¬2) من حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى عن بلال قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تثوبن في شيء من الصلاة إلا في صلاة الفجر" إلا أن فيه ضعيفاً وفيه انقطاع (¬3). ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (715). (¬2) في "المسند" (6/ 14، 15). قال الترمذي في "السنن" (1/ 379 - 380): حديث بلال، لا نعرفه إلا من حديث أبي إسرائيل الملائي، وأبو إسرائيل لم يسمع هذا الحديث من الحكم بن عتيبة قال: إنما رواه عن الحسن بن عمارة عن الحكم بن عتيبة. وأبو إسرائيل اسمه: إسماعيل بن أبي إسحاق، وليس هو بذاك القوي عند أهل الحديث. قال العقيلي في "الضعفاء" (1/ 75): في حديث أبي إسرائيل وهم واضطراب. قلت: لم يتفرد أبو إسرائيل بالحديث وإن لم يعرف ذلك الترمذي. فقد أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (1/ 424) من طريق عبد الوهاب بن عطاء أنا شعبة عن الحكم بن عتبة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: "أمر بلال أن يثوب في صلاة الصبح ولا يثوّب في غيرها". ورجاله ثقات لكنه منقطع؛ لأن عبد الرحمن بن أبي ليلى لم يلقَ بلالاً. ثم أخرجه البيهقي (1/ 424)، وأحمد (6/ 14 - 15) من طريق علي بن عاصم ثنا عطاء بن السائب عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن بلال قال: "أمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ألا أثوِّب إلا في الفجر". وقال البيهقي: وهذا مرسل؛ فإن عبد الرحمن بن أبي ليلى لم يلق بلالاً. قلت: وفي سنده عطاء بن السائب: صدوق اختلط. "التقريب" (2/ 22 رقسم 191). وعلي بن عاصم: ضعيف. "المغني" (2/ 450 رقم 4290). ثم قال البيهقي (1/ 424): ورواه الحجاج بن أرطأة, عن طلحة بن مصرف وزبيد عن سويد بن غفلة: أن بلالاً كان لا يثوّب إلا في الفجر، فكان يقول في أذانه: حي على الفلاح، الصلاة خير من النوم. والحجاج مدلس. وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف، والله أعلم. (¬3) انظر التعليقة المتقدمة.

وفي رواية النسائي في سننه الكبرى (¬1) من جهة سفيان عن أبي جعفر عن أبي سليمان عن أبي محذورة قال: كنت أؤذن لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكنت أقول في أذان الفجر الأول: حي على الصلاة حي على الفلاح، الصلاة خير من النوم. قال ابن حزم (¬2): إسناده صحيح، ومثله في "سنن البيهقي الكبرى" (¬3) أنه كان أبو محذورة يثوب في الأذان الأول من الصبح بأمره - صلى الله عليه وسلم -. إذا عرفت هذا؛ عرفت أن هذا مقيد [416 ب] لما أطلق من التثويب في أذان الفجر أن المراد به الأذان الأول الذي شرع قبل طلوع الفجر لإيقاظ وإزعاج النائم، لا أنه يؤذن بها في الأذان الذي هو للصلاة بعد دخول وقتها، فهو ليس من ألفاظ الدعاء إلى الصلاة والإعلام بدخول وقتها، بل هو من الألفاظ التي شرعت لإيقاظ النائم، فهو كألفاظ التسبيح (¬4) الأخير الذي يعتاده الناس في هذه الأعصار المتأخرة في ديار الزيدية عوضاً عن الأذان الأول. وقد حققنا ذلك في شرحنا "سبل السلام على بلوغ المرام" (¬5). ¬

_ (¬1) رقم (1623) وفي "المجتبى" رقم (647). (¬2) في صحيحه رقم (386). (¬3) (1/ 423) بسند صحيح. (¬4) قال الشقيري في "السنن والمبتدعات" (ص 49): وقولهم قبل الفجر على المنابر: يا رب عفواً بجاه المصطفى كرماً؛ بدعة وتوسل جاهلي، وكذا التسبيح، أو القراءة, أو الإشعار، بدع في الدين مغيّرة لسنة الأمين - صلى الله عليه وسلم - ... وقال ابن الجوزي في "تلبيس إبليس" (ص 157): وقد رأينا من يقوم بالليل كثيراً على المنارة فيعظ ويذكر، ومنهم من يقرأ سوراً من القرآن بصوت مرتفع، فيمنع الناس من نومهم، ويخلط على المتهجدين قراءتهم، وكل ذلك من المنكرات. (¬5) (1/ 45 - 47 - مع سبل السلام) بتحقيقي.

واعلم أنه إنما خص خيرية الصلاة على النوم؛ لأن الساعة ساعة النوم، والمطلوب ترك النوم والقيام إلى الصلاة فخص بالذكر وإلا فهي خير من كل شيء من الطاعات فضلاً عن اللذات، وألفاظ رواية أبي محذورة كثيرة. قوله: "فإن كانت صلاة الصبح، قلت: الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم" هذه هي الرواية المرفوعة, ولكنها مقيدة بالأذان الأول كما قدمناه. قوله: "وعلمني الإقامة مرتين مرتين" أقول: هذا تعارضه رواية ابن عمر: أن الإقامة كانت مرة مرة، ويأتي الكلام عليه. 8 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: إِنَّمَا كَانَ الأَذَانُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - مَرَّتَيْنِ مَرَّتيْنِ، وَالإِقَامَةُ مَرَّةً مَرَّةً، غَيْرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: قَدْ قَامَتِ الصَّلاَةُ قَدْ قَامَتِ الصَّلاَةُ يُثَنِّي، قَالَ: فَإِذَا سَمِعْنَا الإِقَامَةَ تَوَضَّأْنَا ثُمَّ خَرَجْنَا إِلَى الصَّلاَةِ. أخرجه أبو داود (¬1) والنسائي (¬2). [حسن] قوله في حديث ابن عمر: "والإقامة مرة مرة" أي: يؤتى بكل لفظة تثبت في الأذن مفردة في الإقامة, ثم يبين أنه كان يكرر فيها لفظ: "قد قامت الصلاة مرتين". وقد اختلف (¬3) العلماء في الجمع بين حديث ابن عمر هذا وحديث أبي محذورة الدال على تثنية ألفاظ الإقامة, فذهب جماعة إلى حديث أبي محذورة وقالوا: إنه ناسخ لما عداه. وأورد ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (510). (¬2) في "السنن" (2/ 3, 20, 31). وأخرجه أحمد (2/ 85, 87)، والبيهقي في "معرفة السنن والآثار" (1/ 442 رقم 519)، وأبو عوانة في مسنده (1/ 329)، والدارقطني في "السنن" (1/ 239)، وابن خزيمة رقم (374)، وابن حبان رقم (1674)، والحاكم (1/ 197 - 198)، والبغوي في "شرح السنن" رقم (406)، والدولابي في "الكنى" (2/ 106)، والدارمي (1/ 270) من طرق. وهو حديث حسن، والله أعلم. (¬3) انظر: "فتح الباري" (2/ 83).

عليهم أنه يلزمهم كل ما فيه وفيه التربيع والترجيع، وهم لا يقولون به، وبأنه أنكر أحمد (¬1) على من ادعى [417 ب] النسخ بحديث أبي محذورة، واحتج بأنه - صلى الله عليه وسلم - رجع بعد الفتح وأقر بلال على إفراد الإقامة وعلمه سعد القرظ، فأذن به بعده كما رواه الدارقطني (¬2) والحاكم (¬3). وقال ابن عبد البر (¬4): ذهب أحمد وإسحاق وداود وابن جرير إلى أن ذلك من الاختلاف المباح، فإن ربع التكبير في الأذان الأول أو ثناه أو رجع في التشهد أو لم يرجع، أو ثنى في الإقامة أو أفردها، كلها روايات قد قامت، فالجميع جائز. قلت: وهو كلام حسن، وقد ذكر نحوه ابن القيم في "زاد المعاد" (¬5). واعلم أنه استشكل عدم استثناء التكبير في الإقامة، فإنه مكرر، فكان حقه أن يستثنى مع الإقامة. وأجيب: بأن تثنية التكبير في الإقامة بالنسبة إلى تربيعه في الأذان إفراد. قلت: وهذا يتمشى عند من يرى التربيع في الأذان. فائدة: قيل: الحكمة في تثنية الأذان وإفراد الإقامة أن الأذان إعلام للغائبين فيكرر ليكون أوصل إليهم بخلاف الإقامة، فإنها للحاضرين ومن [ثم] (¬6) استحب أن يكون الأذان في ¬

_ (¬1) انظر: "مسائل الإمام أحمد رواية ابن هانئ" (1/ 40 رقم 189). (¬2) في "السنن" (1/ 239). (¬3) في "المستدرك" (1/ 198). (¬4) "التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد" (3/ 15). (¬5) (1/ 264 - 266). (¬6) في (أ): "ثمة".

مكانٍ عالٍ، بخلاف الإقامة، وأن يكون الصوت في الأذان أرفع منه في الإقامة، وأن يكون الأذان مرتل والإقامة بسرعة، وكررت: قد قامت الصلاة؛ لأنها المقصودة من الإقامة بالذات. قوله: "أخرجه أبو داود والنسائي" قلت: قال أبو داود (¬1) عقب إخراجه: قال شعبة: لم أسمع من أبي جعفر غير هذا الحديث، ثم قال: حدثنا شعبة عن أبي جعفر مؤذن مسجد العريان، قال: سمعت أبا المثنى مؤذن مسجد الأكبر يقول [418 ب]: سمعت ابن عمر وساق الحديث. انتهى كلام أبي داود. وفي "التقريب" (¬2) أبو جعفر اسمه [محمد] (¬3) بن إبراهيم بن مسلم بن مهران الليثي المؤذن الكوفي، صدوق [يخطئ من (¬4) السابعة] (¬5). وقال في [ابن] (¬6) المثنى (¬7): إنه مسلم بن المثنى، أبو المثنى الكوفي المؤذن ثقة من الرابعة. 9 - وعن مالك (¬8): أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ المُؤَذِّنَ جَاءَ عُمَرَ - رضي الله عنه - يُؤْذِنُهُ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ، فَوَجَدَهُ نَائِمًا، فَقَالَ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ. فَأَمَرَهُ عُمَرُ أَنْ يَجْعَلَهَا في نِدَاءِ الصُّبْحِ. [موقوف ضعيف] ¬

_ (¬1) في "السنن" (1/ 351 رقم 511). (¬2) (2/ 141 رقم 15)، و (2/ 406 رقم 24). (¬3) في (أ. ب): "مسلم"، وما أثبتناه من "التقريب". (¬4) قاله ابن حجر في "التقريب" (2/ 141 رقم 15). (¬5) سقطت من (ب). (¬6) في (أ): "أبي". (¬7) أي ابن حجر في "التقريب" (2/ 246 رقم 1098). (¬8) في "الموطأ" (1/ 72 رقم 8) أثر ضعيف موقوف.

قوله: "وعن مالك: أنه بلغه" الحديث .. هذا يشعر بأنه لم يأت التثويب بهذه الكلمة إلا في أيام عمر، وقد سبق التحقيق وأنها مرفوعة، وأن محلها الأذان الأول. ثم هذا الحديث بلاغ. [427/ أ]. 10 - وعن مجاهد قال: دَخَلْتُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنه - مَسْجِداً وَقَدْ أُذِّنَ فِيْهِ وَنَحْنُ نُرِيْدُ أَنْ نُصَلِّيَ، فَثَوَّبَ المُؤَذِّنْ فَخَرَجَ عَبْدُ الله مِنَ المَسْجِدِ وقال: اخْرُجْ بِنَا مِنْ عِنْدِ هَذَا المُبْتَدِعِ، وَلَمْ يُصَلِّ فِيهِ. أخرجه أبو داود (¬1) والترمذي (¬2). [حسن] وقال (¬3): وقد روي عن ابن عمر أنهُ كانَ يَقُولُ في أذَانِ الفَجْرِ: "الصَّلاَةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ". 11 - وفي رواية أبي داود (¬4) قال: كُنْتُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - فَثَوَّبَ رَجُل فِي الظُّهْرِ وَالعَصْرِ، فَقَالَ: اخْرُجْ بِنَا فَإِنَّ هَذِهِ بِدْعَةٌ. [حسن] "التَّثْوِيبُ": الرجوع في القول مرة بعد مرة، وكل داع مُثَوِّبٌ، والتثويب في أذان الفجر: قول المؤذن الصلاة خير من النوم مرتين، واحدة بعد أخرى (¬5). قوله في حديث مجاهد: "فثوب المؤذن" أقول: قال الترمذي (¬6): وقد اختلف أهل العلم في تفسير التثويب، فقال بعضهم: [هو] (¬7) التثويب أن يقول في أذان الفجر الصلاة خير من ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (538)، وهو حديث حسن. (¬2) في "السنن" رقم (198) بلاغاً بصيغة التمريض. (¬3) أي الترمذي في "السنن" (1/ 381). (¬4) في "السنن" رقم (538). (¬5) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (5/ 287 - 288). (¬6) في "السنن" (1/ 380). (¬7) زيادة من (أ)، وليست في "السنن".

النوم. وهو قول ابن المبارك وأحمد. وقال إسحاق في التثويب غير هذا، قال: هو شيء أحدثه الناس بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أذن المؤذن فاستبطأ القوم، قال: بين الأذان والإقامة، قد قامت الصلاة, حي على الصلاة حي على الفلاح. وهذا الذي قال إسحاق هو التثويب الذي كرهه أهل العلم، والذي أحدثوه بعد النبي - صلى الله عليه وسلم -. والذي فسر (¬1) أحمد وابن المبارك: أن التثويب أن يقول المؤذن في صلاة الفجر: الصلاة خير من النوم، وهو قول صحيح. ويقال له التثويب أيضاً، وهو الذي اختاره أهل العلم ورأوه، وروي عن عبد الله بن عمر: أنه كان يقول في صلاة الفجر: "الصلاة خير من النوم". وروي [419 ب] عن مجاهد (¬2) قال: دخلت مع عبد الله بن عمر مسجد [و] (¬3) قد أذن فيه، ونحن نريد أن نصلي فيه، فثوب المؤذن، فخرج عبد الله بن عمر من المسجد، وقال: اخرج بنا من عند هذا المبتدع ولم يصل فيه، وإنما كره عبد الله بن عمر التثويب الذي أحدثه الناس بعد. انتهى بلفظه. وبه يعرف أن الذي أنكره ابن عمر شيئاً لم يكن قد ذكره المصنف، بل المتبادر من كلامه أنه تثويب الفجر. وقول مجاهد وقد أذن دال على أنه لم يرد به التثويب الذي في الفجر إذ ذلك يقال مع الأذان غير ما فسره المصنف به في آخر كلامه. ويعرف أيضاً أن الترمذي لم يخرج رواية مجاهد، بل قال: وروي عن مجاهد بصيغة التمريض، فلا يصح أن يقال: أخرجه الترمذي (¬4). والمصنف تبع ابن الأثير، فإنه نسب ¬

_ (¬1) ذكره الترمذي في "السنن" (1/ 381). (¬2) ذكره الترمذي في "السنن" (1/ 381). (¬3) سقطت من (ب). (¬4) في "السنن" (1/ 381).

إخراجه إلى الترمذي، ويعرف تعيين الصلاة من رواية أبي داود (¬1)، وأنها غير الفجر. ويعرف أن ابن عمر قائل بالتثويب في أذان الفجر. نعم، أخرج رواية مجاهد أبو داود (¬2) بلفظ: حدثنا محمد بن كثير حدثنا سفيان حدثني أبو يحيى القتات عن مجاهد، وذكره بلفظ في الظهر أو العصر بكلمة أو، وفي "الجامع" (¬3) و"التيسير" بالواو، وفيه دليل أنه يخرج من المسجد للبدعة فيه. وكان المتعين إنكارها على المبتدع لكنه يحمل أنه لم يستطع ابن عمر إنكارها عليه فخرج، وأخبر مجاهداً بأنها بدعة. ويؤخذ منه إباحة ترك الصلاة في المسجد إذا كانت فيه بدعة، وإن كان هذا فعل صحابي. هذا وأبو يحيى القتَّات لين الحديث، كما في "التقريب" (¬4). 12 - وعن بلال - رضي الله عنه - قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تُثَوِّبَنَّ في شَيْءْ مِنَ الصَّلاَةِ إلاَّ في صَلاَةِ الفَجْرِ". أخرجه الترمذي (¬5). [ضعيف] ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (538) عن مجاهد قال: كنت مع ابن عمر فثوّب رجل في الظهر أو العصر، قال: اخرج بنا، فإن هذه بدعة. وهو أثر حسن. (¬2) في "السنن" رقم (538) عن مجاهد قال: كنت مع ابن عمر فثوّب رجل في الظهر أو العصر، قال: اخرج بنا، فإن هذه بدعة. وهو أثر حسن. (¬3) (5/ 287). (¬4) (2/ 489 رقم 9). (¬5) في "السنن" رقم (198). وأخرجه ابن ماجه في "السنن" رقم (715). وهو حديث ضعيف.

13 - وعنه - رضي الله عنه - قال: "آخِرُ الأذَانِ الله أكْبَرُ الله أكْبَرُ، لاَ إلهَ إلاَّ الله". أخرجه النسائي (¬1). [صحيح] قول [420 ب] في أذان بلال: "أخرجه الترمذي". قلت: وقال بعد إخراجه: قال أبو عيسى (¬2): حديث بلال لا نعرفه إلا من حديث أبي إسرائيل الملائي، وأبو إسرائيل لم يسمع هذا الحديث من الحكم بن [عتيبة] (¬3) قال (¬4): إنما رواه عن الحسن بن عمارة عن الحكم بن [عتيبة] (¬5)، وأبو إسرائيل اسمه إسماعيل بن أبي إسحاق، وليس بذاك القوي عند أهل الحديث. انتهى بلفظه. وفي "التقريب" (¬6) أن اسمه إسماعيل بن أبي خليفة. وفي "الميزان" (¬7) إسماعيل بن أبي إسحاق خليفة, ورأيتهما أنهما اثنان، بل منهم من ينسبه إلى اسم أبيه ومنهم من ينسبه إلى كنية أبيه. وفي "التقريب" (¬8) أنه صدوق سيء الحفظ، نسب إلى الغلو في التشيع. قوله: ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (649)، وهو حديث صحيح. (¬2) في "السنن" (1/ 379). (¬3) في (ب): "عتبة"، وما أثبتناه من (أ) و"سنن الترمذي". (¬4) أي الترمذي في "السنن" (1/ 379). (¬5) في (ب): "عتبة"، وما أثبتناه من (أ) و"سنن الترمذي". (¬6) (1/ 69 رقم 505)، والذي فيه: إسماعيل بن خليفة بالموحدة, أبو إسرائيل الملائي الكوفي، معروف بكنيته، وقيل: اسمه عبد العزيز، صدوق سيء الحفظ، نُسبَ إلى الغلو في التشيع. (¬7) في "الميزان" (1/ 222 رقم 849)، وفي "الكنى" (4/ 490 رقم 9955). (¬8) (2/ 69 رقم 505).

الفرع الثالث: في أحكام تتعلق بالأذان والإقامة

الفرع الثالث: في أحكام تتعلق بالأذان والإقامة 1 - عن ابن عمر - رضي الله عنهما -: أَنَّ مُؤْذَّنَاً لِعُمَرَ أذَّنَ بِلَيْلٍ، فَأَمَرَهُ أَنْ يُعِيْدَ الأَذَانَ. أخرجه أبو داود (¬1). [صحيح] 2 - وللترمذي (¬2) في أخرى عنه: "أَنَّ بِلاَلاً أَذَّنَ قَبْلَ طُلُوعِ الفَجْرِ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُنَادِيَ: أَلاَ إِنَّ العَبْدَ قَدْ نَامَ". [ضعيف] الفرع الثالث: قوله: "عن ابن عمر: أن مؤذناً لعمر" أقول: قد تكلم الترمذي على الروايتين جميعاً، رواية ابن عمر عن مؤذن عمر، ورواية عن بلال، فقال في الأولى (¬3): وروى عبد العزيز بن أبي روَّاد عن نافع: أن مؤذناً لعمر أذن بليل، فأمره عمر أن يعيد الأذان، وهذا لا يصح؛ لأنه عن نافع عن عمر منقطع، ولعل حماد بن سلمة أراد هذا الحديث. والصحيح رواية عبد الله بن عمر وغير واحد عن نافع عن ابن عمر والزهري عن سالم عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن بلالاً يؤذن بليل ... " ثم ذكر في الحديث الثاني (¬4) ما لفظه: وروى حماد بن سلمة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر: أن بلالاً أذن بليل فأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (533)، وهو حديث صحيح. (¬2) في "السنن" (1/ 394 - 395)، وانظر ما سيأتي. وأخرجه أبو داود في "السنن" رقم (532)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/ 139)، والدارقطني (1/ 244 رقم 48)، والبيهقي (1/ 383)، والترمذي تعليقاً (1/ 394) وقال: هذا حديث غير محفوظ. وهو حديث ضعيف. وانظر: "فتح الباري" (2/ 103). (¬3) في "السنن" (1/ 394). (¬4) أي الترمذي في "السنن" (1/ 394).

ينادي: إن العبد نام" قال أبو عيسى (¬1): هذا حديث غير محفوظ. قال أبو عيسى (¬2): قال علي بن المديني: حديث حماد بن سلمة عن نافع عن ابن عمر [421 ب] عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو غير محفوظ، وأخطأ فيه حماد بن سلمة. انتهى. ونقل المنذري (¬3) في "مختصر سنن أبي داود" كلام الترمذي وابن المديني وأقرهما، وكذلك ابن الأثير نقل في "الجامع" (¬4) كلام الترمذي، فقال: قال الترمذي (¬5): هذا حديث غير محفوظ. وقال: قد روي أن مؤذناً لعمر أذن بليل فأمره عمر أن يعيد الأذان. وهذا لا يصح (¬6). انتهى ما نقله ابن الأثير. وما كان يحسن من المصنف إهمال ما ذكره ابن الأثير وهو ناقل عنه. 3 - وعن بلال - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لَهُ: "لاَ تُؤَذِّنْ حَتَّى يَسْتَبِينَ لَكَ الفَجْرُ هَكَذَا" وَمَدَّ يَدَيْهِ عَرْضاً. أخرجه أبو داود (¬7). [حسن] قوله: "وعن بلال أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: لا تؤذن" الحديث. أقول: قال أبو داود (¬8) عقب إخراجه: عن شداد مولى عياض بن عامر عن بلال ما لفظه: قال أبو داود (¬9): شداد مولى ¬

_ (¬1) في "السنن" (1/ 394). (¬2) في "السنن" (1/ 395). (¬3) (1/ 286). (¬4) (5/ 289). (¬5) في "السنن" (1/ 394). (¬6) وتمام العبارة: لأنَّه عن نافع عن عمر منقطع. (¬7) في "السنن" رقم (534)، وهو حديث حسن. (¬8) في "السنن" (1/ 365). (¬9) في "السنن" (1/ 365).

عياض لم يدرك بلالاً. انتهى. قلت: فهو منقطع، نعم؛ له شاهد أخرجه الحاكم (¬1) من حديث جابر، وفيه: أنه يذهب مستطيلاً [428/ أ] في الأفق. وفي رواية للبخاري (¬2): أنه - صلى الله عليه وسلم - مَدّ يده من عن يمينه ويساره. ولفظه في "المستدرك" (¬3): "الفجر فجران، فأما الفجر الذي يكون كذنب السرحان فلا يحل الصلاة ولا يحرم الطعام، وأما الذي يذهب مستطيلاً في الأفق فإنه يحل الصلاة ويحرم الطعام". انتهى. 4 - وعن أنس - رضي الله عنه -: أَنَّ سَائِلًا سَأَلَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عن وَقْتِ الصُّبْحِ، فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ حِينَ طَلَعَ الفَجْرُ، فَلَمَّا كَانَ مِنْ الغَدِ أَخَّرَ الفَجْرَ حَتَّى أَسْفَرَ، ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ فَصَلَّى، ثُمَّ قَالَ: هَذَا وَقْتُ الصَّلَاةِ. أخرجه النسائي (¬4). [إسناده صحيح] 5 - وعن زياد بن الحارث الصُّدَائي - رضي الله عنه - قال: لمَّا كَانَ أَوَّلُ أَذَانِ الصُّبْحِ أَمَرَنِي رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فَأَذَّنْتُ، فَجَعَلْتُ أَقُولُ: أُقِيمُ يَا رَسُولَ الله؟ فَجَعَلَ يَنْظر إِلَى نَاحِيةِ المَشْرِقِ إِلَى الفَجْرِ فَيَقُولُ: "لاَ" حَتَّى إِذَا طَلَعَ الفَجْرُ نَزَلَ فَبَرَزَ ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَىَّ وَقَدْ تَلاَحَقَ أَصْحَابُهُ فَتَوَضَّأَ، فَأَرَادَ بِلاَلٌ أَنْ يُقِيمَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ أَخَا صُدَاءٍ أَذَّنَ، وَمَنْ أَذَّنَ فَهُوَ يُقِيمُ" قَالَ: فَأَقَمْتُ. أخرجه أبو داود (¬5) والنسائي (¬6)، واللفظ لأبي داود. [ضعيف] ¬

_ (¬1) (1/ 204 - 205). (¬2) في صحيحه رقم (621). (¬3) (1/ 204 - 205). (¬4) في "السنن" رقم (642) بإسناد صحيح. (¬5) في "السنن" رقم (514). (¬6) لم يخرجه النسائي. =

قوله في حديث الصُّدائي (¬1): وهو بضم الصاد المهملة فدال مهملة نسبة إلى قبيلة [422 ب] يقال لها: صداء بزنة غراب. " [حتى] (¬2) إذا طلع الفجر" أي: الصبح، فإنه لا يأمره - صلى الله عليه وسلم - أن يؤذن إلا وقد طلع الفجر، وقد قال: أمرني فأذنت. قوله: "من أذن فهو يقيم" تقدم ما يعارضه في حديث عبد الله بن زيد، ولكن هذا الحديث فيه ما سمعه. قوله في حديث الصّدائي: "أخرجه أبو داود" قلت: قال الحافظ المنذري في "مختصر السنن" (¬3): وأخرجه الترمذي (¬4) وابن ماجه (¬5). قال الترمذي (¬6): وحديث زياد الصدائي لا نعرفه إلا من حديث الإفريقي. والإفريقي هو ضعيف عند أهل الحديث، ضعفه يحيى بن سعيد القطان وغيره. قال أحمد: لا أكتب حديث الإفريقي، قال: ورأيت محمد بن إسماعيل يقوي أمره، ويقول: هو مقارب الحديث. هذا آخر كلامه. ¬

_ = وأخرجه أحمد (4/ 169)، وابن ماجه رقم (717)، والترمذي رقم (199)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (1/ 399). وهو حديث ضعيف، والله أعلم. (¬1) انظر ترجمته في "التقريب" (1/ 266 رقم 95). (¬2) سقطت من (ب). (¬3) (1/ 280). (¬4) في "السنن" رقم (199). (¬5) في "السنن" رقم (717). (¬6) في "السنن" (1/ 384).

والإفريقي هو: عبد الرحمن (¬1) بن زياد بن أنعم الإفريقي كنيته أبو خالد، وهو أول مولود ولد بإفريقية في الإسلام، وتولى القضاء بها وكان من الصالحين، وقد ضعفه غير واحد. انتهى كلام المنذري. 6 - وعن سماك بن حرب قال: كَانَ بِلاَلٌ يُؤَذِّنُ إِذَا دَحَضتِ الشَّمْسُ فَلاَ يُقِيمُ حَتَّى يَخْرُجَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَإِذَا خَرَجَ أَقَامَ الصَّلاَةَ حِينَ يَرَاهُ. أخرجه مسلم (¬2) واللفظ له، وأبو داود (¬3) والترمذي (¬4). [صحيح] قوله في حديث سماك بن حرب: "قال: كان بلال يؤذن" أقول: سقط هنا على المصنف الصحابي، ولفظ "الجامع" (¬5): وعن سماك بن حرب أنه سمع جابر بن سمرة. وفي الترمذي (¬6): عن سماك بن حرب عن جابر بن سمرة أنه سمع جابر إلى آخره، وبإسقاط جابر كما وقع للمصنف صار الحديث منقطعاً؛ لأن سماك بن حرب تابعي. قوله: "دحضت" أي: زالت عن كبد السماء إلى جهة الغرب. قال الترمذي (¬7) بعد إخراجه: وهكذا قال بعض أهل العلم أن المؤذن أملك بالأذان، والإمام أملك بالإقامة. ¬

_ (¬1) انظر: "التاريخ الكبير" (5/ 283)، و"المجروحين" (2/ 50)، "المغني" (2/ 380) , "الميزان" (2/ 561)، "الجرح والتعديل" (5/ 234). (¬2) في صحيحه رقم (606). (¬3) في "السنن" رقم (403). (¬4) في "السنن" رقم (202). وأخرجه أحمد (5/ 91)، والنسائي في "السنن" (2/ 166). وهو حديث صحيح. (¬5) (5/ 291 رقم 3368). (¬6) في "السنن" رقم (202). (¬7) في "السنن" (1/ 392).

7 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: كَانَ لِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - مُؤَذَّنَانِ: بِلاَلٌ وَابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ الأَعْمَى. أخرجه مسلم (¬1) وأبو داود (¬2). قوله في حديث ابن عمر: "كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - مؤذنان" أقول: قد بينهما، والمراد أنه يؤذن كل واحد وحده لا أنهما يجتمعان على الأذان، والمعروف أنه كان يؤذن بلال بليل [423 ب] ويؤذن ابن أم مكتوم بعد طلوع الفجر، ولا يؤذنا جميعاً. وقيل: إن أول من أحدث التأذين جميعاً بنو أمية, قال الشافعي في "الأم" (¬3): وأحب أن يؤذن مؤذن بعد مؤذن ولا يؤذن (¬4) جماعة معاً، وإن كان مسجداً كبيراً فلا بأس أن يؤذن في كل جهة مؤذن يسمع من يليه في وقت واحد. انتهى. وكذا إذا تباعدت أقطار البلد أذن في كل جهة واحد. ¬

_ (¬1) في صحيحه رقم (380). (¬2) في "السنن" رقم (535)، وهو حديث صحيح. (¬3) (2/ 183). (¬4) أما أذان الجماعة فبدعة. من البدع أذان الجماعة المعروف بالأذان السلطاني أو أذان (الجوف) فإنه لا خلاف في أنه مذموم مكروه, لما فيه من التلحين والتغني، وإخراج كلمات الأذان عن أوصافها العربية, وكيفياتها الشرعية، بصورة تقشعر منها الجلود، وتتألم لها الأرواح الطاهرة, وأول من أحدثه هشام بن عبد الملك ... "المسجد في الإسلام" لخير الدين وانلي (ص 200). ومن البدع الأذان بواسطة آلات التسجيل: قال: وقد انتشرت هذه البدعة حديثاً حباً منهم في الطرب وسماع أصوات المؤذنين المشهورين بالتنغيم والتطريب ... "المسجد في الإسلام" لخير الدين وانلي (ص 201). ومن البدع المذمومة الدكة الخاصة للمؤذنين والمبلغين والقرّاء، ورفع الصوت بالتبليغ، أما الأذان داخل المسجد؛ فقد نقل الإمام ابن الحاج في المدخل كراهة الأذان في جوف المسجد من وجوه: =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = أحدها: أنه لم يكن من فعل من مضى ممن يقتدى بهم. ثانياً: أن الأذان إنما هو لنداء الناس ليأتوا للمسجد، ومن كان فيه لا يصح نداؤه؛ لأنه تحصيل حاصل، ومن كان في بيته لا يسمعه. ثالثاً: قد يكون في الأذان تشويش على متنفل أو ذاكر. وقال المحدث الألباني في "رسالة الأجوبة النافعة عن أسئلة لجنة مسجد الجامعة" (ص 16): إن الأذان في المسجد أمام المكبر لا يشرع، لأمور: منها: التشويش على من فيه من التالين والمصلين والذاكرين. ومنها: عدم ظهور المؤذن بجسمه, فإن ذلك من تمام هذا الشعار الإسلامي العظيم (الأذان)، لذلك نرى أنه لا بد للمؤذن من البروز على المسجد والتأذين أمام المكبر فيجمع بين المصلحتين، وهذا التحقيق يقتضي اتخاذ مكان خاص فوق المسجد يصعد إليه المؤذن ويوصل إليه مكبر الصوت, فيؤذن أمامه وهو ظاهر للناس، ومن فائدة ذلك: أنه قد تنقطع القوة الكهربائية ويستمر المؤذن على أذانه وتبليغه إياه إلى الناس من فوق المسجد، بينما هذا لا يحصل والحالة هذه إذا كان يؤذن في المسجد كما هو ظاهر. ولا بد من التذكير هنا بأنه لا بد للمؤذنين من المحافظة على سنة الالتفات يمنة ويسرة عند الحيعلتين ... اهـ وأما التبليغ جماعة الذي عملوا لأجله الدكّة فهو غير مشروع بهذه الصفة التي هم عليها، بل هو من البدع التي أدّت إلى مفاسد، فكيف يعمل له دكّة لا سيما من مال الوقف. قال في "المدخل" ما ملخصه: أن التبليغ جماعة يوقع خللاً في الصلاة, ذلك أنهم يبلغون مثنياً بعضهم على صوت بعض مع رفع أصواتهم بالتكبير في الصلاة, على ما يعلم من زعقاتهم، وذلك يذهب الحضور والخشوع أو بعضه، ويذهب السكينة والوقار ... "المسجد في الإسلام" (ص 203، ص 198 - 200). ومن البدع: الأذان بـ "حي على خير العمل" وهي من أشهر بدع الروافض، وليس لها أصل من الدين البتة على هذه الصورة من المداومة عليها في الأذان الراتب لجميع الصلوات. وقد رأيت نسخة بعنوان "الأذان بحي على خير العمل" لمؤلفها أبي عبد الله محمد بن علي بن الحسن العلوي (367 - 445 هـ). =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وقمت بتحقيق أحاديثها، فهي تدور بين الموضوع والباطل - أي القسم المرفوع المتعلق بالمسألة - انظر ذلك في كتابنا: "أدلة الأبرار لمتن الأزهار في فقه الأئمة الأطهار". وقال العلامة الشيخ مقبل بن هادي الوادعي في "رياض الجنة" (ص 163 - 164): وأما النسخة المؤلفة بعنوان: "الأذان بحي على خير العمل" فقد اطلعت عليها فوجدتها تنقسم إلى ثلاثة أقسام: أولاً: صحيح، لكنه لا يدل على أننا نقول في الأذان (حي على خير العمل)، مثاله: الحديث المتفق عليه من حديث ابن مسعود أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل: أي الأعمال أفضل؟ فقال: "الصلاة لوقتها" الحديث. ونحن لا ننكر أن الصلاة أفضل الأعمال بعد الشهادتين، ولكن لا يلزم من هذا أننا نبتدع في الأذان، ونقول فيه: "حي على خير العمل". قلت: ولو كان الأمر بالعقل لأدخلنا في الأذان كل ما اعتقدناه حقاً وصواباً فتجد هذا يقول: "حي على عمود الدين"، وذاك يقول: "الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر"، والآخر يقول: "حي على مكفرة الذنوب"، ولصار الأمر فوضى ولصار رافضة إيران مصيبين أيضاً في زيادتهم "أشهد أن علياً وليّ الله" بعد الشهادتين في الأذان. فهل يشك أحد من المسلمين في ولاية علي - رضي الله عنه -، ولكن زيادة مثل هذه الألفاظ في الأذان المشروع تعتبر بدعة ذميمة بلا شك؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فارق الدنيا ومؤذّنوه يؤذنون بالأذان المعروف الذي نقل إلينا برواية العدول الضباط المتصلة من مسنديها إليهم بغير شذوذ أو علة, وليس في شيء منها هذه الألفاظ الدخيلة، وقد حذّرنا - صلى الله عليه وسلم - من الإحداث في الدين، فقال: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" متفق عليه. البخاري رقم (2697)، ومسلم رقم (1718). وهذه المجموعة المذكورة من الأحاديث (رقم 18 ورقم 29 وحتى 79) عدّة أسانيدها في النسخة (51) إسناداً تجتمع لنا في خمسة أحاديث: 1 - حديث عبد الله بن مسعود: أن رجلاً سأل النبي - صلى الله عليه وسلم -: أي الأعمال أفضل؟ قال: "الصلاة لوقتها ... " الحديث. البخاري رقم (527)، ومسلم رقم (85). 2 - حديث ثوبان: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "استقيموا ولن تحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة، ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن" أحمد (5/ 276 - 277)، وابن ماجه رقم (277)، وهو حديث صحيح. "الإرواء" رقم (412). =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = 3 - حديث عبد الله بن عمرو: مثل لفظ حديث ثوبان سواء. أخرجه ابن ماجه رقم (278)، وهو حديث صحيح. "الإرواء" (2/ 137). 4 - حديث حذيفة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما من حالة يكون العبد عليها أحب إلى الله عز وجل من أن يراه ساجداً معفّراً وجهه في التراب" أخرجه الطبراني في "الأوسط" رقم (6075)، وقال الهيثمي في "المجمع" (1/ 301): "تفرّد به عثمان" وهو حديث ضعيف. 5 - حديث ابن عمر قال: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أي الأعمال أفضل؟ قال: "الصلاة في أول وقتها" والإسناد المذكور في النسخة ضعيف؛ لضعف عبد الله بن عمر العمري، وأحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة متّهم، وهو حديث موضوع. ثم قال الشيخ مقبل بن هادي الوادعي: ثانياً: صحيح صريح لكنه ليس بحجة؛ لأنه موقوف على عبد الله بن عمر وأبي أمامة بن سهل بن حنيف، وعلي بن الحسين. وهذا استحسان منهم رحمهم الله ولسنا متعبدين باستحسانهم؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" متفق عليه. ولمسلم: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد". قلت: لا حجة إلا في قول الله أو قول رسوله - صلى الله عليه وسلم -، أما فعل الصحابة والتابعين ومن بعدهم فلا حجة فيه، وخاصة إذا خالف المرفوع أو خالفه الصحابة. ثالثاً: أحاديث منكرة وموضوعة: وهو أكثر النسخة، فإن أغلب أحاديثها تدور على أبي الجارود زياد بن المنذر، وأبي بكر بن أبي دارم أحمد بن محمد، ونصر بن مزاحم، وجابر بن يزيد الجعفي، ومقاتل بن سليمان، وكل هؤلاء قد كذبوا. وأحاديث أُخر تدور على مجاهيل لا يحتج بهم، ثم إننا لسنا نعتمد على المؤلف؛ لأنه شيعي، فيخشى أن يزيد في الحديث ما ليس منه, وإليك مثالاً على ذلك، فقد ذكر (ص 26) حديثاً رقم (21) من طريق الطحاوي وفيه: "حي على خير العمل"، فراجعنا في "شرح معاني الآثار" فوجدنا الحديث ولم نجد هذه الزيادة, فعلمنا أنه لا يعتمد على هذا المؤلف، فحذارِ حذارِ أن نعتمد على أباطيل الشيعة. اهـ.

8 - وعن جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - لِبِلاَلٍ: "إِذَا أَذَّنْتَ فَتَرَسَّلْ، وإِذَا أَقَمْتَ فَأَحْدِرْ، وَاجْعَلْ بَيْنَ أذَانِكَ وإِقَامَتِكَ قَدْرَ مَا يَفْرُغُ الآكِلُ مِنْ أَكْلِهِ, وَالشَّارِبُ مِنْ شُرْبِهِ, وَالمُعْتَصِرُ إِذَا دَخَلَ لِقَضَاءِ حَاجَتِهِ, وَلاَ تَقُومُوا حَتَّى تَرَوْنِي". أخرجه الترمذي (¬1). [ضعيف جداً] "المُعْتَصِرُ" الذي يريد أن يأتي الغائط لقضاء حاجته. قوله في حديث جابر: "أخرجه الترمذي". قلت: وقال (¬2): حديث جابر هذا لا نعرفه إلا من هذا الوجه, من حديث عبد المنعم وهو إسناد مجهول. وعبد المنعم شيخ بصري. انتهى بلفظه. وفي "التقريب" (¬3): عبد المنعم بن نعيم الأسواري أبو سعيد البصري، صاحب السقاء، متروك من الثامنة. انتهى. إلا أنه قال الحافظ (¬4): إن له شاهداً من حديث أبي هريرة, ومن حديث سلمان (¬5) أخرجهما أبو الشيخ (¬6)، ومن حديث أبي بن كعب أخرجه عبد الله بن أحمد (¬7) في "زيادات المسند" وكلها واهية. انتهى. ¬

_ (¬1) في "السنن" (1/ 373). (¬2) في "السنن" (1/ 373). (¬3) (1/ 525 رقم 1377). وانظر: "الميزان" (2/ 696)، "التاريخ الكبير" (3/ 2/ 137)، "المجروحين" (2/ 157). (¬4) في "فتح الباري" (2/ 106). (¬5) أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (1/ 428). (¬6) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 106). (¬7) (5/ 143) بسند ضعيف للانقطاع بين أبي الجوزاء وهو أوس بن عبد الله الربعي البصري: ثقة. "التقريب" (1/ 86) وأبي بن كعب. وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (2/ 4) وقال: رواه عبد الله بن أحمد في زياداته من رواية أبي الجوزاء عن أُبي، وأبو الجوزاء لم يسمع من أبي. وهو حديث ضعيف.

قلت: لا ريب أن شرعية الأذان سببها إرادة اجتماع الناس للصلاة جماعة، وأنه دعاء للغائبين السامعين ليحضروا الجماعة، وإعلام بدخول الوقت، ولا بد أن يرتقب من دعا لمن دعي له بالمهملة بين الأذان والإقامة مأخوذة من شرعية الأذان وإن لم تثبت بها الأحاديث، وأما قدر الانتظار فأحسن ما فيه قول ابن بطال (¬1) أنه لا حد لذلك غير تمكن دخول الوقت [424 ب] واجتماع المصلين، وليس في الكتب الستة عبد المنعم غيره ولم يخرج عنه إلا الترمذي. 9 - وعن امرأة من بني النجار قالت: كَانَ بَيْتِي مِنْ أَطْوَلِ بَيْتٍ حَوْلَ المَسْجِدِ، فَكَانَ بِلاَلٌ يُؤَذِّنُ عَلَيْهِ الفَجْرَ، فَيَأْتِي بِسَحَرٍ فَيَجْلِسُ عَلَى البَيْتِ يَرْقُبُ الوَقْتَ، فَإِذَا رَآهُ تَمَطَّى، ثُمَّ قَالَ: اللهمَّ إِنِّي أَحْمَدُكَ وَأَسْتَعِينُكَ عَلَى قُرَيْشٍ أَنْ يُقِيمُوا دِينَكَ, ثُمَّ يُؤَذِّنَ، قَالَتْ: وَالله مَا عَلِمْتُهُ تَرَكَ هَذِهِ الكَلِمَاتِ لَيْلَةً وَاحِدَةً. أخرجه أبو داود (¬2). [حسن] قوله: "وعن امرأة من بني النجار" قلت: هي مجهولة. قوله: "أن يقيموا دينك" قال ابن رسلان: هي بدل من قريش، كما قال تعالى: {مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ} (¬3) فجملة: (إن ربك) بدل من الرسل. انتهى. 10 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: لاَ يُنَادِي بِالصَّلاَةِ إلاَّ مُتَوَضِّئ. أخرجه الترمذي (¬4). [ضعيف] ¬

_ (¬1) في شرحه لصحيح البخاري (2/ 252). (¬2) في "السنن" رقم (519)، وهو حديث حسن. (¬3) سورة فصلت الآية (43). (¬4) في "السنن" رقم (201)، وهو حديث ضعيف.

11 - وفي أخرى (¬1): أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لاَ يُؤَذِّنُ إلاَّ مُتَوَضِّئ". قال: والأول أصح. [ضعيف] قوله: "لا ينادي بالصلاة إلا متوضئ" الحديث. قال الترمذي (¬2): اختلف أهل العلم في الأذان على غير وضوء, فكرهه بعض أهل العلم، وبه يقول الشافعي وإسحاق. ورخص في ذلك بعض أهل العلم، وبه يقول سفيان وابن المبارك وأحمد. قوله: "وقال: الأول أصح" أقول: روى الترمذي حديث (¬3): "لا يؤذن إلا متوضئ" عن الزهري عن أبي هريرة، وقال: الزهري لم يسمع من أبي هريرة. وروى حديث (¬4): "لا ينادي" عن ابن شهاب، قال: قال أبو هريرة ولم يرفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأفاد كلامه أن الأول منقطع، والثاني موقوف، فقوله: "أصح" أي: أن الموقوف أصح من المرفوع؛ لأنه منقطع. 12 - وعن عثمان بن أبي العاص - رضي الله عنه - قال: إِنَّ مِنْ آخِرِ مَا عَهِدَ إِلَيَّ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: أَنْ اتَّخِذْ مُؤَذِّنًا لَا يَأْخُذُ عَلَى أَذَانِهِ أَجْرًا. أخرجه أبو داود (¬5) والترمذي (¬6) واللفظ له. [صحيح] ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (200)، وهو حديث ضعيف. (¬2) في "السنن" (1/ 390). (¬3) في "السنن" رقم (200). (¬4) في "السنن" رقم (201). (¬5) في "السنن" رقم (531). (¬6) في "السنن" رقم (209). وأخرجه أحمد (4/ 21، 217)، والنسائي (2/ 23)، وابن ماجه رقم (714)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (1/ 429)، وأبو عوانة (2/ 86 - 87)، والحاكم (1/ 199، 201) وقال: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي. وهو حديث صحيح، والله أعلم.

قوله: "عن عثمان بن أبي العاص" أقول: هو أبو عبد الله (¬1) عثمان بن أبي العاص بن بشر ابن عبد يزيد بن دهمان بضم الدال المهملة الثقفي، استعمله النبي - صلى الله عليه وسلم - على الطائف، فلم يزل عليها حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وخلافة أبي بكر، وسنتين من خلافة عمر، ثم عزله عمر، وولاه عمان والبحرين. ولما مات النبي - صلى الله عليه وسلم - وعزمت ثقيف على الردة، قال لهم: يا معشر ثقيف! كنتم آخر الناس إسلاماً، فلا تكونوا أول الناس ردة، فامتنعوا عن الردة. مات بالبصرة سنة إحدى وخمسين. قوله: "لا يتخذ على أذانه أجراً" أي: أجرة. قال الترمذي (¬2): العمل على هذا عند أهل العلم، كرهوا أن يأخذ على الأذان أجراً، واستحبوا للمؤذن أن يحتسب [425 ب] في أذانه. انتهى. وقد بينا في "منحة الغفار على ضوء النهار" (¬3) تحقيق المسألة. قوله: "أخرجه أبو داود والترمذي". قلت: وقال الترمذي (¬4): إنه حديث حسن. [429/ أ]. 13 - وعن أبي بَكْرَةَ - رضي الله عنه - قال: خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - لِصَلاَةِ الصُّبْحِ، فَكَانَ مَا يَمُرُّ بِرَجُلٍ إِلاَّ نَادَاهُ لِلصَّلاَةِ أَوْ حَرَّكَهُ بِرِجْلِهِ. أخرجه أبو داود (¬5). [ضعيف] 14 - وعن أبي أمامة - رضي الله عنه - أو عن بعض أصحاب رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّ بِلاَلاً أَخَذَ فِي الإِقَامَةِ, فَلَمَّا أَنْ قَالَ: قَدْ قَامَتِ الصَّلاَةُ؛ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أقَامَهَا الله وَأَدَامَهَا" وَقَالَ فِي سَائِرِ الإِقَامَةِ كَنَحْوِ حَدِيثِ عُمَرَ - رضي الله عنه - المُذْكُورِ في فَضَائِلِ الأذَانِ. ¬

_ (¬1) قاله ابن الأثير في "تتمة جامع الأصول" (2/ 596 - قسم التراجم). (¬2) في "السنن" (1/ 410). (¬3) (2/ 198 - مع الضوء) بتحقيقي. (¬4) في "السنن" (1/ 410) حيث قال: حديث عثمان حديث حسن صحيح. (¬5) في "السنن" رقم (1264)، وهو حديث ضعيف.

أخرجه أبو داود (¬1). [ضعيف] قوله في حديث أبي أمامة أو بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى آخره: "أخرجه أبو داود". قلت: قال المنذري (¬2): في إسناده رجل مجهول، وشهر بن حوشب تكلم فيه غير واحد، ووثقه الإمام أحمد ويحيى بن معين. انتهى. قلت: ولا يتهم أن الرجل المجهول هو قوله: عن بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه لا يضر جهلة الصحابي عند أئمة الحديث، إنما الرجل المجهول أن في إسناده حدثني رجل من أهل الشام عن شهر بن حوشب. 15 - وعن نافع: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ - رضي الله عنه - كَانَ لَا يَزِيدُ عَلَى الإِقَامَةِ فِي السَّفَرِ إِلَّا فِي الصُّبْحِ، فَإِنَّهُ كَانَ يُنَادِي فِيهَا وَيُقِيمُ، وَكَانَ يَقُولُ: إِنَّمَا الأَذَانُ لِلْإِمَامِ الَّذِي يَجْتَمِعُ النَّاسُ إِلَيْهِ. أخرجه مالك (¬3). [موقوف صحيح] ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (528). وأخرجه ابن السني في "عمل اليوم والليلة" رقم (104)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (1/ 441) بسند واهٍ. وقال البيهقي: وهذا إن صح شاهد لما استحسنه الشافعي رحمه الله من قولهم: اللهم أقمها وأدمها واجعلنا من صالح أهلها عملاً. وقال الألباني: وهذا الذي استحسنه الشافعي أخذه عنه الرافعي، فذكره فيما يستحب لمن سمع المؤذن أن يقوله فانتقل الأمر من الاستحسان القائم على مجرد الرأي إلى الاستحباب الذي هو حكم شرعي لا بد له من نص، إذ استشهد الحافظ في "التلخيص" (1/ 211) لما ذكره الرافعي بهذا الحديث وقال عقبه: وهو ضعيف، والزيادة فيه لا أصل لها. وكذا لا أصل لما ذكره في: "الصلاة خير من النوم". قلت: يعني قوله: صدقت وبررت. وهو حديث ضعيف, والله أعلم. (¬2) في "مختصر السنن" (1/ 285). (¬3) في "الموطأ" (1/ 73 رقم 11)، وهو أثر موقوف صحيح.

16 - وعن أبي جحيفة - رضي الله عنه -: أَنَّهُ رَأَى بِلاَلاً يُؤَذِّنُ، قال: فَجَعَلْتُ أَتَبَّعُ فَاهُ هَا هُنَا وَهَا هُنَا بِالأذَان. أخرجه الخمسة (¬1) وهذا لفظ الشيخين. [صحيح] زاد الترمذي: "وَأُصْبُعَاهُ في أُذُنَيْهِ". [صحيح] 17 - وعند أبي داود (¬2): فَلَمَّا بَلَغَ حَيَّ عَلَى الصَّلاَةِ حَيَّ عَلَى الفَلاَحِ لَوَى عُنُقَهُ يَمِينًا وَشِمَالاً وَلَمْ يَسْتَدِرْ. [صحيح] قوله في حديث أبي جحيفة واسمه وهب السوائي: "فجعلت أتتبع فاه ها هنا وها هنا" أقول: فصل إجماله رواية مسلم (¬3) حيث قال: "فجعلت أتتبع فاه ها هنا وها هنا يميناً وشمالاً، يقول: حي على الصلاة حي على الفلاح" وهذا فيه تقييد الالتفات في الأذان، وأن محله الحيعلتين، وبوب عليه ابن خزيمة (¬4): انحراف المؤذن عند قوله: حي على الصلاة, حي على الفلاح بفمه لا ببدنه كله، قال: وإنما يمكن الانحراف بالفم بانحراف الوجه. قال ابن دقيق العيد (¬5): فيه دليل على استدارة المؤذن للإسماع [426 ب] عند التلفظ بالجيعلتين، واختلف: أهل يستدير ببدنه كله أو بوجهه فقط، وقدماه قارتان مستقبل القبلة. واختلف أيضاً: هل يستدبر في الحيعلتين الأولتين مرة وفي الثانيتين مرة؟ أو يقول: حي على الصلاة عن يمينه، حي على الفلاح عن شماله، وكذا في الأخرى. ورجح الثاني؛ لأنه يكون لكل جهة نصيب منهما. قال: والأول أقرب إلى لفظ الحديث. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (634)، ومسلم رقم (249، 503)، وأبو داود رقم (520)، والترمذي رقم (197)، والنسائي رقم (5378). وهو حديث صحيح. (¬2) في "السنن" رقم (520)، وهو حديث صحيح. (¬3) في صحيحه رقم (503). (¬4) في صحيحه (1/ 202 الباب رقم 41). (¬5) في "إحكام الأحكام" (1/ 179).

وفي "المغني" (¬1) عن أحمد: لا يدور إلا إذا كان على منارة يقصد إسماع أهل الجهتين. قوله: "زاد الترمذي: وأصبعاه في أذنيه" أقول: قال العلماء (¬2): في ذلك فائدتان, أحدهما: أن يكون أرفع لصوته. وثانيهما: أنه علامة للمؤذن ليعرف من يراه على بعد، أو كان به صمم أنه يؤذن. قال الترمذي (¬3): استحب أهل العلم أن يدخل المؤذن إصبعيه في أذنيه في الأذان، واستحسنه الأوزاعي (¬4) في الإقامة أيضاً. والإصبع مجملة في الحديث، وجزم النووي (¬5) أنها السبابة, وإطلاق الإصبع مجاز عن الأنملة. قوله: "ولم يستدر" قالوا: ورواية: "واستدار في أذانه" (¬6) ضعيفة من جميع طرقها، أو أريد بالاستدارة: الالتفات. ¬

_ (¬1) في "المغني" (2/ 84 - 85)، وحكاه الكوسج في "مسائل أحمد وإسحاق" (1/ 41). (¬2) انظر: "المجموع شرح المهذب" (3/ 116)، "المغني" (2/ 8584). (¬3) في "السنن" (1/ 377). (¬4) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 116). (¬5) في "المجموع شرح المذهب" (3/ 117 - 118). (¬6) قال النووي في "المجموع" (3/ 116): وقد ذكرنا أن مذهبنا أنه يستحب الالتفات في الحيعلة يميناً وشمالاً ولا يدور، ولا يستدبر القبلة، سواء كان على الأرض أو على منارة ... وقال ابن قدامة في "المغني" (2/ 84 - 85): والمستحب أن يؤذن مستقبل القبلة، لا نعلم فيه خلافاً ... ويستحب أن يُدير وجهه على يمينه إذا قال: حي على الصلاة, وعلى يساره إذا قال: حي على الفلاح، ولا يزيل قدميه عن القبلة في التفاته ... وظاهر كلام الحزميّ أنه لا يستدبر، سواء كان على الأرض أو فوق المنارة, وهو قول الشافعي، وذكر أصحابنا عن أحمد فيمن أذن في المنارة روايتين. إحداهما: لا يدور للخبر، ولأنه يستدبر القبلة فكُره, كما لو كان على وجه الأرض. =

فصل في استقبال القبلة

قالوا: واختصت الحيعلة بالالتفات؛ لأن غيرهما ذكر لله، وهما خطاب للآدمي كالسلام في الصلاة فيه دون غيره. قوله: فصل في استقبال القبلة 1 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا بَيْنَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ قِبْلَةٌ". أخرجه الترمذي (¬1). [صحيح] 2 - وعن نافع: أَنَّ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ - رضي الله عنه - قَالَ: مَا بَيْنَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ قِبْلَةٌ إِذَا تَوَجَّهَ قِبَلَ البَيْتِ. أخرجه مالك (¬2)، والله أعلم. [موقوف صحيح] [قوله] (¬3): "فصل في استقبال القبلة": أي: في وجوبه في الصلاة. قوله (¬4): "ما بين المشرق والمغرب قبلة": ¬

_ = والثانية: يدور في مجالها؛ لأنه لا يحصل الإعلام بدونه, وتحصيل المقصود بالإخلال بأدبٍ أولى من العكس، ولو أخل باستقبال القبلة أو مشى في أذانه لم يبطل. انظر: "المدونة" (1/ 58)، "البناية في شرح الهداية" (2/ 102). (¬1) في "السنن" رقم (342، 343). أخرجه ابن ماجه رقم (1011)، والحاكم (1/ 205، 206)، والدارقطني (1/ 270). وهو حديث صحيح. (¬2) في "الموطأ" (1/ 196 رقم 8)، وهو أثر موقوف صحيح. (¬3) زيادة من (أ). (¬4) في (أ) زيادة: "سفر".

أقول: قال البغوي في تفسيره (¬1) وابن العربي (¬2): المراد به مطلع الصيف ومغرب الشتاء. وقال ابن الأثير في "النهاية" (¬3): أراد به المسافر إذا التبست عليه قبلته. فأما الحاضر فيجب عليه التحري والاجتهاد، وهذا إنما يصح لما كانت قبلته في جنوبه وشماله، ويجوز أن يكون [427 ب] أراد به قبلة أهل المدينة ونواحيها، فإن الكعبة جنوبها، والقبلة في الأصل الجهة. انتهى. قوله: "أخرجه الترمذي" قلت: أخرجه من طريقين تكلم في أحدهما (¬4)، وقال في الأخرى (¬5): حسن صحيح. وقال (¬6): قد روي عن غير واحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ما بين المشرق والمغرب قبلة" منهم: عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وابن عباس. وقال ابن عمر: إذا جعلت المغرب عن يمينك والمشرق عن يسارك فما بينهما قبلة، إذا استقبلت القبلة. وقال ابن المبارك: ما بين المغرب والمشرق قبلة، هذا لأهل المشرق (¬7). قوله: ¬

_ (¬1) (1/ 159 - 160). (¬2) في "عارضة الأحوذي" (2/ 141). (¬3) (2/ 411 - 412). (¬4) في "السنن" رقم (343). (¬5) في "السنن" رقم (344). (¬6) أي الترمذي في "السنن" (2/ 174). (¬7) انظر: "الاستذكار" (7/ 222 - 223)، "المجموع شرح المهذب" (3/ 212)، "الفتح" (1/ 507).

الباب الخامس: في كيفية الصلاة وأركانها

الباب الخامس: في كيفية الصلاة وأركانها 1 - عن ابن عمر - رضي الله عنه - قال: كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إِذَا قَامَ إلى الصَّلاَةِ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى تَكُونَا حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ ثُمَّ يُكَبَّرُ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَلاَ يَفْعَلُهُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنَ السُّجُودِ. أخرجه الستة (¬1). [صحيح] وفي أخرى (¬2): "لاَ يَفْعَلُ ذلِكَ حِينَ يَسْجُدُ". (الباب الخامس في كيفية الصلاة وأركانها) عن ابن عمر: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قام إلى الصلاة رفع يديه حتى يكونا حذو منكبيه. أقول: عقد له البخاري (¬3) باباً، فقال: باب رفع اليدين في التكبيرة الأولى. وقوله: "ثم يكبر" دليل على أن الرفع يكون قبل التكبير، وقد ورد تقدم الرفع (¬4) على التكبير وعكسه (¬5) أخرجهما مسلم، وورد ما يدل على المقارنة، وفي المقارنة وتقديم الرفع على ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (735)، ومسلم رقم (22/ 390)، وأبو داود رقم (721)، والترمذي رقم (255)، وابن ماجه رقم (858)، ومالك في "الموطأ" (1/ 75). وأخرجه الشافعي كما في "ترتيب المستدرك" رقم (211)، والدارمي (1/ 285)، وأبو عوانة (2/ 90)، والدارقطني (1/ 287 - 288 رقم 2)، والبيهقي (2/ 26)، وأبو نعيم في "الحلية" (9/ 157). (¬2) عند البخاري رقم (738). (¬3) في صحيحه (2/ 218 الباب رقم 83). (¬4) أخرجه مسلم في صحيحه رقم (21، 22، 23/ 390) وفيه: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قام للصلاة، رفع يديه حتى تكونا حذو منكبيه ثم كبّر ... (¬5) أخرجه مسلم في صحيحه رقم (24، 25/ 391) وفيه: "إذا صلى كبر ثم رفع يديه ... ".

التكبير خلاف بين العلماء، والذي رجحه الشافعية (¬1) المقارنة كما دل له حديث وائل بن حجر عند أبي داود (¬2) بلفظ: "رفع يديه مع التكبير". وقضية المعية أنه ينتهي بانتهائه، وهو الذي صححه النووي في "شرح المهذب" (¬3)، ونقله عن نص الشافعي، وهو المرجح عند المالكية (¬4). وقال صاحب "الهداية" (¬5) من الحنفية: الأصح يرفع ثم يكبر؛ لأن الرفع صفة نفي الكبرياء عن [428 ب] غير الله، والتكبير إثبات ذلك له، والنفي سابق على الإثبات كما في كلمة الشهادة. انتهى. وقد تعقبه ابن حجر (¬6). وقوله: "حذو" بفتح الحاء المهملة, أي: مقابلهما. والمنكب: مجتمع عظم الكتف. واعلم أنه قال ابن المنذر (¬7): لم يختلفوا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة. وقال ابن عبد البر (¬8): أجمع العلماء على جواز رفع اليدين عند افتتاح الصلاة وممن قال (¬9) بالوجوب - أي: وجوب الرفع - الأوزاعي، والحميدي شيخ البخاري، وابن خزيمة، وحكي عن الإمام أحمد. ¬

_ (¬1) انظر: "الأم" (2/ 136)، "معرفة السنن والآثار" (2/ 404 - 417). (¬2) في "السنن" رقم (725). (¬3) (3/ 262). (¬4) "التمهيد" (4/ 545). (¬5) (1/ 46 - 47). (¬6) في "فتح الباري" (2/ 218) حيث قال: وهذا مبنيٌ على أن الحكمة في الرفع ما ذكر. (¬7) في "الأوسط" (3/ 72)، وذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 218). (¬8) "التمهيد" (9/ 212 - 215). (¬9) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 219).

وقال ابن عبد البر: كل من نقل عنه الإيجاب لا تبطل الصلاة بتركه؛ إلا في رواية عن الأوزاعي [430/ أ] والحميدي. ونقل القفال عن أحمد بن سيار: أنه واجب، وإذا لم يرفع لم تصح صلاته. واعلم أنه قال المصنف: أنه روى الرفع في أول الصلاة خمسون صحابياً منهم العشرة المشهود لهم بالجنة. وروى البيهقي (¬1) عن الحاكم [قال] (¬2): لا نعلم سنة اتفق على روايتها عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الخلفاء الأربعة, ثم العشرة المشهود لهم بالجنة فمن بعدهم من الصحابة مع تفرقهم في البلاد الشاسعة غير هذه السنة. قال البيهقي (¬3): هو كما قال أستاذنا أبو عبد الله. قال: الموجبون له قد ثبت الرفع عند تكبيرة الإحرام. هذا الثبوت. وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "صلوا كما رأيتموني أصلي" (¬4) فلذا قلنا بالوجوب وذهب الجمهور (¬5) إلى أنه سنة. وممن قال بسنيته من أهل البيت (¬6): زيد بن علي والقاسم والناصر والإمام يحيى، وبهذا يعرف أن من نسب إلى الزيدية [429 ب] كافة أنهم لا يقولون به فقد وهم وهماً فاحشاً، وقال به من غيرهم أئمة المذاهب الأربعة ولم يخالف فيه. ¬

_ (¬1) في "السنن الكبرى" (2/ 74 - 75). وانظر: "التلخيص" (1/ 220) و"جزء رفع اليدين في الصلاة" للبخاري (ص 31 رقم 10, 11). (¬2) سقطت من (ب). (¬3) في "السنن الكبرى" (2/ 74 - 75). (¬4) تقدم مراراً، وهو حديث صحيح. (¬5) انظر: "فتح الباري" (2/ 320). (¬6) انظر: "البحر الزخار" (1/ 238).

ويقول: إنه ليس سنة إلا الإمام الهادي يحيى بن الحسين، وقد حققنا دليله والرد عليه في شرحنا "سبل السلام" (¬1). قوله: "فإذا أراد أن يركع فعل مثل ذلك، وإذا رفع رأسه من الركوع فعل مثل ذلك" أقول: هذان المحلان اختلف في الرفع فيهما، فأفاد حديث ابن عمر (¬2) فعله - صلى الله عليه وسلم - فيهما. وبوب عليه البخاري (¬3): باب رفع اليدين إذا كبر وإذا ركع. وصنف (¬4) في هذه المسألة جزءاً مفرداً، وحكى (¬5) فيه عن الحسن وحميد بن هلال: أن الصحابة كانوا يفعلون ذلك. قال البخاري (¬6): ولم يستثن الحسن أحداً. وقال محمد بن نصر المروزي (¬7): أجمع علماء الأمصار على مشروعية ذلك، إلا أهل الكوفة ورواية عن مالك (¬8). واستدلوا بما رواه مجاهد عن ابن عمر (¬9) أنه لم يره يفعل ذلك. وأجيب بالطعن في إسناده؛ لأن أبا بكر بن عياش راويه ساء حفظه بآخره، وعلى تقدير صحته فقد أثبت ذلك نافع وسالم عنه, والعدد الكثير أولى من واحد، لا سيما وهم مثبتون وهو نافٍ مع أن الجمع بين الروايتين ممكن، وهو أنه لم يكن يراه واجباً، ففعله تارةً وتركه ¬

_ (¬1) (2/ 179 - 183) بتحقيقي. (¬2) تقدم تخريجه. (¬3) في صحيحه (2/ 219 الباب رقم 84 - مع الفتح). (¬4) أي البخاري "قرة العينين برفع اليدين في الصلاة" للبخاري. (¬5) البخاري في "قرة العينين برفع اليدين في الصلة" (ص 26 رقم 29). (¬6) في المرجع المتقدم رقم (28). (¬7) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 219 - 220). (¬8) "التمهيد" (4/ 545 - 546). (¬9) أخرجه البخاري في "قرة العينين برفع اليدين في الصلاة" رقم (15) وقال البخاري: قال يحيى بن معين: حديث أبي بكر بن عياش عن حصين إنما هو توهم لا أصل له.

أخرى. واحتجوا بحديث ابن مسعود: أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - يرفع يديه عند الافتتاح ثم لا يعود. أخرجه أبو داود (¬1). ورده الشافعي بأنه لم يثبت، قال: ولو ثبت لكان المثبت مقدماً على النافي. ثم إن لفظة: "ثم لا يعود" (¬2) مدرجة؛ فإنه قد روى يزيد بن أبي زياد هذا الحديث بالحجاز بغير هذه ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (748). وأخرجه الترمذي رقم (257)، والنسائي (2/ 195)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/ 224)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (2/ 78)، وأحمد (1/ 388) من طريق سفيان عن عاصم بن كليب عن عبد الرحمن بن الأسود عن علقمة عن ابن مسعود قال: ألا أصلي بكم صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: فصلى فلم يرفع يديه إلا مرة. بسند صحيح. قال أبو داود عقب الحديث: هذا حديث مختصر من حديث طويل، وليس هو بصحيح على هذا اللفظ. وقال الترمذي: حديث ابن مسعود حديث حسن. وقال المنذري في "المختصر" (1/ 368): وقد حُكي عن عبد الله بن المبارك أنه قال: لا يثبت هذا الحديث، ثم قال: وقد يكون خفي هذا على ابن مسعود كما خفي عليه نسخ التطبيق، ويكون ذلك كان في الابتداء قبل أن يشرع رفع اليدين في الركوع، ثم صار التطبيق منسوخاً، وصار الأمر في السنة إلى رفع اليدين عند الركوع ورفع الرأس منه. اهـ قلت: وقد ورد في "علل الدارقطني" (5/ 171) بلفظ: "فرفع يديه في أول تكبيرة, ثم لم يعد" قال الدارقطني: وإسناده صحيح، وفيه لفظة ليست بمحفوظة ذكرها أبو حذيفة في حديثه عن الثوري، وهي قوله: "ثم لم يعد"، وكذلك قال الحماني عن وكيع. وأما أحمد بن حنبل وأبو بكر بن أبي شيبة وابن نمير، فرووه عن وكيع، ولم يقولوا فيه: "ثم لم يعد" ... وليس قول من قال: (ثم لم يعد) محفوظاً. وانظر: "العلل" لابن أبي حاتم (1/ 96) و"الفتح" لابن حجر (2/ 220) و"نصب الراية" للزيلعي (1/ 394 - 396)، و"شرح السنة" للبغوي (3/ 24، 25). (¬2) أخرجه أبو داود في "السنن" رقم (749)، والدارقطني في "السنن" (1/ 201) عن البراء بن عازب وهو من رواية يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عنه, وهو حديث ضعيف. =

[الزيادة] (¬1) وكأنه [430 ب] لقن فتلقن، وقد كان اختلط في آخر عمره. قال الحافظ ابن حجر (¬2): وقد اتفق الحفاظ أن قوله: "ثم لم يعد" مدرج في الحديث من فول يزيد بن أبي زياد، ورواه عنه بدونها شعبة والثوري وخالد الطحان وزهير وغيرهم من الحفاظ. وقال الحميدي (¬3): إنما روى هذه الزيادة يزيد، ويزيد يُزيد. وقال عثمان الدارمي عن ابن حنبل: لا تصح. أفاده ابن رسلان في "شرح السنن". قوله: "ولا يفعله حين يرفع رأسه من السجود" أقول: أي: لا في الهوي إليه بعد الاعتدال ولا في الرفع منه, كما في رواية البخاري (¬4): "حين يسجد، ولا حين يرفع رأسه منه". وهذا يشمل ما إذا انهض من السجود إلى الثانية والرابعة والتشهدين، ويشمل ما إذا قام إلى الثالثة لكن بدون تشهد لكونه غير واجب. وإذا قلنا باستحباب جلسة الاستراحة لم يدل هذا اللفظ على نفي ذلك عن القيام منها إلى الثانية والرابعة، لكنه قد أخرج الدارقطني في "الغرائب" قال الحافظ ابن حجر (¬5): بإسناد حسن، وفيه: "لا يرفع بعد ذلك". قوله: "وفي أخرى: لا يفعل ذلك حين يسجد" يحتمل حين يسجد حين يهوي بالسجود من الاعتدال، وحين يسجد الثانية، والظاهر شموله لهما. ¬

_ = وانظر: "التلخيص" (1/ 400 - 402). (¬1) في (ب): "الرواية". (¬2) في "التلخيص" (1/ 400). (¬3) في مسنده (2/ 316). (¬4) في صحيحه رقم (738) وفيه: " ... ولا يفعل ذلك حين يسجد، ولا حين يرفع رأسه من السجود .. ". (¬5) في "فتح الباري" (2/ 221).

2 - وفي أخرى: وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ رَفَعَهُمَا كَذَلِكَ، وَقَالَ: "سَمِعَ الله لِمَنْ حَمِدَهُ, رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ". وهذا لفظ الشيخين (¬1). [صحيح] 3 - وللبخاري (¬2) في أخرى: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ - رضي الله عنه - كَانَ إِذا دَخَلَ فِي الصَّلاَةِ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ. [صحيح] 4 - وعند مالك (¬3) وأبي داود (¬4): أَنَّ ابْنَ عُمَرَ - رضي الله عنهما - كَانَ إِذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ, وإِذَا رَفَعَ مِنْ الرُّكُوعِ رَفَعَهُمَا دُونَ ذَلِكَ. [موقوف صحيح] 5 - ولمالك (¬5) فى أخرى: كَانَ يُكَبِّرُ كُلَّمَا خَفَضَ. [موقوف صحيح] قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ (¬6): قُلْتُ لِنَافِعٍ: أَكَانَ يَجْعَلُ الأُولَى أَرْفَعَهُنَّ؟ قَالَ: لَا، سَوَاءً. قُلْتُ: أَشِرْ لِي؟ فَأَشَارَ إِلَى الثَّدْيَيْنِ أَوْ أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ. قوله: "وفي أخرى: وأذا رفع رإسه من الركوع رفعهما" قد أفادت هذا أول رواية, وإنما زاد هنا التسميع والتحميد، ويأتي الكلام عليهما. قوله: "فأشار إلى الثديين" أقول: قد عارضه رواية: "حذو منكبيه"، وقد روى مسلم (¬7) عن مالك بن الحويرث: "حتى يحاذي بهما فروع أذنيه". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (736)، ومسلم رقم (391). (¬2) في صحيحه رقم (739). وأخرجه النسائي في "السنن" (2/ 206)، وأبو داود رقم (741). (¬3) في "الموطأ" (1/ 77). (¬4) في "السنن" رقم (742). (¬5) في "الموطأ" (1/ 76 رقم 20)، وهو أثر موقوف صحيح. (¬6) ذكره أبو داود بإثر الحديث رقم (741). (¬7) في صحيحه رقم (26/ 391). وأخرجه أحمد (5/ 53).

وعند أبي داود (¬1) عن وائل بن حجر بلفظ: "حتى يحاذي أذنيه" وتأتي المسألة مستوفاة قريباً. 6 - ولأبي داود (¬2): كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلاَةِ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يَكُونَا حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ كَبَّرَ وَهُمَا كَذَلِكَ فَيَرْكَعُ، ثُمَّ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْفَعَ صُلْبَهُ رَفَعَهُمَا حَتَّى يَكُونَا حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: سَمِعَ الله لِمَنْ حَمِدهُ, وَلاَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي السُّجُودِ, وَيَرْفَعُهُمَا فِي كُلِّ تَكْبِيرَةِ يُكَبِّرُهَا قَبْلَ الرُّكُوعِ، حَتَّى تَنْقَضِيَ صَلاَتُهُ. [صحيح] وله في أخرى (¬3): وَإِذَا رَفَعَ مِنْ الرُّكُوعِ، وَإِذَا انْحَطَّ إلى السُّجُودِ, وَلَا يَرْفَعُهُمَا بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ. [صحيح] 7 - وللنسائي (¬4): كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إِذَا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ, وإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ، وَإِذَا قَامَ بَيْنَ الرَّكْعَتَيْنِ يَرْفَعُ يَدَيْهِ كَذَلِكَ حَذْوَ المَنْكِبَيْنِ. [صحيح] قوله: "ولا يفعله حين يرفع رأسه من السجود" أقول: قد عارضه حديث مالك بن الحويرث عند النسائي (¬5). قال ابن حجر (¬6): إنه أصح ما وقف عليه في الرفع من السجود، ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (724 - 726). وأخرجه أحمد (4/ 316 - 317)، ومسلم رقم (54/ 401)، والنسائي (2/ 123)، وابن ماجه رقم (867)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/ 223)، والدارقطني في "السنن" (1/ 292 رقم 14)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (2/ 71). وهو حديث صحيح. (¬2) في "السنن" رقم (722). (¬3) أبو داود في "السنن" رقم (721). (¬4) في "السنن" (2/ 121, 122). (¬5) في "السنن" (2/ 123). (¬6) في "فتح الباري" (2/ 223).

ولفظه: أنه قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرفع يديه في صلاته، إلى قوله: وإذا رفع رأسه من السجدة حتى يحاذي [431 ب] بهما فروع أذنيه. قال (¬1): وفي الباب عن جماعة من الصحابة لا يخلو شيء منها من مقال. قلت: واختاره ابن حزم في "شرح المحلى" (¬2) وبسط فيه القول. وقد نقلت كلامه في "منحة الغفار حاشية ضوء النهار" (¬3). قوله: "في كل تكبيرة يكبرها" قبل الركوع هي في أول ركعة ثلاث تكبيرات للافتتاح، وللهوي إلى الركوع، وعند الرفع منه، وفيما عداها اثنتان، ولا كلام إنه يكبر بعد الرفع من الركوع أيضاً. قوله: "وإذا قام من الركعتين" أقول: من التشهد الأول، وبوب له البخاري (¬4) [باب: رفع اليدين إذا قام من الركعتين، قال البخاري (¬5)] (¬6) في "جزء رفع اليدين": ما زاده ابن عمر وعلي وأبو حميد في عشرة من الصحابة من الرفع عند القيام من الركعتين صحيح؛ لأنهم لم يحكوا صلاة واحدة، فاختلفوا فيها، وإن زاد بعضهم على بعض، والزيادة مقبولة من أهل العلم. وقال ابن بطال (¬7): هذه زيادة يجب قبولها لمن يقول [431/ أ] بالرفع. ¬

_ (¬1) أي الحافظ في "الفتح" (2/ 223). (¬2) (4/ 16 - 17). (¬3) (2/ 268 - مع ضوء النهار). (¬4) في صحيحه (2/ 222 الباب رقم 86 - مع الفتح). (¬5) (ص 30 - 31). (¬6) سقطت من (ب). (¬7) في شرحه لصحيح البخاري (2/ 357).

وقال الخطابي (¬1): لم يقل به الشافعي، وهو لازم له على أصله من قبول الزيادة. وقال ابن خزيمة (¬2): هو سنة وإن لم يذكره الشافعي (¬3). فالإسناد صحيح، وقد قال: قولوا بالسنة ودعوا قولي. قال ابن دقيق العيد (¬4): قياس نظر الشافعي أن يستحب الرفع فيه؛ لأنه أثبت الرفع عند الركوع والرفع منه لكونه زائداً على من اقتصر عليه عند الافتتاح، والحجة في الموضعين واحدة, "وأول راض سيرة من يسيرها". قوله: "دون ذلك" أقول: قال أبو داود (¬5) في "السنن": ولم يذكر رفعها دون ذلك غير مالك فيما علمت. انتهى. ورواية نافع في جوابه على [432 ب] ابن جريج دليل على شذوذ رواية مالك. قوله: "وإذا انحط إلى السجود" أقول: هذه حالة رابعة أثبت فيها الرفع. والخامسة: إذا قام من الركعتين، وهذا يعارضه قوله: "ويرفعهما في كل تكبيرة يكبرها قبل الركوع" وهذه تكبيرة عند الانحطاط للسجود، ولم أجده إلا في هذه الرواية، على أني لم أجدها في "سنن أبي داود" ووجدتها في "الجامع" (¬6) مثل ما هنا، فينظر، ولا أعلم قائلاً به. ¬

_ (¬1) في "معالم السنن" (1/ 462 - مع السنن). (¬2) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 222). (¬3) انظر: "الأم" (2/ 136)، "المعرفة" (2/ 404 - 417). (¬4) في "إحكام الأحكام" (ص 306 - 307) ط: ابن حزم. (¬5) في "السنن" (1/ 475). (¬6) (5/ 301).

8 - وعن عَلْقَمَةَ قال: قَالَ لَنَا ابْنُ مَسْعُودٍ يَوْماً: أَلاَ أُصَلِّى بِكُمْ صَلاَةَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قَالَ: فَصَلَّى وَلَمْ يَرْفَعْ يَدَيْهِ إِلاَّ مَرَّةً وَاحِدَةً مَعَ تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ (¬1). [إسناده حسن] 9 - وفي أخرى (¬2): كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يُكَبِّرُ فِي كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ وَقِيَامٍ وَقُعُودٍ, وَأبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ - رضي الله عنهما -. أخرجه أصحاب السنن. [صحيح] قوله: "وعن علقمة" أقول: هو علقمة بن قيس (¬3) أبو شبل بن مبارك من بني بكر بن النخع النخعي، روى عن عمرو وعبد الله بن مسعود، واشتهر بحديث ابن مسعود وصحبته, وهم عم الأسود النخعي، مات سنة إحدى وستين. قوله: "أخرجه أصحاب السنن" أقول: قال أبو داود (¬4): هذا حديث مختصر من حديث طويل، وليس هو بصحيح (¬5). وقال الترمذي (¬6): إنه حديث حسن. وبه يقول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - والتابعين، وهو قول سفيان وأهل الكوفة. انتهى. وقد بوب (¬7) لرفع اليدين عند الركوع وذكر حديث ابن عمر (¬8). ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود رقم (748)، والترمذي رقم (257)، والنسائي رقم (1036). وإسناده حسن. (¬2) في "سنن النسائي" رقم (1083)، وهو حديث صحيح. (¬3) قاله ابن الأثير في "تتمة جامع الأصول" (2/ 708 - قسم التراجم). وانظر: "التقريب" (2/ 31 رقم 286). (¬4) في "السنن" (1/ 478). (¬5) وتمام العبارة على هذا اللفظ. (¬6) في "السنن" (2/ 41 - 43). (¬7) أي الترمذي في "السنن" (2/ 35 الباب رقم 190). (¬8) رقم (255).

وقال (¬1): إنه حسن صحيح. وبهذا يقول بعض أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، منهم: ابن عمر وجابر بن عبد الله وأبو هريرة وأنس وابن عباس وعبد الله بن الزبير، وغيرهم. وساق جماعة من التابعين قالوا به, ثم قال: وبه يقول ابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق. وقال ابن المبارك: قد ثبت حديث رفع اليدين في الركوع، وذكر حديث الزهري عن سالم عن أبيه، ولم يثبت حديث ابن مسعود أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يرفع إلا في أول مرة. انتهى كلام الترمذي. وقال المنذري في "مختصر السنن" (¬2): وقد حكي عن عبد الله بن المبارك قال: لا يثبت هذا الحديث. وقال غيره: لم يسمعه عبد الرحمن بن علقمة قال: وقد يكون هذا خفي على ابن مسعود كما خفي عليه نسخ التطبيق، ويكون ذلك كان في الابتداء قبل أن يشرع رفع اليدين [433 ب] في الركوع، ثم صار التطبيق منسوخاً، وصار الأمر في السنة إلى رفع اليدين عند الركوع ورفع الرأس منه. انتهى بلفظه. 10 - وعن البراء - رضي الله عنه - قال: رَأَيْتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - إذَا افْتَتَحَ الصَّلاَةَ رَفَعَ يَدَيْهِ إلى قَرِيبٍ مِنْ أُذُنَيْهِ ثُمَّ لاَ يَعُودُ. أخرجه أبو داود (¬3). [ضعيف] قوله في حديث البراء: "أخرجه أبو داود" أقول: وقال (¬4): روى هذا الحديث هشيم وخالد وابن إدريس عن يزيد بن أبي زياد ولم يذكروا: "ثم لا يعود" انتهى. وقال المنذري (¬5): في إسناده يزيد بن أبي زياد أبو عبد الله الهاشمي مولاهم الكوفي ولا يحتج بحديثه. ¬

_ (¬1) في "السنن" (2/ 37). (¬2) (1/ 368). (¬3) في "السنن" رقم (749)، وهو حديث ضعيف، وقد تقدم. (¬4) أبو داود في "السنن" (1/ 478). (¬5) في "مختصر السنن" (1/ 369).

قال الدارقطني (¬1): إنما لقن في آخر عمره ثم لم يعد فتلقنه وكان قد اختلط. قال البخاري (¬2): وكذلك روى الحفاظ الذين سمعوا من يزيد قديماً، منهم: الثوري وشعبة وزهير ليس فيه: "ثم لا يعود". وقال المنذري (¬3): فيه عبد الرحمن بن أبي ليلى وهو ضعيف. انتهى. وفي "الجامع" (¬4) لابن الأثير: أنه أخرجه أبو داود وقال: هذا الحديث ليس بصحيح. انتهى. وليس (¬5) هذا لفظ أبي داود، بل لفظه ما قدمناه, وكان على المصنف ذكر ما ذكره ابن الأثير عن أبي داود. 11 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أنَّهُ كَانَ يُصَلِّي بِهِمْ فَيُكَبَّرُ كُلَّمَا خَفَضَ وَرَفَعَ، فَقِيلَ لَهُ: مَا هَذَا التَّكْبِيرُ؟ فَقَالَ: إِنَّهَا لَصَلَاةُ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -. أخرجه الستة (¬6)، وهذا لفظ الشيخين. [صحيح] وعند أبي داود (¬7) والترمذي (¬8): "كَانّ إذّا كَبَّرَ نَشَرَ أَصَابِعَهُ". [ضعيف] ¬

_ (¬1) في "السنن" (1/ 201). (¬2) انظر: "فتح الباري" (2/ 220). (¬3) في "مختصر السنن" (1/ 370). (¬4) (5/ 303 رقم 3384). (¬5) وهو كما قال. (¬6) أخرجه البخاري رقم (785، 789، 803)، ومسلم رقم (392)، ومالك في "الموطأ" (1/ 76)، وأبو داود رقم (746، 753)، والترمذي رقم (239، 254)، والنسائي رقم (1023). وهو حديث صحيح. (¬7) في "السنن" رقم (753) وفيه: " ... رفع يديه مداً"، وهو حديث صحيح. (¬8) في "السنن" رقم (239)، وهو حديث ضعيف.

وفي أخرى للترمذي (¬1): "كانَ يُكَبِّرُ وَهُوَ يَهْوِي". [صحيح] 12 - وفي أخرى لأبي داود (¬2): لَوْ كُنْتُ قُدَّامَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لَرَأَيْتُ إبطَيْهِ. [صحيح] 13 - وفي أخرى للنسائي (¬3): أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - جَاءَ إلى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ وَقَالَ: ثَلاَثٌ كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَعْمَلُ بِهِنَّ تَرَكَهُنَّ النَّاسُ: كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إِذَا دَخَلَ فِي الصَّلاَةِ مَدًّا، وَيَسْكُتُ هُنَيَّةً, وَيُكَبَّرُ إِذَا سَجَدَ. [صحيح] قوله في حديث أبي هريرة: "فيكبر كلما خفض ورفع" هذا العموم مخصص بقيامه من الركوع، فإنه لا يكبر فيه بل يقول: "سمع الله لمن حمده" أقول: هذا تكبير النقل. وقوله: "قيل له: ما هذا التكبير؟ " إنما سألوه عنه؛ لأنه قد كان تركه أمراء بني أمية الذين يصلون بالناس كما يأتي بيانه قريباً. قوله: "كان إذا كبر نشر أصابعه" أقول [434 ب]: أجمل التكبير هنا، وقد بينها الترمذي بأنها تكبيرة الافتتاح، فقال الترمذي (¬4): باب في نشر الأصابع عند التكبير. ثم أخرج (¬5) عن أبي هريرة: كان - صلى الله عليه وسلم - إذا كبر للصلاة نشر أصابعه. قال أبو عيسى (¬6): حديث أبي هريرة قد رواه غير واحد عن ابن أبي ذئب عن سعيد بن سمعان عن أبي هريرة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا دخل فى الصلاة رفع يديه مداً. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (254)، وهو حديث صحيح. (¬2) في "السنن" رقم (746)، وهو حديث صحيح. (¬3) في "السنن" رقم (883)، وهو حديث صحيح. (¬4) في "السنن" (2/ 5 الباب رقم 177). (¬5) أي الترمذي في "السنن" رقم (239). (¬6) في "السنن" (2/ 5).

وهو أصح (¬1) من رواية يحيى [بن] (¬2) اليمان وأخطأ ابن اليمان في هذا الحديث. وحدثنا (¬3) عبد الله بن عبد الرحمن قال: أخبرنا عبيد الله بن عبد المجيد [432/ أ] الحنفي قال: حدثنا ابن أبي ذئب عن سعيد بن سمعان قال: سمعت أبا هريرة يقول: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قام إلى الصلاة رفع يديه مداً. قال أبو عيسى (¬4): قال عبد الله: وهذا أصح من حديث يحيى بن اليمان، وحديث يحيى ابن يمان خطأ. انتهى بلفظه. قوله: "أخرجه أبو داود والترمذي". قلت: قد سمعت ما قاله الترمذي، ولفظ أبي داود (¬5) عن أبي هريرة من طريق سعيد بن سمعان: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل في الصلاة رفع يديه مداً، وليس فيه نشر أصابعه. وفي "الجامع" (¬6) ذكر لفظ أبي داود كما ذكرناه، وذكر عن الترمذي الروايتين: الرواية (¬7) التي فيها خطأ يحيى بن اليمان التي فيها نشر الأصابع، والرواية (¬8) التي صححها بلفظ رواية أبي داود (¬9). ¬

_ (¬1) قاله الترمذي في "السنن" (2/ 6). (¬2) سقطت من (ب). (¬3) أخرجه الترمذي في "السنن" رقم (240)، وهو حديث صحيح. (¬4) في "السنن" (2/ 6). (¬5) في "السنن" رقم (753)، وهو حديث صحيح. (¬6) (5/ 303 - 304). (¬7) في "السنن" رقم (239)، وهو حديث ضعيف. (¬8) في "السنن" رقم (240)، وهو حديث صحيح. (¬9) لأبي داود في "السنن" رقم (753)، وهو حديث صحيح.

قلت: المصنف ترك رواية: "نشر الأصابع" المضعفة، وأتى برواية: "رفع يديه مداً" من بعد هذا، فلا يصح أن يقول فيما رواه من روية نشر الأصابع أنه أخرجها أبو داود، وإنما ألجأه إلى ذلك إيهام عبارة ابن الأثير؛ فإنه ساق رواية: "رفعهما مداً" إلى أبي داود والترمذي وأصاب، ثم قال: وفي أخرى: "إذا كبر للصلاة نشر أصابعه"، هذا لفظه، فظن المصنف أن قوله: "وفي أخرى" أي: لأبي داود والترمذي، وليس كذلك، بل هي خاصة بإخراج الترمذي لها، ثم إنه سقط على المصنف [435 ب] لفظ للصلاة، وهي لفظ حديث الترمذي (¬1) ولفظ ابن الأثير (¬2) أيضاً. قوله: "وفي أخرى للترمذي (¬3): كان يكبر وهو يهوي" أقول: بوب له الترمذي (¬4): باب ما جاء في التكبير عند الركوع، وذكر هذا الحديث (¬5)، وقال: حسن صحيح، وهو قول أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن بعدهم. قالوا: يكبر الرجل وهو يهوي للركوع والسجود. انتهى بلفظه. قوله في حديث أبي هريرة: "تركهن الناس" أقول: هذا يدل على أنه ترك قرب عصر النبوة رفع اليدين مداً، وأنهم كانوا يصلون السورة الثانية بآخر الفاتحة من دون فصل بسكوت، وأنهم تركوا تكبير النقل عند السجود، وكأنه يريد بالناس أمراء بني أمية أو مطلقاً ممن تبعهم على ذلك، فالناس أتباع ملوكهم. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (239)، وهو حديث ضعيف. (¬2) في "الجامع" (5/ 304). (¬3) في "السنن" (2/ 33 - 35 الباب رقم 188). (¬4) في "السنن" رقم (254)، وهو حديث صحيح. (¬5) في "فتح الباري" (2/ 270).

قال الحافظ ابن حجر (¬1): إنه قيل لعمران بن حصين: يا أبا نجيد - وهو بالنون والجيم مصغر - من ترك التكبير أولاً؟ قال: عثمان بن عفان حين كبر وضعف صوته. وهذا يحتمل إرادة ترك الجهر، وروى (¬2) [الطبراني] (¬3) عن أبي هريرة: أن أول من ترك التكبير معاوية. وروى أبو عبيد: أن أول من تركه زياد. وهذا لا ينافي الذي قبله؛ لأن زياد تركه بترك معاوية، وكان معاوية تركه لترك عثمان. وقد حمل جماعة من أهل العلم ذلك على الإخفاء. وحكى الطحاوي: أن قوماً كانوا يتركون التكبير في الخفض دون الرفع، قال: وكذلك كانت بنو أمية [436 ب] تفعل. وروى ابن المنذر نحوه عن ابن عمر. وعن بعض السلف: أنه كان لا يكبر سوى تكبيرة الإحرام. وفرق بعضهم بين المنفرد وغيره. ووجهه: بأن التكبير شرع للإيذان بحركة الإمام، فلا يحتاج إليه المنفرد، ولكن استقر الأمر على مشروعية التكبير في الخفض والرفع لكل مصلٍ. فالجمهور (¬4) على ندبيته ما عدا تكبيرة الإحرام، وعن أحمد وبعض أهل الظاهر: يجب كله. فائدة: قال ابن المنير (¬5): الحكمة في مشروعية التكبير في الخفض والرفع أن المكلف أمر بالنية أول الصلاة مقرونة بالتكبير، وكان من حقه أن يستصحب النية إلى آخر الصلاة، فأمر أن يجدد العهد في إتيانها بالتكبير الذي هو شعار النية. انتهى. ¬

_ (¬1) في "فتح الباري" (2/ 270). (¬2) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 270). (¬3) في المخطوط: "الطبري"، وما أثبتناه من "فتح الباري". (¬4) انظر: "الإقناع" (1/ 65)، "المجموع شرح المهذب" (3/ 364 - 366)، "الاستذكار" (4/ 117). (¬5) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 270).

وقوله: "يرفع يديه في الصلاة مداً" يحتمل أنهم تركوا المد والرفع نفسه. وأما السكوت بعد فراغه من قراءة الفاتحة ففيه حديث جابر بن سمرة: أنه - صلى الله عليه وسلم - كان له سكتة إذا كبر وسكتة إذا فرغ من قراءة: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)} (¬1)، وفي لفظ: "كان يسكت سكتتين: إذا استفتح، وإذا فرغ من القراءة كلها". روى ذلك أحمد (¬2) وأبو داود (¬3) والترمذي (¬4). ¬

_ (¬1) سورة الفاتحة الآية (1). (¬2) في "المسند" (5/ 7، 11 - 12, 23). (¬3) في "السنن" رقم (778، 779). (¬4) في "السنن" رقم (251) وقال: حديث حسن. وأخرجه ابن ماجه رقم (844)، وابن خزيمة رقم (1587)، وابن حبان رقم (1807)، والطبراني في "الكبير" رقم (6875 و6876)، وفي "الشاميين" رقم (2652)، والحاكم (1/ 215)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (2/ 195 - 196) من طرق. وهو حديث ضعيف، والله أعلم. وفي الباب عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كبر في الصلاة سكت بين التكبير والقراءة, فقلت له: بأبي أنت وأمي! أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول؟ قال: "اللهم باعد بيني وبين خطاياي ... " وهو حديث صحيح. أخرجه البخاري رقم (744)، ومسلم رقم (598)، وأبو داود رقم (781)، وابن ماجه رقم (813)، والنسائي رقم (894 - 895). وهو حديث صحيح. قال النووي في "المجموع" (3/ 362): يستحب عندنا أربع سكتات للإمام في الصلاة الجهرية: الأولى: عقب تكبيرة الإحرام يقول فيها دعاء الاستفتاح. الثانية: بين قوله: "ولا الضالين" وآمين سكتة لطيفة. الثالثة: بعد آمين سكتة طويلة, بحيث يقرأ المأموم الفاتحة. =

14 - وعن وائل بن حجر - رضي الله عنه -: أَنَّهُ رَأَى النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - رَفَعَ يَدَيْهِ حِينَ دَخَلَ في الصَّلاَةِ كَبَّرَ. قال أحد الرواة: "حِيَالَ أُذُنَيْهِ، ثُمَّ التَحَفَ بِثَوْبِهِ, ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ اليُمْنَى عَلَى اليُسْرَى، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ أَخْرَجَ يَدَيْهِ مِنْ الثَّوْبِ, ثُمَّ رَفَعَهُمَا ثُمَّ كبَّرَ فَرَفَعَ، فَلَمَّا قَالَ: سَمِعَ الله لِمَنْ حَمِدَهُ، رَفَعَ يَدَيْهِ, فَلَمَّا سَجَدَ سَجَدَ بَيْنَ كفَّيْهِ". أخرجه مسلم (¬1) واللفظ له، وأبو داود (¬2) والنسائي (¬3). [صحيح] 15 - ولأبي داود (¬4) في أخرى قال: "ثُمَّ أَتَيْتُ المَدِينَةَ بَعْدَ فَرَأَيْتُهُمْ يَرْفَعُونَ أَيْدِيَهُمْ إِلَى صُدُورِهُمْ فِي افْتِتَاحِ الصَّلاَةِ وَعَلَيْهِمْ بَرَانِسُ وَأَكْسِيَةٌ". [صحيح] 16 - وفي أخرى (¬5) قال: "صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَكَانَ إِذَا كَبَّرَ رَفَعَ يَدَيْهِ ثُمَّ التَحَفَ، ثُمَّ أَخَذَ شِمَالَهُ بِيَمِينِهِ وَأَدْخَلَ يَدَيْهِ فِي ثَوْبِهِ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ أَخْرَجَ يَدَيْهِ ثُمَّ رَفَعَهُمَا، ¬

_ = الرابعة: بعد فراغه من السورة سكتة لطيفة جداً ليفصل بين القراءة وتكبيرة الركوع، وتسمية الأولى سكتة مجاز؛ فإنه لا يسكت حقيقة، بل يقول دعاء الاستفتاح، لكن سميت سكتة في الأحاديث الصحيحة كما سبق وجهه أنه لا يسمع أحد كلامه، فهو كالساكت. (¬1) في صحيحه رقم (4/ 401). (¬2) في "السنن" رقم (724 - 726). (¬3) في "السنن" (2/ 123). وأخرجه ابن ماجه رقم (867)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/ 223)، والدارقطني في "السنن" (1/ 292 رقم 14)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (2/ 71). وهو حديث صحيح. (¬4) في "السنن" رقم (728)، وهو حديث صحيح. (¬5) لأبي داود في "السنن" رقم (723). وأخرجه مسلم رقم (401)، وأبن ماجه رقم (810، 867)، والنسائي رقم (887, 889). وهو حديث صحيح.

وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ رَفَعَ يَدَيْهِ ثُمَّ سَجَدَ وَوَضَعَ وَجْهَهُ بَيْنَ كَفَّيْهِ, وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ أَيْضًا رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ". [صحيح] 17 - وفي أخرى (¬1): "أَنَّهُ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى كَانَتَا بِحِيَالِ مَنْكِبَيْهِ, وَحَاذَى بِإِبْهَامَيْهِ أُذُنَيْهِ ثُمَّ كَبَّرَ". [صحيح] 18 - وفي أخرى (¬2): "رَآهُ - صلى الله عليه وسلم - رَفَعَ يَدَيْهِ مَعَ التَّكْبِيرَةِ". [صحيح] وفي أُخْرَى (¬3): "رَفَع إِبْهَامَيْهِ إلى شَحْمَةِ أُذُنَيْهِ". [صحيح] قوله في حديث وائل: "حيال أذنيه" أقول: هو معارض بحديث ابن عمر (¬4) حيث قال: "يرفع يديه حتى يكونا حذو منكبيه" ورواية البراء (¬5): "إلى قريب من أذنيه"، وبوب البخاري (¬6) لذلك بقوله: باب إلى أين يرفع يديه, وذكر حديث أبي حميد: "إلى حذو منكبيه" قال الحافظ [437 ب] ابن حجر في "الفتح" (¬7): وبهذا أخذ الشافعي والجمهور. وذهب الحنفية إلى حديث مالك بن الحويرث (¬8) الآتي. وفي لفظ له: "حتى يحاذي بهما فروع أذنيه" (¬9). ¬

_ (¬1) أخرجها أبو داود رقم (724)، وهو حديث صحيح. (¬2) أخرجها أبو داود رقم (725)، وهو حديث صحيح. (¬3) أخرجها أبو داود رقم (737)، وهو حديث صحيح. (¬4) تقدم نصه وتخريجه. (¬5) تقدم تخريجه. (¬6) في صحيحه (2/ 221 الباب رقم 85 - مع الفتح). (¬7) (2/ 221). (¬8) سيأتي، وهو حديث صحيح. (¬9) تقدم، وهو حديث صحيح.

وفي رواية وائل عند أبي داود (¬1): "حتى يحاذي بهما أذنيه" ورجح الأول لكون إسناده أصح. وروى أبو ثور عن الشافعي: أنه جمع بينهما، فقال: يحاذي بظهر كفيه المنكبين وبأطراف أنامله الأذنين. ويؤيده رواية أخرى عن وائل عند أبي داود (¬2) بلفظ: "حتى كانا حيال منكبيه وحاذى بإبهاميه أذنيه". انتهى. قلت: والظاهر أنه لم يتم الترجيح من العمل المخير فيه، وكأن ألفاظ حديث (¬3) وائل قد تعددت بعضها: "حيال أذنيه"، وفي رواية (¬4): "أنه قدم المدينة فرأى الصحابة يرفعون أيديهم إلى صدورهم"، وفي رواية (¬5): "أنه - صلى الله عليه وسلم - رفع يديه" ولم يبين إلى أين. وفي لفظ (¬6): "رفع يديه حتى كانتا حيال منكبيه وحاذى بإبهاميه أذنيه ثم كبر"، وفي رواية (¬7): "يرفع إبهاميه في الصلاة إلى شحمة أذنيه"، وفي رواية (¬8): "فرأيته يرفع يديه إذا افتتح الصلاة حتى يحاذي منكبيه"، وفي ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود رقم (726)، وابن ماجه رقم (810، 867)، والترمذي رقم (292)، والنسائي (1159). وهو حديث صحيح. (¬2) أخرجه أبو داود رقم (724)، والنسائي رقم (882). وهو حديث صحيح. (¬3) أخرجه أبو داود رقم (724)، والنسائي رقم (882). وهو حديث صحيح. (¬4) أخرجه أبو داود في "السنن" رقم (728)، وهو حديث صحيح. (¬5) أخرجه مسلم رقم (401)، وأبو داود رقم (723)، وابن ماجه رقم (810، 867)، والنسائي رقم (887، 889). (¬6) تقدم، وهو حديث صحيح. (¬7) تقدم، وهو حديث صحيح. (¬8) تقدم، وهو حديث صحيح.

رواية (¬1): "حتى رأيت إبهاميه قريباً من أذنيه" كل هذه ألفاظ [روايات] (¬2) وائل ساقها في "الجامع" (¬3) وهذا اضطراب يقتضي تقديم رواية ابن عمر عليه. [438 ب]. 19 - وعن سعيد بن الحارث المعلى قال: "صَلَّى لنَا أَبُو سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ - رضي الله عنه - فَجَهَرَ بِالتَّكْبِيرِ حِينَ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ, وَحِينَ سَجَدَ، وَحِينَ رَفَعَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ وَقَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ". أخرجه البخاري (¬4). [صحيح] 20 - وعن مُطَرِّفِ بنِ عبد الله قال: "صَلَّيْتُ خَلْفَ عَلِيَّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رضي الله عنه - أَنَا وَعِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ، فَكَانَ إذَا سَجَدَ كَبَّرَ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ كَبَّرَ، وَإذَا نَهَضَ مِنْ الرَّكْعَتيْنِ كَبَّرَ". أخرجه الخمسة (¬5) إلا الترمذي. [صحيح] وعند النسائي (¬6): "فَكَانَ يُكَبِّرُ فِي كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ وَيُتِمُّ الرُّكُوعَ". [صحيح] 21 - وعن علي - رضي الله عنه -: "أَنَّهُ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلاَةِ المَكْتُوبَةِ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ, وَيَصْنَعُ مِثْلَ ذَلِكَ إذَا قَرَأَ قِرَاءتَهُ وَأَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ، وَيَصْنَعُهُ إِذَا رَفعَ مِنَ الرّكُوعِ، وَلاَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي شيْءٍ مِنْ صَلاِتهِ وَهُوَ قَاعِدٌ، وإذَا قَامَ مِنَ السَجْدَتيْنِ رفَعَ يَدَيْهِ كَذَلِكَ وَكَبَّرَ". أخرجه أبو داود (¬7). [صحيح] ¬

_ (¬1) تقدم، وهو حديث صحيح. (¬2) في (ب): "رواية". (¬3) (5/ 303 - 304). (¬4) في صحيحه رقم (825). (¬5) أخرجه البخاري رقم (786)، ومسلم رقم (393)، وأبو داود رقم (835)، والنسائي رقم (1082). وهو حديث صحيح. (¬6) في "السنن" رقم (1083)، وهو حديث صحيح. (¬7) في "السنن" رقم (744)، وهو حديث صحيح.

22 - وعن أبي قلابة: "أَنَّ مَالِكِ بْنِ الحُوَيْرِثِ - رضي الله عنه - رَأَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَرْفَعُ يَدَيْهِ إِذَا كَبَّرَ، وإذَا رَكَعَ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ حَتَّى يَبْلُغَ بِهِمَا فُرُوعَ أُذُنَيْهِ". أخرجه الخمسة (¬1) إلا الترمذي. [صحيح] زاد النسائي (¬2) في أخرى: "وَإِذَا سَجَدَ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السُّجُودِ". [صحيح] 23 - وعن النضر بن كثير السعدي قال: "صَلَّى إِلَى جَنْبِي عَبْدُ الله بْنُ طَاوُسٍ فِي مَسْجِدِ الخَيْفِ, فَكَانَ إِذَا سَجَدَ السَّجْدَةَ الأُولَى فَرَفَعَ رَأْسَهُ منْهَا رَفَعَ يَدَيْهِ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ, فَأَنْكَرْتُ ذَلِكَ، فَقُلْتُ لِوُهَيْبِ بْنِ خَالِدٍ: فَقَالَ وُهَيْبُ: تَصْنَعُ شَيْئًا لَمْ أَرَ أَحدًا صَنَعهُ؟ فَقَالَ ابْنُ طَاوُسٍ: رَأَيْتُ أَبِي يَصْنَعُهُ, وَقَالَ أَبِي: رَأَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَصْنَعُهُ، وَلاَ أَعْلَمُ إِلاَّ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يصْنَعُهُ". أخرجه أبو داود (¬3) والنسائي (¬4). [صحيح] قوله: في رواية النضر التي فيها إثبات الرفع في القيام من السجدة الأولى: "أخرجه أبو داود" أقول: قال المنذري (¬5): وأخرجه النسائي (¬6). والنضر بن كثير أبو سهل البصري، ضعيف الحديث. وقال الحافظ أبو أحمد النيسابوري: هذا حديث منكر من حديث ابن طاووس. انتهى. وتقدم الكلام في الرفع عند السجود. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (737)، ومسلم رقم (391)، وأبو داود رقم (745)، وابن ماجه رقم (859)، والنسائي رقم (880، 881، 1056). (¬2) في "السنن" رقم (1085)، وهو حديث صحيح. (¬3) في "السنن" رقم (740). (¬4) في "السنن" رقم (1146). وهو حديث صحيح، والله أعلم. (¬5) في "مختصر السنن" (1/ 366). (¬6) في "السنن" رقم (1146).

24 - وعن ميمون المكي: "أنَّهُ رَأَى عَبْدَ الله بْنَ الزُّبَيْرِ وَصَلَّى بِهِمْ، يُشِيرُ بِكَفَّيْهِ حِينَ يَقُومُ، وَحِينَ يَرْكَعُ، وَحِنَ يَسْجُدُ، وَحِينَ يَنْهَضُ لِلْقِيَامِ، فَيَقُومُ فَيُشِيرُ بِيَدَيْهِ, قَالَ: فَانْطَلَقْتُ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - فَقُلْتُ: إِنِّي رَأَيْتُ ابْنَ الزُّبَيْرِ صَلَّى صَلاَةً لَمْ أَرَ أَحَدًا يُصَلِّيهَا، فَوَصَفْتُ لَهُ هَذه الإِشَارَةَ, فَقَالَ: إِنْ أَحْبَبْتَ أَنْ تَنْظُرَ إِلَى صَلاَةِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فاقْتَدِ بِصَلاَةِ عَبْدِ الله بْنِ الزُّبَيْرِ". أخرجه أبو داود (¬1). [صحيح] قوله: "وعن ميمون المكي" أقول: هو كحديث ابن طاووس. وزاد: "حين ينهض للقيام" إلا أن ميمون المكي قال في "تقريب التهذيب" (¬2): إنه مجهول. قوله: "أخرجه أبو داود" قلت: وسكت عليه المنذري، وقدمنا أن ميمون المكي مجهول، فلا يعتبر بسكوت أبي داود وسكوت المنذري [439 ب]. [] (¬3) 25 - وعن عمران بن الحصين - رضي الله عنهما - قال: كَانَتْ بِي بَوَاسِيرُ، فَسَألتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عنِ الصَّلاةِ, فَقَالَ: "صَلِّ قَائِمًا، وَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ". أخرجه الخمسة (¬4) إلا مسلماً. [صحيح] ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (739)، وهو حديث صحيح. (¬2) رقم الترجمة (7054). (¬3) في "جامع الأصول" (5/ 312) الفرع الثاني: في القيام والقعود, ووضع اليدين والرِّجلين: القيام والقعود. (¬4) أخرجه البخاري رقم (1117)، وأبو داود رقم (952)، والترمذي رقم (372)، وابن ماجه رقم (1223)، والنسائي (3/ 223 - 224).

26 - وفي أخرى (¬1): أَنَّهُ سَأَلَ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ صَلاَةِ الرَّجُلِ قَاعِدًا، قَالَ: "إِنْ صَلَّى قَائِمًا فَهُوَ أَفْضَلُ، وَمَنْ صَلَّى قَاعِدًا فَلَهُ مِثْلُ نِصْفُ أَجْرِ القَائِمِ، وَمَنْ صَلَّى نَائِمًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ القَاعِدِ". [صحيح] قال الخطابي (¬2): إن لم تكن لفظة نائماً مدرجة في الحديث من بعض الرواة، وقاس ذلك على صلاة القاعد أو اعتبر بصلاة المريض نائماً إذا لم يقدر على القعود، فإن التطوع مضطجعاً للقادر جائز كما يجوز للمسافر إذا تطوع على راحلته؛ فأما من جهة القياس فلا يجوز أن يصلي مضطجعاً كما يجوز له أن يصلي قاعداً؛ لأن القعود شكل من أشكال الصلاة، وليس الاضطجاع في شيء من أشكال الصلاة. قوله في حديث عمران: "كان بي بواسير" (¬3) أقول: بالباء الموحدة: عروق تنبت بلحم زائد على أدوار فم المقعدة لها حكيك كلهيب النار، تدب في الجسد برطوبة سمية يكون منها ضعف نفس وسقوط قوة وهمة وانكسار. وفي لفظ له في "الجامع" (¬4): "كان بي الناصور" (¬5) قال الأطباء: هي عروق تنبت موضع البواسير بلحم زائد كالثآليل الطوال، وهي نوع من البواسير إلا أنها أطول وأدق بين الرقة والغلاظة بسببها يزول شيء من الغذاء مع الفضلة السوداوية. قوله: "فعلى جنب" أي: مضطجعاً على جنبه الأيمن مستقبل القبلة بوجهه. ¬

_ (¬1) أخرجها البخاري في صحيحه رقم (1115)، وأبو داود رقم (951)، والترمذي رقم (371)، والنسائي (3/ 223)، وابن ماجه رقم (1231). (¬2) في "معالم السنن" (1/ 584 - مع السنن). (¬3) انظر: "النهاية" (1/ 132)، "المجموع المغيث" (1/ 158). (¬4) (5/ 313). (¬5) انظر: "الحاوي في الطب" لأبي بكر الرازي (3/ 228).

قوله: "ومن صلى نائماً" بالنون من النوم والمراد: مضطجعاً. وصحفه الأصيلي وابن بطال (¬1) وغيرهما بإيماً بموحدة بعدها مثناة تحتية فما والصواب "نائماً" بالنون، ويأتي كلام المصنف الذي نقله عن الخطابي (¬2). قوله: "فله نصف أجر القاعد" أقول: قال الخطابي (¬3): إنما ذلك للضعيف الذي يستطيع القيام بكلفة، فإن كان عاجزاً عن القيام البتة فصلاته مثل صلاة القائم، وهذا كله في الفريضة والنافلة. وقد أجمعت الأمة أن لا يصلي [أحدنا إيماءً] (¬4) إلا من مرض، فدل على أنه [440 ب] لا يريد بهذا الحديث إلا المريض الذي تعذر عليه القيام بكلفة، أو على القدر بمشقة، ووافقه على دعوى الإجماع أبو عمر، وليست مسألة إجماع كما زعما، بل كان بعض السلف يجيز للصحيح التنفل مضطجعاً، منهم: الحسن البصري. ذكر ذلك أبو عيسى الترمذي (¬5). قوله: "قال الخطابي" (¬6) أقول: لفظه على قوله: "وصلاته نائماً" لا أعلم أني سمعته إلا في هذا الحديث، ولا أحفظ عن أحدٍ من أهل العلم أنه رخص في صلاة التطوع نائماً كما رخصوا فيها قاعداً، فإن صحت هذه اللفظة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يكن بعض الرواة أدرجه في الحديث، ¬

_ (¬1) في شرحه لصحيح البخاري (3/ 102). (¬2) في "معالم السنن" (1/ 584 - مع السنن). (¬3) في "معالم السنن" (1/ 585 - مع السنن). (¬4) في (أ): "أحد نائماً". (¬5) في "السنن" (2/ 209). (¬6) في "معالم السنن" (1/ 584 - مع السنن).

وقاسه على صلاة القاعد وصلاة المريض إذا لم يقدر على القعود فتكون صلاة المتطوع القادر نائماً جائزة. انتهى. نقله عنه في "الجامع" (¬1) واختصره المؤلف. وتقدم في النقل الأول أنه قال: إنها أجمعت الأمة أن لا يصلي أحد مضطجعاً إلى آخر ما نقلناه. ولفظه هنا أنه قال: ولا أحفظ عن أحد من أهل العلم، فلم يدع الإجماع إنما أخبر عن عدم حفظه مخالفاً. 27 - وعن عبد الله بن شقيق قال: قُلْتُ لِعَائِشَةَ - رضي الله عنها -: "هَلْ كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي وَهُوَ قَاعِدٌ؟ قَالَتْ: نَعَمْ بَعْدَ مَا حَطَمَهُ النَّاسُ. أَوْ قَالَ السِّنُّ". أخرجه الستة (¬2). [صحيح] 28 - وفي أخرى (¬3): "أَنَّ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُصَلِّي جَالِسًا فَيَقْرَأُ وَهُوَ جَالِسٌ، فَإِذَا بَقِيَ مِنْ قِرَاءَتِهِ نَحْوٌ مِنْ ثَلَاثِينَ أَوْ أَرْبَعِينَ آيَةً قَامَ فَقَرَأَهَا وَهُوَ قَاِئمٌ ثُمَّ رَكَعَ ثُمَّ سَجَدَ، فَفَعَلَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِثْلَ ذَلِكَ، فَإِذَا قَضَى صَلَاتَهُ, فَإِنْ كُنْتُ يَقْظَى تَحَدَّثَ مَعِي، وإِنْ كنْتُ نَائِمَةً اضْطَجَعَ". [صحيح] 29 - وفي أخرى للنسائي (¬4) قال: "رَأَيْتُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي مُتَرَبِّعًا". ¬

_ (¬1) (5/ 313). (¬2) أخرجه مسلم رقم (115، 732)، وأبو داود رقم (956)، والنسائي رقم (1657). (¬3) أخرجه أحمد (6/ 166)، ومسلم رقم (109، 730)، وأبو داود رقم (955)، والترمذي رقم (375) وقال: هذا حديث حسن صحيح، والنسائي (3/ 219)، وابن ماجه رقم (1228). وأخرجه ابن خزيمة رقم (1245، 1247)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (2/ 471). وهو حديث صحيح. (¬4) في "السنن" رقم (1661). وأخرجه الدارقطني في "السنن" (1/ 397 رقم 3)، وابن حبان رقم (2512)، والحاكم (1/ 258، 275). وهو حديث صحيح.

قال النسائي: ولا أحسب هذا الحديث إلا خطأ. [صحيح] قوله في حديث عائشة - رضي الله عنها -: "نعم بعد ما حطمه الناس" بالحاء المهملة فطاء. قال الهروي (¬1) في تفسيره: حطم فلاناً أهله إذا كبر فيهم، كأنه لما حمل أمورهم وأثقالهم والاعتناء بمصالحهم، صيروه شيخاً محطوماً. والحطم كسر الشيء اليابس. قوله: "أو قال: السن" أي: علت سنه، وهذه اللفظة لم أجدها في "الجامع" (¬2) [441 ب] في ألفاظ روايات عبد الله بن شقيق عن عائشة. وقد عدله رواية خمسة ألفاظ، نعم. لفظ السنن (¬3) في رواية عن عروة عن عائشة بلفظ: "أنها لم تر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي صلاة الليل قاعداً حتى أسن، وكان يقرأ قاعداً حتى إذا أراد أن يركع قام فقرأ نحواً من ستين آية" وفي نسخة: "من ثلاين أو أربعين آية ثم ركع". قوله: "وفي أخرى: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي جالساً" (¬4) الحديث. أقول: ظاهر عبارته أن هذه الرواية [434/ أ] لعبد الله بن شقيق عن عائشة؛ لأنه في سياق حديثه، ولأنها قاعدة المحدثين إذا رووا حديثاً عن راوٍ ثم قالوا: وفي أخرى، أي: لذلك الراوي. وهذه الرواية التي ذكرها المصنف ليست عن عبد الله بن شقيق بل عن عروة عن عائشة، ولذا إن ابن الأثير بعد سياقه لألفاظ عبد الله بن شقيق، قال: وكذا أي لمسلم (¬5) والبخاري (¬6) عن ¬

_ (¬1) في "الغريبين" (2/ 461). (¬2) (5/ 315). (¬3) أخرجه أبو داود رقم (953، 954)، والترمذي رقم (374)، وابن ماجه رقم (1226)، والنسائي رقم (1648، 1650)، وقد تقدم. (¬4) تقدم، وهو حديث صحيح. (¬5) في صحيحه رقم (731). (¬6) في صحيحه رقم (1118, 1119).

عروة: أن عائشة أخبرته إلى أن قال: وفي أخرى يريد لعروة عن عائشة: "كان يصلي جالساً (¬1)، فإذا بقي" الحديث. وقد يقال: أراد المصنف، وفي أخرى، أي: عن عائشة وإن اختلفت طريق الروايتين، لكن هذا ليس عرف المحدثين ولا اصطلاحهم، والأحاديث كلها دالة على أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي النافلة في الليل بعضها قاعداً وبعضها قائماً. وفي بعض ألفاظ عبد الله بن شقيق عنها: "أنه كان يقرأ، فإذا أراد أن يركع قام فركع" فدل وقد سألها كيف يصنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو جالس على [442 ب] أنه يقوم تارة فيقرأ تارة يقوم لمجرد الركوع، إلا أنه أخرج الترمذي (¬2) وأبو داود (¬3) والنسائي (¬4) عن عروة عنها، قال: سألتها عن صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن تطوعه؟ قالت: كان يصلي ليلاً طويلاً قائماً وليلاً طويلاً قاعداً، فإذا قرأ وهو قائم سجد وركع وهو قائم، وإذا قرأ وهو جالس ركع وسجد وهو جالس. وقال الترمذي (¬5): حسن صحيح. والأحاديث دالة على جواز الأمرين في الحالين، وأنه من العمل المخير فيه. قوله: "يصلي متربعاً" أقول: قد نقل المصنف كابن الأثير عن النسائي إنه خطأ، إلا أنه أخرج الدارقطني (¬6) عن عائشة قالت: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي متربعاً. ¬

_ (¬1) ونصه: "كان يصلي جالساً فيقرأ وهو جالس، فإذا بقي". (¬2) في "السنن" رقم (375). (¬3) في "السنن" رقم (955). (¬4) في "السنن" رقم (1647، 1648). وأخرجه مسلم في صحيحه رقم (730)، وهو حديث صحيح. (¬5) في "السنن" (2/ 213). (¬6) في "السنن" (1/ 397 رقم 3)، وهو حديث صحيح، وقد تقدم.

30 - وعن أم سلمة - رضي الله عنها - قالت: "مَا قُبِضَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى كَانَ أَكْثَرُ صَلَاتِهِ جَالِسًا إِلا المَكْتُوبَةَ, وَكَانَ أَحَبُّ العَمَلِ إِلَيْهِ أَدْوَمَهُ وَإِنْ قَلَّ". أخرجه النسائي (¬1). [صحيح لغيره] قوله في حديث أم سلمة: "كان أكثر صلاته جالساً" أقول: هو مطلق محمول على ما قيده به حديث عبد الله بن شقيق عن عائشة بلفظ (¬2): "لما بدن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وثقل كان أكثر صلاته جالساً"، وفي لفظ (¬3) له عنها: "أنه - صلى الله عليه وسلم -[لم يمت حتى] (¬4) كان كثير من صلاته [وهو] (¬5) جالساً". قوله: "وكان أحب الأعمال إليه أدومه وإن قل" هو مثل حديث (¬6): "كان عمله ديمة" وأفاد هذا أنه كان أحب إليه. 31 - وعن حَفْصَةَ - رضي الله عنها - قالت: "مَا رَأَيتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى في سُبْحَتِهِ قَاعِدًا حَتَى كَانَ قَبْلَ وَفَاتِهِ بِعَامٍ، فَكَانَ يُصَلِّي فِي سُبْحَتِهِ قَاعِدًا، وَكلانَ يُصَلِّي بِالسُّورَةِ فَيُرَتِّلُهَا حَتَى تَكُونَ أَطْوَلَ مِنْ أَطْوَلَ مِنْهَا" (¬7). [صحيح] ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (1653)، وهو حديث صحيح لغيره. (¬2) أخرجه البخاري رقم (4837)، ومسلم رقم (117، 732)، وأخرجه أحمد (6/ 169). (¬3) أخرجها مسلم في صحيحه رقم (116/ 732). (¬4) سقطت من (ب). (¬5) سقطت من (ب). (¬6) أخرجه البخاري رقم (1987، 6466)، ومسلم رقم (783)، وأبو داود رقم (1370)، وأحمد (4/ 109). (¬7) أخرجه أحمد (6/ 285)، ومسلم رقم (118/ 733)، والنسائي في "السنن" (3/ 223)، والترمذي رقم (373) وقال: هذا حديث حسن صحيح. وهو حديث صحيح.

المراد "بِالسُّبْحَةِ" (¬1) هنا: النافلة خاصة. "وَتَرْتيلُ القِرَاءَةِ" تبيينها وترك العجلة فيها (¬2). قوله: "ويرتلها حتى تكون أطول من أطول منها" يعني: إذا لم يرتل الأخرى، وهذا منها. قوله في حديث حفصة: "كان قبل وفاته بعام" أقول: هذا الحديث بيّن مقدار المدة التي صلى فيها النافلة قاعداً. والأحاديث غيره بلفظ: "لما بدن" بالموحدة والدال المهملة. قال أبو عبيد (¬3) في كلامه على حديث: "لا تبادروني بالركوع والسجود فإني قد بدنت" قال أبو عبيد: هكذا روى الحديث بالتخفيف وإنما هو بالتشديد، أي: كبرت وأسنيت. والتخفيف من البدانة وهي كثرة اللحم، ولم يكن - صلى الله عليه وسلم - سميناً. قال ابن الأثير (¬4) متعقباً له: قد جاء في صفته [443 ب]- صلى الله عليه وسلم - في حديث ابن أبي هالة بادن متماسك. والبادن: الضخم، فلما قال بادن أردفه بمتماسك، وهو الذي يمسك بعض أعضائه بعضاً، فهو معتدل الخلق. انتهى. وفي "القاموس" (¬5) بدن ككرم ونصر أسن وضعف. وبلفظ: "حتى أسن" وحديث حفصة: "أنه أسن وبدن قبل وفاته بعام". قال ابن الأثير (¬6): وفي رواية, أي: عن حفصة "بعام أو عامين". ¬

_ (¬1) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (5/ 316). (¬2) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (5/ 316). (¬3) في "الغريبين في القرآن والحديث" (3/ 853). (¬4) في "تتمة جامع الأصول" (1/ 95 - قسم التراجم). (¬5) "القاموس المحيط" (ص 1522). (¬6) في "الجامع" (5/ 316).

أخرجه مسلم (¬1) و"الموطأ" (¬2) والترمذي (¬3). قلت: وقال (¬4): صحيح. وأخرجه النسائي (¬5). 32 - وعن ابن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال: حُدِّثْتُ أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّ صَلَاةُ الرَّجُلِ قَاعِدًا عَلىَ نِصْفُ الصَّلَاةِ"، قَالَ: فَأَتَيْتُهُ فَوَجَدْتُهُ يُصَلِّي جَالِسًا فَوَضَعْتُ يَدِي عَلَى رَأْسِهِ، فَقَالَ: "مَا لَكَ يَا عَبْدَ الله بْنَ عَمْرٍو"؟ قُلْتُ: حُدِّثْتُ يَا رَسُولَ الله! أنَّكَ قُلْتَ صَلَاةُ الرَّجُلِ قَاعِدًا عَلَى نِصْفِ الصَّلَاةِ وَأَنْتَ تُصَلِّي قَاعِدًا. قَالَ: "أَجَلْ، وَلَكِنِّي لَسْتُ كَأَحَدٍ مِنْكُمْ". أخرجه مسلم (¬6)، ومالك (¬7)، والترمذي (¬8)، والنسائي (¬9). [صحيح] قوله في حديث ابن عمرو: "إن صلاة الرجل قاعداً على نصف الصلاة" أقول: أي: الصلاة قائماً، لما في رواية: "الموطأ" (¬10) بلفظ: "صلاة أحدكم وهو قاعد مثل نصف صلاته وهو قائم" ثم المراد نقصان أجرها. والظاهر أن هذا لغير المعذور، إلاّ أن في لفظ من روايات ¬

_ (¬1) في صحيحه رقم (733). (¬2) (1/ 137). (¬3) في "السنن" رقم (373). (¬4) في "السنن" (2/ 212). (¬5) في "السنن" (3/ 223)، وهو حديث صحيح، وقد تقدم. (¬6) في "صحيحه" رقم (735). (¬7) في "الموطأ" (1/ 136، 137). (¬8) لم يخرجه الترمذي، ولم يعزه ابن الأثير في "الجامع" للترمذي. (¬9) في "السنن" رقم (1659). وأخرجه أبو داود رقم (950) وابن ماجه رقم (1229). وهو حديث صحيح. (¬10) (1/ 136) رقم (19). وهو حديث صحيح، وقد تقدم.

ابن عمر (¬1)، أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: لما قدمنا المدينة نالنا وباء من وعكها شديد فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الناس، وهم يصلون في سبحتهم قعوداً، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "صلاة القاعد مثل نصف صلاة القائم" فدل أنه وإن كان معذوراً، ويحتمل أن الحمى لم تبلغ بهم إلى ضعف يعجزون معه عن القيام. قوله: "أجل" بفتح الهمزة, فجيم ساكنة فلام. حرف جواب، مثل نعم، فيكون تصديقاً للخبر أي: نعم هي على نصف صلاة القائم في أجرها، ولكنه - صلى الله عليه وسلم - أخبره أنه اختص بأن صلاته قاعداً ليست كصلاة غيره. وقد عدوا ذلك من خصائصه - صلى الله عليه وسلم -، وفيه دليل على أن الصحابة لا يرون أنه - صلى الله عليه وسلم -[444 ب] يفعل إلا الأفضل من الأعمال. 33 - وعن محارب بن دثار قال: نَظَرَ حُذَيَفْة - رضي الله عنه - إِلَى رَجُلِ يُصَلِّيْ وَلاَ يُقِيمُ ظَهْرهُ فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ لَهُ: أَيأْلَمُ ظَهْرُكَ؟ قَالَ: لاَ، قَالَ: إِنّكَ لَوْ مُتَّ عَلَى حَالَتِكَ هَذهِ مُتَّ مُخَالِفاً لِسُنَّةِ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -. أخرجه رزين. قلت: وهو في البخاري (¬2) بلفظ: رَأَى حُذَيْفَةُ رَجُلاً لاَ يُتِمُّ رُكُوعَهُ وَلاَ سُجُودَهُ، قَالَ: فَلَمَا قَضَى صَلاَتُه، قَالَ لَه حُذَيْفَةُ: مَا صَلَّيْتَ؟ وَلَوْ مُتَّ مُتَّ عَلَى غَيْرِ الفِطْرَةِ الَّتِي فَطَرَ الله مُحَمَدِاً - صلى الله عليه وسلم -، والله أعلم. [صحيح] قوله: "محارب بن دثار" أقول: محارب، بالحاء المهملة، اسم فاعل من حارب. ودثار، بكسر الدال المهملة، ومثلثة آخره راء، وهو أبو النضر محارب بن دثار بن كردوس السدوسي، قاضي الكوفة، تابعي، سمع جابر بن عبد الله وابن عمر، روى عنه مسعر، والثوري، وشعبة، وابن عيينة (¬3). ¬

_ (¬1) أخرجه مالك في "الموطأ" (1/ 136 - 137) رقم (20). وهو حديث ضعيف بهذا السياق. (¬2) في "صحيحه" رقم (791) و (808)، وأخرجه أحمد (5/ 384). (¬3) قاله ابن الأثير في "تتمة جامع الأصول" (2/ 866 - قسم التراجم).

قوله: "نظر حذيفة" أي: ابن اليمان. "ولا يقيم ظهره" أي في صلاته، يحتمل في القيام الأول، أو في قيامه من الركوع أو فيهما، فسأله هل بظهره ألم؟ فأجابه بأنه ليس به ألم، فأخبره بأنه مخالف للسنة. أي: للطريقة التي أتى بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[435/ أ] وعلمها العباد. قوله: "أخرجه رزين" أقول: على قاعدته التي عرفت عدم صحتها، وابن الأثير (¬1) بيض له على طريقته الصحيحة. قوله: "قلت: وهو في البخاري" أقول: هو فيه (¬2) مسند ترجم له (¬3) - باب: إذا لم يتم السجود - حدثنا الصَّلتُ بن محمدٍ قال: حدثنا مهدي، عن واصل، عن أبي وائل، عن حذيفة: رأى رجلاً لا يتم ركوعه ولا سجوده. قال: فلما قضى صلاته, قال له حذيفة: ما صليت، وأحسبه قال: لو متَّ متَّ على غير سنة محمد - صلى الله عليه وسلم -. انتهى بلفظه. وسقط على المصنف قوله: "وأحسبه" قال له: وهو ثابت في البخاري: وبحذف المصنف له صار جزماً أنه أخبره أنه يموت على غير السنة. وبزيادة, وأحسبه صار الإخبار ظناً من الراوي. هل قاله حذيفة أولا. 34 - وعن أبي حازم قال: قَالَ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ - رضي الله عنهما -: كَانَ النَّاسُ يُؤْمَرُونَ أَنْ يَضَعَ الرَّجُلُ اليَدَ اليُمْنَى عَلَى ذِرَاعِهِ اليُسْرَى فِي الصَّلَاةِ، قَالَ أَبُوحَازِمٍ: لَا أَعْلَمُ إِلَّا أنَّهُ يَنْمِي ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -. أخرجه البخاري (¬4) ومالك (¬5). [صحيح] ¬

_ (¬1) في "الجامع" (5/ 318). (¬2) في "البخاري" (2/ 359) الباب رقم 132 - مع الفتح). (¬3) في "صحيحه" (2/ 395 الباب رقم 132 - مع الفتح). (¬4) في "صحيحه" رقم (740). (¬5) في "الموطأ" (1/ 395). =

قوله: "وعن أبي حازم" أقول: [445 ب] بالحاء المهملة وزاي اسمه: سلمة بن دينار الأعرج المديني، مولى الأسود بن سفيان المخزومي، من عباد أهل المدينة, وفقهائهم المشهورين، من تابعيهم. روى عن سهل بن سعد وغيره، وعنه جماعة (¬1). قوله: "قال سهل بن سعد: كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل اليد اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة" أقول: ترجم ابن الأثير في "الجامع" (¬2): وضع اليدين والرجلين. قوله: "لا ينمي" أي: سهل بن سعد وهو بفتح أوله، وسكون النون وكسر الميم، قال أهل اللغة (¬3): نميت الحديث إلى غيري رفقته وأسندته. وفي اصطلاح أهل الحديث: إذا قال الراوي: ينميه فمراده يرفع ذلك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - كما عرف في علوم الحديث (¬4). فقوله: "يؤمرون" محمول على أن الآمر لهم النبي - صلى الله عليه وسلم -. ويدل أن الأمر هو النبي - صلى الله عليه وسلم - ما في "سنن أبي داود" (¬5) والنسائي (¬6)، و"صحيح ابن السكن" (¬7). ¬

_ = وأخرجه أحمد: (5/ 336)، والطبراني في "المعجم الكبير" (رقم: 5772). وهو حديث صحيح. (¬1) قاله ابن الأثير في "تتمة جامع الأصول": (1/ 470 قسم التراجم). (¬2) (5/ 318). (¬3) انظر: "الفائق" للزمخشري (4/ 27). قال ابن الأثير في "النهاية" (2/ 799): نميتُ الحديث أنمية, إذا بلغته على وجه الإصلاح وطلب الخير، فإذا بلغته على وجه الإفساد والنميمة، قلت: نميّتُه، بالتشديد. انظر: "غريب الحديث" للهروي، (1/ 340). (¬4) قال ابن الصلاح في "علوم الحديث" (ص 50): من قبيل المرفوع الأحاديث التي قيل: في أسانيدها عند ذكر الصحابي: "يرفع الحديث" ويبلغ به، أو ينميه أو رواية. (¬5) في "السنن" رقم (755). (¬6) في "السنن" (2/ 126). (¬7) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 224). =

وعن ابن مسعود، قال: رآني النبي - صلى الله عليه وسلم - واضعاً يدي اليسرى على اليمنى فرفعهما ووضع اليمنى على اليسرى. وإسناده حسن. وقوله: "على ذراعه" أبهم موضعه من الذراع. وفي حديث وائل بن حجر عند أبي داود (¬1) والنسائي (¬2)، ثم وضع يده اليمنى على ظهر كفه اليسرى، والرسغ من الساعد. وصححه ابن خزيمة (¬3) وغيره (¬4). والرابع: بضم الراء وسكون المهملة بعدها معجمة، هو المفصل بين الساعد والكف. وكذلك لم يذكر موضع وضعهما من الجسد، وقد روى ابن خزيمة (¬5) من حديث وائل. وضعهما تحت صدره. هكذا قاله [446 ب] الحافظ في "فتح الباري" (¬6). لكنه رواه في كتابه "بلوغ المراد" (¬7) من حديث وائل منسوباً إلى تخريج ابن خزيمة (¬8) بلفظ: "على صدره"، وهكذا رواه الدميري ¬

_ = وأخرجه ابن ماجه رقم (811) والدارقطني (2/ 286 - 287) والبيهقي في "السنن الكبرى" (2/ 28). وهو حديث حسن، والله أعلم. (¬1) في "السنن" رقم (727). (¬2) في "السنن" (2/ 126 - 127). (¬3) في "صحيحه" رقم (905). (¬4) كابن حبان رقم (1860، 1862)، والبخاري في "رفع اليدين في الصلاة" رقم (67) والبيهقي في "السنن الكبرى" (2/ 27 - 28) من طرق. وهو حديث صحيح. (¬5) في "صحيحه" رقم (480)، (714). (¬6) في "الفتح" (2/ 224). (¬7) (2/ 183) رقم 12/ 263 - مع سبل السلام) بتحقيقي. (¬8) في "صحيحه" رقم (479) بإسناد ضعيف؛ لأن مؤملاً، وهو ابن إسماعيل سيء الحفظ لكن الحديث صحيح، جاء من طرق أخرى بمعناه, وفي الوضع على الصدر أحاديث تشهد له. قاله الألباني.

في "السراج الوهاج شرح المنهاج" (¬1) بلفظ: "على صدره" ثم قال: وعبارة الأصحاب تحت صدره. وهو كالمعرض بأنهم خالفوا لفظ الحديث، وبلفظ: "على صدره" رواه النووي في "شرح المهذب" (¬2) وللبزار (¬3): "عند صدره" وعند أحمد في "زيادات المسند" (¬4)، من حديث علي - عليه السلام -: "وضعهما تحت السرة" وإسناده ضعيف. وقال ابن عبد البر (¬5): لم يأت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه خلاف. وهو قول الجمهور من الصحابة والتابعين، وهذا الذي ذكره في "الموطأ" (¬6) ولم يحك ابن المنذر (¬7) وغيره (¬8) عن مالك غيره, وتأتي أحاديث صريحة في رفعه إليه - صلى الله عليه وسلم - منها حديث ابن مسعود الذي ذكره المصنف. 35 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه -: أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي فَوَضَعَ يَدَهُ اليُسْرَى عَلَى اليُمْنَى، فَرَآهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَوَضَعَ يَدَهُ اليُمْنَى عَلَى اليُسْرَى. أخرجه أبو داود (¬9) واللفظ له، والنسائي (¬10). [حسن] ¬

_ (¬1) (1/ 101 - 102). (¬2) (3/ 313). (¬3) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 224). (¬4) (1/ 110). (¬5) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 224). (¬6) (1/ 159). وهو حديث صحيح، وقد تقدم. (¬7) في "الأوسط" (3/ 94). (¬8) انظر: "المجموع شرح المهذب" (3/ 269 - 270). (¬9) في "السنن" رقم (755). (¬10) في "السنن" (2/ 126). وهو حديث حسن، وقد تقدم.

36 - وعن وائل بن حجر - رضي الله عنه - قال: رَأَيْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، إِذَا كَانَ قَائِمًا فِي الصَّلَاةِ، قَبَضَ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ. أخرجه النسائي (¬1). [صحيح] قوله: في حديث وائل: "قبض بيمينه على شماله" أقول: لم يبين فيه موضع القبض، ولا أين وضعهما، وقدمنا حديثه فى بيان ذلك. قال العلماء (¬2): الحكمة في الهيئة أنها صفة السائل الذليل، وهو أمنع من العبث، وأقرب إلى الخشوع. قال بعضهم: والخشوع معنى يقوم بالنفس، يظهر عند سكون الأطراف، وهو من فعل القلب، والسكون من فعل البدن. 37 - وعن إسماعيل بن أمية قال: سَالتُ نَافِعًا عَنِ الرَّجُلِ يُصَلِّي وَهُوَ مُشَبِّكٌ يَدَيْهُ، فَقَالَ: سَمِعْتُ ابْنُ عُمَرَ - رضي الله عنهما - يَقُولُ: تِلْكَ صَلاةُ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ. أخرجه أبو داود (¬3). [صحيح موقوف] وفي رواية ذكرها رزين: أَنَّ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: رَأَى رَجُلًا يَتَّكِئُ عَلَى اليةِ يَده اليُسْرَى وَهُوَ قَاعِدٌ فِي الصَّلَاةِ, فَقَالَ لَهُ: لَا تَجْلِسْ هَكَذَا، فَإِنَّ هَكَذا يَجْلِسُ الَّذِينَ يُعَذَّبُونَ (¬4). [حسن موقوف] قوله: "وعن إسماعيل بن أمية" أقول: هو إسماعيل (¬5) بن أمية بن عمرو بن سعيد بن العاص الأموي القرشي المكي. سمع نافعاً والزهري، وسعيد المقبري، روى عنه الثوري وغيره [447 ب]. ¬

_ (¬1) في "السنن" (2/ 127) وقد تقدم. (¬2) ذكره الحافظ في "فتح الباري" (2/ 224). (¬3) في "السنن" رقم (993). وهو أثر صحيح موقوف. (¬4) أخرجه أبو داود رقم (994). وهو أثر حسن موقوف. (¬5) ذكره ابن الأثير في "تتمة جامع الأصول" (1/ 176 - قسم التراجم).

قوله: "وهو مشبك يديه" التشبيك: هو إدخال الأصابع بعضها في بعض، قيل: كره (¬1) ذلك كما كره عقص الشعر (¬2)، واشتمال الصماء والاحتباء في ثوب واحد، وقيل: التشبيك (¬3) والاحتباء مما يجلب النوم، فنهى عن التعرض لما ينقض الطهارة. قوله: "وفي رواية ذكرها رزين" أقول: هكذا في "الجامع" (¬4) وهي في "سنن أبي داود" (¬5) من رواية هشام بن سعد، عن نافع، عن ابن عمر، ولفظه: "أنه رأى رجلاً يتكئ على يده اليسرى, وهو قاعد في الصلاة"، وقال هارون بن يزيد يريد أحد رواته ساقطاً على شقه الأيسر، فقال: لا تجلس، الحديث. 38 - وعن أبي جحيفة - رضي الله عنه -: أَنَّ عَلِياً - رضي الله عنه - قَالَ: "السُّنَّة وَضْعُ الكَفِّ عَلَى الكَفِّ فِي الصَّلاَة, وَيَضَعهُماَ تَحْتَ السُّرَّةِ" (¬6). أخرجه رزين. [ضعيف] قوله في حديث علي - عليه السلام -: "أخرجه رزين" أقول: ومثله في "الجامع" (¬7) وهو في "سنن أبي داود" (¬8) بلفظه من حديث أبي جحيفة أن علياً قال: الحديث. وسكت عليه أبو داود والمنذري. [436/ أ] وقدمنا لك أنه أخرجه أحمد في "زوائد المسند" (¬9) وإسناده ضعيف. ¬

_ (¬1) انظر: "المجموع شرح المهذب" (4/ 38). (¬2) سيأتي تفصيله. (¬3) سيأتي تفصيله. (¬4) (5/ 321). (¬5) في "السنن" رقم (994). وهو أثر حسن موقوف وقد تقدم. (¬6) أخرجه أبو داود رقم (756)، وأحمد (2/ 110)، والدارقطني (2/ 186)، والبيهقي (2/ 31). وهو حديث ضعيف. (¬7) (5/ 322). (¬8) في "السنن" رقم (756). (¬9) (1/ 110).

39 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: "نَهَى النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ الِاخْتِصاَرِ فِي الصَّلاَةِ". أخرجه الخمسة (¬1). [صحيح] قوله في حديث أبي هريرة: "نهى عن الاختصار" أقول: الأشهر فيه (¬2) أنه وضع اليد على الخاصرة، وقيل (¬3): المراد به حذف الطمأنينة, وقيل (¬4): قراءة آية أو آيتين من آخر السورة، وقيل: حذف آية سجدة إذا مر بها، وقيل: أخذ المخصرة والتوكي عليها في الصلاة، وحديث عائش الآتي، دال على أن النهي عنه؛ لأنه من فعل اليهود. [448 ب]. 40 - وفي أخرى للبخاري (¬5) عن عائشة - رضي الله عنها -: أَنَّهاَ كَانَتْ تَكْرَهُ أَنْ يَجْعَلَ الرَّجُلُ يَدَهُ فِي خَاصِرَتِهِ, وَتَقُولُ إِنَّ اليَهُودَ تَفْعَلُهُ. [صحيح] 41 - وفي أخرى ذكرها رزين قال: نَهَى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنْ الِاخْتِصَارَ فِي الصَّلاَةِ وَغَيْرِهاَ. 42 - وعن زياد بن صُبيح الحنفي قال: صَلَّيْتُ إِلَى جَنْبِ ابْنِ عُمَرَ، فَوَضَعْتُ يَدِي عَلَى خَاصِرَتِي، فَلَمَّا صَلّى قَالَ: هَذا الصَّلْبُ فِي الصَّلاَةَ وَكَانَ النَّبيَ - صلى الله عليه وسلم - يَنْهَى عَنْهُ. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (1220)، ومسلم رقم (545)، وأبو داود رقم (947)، والترمذي رقم (383)، والنسائي (2/ 127). وأخرجه أحمد (2/ 232، 290، 295، 331، 399)، وأبو يعلى رقم (6043)، وابن خزيمة رقم (908)، وابن حبان رقم (2285)، والبغوي رقم (730)، والبيهقي (2/ 287). وهو حديث صحيح. (¬2) انظر: "النهاية" (1/ 495) "الفائق" للزمخشري (1/ 375). (¬3) انظر: "فتح الباري" (3/ 89). (¬4) ذكره ابن الأثير في "النهاية" (1/ 495). (¬5) في "صحيحه" رقم (3458).

أخرجه أبو داود (¬1)، واللفظ له، والنسائي (¬2). [صحيح] قوله في حديث ابن عمر: "الصَّلب" (¬3) بالصاد المهملة، وسكون اللام، فموحدة قيل شبه الصلب؛ لأن المصلوب يمد باعه على الجذع، وهيئة المصلوب في الصلاة: أن يضع يده على خاصرته، ويجافي بين عضديه في القيام. قلت: ترجم (¬4) له أبو داود. - باب [في] (¬5) التخصر والإقعاء - وساق هذا الحديث. 43 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه -: أَنّهُ رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي قَدْ صَفَّ بَيْنَ قَدَمَيْهِ، فَقَالَ: خَالَفَ السُّنَّةَ لَوْ رَاوَحَ بَيْنَهُمَا كَانَ أَفْضَلَ. أخرجه النسائي (¬6). [إسناده ضعيف] قوله في حديث ابن مسعود: (لو راوح بينهما) أقول: في "النهاية" (¬7) وفيه أنه كان يراوح بين قدميه من طول القيام. أي: يعتمد على إحداهما مرة، وعلى الأخرى مرة ليوصل الراحة إلى كل منهما، ومن حديث ابن مسعود أنه أبصر رجلاً صافاً قدميه, فقال: لو راوح كان أفضل. انتهى. 44 - وعن أم قيس بنت محصن - رضي الله عنها -: "أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، لمَّا أَسَنَّ وَحَمَلَ اللَّحْمَ اتَّخَذَ عَمُودًا فِي مُصَلاَّهُ يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ". أخرجه أبو داود (¬8). [صحيح] ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (903). (¬2) في "السنن" رقم (891)، وهو حديث صحيح. (¬3) قاله: ابن الأثير في "النهاية" (2/ 44). (¬4) في "السنن" (1/ 556 الباب رقم 160). (¬5) زيادة من (أ). (¬6) في "السنن" رقم (891, 892) بإسناد ضعيف. (¬7) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 700). وانظر: "غريب الحديث" للخطابي (3/ 248). (¬8) في "السنن" رقم (948)، وهو حديث صحيح.

القراءة

قوله: "وعن أم قيس بنت محصن" أقول: لفظه في: "الجامع" (¬1) وعن هلال (¬2) ابن يساف بفتح المثناة التحتية فسين مهملة، ففاء آخره. وهلال: هو أبو الحسن مولى [أشجع] (¬3) أدرك علي بن أبي طالب - عليه السلام -، روى عن سلمة بن قيس، وسمع أبا مسعود الأنصاري، وسمع منه جماعة. ولفظه عنه قال: قدمت الرقة فقال لي بعض أصحابي: هل في رجل من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قلت: غنيمة فدفعنا إلى رابضة، فقلت: لصاحبي نبدأ فننظر إلى دله، فإذا عليه قلنسوة لاطئة ذات أذنين، وبرنس خز أغبر وإذا هو يعتمد على عصا في صلاته, فقلنا له بعد أن سلمنا، فقال: حدثتني أم قيس بنت محصن فذكره. وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "اتخذه في مصلاه في منزله" لا في مسجده وإلا [لكان] (¬4) [449 ب] أمراً معروفاً لا يختص [برواية] (¬5) صحابية، ثم الاعتماد ولعله كان عند القيام من سجوده وركوعه، ويحتمل أنه يعتمد عليه حال قيامه لطول قراءته. قوله: القراءة 1 - عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "كانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَفْتَتِحُ قِرَاءَتَهُ بِبِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحْيِمِ". أخرجه الترمذي (¬6). [ضعيف] ¬

_ (¬1) (5/ 323) رقم (3417). (¬2) ذكره ابن الأثير في "تتمة جامع الأصول" (2/ 990 - قسم التراجم). (¬3) في (ب) النخعي، وما أثبتناه من (أ) وتتمة جامع الأصول. (¬4) في (ب) فكان. (¬5) في (أ) بروايته. (¬6) في "السنن" رقم (245) وهو حديث ضعيف.

القراءة أي: في الصلاة، وترجمه ابن الأثير (¬1) الفرع الثالث في القراءة، ثم جعلها خمسة أنواع. الأول: في البسملة. قوله في حديث ابن عباس: "يفتتح صلاته" أي: قراءته فيها ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أي: في فاتحة الكتاب سيأتي ما يعارضه. قوله: "أخرجه الترمذي" قلت: وقال (¬2): ليس إسناده بذاك، وقد قال: بهذا عدة من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - منهم أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وابن الزبير، ومن بعدهم من التابعين، رأوا الجهر ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وبه يقول الشافعي (¬3). انتهى. وجاء ذكره البيهقي في "السنن الكبرى" (¬4) من طريقين، وقال: له شواهد عن ابن عباس ذكرناها في الخلافيات (¬5)، وأخرج (¬6) عن أبي هريرة قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجهر في الصلاة ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فترك الناس ذلك. انتهى. وكأنه يشير أبو هريرة إلى ما أخرجه البيهقي (¬7)، عن إسماعيل بن عبيد بن رفاعة، عن أبيه أن معاوية قدم المدينة فصلى بهم، ولم يقرأ ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، ولم يكبر إذا خفض، وإذا رفع، فناداه المهاجرون حين سلم والأنصار. أي: معاوية سرقت صلاتك، أين بسم الله ¬

_ (¬1) في "الجامع" (5/ 324). (¬2) أي: الترمذي في "السنن" (2/ 14 - 15). (¬3) انظر: "المجموع شرح المهذب" (3/ 298). (¬4) (2/ 58 - 59). (¬5) انظر "مختصر الخلافيات" (2/ 54). (¬6) البيهقي في "السنن الكبرى" (2/ 59). (¬7) في "السنن الكبرى" (2/ 58 - 59).

الرحمن الرحيم، وأين التكبير [450 ب] إذا خفضت، وإذا رفعت؟ فصلى بهم صلاة أخرى فقال ذلك فيها الذي عابوا عليه. وذكر من طريق أخرى مثله. وقال: مثل معناه. انتهى. وقد عارضه حديث أنس الثاني: 2 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، وَأَبِى بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْماَنَ - رضي الله عنهم -، فَلَم أَسْمَعْ مِنْهُمْ يَقْرَأُ بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. أخرجه الستة (¬1). [صحيح] قوله: "أنه - صلى الله عليه وسلم -، ومع الخلفاء الثلاثة, وأنه لم يسمع أحداً يقرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وقد أخرجه الستة" فهو أرجح سنداً من حديث ابن عباس، قال الترمذي (¬2): بعد إخراجه. وبلفظ: أن من ذكره كانوا يفتتحون القراءة: بالحمد لله رب العالمين، قال أبو عيسى (¬3): هذا حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، والتابعين ومن بعدهم، كانوا يستفتحوا القراءة بالحمد لله رب العالمين. قال الشافعي (¬4): إنما معنى هذا الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأبا بكر، وعمر، وعثمان، كانوا يفتتحون القراءة بالحمد الله رب العالمين معناه؛ أنهم كانوا يبدأون بقراءة فاتحة الكتاب قبل السورة وليس معناه أنهم كانوا لا يقرؤون بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وكان الشافعي يرى أن يبدأ ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ يجهر بها. انتهى بلفظه. إلا أنه لا يتم ما قاله الشافعي فيما يأتي من حديث عبد الله بن مغفل. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري، رقم (743)، ومسلم رقم (399)، وأبو داود رقم (782)، والترمذي رقم (246)، والنسائي في "المجتبى" (2/ 135)، وفي "السنن الكبرى" (1/ 470 رقم 981)، ومالك في "الموطأ" (1/ 81)، وهو حديث صحيح. (¬2) في "السنن" (2/ 15 - 16). (¬3) في "السنن" (2/ 15 - 16). (¬4) انظر: الأمر (2/ 247) "المجموع شرح المهذب" (3/ 305).

3 - وعن ابن عبد الله بن مغفل قال: سمِعَنِي أَبي وأَنَا أَقْرأَ بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فَقَالَ لِي أَيْ بُنَيِّ مُحْدَثٌ: إِيَّاكَ وَالحَدَثَ، قَالَ: وَلَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -[كَانَ] (¬1) أَبْغَضَ إِلَيْهِ الحَدَثُ مِنْهُ، قَالَ: وَقَدْ صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، وَمَعَ أَبِي بَكْرٍ، وَمَعَ عُمَرَ، وَمَعَ عُثْمَانَ، - رضي الله عنهم -، فَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْهُمْ يَقُولُهَا، فَلاَ تَقُلْهَا، إِذَا أَنْتَ صَلَّيْتَ فَقُلِ: الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ. [ضعيف] أخرجه الترمذي (¬2) وهذا لفظه، والنسائي (¬3). "الحَدَثُ" الأمر الحادث الذي لم تأت به سنة. وهو قوله: "وعن عبد الله بن مغفل" (¬4) هو بالغين المعجمة, بن عبد غنم المزني، نسب إلى أمه مزينة (¬5) [437/ أ] بنت كلب بن وبرة، وعبد الله من أصحاب الشجرة، وكان من البكائين، يكنى أبا سعيد، وقيل: أبو عبد الرحمن، وقيل: أبو زياد، قال: سمعني أبي وأنا أقرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، أي: في صلاته, فقال: "أي: بني محدث" أي: الجهر بها [أو قراءتها] (¬6) ثم أخبر أنه صلى خلف رسول - صلى الله عليه وسلم -[451 ب] وخلف الخلفاء الثلاثة، فلم يسمع أحداً منهم يقولها، الظاهر يجهر بها. ¬

_ (¬1) سقطت من (أ، ب) وأثبتناها من "سنن الترمذي". (¬2) في "السنن" رقم (244). (¬3) في "المجتبى" (2/ 135)، وفي "السنن الكبرى" رقم (982)، وأخرجه أحمد (4/ 85)، وابن ماجه رقم (982). وهو حديث ضعيف. والله أعلم. (¬4) ذكره ابن الأثير في "تتمة جامع الأصول" (2/ 584 - قسم التراجم). (¬5) كذا في "المخطوط" (أ. ب) والذي في "تتمة جامع الأصول": ومزينة أمهم. (¬6) زياد من (أ).

قوله: "أخرجه الترمذي، وهذا لفظه" أقول: سقط من لفظه على المصنف قوله: بعد إياك والحدث، فال: ولم أر أحداً من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان أبغض إليه الحدث في الإسلام، يعني منه. انتهى بلفظ الترمذي. وقال بعد إخراجه (¬1): قال أبو عيسى: حديث عبد الله بن مغفل حديث حسن (¬2)، والعمل عليه عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وَعَدّ منهم الخلفاء الأربعة. ثم قال: وغيرهم، ومن بعدهم من التابعين، وبه يقول سفيان الثوري: وابن المبارك، وأحمد، وإسحاق، لا يرون أن يجهر ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وقالوا: ويقولها في نفسه. انتهى كلامه. والأحاديث في الباب من الطرفين كثيرة، فتعارضه كما رأيت تعارض حديث ابن عباس وابن مغفل. واحتمال حديث أنس لما قاله الشافعي: إلا أن في بعض ألفاظه [ولم] (¬3) أسمع أحداً منهم يقرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وهو اللفظ الذي ساقه المصنف، واللفظان في رواية أنس ذكرهما ابن الأثير (¬4)، وحينئذ لا يتم ما قاله الشافعي بتصريح لفظ أنس الثاني بعدم سماعه قراءة التسمية من أحد من الأربعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والثلاثة الخلفاء. ¬

_ (¬1) أي الترمذي في "السنن" (2/ 13). (¬2) قال النووي في الخلاصة: (1/ 369) متعقباً الترمذي: "ولكن أنكره عليه الحفاظ، وقالوا هو حديث ضعيف؛ لأن مداره على ابن عبد الله بن مغفل وهو مجهول, وممن صرح بهذا ابن خزيمة وابن عبد البر، والخطيب البغدادي، وآخرون، ونسب الترمذي فيه إلى التساهل". انظر: "التقريب" رقم (8476) ترجمة ابن عبد الله بن مغفل. (¬3) في (أ) فلم. (¬4) في "جامع الأصول" (5/ 324 - 325).

وإذا عرفت هذا فالأقرب والله أعلم في الجمع بين الأحاديث، أنه وقع منه - صلى الله عليه وسلم - الجهر بها تارة، والإخفاء تارة, والصلوات متكررة كل يوم، فكلٌ نقل ما سمع، وأن الأمرين جائزان، واقتصار الخلفاء على أحد الجائزين جائز لا ضير فيه, وبهذا جمع ابن القيم - رحمه الله - في "زاد المعاد" (¬1) بين الروايات: فقال ما لفظه: "وكان يجهر ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ تارة ويخفيها أكثر مما [452 ب] جهر بها، ولا ريب أنه لم يكن يجهر بها دائماً في كل يوم خمس مرات أبدا، حضراً وسفراً، ويخفي ذلك على خلفائه الراشدين، وعلما جمهور أصحابه, وأهل بلده في الأعصار الفاضلة, هذا من أمحل المحال، حتى يحتاج إلى التشبث فيه بألفاظ مجملة, وأحاديث واهية، فصحيح تلك الأحاديث غير صريح، وصريحها غير صحيح. وهذا موضع يستدعى مجلداً ضخماً". انتهى كلامه. قلت: إلا أن قوله: "خمس مرات" الأولى وثلاث مرات؛ لأن الكلام في الجهرية، وهي ثلاث صلوات في اليوم والليلة. وفي نسخة من "الهدي" ست مرات، وهي تناسب باعتبار الركعات الجهرية، ففي المغرب اثنتان ومثلهما في العشاء والفجر. 4 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: "كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إِذَا نَهَضَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ اسْتفْتَحَ الْقِرَاءَة بِالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَلَمْ يَسْكُت". أخرجه مسلم (¬2). [صحيح] قوله في حديث أبي هريرة: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا نهض في الركعة الثانية, استفتح القراءة بالحمد لله رب العالمين، ولم يسكت" أقول: إنما ذكر الثانية؛ لأنه في الأولى كان يسكت ليدعو بدعاء [الاستفتاح] (¬3) فقد يقال: إنه يقرأ التسمية سراً عقب دعاء الافتتاح، فصرح أنه في الثانية لا يسكت، بل يفتتح القراءة بالحمد لله، وافتتاحه بها دال على أنه لا يقرأ التسمية ¬

_ (¬1) في "زاد المعاد" (1/ 199). (¬2) في "صحيحه" رقم (599) وهو حديث صحيح. (¬3) في (أ): "الافتتاح".

سراً، إذ لو قرأها في الثانية سراً لسكت، قدر قراءتها، فكذلك في الأولى: إنما سكت لأجل دعاء الافتتاح لا غير. ويحتمل أنه يريد لم يسكت في الثانية كسكوته في الأولى، بل سكت دونه فلا ينافي أنه يقرأها في الثانية سراً. 5 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ صَلَّى صَلاةً لم يَقْرَأْ فِيهَا بَفَاتِحَةِ الكِتَابِ فَهِيَ خِدَاجٌ ثَلاَثاً غَيْرُ تَمَامٍ، فَقُيِلَ لأَبيِ هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، إِنَّا نَكُونُ وَرَاءَ الإِمَامِ؟ فَقَالَ: اقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِكِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "قَالَ الله تَعَالَىَ: قَسَمْتُ الصَّلاةَ بَيْني وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْن، فَنِصْفُهَا لِي، وَنِصْفُهَا لِعَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ, فَإِذَا قَالَ العَبْدُ: الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ؛ قَالَ الله: حَمِدَنِي عَبْدِي؛ وإِذَا قَالَ: الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ؛ قَالَ الله: أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي؛ وإذَا قَالَ: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ قَالَ الله: مَجَّدَنِي عَبْدِي, وَإِذَا قَالَ: إيَّاكَ نَعْبُدُ وإيَّاكَ تَسْتَعِينُ؛ قَالَ: هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي، وَلعَبْدِي مَا سَألَ، وَإِذَا قَالَ: إهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ، غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ، وَلا الضَّالِّينَ، قَالَ: هَذَا لِعَبْديِ, وَلعَبْدِيِ مَا سَأَلَ". أخرجه الستة (¬1)، إلاّ البخاري. [صحيح] 6 - وفي أخرى لأبي داود (¬2) قال: قَالَ لِي رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "اخْرُجْ فَنَادِ فِي المَدِينَةِ: أنَّهُ لَا صَلَاةَ إِلَّا بِقُرْآنٍ، وَلَوْ بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ"، فَمَا زَادَ وَلَوْ بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ فَمَا زَادَ. [صحيح لغيره] ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم رقم (395)، والنسائي في "المجتبى" (2/ 35)، وفي "الكبرى" رقم (983، 7958، 7959، 10915)، والترمذي رقم (2953) , وأبو داود رقم (821)، وابن ماجه رقم (3784). وأخرجه أحمد (2/ 241)، والحميدي رقم (973، 974) والبخاري في "القراءة خلف الإمام" رقم (71, 79) , وأبوعوانة (2/ 128)، البيهقي في "السنن الكبرى" (2/ 38، 167) وفي "القراءة خلف الإمام" رقم (63، 64، 65) وابن حبان رقم (776، 1788، 1795) من طرق. وهو حديث صحيح، والله أعلم. (¬2) في "السنن" رقم (820). =

7 - وفي رواية ذكرها رزين: أَنَّ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَا صَلَاةَ إلّا بِقِراءةٍ. فَمَا أعْلَنَ لَنَا رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أَعلنَّا لَكُمْ, وَمَا أَخْفَى عَنَّا أَخْفَيْنَا عَنكُمْ, فَقَالَ لَهُ رَجُل: أَرَأَيْتَ يَا أَبَا هُرَيْرَة إِنْ لَمْ أَزِدْ عَلَى أُمِّ القُرْآنِ؟ فَقَالَ: قَدْ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: إِنِ انْتَهَيْتَ إِلَيْهَا أَجْزَأَتْكَ, وَإِنْ زِدْتَ عَلَيْهاَ فَهُوَ خَيْرٌ وَأَفْضَلُ". "الخِدَاجُ" (¬1) الناقص. "وَأَمُّ القُرْآن" سورة الفاتحة؛ لأنها أوله وعليها مبناه. وأمّ الشيء: أصله ومعظمه (¬2). والمراد بقوله: "قسمْتُ الصَّلاة" أي: القراءة لتفسيره إياها في الحديث بها. "وَالتَّمْجِيدُ" التعظيم والتشريف. ¬

_ = وأخرجه البخاري في "القراءة خلف الإمام" رقم (7) وابن الجارود في "المنتقى" رقم (186)، والدارقطني (1/ 321)، والحاكم (1/ 239)، والبيهقي في "القراءة خلف الإمام" رقم (41). قال الحاكم: هذا حديث صحيح لا غبار عليه, فإن جعفر بن ميمون العبدي من ثقات البصريين، ويحيى بن سعيد لا يحدث إلا عن الثقات. وقال الذهبي في "الميزان": (1/ 418 رقم 1539) جعفر بن ميمون البصري، "بياع الأنماط". قال أحمد والنسائي: ليس بقوي، وقال ابن معين: ليس بذاك وقال مرة صالح الحديث، وقال الدارقطني: يعتبر به, وقال ابن عدي: لم أر أحاديثه منكرة, ومن ذلك يظهر تساهل الحاكم في توثيقه، وكذلك موافقة الذهبي له، وخلاصة القول أن الحديث صحيح لغيره, والله أعلم. (¬1) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (1/ 473)، "غريب الحديث" للهروي (1/ 65). وقال ابن الأثير في "غريب الجامع (5/ 329) الخداج: النقص، وتقديره: فهي ذات خداج، فحذف المضاف، وأقام المضاف إليه مقامه, أو فهي مُخدَجةٌ فوضع المصدر موضع المفعول. (¬2) ذكره ابن الأثير في "غريب الجامع" (5/ 329).

القراءة بفاتحة الكتاب

القراءة بفاتحة الكتاب قوله: "وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من صلى صلاة لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب، فهي خداج [453 ب] ثلاثاً غير تمام" أي: قال هذا اللفظ - أعني - "خداج" ثلاث مرات، والخداج في لفظ أبي داود (¬1): "فهي خداج, فهي خداج، فهي خداج غير تمام" بالخاء المعجمة مكسورة، فدال مهملة، فجيم، فسرها المصنف بقوله: النقص. وبه فسره ابن الأثير (¬2)، وزاد وتقديره فهي ذات خداج، حذف المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه، أي: فهي مخدجة فوضع المصدر موضع المفعول. انتهى. وقال الخطابي (¬3): معناه ناقصة نقص فساد وبطلان، تقول العرب: أخدجت الناقة: إذا ألقت ولدها وهو دم، ولم يستبن خلقه فهي مخدج، والخداج [اسم منهي] (¬4) عنه. انتهى. والمراد: أنها ناقصة عما أمر الله به. قوله: "فقيل لأبي هريرة إنا نكون وراء الإمام" هذا دليل فهم السامع للعموم مِنْ مَنْ صلى [المنفرد] (¬5) والمؤتم [438/ أ] وكأن السائل قد عرف حديث (¬6) النهي عن منازعته الإمام، أو حديث: "فقراءة الإمام (¬7) له قراءة"، فسأله، وأجابه أبو هريرة تقرير ما فهمه من ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (821)، وهو حديث صحيح، وقد تقدم. (¬2) في "غريب الجامع" (5/ 331). (¬3) في "معالم السنن" (1/ 512 - مع السنن". (¬4) في (أ. ب) مبني. وما أثبتناه من المعالم. (¬5) في (ب) المفرد. (¬6) سيأتي تخريجه. (¬7) سيأتي تخريجه.

العموم، ورفع ما خافه من النهي عن المنازعة بأن يقرأها سراً فيكون قد قرأها، ولم ينازع الإمام. قوله في حديث أبي هريرة: "قسمت الصلاة بيني وبين عبدي" أقول: قال الخطابي (¬1): يريد بالصلاة القراءة تدل على ذلك قوله عند التفسير له والتفصيل للمراد منه [454 ب]. "إذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين؛ يقول الله: حمدني عبدي" إلى آخر السورة وقد تسمى القراءة صلاة لوقوعها في الصلاة, وكونها جزء من أجزائها كقوله: "ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها" (¬2) [و] (¬3) قيل: معناه القراءة: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا (78)} (¬4). أي: صلاة الفجر، فسمى الصلاة مرة قرآناً، والقرآن مرة صلاة [لانتظام] (¬5) أحدهما للآخر يدل على صحة ما قلناه. قوله: "بيني وبين عبدي" والصلاة خالصة لله لا شركة فيها لأحد، فقيل: إن المراد به القراءة. وحقيقة هذه القسمة منصرفة إلى المعنى لا إلى متلو اللفظ؛ وذلك أن السورة من جهة المعنى نصفها ثناء، ونصفها مسألة ودعاء، وقسم الثناء ينتهي إلى قوله: "إياك نعبد" وهو تمام الشطر الأول من السورة، وباقي الآية, وهو قوله: "وإياك نستعين" من قسم الدعاء والمسألة، ولذلك قال: "فهذه الآية بيني وبين عبدي" ولو كان المراد قسمة الألفاظ والحروف، لكان النصف الآخر يزيد على الأول زيادة بينه, فيرتفع معنى التعديل والتنصيف، وإنما هو قسمة ¬

_ (¬1) في "معالم السنن" (1/ 512 - 513 - مع السنن). (¬2) سورة الإسراء الآية (110). (¬3) سقطت من (أ). (¬4) سورة الإسراء الآية (78). (¬5) في (أ. ب) بانتظام، وما أثبتناه من "المعالم".

المعاني كما ذكرته لك، وهذا كما يقال: نصف السنة إقامة, ونصفها سفر، [ويريد] (¬1) به انقسام أيام السنة مدة للسفر، ومدة للإقامة, لا على سبيل التعديل والتسوية بينهما حتى يكون سواء لا يزيد أحدهما على الآخر، وقيل لشريح: كيف أصبحت؟ قال: أصبحت ونصف الناس عليّ غضبان، يريد أن الناس محكوم له ومحكوم عليه، فالمحكوم عليه غضبان علي؟ لاستخراجي الحق منه، وإكراهي إياه عليه. وقول الشاعر: إذا مت كان الناس نصفين شامتٌ ... بموتي ومُثنٍ بالذي كنتُ أفعل [455 ب]. وقد يستدل بهذا الحديث من لا يرى التسمية آية من فاتحة الكتاب، وقالوا: لو كانت آية منها لذكرت كما ذكر سائر الآي، فلما بدأ بالحمد لله دل على أنه أول آية منها، وأن لا حظَّ للتسمية فيها. انتهى كلام الخطابي (¬2). قوله: "لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب" وأخرجه الإسماعيلي (¬3) بلفظ: "لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب" وأخرجه غيره. ولأحمد (¬4) مرفوعاً: "لا تقبل صلاة لا يقرأ فيها بأم الكتاب"، واستدل بذلك على وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة، بناءً على أن الركعة الواحدة تسمى صلاة لو تجردت. ¬

_ (¬1) في (أ. ب) ويراد، وما أثبتناه من "المعالم". (¬2) في "المعالم" (1/ 512 - 513 - مع السنن". (¬3) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 241). (¬4) في "المسند" (2/ 241).

قال الحافظ ابن حجر (¬1): وفيه نظر؛ لأن قراءتها في ركعة واحدة من الرباعية، مثلاً يقتضي حصول اسم قراءتها في تلك الصلاة. والأصل عدم وجوب الزيادة على المرة الواحدة، والأصل أيضاً عدم إطلاق الكل على البعض؛ لأن الظهر مثلاً كلها صلاة واحدة حقيقة كما صرح به في حديث الإسراء، حيث سمى المكتوبات خمساً، وحديث عبادة: "خمس صلوات كتبها الله على العباد" وغير ذلك، فإطلاق الصلاة على كل ركعة منها يكون مجازاً. قال الشيخ تقي الدين (¬2): وغاية ما في هذا البحث: أن في الحديث دلالة مفهوم على صحة الصلاة بقراءة الفاتحة في ركعة واحدة منها، فإن دل دليل [خارج] (¬3) منطوق على وجوبها في كل ركعة كان مقدماً. انتهى. والدليل للجمهور على وجوبها في كل ركعة قوله - صلى الله عليه وسلم -: "وافعل ذلك في صلاتك كلها" بعد أن أمره بالقراءة. وفي رواية لأحمد (¬4)، وابن حبان (¬5): "ثم افعل ذلك في كل ركعة" [439/ أ] واستدل به على وجوب قراءة الفاتحة على المأموم، سواء، أسر الإمام أو جهر؛ لأن صلاته صلاة حقيقية [456 ب] فينبغي انتفاء القراءة إلا إن جاء دليل يقتضي تخصيص صلاة المأموم من هذا العموم، فيقدم ما قاله الشيخ تقي الدين من أنه هذا، وإلا فالأصل العمل به. واستدل من أسقطها عن المأموم مطلقاً كالحنفية (¬6) بحديث: "من صلى خلف إمام، ¬

_ (¬1) في "فتح الباري" (2/ 242). (¬2) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 242). (¬3) في (أ. ب) خارجي، وما أثبتناه من "الفتح". (¬4) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 242). (¬5) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 242). (¬6) انظر: "البناية في شرح الهداية" (2/ 178).

فقراءة الإمام قراءة له" (¬1) لكنه حديث ضعيف عند الحفاظ، وقد استوعب طرقه. ¬

_ (¬1) أخرجه الدارقطني في "السنن" (1/ 323 رقم 1)، وقاله: لم يسنده عن موسى بن أبي عائشة غير أبي جابر بن عبد الله الأنصاري، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن مسعود، وأبي هريرة, وابن عباس، وأبي الدرداء، وعلي، والشعبي. وأما حديث جابر فله عنه طرق. - أخرجه ابن ماجه رقم (850)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/ 217)، والدارقطني (1/ 331) رقم (20)، وابن عدي في "الكامل" (2/ 542)، وعبد بن حميد في "المنتخب" رقم (1050)، وأبو نعيم في "الحلية" (7/ 334)، والبيهقي في "القراءة خلف الإمام" رقم (344)، (395). من طرق عن الحسن بن صالح بن حي، عن جابر، عن أبي الزبير، به. قال أبو نعيم: "مشهور من حديث الحسن". - وأخرجه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/ 217)، والدارقطني (1/ 331)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (2/ 160)، وفي "القراءة خلف الإمام" رقم (343)، (345)، وابن عدي في "الكامل" (6/ 2107) من طريق إسحاق بن منصور. - وأخرجه الدارقطني: (1/ 331)، والبيهقي في "القراءة خلف الإمام" رقم (345) من طريق يحيى بن أبي بكير. كلاهما عن الحسن بن صالح، عن الليث بن أبي سليم، وجابر بن يزيد الجعفي، عن أبي الزبير، عن جابر. قال الزيلعي في "نصب الراية" (2/ 7): جابر الجعفي ضعيف جداً. وقال الحافظ في "التقريب": الليث بن أبي سليم صدوق, اختلط أخيراً ولم يتميز حديثه فترك. وأخرجه الدارقطني (1/ 402): والطبراني في "الأوسط" رقم (7903)، والبيهقي في "القراءة خلف الإمام" رقم (346) من طريق سهل بن العباس المروزي، عن إسماعيل بن علية، عن أيوب السختياتي، عن أبي الزبير، عن جابر. قال الدارقطني: وسهل بن العباس متروك. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وأخرجه أحمد في "المسند" (3/ 339): حدثنا أسود بن عامر، أخبرنا حسن بن صالح، عن أبي الزبير، عن جابر. في سنده انقطاع بين حسن بن صالح، وابن الزبير، وكذلك عنعنة ابن الزبير، فإنه كان مدلساً ولم يصرح بالسماع في جميع الروايات عنه. - وأخرجه البيهقي في "القراءة" رقم (347) و (348): من طريق ابن لهيعة، عن أبي الزبير، عن جابر. وابن لهيعة سيئ الحفظ، وفي سنده محمد بن أشرس: وهو متروك الحديث. - وأخرجه البيهقي في "السنن" (2/ 160) من طريق مالك، عن أبي نعيم وهب بن كيسان أنه سمع جابر يقول: من صلى ركعة لم يقرأ فيها بأم القرآن فلم يصل إلا وراء الإمام. قال البيهقي: هذا هو الصحيح، عن جابر من قوله .... - وأخرج نحوه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/ 228)، والدارقطني (1/ 327)، والبيهقي في "القراءة" رقم (349) من طريق يحيى بن سلام، عن مالك بن أنس، عن وهب بن كيسان، عن جابر، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "كل صلاة لا يقرأ فيها بأم الكتاب فهي خداج، إلاّ أن يكون وراء إمام". قال الدارقطني: يحيى بن سلام ضعيف، والصواب موقوف. وهو في "الموطأ" (1/ 84) عن وهب بن كيسان، عن جابر موقوفاً، وإسناده صحيح. - وأخرج أبو حنيفة في "مسنده" (ص 307)، ومن طريقه أبو يوسف القاضي في كتاب "الآثار" (113)، ومحمد بن الحسن في "موطئه" رقم (117)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/ 217)، وابن عدي في "الكامل" (7/ 2477)، والدارقطني (1/ 323 و324)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (2/ 159)، وفي "القراءة خلف الإمام" رقم (344) و (335) عن موسى بن أبي عائشة، عن عبد الله بن شداد بن الهاد، عن جابر - وزاد بعضهم فيه قصة -. قال البيهقي في "السنن الكبرى" (2/ 159): هكذا رواه جماعة عن أبي حنيفة موصولاً، ورواه عبد الله بن المبارك مرسلاً دون ذكر جابر، وهو المحفوظ. - وأخرجه الدارقطني (1/ 325)، ومن طريقه البيهقي في "القراءة" رقم (150) من طريق أبي حنيفة، عن موسى بن أبي عائشة، عن عبد الله بن شداد، عن أبي الوليد، عن جابر. قال الدارقطني: أبو الوليد مجهول. =

وعلله الدارقطني (¬1) وغيره، واستدل من أسقطها عنه في الجهرية كالمالكية بحديث: "وإذا قرأ فأنصتوا" وهو حديث صحيح أخرجه مسلم (¬2) من حديث أبي موسى الأشعري، ولا دلالة فيه لإمكان الجمع بين الأمرين، فينصت فيما عدا الفاتحة، أو ينصت إذا قرأ الإمام، ويقرأ إذا ¬

_ = ورجح البيهقي هذه الرواية على سابقتها. - أما حديث عبد الله بن عمر، وعبد الله بن مسعود، وأبي هريرة, وابن عباس، وأبي الدرداء، وعلي، والشعبي، فانظر تخرجها في: "الإرواء" (2/ 274 - 277). كما أوردها البيهقي في كتابه "القراءة خلف الإمام" (ص 147)، وما بعدها. وأعلها كلها. وقال الحافظ ابن حجر في "التلخيص" (1/ 420): "فائدة": حديث: "من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة" مشهور من حديث جابر، وله طرق عن جماعة من الصحابة. وكلها معلولة، اهـ. وانظر: "إتحاف الخيرة المهرة" للبوصيري (2/ 225 - 226) ونصب الراية للزيلعي (2/ 6 - 21) فقد أجاد وأفاد. وقال المحدث الألباني رحمه الله في "إروائه" (2/ 277): "ويتلخص مما تقدم أن طرق هذه الأحاديث لا تخلو من ضعف, لكن الذي يقتضيه الإنصاف والقواعد الحديثية أن مجموعها يشهد أن للحديث أصلاً؛ لأن مرسل ابن شداد صحيح الإسناد بلا خلاف. والمرسل إذا روي موصولاً من طريق آخر، اشتد عضده وصلح للاحتجاج به، كما هو مقرر في مصطلح الحديث، فكيف هذا المرسل قد روي من طرق كثيرة كما رأيت" اهـ. وخلاصة القول: أن الحديث حسن بطرقه وشواهده والله أعلم. (¬1) انظر: "التعليقة المتقدمة". (¬2) في "صحيحه" رقم (63/ 404). وأخرجه أحمد (4/ 415)، وأبو يعلى رقم (7326)، البيهقي (2/ 155 - 156)، وابن ماجه رقم (847)، والدارقطني (1/ 330 - 331) من طرق. وهو حديث صحيح. وسيأتي تخريجه مفصلاً إن شاء الله.

سكت، وعلى هذا فيتعين على الإمام السكوت في الجهرية ليقرأ المأموم، لئلا يوقعه في [ارتكاب] (¬1) النهي حيث لا ينصت إذ قرأ الإمام. قلت: حديث: "إلا بفاتحة الكتاب" يخصص عموم فأنصتوا، فالقارئ بها غير داخل في النهي. ثم قال ابن حجر (¬2): وقد ثبت الإذن بقراءة المأموم الفاتحة في الجهرية بغير قيد، وذلك فيما أخرجه البخاري في "القراءة" (¬3)، والترمذي (¬4)، وابن حبان (¬5)، وغيرهم (¬6)، من رواية مكحول، عن محمود بن الربيع، عن عبادة قال: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يغلب عليه القراءة في الفجر، فلما فرغ قال: "لعلكم تقرؤون خلف إمامكم"؟ قلنا نعم، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب, فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها"، وله شاهد من حديث أبي قتادة عند أبي داود (¬7) والنسائي (¬8). ¬

_ (¬1) في (ب) "اشتمال". (¬2) في "فتح الباري" (2/ 242). (¬3) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 242) رقم (64، 257، 258). (¬4) في "السنن" رقم (311)، وقال: حديث حسن. (¬5) في "صحيحه" رقم (1792، 1785، 1848). (¬6) كأحمد (5/ 313)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (2/ 164)، وفي "القراءة خلف الإمام" رقم (108، 110، 111)، والبزار في "مسنده" رقم (2701، 2702، 2703)، وابن خزيمة رقم (1581)، والشاشي في "مسنده" رقم (1280)، والدارقطني: (1/ 318 - 319)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (606)، وابن الجارود رقم (321). وهو حديث ضعيف، والله أعلم. (¬7) لم أجده فيه من حديث أبي قتادة. (¬8) لم أجده فيه من حديث أبي قتادة. =

ومن حديث أنس عند ابن حبان (¬1) وظاهر قوله: "إلا بأم القرآن" أي: فاقرؤا بها خلف إمامكم، أعم من الإسرار بها أو الجهر، وأنه لا منازعة بقراءتها. والأحاديث دالة على تعيين الفاتحة, إلا أنه ورد في حديث المسيء صلاته، أنه - صلى الله عليه وسلم - قال له: "ثم اقرأ بما تيسر معك من القرآن" (¬2). ¬

_ = وقد أخرجه من حديث أبي قتادة، (أ) أحمد في "المسند" (5/ 308)، وعبد بن حميد في "المنتخب" رقم (188)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (2/ 166)، وفي "القراءة خلف الإمام" رقم (165) بسند ضعيف, لانقطاعه بين سليمان التيمي وعبد الله بن أبي قتادة. (¬1) في "صحيحه" (1844) بإسناد حسن. (¬2) قال ابن العربي في "عارضة الأحوذي" (2/ 108 - 111). اختلف الناس في صلاة المأموم على ثلاثة أقوال: الأول: أنه يقرأ إذا أسر ولا يقرأ إذا جهر. الثاني: يقرأ في الحالين. الثالث: لا يقرأ في الحالين. قال بالأول: مالك وابن القاسم. وقال بالثاني: الشافعي وغيره، لكنه قال: إذا جهر الإمام قرأ هو في سكتاته. وقال بالثالث: ابن حبيب، وأشهب، وابن عبد الحكم. والصحيح وجوب القراءة عند السر، لقوله: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب"، ولقوله للأعرابي: "اقرأ ما تيسر معك من القرآن" وتركه في الجهر، يقول الله تبارك وتعالى في سورة الأعراف: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (204)} [الأعراف: 204]. وفي صحيح مسلم رقم (63/ 404): "إذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا قرأ فأنصتوا"، رواه سليمان التيمي، ونازع أبو بكر بن أبي النظر فيه مسلماً، فقال له مسلم: (يزيد) أحفظ من (سليمان) ولو لم يكن هذا الحديث، لكان نص القرآن به أول، ويقال للشافعي: عجباً لك؟ كيف يقدر المأموم في الجهر على القراءة =

قال الخطابي (¬1): ظاهر الإطلاق [457 ب] التخيير، لكن المراد فاتحة الكتاب لمن أحسنها بدليل حديث عبادة, وهو كقوله تعالى: {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} (¬2) ثم بينت السنة المراد، وأحسن من هذا أن يقال: قد ورد [في] (¬3) حديث المسيء، تفسير ما تيسر بالفاتحة, كما أخرجه أبو داود (¬4) من حديث رفاعة بن رافع: "إذا قمت فتوجهت فكبر، ثم اقرأ بأم القرآن وبما شاء الله أن تقرأ" فمن كان معه الفاتحة تعين القراءة بها، لأنها الأصل لمن معه قرآن، فإن عجز عن نقلمها وكان معه شيء من القرآن، قرأ ما تسير، وإلا انتقل إلى الذكر. ويحتمل أن ¬

_ = أينازع القرآن الإمام، أم يعرض عن استماعه, أم يقرأ إذا سكت؟ فإن قال: يقرأ إذا سكت قيل له: فإن لم يسكت الإمام وقد أجمعت الأمة على أن سكوت الإمام غير واجب؛ متى يقرأ؟!. ويقال له: أليس في استماعه لقراءة الإمام قراءة منه، وهذا كاف لمن أنصفه وفهمه. وقد كان ابن عمر لا يقرأ خلف الإمام، وكان أعظم الناس اقتداء برسول الله - صلى الله عليه وسلم -. اهـ. انظر مناقشة المسألة وأدلتها في كتاب: "المسائل التي بناها الإمام مالك على عمل أهل المدينة" توثيقاً ودراسة. د. محمد المديني بوساق (1/ 286 - 316) المبحث السابع. وانظر ما كتبه المحدث الألباني في: "صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - " (ص 97 - 101). ولمزيد من معرفة هذه المسألة ارجع إلى المغني لابن قدامة (2/ 156 - 157) والمجموع للإمام النووي (3/ 322). (¬1) في "معالم السنن" (1/ 521 - مع السنن). (¬2) سورة البقرة الآية (196). (¬3) زيادة من (أ). (¬4) في "السنن" رقم (1859) وهو حديث حسن.

قوله: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} (¬1) أي: بعد الفاتحة، ويؤيده حديث أبي سعيد عند أبي داود (¬2) بسند قوي: "أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نقرأ بفاتحة الكتاب وما تيسر". قوله: "ولو بفاتحة الكتاب فما زاد" أقول: اختلف في الزيادة على الفاتحة أي: في وجوبها فادعى ابن حبان (¬3) والقرطبي (¬4)، وغيرهما الإجماع على عدم وجوب قدر زائد عليها. قال الحافظ ابن حجر (¬5): وفيه نظر، لثبوته عن بعض الصحابة ومن بعدهم، فيما رواه ابن المنذر وغيره. وبين الحافظ (¬6) في محل آخر أن بعض الصحابة عثمان بن أبي العاص، وقال به بعض الحنفية وابن كنانة من المالكية، وحكي رواية عن أحمد، قال: لعلهم أرادوا أن الأمر استقر على ذلك، وقد أخرج البخاري (¬7) من حديث أبي هريرة: "وإن لم تزد على أم القرآن أجزأتك" ولفظه: أخبرني عطاء أنه سمع أبا هريرة يقول: في كل صلاة تقرأ، فما أسمعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسمعناكم، وما أخفى عنا، أخفينا عنكم، وإن لم يزد على أم القرى أجزأت، وإن زدت فهو خير". انتهى. إلا أن ظاهره أنه موقوف. ¬

_ (¬1) سورة المزمل الآية (20). (¬2) في "السنن" رقم 818) وهو حديث صحيح. (¬3) في "صحيحه" رقم (2/ 243). (¬4) في "المفهم" (2/ 25). (¬5) في "فتح الباري" (2/ 243). (¬6) في "الفتح" (2/ 252). (¬7) في "صحيحه" رقم (772). وأخرجه مسلم رقم (996)، وأبو داود رقم (797)، والنسائي (2/ 163). وهو حديث صحيح.

قال ابن حجر (¬1): إن قوله "فما أسمعنا وما أخفى عنا" يشعر بأن [358 ب] جميع ما ذكره متلقي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - للجميع حكم الرفع. انتهى. وهذا طرف من الذي ذكره رزين فيما ذكره عنه ابن الأثير (¬2)، والمصنف، وأخرج ابن خزيمة (¬3) من حديث ابن عباس: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قام فصلى ركعتين لم يقرأ فيهما إلا بفاتحة الكتاب". 8 - وعن أبي سعيد - رضي الله عنه - قال: "أُمِرْناَ أَنْ نَقْرَأَ بَفَاتَحَةِ الكِتَابَ وَمَا تَيَسَّرَ". أخرجه أبو داود. (¬4). [صحيح] 9 - وعن جابر - رضي الله عنه - قال: "مَنْ صَلَّى رَكْعَةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ القُرْآنِ، فَلَمْ يُصَلِّ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ وَرَاءَ الإِمَامِ". أخرجه مالك (¬5)، والترمذي (¬6). [صحيح موقوف] قوله في حديث جابر: "أخرجه مالك والترمذي" قلت: وقال (¬7): حسن صحيح، وقال قبله في حديث (¬8) وأبي هريرة: أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما لي أنازع القرآن" قال: فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما يجهر فيه. ¬

_ (¬1) في الفتح الباري" (2/ 252). (¬2) في "الجامع" (5/ 330). (¬3) في "صحيحه" رقم (513). (¬4) في "السنن" رقم (818) وهو حديث صحيح. (¬5) في "الموطأ" (1/ 84). (¬6) في "السنن" رقم (313)، وقال هذا حديث حسن صحيح. وهو أثر صحيح موقوف. (¬7) في "السنن" (2/ 124). (¬8) أخرجه الترمذي في "السنن" رقم (312).

قال أبو عيسى (¬1): هذا حديث حسن، ثم قال (¬2): وليس في هذا الحديث ما يدل على من رأى القراءة خلف الإمام، لأن أبا هريرة هو الذي روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا الحديث، وروى أبو هريرة مرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من صلى صلاة لا يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج، فهي خداج غير تمام" (¬3)، فقال له حامل الحديث: إني أكون أحياناً وراء الإمام؟ فقال: أقرأ بها في نفسك. وروى أبو عثمان النهدي عن أبي هريرة قال: "أمرني النبي - صلى الله عليه وسلم - أن أنادي أن لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب". قلت: فدل على أن مراده انتهى الناس. أي: عن الجهر بالقراءة خلفه - صلى الله عليه وسلم -، ولا ينافيه الإسرار بقراءة الفاتحة خلفه وهو يجهر. قال الترمذي (¬4): [واختار] (¬5) أكثر أصحاب الحديث أن لا يقرأ الرجل إذا جهر الإمام بالقراءة, وقالوا: [440/ أ] يتتبع سكتات الإمام، وقد اختلف أهل العلم في القراءة خلف الإمام، فرأى أكثر أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - , والتابعين، ومن بعدهم القراءة خلف الإمام. وبه يقول مالك (¬6)، وابن المبارك، والشافعي (¬7)، وأحمد (¬8)، وإسحاق، وروى عن ¬

_ (¬1) في "السنن" (2/ 119). (¬2) أي: الترمذي. في "السنن" رقم (2/ 121، 122). (¬3) تقدم تخريجه. (¬4) في "السنن" (2/ 122). (¬5) في (ب) "اختيار". (¬6) "المدونة" (1/ 66 - 67). (¬7) انظر: "المجموع شرح المهذب" (3/ 319). (¬8) "المغني" (2/ 157).

عبد الله بن المبارك قال: [459 ب] أنه [أقرأ] (¬1) خلف الإمام والناس يقرؤون إلا قوماً من الكوفيين، وأرى أن من لم يقرأ صلاته جائزة. وشدد أقوام من أهل العلم في ترك فاتحة الكتاب وإن كان خلف الإمام، وقالوا: لا تجزئ صلاة إلا بفاتحة الكتاب وحده, كان أو خلف الإمام، وذهبوا إلى ما روى عبادة بن الصامت (¬2)، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقرأ عبادة بن الصامت بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - خلف الإمام، وتأول قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا صلاة إلا بقراءة بفاتحة [الكتاب] " (¬3) وبه يقول الشافعي (¬4)، وإسحاق وغيرهما وأما أحمد (¬5) بن حنبل فقال: معنى قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب" إذا كان وحده واحتج بحديث جابر (¬6) بن عبد الله حيث قال: "من صلى ركعة لم يقرأ فيها بأم القرآن لم يصل إلاّ أن يكون وراء الإمام" قال أحمد: فهذا رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - تأول قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب" أن هذا إذا كان وحده، واختار أحمد مع هذا القراءة خلف الإمام، وأن لا يترك الرجل فاتحة الكتاب، وإن كان خلف الإمام. انتهى كلام الترمذي. ثم حديث جابر (¬7) المذكور الذي ذكره في "التيسير". ¬

_ (¬1) في (ب) "أقوم". (¬2) تقدم تخريجه. (¬3) سقطت من (أ). (¬4) قال الشافعي في "الأم" (2/ 244): قال الشافعي رحمه الله: وإن ترك من أم القرآن حرفاً واحداً ناسياً أو ساهياً لم يعتد بتلك الركعة؛ لأن من ترك منها حرفاً، لا يقال له: قرأ أم القرآن على الكمال". (¬5) انظر: "المغني" (2/ 157). (¬6) وهو أثر موقوف صحيح. (¬7) وهو أثر موقوف صحيح.

الكلام على قول آمين بعد قراءة الفاتحة

وقدمنا أنه قال (¬1): إنه حسن صحيح. قلت: ويحتمل قوله: "إلا وراء الإمام" أي: في جهرية فلا يجهر فيما يجهر بل يسر. 10 - وعن وائل بن حجر - رضي الله عنه - قال: "سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَرْأَ غَيْرِ المَغْضُوبِ عَليْهِمْ وَلاَ الضّآلَّين، فَقَالَ: آمِينْ، وَمَدَّ بِهِاَ صْوَتهُ". وفي رواية: "رَفَعَ بِهَا صَوْتَهُ". أخرجه أبو داود (¬2) والترمذي (¬3). [صحيح] الكلام على قول آمين [460/ ب] بعد قراءة الفاتحة قوله في حديث وائل بن حجر: "فقال آمين ومد بها صوته" أقول: لم يذكر المصنف إلا هذا الحديث في التأمين، وهو حديث وائل، وكذلك ابن الأثير (¬4)، وإنما له ألفاظ عنده، وكذلك ذكر حديث بلال (¬5)، وفي التأمين أحاديث بلغت خمسة عشر حديثاً منها حديث أبي هريرة: "إذا أمن الإمام فأمنوا" الحديث: قال ابن شهاب: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "آمين" ¬

_ (¬1) أي: الترمذي في "السنن" (2/ 124). (¬2) في "السنن" رقم (932). (¬3) في "السنن" رقم (248) وقال: حديث وائل بن حجر حديث حسن، وأخرجه أحمد (4/ 316)، والدارقطني في "السنن" (1/ 333 - 334)، وابن حبان في "صحيحه" رقم (1805)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (2/ 425)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (586)، والطبراني في "الكبير" (ج 22 رقم 111)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (2/ 57)، وفي "المعرفة" (2/ 390 رقم 3160). وهو حديث صحيح. وزاد أبو داود: رفع بها صوته. (¬4) في "جامع الأصول" (5/ 330 - 331). (¬5) أخرجه أبو داود رقم (937 مرسلاً، وابن أبي شيبة (2/ 425) وعبد الرزاق في مصنفة رقم (2636)، والطبراني في "الكبير" رقم (1124، 1125)، وفي "الأوسط" رقم (7243)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (2/ 23، 56)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (591)، وهو حديث ضعيف.

رواه الجماعة (¬1): إلا أن الترمذي (¬2) لم يذكر قول ابن شهاب. وفي رواية: "إذا قال الإمام غير المغضوب عليهم ولا الضآلين، فقولوا آمين" الحديث، أحمد (¬3) والنسائي (¬4): ومنها عنه أيضاً كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا قال: "غير المغضوب عليهم والضآلين" قال: "آمين" حتى يسمع من يليه من الصف الأول" أبو داود (¬5) وابن ماجه (¬6)، وقال: حتى يسمعها أهل الصف، فيرتج بها المسجد، وفي "مجمع الزوائد" (¬7) و"أمالي" (¬8) أحمد بن عيسى المعروف بعلوم آل محمد، و"مجموع زيد بن علي - عليه السلام -" (¬9)، منها ثلاثة عن أبي هريرة, وثلاثة عن وائل بن [حجر] (¬10). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (780)، ومسلم رقم (72/ 410)، وأبو داود رقم (936)، والترمذي رقم (250)، والنسائي (20/ 244)، وابن ماجه رقم (851)، وأخرجه أحمد (2/ 459). وهو حديث صحيح. (¬2) في "السنن" رقم (250). (¬3) في "المسند" (2/ 459). (¬4) في "السنن" (2/ 144). وأخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (782)، وفي "القراءة خلف الإمام" رقم (233)، ومسلم رقم (76/ 410)، وأبو داود رقم (935). وهو حديث صحيح. (¬5) في "السنن" (934). (¬6) في "السنن" رقم (853)، والزيادة له. قال البوصيري في "مصباح الزجاجة" (1/ 296): هذا إسناد ضعيف, أبو عبد الله لا يعرف حاله. وبشر بن رافع ضعفه أحمد. وقال ابن حبان يروي الموضوعات. وهو حديث ضعيف. (¬7) (2/ 112 - 115). (¬8) ذكره محمد بن إبراهيم الوزير في "العواصم والقواصم"، (3/ 17 - 20). (¬9) (2/ 56 - مع الروض النضير). (¬10) سقطت من (أ).

[وبقيتها] (¬1) عن معاذ (¬2) وسلمان (¬3) وسمرة (¬4) وعائشة (¬5)، وعن علي (¬6) - عليه السلام - موقوفاً من فعله، وعن ابن شهاب (¬7) مرسل، وحديث علي (¬8) في باب الجهر ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. من كتاب "الأمالي" علوم آل محمد - صلى الله عليه وسلم -، وحديث آخر عن علي - عليه السلام - موقوف عليه، ذكره أبو خالد الواسطي في "مجموع زيد" (¬9) بن علي، عن علي - عليه السلام -" ذكره في القنوت في الوتر، وفي "الدر المنثور" (¬10) روايات واسعة في ذلك وأما حكمه فاختلف فيه، فذهبت الظاهرية (¬11) إلى وجوبه على كل مصل للأمر به، وحكاه ابن بريرة عن بعض أهل العلم، وكأن المراد غير ¬

_ (¬1) في (ب) بعضها. (¬2) انظر: "مجمع الزوائد" (2/ 113). (¬3) أخرجه الطبراني في "الكبير" (6/ 253 رقم 6136)، عن سليمان التيمي، عن أبي عثمان، عن سلمان أن بلالاً قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا تسبقني بآمين"، وأورده الهيثمي في "المجمع" (2/ 113)، وقال: فيه سعيد بن بشير، وفيه كلام. انظر ترجمة سعيد بن بشير: "التاريخ الكبير" (3/ 460)، و"المجروحين" ((1/ 319)، و"الجرح والتعديل" (6/ 4)، الخلاصة (ص 136). (¬4) أخرجه الطبراني في "الكبير" (7/ 214 رقم 6891)، من حديث سمرة بن جندب، وفيه سعيد بن بشير، وقد تقدم. (¬5) أخرجه أحمد (6/ 134 - 135)، مطولاً، وابن ماجه رقم (856) مختصراً. (¬6) أخرجه ابن أبي حاتم في "العلل" (1/ 93 رقم 251). (¬7) تقدم، وهو حديث صحيح. (¬8) انظر: "مجمع الزوائد" (2/ 113). (¬9) (2/ 56 - مع الروض النضير". (¬10) (1/ 43 - 45). (¬11) في "المحلى" (3/ 262).

الظاهرية, وحديث: "إذا قال الإمام [461 ب] ولا الضآلين فقولوا: آمين" وفي لفظ: "إذا قال الإمام: ولا الضالين فقولوا: آمين، فإن الملائكة تقول: آمين وإن الإمام يقول: آمين" أخرجه النسائي (¬1) والسراج (¬2)، ورواية ابن شهاب صريحة أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يقول آمين, وهو وإن كان مرسلاً، فقد اعتضد بصنيع أبي هريرة أنه صلى بهم وأمن، ثم قال بعد صلاته: إني لأشبهكم صلاة بصلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. والجمهور حملوا الأمر على الندب، ولا أعرف الصارف عنه إليه، والأصل الوجوب، وذهبت الهادوية (¬3)، والإمامية (¬4) أنه يبطل الصلاة؛ لأنه ليس بقرآن [441/ أ] ولا ذكر، وهذه الأحاديث ترد عليهم، اختلف لو ترك الإمام التأمين، هل يؤمن المؤتم أم لا؟ فنصّ الشافعي في "الأم" على أن المأموم يؤمن، ولو تركه الإمام عمداً أو سهواً. وقال بعض الشافعية (¬5): لا يؤمن إلا إذا أمن الإمام، قال ابن حجر (¬6): وهو مقتضى إطلاق الرافعي، وادعى النووي في "شرح المهذب" (¬7) الاتفاق على خلافه. قلت: قهوله - صلى الله عليه وسلم -: "صلوا كما رأيتموني أصلي" (¬8) قد ثبت أنه أمن، فيؤمن من كل مصل من منفرد وإمام، ومأموم؛ لأن قوله: "صلوا" خطاب عام وأمر لكل مؤمن بذلك، وإذا أساء الإمام بتركه فلا يسيء المأموم بمتابعته على الترك، وأما مفهوم الشرط في "إذا أمن الإمام ¬

_ (¬1) تقدم نصه وتخريجه. (¬2) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 264). (¬3) انظر: "البحر الزخار" (1/ 250). (¬4) انظر: "المرجع السابق". (¬5) انظر: "المجموع شرح المهذب" (3/ 334). (¬6) في "فتح الباري" (2/ 266). (¬7) (3/ 334 - 335). (¬8) تقدم وهو حديث صحيح.

فأمنوا" فقد عارضه منطوق: "وإذا قال: ولا الضآلين فقولوا: آمين" فلم يبق لمفهوم الشرط أمر مع المنطوق. قوله: "وفي رواية: خفض بها صوته" أقول: هذه الرواية رواها شعبة عن سلمة بن كهيل، عن حجر بن عنبس، عن علقمة بن وائل، عن أبيه, كما ساقها الترمذي، قال الترمذي (¬1): [462 ب] سمعت محمداً يقول: حديث سفيان أصح من حديث شعبة في هذا وأخطأ شعبة في مواضع من هذا الحديث، فقال: عن حجر أبي العنبس وإنما هو حجر بن عنبس، ويكنى أبا السكن (¬2)، وزاد فيه عن علقمة، وليس فيه [عن] (¬3) علقمة إنما هو حجر بن عنبس، عن وائل بن حجر، قال: "وخفض بها صوته" وإنما هو: "ومد بها صوته" قال أبو عيسى (¬4): وسألت أبا زرعة عن هذا الحديث، فقال: سفيان في هذا أصح من حديث شعبة. انتهى. قلت: ورواية سفيان هي ما رواه الترمذي (¬5) أيضاً بلفظ: حدثنا بندار قال: حدثني يحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي، قال حدثنا سفيان، عن سلمة بن كهيل، عن حجر بن عنبس، عن وائل بن حجر، قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم -: "قرأ غير المغضوب عليهم ولا الضآلين فقال: آمين، ومد بها صوته". انتهى. ¬

_ (¬1) في "السنن" (2/ 26). (¬2) انظر: "التاريخ الكبير" (2/ 1/ 73 رقم 259). (¬3) سقطت من (ب). (¬4) في "السنن" (2/ 26). (¬5) في "السنن" رقم (248).

فضلها

11 - وعن بلال - رضي الله عنه -: "أَنّهُ قَالَ يَا رَسُولَ الله لاَ تَسْبِقْنِي بِآمِيْنَ". أخرجه أبو داود (¬1) [ضعيف] قوله في حديث بلال: "لا تسبقني بآمين" أقول: في "النهاية" (¬2) يشبه أن بلالاً كان يقرأ الفاتحة في السكتة الأولى من سكتتي الإمام، فربما يبقى عليه شيء منها، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرغ من قراءتها، فاستمهله بلال في التأمين، بقدر ما يتم فيه قراءة بقية السورة، حتى ينال بركة موافقته في التأمين. فضلها 1 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِذَا أَمَّنَ الإِمَامُ فَأَمِّنُوا، فَإِنَّه مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ المَلاِئكَةِ, غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ". قال ابن شهاب: "وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يقول: آمين". أخرجه الستة (¬3). [صحيح] 2 - وفي أخرى للبخاري (¬4): "إِذَا أَمَّنَ القَارِئُ، فَأَمِّنُوا، فَإِنَّ المَلَاِئكَةَ تُؤَمِّنُ، فَمَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ المَلَاِئكَةِ, غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ". [صحيح] قوله في حديث أبي هريرة: "فإن من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه" أقول: تأمين الملائكة في رواية البخاري: "وقالت الملائكة: آمين" وفي رواية: "فإذا وافق آمين ¬

_ (¬1) في السنن" رقم (937) مرسلاً. وقد تقدم تخريجه. (¬2) (1/ 80). (¬3) أخرجه البخاري رقم (780)، ومسلم رقم (72/ 410)، وأبو داود رقم (936)، والترمذي رقم (250)، والنسائي (2/ 244)، وابن ماجه رقم (851)، وأخرجه أحمد (2/ 459) وهو حديث صحيح، وقد تقدم. (¬4) في "صحيحه" رقم (781).

في الأرض آمين في السماء غفر للعبد [463 ب] إلا أنها من كلام عكرمة"، ومثلها (¬1) لا يقال بالرأي: واختلف في المراد بالملائكة (¬2)، فقيل: جميعهم، وقيل: الحفظة منهم، وقيل: الذين يتعاقبون منهم، إذا قلنا هم غير الحفظة. قال الحافظ (¬3): والذي يظهر أن المراد منهم الذين يشهدون تلك الصلاة من الملائكة في الأرض والسماء، وقوله: "ما تقدم من ذنبه" ظاهره (¬4) غفران جميع الذنوب الماضية, وهو محمول عند العلماء على مغفرة الصغائر، وأما الكبائر فلا تغفر إلا بالتوبة، وتقدم فيه البحث. فائدة: الحديث في التأمين في الصلاة بعد قراءة الفاتحة، وأما إذا قرأها خارج الصلاة فاختلف فيه ففي رواية في باب فضل التأمين، عن أبي هريرة مرفوعاً: "إذا قال أحدكم آمين" الحديث. قال الحافظ ابن حجر (¬5): يؤخذ منه التأمين لكل من قرأ الفاتحة سواء داخل الصلاة وخارجها لقوله: "إذا قال أحدكم" لكن في رواية سليم من هذا الوجه: "إذا قال أحدكم في صلاته" فيحمل المطلق على المقيد، نعم في رواية همام عن أبي هريرة عند أحمد، وساق مسلم (¬6) إسنادها: "إذا أمن القارئ فأمنوا" فهذا يمكن حمله على الإطلاق، فيستحب التأمن إذا أمن القارئ مطلقاً، لكلِّ من سمعه من مصلٍّ وغيره، ويمكن أن يقال: المراد بالقارئ الإمام إذا قرأ الفاتحة، فإن الحديث واحد اختلفت ألفاظه. انتهى. ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 265). (¬2) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 265). (¬3) في "الفتح" (2/ 265). (¬4) قاله الحافظ في "الفتح" (2/ 265). (¬5) في "الفتح" (2/ 266). (¬6) في "صحيحه" رقم (76/ 410).

السورة

وأما معنى آمين (¬1) فورد أنها بمعنى استجب. وهي تقصر وتمد، وأما وجه فضلها كما ترجم به المصنف وقبله [464 ب] البخاري في "صحيحه" (¬2)، فكما قال ابن المنير (¬3): وأي فضل أعظم من كونه قولاً يسيراً، لا كلفة فيه, ثم قد تربت عليه المغفرة. انتهى. السورة 1 - عن أبي برزة - رضي الله عنه - قال: "كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأَ فِي صَلاَةِ الغَدَاةِ مَا بَيْنَ السَّتَّينَ إِلىَ المِائَةِ". أخرجه النسائي (¬4). [صحيح] [قوله] (¬5): السورة. أي: قراءة السورة مع الفاتحة. قوله: "عن أبي برزة يقرأ في صلاته الغداة ما بين الستين إلى المئة" أي: أنه كان قد يقرأ هذا التقدير، وقد ينقص منه كما يأتي في الحديث الثاني، قال في "فتح الباري" (¬6): إن هذه الرواية تفرد بها شعبة عن أبي المنهال، والشك فيه منه, وفيه استحباب السورة والآيات مع الفاتحة، وهو قول الجمهور في الصبح والجمعة، والأوليين من غيرهما، وصح إيجاب ذلك [442/ أ] عن بعض الصحابة وجماعة, وقدمنا هذا قريباً، وقيل: يستحب في جميع الركعات. ¬

_ (¬1) انظر: "القاموس المحيط" (ص 18 - 19) "الدر المصون" (1/ 77 - 78). (¬2) (2/ 266 الباب رقم 112 - مع الفتح). (¬3) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 266). (¬4) في "السنن" رقم (948). وأخرجه البخاري رقم (541، 547، 568، 599، 771)، ومسلم رقم (461، 647). وهو حديث صحيح. (¬5) سقطت من (ب). (¬6) (2/ 22).

2 - وعن عمرو بن حريث - رضي الله عنه - قال: "سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ فِي الفَجْرِ، إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ". أخرجه مسلم (¬1)، وأبو داود (¬2)، والنسائي (¬3)، واللفظ له. [صحيح] قوله: "وعن عمرو بن حريث" (¬4) هو صحابي صغير مسح - صلى الله عليه وسلم - رأسه ودعا له بالبركة في صنعته، فكسب مالاً عظيماً. قال ابن معين (¬5): لم ير النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقال المنذري: الذي عليه الجمهور أن له صحبة، وقيل: قبض النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو ابن اثني عشر سنة، وروى عن أبي بكر وابن مسعود، وغيرهما من الصحابة. قوله: "إذا الشمس كورت" هو اسم للسورة المفتتحة بهذه الجملة، ويقال لها: سورة التكوير. 3 - وعن عبد الله بن السائب - رضي الله عنه - قال: "صَلَّى لَنَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، الصُّبْحَ بِمَكَّةَ فَاسْتَفْتَحَ سُورَةَ المُؤْمِنينَ، حَتَّى إِذَا جَاءَ ذِكْرُ مُوسَى وَهَارُونَ، أَوْ ذِكْرُ عِيسَى، شَكُّ الراوي أَخَذَتُهُ سَعْلَةٌ فَرَكَعَ". أخرجه الخمسة (¬6)، إلا الترمذي، وهذا لفظ البخاري، لكنه أخرجه تعليقاً. [صحيح] ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (456). (¬2) في "السنن" رقم (817). (¬3) في "السنن" رقم (951). وهو حديث صحيح، والله أعلم. (¬4) ذكره ابن الأثير في "تتمة جامع الأصول" (2/ 614 - قسم التراجم). (¬5) انظر: "تهذيب التهذيب" (3/ 263). (¬6) أخرجه البخاري في "صحيحه" (2/ 255 الباب رقم 106 - مع الفتح)، ومسلم في "صحيحه" رقم (455)، وأبو داود رقم (648، 649)، والنسائي رقم (1007)، وابن ماجه رقم (1431). وهو حديث صحيح.

قوله: "وعن عبد الله بن السائب" (¬1). أي: ابن السائب بن صيفي بن عابد بموحدة، ابن عبد الله بن عمرو بن مخزوم له صحبة، ولأبيه قرأ على أبي بن كعب، وهو مقرئ أهل مكة. قوله: "سورة المؤمنين" في بعض الروايات: "المؤمنون" بالرفع على الحكاية: أي: سورة قد أفلح المؤمنون. قوله: "ذكر موسى وهارون" في البخاري (¬2): "أو ذكر عيسى شك محمد بن عباد. قوله: "سعلة" بفتح أوله من السعال [465 ب] ويجوز الضم، ولابن ماجه (¬3) "شرقة" بمعجمة وقاف وأخذ منه أن السعلة لا تفسد الصلاة. قوله: "لكنه أخرجه تعليقاً" الأولى ذكره، ولفظ البخاري (¬4): ويذكر عن عبد الله بن السائب. قال ابن حجر (¬5): إنه وصله مسلم من طريق ابن جريج، وساق طريقه وفي: "الجامع" لابن الأثير. قال الحميدي: جعله أبو مسعود من أفراد مسلم، وقد أخرجه البخاري تعليقاً. فقال: ويذكر عن عبد الله بن السائب، الحديث. انتهى (¬6). 4 - وعن جابر بن سمرة - رضي الله عنه -: "أَنَّ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: كَانَ يَقْرَأَ فِي الفَجْرِ بَقَافْ وَالقُرْآنِ المَجيدِ، وَنَحْوِهاَ، وَكَانَتْ صّلاَتَهُ إِلَى التَّخْفْيِفِ". ¬

_ (¬1) ذكره ابن الأثير في "تتمة جامع الأصول" (2/ 663 - 664 - قسم التراجم). (¬2) في "صحيحه" (2/ 255 الباب رقم 106 - مع الفتح). (¬3) في "السنن" رقم (1431). (¬4) في "صحيحه" (2/ 255 الباب رقم 106 - مع الفتح). (¬5) في "فتح الباري" (2/ 255 - 256). (¬6) في (أ. ب) زيادة قوله: وأخرجه البخاري.

أخرجه مسلم (¬1). [صحيح] قوله: "وعن جابر بن سمرة" هو وأبوه صحابيان، وهو ابن أخت سعد بن أبي وقاص. قوله: "ونحوها" أي: في عدد آياتها. وقوله: "وكانت صلاته إلى التخفيف" يحتمل أن باقي صلوات اليوم من الأربع الصلوات كان تخفيف قراءتها، وإنما كان يطول القراءة في الفجر غالباً. قال ابن القيم (¬2): إنه روى حديث جابر هذا بلفظ: "وكانت صلاته بعد تخفيفاً" المراد بقوله: "بعد" بعد الفجر، أي: كان يطيل قراءة الفجر أكثر من غيرها، وصلاته بعدها تخفيفاً، قال: ويدل على ذلك قول أم الفضل (¬3)، وقد سمعت ابن عباس يقرأ والمرسلات، فقالت: يا بني لقد ذكرتني بقراءة هذه السورة، إنها لآخر ما سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ بها في المغرب، فهذا في آخر الأمر. وأيضاً فإن قوله: وكانت صلاته بعد، غاية قد حذف ما هي مضافة إليه، فلا يجوز إضمار ما لا يدل عليه السياق. وترك إضمار ما يقتضيه السياق، والسياق إنما يقتضي أن صلاته كانت بعد الفجر تخفيفاً لا يقتضي أن [466 ب] صلاته كلها بعد ذلك اليوم تخفيفاً، هذا ما يدل عليه اللفظ، ولو كان هذا المراد لم يخف على خلفائه الراشدين، فيتمسكون بالمنسوخ، ويعلمون الناسخ. انتهى. ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (169/ 458). وأخرجه أحمد (5/ 91، 102). وهو حديث صحيح. (¬2) في كتاب "الصلاة" (ص 152 - 153). (¬3) أخرجه أحمد (6/ 338، 340)، والبخاري رقم (4429)، ومسلم رقم (462)، والترمذي رقم (308)، والنسائي (2/ 168)، وأبو داود رقم (810)، وابن ماجه رقم (831) وغيرهم، وهو حديث صحيح.

وقال أيضاً في كتابه في الصلاة (¬1): إن سورة قاف أقصر من ما حفظ عنه أنه قرأ بها في الفجر في الحضر. انتهى. قلت: ويريد أن خلفائه من بعده طولوا القراءة في صلاتهم، كما تأتي الأحاديث في "التيسير": وهذا منه إشارة إلى رد ما قاله أبو داود في "سننه" (¬2): فإنه قال بعد روايته لحديث عروة، أن أباه كان يقرأ في المغرب بنحوا ما يقرأون: {وَالْعَادِيَاتِ} (¬3) ونحوها من السور. قال أبو داود (¬4): هذا يدل على أن ذلك منسوخ. انتهى. يريد أن التطويل في قراءة المغرب الذي قاله زيد بن ثابت في إنكاره على مروان منسوخ. قال الحافظ ابن حجر (¬5): لم يبين أبو داود وجه الدلالة. انتهى. وقد ثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - قرأ في المغرب بالطور (¬6)، والأعراف (¬7) وغيرهما. ¬

_ (¬1) (ص 152). (¬2) في "السنن" رقم (813) وهو أثر صحيح مقطوع. (¬3) سورة العاديات الآية (1). (¬4) في "السنن" (1/ 510). (¬5) في "فتح الباري" (2/ 249). (¬6) أخرجه أحمد، (4/ 84)، والبخاري رقم (765)، ومسلم رقم (174، 463)، وأبو داود رقم (811)، والنسائي (2/ 169)، وفي "التفسير" رقم (549)، وابن ماجه رقم (832)، وابن خزيمة رقم (514)، وأبو عوانة (2/ 154)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/ 211)، والطبراني في "الكبير" رقم (1492)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (2/ 392)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (597) كلهم من حديث جُبير بن مطعم - رضي الله عنه - قال: "سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في المغرب بالطور" وهو حديث صحيح. (¬7) أخرجه النسائي في "المجتبى" (2/ 170)، وفي "الكبرى" رقم (1065) عن عائشة - رضي الله عنها -: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ في المغرب بسورة الأعراف فرقها في الركعتين".

5 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما -: "أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: كَانَ يَقْرَأ فِي صَلَاةِ الفَجرِ وَيَوْمَ الجُمُعَةِ الم تَنْزِيلُ، السَجدةَ، وَهَلْ أَتَي عَلَى الإِنْسَانِ حَينٌ مَنَ الدَّهْرِ، وَأَنّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَقْرَأُ فِي صَلاَةِ الجُمُعَةِ سُورَةَ الجُمُعَةِ، وَالمُنَافِقِينَ". أخرجها الخمسة (¬1) إلا البخاري، ولم يذكر الترمذي الفصل الأخير منه. [صحيح] قوله في حديث ابن عباس: "كان يقرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة" أقول: في [قراءة] (¬2) هاتين السورتين الإشارة إلى ما فيهما. قال في "الهدي النبوي": يريد كان - صلى الله عليه وسلم - يقرأ هاتين السورتين في صلاة الفجر يوم الجمعة، لما اشتملت عليه من ذكر المبدأ والمعاد، وذكر آدم، ودخول الجنة والنار، وذلك مما كان ويكون يوم الجمعة، فكان يقرأ في فجرها ما كان ويكون في ذلك اليوم، تذكيراً للأمة بحوادث هذا اليوم، كما كان يقرأ في المجامع العظام، كالأعياد والجمعة سورة "ق" و"اقتربت الساعة" و"سبح" و"الغاشية". انتهى. قوله في حديث ابن عباس: "ولم يذكر الترمذي الفصل الأخير منه" قلت: يعني، قوله: وأن النبي - صلى الله عليه وسلم -: كان يقرأ في صلاة الجمعة" الحديث يريد لم يذكره في هذه الرواية، وإلا فإنه قد أخرج (¬3) قراءة هاتين السورتين في صلاة الجمعة، في باب (¬4) القراءة في صلاة الجمعة من حديث أبي هريرة، وقال: إنه حسن صحيح. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم رقم (879)، وأبو داود رقم (1074) و (1075)، والترمذي رقم (520)، والنسائي رقم (520، 1421)، وابن ماجه رقم (821) وهو حديث صحيح. (¬2) في (أ) "التوشيح". (¬3) الترمذي في "السنن" (2/ 398 رقم 520). (¬4) أي: الترمذي في "السنن" (2982 الباب رقم 375).

6 - وعن عروة: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ - رضي الله عنه -: صَلَّى الصُّبْحَ، فَقَرَأَ فِيهَا بِسُورَةَ البَقَرَةِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ كِلْتَيْهِمَا. أخرجه مالك (¬1). [موقوف صحيح لغيره] 7 - وعن الفرافصة بن عمير الحنفي قال: مَا أَخَذْتُ سُورَةَ يُوسُفَ، إِلاَّ مِنْ قِرَاءَةِ عُثْمَانَ بن عَفَّان - رضي الله عنه - إِيَّاهَا، فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ، مِنْ كَثْرَةِ مَا كَانَ يُرَدَّدُهَا. أخرجه مالك (¬2). [موقوف صحيح] قوله: "وعن الفرافصة بن عمير الحنفي" أقول: بفاءين وراء خفيفة، وصاد مهملة، وهو عند المحدثين بفتح الفاء، وقيل مضموم، والفرافصة من الطبقة الأولى من تابعي المدينة، في الدرجة الأولى العالية، روى عن عثمان بن عفان، قاله ابن الأثير (¬3). قوله: "ما أخذت" أي: ما حفظتها. 8 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه -: أنَّهُ قَرَأَ فِي الأُولىَ مِنَ الصُّبْحِ بِأَرْبَعِينَ آيَةً مِنَ الأنْفَالِ، وَفِي الثَّانِيَةِ بِسُورَةٍ مَنَ المُفَصَّلِ (¬4). أخرجه رزين. [صحيح] 9 - وعن عامر بن ربيعة - رضي الله عنه - قال: صَلَّيْنَا وَرَاءَ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ - رضي الله عنه - الصُّبْحَ، فَقَرَأَ فِيهَا بِسُورَةَ يُوسُفَ وَسُورَةَ الحَجِّ قِرَاءَةً بَطِيئَةً. قِيلَ لَهُ: إِذًا لَقَدْ كَانَ يَقُومُ حِينَ يَطْلُعَ الفَجْرُ. قَالَ: أَجَلْ. ¬

_ (¬1) في "الموطأ" (1/ 82 رقم 33)، وهو أثر موقوف صحيح لغيره. (¬2) في "الموطأ" (1/ 82 رقم 34)، وهو أثر موقوف صحيح. (¬3) في "تتمة جامع الأصول" (2/ 772 - 773 - قسم التراجم). (¬4) أخرجه البخاري في "صحيحه" (2/ 255 الباب رقم 106 - مع الفتح) تعليقاً. قال الحافظ في "الفتح": (2/ 257) وصله عبد الرزاق بلفظه من رواية عبد الرحمن بن يزيد النخعي عنه، وأخرجه هو وسعيد بن منصور من وجه آخر، عن عبد الرزاق بلفظ: "فافتتح الأنفال حتى بلغ (ونعم النصير) ".

أخرجه مالك (¬1). [موقوف صحيح] قوله في حديث عامر بن ربيعة: "قراءة بطيئة" أي: مرتلة. وقوله: "قيل له" أي: لعامر. "إذاً لقد كان يقوم" أي: عمر في صلاته. "حين يطلع الفجر" فهمه القائل من اتساع الوقت لقراءة السورتين [468 ب] قراءة بطيئة، فصدقه الراوي بقوله: أجل. وقال السهيلي (¬2): كان - صلى الله عليه وسلم - يقرأ سورة السجدة صبح الجمعة لما فيها من ذكر الأيام الستة واتباعها بذكر خلق آدم من طين، وذلك في يوم الجمعة تنبيهاً منه - صلى الله عليه وسلم -[467 ب] على الحكمة وتذكرة للقلوب بهذه الوعظة. وأما قراءة: "هل أتى على الإنسان" فلما فيها من ذكر السعي وشكر الله لهم حيث يقول: {وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا (22)} (¬3) مع ما في أولها من ذكر بدء خلق الإنسان، وأنه لم يكن قبل شيئاً [443/ أ] مذكوراً. وقد قال في يوم الجمعة: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} (¬4) فنبه بقراءته إياها على التأهب للسعي المشكور. والله أعلم. انتهى. 10 - وعن معاذ بن عبد الله الجهني: أَنَّ رَجُلاً مِنْ جُهَيْنَةَ أَخْبَرَهُ: "أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ فِي الصُّبْحِ إِذَا زُلْزِلَتِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ كِلْتَيْهِمَا، فَلاَ أَدْرِي أَنَسِىَ أَمْ قَرَأَ ذَلِكَ عَمْدًا". ¬

_ (¬1) في "الموطأ" (1/ 82 رقم 34)، وهو أثر موقوف صحيح. (¬2) في "الروض الأنف" (2/ 198 - 199). (¬3) سورة الإنسان الآية (22). (¬4) سورة الجمعة الآية (9).

صلاة الظهر والعصر

أخرجه أبو داود (¬1). [حسن] [قوله] (¬2): "وعن معاذ بن عبد الله الجهني" الحديث أقول: فيه مجهول، وهو الرجل من جهينة إلا أن يقال: إخباره بأنه سمع من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إخبار بأنه صحابي، وقد قالوا: يقبل إخباره بأنه صحابي، فإذا كان صحابياً لا يضر جهالة عينه لما تقرر عندهم من أن الصحابة كلهم عدول. صلاة الظهر والعصر 1 - عن أبي قتادة - رضي الله عنه -: "أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ فِي الأُولَيَيْنِ بِأُمَّ الكِتَابِ وَسُورَتَيْنِ، وَفِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُخْرَتَيْنِ بِأُمِّ الكِتَابِ وَيُسْمِعُنَا الآيَةَ أَحْياَناً، وَيُطَوِّلُ فِي الرَّكعَةِ الأُولَى مَا لَا يُطِيلُ فِي الثَّانيَةِ وَكَذَا فِي العَصْرِ وَالصُّبْحِ". أخرجه الخمسة (¬3)، إلا الترمذي. [صحيح] وزاد أبو داود (¬4) في رواية: "فَظَننَّا أَنَّهُ يُريَدُ بَذَلِكَ أَنْ يُدْرِكَ النَّاسُ الرَّكعَةَ الأولى". [صحيح] القراءة في صلاة الظهر والعصر. قوله في حديث أبي قتادة: "في الأوليين" أقول: بالتحتانية المثناة تثنية أولى. وقوله: "وسورتين" أي: في كل ركعة سورة. "ويسمعنا الآية أحياناً" أي: من الفاتحة، أو من السورتين. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (816)، وهو حديث حسن. (¬2) سقطت من (ب). (¬3) أخرجه البخاري رقم (759)، ومسلم رقم (451)، وأبو داود رقم (798)، وابن ماجه رقم (829)، والنسائي رقم (974 - 978)، وهو حديث صحيح. (¬4) في "السنن" رقم (800)، وهو حديث صحيح.

ولفظ النسائي (¬1) من حديث البراء: "فنسمع منه الآية بعد الآيات من سورة لقمان، والذاريات" وسيأتي قريباً. وقوله: "وكذا في العصر" أي: يقرأ في الأوليين الفاتحة وسورة، وفي الأخريين الفاتحة ويطيل في الثانية. وأما قوله: "والصبح" فليس المراد إلا أنه يطيل الأولى على الثانية، وحديث أبي قتادة مثبت للقراءة معين لها، فهو مقدم على الباقي، كحديث ابن عباس الأتي، وعلى حديث الشاك. وهو حديث زياد بن أيوب قال: "لا أدري أكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في الظهر والعصر أم لا". أخرجه أبو داود (¬2). قوله: "وزاد [469/ ب] أبو داود في رواية" أقول: هي رواية (¬3) أخرى لها عنده طريق أخرى عن الحسن بن علي، عن عبد الرزاق. قال: حدثنا معمر، عن يحيى بن عبد الله بن أبي قتادة وساقه. وقوله: "فظننا" نحن أيها المصلون خلف ومستند الظن لعله حديث ابن أبي أوفى، أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يقول في الركع الأولى من الظهر، حتى لا يسمع وقع قدم، أخرجه أبو داود (¬4)، وأخرج النسائي (¬5) من حديث أبي سعيد: لقد كانت صلاة الظهر تقام فيذهب الذاهب إلى ¬

_ (¬1) سيأتي تخريجه. (¬2) في "السنن" رقم (809) وهو حديث صحيح. (¬3) في "السنن" رقم (800) وهو حديث صحيح. (¬4) في "السنن" رقم (802) وهو حديث ضعيف. (¬5) في "السنن" رقم (973) وهو حديث صحيح.

البقيع فيقضي حاجته، ثم يتوضأ، ثم يجيء ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الركعة الأولى يطولها. انتهى (¬1). قوله: "يريد بذلك" أي: بتطويل الأولى من الصلوات كلها، إلا أنه لم يذكر المغرب. والظاهر أنه كان يطيل الأولى منها. 2 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: لاَ أَدْرِي أَكَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأَ فِي الظَّهْرِ وَالعْصَرِ أَمْ لاَ؟. أخرجه أبو داود (¬2). [صحيح] قوله: "وعن ابن عباس لا أدري" الحديث لفظه في "سنن أبي داود" (¬3) من طريق مسدد بسنده قال: حدثنا عبد الله بن عبيد الله قال: دخلت على ابن عباس في [شبابٍ] (¬4) من بني هاشم. فقلنا لشاب معنا سل ابن عباس: أكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في الظهر والعصر؟ فقال: لا لا. فقيل له: فلعله كان يقرأ في نفسه، قال: خمشاً! هذه من الأولى، كان عبداً مأموراً، بلغ ما أرسل به الحديث. قوله: "خمشاً" بالخاء المعجمة مفتوحة، وسكون الميم، فشين معجمة دعاء عليهم بأن تخمش وجوههم وجلودهم، والخموش الخدوش، بمعنى واحد هي الجراحات التي لا قصاص فيها فهذه الرواية التي وجدتها في "سنن أبي داود" [470 ب] إنكار ابن عباس للقراءة في الظهر والعصر، وأما رواية "لا أدري" فهي في السنن (¬5) عنه أيضاً وفي "جامع ابن ¬

_ (¬1) زيادة من (أ). (¬2) في "السنن" رقم (809) وهو حديث صحيح. (¬3) في "السنن" رقم (808) إسناده إلى ابن عباس قوي. (¬4) في (ب) شبيبة. (¬5) في "السنن" رقم (809).

الأثير" (¬1) مثل ما ذكره المصنف عن ابن عباس أنه قال: "لا أدري" وفيه أيضاً الرواية التي سقناها التي نفى فيها قراءته - صلى الله عليه وسلم - وكرر حرف النفي. بحثت في "فتح الباري" (¬2) بعد هذا فقال في شرح ترجمة البخاري (¬3)، بقوله: باب القراءة في الظهر، هذه الترجمة (¬4) والتي بعدها يحتمل أن يكون المراد بهما إثبات القراءة فيهما، وأنها تكون سراً إشارة إلى من خالف في ذلك، كابن عباس، ثم قال (¬5) بعد ثمانية أبواب: إن ابن عباس كان شك في القراءة تارة، ونفى القراءة أخرى، وربما أثبتها، أما نفيه فرواه أبو داود وغيره، ثم ساق ما قدمناه من قول ابن عباس: "لا، لا" ثم قال: وأما شكه فرواه أبو داود أيضاً، والطبراني من رواية حصين عن عكرمة، عن ابن عباس، ثم ساق الرواية التي نقلناها [444/ أ] ثم قال: وقد جاء عن ابن عباس إثبات ذلك أيضاً، أي: القراءة فيهما، رواه أيوب عن أبي العالية البراء قال: سألت ابن عباس: أقرأ في الظهر والعصر؟ قال: هو إمامك، يريد القرآن [بدليل] (¬6) قوله: في تمام الرواية إقرأ منه ما قل أو كثر. أخرجه ابن المنذر (¬7) والطحاوي. انتهى. ¬

_ (¬1) (5/ 340). (¬2) (2/ 244). (¬3) في "صحيحه" (2/ 243 الباب رقم 96 - مع الفتح). (¬4) أي: للبخاري في "صحيحه" (2/ 245 الباب رقم 97 - باب القراءة، بعد العصر - مع الفتح). (¬5) أي: الحافظ في "الفتح" (2/ 254). (¬6) في (ب) بهما بل. (¬7) ذكره الحافظ فى "الفتح" (2/ 254).

قال ابن حجر في "الفتح" (¬1): بعد ذكره إنكار ابن عباس، وقد أثبت القراءة فيهما [خباب] (¬2) وأبو قتادة وغيرهما كما تقدم. فروايتهم مقدمة على من نفى فضلاً عمَّن شك. انتهى. وهو الذي قدمنا، واذا عرفت منه نقص رواية الشك عن ابن عباس من تخريج أبي داود، وكأن النسخة التي راجعتها منه، ولم أجدها سقطت منها رواية الشك. 3 - وعن جابر بن سمرة - رضي الله عنه - قال: "كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يقْرَأُ فِي الظُّهْرِ بِاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى، وَفِي العَصْرِ نَحْوَ ذَلِكَ، وَفِي الصُّبْحِ أَطْوَلَ مِنْ ذَلِكَ". أخرجه مسلم (¬3)، وأبو داود (¬4)، والنسائي (¬5). [صحيح] 4 - وعن البراء - رضي الله عنه - قال: كُنَّا نُصَلِّي خَلْفَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - الظَّهْرَ فَنَسْمَعُ مِنْهُ الآيةَ بَعْدَ الآيَاتِ مِنْ لُقُمَانَ وَالذَّارِيَاتِ. أخرجه النسائي (¬6). [ضعيف] 5 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما -: "أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - سَجَدَ فِي صَلاَةٍ ثُمَّ قَامَ، فَرَكَعَ فَرَأوْا أنَّهُ قَرَأ آلم تنزيلَ السجدةُ". أخرجه أبو داود (¬7). [ضعيف] ¬

_ (¬1) في "الفتح" (2/ 254). (¬2) في (أ. ب) جابر وما أثبتناه من "الفتح". (¬3) في "صحيحه" رقم (459). (¬4) في "السنن" رقم (806). (¬5) في "السنن" (2/ 166) وأخرجه أحمد (5/ 101)، والطبراني في "الكبير" رقم (1894). (¬6) في "المجتبى" (2/ 163) في "السنن الكبرى" (رقم: 1045)، وأخرجه ابن ماجه رقم (830)، وهو حديث ضعيف. (¬7) في "السنن" رقم (807)، وهو حديث ضعيف.

قوله في حديث جابر بن سمرة: "أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في الظهر بالليل إذا يغشى"، يحتمل أنه يريد بقدر عددها، ويحتمل [471 ب] أنه سمع آية منها مما كان يسمعهم أحياناً. قوله: "وفي العصر نحو ذلك" عارضه حديث قوله: في حديث ابن عمر، فرأوا أنه قرأ بتنزيل السجدة، أي: ظنوا ذلك، وكان إمارة الظن تقدير آياتها بمقدار قيامه - صلى الله عليه وسلم -، وفيه دليل على سجوده للتلاوة في الفريضة في السرية، كما ثبت سجوده (¬1) فيها في الجهرية، واعلم أن قراءته في السرية عرفت بجهره بالآية أحياناً، وباضطراب لحيته، وبغير ذلك، ولا منافاة بين المعرفات. [هذا آخر الجزء الثالث من "التحبير لإيضاح معاني التيسير" نقل من خط المؤلف - رحمه الله -. ويليه الجزء الرابع. أوله القراءة في المغرب، من الباب الخامس في كيفية الصلاة وأركانها. (كان الفراغ من تحرير هذا الجزء ليلة الخميس من سلخ جمادي الأولى، (سنة 1362) بصنعاء). بعناية مولانا أمير المؤمنين المتوكل على الله، يحيى بن الإمام المنصور بالله، محمد بن يحيى حميد الدين حفظه الله. كتبه: محمد بن ناصر بن علي الحجري] (¬2). ¬

_ (¬1) تقدم توضيحه. (¬2) ما بين الحاصرتين زيادة من (ب).

القراءة في المغرب

القراءة في المغرب صلاة المغرب 1 - عن مروان بن الحكم قال: قَالَ لِي زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ - رضي الله عنه -: مَالَكَ تَقْرَأُ فِي المَغْرِبِ بِقِصَارِ المُفَصَّلِ، وَقَدْ سَمِعْتُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ بِطُولَي الطُّولَيَيْنِ. أخرجه البخاري (¬1) وأبو داود (¬2) والنسائي (¬3). [صحيح] وزاد أبو داود (¬4): قلت: وَمَا طُولَى الطُّولَيَيْنِ؟ قَالَ الأَعْرَافُ وَالأُخرَى الأنعَامُ. والله أعلم. قوله في حديث مروان: "بقصار المفصل". أقول: هو من سورة (ق) إلى آخر القرآن. سمي مفصلاً؛ لكثرة الفصل بين سُوره بالبسملة على الصحيح. واختلف في أول المفصل مع الاتفاق أن منتهاه آخر القرآن. هل أوله الصافات أو الجاثية أو القتال أو الفتح أو الحجرات أو ق أو الصف أو تبارك أو سبح أو الضحى. أقوال للعلماء (¬5). واختلف العلماء (¬6) في تطويل القراءة في صلاة المغرب. ¬

_ (¬1) في صحيحه رقم (764). (¬2) في "السنن" رقم (812). (¬3) في "السنن" رقم (990). (¬4) في "السنن" رقم (812). (¬5) انظر هذه الأقوال في "فتح الباري" (2/ 249). (¬6) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 248).

قال الترمذي (¬1): روي عن مالك أنه كره أن يقرأ في المغرب بالسور الطوال نحو: والطور والمرسلات. وقال الشافعي (¬2): لا أكره ذلك، بل أستحبه. وكذا نقله البغوي في "شرح السنة" (¬3) عن الشافعي. قال ابن حجر (¬4): والمعروف عند الشافعية أنه لا كراهة في ذلك ولا استحباب. وأما مالك فاعتمد العمل بالمدينة، بل وبغيرها. قال ابن دقيق العيد (¬5): استمر العمل على تطويل القراءة في الصبح وتقصيرها في المغرب [2 ب]، والحق عندنا أن ما صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من ذلك، وثبت مواظبته عليه فهو مستحب، وما لم يثبت مواظبته عليه فلا كراهة. قال الحافظ في "الفتح" (¬6) بعد نقله: قلت: الأحاديث التي ذكرها البخاري في القراءة هنا ثلاثة مختلفة المقادير؛ لأن الأعراف من السبع، والطور من طوال المفصل، والمرسلات من أوساطه. ولم أر حديثاً مرفوعاً فيه التنصيص على القراءة فيها بقصار المفصل إلا حديثاً في ابن ماجه (¬7) نص فيه على الكافرون والإخلاص. ¬

_ (¬1) في "السنن" (2/ 113). (¬2) في "المجموع" (3/ 350 - 351). (¬3) (3/ 70). (¬4) في "الفتح" (2/ 248). (¬5) في "إحكام الأحكام" (ص 348). (¬6) (2/ 248). (¬7) في "السنن" رقم (833)، وهو حديث شاذ.

ومثله لابن حبان (¬1) عن جابر بن سمرة. وهما معلولان، كما في "فتح الباري" (¬2). نعم. حديث رافع الذي في البخاري في المواقيت أنهم كانوا يصلون المغرب معه - صلى الله عليه وسلم - فينصرف أحدنا وإنه لينظر مواقع نبله؛ يدل على تخفيفه - صلى الله عليه وسلم - القراءة فيها. وجمع (¬3) بين الأحاديث بأنه - صلى الله عليه وسلم - كان أحياناً يطيل القراءة في المغرب، إما لبيان الجواز، وإما لعلمه بعدم المشقة على المأمومين. وليس في حديث جبير (¬4) أنه قرأ في المغرب بالطور ما يدل على تكرر ذلك منه. نعم! حديث زيد (¬5) المذكور وإنكاره على مروان يدل على أنه تكرر ذلك منه - صلى الله عليه وسلم -، ولو كان مروان يعلم أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يواظب على ذلك لاحتج به على زيد. قلت: قد ثبت أمره بالتخفيف لمن أم الناس. ¬

_ (¬1) في صحيحه رقم (1841). وأخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (3/ 201) بسند ضعيف، في سنده سعيد بن سماك وهو متروك، قاله أبو حاتم في "الجرح والتعديل" (4/ 32). وقال الحافظ في "الفتح" (2/ 248): والمحفوظ أنه قرأ بهما في الركعتين بعد المغرب. (¬2) في صحيحه رقم (559). وأخرجه مسلم رقم (636)، وأحمد (4/ 51)، وأبو داود رقم (417)، والترمذي رقم (164)، وابن ماجه رقم (688)، وقد تقدم. (¬3) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 248). (¬4) أخرجه البخاري رقم (765)، ومسلم رقم (174/ 463)، وأبو داود رقم (811)، والنسائي (2/ 169)، وفي "التفسير" رقم (549)، وابن ماجه رقم (832)، وأحمد (4/ 84)، وابن خزيمة رقم (514)، وأبو عوانة (2/ 154). وهو حديث صحيح، وقد تقدم. (¬5) تقدم، وهو حديث صحيح.

وأنكر (¬1) على معاذ تطويله. فالأولى الرجوع إلى أقواله - صلى الله عليه وسلم - هنا لا إلى أفعاله، فإن الأئمة مأمورون بالتخفيف في كل الصلوات، والتخفيف (¬2) أمر نسبي، وقد بيّن - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ ما يؤم به الناس: بالشمس وسبح والليل، وهذه ليست من قصار المفصل، ولا من طواله، بل أوسطه. فالواجب على الأئمة ملاحظة [3 ب] أحوال من يصلون به، فإن كانت في الجوامع العامة فالأولى التخفيف؛ لوجود الضعيف فيهم والمريض، وذي الحاجة الذي علل - صلى الله عليه وسلم - الأمر بالتخفيف بذلك. وإن كان في مكان والذين يأتمون يحبون التطويل عمل بمقتضى الحال. قوله: "قلت" القائل مروان لزيد. قوله: "الأعراف" قال الزين بن المنير (¬3): تسمية الأعراف والأنعام بالطوليين إنما هو يعرف فيهما لا أنهما أطول من غيرهما. وطولى: مؤنث أطول. والطوليين: بتحتانيتين تثنيتها. قوله: "قلت: وما الثانية؟ قال: الأنعام". أقول: لفظ أبي داود (¬4): "قلت: وما طولى الطوليين؟ قال: الأعراف" [445/ أ]. وسألت ابن أبي مليكة، فقال من تلقاء نفسه: المائدة والأعراف. انتهى بلفظه من "السنن". وهو لفظه في "جامع ابن الأثير" (¬5). ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد (3/ 299)، والبخاري رقم (70)، ومسلم رقم (178/ 465) من حديث جابر. (¬2) انظر: "فتح الباري" (2/ 193 - 194). (¬3) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 247). (¬4) في "السنن" رقم (812)، وهو حديث صحيح. (¬5) (5/ 343).

فلا أدري من أين هذه الزيادة للمصنف. أعني قوله: قلت: وما الثانية؟ قال: الأنعام. وفي رواية للنسائي (¬1) تعيين ما قرأ به مروان، وهو أنه قال زيد لمروان: "أتقرأ في المغرب بقل هو الله أحد وإنا أعطيناك الكوثر؟ قال: نعم" الحديث. وفي تعيين الطولى روايات، إلا أنه قال ابن حجر (¬2) بعد سردها: فحصل الاتفاق على تفسير الطولى بالأعراف، وفي تفسير الأخرى ثلاثة أقوال: المحفوظ منها: الأنعام. قال ابن بطال (¬3): البقرة أطول السبع الطوال. فلو أرادها فقال: طولى الطول، فلما لم يردها دل على أنه يريد الأعراف؛ لأنها أطول السور بعد البقرة. وقد تعقب بأن النساء أطول [4 ب] من الأعراف، ورد بأن عدد آيات الأعراف أكثر من عدد آيات النساء وغيرها من السبع بعد البقرة. والمتعقب اعتبر عدد الكلمات لا الآيات؛ وذلك أن عدد كلمات النساء يزيد على عدد الأعراف بمائتين وأربعين كلمة. قلت: وظاهر كلام زيد أنه - صلى الله عليه وسلم - قرأ بالأعراف في ركعة، فيكون غير ما يأتي من حديث عائشة أنه فرقها في ركعتين. ويحتمل أنه يريد زيد فرقها، فيكون كحديث عائشة. 2 - وعن أم الفضل - رضي الله عنها - قالت: "سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ فِي المَغْرِبِ وَالمُرْسَلَاتِ عُرْفًا، ثُمَّ مَا صَلَّى لَنَا بَعْدَهَا حَتَّى قَبَضَهُ الله". أخرجه الستة (¬4). [صحيح] ¬

_ (¬1) في "المجتبى" (2/ 170 رقم 990). (¬2) في "الفتح" (2/ 247). (¬3) في شرحه لصحيح البخاري (2/ 381). (¬4) أخرجه البخاري رقم (4429)، ومسلم رقم (462)، والترمذي رقم (308)، والنسائي (2/ 168)، وأبو داود رقم (810)، وابن ماجه رقم (831). =

3 - وعن عائشة - رضي الله عنها -: "أَنَّ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى المَغْرِبَ بِسُورَةِ الأَعْرَافِ، فَرَّقَهَا فِي رَكْعَتَيْنِ". أخرجه النسائي (¬1). [صحيح] قوله في حديث أم الفضل: "ثم ما - صلى الله عليه وسلم - لنا بعدها" أم الفضل والدة ابن عباس الراوي عنها، وبذلك صرح الترمذي (¬2) في روايته، فقال: عن أمه أم الفضل واسمها لبابة بنت الحارث الهلالية. وزاد النسائي (¬3) في الرواية عنها: "صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيته المغرب" الحديث. واستشكل بأنه يعارضه حديث عائشة عند البخاري وغيره أن الصلاة التي صلاها - صلى الله عليه وسلم - بأصحابه في مرضه كانت الظهر، وجمع بينهما: بأن حديث أم الفضل في التي صلى بهم في بيته. وحديث عائشة عن صلاته في المسجد. ولكنه يعكر على هذا الجمع رواية ابن شهاب في هذا الحديث بلفظ: "خرج إلينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو عاصب رأسه في مرضه فصلى بنا المغرب" أخرجه الترمذي (¬4). ويمكن حمل قوله: "خرج إلينا" من مكانه الذي كان فيه راقداً إلى من في البيت فصلى بهم، فتجتمع الروايات. ¬

_ = وأخرجه أحمد (6/ 338، 340)، والحميدي رقم (338)، وعبد بن حميد رقم (1585)، وأبو يعلى في مسنده رقم (7071)، وابن خزيمة رقم (519)، وأبو عوانة (2/ 153)، والطبراني في "الكبير" (ج 25 رقم 22)، وفي "مسند الشاميين" رقم (2902)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/ 211). وهو حديث صحيح. (¬1) في "المجتبى" (2/ 170)، وفي "الكبرى" رقم (1065). وهو حديث صحيح. (¬2) في "السنن" (2/ 168). (¬3) في "السنن" (2/ 170). (¬4) في "السنن" رقم (308). وهو حديث صحيح.

4 - وعن جُبير بن مُطعم - رضي الله عنه - قال: "سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ فِي المَغْرِبِ بِالطُّورِ". أخرجه الستة (¬1) إلا الترمذي. [صحيح] قوله في حديث جبير بن مطعم: "يقرأ بالطور". أقول: زاد (¬2) في رواية: "فلما بلغ هذه الآية: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ [5 ب] هُمُ الْخَالِقُونَ (35) أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ (36) أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ (37)} (¬3) كاد قلبي أن يطير". قال سفيان: فأما أنا فلم أسمع هذه الزيادة. وفي رواية: أن جبير بن مطعم وكان في أسارى بدر. 5 - وعن أبي عثمان النَّهْدِي قال: صَلَّيْتُ خَلْفَ ابْنِ مَسْعُودٍ المَغْرِبَ فَقَرَأَ: قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ. أخرجه أبو داود (¬4). [ضعيف] 6 - وعن عبد الله بن عُتبة بن مسعود: "أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَرَأَ في صَلاَةِ المَغْرِبِ بحم الدُّخَانَ". أخرجه النسائي (¬5). [إسناده ضعيف] ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (765)، ومسلم رقم (174/ 463)، وأبو داود رقم (811)، والنسائي (2/ 169)، وفي "التفسير" رقم (549)، وابن ماجه رقم (832). وأخرجه أحمد (4/ 84)، وابن خزيمة رقم (514)، وأبو عوانة (2/ 154)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/ 211)، والطبراني في "الكبير" رقم (1492)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (2/ 392)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (597). وهو حديث صحيح. (¬2) البخاري في صحيحه رقم (4854). (¬3) سورة الطور الآية (35 - 37). (¬4) في "السنن" رقم (815)، وهو حديث ضعيف. (¬5) في "السنن" (2/ 269 رقم 988) بإسناد ضعيف.

قوله: "وعن عبد الله بن عتبة بن مسعود" (¬1). أقول: أي الهذلي (¬2) حجازي. قيل: تابعي، في الأصح أنه صحابي. قاله الكاشغري. 7 - وعن أبي عبد الله الصُّنَابحي قال: "قَدِمْتُ المَدِينَةَ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ - رضي الله عنه - فَصَلَّيْتُ وَرَاءَهُ المَغْرِبَ، فَقَرَأَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ بِأُمِّ القُرْآنِ وَسُورَةٍ سُورَةٍ مِنْ قِصَارِ المُفَصَّلِ، ثُمَّ قَامَ فِي الثَّالِثَةِ (¬3) فَدَنَوْتُ مِنْهُ حَتَّى إِنَّ ثِيَابِي لتكَادُ أَنْ تَمسَّ ثِيَابَهُ، فَسَمِعْتُهُ قَرَأَ بِأُمِّ القُرْآنِ وَبِهَذهِ الآيَةِ: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (8)} (¬4) ". أخرجه مالك (¬5). [موقوف صحيح] قوله: "في حديث الصنابحي". أقول: بضم الصاد المهملة فنون فألف فموحدة فحاء مهملة فياء النسبة نسبة إلى قبيلة يقال لها صنابح. واسمه: عبد الرحمن بن عسيلة (¬6)، له صحبة. ذكره الكاشغري في "الكنى"، وذُكر في "الأسماء": أنه تابعي. وقال الترمذي (¬7): أبو عبد الله الصنابحي رحل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقبض النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو في الطريق. روى عن أبي بكر الصديق، وقد روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أحاديث. ¬

_ (¬1) قال الحافظ في "التقريب" (1/ 432 رقم 460): عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي، ابن أخي عبد الله بن مسعود، ولد في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -. ووثقه العجلي وجماعة، وهو من كبار الثانية، مات بعد السبعين. (¬2) انظر التعليقة المتقدمة. (¬3) في المخطوط (أ): "الثانية". (¬4) سورة آل عمران الآية (8). (¬5) في "الموطأ" (1/ 79 رقم 25)، وهو أثر موقوف صحيح. (¬6) انظر: "الاستيعاب" رقم (1603) الأعلام. "تتمة جامع الأصول" (2/ 575، 644 - قسم التراجم). (¬7) انظر: "التقريب" (1/ 370 رقم 123)، و"الاستيعاب" رقم (1233) الأعلام.

القراءة في صلاة العشاء [6 ب]

والصُّنابح بن الأعسر الأحمسي (¬1): صحابي. ويقال له: الصنابحي أيضاً. قوله: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} (¬2) الآية. فيه أنه يقرأ مع الفاتحة في الآخرة قرآناً، وإن كان فعل صحابي، إلا أنه قد سلف ذكر القرآن مع الفاتحة. القراءة في صلاة العشاء [6 ب] صلاة العشاء 1 - عن بُريدة - رضي الله عنه - قال: "كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يقْرَأُ في العِشَاءِ الآخِرَةِ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا وَنَحْوِهَا مِنْ السُّوَرِ". أخرجه الترمذي (¬3) والنسائي (¬4). [صحيح] قوله: "عن يريدة" إلى قوله: "يقرأ في العشاء: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1)} (¬5) " ونحوها. أقول: لفظ "الجامع" (¬6) بالشمس وزاد بعد نحوها من السور، والذي في "الجامع" هو لفظ الترمذي. قوله: "أخرجه الترمذي". قلت: وقال (¬7): حديث بريدة حديث حسن. ثم قال الترمذي (¬8): وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنه قرأ في عشاء الآخرة بالتين والزيتون. ¬

_ (¬1) "التقريب" (1/ 370 رقم 123). (¬2) سورة آل عمران الآية (8). (¬3) في "السنن" رقم (309). (¬4) في "المجتبى" (2/ 172)، وفي "الكبرى" رقم (1072)، وهو حديث صحيح. (¬5) سورة الشمس الآية (1). (¬6) (5/ 347 رقم 3463). (¬7) في "السنن" (2/ 115). (¬8) في "السنن" (2/ 115).

وروي عن عثمان بن عفان: أنه كان يقرأ في العشاء بسور من أوساط المفصل نحو سورة المنافقين وأشباهها. وروي عن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - والتابعين [446/ أ]: أنهم قرءوا بأكثر من هذا وأقل. كان الأمر عندهم واسع في هذا، وأحسن شيء في هذا ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قرأ بالشمس وضحاها والتين والزيتون. 2 - وعن البراء - رضي الله عنه -: "أَنَّ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ فِي سَفَرٍ فَصَلَّى العِشَاءَ الآخِرَةَ، فَقَرَأَ فِي إِحْدَى الرَّكْعَتَيْنِ بِالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ". أخرجه الستة (¬1). [صحيح] وزاد الشيخان (¬2): فَمَا سَمِعْتُ أَحَدًا أَحْسَنَ صَوْتًا أَوْ قِرَاءَةً مِنْهُ - صلى الله عليه وسلم -. [صحيح] ثم ساق حديث البراء الذي ذكره المصنف: "أنه - صلى الله عليه وسلم - قرأ في العشاء الآخرة بالتين والزيتون" وقال (¬3): هذا حديث حسن صحيح، إلا أنه ليس في رواية الترمذي: "في سفر", نعم. لفظ في سفر ثابت في "صحيح البخاري" (¬4). وزاد الإسماعيلي (¬5): "وصلى العشاء ركعتين". قوله: "في إحدى الركعتين". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (767، 769، 495، 7546)، ومسلم رقم (464)، وأبو داود رقم (1221)، والترمذي رقم (310)، وابن ماجه رقم (835)، والنسائي رقم (1000، 1001)، ومالك في "الموطأ" (1/ 82). (¬2) البخاري رقم (769)، ومسلم رقم (464). (¬3) في "السنن" (2/ 116). (¬4) في صحيحه رقم (767، 769، 4952، 7546). (¬5) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 250).

قلت: [عيَّنها] (¬1) النسائي (¬2) في روايته فقال: في الركعة الأولى. 3 - وعن نافع: أن ابْنَ عُمَرَ - رضي الله عنهما - كَانَ إِذَا صَلَّى وَحْدَهُ يَقْرَأُ فِي الأَرْبَعِ جَمِيعًا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِأُمِّ القُرْآنِ وَسُورَةٍ مِنَ القُرآنِ، وَكَانَ يَقْرَأُ أَحْيَانًا بِالسُّورَتينِ وَالثَّلاَثِ فِي الرَّكْعَةِ الوَاحِدَةِ مِنْ صَلاَةِ الفَرِيضَةِ (¬3). [موقوف صحيح] قوله في حديث نافع: "إذا صلى وحده" [7 ب] يريد الفريضة، كما صرح به آخراً، وإنما قيده بوحده؛ لأنه إذا أمَّ خفف، فإن قراءة السورة في كل ركعة مع الفاتحة تطويل، كيف السورتين والثلاث!. 4 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: "مَا مِنَ المُفَصَّلِ سُورَةٌ صَغِيرَةٌ وَلاَ كَبِيرَةٌ إِلاَّ قَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَؤُمُّ بِهَا النَّاسَ فِي الصَلاَةِ المَكْتُوبَةِ". أخرجهما مالك (¬4). [إسناده ضعيف] قوله في حديث عمرو بن شعيب: "ما من المفصل سورة صغيرة ولا كبيرة إلا قد سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يؤم بها الناس في الصلاة المكتوبة" أي: في جهريات الصلوات. وفي هذا توسعة في مطلق الصلوات الجهريات أنه يقرأ بما شاء. 5 - وعن عائشة - رضي الله عنها -: أَنَّ رَسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَ رَجُلًا عَلَى سَرِيَّةٍ وَكَانَ يَقْرَأُ لِأَصْحَابِهِ فِي صَلَاتِهمْ فَيَخْتِمُ بِقُلْ هُوَ الله أَحَدٌ، فَلَمَّا رَجَعُوا ذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "سَلُوهُ؛ ¬

_ (¬1) في (أ. ب): "عيناها"، ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬2) في "السنن" رقم (1000، 1001). (¬3) أخرجه مالك في "الموطأ" (1/ 79 رقم 26)، وهو أثر موقوف صحيح. (¬4) لم أقف عليه في "الموطأ". وقد أخرجه أبو داود في "السنن" رقم (814) بإسناد ضعيف.

لِأَيِّ شَيْءٍ يَصْنَعُ ذَلِكَ؟ " فَسَأَلُوهُ فَقَالَ: لِأَنَّهَا صِفَةُ الرَّحْمَنِ، فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَقْرَأَ بِهَا، فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَخْبِرُوهُ أَنَّ الله تَعَالى يُحِبُّهُ". أخرجه الشيخان (¬1) والنسائي (¬2). [صحيح] قوله: "كان رجل من الأنصار". أقول: بوب له البخاري (¬3): باب الجمع بين سورتين في ركعة. وساق أحاديث منها هذا. قوله: "افتتح بقل هو الله أحد". أقول: تمسك (¬4) به من قال: لا يشترط قراءة الفاتحة. وأجيب: بأن الراوي لم يذكر الفاتحة، اغتناءً بالعلم بأنه لا بد منها، فيكون معناه: افتتح بسورة بعد الفاتحة، أو أن ذلك كان قبل ورود الدليل على اشتراط الفاتحة. قوله: "فكلمه أصحابه" فيه أن صنيعه (¬5) ذلك خلاف ما ألفوه من النبي - صلى الله عليه وسلم -. قوله: "وكرهوا أن يؤمهم غيره". قيل: إما لكونه من أفضلهم، وإما لكون النبي - صلى الله عليه وسلم - هو الذي قرره (¬6). قوله: "ما يأمرك به أصحابك" أي: ما يقولون لك. ولم يرد بالأمر الصيغة المعروفة، لكنه لازم من التخيير الذي ذكروه، كأنهم قالوا له: افعل كذا وكذا. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (7375)، ومسلم رقم (813). (¬2) في "السنن" (993). (¬3) في صحيحه (2/ 255 الباب رقم 106 - مع الفتح). (¬4) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 258). (¬5) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 258). (¬6) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 258).

قوله: "ما يمنعك وما يحملك" سأله عن أمرين، فأجاب (¬1) بقوله: إني أحبها، وهو جواب عن الثاني مستلزم للأول، بانضمام شيء آخر وهو إقامة السنة المعهودة في الصلاة. المانعُ مركبٌ من المحبةِ [8 ب] والأمر المعهود، والحامل على الفعل الحبة وحدها. ودلَّ تبشيره له بالجنة على الرضا بفعله هذا. وأما الرجل المبهم فلم يأت تعيينه في كلام صحيح. قوله: "أخرجه البخاري تعليقاً". أقول: قال البخاري في صحيحه (¬2): وقال عبيد الله بن عمر (¬3) أي: ابن حفص بن عاصم. وحديثه هذا وصله الترمذي (¬4) والبزار (¬5). وقال الترمذي (¬6): إنه حسن صحيح غريب من حديث عبد الله بن ثابت. وذكر الطبراني في "الأوسط" (¬7): أن الدراوردي تفرد به عن عبيد الله. وذكر [الدارقطني] (¬8) في "العلل": أن حماد بن سلمة خالف عبيد الله في إسناده، فرواه عن ثابت عن حبيب بن سبيعة مرسلاً، قال: وهو أشبه بالصواب. ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 258). (¬2) (2/ 255 الباب رقم (106 رقم 774 - مع الفتح). (¬3) أي: قال ابن حجر في "فتح الباري" (2/ 257). (¬4) في "السنن" رقم (2901). (¬5) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 257). (¬6) في "السنن" (5/ 170). (¬7) رقم (898). (¬8) في (أ. ب): "الطبراني"، وما أثبتناه من "الفتح".

قال الحافظ (¬1): وإنما رجحه؛ لأن حماد بن سلمة مقدم في حديث ثابت، لكن عبيد الله ابن عمر حافظ حجة، وقد وافقه مبارك - يعني ابن فضالة - في إسناده، فيحتمل أن يكون الثابت فيه شيخان. انتهى. قوله في حديث عائشة: "فيختم بقل هو الله أحد". أقول: هو غير الذي كان يؤم قومه في مسجد قباء ويقرأ بقل هو الله أحد مع سورة، وذكروا قومه ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسأله - صلى الله عليه وسلم -: لِم يفعل ذلك؟ فأجاب بأنه يحبها ... الحديث. لأن في حديث: ذلك أنه كان يبدأ بها قبل السورة، وأنه سأله رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهذا أمرهم أن يسألوه. [ولأن ذلك] (¬2) قال: إنه يحبها، وهذا قال: إنها صفة الرحمن. [9 ب]. 6 - وعن شَقيق بن سلمة قال: جَاءَ رَجُلٌ إلى ابْنِ مَسْعُودٍ فَقَالَ: إِنِّي أَقْرَأُ المُفَصَّلَ فِي رَكْعَةٍ، فَقَالَ ابْنُ مسْعُودٍ: أَهَذًّا كَهَذِّ الشِّعْرِ، وَنَثْرًا كَنَثْرِ الدَّقَلِ، لَكِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَقْرَأُ النَّظَائِرَ السُّورَتَيْنِ رَكْعَةٍ: الرَّحْمَنَ وَالنَّجْمَ فِي رَكْعَةٍ، وَاقْتَرَبَتْ وَالحَاقَّةَ فِي رَكْعَةٍ، وَالطُّورَ وَالذَّارِيَاتِ فِي رَكْعَةٍ، وَإِذَا وَقَعَتْ وَنُونَ فِي رَكْعَةٍ، وَسَأَلَ سَائِلٌ وَالنَّازِعَاتِ فِي رَكْعَةٍ، وَوَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ وَعَبَسَ فِي رَكْعَةٍ، وَالمُدَّثِّرَ وَالمُزَّمِّلَ فِي رَكْعَةٍ، وَهَلْ أَتَى وَلَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ القِيَامَةِ فِي رَكْعَةٍ، وَعَمَّ يَتَسَاءَلُونَ وَالمُرْسَلَاتِ فِي رَكْعَةٍ، وَالدُّخَانَ وَإِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ فِي رَكْعَةٍ. أخرجه الخمسة (¬3). [صحيح] ¬

_ (¬1) في "الفتح" (2/ 258). (¬2) كذا في المخطوط، ولعل صوابه: لذلك. (¬3) أخرجه البخاري رقم (775، 4996)، ومسلم رقم (822)، وأبو داود رقم (1396)، والترمذي رقم (602)، والنسائي رقم (1004، 1006).

وهذا لفظ أبي داود، وقال (¬1): هذا تأليف ابن مسعود، وذكره عن علقمة والأسود ولم يذكر البَاقُونَ السُّوَر. والمراد "بالهَذَّ" سرعة القراءة والعجلة فيها (¬2). "الدقَلُ" ردِيء التمر فلا يجتمع ليُبْسه ورداءته (¬3). و"النَّظَائرُ" جمع نَظيرة وهي: المثل والشبه (¬4). قوله: "وعن شقيق بن سلمة". أقول: هو أبو وائل (¬5) شقيق بن سلمة الأسدي مخضرم، أدرك الجاهلية والإسلام، وأدرك النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولم يره، ولم يسمع منه. روى عن خلق كثير من الصحابة، وكان خصيصاً بابن مسعود. وكان من أكابر أصحابه، وهو كثير الحديث، ثقة حجة، مات زمن الحجاج. وقيل: في أيام عمر بن عبد العزيز. قال: "جاء رجل". قال الحافظ ابن حجر (¬6): إنه نَهِيك بفتح النون وكسر الهاء، ابن سنان البجلي سمَّاه منصور في رواية عن أبي وائل عند مسلم. ¬

_ (¬1) أبو داود في "السنن" (2/ 118). (¬2) قال ابن الأثير في "غريب الجامع" (5/ 353): الهَذُّ: سرعة القطع. والمراد به: سرعة القراءة والعجلة فيها، وهو نصب على المصدر. (¬3) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 577)، "المجموع المغيث" (1/ 666). (¬4) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (5/ 353). (¬5) ذكره ابن الأثير في "تتمة جامع الأصول" (1/ 508 - قسم التراجم). (¬6) في "فتح الباري" (2/ 258).

قوله (¬1): "هذّا" بفتح الهاء وتشديد الذال المعجمة، أي: سرداً وإفراطاً في السرعة، وهو منصوب على المصدر، وهو استفهام إنكار بحذف أداة الاستفهام. وهي في مسلم (¬2). وقال: "كهذِّ الشعر" لأن تلك الصنعة كانت عادتهم في إنشاد الشعر. قوله: "لقد عرفت النظائر" أي: السور المتماثلة في المعاني، كالموعظة والحكمة أو القصة، لا المتماثلة في عدد الآي، لما سيظهر عند تعينها. قال المحب الطبري (¬3): كنت أظن أن المراد المتساوية في العدد [447/ أ] حتى اعتبرتها فلم أجد منها شيئاً متساوياً. "ونثراً كنثر الدَّقل" (¬4) بفتح الدال [10 ب] المهملة وفتح القاف: رديء التمر. قوله: "السورتين في ركعة" بينها بقوله: الرحمن والنجم في [ركعة] (¬5) إلى آخره، وعدّ عشرين سورة في عشر ركعات. قوله: "وهذا لفظ أبي داود" (¬6) وقوله: وقال: أي أبو داود (¬7): هذا، أي: سرد السور تأليف ابن مسعود؛ لأن مصحفه مؤلفه على غير تأليف مصحف عثمان، وفيه دليل على أن تأليف (¬8) سور المصحف كان عن اجتهاد من الصحابة. ¬

_ (¬1) انظر: "فتح الباري" (2/ 259). (¬2) في صحيحه رقم (822). (¬3) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 259). (¬4) تقدم معناها. (¬5) سقطت من (ب). (¬6) في "السنن" رقم (1396). (¬7) في "السنن" (2/ 118). (¬8) أي: ترتيب السور، وقد تقدم أن ترتيبها توقيفي.

7 - وعن أبي ذر - رضي الله عنه -: "أَنَّ رَسولَ الله النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - قَامَ حَتَّى إِذَا أَصْبَحَ بِآيَةٍ؛ وَالآيَةُ: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118)} (¬1) ". أخرجه النسائي (¬2). [حسن] قوله في حديث أبي ذر: "أنه - صلى الله عليه وسلم - قام بآية". أقول: هو دليل على كفاية آية من القرآن مع الفاتحة، ودليل على أنه كررها في ركعات صلاة الليل، وأنه لا بأس بذلك. 8 - وعن أبي سلمة: أَنَّ عُمَرَ - رضي الله عنه - صَلِّى بِالنَّاسِ المَغْرِبَ فَلَمْ يَقْرَأْ فِيهَا، فَلَمَّا انْصَرَفَ قِيلَ لَهُ: مَا قَرَأْتَ؟ قَالَ: كَيْفَ كَانَ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ؟ قَالُوا: حَسَنًا. قَالَ: لاَ بَأْسَ إِذًا (¬3). أخرجه رزين. [موقوف ضعيف] قوله: "في حديث أبي سلمة". أقول: هو عبد الله (¬4) بن عبد الرحمن بن عوف الزهري: "أن عمر صلى بالناس المغرب فلم يقرأ ... " الحديث. قوله: "أخرجه [رزين] (¬5) ". أقول: أخرجه الشافعي (¬6) وغيره (¬7) من حديث زيد بن أسلم. ¬

_ (¬1) سورة المائدة الآية (118). (¬2) في "السنن" رقم (1010)، وهو حديث حسن. (¬3) أخرجه البيهقي في "السنن" (2/ 381) بسند منقطع. (¬4) ذكره ابن الأثير في "تتمة جامع الأصول" (2/ 669 - قسم التراجم). (¬5) في (ب): "الرزين". (¬6) أخرجه البيهقي في "معرفة السنن والآثار" (2/ 177) من طريق الشافعي. (¬7) أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (2/ 123 - 124).

الجهر

ومن حديث أبي سلمة (¬1)، ولكنه أخرج البيهقي (¬2) من طريقتين موصولتين عن عمر: أنه أعاد المغرب. فلا حجة فيه على صحة صلاة من ترك القراءة، ثم هو فعل صحابي ليس بحجة، وأنكره عليه الصحابة. الجهر 1 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: فِي كُلِّ الصَّلَاةِ يَقْرَأُ، فَمَا أَسْمَعَنَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أَسْمَعْنَاكُمْ، وَمَا أَخْفَى عَلَيْنَا أَخْفَيْنَا عَلَيكُمْ. أخرجه أبو داود (¬3) والنسائي (¬4). [صحيح] قوله في حديث أبي هريرة: "في كل الصلاة يقرأ" يروى بالنون وبالمثناة التحتية مبني للمفعول، وهو موقوف على أبي هريرة. وقد أخرج مسلم (¬5) معناه مرفوعاً: "لا صلاة إلا بقراءة" أخرجه أبو داود (¬6) والنسائي (¬7) [11 ب]. 2 - وعن أبي قَتادة - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ لَيْلَةً، فَإِذَا هُوَ بِأَبِي بَكْرٍ - رضي الله عنه - يُصَلَّى يَخْفِضُ مِنْ صَوْتِهِ، وَمَرَّ بِعُمَرَ - رضي الله عنه - يُصَلَّى رَافِعًا صَوْتَهُ، قَالَ: فَلَمَّا اجْتَمَعَا عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -: "يَا أَبَا بَكْرٍ! مَرَرْتُ بِكَ وَأَنْتَ تُصَلِّي تَخْفِضُ صَوْتَكَ" فَقَالَ: قَدْ أَسْمَعْتُ مَنْ نَاجَيْتُ ¬

_ (¬1) أخرجه البيهقي في "معرفة السنن والآثار" (3/ 289 رقم 4605)، وفي "السنن الكبرى" (2/ 381). (¬2) في "السنن الكبرى" (2/ 381 - 382). (¬3) في "السنن" رقم (797). (¬4) في "السنن" رقم (969، 970). وأخرجه البخاري رقم (772)، ومسلم رقم (996)، وهو حديث صحيح. (¬5) في صحيحه رقم (996). (¬6) في "السنن" رقم (797). (¬7) في "السنن" رقم (969، 970).

يَا رَسُولَ الله. قَالَ؛ وَقَالَ لِعُمَرَ: "مَرَرْتُ بِكَ وَأَنْتَ تُصَلِّي رَافِعًا صَوْتَكَ" فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله! أُوقِظُ الوَسْنَانَ وَأَطْرُدُ الشَّيْطَانَ. أخرجه أبو داود (¬1) والترمذي (¬2)، واللفظ لأبي داود. [صحيح] وقال زاد الحسن في حديثه: فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "يَا أبا بَكْرٍ! ارْفَعْ مِنْ صَوْتِكَ شَيْئًا". وَقَالَ لِعُمَرَ: "اخْفِضْ مِنْ صَوْتِكَ شَيْئًا". 3 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه -: فَذَكَرَ مِثْلَ هَذِهِ القِصَّةِ: وَلَمْ يَذْكُرْ فَقَالَ لأَبِي بَكْرٍ: "ارْفَعْ شَيْئًا". وَلاَ لِعُمَرَ: "اخْفِضْ شَيْئًا". وزاد: "وَقَدْ سمِعْتُكَ يَا بِلاَلُ وَأَنْتَ تَقْرَأُ مِنْ هَذهِ السُّورَةِ وَمِنْ هَذهِ السُّورَةِ" قَالَ: كَلاَمٌ طَيِّبٌ يَجْمَعُهُ الله بَعْضُهُ إِلَى بَعْضٍ. فَقَالَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "كُلُّكُمْ قَدْ أَصَابَ". أخرجه أبو داود (¬3). [حسن] قوله في حديث أبي قتادة: "أنه قال أبو بكر: قد أسمعت من ناجيت" وهو ربه تعالى. وقول عمر: "أوقظ الوسنان" (¬4) وهو من أخذه النوم. "وأطرد الشيطان" قد أبانا كل من الشيخين مقصده بالمخافتة والجهر، وسبحان الله! ما هذه النيات الصالحة! كما أن بلال قال: "كلام طيب يجمعه الله" فانظر حسن مقاصد الجميع، وأنه لم يفعل كل واحد ما فعله إلا عن نية صالحة ولذا قال - صلى الله عليه وسلم -: "كلكم قد أصاب". قوله: "أخرجه أبو داود والترمذي". ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (1329). (¬2) في "السنن" رقم (447)، وهو حديث صحيح. (¬3) في "السنن" رقم (1330)، وهو حديث حسن. (¬4) قال ابن الأثير في "غريب الجامع" (5/ 356): الوسنان: النائم الذي ليس بمستغرقٍ في نومه.

أقول: قال الحافظ المنذري في "مختصر السنن" (¬1): أنه أخرجه أبو داود مسنداً ومرسلاً. وأخرجه الترمذي وقال (¬2): حديث غريب. وإنما أسنده يحيى بن إسحاق عن حماد بن سلمة، وأكثر الناس إنما رووا هذا الحديث عن ثابت عن عبد الله بن رباح مرسلاً. هذا آخر كلامه. ويحيى بن إسحاق هذا هو السَّيلحني، وقد احتج به مسلم في صحيحه. انتهى كلام المنذري. قوله: السَّيلحني في "التقريب" (¬3) بمهملة ممالة، وقد تصير الياء ساكنة، وكسر المهملة ثم تحتانية ساكنة ثم نون، صدوق من كبار العاشرة. قوله: "وزاد الحسن". أقول: أي ابن الصباح؛ لأنه رواه عنه. 4 - وعن البياضي: أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ عَلَى النَّاسِ وَهُمْ يُصَلُّونَ، وَقَدْ عَلَتْ أَصْوَاتُهُمْ بِالقِرَاءَةِ، فَقَالَ: "إِنَّ المُصَلِّي مُنَاجٍ رَبَّهُ، فَلْيَنْظُرْ بَمَ يُنَاجِيهِ، وَلاَ يَجْهَرْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ بِالقُرْآنِ". أخرجه مالك (¬4). [صحيح] قوله: "وعن البياضي". [12 ب]. أقول: بفتح الموحدة، هو عبد الله بن جابر البياضي (¬5). قال ابن مندة (¬6): أن البياضي الذي روى عنه أبو حازم التَّمار، وهو الذي جاء حديثه في ¬

_ (¬1) (2/ 96). (¬2) في "السنن" (2/ 310). (¬3) (2/ 342 رقم 10). (¬4) في "الموطأ" (1/ 80 رقم 29)، وهو حديث صحيح. (¬5) ذكره ابن الأثير في "تتمة جامع الأصول" (2/ 566 - قسم التراجم). (¬6) ذكره ابن الأثير في "تتمة جامع الأصول" (2/ 566 - قسم التراجم).

الجهر بالقراءة في الصلاة. أخرجه الموطأ (¬1)، وقال: إن اسمه عبد الله بن جابر وقال: سمَّاه [أبو عبيد عن إسحاق بن عيسى عن مالك وهو منسوب] (¬2) إلى بياضة بن عامر بن زريق بن عبد جار بن مالك بن يحصب بن جشم بن الخزرج، أفاده في "رابع الجامع" (¬3) لابن الأثير. 5 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: "كَانَتْ قِرَاءَةُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِاللَّيْلِ يَرْفَعُ طَوْرًا وَيَخْفِضُ طَوْرًا". أخرجه أبو داود (¬4). [حسن] 6 - وعن عبد الله بن شَدَّاد قال: سَمِعْتُ نَشِيجَ عُمَرَ - رضي الله عنه - وَأنَا في آخِرِ الصُّفُوفِ يَقْرَأ: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} (¬5). أخرجه البخاري (¬6). [صحيح] "النَّشِيجُ": صوت يتردّد في الحَلقِ والصدر (¬7). قوله في حديث عبد الله بن شداد: يقرأ: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} (¬8) المراد: أنه قرأ بسورة يوسف، وكأنها في صلاة الفجر، لكنه لم يسمع عبد الله بن شداد إلا هذه الآية، كما صرح به من أنه كان في آخر الصفوف. 7 - وعن سَمُرة بن جُندُب - رضي الله عنه - قال: "حَفِظْتُ سَكْتَتَيْنِ فِي الصَّلاَةِ: سَكْتَةً إِذَا كَبَّرَ الإِمَامُ حَتَّى يَقْرَأَ، وَسَكْتَةً إِذَا فَرَغَ مِنْ فَاتِحَةِ الكِتَابِ وَسُورَةٍ عِنْدَ الرُّكُوعِ. قَالَ: فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ ¬

_ (¬1) في "الموطأ" (1/ 80)، وقد تقدم. (¬2) زيادة من (أ). (¬3) (2/ 566 - قسم التراجم). (¬4) في "السنن" رقم (1328)، وهو حديث حسن. (¬5) سورة يوسف الآية (86). (¬6) في صحيحه (2/ 206 الباب رقم 70 - مع الفتح). (¬7) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (5/ 358). (¬8) سورة يوسف الآية (86).

عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ، فَكَتَبُوا فِي ذَلِكَ إِلَى المَدِينَةِ إِلَى أُبَيًّ فَصَدَّقَ سَمُرَةُ". أخرجه أبو داود (¬1) واللفظ له، والترمذي (¬2). [ضعيف] وفي أخرى (¬3): "وَسَكْتَةً إِذَا فَرَغَ مِنَ القِرَاءَةِ". وفي أخرى (¬4): "إِذَا اسْتَفْتَحَ وَإِذَا فَرَغَ مِنَ القِرَاءَةِ". قوله في حديث سمرة: "والترمذي". قلت: ولفظه عن الحسن عن سمرة قال: سكتتان حفظتهما عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأنكر ذلك عمران بن حصين. قال: حفظنا سكتة [فكتب] (¬5) إلى أُبي بن كعب بالمدينة، فكتب أُبي أن حفظ سمرة. قال سعيد: فقلنا لقتادة: ما هاتان السكتتان؟ قال: إذا دخل في صلاته، وإذا فرغ من القراءة، ثم قال بعد ذلك: وإذا قرأ: {وَلَا الضَّالِّينَ (7)} (¬6). قال: وكان يعجبه إذا فرغ من القراءة [13 ب] أن يسكت حتى يترادَّ إليه نفسه. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (778، 779). (¬2) في "السنن" رقم (251) وقال: هذا حديث حسن. وأخرجه أحمد (5/ 7، 11 - 12، 23)، وابن ماجه رقم (844)، وابن خزيمة رقم (1587)، وابن حبان رقم (1807)، والطبراني في "الكبير" رقم (6875، 6876)، وفي "الشاميين" رقم (2652)، والحاكم (1/ 215)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (2/ 195 - 196) من طرق. وهو حديث ضعيف، والله أعلم. (¬3) أخرجها أبو داود في "السنن" رقم (777). (¬4) أخرجها أبو داود في "السنن" رقم (778). (¬5) في (أ): "فكتبنا". (¬6) سورة الفاتحة الآية (7).

الاعتدال

قال (¬1): وفي الباب عن أبي هريرة. قال أبو عيسى (¬2): حديث سمرة حديث حسن. وهو قول غير واحد من أهل العلم، يستحبون للإمام أن يسكت بعدما يفتتح الصلاة وبعد الفراغ من القراءة. وبه يقول (¬3) أحمد وإسحاق وأصحابنا. انتهى بلفظه. الاعتدال 1 - عن أبي مسعود البدري - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لاَ تُجْزِئُ صَلاَةُ أحَدِكُمْ حَتَّى يُقِيمَ ظَهْرَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ". أخرجه أصحاب السنن (¬4). [صحيح] قوله: "الاعتدال". أقول: بوب (¬5) له الترمذي: باب ما جاء فيمن لا يقيم صلبه في الركوع والسجود. وبوب (¬6) له أبو داود: باب صلاة من لا يقيم صلبه. وفي هذا الباب (¬7) ذكر أبو داود صلاة المسيء في صلاته. قوله في حديث أبي مسعود: "صلبه" في رواية لأبي داود (¬8): "ظهره". ¬

_ (¬1) أي الترمذي في "السنن" (2/ 31). (¬2) في "السنن" (2/ 31). (¬3) انظر: "المغني" (2/ 163)، "المجموع شرح المهذب" (3/ 362)، "البناية في شرح الهداية" (2/ 376). (¬4) أخرجه أبو داود رقم (855)، والترمذي رقم (265) وقال: حديث حسن صحيح. وابن ماجه رقم (870)، والنسائي (2/ 183)، وهو حديث صحيح. (¬5) في "السنن" (2/ 51 الباب رقم 196). (¬6) في "السنن" (1/ 533 الباب رقم 148). (¬7) في "السنن" (1/ 533 الباب رقم 148). (¬8) في "السنن" رقم (855).

قوله: "أخرجه أصحاب السنن". قلت: قال الترمذي (¬1): حديث أبي مسعود حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومن بعدهم يرون أن يقيم الرجل صلبه في الركوع والسجود. قال الشافعي (¬2) وأحمد (¬3) وإسحاق: من لا يقيم صلبه في الركوع والسجود؛ فصلاته فاسدة، لحديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا تجزئ صلاة لا يقيم الرجل فيها صلبه في الركوع والسجود" انتهى. وإنما فسروا إقامة الصلب ببعد ركوعه وبين سجدتيه؛ لأن صلبه حال الركوع والسجود منحني، فلا تتحقق إقامته إلا بعدهما؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "في الركوع والسجود" وإلا فإنه لا بد من إقامة صلبه [448/ أ] حال القيام وقت القراءة، وفي حديث تعليمه - صلى الله عليه وسلم - للمسيء حتى يعتدل قائماً بعد ذكره لتعليمه [14 ب] الركوع. وفي رواية: "حتى يطمئن قائماً" واستدل بالحديث - أي: حديث المسيء - على وجوب الطمأنينة في الأركان؛ لأن حديث أبي مسعود المذكور ليس فيه إلا إقامة الصلب، وليس فيه الاطمئنان، لكن حديث المسيء صريح في وجوب الاطمئنان في الأركان. واعتذر بعض من لم يقل به - وهم الحنفية (¬4) - بأنه زيادة على النص؛ لأن المأمور به في القرآن مطلق، فيصدق بغير طمأنينة، فالطمأنينة زيادة، والزيادة على المتواتر بالآحاد لا تعتبر. وعورض بأنها ليست بزيادة، بل بيان للمراد بالسجود، وإن خالف السجود اللغوي؛ فإنه مجرد وضع الجبهة، فبينت السنة أن السجود الشرعي ما كان بالطمأنينة. ويؤيده: أن الآية ¬

_ (¬1) في "السنن" (2/ 52). (¬2) "البيان" للعمراني (2/ 207 - 208). (¬3) "المغني" (2/ 177 - 180). (¬4) "البناية في شرح الهداية" (2/ 259)، "اللباب في الجمع بين السنة والكتاب" (1/ 264).

نزلت تأكيداً لوجوب السجود، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن معه يصلون قبل ذلك، ولم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - يسجد بغير طمأنينة. 2 - وعن النعمان بن مُرَّةَ: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَا ترَوْنَ فِي الشَّارِبِ وَالزَّانِي وَالسَّارِقِ" وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُنْزَلَ فِيهِمْ الحدود؟ قَالُوا: الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: "هُنَّ فَوَاحِشُ وَفِيهِنَّ عُقُوبَةٌ، وَأَسْوَأُ السَّرِقَةِ الَّذِي يَسْرِقُ صَلاَتَهُ" قَالُوا: وَكَيْفَ يَسْرِقُ صَلاَتهُ يَا رَسُولَ الله؟ قَالَ: "لاَ يُتِمُّ رُكُوعَهَا وَلاَ سُجُودَهَا". أخرجه مالك (¬1). [صحيح لغيره] قوله: "وعن النعمان بن مرة". أقول: عده ابن مندة (¬2) في الصحابة، وأخرجه بعضهم من الصحابة. وقال: إنه تابعي. وقال ابن الأثير (¬3): النعمان بن مرة هو النعمان بن مرة الزرقي الأنصاري المدني، تابعي. وقد أخرج في جملة الصحابة. قال ابن مندة (¬4): هو تابعي. انتهى. فالحديث مرسل. قوله: "وأسوأ السرقة" كان المراد أشدها عقوبة في الآخرة. ونص على سرقة الركوع والسجود، ويدخل سرقة القيام والاعتدال وسائر الأركان. وتمام حديث النعمان: وكان عمر يقول: "إن وجه دينكم الصلاة فزينوا وجه دينكم بالخشوع". قوله: "أخرجه مالك" (¬5) أرسله مالك عن يحيى بن سعيد. ¬

_ (¬1) في "الموطأ" (1/ 167 رقم 72)، وهو حديث صحيح لغيره. (¬2) ذكره ابن الأثير في "تتمة جامع الأصول" (2/ 954 - قسم التراجم). (¬3) في "تتمة جامع الأصول" (2/ 954 - قسم التراجم). (¬4) ذكره ابن الأثير في "تتمة جامع الأصول" (2/ 954 - قسم التراجم). (¬5) في "الموطأ" (1/ 167 رقم 72)، وهو حديث صحيح لغيره.

قال ابن عبد البر (¬1): لم يختلف الرواة عن مالك في إرساله. قال: وهو حديث صحيح، شبيه من حديث أبي هريرة (¬2) وأبي سعيد (¬3) هذا. 3 - وعن سالم البرَّاد قال: أَتَيْنَا أَبَا مَسْعُودٍ فَقُلْنَا لَهُ: حَدِّثْنَا عَنْ صَلَاةِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَقَامَ بَيْنَ أَيْدِينَا فكَبَّرَ، فَلَمَّا رَكَعَ وَضَعَ رَاحَتَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَجَعَلَ أَصَابِعَهُ أَسْفَلَ مِنْ ذلِكَ وَجَافَى بِمِرْفَقَيْهِ حَتَّى اسْتَوَى كُلُّ شَيْءٍ مِنْهُ, ثُمَّ قَالَ: سَمِعَ الله لمِنْ حَمِدَهُ، فَقَامَ حَتَّى اسْتَوَى كُلُّ شَيْءٍ مِنْهُ. أخرجه أبو داود (¬4) والنسائي (¬5). [حسن] "المُجَافَاةُ" أن يرفع يديه عن جنبيه ولا يُلْصقها (¬6). وفي الحديث الثاني بيان كيفية الأركان. أعني قوله: وعن سالم البراد. [15 ب]. قوله: "وعن سالم البرَّاد" (¬7) بفتح الموحدة وتشديد الراء وبالدال المهملة: هو أبو عبد الله سالم البرَّاد، كان من خيار التابعين وثقاتهم. ¬

_ (¬1) انظر: "الاستذكار" (6/ 281 - 282). (¬2) تقدم، وهو حديث صحيح. (¬3) أخرجه أحمد (3/ 56) بسند ضعيف؛ لضعف علي بن زيد بن جدعان. وأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (1/ 288)، وأبو يعلى رقم (1311)، وعبد الحميد في "المنتخب" رقم (990)، والبزار في مسنده رقم (536 - كشف)، وابن عدي في "الكامل" (5/ 1843)، وأبو نعيم في "الحلية" (8/ 302) من طرق. وأورده الهيثمي في "المجمع" (2/ 120) وقال: رواه أحمد والبزار وأبو يعلى، وفيه علي بن زيد، وهو مختلف في الاحتجاج به، وبقية رجاله رجال الصحيح. وهو حديث حسن، والله أعلم. (¬4) في "السنن" رقم (863). (¬5) في "السنن" رقم (1036، 1037). وهو حديث حسن. (¬6) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 274)، "المجموع المغيث" (1/ 337). (¬7) انظر: "التقريب" (1/ 281 رقم 23).

قال عطاء: حدثني سالم البراد، وكان (¬1) أدين عندي من نفسي، سمع سالم أبا مسعود البدري وأبا هريرة (¬2). قوله: "أتينا ابن مسعود" أي: البدري. "فقلت: حدثنا عن صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" ذكر من صفة صلاته - صلى الله عليه وسلم - القيام وتكبيرة الإحرام وهيئة الركوع. 4 - وعن أنس - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "اعْتَدِلُوا فِي السُّجُودِ، وَلاَ يَبْسُطَنَّ أَحَدُكُمْ ذِرَاعَيْهِ انْبِسَاطَ الكَلْبِ". أخرجه الخمسة (¬3). [صحيح] قوله في حديث أنس: "ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب" فإنه يفرش ذراعيه، أي: لا يفرشهما على الأرض حال سجوده. والانبساط: مصدر انبسط لا بسط. قال ابن دقيق العيد (¬4): الحديث من ذكر الحكم مقروناً بعلته، فإن التشبيه بالأشياء الخسيسة يناسب تركه في الصلاة. ¬

_ (¬1) قال ابن الأثير في "تتمة جامع الأصول" (1/ 455 - قسم التراجم): حدثني سالم البراد، وكان أوثق عندي من نفسي. (¬2) قاله ابن الأثير في "تتمة جامع الأصول" (1/ 455 - قسم التراجم). (¬3) أخرجه البخاري رقم (822)، ومسلم رقم (493)، وأبو داود رقم (897)، والترمذي رقم (276)، والنسائي (2/ 213 - 214)، وابن ماجه رقم (892). وأخرجه أحمد (3/ 109)، وأبو يعلى رقم (3216)، وابن حبان رقم (1926)، والبيهقي (2/ 113)، والطيالسي رقم (1977). (¬4) في "إحكام الأحكام" (ص 343).

5 - وعنه - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "أَقِيمُوا الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ، فَوَالله إِنِّي لَأَرَاكُمْ مِنْ بَعْدِي، وَرُبَّمَا قَالَ: مِنْ بَعْدِ ظَهْرِي، إِذَا رَكَعْتُمْ وَسجَدْتُمْ". أخرجه الشيخان (¬1) والنسائي (¬2). [صحيح] قوله في حديث أنس: "فوالله! إني لأراكم من بعدي". أقول: قيل: المراد العلم بالوحي. والصواب (¬3): أنه على ظاهره، وأنه إبصار حقيقي خاص به - صلى الله عليه وسلم -، انخرقت له فيه العادة. فعلى هذا قيل: هو بعيني وجهه خرقاً للعادة أيضاً، فكان يرى بهما بغير مقابلة. وقيل (¬4): كانت بين كتفيه عينان كسم الخياط يبصر بهما، ولا [16 ب] يحجبهما ثوب ولا غيره. وقيل: بل كانت صورهم تنطبع في حائط قبلته كما تنطبع في المرآة، فيرى أمثلتهم فيها، ويشاهد أفعالهم (¬5). قاله في التوشيح. قلت: والأولى بالمؤمن الإيمان بأنه - صلى الله عليه وسلم - يراهم، وليس عليه بيان بماذا كانت الرؤية. وإثبات ما لا دليل زيادة في خلقته - صلى الله عليه وسلم -. فإن قلت: علل بهذا، وأنه يلزم أنهم يراقبونه في صلاتهم، ويخافون رؤيته لهم دون الله - عز وجل -. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (742، 6644)، ومسلم رقم (472). (¬2) في "السنن" (2/ 193، 194). (¬3) قاله الحافظ في "الفتح" (1/ 514). (¬4) ذكره الحافظ في "الفتح" (1/ 515). (¬5) ذكره الحافظ في "الفتح" (1/ 515).

قلت: قد علم يقيناً أن طاعته - صلى الله عليه وسلم - طاعة لله، فلا بأس بمراقبته ومخافة أن يرى [إتسابهم] (¬1) في عبادتهم. 6 - وعن مالك بن الحُويرث - رضي الله عنه -: أنَّهُ قَالَ لِأصْحَابِهِ: "ألاَ أُنبِئُكُمْ بِصَلاَةِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -؟ قَالَ أَبُو قِلاَبةَ: فَصَلَّى بِنَا صَلاَةَ شَيْخِنَا أَبِي بُرَيْدٍ. فكَانَ أَبُو يَزِيدَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السَّجْدَةِ الأَخِيرَةِ مِنَ الرَّكْعَةِ الأُولَى وَالثَّالِثَةِ اسْتَوَى قَاعِدًا ثُمَّ نَهَضَ". أخرجه البخاري (¬2) وأبو داود (¬3) والنسائي (¬4). [صحيح] قوله في حديث مالك بن الحويرث: "صلاة شيخنا" هذا أبي يزيد. أقول: قال الغساني (¬5): هو بالتحتانية. والزاي من الزيادة، وهو عمرو بن سلمة (¬6) بكسر اللام الجرمي. وهكذا روي عن البخاري من جميع الطرق إلا ما ذكره أبو ذر الهروي عن الحموي عن الفربري؛ فإنه قال: أبو بُريد بالموحدة المضمومة، وهكذا كنَّاه مسلم (¬7). وقال عبد الغني المصري (¬8): لم أسمعه من أحد إلا بالزاي، ومسلم أعلم بأسماء المحدثين. انتهى. ¬

_ (¬1) هكذا رسمت في المخطوط (ب)، وغير ظاهرة في (أ). (¬2) في صحيحه رقم (677)، وأطرافه رقم (802، 818، 824). (¬3) في "السنن" رقم (842). (¬4) في "السنن" رقم (1153). (¬5) انظر "تهذيب التهذيب" (3/ 274 - 275). (¬6) قال الحافظ في "التقريب" (2/ 71 رقم 698): عمرو بن سلمة بن قيس الجرمي، أبو بُريد، بالموحدة والراء، ويقال: بالتحتانية والزاي. وانظر: "الاستيعاب" رقم (1818) الأعلام. (¬7) في كتاب "الكنى والأسماء" (ص 16). (¬8) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 290).

قوله: "استوى قاعداً ثم نهض" هذه هي المعروفة بجلسة الاستراحة. وفي "فتح الباري" (¬1): أنه أخذ بها الشافعي (¬2) وطائفة من أهل الحديث. وعن أحمد (¬3) روايتان. ذكر الخلال: أن أحمد رجع إلى القول بها (¬4)، ولم يستحبها الأكثر، واحتج الطحاوي (¬5) بخلو حديث أبي حميد (¬6) عنها؛ فإنه ساقه بلفظ: "فقام ولم يتورك". وأخرجه أيضاً أبو داود، وكذلك قال فلما يخالفا؛ احتمل أن يكون فعله في حديث مالك بن الحويرث لعلة كانت به، فقعد من أجلها، لا أن ذلك من سنة الصلاة. وتعقب (¬7) بأن الأصل [449 ب] عدم العلة، وبأن مالك بن الحويرث هو الراوي: "صلوا كما رأيتموني أصلي" (¬8) فحكايته لصفات صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - داخلة تحت هذا الأمر. ويستدل بحديث أبي حميد المذكور على عدم وجوبها، فكأنه تركها لبيان [17 ب] ¬

_ (¬1) (2/ 302). (¬2) انظر: "الأم" (2/ 266 - 267). (¬3) انظر: "المغني" (2/ 204). (¬4) قال ابن قدامة في "المغني" (2/ 204): والجلسة بين السجدتين واجبة عند أحمد على سبيل الفرضية. (¬5) انظر: "شرح معاني الآثار" (1/ 228، 261)، و"تبيين الحقائق" (1/ 107). (¬6) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (828) مختصراً، وفي "رفع اليدين في الصلاة" رقم (20)، وأحمد (5/ 424)، وأبو داود رقم (730)، والترمذي رقم (304) وقال: هذا حديث حسن صحيح. وابن ماجه رقم (862)، وابن حبان في صحيحه رقم (1865). وهو حديث صحيح. (¬7) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 302). (¬8) تقدم، وهو حديث صحيح.

الجواز، وتمسك من لم يقل باستحبابها بقوله - صلى الله عليه وسلم - "لا تبادروني بالقيام والقعود فإني قد بدنت" (¬1). فدل على أنه كان يفعله لهذا السبب [فلا يسوغ] (¬2) إلا حق من اتفق له نحو ذلك. انتهي. قلت: يتم هذا لو قام دليل على أن هذا القعود كان متأخراً في زمان بادنته - صلى الله عليه وسلم -، ولا دليل عليه. ثم قال: وأما الذكر المخصوص فإنها جلسة خفيفة جداً، استغنى فيها بالتكبير المشروع للقيام، فإنها من جملة النهوض إلى القيام. ومن حيث المعنى: أن الساجد يضع يديه وركبتيه ورأسه مميزاً لكل عضو وضع. فكذا ينبغي إذا رفع رأسه ويديه أن يميز وضع ركبتيه، وإنما يتم ذلك بأن يجلس ثم ينهض قائماً. ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد في "المسند" (4/ 92)، وأبو داود رقم (619)، وابن ماجه رقم (963)، وابن خزيمة رقم (1594)، وابن حبان رقم (2229)، وابن أبي شيبة (2/ 328)، والبيهقي في "معرفة السنن والآثار" رقم (6353)، والطبراني في "الكبير" (ج 19 رقم 862)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (848) كلهم من حديث معاوية بن أبي سفيان عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تبادروني بركوع ولا بسجود، فإنه مهما أسبقكم به إذا ركعت تدركوني إذا رفعت، ومهما أسبقكم به إذا سجدتُ تدركوني إذا رفعت، إني قد بدنت". وهو حديث صحيح لغيره. قال السندي: "بدَّنت" تعليل لإدراك ذلك القدر بأنه قدر يسير، بواسطة أنه قد بدَّن، فلا يسبق إلا بقدر قليل، وهو بالتشديد، أي: كَبِرتُ. وأما التخفيف مع ضم الدال فلا يناسبه لكونه من البدانة بمعنى كثرة اللحم، ولم يكن من صفته، ورد بأنه قد جاء في صفته: بادن متماسك، أي: ضخم يمسك بعض أعضائه بعضاً، فهو معتدل الخلق. وقد جاء عن عائشة كما في "صحيح مسلم" رقم (746): فلما أسن وأخذه اللحم والله تعالى أعلم. (¬2) كذا في (أ. ب)، والذي في "الفتح": "فلا يشرع".

مقدار الركوع والسجود

ذكره ناصر الدين بن المنير (¬1) في الحاشية، ولم تتفق (¬2) الروايات عن أبي حميد على نفي هذه الجلسة كما يفهمه صنيع الطحاوي، بل أخرجه أبو داود عنه أيضاً من وجه آخر بإثباتها. وأما قول بعضهم: لو كانت سنة [لوصفها] (¬3) كل من وصف صلاته - صلى الله عليه وسلم -، وإنما فعلها للحاجة؛ ففيه نظر؛ فإن السنن المتفق عليها لم يستوعبها كل واحد ممن وصف، إنما أخذ مجموعها من مجموعهم. مقدار الركوع والسجود 1 - عن سعيد بن جبير قال: سمعت أنس بن مالك - رضي الله عنه - يقول: "مَا صَلَّيْتُ وَرَاءَ أَحَدٍ بَعْدَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - أَشْبَهَ صَلاَةً بِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - مِنْ هَذَا الفَتَى - يَعْني عُمَرَ بْنَ عَبْدِ العَزِيزِ - قَالَ: فَحَزَرْنَا فِي رُكُوعِهِ عَشْرَ تَسْبِيحَاتٍ، وَفي سُجُودِهِ مِثْلَهُ". أخرجه أبو داود (¬4) والنسائي (¬5). [ضعيف] مقدار الركوع والسجود أي: مقدار بقاء الراكع راكعاً، والساجد ساجداً. قوله: "وعن أبي جبير" يريد سعيد المعروف. قوله: "فحزرنا" (¬6) بالحاء المهملة فزاي: قدرنا مقدار بقائه راكعاً، ومقدار بقائه ساجداً، كل بقاء منهما قدر قول عشر تسبيحات، واقتصروا على حزر قدر الركوع والسجود فقط دون ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 302). (¬2) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 302). (¬3) كذا في (أ. ب)، والذي في "الفتح" (2/ 302): "لذكرها". (¬4) في "السنن" رقم (888). (¬5) في "السنن" رقم (1135). وهو حديث ضعيف، والله أعلم. (¬6) في "السنن" رقم (885). وهو حديث ضعيف، والله أعلم.

القيام والاعتدال بعد الركوع وبعد السجود؛ لأن الظاهر أن الإساءة [18 ب] وقعت من العامة بعده - صلى الله عليه وسلم - في تخفيف هذين الركنين. 2 - وعن السعدي عن أبيه عن عمه قال: رَمَقْتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي صَلاَتِهِ، فَكَانَ يَتَمَكَّنَ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودَهَ قَدْرَ مَا يَقُولَ: "سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ" ثَلاَثًا. أخرجه أبو داود (¬1). [ضعيف] قوله: "وعن السعدي". أقول: قال ابن الأثير (¬2): منسوب إلى سعد بن زيد مناة بن تميم، منهم الأحنف بن قيس ورهطه، وإلى سعد بن هزيم بن زيد. وقد تقدم النسب وإلى سعد العشيرة من مذحج، وإنما قيل له سعد العشيرة؛ لأنه كان يركب في ثلاثمائة من ولده، وولد ولده. فإن قيل: من هؤلاء؟ قال: عشيرتي لمخافة العين عليهم. وإلى سعد بن بكر بن هوازن بطن منهم. انتهى. قوله: "أخرجه أبو داود". قلت: قال الحافظ المنذري في "مختصر السنن" (¬3): السعدي مجهول. قلت: وقوله: عن أبيه أو عمه شك. وهما مجهولان، لا أن حديث (¬4) ابن مسعود مرفوعاً: "إذا ركع أحدكم فليقل ثلاث مرات: سبحان ربي العظيم" وذلك أدناه، ومثله في السجود بلفظ: "ربي الأعلى" يشهد لحديث السعدي. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (885) وهو حديث ضعيف. (¬2) في "تتمة جامع الأصول" (1/ 493 - قسم التراجم). (¬3) (1/ 422). (¬4) في "السنن" رقم (886). وأخرجه الترمذي رقم (261)، وابن ماجه رقم (890). وهو حديث ضعيف، والله أعلم.

وحديث ابن مسعود: أخرجه أبو داود (¬1)، ثم قال: إنه مرسل، عون لم يدرك عبد الله. يريد عون بن عبد الله رواية عن ابن مسعود. 3 - وعن غُندر قال: غَلَبَ عَلَى الكُوفَةِ زَمَنَ ابْنِ الأَشْعَثِ مَطَرُ بنُ نَاجِيةَ، فَأَمَرَ أَبَا عُبَيْدَةَ ابْنَ عَبْدِ الله أَنْ يُصَلَّيَ بِالنَّاسِ، فَكَانَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ قَامَ قَدْرَ مَا أَقُولُ: اللهمَّ رَبَّنَا لَكَ الحَمْدُ، مِلْءُ السَّمَاوَاتِ وَمِلْءُ الأَرْضِ، وَمِلْءُ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ، أَهْلَ الثَّناءِ وَالمَجْدِ، لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ. قَالَ الحَكَمُ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى فَقَالَ: سَمِعْتُ البَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ يَقُولُ: كَانَتْ صَلَاةُ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، قِيَامُهُ وَرُكُوعُهُ وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَمَا بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ قَرِيبًا مِنْ السَّوَاءِ. قَالَ شُعْبَةُ: فَذَكَرْتُهُ لِعَمْرِو بْنِ مُرَّةَ؛ فَقَالَ: قَدْ رَأَيْتُ ابْنَ أَبِي لَيْلَى فَلَمْ تَكُنْ صَلَاتُهُ هَكَذَا. أخرجه الخمسة (¬2). [صحيح] 4 - وفي أخرى للشيخين (¬3) قال: "كَانَ رُكُوعُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَسُجُودُهُ وَبَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ، مَا خَلَا القِيَامَ وَالقُعُودَ، قَرِيبًا مِنْ السَّوَاءِ". [صحيح] قوله: "عن غُنْدَر" (¬4). ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (886). وأخرجه الترمذي رقم (261)، وابن ماجه رقم (890). وهو حديث ضعيف، والله أعلم. (¬2) أخرجه البخاري رقم (792، 801، 820)، ومسلم رقم (194/ 471)، وأبو داود رقم (852)، والترمذي رقم (279)، والنسائي رقم (1065، 1148، 1332). وهو حديث صحيح. (¬3) البخاري في صحيحه رقم (792)، ومسلم رقم (471). (¬4) ذكره ابن الأثير في "تتمة جامع الأصول" (2/ 764 - قسم التراجم). =

أقول: بضم الغين المعجمة، وسكون النون فدال مهملة مفتوحة فراء، وهو لقب لمحمد بن جعفر البصري أبي بكر، وسبب تلقيبه بذلك: أن ابن جريج قدم البصرة فحدثه بحديث عن الحسن البصري، فأنكروا عليه وشغبوا، وكان محمد بن جعفر ممن شغب عليه، فقال: اسكت يا غندر، وأهل الحجاز يسمون المشغب غندراً. قوله: "زمن ابن الأشعث". أقول: هو محمد (¬1) بن الأشعث بن قيس الكندي، عداده [19 ب] في الكوفيين، سمع عائشة، روى عنه الشعبي وسليمان بن يسار والزهري. ومحمد بن الأشعث هو الذي خرج على عبد الملك بن مروان، وتولى قتاله الحجاج، واتفقت بينهما فتن عظيمة آلى أمرها إلى هلاك ابن الأشعث. وقوله: "مطر بن ناجية" (¬2) بفتح الميم وسكون الطاء فراء. وناجية: بالنون فجيم بعد الألف فمثناة تحتية هو: مطر بن ناجية اليربوعي، الذي غلب على الكوفة من قبل ابن الأشعث أيام عبد الملك بن مروان، وأخرج منها عامل الحجاج ابن يوسف. قوله: "فأمر" أي: مطر بن ناجية. "أبا عبيدة بن عبد الله" هو ابن مسعود أن يصلي بالناس. قوله: "قدر ما ... " الحديث. ¬

_ = وانظر: "التقريب" (2/ 151 رقم 108)، "ميزان الاعتدال" (3/ 502 رقم 7324). (¬1) انظر: "ميزان الاعتدال" (3/ 486 رقم 7248). (¬2) ذكره ابن الأثير في "تتمة جامع الأصول" (2/ 905 - قسم التراجم).

أقول: قد ورد مرفوعاً عنه - صلى الله عليه وسلم - هذا اللفظ في "سنن أبي داود" (¬1) وغيره (¬2)، أخرجه عن أبي سعيد الخدري: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول حين يقول: "سمع الله لمن حمده: اللهم ربنا لك الحمد، ملء السماوات وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت" زاد محمود: "ولا معطي لما منعت" ثم اتفقا: "ولا ينفع ذا الجد منك الجد". وأخرجه (¬3) عن ابن أبي أوفى إلى قوله: "وملء ما شئت من شيء بعد". فالعجب من ابن الأثير، وأما المصنف فهو ناقل عنه [450/ أ] في إثباته هذا الحديث المرسل، وأنه قدر ما قاله الإمام بما ذكره من الدعاء تقديراً. وهذا الحديث المرفوع مصرح بأن هذا الدعاء كان يقوله - صلى الله عليه وسلم - في عقب ركوعه بلفظه وزيادة. فكيف يعدل ابن الأثير عن المرفوع إلى حديث مرسل؟ قال [20 ب] راويه: الدعاء تقديراً. قوله: "قال الحكم". أقول: في "رابع الجامع" (¬4): أربعة كل منهم يسمى الحكم، إلا أن أحدهم صحابي فليس بالمراد هنا. واثنان تابعيان لا أدري أيهما أراد الراوي، ثم رأيته صرح به في "فتح الباري" (¬5) فقال: الحكم هو ابن عتيبة. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (852)، وهو حديث صحيح. (¬2) أخرجه أبو داود في "السنن" رقم (847). وأخرجه مسلم رقم (477)، والنسائي رقم (1068)، وهو حديث صحيح. (¬3) في "السنن" رقم (846). وأخرجه مسلم في صحيحه رقم (476)، وابن ماجه رقم (878)، وهو حديث صحيح. (¬4) في "تتمة جامع الأصول" (1/ 316 - 317). (¬5) (2/ 276).

وليس في "الجامع": الحكم بن عتيبة. وضبط في "التقريب" (¬1): عتيبة بالمثناة ثم موحدة مصغراً، وعليه رمز الستة أنهم رووا له. قوله: "لعبد الرحمن بن أبي ليلى". أقول: هو أبو عيسى عبد الرحمن بن أبي ليلى (¬2)، واسم أبي ليلى: يسار، ويقال: داود بن بلال (¬3)، ولد لست سنين بقيت من خلافة عمر، وحديثه في الكوفيين، سمع أباه، وعلي بن أبي طالب - عليه السلام - وعثمان بن عفان، وآخرين منهم: البراء بن عازب وحذيفة. قوله: "سمعت البراء" أي: ابن عازب الصحابي الجليل، تقدم ذكره وضبطه. قوله: "ما خلا القيام والقعود" بالنصب فيهما قيل: أراد بالقيام: الاعتدال، وبالقعود: بين السجدتين. وتمسك به من قال: إنهما لا يطولان. ورده ابن القيم (¬4) في كلامه على حاشية السنن فقال: هذا سوء فهم من قائله؛ لأنه قد ذكرهما بعينهما، فكيف يستثنيهما؟ وهل يحسن قول القائل: جاء زيد وعمر وبكر وخالد إلا زيداً وعمراً؟ فإنه متى أراد نفي المجيء عنهما كان تناقضاً. انتهى. قال الحافظ ابن حجر (¬5): وتعقب بأن المراد إدخالها في الطمأنينة، وباستثناء بعضها إخراج المستثنى من المساواة. انتهى. ¬

_ (¬1) (1/ 192 رقم 494). (¬2) قاله ابن الأثير في "تتمة جامع الأصول" (2/ 647 - 648 - قسم التراجم). (¬3) في "تتمة جامع الأصول": داود بن بلال بن أحيحة بن الجلاح الأنصاري. (¬4) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 276). (¬5) في "فتح الباري" (2/ 276).

قلت: الطمأنينة لم تذكر في حديث البراء (¬1)، والذي يظهر لي أن قوله: "ما خلا القيام" أي: قيامه حال القراءة والقعود: قعوده للتشهد الأخير، فإنه كان يطيلها لطول ذكرهما. القراءة ودعاء التشهد. فقوله: "قريباً من السواء" أي: فيما عداهما، فهما أطول من سائر الأركان بخلاف [21 ب] الركوع والاعتدال بعده، والسجود والاعتدال بين السجدتين. فالتقريب بينهما في السواية، ويدل لذلك رواية النسائي (¬2) والترمذي (¬3) بلفظ: "كانت صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا ركع وإذا رفع رأسه من الركوع وإذا سجد وإذا رفع رأسه من السجود؛ قريباً من السواء" انتهى. وقال الترمذي (¬4): حسن صحيح. فصرح بمحلات التسوية ولم يستثن القيام والقعود لعدم دخولهما فيما ذكره. وفي لفظ للبخاري (¬5) عن البراء أيضاً: "كان ركوع النبي - صلى الله عليه وسلم - وسجوده وإذا رفع من الركوع وبن السجدتين قريباً من السواء" والرواية التي فيها [زيادة] (¬6): "ما خلا القيام والقعود" هي (¬7) بلفظ: "كان ركوع النبي - صلى الله عليه وسلم - وسجوده وبين السجدتين وإذا رفع رأسه من ¬

_ (¬1) تقدم تخريجه، وهو حديث صحيح. (¬2) في "السنن" رقم (1065، 1148، 1332). (¬3) في "السنن" رقم (279). وهو حديث صحيح، وقد تقدم. (¬4) في "السنن" (2/ 69). (¬5) في صحيحه رقم (801). (¬6) سقطت من (ب). (¬7) أخرجها البخاري رقم (792)، وقد تقدم تخريجها.

الركوع ما خلا القيام والقعود قريباً من السواء" فيكون قوله: "ما خلا القيام والقعود" استثناء متقطع لعدم دخولهما فيما ذكره، والمراد بهما ما ذكرناه. 5 - وعن زيد بن وهب قال: رَأَى حُذَيْفَةَ رَجُلًا يُصَلِّي فَطَفَّفَ، فَقَالَ لَهُ حُذَيْفَةُ: مُذْ كَمْ تُصَلِّي هَذِهِ الصَّلَاةَ؟ قَالَ: مُنْذُ أَرْبَعيِنَ سَنَةً. قَالَ: مَا صلَّيْتَ مُنْذُ أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَلَوْ مِتَّ وَأَنْتَ تُصَلِّي هَذِهِ الصَّلَاةَ مُتَّ عَلَى غَيْرِ فِطْرَةِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ الرَّجُلَ لَيُخَفِّفُ وَيُتِمُّ وَيُحْسِنُ. أخرجه البخاري (¬1) والنسائي (¬2)، واللفظ له. [صحيح] قوله: "وعن زيد بن وهب". أقول: هو أبو سليمان زيد بن وهب الهمداني ثم الجهني (¬3)، أدرك الجاهلية والإسلام، ورحل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقبض وهو في الطريق، وسمع عمر بن الخطاب ومن بعده. قوله: "فطفَّف" لفظ البخاري (¬4) من رواية الأعمش: "لا يتم الركوع والسجود". قوله: "منذ أربعين سنة". ¬

_ (¬1) في صحيحه رقم (791 و808). (¬2) في "المجتبى" (3/ 58)، وفي "السنن الكبرى" رقم (611). وأخرجه أحمد (5/ 384)، وابن حبان رقم (1894)، والبزار في مسنده رقم (2819)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (2/ 386)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (616)، وعبد الرزاق في "المصنف" رقم (3732، 3733). وهو حديث صحيح. (¬3) ذكره ابن الأثير في "تتمة جامع الأصول" (1/ 421 - قسم التراجم). وانظر: "التقريب" (1/ 277 رقم 210). (¬4) في صحيحه رقم (791).

أقول: قيل: هي زيادة غريبة أو شاذة أو وهم، وحذفها البخاري من روايته. قال الحافظ (¬1): لم يذكرها البخاري؛ لأن حذيفة مات سنة ست وثلاثين، فعلى هذا يكون ابتداء الصلاة المذكورة قبل الهجرة بأربع سنين، ولعل الصلاة [22 ب] لم (¬2) تكن فرضت بعد، فلعله أطلق، وأراد المبالغة. انتهى. قوله: "على غير فطرة محمد - صلى الله عليه وسلم - ". أقول: استدل به على دخول الطمأنينة في الركوع والسجود، وعلى أن الإخلال بها يبطل الصلاة، وعلى تكفير تارك الصلاة؛ لأن ظاهره: أن حذيفة نفى الإسلام عمّن لم يصل، وهو على حقيقته عند قوم، أو للزجر. قال الخطابي (¬3): الفطرة: الملة والدين، فيحتمل أن يكون المراد بها: السنة كما جاء: "خمس من الفطرة ... " (¬4) الحديث. وبكون حذيفة قد أراد زجر الرجل ليرتدع في المستقبل، ويرجحه وروده من طرق آخر بلفظ: "سنة محمد - صلى الله عليه وسلم - " وهو مصير من البخاري إلى أن الصحابي إذا قال سنة محمد أو فطرته كان حديثاً مرفوعاً، وقد خالف فيه قوم، والأول الراجح. انتهى. واعلم أنه قد قدم (¬5) المصنف هذا الحديث عن حذيفة، ونسبه إلى تعليق البخاري وقد تكلمنا عليه. وأنه سقط عليه بعض لفظها، وذكرها في سياق رواية رزين عن محارب بن دثار، ولفظها قد قدمناه، وأنه سقط عليه قوله: "وأحسبه قال: ولو مت مت على غير سنة محمد" ¬

_ (¬1) في "فتح الباري" (2/ 275). (¬2) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 275). (¬3) في "معالم السنن" (1/ 44 - مع السنن). (¬4) البخاري في صحيحه (2/ 295 الباب رقم 132 رقم 808). (¬5) نعم، تقدم برقم (3405).

فسقط عليه لفظ "أحسبه" ورواه (¬1) في: "إذا لم يتم الركوع والسجود، ولو مت مت على غير الفطرة التي فطر الله محمد - صلى الله عليه وسلم -[451/ أ] " إلا أنه ليس في البخاري في الموضعين (¬2) لفظ: "أيالم ظهرُك؟ " كما ساقه ابن الأثير (¬3) والمصنف، ولكن ابن الأثير (¬4) قد بيض له؛ لأنه من زيادات رزين، والمصنف قال: قلت: هو في البخاري (¬5)، وساقه، وكأنه يريد معناه في البخاري لا اللفظ الذي ساقه رزين، ثم لا يخفى أن تقدمه هنالك ليس له مناسبة، وأن هذا محله. وقد اتفق في بعض روايات البخاري ذكره مرتين في محله هنا وفي غير محله، ونبه الحافظ ابن حجر (¬6) على ذلك. [23 ب]. 6 - وعن عبد الرحمن بن شِبْل قال: "نَهَى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنْ نَقْرَةِ الغُرَابِ، وَافْتِرَاشِ السَّبُعِ، وَأَنْ يُوَطِّنَ الرَّجُلُ بِالمَكَانَ الَّذِي في المَسْجِدِ كَمَا يُوَطِّنُ البَعِيرُ". أخرجه أبو داود (¬7) والنسائي (¬8). [حسن] ¬

_ (¬1) البخاري في صحيحه (2/ 295 الباب رقم 132 رقم 808). (¬2) في صحيحه (2/ 274 الباب رقم 119 باب: إذا لم يتم الركوع، رقم 791). وفي صحيحه (2/ 295 الباب رقم 132 باب: إذا لم يتم السجود، رقم 808). (¬3) في "الجامع" (5/ 318 رقم 3405). (¬4) في "الجامع" (5/ 318 رقم 3405). (¬5) في صحيحه رقم (791، 808). (¬6) في "فتح الباري" (2/ 275 - 276). (¬7) في "السنن" رقم (862). (¬8) في "المجتبى" (2/ 214)، وفي "السنن الكبرى" (700). وأخرجه ابن ماجه رقم (1429)، وأحمد (3/ 428)، وابن خزيمة رقم (622 و1319)، وابن حبان رقم (2277)، والحاكم (1/ 229)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (2/ 118)، "والبغوي في "شرح السنة" رقم (666) من طرق. وهو حديث حسن.

"نقرةُ الغرابِ" المتابعة (¬1) بين السجدتين من غير طمأنينة بينهما (¬2). "وافتراشُ السبعِ" أن يضع ساعديه على الأرض في السجود كالكلب وغيره من السباع (¬3). وقوله: "وَأنْ يُوطِّنَ الرَّجُلُ بِالمَكانِ كمَا يُوطِّنُ البَعِيرُ" معناه أن يألف مكاناً معلوماً من المسجد يصلي فيه لا يعدوه كالبعير لا يأوي من عَطَن الإبل إلا إلى مكان قد اعتاده (¬4). قوله: "وعن عبد الرحمن بن شبل" (¬5). أقول: بكسر الشين المعجمة فموحدة، وهو ابن عمرو الأوسي وأخوه عبد الله، روى عبد الرحمن حديث: "نهي المصلي عن نقرة الغراب وافتراش السبع" وروى أيضاً حديث: "اقرءوا القرآن ولا تغلوا فيه، ولا تجفوا عنه، ولا تأكلوا به, ولا تستكثروا به" (¬6). قال الكاشغري: وقد فسر المصنف ما تضمنه الحديث من الثلاث المنهي عنها. ¬

_ (¬1) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (5/ 368). (¬2) ثم قال ابن الأثير: شبَّهه بنقر الغراب إذا وقع على الجيفة فأكل منها، فتراه يتابع بين نقراته لحمها. (¬3) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (5/ 368). (¬4) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (5/ 369). (¬5) انظر: "التقريب" (1/ 483 رقم 970). (¬6) أخرجه أحمد (3/ 428)، والطبراني في "الأوسط" رقم (2574)، والبزار في مسنده رقم (2320 - كشف). وأورده الهيثمي في "المجمع" (7/ 167) وقال: رواه أحمد والبزار بنحوه، ورجال أحمد ثقات. وهو حديث صحيح، والله أعلم.

هيئة الركوع والسجود

هيئة الركوع والسجود 1 - عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: عَلَّمَنَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - الصَّلاَةَ، فَكَّبرَ وَرَفَعَ يَدْيَهِ، فَلَمَّا رَكَعَ طَبَّقَ يَدْيَهِ بينَ رُكْبَتَيْهِ. قَالَ: فَبَلَغَ ذَلِكُ سَعْدًا فَقَالَ: صَدَقَ أَخِي، كُنَّا نَفْعَلُ هَذَا ثُمَّ أُمِرْنَا بِهَذَا، يَعْنِي: الإِمْسَاكَ عَلَى الرُّكْبَتَيْنِ. أخرجه أبو داود (¬1) والنسائي (¬2). [صحيح] قوله: "هيئة الركوع والسجود". أقول: الهيئة المشروعة الثابتة بالأدلة المرفوعة. وقدمنا الكلام فيمن زعم أنه ليس المراد بهما إلا معناهما اللغوي. قوله: "وعن ابن مسعود: علمنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصلاة" لما علم من الله أمر بها في كتابه العزيز مجملة فبينها - صلى الله عليه وسلم - بأفعاله وأقواله. وهذا الحديث منه وفيه إثبات الرفع في تكبيرة الإحرام، ولم يبين مقداره إلى أين كان. وظاهره أن الرفع بعد التكبير وإن كان لا يقتضي الترتيب. قوله: "فلما ركع طبق يديه". أقول: كأنه قد طوى من الحديث تفاصيل بقية أفعال الصلاة التي علمهم؛ لأن ظاهره أنه أول تعليم، فلا بد أن يكون لها كلها. والتطبيق (¬3): هو الإلصاق بين الكفين في الركوع وجعلهما [24 ب] بين الركبتين. وعن عائشة: أن التطبيق من صنيع اليهود، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عنه. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (868). (¬2) في "السنن" رقم (1029، 1031). وأخرجه مسلم في صحيحه رقم (534)، وهو حديث صحيح. (¬3) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 103)، "غريب الحديث" للهروي (4/ 224).

قوله: "فبلغ ذلك سعداً" يريد سعد بن أبي وقاص كما بينته رواية أبي داود (¬1) عن مصعب بن سعد قال: "صليت إلى جنب أبي وجعلت يدي بين ركبتي، فنهاني عن ذلك فعدت فقال: لا تصنع هذا، فإنا كنا نفعله فنهينا عنه، وأمرنا أن نضع أيدينا على الرُّكَب" هذا لفظ أبي داود في إحدى روايتيه، والأخرى (¬2) بلفظ: "وإذا ركع أحدكم فليفرش ذراعيه فخذيه، وليطبق بين كفيه" هذا الذي في السنن. فلفظ رواية ابن الأثير والمصنف هو لفظ النسائي (¬3)، وله عنده ألفاظ. وقال الحافظ المنذري (¬4): أنه أخرج الحديث البخاري (¬5) ومسلم (¬6) والترمذي (¬7) والنسائي (¬8) انتهى. ويريد أنهم اتفقوا على إخراج معناه, كما أن ابن الأثير والمصنف نسباه إلى أبي داود والنسائي وألفاظهما مختلفة، فكان حق ابن الأثير نسبته إلى الجميع (¬9). ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (867). وأخرجه البخاري رقم (790)، ومسلم رقم (535)، والترمذي رقم (259)، والنسائي رقم (1033، 1032)، وابن ماجه رقم (873). وهو حديث صحيح. (¬2) في "السنن" رقم (868)، وهو حديث صحيح، وقد تقدم. (¬3) في "السنن" رقم (1029، 1031). (¬4) في "مختصر السنن" (1/ 418). (¬5) في صحيحه رقم (791). (¬6) في صحيحه رقم (535). (¬7) في "السنن" رقم (259). (¬8) في "السنن" رقم (1032). وأخرجه ابن ماجه رقم (873). (¬9) وهو كما قال.

2 - وعن عمر - رضي الله عنه - قال: سُنَّتْ لكمُ الرُّكَبُ فَأَمْسِكُوا بِالرُّكَبِ. أخرجه الترمذي (¬1) والنسائي (¬2). [حسن] قوله في حديث عمر: "أخرجه الترمذي". قلت: وقال (¬3): حديث عمر حسن صحيح، والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - والتابعين ومن بعدهم، لا اختلاف بينهم في ذلك، إلا ما روي عن ابن مسعود وبعض أصحابه: أنهم كانوا يطبَّقون، والتطبيق منسوخ عند أهل العلم. قال سعد بن أبي وقاص (¬4): كنا نفعل ذلك، ثم انتهينا عنه, وأمرنا أن نضع الأكف على الرُّكب. انتهى بلفظه. 3 - وعن أبي إسحاق قال: وَصَفَ لَنَا البَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ السُّجُودَ فَوَضَعَ يَدَيْهِ وَاعْتَمَدَ عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَرَفَعَ عَجِيزَتَهُ, وَقَالَ: هَكَذَا كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَسْجُدُ. [ضعيف] وفي أخرى: "كَانَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إذّا صَلّى جَنَّحَ". أخرجه أبو داود (¬5) والنسائي (¬6). [ضعيف] ومعنى: "جَنَّحَ" أي: جافى يديه عن جنبيه فصار له مثل الجناح (¬7). ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (258). (¬2) في "السنن" رقم (1034، 1035). (¬3) في "السنن" (2/ 44). (¬4) أخرجه أبو داود في "السنن" رقم (259). (¬5) في "السنن" رقم (896). (¬6) في "السنن" رقم (1104). وهو حديث ضعيف، والله أعلم. (¬7) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (5/ 370). وانظر: "النهاية في غريب الحديث" (1/ 274).

قوله: "وعن أبي إسحاق" [25 ب]. أقول: هو عمرو بن عبد الله السبيعي (¬1)، بفتح السين المهملة وكسر الموحدة فمثناة تحتية وعين مهملة، الهمداني الكوفي، رأى علياً - عليه السلام - وابن عباس وأسامة بن زيد وابن عمر، وسمع البراء بن عازب وزيد بن أرقم. قوله: "وصف لنا البراء السجود" أي: سجود النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لقوله آخره: هكذا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسجد. قوله: "فوضع يديه" أي: على الأرض، والمراد: الكفان. "واعتمد على ركبتيه ورفع عجيزته" وهي العجز، وهي للمرأة خاصة، فاستعارها للرجل. قوله: "جنَّح" بفتح الجيم وتشديد النون فحاء مهملة. فسره المصنف. 4 - وعن البراء - رضي الله عنه - قال: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا سَجَدْتَ فَضَعْ كفَّيْكَ وَارْفَعْ مِرْفَقَيْكَ". أخرجه مسلم (¬2) والترمذي (¬3). [صحيح] 5 - وفي رواية للترمذي (¬4) قال: قُلْتُ لِلْبَرَاءِ: أَيْنَ كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يضَعُ وَجْهَهُ إِذَا سَجَدَ؟ قَالَ: بَيْنَ كَفَّيْهِ. [صحيح] قوله في حديث البراء: "وضع كفيك" هو بيان لقوله في روايته الأولى: "فوضع يديه ورفع مرفقيه لئلا يفترش ساعديه افتراش السبع". ¬

_ (¬1) ذكره ابن الأثير في "تتمة جامع الأصول" (2/ 723 - قسم التراجم). (¬2) في صحيحه رقم (234/ 494). (¬3) في "السنن" رقم (271)، وهو حديث صحيح. (¬4) في "السنن" رقم (271).

وقد ثبت عند الترمذي (¬1) في صفة الركوع: "أنه وتر يديه، فنحاهما عن جنبيه". قال أبو عيسى (¬2): وهو الذي اختاره أهل العلم أن يجافي الرجل يديه عن جنبيه في الركوع والسجود. 6 - وعن عبد الله بن مالك بن بحينة قال: "كَانَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - إذَا صَلَّى فَرَّجَ بَيْنَ يَدَيْهِ حَتَّى يَبْدوَ بَيَاضُ إِبْطَيْهِ". أخرجه الشيخان (¬3) والنسائي (¬4). [صحيح] قوله في حديث ابن بحينة: "إذا صلى فرَّج بين يديه، حتى يبدو بياض إبطيه" شامل لحالتي الركوع والسجود. 7 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِذا سَجَدَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَفْتَرِشْ ذرَاعَيْهِ افْتِرَاشَ الكَلْبِ". أخرجه الترمذي (¬5). [صحيح] قوله في حديث أبي هريرة: "أخرجه الترمذي" (¬6). قلت: وقال (¬7): هذا حديث حسن صحيح، وليس فيه (¬8): "وليضم فخذيه". ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (260)، وهو حديث حسن. (¬2) في "السنن" (2/ 60). (¬3) البخاري في صحيحه رقم (390، 807، 3564). (¬4) في "السنن" (2/ 212). وأخرجه مسلم في صحيحه رقم (235، 495)، وأحمد (5/ 345). (¬5) في "السنن" رقم (275) من حديث جابر، وهو حديث صحيح. (¬6) في "السنن" رقم (275)، وهو حديث صحيح. (¬7) في "السنن" (2/ 66). (¬8) وهو عند الترمذي بلفظ عن جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا سجد أحدكم فليعتدل، ولا يفترش ذراعيه افتراش الكلب".

قلت: وابن الأثير (¬1) نسب هذه الرواية وحدها إلى أبي داود، ونسب التي ليس [26 ب] فيها: "وليضم فخذيه" إلى الترمذي، ولم يجمعهما كما صنع المصنف. ثم إن حديث أبي هريرة (¬2) وحديث الترمذي (¬3) من حديث جابر كما ذكره ابن الأثير، والمصنف نسب الكل إلى رواية أبي هريرة، إلا أني وجدت نسخة من "التيسير" خالية عن رمز الترمذي، وهي الصواب [452/ أ]؛ لأن لفظ: "وليضم فخذيه" ليست في الترمذي (¬4). ورواية الحديث فيه عن جابر لا عن أبي هريرة. نعم. ابن الأثير أتى بالروايتين: رواية أبي هريرة ورواية جابر. وأحسن المصنف بالإتيان برواية أبي هريرة (¬5) لما فيها من زيادة: "وليضم فخذيه" أي: لا يفرج بينهما، كما أنه ينبغب له التجافي لليدين في ركوعه وسجوده, أي: ينحيهما عن جنبيه وإبطيه. 8 - وعن عامر بن سعد عن أبيه - رضي الله عنه -: "أَنَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَ بِوَضْعِ اليَدَيْنِ وَنَصْبِ القَدَمَيْنِ". أخرجه الترمذي (¬6). [حسن] قوله في حديث عامر بن سعد: "أنه - صلى الله عليه وسلم - أمر" بصيغة المعلوم. "بوضع اليدين" أي: الكفين في سجوده ونصب القدمين أي: على رؤوس أصابع الرجلين. ¬

_ (¬1) في "الجامع" (5/ 374 رقم 3509). (¬2) وكأن في العبارة قطع، وهو يشير إلى أن رواية أي داود من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -. (¬3) في "السنن" رقم (275)، وقد تقدم. (¬4) وهو كما قال. (¬5) أخرجه أبو داود في "السنن" رقم (901). (¬6) في "السنن" رقم (277، 278)، وهو حديث حسن.

قوله: "أخرجه الترمذي" إلا أنه ساقه (¬1) من طريق أخرى عن عامر بن سعد: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر ... الحديث. وليس فيه عن أبيه. قال الترمذي (¬2): وهذا - أي: المرسل - أصح. ثم قال (¬3): وهو الذي أجمع عليه أهل العلم واختاروه. انتهى. 9 - وعن أبي حميد الساعدي - رضي الله عنه - قال: "كانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا رَكَعَ اعْتَدَلَ وَلَمْ يَنْصِبْ رَأْسَهُ وَلَمْ يُقْنِعْهُ, وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ, وَإِذَا أَهْوَى إِلَى الأَرْضِ سَاجِدًا جَافَى عَضُدَيْهِ عَنْ إِبِطَيْهِ وَفَتَحَ أَصَابِعَ رِجْلَيْهِ". أخرجه النسائي (¬4). [صحيح] قوله في حديث أبي حميد الساعدي: "ولم يصبّ رأسه" من صبَّ بفتح الصاد المهملة وتشديد الموحدة. قال الخطابي (¬5): الرواية (¬6): "يصب". ورواه ابن المبارك عن فليح بن سليمان عن عيسى ابن عبد الله سمعه من عباس عن أبي حميد: "كان لا يصبي رأسه ولا يقنعه" يقال: صبى الرجل رأسه يصبي إذا خفضه جداً (¬7). ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي في "السنن" رقم (278)، وهو حديث حسن. (¬2) في "السنن" (2/ 68). (¬3) في "السنن" (2/ 68). (¬4) في "السنن" رقم (1101)، وهو حديث صحيح. وأخرجه البخاري رقم (828) مختصراً، وأبو داود رقم (730، 963)، وابن ماجه رقم (862، 863، 1061). (¬5) في "معالم السنن" (1/ 467). (¬6) قال الخطابي: هكذا جاء في هذه الرواية: "لا ينصب رأسه". (¬7) ثم قال الخطابي: وقد فسرته في "غريب الحديث": ومعنى لا يصب رأسه، أي: لا يميله إلى أسفل.

وقوله: "ولا يقنعه" (¬1) بضم حرف المضارعة فقاف ساكنة فنون خفيفة فعين مهملة، أي: لا يرفعه [27 ب] فالإقناع رفع الرأس. ويقال لمن خفض رأسه قد أقنع وانحرف من الأضداد (¬2). قوله: "أخرجه النسائي". قلت: لكن الذي رأيناه فيه: "لم ينصب رأسه" بنون بعد حرف المضارعة من النصب، وكأن لفظ المصنف وقبله ابن الأثير نسخة. قوله: "وفتح أصابع رجليه". أقول: بالفاء فمثناة فوقية فحاء معجمة، يقال: فتح أصابع رجله، أي: ثناها ولينها. قاله التوربشتي. وقال ابن الأثير (¬3): [فتح] (¬4) أصابع رجليه أي: نصبها وغمز موضع المفاصل منها وثناها إلى باطن الرجل، وأصل اللين. ومنه قيل للعقاب: فتخاء؛ لأنها إذا انحطَّت كسرت جناحها. انتهى. 10 - وعنه أيضاً - رضي الله عنه -: "أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا سَجَدَ أَمْكَنَ أَنْفَهُ وَجَبْهَتَهُ مِنْ الأَرْضِ، وَنَحَّى يَدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ, وَوَضَعَ كفَّيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ". أخرجه الترمذي (¬5) وصححه. [صحيح] قوله في حديث أبي حميد الثاني: "أخرجه الترمذي وصححه". ¬

_ (¬1) انظر: "غريب الحديث" للهروي (2/ 274)، و"النهاية" (2/ 494). (¬2) قاله الخطابي في "معالم السنن" (1/ 647 - 648 - مع السنن). (¬3) في "النهاية" (2/ 339)، وفي "غريب الجامع" (5/ 377). (¬4) كذا في المخطوط (أ. ب)، والذي في "غريب الجامع": "فتخ"، وانظر: "غريب الحديث" للهروي (1/ 303). (¬5) في "السنن" رقم (270)، وهو حديث صحيح.

قلت: قال (¬1) بعد سياقة: وفي الباب عن ابن عباس، ووائل بن حجر وأبي سعيد. قال أبو عيسى (¬2): حديث أبي حميد حديث حسن صحيح، والعمل عليه عند أهل العلم، أن يسجد الرجل على جبهته وأنفه، فإن سجد على جبهته دون أنفه، فقد قال قوم من أهل العلم: يجزئه. وقال غيرهم: لا يجزئه حتى يسجد على جبهته وأنفه. 11 - وعن وائل بن حُجر - رضي الله عنه - قال: "كانَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا سَجَدَ وَضَعَ رُكْبَتَيْهِ قَبْلَ يَدَيْهِ, وإذَا نَهَضَ رَفَعَ يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ". أخرجه أصحاب السنن (¬3). [ضعيف] ¬

_ (¬1) في "السنن" (2/ 60). (¬2) في "السنن" (2/ 60). (¬3) أخرجه أبو داود رقم (838)، والترمذي رقم (268) , والنسائي (2/ 206 - 207)، وابن ماجه رقم (882). قلت: وأخرجه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/ 255)، والدارمي (1/ 303)، والدارقطني (1/ 345)، والبيهقي (2/ 98)، والحاكم (1/ 226)، وابن خزيمة (1/ 318 رقم 626)، والحازمي في "الاعتبار" (ص 222). قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، لا نعرف أحداً رواه مثل هذا عن شريك. وقال الحاكم: احتج مسلم بشريك، ووافقه الذهبي، وليس كما قالا؛ فإن مسلماً أخرج له في المتابعات، كما صرح بذلك المنذري في خاتمة "الترغيب والترهيب" (4/ 571). وقال ابن القيم في "زاد المعاد" (1/ 223) وقد ذكر الحديث: هو الصحيح. وخالفهم الدارقطني فقال عقبه: تفرد به يزيد بن شريك، ولم يحدث به عن عاصم بن كليب غير شريك، وشريك ليس بالقوي فيما يتفرد به. اهـ وخالفهم البيهقي أيضاً (2/ 99) بقوله: هذا حديث يعد في أفراد شريك القاضي، وإنما تابعه همام من هذا الوجه مرسلاً، هكذا ذكره البخاري وغيره من الحفاظ المتقدمين رحمهم الله تعالى. اهـ والخلاصة: أن الحديث ضعيف.

12 - وفي أخرى لأبي داود (¬1): "فَلَمَّا سَجَدَ وَضَعَ جَبْهَتَهُ بَيْنَ كَفَّيْهِ، وَإِذَا نَهَضَ نَهَضَ عَلَى رُكبَتَيْهِ وَاعْتَمَدَ عَلَى فَخِذِهِ". [إسناده ضعيف] قوله في حديث وائل بن حجر: "إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه". أقول: عقد له الترمذي ترجمة (¬2) فقال: باب ما جاء في وضع الركبتين قبل اليدين في السجود. وساق حديث وائل هذا، ثم قال: قال أبو عيسى (¬3): هذا حديث غريب حسن، لا نعرف أحد رواه غير شريك. والعمل عليه عند أكثر أهل العلم، يرون أن يضع الرجل ركبتيه قبل يديه، وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه. وروى همام عن عصام هذا مرسلاً، ولم يذكر فيه وائل بن حجر. انتهى. وقال المنذري في "مختصر السنن" (¬4) بعد نقله لفظ [28 ب] الترمذي هذا: وقال النسائي (¬5): لم يقل هذا عن شريك غير يزيد بن هارون. وقال الدارقطني (¬6): تفرد به يزيد عن شريك، ولم يحدث به عن عاصم بن كليب غير شريك، وشريك ليس بالقوي فيما تفرد به. انتهى. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (839) بإسناد ضعيف. (¬2) في "السنن" (2/ 56 الباب رقم 199). (¬3) في "السنن" (2/ 57). (¬4) (1/ 397 - 398). (¬5) في "السنن" (2/ 207). (¬6) في "السنن" (1/ 345).

وقال أبو بكر البيهقي (¬1): هذا يعد في أفراد شريك القاضي، وإنما تابعه همام مرسلاً (¬2). هكذا ذكره البخاري وغيره من الحفاظ المتقدمين. رحمهم الله. وشريك هذا: هو ابن عبد الله النخعي القاضي. وفيه مقال. وقد أخرج له (¬3) مسلم في المتابعة. انتهى. 13 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ فَلاَ يَبْرُكْ كَمَا يَبْرُكُ البَعِيرُ، وَلْيَضَعْ يَدَيْهِ قَبْلَ رُكبَتَيْهِ". أخرجه أصحاب السنن (¬4). [صحيح] قوله في حديث أبي هريرة: "فلا يبرك كما يبرك البعير، يضع يديه قبل ركبتيه". أقول: أولاً: قد تطابق لفظ ابن الأثير (¬5) والمصنف على قوله: "يضع يديه ... " إلى آخره. والذي في كتب الحديث كلها: "وليضع" بلام الأمر. فهذا لفظه باللام في "سنن أبي داود" (¬6) و"سنن الترمذي" (¬7)، وفي أطراف المزي (¬8) ونهاية (¬9) المالكية. ¬

_ (¬1) في "السنن الكبرى" (2/ 98). (¬2) أي من هذا الوجه، كما في "سنن البيهقي" (2/ 98). (¬3) ذكره المنذري في "الترغيب والترهيب" (4/ 571). (¬4) أخرجه أبو داود في "السنن" رقم (840، 841)، والنسائي في "المجتبى" (2/ 207)، وفي "السنن الكبرى" رقم (681)، والترمذي رقم (269). وهو حديث صحيح. (¬5) في "الجامع" (5/ 378 رقم 3518). (¬6) في "السنن" رقم (840، 841). (¬7) في "السنن" رقم (269). (¬8) (10/ 143 رقم 13592). (¬9) "بداية المجتهد ونهاية المقتصد" (1/ 337 - 338) بتحقيقي.

وفي "المنتقى" (¬1) وعزاه لأحمد (¬2)، وكذلك هو في "الإلمام" (¬3) وغيره. ولا شك أن ابن الأثير قصر في النقل؛ فإنه بحذف اللام في جميع نسخه والتيسير تبعه. ثانياً: [إن صح] (¬4) أن هذا يعارض حديث وائل. قال المنذري (¬5): قال الترمذي (¬6) بعد إخراجه: هذا حديث غريب لا نعرفه من حديث أبي الزناد إلا من هذا الوجه. قلت: ثم قال الترمذي (¬7): وقد روي هذا الحديث عن عبد الله بن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وعبد الله بن سعيد المقبري ضعفه يحيى بن سعيد القطان، وغيره. انتهى كلام الترمذي. ولم يذكر كلام البخاري الذي هو قوله: وذكر البخاري (¬8): أن محمد بن عبد الله بن الحسن لا يتابع عليه. وقال (¬9): لا أدري سمع (¬10) من أبي الزناد أم لا. انتهى. ¬

_ (¬1) الحديث رقم (86/ 747 - مع السبل) بتحقيقي. (¬2) في "المسند" (2/ 381). (¬3) انظر: كتاب "الاهتمام بتلخيص كتاب الإمام" (ص 137 رقم 282). (¬4) سقطت من (ب). (¬5) في "مختصر السنن" (1/ 398 - 399). (¬6) في "السنن" (2/ 58). (¬7) في "السنن" (2/ 58). (¬8) في "التاريخ الكبير" (1/ 139). (¬9) البخاري في "التاريخ الكبير" (1/ 139). وانظر: "التقريب" (2/ 176 رقم 370). (¬10) هذه ليست بعلة إلا عند البخاري بناءً على أصله المعروف، وهو اشتراط معرفة اللقاء، وليس ذلك بشرط عند جمهور المحدثين، بل يكفي عندهم مجرد إمكان اللقاء مع أمن التدليس، وهذا متوفر هنا.

وقال الخطابي (¬1): حديث [29 ب] وائل بن حجر أثبت من هذا، وزعم بعض العلماء أن هذا منسوخ. وقال الدارقطني: تفرد به (¬2) الدراوردي عن محمد بن عبد الله العلوي عن أبي الزناد. وفيما قاله الدارقطني نظر، فقد روى نحوه عبد الله بن نافع عن محمد بن عبد الله بن حسن. وأخرجه أبو داود والترمذي والنسائي من حديثه. وقال أبو بكر بن أبي داود [453/ أ] السجستاني: وهذه سنة تفرد بها أهل المدينة. ولهم فيها إسنادان، هذا أحدهما، والآخر عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وهذا قول أصحاب الحديث: وضع اليدين قبل الركبتين. قال الدارقطني (¬3): وهذا تفرد به الدراوردي عن عبيد الله بن عمر هذا. وقال في موضع آخر: تفرد به أصبغ بن الفرج عن عبد العزيز الدراوردي عن عبيد الله [و] (¬4) هذا أخرجه الدارقطني في سننه (¬5) بإسناد حسن. ¬

_ (¬1) في "معالم السنن" (1/ 535 - مع السنن). (¬2) لم يتفرد الدراوردي بالحديث، بل توبع عليه في الجملة، فقد أخرجه أبو داود رقم (841)، والنسائي (2/ 207 رقم 1090)، والترمذي رقم (269) من طريق عبد الله بن نافع عن محمد بن عبد الله بن حسن به، مختصراً بلفظ: "يعمد أحدكم فيبرك في صلاته برك الجمل" فهذه متابعة قوية؛ فإن نافع ثقة أيضاً من رجال مسلم كالدراوردي. (¬3) في "السنن" (1/ 344). (¬4) سقطت من (ب). (¬5) في "السنن" (1/ 344).

وأصبغ بن الفرج (¬1): حدث عنه البخاري في صحيحه محتجاً به، وحدث الترمذي والنسائي عن رجل عنه. وعبد العزيز الدراوردي: احتج مسلم بحديثه في صحيحه، وأخرج البخاري حديثه في صحيحه مقروناً بعبد العزيز بن حاتم. انتهى كلام المنذري في "مختصر السنن" (¬2). واعلم: أن العلامة ابن القيم قد ذكر المسألة في "زاد المعاد" (¬3)، وأطال البحث، وأول كلامه في صفة صلاته - صلى الله عليه وسلم -: وكان - صلى الله عليه وسلم - يضع ركبتيه قبل يديه، ثم يديه بعدهما، ثم جبهته وأنفه. هذا هو الصحيح. وذكر حديث وائل بن حجر، وقال (¬4): إنه لم يُرو في فعله - صلى الله عليه وسلم - ما يخالف ذلك. ثم ذكر حديث أبي هريرة وقال: إنه قد وقع فيه وهم من بعض [30 ب] الرواة؛ فإن أوله يخالف آخره، فإنه إذا وضع يديه قبل ركبتيه فقد برك كما يبرك البعير، فإن البعير إنما يضع يديه أولاً، ثم قال (¬5): وكان يقع لي أن حديث أبي هريرة مما انقلب على بعض الرواة [متنه] (¬6) ولعله: "وليضع ركبتيه قبل يديه" ثم قال: حتى رأيت أبا بكر بن أبي شيبة قد رواه كذلك، فقال أبو بكر بن أبي شيبة (¬7): حدثنا محمد بن فضيل عن عبد الله بن سعيد عن جده ¬

_ (¬1) أصبغ: هو أبو عبد الله أصبغ بن الفرج القرشي المصري، سمع عبد الله بن وهب ومالك بن أنس، مات سنة ست وعشرين ومائتين. قاله ابن الأثير في "تتمة جامع الأصول" (1/ 181 - قسم التراجم). (¬2) (1/ 398 - 399). (¬3) (1/ 215 - 225). (¬4) ابن القيم في "زاد المعاد" (1/ 216). (¬5) ابن القيم في "زاد المعاد" (1/ 218). (¬6) كذا في (أ. ب)، والذي في "زاد المعاد": "متنه وأصله". (¬7) ذكره ابن القيم في "زاد المعاد" (1/ 219).

عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا سجد أحدكم فليبدأ بركبتيه قبل يديه، ولا يبرك بروك الفحل". ورواه الأثرم (¬1) في سننه عن أبي بكر كذلك. قال: وقد روي عن أبي هريرة ما يوافق حديث وائل بن حجر. قال ابن أبي داود (¬2): ثنا يوسف بن عدي ثنا فضيل عن عبد الله بن سعيد عن جده عن أبي هريرة: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا سجد بدأ بركبتيه قبل يديه. ثم أطال في ذلك" ثم قال: وخبر وائل أولى؛ لوجوه. وعد عشرة أوجه (¬3) ترجح (¬4) حديث وائل، فظهر بها قوة حديث وائل، وأن العمل به هو الأوفق بهيئة المصلي، فإن أول ما يقع عليه من الأرض الأقرب منها فالأقرب، وأول ما يرتفع منها الأعلى فالأعلى، فيضع ركبتيه أولاً ثم يديه ثم جبهته، وإذا رفع: رفع رأسه أولاً ثم يديه ثم ركبتيه. وهذا عكس (¬5) فعل البعير، وهو - صلى الله عليه وسلم - نهى في الصلوات عن التشبه بالحيوانات. فنهى عن بروك كبروك البعير، وعن التفات كالتفات الثعلب، وافتراش كافتراش السبع، ونقر كنقر الغراب (¬6). ورفع الأيدي وقت السلام كأذناب خيل شمس. انتهى ملتقطاً من كلام ابن القيم (¬7) - رحمه الله -[31 ب]. ¬

_ (¬1) ذكره ابن القيم في "زاد المعاد" (1/ 219). (¬2) ذكره ابن القيم في "زاد المعاد" (1/ 219). (¬3) في "زاد المعاد" (1/ 223 - 224). (¬4) بل المرجح حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -. انظر ما تقدم. (¬5) انظر: "زاد المعاد" (1/ 223). (¬6) أخرجه أحمد: (2/ 265، 311) بسند ضعيف، إلا أن الحديث صحيح بشواهده عن أبي هريرة قال: قال نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ثلاث: عن نقرةٍ كنقرة الدِّيك, وإقعاء كإقعاء الكلب، والتفات كالتفات الثعلب. (¬7) في "زاد المعاد" (1/ 215 - 225).

14 - وعن علي - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: "يَا عَلِيُّ! إنِّي أُحِبُّ لَكَ مَا أُحِبُّ لِنَفْسِي، وَأَكرَهُ لَكَ مَا أَكْرَهُ لِنَفْسِي، فلاَ تُقْعِ بَيْنَ السَّجدَتَيْنِ". أخرجه الترمذي (¬1) [ضعيف] "الإقعاء" في الصلاة أن يُلصق أليتيه بالأرض، وينصب ساقيه، ويضع يديه بالأرض كما يقعد الكلب في بعض حالاته (¬2). و"الإقعاء" عند الفقهاء أن يضع أليته على عقبه بين السجدتين (¬3). قوله في حديث علي - عليه السلام - "أخرجه الترمذي". قلت: بوب (¬4) له: باب كراهية الإقعاء بين السجدتين، ثم قال (¬5) بعد إخراجه: هذا حديث لا نعرفه من حديث علي إلا من حديث أبي إسحاق عن الحارث عن علي - عليه السلام -. وقد ضعف بعض أهل العلم الحارث الأعور، والعمل على هذا الحديث عند أكثر أهل العلم يكرهون الإقعاء. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (282). وأخرجه أبو داود رقم (908)، وابن ماجه رقم (894)، وأحمد (1/ 146)، والطيالسي رقم (182)، وعبد ابن حميد رقم (67)، وعبد الرزاق رقم (2822)، والبزار رقم (854). وهو حديث ضعيف، والله أعلم. (¬2) ذكره النووي في "شرح صحيح مسلم" (5/ 19)، وفي "المجموع شرح المهذب" (3/ 416). وهذا النوع هو المكروه الذي ورد النهي عنه. (¬3) انظر: "غريب الحديث" للهروي (1/ 210)، "النهاية في غريب الحديث" (2/ 475). (¬4) في "السنن" (2/ 72 الباب رقم 209). (¬5) في "السنن" (2/ 73).

وفي الباب: عن عائشة (¬1) وأنس (¬2) وأبي هريرة (¬3). انتهى كلامه. ثم بوب (¬4) للرخصة في ذلك، ثم أخرج (¬5) عن أبي الزبير أنه قال: سمعت طاووساً يقول: قلنا لابن عباس في الإقعاء على القدمين؟ قال: هي السنة. فقلنا: إنا لنراه جفاء بالرَّجل؟ قال: بل هي سنة نبيكم، ثم قال (¬6): إنه حديث حسن. وقد ذهب بعض أهل العلم إلى هذا الحديث من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يرون بالإقعاء بأساً. وهو قول بعض أهل مكة من أهل الفقه والعلم، وأكثر أهل العلم يكرهون الإقعاء بين السجدتين. انتهى كلامه. قلت: ظاهر كلام الترمذي: أن الإقعاء في حديث النهي، وفي كلام ابن عباس نوع واحد. ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد (6/ 194)، ومسلم رقم (498)، وأبو داود رقم (783)، وابن ماجه رقم (812، 869، 893)، وابن حبان رقم (1768)، وأبو يعلى رقم (4667)، وابن خزيمة رقم (699)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (2/ 15، 85، 113، 172) من طرق. وهو حديث صحيح بشواهده. (¬2) أخرجه ابن ماجه في "السنن" رقم (896). وقال البوصيري في "مصباح الزجاجة" (1/ 308): هذا إسناد ضعيف. قال ابن حبان والحاكم: العلاء أبو محمد روى عن أنس أحاديث موضوعة. وقال البخاري وغيره: منكر الحديث، وقال ابن المديني: كان يضع الحديث. (¬3) تقدم نصه وتخريجه. (¬4) أي الترمذي في "السنن" (2/ 73 الباب رقم 210). (¬5) أي الترمذي في "السنن" رقم (283). وأخرجه مسلم برقم (536)، وأبو داود رقم (845)، وهو حديث صحيح. (¬6) الترمذي في "السنن" (2/ 74).

والذي في "سنن البيهقي الكبرى" (¬1) أنه نوعان؛ فإنه قال: باب (¬2) القعود على العقبين بين السجدتين، ثم ذكر حديث ابن عباس هذا الذي ذكره الترمذي، ثم ساقه من طرق كثيرة. وذكر (¬3) أن طاوساً ذكر أن العبادلة الثلاثة يفعلون ذلك [32 ب] عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير [454/ أ]، ثم ساق بسنده إلى طاووس قال: رأيت (¬4) ابن عباس وابن عمر وهما يقعيان بين السجدتين على أطراف أصابعهما. قال إبراهيم (¬5): سألت عطاء عن ذلك، فقال: أي ذلك فعلت أجزأك، إن شئت على أطراف أصابعك، وإن شئت على عجزك. قال البيهقي (¬6): فهذا [الإقعاء] (¬7) المرخص فيه، أو المسنون على ما روينا عن ابن عباس وابن عمر، هو أن يضع أطراف أصابع رجليه على الأرض، ويضع إليتيه على عقبيه، ويضع ركبتيه على الأرض. ثم عقد (¬8) باباً للإقعاء المكروه فقال: باب الإقعاء المكروه في الصلاة. ثم ساق أحاديث النهي، ثم نقل تفسيره عن أبي عبيدة أنه قال: الإقعاء هو أن يلصق إليتيه بالأرض، وينصب ساقيه، ويضع يديه بالأرض. ¬

_ (¬1) (2/ 120). (¬2) في "السنن الكبرى" (2/ 119 الباب رقم 222). (¬3) أي البيهقي في سننه (2/ 120). (¬4) وأخرجه عبد الرزاق في مصنفه رقم (3033). (¬5) ذكره البيهقي في "السنن الكبرى" (2/ 121). (¬6) في "السنن الكبرى" (2/ 121). (¬7) في (أ): "الإجزاء"، وفي (ب): "الاجرو"، وما أثبتناه من "سنن البيهقي". (¬8) أي البيهقي في "السنن" (2/ 120 رقم 223).

وقال في آخر الإقعاء: جلوس الإنسان على إليتيه ناصباً فخذيه، مثل إقعاء الكلب والسبع. قال الشيخ - أي: البيهقي (¬1) نفسه -: وهذا النوع من الإقعاء غير ما روينا عن ابن عباس وابن عمر، فهذا منهي عنه، وما رويناه عن ابن عباس وابن عمر مسنون. قال: وأما حديث (¬2) عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أنه كان ينهى عن عقب الشيطان، ويفرش رجله اليسرى، وينصب رجله اليمنى" فيحتمل أن يكون توارداً في الجلوس للتشهد الآخر، ولا يكون منافياً لما روينا عن ابن عباس وابن عمر في الجلوس بين السجدتين. انتهى بلفظه. قلت: وبه يعلم ما في كلام الترمذي من إبهام أنه نوع واحد، وأن الرخص فيه هو المنهي عنه. وأما صاحب "التيسير"؛ فقد فسر الإقعاء بما هو في اللغة وما هو الذي عند الفقهاء، فذكر النوعين وأصاب [إلا] (¬3) أنه قصر كما قصر ابن الأثير [33 ب] في ترك رواية حديث ابن عباس الذي ذكره أيضاً الترمذي، وعقد له باباً (¬4) وقد قدمناه؛ لأنه الذي يفيد الإقعاء الذي نسبه إلى تفسير الفقهاء. 15 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: "نَهَى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَجْلِسَ الرَّجُلُ فِي الصَّلاَةِ وَهُوَ مُعْتَمِدٌ عَلَى يَدِيْهِ". أخرجه أبو داود (¬5). [صحيح] ¬

_ (¬1) في "السنن الكبرى" (2/ 120). (¬2) تقدم تخريجه، وهو حديث صحيح بشواهده. (¬3) في (ب): "أمّا". (¬4) في "السنن" (2/ 73 الباب رقم 210). (¬5) في "السنن" رقم (992)، وهو حديث صحيح.

وفي أخرى (¬1): "نَهَى أَنْ يَعْتَمِدَ الرَّجُلُ عَلَى يَدَيْهِ إِذَا نَهَضَ مِنَ الصَّلاَةِ". [شاذ] 16 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: "كَانَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَنْهَضُ فِي الصَّلاَةِ عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ". أخرجه أبو داود (¬2). [ضعيف] قوله في حديث ابن عمر: "نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يجلس الرجل في الصلاة وهو معتمد على يديه" (¬3). أقول: هذا أحد ألفاظ روايات أبي داود. وفي الرواية الأخرى (¬4): "نهى أن يعتمد الرجل على يديه إذا نهض من الصلاة" ثم أخرج رواية مالك بن الحويرث (¬5) قال: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - ينهض في الصلاة على صدور قدميه" (¬6). فالنهي عن الاعتماد على اليدين في الجلوس بين السجدتين، وحال التشهدين، وعن اعتمادهما عند النهوض من الصلاة. ومثله حديث أبي هريرة الذي ذكره المصنف، إلا أنه قال ابن حجر (¬7): إنه ضعيف. ¬

_ (¬1) عند أبي داود في "السنن" بإثر الحديث رقم (992) وهو من قول عبد الملك، وهو شاذ. (¬2) لم يخرجه أبو داود، وإنما أخرجه الترمذي في "السنن" رقم (288)، وهو حديث ضعيف. (¬3) في "السنن" رقم (992)، وهو حديث صحيح. (¬4) أخرجها أبو داود في "السنن" بإثر الحديث رقم (992) من قول عبد الملك، وهي شاذة، وقد تقدمت. (¬5) سيأتي نصه وتخريجه. (¬6) وليس هذا نصه، بل هو من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، أخرجه الترمذي برقم (288)، وهو حديث ضعيف. (¬7) في "فتح الباري" (2/ 302).

17 - وعن مالك بن الحويرث - رضي الله عنه -: "أَنَّهُ رَأَى النّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي، فَإِذَا كَانَ فِي وِتْرٍ مِنْ صَلاَتِهِ لَمْ يَنْهَضْ حَتَّى يَسْتَوِيَ قَاعِدًا". أخرجه الخمسة (¬1) إلا مسلماً. [صحيح] 18 - وعن نافع: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ - رضي الله عنهما - كَانَ إِذَا سَجَدَ وَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى الَّذِي يَضَعُ عَلَيْهِ وَجْهِهِ، وَلَقَدْ (¬2) رَأَيْتُهُ فِي يَوْمٍ شَدِيدِ البَرْدِ، وَإِنَّهُ لَيُخْرِجُ كَفَّيْهِ مِنْ تَحْتِ بُرْنُسٍ لَهُ حَتَّى يَضَعَهُمَا عَلَى الحَصْبَاءِ. أخرجه مالك (¬3). [موقوف صحيح] قوله في حديث مالك بن الحويرث: "حتى يستوي قاعداً". أقول: هذه هي جلسة الاستراحة، وتقدم الكلام عليها، والأدلة فيها. 19 - وعن مَجْزأة بن زاهر عن رجل من أصحاب الشجرة اسمه أهبان بن أوْس: "وَكَانَ يَشْتَكِي رُكبَتَيْهِ، فكَانَ إِذَا سجَدَ جَعَلَ تَحْتَ رُكْبَتَيْهِ وِسَادَةً". أخرجه البخاري (¬4). [صحيح] 20 - وعن نافع: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ - رضي الله عنهما - كَانَ يَقُولُ: إِذَا لَمْ يَسْتَطِعِ المَرِيضُ السُّجُودُ أَوْمَأَ بِرَأْسِهِ وَلَمْ يَرْفَعْ إِلَى جَبْهَتِهِ شَيْئًا. أخرجه مالك (¬5). [موقوف صحيح] ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (823)، وأبو داود رقم (844)، والترمذي رقم (287)، والنسائي رقم (1152) وهو حديث صحيح. (¬2) في "الموطأ" (1/ 163 رقم 59) قال نافع. (¬3) في "الموطأ" (1/ 163 رقم 56). (¬4) في صحيحه رقم (4174)، وهو حديث صحيح. (¬5) في "الموطأ" (1/ 168 رقم 74)، وهو أثر موقوف صحيح.

أعضاء السجود

قوله: "عن مجزأة" (¬1) بفتح أوله وسكون الجيم وفتح الزاي بعدها همزة مفتوحة، ابن زاهر بن الأسود [الأسلمي] (¬2) الكوفي، ثقة من الرابعة. وفيه اتخاذ الوسادة تحت الركب للضرورة، وإن كان قول صحابي [34 ب]. أعضاء السجود 1 - عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: أمَرَنَا النّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أنْ نَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أعْضَاء وَلاَ نَكُفُّ شَعْراً وَلاَ ثَوْباً: الجَبْهَةِ وَاليَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ. أخرجه الخمسة (¬3). [صحيح] أعضاء السجود أي: الأعضاء التي أمر المصلي أن يسجد عليها. قوله: في حديث ابن عباس: "أمرنا ... " الحديث. أقول: في لفظ البخاري (¬4): أُمرَ النبي - صلى الله عليه وسلم -. قال في "الفتح" (¬5): بضم الهمزة في جميع الروايات على البناء لما لم يسم فاعله، وهو: الله جل جلاله. ولما كان هذا السياق يقتضي الخصوصية. ¬

_ (¬1) وقال ابن الأثير في "تتمة جامع الأصول" (2/ 866): يعد من التابعين الكوفيين، سمع أباه، وأهبان بن أوس، وعبد الله بن أبي أوفى. (¬2) في المخطوط: "السلمي"، وما أثبتناه من "تتمة جامع الأصول"، ومن "التقريب" (2/ 230 رقم 925). (¬3) أخرجه البخاري رقم (809)، وأطرافه: (810، 812، 815، 816)، ومسلم رقم (227/ 490)، وأبو داود رقم (889، 890)، والترمذي رقم (273)، والنسائي رقم (1093، 1096، 1098). وهو حديث صحيح. (¬4) في صحيحه رقم (809 و815). (¬5) (2/ 296).

عقبه المصنف، أي: البخاري (¬1) بلفظ آخر دال على أنه لعموم الأمة، بلفظ: "أمرنا". قال البيضاوي (¬2): إن صيغة: "أمرت المغيرة" تقتضي الوجوب. قال الحافظ ابن حجر (¬3): وفيه نظر؛ لأنه ليس فيه صيغة (¬4) افعل. قلت: لا يخفى أنه - صلى الله عليه وسلم - أخبر أن الله أمره، وهو عربي، ولا يفهم الأمر إلا من صيغة تقيده، والأصل في الأمر الوجوب، فالحق مع البيضاوي. وقوله: "على سبعة أعضاء" في لفظ البخاري (¬5): "أعظم" وبها ترجم الباب (¬6). وفي رواية (¬7): آراب بالمد جمع إرب بالكسر لأوله وسكون ثانيه، وهو العضو. قوله: "ولا نكف شعراً ولا ثوباً" جملة معترضة بين المجمل، وهو: "سبعة أعضاء" والمفسر. وهو قوله: الجبهة إلى آخره. وفي لفظ البخاري (¬8): "نكفت". ¬

_ (¬1) في صحيحه رقم (810). (¬2) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 296). وإليك نص عبارته: قال البيضاوي: عرف ذلك بالعرف، وذلك يقتضي الوجوب. (¬3) في "الفتح" (2/ 296). (¬4) انظر: "تيسير التحرير" (1/ 341)، و"المحصول" (2/ 41). (¬5) في صحيحه رقم (810 و812، 815). (¬6) في صحيحه (2/ 295 الباب رقم 133 - مع الفتح). (¬7) أخرجها: أحمد (1/ 206)، ومسلم رقم (491)، وأبو داود رقم (891)، والترمذي رقم (272)، والنسائي (2/ 208)، وابن ماجه رقم (885) عن العباس بن عبد المطلب - رضي الله عنه - أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إذا سجد العبد سجد معه سبعة آراب: وجهه". وهو حديث صحيح. (¬8) في صحيحه رقم (812).

والكف (¬1) [والكفت] (¬2): الضم، والمراد: ولا يجمع شعره ولا ثيابه، وظاهره يقتضي أن النهي عنه في حال الصلاة. وإليه جنح الداودي (¬3). وبه ترجم البخاري (¬4) بعض تراجمه ورد ذلك عياض (¬5)، وقال: إنه خلاف ما عليه الجمهور، وأنهم كرهوا ذلك للمصلي سواء فعله في الصلاة أو قبل أن يدخل فيها. قال (¬6): واتفقوا على أنه لا يفسد الصلاة، لكن حكى ابن المنذر (¬7) [35 ب] عن الحسن وجوب الإعادة. قلت: لا بد من التفصيل، وهو أنه إن زاد الثوب على الكعبين من أي أنواع اللباس، فهو الإسبال الذي ورد النهي عنه مطلقاً، والإخبار بأنه: "ما زاد على الكعبين فهو في النار" (¬8). والأحاديث (¬9) فيه كثيرة جداً، فهذا محرم في كل حال، وتبطل به الصلاة، كما قررناه في رسالة ¬

_ (¬1) انظر: "فتح الباري" (2/ 296). (¬2) سقطت من (ب). (¬3) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 296). (¬4) في صحيحه (2/ 299 الباب رقم 137 - مع الفتح). (¬5) في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (2/ 406). (¬6) أي الحافظ في "فتح الباري" (2/ 296). (¬7) في "الأوسط" (3/ 182). (¬8) أخرجه أحمد (2/ 410)، والبخاري رقم (5787). (¬9) منها: ما أخرجه أبو داود رقم (4093)، والنسائي في "الكبرى" رقم (9714، 9716، 9717)، وابن ماجه رقم (3573)، وأحمد (3/ 5، 6، 31، 44، 52، 97)، وأبو عوانة (5/ 483)، ومالك في "الموطأ" (2/ 914 - 915)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (3080) من حديث أبي سعيد الخدري، وهو حديث صحيح.

"الإسبال" (¬1) بما لا يخفى أنه الحق عند النظار من الرجال، وإن كان فوق ذلك، فهو الذي [455/ أ] توجه إليه النهي عن كفت الثياب. قالوا: والحكمة (¬2) في النهي عن ذلك: أنه إذا رفع ثوبه أو شعره عن الأرض؛ فإنه يشبه المتكبرين. والمراد بالشعر: شعر الرأس. 2 - وفي أخرى: أَنَّ النّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ: عَلَى الجَبْهَةِ - وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى أَنْفِهِ - وَاليَدَيْنِ، وَالرُّكْبَتَيْنِ, وَأَطْرَافِ القَدَمَيْنِ، وَلاَ نَكُفَّ الثِّيَابَ وَلاَ الشَّعْرَ". هذا لفظ الشيخين (¬3). [صحيح] "الكَفُّ" جمع الثوب باليدين عند الركوع والسجود. قوله: "الجبهة" يأتي الكلام في الرواية الآتية، التي فيها الزيادة في الإشارة. قوله: "واليدين" أي: الكفين لئلا يدخل النهي عنه من افتراش السبع والكلب، وقد وقع بلفظ الكفين عند مسلم. قوله: "والرجلين" في الرواية الثانية الآتية، وأطراف القدمين، وهي معينة للمراد من الرجلين. ¬

_ (¬1) وهي الرسالة رقم (118) من كتابنا "عون القدير من فتاوى ورسائل ابن الأمير" بتحقيقي. ط ابن كثير دمشق. (¬2) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 296). (¬3) أخرجه البخاري رقم (812)، ومسلم رقم (230/ 490)، وأخرجه أحمد (1/ 292)، والنسائي (2/ 109)، وأبو يعلى رقم (2464)، وأبو عوانة (2/ 183)، وابن حبان رقم (1925)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (644)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (2/ 103).

قوله: "وأشار بيده إلى أنفه" وفي رواية: "ووضع يده على جبهته وأمرها على أنفه، وقال: هذا واحد". قال القرطبي (¬1): يدل على أن الجبهة الأصل في السجود والأنف تبع. وقال ابن دقيق العيد (¬2): قيل: معناه: أنهما جُعلا كأنهما عضو واحد، وإلا لكانت الأعضاء ثمانية. قال (¬3): وفيه نظر؛ لأنه لا يلزم منه أن يكتفي بالسجود على الأنف، كما يكتفي بالسجود على بعض الجبهة، وقد احتج بمثل هذا لأبي حنيفة (¬4). والحق أن مثل هذا لا يعارض التصريح بذكر الجبهة، وإن أمكن أن يعتقد بأنهما كعضو واحد، فذلك في التسمية والعبارة لا في الحكم [36 ب] الذي دلَّ عليه الأمر، وأيضاً فإن الإشارة قد لا تعني المشار إليه، فإنها إنما تعلق بالجبهة لأجل العبادة، فإذا تقارب ما في الجبهة أمكن أن لا يعين المشار إليه يقيناً، فأما العبارة فإنها معينة لما وضعت له، فتقديمه أولى. انتهى. على أنه قد نقل ابن المنذر (¬5) إجماع الصحابة، على أنه لا يجزي السجود على الأنف وحده، وذهب الجمهور (¬6) إلى أنه يجزي على الجبهة وحدها. ¬

_ (¬1) في "المفهم" (2/ 94). (¬2) في "إحكام الأحكام" (1/ 224 - 225). (¬3) ابن دقيق العيد في "إحكام الأحكام" (1/ 225). (¬4) انظر: "البناية في شرح الهداية" (2/ 275). (¬5) في "الأوسط" (3/ 177). وقال ابن المنذر: وقالت طائفة: إن وضع جبهته ولم يضع أنفه، أو وضع أنفه ولم يضع جبهته؛ فقد أساء، وصلاته تامة. هذا قول النعمان، وهو قول لا أحسب أحداً سبقه إليه، ولا تبعه عليه. وقال يعقوب ومحمد: إن سجد على أنفه دون جبهته، وهو يقدر على السجود على جبهته لم يجزه ذلك. (¬6) انظر: "فتح الباري" (2/ 296).

القنوت

وعن جماعة منهم أحمد (¬1) وإسحاق: أنه يجب أن يجمعهما. وهو قول [للشافعي (¬2)] (¬3). قال ابن دقيق العيد (¬4): ظاهره يدل على وجوب السجود على هذه الأعضاء. واحتج بعض الشافعية على أن الواجب الجبهة دون غيرها؛ لحديث المسيء صلاته، حيث قال فيه: "ويمكن جبهته". قال (¬5): وهذا غايته أنه مفهوم لقب، والمنطوق مقدم عليه، وليس هو من باب تخصيص العموم. ثم ذكر أدلة لهم للبعض في غاية الضعف وردَّها، فلا حاجة إلى سردها. 3 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - يرفعه قال: "إِنَ اليَدَيْنِ تَسْجُدَانِ كَمَا يَسْجُدُ الوَجْهُ، فَإِذَا وَضَعَ أَحَدُكُمْ وَجْهَهُ فَلْيَضَعْهُمَا، وَإِذَا رَفَعَهُ فَلْيَرْفَعْهُمَا". أخرجه أبو داود (¬6) والنسائي (¬7). [صحيح] القنوت 1 - عن أنس - رضي الله عنه - قال: "بَعَثَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - سَبْعِينَ رَجُلًا لَحِاجَةٍ يُقَالُ لهُمْ القُرَّاءُ، فَعَرَضَ لهُمْ حَيَّانِ مِنْ سُلَيْمٍ، رِعْلٌ وَذَكْوَانُ عِنْدَ بِئْرٍ يُقَالُ لهَا: بِئْرُ مَعُونَةَ، فَقَالَ القَوْمُ: وَالله مَا إِيَّاكُمْ أَرَدْنَا، إِنَّمَا نَحْنُ مُجْتَازُونَ فِي حَاجَةٍ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَتَلُوهُمْ، فَدَعَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَيْهِمْ شَهْرًا فِي صَلَاةِ ¬

_ (¬1) انظر: "المغني" (2/ 196). (¬2) في (ب): "الشافعي". (¬3) انظر: "المجموع شرح المهذب" (3/ 399 - 400)، "الأم" (2/ 260). (¬4) في "إحكام الأحكام" (1/ 225). (¬5) أي ابن دقيق العيد في "إحكام الأحكام" (1/ 225). (¬6) في "السنن" رقم (892). (¬7) في "السنن" رقم (1092). وهو حديث صحيح، والله أعلم.

الغَدَاةِ، وَذَلِكَ بَدْءُ القُنُوتِ, وَمَا كُنَّا نَقْنُتُ. فَسَأَلَ رَجُلٌ أَنَسًا عن القُنُوتِ: أَبعْدَ الرُّكُوعِ أَوْ عِنْدَ فَرَاغٍ القِرَاءَةِ؟ قَالَ: لَا، بَلْ عِنْدَ فَرَاغِ القِرَاءَةِ". أخرجه الخمسة (¬1) إلا الترمذي. [صحيح] وفي رواية أخرى (¬2): "بَعْدَ الرُّكُوعِ". [صحيح] 2 - وفي أخرى (¬3): "قَنَتَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - شَهْرًا بَعْدَ الرُّكُوعِ في صَلاَةِ الصُّبْحِ". [صحيح] 3 - ولمسلم (¬4): "أنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَنَتَ شَهْرًا بَعْدَ الرُّكُوعِ فِي صَلاَةِ الفَجْرِ يَدْعُو عَلَى عُصَيَّةَ". [صحيح] وللبخاري (¬5) قال: "كانَ القُنُوتُ في المَغْرِبِ وَالفْجْرِ". [صحيح] وفي رواية أبي داود (¬6) والنسائي (¬7): "قَنَتَ شَهْراً ثُمَّ تَرَكَهُ". [صحيح] 4 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "قَنَتَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - شَهْرًا مُتَتَابِعًا فِي الظُّهْرِ وَالعَصْرِ وَالمَغْرِبِ وَالعِشَاءِ وَصَلاَةِ الصُّبْحِ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاةٍ، إِذَا قَالَ: سَمِعَ الله لِمَنْ حَمِدَهُ مِنَ الرَّكْعَةِ ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (2810، 2814، 4095)، ومسلم رقم (297/ 677)، وأبو داود رقم (1444، 1445)، والنسائي في "السنن" رقم (1071)، وابن ماجة رقم (1182، 1184). (¬2) أخرجها أبو داود في "السنن" رقم (1444). (¬3) أخرجها مسلم في صحيحه رقم (299/ 677). (¬4) في صحيحه رقم (300/ 677). (¬5) في صحيحه رقم (1004). (¬6) في "السنن" رقم (1445). (¬7) في "السنن" (2/ 203)، وهو حديث صحيح. وأخرجه أحمد (3/ 191، 249، 252)، ومسلم رقم (677)، وابن ماجه رقم (1243).

الأَخِيرَةِ، يَدْعُو عَلَى أحْيَاء مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ عَلَى رِعْلَ وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ، وَيُؤَمِّنُ مَنْ خَلْفَهُ". أخرجه أبو داود (¬1). [حسن] قوله: "القنوت". قوله في حديث أنس: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث سبعين رجلاً ... " الحديث. أقول: في "سنن البيهقي" (¬2) من حديث أنس: "أن رعلاً وذكوان وعصية وبني لحيان، استمدوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على عدوٍ، فأمدهم بسبعين من الأنصار كنا نسميهم القراء في زمانهم، كانوا يحفظون بالنهار ويصلون بالليل، حتى إذا كانوا ببئر معونة قتلوهم وغدروا بهم، فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فقنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شهراً يدعو في صلاة الصبح على [37 ب] أحياء من أحياء العرب على رعلٍ وذكوان وعصية وبني لحيان". قال أنس: فقرأنا بهم قرآناً، ثم أن ذلك رفع: "بلغوا قومنا أن قد لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا" رواه البخاري في الصحيح (¬3). فقوله: "لحاجة" أي: نصرة من استمده، وكان [الذين] (¬4) عرضوا لهم قوم من القبيلة التي استمده - صلى الله عليه وسلم -، وقصتهم تأتي في المغازي مستوفاة. والأحاديث دالة على أنه قد وقع منه - صلى الله عليه وسلم - القنوت بالدعاء على من ذكر، وبالدعاء للمستضعفين، وعند النوازل كما بوب له ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (1443). وأخرجه أحمد (1/ 301 - 302)، والحاكم (1/ 225 - 226)، وهو حديث حسن. (¬2) في "السنن الكبرى" (2/ 201). (¬3) في صحيحه رقم (2814) قال أنس: أُنْزل في الذين قُتلوا ببئر معونة قرآناً قرأناه، ثم نُسخَ بعد: بلِّغوا قومنا أن قد لقينا ربنا، فرضي عنا ورضينا عنه. (¬4) في (ب): "الذي".

البيهقي (¬1) في الصلوات عند النوازل (¬2)، والأحاديث التي ساقها المصنف دالة أنه قنت شهراً، وأنه كان يقنت في كل صلاة، والأكثر أنه بعد الركوع، ويحتمل أنه فعله قبله تارة وبعده تارة، وأنه تركه لما قدموا تائبين كما دلت له أحاديث أخرى. وقوله: "رعل" بكسر الراء وسكون العين. "وذكوان": بفتح الذال المعجمة وسكون الكاف. "وعصية": بضم العين المهملة فصاد مهملة فمثناة تحتية. والكل اسم قبائل معروفة، وتقدم أنهم من بني لحيان (¬3)، وهو بفتح اللام وسكون الحاء المهملة فمثناة تحتية. 5 - وعن خُفاف بن أيماء الغفاري - رضي الله عنه - قال: رَكَعَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: "غِفَارُ غَفَرَ الله لهَا، وَأَسْلَمُ سَالمَهَا الله، وَعُصَيَّةُ عَصَتِ الله وَرَسُولَهُ، اللهمَّ العَنْ بَنِي لِحْيَانَ، وَالعَنْ رِعْلاً وَذَكْوَانَ" ثُمَّ وَقَعَ سَاجِداً. أخرجه مسلم (¬4). [صحيح] قوله: "وعن خُفاف" (¬5) بضم الخاء المعجمة ففائين، الأولى: خفيفة، ابن أيْماء بكسر الهمزة بعدها مثناة تحتية ساكنة. [38 ب]. ¬

_ (¬1) في "السنن الكبرى" (2/ 200 الباب رقم 293). (¬2) انظر: "فتح الباري" (7/ 386 - 390). (¬3) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 381). (¬4) في صحيحه رقم (679). (¬5) قال ابن الأثير في "تتمة جامع الأصول" (1/ 346 - قسم التراجم). خفاف بن أيماء بن رَحَضة من بني حارثة بن غفار العذاري، له ولأبيه ولجده صحبة, وكان إمام بني غفار وخطيبهم ... وانظر: "التقريب" (1/ 224 رقم 133).

الغفاري (¬1): صحابي مات في خلافة عمر، وله ولأبيه وجده وصحبه. كان خُفاف إمام بني غفار وخطيبهم، وشهد الحديبية. قوله: "ركع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" لم يعين في أي صلاة. وغفار وأسلم قبيلتان أسلموا وحسن إسلامهم، ودعا لهم بدعوات مشتقة من أسمائهم، ثم لعن الأربع القبائل، الذين عصوا الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -. 6 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما -: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ في الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ مِنَ الفَجْرِ يَقُولُ: "اللهمَّ العَنْ فُلاَنًا وَفُلاَنًا" بَعْدَمَا يَقُولُ سَمِعَ الله لمِنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ، فَأَنْزَلَ الله عَلَيْهِ: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ (128)} (¬2). أخرجه البخاري (¬3) والترمذي (¬4). [صحيح] قوله في حديث ابن عمر: "اللهم العَنْ فلاناً وفلاناً" بينه ما أخرجه أحمد (¬5) والبخاري (¬6) والترمذي (¬7)، ................................... ¬

_ (¬1) قال ابن الأثير في "تتمة جامع الأصول" (1/ 346 - قسم التراجم). خفاف بن أيماء بن رَحَضة من بني حارثة بن غفار العذاري، له ولأبيه ولجده صحبة, وكان إمام بني غفار وخطيبهم ... وانظر: "التقريب" (1/ 224 رقم 133). (¬2) سورة آل عمران الآية (128). (¬3) في صحيحه رقم (4559). (¬4) في "السنن" رقم (3007). وأخرجه أحمد (2/ 247)، والنسائي في "المجتبى" (2/ 203)، وفي "السنن الكبرى" رقم (669). وهو حديث صحيح. (¬5) في "المسند" (9/ 486 رقم 5674). (¬6) في صحيحه رقم (4069). (¬7) في "السنن" (3004).

والنسائي (¬1) وابن جرير (¬2) والبيهقي في "الدلائل" (¬3) عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد: "اللهم العن أبا سفيان، اللهم العن الحارث بن هشام اللهم العن سهيل بن عمرو، اللهم العن صفوان بن أمية" فنزلت هذه الآية: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ (128)} (¬4) فتيب عليهم كلهم، وعين من كنى عنهم الراوي، ما أخرجه (¬5) جماعة من الأئمة أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يقول في بعض صلواته في صلاة الفجر: "اللهم العن فلاناً وفلاناً، لأحياء من أحياء العرب حتى أنزل الله: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} (¬6) "، وفي لفظ: "اللهم العن لحيان ورعلاً وذكوان وعصية عصت الله ورسوله" (¬7) ثم بلغنا أنه ترك ذلك لما نزل قوله تعالى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} (¬8) الآية. [456/ أ]. 7 - وعن الحسن: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ - رضي الله عنه - جَمَعَ النَّاسَ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، فَكَانَ يُصَلِّي لَهُمْ عِشْرِينَ لَيْلَةً، وَلاَ يَقْنُتُ بِهِمْ إِلاَّ فِي النِّصْفِ البَاقِي، فَإِذَا كَانَتِ العَشْرُ الأَوَاخِرُ تَخَلَّفَ فَصَلَّى فِي بَيْتِهِ، وَكَانُوا يَقُولُونَ: أَبِقَ أُبَيٌّ. أخرجه أبو داود (¬9). [ضعيف] قوله: "وعن الحسن أن عمر جمع الناس". ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (1078). (¬2) في "جامع البيان" (6/ 47 - 48). (¬3) (3/ 262). (¬4) سورة آل عمران الآية (128). (¬5) أخرجه أحمد في "المسند" (2/ 255)، والبخاري في صحيحه رقم (4560). (¬6) سورة آل عمران الآية (128). (¬7) أخرجه البخاري رقم (1003، 4094)، ومسلم رقم (299/ 677). (¬8) سورة آل عمران الآية (128). (¬9) في "السنن" رقم (1429)، وهو حديث ضعيف.

أقول: يأتي الحديث بطوله، وذكر سببه في قيام رمضان إن شاء الله تعالى. وقوله: "أبِقّ أبي" دال على أنه يستعمل الإباق في حق الأحرار، وليس يختص بالمماليك، كما قال تعالى في يونس: {إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (140)} (¬1) [39 ب]. 8 - وعن الحسن بن علي بن أبي طالب - رضي الله عنهما - قال: عَلَّمَنِي رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - كَلِمَاتٍ أَقُولُهُنَّ فِي الوِتْرِ: "اللهمَّ إهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلَّني فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ، وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ، وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ، فَإِنَّكَ تَقْضِى وَلاَ يُقْضَى عَلَيْكَ، وإنَّهُ لاَ يَذِلُّ مِنْ وَالَيْتَ، تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ". أخرجه أصحاب السنن (¬2). [صحيح] قوله: "وعن الحسن بن علي بن أبي طالب". قال ابن الأثير (¬3): هو أبو محمد الحسن بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب الهاشمي، سبط رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وريحانته، وسيد شباب أهل الجنة، ولد في النصف من شهر رمضان سنة ثلاث من الهجرة، وهو أصح ما قيل في ولادته، ومات سنة خمسين، وقيل: تسع وأربعين. وقيل: سنة ثمان وخمسين. وقيل: سنة أربع وأربعين، ودفن بالبقيع. روى عنه ابنه الحسن بن الحسن، وأبو هريرة وعائشة وجماعة كثيرة. ولما قتل أبوه علي بن أبي طالب - عليه السلام - بالكوفة بايعه الناس على الموت أكثر من أربعين ألفاً، وسلم الأمر إلى معاوية بن أبي سفيان في النصف من جمادي الأولى سنة إحدى وأربعين. قوله: "قال: علمني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلمات أقولهن في الوتر". ¬

_ (¬1) سورة الصافات الآية (140). (¬2) أخرجه أبو داود رقم (1425)، والترمذي رقم (464) وقال: حديث حسن، لا نعرفه إلا من هذا الوجه. والنسائي رقم (1746)، وابن ماجه رقم (1178)، وهو حديث صحيح، والله أعلم. (¬3) في "تتمة جامع الأصول" (1/ 293 - 294 - قسم التراجم)، وانظر: "الاستيعاب" رقم (572) الأعلام.

وقد أخرج البيهقي في "السنن" (¬1) عن عبد الرحمن بن هرمز: أن يزيد بن أبي مريم أخبره قال: سمعت ابن عباس ومحمد بن علي - هو ابن الحنفية - بالخيف يقولان: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقنت في صلاة الصبح، وفي وتر الليل بهؤلاء الكلمات: "اللهم اهدني ... " إلى آخره. إلا أنه ساقه الحافظ ابن حجر في "تلخيص الحبير" (¬2) وقال: عبد الرحمن بن هرمز يحتاج إلى الكشف عن حاله. وقد قال قبيل هذا: وليس هو عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، فإنه ثبت ثقة عالم، كما ذكره في "التقريب" (¬3). ثم ذكر البيهقي (¬4) طرقاً أخر، منها: أنه يقول في قنوت الفجر، وروايات في قنوت الصبح. ثم قال: فصح بهذا كله أن تعليم هذا الدعاء وقع لقنوت صلاة الصبح وقنوت الوتر. انتهى. وقوله: "أقولهن [40 ب] في الوتر" رواه ابن القيم (¬5) بلفظ: "أقولهن في قنوت الوتر". قوله: "تباركت ربنا وتعاليت" زاد البيهقي (¬6) والنسائي (¬7): "ولا يعز من عاديت". وزاد النسائي (¬8) في روايته: "وصلى الله على النبي". ¬

_ (¬1) في "السن الكبرى" (2/ 209) (¬2) (1/ 447). (¬3) (1/ 501 رقم 1142). (¬4) في "السنن الكبرى" (2/ 209 - 210). (¬5) في "زاد المعاد" (1/ 274). (¬6) في "السنن الكبرى" (2/ 209). (¬7) لم أقف على هذه الزيادة لا في "المجتبى" ولا في "السنن الكبرى". (¬8) في "السنن" رقم (1746)، وقد تقدم.

وزاد الحاكم في "المستدرك" (¬1) قال: "علمني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في وتري، إذا رفعت رأسي ولم يبق إلا السجود". قوله: "أخرجه أصحاب السنن". قلت: وقال الترمذي (¬2): هذا حديث حسن، لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث أبي الحوراء. قلت: أي: بالمهملة والراء، وثقه الترمذي. السعدي: واسمه ربيعة بن شيبان (¬3)، ولا نعرف عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في القنوت شيئاً أحسن من هذا. انتهى. 9 - وعن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَقُولُ فِي آخِرِ وِتْرِهِ: "اللهمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَأَعُوذُ بِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ، لاَ أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ، أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ". أخرجه أصحاب السنن (¬4). [صحيح] قوله في حديث علي - عليه السلام -: "كان يقول في آخر وتره". قال ابن القيم (¬5): يحتمل أن يكون قبل فراغه منه وبعده. وفي إحدى الروايات للنسائي: "كان يقول إذا فرغ من صلاته وتبوأ مضجعه"، وفي هذه الرواية: "لا أحصي ثناءً عليك" ولو حرصت. ¬

_ (¬1) (3/ 172). (¬2) في "السنن" (2/ 328). (¬3) انظر: "تهذيب التهذيب" (1/ 597). (¬4) أخرجه أبو داود رقم (1427)، والترمذي رقم (3566)، والنسائي رقم (1747)، وابن ماجه رقم (1179). وهو حديث صحيح. (¬5) في "زاد المعاد" (1/ 272 - 273).

فائدة: بوب البيهقي في "السنن" (¬1): باب رفع اليدين في القنوت. وساق بسنده إلى أنس بن مالك في قصة القراء وقتلهم، قال لي أنس: "لقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلَّما صلى الغداة يرفع يديه يدعو عليهم" يعني: على الذين قتلوهم. ثم ساق عدة روايات في رفع اليدين في القنوت، ثم قال (¬2): إن عدداً من الصحابة رفعوا أيديهم في القنوت. وذكر جماعة منهم بإسناده فعلوا ذلك، ثم قال (¬3): وأما مسح اليدين بالوجه عند الفراغ من الدعاء، فلست أحفظه عن أحد من السلف في دعاء القنوت. وإن كان يروى عن بعضهم في الدعاء خارج الصلاة. وقد روي (¬4) عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديث فيه ضعف [وهو مستعمل عند بعضهم] (¬5) خارج الصلاة، فأما في الصلاة فهو عمل لم يثبت بخبر صحيح ولا أثر ثابت، ولا قياس [41 ب]، فالأولى ألا نفعله، ونقتصر على ما فعله السلف من رفع اليدين دون مسحهما بالوجه. قلت: والحديث الذي أشار إليه أنه ضعيف؛ هو ما أخرجه (¬6) هو بسنده إلى ابن عباس أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "سلوا الله - عز وجل - ببطون أكفكم ولا تسألوه بظهورها، فإذا فرغتم فامسحوا بها وجوهكم". ¬

_ (¬1) في "السنن الكبرى" (2/ 211). (¬2) أي البيهقي في "السنن" (2/ 211). (¬3) أي: البيهقي في "السنن الكبرى" (2/ 212). (¬4) أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (2/ 212). (¬5) سقطت من (أ. ب)، وأثبتناها من "سنن البيهقي". (¬6) أي: البيهقي في "السنن الكبرى" (2/ 212).

قال أبو داود (¬1): روي هذا الحديث من غير وجه عن محمد بن كعب كلها واهية، وهذا الطريق أمثلها، وهو ضعيف. وذكر أنه سئل عبد الله بن المبارك: عن الذي إذا دعا مسح وجهه؟ فقال: لم أجد له ثبتاً. انتهى. قلت: أخرج الترمذي (¬2) بسنده عن عمر بن الخطاب [457/ أ] أنه قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا رفع يديه في الدعاء لم يحطهما حتى يمسح بهما وجهه. وقال محمد بن المثنى في حديثه: "لم يردهما حتى يمسح بهما وجهه". هذا (¬3) حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث حماد بن عيسى تفرد به، وهو قليل الحديث، وقد حدَّث عنه الناس. انتهى كلام الترمذي. 10 - وعن جابر - رضي الله عنه - قال: "أفَضَلُ الصَّلاةِ طُولُ القُنُوتِ". أخرجه مسلم (¬4) والترمذي (¬5) [صحيح] والمراد "بِالقُنُوتِ" هنا القيام. قوله في حديث جابر: "والمراد بالقنوت هنا القيام". أقول: ذكر في "الهدي النبوي" (¬6) للقنوت عدة معان: ¬

_ (¬1) ذكره البيهقي في "السنن الكبرى" (2/ 212). (¬2) في "السنن" رقم (3386)، وهو حديث ضعيف. (¬3) أي قال الترمذي في "السنن" (5/ 464). (¬4) في صحيحه رقم (164/ 756). (¬5) في "السنن" رقم (387). وأخرجه أحمد (3/ 302)، وابن ماجه رقم (1421)، وهو حديث صحيح. (¬6) في "زاد المعاد" (1/ 228).

قال: يطلق على القيام والسكوت، ودوام العبادة, والدعاء والتسبيح، والخضوع، وذكر أدلة كل ذلك. ثم ذكر أنه اختلف الناس في القيام والسجود أيهما أفضل؟ قال: فرجحت طائفة القيام لوجوه، أحدها: أن ذكره أفضل الأذكار، فكان ركنه أفضل الأركان. والثاني: قوله تعالى: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (238)} (¬1). الثالث: لحديث: "أفضل الصلاة طول القنوت" (¬2). وقالت طائفة: السجود أفضل، واحتجت بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد" (¬3)، وبحديث معدان بن أبي طلحة قال: لقيت ثوبان، فقلت: حدثني بحديث عسى الله أن ينفعني به. قال: عليك بالسجود، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ما من عبد يسجد سجدة، إلا رفعه الله بها درجة، وحط عنه بها [42 ب] خطيئة" (¬4) قال معدان: ثم لقيت أبا الدرداء فسألته فقال لي مثل ذلك. وقال - صلى الله عليه وسلم - لربيعة بن كعب الأسلمي وقد سألة مرافقته في الجنة: "أعني على نفسك بكثرة السجود" (¬5) وبأن أول سورة أنزلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سورة (اقرأ) على الأصح، ¬

_ (¬1) سورة البقرة الآية (238). (¬2) تقدم، وهو حديث صحيح. (¬3) أخرجه مسلم رقم (482)، وأبو داود رقم (875)، والنسائي (2/ 226). وهو حديث صحيح. (¬4) أخرجه مسلم رقم (488)، والترمذي رقم (388)، والنسائي (2/ 228)، وابن ماجه رقم (1423). وهو حديث صحيح. (¬5) أخرجه مسلم رقم (489)، وأبو داود رقم (1320)، والنسائي (2/ 227). وهو حديث صحيح، وقد تقدم.

وختمها بقوله: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (19)} (¬1)، وبأن السجود يقع من المخلوقات كلِّها علويِّها وسُفليِّها، وبأن الساجد أذلُّ ما يكون لربه وأخضع له، وذلك أشرف حالات العبد؛ فلهذا كان أقرب ما يكون من ربه في هذه الحالة. وبأن السجود هو سر العبودية، فإن العبودية هي الذل والخضوع. وقالت طائفة: طول القيام بالليل أفضل، وكثرة الركوع والسجود بالنهار أفضل. واحتجت هذه الطائفة: بأن صلاة الليل قد خُصَّت بالقيام، لقوله: {قُمِ اللَّيْلَ} (¬2)، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "من قام رمضان إيماناً واحتساباً" (¬3) ولهذا يقال: قيام الليل، ولا يقال: قيام النهار. ثم قال (¬4): وقال شيخنا: [الصواب] (¬5) أنهما سواء. والقيام أفضل بذكره وهو القراءة، والسجود بهيئته، فهيئة السجود أفضل من هيئة القيام، وذكر القيام أفضل من ذكر السجود. انتهى. وظاهر كلامه أن السجود من غير صلاة متعبد به, وأنه يصح مجرداً مفرداً عن صلاة، وأن قوله: "أعني على نفسك بكثرة السجود" (¬6) المراد به مجرداً منفرداً، والعبارة تحتمله. ويحتمل أنه أريد به الصلاة, إلا أن الأول حقيقة، والثاني مجاز من باب إطلاق الجزء على الكل. ¬

_ (¬1) سورة العلق الآية (19). (¬2) سورة المزمل الآية (2). (¬3) سيأتي نصه وتخريجه. (¬4) ابن القيم في "زاد المعاد" (1/ 230). (¬5) سقطت من (أ. ب)، وأثبتناها من "زاد المعاد" (1/ 230). (¬6) تقدم، وهو حديث صحيح.

التشهد

التشهد 1 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: عَلَّمَنِي رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - التَّشَهُّدَ كَفَّيَ بَيْنَ كَفَّيْهِ كَمَا يُعَلِّمُنِي السُّورَةَ مِنَ القُرَآنِ: "التَّحِيَّاتُ للهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ الله وَبَرَكَاتُهُ, السَّلاَمُ عَلَيْنَا وَعَلَى عَبَّادِ الله الصَّالحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رسُولُ الله" (¬1). [صحيح] زاد في رواية (¬2) بعد عباد الله الصالحين: "فَإِنَّكُمْ إِذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ فَقَدْ سَلَّمْتُمْ عَلَى كُلِّ عَبْدٍ صَالِحٍ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ". 2 - وفي أخرى (¬3): "ثُمَّ يَتَخَيَّرُ مِنَ الثَّناءِ مَا شَاءَ". أخرجه الخمسة، وهذا لفظ الشيخين. [صحيح] قوله: "التشهد". أي: ذكر شرعيته أو وجوبه، وزاد في الترجمة في "الجامع" (¬4): والجلوس. وفي "صحيح البخاري" (¬5): باب سنة الجلوس في التشهد. وسيأتي للمصنف ذكره. قوله: "عن ابن مسعود". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (6265)، ومسلم رقم (59/ 402)، وأبو داود رقم (969)، والترمذي رقم (289)، والنسائي (2/ 241). وأخرجه أحمد (1/ 414)، وابن أبي شيبة (1/ 292)، وأبو يعلى رقم (5347)، وأبو عوانة (2/ 228 - 229)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (2/ 138). وهو حديث صحيح. (¬2) أخرجها البخاري في صحيحه رقم (831، 1202، 6328، 7381)، ومسلم رقم (55/ 402). (¬3) أخرجها البخاري في صحيحه رقم (835، 6230)، ومسلم رقم (58/ 402). (¬4) (5/ 395). (¬5) في صحيحه (2/ 305 الباب رقم 145 - مع الفتح).

أقول: في البخاري (¬1) ذكر سبب التعليم. قال عبد الله: كنا [43 ب] إذا صلينا خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قلنا: السلام على جبريل وميكائيل، السلام على فلان وفلان، فالتفت إلينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "إن الله هو السلام ... " الحديث. وقوله: "فيه فلان وفلان" بينته رواية ابن ماجه (¬2): "يعنون الملائكة". قوله: "وكفي بين كفيه" زيادة في العناية بالتحفيظ. وهذا اللفظ ذكره البخاري في "السنن" في الاستئذان (¬3) لا هنا. ولفظه في البخاري (¬4) هنا: "إذا صلى أحدكم فليقل ... " واستدل بهذا الأمر على وجوب التشهد، خلافاً لمن لم يقل به كمالك (¬5)، واستدل لمالك: بأن التسبيح في الركوع والسجود مندوب، وقد وقع الأمر في قوله - صلى الله عليه وسلم - لما نزلت: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (74)} (¬6) قال: "اجعلوها في ركوعكم" (¬7). ¬

_ (¬1) في صحيحه رقم (831)، وأطرافه (835، 1202، 6230، 6328، 7381). (¬2) في "السنن" رقم (899)، وهو حديث صحيح. (¬3) في صحيحه رقم (6230). (¬4) في صحيحه رقم (831). (¬5) انظر: "الاستذكار" (4/ 283). (¬6) سورة الواقعة الآية (74). (¬7) أخرجه أحمد (4/ 155)، وأبو داود رقم (869)، وابن ماجه رقم (8871). وهو حديث ضعيف، وقد تقدم.

وأجاب الكرماني (¬1): الأمر حقيقة للوجوب، فيحمل عليه، إلا إذا دل دليل على خلافه، ولولا الإجماع على عدم وجوب التسبيح في الركوع والسجود لحملناه، أي: الأمر بها في قوله: "اجعلوها في ركوعكم" لما نزل: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (74)} [الواقعة: 74] وتعقب قول الكرماني (¬2): الإجماع؛ بأن الإمام أحمد (¬3) يقول بوجوبه. وإذا لم يتم الإجماع فالأصل في الأمرين الوجوب، فيجب التسبيح والتشهد. قوله: "التحيات" جمع تحية، قيل: معناها السلام. وقيل: الثناء. وقيل: العظمة. وقيل: السلامة من الآفات والنقص. وقيل: الملك. وهذه كلها لله يختص بها ولا تكمل إلا في صفاته (¬4). "والصلوات" قيل: الخمس الفرائض. [44 ب]. وقيل: ما يعمها. والنوافل في كل شريعة. وقيل: العبادات كلها. [458/ أ]. "والطيبات" أي: ما طالب من الكلام وحسن، أن يثنى به على الله دون ما لا يليق بصفاته، مما كان الملوك يحيون به. والمراد: ما في قول الله: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} (¬5). وقيل: تفسير الطيبات بما هو أعم من الأقوال والأفعال والأوصاف أولى، وطيبها كونها كاملة خالصة عن الشوائب (¬6). ¬

_ (¬1) في شرحه لصحيح البخاري (5/ 182). (¬2) في شرحه لصحيح البخاري (5/ 182 - 183). (¬3) انظر: "المغني" (2/ 226). (¬4) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 312). وقال البغوي في "شرح السنة" (3/ 182): المراد بالتحيات: أنواع التعظيم. (¬5) سورة فاطر الآية (10). (¬6) قاله الحافظ في "الفتح" (2/ 312).

"السلام": هكذا بالتعريف في جميع روايات حديث ابن مسعود. ووقع في حديث ابن عباس محذوف اللام في رواية (¬1). وهي للتعريف (¬2) والعهد، أي: ذلك السلام الذي وجهه الله إلى رسله نحو: {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (78) سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ (79)} (¬3)، وكذلك في حق كل نبي كما في سورة الصافات (¬4). فالمراد ذلك السلام الذي وجهه الله إلى رسله. "عليك أيها النبي" وهو شامل لقوله: {وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى} (¬5) إذ هو - صلى الله عليه وسلم - رأس من اصطفى، والسلام عليه - صلى الله عليه وسلم - كان معلوماً عندهم، ولذا قالوا: أما السلام فقد ¬

_ (¬1) أخرجه النسائي في "المجتبى" (2/ 242)، وفي "السنن الكبرى" رقم (764)، والطبراني في "الكبير" رقم (10996). قال الحافظ في "الفتح" (2/ 213): لم يقع في شيء من طرق حديث ابن مسعود بحذف اللام، وإنما اختلف في ذلك في حديث ابن عباس. (¬2) قال النووي في شرحه لصحيح مسلم (4/ 116): لا خلاف في جواز الأمرين، ولكن بالألف واللام أفضل، وهو الموجود في روايات صحيحي البخاري ومسلم، وأصله النصب وعدل إلى الرفع على الابتداء للدلالة على الدوام والثبات، والتعريف فيه بالألف واللام؛ إما للعهد التقديري، أي: السلام الذي وجه إلى الرسل والأنبياء عليك أيها النبي، أو للجنس أي: السلام المعروف لكل أحد، وهو اسم من أسماء الله تعالى، ومعناه: التعويذ بالله والتحصن به. أو هو السلام من كل عيب وآفة ونقص وفساد. انظر: "البحر المحيط" (3/ 97 - 98)، و"معترك الأقران في إعجاز القرآن" (2/ 56 - 57). (¬3) سورة الصافات الآية (78 - 79). (¬4) يشير إلى قوله تعالى: {وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181)} [الصافات: 181]. (¬5) سورة النمل الآية (59).

عرفناه، فكيف نصلي عليك .. الحديث. ومعنى قولنا: "السلام عليك" (¬1) الدعاء، أي: سلمت من المكاره، وقيل غير ذلك. وإنما قال النبي وهو أعم، ولم يقل الرسول وهو أخص؛ للإشارة إلى أنه إذا استحق السلام عليه، وهو متصف بصفة النبوة، فبالأولى مع اتصافه بصفة الرسالة التي هي جزء من النبوة جزء من مسماها. وقيل: لأنه يأتي وصفه بالرسالة في الشهادة، وقدم الأعم على الأخص. "ورحمة الله": إحسانه. "وبركاته": زيادته من كل خير. "السلام علينا" (¬2): أخذ منه البداية بالنفس عند الدعاء. [45 ب]. وفي "سنن الترمذي" (¬3): أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "كان إذا دعا لأحد بدأ بنفسه". قلت: ويرشد إليه قول نوح: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا} (¬4) الآية. {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ} (¬5). ويدل حديث: "ابدأ بنفسك" (¬6) فإنه عام لكل شيء. ¬

_ (¬1) قال البيضاوي: علمهم أن يفردوه - صلى الله عليه وسلم - بالذكر لشرفه ومزيد حقه عليهم، ثم علَّمهم أن يخصوا أنفسهم؛ لأن الاهتمام بها أهم، ثم أمرهم بتعميم السلام على الصالحين إعلاماً منه بأن الدعاء للمؤمنين ينبغي أن يكون شاملاً لهم. ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 313). (¬2) انظر التعليقة المتقدمة. (¬3) في "السنن" رقم (3385)، وهو حديث صحيح، وقد تقدم. (¬4) سورة نوح الآية (28). (¬5) سورة الحشر الآية (10). (¬6) تقدم، وهو حديث صحيح.

"وعلى عباد الله" لما كان لفظ عباد الله شاملاً لكل عبد مؤمن وكافر؛ قيده بقوله: "الصالحين"، والمشهور في تفسير الصالح: القائم بحقوق الله تعالى وحقوق العباد. وتفاوت درجاتهم. "أشهد أن لا إله إلا الله" زاد في رواية أبي موسى (¬1) عند مسلم: "وحده لا شريك له" ووردت هذه الزيادة في حديث ابن مسعود هذا لكن بسند ضعيف (¬2). وفي "سنن أبي داود" (¬3) [أنه] (¬4) قال ابن عمر: زدت فيها وحده لا شريك له. وهذا ظاهر أنه موقوف عليه. "وأشهد أن محمداً عبده ورسوله" لم تختلف الروايات في حديث ابن مسعود (¬5) أنه بهذا اللفظ. وكذا في حديث أبي موسى (¬6) وعائشة (¬7). ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم رقم (404)، وأبو داود رقم (972)، والنسائي (2/ 242). وأخرج هذه الزيادة أبو داود في "السنن" رقم (973)، وابن ماجه رقم (847). (¬2) قاله الحافظ في "الفتح" (2/ 313). (¬3) في "السنن" رقم (971)، وهو حديث صحيح. وأخرجه الدارقطني في "السنن" (1/ 351)، والبيهقي (2/ 139)، وابن عدي في "الكامل" (2/ 152). وقال الترمذي في "العلل الكبير" (ص 70): سألت محمداً - أي: البخاري - عن هذا الحديث, فقال: روى شعبة عن أبي بشر عن مجاهد عن ابن عمر. وروى سيف عن مجاهد عن أبي معمر عن عبد الله بن مسعود, قال محمد: وهو المحفوظ عندي. قلت: فإنه يُروى عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ويُروى عن ابن عمر عن أبي بكر الصديق، قال: يحتمل هذا وهذا. اهـ (¬4) سقطت من (ب). (¬5) تقدم، وهو حديث صحيح. (¬6) تقدم، وهو حديث صحيح. (¬7) أخرجه الحسن بن سفيان في مسنده كما في "الخلاصة" للنووي (1/ 433)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (2/ 144) بإسناد جيد. =

وفي حديث ابن عباس عند مسلم (¬1) وأهل السنن (¬2): "وأشهد أن محمداً رسول الله" ومنهم من حذف: "وأشهد". قوله: زاد في رواية: "عباد الله الصالحين، فإنكم إذا فعلتم ذلك" لفظ ابن الأثير (¬3) هكذا، والذي في "صحيح البخاري" (¬4): "فإنكم إذا قلتموها" أي: كلمة: "وعلى عباد الله الصالحين، فقد سلمتم على كل عبد صالح في السماء والأرض" استدل به على أن الجمع المضاف (¬5)، والمحلى باللام (¬6) يعم، لقوله أولاً: عباد الله الصالحين، ثم قال: كل عبد صالح. واستدل به على أن للعموم صيغة. قال ابن دقيق العيد (¬7): [وهو مقطوع به عندنا في "لسان العرب"، وتصرفات الكتاب والسنة. قال: والاستدلال بهذا فرد من أفراد لا يخص] (¬8). قوله: "أخرجه الخمسة". ¬

_ = قلت: بل سنده ضعيف مرفوعاً، وقد صح عن عائشة موقوفاً، أخرجه مالك في "الموطأ" (1/ 91). (¬1) في صحيحه رقم (404). (¬2) أبو داود في "السنن" رقم (972)، والنسائي (2/ 242)، وابن ماجه رقم (901). (¬3) في "الجامع" (5/ 397). (¬4) في صحيحه رقم (731). (¬5) انظر: "البحر المحيط" (3/ 109)، و"إرشاد الفحول" (ص 416) بتحقيقي. (¬6) انظر: "إرشاد الفحول" (ص 413 - 415)، "البحر المحيط" (3/ 72 - 73). (¬7) في "إحكام الأحكام" (ص 408). (¬8) كذا العبارة في المخطوط (أ. ب)، وإليك نصها من "إحكام الأحكام": دليلٌ على أن للعموم صيغة، وأن هذه الصيغة للعموم كما هو مذهب الفقهاء، خلافاً لمن توقف في ذلك من الأصوليين، وهو مقطوع به من لسان العرب، وتصرفات ألفاظ الكتاب والسنة عندنا.

قلت: قال الترمذي (¬1) [46 ب]: حديث ابن مسعود روي عنه من غير وجه، وهو أصح حديث روي في التشهد. والعمل عليه عند أكثر أهل العلم من الصحابة ومن بعدهم. انتهى. وقال البزار (¬2) لما سئل عن أصح حديث في التشهد، قال (¬3): هو عندي حديث ابن مسعود، وروي من نيف وعشرين طريقاً، ثم قال: ولا أعلم في التشهد أثبت منه ولا أصح أسانيد ولا أشهر رجالاً. قال الحافظ ابن حجر (¬4): ولا اختلاف بين أهل الحديث في ذلك، وممن جزم بذلك البغوي في "شرح السنة" (¬5) وذكر مرجحات أخرى، بعدما ذكر من الحكم بأصحيته. 3 - وفي رواية أبي داود (¬6): "وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ثُمَّ لْيتَخَيَّرْ أَحَدُكُمْ مِنَ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ إِلَيْهِ فَيَدْعُو بِهِ". [صحيح] 4 - ولأبي داود (¬7) في أخرى: وَكَانَ يُعَلِّمُنَاهُنَّ - أيْ: هذِهِ الدَّعَوَاتِ - كَمَا يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ: "اللهمَّ أَلَّفْ بَيْنَ قُلُوبِنَا، وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا، وَاهْدِنَا سُبُلَ السَّلاَمِ، وَنَجِّنَا مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ، وَجَنِّبْنَا الفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، وَبَارِكْ لَنَا فِي أَسْماعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُلُوبِنَا ¬

_ (¬1) في "السنن" (2/ 82). (¬2) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 213). (¬3) أي الترمذي في "السنن" (2/ 82). (¬4) في "فتح الباري" (2/ 213). (¬5) (3/ 182 - 183). (¬6) في "السنن" رقم (968). (¬7) في "السنن" رقم (969) بإسناد ضعيف.

وَأَزْوَاجِنَا وَذُرَّيَّاتِنَا، وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ، وَاجْعَلْنَا شَاكِرِينَ لِنِعْمَتِكَ، مُثْنِينَ بِهَا قَابِلِيهَا، وَأَتِمَّهَا عَلَيْنَا". [إسناده ضعيف] قوله: "في رواية أبي داود: ثم ليتخير أحدكم من الدعاء أعجبه". أقول: قال الخطابي (¬1): فيه دليل على أن الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - ليست بواجبة في الصلاة، ولو كانت واجبة لم يخل مكانها منها، ويخيره بين ما شاء من الأذكار والأدعية، فلما وكل الأمر في ذلك إلى ما يعجبه منها بطل التعيين. قال (¬2): وعلى هذا قول جماعة [العلماء] (¬3) إلا الشافعي (¬4)؛ فإنه قال: الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -[459/ أ] في التشهد الأخير واجبة، فإن لم يصل عليه بطلت صلاته. وقد قال إسحاق بن راهويه (¬5) نحواً من ذلك أيضاً. ولا أعلم للشافعي [في هذا] (¬6) قدوة. قال (¬7): وأصحابه يحتجون له في ذلك بحديث كعب بن عجرة (¬8). ¬

_ (¬1) في "معالم السنن" (1/ 591 - مع السنن). (¬2) أي الخطابي في "معالم السنن" (1/ 591 - مع السنن). (¬3) كذا في (أ. ب)، والذي في "المعالم": "الفقهاء". (¬4) انظر: "المجموع شرح المهذب" (3/ 449). (¬5) انظر: "المغني" (2/ 233). (¬6) سقطت من (أ. ب)، وأثبتناها من "المعالم". (¬7) قاله الخطابي في "معالم السنن" (1/ 598 - مع السنن). (¬8) أخرجه البخاري رقم (3370)، ومسلم رقم (68/ 406)، والنسائي في "المجتبى" (3/ 47)، وفي "الكبرى" رقم (1211)، وأبو داود رقم (976)، وابن ماجه رقم (904)، والترمذي رقم (483)، وأحمد (4/ 241، 243، 244)، وعبد الرزاق رقم (3105)، والطبراني في "الكبير" (ج 19 رقم 266)، =

وقد رواه أبو داود (¬1) وساق سند أبي داود أنه قال أو قالوا: يا رسول الله! أمرتنا أن نصلي عليك .. إلى قوله: فكيف نصلي عليك؟ قال: "قولوا: اللهم صل على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم، إنك حميد مجيد". قالوا: قوله: "أمرتنا" يدل على وجوبه؛ لأن الأمر لازم، وطاعته واجبة. وقوله: "قولوا" أمر ثان. قالوا: وقد قال الله: {صَلُّوا عَلَيْهِ} (¬2) الآية. فكان ذلك منصرفاً إلى الصلاة؛ لأنه إن صرف إلى غيرها عاد ندباً، كان صرف إليها كان فرضاً، إذ لا خلاف [47 ب] أن الصلاة عليه غير واجبة في غير الصلاة، فدل على وجوبها فىِ الصلاة. انتهى كلام الخطابي. واعلم: أنه قد وسع القول في وجوب الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة: العلامة ابن قيم الجوزية في كتابه "جلاء الأفهام في فضل الصلاة والسلام على سيد الأنام" (¬3) فقال بعد كلام الشافعي، فقال: إن ابن مسعود وابن عمر وأبو مسعود من الصحابة، والشعبي وابن [حيان] (¬4) وجعفر بن محمد وإسحاق بن راهويه والإمام أحمد في آخر قوليه: يوجبون الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - في التشهد، وأطال المقام ووسع الاستدلال ورد أدلة المخالفين بما لم يبق لخلاف الإيجاب مجال. ¬

_ = والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" رقم (2233)، وعبد بن حميد رقم (368)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (681). وهو حديث صحيح. (¬1) في "السنن" رقم (976)، وهو حديث صحيح، وقد تقدم. (¬2) قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56)} [الأحزاب: 56]. (¬3) (ص 390). (¬4) في (ب): "حبان".

قال (¬1): أما عبد الله بن مسعود (¬2)؛ فإنه كان يقول: لا صلاة لمن لم يصل على النبي - صلى الله عليه وسلم - فيها. ذكره ابن عبد البر (¬3). ثم ذكر نسبة أقوال من ذكرهم، وكلامه واسع، وإنما نبهت بنقل ما قاله؛ لأنه أوهم كلام الخطابي أن قول جماعة العلماء أنها غير واجبة في الصلاة إلا الشافعي وحده، هذا ثم قال الخطابي (¬4): واختلفوا في التشهد هل واجب أم لا؟ فروي عن عمر بن الخطاب (¬5) أنه كان يقول: "من لم يتشهد فلا صلاة له" وبه قال الحسن البصري، وإليه ذهب الشافعي (¬6)، ومذهب مالك (¬7) قريب منه. وقال الزهري وقتادة وحماد: إن ترك التشهد حتى انصرف مضت صلاته (¬8). وقال أبو حنيفة (¬9) وأصحابه: التشهد والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - مستحب غير واجب، والقعود قدر التشهد واجب. انتهى. وفي "نهاية المجتهد" (¬10) بعد ذكر الخلاف في إيجاب التشهد وعدمه ما لفظه: ¬

_ (¬1) ابن القيم في "جلاء الأفهام" (ص 394). (¬2) انظر: "الشفاء" للقاضي عياض (1/ 247)، "الحاوي الكبير" (2/ 179). (¬3) في "التمهيد" (16/ 194) وهو عنده لأبي مسعود, وليس لابن مسعود. (¬4) في "معالم السنن" (1/ 598 - مع السنن). (¬5) أخرجه عبد الرزاق في مصنفه رقم (3067 - 3069)، ومالك في "الموطأ" (1/ 90)، وابن أبي شيبة (1/ 293)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/ 261)، والحاكم (1/ 266)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (2/ 142) بإسناد صحيح. (¬6) "المجموع شرح المهذب" (3/ 449). (¬7) "التمهيد" (16/ 194). (¬8) "فتح الباري" (11/ 153)، "المغني" (2/ 233). (¬9) "البناية في شرح الهداية" (2/ 319). (¬10) "بداية المجتهد ونهاية المقتصد" (1/ 316 - 317) بتحقيقي.

وسبب اختلافهم معارضة القياس لظاهر [الأثر] (¬1)، وذلك أن القياس يقتضي إلحاقه بسائر الأذكار التي ليست بواجبة في الصلاة لاتفاقهم على وجوب القراءة، وأن التشهد ليس بقرآن، فيجب. وحديث ابن عباس (¬2) أنه - صلى الله عليه وسلم -[48 ب] كان يعلمنا التشهد كما يعلم السورة من القرآن، يقتضي وجوبه مع أن الأصل عند هؤلاء أن أفعاله وأقواله في الصلاة يجب أن تكون محمولة على الوجوب حتى يدل الدليل على خلاف ذلك، والأصل عند غيرهم على خلاف هذا، وهو إنما ثبت وجوبه في الصلاة مما اتفق عليه أو صرح بوجوبه، فلا يجب أن يلحق به إلا ما صرح به ونص عليه. وهما كما ترى أصلان متعارضان. انتهى كلامه. قلت: القول بأن كل ما فعله - صلى الله عليه وسلم - أو قاله في صلاته للوجوب هو الأقوى؛ لأنهما بيان لمجمل الصلاة المأمور بها في القرآن، ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: "صلوا كما رأيتموني أصلي" (¬3) فما صح فعله فيها أو قوله فهو واجب حتى يقوم الدليل على خلافه. 5 - وله (¬4) في رواية أخرى بعد: وأشهد أن محمداً رسُولُ الله: إِذَا قُلتَ هَذَا أَوْ قَضَيْتَ هَذَا فَقَدْ قَضَيْتَ صَلاَتَكَ، إِنْ شِئْتَ أَنْ تَقُومَ فَقُمْ، وَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَقْعُدَ فَاقْعُدْ. [إسناده صحيح] ¬

_ (¬1) كذا في (أ. ب)، والذي في "بداية المجتهد": "الآثار". (¬2) أخرجه مسلم رقم (60/ 403)، وأبو داود رقم (974)، والترمذي رقم (290)، والنسائي (2/ 242)، وابن ماجه رقم (900)، والدارقطني (1/ 350 رقم 2)، والبيهقي (2/ 140)، والشافعي في "ترتيب المسند" (1/ 97 رقم 276). وهو حديث صحيح. (¬3) تقدم، وهو حديث صحيح. (¬4) أخرجه أبو داود في "السنن" رقم (970). =

قوله: "إن شئت أن تقوم فقم، وإن شئت أن تقعد فاقعد". أقول: من أدلة القائلين أنها لا تجب الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - في التشهد، لكن قال ابن القيم في كتابه المذكور (¬1): أن هذه الزيادة مدرجة في الحديث ليست من كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيّن ذلك الأئمة الحفاظ. قال الدارقطني في كتاب "العلل" (¬2): رواه الحسن بن الحر عن القاسم بن مخيمرة عن علقمة عن عبد الله ثم أبان أن قوله: "إذا قضيت هذا ... " إلى آخره من كلام ابن مسعود، وأبان الدليل على ذلك. وقال المنذري في "مختصر السنن" (¬3): قال أبو بكر الخطيب (¬4): قائل: "فإذا قلت ذلك فقد تمت صلاتك" وما بعده؛ ليس من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - وإنما هو من قول ابن مسعود أدرج في الحديث. وقد بينه شَبَابةُ بن سوَّار في روايته عن زهير بن معاوية، وفصل كلام ابن مسعود عن كلام النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكذلك رواه عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان عن الحسن بن الحرِّ مفصلاً مبيناً. ¬

_ = وأخرجه أحمد (1/ 422)، والدارمي (1/ 309)، والطيالسي رقم (275)، وابن حبان رقم (1961)، والدارقطني في "السنن" (1/ 353)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/ 275)، و"المشكل" (9/ رقم 3799، 3800)، والطبراني في "الكبير" رقم (9925) بإسناد صحيح. (¬1) "جلاء الأفهام في فضل الصلاة والسلام على محمد خير الأنام" (ص 404). (¬2) رقم (766). (¬3) (1/ 450). (¬4) في "الفصل والوصل" (1/ 103 - 104).

قال الخطابي (¬1): قد اختلفوا في هذا الكلام، هل هو من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - أو من قول ابن مسعود؟ فإن صح مرفوعاً ففيه دلالة على أن [49 ب] الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - والتشهد غير واجبة. [460/ أ]. وقوله: "قد قضيت صلاتك" أي: معظم صلاتك من القرآن والذكر والخفض والرفع، وأنه بقي عليك الخروج بالسلام إذا كان القيام إنما يقع عقبه، ولا يجوز أن يقوم بغير تسليم؛ لأنها تبطل صلاته، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "تحريمها التكبير وتحليلها التسليم" انتهى كلام المنذري (¬2). 6 - وفي أخرى للنسائي (¬3): كُنَّا إذَا صَلّيْنَا مَعَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - نَقُولُ: السَّلاَمُ عَلَى الله، السَّلاَمُ عَلَى جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ، فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تَقُولُوا السَّلاَمُ، عَلَى الله، فَإِنَّ الله هُوَ السَّلاَمُ، وَلَكِنْ قُولُوا التَّحِيَّاتُ" الحديث. [صحيح دون] قوله: "وحده لا شريك له" فالزيادة شاذة. قوله: "لا تقولوا السلام على الله". أقول: نهاهم عن السلام على الله تعالى؛ لأنه دعاء بالسلامة من المكاره، وهو مالك ذلك كله ومعطيه والمدعو، فكيف يدعى له؟ ولم ينههم عن السلام على جبريل وميكائيل، بل أرشدهم إلى ما يعم المذكورين وغيرهم بقوله: "وعلى عباد الله الصالحين" وقال: إذا قلتموها أصابت كل عبد صالح في السماء والأرض. وهذا من جوامع الكلم التي أوتيها - صلى الله عليه وسلم -. 7 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ القُرآنَ، فكَانَ يَقُولُ: "التَّحِيَّاتُ المُبَارَكَاتُ الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ للهِ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ ¬

_ (¬1) في "معالم السنن" (1/ 593 - مع السنن). (¬2) في مختصره (1/ 450 - 451). (¬3) في "السنن" رقم (1168). قال الألباني: شاذ بزيادة: "وحده لا شريك له".

وَرَحْمَةُ الله وَبَرَكَاتُهُ, السَّلاَمُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ الله الصَّالحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ الله وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله". أخرجه الخمسة (¬1) إلا البخاري، وهذا لفظ مسلم. [صحيح] 8 - وعند الترمذي (¬2): "سَلاَمٌ عَلَيْكَ، سَلاَمٌ عَلَيْنَا بِغَيْرِ ألفٍ وَلاَمٍ". [صحيح] 9 - وللنسائي (¬3) عن أبي موسى - رضي الله عنه -: "أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ الله وَحْدَهُ لاَ شَريك لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْده وَرَسُوله". [صحيح] 10 - وله في أخرى (¬4) عن جابر - رضي الله عنه - قال: "يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنْ القُرآنِ، بِسْمِ الله وَبِالله التَّحِيَّاتُ". وذكر الحديث. [ضعيف] وفيه: بَعْدَ عَبدُهُ وَرَسُولُهُ: أَسْأَلُ الله الجَنَّةَ, وَأَعُوذُ بِهِ مِنَ النَّارِ. 11 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما -: عَنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي التَّشَهُّدِ: "التَّحِيَّاتُ للهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيَّبَاتُ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ الله". قَالَ ابْنُ عُمَرَ: زِدْتُ فِيهَا: وَبَرَكَاتُهُ. "السَّلاَمُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ الله الصَّالحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ الله". قَالَ ابْنُ عُمَرَ: زِدْتُ فِيهَا وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ. "وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ". أخرجه مالك (¬5) وأبو داود (¬6) واللفظ له. [صحيح] ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم رقم (60/ 403)، وأبو داود رقم (974)، والترمذي رقم (290)، والنسائي في "المجتبى" (2/ 242)، وفي "الكبرى" رقم (764)، وابن ماجه رقم (900). وهو حديث صحيح. (¬2) في "السنن" رقم (290)، وهو حديث صحيح. (¬3) في "السنن" رقم (1173)، وهو حديث صحيح. (¬4) في "السنن" رقم (1175)، وهو حديث ضعيف. (¬5) في "السنن" رقم (971)، وهو حديث صحيح. (¬6) في "الموطأ" (1/ 91).

قوله في حديث ابن عباس: "يعلِّمنا التشهد". أقول: قال البيهقي (¬1): لا شك أن هذا التشهد الذي علَّمه - صلى الله عليه وسلم - ابن عمه عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - وأقرانه [لا شك في كونه] (¬2) بعد التشهد الذي علَّمه - صلى الله عليه وسلم - ابن مسعود وأضرابه. واعلم: أن التشهد قد روي من وجوه كثيرة عن ابن مسعود وعن ابن عباس وعن جابر وعن ابن عمر وعائشة، وهذه الروايات ذكرها المصنف وألفاظها متقاربة، إلا أنه اتفق أهل الحديث على ترجيح حديث ابن مسعود. هذا الذي ذكره المصنف أولاً وقال (¬3): إنه أصح حديث روي في التشهد؛ لأنه روي عنه من نيف وعشرين طريقاً. وهو أصح الأحاديث إسناداً [50 ب] وأشهرها رجالاً؛ لأنه متفق عليه دون غيره، ولأن الرواة عنه من الثقات لم يختلفوا في ألفاظه بخلاف غيره وأنه تلقاه من النبي - صلى الله عليه وسلم - تلقيناً كما ثبت من طرق، ولثبوت الواو في الصلوات والطيبات؛ ولأنه ورد بصيغة الأمر بخلاف غيره، فإنه مجرد حكاية، ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - علمه إياه وأمره أن يعلمه الناس. أخرجه أحمد. ولم ينقل ذلك في غيره، ففيه دليل على مزيته. قلت: ومما يرجحه أنه قال الترمذي في "السنن" (¬4): حدثنا أحمد بن محمد بن موسى حدثنا عبد الله بن المبارك عن معمر عن خصيف قال: رأيت [رسول الله - صلى الله عليه وسلم -] (¬5) في المنام، فقلت: يا رسول الله! إن الناس قد اختلفوا في التشهد. فقال: عليك بتشهد ابن مسعود. انتهى بلفظه. ¬

_ (¬1) في "السنن" (2/ 140). (¬2) سقطت من (أ. ب)، وأثبتناها من "سنن البيهقي". (¬3) انظر: في "السنن الكبرى" (2/ 138 - 140)، "التلخيص" (1/ 475 - 488). (¬4) في "السنن" رقم (289). (¬5) كذا في (أ. ب)، والذي في "السنن": "النبي - صلى الله عليه وسلم -".

ورجح الشافعي (¬1) حديث (¬2) ابن عباس؛ لأنه أجمع، ففيه زيادة المباركات وهو موافق للفظ القرآن، وفي تشهد ابن عمر: "الزاكيات" (¬3) بدل "المباركات". قال الشافعي (¬4): وقد سئل عن اختياره تشهد ابن عباس لما رأيته واسعاً وسمعته عن ابن عباس صحيحاً، كان عندي أجمع وأكثر لفظاً من غيره فأخذت به غير معنف لمن أخذ بغيره، واختار مالك (¬5) وأصحابه تشهد عمر لكونه علمه الناس وهو على المنبر فلم ينكروه فيكون إجماعاً. قلت: وفيه تأمل؛ لأنه يكثر في مثل ذلك. 12 - وفي "الموطأ" (¬6): أَنَّ ابْنَ عُمَرَ - رضي الله عنهما - كَانَ يَتَشَهَّدُ: بِسْمِ الله التَّحِيَّاتُ للهِ، وَالصَّلَوَاتُ للهِ، الزَّاكِيَاتُ للهِ، السَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ وَرَحْمَةُ الله وَبرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ ¬

_ (¬1) انظر: "الأم" (2/ 269)، و"المجموع شرح المهذب" (3/ 439). (¬2) تقدم، وهو حديث صحيح. (¬3) عن عمر بن الخطاب، أخرجه مالك في "الموطأ" (1/ 90 رقم 53)، والشافعي في "المسند" رقم (275 - ترتيب)، وفي "الرسالة" (ص 738)، والحاكم (1/ 266)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (2/ 144) عن عبد الرحمن بن عبد القاريّ: أنه سمع عمر بن الخطاب وهو على المنبر يعلم الناس التشهد، يقول: قولوا: التحيات لله، الزّاكيات لله ... وهو أثر موقوف صحيح. قال الدارقطني في "العلل" (2/ 82 - 83 س 125): لم يختلفوا في أنه موقوف عليه. وعن ابن عمر أخرجه مالك في "الموطأ" (1/ 91 رقم 54) وهو موقوف صحيح. عن نافع: أن عبد الله بن عمر كان يتشهد فيقول: باسم الله التحيات الله، الصلوات لله، الزَّاكيات لله ... (¬4) "الأم" (2/ 269)، و"الرسالة" (ص 738)، "المجموع شرح المهذب" (3/ 439). (¬5) انظر: "قوانين الأحكام الشرعية ومسائل الفروع الفقهية" لابن جزي (ص 80)، "المدونة" (1/ 143)، "الاستذكار" (4/ 274). (¬6) في "الموطأ" (1/ 91 رقم 54)، وهو أثر موقوف صحيح.

الله الصَّالحِينَ، شَهِدْتُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله وَشَهِدْتُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله، يَقُولُ هَذَا فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ، وَيَدْعُو إِذَا قَضَى ثَشَهُّدَهُ، فَإِذَا جَلَسَ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ تَشَهَّدَ كَذَلِكَ أَيْضًا إِلَّا أَنَّهُ يُقَدَّمُ التَّشَهُّدَ، ثُمَّ يَدْعُو بِمَا بَدَا لَهُ، وإِذَا قَضَى تَشَهُّدَهُ وَأَرَادَ أَنْ يُسَلِّمَ قَالَ: السَّلَامُ عَلَى النَبِيِّ وَرَحْمَةُ الله وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَليْنَا وَعَلَى عِبَادِ الله الصَّالِحينَ، ثُمَّ يَقُولُ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ عَنْ يَمِينِهِ، ثُمَّ يَرُدُّ عَلَى الإِمَامِ، فَإِنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ أَحَدٌ عَنْ يَسَارِهِ رَدَّ عَلَيْهِ. [موقوف صحيح] زاد رزين قال: إنَّ رَسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - أمَرَهُ بِذلِكَ. 13 - ولمالك (¬1) في أخرى عن القاسم بن محمد: أَنَّ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - كَانَتْ تَقُولُ إِذَا تَشَهَّدَتْ: التَّحِيَّاتُ الطَّيَّبَاتُ، الصَّلَوَاتُ الزَّاكِيَاتُ للهِ، أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ, وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرحْمةُ الله وَبَرَكَاتُهُ، السَّلاَمُ عَليْنَا وَعَلَى عِبَادِ الله الصَّالحِينَ، السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ. [موقوف صحيح] قوله: "أن ابن عمر كان يتشهد: باسم الله". أقول: هذا في "الموطأ" (¬2) عن ابن عمر موقوف. ووقع أيضاً في حديث جابر (¬3) المرفوع، تفرد به أيمن بن نابل، بالنون ثم الموحدة، عن أبي الزبير عنه، وحكم الحفاظ البخاري (¬4) ¬

_ (¬1) في "الموطأ" (1/ 91 رقم 55)، وهو أثر موقوف صحيح. (¬2) (1/ 91 رقم 54). (¬3) أخرجه النسائي في "السنن" رقم (1175، 1281)، وابن ماجه رقم (902)، والترمذي في "العلل الكبير" رقم (105)، والحاكم في "المستدرك" (1/ 267). وهو حديث ضعيف. (¬4) ذكره الحافظ في "التلخيص" (1/ 478).

[51 ب] وغيره أنه أخطأ في إسناده. وأن الصواب رواية أبي الزبير عن طاووس وغيره عن ابن عباس، قال الحافظ ابن حجر (¬1): وفي الجملة لم يصح عنده. يريد البخاري الزيادة. وقد ترجم البيهقي (¬2) عليها من استحب وأباح التسمية قبل التحية، وهو وجه لبعض الشافعية وضعف. ويدل على عدم اعتبارها: أنه ثبت في حديث أبي موسى (¬3) المرفوع وغيره: "فإذا قعد أحدكم فليكن أول قوله: التحيات لله ... " الحديث. [كذا] (¬4) رواه عبد الرزاق عن معمر عن قتادة بسنده، وأخرج مسلم من طريق عبد الرزاق هذه، وقد أنكر ابن عباس وابن مسعود وغيرهما على من رواها، أخرجه البيهقي (¬5) وغيره، ونقل بعض العلماء (¬6) الاتفاق على جواز التشهد بكل ما ثبت. وذهب ابن خزيمة (¬7) إلى عدم الترجيح، أي: وإن بأيها أخذ فقد أحسن، وقد قدمنا الخلاف في وجوب التشهد، والأدلة قاضية بإيجابه، كما عرفت من الأمر به. والأمر بتعليم الناس إياه وتعليم عمر لهم وهو على المنبر. ¬

_ (¬1) انظر: "التلخيص الحبير" (1/ 478 - 479). (¬2) في "السنن الكبرى" (2/ 141 الباب رقم 249). (¬3) تقدم، وهو حديث صحيح. (¬4) في (ب): "لذا"، وما أثبتناه من (أ) و"الفتح" (2/ 316). (¬5) في "السنن الكبرى" (2/ 143). (¬6) انظر: "شرح صحيح مسلم" للنووي (4/ 116)، "المغني" (2/ 226)، "فتح الباري" (2/ 316). (¬7) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 316).

وأما قول الشافعي (¬1): لو لم يزد الرجل على قول: "التحيات لله، سلام عليك أيها النبي" إلى آخره؛ كرهت له ذلك، ولم أر عليه إعادة. فلا يظهر وجه لتفرقة بين ألفاظه، بعد قوله: إنه فرض. قوله في حديث ابن عمر (¬2): "يقول هذا في الركعتين الأوليتين". أقول: هذا هو التشهد الأوسط في الرباعية والثلاثية [52 ب]، واختلف في وجوبه؛ فالأكثر أنه غير واجب، والظاهر وجوبه؛ لحديث: "صلوا كما رأيتموني أصلي" (¬3)، وأنه إذا نسيه المصلي [جبر] (¬4) سجود السهو كما يأتي. وقوله: "ويدعو إذا قضى تشهد" عام في التشهدين. قال ابن دقيق العيد (¬5): المختار أن يدعو في التشهد الأول كما يدعو في التشهد الأخير، لعموم الحديث الصحيح (¬6): "إذا تشهد أحدكم فليتعوذ بالله من أربع" وتعقب بأنه فىِ الصحيح عن أبي هريرة بلفظ: "إذا فرغ أحدكم من التشهد" (¬7) يريد الأخير. ¬

_ (¬1) في "الأم" (2/ 269 - 270). (¬2) تقدم تخريجه. (¬3) تقدم مراراً، وهو حديث صحيح. (¬4) في (ب): "أجبره". (¬5) في "إحكام الأحكام" (ص 415). (¬6) أخرجه مسلم في صحيحه رقم (588). (¬7) أخرجه مسلم رقم (30/ 588)، وأحمد (2/ 237)، والنسائي (3/ 58)، وابن ماجه رقم (909)، وأبو داود رقم (983)، وابن خزيمة رقم (721)، وابن حبان رقم (1967)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (693)، وأبو عوانة (2/ 235)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (2/ 154) من طرق. وهو حديث صحيح.

وعقد البخاري (¬1) ترجمة في الصحيح فقال: باب الدعاء قبل السلام، أي: بعد التشهد هذا الذي يتبادر من ترتيبه. وقد ورد تعيين محله في حديث ابن مسعود في بعض طرقه: "ثم ليتخير من الدعاء ما شاء"، ثم ذكر حديث عائشة (¬2) أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يدعو في الصلاة: "اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال، وأعوذ بك من فتنة المحيا وفتنة الممات، اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم". وقد تقدم للمصنف في كتاب الدعاء عن ابن عباس بلفظ: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول بعد التشهد: "اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، وأعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات" ونسبه إلى أبي داود (¬3). واعلم: أن لفظ "الموطأ" (¬4) بعد قوله: "بما بدا له" فإذا جلس في آخر صلاته تشهد كذلك أيضاً إلا أنه يقدم التشهد، ثم يدعو بما بدا له، فإذا قضى تشهده وأراد أن يسلم؛ قال: السلام على النبي، إلى آخر ما هنا. وهذا ساقط في "الجامع" (¬5) وأسقطه المصنف تبعاً له، ولا أدري ما وجه إسقاطه. ¬

_ (¬1) في صحيحه (2/ 317 الباب رقم 149 - مع الفتح). (¬2) أخرجه البخاري رقم (932 و2397)، ومسلم رقم (589)، وأحمد (6/ 88 - 89)، وأبو داود رقم (880)، والنسائي (3/ 56 - 57)، والترمذي رقم (3495)، وابن حبان رقم (1968)، وعبد بن حميد رقم (1472)، وابن أبي عاصم في "السنة" رقم (871)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (691)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (2/ 154). وهو حديث صحيح. (¬3) في "السنن" رقم (984) بإسناد حسن. (¬4) في "الموطأ" (1/ 91 رقم 54)، وهو أثر موقوف صحيح، وقد تقدم. (¬5) (5/ 395 - 401).

وقوله: لا أنه يقدم التشهد كأنه يريد على الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - وعلى عباد الله الصالحين، ولهذا قال: وإذا قضى [53 ب] تشهده وأراد أن يسلم قال: السلام على النبي إلى آخره. وقوله: السلام عليكم عن يمينه، هو حال الخروج وهو السلام المراد في حديث: "وتحليلها التسليم" (¬1). وقوله: "ثم يرد على الإمام" كأنه يريد: ينوي الرد عليه، فإن سلم عليه أحد عن يساره [يرد] (¬2) عليه. ظاهره أنه لم يكن عن يساره أحد؛ لأنه ما سلم إلا عن يمينه فقط، وذلك إذا كان هو والإمام فقط لم ينضم إليهما أحد. [461/ أ]. 14 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه -: أنَّهُ كانَ يَقُولُ: "مِنَ السُّنَّةِ إِخفَاءُ التَّشَهُّدَ". أخرجه أبو داود (¬3) والترمذي (¬4). [صحيح] قوله في حديث ابن مسعود: "من السنة إخفاء التشهد". قوله: "أخرجه الترمذي" (¬5). قلت: بلفظ: "من السنة أن يخفي التشهد" وكذا لفظه في "سنن أبي داود". ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد (3/ 123)، وأبو داود رقم (61، 618)، وابن ماجه رقم (275)، والترمذي رقم (3) عن علي - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم". وهو حديث حسن. (¬2) كذا في الشرح والذي في المتن: "ردَّ". (¬3) في "السنن" رقم (986). (¬4) في "السنن" رقم (291)، وهو حديث صحيح. (¬5) في "السنن" رقم (291)، وهو حديث صحيح.

[الجلوس]

ثم قال الترمذي (¬1): حديث ابن مسعود حديث حسن غريب، والعمل عليه عند أهل العلم. انتهى. [54 ب]. [الجلوس] (¬2) 1 - عن عليّ بن عبد الرحمن المعاوي قال: رَآنِي ابْنُ عُمَرَ - رضي الله عنهما - وَأنا أَعْبَثُ بِالحَصَى في الصَّلاةِ, فَلَمَّا انْصَرَفَ نَهَانِي وَقَالَ: اصْنَعْ كَمَا كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يصْنَعُ، فَقُلْتُ: وَكَيْفَ كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَصْنَعُ؟ قَالَ: كَانَ إِذَا جَلَسَ فِي الصَّلاَةِ وَضَعَ كَفَّهُ اليُمْنَى عَلَى فَخِذِهِ اليُمْنَى، وَقَبَضَ أَصَابِعَهُ كُلَّهَا، وَأَشَارَ بِإِصْبُعِهِ الَّتِي تَلِي الإِبْهَامَ، وَوَضَعَ كَفَّهُ اليُسْرَى عَلَى فَخِذِهِ اليُسْرَى. أخرجه الستة (¬3) إلا البخاري، وهذا لفظ مسلم. [صحيح] 2 - وفي أخرى (¬4) عن نافع عن ابن عمر [54 ب]- رضي الله عنهما -: وَيَدُهُ اليُسْرَى عَلَى رُكْبَتِه اليُسرَى بَاسِطَهَا عَلَيْهَا. 3 - وفي أخرى (¬5) عنه: وَوَضَعَ يَدَهُ اليُمْنَى عَلَى رُكْبَتِهِ اليُمْنَى، وَعَقَدَ ثَلَاثَةً وَخَمْسِينَ وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ. [صحيح] ¬

_ (¬1) في "السنن" (2/ 85). (¬2) سقطت من (ب). (¬3) أخرجه مسلم رقم (114/ 580)، وأبو داود رقم (987)، والترمذي رقم (294)، وابن ماجه رقم (913)، والنسائي (3/ 37)، ومالك في "الموطأ" (1/ 88). وأخرجه أحمد (2/ 147)، وابن خزيمة رقم (717)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (2/ 130)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (673). وهو حديث صحيح. (¬4) أخرجها مسلم في صحيحه رقم (114/ 580). (¬5) أخرجها مسلم في صحيحه رقم (115/ 580).

4 - وفي أخرى للنسائي (¬1) عن علي بن عبد الرحمن قال: صَلَّيْتُ إِلَى جَنْبِ ابْنِ عُمَرَ فَقَلَّبْتُ الحَصَى، فَقَالَ لِي: لَا تُقَلِّبْ الحَصَى، فَإِنَّ تَقْلِيبَ الحَصَى مِنْ الشَّيْطَانِ، وَافْعَلْ كَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَفْعَلُ. قُلْتُ: وَكَيْفَ رَأَيْتَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يفْعَلُ؟ قَالَ: هَكَذَا، وَنَصَبَ اليُمْنَى وَأَضْجَعَ اليُسْرَى، وَوَضَعَ يَدَهُ اليُمْنَى عَلَى فَخِذِهِ اليُمْنَى، وَيدَهُ اليُسْرَى عَلَى فَخِذِهِ اليُسْرَى، وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ. [إسناده حسن] وفي أخرى (¬2): بِإِصْبُعِهِ الَّتِي تَلي الإِبْهَامَ فِي القِبْلَةِ، وَرَمَى بِبَصَرهِ إِلَيْهَا. [إسناده حسن] 5 - وعن ابن الزبير - رضي الله عنهما - قال: كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إذَا قَعَدَ فِي الصَّلاَةِ جَعَلَ قَدَمَهُ اليُسْرَى تَحْتَ فَخِذِهِ وَسَاقِهِ وَفَرَشَ قَدَمَهُ اليُمْنَى (¬3). [صحيح] 6 - وعنه - رضي الله عنه -: "أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كانَ يُشِيرُ بِأُصْبُعِهِ إِذَا دَعَا وَلَا يُحَرِّكُهَا، يَدْعُو كَذَلِكَ وَيَتَحَامَلُ [55 ب] بِيَدِهِ اليُسْرَى عَلَى فَخِذِهِ اليُسْرَى" (¬4). [إسناده صحيح] وفي أخرى: لاَ يُجَاوِزُ بَصَرُهُ إِشَارَتَهُ. أخرجه أبو داود (¬5) واللفظ له، والنسائي (¬6). [إسناده حسن] ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (1160)، وانظر: "صحيح مسلم" رقم (580). (¬2) أخرجها النسائي في "السنن" رقم (1160). (¬3) أخرجه مسلم في صحيحه رقم (579). (¬4) أخرجه مسلم في صحيحه رقم (112/ 579) دون قوله: "ولا يحركها". وأبو داود في "السنن" رقم (989)، والنسائي رقم (1270) بإسناد صحيح. (¬5) في "السنن" رقم (990). (¬6) في "السنن" رقم (1275) بإسناد حسن.

7 - وعن وائل بن حجر - رضي الله عنه - قال: "افْتَرَشَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - رجْلَهُ اليُسْرَى، وَرَفَع يَدَهُ يَعْنِي عَلَى فَخِذِهِ اليُسْرَى، ونَصَبَ اليُمْنى". أخرجه الترمذي (¬1) وصححه، والنسائي (¬2). [صحيح] وعنده (¬3): "وَوَضَعَ ذِرَاعَيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ وَأَشارَ بِالسَّبَّابَةِ يَدْعُو". [إسناده صحيح] 8 - وعن أبي يعفور - رضي الله عنه - قال: "سَمِعْتُ مُصْعَبَ بْنَ سَعْدٍ بنِ أبِي وَقَّاصٍ يَقُولُ: صَلَّيْتُ إِلَى جَنْبِ أَبِي، فَطَبَّقْتُ بَيْنَ كَفَّيَّ وَوَضَعْتُهُمَا بَيْنَ فَخِذَيَّ، فَنَهَانِي أَبِى وَقَالَ: كُنَّا نَفْعَلُهُ هَذَا فَنُهِينَا عَنْهُ، وَأُمِرْنَا أَنْ نَضَعَ أَيْدِيَنَا عَلَى الرُّكَبِ". أخرجه الخمسة (¬4) إلا الترمذي (¬5). [صحيح] 9 - وعن عاصم بن كليب الجرمي عن أبيه عن جده، واسمه شهاب بن المجنون، قال: دَخَلْتُ عَلَى رَسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يُصَلِّي، وَقَدْ وَضَعَ يَدَهُ اليُسْرَى عَلَى فَخِذِهِ اليُسْرَى، وَوَضَعَ يَدَهُ اليُمْنَى عَلَى فَخِذِهِ اليُمْنَى، وَقَبَضَ أَصَابِعَهُ وَبَسَطَ السَّبَّابَةَ وَهُوَ يَقُولُ: "يَا مُقَلِّبَ القُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ". أخرجه الترمذي (¬6). [منكر] 10 - وله (¬7) في أخرى عن أبي حميد الساعدي: جَلَسَ - يَعِنِي لِلتَّشهُّدِ - فَافْتَرَشَ رِجْلَهُ اليُسْرَى، وَأَقْبَلَ بِصَدْرِ اليُمْنَى عَلَى قِبْلَتِهِ. [صحيح] ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (292). (¬2) في "السنن" رقم (1263)، وهو حديث صحيح. (¬3) أي النسائي في "السنن" رقم (1264) بإسناد صحيح. (¬4) أخرجه البخاري رقم (790)، ومسلم رقم (535)، وأبو داود رقم (867)، وابن ماجه رقم (873)، والنسائي رقم (1032، 1033)، وقد تقدم. (¬5) انظر: "سنن الترمذي" رقم (259)، وقد تقدم نصه. (¬6) في "السنن" رقم (3587)، وهو حديث منكر بهذا السياق. (¬7) أي للترمذي في "السنن" رقم (293)، وهو حديث صحيح.

11 - وللنسائي (¬1): إذا كَانَ في الرَّكْعَةِ الَّتِي تَنْقَضِي فِيهَا [56 ب] الصَّلاَةُ أَخْرَجَ رِجْلَهُ اليُسْرَى، وَقَعَدَ عَلَى شِقِّهِ مُتَوَرِّكًا، ثُمَّ سَلَّمَ. [صحيح] وله (¬2) في أخرى: "رَافِعًا إِصْبَعَهُ السَّبَّابَةَ قَدْ أَحْنَاهَا شَيْئًا". [منكر] 12 - وعن عبد الله بن عبد الله بن عمر قال: كَانَ ابْنُ عُمَرَ - رضي الله عنهما - يَتَرَبَّعُ فِي الصَّلاَةِ إِذَا جَلَسَ، فَفَعَلْتُهُ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ حَدِيثُ السِّنِّ، فَنَهَانِي وَقَالَ: إِنَّمَا سُنَّةُ الصَّلاَةِ أَنْ تَنْصِبَ رِجْلَكَ اليُمْنَى وَتَثْنِي اليُسْرَى. فَقُلْتُ: إِنَّكَ تَفْعَلُ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: إِنَّ رِجْلِيَّ لاَ تَحْمِلاَنِي. أخرجه البخاري (¬3) وهذا لفظه، ومالك (¬4) والنسائي (¬5). [صحيح] 13 - وفي رواية النسائي (¬6): "أَنْ تَنْصِبَ القَدَمَ اليُمْنَى وَاستِقْبَالُهُ بِأَصَابِعِهَا القِبْلَةَ, وَالجُلُوسُ عَلَى اليُسْرَى". [صحيح] 14 - وعن طاوس قال: قلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ فِي الإِقْعَاءِ عَلَى القَدَمَيْنِ، فَقَالَ: هِيَ السُّنَّةُ. فَقُلْنَا لَهُ: إِنَّا لَنَرَاهُ جَفَاءً بِالرَّجُلِ [57 ب] فَقَالَ: بَلْ هِيَ سُنَّةُ نَبِيَّكُمْ - صلى الله عليه وسلم -. أخرجه مسلم (¬7) وأبو داود (¬8) والترمذي (¬9)، وهذا لفظ مسلم. [صحيح] ¬

_ (¬1) في "السنن" (1262). وأخرجه البخاري في صحيحه رقم (828) مطولاً بنحوه. (¬2) النسائي في "السنن" رقم (1274)، وهو حديث منكر. (¬3) في صحيحه رقم (827). (¬4) في "الموطأ" (1/ 90 - 91 رقم 51). (¬5) في "السنن" رقم (1274)، وفي "الكبرى" رقم (1198). (¬6) فى "السنن" رقم (1158)، وهو حديث صحيح. (¬7) في صحيحه رقم (536). (¬8) في "السنن" رقم (845). (¬9) في "السنن" رقم (283)، وهو حديث صحيح.

السلام

وزاد أبو داود (¬1) بَعْدُ: "عَلَى القَدَمَيْنِ في السُّجُودِ". 15 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: "كانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إذَا جَلَسَ في الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ كَأَنَّهُ عَلَى الرَّضْفِ حَتَّى يَقُومَ". أخرجه أصحاب السنن (¬2). [ضعيف] "الرَّضْفُ": بسكون الضاد المعجمة جمع رضفة، وهي الحجارة المحماة (¬3). [قوله في حديث ابن مسعود في جلوسه - صلى الله عليه وسلم - في الركعتين الأوليين: أخرجه أصحاب السنن. قلت: أخرجوه جميعاً من حديث أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه وهو منقطع؛ لأن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه. وقد أخرجه الشافعي (¬4) والحاكم (¬5) من هذه الطريق المنقطعة] (¬6) [58 ب]. السلام 1 - عن عامر بن سعد عن أبيه - رضي الله عنه - قال: "كانَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ حَتَّى أَرَى بَيَاضَ خَدِّه". أخرجه مسلم (¬7) والنسائي (¬8). [صحيح] ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (845). (¬2) أخرجه أبو داود في "السنن" رقم (995)، والترمذي رقم (366)، والنسائي في "السنن" رقم (1176). وهو حديث ضعيف. (¬3) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (5/ 409). (¬4) في "الأم" (2/ 274 - 275 رقم 250). (¬5) في "المستدرك" (11/ 269). (¬6) ما بين الحاصرتين سقطت من (ب). (¬7) في صحيحه رقم (582). (¬8) في "السنن" (3/ 61). =

قوله: "السلام". أي: للخروج من الصلاة. وبوب له البخاري في الصحيح (¬1): باب التسليم. قال في "الفتح" (¬2): قيل: لم يذكر المصنف حكمه لتعارض الأدلة عنده في الوجوب وعدمه، قال (¬3): ويمكن أن يؤخذ الوجوب من حديث الباب (¬4)، حيث قال: كان إذا سلم؛ لأنه يشعر بتحقق مواظبته في على ذلك، وقال - صلى الله عليه وسلم -: "صلوا كما رأيتموني أصلي" (¬5)، وحديث: "تحليلها التسليم" (¬6) أخرجه أصحاب السنن بسند صحيح. وأما حديث: "إذا أحدث وقد جلس في آخر صلاته قبل أن يسلم فقد جازت صلاته" (¬7) فقد ضعفه الحفاظ. قوله: "عن عامر بن سعد عن أبيه سعد بن أبي وقاص قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسلم عند الخروج من الصلاة عن يمينه وعن يساره". ¬

_ = وأخرجه أحمد (1/ 172)، وابن ماجه رقم (915)، وأبو يعلى رقم (801)، وابن حبان رقم (1992)، وابن خزيمة رقم (726)، والدارقطني (1/ 356)، والبيهقي (2/ 177 - 178)، والبزار رقم (1100)، وعبد بن حميد رقم (144). وهو حديث صحيح. (¬1) في صحيحه (2/ 332 الباب رقم 152 - مع الفتح). (¬2) (2/ 322). (¬3) أي الحافظ في "الفتح" (2/ 322). (¬4) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (827)، وطرفاه رقم (849، 850). (¬5) تقدم، وهو حديث صحيح. (¬6) تقدم آنفاً، وهو حديث صحيح. (¬7) أخرجه أبو داود رقم (617)، والترمذي رقم (408) وقال: هذا حديث إسناده ليس بذاك القوي، وقد اضطربوا في إسناده. وهو حديث ضعيف، والله أعلم.

ويأتي كيفية تسليمه. 2 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه -: "أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كانَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمالِهِ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ الله، السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ الله". أخرجه أصحاب السنن (¬1) [صحيح] وزاد أبو داود (¬2) بعد قوله شماله: "حَتَّى نَرَى بَيَاضُ خَدِّهِ". [صحيح] في الحديث الثاني عن ابن مسعود، وفيه دليل على التسليمتين. وأما حديث التسليمة الواحدة؛ فقد ذكر ابن عبد البر (¬3) أنه معلول. وبسط الكلام ابن عبد البر على ذلك. وقال العقيلي (¬4): الأسانيد صحاح ثابتة في حديث ابن مسعود، ولا يصح في تسليمة واحدة شيء. قلت: وحديث التسليمة الواحدة، أخرجه الترَمذي (¬5) عن عائشة: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يسلم تسليمة واحدة تلقاء وجهه". ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود رقم (996)، والترمذي رقم (295)، والنسائي في "المجتبى" (3/ 63)، وفي "السنن الكبرى" رقم (1248)، وابن ماجه رقم (914)، وأخرجه أحمد (1/ 390)، وأبو يعلى رقم (5214)، وعبد الرزاق رقم (3130)، وابن حبان رقم (1993)، والطبراني في "الكبير" رقم (10173)، والطيالسي رقم (308)، وابن أبي شيبة في مصنفه (1/ 299)، والدارقطني (1/ 356 - 357)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (2/ 177) من طرق. وهو حديث صحيح. (¬2) في "السنن" رقم (996). (¬3) انظر: "الاستذكار" (4/ 291 - 295). (¬4) ذكره الحافظ في "التلخيص" (1/ 485). (¬5) في "السنن" رقم (296).

وأخرجه ابن ماجه (¬1) وابن حبان (¬2) والحاكم (¬3) والدارقطني (¬4). وقال في "العلل" (¬5) [59 ب]: رفعه عن زهير بن محمد عن هشام عن أبيه [عنها] (¬6): عمرو بن أبي سلمة وعبد الملك الصنعاني، وخالفهما الوليد فوقفه عليها. وقد ضعف من جميع طرقه. وزاد النسائي (¬7): "حَتَّى نَرَى بَيَاضُ خَدِّهِ مِنْ هَاهُنَا، وَبَيَاضُ خَدِّهِ مِنْ هَاهُنَا". [صحيح] وقوله: "حتى نرى بياض خده من هاهنا". أقول: هذا أحد ألفاظ رواياته. والثانية: "عن يمينه حتى يبدو بياض خده، وعن يساره حتى يبدو بياض خده" (¬8)، وفي أخرى (¬9): "يسلم عن يمينه حتى نرى بياض خده الأيمن، وعن يساره حتى نرى بياض خده الأيسر". ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (919). (¬2) في صحيحه رقم (1995). (¬3) في "المستدرك" (1/ 231). (¬4) في "السنن" (1/ 358)، وهو حديث صحيح. (¬5) ذكره الحافظ في "التلخيص" (1/ 486). (¬6) في (ب): "عنهما". (¬7) في "السنن" (3/ 61)، وهو حديث صحيح، وقد تقدم. (¬8) أخرجها النسائي في "المجتبى" (3/ 63)، وفي "السنن الكبرى" رقم (1248). (¬9) أخرجها النسائي في "المجتبى" (3/ 63)، وفي "الكبرى" رقم (1249)، والترمذي رقم (295)، وأبو داود رقم (996)، وابن ماجه رقم (914). وهو حديث صحيح.

قال النووي في "شرح مسلم" (¬1): أنه ذهب الجمهور من السلف والخلف إلى أنه يسن تسليمتان. وقال مالك (¬2) وطائفة: إنما يسن تسليمة واحدة, وتعلقوا بأحاديث ضعيفة, ولو ثبت شيء منها حمل على أنه - صلى الله عليه وسلم - فعل ذلك لبيان جواز الاقتصار على تسليمة واحدة. وأجمع (¬3) العلماء الذي يقتدى بهم على أنه لا يجب إلا تسليمة واحدة، فإن سلم واحدة، استحب له أن يسلم تلقاء وجهه. ثم قال: واعلم أن السلام ركن من أركان الصلاة وفرض من فروضها لا تصح إلا به. هذا مذهب (¬4) جمهور الصحابة والتابعين فمن بعدهم. وقال أبو حنيفة (¬5): هو سنة. وتحصل التحلل من الصلاة بكل شيء ينافيها من كلام أو حدث أو قيام أو غير ذلك. واحتج الجمهور بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يسلم. وثبت في البخاري (¬6) أنه قال: "صلوا كما رأيتموني أصلي". وبالحديث الآخر: "تحريمها التكبير [60 ب] وتحليلها التسليم" (¬7) انتهى كلامه. ¬

_ (¬1) (5/ 83 - 84). (¬2) ذكره ابن عبد البر في "الاستذكار" (4/ 290 رقم 5141). (¬3) انظر: "الاستذكار" (4/ 290 - 292)، "التمهيد" (1/ 341). (¬4) انظر: "المجموع شرح المهذب" (3/ 462)، "المحلى" (3/ 279)، "المغني" (2/ 249). (¬5) "البناية في شرح الهداية" (2/ 337 - 338). (¬6) في صحيحه رقم (631)، وأخرجه مسلم رقم (24/ 391)، وأحمد (5/ 53) من حديث مالك بن الحويرث، وقد تقدم. (¬7) تقدم، وهو حديث صحيح.

قلت: وقوله: إنها لا تجب إلا بتسليمة ينافي الاستدلال بالحديثين؛ لأنه ثبت أنه سلم عن يمينه ويساره، فلا يتم أخهم فعلوا كما رأوه يصلي إلا بأن يسلموا تسليمتين، وادعاء أن [إحداهما] (¬1) واجبة دون الأخرى لا دليل عليه، وحديث أنه سلم تسليمة واحدة تقدم لك أنه ضعيف، بل قال (¬2): هو أنه لا يقاوم أحاديث التسليمتين، فالحق وجوبهما. 3 - وفي أخرى لأبي داود (¬3) عن وائل بن حجر: كَانَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ: "السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ الله وَبَرَكَاتُهُ"، وَعَنْ شِمَالِهِ: "السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ ورَحْمَةُ الله". [صحيح] وله في أخرى عن سمرة بن جندب: "ثُمَّ سَلِّمُوا عَلَى قَارِئِكُمْ وَعَلَى أَنْفُسِكُمْ" (¬4). [ضعيف] قوله في حديث وائل: "وبركاته". أقول: هذه الزيادة رواها أبو داود (¬5) من حديث عبد الجبار بن وائل عن أبيه، قال الحافظ ابن حجر في "التلخيص" (¬6): ولم يسمع منه. انتهى. ¬

_ (¬1) في (ب): "أحدهما". (¬2) انظر: "الاستذكار" (4/ 289 - 293). (¬3) في "السنن" رقم (997)، وهو حديث صحيح. (¬4) أخرجه أبو داود رقم (1001). وأخرجه الحاكم (1/ 270)، والطبراني في "الكبير" (ج 7 رقم 6906)، والبيهقي (2/ 181)، والدارقطني (1/ 360)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (700)، وفي سنده سعيد بن بشير ضعيف، والحسن لم يسمع من سمرة, وقد عنعنه، ومع ذلك فقد حسن إسناده الحافظ في "التلخيص" (1/ 488). (¬5) في "السنن" رقم (997)، وهو حديث صحيح. (¬6) (1/ 488).

قلت: راجعنا "سنن أبي داود" فوجدناه روى الحديث بهذه الزيادة عن علقمة بن وائل عن أبيه، [لا من حديث عبد الجبار عن أبيه] (¬1) وعلقمة بن وائل سمع من أبيه. فوقع الوهم للحافظ في ذلك في "التلخيص" (¬2)، وقد قال في "بلوغ المرام" (¬3): أن أبا داود أخرج حديث وائل بإسناد صحيح. ثم ذكر في "التلخيص" (¬4) أنه وقع في "صحيح ابن حبان" (¬5) من حديث ابن مسعود زيادة: "وبركاته". وهي عند ابن ماجه (¬6) أيضاً. إلا أنه قال ابن رسلان شارح "سنن أبي داود": أنه لم يجد زيادة: "وبركاته" في "سنن ابن ماجه". قلت: وراجعت "سنن ابن ماجه" (¬7) فرأيت حديث ابن مسعود أول حديث ساقه في باب التسليم، وفيه: "وبركاته". وعرفت: أنه قد صحح ابن حجر زيادة: "وبركاته" فيتعين القول بها؛ لأنها زيادة عدل. وساق الحافظ ابن حجر في تخريج أحاديث الأذكار كما ذكر النووي (¬8) أنها - أي: "وبركاته" رواية مفردة، ولهذه الزيادة طرقاً عديدة، ثم قال: فهذه عدة طرق تثبت فيها "وبركاته" ¬

_ (¬1) في (ب) مكررة. (¬2) (1/ 488). (¬3) رقم (52/ 303 - مع سبل السلام) بتحقيقي. (¬4) (1/ 488). (¬5) في صحيحه رقم (1990). (¬6) في "السنن" رقم (914). (¬7) في "السنن" رقم (914). (¬8) انظر: "الأذكار" للنووي (1/ 17 - 19).

بخلاف ما يوهمه كلام الشيخ - يريد النووي (¬1) - أنها رواية مفردة [462/ أ]، وبه تعرف [61 ب] صحة زيادتها، وأنه يتعين القول بها. وقد أوضحنا القول بها في "سبل السلام شرحنا لبلوغ المرام" (¬2). 4 - وعن جابر بن سمرة - رضي الله عنهما - قال: كُنَّا إِذَا صَلَّيْنَا مَعَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - قلْنَا بِأَيْدِينَا: السَّلاَمُ عَلَيْكُمُ وَرحْمةُ الله، وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى الجَانِبَيْنِ، فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "عَلَامَ تُومِئُونَ بِأَيْدِيكُمْ؟ مَالِي أَرَى أَيْدِيكُمْ كَأَنَّهَا أذْنَابُ خَيْلٍ شُمْسٍ؟ اسْكُنُوا فِى الصَّلاَةِ, وإنَّمَا يَكْفِي أَحَدَكُمْ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى فَخِذِهِ ثُمَّ يُسَلِّمُ عَلى أَخِيهِ مَنْ يَمِينِهِ وَشِمالِهِ". أخرجه مسلم (¬3) وأبو داود (¬4) والنسائي (¬5). [صحيح] "الشُمْسُ": بضم الشين المعجمة وسكون الميم جمع شموس بفتح الشين، وهي النفورة من الدواب التي لا تستقر لنفورها وحدّتها (¬6). قوله في حديث جابر بن سمرة: "اسكنوا في الصلاة" أي: عن الإيماء بأيديكم الذي كان السياق في النهي عنه. ¬

_ (¬1) انظر: "الأذكار" (1/ 19). (¬2) (2/ 242 - 246) بتحقيقي. (¬3) في صحيحه رقم (120/ 431). (¬4) في "السنن" (998). (¬5) في "المجتبى" (2/ 4، 64)، وفي "الكبرى" رقم (699)، وهو حديث صحيح. وأخرجه أحمد (5/ 86)، وابن خزيمة رقم (733)، وابن حبان رقم (1880، 1881)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (2/ 172 - 173)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (699). وهو حديث صحيح. (¬6) انظر: "الصحاح" (6/ 2362). وقال ابن الأثير في "غريب الجامع" (5/ 412): شُمْس: جمع شموس، وهو من الدواب ما لا يكاد يستقرُّ شغباً وبَطَراً، ورجل شموس الأخلاف: عَسِرُها.

قال ابن حبان: إن القوم إنما أمروا بالسكون عند الإشارة بالتسليم دون الرفع الثابت عند الركوع. قال البخاري (¬1): من احتج بحديث جابر بن سمرة على منع الرفع عند الركوع؛ فليس له حظ من العلم. هذا مشهور لا خلاف، إنما كان في حال التشهد. قلت: قد استدل بحديث جابر طائفتان: من قال: لا ترفع الأيدي عند تكبيرة الإحرام. ومن قال: ترفع فيها ولا ترفع عند الركوع. والحديث واضح أنه في غير ذلك، وإنما هو نهي عن الإيماء عند التسليم. وقال بعضهم: إنه يستدل بعموم: "اسكنوا" فإن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب (¬2). وأجيب عنه: بأنه لو حمل على العموم لزم أن لا يركع ولا يسجد؛ لأنه لم يسكن في الصلاة. والحق: أنه مقصور على سببه؛ لثبوت الأحاديث (¬3) برفع الأيدي في المحلات الثلاثة، وغيرها. [62 ب]. 5 - وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كَانَ رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إِذَا سَلَّمَ لَمْ يَقْعُدْ إِلاَّ مِقْدَارَ مَا يَقُولُ: "اللهمَّ أَنْتَ السَّلاَمُ وَمِنْكَ السَّلاَمُ تَبَارَكْتَ يَا ذَا الجَلال وَالإِكْرَامِ". أخرجه مسلم (¬4) والترمذي (¬5). [صحيح] ¬

_ (¬1) في "رفع اليدين في الصلاة" (ص 31 رقم 10، 11). (¬2) انظر: "التمهيد" (9/ 212)، "فتح الباري" (2/ 219)، "الأوسط" لابن المنذر (3/ 72). (¬3) تقدم ذكره. (¬4) في صحيحه رقم (592). (¬5) في "السنن" رقم (298) وقال: هذا حديث حسن صحيح. وهو حديث صحيح، وقد تقدم.

أحاديث جامعة لأوصاف من أعمال الصلاة

6 - وعن سمرة بن جندب - رضي الله عنه - قال: "أَمَرَنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ نَرُدَّ عَلَى الإِمَامِ، وَأَنْ نَتَحَابَّ، وَأَنْ يُسَلِّمَ بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ". أخرجه أبو داود (¬1). [ضعيف] أحاديث جامعة لأوصاف من أعمال الصلاة 1 - عن أبي حميد الساعدي - رضي الله عنه -: وَكانَ قاعِداً مَعَ نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَذَكَرُوا صلاة رَسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: أَنَا أَعْلَمُكُمْ بِصَلاتِهِ - صلى الله عليه وسلم -. قَالُوا: فَلِمَ؟ فَوَالله مَا كُنْتَ بَأَكْثَرَ مِنَّا لَهُ تَبَعَاً، وَلا أَقْدَمَ مِنَّا له صُحْبَةً، قَالَ: بَلَى. قَالُوا: فَاعْرِضْ. قَالَ: كَانَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلاةِ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ, ثُمَّ يُكَبَّرُ حَتَّى يَقِرَّ كُلُّ عَظْمٍ فِي مَوْضِعِهِ مُعْتَدِلا، ثُمَّ يَقْرَأُ، ثُمَّ يُكَبَّرُ وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِما مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ يَرْكَعُ وَيَضَعُ رَاحَتَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ, ثُمَّ يَعْتَدِلُ وَلا يُصَوِّبُ رَأْسَهُ وَلا يُقَنِّعُ، ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ فَيَقَولُ: سَمِعَ الله لِمَنْ حَمِدَهُ، ثُمَّ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ مُعْتَدِلاً، ثُمَّ يَقُولُ: الله أَكْبَرُ، ثُمَّ يَهْوِي إِلَى الأَرْضِ فيجافي يديه عَنْ جَنْبَيْهِ, ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ وَيُثْنِي رِجْلَهُ اليُسْرَى فَيَقْعُدُ عَلَيْهَا وَيَفْتَخُ أَصَابعَ رِجْلَيْهِ إِذَا سَجَدَ، ثُمَّ يَسْجُدُ، ثُمَّ يَقُولُ: الله أكْبَرُ وَيَرْفَعُ رَأْسَهُ فَيَثْنِي رِجْلَهُ اليُسْرَى، فَيَقْعُدَ عَلَيْهَا حَتَّى يَرْجِعَ كُلُّ عَظْمٍ إلى مَوْضِعَهُ، ثُمَّ يَصْنَعُ فِي الأُخْرَى مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ إِذَا قَامَ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ كَمَا كَبَّرَ عِنْدَ افْتِتَاحِ الصَّلاةِ، ثُمَّ يَصْنَعُ ذَلِكَ فِي بَقِيَّةِ صلاتِهِ، حَتَّى إِذَا كَانَت السَّجْدَةِ الَّتِي فِيهَا التَّسْلِيمُ أَخْرَجَ رِجْلَهُ اليُسْرَى، وَقَعَدَ مُتَوَرِّكًا عَلَى شِقِّهِ الأَيْسَرِ. قالُوا: صَدَقْتَ، هَكَذَا كانَ يُصَلِّي رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -. أخرجه البخاري (¬2) مختصراً، وأبو داود (¬3) والترمذي (¬4). [صحيح] ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (1001)، وهو حديث ضعيف، وقد تقدم. (¬2) في صحيحه رقم (828). (¬3) في "السنن" رقم (730، 731). (¬4) في "السنن" رقم (260، 270، 304). وأخرجه ابن ماجه رقم (862, 863, 1061)، والنسائي في "السنن" رقم (1101، 1181).

قوله: "أحاديث جامعة لأوصاف من أعمال الصلاة" قوله: "عن أبي حميد" اسمه: عبد الرحمن بن عمرو (¬1). وقيل: المنذر بن سعد. قوله: "مع نفر من الصحابة". أقول: منهم (¬2) أبو قتادة وأبو هريرهَ وأبو أسيد وسهل بن سعد ومحمد بن مسلمة. وفي رواية: أنهم كانوا عشرة. قوله: "حتى يقرَّ" (¬3) يقال: من الاستقرار، قررت: بكسر الراء، أقر قراراً وقررت بالفتح أيضاً، أقرر قراراً. فعلى هذا يجوز حتى يقر وحتى يقر. قوله: "جعل يديه حذو منكبيه". قوله: "ويضع راحتيه على ركبتيه" زاد أبو داود (¬4): "كأنه قابض بهما ووتر يديه فتجافى عن جنبيه"، وفي رواية (¬5): "فرج بين أصابعه". قوله: "ولا يصوب رأسه" بالصاد المهملة فواو مشددة آخره موحدة ولا يقنع. ولفظ البخاري (¬6): "هصر ظهره" بالهاء والصاد المفتوحتين، أي: ثناه في استواء من غير تقوس. ذكره الخطابي (¬7). والتصويب: تنكيس الرأس هنا. والإقناع: رفع الرأس. ¬

_ (¬1) انظر: "التقريب" (2/ 414 رقم 86). (¬2) انظر: "فتح الباري" (2/ 307). (¬3) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 435). (¬4) في "السنن" رقم (734)، وهو حديث حسن. (¬5) في "السنن" رقم (731)، وهو حديث صحيح. (¬6) في صحيحه رقم (828). (¬7) في "معالم السنن" (1/ 469 - مع السنن).

قوله: "ثم يرفع رأسه" لفظ البخاري (¬1): "فإذا رفع رأسه استوى". وعند أبي داود (¬2): "وقال: سمع الله لمن حمده، ربنا لك الحمد ورفع يديه". قوله: "معتدلاً" لفظ البخاري (¬3): "حتى تعود كل فقار الظهر" [63 ب] في "الفتح": الفقار بفتح الفاء والقاف جمع فقارة وهي عظام الظهر التي يقال لها: خرز الظهر. وفي رواية (¬4): "ثم يمكث قائماً حتى يقع كل عظم موقعه". قوله: "ثم يقول: الله أكبر، ثم يهوي إلى الأرض" يقال: أهوى يهوي هوياً بالفتح إذا هبط. وهوى يهوي هوياً بالضم إذا صعد. وقيل: بالعكس. قاله في "النهاية" (¬5). "فيجافي يديه عن جنبيه" أي: ينحيهما عنهما. "ثم يرفع رأسه عن السجدة الأولى، ويثني رجله اليسرى ويعتمد عليها" أي: يعطفها ويقعد عليها. قوله: "ويفتح أصابع رجليه". قدمنا لك: أنه بالخاء المعجمة (¬6)، يقال: فتخ أصابعه، أي: ثناها ولينها. قوله: "حتى إذا كانت السجدة التي فيها تسليم، أخرج رجله اليسرى وقعد متوركاً". ¬

_ (¬1) في صحيحه رقم (828). (¬2) في "السنن" رقم (732) بإسناد ضعيف. (¬3) في صحيحه رقم (828). (¬4) عند أبي داود في "السنن" رقم (734)، وهو حديث حسن. (¬5) (2/ 339). (¬6) تقدم شرحها.

قال في "شرح مسلم" (¬1): اختلف العلماء في الأفضل في الجلوس في التشهد التورك أم الافتراش؟ فذهب مالك (¬2) وطائفة: إلى تفضيل التورك فيهما لحديث مسلم (¬3). ومذهب أبي حنيفة (¬4) وطائفة: تفضيل الافتراش. ومذهب الشافعي (¬5) وطائفة: يفترش في الأولى ويتورك في الآخر، لحديث أبي حميد ورفقته في "صحيح البخاري" (¬6)، وهو صريح في الفرق بين التشهدين. قال الشافعي (¬7): الأحاديث الواردة في التورك والافتراش مطلقة لم يبين فيها أنه في التشهدين أو في أحدهما. وقد بينه أبو حميد ورفقته، وجعلوا الافتراش في الأول والتورك في الأخير. وهذا مبين يوقف ذلك المجمل عليه. انتهى. واعلم أنه اشتمل حديث أبي حميد على معظم [64 ب] أفعاله - صلى الله عليه وسلم - في صلاته، ولم يذكر من الأقوال إلا بعض، تكبير النقل والتسميع والتحميد بعد الركوع. ووجهه أن هذه أذكار كان يجهر - صلى الله عليه وسلم - بها، بخلاف غيرها من أذكار الركوع والسجود والتشهد. وأما قراءة القرآن فقد ثبت ذكره لها في رواية. ¬

_ (¬1) (5/ 81) (¬2) انظر: "الاستذكار" (4/ 264). (¬3) أخرجه مسلم في صحيحه رقم (115/ 580). (¬4) "البناية في شرح الهداية" (2/ 304). (¬5) "المجموع شرح المهذب" (3/ 429 - 430). (¬6) في صحيحه رقم (828). (¬7) انظر: "المجموع شرح المهذب" (3/ 429 - 430).

قوله: "قالوا" أي: النفر الذين قص عليهم صفة الصلاة (¬1). "صدقت" هكذا كان يصلي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فكانوا بتقريرهم وتصديقهم لما قاله، مثله رواة بهذه الصفات في صلاته - صلى الله عليه وسلم -. 2 - وعن رفاعة بن رافع - رضي الله عنه - قال: بَيْنَمَا نَحْنُ فِي المَسْجِدِ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ كَالبَدَوِيِّ، فَصَلَّى فَأَخَفَّ صَلَاتَهُ، ثُمَّ انْصَرَفَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "وَعَلَيْكَ فَارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ" فَرَجَعَ فَصَلَّى، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَي النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَرَدَّ عَلَيْهِ فَقَالَ: "ارْجع فصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ" فَفَعَلَ ذَلِكَ مَرَّتينِ أَوْ ثَلَاثًا كُلُّ ذَلِكَ يَقُولُ: "ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ" فَخَافَ النَّاسُ وَكَبَّرَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَكُونَ مَنْ أَخَفَّ صَلَاتَهُ لَمْ يُصَلِّ، فَقَالَ الرَّجُلُ فِي آخِرِ ذَلِكَ: فَأَرِنِي وَعَلِّمْنِي، فَإِنَّما أَنَا بَشَرٌ أُصِيبُ وَأُخْطِئُ، فَقَالَ: "أَجَلْ! إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ فَتَوَضَّأْ كَما أَمَرَكَ الله تَعَالى، ثُمَّ تَشَهَّدْ فَأَقِمْ، فَإِنْ كَانَ مَعَكَ قُرْآنٌ فَاقْرَأْ وَإِلَّا فَاحْمَدِ الله وَكَبَّرْهُ وَهَلِّلْهُ، ثُمَّ ارْكَعْ فَاطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ اعْتَدِلْ قَائِمًا، ثُمَّ اسْجُدْ وَاعْتَدِلْ سَاجِدًا، ثُمَّ اجْلِسْ فَاطْمَئِنَّ جَالِسًا، ثُمَّ قُمْ فَإِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُكَ، فَإِنْ انْتَقَصْتَ مِنْهُ شَيْئًا فَقَدِ انْتَقَصْتَ مِنْ صَلَاتِكَ، قَالَ: فَكَانَ أَهْوَنَ عَلَيْهِمْ أَنَّ مَنِ انْتَقَصَ مِنْ ذلِكَ شَيْئًا انْتَقَصَ مِنْ صَلاَتِهِ وَلَمْ تَذْهَبْ كُلَّهَا". أخرجه أصحاب السنن (¬2). [صحيح] قوله: "وعن رفاعة بن رافع قال: بينا نحن في المسجد" أي: مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وفي رواية (¬3): "ورسول الله جالس في ناحية المسجد إذ جاء رجل" وهو: خلاد [463/ أ] بن ¬

_ (¬1) انظر: "فتح الباري" (2/ 308). (¬2) أخرجه أبو داود رقم (857، 858، 859، 860، 861)، والترمذي رقم (302)، وابن ماجه رقم (1060)، والنسائي رقم (844، 1053، 1313). وهو حديث صحيح. (¬3) أخرجها ابن ماجه في "السنن" رقم (1060)، وهو حديث صحيح.

رافع. بينه ابن أبي شيبة (¬1). وهذا الحديث يعرف عند المحدثين بحديث المسيء صلاته. قوله: "فصلى فأخف صلاته" ثم زاد في رواية النسائي (¬2): "ركعتين". وفيه أنها نافلة، قيل: هي تحية المسجد. وفي رواية (¬3): "وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرمقه في صلاته" وفي رواية (¬4): "ولا ندري ما يعيب منها". قوله: "ثم انصرف فسلم" لفظ البخاري (¬5): "ثم جاء فسلم" أي: على النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "وعليك، فارجع" في رواية للبخاري في الاستئذان فقال: "وعليك السلام". قال الحافظ (¬6): وفي هذا تعقب على ابن المنير (¬7) حيث قال: إن الموعظة في وقت الحاجة أهم من رد السلام. ولعله لم يرد عليه تأديباً على جهله، فيؤخذ منه التأديب بالهجر وترك السلام. انتهى. والذي (¬8) وقفنا عليه من نسخ الصحيحين ثبوت الردِّ في هذا الموضع وغيره، إلا الذي في الأيمان والنذور وقد ساقه صاحب [65 ب] العمدة بلفظ حديث الباب، إلا أنه حذف منه فردَّ النبي - صلى الله عليه وسلم -. فلعل ابن المنير اعتمد على النسخة التي اعتمد عليها صاحب "العمدة" (¬9). انتهى. ¬

_ (¬1) في مصنفه (1/ 287 - 288). (¬2) في "السنن" رقم (1313، 1314). (¬3) للنسائي في "السنن" رقم (1053، 1314). (¬4) في صحيحه رقم (793). (¬5) في صحيحه رقم (6251). (¬6) في "فتح الباري" (2/ 278). (¬7) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 278). (¬8) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 278). (¬9) (ص 78 الحديث رقم 100).

"فإنك لم تصل" قال عياض (¬1): فيه أن أفعال الجاهل في العبادة على غير علم لا تجزي، وهذا مبني على أن المراد بالنفي: نفي الإجزاء. وهو الظاهر. ومن حمله (¬2) على نفي الكمال تمسك بأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يأمره بعد التسليم بالإعادة فدل على إجزائها، والإلزام تأخير البيان. قاله المهلب ومن تبعه، وفيه نظر؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - قد أمره في المرة الأخيرة بالإعادة فسأله التعليم فعلَّمه، وكأنه قال: أعد صلاتك على غير هذه الكيفية، مرتين أو ثلاثاً. في البخاري (¬3): ثلاثاً بالجزم. قال ابن حجر (¬4): وفي رواية ابن نمير: "فقال في الثالثة أو في التي بعدها". وفي رواية أبي أسامة: "فقال في الثانية أو في الثالثة" وتترجح الأولى لعدم وقوع الشك فيها، ولكونه - صلى الله عليه وسلم - كان عادته استعمال الثلاث في التعليم غالباً. انتهى. قلت: هذا ليس من التعليم، بل رد للرجل ليعيد صلاته. "فأرني وعلمني، فإنما أنا بشر أصيب وأخطئ. فقال: أجل، إذا قمت إلى الصلاة فكبر" في رواية (¬5): "إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة فكبر" وفي رواية (¬6): "فتوضأ كما أمرك الله ثم تشهد" كأن المراد به الأذان، بدليل قوله: "وأقم". وفي رواية عند النسائي (¬7): "إنها لن تتم صلاة أحدكم ¬

_ (¬1) في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (2/ 283). (¬2) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 280). (¬3) في صحيحه رقم (757، 793، 6251). (¬4) في "فتح الباري" (2/ 278). (¬5) أخرجها البخاري في صحيحه رقم (6251)، ومسلم رقم (46/ 397). (¬6) أخرجها أبو داود في "السنن" رقم (861)، والترمذي رقم (302). (¬7) في "السنن" رقم (1314). وأخرجها أبو داود في "السنن" رقم (858).

حتى يسبغ الوضوء، كما أمره الله، فيغسل وجهه ويديه إلى المرفقين، ويمسح برأسه ورجليه إلى الكعبين، ثم يكبر الله ويحمده ويمجده". وعند أبي داود (¬1): "ويثني عليه" بدل "يحمده". "فإن كان معك قرآن فاقرأ" لفظ البخاري (¬2): "ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن". [66 ب]. وفي رواية أبي داود (¬3): "ثم اقرأ بأم القرآن أو ما شاء الله". وإجمال رواية البخاري والرواية التي ذكرها المصنف قد فسرتها وبينتها رواية (¬4): "بأم القرآن". "ثم اركع فاطمئن راكعاً" في رواية أحمد (¬5): "وإذا ركعت فاجعل راحتيك على ركبتيك وامدد ظهرك ومكن ركوعك". وفي رواية (¬6): "ثم يكبر فيركع حتى تطمئن مفاصله وتسترخي". "ثم اعتدل قائماً" وفي رواية أحمد (¬7): "فأقم صلبك حتى ترجع العظام إلى مفاصلها" والطمأنينة في القيام من الركوع في حديث المسيء جاءت من طرق. فقول إمام الحرمين: إنها لم تذكر في حديث المسيء صلاته، مبني على عدم إطلاعه على هذه الروايات. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (857). (¬2) في صحيحه رقم (6251). (¬3) في "السنن" رقم (859)، وهو حديث حسن. (¬4) أخرجها أحمد (2/ 437)، وابن حبان رقم (1890) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -. وهو حديث صحيح. (¬5) في "المسند" (4/ 340). وأخرجه أبو داود رقم (859)، وهو حديث حسن. (¬6) أخرجها ابن ماجه في "السنن" رقم (1060) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -. (¬7) في "المسند" (2/ 437).

"ثم اسجد واعتدل ساجداً" أي: اطمئن حال السجود. وقد وقع في رواية (¬1): "حتى تطمئن ساجداً". "ثم قم": ظاهره أنه نقص شيء من العبارة في الرواية (¬2)؛ لأنه قال: "فاطمئن جالساً" أي: بين السجدتين. فكأن المراد: ثم اسجد فاعتدل ساجداً، ثم قم. ولا يصح أن يراد بقوله: "فاطمئن جالساً" جلسة الاستراحة؛ لأنه لم يذكر الجلسة بين السجدتين. في هذه الرواية التي ذكرها المصنف. ولفظ رواية البيهقي (¬3): "ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم اقعد حتى تطمئن قاعداً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم اقعد حتى تطمئن قاعداً". هذه عبارته وهي تدل على جلسة الاستراحة. "فإذا فعلت ذلك فقد تمت صلاتك" لفظ البخاري (¬4): "ثم افعل ذلك في صلاتك كلها"، وفي رواية (¬5): "ثم اصنع ذلك في كل ركعة وسجدة". قال ابن دقيق العيد (¬6): تكرر من الفقهاء الاستدلال بهذا الحديث على وجوب ما ذكر فيه، وعلى عدم وجوب ما لم يذكر. أما الوجوب؛ فلتعلق الأمر به. ¬

_ (¬1) أخرجها البخاري رقم (757، 793)، ومسلم رقم (45/ 497)، وقد تقدم. (¬2) وهو كما قال. (¬3) في "السنن الكبرى" (2/ 62). (¬4) في صحيحه رقم (757، 793، 6251)، وأخرجها أبو داود في "السنن" رقم (856). (¬5) أخرجها أحمد في "المسند" (4/ 34)، وابن حبان رقم (1890). (¬6) في "إحكام الأحكام" (ص 334 - 335).

وأما عدمه؛ فليس لمجرد كون الأصل عدم الوجوب [بل] (¬1) لكون الموضع موضع تعليم وبيان للجاهل، وذلك يقتضي انحصار الواجبات فيما ذكر وسوى ذلك، لكونه - صلى الله عليه وسلم - ذكر ما تعلقت به الإشارة. قال (¬2): فكل موضع اختلف العلماء في وجوبه، وكان مذكوراً في الحديث، فلنا أن نتمسك به في وجوبه وبالعكس، لكن نحتاج أولاً إلى جمع طرق الحديث [464/ أ] وإحصاء الأمور المذكورة فيه, والأخذ بالزائد، فالزائد (¬3) [67 ب] فيه إن عارض الوجوب أو عدمه دليل أقوى منه عمل به، وإن جاءت صيغة الأمر في حديث آخر لم يذكر في هذا الحديث قدمت. قال الحافظ ابن حجر (¬4) بعد نقله: قلت: قد امتثلت [ما أشرت] (¬5) إليه، وجمعت طرقه القوية من رواية أبي هريرة ورفاعة. وقد اختلفت الروايات التي اشتملت عليهما. قلت: وقد نقلنا جميع ما أشار إليه بقولنا، وفي رواية بعد كل جملة ذكرناها من كلام المصنف. ثم قال الحافظ (¬6): فمما لم يذكر فيه صريحاً مَن الواجبات المتفق عليها: النية. قلت: قوله: "إذا قمت إلى الصلاة" هو إشارة إلى النية، أي: قمت ناوياً، ولا نعلم أنه ورد في حديث الأمر بالنية بلفظها، بل هي الإرادة، وكل قائم لفعل مريد له. ¬

_ (¬1) سقطت من (ب). (¬2) أي: ابن دقيق العيد في "إحكام الأحكام" (ص 336). (¬3) كذا في المخطوط، والذي في "إحكام الأحكام": فإن الأخذ بالزائد واجب. (¬4) في "فتح الباري" (2/ 279 - 280). (¬5) كذا في (أ. ب)، والذي في "الفتح" (2/ 279): "ما أشار". (¬6) في "الفتح" (2/ 280).

قال (¬1): "القعود الأخير" ومن المختلف فيه التشهد الأخير والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -[والسلام] (¬2) في آخر الصلاة. قال النووي (¬3): هو محمول على أن ذلك كان معلوماً عند الرجل. انتهى. قال ابن حجر (¬4): هذا يحتاج إلى تكملة, وهو ثبوت الدليل على إيجاب ما ذكر كما تقدم، وفيه بعد ذلك نظر. قال (¬5): وفيه دليل على أن الإقامة والقعود [والتعوذ] (¬6) ودعاء الافتتاح ورفع اليدين في الإحرام وغيره، ووضع اليمنى على اليسرى، وتكبيرات الانتقال، وتسبيحات الركوع والسجود، وهيئات الجلوس، ووضع اليد على الفخذ ونحو ذلك مما لم يذكر في الحديث ليس بواجب. انتهى. قال الحافظ (¬7): وهو في معرض المنع لثبوت بعض ما ذكر في بعض الطرف كما تقدم بيانه، فيحتاج من لم يقل بوجوبه إلى دليل [على] (¬8) عدم وجوبه كما تقدم تقريره، واستدل به على تعيين لفظ التكبير، خلافاً لمن قال: يجزئ كل لفظ دال على التعظيم. قال ابن دقيق العيد (¬9): ويتأيد ذلك بأن العبادات محل التعبدات، ولأن رتب هذه ¬

_ (¬1) أي الحافظ في "الفتح" (2/ 280). (¬2) سقطت من (ب). (¬3) في شرحه لصحيح مسلم (4/ 107 - 108). (¬4) في "فتح الباري" (2/ 280). (¬5) في "فتح الباري" (2/ 280). (¬6) سقطت من (أ. ب)، وأثبتناها من "الفتح". (¬7) في "فتح الباري" (2/ 280). (¬8) سقطت من (أ. ب)، وأثبتناها من "الفتح". (¬9) في "إحكام الأحكام" (ص 339 - 340).

الأذكار مختلفة، فقد لا يتأدى بمرتبة بعينها بمرتبة أخرى، ونظيره [في] (¬1) الركوع؛ فإن المقصود به: التعظيم بالخضوع، فلو أبدله بالسجود لم يجزي، مع أنه غاية الخضوع. واستدل به على أن قراءة الفاتحة لا يتعين (¬2). قال ابن دقيق العيد (¬3): ووجهه إذا تيسر غير الفاتحة [68 ب] يكون ممتثلاً، فيخرج عن العهدة. قال (¬4): [والذين] (¬5) عينوها أجابوا: بأن الدليل على تعيينها تقييد المطلق في هذا الحديث. وهو متعقب؛ لأنه ليس بمطلق من كل وجه، بل هو مقيد بقيد التيسر الذي يقتضي التخيير، وإنما يكون مطلقاً لو قال: اقرأ قرآناً ثم اقرأ فاتحة الكتاب. وقال بعضهم: هو بيان للمجمل. وهو متعقب أيضاً؛ لأن المجمل ما لم تتضح دلالته. وقوله: "ما تيسر" متضح؛ لأنه ظاهر في التخيير. ¬

_ (¬1) سقطت من (ب). (¬2) وإليك نص كلام ابن دقيق العيد: ويتأيد ذلك بأن العبادات محل التعبدات, ويكر ذلك فيها، فالاحتياط فيها الاتباع. وأيضاً: فالخصوص قد يكون مطلوباً، أعني خصوص التعظيم بلفظ: "الله أكبر"؛ وهذا لأن رتب هذه الأذكار مختلفة، كما تدل عليه الأحاديث، فقد لا يتأدى برتبة ما يقصد من أخرى، ولا يعارض هذا أن يكون أصل المعنى مفهوماً، فقد يكون التعبد واقعاً في التفصيل، كما أنا نفهم أن المقصود من الركوع التعظيم بالخضوع، ولو أقام مقامه خضوعاً آخر لم يكتف به، ويتأيد هذا باستمرار العمل من الأمة على الدخول في الصلاة بهذه اللفظة، أعني: الله أكبر. (¬3) في "إحكام الأحكام" (ص 340). (¬4) ابن دقيق العيد في "إحكام الأحكام" (ص 340 - 341). (¬5) في (ب): "الذي".

قال (¬1): وإنما يقرب ذلك إن جعلت (ما) (¬2) موصولة، وأريد بها شيء معين، وهو الفاتحة لكثرة حفظ المسلمين لها، فهي المتيسرة. وقيل: هو محمول على أنه عرف من حال الرجل أنه لا يحفظ الفاتحة، ومن كان كذلك كان الواجب عليه قراءة ما تيسر. وقيل: هو محمول على أنه منسوخ، بدليل تعين الفاتحة ولا يخفى ضعفهما لكنه محتمل، ومع الاحتمال لا يترك الصريح، وهو قوله: "لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب". وقيل: إن قوله: "ما تيسر" محمول على ما زاد على الفاتحة، جمعاً بينه وبين دليل تعين إيجاب الفاتحة. ويؤيده الرواية التي تقدمت عن أحمد (¬3) وابن حبان (¬4)، حيث قال: "اقرأ بأم القرآن ثم اقرأ بما شئت". واستدل به على وجوب الطمأنينة في الأركان. واعتذر بعض من لم يقل به بأنه زيادة على النص؛ لأن المأمور به في القرآن مطلق، فيصدق بغير طمأنينة، فالطمأنينة زيادة، والزيادة على المتواترة بالآحاد لا تعتبر. وعورض: بأنها ليست زيادة، بل بيان المراد بالسجود، وأنه خالف السجود اللغوي؛ لأنه مجرد وضع الجبهة، فبينت السنة أن السجود الشرعي ما كان بالطمأنينة، ويؤيده: أن الآية نزلت (¬5) تأكيداً لوجوب السجود، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن معه يصلون قبل ذلك، ولم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - يسجد بغير طمأنينة. ¬

_ (¬1) ابن دقيق العيد في "إحكام الأحكام" (ص 341). (¬2) قال ابن دقيق العيد: بمعنى الذي. (¬3) في "المسند" (4/ 34). (¬4) في صحيحه رقم (1890)، وقد تقدم. (¬5) تقدم توضيحه.

وفي هذا الحديث فوائد (¬1) غير ما تقدم: وجوب الإعادة على من أخل بشيء من واجبات الصلاة. وفيه: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحسن التعليم بغير تعنيف، وإيضاح المسألة [69 ب] وتخليص المقاصد، وطلب المتعلم من العالم أن يعلمه. وفيه: تكرير السلام ورده، وإن لم يخرج من الموضع إذا وقعت صورة انفصال. وفيه: أن القيام في الصلاة ليس مقصوداً لذاته، وإنما يقصد للقراءة فيه. وفيه: جلوس الإمام في المسجد، وجلوس أصحابه معه. وفيه: التسليم للعالم والانقياد له، والاعتراف بالتقصير، والتصريح بحكم البشرية في جواز الخطأ. وفيه: أن فرائض الوضوء مقصورة على ما ورد به القرآن إلا ما زادته السنة فيندب. وفيه: حسن خلقه - صلى الله عليه وسلم - ولطف معاشرته. وفيه: تأخير البيان في المجلس للمصلحة. وقد استشكل (¬2) تقرير النبي - صلى الله عليه وسلم - له على صلاته، وهي فاسدة على القول أنه أخل ببعض الواجبات. وأجاب المازري (¬3): بأنه - صلى الله عليه وسلم - أراد استدراجه لفعل ما جهله مرات، لاحتمال أن يكون فعله ناسياً أو غافلاً ليتذكره فيفعله من غير تعلم، وليس ذلك من باب التقرير على الخطأ، بل من باب تحقق الخطأ. ¬

_ (¬1) ذكرها الحافظ في "الفتح" (2/ 280). (¬2) انظر: "فتح الباري" (2/ 281). (¬3) في "المعلم بفوائد مسلم" (1/ 264).

وقال النووي (¬1) نحوه. وقال: وإنما لم يعلمه أولاً ليكون أبلغ في تعريفه وتعريف غيره لصفة الصلاة المجزية. قلت: يؤيد ما قاله المازري: إنه لما طلب التعليم علمه، ولم يطلبه إلا في الثالثة أو الثانية. وقال ابن دقيق العيد (¬2): ليس التقرير دليلاً على الجواز مطلقاً، بل لا بد من انتفاء الموانع، ولا شك أن في زيادة قبول المتعلم ما يلقى عليه بعد تكرار فعله، واستجماع نفسه وتوجه سؤاله؛ مصلحة مانعة من وجوب المبادرة إلى التعليم، لا سيما مع عدم خوف الفوات، إما بناءً على ظاهر الحال أو بوحي خاص. انتهى من "الفتح" (¬3) ببعض اختصار في آخره. [465/ أ]. 3 - وعن علي - رضي الله عنه - قال: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مِفْتَاحُ الصَّلاَةِ الطُّهُورُ، وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ، وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ". أخرجه أبو داود (¬4) والترمذي (¬5). [حسن] قوله في حديث علي: "مفتاح الصلاة الطهور" الحديث. قال الترمذي (¬6) بعد أن رواه عن أبي سعيد بلفظه، وقدم رواية علي في باب الوضوء وقال: إنها أجود إسناداً وأصح من حديث أبي سعيد. ¬

_ (¬1) في شرحه لصحيح مسلم (4/ 108). (¬2) في "إحكام الأحكام" (ص 342). (¬3) (2/ 280 - 281). (¬4) في "السنن" رقم (61، 618). (¬5) في "السنن" رقم (3). وأخرجه أحمد (3/ 123)، وابن ماجه رقم (275)، وهو حديث حسن. (¬6) في "السنن" (1/ 9).

في طول الصلاة وقصرها

قال (¬1): وعليه العمل عند أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -[70 ب] ومن [بعدهم] (¬2)، وبه يقول سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق: أن تحريم الصلاة التكبير، فلا يكون الرجل داخلاً في الصلاة إلا بالتكبير. قال أبو عيسى (¬3): سمعت أبا بكر محمد بن أبان مستملي وكيع يقول: سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: لو افتتح رجل الصلاة بتسعين اسماً من أسماء الله - عزوجل - ولم يكبر لم يجزه، وإن أحدث قبل التسليمة أمرته أن يتوضأ ثم يرجع إلى مكانه ويسلم، إنما الأمر على وجهه. انتهى. في طول الصلاة وقصرها قوله: "في طول الصلاة وقصرها". 1 - عن أبي سعيد - رضي الله عنه - قال: كُنَّا نَحْزِرُ قِيَامَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي الظُّهْرِ وَالعَصْرِ، فَحَزَرْنَا قِيَامَهُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ قَدْرَ قِرَاءَةِ الم تَنْزِيلُ السَّجْدَةِ، وَحَزَرْنَا قِيَامَهُ فِي الآخِرَتَيْنِ النَّصْفِ مِنْ ذَلِكَ، وَحَزَرْنَا قِيَامَهُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ مِنَ العَصْرِ عَلَى قَدْرِ قِيَامِهِ فِي الآخِرَتَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ، وَفِي الآخِرَتَيْنِ مِنَ العَصْرِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ ذلِكَ. أخرجه مسلم (¬4) وأبو داود (¬5) والنسائي (¬6). [صحيح] ¬

_ (¬1) أي الترمذي في "السنن" (2/ 3 - 4). (¬2) في (ب): "بعده". (¬3) في "السنن" (2/ 4). (¬4) في صحيحه رقم (452). (¬5) في "السنن" رقم (804). (¬6) في "السنن" (1/ 237). =

قوله في حديث أبي سعيد: "نحرز" بفتح النون وسكون الحاء المهملة وضم الزاي آخره راء، أي: كنا نقدر مدة قيامه وما يتسع له من القراءة. قوله: "قدر ألم السجدة" أي: سورة الجرز (¬1)، وظاهره أن القيام فيهما بقدرها، وأنه يفرقها في الركعتين، أو أن كل ركعة قدرها ذلك. وقوله: "في الآخرتين" قدر النصف من ذلك، فيه دليل على أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ فيهمان زيادة على الفاتحة. وهذا حزر وتقدير لا تحقيق. قال النووي (¬2): وقد اختلف العلماء في استحباب قراءة السورة في الآخرتين من الرباعية والثالثة من المغرب. فقيل: إنه يستحب, وقيل: لا. وهما قولان للشافعي (¬3). وقال (¬4) أيضاً في شرح الحديث: قال العلماء: كانت صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تختلف في الإطالة والتخفيف باختلاف الأحوال، فإذا كان المأمومون يؤثرون التطويل ولا شغل هناك له ولا لهم طوَّل، وإذا لم يكن كذلك خفف، وقد يريد الإطالة [فيعرض] (¬5) ما يقتضي التخفيف ¬

_ = وأخرجه أحمد (3/ 85)، والدارمي (1/ 295)، وأبو عوانة (2/ 152)، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" رقم (4625 و4626)، وفي "شرح معاني الآثار" (1/ 207)، وابن حبان في صحيحه رقم (1825)، والبيهقي (2/ 64)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (593). وهو حديث صحيح. (¬1) تقدم توضيح ذلك. (¬2) في شرحه لصحيح مسلم (4/ 174). (¬3) انظر: "المجموع شرح المهذب" (3/ 354 - 356). (¬4) أي النووي في شرحه لصحيح مسلم (4/ 174). (¬5) كذا في (أ. ب)، والذي في "شرح صحيح مسلم": "ثم يعرض".

كبكاء الصبي ونحوه، يشير إلى حديث: "إني لأدخل في الصلاة فأريد إطالتها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي مخافة أن تفتتن أمه" (¬1). قال: وقيل: إنما طول في بعض الأوقات (¬2) وخفف في معظمها. والإطالة: بيان للجواز والتخفيف؛ لأنه الأفضل، وقد أمر صلى الله عليه [71 ب] وآله وسلم بالتخفيف، وقال: "إن منكم منفرين، فأيكم صلى بالناس فليخفف، فإن فيهم السقيم والضعيف وذا الحاجة" (¬3). وقيل: طوَّل في وقت، وخفف في وقت، ليبين أن القراءة فيما زاد على الفاتحة لا تقدير فيها من حيث الاشتراط، بل يجوز قليلها وكثيرها، وإنما المشترط الفاتحة، ولهذا اتفقت الروايات عليها واختلفت فيما زاد. وعلى الجملة: السنة التخفيف كما أمر - صلى الله عليه وسلم - للعلة التي بينها، وإنما طول في بعض الأوقات لتحققه انتفاء العلة، فإن تحقق أحد انتفاء العلة طول. انتهى كلام النووي (¬4). ¬

_ (¬1) أخرج أحمد (3/ 109)، والبخاري رقم (709)، ومسلم رقم (192/ 470)، والترمذي رقم (376)، وابن ماجه رقم (989). وهو حديث صحيح، عن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إني لأدخل في الصلاة وأنا أريد إطالتها فأسمع بكاء الصبي فأتجوّز في صلاتي مما أعلم من شدة وَجْدِ أمه من بكائه". (¬2) قال النووي: وهو الأقل. (¬3) أخرجه أحمد (2/ 317)، والبخاري رقم (703)، ومسلم رقم (185/ 467)، وأبو داود رقم (794)، والترمذي رقم (236)، والنسائي (2/ 94) كلهم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -. وهو حديث صحيح. (¬4) في شرحه لصحيح مسلم (4/ 173 - 174).

2 - وعنه - رضي الله عنه - قال: لَقَدْ كَانَتْ تُقَامُ صَلاَةُ الظُّهْرِ، فَيَذْهَبُ الذَّاهِبُ إِلَى البَقِيعِ فَيقْضِي حَاجَتَهُ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ، ثُمَّ يَأْتِي وَرَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى مِمَّا يُطَوِّلُهَا. أخرجه مسلم (¬1) والنسائي (¬2). [صحيح] 3 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - لَيْلَةً، فَأَطَالَ حَتَّى هَمَمْتُ بِأَمْرٍ سُوءٍ. قِيلَ: وَمَا هَمَمْتَ؟ قَالَ: هَمَمْتُ أَنْ أَجْلِسَ وَأَدَعَهُ. أخرجه الشيخان (¬3) [صحيح] قوله في حديث أبي سعيد: "مما يطولها". قال رزين في أوله: [قال خزيمة] (¬4): أتيت أبا سعيد الخدري وهو مكثورٌ عليه، فلما تفرق الناس عنه، قلت: [إني] (¬5) لا أسألك عن شيء مما يسألك هؤلاء عنه، أسألك عن صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: مالك ولها؟ فأعدتُ عليه، قال: مالك في ذلك من خير لا تطيقها، فأعدت عليه، فقال: كانت صلاة الظهر تقام ... الحديث. ذكره ابن الأثير (¬6). 4 - وعن الفضل بن العباس - رضي الله عنهما - قال: قال رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "الصَّلاَةُ مَثْنَى مَثْنَى، تَشَهَّدَ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ، وَتخَشُّعٌ وَتَمَسْكُنٌ، وَتُقْنِعُ يَدَيْكَ يَقُولُ: تَرْفَعُهُمَا إِلَى رَبِّكَ تَعَالى مُسْتَقْبِلًا بِبُطُونِهِمَا وَجْهَكَ وَتَقُولُ: يَا رَبِّ, يَا رَبِّ، يَا رَبِّ وَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ فَهِيَ خِدَاجٌ". أخرجه الترمذي (¬7). [ضعيف] ¬

_ (¬1) في صحيحه رقم (161/ 454). (¬2) في "السنن" رقم (973)، وهو حديث صحيح. (¬3) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (1135)، ومسلم في صحيحه رقم (402/ 773). (¬4) كذا في (أ. ب)، والذي في "الجامع": "قال قزعة". (¬5) سقطت من (أ. ب). (¬6) في "الجامع" (5/ 431). (¬7) في "السنن" رقم (385)، وهو حديث ضعيف.

قوله في حديث الفضل: "الصلاة مثنى مثنى" المراد: صلاة النافلة تشهد في كل ركعتين. وتخشع وتمسكن: يظهر المسكنة. وتقنع: الرواية في الأربعة الألفاظ بالتنوين لا غير، قاله التوربشتي. وكثير ممن لا علم له بالرواية يروونها على لفظ الأمر، ونراها تصحيف. وقوله: "يديك" منصوب بتقدير رفع يديك كما فسره قوله: يقول: ترفعهما إلى ربك [أي: يا رب] (¬1) في حالة الدعاء في الصلاة مستقبلاً ببطونهما وجهك، ظاهره في استعاذة أو طلب. قوله: "وتقول: يا رب يا رب يا رب" كررها المصنف ثلاثاً، والذي في "الجامع" (¬2): مرتين، ومثله في الترمذي (¬3): مرتين. قوله: "فهي خداج". أقول: لفظ الترمذي (¬4): "فهو كذا وكذا" قال أبو عيسى (¬5): وقال غير [72 ب] ابن المبارك في هذا الحديث من لم يفعل فهو خداج، ثم قال: قال أبو عيسى (¬6): سمعت محمد بن إسماعيل يقول: روى شعبة هذا الحديث عن عبد ربَّه بن سعيد. وأخطأ في مواضع، فقال: عن أنس بن أبي أنس، وهو: عمران بن أبي أنس، وقال: عن عبد الله بن الحارث، وإنما هو: عبد الله ¬

_ (¬1) سقطت من (ب). (¬2) (5/ 433). (¬3) في "السنن" رقم (385). (¬4) وهو كما قال. (¬5) في "السنن" (2/ 226). (¬6) في "السنن" (2/ 226 - 227).

ابن نافع بن العمياء عن ربيعة بن الحارث. وقال شعبة: عن عبد الله بن الحارث عن المطَّلب عن الفضل عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. قال محمد: وحديث الليث بن سعد هو حديث صحيح. انتهى. قلت: وحديث الليث بن سعد أخرجه الترمذي وهو عن الفضل. 5 - وعن عمار بن ياسر - رضي الله عنه - قال: قال رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ الرَّجُلَ لَيَنْصَرِف مِنْ صَلاَتِهِ وَمَا كُتِبَ لَهُ مِنْهَا إِلاَّ عُشْرُهَا، تُسْعُهَا، ثُمُنُهَا، سُبُعُهَا، سُدُسُهَا، خُمُسُهَا، رُبُعُهَا، ثُلُثُهَا، نِصْفُهَا". أخرجه أبو داود (¬1). [حسن] قوله في حديث عمار: "وما يكتب له فيها إلا عشرها" الحديث. يترقى فيه من الأقل إلى الاكثر، وكأنه للإشارة إلى أن الذي يكتب دون نصفها هو الأكثر، وذلك أنه لا يكتب له إلا [] (¬2) [466/ أ] وكأنها لا تكتب كلها لأحد كما لم يذكر هنا، ولذا شرع عقب السلام منها الاستغفار (¬3) ثلاثاً، كما كان يقوله - صلى الله عليه وسلم - عقب السلام؛ لأنه لا يكاد أحد يقوم بواجباتها كلها على أكمل الوجوه، فشرع الاستغفار تداركاً لما حصل من التفريط. قوله: "أخرجه أبو داود". ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (796)، وهو حديث حسن. (¬2) في (أ. ب): "بياض" ولعلها نصفها. (¬3) عن ثوبان - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أنصرف من صلاته استغفر ثلاثاً وقال: "اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام". أخرجه أحمد (5/ 275)، ومسلم رقم (591)، وأبو داود رقم (1513)، والترمذي رقم (300)، والنسائي في "المجتبى" (3/ 68)، وفي "الكبرى" رقم (1261)، وابن ماجه رقم (928). وهو حديث صحيح.

شرائط الصلاة وهي ثمانية

قلت: زاد السيوطي في "الجامع الصغير" (¬1) أحمد (¬2) وابن حبان (¬3). شرائط الصلاة وهي ثمانية قوله: "شروط الصلاة وهي ثمانية". أقول: شرط الشيء ما لا يتم إلا به وإلا لم يتم، وهو ما يلزم من وجوده وجود المشروط، ومن عدمه عدمه، وهو مفصل في الأصول (¬4). أحدها: طهارة الحدث: 1 - عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يَقْبَلُ الله صَلاَةً بِغَيْرِ طُهُورٍ، وَلاَ صَدَقَةً مِنْ غُلُولٍ". أخرجه مسلم (¬5) والترمذي (¬6). [صحيح] "الطَّهُورُ": بفتح الطاء المهملة وبضمها المصدر، وكذا الوُضوء والوَضوء. "وَالغُلُول": الخيانة في الغنيمة والسرقة منها (¬7). أحدها: طهارة الحدث. ¬

_ (¬1) رقم (4688) وفيه: "حم، م، ع". (¬2) في "المسند" (5/ 275). (¬3) بل عزاه لمسلم. (¬4) الشرط هو الحكم على الوصف بكونه شرطاً للحكم، وحقيقة الشرط: هو ما كان عدمه يستلزم عدم الحكم، فهو وصف ظاهرٌ منضبط، يستلزم ذلك، أو يستلزم عدم السبب لحكمة في عدمه تنافي حكمة الحكم أو السبب، وقيل: هو ما يلزم من انتفاءه انتفاء الحكم. انظر: "الإحكام" للآمدي (1/ 175)، "جمع الجوامع" (2/ 20)، "شرح الكوكب المنير" (1/ 359). (¬5) في صحيحه رقم (224). (¬6) في "السنن" رقم (11). (¬7) انظر: "القاموس المحيط" (ص 1343).

أي: طهارة العبد من الحدث، وعليه دل حديث ابن عمر. قوله: "لا يقبل الله [73 ب] صلاة بغير طهور" وما لا يقبله الله لا يخلص به ذمة من أمره به, ولا سقط عنه ما وجب، ولذا قال تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} (¬1) الآية. وفي القبول أبحاث تضمنها "شرح العمدة" (¬2) لابن دقيق العيد، وزدناها تحقيقاً في حاشيتنا عليه المسمَّاة بالعدة (¬3). وقوله: "ولا صدقة من غلول". الغلول: الخيانة. وقيده المصنف بالغنيمة، وكأنه أصلها، وإلا فمن خان فيدخل على من غنيمة وغيرها، ولذا ورد في العامل على الزكاة كما سلف، وجمع بينها وبين الصلاة؛ لأن [منك] (¬4) الواجب البدني والأخرى الواجب المالي. 2 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَا يَقْبَلُ الله صَلَاةَ أَحَدِكُمْ إِذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ". أخرجه أبو داود (¬5) والترمذي (¬6). [صحيح] 3 - وعنه - رضي الله عنه - قال: قال رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - "لاَ صَلاَةَ لمَنْ لاَ وُضُوءَ لَهُ، وَلاَ وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرِ اسْمَ الله علَيْهِ". ¬

_ (¬1) سورة المائدة الآية (6). (¬2) (1/ 52 - 53). (¬3) (1/ 52). (¬4) كذا رسمت في المخطوط. (¬5) في "السنن" رقم (60). (¬6) في "السنن" رقم (76) وقال: هذا حديث غريب حسن صحيح. وأخرجه أحمد (2/ 308)، والبخاري رقم (135)، ومسلم رقم (2/ 225).

أخرجه أبو داود (¬1). [حسن لغيره] قوله في حديث أبي هريرة: "لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ" فيه عدم القبول بوجود الحدث. وفسره أبو هريرة لمن سأله: بأن الحدث فساء أو ضراط. وفيه أنه إذا كان على طهارة، ولم يحدث أن صلاته مقبولة، وهو دليل على أنه لا يجب الوضوء لكل صلاة، بل لا يجب إلا على من أحدث. قوله: "أخرجه أبو داود والترمذي". قلت: وقال الترمذي (¬2): إنه حسن صحيح. وأخرج (¬3) أيضاً عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا وضوء إلا من صوت أو ريح". قال الترمذي (¬4): هذا حسن صحيح. قال: وهو قول العلماء: أنه لا يجب عليه الوضوء إلا من حدث، يسمع صوتاً أو يجد ريحاً. [74 ب]. 4 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: "كانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ. قِيلَ: كَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ؟ قَالَ: يُجْزِئُ أَحَدَنَا الوُضُوءُ مَا لَمْ يُحْدِثْ". أخرجه الخمسة (¬5) إلا مسلماً. [صحيح] ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (101). وأخرجه ابن ماجه رقم (399)، وهو حديث حسن لغيره. (¬2) في "السنن" (1/ 109). (¬3) في "السنن" رقم (75)، وهو حديث صحيح. (¬4) في "السنن" (1/ 110). (¬5) أخرجه البخاري رقم (214)، وأبو داود رقم (171)، والترمذي رقم (60)، وابن ماجه رقم (509)، والنسائي رقم (131). وهو حديث صحيح.

قوله في حديث أنس: "أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يتوضأ لكل صلاة" هذا ليس بواجب عليه - صلى الله عليه وسلم - لما يأتي من حديث عمر. قيل: وكان الوضوء عليه - صلى الله عليه وسلم - لكل صلاة واجباً (¬1)، ثم خفف عنه، وهو آخر الأمرين، كما أفاده حديث عمر الآتي. قوله: "كيف كنتم تصنعون" يريد: هل كنتم تأسون به - صلى الله عليه وسلم - في الوضوء لكل صلاة، فأجاب بأنهم كانوا لا يتوضؤن إلا إذا أحدثوا. 5 - وعن بريدة - رضي الله عنه - قال: أَنَّ رسولَ الله صَلَّى - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى يَوْمَ الفَتْحِ الصَّلَوَاتِ كُلَّهَا بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: فَعَلْتَ يَا رَسُولَ الله شَيْئًا لَمْ تَكُنْ تَفْعَلُهُ؟ قَالَ: فَقَالَ: "عَمْدًا فَعَلْتُهُ يَا عُمَرُ". أخرجه الخمسة (¬2) إلا البخاري. [صحيح] قوله في حديث بريدة: "عمداً فعلته يا عمر" فيه دليل أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يتوضأ قبل ذلك لكل صلاة كما في حديث أنس، وأنه جمع يوم الفتح بين الصلوات بوضوء واحد، فظن عمر أنه عن نسيان فلذا سأله، وقال: عمداً فعلته، أي: لأني مخير. قوله: "أخرجه الخمسة". قال الترمذي (¬3): إنه حديث حسن صحيح. ¬

_ (¬1) قاله الطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/ 42). وقال الطحاوي: يحتمل أنه كان يفعله استحباباً، ثم خشي أن يظن وجوبه فتركه لبيان الجواز. قال الحافظ في "الفتح" (1/ 316): وهذا أقرب، وعلى تقدير الأول فالنسخ كان قبل الفتح بدليل حديث سويد بن النعمان، فإنه كان في خيبر، وهي قبل الفتح بزمان. (¬2) أخرجه مسلم رقم (86/ 277)، وأبو داود رقم (172)، والترمذي رقم (61)، والنسائي رقم (133)، وابن ماجه رقم (510). (¬3) في "السنن" (1/ 90).

ثم قال (¬1): والعمل على هذا عند أهل العلم أنه يصلي الصلوات بوضوء واحد ما لم يحدث. وكان بعضهم يتوضأ لكل صلاة استحباباً، وإرادة الفضل. ويروى عن الأفريقي عن أبي غطيف عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من توضأ على طهر كتب الله له به عشر حسنات" (¬2) وهذا إسناد ضعيف. انتهى كلام الترمذي. 6 - وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَحْدَثَ في صَلاَتِهِ فَلْيَنْصَرِفْ، فَإِنْ كانَ في صَلاَةِ جَمَاعةٍ فَلْيَأْخُذْ بِأَنْفِهِ وَلْينْصَرِفْ". أخرجه أبو داود (¬3). [صحيح] وإنما أمره أن يأخذ بأنفه ليوهم القوم أن به رعافاً، وهو من نوع الأدب في ستر العورة وإخفاء القبيح (¬4). ¬

_ (¬1) في "السنن" (1/ 90 - 91). (¬2) أخرجه الترمذي في "السنن" بإثر الحديث رقم (61)، وأبو داود رقم (62)، وابن ماجه رقم (512). قال الترمذي: وهو إسناد ضعيف. وقال أبو الأشبال: لانفراد أبي غطيف به، وهو مجهول الحال، لم أجد فيه جرحاً ولا تعديلاً، إلا قول البخاري في حديث هذا: لم يتابع عليه. والحديث رواه أبو داود وابن ماجه من طريق الإفريقي. وقال البوصيري في "مصباح الزجاجة" (1/ 203 رقم 212/ 512): هذا إسناد فيه عبد الرحمن بن زياد، وهو ضعيف ومع ضعفه كان يدلس، رواه أبو داود والترمذي من هذا الوجه فلم يذكرا القصة واقتصرا على المرفوع منه وقال الترمذي: إسناده ضعيف. وهو حديث ضعيف، والله أعلم. (¬3) في "السنن" رقم (1114). وأخرجه ابن ماجه رقم (1222)، وهو حديث صحيح. (¬4) ذكره ابن الأثير في "غريب الجامع" (5/ 442).

قوله في حديث عائشة: "من أحدث في صلاته فلينصرف" أي: من صلاته لعدم صحة تمامها. وأما هل يبني على ما صلى أو يستأنف؟ فقد حققناه في "سبل السلام شرح بلوغ المرام" (¬1) ويأتي حديث ابن عباس. وقوله: "فليأخذ بأنفه" قد بين المصنف وجه ذلك، وهذا من المعاريض الفعلية، وهو يدل على جوازها، وفيه دليل على أن الرعاف ناقض. [75 ب]. 7 - وعن مالك (¬2): أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - كَانَ يَرْعُفُ في الصَّلاَةِ فَيَخْرُجُ وَيَغْسِلُ الدَّمَ، ثُمَّ يَرْجِعُ فَيَبْنِي عَلَى مَا قَدْ صَلَّى. [موقوف صحيح] وله (¬3) في أخرى عن ابن المسيب فذكر مثله. [مقطوع صحيح] قوله في حديث مالك: "أن ابن عباس كان يغسل الدم ثم يرجع فيبني على ما قد صلَّى" فيه دليل على أنه يبني من انتقض وضوءه وهو في الصلاة على ما قد فعل، وأن نقض الوضوء (¬4) لا يبطل ما تقدم منها، ويحتمل أن ابن عباس كان لا يرى الرعاف ناقضاً لكنه كان يغسل الدم تنظفاً عنه وعن وسخه، ولذا قال في الرواية: يغسل الدم ولم يذكر الوضوء. 8 - وعن ابن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما -: قال رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا أَحْدَثَ الرَّجُلُ وَقَدْ جَلَسَ لِآخِرِ صَلاَتِهِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ فَقَدْ جَازَتْ صَلاَتُهُ". أخرجه الترمذي (¬5). [ضعيف] ¬

_ (¬1) (1/ 268 - 270) بتحقيقي. (¬2) في "الموطأ" (1/ 38 رقم 47)، وهو موقوف صحيح. (¬3) أخرجه مالك في "الموطأ" (1/ 38 - 39 رقم 48)، وهو مقطوع صحيح. (¬4) انظر: "المغني" (1/ 284)، "الأوسط" لابن المنذر (1/ 177). (¬5) في "السنن" رقم (408)، وهو حديث ضعيف، والله أعلم.

ثانيها: طهارة اللباس

وقال (¬1): ليس إسناده بالقوي، وقد اضطربوا في إسناده. قوله في حديث ابن عمرو بن العاص: "فقد جازت صلاته". استدل به من قال: لا يجب السلام كما تقدم، إلا أنه حديث متكلم فيه لا يقاوم، وتحليلها التسليم. ولذا قال الترمذي (¬2): ما نقله المصنف وليس إسناده بالقوي، وقد اضطربوا في إسناده. ثانيها: طهارة اللباس: 1 - عن معاوية - رضي الله عنه -: أَنَّهُ سَأَلَ أُخْتَهُ أُمَّ حَبِيبَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: هَلْ كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي فِي الثَّوْبِ الَّذِي يُجَامِعُهَا فِيهِ؟ فَقَالَتْ: نَعَمْ، مَا لَمْ يَرَ فِيهِ أذًى. أخرجه أبو داود (¬3) والنسائي (¬4). [صحيح] والمراد "بِالأذَى" هنا الرطوبة من الجماع. ثانيها، أي: الشروط الثمانية: طهارة اللباس ¬

_ (¬1) في "السنن" (2/ 261). (¬2) في "السنن" (2/ 261). (¬3) في "السنن" رقم (366). (¬4) في "المجتبى" (1/ 155)، وفي "الكبرى" رقم (287). قلت: وأخرجه ابن ماجه رقم (540)، وأحمد (6/ 325، 482)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (2/ 482)، وعبد بن حميد في "المنتخب" رقم (1555)، والدارمي رقم (1415، 1416)، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" رقم (3072، 3073)، وأبو يعلى رقم (7126)، وابن خزيمة رقم (776)، وابن المنذر في "الأوسط" رقم (721)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/ 50)، وابن حبان رقم (2331)، والطبراني في "الكبير" (ج 23 رقم 405)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (2/ 410)، وفي "معرفة السنن والآثار" (3/ 364 رقم 4943، 4944)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (522). وهو حديث صحيح.

أي: طهارة لباس المصلي. قوله: "عن معاوية: أنه سأل أخته أم حبيبة بنت أبي سفيان أم المؤمنين". قوله: "فقالت: نعم، ما لم ير فيه أذى" قد فسر المصنف الأذى بالرطوبة من الجماع، ولا أدري أيريد من المني، فإنه طاهر عند إمامه الشافعي (¬1). وقد حملوا الأذى على دم الحيض، والحديث ليس نصاً في شرطية طهارة لباس المصلي؛ لأن غايته فعل أو ترك، ولا ينهض على الشرطية التي معناها بطلان الصلاة بتركه، والدليل غير هذا فيما يأتي إن شاء الله تعالى. 2 - وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "كانَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - لاَ يُصَلِّي في مَلاَحِفِنَا". أخرجه أصحاب السنن (¬2). [صحيح] قوله: [467/ أ] "وعن عائشة قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يصلي في ملاحفنا" في "القاموس" (¬3) [76 ب]: اللحاف ككتاب، ما يلتحف به. وزوجة الرجل، واللباس فوق سائر اللباس من دثار البرد ونوه, كالملحفة والملحف. انتهى. فقولها: "في ملاحفنا" في ثيابنا التي تكون فوق الدثار، أىِ: فوق الثياب التي تكون فوق الشعار؛ لأنه ما على الجسد وما فوقه يسمى دثار، واللحفة ما فوق ذلك، ولا يخفى أنه لا دليل فيه على شرطية طهارة اللباس؛ لأنه إخبار عن أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يصل فيها، ولا يعرف لماذا كان عدم صلاته فيها؛ فإنه يحتمل أنه للاستغناء عنها بثياب نفسه أو لغير ذلك، وليس ظاهراً في أنه للنجاسة. ¬

_ (¬1) انظر: "المجموع شرح المهذب" (2/ 180 - 182)، "الأوسط" لابن المنذر (2/ 78). (¬2) أخرجه أبو داود رقم (368)، والترمذي رقم (600)، والنسائي رقم (5366). وهو حديث صحيح. (¬3) "القاموس المحيط" (ص 1102).

قال الترمذي (¬1): وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك رخصة، أي: في صلاته في لحف نسائه. 3 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: "إِنَّهُ كانَ يَعْرَقُ فِي الثَّوْبِ, وَهُوَ جُنُبٌ ثُمَّ يُصَلِّي فِيهِ". أخرجه مالك (¬2). [موقوف صحيح] قوله في حديث ابن عمر: "يعرق في الثوب وهو جنب ثم يصلي فيه". أقول: عرق الجنب طاهر بالإجماع، فما للحديث دخل في محل النزاع، وهو الاستدلال على طهارة ثياب المصلي. 4 - وعن أبي سعيد - رضي الله عنه - قال: بَيْنَمَا رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ إِذْ خَلَعَ نَعْلَيْهِ فَوَضَعَهُمَا عَنْ يَسَارِهِ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ القَوْمُ القَوْا نِعَالَهُمْ، فَلَمَّا قَضَى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - صَلاَتَهُ قَالَ: "مَا حَمَلَكُمْ عَلَى القَائِكُمْ نِعَالَكُمْ " قَالُوا: رَأَيْنَاكَ القَيْتَ نَعْلَيْكَ فَالقَيْنَا نِعَالَنَا، فَقَالَ: "إِنَّ جِبْرِيلَ - عليه السلام - أَتَانِي فَأَخْبَرَنِي أَنَّ فِيهِما قَذَرًا أَوْ أَذىً، فإِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ إِلَى المَسْجِدِ فَلْيَنْظُرْ، فَإِنْ رَأَى فِي نَعْلَيْهِ قَذَرًا - أَوْ قَالَ: أَذًى - فَلْيَمْسَحْهُ وَلْيُصَل فيهِمَا". أخرجه أبو داود (¬3). [صحيح] والمراد "بِالأذَى" النجاسة. قوله في حديث أبي سعيد: "أخبرني جبريل أن فيهما قذراً" أقول: هذا أشف دليل لما جعله] شرطاً] (¬4) إلا أنه قد شكك الراوي في لفظ قذراً أو أذى. والمصنف فسر الأذى: بالنجاسة، والقذر: هو ما تستقذره النفس وتكرهه. ¬

_ (¬1) في "السنن" (2/ 496). (¬2) في "الموطأ" (1/ 52 رقم 87)، وهو أثر موقوف صحيح. (¬3) في "السنن" رقم (650)، وهو حديث صحيح. (¬4) في (ب): "شرحاً".

وفي "النهاية" (¬1): قذرت الشيء إذا كرهته واجتنبته, وقد يكون نجساً وغير نجس، فالحديث لا ينهض على هذا الأصل الكبير، وهو بطلان الصلاة بنجاسة الملبوس ولو كانت شرطاً [77 ب] كالوضوء لأعاد - صلى الله عليه وسلم - أول صلاته التي صلاها والنعل في رجله بل بنى عليه، والوضوء لو صلى ركعة ناسياً له لما اعتد بها اتفاقاً. قال ابن بطال (¬2): جواز الصلاة في النعلين محمول على ما إذا لم يكن فيهما نجاسة. قال ابن دقيق العيد (¬3): ثم هو من المرخص لا من المستحبات إلا أن يرد دليل على استحبابه. قال ابن حجر (¬4): قد ورد بما خرج الحاكم (¬5) من حديث أوس بن شداد مرفوعاً: "خالفوا اليهود، فإنهم لا يصلون في نعالهم ولا خفافهم" فيكون علة استحباب ذلك قصد المخالفة المذكورة. قال النووي (¬6): صلاته - صلى الله عليه وسلم - فيهما لبيان الجواز وخلعه لهما لإخبار جبريل أن فيهما أذى، وإنكاره - صلى الله عليه وسلم - على أصحابه لكراهة الفعل في الصلاة لغير حاجة. انتهى. وفي رواية أبي داود (¬7): "خبثاً" بدل: قذراً وأذى. ¬

_ (¬1) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 427). (¬2) في شرحه لصحيح البخاري (2/ 49). (¬3) في "إحكام الأحكام" (ص 327). (¬4) في "الفتح" (1/ 494). (¬5) في "المستدرك" (1/ 260)، وأخرجه أبو داود في "السنن" رقم (652)، والبغوي رقم (534)، والبيهقي (2/ 432). وهو حديث صحيح. (¬6) في شرحه لصحيح مسلم (5/ 42 - 43). (¬7) في "السنن" رقم (651).

ورواية (¬1) غيره: "قذراً أو أذى" أو دم حلَمَة بالتحريك القراد الكبيرة (¬2)، وأجيب بأن القذر المستقذر، ولو طاهراً وبأن الدم قد يكون يسيراً وبأنه غير متفق على نجاسته. ورواية: خبث مفسرة به، وخبر: "إذا جاء أحدكم المسجد فلينظر نعليه, فإن كان بهما خبثاً فليمسحه بالأرض، ثم ليصل فيهما" مختلف فيه في رجاله، وعلى تسليم صحته فهو كما دل عليه السياق في طين الشارع، وهو معفو عنه. وبعد هذا كله يعرف أنه لم يقم دليل ناهض على شرطية طهارة [لمطلقه] (¬3) عن النجاسة، وقد استدل الأكثرون بقوله تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4)} (¬4) وهي بمراحل عن إثبات [78 ب] شرطية الثياب في الصلاة. قال عليه بعض المحققين: إن تفسير الطهارة في الآية بهذه الطهارة المرادة للفقهاء مبني على تفسير القرآن بالاصطلاح المتأخر عنه. والطهارة في اللغة (¬5): النظافة، كما أن النجاسة القذر، وبين المعنى اللغوي. والاصطلاحي (¬6) عموم وخصوص، من وجه للانتفاء في العذرة. والماء القراح والاختلاف في الخمر والمخاط وحديث [اغسليه] (¬7). ¬

_ (¬1) وفي روايته برقم (650)، وقد تقدم. (¬2) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (1/ 426)، "المجموع المغيث" (1/ 492). (¬3) في (أ): "للصلاة". (¬4) سورة المدثر الآية (4). (¬5) انظر: "القاموس المحيط " (ص 554 - 555). (¬6) قال الجرجاني في "التعريفات" (ص 136): الطهارة في اللغة عبارة عن النظافة, وفي الشرع: عبارة عن غسل أعضاء مخصوصة بصفة مخصوصة. (¬7) في (ب): "غسيله".

ثالثها: سترة العورة

مثل: {خُذُوا زِينَتَكُمْ} (¬1) يفيد مطلق الشرعية غايته الوجوب. ولا يلزم منه اختلال الصلاة مع انتفاءه. انتهى. وهو كلام حسن. ثالثها: سترة العورة: أقول: العورة في تحديدها اختلاف، وأدلة كونها ما بين السرة والركبة في الرجل وما عدا الوجه والكفين في الحرة، أدلة تنهض بذلك، والمراد عورة المرأة في صلاتها في بيتها، وإلا فالمرأة كلها عورة كما قررناه في رسالة (¬2): "الأدلة الجلية في تحريم رؤية الأجنبية" وهي رسالة مفيدة بحمد الله، وأودعنا معناها في نسخة "الغفار حاشية ضوء النهار" (¬3). قيل: سميت العورة عروة لقبح ظهورها، ولغض الأبصار عنها مأخوذ من العور، وهو النقص والعيب والقبح، ومنه عور العين. والكلمة العوراء: القبيحة. واعلم أنه ذهب الجمهور (¬4) إلى أن ستر العورة من شروط الصلاة. وعن بعض المالكية (¬5): التفرقة بين الذاكر والناسي. ومنهم (¬6) من أطلق كونه سنة لا يبطل تركها، الصلاة. واحتج بأنه لو كان شرطاً للصلاة لاختص بها ولافتقر إلى النية، ¬

_ (¬1) سورة الأعراف الآية (31). (¬2) وهي الرسالة رقم (105) من "عون القدير من فتاوى ورسائل ابن الأمير" بتحقيقي، ط: ابن كثير، دمشق. (¬3) (2/ 27 - 33 مع الضوء) بتحقيقي. (¬4) انظر: "فتح الباري" (1/ 466). (¬5) انظر: "المدونة" (1/ 94). (¬6) ذكره الحافظ في "الفتح" (1/ 466).

[ولكان [79 ب] العاجز العريان] (¬1) كالعاجز عن القيام ينتقل إلى القعود، وأجيب (¬2) عن الأول بالنقص بالإيمان؛ فإنه شرط للصلاة ولا يختص بها. [468/ أ]. وعن الثاني: باستقبال القبلة، فإنه لا يفتقر إلى النية مع كونه شرطاً. وعن الثالث: بالعاجز عن القراءة وعن التسبيح، فإنه يصلي ساكتاً. ووجه الاستدل لإيجاب سترة العورة بقوله تعالى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} (¬3) نقل ابن حزم (¬4) الاتفاق على أن المراد ستر العورة، واستدل بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يطوف بالبيت عريان" (¬5). ووجه الاستدلال: أن الطواف إذا منع فيه التعري، فالصلاة أولى، إذ يشترط فيها ما يشترط في الطواف وزيادة. 1 - عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده - رضي الله عنه - قال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله! عَوْرَاتِنَا مَا نَأْتِي مِنْهَا وَمَا نَذَرُ؟ قَالَ: "احْفَظْ عَوْرَتَكَ إِلاَّ مِنْ زَوْجَتِكَ، أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ". قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله! فَالرَّجُلُ يَكُونُ مَعَ الرَّجُلُ؟ قَالَ: "إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ لاَ يَرَاهَا أَحَدٌ فَافْعَلْ". قُلْتُ: الرَّجُلُ يَكُونُ خَالِياً؟ قَالَ: "فَالله أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ". ¬

_ (¬1) كذا العبارة في المخطوط (أ. ب)، والتي في "فتح الباري" (1/ 466): "ولكان العاجز العريان ينتقل إلى بدل ... ". (¬2) ذكره الحافظ في "الفتح" (1/ 466). (¬3) سورة الأعراف الآية (31). (¬4) في "المحلى" (4/ 72). (¬5) أخرجه أحمد (1/ 3)، والبخاري رقم (1622)، ومسلم رقم (435/ 1347) من حديث أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -.

أخرجه أبو داود (¬1) والترمذي (¬2). [حسن] قوله: "عن بهز" بالموحدة المفتوحة وسكون الهاء آخره زاي: ابن حكيم بن معاوية القشيري، وبهز: صدوق. وكذلك أبوه كما في "التقريب" (¬3)، وأما جده فصحابي. قوله: "عوراتنا ما نأتي منها وما نذر" ظاهر الإتيان المراد به: الوطء. وظاهر قوله - صلى الله عليه وسلم - في جوابه: "احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك" ظاهره جواز نظر كل من الزوجين إلى عورة صاحبه. قالت الشافعية (¬4): إلا الفرج ففيه ثلاثة أقوال؛ أصحها: أنه مكروه لا حرام. وقيل: حرام [عليهما] (¬5). وقيل: حرام على الرجل مكروه للمرأة. والنظر إلى باطن فرجها أشد كراهة. والسيد إن ملك وطئ أمة فهما كالزوجين، وإن لم يملك كأخته وعمته أو رضيعته أو صرته, فهي كما لو كانت حرة. كذا قالت الشافعية (¬6). والأول تفصيل بلا دليل، بل الحديث بلفظ العورة شامل للفرجين في جواز الرؤية، والمراد به ما في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ [80 ب] لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزوَاجِهِم ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (4017). (¬2) في "السنن" رقم (2769). وأخرجه النسائي في "الكبرى" رقم (8972)، وابن ماجه رقم (1920)، وذكره البخاري تعليقاً بصيغة الجزم (1/ 385 رقم الباب 20 - مع الفتح)، وأحمد (5/ 4)، وهو حديث حسن، والله أعلم. (¬3) (1/ 109 رقم 150). (¬4) انظر: "شرح صحيح مسلم" للنووي (4/ 32). (¬5) في (ب): "عليها". (¬6) انظر تفصيله في "البيان" للعمراني (2/ 116 - 120).

أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} (¬1) إلا أن قوله: "فالرجل يكون مع الرجل" دل على أنه أراد كشفها، ولذا قال - صلى الله عليه وسلم -: "إن استطعت أن لا يراها أحد فافعل" التقييد بالاستطاعة مبالغة في حفظها؛ لأنه يستطيع ذلك، فكأنه يقول: لو كان أمراً غير مستطاع لما عذرت عنه. وقوله: "الله أحق أن يستحيا منه" من الناس يريد إذا كنت خالياً فالله مطلع عليك فأي منه أحق، ووجه الاستدلال به: أنه قد أمره - صلى الله عليه وسلم - بأن لا يرى عورته أحد إلا من استثناه، وهو عام لجميع الأوقات ومنه أوقات الصلوات، لكنه وإن دلَّ على الوجوب لا يدلُّ على الشرطية, كما يدل له حديث أبي سعيد (¬2) في نهي الرجل عن رؤية عورة الرجل، والمرأة عن رؤية عورة امرأة، وبالأولى: نهي الرجل عن رؤية عورة المرأة، وعكسه. وهذا لا دليل فيه على شرطية ستر العورة في الصلاة، بل فيه تحريم رؤية العورة مطلقاً. وقد فسر الإفضاء المصنف، إلا أن في حديث أبي هريرة عند أبي داود (¬3) استثناء ليس في رواية أبي سعيد فقال بعد النهي عن الإفضاء: "إلا إلى ولد أو والد" قال: وذكر الثالثة فنسيتها. 2 - وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَا يَنْظُرُ الرَّجُلُ إِلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ، وَلَا المَرْأَةُ إلَى عَوْرَةِ المَرْأَةِ, وَلَا يُفْضِي الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ فِي الثُّوْبِ الوَاحِدِ، وَلَا تُفْضِي المَرأَةُ إِلَى المَرْأَةِ فِي الثَّوْبِ الوَاحِدِ". أخرجه مسلم (¬4) وأبو داود (¬5) والترمذي (¬6). ¬

_ (¬1) سورة المؤمنون الآية (56). (¬2) سيأتي نصه وتخريجه قريباً. (¬3) في "السنن" رقم (4019)، وهو حديث ضعيف. (¬4) في صحيحه رقم (338). (¬5) في "السنن" رقم (4018). (¬6) في "السنن" رقم (2793) وقال: هذا حسن غريب صحيح. وهو حديث صحيح.

والمراد بقوله: "لاَ يُفْضِي" إلخ، أي: لا يلصق جسده بجسده (¬1). 3 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِيَّاكُمْ وَالتَّعَرِّي فَإنَّ مَعَكُمْ مَنْ لاَ يُفَارِقُكُمْ إلاَّ عِنْدَ الغَائِطِ وَحِينَ يُفْضِي الرَّجُلُ إلَى أَهْلِهِ، فَاسْتَحْيُوهُمْ وَأكْرِمُوهُمْ". أخرجه الترمذي (¬2). [ضعيف] "التَّعرِّي": التجرّد من الثياب. قوله في حديث ابن عمر: "فإن معكم من لا يفارقكم" (¬3) أي: من هو مطلع عليكم وهو الله - عز وجل -، كما قال: "فالله أحق أن يستحيا منه أو الملائكة" بدليل قوله: "إلا عند الغائط, وحين يفضي الرجل إلى أهله" فإن الملائكة في هاتين الحالتين يفارقونهم، والله مطلع عليهم في كل حال، بدليل قوله: "فاستحيوهم وأكرموهم" أي: الملائكة. قوله: "أخرجه الترمذي". قلت: [و] (¬4) قال (¬5): غريب. قوله: "التعري: التجرد من الثياب". ¬

_ (¬1) انظر: "القاموس المحيط" (ص 1703). (¬2) في "السنن" رقم (2800) وقال: هذا حديث غريب, لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وأبو محيَّاة اسمه يحيى ابن يعلى. قلت: وعلته ليث بن أبي سليم، قال الحافظ في "التقريب" رقم (5685): صدوق، اختلط أخيراً، ولم يتميز حديثه فترك. وهو حديث ضعيف، والله أعلم. (¬3) يعتقد أهل الحق أهل السنة والجماعة: أن الله معنا على الحقيقة، وأنه فوق سماواته مستوٍ على عرشه، وهذه معية ثابتة بالكتاب والسنة. وقد تقدم بيانه. (¬4) سقطت من (ب). (¬5) في "السنن" (5/ 112)، وتقدم قوله تاماً.

قالوا: إن كان في خلوة [81 ب] بحيث لا يراه أحد، وإن كان لحاجة جاز، وإلا ففيه خلاف في كراهيته وتحريمه, والأصح عندنا - أي: الشافعية (¬1) - تحريمه. 4 - وعن ابن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا زَوَّجَ أَحَدُكُمْ أَمَتَهُ، أَوْ عَبْدهُ, أَوْ أَجِيرَهُ؛ فَلاَ يَنْظُرَنَّ إِلَى عَوْرَتِهَا" أخرجه أبو داود (¬2). [حسن] قوله في حديث ابن عمرو: "فلا ينظرن إلى عورتها" هذا فيه تخصيص قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث بهز بن حكيم (¬3): "أو ما ملكت يمينك" فإنه عام لكل مملوكه، فأخرج هنا من زوجها مالكها. وقوله: "أجيره أو خادمه" المراد مثلاً، وإلا فكل من زوجها من أي رجل فالحكم ما ذكر. وحاصله: أنه يصير مالكها كالأجنبي عنها. 5 - وعن علي - رضي الله عنه - قال: قَالَ لِي النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "يَا عَلِيُّ! لاَ تُبْرِزْ فَخِذَكَ, ولاَ تَنْظُرُ إِلَى فَخِذِ حَيٍّ وَلاَ مَيِّتٍ". أخرجه أبو داود (¬4). [ضعيف جداً] قوله في حديث علي - عليه السلام -: "لا تبرز فخذك، ولا تنظر إلى فخذ حي أو ميت". أقول: بوب له البخاري (¬5): باب ما يذكر في الفخذ. ¬

_ (¬1) انظر: "البيان" للعمراني (2/ 118 - 120). (¬2) في "السنن" رقم (4113)، وهو حديث حسن. (¬3) تقدم آنفاً، وهو حديث حسن. (¬4) في "السنن" رقم (4015). وأخرجه ابن ماجه رقم (1460)، والحاكم (4/ 180 - 181)، والبزار في "مسنده البحر الزخار" (2/ 274 رقم 694). وهو حديث ضعيف جداً. (¬5) في صحيحه (1/ 478 الباب رقم 12 - مع الفتح).

وعلق آثاراً عن الصحابة فقال: ويروى عن ابن عباس (¬1) وجرهد (¬2) ومحمد بن جحش (¬3) عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "الفخذ عورة". وقال أنس (¬4): "حسر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن فخذه". ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي رقم (2796)، وأحمد (5/ 290)، والبخاري في صحيحه تعليقاً (1/ 478 الباب رقم 12 - مع الفتح)، والحاكم (4/ 181)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (2/ 228) عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الفخذ عورة"، وفي لفظ: "غطِّ فخذيك فإن فخذ الرجل من عورته". (¬2) أخرجه أحمد (3/ 478)، وأبو داود رقم (4014)، والترمذي رقم (2795)، وابن حبان رقم (353 - موارد)، وعلقه البخاري في صحيحه (1/ 478 الباب رقم 12) بصيغة التمريض، وضعفه في تاريخه (2/ 748 رقم الترجمة 2354). وأخرجه الطيالسي رقم (1176)، والدارمي (281)، والبيهقي (2/ 228)، وهو حديث حسن، عن جَرْهَد الأسلمي - رضي الله عنه - قال: مرَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعليَّ بردةٌ وقد انكشفت فخذي فقال: "غطِّ فخذك، فإن الفخذ عورة". (¬3) عن محمد بن جحش - رضي الله عنه - قال: مرَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على معمر وفخذاه مكشوفتان، فقال: "يا معمر! غطِّ فخذيك فإن الفخذين عورة". أخرجه أحمد (5/ 290)، والبخاري في تاريخه (1/ 1/ 13)، وفي صحيحه (1/ 471 الباب رقم 12 - مع الفتح). وهو حديث حسن لغيره, والله أعلم. (¬4) أخرجه أحمد (3/ 102)، والبخاري في صحيحه رقم (371). وهو حديث صحيح، والله أعلم. قال النووي في "الخلاصة" (1/ 325 رقم 952): وفي رواية مسلم: "انحسر الإزار عن فخذه" فهذه الرواية تبين رواية البخاري، وأن المراد أنه انحسر بغير اختياره لضرورة الإجراء، فلا يلزم من هذا كون الفخذ ليست عورة يجب سترها في حال الاختيار. اهـ =

وحديث أنس أسند، وحديث جرهد أحوط، حتى نخرج من اختلافهم. انتهى بلفظه. قال النووي (¬1): ذهب أكثر العلماء إلى أن الفخذ عورة. وعن أحمد (¬2) ومالك (¬3) في رواية: "العورة القبل والدبر فقط" وبه قال الظاهر (¬4) والإصطخري (¬5) واستدل الجمهور بحديث علي هذا، وبما أخرجه الحاكم عن مولى محمد بن جحش (¬6) عنه قال: "مر النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنا معه على معمر وفخذاه مكشوفتان، فقال: يا معمر! غط عليك فخذيك، فإن الفخذ عورة". قال الحافظ ابن حجر (¬7): [رجاله] (¬8) رجال الصحيح غير أبي كثير، وقد روى عنه جماعة لكن لم أجد فيه تصريحاً بتعديل. ¬

_ = وقد جمع ابن القيم في "تهذيب السنن" (6/ 17) بين الأحاديث بقوله: وطريق الجمع بين هذه الأحاديث ما ذكره غير واحد من أصحاب أحمد وغيرهم أن العورة عورتان: مخففة ومغلظة فالمغلظة السوأتان، والمخففة الفخذان. ولا تنافي بين الأمر بغض البصر عن الفخذين لكونهما عورة, وبين كشفهما لكونهما عورة مخففة, والله أعلم. (¬1) في "شرح صحيح مسلم" (15/ 168 - 169)، وانظر: "المجموع شرح المهذب" (3/ 174 - 175). (¬2) انظر: "المغني" (2/ 283 - 289). (¬3) انظر: "الخرشي على خليل، المدونة" (1/ 94). (¬4) "المحلى" (4/ 71 - 73). (¬5) ذكره الحافظ في "الفتح" (1/ 478)، وانظر: "المجموع شرح المهذب" (3/ 174)، "بدائع الصنائع" (5/ 122). (¬6) تقدم تخريجه, وهو حديث حسن. (¬7) في "الفتح" (1/ 479). (¬8) في (ب): "وأخذ به".

ومعمر المشار إليه: هو معمر بن عبد الله بن [نَضْلَة] (¬1) القرشي (¬2) العدوي [82 ب]. انتهى. قلت: وحديث جرهد الذي أشار إليه البخاري (¬3) [469/ أ] أخرجه أبو داود (¬4) والترمذي (¬5) وكان من أهل الصفة أنه قال: جلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوماً فرأى فخذي منكشفة فقال: "أما علمت أن الفخذ عورة" وفي رواية: أنه - صلى الله عليه وسلم - مرَّ به في المسجد، وقد كشف فخذه فقال له: "غط فخذك، فإنها من العورة". وحديث أنس (¬6) الذي أشار إليه البخاري؛ رواه البخاري (¬7) وأحمد (¬8): أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم خيبر حسر الإزار عن فخذه، حتى إني لأنظر إلى بياض فخذه" وهو الذي قال البخاري (¬9) إنه أسند، أي: أصح إسناداً. وأجاب القرطبي (¬10) عن حديث أنس وما معه: بأنها إنما وردت في قضايا معينة في أوقات مخصوصة يتطرق إليها من احتمال الخصوصية أو البناء على أصل الإباحة ما لا يتطرق ¬

_ (¬1) في (ب): "فضلة"، وما أثبتناه من (أ)، و"الفتح". (¬2) انظر: "التقريب" (2/ 266 رقم 1287). (¬3) في صحيحه (1/ 478 الباب رقم 12 - مع الفتح). (¬4) في "السنن" رقم (4014). (¬5) في "السنن" رقم (2795)، وهو حديث حسن، وقد تقدم. (¬6) تقدم، وهو حديث صحيح. (¬7) في صحيحه رقم (371). (¬8) في "المسند" (3/ 102). (¬9) في "الفتح" (1/ 479). (¬10) ذكره الحافظ في "الفتح" (1/ 480).

إلى حديث جرهد وما معه؛ لأنه يتضمن حكماً كلياً، وإظهار شرع عام فكان العمل به أولى. انتهى. قلت: ولأن قوله: "حسر عن فخذه" فعل، والقول أقوى منه؛ ولأنه في رواية مسلم: "ما تحسر". وفي رواية الإسماعيلي (¬1): "أجرى نبي الله - صلى الله عليه وسلم - دابته في زمان خيبر إذخر الإزار". قال الإسماعيلي (¬2). هكذا وقع عندي بالخاء المعجمة والراء، فإن كان محفوظاً فليس فيه دليل على ما ترجم به، أي: البخاري، وإن كانت روايته هي المحفوظة فهي دالة على أن الفخذ ليست بعورة. انتهى. 6 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "عَدَّ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - الفَخِذَ عَوْرةً". أخرجه الترمذي (¬3) [حسن] قوله في حديث ابن عباس: "أخرجه الترمذي". قلت: وقال (¬4): حسن غريب. 7 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يُصَلِّي أَحَدُكُمْ فِي الثَّوْبِ الوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى عَاتِقِهِ, أوْ قَالَ: عَلَى عَاتِقَيْهِ, مِنْهُ شَيْءٌ". أخرجه الخمسة (¬5) إلا الترمذي. [صحيح] ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (1/ 480). (¬2) ذكره الحافظ في "الفتح" (1/ 480). (¬3) في "السنن" رقم (2797 و2798)، وهو حديث حسن، وقد تقدم. (¬4) في "السنن" (5/ 111). (¬5) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (359)، ومسلم رقم (516)، وأبو داود رقم (626)، والنسائي (2/ 71 رقم 769). وهو حديث صحيح. =

قوله في حديث أبي هريرة: "ليس على عاتقه منه شيء". أقول: المراد أنه لا يئتزر في وسطه، ويشدَّ طرفي ثوبه في حقويه، بل يتوشح بهما على عاتقه، يحصل الستر لجزء من أعالي البدن [83 ب] وإن كان ليس بعورة, أو لكون ذلك أمكن في ستر العورة. 8 - وعنه - رضي الله عنه - قال: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ صَلَّى فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ فَلْيُخَالِفْ بَيْنَ طَرَفَيْهِ". أخرجه البخاري (¬1) وأبو داود (¬2) [صحيح] وعنده (¬3): "فَلْيُخَالِفُ بِطَرَفَيْهِ عَلَى عَاتِقِهِ". قوله في حديث أبي هريرة: "من صلى في ثوب واحد فليخالف بين طرفيه" زاد في رواية (¬4) تأتي، وهي عند أحمد (¬5): "فليخالف بين طرفيه على عاتقيه"، وكذا الإسماعيلي (¬6) وأبي نعيم. وقد حمل الجمهور هذا الأمر على الاستحباب، والنهي الذي قبله على التنزيه. ¬

_ = قال النووي في شرحه لصحيح مسلم (4/ 231 - 232): قال العلماء: حكمته: أنه إذا اتزر به ولم يكن على عاتقه منه شيء لم يؤمن أن تنكشف عورته, بخلاف ما إذا جعل بعضه على عاتقه, ولأنه قد يحتاج إلى إمساكه بيده فيشتغل بذلك وتفوته سنة وضع اليمنى على اليسرى تحت صدره ورفعهما. (¬1) في صحيحه رقم (360). (¬2) في "السنن" رقم (627). وأخرجه أحمد (2/ 255، 427، 520)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/ 381)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (516)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (2/ 238). وهو حديث صحيح. (¬3) أي عند أبي داود رقم (627). (¬4) أي عند أبي داود رقم (627). (¬5) في "المسند" (2/ 427، 520). (¬6) ذكره الحافظ في "الفتح" (1/ 472).

وعن أحمد (¬1): لا تصح صلاة من قدر على ذلك فتركه. جعله من الشرائط وعنه تصح ويأثم، جعله واجباً مستقلاً. واستدل الخطابي (¬2) على عدم الوجوب: أنه - صلى الله عليه وسلم - صلى في ثوب كان أحد طرفيه على بعض نسائه وهي نائمة. قال: ومعلوم أن الطرف الذي هو لابسه من الثوب غير متسع لأن يترز به, ويفضل منه ما كان بعاتقه. انتهى. قلت: ويأتي هذا آخر ستر العورة في حديث عائشة. 9 - وعنه أيضاً - رضي الله عنه - قال: سُئِلَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عَن الصَّلَاةِ فِي الثُّوْبِ الوَاحِدِ، فقَالَ: "أَوَ لِكُلِّكُمْ ثَوْبَانِ". أخرجه الستة (¬3) إلا الترمذي. [صحيح] قوله في حديث أبي هريرة: "سئل عن الصلاة في الثوب الواحد، فقال: أو لكلكم ثوبان" أي: أنه لا يجد كل أحد ثوبين يصلي فيهما، فتجزئ الصلاة في ثوب واحد، ويأتي أنه - صلى الله عليه وسلم - صلى في ثوب واحد خالف بين طرفيه. ¬

_ (¬1) قال النووي في "المجموع شرح المهذب" (3/ 180 - 181): وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يصلين أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء" نهي كراهية تنزيه لا تحريم، فلو صلى مكشوف العاتقين صحت صلاته مع الكراهة, هذا مذهبنا، ومذهب مالك وأبي حنيفة وجمهور السلف والخلف، وقال أحمد وطائفة قليلة: يجب وضع شيء على عاتقه لظاهر الحديث، فإن تركه ففي صحة صلاته عن أحمد روايتان, وخص أحمد ذلك بصلاة الفرض، دليلنا حديث جابر في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "فاتزر به" هكذا احتج به الشافعي في "الأم"، واحتج به الأصحاب وغيرهم، والله أعلم. وانظر: "المغني" (2/ 292 - 293). (¬2) ذكره الحافظ في "الفتح" (1/ 472). (¬3) أخرجه البخاري رقم (358)، ومسلم رقم (515)، وأبو داود رقم (625)، والنسائي (2/ 69 - 70)، وابن ماجه رقم (1047). وهو حديث صحيح.

وورد في الصلاة في القميص وحده، حديث سلمة بن الأكوع قلت: يا رسول الله! إني رجل أتصيد أفأصلي في القميص الواحد؟ قال: "نعم، زره ولو بشوكة" رواه أبو داود (¬1) وابن خزيمة (¬2) وابن حبان (¬3) واللفظ له. 10 - وعن عمر بن أبي سلمة - رضي الله عنه -: "أَنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ مُلْتَحِفًا بِهِ مُخَالِفًا بينَ طَرَفَيْهِ عَلَى مَنْكِبَيْهِ". أخرجه الستة إلا الترمذي (¬4). [صحيح] 11 - وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَا يَقْبَلُ الله صَلَاةَ الحَائِضِ إِلَّا بِخِمَارٍ". أخرجه أبو داود (¬5) والترمذي (¬6). [صحيح] ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (632). (¬2) في صحيحه رقم (777، 778). (¬3) في صحيحه رقم (2294). وأخرجه أحمد (4/ 49، 50)، والنسائي (2/ 70)، والشافعي في مسنده رقم (187 - ترتيب)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/ 380)، والحاكم في "المستدرك" (1/ 250)، وعلقه البخاري في صحيحه (1/ 465 الباب رقم 2 - مع الفتح)، ووصله في تاريخه (1/ 296) وقال: في إسناده نظر. وهو حديث حسن، والله أعلم. (¬4) أخرجه البخاري رقم (356)، ومسلم رقم (517)، وأبو داود رقم (628)، والترمذي رقم (339)، والنسائي (2/ 70)، وابن ماجه رقم (1049). وهو حديث صحيح. (¬5) في "السنن" رقم (641). (¬6) في "السنن" رقم (377). وأخرجه أحمد (6/ 150)، وابن ماجه رقم (655)، وابن خزيمة رقم (775)، والحاكم (1/ 251)، وابن الجارود في "المنتقى" رقم (173)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (2/ 233). وهو حديث صحيح.

قوله في حديث عائشة: "لا يقبل الله صلاة الحائض إلا بخمار". المراد بالحائض: المكلفة، وإنما تكلفت بالاحتلام مثلاً، إنما عبر بالحيض نظراً إلى الأغلب. والخمار (¬1) بكسر الخاء المعجمة اَخره راء: هو هنا ما يغطى به الرأس والعنق. قوله: "أخرجه أبو داود [84 ب] والترمذي". قلت: قد ذكرنا في "سبل السلام" (¬2) أنه أعله الدارقطني (¬3)، وقال: إن وقفه أشبه. وأعله الحاكم (¬4) بالإرسال، والحديث دليل على وجوب ستر المرأة رأسها وعنقها ونحو ذلك مما يقع عليه الخمار. 12 - وعن عبيد الله بن الأسود الخولاني، وكان في حجر ميمونة - رضي الله عنها - زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: كَانَتْ مَيْمُونَةُ تُصَلِّي فِي الدِّرْعِ الْوَاحِد وَالخِمَارِ لَيْسَ عَلَيْهَا إِزَارٌ. أخرجه مالك (¬5). [موقوف صحيح] قوله في حديث عبيد الله الخولاني (¬6): "كانت ميمونة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -" وهي بنت الحارث الهلالية. "تصلي في الدرع الواحد" وهو القميص والخمار. "ليس عليها إزار" دل على أنه لا يجب الإزار، بل يكفي القميص والخمار. ¬

_ (¬1) انظر: "لسان العرب" (9/ 332). (¬2) (2/ 81) بتحقيقي. (¬3) ذكره الحافظ في "التلخيص" (1/ 279). (¬4) ذكره الحافظ في "التلخيص" (1/ 279). (¬5) في "الموطأ" (1/ 142 رقم 37)، وهو أثر موقوف صحيح. (¬6) انظر: "التقريب" (1/ 530 رقم 1424).

وحديث أم سلمة (¬1) قيّد الدرع بأن يكون سابغاً يغطي ظهور قدميها، إلا أنه موقوف. وقد روي مرفوعاً كما في "بلوغ المرام" (¬2) ولفظه: عن أم سلمة أنها سألت النبي - صلى الله عليه وسلم -: أتصلي المرأة في درع وخمار بغير إزار؟ قال: "إذا كان الدرع سابغاً يغطي ظهور قدميها". وقال أخرجه أبو داود: وصحح الأئمة وقفه. انتهى. قلت: ولعله لا مسرح للاجتهاد فيه، فله حكم المرفوع. 13 - وعن محمد بن زيد بن قنفذ عن أمه: أَنَّهَا سأَلَتْ أُمَّ سَلَمَةَ - رضي الله عنها -: مَاذَا تُصَلِّي فِيهِ المَرْأَةُ مِنَ الثِّيَابِ؟ فَقَالَتْ: تُصَلِّي فِي الخِمَارِ وَالدِّرْعِ السَّابغِ إِذَا غَيَّبَ ظُهُورَ قَدَمَيْهَا. أخرجه ما لك (¬3) وأبو داود (¬4). [ضعيف] 14 - وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: صَلَّى رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - في خَمِيصَةٍ لَهَا أَعْلاَمٌ، فَنَظَرَ إِلَى أَعْلاَمِهَا نَظْرةٌ، فَقَالَ: "اذْهَبُوا بِخَمِيصَتِي هَذِهِ إِلَى أَبى جَهْمٍ بنْ حُذَيْفَةَ, وَائْتُونِي بِأَنْبِجَانيَتِهِ؟ فَإِنَّهَا الهَتْنِي آنِفاً عَنْ صَلاَتِي". أخرجه الستة (¬5) إلا الترمذي. [صحيح] ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود في "السنن" (640)، والحاكم (1/ 250)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (2/ 233). وهو حديث ضعيف، والله أعلم. (¬2) الحديث رقم (5/ 197). (¬3) في "الموطأ" (1/ 142 رقم 36). (¬4) في "السنن" رقم (639، 640)، وهو حديث ضعيف، والله أعلم. (¬5) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (373، 752، 5817)، ومسلم رقم (61/ 556)، ومالك في "الموطأ" (1/ 97 - 98)، وأبو داود رقم (914 و4052)، والنسائي رقم (771)، وابن ماجه رقم (3550).

وفي رواية مالك (¬1) وأبي داود (¬2): "كُنْتُ أَنْظُر إلَيْهَا وَأنَا في الصَّلاَةِ فَأَخَافُ أَنْ تَفْتِنَنِي". "الانْبِجَانِيَّةُ": كساء له خمل، وقيل: هو الغليظ من الصوف (¬3). ومعنى "الهَتْنِي": شغلتني. وقوله: "آنِفًا": أي الآن. قوله في حديث عائشة: "صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في خميصة" بفتح المعجمة وكسر الميم وبالصاد المهملة، كساء مربع له أعلام فنظر إلى أعلامها [نظرة] (¬4) فقال: "اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جهم" هو عبيد، ويقال: عامر بن حذيفة العدوي، صحابي مشهور، وإنما خصه - صلى الله عليه وسلم - بإرسال الخميصة إليه؛ لأنه كان أهداها للنبي - صلى الله عليه وسلم - كما ذكره مالك في "الموطأ" (¬5) [470/ أ] من طريق أخرى عن عائشة قالت: أهدى أبو جهم بن حذيفة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خميصة لها أعلام، فشهد فيها الصلاة، فلما رجع قال: ردي هذه الخميصة إلى أبي جهم، وأتوني بأنبجانيته" [85 ب] بفتح الهمزة وسكون النون وكسر الموحدة وتخفيف الجيم وبعد النون ياء النسبة: كساء غليظ، لا علم له. قال ثعلب (¬6): يجوز فتح همزته وكسرها وكذا الموحدة، وهو منسوب إلى موضع يقال له: انبجان. ¬

_ (¬1) في "الموطأ" (1/ 97 - 98). (¬2) في "السنن" رقم (4052). (¬3) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (5/ 463). (¬4) في (ب): "مرة". (¬5) (1/ 97 رقم 67)، وهو حديث صحيح. (¬6) ذكره الحافظ في "الفتح" (1/ 483).

قال ابن بطال (¬1): إنما طلب منه ثوباً غيرها، ليعلمه أنه لم يرد عليه هديته استخفافاً به. قال (¬2): وفيه أن الواهب إذا ردت عليه عطيته من غير أن يكون هو الراجع فيها فله أن يقبلها من غير كراهة. قوله: "فإنها ألهتني عن صلاتي". وأخرج الموطأ (¬3) وأبو داود (¬4) والنسائي (¬5): كنت أنظر إلى علمها في الصلاة فأخاف أن تفتنني. وأخرجه البخاري (¬6) تعليقاً، ففيه أنه لم يحصل له الإلهاء عن صلاته، بل خاف ذلك، أي: كادت. قال ابن دقيق العيد (¬7): فيه مبادرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى مصالح الصلاة، ونفي ما لعله يخدش فيها. وأما بعثه بالخميصة إلى أبي جهم فلا يلزم أن يستعملها في الصلاة. 15 - وعن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - قال: أُهْدِيَ لِرسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فَرُّوجُ مِنْ حَرِيرٍ، فَلَبِسَهُ فَصَلَّى فِيهِ, ثُمَّ انْصَرَفَ فَنزعَهُ نَزْعًا شَدِيدًا كَالكَارِهِ لَهُ وَقَالَ: "لَا يَنْبَغِي هَذَا لِلْمُتَّقِينَ". أخرجه النسائي (¬8). [صحيح] ¬

_ (¬1) في شرحه لصحيح البخاري (2/ 37). (¬2) في شرحه لصحيح البخاري (2/ 37). (¬3) (1/ 97 رقم 67). (¬4) في "السنن" رقم (4/ 9، 4052). (¬5) في "السنن" (¬6) في صحيحه (1/ 482 الباب رقم 14 الحديث رقم 373). (¬7) ذكره الحافظ في "الفتح" (1/ 483). (¬8) في "السنن" (2/ 72). =

رابعها: أمكنة الصلاة وما يصلى فيه

"الفَرُّوجُ" بالتخفيف: القباء الذي له شق من خلفه (¬1). قوله: "فرُّوج حرير" بفتح الفاء وتشديد الراء المضمومة وآخره جيم، قد فسره المصنف، وكان هذا قبل تحريم الحرير، فإن الظاهر أنه حرير خالص، ويدل على أنه قبل تحريمه؛ ما في مسلم (¬2): أنه - صلى الله عليه وسلم - نزعه ثم قال: "نهاني عنه جبريل"، ويدل أيضاً قوله: "للمتقين" أي: للمؤمنين. ولأنه لا فرق بين المتقين وغيرهم في التحريم. 16 - وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "صَلَّى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - في ثَوْبٍ وَبَعْضُهُ عَلَيَّ". أخرجه أبو داود (¬3). [صحيح] وله (¬4) عن ميمونة - رضي الله عنها - مثله. [صحيح] قوله في حديث عائشة: "وبعضه علي" تقدم الكلام عليه، ودل على صحة صلاة من عليه بعض الثوب وبعضه على غيره. رابعها: أمكنة الصلاة وما يصلى فيه: قوله: "رابعها: أمكنة الصلاة وما يصلى فيه". لم يفد ما يراد هل طهارة الأمكنة أو حلها [86 ب] أو نحو ذلك، وتأتي الأحاديث كما تراه. ¬

_ = وأخرجه البخاري رقم (375)، ومسلم رقم (2075)، وأحمد (4/ 149). وهو حديث صحيح. (¬1) انظر: "لسان العرب" (2/ 344). (¬2) في صحيحه رقم (2070) من حديث جابر بن عبد الله. (¬3) في "السنن" رقم (631)، وهو حديث صحيح. (¬4) أخرجه أبو داود في "السنن" (369). وأخرجه ابن ماجه رقم (653). وهو حديث صحيح.

1 - عن أنس - رضي الله عنه -: أَنَّ جَدَّتَهُ مُلَيْكَةَ دَعَتْ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - لطَعَامٍ صَنَعَتْهُ، فَأَكَلَ مِنْهُ ثُمَّ قَالَ: "قُومُوا فَلأُصَلِّي لَكُمْ". قَالَ أنَسٌ: فَقُمْتُ إِلَى حَصِيرٍ لَنَا قَدِ اسْوَدَّ مِنْ طُولِ مَا لُبِسَ فَنَضَحْتُهُ بِمَاءٍ، فَقَامَ عَلَيْهِ وَصَفَفْتُ أَنَا وَاليَتِيمُ وَرَاءَهُ, وَالعَجُوزُ مِنْ وَرَاءِنَا، فَصَلَّى لَنَا رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ انْصَرَفَ. أخرجه الستة (¬1). [صحيح] قوله في حديث أنس: "أن جدته مليكة". أقول: صوابه عن إسحاق بن أبي طلحة عن أنس بن مالك: أن جدته، أي: جدة إسحاق، كما صرح به ابن عبد البر (¬2) وعياض (¬3) وصححه النووي (¬4). ومليكة بضم الميم تصغير ملكة. وجزم (¬5) ابن سعد وابن مندة وابن الحصار بأنها جدة أنس. وأيده الحافظ (¬6) بما ساقه من "فوائد العراقيين" عن عبيد الله بن عمر عن إسحاق بن أبي طلحة عن أنس قال: أرسلتني جدتي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ... الحديث. وأمه: هي أم سليم بنت ملحان، واختلف في اسمها، ومليكة هي أم أم سليم، فهي جدة أنس من قبل أمه، وتزوجت أم سليم أولاً: بمالك بن النضر، فولدت له أنس بن مالك، ثم خلف عليها أبو طلحة، فولدت ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (860)، ومسلم رقم (266/ 658)، وأبو داود رقم (612)، والترمذي رقم (234)، والنسائي رقم (801). وهو حديث صحيح. (¬2) في "التمهيد" (5/ 23). (¬3) في "المفهم" (2/ 286). (¬4) في شرحه لصحيح مسلم (5/ 162). (¬5) ذكره الحافظ في "الفتح" (1/ 489)، وانظر: "التمهيد" (5/ 23 - 24). (¬6) قاله الحافظ في "الفتح" (1/ 489).

له عبد الله وأبا عمير. وعبد الله هو والد الراوي هذا الحديث عن عمه أخي أبيه لأمه أنس بن مالك. وإذا عرفت هذا صح أن تكون مليكة أم أم أنس جدة لهما. فالتأويل والتسامح في إسحاق. قوله: "قوموا فلأصلي بكم". أقول: قال الحافظ (¬1): كذا في روايتنا بكسر اللام وفتح الياء، وفي رواية الأصيلي بحذف الياء. قال ابن مالك (¬2): روي بحذف الياء وثبوتها مفتوحة وساكنة. ووجهه: أن اللام عند ثبوت الياء مفتوحة لام كي، والفعل بعدها منصوب بأن مضمرة, واللام ومصحوبها خبر مبتدأ محذوف، والتقدير: قوموا قيامنا لأصلي بكم. انتهى. [وأمر المتكلم نفسه] (¬3) قليل في الاستعمال، ومنه قوله تعالى: {وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ} (¬4). قوله: "من طول ما لبس" استدل به على أن الافتراش يسمى لبساً. وقد استدل به على تحريم لبس الحرير لعموم النهي عن لبس الحرير (¬5). "فنضحته" هو إما لتليين الحصير أو لتنظيفه أو لتطهيره. ولا يصح الجزم بالأخير، بل المتبادر غيره؛ لأن الأصل الطهارة. ¬

_ (¬1) في "الفتح" (1/ 490). (¬2) ذكره الحافظ في "الفتح" (1/ 490). (¬3) كذا العبارة في (أ. ب)، والتي في "الفتح": وأمر المتكلم نفسه بفعل مقرون باللام فصيح. وانظر: "مغني اللبيب" (1/ 223 - 224). (¬4) سورة العنكبوت الآية (12). (¬5) ذكره الحافظ في "الفتح" (1/ 490).

"فصففت أنا واليتيم" في تعيينه أقوال غير ناهضة. وأما العجوز فهي مليكة. وفيه دليل على قيام الرجل مع الصبي صفاً، وتأخير النساء عن صفوف الرجال، وقيام المرأة صفاً وحدها إذا لم يكن معها امرأة غيرها. وفيه صحة صلاة الصبي المميز، وصحة ضوئه، وصلاة النافلة جماعة في البيوت، وجواز الصلاة على الحصير. وفيه رد على ما رواه ابن أبي شيبة (¬1): أنه سأل شريح [بن] (¬2) هاني عائشة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي على الحصير والله يقول: {وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا (8)} (¬3) فقالت: لم يكن يصلي على الحصير (¬4). وفي البخاري (¬5) عن عائشة: أنه كان له - صلى الله عليه وسلم - حصير يبسطه ويصلي عليه. وفي مسلم (¬6) عن أبي سعيد: أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي على حصير. وترجم البخاري (¬7): باب الصلاة على الحصير. ¬

_ (¬1) في مصنفه (1/ 399)، وهو حديث ضعيف. (¬2) في (أ): "أبو". (¬3) سورة الإسراء الآية (8). (¬4) أخرجه أبو يعلى في مسنده رقم (4448) بسند صحيح. وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (2/ 57) وقال: رواه أبو يعلى ورجاله موثقون. قلت: وعلى الرغم من صحة إسناده, إلا أن فيه شذوذ ونكارة، كما قال العراقي. (¬5) في صحيحه رقم (5861)، وأخرجه مسلم رقم (782). (¬6) في صحيحه رقم (271/ 661)، وهو حديث صحيح. (¬7) في صحيحه (1/ 488 الباب رقم 20 - مع الفتح).

قال ابن بطال (¬1): إن كان ما يصلي عليه كبيراً قدر طول الرجل [فأكثر، فإنه يقال: حصير] (¬2) ولا يقال له: خمرة، وكل ذلك يصنع من سعف النخل وما يشابهه. 2 - وعن ميمونة - رضي الله عنها - قالت: كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي وأَنَا حِذَاءَهُ وَأَنا حَائِضٌ، وَرُبَّمَا أَصَابَنِي ثَوْبُهُ إِذَا سَجَدَ، وَكَانَ يُصَلِّي عَلَى الخُمْرَةِ. أخرجه الخمسة (¬3) إلا الترمذي. [صحيح] "الخُمْرَةُ": هي ما يضع عليه الرجل وجهه في سجوده من حصير، أو نسيجه خوص ونحوه من الثياب، وقد يطلق على الكبير من نوعها. قوله في حديث ميمونة: "وأنا حذاءه حائض"، فيه أنها لا تفسد الصلاة محاذاة المرأة. وقولها: "ربما أصابني ثوبه" فيه: أن بدن الحائض وعرقها طاهر لو فرض أنه كان ثوبه يباشر جسدها. قوله: "الخُمرة" بضم الخاء المعجمة وسكون الميم فراء, فسرها المصنف [471/ أ]. 3 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: "كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - في شِدَّةِ الحَرِّ، فَإِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدُنَا أَنْ يُمَكِّنَ جَبْهَتَهُ مِنَ الأَرْضِ بَسَطَ ثَوْبَهُ فَصَلَّى عَلَيْهِ". أخرجه الخمسة (¬4). [صحيح] ¬

_ (¬1) في شرحه لصحيح البخاري (2/ 43). (¬2) كذا العبارة في (أ. ب)، والذي في "شرح صحيح البخاري" لابن بطال: أو أكبر فإنه يقال له حينئذ حصير. (¬3) أخرجه البخاري رقم (333، 379، 518)، ومسلم رقم (270/ 513)، وأبو داود رقم (656)، وابن ماجه رقم (1028)، والنسائي (2/ 57)، وأخرجه أحمد (6/ 330). وهو حديث صحيح. (¬4) أخرجه البخاري رقم (385)، ومسلم رقم (620)، وأبو داود رقم (660)، والترمذي رقم (584)، والنسائي (2/ 216)، وابن ماجه رقم (1033). وهو حديث صحيح.

قوله في حديث أنس: "في شدة الحر". أقول: بوب البخاري (¬1) له: باب السجود على الثوب في شدة الحر، وذكر الحديث (¬2) وفي لفظه بعض المغايرة, والحديث فيه جواز استعمال الثياب، وكذا غيرها في الحيلولة بين المصلي وبين الأرض لإتقاء حرها وكذا بردها. وفيه إشارة إلى أن مباشرة الأرض عند السجود هو الأصل؛ لأنه علق بسط الثوب بعدم [88 ب] الاستطاعة, واستدل به على إجازة السجود على الثوب المتصل بالمصلي (¬3). قال النووي (¬4): وبه قال أبو حنيفة (¬5) والجمهور (¬6)، وحمله الشافعي على الثوب المنفصل. قال ابن دقيق العيد (¬7): يحتاج من استدل به على الجواز [إلى] (¬8) أمرين: أحدهما: أن لفظة: "ثوب" دال على المتصل به, إما من حيث اللفظ، وهو تعقيب السجود بالبسط, يعني كما في رواية مسلم (¬9). ¬

_ (¬1) في صحيحه (1/ 492 الباب رقم 23 - مع الفتح). (¬2) في صحيحه رقم (385)، وطرفاه رقم (542، 1208). (¬3) ذكره الحافظ في "الفتح" (1/ 493). (¬4) في شرحه لصحيح مسلم (5/ 121). (¬5) "البناية في شرح الهداية" (2/ 281). (¬6) "المغني" (2/ 197)، "فتح الباري" (1/ 493). (¬7) في "إحكام الأحكام" (2/ 63). (¬8) في (أ. ب): "على"، وما أثبتناه من "إحكام الأحكام". (¬9) في صحيحه رقم (191/ 620).

وإما خارج اللفظ، وهو قلة الثياب عندهم، وعلى تقدير أن يكون كذلك، وهو الأمر الثاني يحتاج إلى ثبوت كونه متناولاً لمحل النزاع، وهو أن يكون مما يتحرك بحركة المصلي، وليس في الحديث ما يدل عليه. وفيه جواز (¬1) العمل القليل في الصلاة، ومراعاة الخشوع فيها؛ لأن الظاهر أن صنيعهم ذلك لإزالة التشويش من حرارة الأرض. وفيه تقديم الظهر في أول الوقت. وظاهر الأمر في أحاديث الإبراد يعارضه, فمن قال الإبراد رخصة فلا إشكال فيه. ومن قال: إنه سنة، قال: التقديم منسوخ بالأمر بالإبراد. قيل: والأحسن أن يقال: شدة الحر قد توجد بعد الإبراد، فيحتاج إلى السجود على الثوب؛ لأنه قد يستمر حره بعد الإبراد، وتكون فائدة الإبراد وجود ظل يمشي فيه إلى المسجد أو يصلي فيه في المسجد، أشار إلى معناه القرطبي (¬2) وابن دقيق العيد (¬3). 4 - وعن البراء - رضي الله عنه - قال: قال رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "صَلُّوا فِي مَرَابِضِ الغَنَمِ فَإِنَّهَا مُبَارَكَةٌ، وَلاَ تُصَلُّوا فِي عَطَنِ الإِبِلِ، فَإِنَّهَا مِنَ الشَّيَاطِينِ". أخرجه أبو داود (¬4). [صحيح] قوله في حديث البراء: "مرابض (¬5) الغنم". أقول: مباركها ومواضع سقيها، ووضعها أجسادها على الأرض للاستراحة. ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (1/ 493). (¬2) في "المفهم" (2/ 248). (¬3) "في إحكام الأحكام" (2/ 63). (¬4) في "السنن" رقم (184). (¬5) انظر: "الصحاح" للجوهري (3/ 1076 - 1077).

واستدل به مالك (¬1) وأحمد (¬2) على طهارة بول المأكول وروثه. قوله: "فإنها بركة" فيصلي فيها لبركة محلها. قوله: "في عطن الإبل" (¬3) العطن للإبل: هو محلها، ومباركها عند الماء. "فإنها من الشياطين" أي: مخلوقة ومعها صفة من صفة الشياطين، وهو نفرتها وإيذائها ونحو ذلك. وإذا نهي عن الصلاة في محلات الشياطين كالأسواق والحمامات فبالأولى فيما خلق منها. 5 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: "نَهَى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الصَّلاةِ فِي سَبْعَةِ مَوَاطِنَ: المَزْبَلَةِ, وَالمَجْزَرَةِ, وَالمَقْبَرَةِ، وَالَحَمَّامِ، وَقارِعَةِ الطَّرِيقِ، وَفي الَحمَّامِ، وَمَعَاطِنِ الإِبِلِ، وَفَوْقَ ظَهْرِ بَيْتِ الله الحَرَامِ". أخرجه الترمذي (¬4). [ضعيف] قوله في حديث ابن عمر: "نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الصلاة [89 ب] في سبعة مواطن". الأصل في النهي التحريم، وإن لم يذكر الراوي لفظه - صلى الله عليه وسلم - بالنهي، لكنه يعلم أنه عربي عرف لفظ النهي بقوله: لا تفعلوا مثلاً. ¬

_ (¬1) "قوانين الأحكام الشرعية" لابن جزيِّ (ص 193). (¬2) "المغني" (1/ 68). (¬3) قال ابن الأثير في "غريب الجامع" (5/ 470): أعطان الإبل: مباركها حول الماء لتشرب عللاً بعد نهل. ووجه النهي عن الصلاة في أعطان الإبل ليس من جهة النجاسة، فإنها موجوده في مرابض الغنم، وإنما هو لأن الإبل تزدحم في النهل ذوداً ذوداً، حتى إذا شربت رفعت رأسها، فلا يؤمن تفرقها ونفارها في ذلك الموضع، فتؤذي المصلي عندها. (¬4) في "السنن" رقم (346). وأخرجه عبد بن حميد في "المنتخب" رقم (765)، وابن ماجه رقم (746). وهو حديث ضعيف.

وبينها بقوله المزبلة بفتح الميم وسكون الزاي وضم الموحدة (¬1) وفتح، موضع إلقاء الزبل ونحوه. والمجزرة (¬2): محل جزر الأنعام. والمقبرة: وهما بزنة مفعلة بفتح العين، ولحوق التاء بهما شاذ. وقارعة الطريق (¬3): ما تقرعه الأقدام بالمرور عليها. والحمام: موضع الاغتسال بالماء الحميم، أي: الحار. وفوق ظهر بيت الله (¬4)، أي: الكعبة، وقد تكلف استخراج علل النهي عما ذكر تخميناً، وقد صرح الحديث بعلته في معاطن الإبل فقط. ¬

_ (¬1) ذكره الجوهري في "الصحاح" (4/ 1715). (¬2) لم يثبت في النهي عن الصلاة في المجزرة حديث صحيح - فيما أعلم -، وحديث ابن عمر المتقدم ضعيف كما رأيت، ولعل حجة من قال بعدم صحة الصلاة في المجزرة من الحنابلة ومن وافقهم: أن المجزرة تكون ملوثة بالدم المسفوح غالباً. وما دام النهي عن الصلاة في المجزرة لم يثبت فيظل استصحاب الإباحة الأصلية: "جعلت لي الأرض مسجداً" بجواز الصلاة فيها ما لم تلوث بالنجاسة, والله أعلم. انظر: "حاشية السندي على سنن ابن ماجه" (1/ 412). (¬3) قال السندي في "حاشيته على سنن ابن ماجه" (1/ 412): قارعة الطريق، أي: الموضع الذي يقرع بالأقدام من الطريق، فالقارعة للنسبة أي: ذات قرع؛ وذلك لأن اختلاف المارة يشغله عن الصلاة, وأيضاً: كل ما يأمن من مرورهم بين يديه. قلت: لم يصح حديث في النهي عن الصلاة في قارعة الطريق - فيما أعلم - فإذا انتفت العلل التي ذكرها السندي وما يشابهها؛ فلا بأس بالصلاة فيها على الأصل: "جعلت لي الأرض مسجداً". (¬4) قال النووي في "المجموع شرح المهذب" (3/ 199): ... وإن وقف على سطح الكعبة - نظر - إن وقف على طرفها واستدبر ما فيها لم تصح صلاته بالاتفاق، لعدم استقبال شيء منها، وهكذا لو انهدمت والعياذ =

وقد سردنا ما ذكر في "سبل السلام شرح بلوغ المرام" (¬1) أخرجه الترمذي (¬2). قال ابن حجر (¬3) في "بلوغ المرام" وضعفه. قلت: لأنه قال بعد إخراجه ما لفظه: حديث ابن عمر ليس بذلك القوي، وقد تكلم في زيد بن جبيرة (¬4) من قبل حفظه. وجبيرة: بكسر الجيم وفتح الموحدة فمثناة تحتية فراء، قال فيه البخاري (¬5): متروك. انتهى. 6 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَعَنَ الله اليَهُودِ وَالنَّصَارَى، اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ". أخرجه الخمسة (¬6) إلا الترمذي. [صحيح] ¬

_ = بالله، فوقف على طرف العرصة واستدبر باقيها لم تصح صلاته, ولو وقف خارج العرصة واستقبلها صحّ بلا خلاف. وأما إذا وقف وسط السطح أو العرصة فإن لم يكن بين يديه شيء شاخص لم تصح صلاته على الصحيح المنصوص وبه قال أكثر الأصحاب. وقال ابن سريج: تصح. وبه قال أبو حنيفة وداود ومالك في رواية عنه, كما لو وقف على أبي قبيس، وكما لو وقف خارج العرصة واستقبلها، والمذهب الأول والطرق أنه لا يعد هنا مستقبلاً بخلاف ما قاس عليه, وهذا الوجه الذي لابن سريج جاز في العرصة والسطح كما ذكرنا. انظر: "البناية في شرح الهداية" (3/ 336). (¬1) (1/ 193 رقم 11/ 203). (¬2) في "السنن" رقم (346)، وهو حديث ضعيف. (¬3) الحديث رقم (11/ 203). (¬4) قال البخاري في "الضعفاء الصغير" رقم (125): منكر الحديث. وقال أبو حاتم في "الجرح والتعديل" (3/ 559): ضعيف الحديث، منكر الحديث جداً، متروك الحديث، لا يكتب حديثه. (¬5) في "الضعفاء الصغير" رقم (125). (¬6) أخرجه البخاري رقم (437)، ومسلم رقم (20/ 530)، وأبو داود رقم (3227)، والنسائي رقم (2047).

زاد غير أبي داود في رواية عائشة (¬1) - رضي الله عنها - قالت: "وَلَوْلاَ ذْلِكَ لأُبْرِزَ قَبْرُهُ". [صحيح] قوله [في حديث] (¬2) أبي هريرة: "لعن الله اليهود والنصارى" إخبار عن الله لعنهم، أي: أبعدهم عن رحمته, وذكر سبب ذلك بقوله: "اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" جملة استئنافية بيانية، كأنه قيل: لم لعنهم الله؟ قد استشكل في النصارى بأن نبيهم عيسى - عليه السلام -، وليس له قبر. وأجيب بأنه يحتمل أنه تعالى أرسل إليهم رسلاً لم يقصهم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقد قال: {وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ} (¬3). قوله: "ولولا ذلك" أي: مخافة أن يتخذ قبره - صلى الله عليه وسلم - مسجداً لأبرز قبره، ينبغي [90 ب] أن يقرأ مغيراً لصيغة، أي: لأبرزناه، فإنه - صلى الله عليه وسلم - لم يعين قبره، ولا ذكر لهم فيه شيئاً. فالمراد: أنه دفن في بيته لئلا يتخذ مسجداً. 7 - وعن عطاء بن يسار - رضي الله عنه - قال: قال رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "اللهمَّ لَا تَجْعَلْ قَبْرِي وَثَنًا يُعْبَد، اشْتَدَّ غَضَبُ الله - عز وجل - عَلىَ قَوْمٍ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائهمْ مَسَاجِدَ". أخرجه مالك (¬4). [صحيح لغيره] ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم في صحيحه رقم (19/ 529). (¬2) في (أ) مكررة. (¬3) سورة النساء الآية (164). (¬4) في "الموطأ" (1/ 185 - 186 - مع تنوير الحوالك) مرسلاً. وأخرجه ابن سعد في "الطبقات" (2/ 240 - 241) من طريق عطاء بن يسار مرسلاً. وعبد الرزاق في مصنفه (1/ 406 رقم 1587)، وابن أبي شيبة في مصنفه (3/ 435) عن زيد بن أسلم مرسلاً، بسند صحيح. وهو حديث صحيح لغيره.

قوله في حديث عطاء بن يسار وهو تابعي: "اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد" أي لا تخذل أمتي فيتخذونه كذلك، وإلا فإنه ليس عليه - صلى الله عليه وسلم - شيء لو عبد قبره، وإنما الدعاء شفقة على أمته من الضلالة. وقد أجاب الله دعاءه [472/ أ] فليس لقبره ما لقبور جماعة اتخذهم الناس أوثاناً يهتفون بهم ويطوفون بقبورهم، وينزلون بهم الحاجات كما حققنا في رسالتنا: "تطهير الاعتقاد عن أدران الإلحاد" (¬1). قوله: "أخرجه مالك" (¬2) أي: مر سلاً. 8 - وعن علي - رضي الله عنه - قال: "نَهَانِي رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أَنْ أُصَلِّيَ فِي المَقْبُرَةِ، وَأَنْ أُصَلِّيَ فِي أَرِضِ بَابِلَ فَإِنَّهَا مَلْعُونَةٌ". أخرجه أبو داود (¬3). [ضعيف] ¬

_ (¬1) وهي الرسالة رقم (5) من "عون القدير من فتاوى ورسائل ابن الأمير" بتحقيقي، ط: ابن كثير - دمشق. (¬2) في "الموطأ" (1/ 185 - 186 - مع تنوير الحوالك" وقد تقدم، وهو حديث صحيح لغيره. (¬3) في "السنن" رقم (490)، وهو حديث ضعيف. وأخرجه البخاري تعليقاً (1/ 530 الباب رقم 53) بصيغة التمريض، وابن أبي شيبة في "المصنف" (2/ 377)، وعبد الرزاق في "المصنف" (1/ 415)، والبيهقي في "السنن الكبرى" رقم (2/ 451). قال ابن عبد البر في "التمهيد" (5/ 223 - 224): وهذا إسناد ضعيف، مجمع على ضعفه، وهو مع هذا منقطع غير متصل بعلي - رضي الله عنه -، وعمار، والحجاج، ويحيى مجهولون، لا يعرفون بغير هذا. وابن لهيعة، ويحيى بن أزهر ضعيفان لا يحتج بهما وبمثلهما، وأبو صالح هذا هو سعيد بن عبد الرحمن الغفاري مصري ليس بمشهور أيضاً، ولا يصح له سماع من علي. قال الحافظ في "الفتح" (1/ 530) بعد عزوه لأبي داود: في إسناده ضعف.

قال الخطابي (¬1): في إسناد هذا الحديث مقال، ولا أعلم أحداً من العلماء حرم الصلاة بأرض بابل، فإن صح فيكون على الخصوص لعلي - رضي الله عنه - إنذاراً منه بما لقي من المحنة بالكوفة، وهي من أرض بابل. قوله في حديث علي - عليه السلام -: "نهاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" أقول: ليس المراد أن النهي مختص به - عليه السلام -، بل معناه أن الذي سمعته بصيغة الخطاب لي قائلاً: نقله كما سمعته وإن عم حكمه. وبابل: هو الصقع المعروف بأرض العراق وألفه غير مهموز. قال الخطابي (¬2): ويشبه إن ثبت الحديث أن يكون معناه أن يتخذها وطناً ومقاماً، فإذا أقام كانت صلاته فيها. وهذا من باب التعليق في علم البيان، أو لعل النهي به خاصة لا تراه، قال: نهاني. ومثله الحديث (¬3) الآخر: "نهاني أن أقرأ القرآن ساجداً أو راكعاً" لا أقول نهاكم، ولعل ذلك إنذار منه بما لقي من المحنة في الكوفة وهي من أرض بابل. وسميت بابل؛ لأن النمرود بن كنعان (¬4) بنى بالصقع بنياناً طويلاً ليصعد إلى السماء، وكان طوله خمسمائة ألف ذراع، وقيل: فرسخين، فهبت ريح فألقت رأسه في البحر، وخرّ الباقي على من تحته, فلما سقط تبلبلت ألسن الناس من الفزع يومئذٍ، فتكلموا بثلاثة وسبعين لساناً، فلذلك سميت بابل [91 ب] وكانت لسانهم قبل ذلك السريانية. قوله: "أخرجه أبو داود". ¬

_ (¬1) في "معالم السنن" (1/ 329 - مع السنن). (¬2) في "معالم السنن" (1/ 329 - مع السنن). (¬3) أخرجه مسلم رقم (480)، وأبو داود رقم (4054)، والترمذي رقم (264)، والنسائي (2/ 189). وهو حديث صحيح. (¬4) انظر "فتح الباري" (1/ 530).

قلت: قد أبان المصنف ما قاله في إسناده الخطابي (¬1). 9 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: "كَانَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يُسَبِّحُ عَلَى ظَهْرِ رَاحِلَتِهِ حَيْثُ كَانَ وَجْهُهُ وَيُومِئُ بِرَأْسِهِ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُهُ". أخرجه الستة (¬2). [صحيح] زاد في أخرى لمسلم (¬3): "كَانَ - صلى الله عليه وسلم - يُسَبِّحُ عَلَى ظَهْرِ الرَّاحِلَةِ وَيُوتِرُ عَلَيْهَا، غَيْرَ أنَّهُ لاَ يُصَلِّي عَلَيْهَا المَكْتُوبَةَ". قوله في حديث ابن عمر: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسبح على ظهر [دابته] (¬4) حيث توجهت به". قال النووي في "شرح مسلم" (¬5): في هذا الحديث جواز التنفل على الراحلة في السفر حيث توجهت، وهذا جائز بإجماع المسلمين، وشرطه: أن لا يكون سفره معصية، ولا يجوز الترخص بشيء من رخص السفر لعاصٍ بسفره، وهو من يسافر لقطع الطريق أو لقتال بغير حق أو عاقاً لوالديه أو آبقاً من سيده، أو ناشزة على زوجها أو نحوهم، ويستثنى: المتيمم، فيجب عليه إذا لم يجد الماء أن يتيمم ويصلي، وتلزمه الإعادة على الصحيح، وسواء قصير السفر وطويله، فيجوز التنفل على الراحلة في الجميع عندنا وعند الجمهور (¬6). انتهى. ¬

_ (¬1) في "معالم السنن" (1/ 329 - مع السنن). (¬2) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (1098)، ومسلم رقم (700)، وأبو داود رقم (1224، 1226)، والترمذي رقم (472)، والنسائي (1/ 243، 244)، ومالك في "الموطأ" (1/ 150 - 151). وهو حديث صحيح. (¬3) في صحيحه رقم (39/ 700). (¬4) كذا في (أ. ب)، والذي في نص الحديث: "راحلته". (¬5) (5/ 210 - 211). (¬6) انظر: "فتح الباري" (2/ 575).

قلت: إخراج العاصي بما ذكر ليس عليه دليل ناهض، بل الظاهر أنه لا فرق بينه وبين المطيع في ذلك. ثم قال: ولا تجوز في البلد. وعن مالك (¬1): أنه لا يجوز إلا في سفر تقصر فيه الصلاة، وهو قول غريب، ويحكى عن الشافعي (¬2). وقال أبو سعيد الإصطخري (¬3) من أصحابنا: لا يجوز التنفل على الدابة في البلد. وهو يحكى عن أنس وأبي يوسف صاحب أبي حنيفة (¬4). وقوله: "على ظهر راحلته" بوّب (¬5) البخاري للحديث بقوله: باب صلاة التطوع على الدابة. قال ابن رشيد (¬6): أورد فيه الصلاة على الراحلة، فيمكن أن يكون ترجم بأعم ليلحق الحكم بالقياس من ترجم (¬7) بعد ذلك: باب صلاة التطوع على الحمار، وساق فيه حديث أنس وأنه تطوع على الحمار. قال الحافظ ابن حجر (¬8): [92 ب] أنه قد روى السراج من حديث أنس (¬9): "أنه رأى ¬

_ (¬1) انظر: "التمهيد" (4/ 408 - 409). (¬2) "المجموع شرح المهذب" (3/ 222). (¬3) ذكره النووي في "شرح لصحيح مسلم" (5/ 211). (¬4) "البناية في شرح الهداية" (2/ 651 - 653). (¬5) في صحيحه (2/ 573 الباب رقم 7 - مع الفتح). (¬6) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 573). (¬7) في صحيحه (2/ 576 الباب رقم 10 - مع الفتح). (¬8) في "الفتح" (2/ 576). (¬9) أخرجه النسائي في "السنن" (2/ 60) بإسناد حسن.

النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي على حمار، وهو ذاهب إلى خيبر" وإسناده حسن، وله شاهد عند مسلم (¬1) عن ابن عمر: "رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي على حمار وهو متوجه إلى خيبر". وقد تكلم [مسلم] (¬2) على ما طعن به الدارقطني (¬3) على رواية مسلم، وغلّط الراوي في قوله: "على حمار" وردّ [مسلم] (¬4) كلامه. قوله: "ويومئ برأسه" (¬5). أقول: هذا اللفظ لم أجده في رواية ابن عمر عند مسلم هنا، ولا عند البخاري، وقد نسبها في "الجامع" (¬6) إليهما كما هنا، فينظر. ¬

_ (¬1) في صحيحه رقم (35/ 700). وأخرجه أحمد (2/ 7، 49، 57، 83 , 128)، وأبو داود رقم (1226)، ومالك في "الموطأ" (1/ 150)، ومن طريقه الشافعي في "السنن المأثورة" رقم (79)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (2/ 4)، وفي "المعرفة بالسنن والآثار" (2/ 318 رقم 2890)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (1037). وهو حديث صحيح. (¬2) لعل الصواب: النووي. (¬3) قال الدارقطني وغيره: غلط عمرو بن يحيى بذكر الحمار، والمعروف على راحلته وعلى البعير. ذكره الزيلعي في "نصب الراية" (2/ 150) بصيغة الجزم. وقال النووي في شرحه لصحيح مسلم (5/ 211 - 212): وفي الحكم بتغليط عمرو بن يحيى نظر؛ لأنه ثقة, نقل شيئاً محتملاً، فلعله كان الحمار مرة والبعير مرات، ولكنه يقال: إنه شاذ؛ فإنه مخالف رواية الجمهور في البعير والراحلة, والشاذ مردود, وهو المخالف للجماعة, والله أعلم. وقال النسائي في "السنن" (2/ 60): عمرو بن يحيى لا يتابع على قوله: "على حمار" وربما قال: "على راحلته". (¬4) لعل الصواب: النووي. (¬5) أخرج البخاري في صحيحه رقم (1105) عن ابن عمر - رضي الله عنهما -: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يُسبّح على ظهر راحلته حيث كان وجهه، يومئ برأسه، وكان ابن عمر يفعله". (¬6) (5/ 477).

والذي بوّب البخاري (¬1): باب الإيماء على الدابة، وذكر حديث (¬2) ابن عمر: "أنه كان يومئ، وذكر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يفعله". قوله: "غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة" بوّب له البخاري (¬3): باب ينزل للمكتوبة. قال ابن بطال (¬4): أجمع العلماء على اشتراط ذلك، وأنه لا يجوز لأحد أن يصلي الفريضة على الدابة من غير عذر، حاشا ما ذكره في صلاة شدة الخوف. 10 - زاد أبو داود (¬5) في أخرى: "كَانَ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَطَوَّعَ اسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ بِنَاقَتِهِ، ثُمَّ كَبَّرَ، ثُمَّ صَلَّى حَيْثُ وَجَّهَهُ رِكَابُهُ". [إسناده حسن] "التَّسْبِيحُ": ها هنا صلاة النافلة. قوله: "زاد أبو داود: كان - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أن يتطوع استقبل القبلة بناقته وكبّر" ذهب أحمد (¬6) وأبو ثور (¬7) إلى أنه يستحب أن يستقبل القبلة بالتكبير حال ابتداء الصلاة مستدلين بهذا ¬

_ (¬1) في صحيحه (2/ 574 الباب رقم 8 - مع الفتح). (¬2) رقم (1096). وقد تقدم أن البخاري أخرجه برقم (1105) أي: قوله: يُومئ برأسه. (¬3) في صحيحه (2/ 574 الباب رقم 9 - مع الفتح). (¬4) في شرحه لصحيح البخاري (3/ 90). (¬5) في "السنن" رقم (1225) بإسناد حسن. وأخرجه أحمد (3/ 204)، والضياء في "المختارة" رقم (1838 - 1841)، وابن أبي شيبة في مصنفه (2/ 494)، وعبد بن حميد رقم (1233)، والطيالسي رقم (2114)، والدارقطني (1/ 395 - 396)، والبيهقي (2/ 5) من طرق. (¬6) انظر: "المغني" (2/ 130 - 131). (¬7) "فقه الإمام أبي ثور" (ص 207).

الحديث، فإنه أخرجه أحمد (¬1) أيضاً والدارقطني (¬2)، وكأنهم حملوه على الاستحباب؛ لأنها رواية فعل. واعلم أنه استنبط من التنفّل على الدابة جواز التنفّل للماشي، ومنعه مالك. 11 - وعن جابر - رضي الله عنه - قال: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "جُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، فأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلاَةُ صَلَّى". أخرجه النسائي (¬3). [صحيح] قوله في حديث جابر: "جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً". أقول: قال الخطابي (¬4): فيه (¬5) إجمال [(¬6) وإبهام، وتفصيل في حديث حذيفة: "جعلت لنا الأرض مسجداً، وجعلت تربتها لنا طهوراً" وهو عند مسلم (¬7). قال (¬8): والحديث جاء على مذهب الامتنان على هذه الأمة [93 ب] بأنه رخص لهم في الطهور بالأرض والصلاة في بقاعها، وكانت الأمم المتقدمة لا يصلون إلا في كنائسهم وبيعهم. انتهى. ¬

_ (¬1) في "المسند" (3/ 204). (¬2) في "السنن" (1/ 395 - 396). (¬3) في "السنن" رقم (736)، وهو حديث صحيح. (¬4) في "معالم السنن" (1/ 328 - مع السنن). (¬5) يشير إلى الحديث الذي أخرجه أبو داود رقم (489) من حديث أبي ذر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "جعلت لي الأرض طهوراً ومسجداً". (¬6) من هنا يبدأ النقص من المخطوط (أ) إلى قوله: ضعف كلام. (¬7) في صحيحه رقم (4/ 522). (¬8) أي: الخطابي في "معالم السنن" (1/ 329 - مع السنن).

12 - وعن إبراهيم بن يزيد التيمي قال: كُنْتُ أَقْرَأُ عَلَى أَبِي القُرْآنَ فِي السُّدَّةِ، فَإِذَا قَرَأْتُ السَّجْدَةَ سَجَدَ، فَقُلْتُ: يَا أَبَتِ! لِمَ تَسْجُدُ فِي الطَّرِيقِ؟ فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ أَبَا ذَرًّ - رضي الله عنه - يَقُولُ: سَالتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنْ أَوَّلِ مَسْجِدٍ وُضِعَ عَلَى الأَرْضِ، فَقَالَ: "المَسْجِدُ الحَرَامُ" فَقُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: "المَسجِدُ الأَقْصَى" قُلْتُ: كَمْ كَانَ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: "أَرْبَعُونَ عَامًا، ثُمَّ الأَرْضُ لَكَ مَسْجِدٌ، فَحَيْثُمَا أدْرَكتْكَ الصَّلَاةُ فَصَلِّ، فَإِنَّ الفَضْلَ فِيهِ". أخرجه الشيخان (¬1) والنسائي (¬2). [صحيح] قوله: "في السدة" أقول: بضم السين المهملة فدال مهملة مشددة هي الباب، وسدة المسجد الظلال حوله. ومنه سُمّي إسماعيل السدي؛ لأنه كان يبيع الخُمُر في سدة مسجد الكوفة، وفي حديث: "كان المغيرة لا يصلي في سدة الجامع" (¬3). وإبراهيم (¬4) بن يزيد هو ابن شريك التميمي، يكنى أبا أسماء العابد ثقة، إلا أنه يرسل ويدلس (¬5). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (3426)، ومسلم رقم (520). (¬2) في "المجتبى" (2/ 32). وأخرجه أحمد (5/ 160، 167)، وابن ماجه رقم (753)، وابن خزيمة رقم (787)، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" رقم (117)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (2/ 433)، وفي "الدلائل" (2/ 43)، وابن عبد البر في "التمهيد" (10/ 34) من طرق. وهو حديث صحيح. (¬3) قاله ابن الأثير في "النهاية" (1/ 765)، والهروي في "غريب الحديث" (1/ 51)، والزمخشري في "الفائق" (2/ 168). (¬4) ذكره ابن الأثير في "تتمة جامع الأصول" (1/ 161 - قسم التراجم). (¬5) قاله ابن حجر في "التقريب" (1/ 45 - 46 رقم 300).

و"أبي" بفتح الهمزة وأبوه يزيد بن شريك بن طارق الكوفي ثقة, يقال: أنه أدرك الجاهلية (¬1). وقوله: "أتسجد في الطريق" ظاهر في أن السدة ظلة باب المسجد. وقوله: "فصلِّ فإن الفضل فيه" أي: في الصلاة حيث تدركك، وأنه أفضل من تأخيرها حتى يأتي المسجد وإن جاز. وعموم الأرض مخصوص بما نهي عن الصلاة فيه من الأرض المغصوبة ونحوها مما ثبت النهي عنه. وقد بسط القول في الحديث ابن دقيق العيد في "شرح العمدة" (¬2)، وزدناه بسطاً في حاشيتنا عليه المسماة بالعدة (¬3). 13 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "اجْعَلُوا في بُيُوتِكُمْ مِنْ صَلاتِكُمْ، وَلا تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا". أخرجه الخمسة (¬4). [صحيح] قوله في حديث ابن عمر: "ولا تتخذوها قبوراً". ¬

_ (¬1) قاله ابن حجر في "التقريب" (2/ 366 رقم 268). (¬2) (1/ 356 - 357). (¬3) (1/ 357 - 359). (¬4) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (432، 1187)، ومسلم رقم (777)، وأبو داود رقم (1043، 1448)، والترمذي رقم (451) وقال: هذا حديث حسن صحيح. وابن ماجه رقم (1377). وأخرجه أحمد (2/ 16)، وابن خزيمة رقم (1205)، والبيهقي (2/ 189)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (2/ 255) من طرق. وهو حديث صحيح.

أقول: المراد: صلوا فيها ولا تتخذوها كالقبور التي لا صلاة فيها، والمراد بالصلاة: النافلة، وإنما حث عليها في البيوت لكونها أخفى وأبعد من [94 ب] الرياء، وليتبرك البيت بذلك، وتنزل فيه الرحمة والملائكة، وينفر عنه الشيطان، وهو معنى قوله في الرواية (¬1) الأخرى: "فإن الله جاعل في بيته من صلاته خيراً". 14 - ولمسلم (¬2) عن جابر - رضي الله عنه - قال: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا قَضَى أَحَدُكُمُ الصَّلاَةَ فِي المَسْجِدِ فَلْيَجْعَلْ لِبَيْتِهِ نَصِيبًا مِنْ صَلاَتِهِ, فَإِنَّ الله جَاعِلٌ فِي بَيْتِهِ مِنْ صَلاَتِهِ خَيْرًا". [صحيح] قوله في حديث جابر الآخر: "إذا قضى أحدكم الصلاة في المسجد، فليجعل لبيته نصيباً من صلاته" تصريح بأن المراد: النافلة. "في بيته فإن الصلاة" الإضافة فيها للعهد، أي: صلاة الفريضة، وفيه: أن النافلة للفرائض الأولى أن تكون في بيته، ولولا الإجماع بجواز أداء نوافل الصلوات في المسجد؛ لكان قوله: "فليجعل" قاضياً بالإيجاب. قوله: "وأخرجه (¬3) الترمذي" (¬4). قلت: وقال (¬5): إنه حسن صحيح. 15 - وعن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - قال: "كَانَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَسْتَحِبُّ الصَّلاَةَ في الحِيْطَانِ: يَعْنِي البَسَاتِينَ". أخرجه الترمذي (¬6). [ضعيف] ¬

_ (¬1) سيأتي قريباً، وهو حديث صحيح. (¬2) في صحيحه رقم (778). وأخرجه أحمد (3/ 316)، وابن ماجه رقم (1376)، وهو حديث صحيح. (¬3) ليست من المتن، وهي من الشارح، وهو يشير إلى حديث ابن عمر - رضي الله عنه -. (¬4) في "السنن" رقم (451) من حديث ابن عمر المتقدم. (¬5) في "السنن" (2/ 313). (¬6) في "السنن" رقم (334)، وهو حديث ضعيف، والله أعلم.

خامسها: ترك الكلام

قوله في حديث معاذ: "أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يستحب الصلاة في الحيطان" قال أبو داود (¬1): يعني البساتين، هكذا في "سنن الترمذي" (¬2) نسبة تفسير الحيطان إلى أبي داود. وقال الترمذي (¬3) بعد إخراجه: حديث معاذ غريب، ولا نعرفه إلا من حديث الحسن بن أبي جعفر، والحسن بن أبي جعفر قد ضعفه يحيى بن سعيد وغيره. انتهى. خامسها: ترك الكلام: قوله: "خامسها" أي: شرائط الصلاة. "ترك الكلام" أي: ترك المصلي مكالمة غيره في حال صلاته. 1 - عن زيد بن أرقم - رضي الله عنه - قال: "كُنَّا نَتكَلَّمُ فِي الصَّلَاةِ يُكَلِّمُ الرَّجُلُ مِنَّا صَاحِبَهُ وَهُوَ إِلَى جَنْبِهِ، حَتَّى نَزَلَتْ: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (238)} (¬4) فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ، وَنُهِينَا عَنْ الكَلَامِ". أخرجه الخمسة (¬5). [صحيح] قوله في حديث زيد بن أرقم: "يكلم الرجل منا صاحبه وهو إلى جنبه" ظاهره لا لو بعد عنه. ¬

_ (¬1) في "السنن" (2/ 155). (¬2) في "السنن" (2/ 155). (¬3) في "السنن" (2/ 155 - 156). (¬4) سورة البقرة الآية (238). (¬5) أخرجه البخاري رقم (4534)، ومسلم رقم (539)، وأبو داود رقم (949)، والترمذي رقم (405، 2986) وقال: حديث حسن صحيح. وأخرجه ابن خزيمة رقم (856, 857)، وأحمد (4/ 368)، وابن حبان رقم (2246)، والطبراني في "الكبير" رقم (5062)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (2/ 248). وهو حديث صحيح، والله أعلم.

وقوله: "قوموا لله" أي: في صلاتكم. "قانتين" القنوت له معان، أحدها: السكوت وهو المراد هنا لقرينة قوله: "فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام" يحتمل أنهم فهموا الأمر والنهي من الآية، أي: قوموا حال كونهم ساكتين، والأمر بالسكوت أي: حال القيام. والمراد به: أداء أركان الصلاة لا القيام [95 ب] فقط. أفاد النهي عن الكلام؛ إما لأن الأمر بالشيء (¬1) نهي عن ضده، أو لأنه لازمه على ما عرف في الأصول (¬2). 2 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: كُنَّا نُسَلِّمُ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الصَّلاَةِ فَيَرُدُّ عَلَيْنَا، فَلَمَّا رَجَعْنَا مِنْ عِنْدِ النَّجَاشِيِّ سَلَّمْنَا عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْنَا، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ الله! كُنَّا نُسَلِّمُ عَلَيْكَ فِي الصَّلاَةِ فَتَرُدُّ عَلَيْنَا؟ قَالَ: "إِنَّ في الصَّلاَةِ شُغْلاً". أخرجه الخمسة (¬3) إلا الترمذي. [صحيح] قوله: في حديث ابن مسعود: "فلم يرد علينا" أي: بلفظ السلام، وإلا فإنه قد ثبت أنه كان يرد بالإشارة (¬4)، ولعله يأتي. ¬

_ (¬1) انظر: "إرشاد الفحول" (ص 365 - 370) بتحقيقي. "البحر المحيط" (2/ 425)، "الإحكام" للآمدي (2/ 194). (¬2) انظر: "المحصول" (2/ 200)، "تيسير التحرير" (1/ 367). (¬3) أخرجه البخاري رقم (1199، 1216)، ومسلم رقم (34/ 538)، وأبو داود رقم (923)، والنسائي في "السنن" (1220، 1221)، وابن ماجه رقم (1019). وأخرجه أحمد (1/ 377)، وأبو يعلى رقم (5188)، وابن خزيمة رقم (855)، والطبراني في "الكبير" رقم (10126)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (2/ 248)، وابن حبان رقم (2243, 2244). وهو حديث صحيح. (¬4) يشير إلى الحديث الذي أخرجه أبو داود رقم (925)، والنسائي (3/ 5)، والترمذي رقم (367)، وأحمد (2/ 10)، وابن ماجه رقم (1017)، وابن خزيمة رقم (888)، وابن حبان رقم (2258)، والطبراني في =

3 - وعن معاوية بن الحكم السلمي - رضي الله عنه - قال: بَيْنَا أَنَا أُصلِّي مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ، فَقُلْتُ: يَرْحَمُكَ الله، فَرَمَانِي القَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ، فَقُلْتُ: وَاثُكْلَ أُمِّيَاهُ! مَا شَأْنُكُمْ تَنْظرونَ إِلَيَّ؟ فَجَعَلُوا يَضْربُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ يُصَمِّتُوننِي، فَلَمَّا قَضَى - صلى الله عليه وسلم - الصَّلاَةَ، بِأَبِي هُوَ وَأُمِّي، مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلاَ بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ, فوَالله مَا كَهَرَنِي، وَلاَ ضَرَبَنِي، وَلاَ شَتَمَنِي. وَلكِنْ قَالَ: "إِنْ هَذِهِ الصَّلاَةَ لاَ يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلاَمِ النَّاسِ، إِنَمَّا هِيَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ القُرْآنِ". فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله! إِنِّي حَدِيثُ عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ, وَقَدْ جَاءَنَا الله تَعَالى بِالإِسْلَامِ، وَاِنَّ مِنَّا رِجَالًا يَأْتُونَ الكُهَّانَ؟ قَالَ: "فَلَا تَأْتِهِمْ". قُلْتُ: وَمِنَّا رِجَالٌ يَتَطَّيرُونَ؟ قَالَ: "ذَاكَ شَيْءٌ يَجِدُونَهُ فِي صُدُورِهِمْ فَلَا يَصُدُّهُمْ". قُلْتُ: وَمِنَّا رِجَالٌ يَخُطُّونَ؟ قَالَ: "كَانَ نَبِيٌّ مِنْ الأنبِيَاءِ يَخُطُّ، فَمَنْ وَافَقَ خَطَّهُ فَذَاكَ". قُلْتُ: وَإنَّهُ كانَ لِي جَارِيَةٌ تَرْعَى غَنَمًا قِبَلَ أُحُدٍ وَالجوَّانِيَّةِ, فَاطَّلَعْتُ ذَاتَ يَوْمٍ فَإِذَا الذِّئبُ قَدْ ذَهَبَ بِشَاةٍ مِنْ غَنَمِهَا، وَأَنَا رَجُلٌ مِنْ بَنِي آدَمَ آسَفُ كما يَأْسَفُونَ، فَصَكَكْتُهَا صَكَّةً. قَالَ: فَعَظَّمَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - ذَلِكَ عَلَيَّ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله! أَفَلَا أُعْتِقُهَا؟ قَالَ: "ائْتِنِي بِهَا" فَأَتَيْتُهُ بِهَا، فَقَالَ لَهَا: "أَيْنَ الله؟ " قَالَتْ: فِي السَّمَاءِ. قَالَ: "مَنْ أَنَا؟ " قَالَتْ: أَنْتَ رَسُولُ الله. قَالَ: "أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ". أخرجه مسلم (¬1) وأبو داود (¬2) والنسائي (¬3). [صحيح] ¬

_ = "الكبير" رقم (7291)، والحاكم في "المستدرك" (3/ 12)، والبيهقي في "السنن" (2/ 259) عن ابن عمر عن صهيب أنه قال: مررتُ برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يصلي، فسلَّمتُ عليه فرد إشارة, قال: ولا أعلمه إلا قال: إشارة بإصبعه. وهذا لفظ قتيبة. وهو حديث صحيح، والله أعلم. (¬1) في صحيحه رقم (537). (¬2) في "السنن" رقم (930). (¬3) في "السنن" (3/ 16). وأخرجه أحمد (5/ 448)، وابن حبان رقم (2247)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (2/ 249 - 250). =

"الكَهْرُ" (¬1):الزجر والنهر. "وَالتَّطيُّرُ": التشاؤم بالشيء. "وَالخَط" (¬2): هو الذي يفعله المنجم في الرمل بأصابعه ويحكم عليه ويخرج به الضمير. "وَالأسَفُ": الغضب. "وَالصَّكُّ" (¬3): الضرب واللطم. قوله: "في حديث معاوية السلمي" (¬4) هو بضم السين مهملة وفتح اللام، منسوب إلى سليم بن منصور. قوله: "فرماني القوم بأبصارهم". أقول: كأن المراد من بجنبه، ويحتمل أنه التفت المتقدمون إن كان في غير الصف الأول. وقوله: "واثكل أمّياه" هو بضم المثلثة وسكون الكاف، وبفتحها لغتان كالبُخل والبَخل، حكاهما الجوهري (¬5) وغيره (¬6)، وهو فقدان المرأة ولدها. ¬

_ = وهو حديث صحيح، والله أعلم. (¬1) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 572). (¬2) قال ابن الأثير في "غريب الجامع" (5/ 489): التطيرُّ: التشاؤم بالشيء، وأصله: أن العرب كانوا إذا خرجوا في سفر، أو عزموا على عمل؛ زجروا الطائر تفاؤلاً به, فما غلب على ظنهم وقوي في أنفسهم فعلوه من قول أو عمل أو ترك، ونهى الشرع عنه تسليماً لقضاء الله وقدره, وجعل لهم بدل ذلك الاستخارة في الأمر، وما أحسن هذا البدل. (¬3) انظر: "النهاية" (2/ 43)، "الفائق" للزمخشري (2/ 308). (¬4) ذكره ابن الأثير في "تتمة جامع الأصول" (2/ 855 - قسم التراجم). (¬5) في "الصحاح" (4/ 1647). (¬6) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 214). وقوله: "أميّاه" في رواية أبي داود رقم (930) أصله "أمي" زيدت عليه الألف الندبة لذلك. =

وامرأة ثكلى وثاكل وثكلته أمه بكسر الكاف، وأثكله الله أمه. وقوله: "يصمتونني" قيل: كأنه كان قبل شرعية التسبيح لمن نابه شيء في صلاته. قوله: "لا يصلح فيها شيء من كلام الناس" الكلام في اللغة (¬1): اسم جنس يقع على القليل والكثير، ويقع على الكلمة الواحدة والجماعة منها، وعلى هذا ورد الحديث (¬2): "إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس" فإنها تبطل بالكلمة الواحدة, ولا يتوقف الإبطال على اللفظ المفيد، فإن الحديث ورد على اللغة لا على الاصطلاح الحادث [96 ب] أي: عن أن الكلام هو اللفظ المفيد. قلت: ثم إن المراد بكلام الناس مكالمتهم وخطابهم، كما قال: يرحمك الله، فإنه يريد به خطاب العاطس، وبه يعرف ضعف كلام] (¬3) [475/ أ] من جعل الحديث دليلاً على تحريم عموم (¬4) الدعاء في الصلاة؛ لأنه من كلام الناس لا يصح. على أنه لو فرض صحته لكان الدعاء مخصصاً من عمومه لما ثبت من الإذن في الأدعية المأثورة وغيرها في الصلاة والأمر بها. وقوله: "إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن" خص أذكارها بالحصر؛ لأن المقام مقام الأذكار، وإلا فإنها كذلك وركوع وسجود، والتسبيح عام للأدعية. وقوله: "الجاهلية" أي: ما قبل ورود الشرع، لكثرة جهالاتهم وفحشها. قوله: "فلا تأتهم". ¬

_ = وعند الآخرين: "أمّاه" بتشديد الميم، وأصله: "أم" زيدت عليه ألف الندبة لمدّ الصوت وأردفت بها السكت. (¬1) انظر: "القاموس المحيط" (ص 1491). (¬2) تقدم، وهو حديث صحيح. (¬3) إلى هنا انتهى النقص من المخطوط (أ). (¬4) انظر: "المغني" (2/ 449 - 450)، "البناية في شرح الهداية" (2/ 488 - 490).

أقول: قال العلماء (¬1): وجه النهي عن إتيانهم؛ لأنهم يتكلمون في مغيبات قد يصادف بعضها الإصابة, فيخاف الفتنة على الإنسان بسبب ذلك، ولأنهم يلبسون على الناس كثيراً من الشرائع. وقد (¬2) تظاهرت الأحاديث الصحيحة على النهي عن إتيانهم وتحريم ما يأخذونه على كهانتهم، وهو الحلوان (¬3)، وهو حرام بإجماع المسلمين؛ لأن فعل الكهانة باطلة لا يجوز أخذ أجرة عليه، ومثله حلوان العرّاف. والكاهن كما قال الخطابي (¬4): من يتعاطى الإخبار عن الكوائن المستقبلة, ويدعي معرفة الأسرار. والعرّاف (¬5): من يتعاطى معرفة الشيء السروق، ومكان الضالة ونحوها. قال (¬6): فمن الكهنة من يدعي أن له رئيّاً من الجن وتابعه تلقي إليه الأخبار، ومنهم من يدعي إدراك ذلك بفهم أوتيه, ومنهم (¬7) من يزعم معرفة الأمور بمقدمات وأسباب يستدل بها كمعرفة من سرق الشيء [97 ب] الفلاني ونحو ذلك، ومنهم من يسمي المنجم كاهناً. قال (¬8): والحديث يشتمل على النهي عن إتيان هؤلاء كلهم، وتصديقهم فيما يدعون. ¬

_ (¬1) ذكره النووي في شرحه لصحيح مسلم (5/ 22). (¬2) ذكره النووي في شرحه لصحيح مسلم (5/ 22). (¬3) ذكره النووي في شرحه لصحيح مسلم (5/ 22). (¬4) في "معالم السنن" (4/ 225 - مع السنن). (¬5) قال الخطابي: العراف وهو الذي يزعم أنه يعرف الأمور بمقدمات وأسباب يستدل بها على مواقعها. (¬6) أي الخطابي في "معالم السنن" (4/ 225 - مع السنن). (¬7) وهو العرَّاف. (¬8) أي الخطابي في "معالم السنن" (4/ 225 - مع السنن).

قوله: "يتطيرون" أي: يتشاءمون بالشيء من مرئي أو مسموع. وقوله: "فلا يصدّهم" نهي (¬1) عن العمل بالطيرة والامتناع من تصرفاتهم بسببها، لا أنه نهي عما يوجد في النفس من غير عمل على مقتضاه؛ لأن وجدانه في النفس يهجم عليها بغير إرادة ولا تكليف به. وأخرج [رسته] (¬2) في الإيمان عن الحسن: "ثلاث لم تسلم منها هذه الأمة: الحسد والظن والطيرة, ألا أنبئكم بالمخرج منها؟ إذا ظننت فلا تحقق، وإذا حسدت فلا تبغِ، وإذا تطيرت فامضِ" (¬3). قوله: "قوم يخطّون" أراد به خط الرمل المعروف. وقوله: "كان نبي يخط" قيل: هو إدريس. "فمن وافق خطه فذاك" أي: جائز، لكن لا يعلم (¬4) موافقة خطه أحد إلا بوحي ولا وحي به فلا يجوز له، والمقصود أنه حرام، إذ لا يتعين بالموافقة. وقال القاضي عياض (¬5): المختار أن معناه: من وافق خطه فذاك الذي تجدون إصابته فيما يقول، لا أنه أباح ذلك لفاعله. قال: فحصل من مجموع كلام العلماء الاتفاق على النهي عنه. ¬

_ (¬1) ذكره النووي في "شرح صحيح مسلم" (5/ 23). (¬2) هكذا رسمت في (ب)، وفي (أ) غير مقروءة. (¬3) قال الحافظ في "الفتح" (10/ 213): أخرج عبد الرزاق عن معمر بن إسماعيل بن أمية عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ثلاثة لا يسلم منهن أحد: الطيرة, والظن، والحسد، فإذا تطيرت فلا ترجع، وإذا حسدت فلا تبغ، وإذا ظننت فلا تحقق" وهذا مرسل أو معضل. (¬4) ذكره النووي في "شرح صحيح مسلم" (5/ 23). (¬5) في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (2/ 465).

قوله: "والجوانية" بفتح الجيم وتشديد الواو، ثم نون وتحتية مثناة: موضع بقرب أحد شمالي المدينة (¬1). "قوله: "فقال لها: أين الله؟ قالت: في السماء ... " إلى آخره. أقول: هذا (¬2) الحديث من أحاديث الصفات، وفيهما مذهبان تقدم ذكرهما مرات، أحدهما: الإيمان به من غير خوض في معناه، مع اعتقاد أن الله ليس كمثله شيء، وتنزيهه عن سمات المخلوقين. والثاني: تأويله بما يليق به, فمن قال هذا قال هنا: كأن المراد امتحانها [98 ب] هل هي موحدة تقر بأن الخالق المدبر للأفعال الله وحده، وهو الذي إذا دعاه الداعي استقبل السماء؟ كما إذا صلى له المصلي استقبل الكعبة، وليس ذلك لأنه منحصر في السماء، كما أنه ليس منحصراً في جهة الكعبة، بل ذلك لأن السماء قبلة الداعين، وأن الكعبة قبلة المصلين. أم هي من عبدة الأوثان الذين بين أيديهم؟ فلما قالت: في السماء؛ علم أنها موحدة وليست عابدة للأوثان (¬3). قال القاضي عياض (¬4): لا خلاف بين المسلمين قاطبة فقيههم ومحدثهم ومتكلمهم ونظائرهم ومقلدهم أن الظواهر الواردة بذكر الله في السماء كقوله: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} (¬5) ¬

_ (¬1) قال القاضي عياض في "إكمال المعلم" (2/ 464): والجوانية أرض من عمل الفرع من جهة المدينة. (¬2) ذكره النووي في "شرح صحيح مسلم" (5/ 24). (¬3) قاله النووي في شرحه لصحيح مسلم (5/ 24). (¬4) في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (2/ 465). (¬5) سورة الملك الآية (16).

ونحوه؛ ليست على ظاهرها، بل هي متأولة عند جميعهم، فمن قال بجهة فوق من غير تحديد ولا تكييف من المحدثين والفقهاء والمتكلمين تأول {فِي السَّمَاءِ} (¬1) على السماء. ومن قال من دهماء النظار والمتكلمين وأصحاب التنزيه, بنفي الحد لاستحالة الجهة في حقه؛ تأولهما تأويلاً بحسب متقضاها. وقال (¬2): ويا ليت شعري ما الذي جمع أهل السنة (¬3) والحق على وجوب الإمساك عن التفكر في الذات، كما أمروا وسكتوا الحيرة العقل، واتفقوا على تحريم الكيف والتشبيه، وأن ذلك من وقوفهم وإمساكهم، لا عن شك في الوجود والموجود غير قادح في التوحيد. قلت: هو خبر قوله: وإمساكهم بل هو حقيقته, ثم تسامح بعضهم بإثبات الجهة، وهل بين التكييف وإثبات الجهة فرق؟ لكن إطلاق ما أطلقه الشارع من أنه {الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} (¬4) وأنه {اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} (¬5) مع التمسك بالآية الجامعة للتنزيه الكلي، الذي لا يصح في معقول غيره وهو قوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (¬6) فهي عصمة لمن وفق الله إلى هداه. انتهى. ¬

_ (¬1) سورة البقرة الآية (144). (¬2) القاضي عياض في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (2/ 465). (¬3) فأهل السنة والجماعة يعتقدون أن الله فوق جميع مخلوقاته, مستوٍ على عرشه, في سمائه, عالياً على خلقه, بائناً منهم، يعلم أعمالهم ويسمع أقوالهم، ويرى حركاتهم وسكناتهم، لا تخفى عليه خافية. وقد تقدم تفصيل ذلك. (¬4) سورة الأنعام الآية: (18)، قال تعالى: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} [الأنعام: 18]. (¬5) سورة طه الآية: (5). قال تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5)} [طه: 5]. (¬6) سورة الشورى الآية (11).

وهو كلام نافع [99 ب] وللخير جامع، وطريقته التفويض وهي الأولى. هي والله الأحوط للعبد والأولى، وفقنا الله اعتقاداً وقولاً وعملاً [475/ أ] لما يرضى. 4 - وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: قَامَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي فَسَمِعْنَاهُ يَقُولُ: "أَعُوذُ بِالله مِنْكَ" ثُمَّ قَالَ: "ألعَنُكَ بِلَعْنَةِ الله" ثَلاَثًا، وَبَسَطَ يَدَهُ كأنَّهُ يَتَنَاوَلُ شَيْئًا، فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ الصَّلاَةِ قُلْنَا: يَا رَسُولَ الله! سَمِعْنَاكَ تَقُولُ شَيْئًا لَمْ نَسْمَعْكَ تَقُولُهُ قَبْلَ ذَلِكَ، وَرَأَيْنَاكَ بَسَطْتَ يَدَكَ؟ قَالَ: "إِنَّ عَدُوَّ الله إِبْلِيسَ جَاءَ بِشِهَابٍ مِنْ نَارٍ، لِيَجْعَلَهُ فِي وَجْهِي، فَقُلْتُ: أَعُوذُ بِالله مِنْكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ قُلْتُ: العَنُكَ بِلَعْنَةِ الله التَّامَّةِ, فَلَمْ يَسْتَأْخِرْ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ فَأَرَدْتُ أَنْ آخُذَهُ، فَوالله لَوْلاَ دَعْوَةُ أَخِي سُلَيْمَانَ لأَصبَحَ مُوثَقًا يَلْعَبُ بِهِ وِلْدَانُ أَهْلِ المَدِينَةِ". أخرجه مسلم (¬1) والنسائي (¬2). [صحيح] "أَرَادَ بِدَعْوَةِ سُلَيْمَانَ قوله: "رب هب لي ملكاً" (¬3) الآيةَ, وَمَنْ جُمْلَةِ مُلْكِهِ تَسْخِيرُ الِجنِّ لَهُ وَاْنقِيَادِهِمْ". قوله في حديث أبي الدرداء: "ألعنك بلعنة الله التامة". أقول: قيل: يحتمل تسميتها تامة أنه لا نقص فيها، ويحتمل الواجبة له، والمستحقة عليه أو الموجبة له العذاب سرمداً. قال القاضي عياض (¬4): فيه دليل لمن لا يبطل الصلاة بالدعاء لغيره أو على غيره بصيغة الخطاب، خلافاً لابن شعبان من أصحاب مالك في قوله: تبطل بذلك. ¬

_ (¬1) في صحيحه رقم (542). (¬2) في "السنن" رقم (1215). وهو حديث صحيح، والله أعلم. (¬3) يشير إلى قوله تعالى: {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (35)} [ص: 35]. (¬4) في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (2/ 473).

سادسها: ترك الأفعال

قال النووي (¬1): وببطلانها بذلك قال أصحابنا، ويحمل هذا الحديث بأنه كان قبل تحريم الكلام في الصلاة، أو غير ذلك. انتهى. قلت: هذا الحمل تخمين لا دليل عليه، إنما هو لإصلاح المذهب، والكلام المحرم في الصلاة تقدم أنه تكليم الغير. وكيف يدخل هذا في تحريم الكلام، وهو - صلى الله عليه وسلم - قنت (¬2) يدعو لأقوام، ويلعن (¬3) آخرين، ولم تبطل صلاته بالاتفاق؟ وهل الأدعية في الصلاة إلا دعاء للنفس أو للغير؟ وصيغة الخطاب لا أثر لها في جميع الدعاء، وفي التشهد: السلام عليك أيها النبي، دعاء له - صلى الله عليه وسلم - بالخطاب، والخروج من الصلاة بلفظ: السلام عليكم دعاء وخطاب وهو خروج عن الصلاة، لا إبطال لها. سادسها: ترك الأفعال: " سادسها" أي: شرائط الصلاة. "ترك الأفعال" أي: ترك المصلي الأفعال التي ليست من أفعال الصلاة ولا لإصلاحها. 1 - عن معيقيب - رضي الله عنه - قال: سُئِلَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عنْ تَسْويَةِ التُّرَابِ حَيْثُ يَسْجُدُ المُصَلِّي. [صحيح] 2 - وفي رواية الترمذي (¬4): عَنْ مَسْحِ اَلحَصَى فِي الصَّلَاةِ، فَقَالَ: "إِنْ كُنْتَ وَلَا بُدَّ فَاعِلًا فَوَاحِدَةً". ¬

_ (¬1) في شرحه لصحيح مسلم (5/ 30). (¬2) تقدم نصه وتخريجه. (¬3) تقدم نصه وتخريجه. (¬4) في "السنن" رقم (380) وقال: حديث حسن صحيح.

أخرجه الخمسة (¬1). [صحيح] قوله: "وعن معيقيب". أقول: هو بضم الميم [100 ب] وفتح العين المهملة, وسكون المثناة التحتية، وكسر القاف وبعدها مثناة تحتية وباء موحدة، هو ابن أبي فاطمة الدوسي (¬2) مولى سعيد بن أبي العاص، شهد بدراً، وكان أسلم قديماً بمكة, وهاجر إلى الحبشة الهجرة الثانية وأقام بها حتى قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة، وكان على خاتم (¬3) النبي - صلى الله عليه وسلم -، واستعمله الشيخان (¬4) على بيت المال. قوله: "فواحدة" قال النووي في "شرح مسلم" (¬5): معناه: لا تفعل؛ فإن فعلت فواحدة، وهذا نهي كراهة تنزيه (¬6)، واتفق العلماء على كراهة المسح؛ لأنه ينافي التواضع، ولأنه يشغل المصلي. قال القاضي (¬7): كره السلف مسح الجبهة في الصلاة قبل الانصراف من المسجد فيما يتعلق بها من التراب ونحوه. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (1207)، ومسلم رقم (47/ 546)، وأبو داود رقم (946)، والترمذي رقم (380)، والنسائي (3/ 7 رقم 1192)، وابن ماجه رقم (1026). وهو حديث صحيح. (¬2) قاله ابن الأثير في "تتمة جامع الأصول" (2/ 859 - قسم التراجم). (¬3) انظر المرجع المتقدم، وانظر: "التقريب" (2/ 268 رقم 1302). (¬4) انظر: "التقريب" (2/ 268 رقم 1302). (¬5) (5/ 37). (¬6) وعبارة النووي: وهذا نهي كراهة تنزيه فيه كراهته. (¬7) في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (2/ 481 - 482).

قلت: الحديث عن معيقيب إنما هو في تسوية التراب تحت جبهة الساجد، لا عن مسحه عن وجه, ويؤيده ما في "الموطأ" (¬1) عن ابن عمر: "أنه كان إذا هوى ليسجد مسح الحصباء لموضع جبهته مسحاً خفيفاً". وراجعت السنن الثلاث، وإذا لفظها: "مسح الحصى"، وراجعت "الموطأ" (¬2) وإذا هو بلفظ مالك عن يحيى بن سعيد: أنه بلغه أن أبا ذر كان يقول: "مسح الحصباء مسحة واحدة، وتركها خير من حمر النعم". انتهى. فرواه موقوفاً بلاغاً ولفظه: "مسح - وفيه - الحصى". وأما لفظ: "مس" فلم يأت في رواية، ويأتي حديث: "يا أفلح! ترب وجهك .. " الحديث، وفي "الجامع" (¬3) من حديث معيقيب: "لا تمسح - يعني الأرض - وأنت تصلي، فإن كنت لا بد فاعلاً فواحدة تسوية الحصى". انتهى. 3 - وفي رواية للأربعة (¬4) عن أبي ذر: إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَلاَ يَمْسَحِ الحَصَى؛ فَإِنَّ الرَّحْمَةَ تُوَاجِهُهُ. [ضعيف] ¬

_ (¬1) (1/ 157 رقم 42)، وهو أثر موقوف صحيح. (¬2) (1/ 157 رقم 43)، وهو أثر موقوف ضعيف. (¬3) (5/ 492). (¬4) أخرجه أبو داود رقم (945)، والترمذي رقم (379) وقال: حديث حسن. والنسائي رقم (1191)، وابن ماجه رقم (1027). وأخرجه أحمد (5/ 150، 179)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (662 - 663)، وابن حبان رقم (481 - موارد)، والدارمي (1/ 322)، والطحاوي في "مشكل الآثار" (2/ 183)، والبيهقي (2/ 284)، والحميدي في "المسند" (1/ 70 رقم 128). قلت: وفيه أبو الأحوص هذا لا يعرف اسمه, وقد تكلم فيه يحيى بن معين وغيره, كما قاله المنذري في "المختصر" (1/ 444). =

[قوله: "فلا يمس الحصى". أقول: لفظه في الترمذي (¬1): "يمسح" وبلفظ مسح (¬2) بوّب للحديث، وهو في "المنتقى" (¬3) بلفظ: "يمسح"، ولفظه في "الجامع" (¬4): "فلا يمسح الحصباء" (¬5). قوله: "أخرجه الخمسة" (¬6). قلت: تمام حديث معيقيب: "قال: إن كنت فاعلاً فواحدة" وقول المصنف: "حيث سجد المصلي" لفظةُ المصلي [101 ب] غير ثابت في جميع ألفاظه التي ساقها ابن الأثير. ثم إن الذي أخرجه الترمذي (¬7) هو حديث أبي ذر ولفظه كما يأتي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا قام أحدكم فلا يمسح الحصى؛ فإن الرحمة تواجهه". ثم قال (¬8): وفي الباب عن علي بن أبي طالب - عليه السلام - وحذيفة ومعيقيب. ¬

_ = وقال النووي في "المجموع" (4/ 96): فيه جهالة. وقال الحافظ نفسه في "التقريب" (2/ 389 رقم 24): مقبول، أي: عند المتابعة، وإلا فلين الحديث كما نص عليه في المقدمة. وقال الألباني في "الإرواء" (2/ 98): وما علمت أحداً تابعه على هذا الحديث، فهو ضعيف. اهـ (¬1) في "السنن" رقم (379). (¬2) في "السنن" (2/ 219 الباب رقم 279). (¬3) الحديث رقم (33/ 854 - مع نيل الأوطار) بتحقيقي. (¬4) (5/ 492)، والذي في نسختنا: "فلا يمس الحصى". (¬5) تنبيه: وقع الشارح في الصفحة المتقدمة وصفحتنا هذه في تخبط لا ندري سببه, فقد قام بشرح حديث معيقيب ثم شرع في حديث أبي ذر ثم عاد إلى حديث معيقيب ثم إلى حديث أبي ذر ... إلخ. (¬6) يشير إلى حديث معيقيب، وقد تقدم تخريجه. (¬7) في "السنن" (379)، وهو حديث صحيح. (¬8) في "السنن" (2/ 219).

قال أبو عيسى (¬1): حديث أبي ذر حديث حسن، وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كره المسح في الصلاة وقال: "إن كنت لا بد فاعلاً فمرة واحدة" كأنه روى عنه رخصة في المرة الواحدة، والعمل على هذا عند أهل العلم. انتهى بلفظه. وبه يعرف أنه لم يخرّج (¬2) حديث معيقيب، بل قال: إن حديثه في الباب لا أنه أخرجه (¬3) إلا أن يجري اصطلاح بأن قول المحدثين: "وفي الباب عن فلان" يسمى تخريجاً، فهذا شيء ما أعرفه. ويعرف أن قوله: "وفي رواية الترمذي" ما يدل على أنه أخرجها عن معيقيب، وهي رواية رواها بصيغة التمريض ولم ينسبها لصحابي. وقد وقع لابن الأثير (¬4) مثل هذا الذي هنا بل أعجب منه، وهو أنه ساقه بلفظ: وفي رواية الترمذي قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن مسح الحصى في الصلاة، فقال: "إن كنت لا بد فاعلاً فمرة واحدة". انتهى. وظاهره أنه رواه عن معيقيب ولم (¬5) أجد في الباب الذي عقده الترمذي بقوله: باب ما جاء في كراهة مسح الحصى في الصلاة غير أبي ذر (¬6). ¬

_ (¬1) في "السنن" (2/ 220). (¬2) بل أخرجه برقم (380) من حديث معيقيب، وقال: هذا حديث حسن صحيح. (¬3) قلت: بل أخرجه برقم (380). (¬4) في "الجامع" (5/ 491). (¬5) بل هو في "السنن" (2/ 219 - 220 رقم الباب 279). (¬6) أخرجها الترمذي في "السنن" برقم (379) عن أبي ذر، وبرقم (380) عن معيقيب.

والرواية الممرضة والإشارة إلى رواية الثلاثة (¬1) الصحابة في الباب. قوله: "وللأربعة" (¬2). أقول: أهل السنن (¬3) والموطأ (¬4)، وحق العبارة أن يقول المصنف كما قال ابن الأثير (¬5): أبو ذر قال: قال رسول الله صلى الله [102 ب] عليه وآله وسلم: "إذا قام أحدكم إلى الصلاة فلا يمس الحصباء, فإن الرحمة تواجهه" أخرجه الترمذي وأبو داود والنسائي. وفي "الموطأ" (¬6): قال أبو ذر: "مسح الحصباء مسحة واحدة, وتركها خير من حمر النعم" موقوفاً عليه. انتهى. فبّين أن الحديث مرفوع [عند] (¬7) الثلاثة, وموقوف عند "الموطأ"، وسياق المصنف قاضٍ بأنه موقوف عند الأربعة. وإذا قدرنا وللأربعة عن أبي ذر عنه - صلى الله عليه وسلم - وقلنا: التقدير لقرينة السياق صار مرفوعاً عند الأربعة وليس كذلك. ¬

_ (¬1) قال الترمذي في "السنن" (2/ 219)، وفي الباب عن معيقيب وعلي بن أبي طالب وحذيفة وجابر بن عبد الله. (¬2) يشير إلى حديث أبي ذر. (¬3) أبو داود رقم (945)، والترمذي رقم (379)، وابن ماجه رقم (1027)، والنسائي رقم (1191). وهو حديث صحيح، وقد تقدم تخريجه. (¬4) في "الموطأ" (1/ 157 رقم 43)، وهو أثر موقوف ضعيف. (¬5) في "الجامع" (5/ 492 الحديث رقم 3695). (¬6) في "الموطأ" (1/ 157 رقم 43)، وهو أثر موقوف ضعيف. (¬7) سقطت من (أ. ب)، وهي من مستلزمات النص.

ثم التعليل بأن الرحمة تواجهه يدل أنها من محل سجوده، وأنه إذا غيّره لم تواجهه الرحمة، والتعليل المنصوص أولى من تعليل القاضي (¬1) بأنه ينافي التواضع ويشغل المصلي كما لا يخفى. [476/ أ]. 4 - وعن أبي ذر - رضي الله عنه - أيضاً قال: قال رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -:"لاَ يَزَالُ الله مُقْبِلاً عَلَى العَبْدِ وَهُوَ فِي صَلاَتِهِ مَا لَمْ يَلْتَفِتْ، فَإِذَا التَفَتَ انْصَرَفَ عَنْهُ". أخرجه أبو داود (¬2) والنسائي (¬3). [ضعيف] قوله في حديث أبي ذر في الالتفات: "أخرجه أبو داود". قلت: قال أبو داود (¬4): حدثنا أحمد بن صالح قال: حدثنا ابن وهب، قال: أخبرني يونس عن ابن شهاب قال: سمعت أبا الأحوص ... وساق الحديث. ولكنه قال الحافظ المنذري (¬5): أن أبا الأحوص هذا لا يعرف له اسم، وهو مولى لبني ليث، وقيل: مولى بني غفار، لم يرو عنه غير الزهري. ¬

_ (¬1) القاضي عياض في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (2/ 481 - 482). (¬2) في "السنن" رقم (909). (¬3) في "السنن" (3/ 8). وأخرجه أحمد (5/ 172)، والحاكم في "المستدرك" (1/ 236)، وابن خزيمة (1/ 244 رقم 488)، والطحاوي في "المشكل" (2/ 183)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (733). وقال المنذري في "مختصر السنن" (1/ 429): وفيه أبو الأحوص هذا لا يعرف له اسم، وهو مولى بني ليث، وقيل: مولى بني غفار، ولم يرو عنه غير الزهري، قال يحيى بن معين: ليس بشيء. وقال أبو أحمد الكرابيسي: ليس بالمتين عندهم. وهو حديث ضعيف، والله أعلم. (¬4) في "السنن" (1/ 560 رقم 909). (¬5) في مختصره (1/ 429).

قال يحيى بن معين (¬1): ليس هو بشيء. وقال أبو أحمد الكرابيسي: ليس هو بالمتين عندهم. انتهى. نعم، وراجعت النسائي وإذا هو أخرجه (¬2) أيضاً من طريق أبي الأحوص، إلا أنه أخرج حديث أبي ذر هذا: أحمد (¬3) وابن خزيمة (¬4) بلفظ: "لا يزال الله مقبلاً على العبد في صلاته ما لم يلتفت، فإذا صرف وجهه عنه انصرف". وقد بّوب البخاري (¬5): باب الالتفات في الصلاة. قال في "فتح الباري" (¬6): لم يبين (¬7) حكمه, لكن الذي أورده دالٌ على الكراهة, وهو إجماع، لكن الجمهور على أنها للتنزيه. وقال المتولي (¬8): يحرم إلا لضرورة، وهو قول أهل الظاهر. 5 - وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: سَألتُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الالتِفَاتِ في الصَّلاَةِ؟ فَقَالَ: "هُوَ اخْتِلاسٌ يَخْتَلِسُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ صَلاةِ العَبْدِ". أخرجه الشيخان (¬9) والنسائي (¬10). [صحيح] ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "تهذيب التهذيب" (4/ 478)، والذهبي في "الميزان" (4/ 487 رقم 9932). (¬2) في "السنن" (3/ 8). (¬3) في "المسند" (5/ 172). (¬4) في صحيحه رقم (482). (¬5) في صحيحه (2/ 234 الباب رقم 93 - مع الفتح). (¬6) (2/ 234). (¬7) أي البخاري. (¬8) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 234)، وانظر: "المغني" (2/ 392). (¬9) البخاري في صحيحه رقم (751، 3291) ولم يخرجه مسلم. (¬10) في "السنن" (3/ 8). =

"الِاخْتِلاَسُ" (¬1): الأخذ بسرعة. قوله في حديث عائشة: "هو اختلاس" الاختلاس (¬2): اختطاف بسرعة، وقيل: المختلس الذي يخطفه من غير غلبة ويهرب، ولو مع معاينة المالك له، والناهب يأخذ بقوة، والسارق يأخذ في خفية, فلما كان الشيطان قد شغل المصلي في صلاته بالالتفات [103 ب] إلى شيء ما بغير حجة يقيمها أشبه المختلس. "يختلسه الشيطان" في البخاري (¬3) روايتان بإثبات الضمير (¬4) وحذفه (¬5). قيل: والحكمة في فعل سجود السهو جابراً للمشكوك فيه، دون الالتفات وغيره مما ينقص الخشوع؛ لأن السهو لا يؤاخذ به المكلف، فيشرع له الجبر دون العمد، ليتيقظ العبد له فيجتنبه. وحديث (¬6) أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إياك والالتفات في الصلاة؛ فإن الالتفات في الصلاة هلكة, فإن كان لا بد ففي التطوع لا في الفريضة". وقال في "المنتقى" (¬7): أخرجه الترمذي (¬8) وصححه، وفي غيره: أنه حسّنه فقط. ¬

_ = وأخرجه أحمد (6/ 106)، وأبو داود رقم (910)، والترمذي رقم (590) وقال: هذا حديث حسن غريب، والحاكم (1/ 237) وصححه، ووافقه الذهبي. وهو حديث صحيح، والله أعلم. (¬1) انظر: "لسان العرب" (6/ 65)، "النهاية في غريب الحديث" (1/ 517). (¬2) انظر: "لسان العرب" (6/ 65)، "النهاية في غريب الحديث" (1/ 517). (¬3) أخرجها البخاري في صحيحه رقم (751). (¬4) أخرجها البخاري في صحيحه رقم (751). (¬5) أخرجها البخاري في صحيحه رقم (3291). (¬6) سيأتي في هذا الباب برقم (7)، وقد قدّمه الشارح. (¬7) رقم (21/ 842 - مع نيل الأوطار) بتحقيقي. (¬8) في "السنن" رقم (589) وقال: حديث حسن غريب. =

وعند البخاري (¬1): باب هل يلتفت لأمر ينزل به، وأورد في ذلك حديث أنس (¬2) في مرض النبي - صلى الله عليه وسلم - وفيه: "أنه - صلى الله عليه وسلم - لما كشف [- صلى الله عليه وسلم -] (¬3) الستر التفتوا إليه، فأشار إليهم" ولولا التفاتهم ما علموا إشارته ولم يأمرهم - صلى الله عليه وسلم - بالإعادة, بل أقرّهم على صلاتهم بالإشارة المذكورة. 6 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ فِي الصَّلَاةِ؟ " فَاشْتَدَّ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: "لَيَنْتَهونَّ عَنْ ذَلِكَ، أَوْ لَتُخْطَفَنَّ أَبْصَارَهُمْ". أخرجه البخاري (¬4) وأبو داود (¬5) والنسائي (¬6). [صحيح] قوله في حديث أنس: "ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة". أقول: قال ابن بطال (¬7): أجمعوا على كراهة رفع البصر في الصلاة. وزاد مسلم (¬8) من حديث أبي هريرة: "عند الدعاء" فإن حمل هذا المطلق على هذا المقيد اقتصر اختصاص الكراهة بالدعاء الواقع في الصلاة. ¬

_ = قلت: وفيه علي بن زيد بن جدعان ضعيف. وهو حديث ضعيف، والله أعلم. (¬1) في صحيحه (2/ 235 الباب رقم 94 - مع الفتح). (¬2) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (754). (¬3) سقطت من (ب). (¬4) في صحيحه رقم (750). (¬5) في "السنن" رقم (913). (¬6) في "السنن" (3/ 7). وأخرجه أحمد (5/ 258)، وابن ماجه رقم (1044). وهو حديث صحيح. (¬7) في شرحه لصحيح البخاري (2/ 364). (¬8) في صحيحه رقم (118/ 429).

قوله: "أو لتخطفن أبصارهم" في روية مسلم (¬1): "أو لا ترجع إليهم أبصارهم" واختلف في المراد بذلك، فقيل: هو وعيد، وعلى هذا فالفعل المذكور حرام. وقال ابن حزم (¬2): [يبطل الصلاة] (¬3) وكلمة "أو" (¬4) هنا مثلها في قوله [104 ب] تعالى: {تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ} (¬5) أي: يكون أحد الأمرين. 7 - وعنه - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "يَا بُنَيَّ! إِيَّاكَ وَالالتِفَاتَ فِي الصَّلاةِ؛ فَإِنَّهُ هَلَكَةٌ, فَإِنْ كانَ لا بُدَّ فَفِي التَّطَوُّعِ لا فِي الفَرِيضَةِ". أخرجه الترمذي (¬6). [ضعيف] قوله في حديث أنس: "أخرجه الترمذي". قلت: وقال (¬7): حسن. وفي "المنتقى" (¬8) أنه صحّحه وكأنه في نسخة منه. 8 - وعن سهل بن الحنظلية - رضي الله عنه - قال: "ثُوِّبَ بِالصُّبْحِ، فَجَعَلَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي وَهُوَ يَلْتَفِتُ إِلَى الشِّعْبِ، وَكَانَ أَرْسَلَ فَارِسًا إِلَى الشِّعْبِ مِنَ اللَّيْلِ يَحْرُسُ". أخرجه أبو داود (¬9). [صحيح] ¬

_ (¬1) في صحيحه رقم (117/ 428). (¬2) قال الحافظ في "الفتح" (2/ 234): وأفرط ابن حزم فقال: يبطل الصلاة. (¬3) سقطت من (ب). (¬4) قال الحافظ في "الفتح" (2/ 234)، و"أو" هنا للتخيير نظير قوله تعالى: {تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ} [الفتح: 16] أي: يكون أحد الأمرين إما المقاتلة وإما الإسلام، وهو خبر في معنى الأمر. (¬5) سورة الفتح الآية (16). (¬6) في "السنن" رقم (589)، وهو حديث ضعيف، وقد تقدم. (¬7) في "السنن" (2/ 484). (¬8) الحديث رقم (21/ 842 مع نيل الأوطار" بتحقيقي. (¬9) في "السنن" رقم (916). =

قوله: "وعن سهل بن الحنظلية الأوسي" والحنظلية أمُه، وقيل: أنه جده. وأبوه: الربيع ابن عمرو بن عدي، ممن بايع تحت الشجرة، وكان فاضلاً معتزلاً كثير الصلاة والذكر ومات بدمشق (¬1). قوله: "فجعل يلتفت إلى الشعب" هذا دليل قوله: "ففي التطوع (¬2) لا في الفريضة". 9 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: "خَرَجَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي في مَسْجِدِ قُبَاءَ، فَجَاءَ الأَنْصَارُ يُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ وَهُوَ يُصَلِّي، فَقُلْتُ لِبِلَالٍ: كَيْفَ رَأَيْتَهُ يَرُدُّ عَلَيْهِمْ حِينَ كَانُوا يُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ وَهُوَ يُصَلِّي؟ قَالَ: هَكَذَا، وَبَسَطَ كَفَّهُ، وَجَعَلَ بَطْنَهُ أَسْفَلَ، وَظَهْرَهُ إِلَى فَوْقٍ". أخرجه أصحاب السنن (¬3). [صحيح] قوله في حديث ابن عمر: "يسلمون عليه وهو يصلي" فيه دليل على جواز خطاب من هو في صلاة؛ فإنه - صلى الله عليه وسلم - لم ينههم عن رد السلام عليه، وجواز الرد بالإشارة. قوله: "وبسط كفه" هكذا في "الجامع" (¬4) منسوباً إلى أبي داود، ولكن لفظ أبي داود (¬5): "أنه قال ابن عمر لبلال: كيف رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرد عليهم حين كانوا يسلمون عليه؟ قال: يقول هكذا، وبسط جعفر بن عون كفه ... " الحديث. ¬

_ = وأخرجه الحاكم (1/ 237)، وهو حديث صحيح، والله أعلم. (¬1) قاله ابن الأثير في "تتمة جامع الأصول" (1/ 452 - قسم التراجم). (¬2) انظر: "المغني" (2/ 392)، "الاعتبار" للحازمي (ص 203 - 204). (¬3) أخرجه أبو داود رقم (927)، والترمذي رقم (368) وقال: هذا حديث حسن صحيح. والنسائي (3/ 5)، وابن ماجه رقم (1017). وهو حديث صحيح. (¬4) (5/ 498). (¬5) في "السنن" رقم (927)، وهو حديث صحيح.

ولفظ أبي داود صريح في أن الذي بسط كفه جعفر بن عون أحد رواة حديث ابن عمر، والذي في النسائي (¬1): أن ابن عمر سأل صهيباً: كيف كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصنع إذا سلم عليه؟ فقال: كان يشير بيده. انتهى. وقد ذكر ابن الأثير (¬2) الروايتين. قال الترمذي (¬3) - بعد إخراجهما (¬4) -: أنهما صحيحان، قال: لأن قصة صهيب غير قصة بلال، وإن كان ابن عمر روى عنهما فاحتمل أنه سمع منهما. انتهى. واعلم أنه أخرج أبو داود (¬5) من حديث أبي هريرة مرفوعاً: "لا غرار في الصلاة ولا تسليم" قال أحمد (¬6): يعني - فيما أرى - لا تسلم ولا يسلم عليك، وتغرر الرجل في صلاته فينصرف، وهو فيها شاك. وفي [حواشي] (¬7) أي: أن الغرر (¬8) في الصلاة [105 ب] على وجهين، أحدهما: أنه لا يتم ركوعها وسجودها وسائر أركانها. ¬

_ (¬1) في "السنن" (3/ 5). (¬2) في "الجامع" (5/ 497 - 498). (¬3) في "السنن" (2/ 204). (¬4) الحديث رقم (367، 368). (¬5) في "السنن" رقم (928)، وهو حديث صحيح. (¬6) ذكره أبو داود في "السنن" (12/ 567 - 568). (¬7) كذا في (أ. ب) غير مقروءة. (¬8) قال ابن الأثير في "النهاية" (2/ 299): الغِرار: النقصان، وغِرار النوم: قِلَّتُه ويريد بغرار الصلاة: نقصان هيئاتها، وأركانها. وغرار التسليم: أن يقول المجيب: وعليك، ولا يقول السلام. انظر: "غريب الحديث" للهروي (2/ 129). وقال صاحب "القاموس المحيط" (ص 578): الغِرار في الصلاة: النقصان في ركوعها وسجودها وطهورها.

والثاني: أن يشك صلى ثلاثاً أو أربعاً، فيأخذ بالأكثر، ويترك اليقين وينصرف بالشك، فهذا منهي عنه أيضاً. [476/ أ]. 10 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "التَّسْبِيحُ لِلرِّجَالِ وَالتَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ". أخرجه الخمسة (¬1). [صحيح] قوله في حديث أبي هريرة: "التسبيح للرجال" أي: في الصلاة. "والتصفيق" أي: فيها. "للنساء" فيه دليل أن من نابه شيء في صلاته، وذلك بأن يريد تنبيه من يستأذن عليه أنه في صلاته، أو ينبه على إمامه إن سها في شيء من أركان صلاته، وذلك لينتبه لما نابه، فإنه يسبح ولا يصفق. قال ابن عبد البر (¬2): وهذا مما لا خلاف فيه للرجال، وأما النساء فإن العلماء اختلفوا في ذلك، فذهب مالك وأصحابه إلى أن التسبيح للرجال والنساء، لظاهر قوله: "من نابه شيء في صلاته فليسبح" (¬3) وهذا على عمومه في الرجال والنساء، وتأولوا: "إنما التصفيق للنساء" على وجه العزم بذلك. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (1203)، ومسلم رقم (422)، وأبو داود رقم (939)، وابن ماجه رقم (1034)، والترمذي رقم (3698)، والنسائي رقم (1207 - 1210). (¬2) في "التمهيد" (5/ 100 - 102). (¬3) أخرجه البخاري رقم (684)، ومسلم رقم (421)، والنسائي (2/ 77 - 78)، وأبو داود رقم (940)، وأحمد (5/ 337) عن سهل بن سعد - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ نابه شيء في صلاته فليسبِّح، فإنما التَّصفيق للنساء". وهو حديث صحيح.

وقال آخرون (¬1) منهم الشافعي (¬2) والأوزاعي (¬3): من نابه شيء من الرجال سبّح، وأما المرأة؛ فإنها لا تسبح إذا نابها شيء في صلاتها؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرّق بين الرجال والنساء في ذلك، فقال: "التسبيح للرجال، والتصفيق للنساء". ثم قال (¬4): فعلى هذا يكون معنى "من نابه شيء في صلاته" منكم يا معشر الرجال فليسبح، إذ عليهم خرج الخبر وإليهم توجه الخطاب. قلتُ: لا يخفى أن هذا الحديث خاص، وذلك عام، والخاص مقدم على العام، وهذا مفصل مبين لحكم كل فريق. قال (¬5): إنه فسّر بعض العلماء [التصفيح] (¬6) للنساء أن تضرب المرأة بأصبعين من يمينها على كفها الشمال. قال بعضهم (¬7): إنما كره لهن التسبيح، وأبيح لهن التصفيق؛ لأن صوت المرأة فتنة، ولهذا منعت من الأذان والإقامة والجهر في [106 ب] صلاتها بالقراءة. انتهى. وفي "شرح مسلم" (¬8): أن من نابه شيء في صلاته كتنبيه من يستأذن عليه وتنبيه إمامه ¬

_ (¬1) ذكره ابن عبد البر في "التمهيد" (5/ 100 - 101). (¬2) انظر: "العزيز شرح الوجيز" (2/ 49). (¬3) انظر: "المحلى" (4/ 78)، "البناية في شرح الهداية" (2/ 500). (¬4) ابن عبد البر في "التمهيد" (5/ 101). (¬5) ابن عبد البر في "التمهيد" (5/ 102). (¬6) في (أ): "التصفيق"، وما أثبتناه من "التمهيد". (¬7) قال ابن عبد البر في "التمهيد" (5/ 102): وقال بعض أهل العلم: إنما كره التسبيح للنساء، وأبيح لهن التصفيق من أجل أن صوت المرأة رخيم في أكثر النساء، وربما شغلت بصوتها الرجال المصلين معها. (¬8) (4/ 145 - 146).

وغير ذلك أن يسبح إن كان رجلاً فيقول: سبحان الله، وأن تصفق إن كانت امرأة تضرب بطن كفها الأيمن على ظهر كفّها الأيسر، ولا تضرب بطن كف على بطن كف على وجه اللعب واللهو، فإن فعلت هذا على وجه اللعب بطلت صلاتها لمنافاته الصلاة. قلت: وظاهر الحديث الإطلاق، فالكل يسمى تصفيقاً وتصفيحاً، وأما على جهة اللهو واللعب فالضرب ببطن الكف على ظهر الآخر مبطل أيضاً؛ لمنافاته الصلاة. واعلم: أنهم لم يتكلموا: هل هذا الأمر بالتسبيح والتصفيق للوجوب أو لغيره؟ والظاهر أنه للوجوب؛ لأنه أصله، فلو صفّق الرجل عوض التسبيح هل تبطل صلاته؟ قلت: إن كان بعد علمه بأنه مأمور بالتسبيح فلا يبعد بطلانها، وإن كان قبل عمله فلا بطلان؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - لما صفّق أصحابه لأبي بكر وهو يؤمهم، فحضر - صلى الله عليه وسلم - فصفقوا ليعلم أنه قد أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ذكر بعد فراغهم من الصلاة أن التصفيق للنساء والتسبيح للرجال، وهو دالٌ أنهم ما عرفوا ذلك إلا عند خطابه لهم، ولم يأمرهم بإعادة صلاتهم. 11 - وعن عبد الله بن الشخير - رضي الله عنه - قال: "صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فَرَأَيْتُهُ تَنَخَّعَ فَدَلَكَهَا بِنَعْلِهِ اليُسْرَى". أخرجه مسلم (¬1) وأبو داود (¬2) والنسائي (¬3). [صحيح] قوله في حديث عبد الله بن الشخير: "فرأيته تنخع فدلكها بنعله اليسرى" يحتمل أنه كان في المسجد، ولكنه يبعده أنه قد نهى عن البزاق في المسجد إلا في ثوبه، وظاهر هذا أنه تنخع في ساحة صلاته ودلكها فيه، ولا يكون ذلك في المسجد، وفيه جواز مثل هذا الفعل في الصلاة ولا يضرها. ¬

_ (¬1) في صحيحه رقم (554). (¬2) في "السنن" رقم (482). (¬3) في "السنن" رقم (727). وهو حديث صحيح، والله أعلم.

12 - وعند أبي داود (¬1): "فَبَزَقَ تَحْتَ قَدَمِهِ اليُسْرَى وَدَلِكَ بِنَعْلِهِ". [صحيح] 13 - وله (¬2) في أخرى عن أبي نضرة: "بَزَقَ فِي ثَوْبِهِ وَحَكَّ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ". [مرسل صحيح] "تَنَخَّعَ الإِنْسَانُ": إذا رمى نخاعته وهي النخامة التي تخرج من أصل الحلق (¬3). وحديث أبي نضرة: "أنه بزق في ثوبه وحك بعضه ببعض" الظاهر أنه في صلاته في المسجد وإن لم يذكر ذلك، ويحتمل أنه في غير صلاة وفي غير مسجد، وأنه ينبغي للعبد ذلك، لئلا يؤذي غيره ببصاقه، وإنما حكه ليذهب لونه من باب النظافة. وفي "صحيح البخاري" (¬4): "فلا يبزق أمامه [107 ب] ولا عن يمينه فإن عن يمينه ملكاً". قال القاضي عياض (¬5): والنهي عن البصاق عن يمينه مع إمكان غير اليمين، فإن تعذر غير اليمين بأن يكون عن يساره مصلٍّ فله البصاق عن يمينه، لكن الأولى تنزيه اليمين عن ذلك ما أمكن. انتهى. قوله: "وهي التي تخرج من أصل الحلق" في "شرح مسلم" (¬6): قال أهل اللغة (¬7): المخاط من الأنف والبصاق والبزق من الفم والنخامة وهي النخاعة من الصدر. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (482)، وهو حديث صحيح. (¬2) أخرجه أبو داود في "السنن" رقم (389)، وهو مرسل صحيح. (¬3) ذكره ابن الأثير في "غريب الجامع" (5/ 500). (¬4) رقم (410، 411). (¬5) في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (2/ 484). (¬6) (5/ 38). (¬7) انظر: "القاموس المحيط" (ص 1499).

14 - وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "جِئْتُ يَوْماً مِنْ خَارِجٍ، وَرَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي فِي البَيْتِ وَالبَابُ عَلَيْهِ مُغْلَقٌ، فَاسْتَفْتَحَتْ فَتَقَدَّمَ وَفَتَحَ لِي، ثُمَّ رَجَعَ القَهْقَرَى إلى مُصَلاَّهُ، وَوَصَفَتْ أَنَّ البَابَ كانَ في القِبْلَةِ". أخرجه أصحاب السنن (¬1). [صحيح] 15 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "اقْتُلُوا الأَسْوَدَيْنِ فِي الصَّلَاةِ: الحَيَّةَ وَالعَقْرَبَ". أخرجه أصحاب السنن (¬2). [صحيح] 16 - وعن أم سلمة - رضي الله عنها - قالت: رَأَى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم غُلاَماً لَنَا يُقَال لَهُ أَفْلَحُ؛ إذَا سَجَدَ نَفَخَ، فَقَالَ: "يَا أَفْلَحُ! ترِّبْ وَجْهَكَ". أخرجه الترمذي (¬3). [ضعيف] قوله في حديث أم سلمة: "إذا سجد نفخ" اختلف العلماء (¬4) في النفخ في الصلاة، فقال بعضهم: إن نفخ في الصلاة يستقبل الصلاة وهو قول سفيان الثوري وأهل الكوفة. وقال ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود رقم (922)، والترمذي رقم (601) وقال: حديث حسن غريب. والنسائي رقم (1206)، وأخرجه أحمد (6/ 234)، وهو حديث حسن، والله أعلم. (¬2) أخرجه أبو داود رقم (921)، والترمذي رقم (390)، والنسائي (3/ 10)، وابن ماجه رقم (1245) وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وهو حديث صحيح. (¬3) في "السنن" رقم (381، 382). وأخرجه أحمد (6/ 301، 323)، والحاكم (1/ 271)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (2/ 252)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (2/ 265)، والطبراني في "الكبير" (ج 23 رقم 742، 743)، والدولابي في "الكنى" (1/ 158) من طرق عن أبي حمزة عن أبي صالح عن أم سلمة. قال الترمذي: وحديث أم سلمة إسناده ليس بذاك، ميمون أبو حمزة قد ضعفه أهل العلم. وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. وهو حديث ضعيف، والله أعلم. (¬4) انظر: "المغني" (2/ 452).

بعضهم: يكره النفخ في الصلاة، فإن نفخ في صلاته لا تفسد صلاته، وهو قول أحمد وإسحاق. قلت: وهو الأقرب. قوله: "أخرجه الترمذي". قلت: ثم قال (¬1): حديث أم سلمة إسناده ليس بذاك، وميمون أبو حمزة - يريد أحد رواته - قد ضعّفه بعض أهل العلم. 17 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: "نَهَى رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عنِ السَّدْلِ فِي الصَّلاَةِ، وَأَنْ يُغَطِّيَ الرَّجُلُ فَاهُ". أخرجه أبو داود (¬2) والترمذي (¬3). [حسن] "السَّدْلُ" المنهي عنه في الصلاة أن يلتحف الرجل بثوبه, ويدخل يديه من داخله فيركع ويسجد وهو كذلك، وكانت اليهود تفعله، فنهى عنه (¬4). قوله: "وَأَنْ يُغَطِّيَ الرَّجُلُ فَاهُ" يعني: التلثم بالعمامة على الفم، وكانت العرب تفعله، فنهوا عنه في الصلاة، فإن تثاءب المصلي فليغط فاه, فقد جاء فيه حديث (¬5). ¬

_ (¬1) في "السنن" (2/ 221). (¬2) في "السنن" رقم (643). (¬3) في "السنن" رقم (378). وأخرجه أحمد (2/ 295، 345)، وابن ماجه رقم (966) وهو حديث حسن. (¬4) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (5/ 502). انظر: "غريب الحديث" لأبي عبيد القاسم بن سلام (3/ 482). (¬5) أخرجه أحمد (3/ 96)، ومسلم رقم (2995)، وأبو داود رقم (5026)، وابن حبان في صحيحه رقم (2360) من حديث أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا تثاءب أحدكم فليضع يده على فيه, فإن الشيطان يدخل". وهو حديث صحيح.

قوله: "نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن السدل في الصلاة" فسّر المصنف السدل بما ترى، وهو تفسير "النهاية" (¬1). وفي "سنن البيهقي" عن أبي عبيد (¬2): أن السدل إسبال الرجل ثوبه من غير أن يضم جانبيه بين يديه, فإن ضمّه فليس بسدل. انتهى. وأما تفسير المصنف وتفسير "النهاية" (¬3) فإنه يناسب اشتمال الصماء المنهي عنه؛ لأنه فسّره ابن الأثير [478/ أ] في "النهاية" (¬4) هو: أن يتجلَّل الرجل بثوبه [108 ب] ولا يرفع منه جانباً، وإنما قيل لها صمّاء؛ لأنها تسد على يديه ورجليه المنافذ كلها، كالصخرة. انتهى. قوله في حديث أبي هريرة في السدل: "أخرجه أبو داود والترمذي". قلت: قال الترمذي (¬5): حديث أبي هريرة لا نعرفه من حديث عطاء عن أبي هريرة مرفوعاً إلا من حديث عسل بن سفيان. وقد اختلف أهل العلم (¬6) في السدل في الصلاة فكره بعضهم السدل في الصلاة وقال: هكذا تصنع اليهود، وقال بعضهم: إنما يكره السدل إذا لم يكن عليه إلا ثوباً واحداً، وأما إذا سدل على القميص فلا بأس، وهو قول أحمد، وكره ابن المبارك السدل في الصلاة. ¬

_ (¬1) (1/ 766 - 767). (¬2) في "غريب الحديث" (3/ 482). (¬3) (1/ 766 - 767). (¬4) (2/ 53). (¬5) في "السنن" (2/ 217 - 218). (¬6) انظر: "المغني" لابن قدامة (2/ 297)، "المجموع شرح المهذب" (3/ 182)، "الأوسط" لابن المنذر (5/ 56).

سابعها: قبلة المصلي

سابعها: قبلة المصلي: " سابعها" أي: شرائط الصلاة. "قبلة المصلي". 1 - عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كَانَ رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ، وَأَنَا مُعْتَرضَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ القِبْلَةِ كاعتِرَاضِ الجَنَازَةِ, فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُوتِرَ أَيْقَظَنِي فَأَوْتَرْتُ. أخرجه الستة (¬1) إلا الترمذي. [صحيح] قوله في حديث عائشة: "وأنا معترضة اعتراض الجنازة بينه وبين القبلة". بوّب له البخاري (¬2): باب التطوع خلف المرأة، ودلالة الحديث أنه تطوع من جهة أن صلاته هذه في بيته بالليل [وكانت] (¬3) صلاته الفرائض بالجماعة في المسجد، والمراد بقوله: "خلاف المرأة" وراءها فتكون هي نفسها أمام المصلي. وبوّب (¬4) له: باب الصلاة خلف النائم، قال في "الفتح" (¬5): كأنه أشار إلى تضعيف الحديث (¬6) الوارد في النهي عن الصلاة إلى النائم. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (512)، ومسلم رقم (512)، وأبو داود رقم (711)، والنسائي (1/ 101)، وابن ماجه رقم (956). وهو حديث صحيح. (¬2) في صحيحه (1/ 588 الباب رقم 588)، وحديث الباب رقم (513) عن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها قالت: كنت أنام بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورجلاي في قبلته, فإذا سجد غمزني فقبضتُ رجليَّ، فإذا قام بسطتهما. قالت: والبيوت يومئذٍ ليس فيها مصابيح. (¬3) في (ب): "فكانت". (¬4) أي البخاري في صحيحه (1/ 587 الباب رقم 103 - مع الفتح). (¬5) (1/ 587). (¬6) سيأتي قريباً.

وقد أخرجه أبو داود (¬1) وابن ماجه (¬2) من حديث ابن عباس [109 ب]، وقال أبو داود (¬3): وطرقه كلها واهية - يعني حديث ابن عباس - انتهى. وفي الباب عن ابن عمر أخرجه ابن عدي (¬4)، وعن أبي هريرة أخرجه الطبراني في "الأوسط" (¬5) وهما واهيان أيضاً. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (694). (¬2) في "السنن" رقم (959). وهو حديث ضعيف. (¬3) في "السنن" بإثر الحديث رقم (1485). قال الخطابي في "معالم السنن" (1/ 445 - 446 - مع السنن). هذا حديث لا يصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لضعف سنده, وعبد الله بن يعقوب لم يُسمّ من حدثه عن محمد بن كعب, وإنما رواه عن محمد بن كعب رجلان كلاهما ضعيفان تمام بن بزيع وعيسى بن ميمون، وقد تكلم فيهما يحيى ابن معين والبخاري. ورواه أيضاً عبد الكريم أبو أمية عن مجاهد عن ابن عباس، وعبد الكريم متروك الحديث. قال أحمد: ضربنا عليه فاضربوا عليه. قال يحيى بن معين: ليس بثقة ولا يحمل عنه, وعبد الكريم هذا أبو أمية البصري وليس بالجزري, وعبد الكريم الجزري أيضاً ليس في الحديث بذلك، إلا أن البصري تالف جداً. وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه صلى وعائشة معترضة بينه وبين القبلة، وأما الصلاة إلى المتحدثين فقد كرهها الشافعي وأحمد، وذلك من أجل أن كلامهم يشغل المصلي عن صلاته, وكان أبو عمر لا يصلي خلف رجل يتكلم إلا يوم الجمعة. اهـ (¬4) ذكره الحافظ في "الفتح" (1/ 587). (¬5) رقم (5246) بلفظ: "نهيت أن أُصلِّي خلف المتحدثين والنيام". وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (2/ 62) وقال: وفيه محمد بن عمرو بن علقمة، واختلف في الاحتجاج به. قال الحافظ في "التقريب" رقم (6188): محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي المدني، صدوق له أوهام. =

2 - وفي أخرى للشيخين (¬1): ذُكِرَ عِنْدَ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - مَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ, فَذُكِرَ الكَلْبُ وَالحِمَارُ وَالمَرْأَةُ، فَقَالَتْ: لَقَدْ شَبَّهْتُمُونَا بِالحُمُرِ وَالكِلَابِ، وَالله لَقَدْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي وَأَنا عَلَى السَّرِيرِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ القِبْلَةِ مُضْطَجِعَةً, فَتَبْدُو لِي الحَاجَةُ فَأَكْرَهُ أَنْ أَجْلِسَ فَأُوذِيَ رَسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فَأَنْسَلُّ منْ قِبَلِ رِجْلَيْهِ. [صحيح] قوله: "فقالت: لقد شبهتمونا بالحمر والكلاب" أي: في قطعنا صلاة المصلي بالمرور بين يديه. "والله لقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا على السرير بينه وبين القبلة مضطجعة" زاد أبو داود (¬2): "وإذا أراد أن يسجد ضرب رجلي فقبضتهما فيسجد". وفيه في أخرى (¬3): "فإذا أراد أن يسجد غمز رجلي فقبضتهما إليَّ فيسجد". وترجم أبو داود (¬4) لهذه: باب ما جاء في المرأة لا تقطع الصلاة. 3 - وفي أخرى لأبي داود (¬5)، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: جِئْتُ أنَّا وَغُلاَمٌ مِنْ بَني عَبْدِ المُطَّلِبِ عَلَى حِمَارٍ، وَرَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي فَنَزَلَ وَنَزَلْتُ، وَتَرَكْنَا الحِمَارَ أَمَامَ الصَّفِّ فَمَا بَالَاهُ, ¬

_ = وقال المحرران: بل صدوق حسن الحديث، كما قال الذهبي، فقد وثقه النسائي وابن معين في أكثر الروايات. وقال يحيى بن سعيد القطان: صالح ليس بأحفظ الناس للحديث. وقال أبو حاتم: صالح الحديث، يكتب حديثه ... وإنما روى له البخاري مقروناً بغيره، ومسلم في المتابعات. (¬1) البخاري في صحيحه رقم (511، 514، 6276)، ومسلم رقم (270/ 512). (¬2) في "السنن" رقم (713)، وهو حديث صحيح. (¬3) أخرجه البخاري رقم (519)، ومسلم رقم (512) بنحوه. وأبو داود رقم (712)، والنسائي رقم (167). (¬4) في "السنن" (1/ 456 الباب رقم 112 باب من قال: المرأة لا تقطع الصلاة). (¬5) في "السنن" رقم (715). =

وَجَاءَتْ جَارِيَتَانِ مِنْ بَنِي عَبْدِ المُطَّلِبِ فَدَخَلَتَا بينَ الصَّفِّ كما بَالَى ذَلِكَ. [صحيح] قوله في رواية ابن عباس: "جئت أنا وغلام" زاد البخاري (¬1): "وأنا قد ناهزت الاحتلام". وقوله: "يصلي بالناس" زاد فيه أيضاً (¬2): "بمنى" ووقع عند مسلم (¬3): "بعرفة". قال الحافظ ابن حجر (¬4): إن رواية: "بعرفة" شاذة. وقوله: "فنزل" أي: الغلام. "ونزلت وتركنا الحمار أمام الصف" وفي رواية للبخاري (¬5): "فلم ينكر عليّ ذلك أحد". قال ابن دقيق العيد (¬6): استدل ابن عباس بترك الإنكار على الجواز، ولم يستدل بترك إعادتهم الصلاة؛ لأن ترك الإنكار أكثر فائدة. ¬

_ = وأخرجه البخاري رقم (76)، ومسلم رقم (504)، وابن ماجه رقم (947)، والترمذي رقم (337)، والنسائي (2/ 64). وأخرجه أحمد (1/ 242)، وأبو يعلى رقم (2382)، وابن خزيمة رقم (833)، والحميدي رقم (475)، وابن أبي شيبة (1/ 278 - 280)، وأبو عوانة (2/ 54)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/ 459)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (2/ 276). (¬1) في صحيحه رقم (493). (¬2) البخاري في صحيحه رقم (76)، ومسلم رقم (254/ 504). (¬3) في صحيحه رقم (504). (¬4) في "فتح الباري" (1/ 572) وإليك نص كلامه: ووقع عند مسلم من رواية ابن عيينة: "بعرفة" قال النووي: يحمل ذلك على أنهما قضيتان، وتعقب بأن الأصل عدم التعدد ولا سيما مع اتحاد مخرج الحديث، فالحق أن قول ابن عيينة: "بعرفة" شاذ. (¬5) في صحيحه رقم (493). (¬6) في "إحكام الأحكام" (2/ 45).

قال الحافظ (¬1): قلت: وتوجيهه أن ترك الإعادة يدل على صحتها فقط، لا على جواز المرور، وترك الإنكار يدل على جواز المرور وصحة الصلاة. قلت: وترك الإنكار هو [110 ب] معنى قول ابن عباس: "فما بالاه" أي: النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو يدل على علمه - صلى الله عليه وسلم - بذلك؛ لأنه لا يكون ترك الإنكار حجة على الجواز إلا بشرط انتفاء الموانع عن الإنكار، وثبوت علمه - صلى الله عليه وسلم - بالفعل. وفيه دليل على أن الحمار والمرأة لا يقطعان الصلاة. وهذه الرواية أخرجها أبو داود (¬2) عن أبي الصهباء قال: تذاكرنا ما يقطع الصلاة عند ابن عباس قال: جئت ... الحديث. قال الحافظ المنذري (¬3): وأخرجه النسائي (¬4) بنحوه، وأبو الصهباء هو البكري، وقيل: مولى عبد الله بن عباس واسمه صهيب، وقيل: أنه بصري، وسئل عنه أبو زرعة الرازي، فقال: إنه مدني ثقة. انتهى. 4 - وفي أخرى له (¬5): أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إِلَى غَيْرِ السُّتْرَةِ, فَإِنَّهُ يَقْطَعُ صَلاتَهُ: الحِمَارُ، وَالخِنْزِير، وَاليَهُودِيُّ، وَالمَجُوسِيُّ، وَالمَرْأةُ، وَيُجْزِئُ عَنْهُ إِذَا مَرُّوا بَيْنَ يَدَيْهِ عَلَى قَذْفَةٍ بِحَجَرٍ". [ضعيف] وفي أخرى (¬6): "يَقْطَعُ الصَّلاَةَ الحَائِضُ وَالكَلْبُ". [صحيح موقوفاً] ¬

_ (¬1) في "الفتح" (1/ 572). (¬2) في "السنن" رقم (716) بإسناد حسن. (¬3) (1/ 349). (¬4) في "السنن" رقم (752، 754). (¬5) أي: لأبي داود في "السنن" رقم (704)، وهو حديث ضعيف. (¬6) لأبي داود في "السنن" رقم (703)، وهو صحيح موقوفاً. =

قوله: "وفي أخرى له". أقول: لأبي داود، ولكنه قال أبو داود (¬1): في نفسي من هذا الحديث شيء، [و] (¬2) قد ذاكرت به إبراهيم وغيره، فلم أر أحداً جاء به من هشام ولا يعرفه، وأحسب الوهم من ابن أبي سمينة، واسمه محمد بن إسماعيل البصري مولى بني هاشم، والمنكر فيه: ذكر المجوسي، وفيه: "على قذفةٍ بحجر"، وذكر الخنزير فيه نكارة. قال أبو داود (¬3): لم أسمع هذا الحديث من محمد بن إسماعيل بن أبي سمينة وأحسبه وهم؛ لأنه كان يحدثنا به من حفظه. انتهى بلفظه. 5 - وعن الفضل بن العباس - رضي الله عنهما - قال: "زَارَنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي بَادِيَةٍ لنَا وَلنَا كُلَيْبَةٌ وَحِمَارَةٌ، فَصَلَّى النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - العَصْرَ وَهُمَا بينَ يَدَيْهِ فَلَمْ يُزْجَرَا وَلمْ يُؤَخَّرَا". أخرجه أبو داود (¬4) والنسائي (¬5). [ضعيف] قوله في حديث الفضل: "ولنا كليبة" تصغير كلبة. "وحمارة". قوله: "أخرجه أبو داود". قلت: قال الحافظ المنذري (¬6): وأخرجه النسائي (¬7) بنحوه. ¬

_ = وأخرجه ابن ماجه رقم (949)، والنسائي رقم (751) بلفظ: "الكلب الأسود والحائض". (¬1) في "السنن" (1/ 453 - 454). (¬2) سقطت من (ب). (¬3) في "السنن" (1/ 453 - 454). (¬4) في "السنن" رقم (718). (¬5) في "السنن" رقم (753). وهو حديث ضعيف، والله أعلم. (¬6) في "مختصر السنن" (2/ 350). (¬7) في "السنن" رقم (753).

وقال بعضهم: إن في إسناده مقالاً، وقال: إنه لم يذكر فيه نعت الكلب، وقد يجوز أن يكون ليس بأسود. انتهى. ولم يخرج المصنف رواية تقييد الكلب الأسود، وهي في "سنن أبي داود" (¬1) من حديث أيي ذر عنه - صلى الله عليه وسلم -: "يقطع صلاة الرجل إذا لم يكن بين يديه قيد [111 ب] آخرة الرحل الحمار والكلب الأسود والمرأة" قلت: ما بال الأسود من الأحمر من الأصفر من الأبيض؟ قال: يا ابن أخي! سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما سألتني فقال: "الكلب الأسود شيطان". 6 - وعن كثير بن كثير بن أبي وداعة عن بعض أهله عن جده - رضي الله عنه -: أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي مِمَّا يَلي بَابَ بَنِي سَهْمٍ، وَالنَّاسُ يَمُرُّونَ بَيْنَ يَدَيْهِ, وَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الكَعْبَةِ سُتْرَةٌ. أخرجه أبو داود (¬2) والنسائي (¬3). [ضعيف] قوله: "في حديث كثير بن أبي كثير أنه رأى ... " إلى آخره، قال ابن حجر في "الفتح" (¬4): أنه حديث معلول، فقد رواه أبو داود عن أحمد عن ابن عيينة قال: كان ابن جريج أخبرني به هكذا، ثم وافيت كثيراً فقال: ليس من أبي سمعته ولكن من بعض أهلي عن جدي. انتهى. 7 - وعن أبي سعيد - رضي الله عنه - قال: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ شَيْءٌ وَادْرَءُوا مَا اسْتَطَعْتُمْ، فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ". أخرجه الستة (¬5) إلا الترمذي. [ضعيف] ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (702). قلت: وأخرجه مسلم رقم (510)، وابن ماجه رقم (952، 3210)، والترمذي رقم (338)، والنسائي رقم (750)، وأحمد (5/ 149). (¬2) في "السنن" رقم (2016). (¬3) في "السنن" رقم (758, 2959)، وهو حديث ضعيف. (¬4) (1/ 576). (¬5) أخرجه أبو داود في "السنن" رقم (719)، وهو حديث ضعيف. =

قوله في حديث أبي سعيد: "لا يقطع الصلاة شيء ... " الحديث، وقد اختلف العلماء في العمل بهذه الأحاديث، فمال الطحاوي (¬1) وغيره (¬2) إلى أن حديث أبي ذر وما وافقه منسوخ بحديث عائشة. وتعقِّب بأن النسخ لا يصار إليه إلا إذا علم التاريخ وتعذر الجمع، والتاريخ هنا لم يتحقق والجمع لم يتعذر. ومال الشافعي (¬3) وغيره (¬4) إلى تأويل القطع في حديث أبي ذر بأن المراد به نقص الخشوع، لا الخروج من الصلاة، ويؤيد ذلك أن الصحابي راوي الحديث سأله عن الحكمة في التقييد بالأسود، فأجيب: بأنه شيطان، وقد علم أن الشيطان لو بين يدي المصلي لم تفسد صلاته كما سيأتي في الصحيح: "إذا ثوب بالصلاة" إلى قوله: "فإذا قضى التثويب أقبل يخطر بين المرء ونفسه" (¬5). قلت: قد مر هذا في باب الأذان. ¬

_ = الحديث في إسناده مجالد بن سعيد بن عمير الهمداني الكوفي، وقد تكلم فيه غير واحد، وأخرج له مسلم حديثاً مقروناً بجماعة من أصحاب الشعبي. انظر: "التقريب" رقم الترجمة (6478). (¬1) في "شرح معاني الآثار" (1/ 463 - 464). (¬2) انظر: "التمهيد" (4/ 120 - 123). (¬3) انظر: "شرح صحيح مسلم" (4/ 227). (¬4) انظر: "المغني" (2/ 101 - 102). (¬5) تقدم، وسيأتي أيضاً.

وقال أحمد (¬1): يقطع الصلاة الكلب الأسود، وفي النفس من الحمار والمرأة شيء، ووجهه [112 ب] ابن دقيق العيد وغيره بأنه لم يجد في الكلب الأسود ما يعارضه، ووجد في الحمار حديث ابن عباس الذي تقدم في مروره وهو راكب بمنى، ووجد في المرأة حديث عائشة. وقيل: حديث: "تقطع الصلاة المرأة" (¬2) يشمل ما إذا كانت قائمة أو قاعدة أو مضطجعة أمامه, فلما ثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - صلى وهي مضطجعة أمامه؛ دلَّ ذلك على نسخ الحكم في المضطجع، وفي الباقي بالقياس عليه. وتعقب (¬3) بأنه يتوقف على إثبات المساواة بين الأمور المذكورة, ولو ثبت أن حديث عائشة متأخر عن حديث أبي ذر؛ لما دلَّ إلا على نسخ الاضطجاع فقط. وقيل: إن المرأة في حديث أبي ذر مطلقة, وفي حديث عائشة مقيدة بكونها زوجته، فقد يحمل المطلق على المقيد. ويقال بتقييد القطع بالأجنبية لخشية الافتتان بها بخلاف الزوجة. وقيل (¬4): حديث عائشة واقعة حال يتطرق إليها الاحتمال، بخلاف حديث أبي ذر؛ فإنه مسوق مساق التشريع العام. وقيل (¬5): بل ذلك خاص به - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه كان يقدر من ملك إربه ما لا يقدر عليه غيره. ¬

_ (¬1) انظر: "المغني" (2/ 103 - 105)، و"الاستذكار" (6/ 180 - 181). (¬2) ذكره الحافظ في "الفتح" (1/ 590). (¬3) ذكره الحافظ في "الفتح" (1/ 590). (¬4) ذكره الحافظ في "الفتح" (1/ 590). (¬5) قاله ابن بطال في شرحه لصحيح البخاري (1/ 142 - 143).

وقيل (¬1): فرق بين المار وبين النائم في القبلة بأن المرور حرام بخلاف الاستقرار نائماً كان أو غيره, فالمرأة يقطع مرورها دون لبثها، هذا كله مستفاد من "فتح الباري" (¬2) من موضعين بتلخيص. 8 - وفي رواية لأبي داود (¬3): "مَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لاَ يَحُولَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ القِبْلَةِ أَحَدٌ، فَلْيَفْعَلْ". [ضعيف] 9 - وفي أخرى للبخاري (¬4): قَالَ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إِلَى شَيْءٍ يَسْتُرُهُ مِنَ النَّاسِ، فَأَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَجْتَازَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلْيَدْفَعْهُ, فَإِنْ أَبِي فَلْيُقَاتِلْهُ؛ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ". [صحيح] قوله: "وفي أخرى للبخاري". أقول: ترجم البخاري (¬5): باب سترة الإمام سترة من خلفه، وأورد أحاديث (¬6) منها: أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يأمر أصحابه أن يتخذوا سترة غير سترته. ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (1/ 590). (¬2) (1/ 590). (¬3) في "السنن" رقم (689). وأخرجه ابن ماجه رقم (942)، وهو حديث ضعيف، والله أعلم. (¬4) أخرجه البخاري رقم (509). وأخرجه مسلم رقم (258/ 505)، وأحمد (3/ 34)، وأبو داود رقم (697)، والنسائي (2/ 66)، وأبو عوانة (2/ 43)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/ 460)، وفي "شرح مشكل الآثار" رقم (2610)، وابن حبان رقم (2367، 2368)، والبيهقي (2/ 267). وهو حديث صحيح. (¬5) في صحيحه (1/ 571 الباب رقم 90 - مع الفتح). (¬6) برقم (494, 495).

قال الحافظ في "الفتح" (¬1): ولفظ ترجمة الباب وردت في حديث مرفوع رواه الطبراني في "الأوسط" (¬2) من طريق سويد بن عبد العزيز عن عاصم عن أنس مرفوعاً: "سترة الإمام سترة لمن خلفه" تفرّد به سويد عن عاصم، وسويد ضعيف. قوله: "إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس فأراد أحد أن يجتاز" يمر. "بين يديه" أي: بينه وبين سترته. "فليدفعه" يرده، ولمسلم (¬3): "فليدفع [113 ب] في نحره" قال القرطبي (¬4): بالإشارة ولطيف المنع. وقوله [480/ أ]: "فليقاتله" أي: يزيد في دفعه الثاني أشد من الأول. قال: وأجمعوا (¬5) على أنه لا يلزمه أن يقاتله بالسلاح، لمخالفة ذلك لقاعدة الإقبال على الصلاة والاشتغال بها والخشوع فيها. انتهى. وأطلق جماعة من الشافعية أن له أن يقاتله (¬6) حقيقة، فإن قتله فلا شيء عليه؛ لأن الشارع أذن له بمقاتلته, والمقاتلة المباحة لا ضمان فيها. ونقل عياض (¬7): أن عندهم خلافاً في وجوب الدية في هذه الحالة، وهل يجب الدفع أو لا؟ ¬

_ (¬1) (1/ 571). (¬2) رقم (465). وأورده الهيثمي في "المجمع" (2/ 62) وقال: وفيه سويد بن عبد العزيز وهو ضعيف. (¬3) في صحيحه رقم (258، 505). (¬4) في "المفهم" (2/ 104 - 105). (¬5) قاله عياض في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (2/ 419)، والقرطبي في "المفهم" (2/ 105). (¬6) واستبعده ابن العربي، وقال: المراد بالمقاتلة: المدافعة. (¬7) في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (2/ 419).

قال النووي (¬1): لا نعلم أحداً قال بوجوب هذا الدفع، بل صرّح أصحابنا بأنه مندوب. انتهى. قال ابن حجر (¬2): قد صرّح بوجوبه أهل الظاهر (¬3)، وكأن الشيخ لم يراجع كلامهم فيه. انتهى. وأما قدر السترة في ارتفاعها وغلظها، فقد اختلف العلماء في ذلك، قال مالك (¬4): أقل ما يجزئ المصلي في السترة غلظ الرمح، وكذلك السوط إن كان قائماً والعصا، وارتفاعها قدر عظم الذراع هذا أقل ما يجزئ عندي، ولا تفسد صلاة من صلى إلى غير سترة، وإن كان ذلك مكروهاً. وقول الشافعي (¬5) في ذلك كقول مالك. وقال الثوري وأبو حنيفة (¬6): أقل السترة قدر مؤخرة الرَّحل، ولم يقدِّر وأذراعاً ولا عظم ذراع ولا غير ذلك. وقالوا: يجزئ السهم والسوط والسيف، يعني في الغلظ. واختلفوا في ما يعرض ولا ينصب وفي الخط، ذكر ذلك ابن عبد البر (¬7). ¬

_ (¬1) في شرحه لصحيح مسلم (4/ 223)، "المجموع شرح المهذب" (3/ 225). (¬2) في "فتح الباري" (1/ 584). (¬3) انظر: "المحلى" (4/ 6 - 8). (¬4) "التمهيد" (5/ 36 - 37). (¬5) انظر: "شرح السنة" (2/ 447)، "المغني" (3/ 83). (¬6) انظر: "البناية شرح الهداية" (2/ 513 - 514). (¬7) في "التمهيد" (5/ 37 - 38).

قال: والفرق عندي بين من صلى بغير سترة، وبين ما يدرؤه، وبين ما لا يدرؤه هو المقدار الذي لا ينال المصلي فيه المار بين يديه، فيدرؤه ويمنعه لإجماعهم على [114 ب] أن المشي إليه باعاً أو باعين من غير أثر لزمها أكثر من ذلك، وذلك فاسد بالإجماع. 10 - وعن بسر بن سعيد: أَنَّ زَيْدَ بْنَ خَالِدٍ أَرْسَلَهُ إِلَى أَبِي جُهَيْمٍ يَسْأَلُهُ: مَاذَا سَمِعَ مِنْ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي المَارِّ بَيْنَ يَدَيِ المُصَلِّي؟ فَقَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْ يَعْلَمُ المَارُّ بينَ يَدَيِ المُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ لكَانَ أَنْ يَقِفَ أَرْبَعِينَ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ". قَالَ أَبُو النَّضْرِ: لاَ أَدْرِى؟ قَالَ: أَرْبَعِينَ يَوْمًا، أَوْ شَهْرًا، أَوْ سَنَةً. أخرجه الستة (¬1). [صحيح] قوله في حديث بسر بن سعيد: "لو يعلم المار" عقد له البخاري (¬2) ترجمة فقال: باب: إثم المار بين يدي المصلي، وذكر حديث بسر بن سعيد. وزيد بن خالد هو الجهني الصحابي، وأبو جهم هو ابن الحارث بن الصمة الأنصاري. وقوله: "بين يدي المصلي" أي: أمامه بالقرب منه، واختلف في تحديد ذلك فقيل: إذا مر بينه وبين مقدار سجوده، وقيل: بينه وبين قدر ثلاثة أذرع. وقيل: بينه وبين قدر رمية حجر. قوله: "ماذا عليه" زاد بعض رواة البخاري (¬3): "من الإثم". قال الحافظ ابن حجر (¬4): ليست هذه الزيادة في شيء من الروايات عند غيره ولا في شيء من الستة، ولا في رواية أصحاب المسانيد المستخرجات. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (510) ومسلم رقم (507) وأبو داود رقم (701) والترمذي رقم (336) والنسائي (2/ 66) وابن ماجه رقم (944) وأخرجه أحمد (4/ 169). وهو حديث صحيح. (¬2) في صحيحه (1/ 584 الباب رقم 101 - مع الفتح). (¬3) وهو الكشميهني. (¬4) في "فتح الباري" (1/ 585).

قال (¬1): ولم أرها إلا في "مصنف ابن أبي شيبة" (¬2) - يعني: "من الإثم" - هذا معنى كلامه لا لفظه. قال (¬3): وقد عزاها المحب الطبري في "الأحكام" للبخاري، وأطلق فعيب عليه ذلك، وعلى صاحب "العمدة" في إبهامه أنها في الصحيحين. قوله: "أن يقف أربعين" يعني: أن المار لو علم مقدار ما يلحقه من الإثم بمروره بين يدي المصلي، لاختار أن يقف المدة المذكورة حتى لا يلحقه الإثم. قوله: "قال أبو النضر ... " إلى آخره. أقول: أبو النضر مولى عمر بن عبيد الله (¬4) أحد رواة الحديث، واسم أبي النضر [سالم (¬5) ابن عبد الله بن أبي أمية التيمي، مولاهم المدني]. وعمر بن عبيد الله بن معمر التيمي كان أميراً على حرب الخوارج. قال ابن حجر (¬6): وقع في رواية البزار (¬7) من طريق ابن عيينة التي ذكرها ابن القطان: "لكان أن يقف أربعين خريفاً". انتهى. ¬

_ (¬1) الحافظ في "فتح الباري" (1/ 585). (¬2) (1/ 282 - 283). (¬3) انظر "فتح الباري" (1/ 585 - 586)، "الاستذكار" (6/ 164 - 165). (¬4) ذكره ابن الأثير في "تتمة جامع الأصول" (2/ 719 - قسم التراجم). (¬5) كذا في (أ. ب)، والذي في "تتمة جامع الأصول" (1/ 456): سالم أبو النضر، هو أبو النضر سالم بن أبي أمية مولى عمر بن عبيد الله بن معمر القرشي التيمي المدني، يعد في التابعين، وأكثر رواته عنهم. (¬6) "الفتح" (1/ 585). (¬7) أورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (2/ 62). وقال: ورجاله رجال الصحيح.

قال النووي (¬1): فيه دليل على تحريم المرور، فإن معنى الحديث النهي الأكيد والوعيد الشديد على ذلك. انتهى. وسرد الحافظ (¬2) هنا تنبيهات، أحدها: أنه استنبط ابن بطال (¬3) أنه يختص الإثم بمن يعلم بالنهي وارتكبه. قال (¬4): وأخذه من ذلك فيه بُعد، لكنه معلوم من أدلة أخرى. ثانيها: ظاهر الحديث أن الوعيد المذكور لمن مرَّ لا بمن وقف عامداً مثلاً بين يدي المصلي [115 ب] أو قعد أو رقد، لكن إن كانت العلة التشويش على المصلي فهو في معنى المار. ثالثها: ظاهر عموم النهي في كل مصلٍ، وخصه بعض المالكية بالإمام والمنفرد؛ لأن المأموم لا يضره من مر بين يديه؛ لأن سترة إمامه سترة له. انتهى. والتعليل (¬5) المذكور لا يطابق المدعى؛ لأن السترة تفيد رفع الحرج عن المصلي، لا عن المار، فاستوى الإمام والمأموم والمنفرد. رابعها: ذكر ابن دقيق العيد (¬6) أن بعض المالكية قسم أحوالي المصلي والمار في الإثم وعدمه إلى أربعة أقسام: يأثم المار دون المصلي وعكسه، يأثمان جميعاً وعكسه. ¬

_ (¬1) في شرحه لصحيح مسلم (4/ 225 - 226). (¬2) في "الفتح" (1/ 586). (¬3) في شرحه لصحيح البخاري (2/ 138). (¬4) الحافظ في "الفتح" (1/ 586). (¬5) قال الحافظ في "الفتح" (1/ 586). (¬6) في "إحكام الأحكام" (ص 371).

فالصورة الأولى: أن يصلي إلى سترة في غير مشروع، وللمار مندوحة فيأثم المار دون المصلي. الثانية: أن يصلي في مشرع مسلوك بغير سترة أو متباعد منها، ولا يجد المار مندوحة، فيأثم المصلي دون المار. والثالثة: مثل الثانية، لكن يجد المار مندوحة، فيأثمان جميعاً. الرابعة: مثل الأولى، لكن لا يجد المار مندوحة, فلا يأثمان جميعاً. انتهى. وظاهر الحديث يدل على منع المار (¬1) مطلقاً، ولو لم يجد مسلكاً بل يقف حتى يفرغ المصلي من صلاته. 11 - وعن يزيد بن نمران قال: رَأَيْتُ رَجُلاً بِتَبُوكَ مُقْعَدًا، فَقَالَ: مَرَرْتُ بينَ يَدَيِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَنَا عَلَى حِمَارٍ وَهُوَ يُصَلِّي، فَقَالَ: "اللهمَّ اقْطَعْ أَثَرَهُ" قَالَ: فَمَا مَشَيْتُ عَلَيْهَا بَعْدُ (¬2). [ضعيف جداً] وفي رواية: "قَطَعَ صَلاَتَنَا قَطَعَ الله أَثَرَهُ" أخرجه أبو داود (¬3). [ضعيف جداً]. قوله: "في حديث يزيد بن نمران" (¬4) وهو بكسر النون وسكون الميم ثم راء. "رأيت رجلًا مقعداً ... " الحديث. قوله: "أخرجه أبو داود". قلت: أخرجه عن مولى ليزيد بن نمران عن يزيد، ومولى يزيد بن نمران مجهول. ¬

_ (¬1) انظر: "المغني" (3/ 86 - 90)، "فتح الباري" (1/ 586). (¬2) أخرجه أبو داود في "السنن" رقم (705)، وهو حديث ضعيف جداً. (¬3) في "السنن" رقم (706)، وهو حديث ضعيف جداً. (¬4) ذكره ابن الأثير في "تتمة جامع الأصول" (2/ 1012 - قسم التراجم).

12 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تُصَلُّوا خَلْفَ النَّائِمِ وَلاَ المُتَحَدِّثِ" أخرجه أبو داود (¬1). [ضعيف] قوله في حديث ابن عباس [481/ أ]: "لا تصلوا خلف النيام (¬2) ولا المتحدثين ولا المتحلقين". أقول: لفظه في "السنن" (¬3) بعد أن ترجمه بباب (¬4) في الصلاة إلى المتحدثين والنيام، وساق سنده إلى ابن عباس: "أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: لا تصلوا خلف النائم ولا المتحدث" هذا لفظه في [116 ب] نسختين صحيحتين ليس فيهما المتحلقين (¬5) ولا جمع النائم والمتحدث. ثم راجعت "الجامع" (¬6) لابن الأثير فقال: ذكر الرواية التي فيها الجمع وزيادة المتحلقين رزين، وذكر الرواية التي ذكرنا أنها لفظ أبي داود فقال: أخرجها أبو داود. انتهى. فالعجب من المصنف حيث ذكر ما ذكره رزين ونسبه لأبي داود. قوله: "أخرجه أبو داود". قلت: قال الحافظ المنذري (¬7): وأخرجه ابن ماجه (¬8)، وفي إسناده رجل مجهول. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (694)، وقد تقدم. (¬2) لم يأت الشارح هنا بنص الحديث كما هو في "التيسير". (¬3) في "السنن" رقم (694)، وهو حديث ضعيف، وقد تقدم. (¬4) أي في "سنن أبي داود" (1/ 445 الباب 106). (¬5) وهو كما قال الشارح. (¬6) (5/ 518 - 519 الحديث رقم 3737). (¬7) في "مختصر السنن" (1/ 341). (¬8) في "السنن" رقم (959)، وهو حديث ضعيف.

قال الخطابي (¬1): هذا الحديث لا يصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لضعف سنده وبسط القول فيه، والطريق التي خرّجه بها ابن ماجه فيها أبو المقدام هشام بن زياد البصري، ولا يحتج بحديثه. انتهى. وقد قدّمنا الإشارة إلى ضعفه. 13 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَجْعَلْ تِلْقَاءَ وَجْههِ شَيْئًا، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيَنْصِبْ عَصًا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ عَصًا فَلْيَخْطُطْ خَطًّا، ثُمَّ لاَ يَضُرُّهُ مَا مَرَّ أَمَامَهُ". أخرجه أبو داود (¬2). [ضعيف] وقال (¬3): قالوا: الخَطُّ بِالطُّولِ، وَقالُوا: بِالعَرْضِ مِثْلُ الِهلَالِ. قوله: "في حديث أبي هريرة ... "، الحديث إلى قوله: "أخرجه أبو داود". قلت: وقال: قال سفيان - يعني ابن عيينة (¬4) - لم أجد شيئاً يشد به هذا الحديث، ولم يجيء إلا من هذا الوجه. انتهى. قال المنذري (¬5): وقد أشار الشافعي إلى ضعفه. ¬

_ (¬1) في "معالم السنن" (1/ 445). (¬2) في "السنن" رقم (689). وأخرجه أحمد (2/ 249)، وابن ماجه رقم (943)، وابن حبان رقم (2361)، والطيالسي (ص 338 رقم 2592)، والبيهقي (2/ 270)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (541) وقال: في إسناده ضعف. (¬3) أبو داود في "السنن" (1/ 444). (¬4) أخرجه أبو داود رقم (690)، وذكره السيوطي في "تدريب الراوي" (1/ 264). وانظر تفصيل ذلك في "التمهيد" (4/ 199). (¬5) في "مختصر السنن" (1/ 340).

قال أبو بكر البيهقي (¬1): ولا بأس به في مثل هذا الحكم إن شاء الله تعالى. وعن سفيان بن عيينة (¬2) قال: رأيت شريكاً صلّى بنا في جنازةٍ العصر، فوضع قلنسوته بين يديه - يعني في فريضة حضرت - .. انتهى. وقال ابن عبد البر في "الاستذكار" (¬3): أن مالكاً والليث وأبا حنيفة كلهم يقول: الخط ليس بشيء، وقال أحمد بن حنبل (¬4) وأبو ثور: إذا لم يجد تلقاء وجهه شيئاً ولم يجد عصاً ينصبها فليخط خطاً، وكذلك قال الشافعي بالعراق. ونقل عن الطحاوي: أن في حديث أبي هريرة مجهولين: أبو عمرو وجده. قوله: "وقال: قالوا الخط ... ". أقول: لفظ أبي داود (¬5): سمعت أحمد بن حنبل سئل عن [117 ب] وصف الخط غير مرة, فقال: هكذا عرضاً مثل الهلال - يعني بالعرض هو مثل الهلال منعطفاً - قال أبو داود: [وسمعت] (¬6) مسدداً يقول: الخط بالطول (¬7). انتهى بلفظه وهو نسخة من "سنن أبي داود". وقال ابن عبد البر (¬8): اختلف القائلون بالخط كيف يكون نصبه بين يدي المصلي؟ ¬

_ (¬1) في "السنن الكبرى" (2/ 270). (¬2) أخرجه أبو داود في "السنن" رقم (691). (¬3) (6/ 173 رقم 8479). (¬4) انظر: "المغني" (3/ 86). (¬5) في "السنن" رقم (690). (¬6) سقطت من (أ. ب). (¬7) ثم قال أبو داود: وسمعت أحمد بن حنبل وصف الخط غير مرة فقال: هكذا يعني بالعرض مَوْراً دوْراً مثل الهلال، يعني منعطفاً. (¬8) في "الاستذكار" (6/ 173 - 175).

فقالت طائفة: يجعله بالأرض كما يفعله قائماً ولا يعرضه عرضاً. وقال آخرون: بل يجعله معترضاً بين يديه, وقال آخرون: بل يخط خطاً كالمحراب ويصلي إليه كالصلاة في المحراب، وكان أحمد بن حنبل (¬1) يختار هذا ويجيز الوجوه الثلاثة. انتهى. 14 - وعن طلحة بن عبيد الله - رضي الله عنه - قال: قال رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا وَضَعَ أَحَدُكُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ مِثْلَ مُؤَخِّرَةِ الرَّحْلِ، فَلْيُصَلِّ وَلاَ يُبَالِي مَا مَرَّ وَرَاءَ ذَلِكَ". أخرجه مسلم (¬2) وأبو داود (¬3) والترمذي (¬4). [صحيح] قوله في حديث طلحة بن عبيد الله: "مثل مؤخرة الرحل". أقول: في "التوشيح": مؤخرة بضم الميم ثم همزة ساكنة والخاء مكسورة ومفتوحة، العود الذي في آخر الرحل الذي يستند إليه الراكب (¬5). وفي الحديث الندب إلى السترة بين يدي المصلي، وأن أقلها (¬6) كمؤخرة الرحل، وهي قدر ثلثي ذراع وتحصل بأي شيء أقامه بين يديه. ¬

_ (¬1) انظر: "المغني" (3/ 86)، "الاستذكار" (6/ 175 رقم 8495). (¬2) في صحيحه رقم (242، 499). (¬3) في "السنن" رقم (685). (¬4) في "السنن" رقم (335). وأخرجه أحمد (1/ 161)، وابن ماجه رقم (940)، والبزار رقم (939)، وأبو يعلى رقم (630)، وابن خزيمة رقم (805, 842)، وابن حبان رقم (2380)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (2/ 269). وهو حديث صحيح. (¬5) انظر: "شرح صحيح مسلم" للنووي (4/ 216)، "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" (2/ 489 - 490). (¬6) انظر: "الاستذكار" (6/ 171 - 173).

والحكمة (¬1) فيه: كفّ البصر عما وراءها، ومنع من يجتاز بقربه، وينبغي أن يدنو من السترة. وقدمنا كلامهم في مقدار الدنو، وله منع المار حينئذ بينه وبينها، فإن لم تكن سترة فلا يحرم المرور، بل يكره وليس له حينئذ دفعه لتقصيره، ويستحب جعل السترة عن يمينه أو شماله ولا يصمد لها. 15 - وعن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: قَالَ رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا صَلَّى الرَّجُلُ وَلَيْسَ بَيْنَ يَدَيْهِ كَآخِرَةِ الرَّحْلِ قَطَعَ صَلَاتَهُ الكَلْبُ الأَسْوَدُ, وَالمَرْأَةُ، وَالحِمَارُ". قِيلَ لِأَبِي ذَرٍّ: مَا بَالُ الأَسْوَدِ مِنْ الأَحْمَرِ مِنْ الأَبْيَضِ؟ قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي! سَألتَنِي كَمَا سَألتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "الكَلْبُ الأَسْوَدُ شَيْطَانٌ". أخرجه الخمسة (¬2) إلا البخاري. [صحيح] قوله: "وعن أبي ذر". أقول: قدمنا [118 ب] الكلام عليه. وقوله: "الكلب الأسود شيطان" ظاهره أنه شيطان حقيقة تشكّل بشكل الكلب، وتقدم الكلام في قطع الصلاة (¬3). 16 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: "كَانَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - إذْ خَرَجَ يَوْمَ العِيدِ أَمَرَ بِالحَرْبَةِ فَتُوضَعُ بَيْنَ يَدَيْه, فَيُصَلِّي إِلَيْهَا وَالنَّاسُ وَرَاءَهُ, وَكَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السَّفَرِ، فَمِنْ ثَمَّ اتَّخَذَهَا الأُمَرَاءُ". ¬

_ (¬1) ذكره النووي في "شرح صحيح مسلم" (4/ 216). (¬2) أخرجه مسلم رقم (510)، وأبو داود رقم (702)، والترمذي رقم (338)، والنسائي (2/ 63)، وابن ماجه رقم (952). وهو حديث صحيح، وقد تقدم. (¬3) انظر: "المغني" (3/ 97 - 110)، و"المجموع شرح المهذب" (3/ 229)، و"الاستذكار" (6/ 179 - 181).

أخرجه الخمسة (¬1) إلا الترمذي. [صحيح] قوله في حديث ابن عمر: "فيأمر بالحربة, فتوضع بين يديه, فيصلي إليها" يجعلها سترة له في مصلاه، وكذلك في السفر. 17 - وعنه - رضي الله عنه - قال: "كانَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يُعَرِّضُ رَاحِلَتَهُ فَيُصَلِّي إِلَيْهَا". [صحيح] وفي رواية: "أَنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى إلى بَعِيرِهِ" أخرجه الستة (¬2) إلا النسائي، ولم يرفعه مالك (¬3) وأبو داود (¬4). [صحيح] قوله في حديث ابن عمر الثاني: "يعرض راحلته" بتشديد الراء، أي: يجعلها عرضاً، وترجم له البخاري (¬5): باب الصلاة إلى الراحلة والبعير. "فيصلي إليها" أي: يجعلها سترة. قال القرطبي (¬6): في هذا الحديث دليل على جواز التستر بما يستقر من الحيوان، ولا يعارضه النهي عن الصلاة في معاطن الإبل؛ لأن المعاطن مواضع إقامتها عند الماء وكراهته حينئذ عندها، إما لشدة نتنها، وإما لأنهم كانوا يتخلون بينها متسترين بها. انتهى. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (494)، ومسلم رقم (501)، وأبو داود رقم (687)، والنسائي رقم (747، 1565)، وابن ماجه رقم (1305). وهو حديث صحيح، والله أعلم. (¬2) أخرجه البخاري رقم (430، 507)، ومسلم رقم (502)، وأبو داود رقم (692)، والترمذي رقم (352)، ومالك في "الموطأ" (1/ 157 رقم 41). (¬3) في "الموطأ" (1/ 157 رقم 41)، وأخرجه البخاري موصولاً، وانظر ما تقدم. (¬4) في "السنن" رقم (692). (¬5) في صحيحه (1/ 580 الباب رقم 98 - مع الفتح). (¬6) في "المفهم" (2/ 101).

18 - وعن المقداد بن الأسود - رضي الله عنه - قال: مَا رَأَيْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى إِلَى عُودٍ ولَا عَمُودٍ وَلَا شَجَرَةٍ, إِلَّا جَعَلَهُ عَلَى حَاجِبِهِ الأَيمَنِ، أَوْ الأَيْسَرِ، وَلَا يَصْمُدُ لَهُ صَمْدًا (¬1). [ضعيف] "الصَّمْدُ" القصد للشيء والتوجه إليه (¬2). قوله في حديث المقداد: "ولا يصمد [لها] (¬3) صمداً" تقدم ما يفيده. 19 - وعن سهل بن أبي حثمة - رضي الله عنه - قال: قَالَ النّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إِلَى سُتْرَةٍ فَلْيَدْنُ مِنْهَا، لاَ يَقْطَعُ الشَّيْطَانُ عَلِيهِ صَلاتَهُ". أخرجه أبو داود (¬4). [صحيح] قوله: "فليدن منها" من الدنو، وقد قدمنا المقدار الذي ذكره العلماء في مقدار الدنو. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود في "السنن" رقم (693). وأخرجه أحمد (6/ 4)، والطبراني في "الكبير" (ج 2 رقم 610)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (538)، وابن عدي في "الكامل" (7/ 2542)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (2/ 272) من طرق بإسناد ضعيف جداً، الوليد بن كامل عنده عجائب، والمهلب بن حُجْر وضباعة مجهولان. انظر: "بيان الوهم والإيهام الواقعين في كتاب الأحكام" (3/ 351 - 352 رقم 1099). وهو حديث ضعيف، والله أعلم. (¬2) انظر: "القاموس المحيط" (ص 375)، وقد تقدم شرحها. (¬3) كذا في الشرح، والذي في نص الحديث: "له". (¬4) أخرجه أبو داود في "السنن" رقم (695). وأخرجه أحمد (4/ 2)، والنسائي في "المجتبى" (2/ 62)، وفي "السنن الكبرى" رقم (826)، وابن خزيمة رقم (803)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/ 458)، وفي "مشكل الآثار" رقم (2613)، وابن حبان رقم (2373)، والطبراني في "الكبير" رقم (5624)، والحاكم (1/ 251 - 252)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (2/ 272). وهو حديث صحيح، والله أعلم.

ثامنها: في أحاديث متفرقة

قوله: "أخرجهما أبو داود" أي: حديث المقداد (¬1) وحديث سهل بن أبي حثمة (¬2)، إلا أنه قال أبو داود (¬3) في حديث سهل [482 أ]: وقد اختلف في إسناده. ثامنها: في أحاديث متفرقة: قوله: "ثامنها" أي: الشرائط كما قال في أول ذكرها. حمل الصغير وحمل الصغير في الصلاة ليس من شرائطها اتفاقاً، فكيف فعله شرطاً؟! والعجب من ابن الأثير (¬4) فإنه قال: الفصل السادس: في شرائط الصلاة ولوازمها، وفيه ثمانية فروع. انتهى. [119 ب]. فزاد لوازمها، فساغ له ذكر حمل الصغير، وجعله فرعاً، فلما ذكر اللوازم صح أن يجعل حمل الصغير من اللوازم. وأما المصنف فما عرف المراد فظن أن هذا الفرع شرطاً ثامناً فوهم وهماً فاحشاً، إذ يلزم أن لا تصح الصلاة إلا بحمل الصغير مثلاً كما لا تصح إلا بوضوء. وابن الأثير (¬5) قال: الفرع الثامن في أحاديث متفرقة، وبدأ فيها بحمل الصغير على أن جعله من لوازم الصلاة أيضاً غير صحيح، فإن لازم الشيء لا يفارقه فهو كالشرط، وهذا أيضاً باطل (¬6). ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (693)، وهو حديث ضعيف. (¬2) في "السنن" رقم (695)، وهو حديث صحيح. (¬3) في "السنن" (1/ 447). (¬4) في "الجامع" (5/ 438). (¬5) في "الجامع" (5/ 524). (¬6) وهو كما قال.

1 - عن أبي قتادة - رضي الله عنه - قال: "كَانَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي بِالنَّاسِ وَهْوَ حَامِلٌ أُمَامَةَ بِنْتَ زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَهَا، وَإِذَا قَامَ حَمَلَهَا". أخرجه الستة (¬1) إلا الترمذي. [صحيح] قوله: "في حديث أبي قتادة: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي بالناس وهو حامل أمامة بنت زينب بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ". أقول: هذه العبارة - أعني -: "كان يفعل" تقضي ظاهراً بالدوام، ولكن القرينة قائمة على أنه لم يتفق ذلك معه - صلى الله عليه وسلم - إلا مرة واحدة. وقوله: "حامل أمامة" المشهور (¬2) في الروايات التنوين ونصب أمامة، وروي بالإضافة (¬3)، وفي رواية مسلم (¬4) تعيين محل الحمل بقوله: "على عاتقه" وفي رواية لأحمد (¬5): "على رقبته". وأمامة بضم الهمزة وتخفيف الميمين، كانت صغيرة (¬6) على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، وتزوجها علي - عليه السلام - بعد وفاة فاطمة - رضي الله عنها - بوصية منها ولم تعقب. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (516) وطرفه رقم (5996)، ومسلم رقم (543)، وأبو داود رقم (917، 918، 919، 920)، والنسائي رقم (711، 1204، 1205)، ومالك في "الموطأ" (1/ 170). وهو حديث صحيح. (¬2) ذكره الحافظ في "الفتح" (1/ 591). (¬3) قال الحافظ في "الفتح" (1/ 591) كما قرئ في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ} [الطلاق: 3]. (¬4) في صحيحه رقم (42/ 543). (¬5) في "المسند" (5/ 295). (¬6) انظر: "فتح الباري" (1/ 591).

وزاد في رواية البخاري (¬1): "ولأبي العاص بن ربيعة بن عبد شمس" فأبان بها أباها. قوله: "فإذا سجد وضعها" ولأحمد (¬2) وابن حبان (¬3): "إذا ركع وضعها" ولأبي داود (¬4): "حتى إذا أراد أن يركع أخذها فوضعها، ثم ركع وسجد حتى إذا فرغ من سجوده وقام أخذها فردها [في] (¬5) مكانها". ولأحمد (¬6): "فإذا قام حملها فوضعها على [120 ب] رقبته". قال القرطبي (¬7): اختلفوا في تأويل هذا الحديث، والذي أحوجهم إلى ذلك أنه عمل كثير، فروى ابن القاسم عن مالك: أنه كان في النافلة, وهو تأويل بعيد؛ فإن ظاهر الأحاديث أنه كان في فريضة، ولأنه ثبت في رواية مسلم (¬8): "رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يؤم الناس وأمامة على عاتقه". قال المازري (¬9): إمامته الناس في النافلة ليست بمعهودة. ولأبي داود (¬10): "بينما نحن ننتظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الظهر أو العصر وقد دعاه بلال ¬

_ (¬1) في صحيحه رقم (516). (¬2) في "المسند" (5/ 296). (¬3) في صحيحه رقم (1109). (¬4) في "السنن" رقم (920)، وهو حديث صحيح. (¬5) سقطت من (ب). (¬6) في "المسند" (5/ 303). (¬7) في "المفهم" (2/ 152). (¬8) في صحيحه رقم (42/ 543). (¬9) في "المعلم بفوائد مسلم" (1/ 277). (¬10) في "السنن" رقم (920).

للصلاة؛ إذ خرج علينا وأمامة على عاتقه, فقام في مصلاه وقمنا خلفه, فكبر فكبرنا وهي في مكانها". وقال مالك (¬1): في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - ناسخ ومنسوخ، وليس العمل على هذا. وقال ابن عبد البر (¬2): لعله نسخ بتحريم العمل في الصلاة. وتعقب بأن النسخ لا يثبت بالاحتمال، وبأن هذه القصة كانت بعد قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إن في الصلاة لشغلاً" لأن ذلك كان قبل الهجرة، وهذه القصة كانت بعد الهجرة قطعاً بمدة مديدة. وذكر عياض (¬3) عن بعضهم: أن ذلك كان من خصائصه - صلى الله عليه وسلم - لكونه كان معصوماً من أن تبول وهو حاملها. ورُدّ (¬4) بأن الأصل عدم الاختصاص، وبأنه لا يلزم من ثبوت الاختصاص في أمر ثبوته في غيره بغير دليل، ولا مدخل للقياس في مثل هذا. قلت: ولأنه ليس الكلام فيما يخاف من بولها، بل في أنه عمل كثير في الصلاة ينافيها، وحمل أكثر أهل العلم هذا الحديث على أنه عمل غير متوالٍ لوجود الطمأنينة في أركان صلاته. وقال النووى (¬5): ادعى بعض المالكية أن هذا الحديث منسوخ، وبعضهم أنه من الخصائص، وبعضهم أنه كان للضرورة، وكل ذلك دعاوى باطلة مردودة لا دليل عليها. ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (1/ 592). (¬2) في "الاستذكار" (6/ 315). (¬3) في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (2/ 475). (¬4) ذكره الحافظ في "الفتح" (1/ 592). (¬5) في شرحه لصحيح مسلم (5/ 32).

من نعس في الصلاة

وليس (¬1) في الحديث ما يخالف قواعد الشرع؛ لأن الآدمي طاهر، وما في جوفه معفو عنه، وثياب الأطفال وأجسادهم محمولة على الطهارة حتى تبين النجاسة، والأعمال في الصلاة لا تبطلها إذا قلَّت أو تفرقت. ودلائل الشرع متظاهرة على [121 ب] ذلك، وإنما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - لبيان الجواز. انتهى (¬2). قلت: قوله: "وما في (¬3) جوفه معفو عنه" يقال عليه: ما في جوفه ليس بنجس حتى يعفى عنه، فإنه لا يكون نجساً إلا إذا خرج من السبيلين. من نعس في الصلاة قوله: "من نعس في الصلاة". 1 - عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ وَهُوَ يُصَلِّي فَلْيَرْقُدْ حَتَّى يَذْهَبَ عَنْهُ النَّوْمُ، فَإِن أَحَدَكُمْ إِذَا صَلَّى وَهُوَ نَاعِسٌ لاَ يَدْرِي لَعَلَّهُ يَذْهَبُ يَسْتَغْفِرُ فَيَسُبُّ نَفْسَهُ". أخرجه الستة (¬4). [صحيح] قوله في حديث عائشة: "إذا نعس أحدكم وهو يصلي فليرقد" وللنسائي (¬5): "فلينصرف" والمراد به: التسليم من الصلاة. ¬

_ (¬1) في شرحه لصحيح مسلم (5/ 32). (¬2) من "شرح صحيح مسلم" (5/ 32). (¬3) هذا من قول النووي في شرحه لصحيح مسلم (5/ 32). (¬4) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (212)، ومسلم رقم (222/ 786)، وأبو داود رقم (1310) , والترمذي رقم (355)، والنسائي رقم (162)، ومالك في "الموطأ" (1/ 118)، وابن ماجه رقم (1370). وهو حديث صحيح. (¬5) في "السنن" رقم (162).

وحمله المهلب (¬1) على ظاهره وقال (¬2): إنما أمره بقطع الصلاة لغلبة النوم عليه, فدل على أنه إذا كان النعاس أقل من ذلك عفي عنه. قال (¬3): وقد أجمعوا (¬4) على أن النوم القليل لا ينقض الوضوء. انتهى. والنعاس مقدمة النوم، وهو ريح لطيفة من قبل الدماغ تغطي على العين ولا تصل القلب، فإذا وصلت القلب كان نوماً ولا ينتقض الوضوء بالنعاس من المضطجع وينتقض بنومه. قوله: "فإن أحدكم إذا صلى وهو ناعس لا يدري لعله يذهب يستغفر، فيسب نفسه" أي: فيضحك الشيطان منه أو يوافق ساعة إجابة، ولأنها صلاة لا يحضر فيها قلبه، ولا ينطق بالذكر لسانه, ولأنه قد يضره مدافعة النعاس، فأرشده الشارع إلى دفع هذه المفاسد بالنوم. وظاهره سواء كان في فريضة أو غيرها، وسواء كان الوقت متسعاً أو لا، وظاهر الأمر الإيجاب، ولا صارف [122 ب] له هنا، وقد تكلمنا على ما يعارضه من [] (¬5) الله بعبده الساجد وهو نائم (¬6)، ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (1/ 314). (¬2) أي: المهلب، كما في "فتح الباري" (1/ 314). (¬3) أي: المهلب، كما في "فتح الباري" (1/ 314). (¬4) انظر: "المغني" (1/ 234)، "الاستذكار" (2/ 74 - 76)، "الأوسط" لابن المنذر (1/ 155). (¬5) في (أ. ب) كلمة غير مقروءة. (¬6) يشير إلى حديث أنس مرفوعاً بلفظ: "إذا نام العبد في سجوده باهى الله تعالى به ملائكته يقول: انظروا إلى عبدي روحه عندي وجسده في طاعتي". أخرجه تمام في "الفوئد" (2/ 255 رقم 1670)، والبيهقي في "الخلافيات" (2/ 143 رقم 412) وفيه داود ابن الزبرقان, قال عنه ابن حجر في "التقريب" رقم (1785): متروك، وكذَّبه الأزدي، فسنده ضعيف جداً. =

عقص الشعر

في "سبل السلام" (¬1) أو في غيره مسألة مستقلة [483/ أ]. عقص الشعر قوله: "عَقصُ الشَّعر". بالعين المهملة فقاف فصاد مهملة, فسّره المصنف، ومعناه واضح، وفيه دليل على أنه يباشر الغير ما يراه, مما نهي عنه فيغيره. 1 - عن ابن عباس - رضي الله عنهما -: أَنَّهُ رَأَى عَبْدَ الله بْنَ الحَارِثِ يُصَلِّي وَرَأْسُهُ مَعْقُوصٌ مِنْ وَرَائِهِ، فَقَامَ وَرَائَهُ فَجَعَلَ يَحُلُّهُ، وَأَقرَّ لَهُ الآخَرُ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَقْبَلَ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: مَا لَكَ وَلِرَأْسِي؟ فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِنَّمَا مَثَلُ هَذَا كمَثَلِ الَّذِي يُصَلِّي وَهُوَ مَكْتُوفٌ". أخرجه مسلم (¬2) وأبو داود (¬3) والنسائي (¬4). [صحيح] "العقْصُ" ظفر الشعر وشده, وغرز طرفه في أعلاه. ¬

_ = وله شاهد من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أخرجه ابن شاهين في "الناسخ والمنسوخ" رقم (199) بسند ضعيف جداً، وفيه علل: الأولى: ضعف حجاج بن نصير. "التقريب" رقم (1139). الثانية: عنعنة الحسن البصري. الثالثة: المبارك بن فضالة يدلس تدليس التسوية. وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف، والله أعلم. (¬1) (1/ 250 - 253) بتحقيقي. (¬2) في صحيحه رقم (492). (¬3) في "السنن" رقم (647). (¬4) في "السنن" (2/ 215). وأخرجه أحمد (1/ 304) وابن خزيمة رقم (910) وابن حبان رقم (2280) والبيهقي (2/ 108, 109) , وهو حديث صحيح.

مدافعة الأخبثين

2 - وعن أبي سعيد المقبري - رضي الله عنه -: أَنَّ أَبَا رَافِعٍ مَوْلَى رَسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - مَرَّ بِالحَسَنِ بْنِ عَليٍّ - رضي الله عنهما - وَهُوَ يُصَلِّي قَائِمًا، وَقَدْ غَرَزَ ضَفْرَهُ فِي قَفَاهُ فَحَلَّهَا أَبُو رَافِعٍ، فَالتَفَتَ الحَسَنُ مُغْضَبًا، فَقَالَ لَهُ أَبُو رَافِعٍ: أَقْبِلْ عَلَى صَلَاتِكَ وَلَا تَغْضَبْ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "ذَلِكَ كِفْلُ الشَّيْطَانِ" يَعْنِي مَقْعَدَهُ أخرجه أبو داود (¬1) والترمذي (¬2). [حسن] قوله في حديث أبي رافع: "أخرجه أبو داود والترمذي". قلت: وقال الترمذي (¬3): وفي الباب عن أم سلمة. قال: حديث أبي رافع حديث حسن، والعمل على هذا عند أهل العلم، كرهوا أن يصلي الرجل معقوص الشعر. مدافعة الأخبثين قوله: "مُدَافَعَةُ الأَخْبَثَيْنِ". أي: مدافعة المصلي لهما وهو محتاج إلى إخراجهما. 1 - عن عبد الله بن محمد بن أبي بكر قال: كُنَّا عِنْدَ عَائِشَةَ - رضي الله عنها -، فَجِيءَ بِطَعَامِهَا، فَقَامَ القَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ يُصَلِّي، فَقَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "لَا صَلَاةَ بِحَضْرَةِ طَعَام، وَلَا لِمَنْ يُدَافِعُهُ الأَخْبَثَانِ". أخرجه مسلم (¬4) وأبو داود (¬5) واللفظ له. [صحيح] "الأخْبَثَانِ" البول والغائط (¬6). ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (646). (¬2) في "السنن" رقم (384) وهو حديث حسن. (¬3) في "السنن" (2/ 224). (¬4) في صحيحه رقم (67/ 560). (¬5) في "السنن" رقم (89). وأخرجه أحمد (6/ 42)، وهو حديث صحيح. (¬6) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (5/ 527).

قوله: "لا صلاة بحضرة طعام ولا [وهو] (¬1) يدافعه الأخبثان" قال النووي في "شرح مسلم" (¬2): في هذه الأحاديث كراهة الصلاة بحضرة الطعام الذي يريد أكله لما فيها من الاشتغال، وذهاب كمال الخشوع وكراهتها مع مدافعة الأخبثين وهما البول والغائط، ويلحق بهذا ما كان في معناه مما يشغل القلب، ويذهب الخشوع، وهذه الكراهة عند جمهور أصحابنا وغيرهم: إذا صلى كذلك وفي الوقت سعة فإن ضاق بحيث لو أكل خرج وقت الصلاة صلّى على حاله محافظة على حرمة الوقت ولا يجوز تأخيرها. وحكى أبو سعيد المتولي من أصحابنا وجهاً لبعض أصحابنا: أنه لا يصلي بحاله بل يأكل ويتوضأ وان خرج الوقت؛ لأن [123 ب] مقصود الصلاة الخشوع، فلا يفوته بل يقال؛ لأنه نهى الشارع عن الصلاة ونهيه للتحريم والوقت متسع في حق الآكل. ومن يدافعه الأخبثان؛ بدليل أن الشارع أمره بأن يأكل ونهاه عن الصلاة. قال (¬3): وإذا صلى على حاله وفي الوقت سعة فقد ارتكب المكروه, والصلاة صحيحة عندنا وعند الجمهور، ولكن يستحب إعادتها ولا تجب. ونقل القاضي عياض (¬4) عن أهل الظاهر (¬5) أنها باطلة. انتهى. قلت: ونعم ما قال الظاهرية من امتثال نهي الشارع والعمل بمقتضاه. ¬

_ (¬1) كذا في (أ، ب)، والذي في نص الحديث: "لمن". (¬2) (5/ 46). (¬3) أي النووي في شرحه لصحيح مسلم (5/ 46). (¬4) في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (2/ 494). (¬5) في "المحلى" (4/ 202 - 206).

فصل في السجدات

2 - وعن عبد الله بن الأرقم: وَكانَ يَؤُمَّ قَوْماً، فَأُقِيمَتِ الصَّلاَةُ، فَأَخَذَ بِيَدِ رَجُلٍ فَقَدَّمَهُ وَقالَ: سَمِعْتُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إذَا أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ وَوَجَدَ أَحَدُكُمْ الخَلاَءَ فَلْيَبْدَأْ بِهِ قَبْلَ صَلاَتِهِ". أخرجه الأربعة (¬1)، وهذا لفظ الترمذي. [صحيح] فصل في السجدات سجود السهو قوله: "فَصْلٌ فِيْ السَّجَدَاتِ". "سُجُوْدُ السَّهْوُ". أقول: السهو: الغفلة (¬2) عن الشيء وذهاب القلب إلى غيره واختلف في حكمه؟ فقالت الشافعية (¬3): مسنون كله، وعن المالكية: السجود للنقص واجب دون الزيادة, وعن الحنابلة (¬4): التفصيل بين الواجبات غير الأركان فيجب لتركها سهواً، وبين السنن القولية فلا يجب، وكذا يجب إذا سها بزيادة قول أو فعل يبطلها عمده, وعن الحنفية (¬5): واجب كله، وهو مذهب الهادوية. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود رقم (88)، والترمذي رقم (142)، والنسائي رقم (852)، وابن ماجه رقم (616). وأخرجه أحمد (3/ 383)، ومالك في "الموطأ" (1/ 259)، والحاكم (1/ 168). وهو حديث صحيح. (¬2) انظر: "لسان العرب" (14/ 406 - 407)، "النهاية في غريب الحديث" (1/ 830 - 831). (¬3) انظر: "المجموع شرح المهذب" (67 - 69). (¬4) "المغني" (2/ 415). (¬5) "اللباب في الجمع بين السنة والكتاب" (1/ 310)، و"تبيين الحقائق" (1/ 191، 192).

وحجتهم: ثبوت الأمر به، والأمر للوجوب, وقد ثبت فعله - صلى الله عليه وسلم - وأفعاله في الصلاة محمولة على البيان وبيان الواجب واجب، لا سيّما مع قوله: "صلوا كما رأيتموني أصلي" (¬1). 1 - عن عبد الله بن مالك بن بحينة - رضي الله عنه -: "أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَامَ مِنْ اثْنَتيْنِ مِنْ الظُّهْرِ لَمْ يَجْلِسْ بَيْنَهُمَا، فَلَمَّا قَضَى صَلَاَتَهُ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ". أخرجه الستة (¬2)، واللفظ للشيخين. [صحيح] قوله: "ابن بحينة" بالموحدة فمهملة فمثناة تحتية فنون، بزنة جهينة وهو اسم أمه وأم أبيه. وقوله: "قام من اثنتين من الظهر لم يجلس بينهما" ليتشهد [124 ب] زاد في رواية: "فسبحوا له فمضى حتى فرغ من صلاته" (¬3). وقوله: "فلما قضى صلاته" أي: فرغ منها، زاد في البخاري (¬4): "ونظرنا تسليمة" أي: انتظرنا، وبلفظ: "انتظرنا" ورد في رواية للبخاري (¬5). وقوله: "فسجد سجدتين" في البخاري (¬6): "كبّر قبل التسليم فسجد سجدتين" واستدل به على أنه يكبر فيها كما يكبر لسائر السجود. ¬

_ (¬1) تقدم مراراً، وهو حديث صحيح. (¬2) أخرجه البخاري رقم (1224)، ومسلم رقم (85/ 570)، وأبو داود رقم (1034)، والترمذي رقم (391)، وابن ماجه رقم (1206)، والنسائي (1178). وهو حديث صحيح. (¬3) أخرجها النسائي في "السنن" رقم (1178). (¬4) في صحيحه رقم (1224). (¬5) في صحيحه رقم (829، 666) بلفظ: انتظر الناس. (¬6) في صحيحه رقم (1224).

وفي رواية أبي هريرة في قصة ذي اليدين: "أنه كبّر" ويأتي (¬1) تحقيق: هل كبر لافتتاح السجود أو لا؟ 2 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا كُنْتَ فِي صَلاَةٍ فَشَكَكْتَ فيِ ثَلاَثٍ أَوْ أَرْبَعٍ، وَأَكبرُ ظَنِّكَ عَلَى أَرْبَعٍ تَشَهَّدْتَ، ثُمَّ سَجَدْتَ سَجْدَتَيْنِ وَأَنْتَ جَالِسٌ قَبْلَ أَنْ تُسَلِّمَ، ثُمَّ تَشَهَّدْتَ أَيْضًا، ثُمَّ تُسَلِّمَ". أخرجه أبو داود (¬2)، وقال: وقد روى عنه ولم يرفعوه (¬3) إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -. [ضعيف] قوله في حديث ابن مسعود: "وأكبر ظنك على أربع تشهدت، ثم سجدت سجدتين، وأنت جالس قبل أن تسلم، ثم تشهدت أيضاً، ثم تسلم". أقول: دل على أحكام؛ الأول: أنه يجزي الخروج من الصلاة بالظن، ولا يلزم اليقين. والثاني: أنه يسجد لأجل الخروج بالظن، أو لأجل ما عرض من الشك سجدتين قبل السلام. الثالث: أنه يتشهد ثم يسلم، ويأتي الكلام على ما عارضه. قوله: "أخرجه أبو داود وقال: ... " إلى آخره. ¬

_ (¬1) يأتي نصه وتخريجه. (¬2) في "السنن" رقم (1028)، وأخرجه النسائي في "السنن" رقم (605). وهو حديث ضعيف، والله أعلم. (¬3) قال البيهقي في "السنن الكبرى" (2/ 336): هذا حديث مختلف في رفعه، ومتنه غير قوي، وهو من رواية أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه, قال البيهقي: مرسل. وقد ضعف الحديث الحافظ في "فتح الباري" (3/ 99).

قلت: لفظ "السنن": قال أبو داود (¬1): وكذا رواه عبد الواحد عن حصيف ولم يرفعه، ووافق عبد الواحد أيضاً سفيان وشريك واسرائيل في الكلام في متن الحديث ولم يسندوه. انتهى. وقال المنذري (¬2): إن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه. انتهى. وذلك أنه رواه أبو داود عن عبيدة عن أبيه وهو عبد الله بن مسعود. انتهى. فهو منقطع. 3 - وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلاَتِهِ فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى ثَلاَثًا أَمْ أَرْبَعًا؛ فَلْيَطْرَحِ الشَّكَّ وَلْيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ، ثُمَّ يَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ أَنْ يُسَلِّمَ، فَإِنْ كَانَ صَلَّى شَفَعْنَ لَهُ صَلاَتهُ، وَإِنْ كانَ صَلَّى تَمَاماً لِأرْبَعٍ كَانَتَا تَرْغِيمًا لِلشَّيْطَانِ". أخرجه الستة (¬3) إلا البخاري. [صحيح] "تَرْغِيمُ الشَّيْطَانِ": إلصاق أنفه بالرّغام، وهو التراب ذلاً (¬4). قوله في حديث أبي سعيد: "فليطرح الشك وليبن على ما استيقن". أقول: هذا ظاهره معارضة: "وأكبر ظنك" لأنه هنالك فعل البناء على أكثر الظن، وهنا جعله على اليقين، أي: فيجعل الأربع ثلاثاً. ¬

_ (¬1) في "السنن" (1/ 623 - 624). (¬2) في "مختصر السنن" (1/ 467). (¬3) أخرجه مسلم رقم (88/ 571)، وأبو داود رقم (1024، 1026، 1027، 1029)، والترمذي رقم (396)، والنسائي (3/ 27)، ومالك في "الموطأ" (1/ 95). (¬4) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (5/ 536).

قوله: "وليبن على ما استيقن" لفظ أبي داود (¬1): "فليبن على اليقين، فإذا استيقن التمام سجد سجدتين قبل السلام" وفي حديث ابن عباس (¬2) كذلك: "فإن [125 ب] صلى خمساً" أي: في نفس الأمر وعِلمُ الله. "شفعن له صلاته" صيرنها شفعاً، أي: ستاً؛ لأنه مأمور بالصلاة شفعاً، فحيث تبين الأربع فقد وقع الشفع بالسجدتين. "وإن كانت صلاته" في علم الله، "تماماً لأربع كانتا" أي: السجدتان. "ترغيماً للشيطان" أي: إلصاقاً لأنفه بالرغام وهو التراب، وهو كناية عن إذلاله؛ لأنه قد أراد تلبيس الصلاة على العبد فأمر الله بترغيم أنفه؛ ولأنه امتنع عن السجود وامتثل العبد فأرغم أنفه وأذله. [484/ أ]. وإنما قلنا: هو من تلبيس الشيطان، لحديث أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الشيطان يأتي أحدكم في صلاته فيلبس عليه حتى لا يدري كم صلى، فإذا وجد أحدكم ذلك فليسجد سجدتين وهو جالس" أخرجه الترمذي (¬3) وقال (¬4): حسن صحيح. 4 - وعن عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - قال: قَالَ رَسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا سَهَا أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ وَاحِدَةً صَلَّى أَوْ اثْنَتَيْنِ فَلْيَبْنِ عَلَى وَاحِدَةٍ, فَإِنْ لَمْ يَدْرِ اثْنَتَيْنِ صَلَّى أَمْ ثَلَاثًا فَلْيَبْنِ ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (1024)، وقد تقدم. (¬2) أخرجه ابن المنذر في "الأوسط" (3/ 308 ث 1696) عن عطاء بن يسار عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا شك أحدكم في صلاته فلا يدري كم صلى ثلاثاً أو أربعاً؛ فليقم فليصل ركعة ويسجد سجدتين وهو جالس قبل السلام، فإن كانت الركعة التي صلى خامسة شفعها بهاتين، وإن كانت رابعة فالسجدتين ترغيم للشيطان". (¬3) في "السنن" رقم (397). (¬4) في "السنن" (2/ 24).

عَلَى اثْنَتَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَدْرِ ثَلَاثًا صَلَّى أَمْ أَرْبَعًا فَلْيَبْنِ عَلَى ثَلَاثٍ وَيَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ". أخرجه الترمذي (¬1). [صحيح] قوله في حديث عبد الرحمن: "فليبن على واحدة ... " إلى آخره، هو دليل على أنه يبني على اليقين كما دل له حديث أبي سعيد (¬2)، وهما أرجح من رواية ابن مسعود المتقدمة سنداً وحكماً. 5 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - انْصَرَفَ مِنَ اثْنَتَيْنِ، فَقَالَ لَهُ ذُو اليَدَيْنِ: أَقُصِرَتِ الصَّلاةُ أَمْ نَسِيتَ يَا رَسُولَ الله؟ فَقَالَ: "أَصَدَقَ ذُو اليَدَيْنِ؟ " فَقَالُوا: نَعَمْ. فَصَلَّى اثْنَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ كَبَّرَ، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ، ثُمَّ رَفَعَ. أخرجه الستة (¬3). [صحيح] قوله في حديث أبي هريرة: "انصرف من اثنتين". أقول: في البخاري (¬4): "الظهر أو العصر" كذا [في] (¬5) روايته هنا. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (398) وقال: هذا حديث حسن غريب صحيح. وأخرجه أحمد (1/ 190)، وابن ماجه رقم (1209)، والبزار رقم (996)، وأبو يعلى رقم (839)، والشاشي رقم (234)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/ 433)، والحاكم (1/ 324 - 325)، والبيهقي (2/ 332، 339) من طرق. وهو حديث صحيح، والله أعلم. (¬2) تقدم، وهو حديث صحيح. (¬3) أخرجه البخاري رقم (1229)، ومسلم رقم (573)، وأبو داود رقم (1008، 1009، 1010، 1011، 1012)، والترمذي رقم (394، 399، والنسائي في "السنن" (3/ 30 - 36)، ومالك في "الموطأ" (1/ 93 - 94). (¬4) في صحيحه رقم (1229). (¬5) سقطت من (ب).

وتقدم فيه في أبواب الإمام بالجزم بأنها الظهر، ولمسلم روايتان [126 ب] أحدهما (¬1): "الظهر" والأخرى (¬2): "العصر" بالجزم، وله (¬3) رواية بالشك. قال ابن حجر (¬4): والظاهر أن الاختلاف فيه من الرواة، ويأتي قول ابن سيرين: وأكثر ظني أنها العصر (¬5). [و] (¬6) قوله: "فقال له ذو اليدين" في رواية: "فقال له رجل في يده طول يقال له: ذو اليدين" وهو محمول على الحقيقة، ويحتمل أن يكون كناية عن طولها بالعمل أو بالبذل، قاله القرطبي (¬7). وجزم ابن قتيبة (¬8): أنه كان يعمل بيديه جميعاً، واسم ذي اليدين الخرباق بكسر المعجمة وسكون الراء بعدها موحدة وآخره قاف. قال (¬9): وهو غير ذي الشمالين؛ لأن ذا اليدين سُلمي، وذا الشمالين خُزاعي، واسمه عميرو بن عمرو بن نضلة, وذو الشمالين قتل ببدر، وذو اليدين تأخر بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - مدة، وبه ¬

_ (¬1) في صحيحه رقم (100/ 573). (¬2) في صحيحه رقم (99/ 573). (¬3) أي لمسلم في صحيحه رقم (97/ 573). (¬4) في "فتح الباري" (3/ 97). (¬5) أخرجها البخاري في صحيحه رقم (1228). (¬6) زيادة من (أ). (¬7) في "المفهم" (2/ 188). (¬8) ذكره القرطبي في "المفهم" (2/ 188)، والحافظ في "الفتح" (3/ 100). (¬9) انظر: "فتح الباري" (3/ 100)، "التمهيد" (3/ 259).

يعرف أن القصة وقعت بعد بدر بمدة, وأنه حضرها أبو هريرة, وأنه وهم من قال أن ذا اليدين وذا الشمالين واحد. وقوله: "أقصرت الصلاة؟ " بهمزة الاستفهام، فيه دليل على ورعهم إذ لم يجزموا بوقوع شيء بغير علم، وهابوا النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يسألوه, وإنما استفهموا؛ لأن الزمان زمان النسخ. وقُصرت بضم القاف وكسر الراء على البناء للمفعول، أي: أنه قصرها. وبفتحٍ ثم ضمٍ على البناء للفاعل، أي: صارت قصيرة. قال النووي (¬1): هذا أكثر وأرجح. وقوله: "فقال" أي: رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. "أصدق ذو اليدين" استفهم أصحابه المصلين معه. "فقالوا: نعم" عند أبي داود (¬2): "أنهم لم ينطقوا إنما ارموا" واعتمد هذا الخطابي (¬3) وقال (¬4): حمل القول على الإشارة مجاز شائع بخلاف عكسه, فينبغي رد الروايات التي فيها التصريح بالقول. أي هذه. وعلى هذا فلا يتم الاستدلال به على أن تعمد الكلام لمصلحة الصلاة لا يفسدها. قيل (¬5): وعلى تقدير أنهم قطعوا؛ فإن كلامهم كان جواباً للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وجوابه لا يقطع الصلاة. ¬

_ (¬1) في "شرح صحيح مسلم" (5/ 68 - 69). (¬2) في صحيحه رقم (1008). (¬3) في "معالم السنن" (1/ 613 - 614 - مع السنن). (¬4) الخطابي في "معالم السنن" (1/ 613 - مع السنن). (¬5) ذكره الخطابي في "معالم السنن" (1/ 613 - 614 - مع السنن).

كما ورد في تفسير قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} (¬1) الآية. ويكون من خواصه - صلى الله عليه وسلم -. ويأتي بقية الكلام على الحديث في شرح الثاني فإنه استوفاه. 6 - وفي رواية (¬2): صَلَّى إِحْدَى صَلاَتَيِ العَشِيِّ، قَالَ مُحَمَّدٌ: - وَأَكْبَرُ ظَنِّي أَنَّهَا العَصْرُ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ قَامَ إِلَى خَشَبَةٍ فِي مُقَدَّمِ المَسْجِدِ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا وَفِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، فَهَابَاهُ أَنْ يُكَلِّمَاهُ, وَخَرَجَ سَرَعَانُ النَّاسِ، فَقَالُوا: أَقُصِرَتِ الصَّلاَةُ؟ وَرَجُلٌ يَدْعُوهُ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ذَا اليَدَيْنِ، فَقَالَ: يَا رسولَ الله! أقَصُرَتِ أَمْ أَنَسِيتَ؟ فَقَالَ: "لَمْ أَنْسَ وَلَمْ تُقْصَرْ" فَقَالَ: بَلَى قَدْ نَسِيتَ، فَقَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ كَبَّرَ فَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَكَبَّرَ، ثُمَّ وَضَعَ رَأْسَهُ فَكَبَّرَ، فَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَكَبَّرَ. [صحيح] "سُرْعَانُ النَّاسِ" (¬3) أوائلهم ومتقدموهم. وقوله: "إلى خشبة في مقدم المسجد [127 ب] " أي: في جهة القبلة. "فوضع يده عليها" ولمسلم (¬4): "فاستند إليها مغضباً". وقوله: "فهاباه أن يكلّماه" يريد أنه غلب عليهما احترامه - صلى الله عليه وسلم - وتعظيمه عن الاعتراض عليه، وأما ذو اليدين فغلب عليه حرصه على تعلم العلم. ¬

_ (¬1) سورة الأنفال الآية (24). (¬2) أخرجه أحمد (2/ 234 - 235)، والبخاري رقم (1229)، ومسلم رقم (97/ 573). (¬3) السرعان بفتح السين والراء: أوائل الناس الذين يتسارعون إلى الشيء, ويقبلون عليه بسرعة, ويجوز تسكين الراء. "النهاية في غريب الحديث" (1/ 771)، "المجموع المغيث" (2/ 80). (¬4) في صحيحه رقم (97/ 573).

وقوله: "سرعان الناس" (¬1) بفتح المهملات ومنهم من سكن الراء، وضبط بضم ثم إسكان كأنه جمع سريع ككثيب وكثبان، والمراد: أوائل الناس خروجاً من المسجد وهم ذو الحاجات. وقوله: "لم أنسَ ولم تقصر" نفي للأمرين معاً، وهو يبين المراد بقوله في رواية مسلم (¬2): "كل ذلك لم يكن" ويؤيد قول أئمة البيان (¬3) أن لفظ (كل) إذا تقدم وعقبها النفي كان نفياً لكل فرد لا للمجموع، بخلاف ما إذا تأخرت كأن يقول: لم يكن كل ذلك، ولذا أجاب ذو اليدين في رواية (¬4) بقوله: "بعض ذلك قد كان"، وفي هذه الرواية: "بلى قد نسيت" لأنه - صلى الله عليه وسلم - لما نفى الأمرين، وكان مقرراً عند الصحابي أن السهو غير جائز عليه في الأمور البلاغية جزم بوقوع النسيان لا القصر. [و] (¬5) قوله: "قال: أصدق ذُو اليدين؟ " استفهام منه عن صدقه, وقد استشكل بأن ذا اليدين عدل ولم يقبل خبره بمفرده. ¬

_ (¬1) انظر ما تقدم. (¬2) في صحيحه رقم (99/ 573). (¬3) ذكر علماء النحو والبيان الفرق بين أن يتقدم النفي على (كل) وبين أن تتقدم هي عليه، فإذا تقدمت على حرف النفي نحو: كل القوم لم يقم، أفادت التنصيص على انتفاء قيام كل فرد فرد، وإن تقدم النفيُّ عليها مثل: لم يقم كل القوم، لم تدل إلا على نفي المجموع وذلك بصدق بانتفاء القيام عن بعضهم ويسمى الأول عموم السلب، والثاني سلب العموم من جهة أن الأول يحكم فيه بالسلب عن كلِّ فردٍ والثاني لم يفد العموم في حق كل أحد إنما أفاد نفي الحكم عن بعضهم، قال القرافي: وهذا شيء اختصت به (كل) من بين سائر صيغ العموم. قال: وهذه القاعدة متفق عليها عند أرباب البيان وأصلها قوله - صلى الله عليه وسلم -: "كل ذلك لم يكن". انظر: "البحر المحيط" (3/ 64)، "أصول السرخسي" (1/ 158)، "إرشاد الفحول" (ص 406) بتحقيقي. (¬4) أخرجها مسلم في صحيحه رقم (99/ 573). (¬5) زيادة من (أ).

وأجيب عنه: بأنه لما كان خبراً يتعلق بفعل المسئول مغايراً لما في اعتقاده وتفرد به من بين جماعة كانوا أولى بالاستفهام عنه كالشيخين، ولذا قال أئمة الأصول: أن من تفرد بالإخبار بقتل خطيب على المنبر، لا يقبل خبره إذا كان المسجد واحداً. ثم اختلف العلماء في هذا الحكم، وهو جواز البناء (¬1) على الصلاة لمن أتى بالمنافي لها سهواً، فقال سحنون: إنما يبني من سلم على ركعتين كما في هذه القصة؛ لأن ذلك واقع على غير القياس، فيقصر به على مورد النص وألزمه بقصر ذلك على إحدى صلاتي العشي فيمنعه مثلاً في العشاء. وقال آخرون: يجوز البناء مطلقاً [128 ب] ما لم يطل الفصل، واختلفوا في قدر الطول، فحدّ الشافعي (¬2) بالعرف، وعنه بقدر ركعة، وعن أبي هريرة بقدر الصلاة التي يقع السهو فيها. قلت: هذه تقادير لا دليل عليها، بل متى ذَكر أو ذُكِّر بنى (¬3) على ما صلَّى كما اتفق له - صلى الله عليه وسلم -. قوله: "ثم كبرّ فسجد" هذا بوّب له البخاري (¬4): باب يكبر في سجود السهو [485/ أ] اختلف في سجود السهو بعد السلام، هل يشترط له تكبيرة إحرام أو يكتفي بتكبير السجود؟ فالجمهور (¬5) على الاكتفاء، وهو غالب ظاهر الأحاديث، ويدل حديث أبي داود في رواية ابن سيرين لهذا الحديث أنه قال: "فكبر، ثم كبر وسجد للسهو". ¬

_ (¬1) انظر: "المغني" (2/ 403)، "فتح الباري" (2/ 102 - 103). (¬2) "المجموع شرح المهذب" (4/ 64 - 69)، "التمهيد" (2/ 277)، و"الأوسط" لابن المنذر (3/ 308). (¬3) انظر: "المغني" (2/ 403)، و"فتح الباري" (3/ 101). (¬4) في صحيحه (3/ 99 الباب رقم "5" باب من يكبر في سجدتي السهو). (¬5) ذكره الحافظ في "الفتح" (3/ 99).

إلا أنه قال أبو داود (¬1): "ولم يقل أحد: فكبر ثم كبر" إلا حماد بن زيد، يشير إلى شذوذ هذه الزيادة. قوله: "ثم رفع رأسه وكبّر" كذا في نسخ "التيسير"، ولعله سقط منه سهواً من المصنف ما زاده في الرواية في "الجامع" (¬2): "ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع وكبر" قال: فقيل لمحمد: سلم في السهو؟ قال: لم أحفظه من أبي هريرة، لكن نبئت أن عمران بن حصين قال: "ثم سلم". وزاد في رواية في "السنن" (¬3) بعد قوله - نبئت أن عمران بن حصين قال: ثم سلّم -: قال: قلت: فالتشهد؟ قال: لم أسمع في التشهد وأحبّ إليَّ أن يتشهد. انتهى. وعقد البخاري (¬4) باباً لذلك قال: باب من لم يتشهد في سجدتي السهو. قال في "الفتح" (¬5): أي: إذا سجدهما بعد السلام من الصلاة, وأما قبل السلام فالجمهور على أنه لا يعيد التشهد، وأما من سجد بعد السلام فحكى الترمذي (¬6) عن أحمد (¬7) وإسحاق أنه يتشهد. وقال ابن المنذر (¬8): لا أحسب التشهد في سجود السهو يثبت. ¬

_ (¬1) في "السنن" (1/ 615 - 617). (¬2) (5/ 544). (¬3) عند أبي داود في "السنن" رقم (1010). (¬4) في صحيحه (3/ 97 الباب رقم 4 - مع الفتح). (¬5) (3/ 98). (¬6) في "السنن" (2/ 242). (¬7) حكاه أبو داود عن أحمد في "مسائل أحمد" (ص 53)، وكذا في "مسائل أحمد وإسحاق" (1/ 50 , 60). (¬8) في "الأوسط" (3/ 316).

لكن قد ورد في التشهد في سجود السهو عن ابن مسعود عند أبي داود (¬1) والنسائي (¬2)، وعن المغيرة عند البيهقي (¬3)، وفي إسنادهما ضعف. ولا يقال أن الأحاديث الثلاثة في التشهد باجتماعها ترتقي إلى درجة الحسن. قال العلائي (¬4): وليس ذلك ببعيد، وقد صح عن ابن مسعود من قوله أخرجه ابن أبي شيبة (¬5). انتهى ملخصاً. وقد استدل بالحديث على أن الإمام يرجع [129 ب] إلى قول المأمومين في أفعال الصلاة ولو لم يتذكر، وبه قال مالك (¬6) وأحمد (¬7) وغيرهما (¬8)، ويدل له ما ثبت [من] (¬9) حديث ابن مسعود (¬10): "فإذا نسيت فذكروني". وقال الشافعي (¬11): معنى فذكروني، أي: لأتذكر، ولا يلزم منه أنه يرجع لمجرد إخبارهم، واحتمال كونه يتذكر عند إخبارهم لا يدفع. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (1028). (¬2) في "السنن" رقم (605)، وهو حديث ضعيف. (¬3) في "السنن الكبرى" (2/ 355)، وهو حديث ضعيف. (¬4) ذكره الحافظ في "الفتح" (3/ 99). (¬5) في مصنفه (2/ 31). (¬6) انظر: "التهذيب في اختصار المدونة" (1/ 300 - 301). (¬7) "المغني" (2/ 412 - 414). (¬8) انظر: "فتح الباري" (3/ 101). (¬9) سقطت من (ب). (¬10) تقدم نصه وتخريجه وسيأتي، وهو حديث صحيح. (¬11) انظر: "المجموع شرح المهذب" (4/ 42)، "حلية العلماء" (1/ 302).

قلت: لا ريب أنه احتمال صحيح، كما أن احتمال أنه يريد ذكروني لأعمل بتذكيركم فلا يتم الاستدلال. قلت: إن صحت رواية أبي داود (¬1): "أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يسجد للسهو حتى يقّنَهُ الله ذلك" فلا يتم القول بأنه عمل بقول المأمومين. 7 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: "صَلى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فزَادَ أَوْ نَقَصَ، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ الله! أَحَدَثَ فِي الصَّلَاةِ شَيْءٌ؟ قَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالُوا: صَلَّيْتَ كَذَا وَكَذَا، فَثَنَى رِجْلَيْهِ وَاسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ، وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ, فَقَالَ: إِنَّهُ لَوْ حَدَثَ فِي الصَّلَاةِ شَيْءٌ أنبَأْتُكُمْ بِهِ, وَلَكِنِّي بَشَرٌ أَنْسَى كَما تَنْسَوْنَ، فَإِذَا نَسِيتُ فَذَكِّرُونِي، وَإِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ وَلْيَبْنِ عَلَيْهِ, ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ". أخرجه الخمسة (¬2). [صحيح] قوله في حديث ابن مسعود: "زاد أو نقص". أقول: شك من الراوي. وقوله: "فثنى رجليه فسجد" يؤيد أنه زاد، إذ لو كان نقصاً لأتى به, ثم سجد ولم يذكر الراوي ذلك. وتقدير: "فأتى بما نقص ثم سجد" لا دليل عليه. وقوله فيه: "فإذا نسيت فذكروني". أقول: في "شرح مسلم" (¬3): فيه أمر التابع بتذكير المتبوع. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (1012) بسند ضعيف. (¬2) أخرجه البخاري رقم (401)، ومسلم رقم (89/ 572)، وأبو داود رقم (1020)، والنسائي رقم (1243)، وابن ماجه رقم (1211)، وأخرجه أحمد (1/ 424). وهو حديث صحيح. (¬3) (5/ 62).

وقوله: "أنسى كما تنسون" فيه دليل على جواز النسيان عليه - صلى الله عليه وسلم - في أحكام الشرع، وهو مذهب جمهور العلماء (¬1)، وهو ظاهر القرآن والأحاديث. واتفقوا (¬2) على أنه - صلى الله عليه وسلم - لا يقر عليه، بل يعلمه الله به. ومنعت (¬3) طائفة من العلماء السهو عليه - صلى الله عليه وسلم - في الأفعال البلاغية والعبادات كما أجمعوا على منعه واستحالته عليه في الأقوال البلاغية. وأجابوا عن الظواهر الواردة في ذلك. قال (¬4): والصحيح الأول؛ لأن السهو لا يناقض النبوة، وإذا لم يقر عليه لم يحصل منه مفسدة، بل تحصل فيه فائدة وهي بيان أحكام [130 ب] الناسي وتقرير الأحكام. انتهى. قلت: وقد صرح - صلى الله عليه وسلم - بأنه ينسى (¬5) وأمرهم أن يذكرونه، وقد صرح بأنه إنما ينسى أو يُنسى ليسن، فكيف يقال لا يجوز عليه - صلى الله عليه وسلم - ما صرّح بوقوعه؟ وما أرى مانع ذلك إلا أُتي من الغلو في أحوال النبوة! قوله: "ثم سجد سجدتين" أطلق هنا محل السجدتين عن قيد قبل السلام أو بعده. قال أبو عيسى الترمذي (¬6): اختلف أهل العلم في سجدتي السهو، متى يسجدهما الرجل، قبل السلام أو بعده؟ ¬

_ (¬1) انظر: "فتح الباري" (3/ 101). (¬2) قاله النووي في شرحه لصحيح مسلم (5/ 62). (¬3) ذكره النووي في شرحه لصحيح مسلم (5/ 61). (¬4) أي النووي في شرحه لصحيح مسلم (5/ 61 - 62). (¬5) انظر: "فتح الباري" (3/ 101). (¬6) في "السنن" (2/ 237).

فرأى بعضهم أن يسجدهما بعد السلام، وهو قول سفيان الثوري (¬1) وأهل الكوفة (¬2). وقال بعضهم: يسجدهما قبل السلام، وهو قول أكثر الفقهاء من أهل المدينة، مثل يحيى بن سعيد وربيعة وغيرهما (¬3)، وبه يقول الشافعي (¬4). وقال بعضهم: إذا كانت زيادة في الصلاة فبعد السلام، وان كانت نقصاً فقبل السلام، وهو قول مالك بن أنس (¬5). وقال أحمد (¬6): ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في سجدتي السهو يستعمل كلٌّ على جهته، يرى إذا قام في الركعتين على حديث ابن بحينة، فإنه يسجدهما قبل السلام، وإذا صلى الظهر خمساً فإنه يسجدهما بعد السلام، وإذا سَلَّم في الركعتين من الظهر والعصر فإنه يسجدهما بعد السلام، وكل يستعمل على جهته. وكل سهو ليس فيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر؛ فإن سجدتي السهو قبل السلام. وقال إسحاق (¬7) نحو قول أحمد، إلا أنه قال: كل سهو ليس فيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإن كانت زيادة في الصلاة سجدهما بعد السلام، وإن كانت نقصاناً سجدهما قبل السلام. انتهى. [486/ أ]. ¬

_ (¬1) انظر: "المغني" (2/ 414 - 415). (¬2) انظر: "المجموع شرح المهذب" (4/ 42). (¬3) "المجموع شرح المهذب" (4/ 42 - 43)، "المغني" (2/ 414 - 415). (¬4) "حلية العلماء" (2/ 178). (¬5) انظر: "الموطأ" (1/ 95)، "الاستذكار" (4/ 356 - 357). (¬6) انظر: "المغني" (2/ 412 - 415). (¬7) انظر: "المغني" (2/ 415)، "اللباب في الجمع بين السنة والكتاب" (1/ 310).

8 - وعن المغيرة - رضي الله عنه - قال: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا قَامَ الإِمَامُ فِي الرَّكْعَة فَذَكَرَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوِيَ قَائِمًا فَلْيَجْلِسْ، فَإِنِ اسْتَوَى قَائِمًا فَلاَ يَجْلِسْ، وَليَسْجُدْ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ". أخرجه أبو داود (¬1) والترمذي (¬2). [صحيح بطرقه ومتابعاته] قوله في حديث المغيرة: "إذا قام الإمام في الركعة". أقول: في "الجامع" (¬3): "فنهض في الركعتين، فقلنا: سبحان الله، فقال: سبحان الله ومضى، فلما أتم صلاته سجد سجدة قبل السلام". وتعقب قوله: "قبل السلام" بأن صوابه: "بعد السلام" كما في "سنن أبي داود" (¬4) [131 ب]، وفي نسخة من الترمذي (¬5)، وفي البيهقي (¬6)، وفي نهاية ابن رشد المالكي (¬7)، وقرره ابن عبد البر (¬8) [انتهى] (¬9). ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (1036، 1037)، وهو حديث صحيح بطرقه ومتابعاته. (¬2) في "السنن" رقم (265). وأخرجه أحمد (4/ 253)، وابن ماجه رقم (1208)، والدارقطني في "السنن" (1/ 378 رقم1)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (2/ 343). وهو حديث صحيح بطرقه ومتابعاته. (¬3) (5/ 533). (¬4) في "السنن" رقم (1037)، وقد تقدم. (¬5) في "السنن" (2/ 201)، وسيأتي نصه. (¬6) في "السنن الكبرى" (2/ 344). (¬7) (1/ 462) بتحقيقي. (¬8) انظر: "التمهيد" (3/ 289 - 290). (¬9) زيادة من (أ).

قلت: قوله: "في نسخة من الترمذي" الذي رأيته في الترمذي (¬1) أنه قال: "سلّم ثم سجد سجدتي السهو، وهو جالس، ثم حدَّثهم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعل بهم مثل الذي فعل". وفي رواية أخرى (¬2) عن المغيرة ساقها الترمذي بلفظ: "فلما فرغ من صلاته سلّم ثم سجد [بهم] (¬3) سجدتي السهو". قال (¬4) في هذه الطريق الترمذي: إنه حديث حسن صحيح. وقال (¬5): والعمل على هذا عند أهل العلم أن الرجل إذا قام في الركعتين مضى في صلاته وسجد سجدتين، منهم من رأى قبل التسليم، ومنهم من رأى بعد التسليم، ومن رأى قبل التسليم، فحديثه أصحُّ؛ لما روى الزهري ويحيى بن سعيد الأنصاري عن عبد الرحمن الأعرج عن عبد الله بن بحينة. انتهى. قلت: وفي رواية للبخاري (¬6) ومسلم (¬7) في حديث ابن بحينة: "فلما قضى صلاته وانتظر الناس تسليمه كبّر، فسجد قبل أن يسلم، ثم رفع رأسه، ثم كبر فسجد، ثم رفع رأسه فسلّم". انتهى. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (364). (¬2) عند الترمذي في "السنن" رقم (365). (¬3) زيادة من (أ. ب)، وليست في "سنن الترمذي". (¬4) في "السنن" (2/ 201). (¬5) أي الترمذي في "السنن" (2/ 200). (¬6) في صحيحه رقم (1224). (¬7) مسلم في صحيحه رقم (570). وأخرجه مالك في "الموطأ" (1/ 96)، وأبو داود رقم (1034، 1035)، والترمذي رقم (391)، والنسائي (3, 19, 20).

سجود التلاوة

9 - وعن مالك (¬1): أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنِّي لَأَنْسَى، أَوْ أُنَسَّى لِأَسُنَّ. [ضعيف] سُجُودُ التِّلاَوَةِ جعل له أبن الأثير (¬2) فروعاً ستة, الأول: في وقوع السجود، وجعل دليله حديث ابن عمر (¬3) حيث قال: "فسجد وسجدنا" (¬4). قال النووي (¬5): قال العلماء: إذا سجد المستمع لقراءة غيره, وهما في غير الصلاة لم يرتبط به ولم يسن الاقتداء به, بل له أن يرفع قبله، وله أن يطوِّل السجود بعده, فإنه إخبار بوقوع السجود لا محله، ولا بحكمة إلا المحل الجملي. 1 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: "كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ السُّورَةَ الَّتي فيهَا السَّجْدَةُ فَيَسْجُدُ وَنَسْجُدُ حَتَّى مَا يَجِدُ أَحَدُنَا مَكَانًا لمِوْضِعِ جَبْهتِهِ في غَيْرِ وَقْتِ الصَّلاَةِ". أخرجه الشيخان (¬6) وأبو داود (¬7). [صحيح] ¬

_ (¬1) في "الموطأ" (1/ 100 رقم 2). قال ابن عبد البر: لا أعلم هذا الحديث رُوِي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مسنداً ولا مقطوعاً، من غير هذا الوجه, وهو أحد الأحاديث الأربعة التي في "الموطأ" التي لا توجد في غيره مسندة ولا مرسلة. انظر: "التمهيد" (1/ 218 - 222) و (3/ 318). (¬2) في "الجامع" (5/ 551). (¬3) سيأتي قريباً. (¬4) وفي رواية: "فيسجد ونسجد". (¬5) في شرحه لصحيح مسلم (5/ 74). (¬6) أخرجه البخاري رقم (1075)، ومسلم رقم (103، 575). وهو حديث صحيح. (¬7) في "السنن" رقم (1411، 1412، 1413).

قوله: "لموضع جبهته" يعني من الزحام (¬1). قوله: "في غير وقت صلاة" لا مفهوم له، إذ قد ثبت سجوده وسجودهم [132 ب] في الصلاة للتلاوة. 2 - وعن ربيعة بن عبد الله: أَنَّهُ حَضَرَ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ - رضي الله عنه - قَرَأَ يَوْمَ الجُمُعَةِ عَلَى المِنْبَرِ بِسُورَةِ النَّحْلِ، حَتَّى إِذَا جَاءَ السَّجْدَةَ فَنَزَلَ فَسَجَدَ وَسَجَدَ النَّاسُ، حَتَّى إِذَا كَانَتْ الجُمُعَةُ القَابِلَةُ قَرَأَ بِهَا حَتَّى إِذَا جَاءَ السَّجْدَةَ قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّا نَمُرُّ بِالسُّجُود, فَمَنْ سَجَدَ فَقَدْ أَصَابَ، وَمَنْ لَمْ يَسْجُدْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَسْجُدْ عُمَرُ - رضي الله عنه -". أخرجه البخاري (¬2). [موقوف]. ومالك (¬3). [أثر صحيح]. وفي رواية للبخاري (¬4): "إِنَّ الله لَمْ يَفْرِضْ عَلَيْنَا السُّجُودَ إلَّا أَنْ نَشَاءَ". [موقوف]. قوله: "عن ربيعة بن عبد الله" جعل ابن الأثير هذا الحديث فرعاً لسنيّة سجود التلاوة. وترجم البخاري (¬5) لسنيتها، وقال ابن حجر (¬6): أنه أجمع العلماء في أنه يسجد في عشرة مواضع، وهي متوالية إلا ثانية الحج و (ص). ¬

_ (¬1) انظر: "فتح الباري" (2/ 560). (¬2) في صحيحه رقم (1077) موقوفاً. (¬3) في "الموطأ" (1/ 206 رقم 16)، وهو أثر صحيح. (¬4) في صحيحه رقم (1077). (¬5) في صحيحه (2/ 551 الباب رقم 17 - مع الفتح). (¬6) في "فتح الباري" (2/ 551).

وأسقط مالك (¬1) (ص) فقط، وأسقط الشافعي (¬2) في القديم ثانية الحج فقط، وفي الجديد هي وما في المفصل. وهو قول عطاء (¬3)، وعن أحمد (¬4) مثله في رواية، وفي أخرى مشهورة زيادة (ص). ثم قال (¬5): وقيل: الجميع مشروع، ولكن العزائم: الأعراف، وسبحان، وثلاث المفصل. وروي عن ابن عباس (¬6) وابن مسعود: آلم تنزيل، وحم تنزيل، والنجم، واقرأ. وعن سعيد بن جبير مثله بإسقاط: اقرأ. وعن علي - عليه السلام - ما ورد فيه الأمر بالسجود عزيمة (¬7). وقيل (¬8): شرع السجود عند كل لفظ واقع فيه الأمر بالسجود، والحث عليه والثناء على فاعله، أو سيق مساق المدح، وهذا يبلغ عدداً كثيراً. انتهى باختصار. [و] (¬9) قوله: "عن ربيعة بن عبد الله" زاد البخاري (¬10): ابن الهُدير التيميِّ، قال أبو بكر: وكان ربيعة من خيار الناس. انتهى. ¬

_ (¬1) انظر: "المنتقى" للباجي (1/ 351). (¬2) "المجموع شرح المهذب" (3/ 557). (¬3) انظر: "المحلى" (5/ 105)، "الأوسط" (5/ 267)، "فتح الباري" (2/ 551). (¬4) "المغني" (2/ 352). (¬5) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 551). (¬6) انظر: "فتح الباري" (2/ 552)، "الأوسط" (5/ 262 - 263). (¬7) انظر: "فتح الباري" (2/ 552)، "الأوسط" (5/ 262 - 263). (¬8) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 551). (¬9) زيادة من (أ). (¬10) في صحيحه رقم (1077) موقوفاً.

قوله: "أخرجه البخاري ومالك". أقول: في "الجامع" (¬1) أنه أخرجه البخاري (¬2) عن ربيعة بن عبد الله: "أن عمر ... ". وأنه أخرجه مالك (¬3) عن عروة: "أن عمر بن الخطاب ... " وقال في آخره: "ولم يسجد ومنعهم من أن يسجدوا" انتهى. فما كان للمصنف نسبة الجميع إلى ربيعة بن عبد الله؛ فإن رواية عروة فيها زيادة كما عرفت. قوله: "وفي رواية للبخاري". أقول: لفظ البخاري (¬4) بعد سياق الحديث إلى قوله: "ولم يسجد عمر" وزاد نافع عن ابن عمر: "إن الله لم يفرض علينا السجود إلا أن نشاء". انتهى. هذا لفظ البخاري (¬5) وهو في "الجامع" (¬6) لابن الأثير كذلك، فإنه قال: قال البخاري: زاد نافع عن ابن عمر قال - يعني عمر - وذكره. إذا عرفت هذا [133 ب] فما كان المصنف أن يقول: "وفي رواية للبخاري" لإيهام أنها رواية [عبد الله بن ربيعة] (¬7). فلو كان: وفي رواية للبخاري عن ابن عمر كما صنعه ابن الأثير لكان صواباً. ¬

_ (¬1) (5/ 552). (¬2) في صحيحه رقم (1077) موقوفاً. (¬3) في "الموطأ" (1/ 206 رقم 16)، وهو أثر صحيح. (¬4) في صحيحه رقم (1077). (¬5) في صحيحه رقم (1077) موقوفاً. (¬6) (5/ 552 رقم 3781). (¬7) كذا في (أ، ب)، وفي البخاري: ربيعة بن عبد الله.

وفي عبارة ابن الأثير (¬1) زيادة: "قال: يعني عمر" وليست في البخاري، فقد قدّمنا لفظه. نعم، في "فتح الباري" (¬2) أنه قال عبد الرزاق في مصنفه (¬3)، إلى أن قال: وقال في آخره: وزادني نافع عن ابن عمر أنه قال: "لم يفرض علينا السجود إلا أن نشاء". ثم ذكر (¬4) تنبيهاً قال فيه: "قوله في رواية عبد الرزاق: "أنه قال" الضمير يعود على عمر، جزم بذلك الترمذي في جامعه (¬5)، حيث نسب ذلك إلى عمر في هذه القصة بصيغة الجزم. انتهى. وبه يعرف أن زيادة ابن الأثير (¬6): "قال: يعني عمر" ليست من ألفاظ رواية البخاري، وقد نسبها إليه. وظاهر البخاري أنها موقوفة [على] (¬7) ابن عمر، وعلى زيادة: "قال: يعني عمر" أنها موقوفة على عمر. 3 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا قَرَأَ ابْنُ آدَمَ السَّجْدَةَ فَسَجَدَ، اعْتَزَلَ الشَّيْطَانُ يَبْكِى يَقُوُل: يَا ويلَنَا! أُمِرَ ابْنُ آدَمَ بِالسُّجُودِ فَسَجَدَ فَلَهُ الجَنَّةُ, وَأُمِرْتُ بِالسُّجُودِ فَأَبَيْتُ فَلِيَ النَّارُ". أخرجه مسلم (¬8). [صحيح] ¬

_ (¬1) في "الجامع" (5/ 552). (¬2) (2/ 559). (¬3) (5/ 288). (¬4) الحافظ ابن حجر في "الفتح" (2/ 559). (¬5) في "السنن" (2/ 467). (¬6) في "الجامع" (5/ 552). (¬7) في (أ): "عن". (¬8) في صحيحه رقم (81)، وهو حديث صحيح.

قوله في حديث أبي هريرة: " [فسجد] (¬1) فله الجنة" علم إبليس [487/ أ] بأن الانقياد للطاعة سبب دخول الجنة, كما أن عصيانه سبب دخول النار، فينبغي للعبد أن لا يترك سجود التلاوة بحال لو لم يكن إلا لإغاظة عدو الله إبليس. 4 - وعن أبي تميمة الهجيمي قال: "كُنْتُ أَقُصُّ بَعْدَ صَلاَةِ الصُّبْحِ فَأَسْجُدُ فِيهَا، فَنَهَانِي ابْنُ عُمَرَ - رضي الله عنهما - فَلَمْ أَنْتَهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ عَادَ فَقَالَ: إِنِّي صَلَّيْتُ خَلْفَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وَمَعَ أَبِى بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ، فَلَمْ يَسْجُدُوا حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ". أخرجه أبو داود (¬2). [ضعيف] قوله: "وعن أبي تميمة (¬3) الهُجَيْميُّ". أقول: بفتح المثناة الفوقية، وفي نسخة من أبي داود (¬4): أبو تميم، واسمه طريف بن مجالد الهجيمي البصري. طريف بفتح الطاء المهملة وكسر الراء وبالفاء، والهجيمي بضم الهاء وفتح الجيم. والحديث أفاد أن رأي ابن عمر أنه لا يسجد للتلاوة بعد صلاة الفجر، وكأنه أدخل سجود التلاوة في النهي عن الصلاة في ذلك الوقت، ولا وجه له، وقد خالفه غيره. وأما قول ابن عمر: "إني صليت [134 ب] خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... " إلى آخره, فإنه إن أراد صلاة الفجر؛ فقد صح سجوده - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الفجر يوم الجمعة. وإن أراد غيرها؛ فإنه لم يصل - صلى الله عليه وسلم -، ولا الخلفاء بعد صلاتهم الفجر لثبوت النهي (¬5) عن الصلاة في ذلك الوقت، فالحديث مشكل. ¬

_ (¬1) في (أ. ب): "يسجد"، وما أثبتناه من نص الحديث. (¬2) في "السنن" رقم (1415)، وهو حديث ضعيف، والله أعلم. (¬3) في "السنن" رقم (1415)، وهو حديث ضعيف، والله أعلم. (¬4) انظر: "التقريب" (2/ 403 رقم 7). (¬5) تقدم ذكره.

[(تفصيل سجود القرآن)]

ولكنه قال الحافظ المنذري في "مختصر السنن" (¬1): إن فيه أبا بكر البكراوي، عبد الرحمن ابن عثمان بن أمية، ولا يحتج بحديثه. انتهى. وقد ذكر ابن الأثير (¬2) عن سالم قال: "كان ابن عمر إذا قرأ بالسجدة بعد الفجر سجد ما لم يسفر" انتهى. إلا أنه بيّض (¬3) ابن الأثير. [(تَفْصِيْلُ سُجُودِ القُرْآن)] (¬4) 1 - عن عمرو بن العاص - رضي الله عنه - قال: أَقْرَأَنِي رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - خَمْسَ عَشْرَةَ سَجْدَةً فِي القُرْآنِ، مِنْهَا ثَلاَثٌ فِي المُفَصَّلِ، وَفِي سُورَةِ الحَجِّ سَجْدَتَانِ. أخرجه أبو داود (¬5). [ضعيف] قوله في حديث عمرو بن العاص: "منها ثلاث في المفصّل" وهي في: النجم والانشقاق واقرأ. ¬

_ (¬1) (2/ 120). (¬2) في "الجامع" (5/ 554 الحديث رقم 3785). (¬3) وهو كما قال. (¬4) سقطت من (ب). (¬5) في "السنن" رقم (1401). وأخرجه ابن ماجه رقم (1057)، والدارقطني في "السنن" (1/ 408 رقم 8)، والحاكم في "المستدرك" (1/ 223) وقال: هذا حديث رواته مصريون, قد احتج الشيخان بأكثرهم، وليس في عدد سجود القرآن أتم منه، ولم يخرجاه, ووافقه الذهبي. وهو حديث ضعيف، والله أعلم.

وكأنه خصها لما روي عن ابن عباس (¬1): "أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يسجد [- صلى الله عليه وسلم -] (¬2) في المفصل بعد هجرته إلى المدينة" سيأتي. وقوله: "وسجدتان في الحج" كأنه إشارة إلى من يقول: "ليس فيها إلا سجدة واحدة" (¬3). قوله: "أخرجه أبو داود". قلت: وزاد: قال أبو داود (¬4): وروي عن أبي الدرداء عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إحدى عشر سجدة" وإسناده واهٍ. انتهى. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود في "السنن" رقم (1403). وهو حديث ضعيف، في سنده أبو قدامة الحارث بن عبيد، قال أحمد: مضطرب الحديث. وقال ابن معين: ضعيف. وقال مرة: ليس بشيء. وقال النسائي وغيره: ليس بالقوي. وقال ابن حبان: كان ممن كثر وهمه. "الميزان" (1/ 438)، "الجرح والتعديل" (1/ 2/ 81)، "التاريخ الكبير" (1/ 2/ 275). وخلاصة القول فيه: أنه صدوق يخطئ، كما قال ابن حجر. وفيه مطر الوراق هو ابن طهمان، أبو رجاء الخراساني السلمي، مختلف فيه. قال الذهبي: مطر من رجال مسلم، حسن الحديث. وقال ابن حجر: صدوق كثير الخطأ، وحديثه عن عطاء ضعيف "التقريب" (2/ 252 رقم 1164). "الجرح والتعديل" (4/ 1/ 287)، و"الميزان" (4/ 126). (¬2) سقطت من (ب). (¬3) ذهب إلى ذلك أبو حنيفة حيث عدَّ في سورة الحج سجدة وعد سجدة (ص). انظر: "البناية في شرح الهداية" (2/ 786 - 787). (¬4) في "السنن" بإثر الحديث رقم (1401).

قال الحافظ المنذري (¬1): هذا الذي أشار إليه أبو داود أخرجه الترمذي (¬2) وابن ماجه (¬3)، وقال الترمذي (¬4): غريب. انتهى. قلت: وتمام كلام الترمذي لا نعرفه إلا من حديث سعيد بن أبي هلال عن عمر الدمشقي. ثم ساقه (¬5) بسند آخر عن سعيد بن هلال، عن عمر: وهو أبو حيان الدمشقي، قال: سمعت مخُبراً يخبر عن أم الدرداء عن أبي الدرداء ... فذكره. ثم قال (¬6): وهو أصح من حديث سفيان بن وكيع عن عبد الله بن وهب. انتهى كلامه. قلت: وفي روايته الأخرى مجهول هو المخبر عن أم الدرداء. 2 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: لَيْسَتْ (ص) مِنْ عَزَائِمِ السُّجُودِ, وَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَسْجُدُ فِيهَا، وَيَقُولُ: سَجَدَهَا دَاوُدُ - عليه السلام - تَوْبَةً، وَنَسْجُدُهَا شُكْرًا. أخرجه الخمسة (¬7) إلا مسلماً. [صحيح] ¬

_ (¬1) (2/ 117). (¬2) في "السنن" رقم (568). (¬3) في "السنن" رقم (1055). وهو حديث ضعيف. (¬4) في "السنن" (2/ 459). (¬5) الترمذي في "السنن" (569)، وهو حديث ضعيف. (¬6) أي الترمذي في "السنن" (2/ 458)، وهو حديث ضعيف، وقد تقدم. (¬7) أخرجه البخاري رقم (1069)، وأبو داود رقم (1409)، والترمذي رقم (577) وقال: هذا حديث حسن صحيح. والنسائي رقم (957)، وأحمد (1/ 360) عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "ليست (ص) من عزائم السجود, ولقد رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يسجد فيها". =

قوله في حديث ابن عباس: "ليست (ص) من عزائم السجود" أي: السجدة في سورة (ص) [135 ب] عند قوله: {وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ (24)} (¬1). قال الحافظ ابن حجر (¬2): المراد بالعزائم ما وردت العزيمة في فعله كصيغة الأمر مثلاً بناءً على أن بعض المندوبات آكد من بعض عند من لا يقول بالوجوب. وقد روى ابن المنذر (¬3) وغيره (¬4) عن علي بن أبي طالب - عليه السلام - بإسنادٍ حسن: "إن العزائم: حم، والنجم، واقرأ، وألم تنزيل" وكذا ثبت عن ابن عباس في الثلاث الأخر (¬5). ¬

_ = وأخرج النسائي في "السنن" رقم (957) عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سجد في (ص) وقال: "سجدها داود - عليه السلام - توبة، ونسجدها شكراً" وهو حديث صحيح. وأخرج أبو داود رقم (1410)، وابن حبان رقم (2765)، والحاكم (2/ 431 - 432) وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي. والدارمي رقم (1507)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (2/ 318) عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو على المنبر (ص)، فلما بلغ السجدة نزل فسجد وسجد الناس معه, فلما كان يوم آخر قرأها، فلما بلغ السجدة تشزَّن الناس للسجود، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنما هي توبة نبي، ولكني رأيتكم تشزّنتم للسجود" فنزل فسجد وسجدوا. وهو حديث صحيح. الشزن: وهو القلق، يقال: بات على شزن، إذا بات قلقاً ينقلب من جنب إلى جنب، استوفزوا: إذا تهيئوا للسجود. قاله الخطابي في "معالم السنن" (2/ 124 - مع السنن). (¬1) سورة ص الآية (24). (¬2) في "فتح الباري" (2/ 552). (¬3) في "الأوسط" (5/ 262 ث 2836). (¬4) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 552). (¬5) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 552).

وقيل: الأعراف وسبحان وحم والم. أخرجه ابن أبي شيبة (¬1). انتهى. قال البيضاوي (¬2): العزيمة في الأصل عقد القلب على الشيء، ثم استعمل لكل أمر محتوم. وفي اصطلاح الفقهاء (¬3): الحكم الثابت بالأصالة، كوجوب الصلوات الخمس، وإباحة الطيبات. قوله: "ويقول: سجدها داود توبة" فقوله: {وَخَرَّ رَاكِعًا} (¬4) أي: ساجداً، وفيه إثبات السجود للتوبة عن الذنوب. وقوله: "ونسجدها شكراً" أي: لله، على قبول توبة عبده داود، وفيه إثبات سجود الشكر على إنعام الله على الغير، وبالأولى على الساجد. قوله: "أخرجه الخمسة". قلت: قال الترمذي (¬5): هذا حديث حسن صحيح، واختلف أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيرهم في هذا. فرأى (¬6) بعض أهل العلم أن يسجد فيها، وهو قول سفيان وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق. ¬

_ (¬1) في مصنفه (2/ 17). (¬2) انظر: "شرح المنهاج للبيضاوي في علم الأصول" (1/ 84 - 85)، و"الإحكام" للآمدي (1/ 131). (¬3) "التعريفات" للجرجاني (ص 155). (¬4) سورة ص الآية (24). (¬5) في "السنن" (2/ 470). (¬6) انظر: "الأوسط" لابن المنذر (5/ 260 - 262).

وقال بعضهم (¬1): إنها توبة نبي، ولم يروا السجود فيها. انتهى. قلت: [و] (¬2) قد صرح - صلى الله عليه وسلم - بأنه يسجدها شكراً، فلا عذر عن التأسي به - صلى الله عليه وسلم -. 3 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قَرَأ رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: وَالنَّجْمِ، فَسَجَدَ فِيهَا وَسَجَدَ مَنْ كَانَ مَعَهُ، غَيْرَ أَنَّ شَيْخًا أَخَذَ كَفًّا مِنْ تُرَابٍ فَرَفَعَهُ إِلَى جَبْهَتِهِ، وَقَالَ: يَكْفِينِي هَذَا. قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ بَعد قُتِلَ كَافِرًا وَهُوَ أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ. أخرجه الخمسة (¬3) إلا الترمذي وهذا لفظ البخاري. [صحيح] قوله في حديث ابن مسعود: "فسجد فيها وسجد من كان معه" وأخرجه الترمذي (¬4) من حديث ابن عباس بلفظ: "سجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيها - يعني النجم - والمسلمون والمشركون والجن والإنس". ثم قال (¬5): وفي الباب عن ابن مسعود (¬6) وأبي هريرة (¬7). انتهى. ¬

_ (¬1) انظر: "فتح الباري" (2/ 552). (¬2) زيادة من (ب). (¬3) أخرجه البخاري رقم (3853)، ومسلم رقم (105/ 576)، وأبو داود رقم (1406)، والنسائي (2/ 160). وهو حديث صحيح. (¬4) في "السنن" رقم (575). وأخرجه البخاري رقم (1071)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (763)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (2/ 314)، والحاكم (2/ 468). وهو حديث صحيح. (¬5) أي الترمذي في "السنن" (2/ 465). (¬6) تقدم، وهو حديث صحيح. (¬7) أخرجه البزار في مسنده رقم (753 - كشف)، وأورده الهيثمي في "المجمع" (2/ 285) وقال: رواه البزار ورجاله ثقات، والدارقطني في سننه (1/ 409 رقم 11).

وهذا السجود [136 ب] كان في مكة, وفيه قصة تقدمت في التفسير. وقول ابن عباس: "والجن" كأنه من إخباره - صلى الله عليه وسلم - له أو لمن أخبره، فإن ابن عباس لم يحضر هذه السجدة لصغره أو عدم وجوده (¬1). قوله: "وهو أمية بن خلف" ظاهره أنه من كلام ابن مسعود، وهو في "الجامع" (¬2) في رواية نسبها إلى البخاري (¬3). وقال الحافظ المنذري (¬4): هذا الرجل هو أمية بن خلف, وقيل: هو الوليد بن المغيرة، وقيل: هو عُتبة بن ربيعة, وقيل: إنه أبو أُحيحة سعيد بن العاص، والأول أصح وهو الذي ذكره البخاري. انتهى. قوله: "الخمسة إلا الترمذي". قلت: يريد أنه لم يروه من طريق ابن مسعود، وإلا فإنه رواه من طريق ابن عباس وذكر أن في الباب عن ابن مسعود (¬5). [488/ أ]. 4 - وعن زيد بن ثابت - رضي الله عنه - قَالَ: "قَرَأْتُ عَلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وَالنَّجْمِ فَلَمْ يَسْجُدْ فِيهَا". أخرجه الخمسة (¬6). [صحيح] ¬

_ (¬1) انظر: "فتح الباري" (2/ 554). (¬2) (5/ 557). (¬3) في صحيحه رقم (3853). (¬4) في "مختصر السنن" (2/ 118). (¬5) تقدم، وهو حديث صحيح. (¬6) أخرجه البخاري رقم (1073)، ومسلم رقم (106/ 577)، وأبو داود رقم (1404)، والترمذي رقم (576) وقال: حديث حسن صحيح. والنسائي رقم (960)، وهو حديث صحيح.

قوله في حديث زيد بن ثابت: "قرأت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والنجم فلم يسجد فيها، أخرجه الخمسة". قلت: قال الترمذي (¬1): حديث زيد بن ثابت حديث حسن صحيح، وتأول بعض أهل العلم هذا الحديث فقال: إنما ترك النبي - صلى الله عليه وسلم - السجود؛ لأن زيد بن ثابت حين قرأ فلم يسجد، لم يسجد النبي - صلى الله عليه وسلم -. وقالوا: السجدة واجبة على من سمعها ولم يرخصوا في تركها. وقالوا: إن سمع الرجل وهو على غير وضوء فإذا توضأ سجد، وهو قول سفيان الثوري وأهل الكوفة، وبه يقول إسحاق. وقال بعض أهل العلم: إنما السجدة على من أراد أن يسجد فيها والتمس فضلها، ورخصوا في تركها إن أراد ذلك (¬2). ¬

_ (¬1) في "السنن" (2/ 466 - 467). (¬2) قال النووي في "المجموع" (3/ 552 - 553): وسواء سجد القارئ أم لم يسجد يسن للمستمع أن يسجد. هذا هو الصحيح، وبه قطع الجمهور ... "فرع": المصلي إذا كان منفرداً سجد لقراءة نفسه, فلو قرأ السجدة فلم يسجد ثم بدا له أن يسجد لم يجز؛ لأنه تلبس بالفرض فلا يتركه للعود إلى سنة، ولأنه يصير زائدا ركوعاً، فلو بدا له قبل بلوغ حد الركعتين جاز، ولو هوى لسجود التلاوة ثم بدا له فرجع جاز، كما لو قرأ بعض التشهد الأول ولم يتمه جاز بلا شك. قال أصحابنا - أي: الشافعية - ويكره للمصلي الإصغاء إلى قراءة غير إمامه، فإن أصغى المنفرد لقراءة قارئ في الصلاة أو غيرها لم يجز أن يسجد، لأنه ممنوع من هذا الإصغاء، فإن سجد بطلت صلاته، وإن كان المصلي إماماً فهو كالمنفرد فيما ذكرناه ... وإذا سجد الإمام لزم المأموم السجود معه, فإن لم يسجد بطلت صلاته بلا خلاف لتخلفه عن الإمام، ولو لم يسجد الإمام لم يسجد المأموم، فان خالف وسجد بطلت صلاته بلا خلاف. ويستحب أن يسجد بعد سلامه ليتداركها ولا يتأكد. =

واحتجوا بالحديث المرفوع حديث زيد - يريد هذا - وساقه. قالوا: لو كانت السجدة واجبة لم يترك النبي - صلى الله عليه وسلم - زيداً حتى كان سجد، وسجد النبي - صلى الله عليه وسلم -. وذكر احتجاجهم بحديث عمر الذي تقدم، أول حديث في سجود التلاوة. ثم قال: وذهب بعض أهل العلم إلى هذا، وهو قول الشافعي (¬1) وأحمد (¬2). 5 - وعن أبي سلمة عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أَنَّهُ قَرَأَ سُورَة: إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ فَسَجَدَ بِهَا. فَقُلْتُ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ! أَلَمْ أَرَكَ تَسْجُدُ؟ قَالَ: لَوْ لَمْ أَرَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَسْجُدُ لَمْ أَسْجُدْ. أخرجه الستة (¬3) إلا الترمذي. [صحيح] قوله: "وعن أبي سلمة" هو ابن عبد الرحمن بن عوف، واسمه عبد الله، والحديث فيه إثبات سجوده - صلى الله عليه وسلم -[137 ب] في سورة الانشقاق، وهي من المفصّل. ¬

_ = ولو سجد الإمام ولم يعلم المأموم حتى رفع الإمام رأسه من السجود لا تبطل صلاة المأموم؛ لأنه تخلف بعذر، ولكن لا يسجد، فلو علم والإمام بعد في السجود لزمه السجود, ولو هوى المأموم ليسجد معه فرفع الإمام وهو في الهوى رجع معه ولم يسجد. وكذا الضعيف البطيء الحركة الذي هوى مع الإمام لسجود التلاوة فرفع الإمام رأسه قبل انتهائه إلى الأرض لا يسجد، بل يرجع معه, بخلاف سجود نفس الصلاة؛ فإنه لا بد أن يأتي به، وإن رفع الإمام؛ لأنه فرض ... اهـ وانظر: "شرح السنة" للبغوي (3/ 315)، "الكافي في فقه الإمام أحمد" (1/ 158). (¬1) انظر: "المجموع شرح المهذب" (3/ 554). (¬2) "المغني" لابن قدامة (2/ 371 - 373). (¬3) أخرجه البخاري رقم (766)، ومسلم رقم (578)، وأبو داود رقم (1408)، وابن ماجه رقم (1057 و1059)، والنسائي رقم (961، 962، 968).

وفيه: إثبات السجود فيها، وأنه - صلى الله عليه وسلم - سجد فيها بعد وهو في المدينة؛ لأن أبا هريرة لم يسلم (¬1) إلا وهو - صلى الله عليه وسلم - فيها، بعد أعوام من الهجرة، ثم أخبر أنه رآه سجد فانتفى ما يقال: لعلّه بلغ أبا هريرة سجوده - صلى الله عليه وسلم - فيها في مكة. وقوله: "لو لم أر النبي - صلى الله عليه وسلم - سجد لم أسجد" ليس فيه دليل على أنه لا يسجد لو بلغه عنه - صلى الله عليه وسلم - ولم يره؛ لأنه أراد أن هذه القضية شاهدتها فعملت بالمشاهدة. وروايته (¬2) الأخرى فيها إثبات سجوده - صلى الله عليه وسلم - في سورة اقرأ، وأنه سجد معه أبو هريرة فيها. 6 - وعنه - رضي الله عنه - قال: "سَجَدْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي: إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ، وَاقْرَأْ بِاسْمِ رَبَّكَ الَّذِي خَلَقَ". أخرجه الخمسة (¬3) إلا البخاري. [صحيح] 7 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "لَمْ يَسْجُدْ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي شَيْءٍ مِنَ المُفَصَّلِ مُنْذُ تَحَوَّلَ إِلَى المَدِينَةِ". أخرجه أبو داود (¬4). [ضعيف] قوله في حديث ابن عباس: "لم يسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - في شيء من المفصل". تقدم بيانه في "منذ تحول إلى المدينة" هذا يعارض روايات أبي هريرة، وهي أرجح رواية ودراية. ¬

_ (¬1) انظر: "الإصابة" (7/ 355). (¬2) أي الآتية رقم (6). (¬3) أخرجه مسلم رقم (578)، وأبو داود رقم (1407)، والترمذي رقم (573)، والنسائي رقم (963)، وابن ماجه رقم (1058)، وأخرجه أحمد (2/ 281). وهو حديث صحيح. (¬4) في "السنن" رقم (1403)، وهو حديث ضعيف، وقد تقدم.

أما للأول: فلأنه قال الحافظ المنذري (¬1): في إسناده أبو قدامة (¬2)، واسمه الحارث بن عبيد، إياديُّ بصري، لا يحتج بحديثه. وأما الثاني: فلأن ابن عباس نافٍ بمعنى: ما علمت سجوده وأبو هريرة مثبت، بمعنى علمت سجوده، والمثبت مقدّم على النافي. قال المنذري (¬3): وقد صحّ: "أن أبا هريرة سجد مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في إذا السماء انشقت [138 ب] وفي اقرأ باسم ربك" وأبو هريرة إنما قدم على النبي - صلى الله عليه وسلم - في السنة السابعة (¬4) من الهجرة. 8 - وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ فِي سُجُودِ القُرْآنِ بِاللَّيْلِ: "سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِى خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ, وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ بِحَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ. أخرجه أصحاب السنن (¬5). [صحيح] قوله: "وعن عائشة" جعل ابن الأثير (¬6) هذا فرعاً سادساً في دعاء السجود. ¬

_ (¬1) في "مختصر السنن" (2/ 117). (¬2) انظر: "الميزان" (1/ 438)، "الجرح والتعديل" (1/ 2/ 81)، "التاريخ الكبير" (1/ 2/ 275). (¬3) في "مختصر السنن" (2/ 117). (¬4) انظر: "الإصابة" (7/ 355). (¬5) أخرجه أبو داود رقم (1414)، والترمذي رقم (580)، والنسائي (2/ 222). وأخرجه أحمد (6/ 30 - 31)، وإسحاق بن راهويه رقم (1679)، والحاكم (1/ 220)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (2/ 352)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (770)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (2/ 20)، والدارقطني في "السنن" (1/ 406 رقم 2). (¬6) في "الجامع" (5/ 561).

"سجد وجهي" نسب الجمهور إليه، لأنه أشرف أعضاء [السجود] (¬1) وإلا فقد ثبت: "أنه - صلى الله عليه وسلم - أمر بالسجود على سبعة أعضاء" (¬2). وليصفه بقوله: "للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره بحوله وقوته". قوله: "أخرجه أصحاب السنن". قلت: قال (¬3) الترمذي: حديث صحيح. 9 - زاد في رواية الترمذي (¬4) عن ابن عباس - رضي الله عنهما - فقال: جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله! رَأَيْتُنِي اللَّيْلَةَ وَأَنا نَائِمٌ كَأَنِّي أُصَلِّي خَلْفَ شَجَرَةٍ فَسَجَدْتُ فَسَجَدَتْ الشَّجَرَةُ لِسُجُودِي، فَسَمِعْتُهَا تَقُولُ: اللهمَّ اكْتُبْ لِي بِهَا أَجْرًا، وَحُطَّ عَنِّي بِهَا وِزْرًا، وَاجْعَلْهَا لِي عِنْدَكَ ذُخْرًا، وَتَقَبَّلْهَا مِنِّي كَمَا تَقَبَّلْتَهَا مِنْ عَبْدِكَ دَاوُدَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَسَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَرَأَ السَّجْدَةَ، فَقَالَ فِيهَا مِثْلَ مَا أخْبَرَهُ الرَّجُلُ عَنْ قَوْلِ الشَّجَرَةِ. [حسن لغيره] ¬

_ (¬1) سقطت من (ب). (¬2) تقدم، وهو حديث صحيح. (¬3) في "السنن" (2/ 474). (¬4) في "السنن" رقم (579) وقال: هذا حديث غريب. وأخرجه ابن ماجه رقم (1053)، وابن حبان رقم (691 - موارد)، والحاكم (1/ 219)، والبيهقي (2/ 320)، والطبراني في "الكبير" (ج 11 رقم 11262) قال الحاكم: هذا حديث صحيح، رواته مكيون, ولم يذكر واحد منهم بجرح، ووافقه الذهبي. قلت: فيه الحسن بن محمد بن عبيد الله بن أبي يزيد المكي. قال العقيلي: لا يتابع عليه, وقال غيره: فيه جهالة، ما روى عنه سوى ابن خُنبس. انظر: "الميزان" (1/ 520 رقم 1940). وللحديث طريق أخرى، وشاهد يتقوى بهما، وهو حديث حسن لغيره.

سجود الشكر

قوله: "زاد الترمذي عن ابن عباس" أي: روى عنه حديثاً آخر، لا أنه زاده في رواية عائشة, وليس في "الجامع" (¬1): زاد. بل ذكره منفصلاً عن ابن عباس. قوله: "جاء رجل" هو أبو سعيد الخدري، جاء مصرحاً به في رواية الطبراني (¬2) وأبي يعلى (¬3) من حديثه قال: "رأيت فيما يرى النائم ... " الحديث. قال الترمذي (¬4) - بعد سياقه - قال أبو عيسى: هذا حديث غريب من حديث ابن عباس لا نعرفه إلا من هذا الوجه. سُجُودُ الشُّكْر 1 - عن أبي بكرة - رضي الله عنه - قال: "كانَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إِذَا جَاءَهُ أَمْرُ بِسُرُورٍ أَوْ بُشِّرَ بِهِ خَرَّ سَاجِدًا شَاكِرًا للهِ تَعَالى". أخرجه أبو داود (¬5) والترمذي (¬6). [حسن] قوله في حديث أبي بكرة: "إذا جاءه أمر سرور" بالإضافة، أي: أمر يسر به. "أو بُشر به" أي: يأتي بسرور. "خرّ ساجداً شكراً لله" العبادة عن تجدد النعم سنة، ومنها: الحمد لله والصدقة، ومنها: إعطاء المبشر. ¬

_ (¬1) (5/ 562). (¬2) في "الكبير" (ج 11 رقم 11262). (¬3) لم أقف عليه. (¬4) في "السنن" (2/ 474). (¬5) في "السنن" رقم (2774). (¬6) في "السنن" رقم (1578) وقال: هذا حديث حسن غريب. وأخرجه أحمد (5/ 45)، وابن ماجه رقم (1394). وهو حديث حسن.

فالسجود من شكر النعم: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} (¬1). قوله: "أخرجه أبو داود والترمذي". قلت: وقال (¬2) الترمذي: حسن غريب. 2 - وعن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - قال: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - مِنْ مَكَّةَ نُرِيدُ المَدِينَةَ، [فَلَمَّا كُنَّا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ] (¬3) رَفَعَ يَدَيْهِ فَدَعَا الله وَخَرَّ سَاجِدًا، ثُمَّ مَكَثَ طَوِيلاً، ثُمَّ قَامَ فَرَفَعَ يَدَيْهِ سَاعَةً، ثُمَّ خَرَّ سَاجِدًا، فَفَعَل ذلِكَ ثَلاَثَاً. ثُمَّ قَالَ: "إِنِّي سَألتُ رَبِّي وَشَفَعْتُ لأُمَّتِي, فَأَعْطَانِي ثُلُثَ أُمَّتي، فَخَرَرْتُ لِرَبِّي سَاجِدًا شُكْرًا، ثُمَّ رَفَعْتُ رَأْسِي، فَسَألتُ رَبِّي لأُمَّتِي فَأَعْطَانِي ثُلُثَ أُمَّتِي، فَخَرَرْتُ لِرَبِّي سَاجِدًا شُكْرًا، ثُمَّ رَفَعْتُ رَأْسِي فَسَألتُ رَبِّي لأُمَّتِي فَأَعْطَانِي الثُّلُثَ الآخِرَ، فَخَرَرْتُ لِرَبّي سَاجِدًا شُكْرًا". أخرجه أبو داود (¬4). [ضعيف] قوله في حديث سعد بن أبي وقاص [قريباً من عزورا] (¬5) هي بفتح (¬6) العين المهملة وسكون الزاي وفتح الواو وبالمد، بقعة الجحفة عليها الطريق من المدينة إلى مكة، ويقال فيها [139 ب] عزورى، قاله في "سلاح المؤمن". والحديث فيه بشرى لجميع الأمة، وأن الله أعطاه جميع أمته، والمراد شفع لها في النجاة، وأعطاه الله ذلك. ¬

_ (¬1) سورة إبراهيم الآية (7). (¬2) في "السنن" (4/ 141). (¬3) كذا في المخطوط (أ. ب)، والذي في "السنن" ([فلما كنا قريباً من عزورا، نزل ثم] وكذلك هو في "جامع الأصول" (5/ 563 رقم 3850). (¬4) في "السنن" رقم (2775)، وهو حديث ضعيف. (¬5) سقطت من (أ. ب)، وهي في "سنن أبي داود" و"الجامع". (¬6) انظر: "القاموس المحيط" (ص 564).

الباب السادس: في صلاة الجماعة

وكأن المراد: أعطاه نجاتها كلها، وإن عوقب من يعاقب منها بالنار (¬1)، لثبوت الأحاديث بذلك لكن مآلهم وعاقبتهم النجاة بحمد الله. قوله: "ففعل ذلك ثلاثاً" في "الجامع" (¬2) بعد قوله: "في السجود الأول" "فرفع يديه ساعة ثم خرّ ساجداً"، قال أبو داود (¬3): وذكر أحمد ثلاثاً. هذا لفظ "الجامع" (¬4) لابن الأثير. وهذا سجود [489/ أ] شكر لإجابة الدعاء ينبغي للداعي إذا عرف إجابة دعائه أن يسجد شكراً لله. الباب السادس: في صلاة الجماعة وفيه: خمسة فصول قوله: "البَابُ السَّادِسُ: فِيْ صَلاَةِ الَجَماعِةِ". أي: في أحكامها من وجوب وغيره، وفي فضلها. الفصل الأول: في فضلها 1 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "صَلَاةُ الرَّجُلِ في جَمَاعَةٍ تُضَعَّفُ عَلَى صَلَاتِهِ فِي بَيْتِهِ وَسُوقِهِ خَمْسًا وَعِشْرِينَ ضِعْفًا، وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الوُضُوءَ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى المَسْجِدِ لَا تُخْرِجُهُ إِلَّا الصَّلَاةُ لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إِلَّا رُفِعَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ، وَحُطَّتْ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ, فَإِذَا صَلَّى لَمْ تَزَلْ المَلَاِئكَةُ تُصَلِّي عَلَيْهِ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ: اللهمَّ صَلِّ عَلَيْهِ, اللهمَّ ارْحَمْهُ, وَلَا يَزَالُ ¬

_ (¬1) تقدم ذكرها. (¬2) (5/ 563 رقم 3850). (¬3) في "السنن" (3/ 217 رقم 2775). (¬4) (5/ 563 رقم 3805).

أَحَدُكُمْ فِي صلَاةٍ مَا انْتَظَرَ الصَّلَاةَ". أخرجه الستة (¬1) إلا النسائي، وهذا لفظ البخاري. [صحيح] قوله في حديث أبي هريرة: "تضعف على صلاته في بيته وسوقه" أي: صلاته فيهما [فرادى] (¬2). قوله: "خمساً وعشرين". أقول: لفظ البخاري (¬3) في روايته عن ابن عمر: "سبع وعشرين درجة". قال الترمذي (¬4): عامة من رواه قال: "خمساً وعشرين" إلا ابن عمر فقال: "سبعاً وعشرين". انتهى. ووقع في مسلم (¬5) عن نافع: "بضع وعشرون". قال ابن حجر (¬6): ليست مغايرة لرواية سبع وعشرين، لصدق البضع على السبع. والروايات في الباب كثيرة، فيها ما فيه مقال في بعض رواته, فقد رجعت الروايات كلها إلى الخمس والسبع. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (477)، ومسلم رقم (649، 666)، وأبو داود رقم (559)، وابن ماجه رقم (786 و787)، والترمذي رقم (216)، والنسائي رقم (838)، ومالك في "الموطأ" (1/ 129). (¬2) أي منفرداً. (¬3) أخرجه البخاري رقم (645). وأخرجه أحمد (2/ 112)، ومسلم رقم (249/ 650)، ومالك في "الموطأ" (1/ 129)، وأبو عوانة (2/ 3)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (3/ 59)، وابن ماجه رقم (789)، والترمذي رقم (215)، والنسائي في "المجتبى" (2/ 103)، وفي "الكبرى" (1/ 441 رقم 913). (¬4) في "السنن" (1/ 420 - 421). (¬5) في صحيحه رقم (650). (¬6) في "فتح الباري" (2/ 132).

وإنما اختلف (¬1) في الأرجح منهما؟ فقيل: رواية الخمس لكثرة رواتها، وقيل: رواية السبع؛ لأن فيها زيادة من عدل حافظ، وكأنه - صلى الله عليه وسلم - أخبر بالزيادة على الخمس بعد الإخبار بالخمس. وذكر صاحب "المفهم" (¬2) أن صلاة الجماعة بثمانية وعشرين صلاة أخذاً من قوله [140 ب]: "تزيد على صلاته وحده سبع وعشرين" فأفاد أن الزيادة باعتبار الأصل الذي زيد عليه تكون ثمانية وعشرين، وللمصلي وحده جزءاً واحد. قوله: "ضعفًا" اختلفت (¬3) الروايات في مميز العدد المذكور، ففي الروايات كلها: "درجة" وفي بعضٍ حذف المميز، وفي رواية أبي هريرة: "ضعفاً"، وفي بعضها: "جزءاً"، وفي بعضها: "درجة"، وفي بعضها: "صلاة". قال الحافظ (¬4): والظاهر أن ذلك من تصرف الرواة، ويحتمل أن يكون ذلك من التفنن في العبارة, وقد ذكر (¬5) وجوهاً كثيرة في وجه الجمع بين السبع والخمس بلا دليل عليها، وتكلفات وتخمينات لا حاجة إلى سردها، ونبهّنا في هامش "الفتح" على هذا. قوله: "وذلك أنه إذا توضأ" ظاهر هذا أنه علة التضعيف المذكور سببه كذا وكذا، وإذا كان كذلك مما رتب على أمور متعددة لا يوجد بوجود بعضها إلا إذا دل دليل على إلغاء بعضها ولم يقم هنا، والأحاديث المطلقة تحمل على هذه المقيدة. قوله: "لا تخرجه إلا الصلاة" أي: قصدها في الجماعة. ¬

_ (¬1) انظرها مفصلة في "فتح الباري" (2/ 132 - 133). (¬2) (2/ 275). (¬3) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 132). (¬4) في "فتح الباري" (2/ 132). (¬5) أي الحافظ في "الفتح" (2/ 133).

وقوله: "لم يخط" بفتح أوله وضم الطاء، وخطوة بضم أوله ويجوز الفتح. قال الجوهري (¬1): الخطوة ما بين القدمين، وبالفتح المرة الواحدة. وجزم اليعمري (¬2) أنها هنا بالفتح. وقال القرطبي (¬3): إنها في روايات مسلم بالضم. "فإذا صلى" أي: صلاة تامة. "لم تزل الملائكة تصلي عليه" تدعو له، ويأتي لفظه. "ما دام في مصلاه" أي: في مكانه الذي أوقع الصلاة فيه. قيل: وكأنه خرج (¬4) مخرج الأغلب، وإلا فلو قام إلى بقعة أخرى من المسجد مستمراً على نية انتظار الصلاة كان كذلك. قلت: لا دليل على أنها لا تدعو له إلا إذا [أقام] (¬5) ينتظر الصلاة بعد لو أقام ليدعو الله ونحوه، وإن لم ينتظر صلاة. نعم، من أقام منتظراً للصلاة فهو في صلاة، مسألة أخرى غير هذه. [141 ب]. وفي رواية (¬6): "ولا تزال الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في المسجد: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه" وهي تؤنس بالحمل على الأغلب. ¬

_ (¬1) في "الصحاح" (6/ 2328). (¬2) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 136). (¬3) في "المفهم" (2/ 290). (¬4) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 136). (¬5) في (ب): "قام". (¬6) أخرجها البخاري في صحيحه رقم (176).

"اللهم ارحمه" هو بيان صلاتهم عليه، وفي البخاري (¬1) في باب آخر: "اللهم اغفر له، اللهم ارحمه" ولابن ماجه (¬2): "اللهم تب عليه". وقد قيّد الحديث في رواية للبخاري (¬3): "ما لم يحدث" وفي رواية له (¬4): "ما لم يقم من مصلاه أو يحدث" وفي لفظ (¬5): "حتى ينصرف أو يحدث". وقيد في رواية (¬6) بزيادة: "ما لم يؤذ أحداً ... " الحديث. "ولا يزال أحدكم في مصلاه" أي: مكتوباً له أجرها. "ما انتظر الصلاة" ظاهره: سواء كان منتظراً في بيته أو في مسجده، إلَّا أن في لفظ رواية الشيخين (¬7): "لا يزال أحدكم في صلاة ما دامت الصلاة تحبسه، لا يمنعه أن ينقلب إلى أهله إلاّ الصلاة". ما يشعر بأنه مهما بقي في مسجده. وفي رواية (¬8): "فإن قام من مصلاه فجلس في المسجد ينتظر الصلاة لم يزل في صلاة حتى يصلي". ¬

_ (¬1) في صحيحه رقم (3229). (¬2) في "السنن" (789). (¬3) في صحيحه رقم (176، 445، 477). (¬4) أخرجها البخاري في صحيحه رقم (3229). (¬5) أخرجها البخاري في صحيحه رقم (3229). (¬6) أخرجها البخاري في صحيحه رقم (2119). (¬7) البخاري في "صحيحه" رقم (659، 3229)، ومسلم رقم (649)، وأخرجه أبو داود رقم (471)، وأخرجه مالك في "الموطأ" (1/ 161)، موقوفاً. (¬8) ما أخرجها مالك في "الموطأ" (1/ 161 رقم 54)، وهو أثر صحيح موقوف.

2 - وفي أخرى للشيخين (¬1) عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "صَلاَةُ الجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلاَةِ الفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً". [صحيح] "الفَذُّ": الفرد. 3 - وعن أبي موسى - رضي الله عنه - قال: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَعْظَمُ النَّاسِ أَجْرًا فِي الصَّلاَةِ أَبْعَدُهُمْ فَأَبْعَدُهُمْ مَمْشًى، وَالَّذِي يَنْتَظِرُ الصَّلاَةَ حَتَى يُصَلِّيَهَا مَعَ الإِمَامِ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنَ الَّذِي يُصَلِّي ثُمَّ يَنَامُ". أخرجه رزين. قلت: وهو في "صحيح البخاري" (¬2)، والله أعلم. [صحيح] قوله: "في حديث [أبي موسى] (¬3) أعظم الناس أجراً في الصلاة" أي: بالنظر إلى المسافة. "أبعدهم فأبعدهم ممشىً"؛ لأنه تقدم أنه لم يخط خطوة إلاَّ رفعت له بها درجة. وفي البخاري (¬4): "لم يخط خطوة إلاّ رفعت له بها درجة, وحطت بها عنه خطيئة". وفي رواية "الموطأ" (¬5): "أنه يكتب بإحدى خطوتيه حسنة، ويمحى عنه بالأخرى سيئة" وفيه: "فإنّ أعظمكم أجراً أبعدكم داراً". وفي رواية الترمذي (¬6): "لم يخط خطوة إلاّ رفعه الله بها درجة، وحطّ عنه بها خطيئة"، وبهذا فسَّر قوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ} (¬7). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (645)، ومسلم رقم (249/ 650)، وقد تقدم. (¬2) في "صحيحه" رقم (651). وأخرجه مسلم رقم (662). (¬3) في (أ): أبي هريرة ولعله سهو من الشارح. (¬4) في "صحيحه" رقم (647). (¬5) (1/ 161 - 162). (¬6) في "السنن" رقم (496). (¬7) سورة يس الآية (12).

فإنه أخرج أحمد (¬1) وابن أبي شيبة (¬2) وابن مردويه (¬3) عن أنس قال: "أراد بنو سلمة أن يبيعوا دورهم ويتحولوا قرب المسجد، فبلغ النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال لهم: "يا بني سلمة دياركم تكتب آثاركم". وأخرج جماعة من الأئمة [142 ب] الترمذي (¬4) والحاكم (¬5) وصححّه والبيهقي في "شعب الإيمان" (¬6): "كان بنو سلمة في ناحية من المدينة فأرادوا أن ينتقلوا إلى قرب المسجد فأنزل الله: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ} (¬7) [490/ أ]، فدعاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: إنه تكتب آثاركم ثم قرأ لهم الآية, فتركوا". قوله: "وهو في صحيح البخاري". قلت: هو كما قال المصنف في "صحيح البخاري" (¬8) عن أبي موسى بلفظه، ولم يذكره ابن الأثير في "الجامع" (¬9)، بل ذكر رواية رزين وبيّض لها على قاعدته. ¬

_ (¬1) في "المسند" (3/ 106). (¬2) في "مصنفه" (2/ 207). (¬3) عزاه السيوطي في "الدر المنثور" (7/ 47). (¬4) في "السنن" رقم (3226). (¬5) في "المستدرك" (2/ 428 - 429). (¬6) رقم (2630). وهو حديث صحيح. (¬7) سورة يس الآية (12). (¬8) في "صحيحه" رقم (651)، وقد تقدم. (¬9) (5/ 405 - 406).

4 - وعن عثمان - رضي الله عنه - قال: سَمِعْتُ رَسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مَنْ صَلَّى العِشَاءَ في جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ فكَأَنَّمَا صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ". أخرجه مسلم (¬1) ومالك (¬2)، وأبو داود (¬3) والترمذي (¬4). [صحيح] قوله: "في حديث عثمان: فكأنما صلّى الليل كله" أي: بصلاتيه جميعاً كقيام نصف الليل كما بيّنته رواية الترمذي (¬5) عن عثمان في هذا الحديث بلفظ: "من صلى العشاء في جماعة كان له قيام نصف ليلة, ومن صلى العشاء والفجر في جماعة كان له كقيام ليلة". انتهى. وهاتان [الصلاتان] (¬6) هما اللتان أخبر - صلى الله عليه وسلم -: "أنهما أثقل الصلاة على المنافقين، قال: "ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً على الرُّكب" أخرجه أبو داود (¬7) والنسائي (¬8) من حديث أُبي بن كعب. وفي حديث أبي هريرة مرفوعاً عند الشيخين (¬9) وغيرهما (¬10): "ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبواً". ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (656). (¬2) في "الموطأ" (1/ 132). (¬3) في "السنن" رقم (555). (¬4) في "السنن" رقم (221). وهو حديث صحيح. (¬5) في "السنن" رقم (221)، وهو حديث صحيح. (¬6) في (أ. ب): الصلاة. والصواب ما أثبتناه. (¬7) في "السنن" رقم (554). (¬8) في "السنن" رقم (843). وهو حديث حسن. (¬9) أخرجه البخاري رقم (657)، ومسلم رقم (252/ 651). (¬10) كأحمد (2/ 531)، ومالك في "الموطأ" (1/ 129 رقم 3)، وأبو داود رقم (548، 549)، والنسائي (2/ 107)، وابن ماجه رقم (791)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (3/ 55).

5 - وعن أبيّ بن كعب - رضي الله عنه - قال: كَانَ رَجُلٌ لاَ أَعْلَمُ أَحَدًا أَبْعَدَ مِنْهُ مِنَ المَسْجِدِ، وَكَانَتْ لاَ تُخْطِئُهُ صَلاَةٌ، فَقِيلَ لَهُ: لَوِ اشْتَريْتَ حِمَارًا فَرَكِبْتَهُ فِي الظَّلْمَاءِ أوَ فِي الرَّمْضَاءِ؟ فَقَالَ: مَا يَسُرُّنِي أَنَّ مَنْزِلِي إِلَى جَنْبِ المَسْجِدِ، إِنِّي أُرِيدُ أَنْ يُكْتَبَ لِى مَمْشَايَ إِلى المَسْجِدِ، وَرُجُوعِي إِلَى أَهْلِي. فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "قَدْ جَمَعَ الله تَعَالَى لَكَ ذَلِكَ كُلَّهُ". أخرجه مسلم (¬1) وأبو داود (¬2). [صحيح] قوله: "في حديث أبي بن كعب: إني أريد أن يكتب لي ممشاي إلى المسجد" أي: ذاهباً. "ورجوعي" وفيه إثبات الثواب ذهاباً وإياباً، وفيه أنّ أعمال البر إذا كانت خالصة تكتب آثارها حسناتُ فتدخل الخطى خلف الجنازة، ولعيادة المرضى، ولزيارة الإخوان والأرحام، ولطلب العلم، ولقضاء حاجات [143 ب] العباد. واختلف فيمن كانت داره قريبة من المسجد، فقارب الخُطى بحيث تساوي خُطى من داره بعيدة، هل يساويه في الفضل أم لا؟ وإلى المساواة جنح الطبري (¬3)، وروى ابن أبي شيبة (¬4) عن طريق أنس قال: مشيت مع زيد بن ثابت إلى المسجد، فقارب بين الخطى فقال: "أردت أن تكثر خُطاي إلى المسجد". وهذا لا يلزم منه المساواة في الفضل، وإنْ دلَّ على أنّ كثرة الخطى فضيلة؛ لأنَّ ثواب الخطى الشاقة ليس كثواب الخطى السهلة، وهو ظاهر حديث أبي موسى (¬5) الماضي، حيث جعل أبعدهم ممشى أعظمهم أجراً. ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (663). (¬2) في "السنن" رقم (557). وأخرجه ابن ماجه رقم (783)، وهو حديث صحيح. (¬3) انظر: "جامع البيان" (19/ 408 - 410). (¬4) في "مصنفه" (2/ 207 - 208). (¬5) تقدم وهو حديث صحيح.

(الفصل الثاني: في وجوبها والمحافظة عليها)

واستنبط منه بعضهم استحباب قصد المسجد البعيد، ولو كان بجنبه مسجد قريب، وإنما يتم ذلك إذا لم يلزم من ذهابه إلى البعيد هجر القريب، وإلاّ فإحياؤه بذكر الله أولى، وكذا إذا كان في البعيد مانع من الكمال كأن يكون إمامه مبتدعاً. (الفصل الثاني: في وجوبها والمحافظة عليها) 1 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: أَتَى رَسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - رَجُلٌ أعْمَى، فَقَالَ: يَا رَسولَ الله إِنَّهُ لَيْسَ لِي قَائِدٌ يَقُودُنِي إِلَى المَسْجِدِ، وَسَأَلَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُرَخِّصَ لَهُ، فَلَمَّا وَلَّى دَعَاهُ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ لهُ: "هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: "فَأَجِبْ". أخرجه مسلم (¬1) والنسائي (¬2). [صحيح] قوله: "في حديث أبي هريرة: رجل أعمى". أقول: هو ابن أم مكتوم سأل: هل له رخصة يصلي في بيته وتحصل له فضيلة الجماعة بسبب عذره؟ فقال له - صلى الله عليه وسلم - ما قال، إمّا بوحي أو اجتهاد، واسم ابن أم مكتوم عمرو بن قيس بن زائدة القرشي العامري (¬3)، ابن خال خديجة أم المؤمنين، وسمي به لكتمان نور عينيه. قوله: "هل تسمع النداء؟ قال: نعم. قال: فأجب". أي: الإقامة كما ثبت بلفظها عند ابن خزيمة (¬4)، وأحمد (¬5) والحاكم (¬6): ¬

_ (¬1) في صحيحه رقم (255/ 653). (¬2) في "السنن" رقم (85). وأخرجه أبو عوانة (2/ 6)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (3/ 57). وهو حديث صحيح. (¬3) انظر: "التقريب" (2/ 77 رقم 760). (¬4) في "صحيحه" رقم (1480). (¬5) في "المسند" (3/ 423، 367). (¬6) في "المستدرك" (1/ 247). =

عن ابن أم مكتوم (¬1): "أن رسول الله [144 ب]- صلى الله عليه وسلم - استقبل الناس في صلاة العشاء فقال: لقد هممت أن آتي هؤلاء الذين يتخلفون في الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم، فقام ابن أم مكتوم فقال: يا رسول الله! قد علمت ما بي وليس لي قائد". زاد أحمد (¬2): "وإنّ بيني وبين المسجد شجراً ونخلاً، ولا أقدر على قائد كل ساعة، قال - صلى الله عليه وسلم -: "تسمع الإقامة؟ قال: نعم، قال: فاحضرها"، ولم يرخص له. ولابن حبّان (¬3) من حديث جابر قال: "أتسمع الأذان؟ قال: نعم، قال: فأتها ولو حبواً". وقد حمله العلماء على أنه كان لا يشق عليه التصرف بالمشي وحده ككثير من العميان. واعتمد ابن خزيمة وغيره حديث ابن أم مكتوم على فريضة الجماعة الصلوات كلها، ورجّحوه بحديث الهم بتحريق من تخلّف عن الصلاة، كما في البخاري (¬4). واستدلوا أيضاً بالأحاديث الدالة على الرخصة في التخلف عن الجماعة قالوا: لأنّ الرخصة لا تكون إلاّ عن واجب. ¬

_ = وأخرجه أبو داود رقم (552)، وابن ماجه رقم (792)، والطبراني في "الصغير" (2/ 34 رقم 732 - الروض الداني)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (796)، وهو حديث صحيح. (¬1) أي: عمرو بن أم مكتوم. (¬2) في "المسند" (3/ 367). (¬3) في "صحيحه" رقم (2063) من حديث جابر - رضي الله عنه -. (¬4) في "صحيحه" رقم (657). وأخرجه مسلم رقم (252/ 651) كلاهما من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، وقد تقدم.

والبخاري (¬1) رجّح الوجوب فقال في ترجمته: باب وجوب [صلاة] (¬2) الجماعة. قال ابن حجر (¬3): هكذا أثبت الحكم في هذه المسألة، وكأنه لقوة دليلها عنده، لكن أطلق الوجوب وهو أعم من كونه وجوب عين أو كفاية. قال (¬4): وظاهر حديث الباب يريد به حديث التحريق لمن تخلف عن الجماعة، وهو حديث أبي هريرة (¬5) الآتي قريباً، فإنها لو كانت سنة لم يتهدد تاركها بالتحريق، ولو كانت فرض كفاية، لكانت قد حصلت بصلاته - صلى الله عليه وسلم - ومن معه. وإلى القول: بأنها فرض عين ذهب أحمد (¬6) والأوزاعي (¬7) وجماعة من محدثي الشافعية (¬8) [491/ أ] كأبي ثور (¬9)، وابن خزيمة (¬10)، وابن المنذر (¬11)، وابن حبان (¬12). ¬

_ (¬1) في "صحيحه" (2/ 125 الباب رقم (29 - مع الفتح). (¬2) سقطت من (أ. ب)، وأثبتناها من "الفتح". (¬3) في "فتح الباري" (2/ 125). (¬4) الحافظ ابن حجر في "الفتح" (2/ 125 - 126). (¬5) وهو حديث صحيح وقد تقدم. (¬6) "المغني" لابن قدامة (3/ 6). (¬7) قال الأوزاعي: لا طاعة للوالد في ترك الجمعة والجماعات سمع النداء أو لم يسمع. قاله البغوي في "شرح السنة" (3/ 350). (¬8) انظر: "المجموع شرح المهذب" (4/ 84 - 85). روضة الطالبين (1/ 339). (¬9) انظر: "المغني" (3/ 6). (¬10) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 126). (¬11) انظر: "المغني" (3/ 6)، "المحلى" (4/ 194 - 195). (¬12) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 126).

وبالغ داود (¬1) ومن تبعه فجعلها شرطاً في صحة الصلاة. وأشار ابن دقيق (¬2) العيد إلى أنه مبني على أنَّ ما كان واجباً في العبادة كان شرطاً فيها، فلما كان الهم المذكور دليلاً على لازمه وهو الحضور، ووجوب الحضور دليلاً على لازمه، وهو الاشتراط ثبت الاشتراط بهذه الوسيلة. إلاّ أنه [145 ب] لا يتم إلا بعد تسليم أنّ ما وجب في الفريضة كان شرطاً فيها، وقد قيل: أنه الغالب. ولمّا كان الوجوب قد ينفك عن الشرطية، قال أحمد (¬3): إنها واجبة غير شرط. وقد ذكر الحافظ ابن حجر (¬4) أجوبة ثمانية عن حديث التحريق الدال على الوجوب عيناً وتعقبها كلها. ثم قال (¬5): والذي يظهر لي أنّ الحديث ورد في المنافقين لقوله في صدر الآتي إن شاء الله بعد أربعة أبواب - يريد في "صحيح البخاري" (¬6) -: "ليس صلاة أثقل على المنافقين من العشاء والفجر .. " الحديث. ولقوله: "لو يعلم (¬7) أحدهم ... " إلى آخره, ولأنّ هذا الوصف لائق بالمنافقين لا بالمؤمن الكامل، لكن المراد به نفاق المعصية, لا نفاق الكفر بدليل قوله في حديث أبي هريرة ¬

_ (¬1) انظر: "المحلى" (4/ 194 - 195). (¬2) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 126). (¬3) "المغني" لابن قدامة (3/ 6). (¬4) في "الفتح" (2/ 126 - 128). (¬5) في "الفتح" (2/ 127). (¬6) (2/ 141 الباب رقم 34 الحديث رقم (657). (¬7) تقدم وهو حديث صحيح.

عند أبي داود (¬1): "ثم آتي قوماً يصلون في بيوتهم ليست بهم علة" فهذا يدل على أنّ نفاقهم نفاق معصية لا كفر؛ لأنّ الكافر لا يصلي في بيته، إنما يصلي في المسجد رياء وسمعة، فإذا خلى في بيته, كان كما وصفه الله به من الكفر بالاستهزاء، نبّه عليه القرطبي (¬2). ثم قال (¬3): وعلى تقدير أن يكون المراد بالنفاق في الحديث نفاق الكفر، فلا يدل على عدم الوجوب؛ لأنه يتضمن أنّ ترك الجماعة من صفات المنافقين، وقد نهينا عن التشبه بهم. وسياق الحديث يدل على الوجوب من جهة المبالغة في ذم من تخلف عنها. انتهى بتلخيص من "الفتح" (¬4)، وذكر جوابين فكانت عشرة أجوبة عن حديث الباب. وأقول: قد دار الكلام على أنّ الحديث محمول على المنافقين نفاق كفر أو نفاق معصية، وقد علم أنّ نفاق الكفر لا عقاب على أهله في الدنيا، بل قد عصموا دماءهم وأموالهم بقول: لا إله إلاّ الله محمد رسول الله [146 ب]- صلى الله عليه وسلم -، وصار لهم ما للمسلمين، وعليهم ما عليهم، وحينئذٍ فالهم بالتحريق ليس إلاّ لتأخرهم عن الصلاة، فلا يتم القول بأنّ التحريق الذي همّ به لأجل نفاق الكفر. وإن أريد نفاق المعصية فهو أيضاً دليل على أنّ ذلك لأجل عدم شهود [الصلوات] (¬5) إذ عدم شهودها هو الذي به صاروا منافقين نفاق معصية. فعلى التقديرين لا يتم الجواب عن الاستدلال بالحديث على وجوب الجماعة عيناً. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (549)، وهو حديث صحيح دون قوله: ليست بهم علة. (¬2) في "المفهم" (2/ 276 - 277). (¬3) الحافظ في "فتح الباري" (2/ 127). (¬4) (2/ 126 - 128). (¬5) في (ب): "الصلاة".

فإذا عرفت هذا فأقرب الأجوبة ما قاله الباجي (¬1) وغيره (¬2): من أنّ الخبر خرج مخرج الزجر، وحقيقته غير مرادة، وهذا بعد تمام قيام الأدلة على معارضة الحديث بها هو أنهض منه، أو القول: بأنّ فريضة الجماعة كان في صدر الإسلام لأجل سد باب التخلف عن الصلاة على المنافقين ثم نسخ، حكاه عياض (¬3). قال الحافظ (¬4): ويمكن أن يتقوى بثبوت نسخ الوعيد المذكور في حقهم وهو التحريق بالنار كما سيأتي إن شاء الله تعالى واضحاً في كتاب الجهاد (¬5). وكذلك ثبوت نسخ ما يتضمنه التحريق من جواز العقوبة بالمال، ويدل على النسخ، الأحاديث الواردة في تفضيل صلاة الجماعة على صلاة الفذ (¬6). انتهى. وممّا ذكره الحافظ (¬7): أنّ الوعيد يختص بمن تخلف عن صلاة العشاء والفجر. قال (¬8): لأنّ غيرهما مظنة الشغل بالتكسب وغيره، أمّا العصران فظاهر، وأمّا المغرب فلأنها في الغالب وقت الرجوع إلى البيوت والأكل لا سيما للصائم مع ضيق الوقت بخلاف العشاء والفجر، فليس للمتخلف عنهما عذر غير الكسل المذموم. ¬

_ (¬1) انظر: "المنتقى" للباجي (1/ 228 - 229). (¬2) انظر: "التمهيد" (4/ 221)، "فتح الباري" (2/ 126). (¬3) في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (2/ 622 - 623). (¬4) في "الفتح" (2/ 126). (¬5) تقدم ذكره في الجهاد. (¬6) تقدم آنفاً. (¬7) في "فتح الباري" (2/ 126). (¬8) في "الفتح" (2/ 129).

وفي المحافظة عليهما في الجماعة انتظام الألفة بين المتجاورين في طرفي النهار، وليختموا النهار بالاجتماع على الطاعة، ويفتتحوه كذلك، انتهى. قال أبو محمد بن حزم (¬1) [147 ب]: ليس في ذكر العشاء في آخر الحديث دليل على أنه المتوعد عليها دون غيرها، بل هما قصتان متغايرتان [492/ أ]. وقال في حديث (¬2): "إنّ صلاة الجماعة تفل صلاة الفذ": أنّ المراد بالفذ: المعذور عن حضور الجماعة، وهو من ليس به علة كما أفاده حديث التحريق لمن تخلف عن الجماعة، في بيته ليس به علة (¬3). ثم قال: فصحّ أنّ هذا التفاضل إنما هو على صلاة المعذور التي تجوز وهي دون صلاة الجماعة في الفضل. قلت: ولا يخفى أنّ التخلف لعذر منعه عن الجماعة له فضيلة الجماعة لما ثبت من حديث أنه قال - صلى الله عليه وسلم -: "إنّ أقواماً تخلفوا في المدينة حبسهم العذر"، فقال - صلى الله عليه وسلم - فيهم: "ما هبطتم وادياً ولا علوتم ثنية إلا وهم معنا" (¬4). قاله في غزوة تبوك. وكذلك ما ثبت من قوله أنه "إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يفعل صحيحاً مقيماً" (¬5). ومنه: صلاته في جماعة حال صحته. ¬

_ (¬1) في "المحلى" (4/ 195 - 196). (¬2) انظر: "المحلى" (4/ 191 - 192). (¬3) تقدم. وهو حديث صحيح دون قوله: ليست بهم علة. (¬4) تقدم وهو حديث صحيح. (¬5) أخرجه أحمد (4/ 410)، والبخاري رقم (2996)، وأبو داود رقم (3091)، من حديث أبي موسى الأشعري. وهو حديث صحيح.

وكذلك [ما] (¬1) ثبت في رجلين: "رجل آتاه الله مالاً فسلّطه على هلكته في الحق، ورجل لم يؤته الله مالاً فهو يقول: لو أعطيت ما أعطي فلان لعملت فيه مثل عمله، فهما في الأجر سواء" (¬2). ومثله ورد فيمن أتاه الحكمة فهو يعمل بها ويقضي، ورجل يقول: لو أوتيت ما أوتي فلان لعملت عمله فهما في الأجر سواء" (¬3). فهذا المعذور بعدم إيتاء الله إياه ما أتاه غيره، سواء في أجره بالنية لأجل عذره. وقال تعالى: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ} (¬4) الآية، فاستثنى أولي الضرر وجعلهم كالمجاهدين بأموالهم وأنفسهم؛ لأنه حبسهم عن ذلك عذر الضرارة. والأدلة في هذا واسعة جداً فكيف يقال: تحمل صلاة الفذ على المعذور عن [148 ب] الجماعة؟ بل المعذور عنها له أجر الجماعة، كيف وقد ثبت "أنه من أتى المسجد ليصلي جماعة ¬

_ (¬1) سقطت من (أ. ب) وهي من مستلزمات النص. (¬2) أخرجه أحمد (4/ 230)، وابن ماجه رقم (4228)، والطبراني في "الكبير" (22/ 345 رقم 868) من حديث أبي كبشة الأنماري. قال الحافظ ابن حجر في "النكت الظراف على الأطراف" (9/ 274): "لم يسمع سالم من أبي كبشة، وقد أخرجه أبو عوانة في "صحيحه" من طريق جرير، عن منصور، عن سالم قال: حدثت عن أبي كبشة" اهـ. - وأخرجه أحمد في "المسند" (4/ 230)، وفيه تصريح سالم بالسماع لهذا الحديث من أبي كبشة. وهو حديث صحيح. والله أعلم. (¬3) انظر: ما تقدم فهو جزء من حديث أبي كبشة. وهو حديث صحيح. (¬4) سورة النساء الآية (95).

فوجد الناس قد صلوا كتب له أجر الجماعة إن صلّى فرادى وأجر الجماعة كاملة إن أدرك بعض صلاته مع الجماعة". ما ذاك إلاّ لأنه معذور. وأمّا من لا عذر له فصلى في منزله فصلاته صحيحة، وتفضلها صلاة الجماعة سبعة وعشرين صلاة. ويراد بالمعذور الذي نيته حضور الجماعة لولا العذر الذي منعه، ولعلّ هذا هو الذي يصدق عليه أنه معذور، وأمّا المعذور الذي لا يخطر بباله أنه لولا العذر لحضر فلعله لا يضاعف له أجر الصلاة كحاضر الجماعة. قوله: "أخرجه مسلم والنسائي" وأخرجه آخرون كما قدمناه. 2 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ سَمِعَ المُنَادِيَ فَلَمْ يَمْنَعْهُ مِنِ اتِّبَاعِهِ عُذْرٌ لَمْ تُقْبَلْ مِنْهُ الصَّلاةُ الَّتِي صَلاَّهَا. قِيلَ: وَمَا العُذْرُ؟ قَالَ: خَوْفٌ أَوْ مَرَضٌ". أخرجه أبو داود (¬1). [ضعيف] قوله: "وعن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من سمع النداء، فلم يمنعه من اتّباعه عذر لم تقبل منه الصلاة التي صلاّها". ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (551)، وهو حديث ضعيف بهذا السياق، فيه أبو جناب وهو ضعيف وفي حديثه مناكير. - وأخرجه ابن ماجه رقم (793)، والدارقطني في "السنن" (1/ 420 رقم 4)، وابن حبان في "صحيحه" رقم (2064)، والحاكم في "المستدرك" (1/ 245)، قال الحاكم: هذا حديث قد أوقفه غندر وأكثر أصحاب شعبة وهو صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه, وهشيم وقراد أبو نوح - هو عبد الرحمن بن غزوان ثقتان، فإذا وصلاه، فالقول فيه قولهما. وأخرجه البغوي في "شرح السنة" رقم (795)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (3/ 57)، وهو حديث صحيح.

ولفظ حديث أبي داود (¬1) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من توضأ فأحسن وضوءه ثم راح فوجد الناس قد صلوا أعطاه الله مثل أجر من صلاّها وحضرها لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً". هذا من أدلة فرضية الجماعة عيناً، بناء على أنّ نفي القبول يستلزم نفي الصحة كما نختاره. إلاّ أنه هنا يصرفه عن هذا المعنى حديث صحة صلاة الفذ، فيراد بنفي القبول نفي كمال الإثابة كما قالوه في حديث (¬2): "إنّ الآبق لا تقبل له صلاة" وكذلك شارب الخمر. وقوله: "قيل: وما العذر؟ قال: خوف أو مرض" يحتمل قصر العذر عليهما [149 ب] أو أنه تمثيل. قوله: "أخرجه أبو داود" (¬3). قلت: قال المنذري في "مختصر السنن" (¬4): فيه أبو جناب يحيى بن أبي حية الكلبي، وهو ضعيف، وأخرجه ابن ماجه (¬5) بنحوه وإسناده أمثل وفيه نظر، انتهى. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (564) وأخرجه أحمد (2/ 380)، والنسائي رقم (855)، وهو حديث صحيح. (¬2) أخرجه ابن خزيمة في "صحيحه" رقم (940) وابن حبان في "صحيحه" رقم (5355)، وابن عدي في "الكامل" (3/ 1074)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (1/ 389). وهو حديث ضعيف، والله أعلم. (¬3) في "السنن" رقم (551)، وهو ضعيف. (¬4) (1/ 291). (¬5) في "السنن" رقم (793)، وهو حديث صحيح.

3 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - "أَثْقَلَ صَلاةٍ عَلى المُنَافِقِينَ صَلاةُ العِشَاءِ, وَصَلاَةُ الفَجْرِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِما لأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا، وَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِالصَّلاَةِ فَتُقَامَ، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، ثُمَّ أَنْطَلِقَ مَعِي بِرِجَالٍ مَعَهُمْ حُزَمٌ مِنْ حَطَبٍ إِلَى قَوْمٍ لاَ يَشْهَدُونَ الصَّلاَةَ, فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ". أخرجه الستة (¬1). [صحيح] "الحَبْوُ": المشي على الأيدي والركب. قوله: "وعن أبي هريرة ... الحديث" تقدم الكلام عليه. 4 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: لَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنِ الصَّلاَةِ إِلاَّ مُنَافِقٌ قَدْ عُلِمَ نِفَاقُهُ أَوْ مَرِيضٌ إِنْ كَانَ المَرِيضُ لَيَمْشِي بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يَأْتِيَ الصَّلاَةَ. وَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عَلَّمَنَا سُنَنَ الهُدَى، وَإِنَّ مِنْ سُنَنِ الهُدَى الصَّلاةَ فِي المَسْجِدِ الَّذِي يُؤَذَّنُ فِيهِ". أخرجه مسلم (¬2) وأبو داود (¬3). [صحيح] 5 - زاد أبو داود (¬4): "وَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ وَلَهُ مَسْجِدٌ فِي بَيْتِهِ, وَلَوْ صلَّيْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ وَتَرَكْتُمْ مَسَاجِدَكُمْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ - صلى الله عليه وسلم -، وَلَوْ ترَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لكَفرْتُمْ". [صحيح] قوله: "وعن ابن مسعود" هذا الحديث موقوف على ابن مسعود وله حكم الرفع. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (657)، ومسلم رقم (252/ 651)، ومالك في "الموطأ" (1/ 129 رقم 3)، وأبو داود رقم (548، 549)، والنسائي (2/ 107)، وابن ماجه رقم (791). وأخرجه أحمد (2/ 531)، والبيهقي (3/ 55)، وغيرهم. وهو حديث صحيح. (¬2) في "صحيحه" رقم (257/ 654). (¬3) في "السنن" رقم (550). وأخرجه أحمد (1/ 382)، والنسائي رقم (849)، وابن ماجه رقم (777)، وهو حديث صحيح. (¬4) في "السنن" رقم (550)، وهو حديث صحيح.

وقوله: "لكفرتم" معناه: أنه يؤول بكم إلى الكفر بأن تتركوا أشياء من السنن حتى تخرجوا عن الملة. [و] (¬1) قوله: "يهادى" (¬2) بضم المثناة التحتية، وفتح الدال المهملة فألف مقصورة، أي: يرفد من جانبيه، ويؤخذ بعضديه، ويمشي به إلى المسجد. 6 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما -: وَسُئِلَ عَنْ رَجُلٍ يَصُوْمُ النَّهَارَ؟ وَيَقُومُ اللَّيْلَ، وَلاَ يَشْهَدُ الجْمَاعَةَ، وَلاَ الجُمْعَةَ، فَقَالَ: "هَذَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ". أخرجه الترمذي (¬3). [إسناده ضعيف] قوله: "في حديث ابن عباس، أخرجه الترمذي". قلت: قال هكذا، وقال مجاهد (¬4): سئل ابن عباس عن الرجل يصوم النهار ... الحديث، ثم قال: حدثنا بذلك هنّاد قال: حدثنا المحاربيُّ عن ليث عن مجاهد. قال: ومعنى الحديث: أن لا يشهد الجمعة والجماعة رغبة عنها واستخفافاً بحقها وتهاوناً بها. انتهى. 7 - وعن أم الدرداء قالت: دَخَلَ عَلَىَّ أَبو الدَّرْدَاءِ - رضي الله عنه - وَهْوَ مُغْضَبٌ فَقُلْتُ: مَا أَغْضَبَكَ؟ فَقَالَ: وَالله مَا أَعْرِفُ مِنْ أَمْرِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - شَيْئًا إِلَّا أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ جَمِيعًا. أخرجه البخاري (¬5). [صحيح] ¬

_ (¬1) زيادة من (أ). (¬2) قال ابن الأثير في "غريب الجامع" (5/ 570) جاء الرجل يُهادى بين رجلين: إذا جاء متكئاً عليهما في مشيته. (¬3) في "السنن" رقم (218) بإسناد ضعيف. (¬4) قاله الترمذي في "السنن" (1/ 424). (¬5) في "صحيحه" رقم (650).

قوله: "عن أم الدرداء" (¬1) هي خيرة بفتح المعجمة وسكون التحتانية فراء، بنت أبي حدرد بفتح المهملة وسكون المهملة الأولى، وفتح الراء بينهما، الأسلمية الصحابية العالمة الفقيهة، ماتت [150 ب] بالشام في خلافة عثمان. قوله: "من أمر محمد شيئاً" أي: من شريعته شيئاً لم يتغير عمّا كان عليه إلاّ [الصلاة عن وقتها] (¬2)، وهو نظير حديث أنس عند البخاري (¬3): أنّ أنسًا قال: " [ما أحفظ] (¬4) شيئاً ممّا كان على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قيل: الصلاة. قال: أليس: قد صنعتم ما صنعتم فيها؟ ". ويفسّره حديثه الآخر في البخاري (¬5) بلفظ: قال الزهري: "دخلت على أنس بن مالك بدمشق وهو يبكي! قلت: ما يبكيك؟ قال: لا أعرف شيئاً مما أدركت إلاّ هذه الصلاة [493/ أ]، وهذه الصلاة قد ضُيّعت"، انتهى. يريد: أخّرها الأمراء عن وقتها كما روى ابن سعد في "الطبقات" (¬6) أنّ سبب قول أنس هذا عن ثابت البناني قال: "كنّا مع أنس بن مالك فأخّر الحَجَّاج الصلاة, فقام أنس يريد أن يكلمه فنهاه إخوانه [شفقةً] (¬7) عليه منه فخرج وركب دابته, فقال في مسيره ذلك: والله ما ¬

_ (¬1) ذكرها ابن الأثير في "تتمة جامع الأصول" (1/ 369 - قسم التراجم). وانظر: (¬2) كذا في (أ، ب) والذي في "الفتح" (2/ 138) إلا الصلاة في جماعة. (¬3) في "صحيحه" رقم (529). (¬4) كذا في المخطوط (أ. ب)، والذي في "صحيح البخاري": ما أعرف. (¬5) في "صحيحه" رقم (530). (¬6) (5/ 339 - 340). (¬7) في (ب): خيفة.

(الفصل الثالث: في تركها للعذر)

أعرف شيئاً ممّا كنا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلاّ شهادة أن لا إله إلاّ الله، فقال رجل: فالصلاة يا أبا حمزة؟ فقال: قد جعلتم الظهر عند المغرب, أَفتلك صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟!! ". (الفصل الثالث: في تركها للعذر) أي: الجماعة (لعذر) 1 - عن عتبان بن مالك - رضي الله عنه - قال: قُلْتُ: يَا رَسولَ الله: إِنَّ السُّيُولَ تَحُولُ بَيْنِي وَبيْنَ مَسْجِدِ قَوْمِي، فَأُحِبُّ أَنْ تَأْتِيَنِي فَتُصَلِّيَ فِي مَكَانٍ مِنْ بَيْتِي أَتَّخِذُهُ مَسْجِدًا. فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: "سَنَفْعَلُ". فَلَمَّا أَتَاهُ قَالَ: "أَيْنَ تُرِيدُ؟ ". فَأَشَارَ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنَ البَيْتِ، فَقَامَ - صلى الله عليه وسلم - فَصَفَفْنَا خَلْفَهُ, فَصلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ. أخرجه الثلاثة (¬1) والنسائي (¬2). [صحيح] قوله: "عن عتبان" بكسر العين المهملة فمثناة فوقية ساكنة فموحدة. "إنّ السيول تحول بيني وبين مسجد قومي" زاد في لفظ البخاري (¬3): أنه قال: "عتبان: يا رسول الله قد أنكرت بصري وأنا أصلي بقومي فإذا كانت الأمطار سال الوادي الذي بيني وبينهم [151 ب] لم أستطع أن آتي مسجدهم". وهذا عذر غير ما تقدم في جواز ترك الجماعة إلاّ أنه يحتمل أنه عذر عن الجماعة في المسجد، وأنه يجمع في بيته. "فتصلي في مكان من بيتي أتخذه مسجداً" تبركاً بآثاره - صلى الله عليه وسلم -، وليكون على يقين من القبلة. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (667)، ومسلم رقم (33)، ومالك في "الموطأ" (1/ 172). (¬2) في "السنن" (2/ 80). (¬3) في "صحيحه" رقم (840).

وفي رواية البخاري (¬1): "أنه - صلى الله عليه وسلم - غدا هو وأبو بكر" وفيها زيادات وقصة في آخره. 2 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما -: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَأْمُرُ المُؤَذِّنَ فِي اللَّيْلَةِ البَارِدَةِ، أَوْ ذَاتِ المَطَرِ فِي السَّفَرِ أَنْ يَقُولَ: "أَلاَ صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ". أخرجه الستة (¬2) إلا الترمذي. [صحيح] قوله: "في حديث ابن عمر: أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يأمر المؤذن" الذي في البخاري (¬3) في باب الأذان للمسافر: "أنّ ابن عمر أذّن في ليلة باردةٍ بضَجْنانَ (¬4)، ثم قال: صلوا في رحالكم، وأخبر أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يأمر مؤذناً يؤذن ثم يقول على إثره: أن صلوا في الرحال في الليلة الباردة أو المطيرة في السفر" (¬5)، انتهى. وكلمة "أو" للتنويع (¬6) لا للشك، وفي صحيح أبي عوانة (¬7): "باردة أو ذات مطر أو ذات ريح". قوله: "في السفر" ظاهره اختصاص ذلك بالسفر، فيختص بالمسافر، ويلحق به من تلحقه بذلك مشقة في الحضر، قياساً دون من لا تلحقه. ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (839). (¬2) أخرجه البخاري رقم (632)، ومسلم رقم (23/ 697)، وأبو داود رقم (1062)، والنسائي (2/ 15)، ومالك في "الموطأ" (1/ 73)، وابن ماجه رقم (937). (¬3) في "صحيحه" (2/ 111 الباب رقم 18 باب الأذان للمسافرين إذا كانوا جماعة والإقامة ... - مع الفتح). (¬4) قال ابن الأثير في "النهاية" (2/ 71): بضَجْنَان: هو موضعٌ أو جبل بين مكة والمدينة. وانظر: "المجموع المغيث" (2/ 312). (¬5) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (632). (¬6) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 113). (¬7) في "مسنده" (2/ 348).

(الفصل الرابع: في صفة الإمام)

"ألا صلوا في رحالكم" هذا هو المأمور به، وهذا لم يعيّن فيه محل المقول، وفي رواية البخاري (¬1): "على إثره" وهو صريح في أنَّ القول المذكور كان عقب الأذان بعد الفراغ منه. وقال القرطبي (¬2) لما ذكر رواية مسلم (¬3) بلفظ: "يقول في آخر نداءه": يحتمل أن يكون المراد في آخره قبل الفراغ منه، جمعاً بينه [152 ب] وبين حديث ابن عباس. وقال ابن خزيمة (¬4): أنه يقال بدل الحيعلة نظراً إلى المعنى؛ لأنّ معنى حيّ على الصلاة: هلموا إليها، ومعنى الصلاة في الرحال: تأخروا عن المجيء فلا يناسب إيراد اللفظين معاً؛ لأنّ أحدهما نقيض للآخر. قال الحافظ ابن حجر (¬5): ويمكن الجمع بينهما، ولا يلزم منه ما ذكر بأن يكون معنى الصلاة في الرحال رخصة لمن أراد أن يترخص، ومعنى هلموا إلى الصلاة ندب لمن أراد أن يستكمل الفضيلة ولو تحمل المشقة. ويؤيد ذلك حديث جابر عند مسلم (¬6) قال: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمطرنا فقال: "ليصل منكم من يشاء في رحله". (الفصل الرابع: في صفة الإمام) 1 - عن أبي مسعود البدري - رضي الله عنه - قال: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "يَؤُمُّ القَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ الله تَعَالَى، فَإِنْ كَانُوا فِي القِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ، فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنَّةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (632) وطرفه (666). (¬2) في "المفهم" (2/ 337). (¬3) في "صحيحه" رقم (23/ 697). (¬4) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 113). (¬5) في "فتح الباري" (2/ 113). (¬6) في "صحيحه" رقم (25/ 698).

هِجْرَةً, فَإِنْ كَانُوا فِي الهِجْرَةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ سِنًّا، وَلاَ يَؤُمُّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي بَيْتِهِ, وَلاَ فِي سُلْطَانِهِ, وَلاَ يَجْلِسُ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ". أخرجه الخمسة (¬1) إلا البخاري. [صحيح] "التَّكْرِمَةُ": موضع جلوس الرجل الخاص من فراش أو سرير. قوله: "في حديث [أبي] (¬2) مسعود يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله" أكثرهم حفظاً له كما يأتي بيانه. "فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة" أفقههم. "فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة" عن دار الكفر إلى دار الإسلام. "فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سنًّا، ولا يؤم الرجل في سلطانه" هو أخص من جميع ما سلف، فيقدم السلطان على كل من ذكر، من الأقراء, والأعلم، وغيرهما، وأن الحق له أقدم من أولئك. قال الخطابي (¬3): هذا في الجمعات والأعياد، ولتعلق هذه الأمور بالسلطان، فأمّا في الصلوات المكتوبات فأعلمهم أولاهم بالإمامة، فإن جمع السلطان هذه الفضائل كلها فهو أقدمهم بالإمامة، انتهى. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم رقم (673)، وأبو داود رقم (582، 583، 584)، والترمذي رقم (235، 2773)، والنسائي (2/ 76، 77). وأخرجه أحمد (4/ 118، 121)، والطيالسي رقم (618)، وابن خزيمة رقم (1507)، (1516)، وأبو عوانة (2/ 36)، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" رقم (3958)، وابن حبان رقم (2144)، والطبراني في "المعجم الكبير" (ج 17 رقم 613)، والبيهقي (3/ 125). (¬2) في (ب): "ابن" وهو خطأ بيّن، والصواب ما أثبتناه, من مصادر الحديث، ومن المخطوط (أ). (¬3) في معالم "السنن" (1/ 393).

قلت: هذا التقييد لا دليل عليه, بل الذي فهمه الناس وعملوا به سلف الأمة, أنه كان لا يؤم في الصلوات كلها إلاّ الأمراء كالخلفاء الأربعة، وهم ممن اجتمعت فيهم [153 ب] الفضائل. ثم أَمّ في عصرهم ولاة الأمصار، وهل استقاء الخمرَ الوليدُ بن عقبةَ إلاّ يومَ أمّ الناس في صلاة الفجر؟ ثم قال لهم (¬1): أزيدكم، بعد أن صلى بهم أربعاً؟!! وكذلك الحجّاج كان يؤم الناس وصلى خلفه [494/ أ] أنس بن مالك وغيره. وفي الباب أحاديث تأخير (¬2) الأمراء الصلاة، والأمر بأن يصلوا (¬3) الصلاة لوقتها، ويجعلوا صلاتهم معهم نافلة. "ولا يقعد (¬4) على تكرمته" محل إكرامه. "إلاّ بإذنه" في "النهاية" (¬5): التكرمة: الموضع الخاص بجلوس الرجل من فراش أو سرير مما يعد لإكرامه وهي تفعلة من الكرامة، انتهى. وقد فسَّرها المصنف. قوله: "أخرجه الخمسة". قلت: في رواية أبي داود (¬6) زيادة بعد: "أقرؤهم لكتاب الله، وأقدمهم قراءة". وقبل قوله: "ولا يؤم الرجل في سلطانه"، "ولا يؤم الرجل في بيته ولا في سلطانه". وتقدم: "ولا في بيته". ¬

_ (¬1) انظر: "المحلى" (4/ 214)، "المجموع شرح المهذب" (4/ 150). (¬2) تقدم ذكره. (¬3) تقدم ذكره. (¬4) في نص الحديث: "ولا يجلس"، وهي رواية. (¬5) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 536). (¬6) في "السنن" رقم (582).

قال الترمذي (¬1) بعد سياقه: قالوا: صاحب المنزل أحق بالإمامة، وقال بعضهم: إذا أذن صاحب المنزل لغيره، فلا بأس أن يصلي به وكرهه بعضهم. وقال (¬2): السنة أن يصلي صاحب البيت، وقال أحمد بن حنبل (¬3): إنّ السلطان إذا أذن فأرجو أنّ الإذن في الكل، ولم يرَ به بأساً إذا أذن له أن يصلي. 2 - وعن أبي سعيد - رضي الله عنه - قال: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - "إِذَا كَانُوا ثَلاَثَةً فَلْيَؤُمَّهُمْ أَحَدُهُمْ، وَأَحَقُّهُمْ بِالإِمَامَةِ أَقْرَؤُهُمْ". أخرجه مسلم (¬4) والنسائي (¬5). [صحيح] قوله: "في حديث أبي سعيد: فليؤمهم أحدهم, وأحقهم أقرؤهم" هو كما سلف قريباً في حديث أبي مسعود. 3 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لِيُؤَذِّنْ لكُمْ خِيَارُكُمْ، وَلْيَؤُمَّكُمْ قُرَّاؤُكُمْ". أخرجه أبو داود (¬6). [ضعيف] قوله: "في حديث ابن عبّاس: أخرجه أبو داود". ¬

_ (¬1) في "السنن" (1/ 460). (¬2) كذا في (أ. ب)، والذي في "سنن الترمذي": وقالوا. (¬3) ذكره الترمذي في "السنن" (1/ 460 - 461). وانظر: "المغني" (3/ 13 - 14). (¬4) في "صحيحه" رقم (672). (¬5) في "السنن" (2/ 77، 103 - 104). وأخرجه أحمد (3/ 24)، وابن خزيمة رقم (1508)، وابن حبان رقم (2132)، والطيالسي رقم (2152)، وأبو عوانة (2/ 9)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (3/ 89, 119)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (836). (¬6) في "السنن" رقم (590)، وهو حديث ضعيف. وأخرجه ابن ماجه رقم (726).

قلت: قال المنذري في "مختصر السنن" (¬1): في إسناده الحسن (¬2) بن عيسى [الحنفي] (¬3) الكوفي قد تكلم فيه أبو حاتم وأبو زرعة الرّازيان، وذكر الدارقطني أنّ الحسين بن عيسى تفرد بهذا الحديث عن الحكم بن أبان، انتهى. قلت: والحكم بن أبان قال الذهبي في "المغني" (¬4): وثّقه يحيى بن معين [154 ب] وقال ابن المبارك: ألزم به، انتهى. 4 - وعن عمرو بن سلمة - رضي الله عنه - قال: أمَمْتُ قَوْمِي وَأَنَا ابنُ سِتِّ أَوْ سَبْعِ سِنِينَ، وَكُنْتُ أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا. أخرجه البخاري (¬5)، وأبو داود (¬6) والنسائي (¬7). [صحيح] قوله: "وعن عمرو بن سلمة" لفظه في "سنن أبي داود": قال أيوب عن عمرو بن سلمة قال: كنا بحاضرٍ يمرُّ بنا الناس إذا أتوا النبي - صلى الله عليه وسلم -، فكانوا إذا رجعوا مرّوا بنا، فأخبرونا: أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: كذا قال: كذا. وكنت غلاماً حافظاً فحفظت من ذلك قرآناً كثيراً، فانطلقوا بي وافداً إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في نفر من قومه فعلّمهم الصلاة, وقال: "يؤمكم أقرؤكم"، فكنت أقرأهم لما كنت أحفظ فقدموني، فكنت أؤمهم. قوله: "ابن ست أو سبع سنين". ¬

_ (¬1) (2/ 306 - 307). (¬2) انظر: الميزان (1/ 545 رقم 2039). تهذيب التهذيب (1/ 433 - 434). (¬3) في (أ. ب): الجعفي. والصواب ما أثبتناه من مصدري الترجمة. (¬4) "المغني" في "الضعفاء" (1/ 174 رقم 1559). (¬5) في "صحيحه" رقم (4302). (¬6) في "السنن" رقم (585). (¬7) في "السنن" رقم (789). وهو حديث صحيح.

قلت: لفظ أبي داود (¬1): "ابن سبع سنين أو ثمان سنين"، وله في "الجامع" (¬2) ألفاظ، فلفظ المصنف وهو لفظ البخاري (¬3). واستدل بالحديث على صحة الصلاة خلف الصبي، وبه قال الحسن (¬4) وإسحاق (¬5) بن راهويه، وكره الشافعي (¬6) الصلاة خلفه قبل أن يحتلم. وكان أحمد بن حنبل (¬7) يضعف أمر عمرو بن سلمة وقال مرة: دعه فليس بشيء بين. وقال الزهري (¬8): إذا اضطروا إلى إمامته أمّهم. قال الخطابي (¬9): قلت: وفي جواز صلاة عمرو بن سلمة بقومه دليل على جواز صحة صلاة المفترض خلف المتنفل (¬10)؛ لأنّ صلاة الصبي نافلة. انتهى. هذا وأمّا حديث: "لا يؤم الغلام حتى يحتلم" أخرجه عبد الرزاق (¬11) من حديث ابن عباس. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (585)، وهو حديث صحيح. (¬2) (5/ 579 - 581). (¬3) في "صحيحه" رقم (4302). (¬4) أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (1/ 349) من طريق هشام عن الحسن قال: "لا بأس أن يؤم الغلام قبل أن يحتلم". (¬5) حكاه عنه ابن المنذر في "الأوسط" (4/ 151). (¬6) "الأم" (2/ 326)، المجموع (4/ 146). (¬7) "المغني" (3/ 70). (¬8) انظر: "فتح الباري" (2/ 185). (¬9) في "معالم السنن" (1/ 394). (¬10) انظر: "فتح الباري" (2/ 185). (¬11) في "المصنف" رقم (3847). =

فقال الحافظ ابن حجر (¬1): إسناده ضعيف. وأمَّا أنّ أحمد بن حنبل (¬2) ضعّف في حديث عمرو بن سلمة فقيل: لأنه ليس فيه اطّلاع النبي - صلى الله عليه وسلم - على ذلك، وقيل: لاحتمال أنه كان يؤمهم في النافلة دون الفريضة. وأجيب عن الأول: بأنّ زمان نزول الوحي لا يقع فيه التقرير لأحد من الصحابة على ما يجوز فعله، وأيضاً فالوفد الذين قدّموا عمرو بن سلمة كانوا جماعة من الصحابة, وقد نقل ابن حزم (¬3) أنه لا يعلم لهم مخالف في ذلك (¬4). وعن الثاني: بأنّ رواية البخاري (¬5) تدل على أنه كان يؤمهم [155 ب] في الفرائض؛ لقوله فيه "صلاة كذا في حين كذا، فإذا حضرت الصلاة ... " الحديث. ولأنّ رواية أبي داود (¬6) عن عمرو بلفظ: "فما شهدت مشهداً في جَرْمٍ (¬7) إلاّ كنت إمامهم"، فهذا يعم الفرائض والنوافل. واحتج ابن حزم (¬8) على عدم الصحة أنه - صلى الله عليه وسلم - أمر أن يؤمهم أقرؤهم، فعلى هذا إنما يؤمهم من يتوجه إليه الأمر، والصبي ليس بمأمور؛ لأنّ القلم رفع عنه فلا يؤم. ¬

_ = وأخرجه ابن المنذر في "الأوسط" (4/ 152 ث 1937)، والبيهقي (3/ 225)، إسناده ضعيف. (¬1) في "فتح الباري" (2/ 185). (¬2) "المغني" (3/ 70 - 71). (¬3) في "المحلى" (4/ 209) في هذا مخالفة لما اعتمده ابن حزم في "المحلى" حيث قال: ولا تجوز إمامة من لم يبلغ الحلم، لا في فريضة ولا نافلة ... ". (¬4) ذكره الحافظ في "الفتح" (8/ 23). (¬5) في "صحيحه" رقم (4302). (¬6) في "السنن" رقم (587). (¬7) بجيم مفتوحة وراء ساكنة هم قومه. (¬8) "المحلى" (4/ 209 - 210).

قال الحافظ ابن حجر (¬1): ولا يخفى فساده لأنّا نقول: المأمور من يتوجه إليه الأمر من البالغين بأنهم يقدّمون من اتصف بكونه أكثرهم قرآناً، انتهى. قوله: "أخرجه البخاري وأبو داود والنسائي". 5 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: لمَّا قَدِمَ المُهَاجِرُونَ الأَوَّلُونَ فَنَزَلُوا مَوْضِعاً بِقُبَاءٍ قَبْلَ مَقْدَمِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَؤُمُّهُمْ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ, وَكَانَ أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا. أخرجه البخاري (¬2)، وأبو داود (¬3). [صحيح] قوله: "في حديث ابن عمر: لمّا قدم المهاجرون الأوّلون" أي: من مكة إلى المدينة، وبه صرّح في رواية الطبراني (¬4). قوله: "موضعاً بقباء" لفظ البخاري (¬5): "بتعيين" الموضع فقال: "العُصْبةَ بالنصب على الظرفية، ولفظ أبي داود (¬6): "نزلوا العُصْبَة" أي: المكان المسمّى بذلك، وهو موضع بقباء (¬7). "قبل مقدم النبي - صلى الله عليه وسلم -[495/ أ] كان يؤمهم سالم مولى أبي حذيفة". زاد البخاري (¬8) في رواية: "وفيهم أبو بكر وعمر وأبو سلمة بن عبد الأسد وزيد بن حارثة وعامر بن أبي ربيعة. ¬

_ (¬1) في "فتح الباري" (2/ 185 - 186). (¬2) في "صحيحه" رقم (692). (¬3) في "السنن" (588). وهو حديث صحيح. (¬4) في المعجم "الكبير" (ج 7 رقم 6372). (¬5) في "صحيحه" رقم (692)، وطرفه (7175). (¬6) في "السنن" رقم (588). (¬7) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 214)، "المجموع المغيث" (2/ 461). (¬8) في "صحيحه" (13/ 167 رقم 7175).

واستشكل ذكر أبي بكر فيهم فإنّ أبا بكر إنما قدم مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد قال: "قبل قدوم النبي - صلى الله عليه وسلم - ". ووجهه البيهقي (¬1) باحتمال أن يكون سالم استقر على الصلاة بهم، فيصح ذكر أبي بكر. قال ابن حجر (¬2): ولا يخفى [156 ب] ما فيه. "وكان أكثرهم قرآناً" هو بيان لوجه تقديمه، وبه يعلم، وبما قبله أنّ المراد بالإقراء الأكثر حفظاً. "أخرجه البخاري وأبو داود". 6 - وعن عائشة - رضي الله عنها -: أَنَّها كانَ يَؤُمُّهَا عَبْدُهَا ذَكْوَانُ مِنَ المُصْحَفِ. أخرجه البخاري (¬3) في ترجمة باب. [صحيح] قوله: "في حديث عائشة: أنه كان يؤمها عبدها ذكوان" في رواية ابن أبي شيبة (¬4): "أنّ عائشة أعتقت غلاماً عن دبر، وكان يؤمها في رمضان من المصحف". والحديث دليل على صحة إمامة العبد، وإليه ذهب الجمهور (¬5)، وخالف مالك (¬6)، وقال: لا يؤم الأحرار إلاّ [إذ] (¬7) كان قارئاً وهم لا يقرءون، فيؤمهم إلاّ في الجمعة؛ لأنها لا تجب عليه، وخالفه أشهب، واحتج بأنها تجزئه إذا حضرها. ¬

_ (¬1) في "السنن الكبرى" (3/ 89). (¬2) في "فتح الباري" (2/ 186). (¬3) في "صحيحه" (2/ 184 الباب رقم 54 - مع الفتح). (¬4) في "مصنفه" (2/ 338). (¬5) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 185). (¬6) انظر: "مدونة الفقه المالكي وأدلته" (1/ 423 - 424). (¬7) في (أ): "إن".

"من المصحف" استدل به على جواز قراءة المصلي من المصحف، ومنع منه آخرون لكونه عملاً كثيراً في الصلاة. قوله: "أخرجه البخاري في ترجمة باب". قلت: الأولى ذكره كما عرفناك مراراً، وعبارة ابن الأثير كعبارة "المصنف". قال الحافظ في "الفتح" (¬1): وصله ابن أبي داود في كتاب "المصاحف" (¬2) من طريق أيوب. عن ابن أبي مليكة قال: "إنّ عائشة كان يؤمها عبدها ذكوان من المصحف". ووصله ابن أبي شيبة (¬3): حدّثنا وكيع عن هشام بن عروة عن أبي بكر بن أبي مليكة عن عائشة .. الحديث. 7 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: اسْتَخْلَفَ رَسُولُ الله ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ يَؤُمُّ النَّاسَ وَهُوَ أَعْمَى. أخرجه أبو داود (¬4). [صحيح] قوله: "في حديث أنس: استخلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابن أم مكتوم يؤم الناس وهو أعمى" فدلّ على جواز إمامة الأعمى بصره (¬5)، ولم يأت من كره ذلك بدليل. ¬

_ (¬1) (2/ 185). (¬2) رقم (794). (¬3) في "مصنفه" (2/ 338)، وهو أثر صحيح. (¬4) في "السنن" رقم (595، 2931). وأخرجه ابن الجارود في "المنتقى" رقم (310)، وأبو يعلى رقم (3110، 3138)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (3/ 88). وهو حديث صحيح. (¬5) قال الشافعي في الأم (2/ 324): "وأحب إمامة الأعمى، والأعمى إذا سدّد إلى القبلة، كان أحرى ألا يلهو بشيء تراه عيناه, ومن أم، صحيحاً كان أو أعمى، فأقام الصلوات أجزأته. =

8 - وعن جابر - رضي الله عنه -: أَنَّ مُعَاذَاً - رضي الله عنه - كَانَ يُصَلِّي مَعَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - العِشَاءَ الآخِرَةَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى قَوْمِهِ، فَيُصَلِّي بِهِمْ تِلْكَ الصَّلاَةَ. أخرجه الخمسة (¬1) إلا النسائي. [صحيح] قوله: "وعن جابر: أنّ معاذاً كان يصلي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - عشاء الآخرة ثم يرجع إلى قومه فيصلي بهم تلك الصلاة" أعاد المصنف الحديث بأبسط من هذا [157 ب] بعد حديثين فيأتي الكلام عليه. 9 - وعن ابن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "ثَلاَثَةٌ لاَ يَقْبَلُ الله تَعَالَى صَلاَتَهُمْ: مَنْ تَقَدَّمَ قَوْمًا وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ، وَرَجُلٌ أَتَى الصَّلاة دِبَارًا". وَالدَّبَارُ: أَنْ يَأْتِيَهَا بَعْدَ أَنْ تَفُوتَهُ، "وَمَنْ اعْتَبَدَ مُحَرَّرَهُ". أخرجه أبو داود (¬2). [ضعيف دون الجملة الأولى فهي صحيحة] "اعْتَبَدَ مُحَرَّرَهُ": أي: استرقه بعد أن حرره. أي: أعتقه. قوله: "في حديث ابن عمرو بن العاص ثلاثة لا يقبل الله صلاتهم" بيَّن الثلاثة بقوله: ¬

_ = ولا اختار إمامة الأعمى على الصحيح؛ لأن أكثر من جعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إماماً بصيراً ولا إمامة الصحيح على الأعمى؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يجد عدداً من الأصحاء يأمرهم بالإمامة, أكثر من عدد من أمر بها من العُمْي. - وقال ابن المنذر في "الأوسط" (4/ 154): "قال أبو بكر: إمامة الأعمى كإمامة البصير لا فرق بينهما، وهما داخلان في ظاهر قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله". فأيهم كان أقرأ كان أحق بالإمامة ... وإبا إمامة الأعمى كالإجماع من أهل العلم ... ". (¬1) أخرجه البخاري رقم (701)، ومسلم رقم (465)، وأبو داود رقم (599)، والترمذي رقم (583)، والنسائي رقم (835). (¬2) في "السنن" رقم (593). وأخرجه ابن ماجه رقم (970)، في سند الحديث عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي، ضعيف، والحديث ضعيف دون الجملة الأولى منه فصحيحه.

"من تقدم قوماً" إماماً بهم. "وهم له كارهون (¬1) " أي: لتقدمه إمّا لقادح في دينه أو نحوه، فالمراد: الكراهة المأذون فيها شرعاً لا غيرها، وذلك أنه إذا لم يأذن الشارع في كراهته فهم الآثمون بكراهته؛ لأنّ إطلاق الحديث يقتضي أنهم وإن كانوا آثمين في كراهته فإنه لا يؤمهم، ثم هذا أخبار عن قبول صلاته لكراهتهم لم تقبل صلاته وصلاتهم مقبولة. والثاني: "رجل أتى الصلاة دباراً" بكسر الدال المهملة، فسّرها بقوله: "والدِّبار: أن يأتيها بعد أن تفوته"، يحتمل أنه مرفوع وهو الأصل، وأنه مدرج. والمراد بفواتها: خروج وقتها. والثالث: "من اعتبد محرره" فسّره المصنف بمن استرقه بعد أن حرّره. قوله: "أخرجه أبو داود" وأخرجه غيره. ¬

_ (¬1) قال النووي في "المجموع" (4/ 172): "قال الشافعي: وأصحابنا رحمهم الله يكره أن يؤم قوماً وأكثرهم له كارهون, ولا يكره إذا كرهه الأقل، وكذا إذا كرهه نصفهم لا يكره، صرح به صاحب الإبانة. وأشار إليه البغوي وآخرون، وهو مقتضى كلام الباقين، فإنهم خصوا الكراهة بكراهة الأكثرين. قال أصحابنا - أي الشافعية - وإنما تكره إمامته إذا كرهوه لمعنى مذموم شرعاً كوال ظالم، وكمن تغلب على إمامة الصلاة, ولا يستحقها، أو لا يتصون من النجاسات, أو يمحق هيئات الصلاة أو يتعاطى معيشة مذمومة، أو يعاشر أهل الفسوق ونحوهم أو شبه ذلك، فإن لم يكن شيء من ذلك فلا كراهة والعتب على من كرهه. هكذا صرح به الخطابي والقاضي حسين والبغوي وغيرهم ... " اهـ. - وقال ابن قدامة في "المغني" (3/ 71): "يكره أن يؤم قوماً أكثرهم له كارهون ... قال أحمد رحمه الله: إذا كرهه واحد أو اثنان أو ثلاثة فلا بأس، حتى يكرهه أكثر القوم، وإن كان ذا دين وسنةٍ فكرهه القوم لذلك لم تكره إمامته ... " اهـ.

10 - وعن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "ثَلَاثَةٌ لاَ تُجَاوِزُ صَلاَتُهُمْ آذَانَهُمُ: العَبْدُ الآبِقُ حَتَّى يَرْجِعَ، وَامْرَأَةٌ بَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَلَيْهَا سَاخِطٌ، وإِمَامُ قَوْمٍ وَهُمْ له كَارِهُونَ". أخرجه الترمذي (¬1). [حسن] قوله: "في حديث أبي أمامة: لا تجاوز صلاتهم آذانهم" هو كناية عن عدم قبولها. "العبد الآبق" عن مواليه العاصي لهم. "حتى يرجع" إلى طاعتهم. "وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط"؛ لأنها بإسخاطه (¬2) أغضبت الله تعالى، فعوقبت بعدم قبول صلاتها. "وإمام قوم وهم له كارهون". قوله: "أخرجه الترمذي". قلت: أخرج حديثين في الباب: الأول (¬3): عن أنس: "أنه - صلى الله عليه وسلم - لعن ثلاثة رجل: أمّ قوماً وهم له كارهون، وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط، ورجل سمع حيَّ على الفلاح ثم لم يجب". ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (360)، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه. وهو حديث حسن، والله أعلم. (¬2) وأخرج البخاري رقم (5193)، ومسلم رقم (122/ 1136)، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فلم تأته فبات غضباناً عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح". (¬3) أي: أخرجه الترمذي في "السنن" رقم (358)، وقال الترمذي: حديث أنس لا يصح؛ لأنه رُويَ هذا الحديث عن الحسن عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - مرسل، ومحمد بن القاسم تكلم فيه أحمد بن حنبل وضعفه وليس بالحافظ. =

ثم قال (¬1): حديث أنس لا يصح؛ لأنه قد روى هذا عن الحسن عن النبي صلى الله [158 ب] عليه وآله وسلم مرسل [496/ أ]، وقد كره قوم من أهل العلم أن يؤم الرجل قوماً وهم له كارهون، فإذا كان الإمام غير ظالم فإنما الإثم على من كرهه. وقال أحمد (¬2) وإسحاق في هذا: إذا كره واحداً أو اثنان أو ثلاثة فلا بأس أن يصلي حتى يكرهه أكثر القوم. ثم ذكر حديث أبي أمامة (¬3) الذي ذكره المصنف وقال (¬4): إنه حديث حسن غريب من هذا الوجه. 11 - وعن جابر - رضي الله عنه -: كَانَ مُعَاذٌ بنُ جَبَلٍ - رضي الله عنه - يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ يَأْتِي فَيَؤُمُّ قَوْمَهُ، فَصَلَّى لَيْلَةً مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - العِشَاءَ، ثُمَّ أَتَى قَوْمَهُ فَأَمَّهُمْ فَافْتَتَحَ بِسُورَةِ البَقَرَةِ فَانْحَرَفَ رَجُلٌ فَسَلَّمَ ثُمَّ صَلَّى وَحْدَهُ وَانْصَرَفَ، فَقَالُوا لَهُ: أَنافَقْتَ يَا فُلاَنُ؟ قَالَ: لاَ وَالله، وَلآتِيَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فَلأُخْبِرَنَّهُ. فَأَتَاهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله إِنَّا أَصْحَابُ نَوَاضِحَ نَعْمَلُ بِالنَّهَارِ، وَإِنَّ مُعَاذًا صَلَّى مَعَكَ العِشَاءَ، ثُمَّ أَتَانَا فَاسْتَفْتَحَ بِسُورَةِ البَقَرَةِ, فَأَقْبَلَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَلَى مُعَاذٍ, قَالَ: ¬

_ = قلت: بل كذبه أحمد كما في "العلل" رواية عبد الله رقم (1899)، حيث قال: كان يكذب، أحاديثه موضوعه ليس بشيء. وهو شامي الأصل لقبه: كاوُ، كذبه وتركه غير واحد، وقال ابن معين: ثقة، وقد كتبت عنه مات سنة (207 هـ) قاله الحافظ في "التقريب" (2/ 201 رقم 630)، وانظر "ميزان الاعتدال" (4/ 11 رقم 8066). وهو حديث ضعيف. (¬1) في "السنن" (2/ 191). (¬2) انظر: "المغني" (3/ 71 - 72). (¬3) أخرجه الترمذي في "السنن" رقم (360) وهو حديث حسن، وقد تقدم. (¬4) في "السنن" (2/ 191).

"أفتَّانٌ أَنْتَ يَا مُعَاذُ اقْرَأْ: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1)}، {وَالضُّحَى (1)}، {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1)}، وَ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)} ". أخرجه الخمسة (¬1) إلا الترمذي. [صحيح] "النَّاضِحُ" (¬2): البعير الذي يستقى عليه. قوله: "وعن جابر" وهو حديثه الأول، إلاّ أنه هنا بسط عبارته. قوله: "فافتتح بسورة البقرة فانحرف رجل" هذا الرجل اسمه سليم كما بينته رواية أحمد في "المسند" (¬3). "فسلّم" هو ظاهر في أنه قطع الصلاة, لكن ذكر البيهقي (¬4) أنّ محمد بن عباد، شيخ مسلم تفرّد عن ابن عيينة بقوله: "ثم سلّم"، وأنّ الحفاظ من أصحاب ابن عيينة، وكذا من أصحاب شيخه عمرو بن دينار، وكذا من أصحاب جابر لم يذكروا السلام، وكأنه فهم أنّ هذه اللفظة تدل على أنّ الرجل قطع الصلاة؛ لأنّ السلام يتحلل به من الصلاة. وسائر الروايات تدل على أنه قطع القدوة فقط، ولم يخرج من الصلاة بل استمر فيها منفرداً، وبه استدل الشافعي أنّ للمأموم أن يقطع القدوة ويتم صلاته منفرداً. "فقالوا: أَنافقت يا فلان؟ " وعند البخاري (¬5): "فكان معاذ ينال منه" أي: ذكره بسوء، وقد فسّر ذلك أنه قال معاذ: إنه منافق، وكأنه قاله معاذ ثم قاله من صلى معه "قال: لا والله"، أي: ما نافقت. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (705)، ومسلم رقم (465)، وأبو داود رقم (790، 791، 792)، وابن ماجه رقم (910)، والنسائي رقم (835)، وقد تقدم مراراً. وهو حديث صحيح. (¬2) قال ابن الأثير في غريب "الجامع" (5/ 589): النَّواضحُ: جمع ناضح، وهو البعير يُستقى عليه. (¬3) (3/ 308). (¬4) في "السنن الكبرى" (3/ 201 - 202)، وانظر "فتح الباري" (2/ 194). (¬5) في "صحيحه" رقم (705).

"ولأتين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولأخبرنه"، وعند النسائي (¬1): "فقال معاذ: لئن أصبحت، لأذكرن ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكر ذلك له فأرسل إليه فقال: ما [159 ب] حملك على الذي صنعت؟ فقال: يا رسول الله عملت على ناضح لي ... " فذكر الحديث. وكان معاذاً سبقه بالشكوى، فأرسل - صلى الله عليه وسلم - إليه فأتى فاشتكى. "فقال: أفتّان؟ " قال الداودي (¬2): يحتمل أنّ قوله: "أفتّان" أي: معذّب لهم؛ لأنه عذّبهم بالتطويل. وقال غيره (¬3): معنى الفتنة هنا: أنّ التطويل يكون سبباً لخروجهم من الصلاة ولتكره للصلاة في الجماعة. وروى البيهقي في "الشعب" (¬4) بإسناد صحيح عن عمر: "لا تبغضوا الله إلى عباده، يكون أحدكم إماماً فيطول على القوم الصلاة حتى يبغض إليهم ما هم فيه". واعلم أنه استدل بالحديث على جواز اقتداء المفترض بالمتنفل بناءً على أنّ معاذاً كان ينوي بالأولى الفريضة، وبالثانية النافلة، ويدل له ما رواه عبد الرزاق (¬5) من حديث جابر في الباب وزاد: "وهي له تطوع ولهم فريضة"، وهو حديث صحيح، ورجاله رجال الصحيح كما قاله ابن حجر (¬6). ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (835). (¬2) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 195). (¬3) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 195). (¬4) لم أقف عليه في "شعب الإيمان"، وقد ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 195). (¬5) في "مصنفه" (2/ 8 - 10). (¬6) في "فتح الباري" (2/ 195).

وأجيب بأنه ظن من جابر، وقال الطحاوي (¬1): ليس فيه: أنه كان بأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا تقريره. وقد أطيل الكلام إيراداً ورداً بما لا ينهض معه القول: بأنه دليل على صحة صلاة المفترض خلف المتنفل، وقد جمعنا ما قيل في رسالة (¬2)، وأشرنا إليه في حواشي شرح العمدة (¬3) لابن دقيق العيد. 12 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قَالَ رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِلنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ، فَإِنَّ فِيْهِمْ الضَّعِيفَ، وَالسَّقِيمَ، وَالمَرِيضَ، وَذَا الحَاجَةِ, وَإِذَا صَلَّى لِنَفْسِهِ فَلْيُطِلْ مَا شَاءَ". أخرجه الستة (¬4). [صحيح] قوله: "في حديث أبي هريرة فليخفف" هو عام لكل من أمّ قوماً، والتخفيف محمول على ما عينه لمعاذ من السور ونحوها وأقصر منها. وقد ذكر - صلى الله عليه وسلم - علة الأمر بالتخفيف (¬5) بأنه يصلي خلفه أحد الأربعة أو كلهم، فيشق [160 ب] بهم، ويبغض إليهم الفريضة، ويكره الطاعة. والأمر بالتخفيف عام لجميع أركان الصلاة أقوالاً وأفعالاً. "وإذا صلى لنفسه" أي: منفرداً. ¬

_ (¬1) في "شرح معاني الآثار" (1/ 409). (¬2) وهي الرسالة رقم (82) من "عون القدير من فتاوى ورسائل ابن الأمير" بتحقيقي. ط ابن كثير - دمشق. (¬3) (2/ 129). (¬4) أخرجه البخاري رقم (703)، ومسلم رقم (185/ 467)، وأبو داود رقم (794)، والترمذي رقم (236)، والنسائي (2/ 94)، وقد تقدم. (¬5) انظر: "إحكام الأحكام" (1/ 209)، "فتح الباري" (2/ 199).

ّ"فليطول ما شاء" قال ابن دقيق العيد (¬1): التطويل والتخفيف من الأمور الإضافية، فقد يكون الشيء خفيفاً بالنسبة إلى عادة قوم، طويلاً بالنسبة لعادة آخرين. قال (¬2): وقول الفقهاء: لا يزيد الإمام في الركوع والسجود على ثلاث تسبيحات لا يخالف ما ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يزيد على ذلك؛ لأنّ رغبة الصحابة في الخير يقتضي أن لا يكون ذلك تطويلاً. قلت: قد بيّنت أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يأمرهم بالتخفيف ويؤمهم بالصافات، فيعلم منه أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يعلم [497/ أ] بإعلام الله أو نحوه أنهم لا يكرهون تطويله، بل يحبونه؛ لأنه لا يفعل خلاف ما يأمر به إلاّ لوجه صحيح، ولذا ينهاهم عن الشيء ويفعله كالوصال (¬3). 13 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قَالَ رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنِّي لأَدْخُلُ فِي الصَّلاَةَ, وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُطِيلَهَا، فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيَّ فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلاَتِي لمِا أَعْلَمُ مِنْ وَجْدِ أُمِّهِ مِنْ بُكَائِهِ". أخرجه الخمسة (¬4) إلا أبا داود. [صحيح] "الوَجْدُ" (¬5): الحزن. قوله: "في حديث أنس إني أدخل في الصلاة, وأنا أريد أن أطيلها" فيه أنّ من قصد في الصلاة الإتيان بشيء مستحب لا يجب عليه الوفاء به. ¬

_ (¬1) في "إحكام الأحكام" (1/ 209). (¬2) في "إحكام الأحكام" (1/ 209). (¬3) سيأتي في "الصوم". (¬4) أخرجه البخاري رقم (709)، ومسلم رقم (192/ 470)، والترمذي رقم (376)، وابن ماجه رقم (989)، وأخرجه أحمد (3/ 109). وأخرجه أبو داود رقم (789)، والنسائي في "السنن" (2/ 95) من حديث أبي قتادة وهو حديث صحيح. (¬5) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 826).

"فأتجوز في صلاتي لما أعلم من وجد أمه" أي: حزنها، وذكر الأم خرج على الغالب، وإلّا فمن كان في معناها ملحق بها. قال ابن بطال (¬1): احتج به من قال: يجوز للإمام إطالة الركوع إذا سمع بحس داخل ليدركه. وتعقّبه ابن المنير (¬2) بأنّ التخفيف نقيض التطويل فكيف يقاس عليه؟ قال (¬3): ثم إنّ فيه مخالفة للمطلوب؛ لأنّ فيه إدخال مشقة على جماعة لأجل واحد، انتهى. ويحتمل أن يقال: محل ذلك إذا لم يشق على الجماعة وبذلك قيّده أحمد وإسحاق وما ذكره ابن بطال سبقه إليه الخطابي (¬4) ووجهه: أنه إذا جاز التخفيف لحاجة من حوائج الدنيا فلئن يجوز [161 ب] التطويل لحاجة من حاجات الدين أحق. وتعقبه القرطبي (¬5) بأنّ في التطويل ها هنا زيادة عمل في الصلاة غير مطلوب، بخلاف التخفيف فإنه مطلوب. 14 - وعن ابن أبي أوفى - رضي الله عنهما - قَالَ: "كَانَ رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُومُ فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى مِنْ الظُّهْرِ حَتَّى لاَ يَسْمَعَ وَقْعَ قَدَمٍ". أخرجه أبو داود (¬6). [ضعيف] ¬

_ (¬1) في شرحه لـ "صحيح البخاري" (2/ 336). (¬2) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 203). (¬3) أي: ابن المنير. (¬4) في معالم "السنن" (1/ 499). (¬5) في "المفهم" (2/ 79). (¬6) في "السنن" رقم (802). =

قوله: "في حديث ابن أبي أوفى أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقوم في الركعة الأولى من الظهر حتى لا يسمع وقع قدم" أي: أنه كان يطيلها ليلحق به من تأخر عن تكبيرة الإحرام، وكأنه كان يعرف ممن خلفه أنهم يحبون تطويله. وفي الحديث (¬1) الآخر: "أنها كانت تقام صلاة الظهر ويذهب الذاهب إلى البقيع ثم يتوضأ، ويدركه - صلى الله عليه وسلم - في أول ركعة". وفي "سنن أبي داود" (¬2): "أنه كان يطيل الركعة الأولى، قال أبو قتادة: فظنّنا أنه يريد بذلك أن يدرك الناس الركعة الأولى". 15 - وله (¬3) في أخرى عن سالم بن أبي النضر: "كانَ حِينَ تُقَامُ الصَّلَاةُ في المَسْجِدِ إِذَا رَآهُمْ قَلِيلًا جَلَسَ، وإِذَا رَآهُمْ جَمَاعَةً صَلَّى". [ضعيف] "وعن سالم بن أبي النضر" (¬4) هو سالم بن أمية، مولى عمر بن عبيد الله بن معمر القرشي التيمي، يعد في التابعين وأكثر روايته عنهم. ¬

_ = وأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (1/ 337)، والبيهقي في "السنن" "الكبرى" (2/ 66) من طريق عفّان ابن مسلم الصفار، حدثنا همام، حدثنا محمد بن جُحادة عن رجل عن عبد الله بن أبي أوفى، به. قلت: وفي سنده ضعيف لإبهام الراوي عن عبد الله بن أبي أوفى. وقد سُّمي عند البيهقي في "السنن الكبرى" (2/ 66) من طريق يحيى الحمَّاني، عن أبي إسحاق الحُميسي، عن محمد بن جحادة، قال: عن طرفة الحضرمي، عن عبد الله بن أبي أوفى، به. قلت: ويحيى الحماني، وأبو إسحاق الحميسي ضعيفان. وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف، والله أعلم. (¬1) أخرجه مسلم رقم (161/ 154)، وابن ماجه رقم (825)، والنسائي في "السنن" (973)، وأحمد (3/ 35)، من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -. وهو حديث صحيح. (¬2) في "السنن" رقم (800)، وهو حديث صحيح. (¬3) أي: لأبي داود في "السنن" رقم (545)، وهو حديث ضعيف. (¬4) انظر: "التقريب" (1/ 279 رقم 2).

والنَّضر بفتح النون وسكون المعجمة، والحديث ظاهرٌ معناه. 16 - وعن المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - قال: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يُصَلِّي الإِمَامُ فِي مَوْضِعِهِ الَّذِي صَلى فِيهِ المَكْتُوبَةَ حَتَّى يَتَحَوَّلَ". أخرجه أبو داود (¬1) [صحيح بشاهديه] وله (¬2) في أخرى عن أبي هريرة: "أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ عَنْ يَمِينِهِ أَوْ عَنْ شِمَالِهِ". [صحيح بشاهديه] قوله: "في حديث المغيرة لا يصلي الإمام في موضعه الذي صلّى فيه المكتوبة حتى يتحول" أي: لا يصلي النافلة محل صلاة الفريضة. وبيّنه ما أخرجه أبو داود (¬3) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[162 ب]: "أيعجز أحدكم أن يتقدم أو يتأخر أو عن يمينه أو عن شماله". زاد في حديث حمّاد في الصلاة: "يعني في السبحة". ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (616) قال أبو داود: عطاء الخراساني لم يدرك المغيرة بن شعبة. وقال المنذري في مختصر "السنن" (1/ 317): "وما قاله - أبو داود - ظاهر، فإنّ عطاء الخراساني ولد في السنة التي مات فيها المغيرة بن شعبة, وهي سنة خمسين من الهجرة على المشهور، أو يكون ولد قبل وفاته بسنة على القول الآخر" اهـ. ولكن الحديث صحيح بشاهديه. (منها): ما أخرجه أبو داود في "السنن" رقم (1006) من حديث أبي هريرة وسيأتي قريباً. (ومنها): ما أخرجه مسلم رقم (883)، وأبو داود رقم (1129) من حديث معاوية بن أبي سفيان. (¬2) أخرجه أبو داود رقم (1006). وأخرجه أحمد (2/ 425)، وابن ماجه رقم (1427). وهو حديث صحيح بشاهديه. (¬3) في "السنن" رقم (1006)، وقد تقدم.

والأولى في النافلة مطلقاً في البيوت، في فعلها في المسجد تحول عن محل أداء الفريضة، قيل: لتشهد له البقاع. وفي الباب عن معاوية (¬1) وغيره. 17 - وعن أم سلمة - رضي الله عنها - قالَتْ: "كَانَ رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إِذَا سَلَّمَ يَمْكُثُ فِي مَكَانِهِ يَسِيرًا. فَنُرَى - وَالله أَعْلَمُ - أَنَّ مُكْثَهُ لِكَيْ يَنْصَرِفَ النِّسَاءُ قَبْلَ أنْ يُدْرِكَهُنَّ الرِّجَالُ". أخرجه البخاري (¬2)، وأبو داود (¬3)، والنسائي (¬4). [صحيح] قوله: "في حديث أم سلمة: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سلّم يمكث في مكانه يسيراً" قد ورد في غيره: "أنه كان يمكث مقدار قوله: اللهم أنت السلام ومنك السلام" (¬5). وقولها: "فنرى" بضم النون، أي: نظن، وفيه أنه كان لا ينصرف الرجال حتى ينصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. 18 - وعن ثوبان - رضي الله عنه - قال: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "ثَلاَثٌ لاَ يَحِلُّ لأَحَدٍ أَنْ يَفْعَلَهُنَّ. لاَ يَؤُمُّ الرَّجُلُ قَوْمًا فَيَخُصُّ نَفْسَهُ بِالدُّعَاءِ دُونَهُمْ، فَإِنْ فَعَلَ فَقَدْ خَانَهُمْ، وَلاَ يَنْظُرُ فِي قَعْرِ بَيْتٍ قَبْلَ ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم رقم (883)، وأبو داود رقم (1129). (¬2) في "صحيحه" رقم (837، 849، 870). (¬3) في "السنن" رقم (1040). (¬4) في "السنن" رقم (3/ 67). وأخرجه أحمد (6/ 296)، وابن ماجه رقم (932)، وأبو يعلى في "المسند" رقم (7010)، وابن خزيمة رقم (1719)، وأبو نعيم في "الحلية" (9/ 14)، والبيهقي في "السنن" (2/ 182)، وفي "معرفة السنن والآثار" (3/ 104 رقم 3885)، وهو حديث صحيح. (¬5) أخرجه أحمد (6/ 62، 184، 235)، ومسلم رقم (592). والترمذي رقم (298)، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وهو حديث صحيح.

أَنْ يَسْتَأْذِنَ، فَإِنْ فَعَلَ فَقَدْ خَانَهُمْ، وَلاَ يُصَلِّي وَهُوَ حَقِنٌ حَتَّى يَتَخَفَّفَ". أخرجه أبو داود (¬1) والترمذي (¬2). [حسن إلا قصة اختصاص الإمام نفسه بالدعاء فهي ضعيفة] "الحَقَنُ": الحاقن، وهو الذي يدافع بوله. قوله: "في حديث ثوبان لا يؤم الرجل قوماً فيخص نفسه بالدعاء دونهم". قد أورد عليه أنّ أدعيته (¬3) - صلى الله عليه وسلم - في صلاته جماعة بلفظ الإفراد نحو قوله: "اغفر لي ما قدّمت وما أخّرت" (¬4) وهي أحاديث واسعة. واختلف في الجواب عن ذلك حتى ذهب ابن خزيمة (¬5) أنّ هذا الحديث موضوع، كما نقله عنه ابن القيم في "زاد المعاد" (¬6). "ولا ينظر في قعر بيت حتى يستأذن" لما ثبت من أنّ الاستئذان إنما شرع من أجل أن لا ينظر إلى أهل المنزل، فلا يحل له أن ينظر حتى يؤذن له. وقوله: "في قعر بيت" لا أن ينظر في غير قعره كبابه وخارجه الذي منه سمع الاستئذان. "وهو حقن" ثبت بلفظ النهي عن الصلاة، وهو يدافع الأخبثان، أي: البول والغائط. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (90). (¬2) في "السنن" رقم (357). وهو حديث حسن، دون قصة اختصاص الإمام نفسه بالدعاء فهي ضعيفة. (¬3) تقدم ذكره في الأدعية. (¬4) تقدم وهو حديث صحيح. (¬5) في "صحيحه" كما ذكره ابن القيم في "زاد المعاد" (1/ 255). (¬6) (1/ 255).

الفصل الخامس: عقده لأربعة: أحكام المأموم، وترتيب الصفوف، وشرائط الاقتداء، وآداب المأموم

الفصل الخامس: عقده لأربعة: أحكام المأموم، وترتيب الصفوف، وشرائط الاقتداء، وآداب المأموم 1 - عن أبي مسعود البدري - رضي الله عنه - قال: كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَمْسَحُ مَنَاكِبَنَا فِي الصَّلاَةَ، يَقُولُ: "اسْتَوُوا وَلاَ تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُو الأَحْلاَمِ وَالنُّهَى، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ". قَالَ أَبُو مَسْعُودٍ: فَأَنْتُمُ اليَوْمَ أَشَدُّ اخْتِلاَفًا. أخرجه مسلم (¬1)، وأبو داود (¬2)، والنسائي (¬3). [صحيح] قوله: "في حديث أبي مسعود: يمسح مناكبنا" أي: يسوّيها ويعدلها لئلا يتقدم أحد على أحد في الصف، ويجمع لهم بين الفعل والقول، ويقول "استووا" أي: في الصف. وبوّب البخاري (¬4) لهذا في "صحيحه" باب: إلزاق المنكب بالمنكب، والقدم [163 ب] بالقدم في الصف [499/ أ]. "ولا تختلفوا" بالتقدم والتأخر. "فتختلف قلوبكم" اختلاف القلوب تباغضها وعدم ألفتها، تكون عقوبة على اختلافهم في صفوف صلاتهم. جعل عقوبة اختلاف الظواهر اختلاف البواطن، وهذا حكم من أحكام المؤتمين. ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (122/ 432). (¬2) في "السنن" رقم (674). (¬3) في "السنن" (2/ 87 - 88). وأخرجه أحمد (4/ 122)، وابن ماجه رقم (976)، والحميدي رقم (456)، والدارمي (1/ 290)، وابن الجارود في "المنتقى" رقم (315)، وابن خزيمة رقم (1542)، وأبو عوانة (2/ 41 - 42)، وابن حبان رقم (2178)، والبيهقي (3/ 97)، وهو حديث صحيح. (¬4) في "صحيحه" (2/ 211 الباب رقم 76).

الثاني: قوله: "وليلني" بكسر اللّامين وتخفيف النون من غير ياء قبل النون، ويجوز إثبات الياء مع تشديد النون على التأكيد (¬1). " [منكم] (¬2) أولو الأحلام" هم العقلاء، وقيل: البالغون. "النُهى" (¬3) بضم النون، جمع نهيه بالضم، والمراد بها العقول؛ لأنها تنهى عن القبائح [منطبقة] (¬4) على أولي الأحلام تأكيد لاتحاد معناهما. قيل: ولا يختص هذا التقديم بالصلاة، بل السنة (¬5) أن يقدم أهل الفضل في كل مجمع إلى الإمام وكثير المجالس كمجالس العلم، والقضاء، والذكر، والمشاورة، ومواقف القتال، وإمامة الصلاة، والتدريس، والإفتاء، وسماع الحديث ونحوه. ويكون الناس فيها على مراتبهم في العلم، والدين، والعقل، والشرف، والسن، والكفاءة في ذلك الباب. والأحاديث الصحيحة متعاضدة على ذلك. "ثم الذين يلونهم" في ذلك "ثم الذين يلونهم" فهذا أمر لذوي النهى أن يكون أقرب إلى الإمام في الصلاة، وهو في الصف الأول، فإن تأخروا خالفوا أمره، {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} (¬6). ¬

_ (¬1) ذكره النووي في شرح "صحيح مسلم" (4/ 154 - 155). (¬2) في (ب) مكررة. (¬3) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 813). (¬4) في (أ): "منتطيقة". هكذا رسمت غير مقروءة. (¬5) انظر: "المغني" (3/ 57 - 58). (¬6) سورة النور الآية (63).

وقد خالف الناس هذا الأدب قديماً كما قال أبو مسعود: "فأنتم اليوم أشد اختلافاً"، وقد كان هذا في عصره وأهله خير القرون فكيف من بعده؟؟!. ولقد عهدنا في عصرنا مشايخ العلم وأهل الفضائل يتأخرون عمداً إلى آخر صف يتصل بالجدار! [164 ب]. وعهدنا العامة والجهال، بل والصغار الذين لم يبلغوا الحلم يحافظون على أول صف، كأنها فطرة من الله فطرهم عليها! وقد رأيت في ترجمة بعض المحدثين ممن كان يتأخر عن الصفوف الأولى [منْ] (¬1) الصلاة أنه قيل له يتقدم إلى الصف فقال: يزاحمني الحمّالون، أو نحو هذه العبارة، وقيل له: لو تقدمت صدر المسجد، فقال: أنا صدر حيث كنت فانظر كيف ضمّ إلى مخالفة أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الكبرياء في موضع أمر الله فيه بالتواضع له؟!. 2 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه -: أنَّ رَسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُو الأَحْلاَمِ وَالنُّهَى، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، وَإِيَّاكُمْ وَهَيْشَاتِ الأَسْوَاقِ". أخرجه مسلم (¬2) وأبو داود (¬3) والترمذي (¬4). "النُّهَى": العقول والألباب. [صحيح] ¬

_ (¬1) في (أ): في. (¬2) في "صحيحه" رقم (123/ 432). (¬3) في "السنن" رقم (675). (¬4) في "السنن" رقم (228). وأخرجه أبو يعلى رقم (5324)، والدارمي (1/ 290)، وابن خزيمة رقم (1572)، وأبو عوانة (2/ 42)، وابن حبان رقم (2180)، والطبراني في "الكبير" رقم (10041)، والبيهقي (3/ 96 - 97)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (821)، وهو حديث صحيح.

و"هَيْشَاتُ (¬1) الأَسْوَاقِ": الاختلاط، وكثرة اللغط. قوله: "في حديث ابن مسعود: إياكم وهيشات الأسواق" هو بفتح الهاء وسكون التحتية وإعجام الشين، أي: اختلاطها والمنازعة والخصومات واللغط. 3 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ، فَأَخَذَ بِذُؤَابَتِي فَجَعَلَنِي عَنْ يَمِينِهِ". أخرجه الستة (¬2). [صحيح] قوله: "في حديث ابن عباس: فأخذ بذؤابتي" (¬3) هي بضم الذال المعجمة وفتح الواو: الشعر المظفور من شعر الرأس، وذؤابة الجلد أعلاه. وفيه: أنّ موقف المأموم إذا كان واحداً أيمن إمامه. 4 - وعن علقمة والأسود أنهما قالا: استأذنا على ابن مسعود - رضي الله عنه - فأذن لنا، ثم قام فصلى بيني وبينه، ثم قال: هكذا رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فعل. أخرجه مسلم (¬4) وأبو داود (¬5) والنسائي (¬6). [صحيح] ¬

_ (¬1) انظر: "غريب الحديث" للهروي (4/ 84)، "الفائق" للزمخشري، (4/ 119 - 120). (¬2) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (117)، وله أطراف كثيرة منها (138، 182، 697، 698، 699، 728، 859، 992، 1198). ومسلم رقم (763)، وأبو داود رقم (610، 611)، والترمذي رقم (232)، والنسائي (2/ 104)، ومالك في "الموطأ" (1/ 121 - 122)، وهو حديث صحيح. (¬3) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (1/ 597)، "غريب الحديث" للخطابي (3/ 223). (¬4) في "صحيحه" رقم (369). (¬5) في "السنن" رقم (613). (¬6) في "السنن" (2/ 49، 50)، وهو حديث صحيح.

قوله: "وعن علقمة" بالعين المهملة، وبعد لامه قاف، وهو ابن قيس (¬1) بن عبد الله النخعي الكوفي عمّ والده إبراهيم النخعي، يكنى أبا شبل. كان يشبّه بعبد الله بن مسعود، وكان من الربّانيين. "والأسود" هو ابن يزيد (¬2) بن قيس بن عبد الله النخعي، أبو عمرو، وأبو عبد الرحمن الكوفي، مخضرم فقيه مكثر في الحديث. قال إبراهيم: كان يختم القرآن كل ليلتين، وروي أنه حج ثمانين حجة. قوله: "فقام ثم صلى بيني وبينه" أي: أنه أمّهما وقام وسطهما، وأخبر أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - فعل ذلك. وقد عارض حديث ابن مسعود حديث جابر عند أحمد (¬3) قال: "قام النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي المغرب، فجئت فقمت عن يساره فنهاني، فجعلني عن يمينه, ثم جاء صاحب لي فصففنا خلفه, فصلى بنا في ثوب واحد مخالف بين طرفيه". وفي رواية: "قام [165 ب] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليصلي، فجئت فقمت عن يساره فأخذ بيدي فأدارني حتى أقامني عن يمينه، ثم جاء جبَّار بن صخر فقام عن يسار رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأخذ بأيدينا جميعاً، فدفعنا حتى أقامنا خلفه" رواه مسلم (¬4) وأبو داود (¬5). ¬

_ (¬1) ذكره ابن الأثير في "تتمة جامع الأصول" (2/ 708 - قسم التراجم)، وانظر: "التقريب" (2/ 31 رقم 286). (¬2) انظر: "التقريب" (1/ 77 رقم 579). (¬3) في "المسند" (3/ 326)، وهو حديث صحيح. (¬4) في "صحيحه" رقم (3010). (¬5) في "السنن" رقم (634). =

وحديث ابن مسعود قد رفعه فلعلّ هذا من العمل المخيرّ فيه. والله أعلم. وأخرج الترمذي (¬1) من حديث سمرة بن جندب قال: "أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كنَّا ثلاثة أن يتقدمنا أحدنا". قال الترمذي (¬2): وفي الباب عن ابن مسعود وجابر وأنس بن مالك. قال (¬3): وحديث سمرة غريب، قال (¬4): والعمل على هذا عند أهل العلم، قالوا: إذا كانوا ثلاثة قام رجلان خلف الإمام. 5 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُها، وَشَرُّهَا آخِرُهَا، وَخيرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا، وَشَرُّهَا أَوَّلُها". أخرجه الخمسة (¬5) إلا البخاري. [صحيح] قوله: "في حديث أبي هريرة: خير صفوف الرجال أوّلها" أي: أكثرها ثواباً وأجراً، ولذا ورد أنه صف الملائكة. "وشرها آخرها" أي: أقلها أجراً، وهو حث على الصف الأول مع الرجال. ¬

_ = وأخرجه ابن الجارود في "المنتقى" رقم (172)، وابن حبان رقم (2197)، والحاكم (1/ 254)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (2/ 239)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (827) , وابن خزيمة رقم (1536)، (1674)، وهو حديث صحيح. (¬1) في "السنن" رقم (233)، وقال الترمذي: حديث حسن غريب. (¬2) في "السنن" (1/ 453). (¬3) أي: الترمذي في "السنن" (1/ 453). (¬4) أي: الترمذي في "السنن" (1/ 453). (¬5) أخرجه مسلم رقم (132/ 440)، وأبو داود رقم (678)، والترمذي رقم (224)، والنسائي رقم (820)، وابن ماجه رقم (1000). وهو حديث صحيح.

"وخير صفوف (¬1) النساء آخرها (¬2) " [166 ب]. 6 - وعن النعمان بن بشير - رضي الله عنهما - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَتُسَوَّنَّ صُفُوفَكُمْ، أَوْ لَيُخَالِفَنَّ الله بَيْنَ قُلُوبِكُمْ, أَوْ قَالَ: وُجُوهِكُمْ". أخرجه الخمسة (¬3). [صحيح] 7 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "سَوُّوا صُفُوفَكُمْ, فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصَّفّ مِنْ تَمَامِ الصَّلاَةِ". أخرجه الخمسة (¬4) إلا الترمذي. [صحيح] ¬

_ (¬1) إنما كان خيرها لما في الوقوف فيه من البعد عن مخالطة الرجال، بخلاف الوقوف في الصف الأول من صفوفهن، فإنه مظنة المخالطة لهم، وتعلق القلب بهم المتسبب عن رؤيتهم، وسماع كلامهم، ولهذا كان شرّها. (¬2) توقف شرح الحديث إلى هنا، وباقي الصفحة بما يقارب خمسة أسطرٍ خالية من الشرح. والصفحات من (167 إلى 194) خالية كذلك من الشرح في (أ) (ب). (¬3) أخرجه أحمد (4/ 276)، ومسلم رقم (128/ 436)، والترمذي رقم (227)، والنسائي (2/ 89)، وأبو داود رقم (663)، وابن ماجه رقم (994)، وهو حديث صحيح. قوله: "لتُسوّن صفوفكم" بضم التاء المثناة من فوق، وفتح السين وضم الواو وتشديد النون. قال البيضاوي: هذه اللام التي يتلقى بها القسم، والقسم هنا مقدر، ولهذا أكده بالنون المشددة. ذكره الكرماني في شرح صحيح البخاري (5/ 93). والحافظ في "الفتح" (2/ 207). قوله: "أو ليخالفنَّ الله بين وجوهكم". قال النووي في "شرح صحيح مسلم" (4/ 157)، معناه: يوقع بينكم العداوة والبغضاء، واختلاف القلوب كما تقول: تغير وجه فلان أي: ظهر لي من وجهه كراهة؛ لأن مخالفتهم في الصفوف مخالفة في ظواهرهم، واختلاف الظواهر سبب لاختلاف البواطن. وانظر: "فتح الباري" (2/ 207). (¬4) أخرجه البخاري رقم (718، 719، 723)، ومسلم رقم (124/ 433)، وأبو داود رقم (668)، وابن ماجه رقم (993)، والنسائي (2/ 91)، وأخرجه أحمد (3/ 177)، وأبو يعلى رقم (2997)، وابن خزيمة =

8 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قَالَ رَسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَقِيمُوا الصُّفُوفُ، وَحَاذُوا بَيْنَ المَنَاكِبِ، وَسُدُّوا الخَلَلَ، وَلينُوا بِأَيْدِي إِخْوَانِكُمْ، وَلاَ تَذَرُوا فُرُجَاتٍ لِلشَّيْطَانِ، وَمَنْ وَصَلَ صَفًّا وَصَلَهُ الله، وَمَنْ قَطَعَه قَطَعَهُ الله". أخرجه أبو داود (¬1) بطوله، والنسائي (¬2) من قوله: من وصل إلى آخره. [صحيح] ¬

_ = رقم (1543)، والطيالسي رقم (1982)، وأبو عوانة (2/ 38)، (2/ 38 - 39)، وابن حبان رقم (2171)، (2174)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (3/ 99 - 100)، وهو حديث صحيح. قوله: "سوّوا صفوفكم" فيه أن تسوية الصفوف الواجبة. قوله: "فإن تسوية الصفِّ من تمام الصلاة"، في لفظ البخاري رقم (723): "من إقامة الصلاة"، والمراد بالصف الجنس، وفي رواية: "فإنّ تسوية الصفوف" [أخرجها البخاري في "صحيحه" رقم (723)]. قال ابن حزم في "المحلى" (4/ 55): "قال علي: تسوية الصف إذا كان من إقامة الصلاة فهو فرض؛ لأنّ إقامة الصلاة فرض، وما كان من الفرض فهو فرض". انظر: "فتح الباري" (2/ 210). (¬1) في "السنن" (666). (¬2) في "السنن" رقم (819)، وهو حديث صحيح. قوله: "وحاذوا بين المناكب" بالحاء المهملة, والذال المعجمة، أي: اجعلوا بعضها حذاء بعض بحيث يكون منكب كل واحد من المصلين موازياً لمنكب الآخر ومسامتاً له، فتكون المناكب والأعناق على سمت واحد. قوله: "وسدّوا الخلَلَ" هو بفتحتين: الفرجة بين الصفين. قوله: "ولينوا بأيدي إخوانكم" أي: إذا جاء المصلي ووضع يده على منكب المصلي فليلن له بمنكبه, وكذا إذا أمره من يسوِّي الصفوف بالإشارة بيده أن يستوي في الصف أو وضع يده على منكبه فليستو، وكذا إذا أراد أن يدخل في الصف فليوسع له. انظر: "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح". (3/ 177). "معالم السنن" للخطابي (1/ 435 - مع السنن). قوله: "فرجات الشيطان": الفُرجات: جمع فُرجة, وهي الخلل الذي يكون بين المصلّين في الصفوف، فأضافها إلى الشيطان. =

"فُرُجَاتِ الشَّيْطَانِ": هي الخلل التي تكون بين المصلين في الصفوف. 9 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "خِيَارَكُمْ اليَنُكُمْ مَنَاكِبَ فِي الصَّلاَةِ" أخرجه أبو داود (¬1). [حسن] 10 - وعن وابصة بن معبد - رضي الله عنه - قال: "رَأَى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - رَجُلاً يُصَلِّي خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ, فَأَمَرَهُ بِإِعَادَةِ الصَّلاّةِ". أخرجه أبو داود (¬2) والترمذي (¬3). [صحيح] ¬

_ = قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (5/ 610). (¬1) في "السنن" رقم (672)، وهو حديث حسن. قوله: "ألينكم مناكب". قال الخطابي في "معالم السنن" (1/ 435 - مع السنن) معنى لين المنكب لزوم السكينة في الصلاة والطمأنينة فيها، لا يلتفت ولا يحاك بمنكبه منكب صاحبه. وقد يكون فيه وجه آخر وهو أن لا يمتنع على من يريد الدخول بين الصفوف ليسد الخلل أو لضيق المكان، بل يمكنه من ذلك، ولا يدفعه بمنكبه لتتراص الصفوف وتتكاتف الجموع" اهـ. قال في "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" (3/ 175): وهذا أولى وأليق من قول الخطابي: إن معنى لين المنكب: السكون والخشوع. (¬2) في "السنن" رقم (682). (¬3) في "السنن" رقم (231). وأخرجه أحمد (4/ 228)، وابن ماجه رقم (1004)، والطيالسي رقم (1201)، وابن الجارود في "المنتقى" رقم (319)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/ 393)، والبيهقي (3/ 104)، وابن خزيمة رقم (1570)، وابن حبان رقم (403، 404 - موارد)، وهو حديث صحيح. قوله: "وعن وابصة بن معبد" ابن معبد عتبة الأسدي, صحابي نزل الجزيرة، وعُمِّر إلى قرب سنة تسعين. "التقريب" (2/ 328 رقم 1). قوله: "رجلاً يصلي خلف الصفِّ وحده": اختلف السلف في صلاة المأموم خلف الصف وحده، وممن قال بذلك النخعي، والحسن بن صالح، وأحمد وإسحاق، وحماد، وابن أبي ليلى، ووكيع. انظر: "الأوسط" لابن المنذر (4/ 183). =

11 - وعن أبي سعيد - رضي الله عنه - قال: رَأَى النّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي أَصْحَابِهِ تَأَخُّرًا، فَقَالَ لَهُمْ: "تَقَدَّمُوا فَائْتَمُّوا بِي، وَلْيَأْتَمَّ بِكُمْ مَنْ بَعْدَكُمْ، لاَ يَزَالُ قَوْمٌ يَتَأَخَّرُونَ، حَتَّى يُؤَخِّرَهُمُ الله" (¬1). [صحيح] ¬

_ "المغني" (3/ 49 - 50). وأجاز ذلك الحسن البصري، والأوزاعي، ومالك، والشافعي، وأصحاب الرأي، وفرق آخرون في ذلك، فرأوا على الرجل الإعادة دون المرأة. انظر: "المغني" (3/ 49)، "المجموع شرح المهذب" (4/ 189 - 190). المدونة (1/ 105 - 106)، "الأوسط" (4/ 183). - وتمسك القائلون بعدم الصحة بحديث وابصة - تقدم آنفاً - وبحديث علي بن شيبان وفيه: "أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى رجلاً يصلِّي خلف الصف فوقف حتى انصرف الرَّجل، فقال له: "استقبل صلاتك، فلا صلاة لمنفرد خلف الصف". - وهو حديث صحيح أخرجه أحمد (4/ 23)، وابن ماجه رقم (1003)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/ 394)، والبيهقي (3/ 105)، وابن خزيمة في "صحيحه" رقم (1569)، وابن حبان رقم (40 - موارد). وقال البوصيري في "مصباح الزجاجة" (1/ 339): هذا إسناد صحيح، رجاله ثقات. - وتمسك القائلون بالصحة بحديث أبي بكرة أنه انتهى إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وهو راكعٌ، فركع قبل أن يصل إلى الصف، فذكر ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "زادك الله حرصاً ولا تعد"، وهو حديث صحيح. [أحمد (5/ 39) البخاري في "صحيحه" رقم (783)، والنسائي رقم (871)، وغيرهم]. وقيل: الأولى الجمع بين أحاديث الباب يحمل عدم الأمر بالإعادة على من فعل ذلك لعذر مع خشية الفوت لو انضمّ إلى الصف، وأحاديث الإعادة على من فعل ذلك لغير عذر. وانظر: "المغني" (3/ 76 - 77). "فتح الباري" (2/ 268). (¬1) أخرجه مسلم في "صحيحه" رقم (130/ 438)، والنسائي رقم (795)، وأبو داود رقم (680)، وابن ماجه رقم (978)، وهو حديث صحيح. =

12 - وعن جابر بن سمرة - رضي الله عنه - قال: قَالَ رَسولَ الله: "أَلاَ تَصُفُّونَ كَما تَصُفُّ المَلاَئِكَةُ عِنْدَ رَبِّهِمْ". قُلْنَا: وَكَيْفَ تَصُفُّ المَلاَئِكَةُ؟ قَالَ: "يُتِمُّونَ الصُّفُوفَ المُقَدَّمَةَ, وَيَتَرَاصُّونَ فِي الصَّفِّ". أخرجهما مسلم (¬1) وأبو داود (¬2) والنسائي (¬3). [صحيح] "التراصُّ": الاجتماع والانتظام. قال الله تعالى: {كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ (4)} (¬4): أي متصل بعضه ببعض. ¬

_ = قوله: "وليأتم بكم من بعدكم". أي: ليقتد بكم من خلفكم من الصفوف. قال النووي في شرحه لـ "صحيح مسلم" (4/ 159): وفيه جواز اعتماد المأموم في متابعة الإمام الذي لا يراه ولا يسمعه على مبلغ عنه أو صف قدامه يراه متابعاً للإمام. قوله: "لا يزال قوم يتأخرون" أي: عن الصف الأول. وقوله: "حتى يؤخرهم الله" قال النووي في شرح "صحيح مسلم" (4/ 159) أي: حتى يؤخرهم الله تعالى عن رحمته أو عظيم فضله ورفع المنزلة وعن العلم ونحو ذلك. (¬1) في "صحيحه" رقم (119/ 430). (¬2) في "السنن" رقم (661). (¬3) في "السنن" رقم (816). وأخرجه أحمد (5/ 106)، وابن ماجه رقم (992)، وابن خزيمة رقم (1544)، وأبو عوانة (2/ 85)، وابن حبان رقم (2154)، و (2162)، وأبو يعلى رقم (7474)، و (7481)، و (7482)، والبيهقي (3/ 101)، والبغوي رقم (809)، وعبد الرزاق في "المصنف" رقم (2432)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (1/ 353)، وهو حديث صحيح. قوله: "ألا تصفُّونَ كما تصف الملائكة؟ " فيه الاقتداء بأفعال الملائكة في صلاتهم وتعبداتهم. قوله: "عند ربهم" كذا لفظ أبو داود في "السنن" رقم (661)، والنسائي في "السنن" رقم (816)، ولفظ ابن حبان في "صحيحه" رقم (2162) "عند ربها". (¬4) سورة الصف الآية (4).

13 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قَالَ رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْ تَعْلَمُونَ مَا فِي الصَّفِّ الأَوَّلِ مَا كَانَتُ إِلاَّ قُرْعَةً". أخرجه مسلم (¬1). [صحيح] 14 - وعنه - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ, فَإِذَا كَّبَرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ الله لِمَنْ حَمِدَهُ, فَقُولُوا: رَبَّنَا لَكَ الحَمْدُ، وَإِذَا صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا، وَإِذَا صَلَّى قَاعِداً فَصَلُّوا قُعُوداً أَجْمَعُونَ". أخرجه الخمسة (¬2) إلا الترمذي. [صحيح] ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (439)، وهو حديث صحيح. قوله: "لو تعلمون" في رواية البخاري رقم (615): "لو يعلم الناس". قال الطيبي: وضع المضارع موضع الماضي ليفيد استمرار العلم. "فتح الباري" (2/ 96). قوله: "ما" أطلق مفعول يعلم وهو (ما) ولم يبين الفضيلة ما هي ليفيد حزباً من المبالغة، وأنّه مما لا يدخل تحت الوصف، قاله الطيبي، كما في "فتح الباري" (2/ 96). قوله: "ما كانت إلا قرعة" قال النووي في شرحه لـ "صحيح مسلم" (4/ 158): ولو يعلمون ما في الصف الأول من الفضيلة نحو ما سبق وجاءوا إليه دفعة واحدة وضاق عنهم ثم لم يسمح بعضهم لبعض به لاقترعوا عليه، وفيه إثبات القرعة في الحقوق التي يزدحم عليها ويتنازع فيها. وانظر: "فتح الباري" (2/ 96 - 97). (¬2) أخرجه البخاري رقم (722)، ومسلم رقم (415)، وأبو داود رقم (603 - 604)، والنسائي في "السنن" رقم (902)، وابن ماجه رقم (846)، وأخرجه أحمد (2/ 314)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (852)، وهو حديث صحيح. قوله: "إنما جعل الإمام ليؤتم به" لفظ إنّما من صيغ الحصر عند جماعة من أئمة الأصول والبيان. انظر: "معجم البلاغة العربية" (ص 56 - 57). "البحر المحيط" للزركشي (2/ 331). =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = ومعنى الحصر فيها: إثبات الحكم في المذكور ونفيه عمّا عداه. وقال الآمدي في "إحكام الأحكام" (3/ 106 - 107) أنها لا تفيد الحصر، وإنّما تفيد تأكيد الإثبات فقط. ونقله أبو حبان عن البصريين. - والاتفاق على إفادتها للحصر. انظر: "إحكام الأحكام" لابن دقيق العيد (1/ 203)، "البحر المحيط" (2/ 330). والمراد بالحصر هنا حصر الفائدة في الاقتداء بالإمام والاتباع له، ومن شأن التابع أن لا يتقدم على المتبوع، ومقتضى ذلك أن لا يخالفه في شيء من الأحوال التي فصلها الحديث ولا في غيرها قياساً عليها، ولكن ذلك مخصوص بالأفعال الظاهرة لا الباطنة, وهي ما لا يطلع عليه المأموم كالنية فلا يضر الاختلاف فيها، لذلك فلا يصح الاستدلال به على من:- - جوز ائتمام من يصلي الظهر بمن يصلي العصر. - ومن يصلي الأداء بمن يصلي التضاد. - ومن يصلي الفرض بمن يصلي النفل، وعكس ذلك. - وقد استدل بالحديث أيضاً القائلون: بأن صحة صلاة المأموم لا تتوقف على صحة صلاة الإمام إذا بان جنباً أو محدثاً، أو عليه نجاسة خفيف وبذلك صرّح أصحاب الشافعي بناء على اختصاص النهي عن الاختلاف بالأمور المذكورة في الحديث أو بالأمور التي يمكن المؤتم الاطلاع عليها. الأم (8/ 541 - 542)، "المغني" (3/ 61 - 64). "المحلى" (3/ 65 - 66). قوله: "فإذا كبر فكبروا" فيه أن المأموم لا يشرع في التكبير إلا بعد فراغ الإمام منه, وكذلك الركوع والرفع منه والسجود. ويدل على ذلك حديث أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أيها الناس! إنِّي إمامكم فلا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود ولا بالقيام ولا بالقعود، ولا بالانصراف". وهو حديث صحيح. [أخرجه أحمد (3/ 102)، ومسلم رقم (112/ 426)، وأبو داود رقم (426)]. قوله: "وإذا قال: سمع الله لمن حمده .. " فيه دليل لمن قال: إنَّه يقتصر المؤتم في ذكر الرفع من الركوع على قوله: ربنا لك الحمد. وقد تقدم توضيحه. =

15 - وعنه (¬1) - رضي الله عنه - قال: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَمَا يَخْشَى أَحَدُكُمْ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ رُكُوعٍ، أَوْ سُجُودٍ قَبْلَ الإِمَامِ أَنْ يَجْعَلَ الله رَأْسَهُ رَأْسَ حِمَارٍ، أَوْ صُورَتَهُ صُورَةَ حِمَارٍ". أخرجه الخمسة (¬2). [صحيح] ¬

_ = قوله: "وإذا صلى قائماً فصلوا قياماً ... " فيه دليل لمن قال: إن المأموم يتابع الإمام في الصلاة قاعداً وإن لم يكن المأموم معذوراً. انظر: "المغني" (3/ 61 - 64)، "المحلى" (3/ 65 - 66). "المجموع شرح المهذب" (4/ 161 - 162). (¬1) أي: عن أبي هريرة - رضي الله عنه -. (¬2) أخرجه البخاري رقم (691)، ومسلم رقم (114، 115/ 427)، وأبو داود رقم (623)، والترمذي رقم (582)، والنسائي رقم (828)، وابن ماجه رقم (961)، وليس عندهم "إذا رفع رأسه من ركوع أو سجود"، والله أعلم. وأخرجه أحمد (2/ 260، 504)، وابن خزيمة رقم (1600)، والطيالسي رقم (2490)، وهو حديث صحيح. الشرح: قوله: "أمّا يخشى أحدكم" أما المخففة حرف استفتاح مثل "ألا"، وأصلها نافية دخلت على همزة الاستفهام وهي ها هنا استفهام توبيخ. والاستفهام التوبيخي: هو ما يكون ظاهره الاستفهام، ومعناه التوبيخ، كقوله تعالى: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا} [الأنعام: 130]، وأكثر ما يقع التوبيخ في أمر ثابت، وبخ على فعله، كما يقع على ترك فعل ينبغي أن يقع كقوله تعالى: {أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا} [النساء: 97]. انظر: "معترك الأقران" للسيوطي (1/ 329). "معجم البلاغة العربية" (ص 224). =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = قوله: "إذا رفع رأسه من ركوع أو سجود" لم أقف على هذه العبارة عند الخمسة أو غيرهم. وهي في "الجامع" (5/ 626 رقم 3889)، ترجم البخاري في "صحيحه" (2/ 182 الباب رقم 53 باب إثم من رفع رأسه قبل الإمام. قال الحافظ في "الفتح" (2/ 183): زاد ابن خزيمة في "صحيحه" رقم (1600) - من رواية حماد بن زيد عن محمد بن زياد: "في صلاته" وفي رواية حفص بن عمر المذكورة - أخرجها أبو داود رقم (623): "الذي يرفع رأسه والإمام ساجد" فتبين أن المراد الرفع من السجود, ففيه تعقب على من قال: إن الحديث نص في المنع من تقدم المأموم على الإمام في الرفع من الركوع والسجود معاً. وإنّما هو نص في السجود. ويلتحق به الركوع لكونه في معناه ثم قال الحافظ: ويمكن أن يفرق بينهما بأن السجود له مزيد مزية؛ لأن العبد أقرب ما يكون فيه من ربه؛ لأنَّه غاية الخضوع المطلوب منه, فلذلك خص بالتنصيص عليه ويحتمل أن يكون من باب الاكتفاء، وهو ذكر أحد الشيئين المشتركين في الحكم إذا كان للمذكور مزية. قوله: "أو صورته صورة حمار" الشك وقع من شعبة فقد رواه الطيالسي في "مسنده" رقم (2490) عن حماد ابن سلمة وابن خزيمة في "صحيحه" رقم (1600) من رواية حماد بن زيد، ومسلم رقم (115، 116/ 427) من رواية يونس بن عبيد والربيع بن مسلم كلهم عن محمد بن زياد بغير تردد، فأما الحمادان فقالا: "رأس"، وأمَّا يونس - مسلم رقم (114/ 427) فقال: "صورة"، وأمّا الربيع فقال: "وجه"، والظاهر أنه من تصرف الرواة. قال الحافظ في "الفتح" (2/ 183) لفظ الصورة يطلق على الوجه أيضاً، وأمّا الرأس فرواتها أكثر وهي أشمل فهي المعتمدة. وخص وقوع الوعيد عليها؛ لأن بها وقعت الجناية وهي أشمل. - وظاهر الحديث يقتضي تحريم الرفع قبل الإمام لكونه توعد عليه بالمسخ وهو أشد العقوبات جزم به النووي في "المجموع شرح المهذب" (4/ 366)، ومع القول بالتحريم فالجمهور على أن فاعله يأثم وتجزئه صلاته. وعن ابن عمر: تبطل. وبه قال أحمد في رواية, وأهل الظاهر بناءً على أن النهي يقتضي الفساد والوعيد بالمسخ في معناه. انظر: "المحلى" (4/ 60 - 61)، "فتح الباري" (2/ 183). "المجموع شرح المهذب" (4/ 367). =

16 - وعنه - رضي الله عنه - قال: "الَّذِي يَرْفَعُ رَأْسَهُ وَيَخْفِضُهُ قَبْلَ الإِمَامِ إِنَّمَا نَاصِيَتُهُ بِيَدِ شَيْطَانٍ". أخرجه مالك (¬1). [موقوف صحيح] 17 - وعن البراء (¬2) - رضي الله عنه - قال: "كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَإِذَا قَالَ: سَمِعَ الله لِمَنْ حَمِدَهُ. لَمْ يَحْنِ أَحَدٌ مِنَّا ظَهْرَهُ حَتَّى يَضَعَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - جَبْهَتهُ عَلَى الأَرْضِ". أخرجه الخمسة (¬3). [صحيح] ¬

_ = وقد اختلف في معنى الوعيد المذكور: فقيل: يحتمل أن يرجع ذلك إلى أمر معنوي، فإنَّ الحمار موصوف بالبلادة, فاستعير هذا المعنى للجاهل بما يجب عليه من فرض الصلاة ومتابعة الإمام. ويرجع هذا المجاز أن التحويل لم يقع مع كثرة الفاعلين، لكن ليس في الحديث ما يدل على أن ذلك يقع ولا بدّ، وإنّما يدل على كون فاعله متعرضاً لذلك. ولا يلزم من التعرُّض للشيء وقوعه. وقيل: هو على ظاهره إذ لا مانع من جواز وقوع ذلك. (¬1) في "الموطأ" (1/ 92)، وهو أثر موقوف صحيح. وأخرجه البزار في "المسند" (رقم 475 - كشف)، والطبراني في "الأوسط" (7/ 348 رقم 7692)، وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (2/ 78)، وقال: رواه البزار والطبراني في "الأوسط"، وإسناده حسن. وأخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" رقم (3753)، موقوفاً، وهو المحفوظ. وخلاصة القول: أن حديث أبي هريرة موقوف صحيح، والله أعلم. (¬2) الذي في "الجامع" (5/ 627 رقم 3892)، البراء بن عازب - رضي الله عنه -. (¬3) أخرجه البخاري رقم (690، 747، 811)، ومسلم رقم (474)، وأبو داود رقم (622)، والترمذي رقم (281)، والنسائي (2/ 96). وهو حديث صحيح. قوله: "إذا قال: سمع الله لمن حمده" في رواية شعبة: "إذا رفع رأسه من الركوع" ولمسلم من رواية محارب بن دثار: "فإذا رفع رأسه من الركوع فقال: سمع الله لمن حمده لم نزل قياماً"، "فتح الباري" (2/ 182). قوله: "لم يحن" بفتح التحتانية وسكون المهملة أي: لم يثن، يقال: حنيت العود: إذا ثنيته. "النهاية في غريب الحديث" (1/ 445). =

18 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَدَرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصَّلاَةِ مَعَ الإِمَامِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ كُلَّهَا". أخرجه الثلاثة (¬1) وأبو داود (¬2). [صحيح] 19 - وفي أخرى لأبي داود (¬3): "إِذَا جِئْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ وَنَحْنُ سجُودٌ فَاسْجُدُوا وَلاَ تَعُدُّوهَا شَيْئًا، وَمَنْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ". [حسن] ¬

_ = قوله: "حتى يضع النبي - صلى الله عليه وسلم - جبهته على الأرض" قال الحافظ في "الفتح": والذي يظهر في مراده أن الأحاديث الواردة بالاقتصار على الجبهة كهذا الحديث لا تعارض الحديث المنصوص فيه على الأعضاء السبعة، بل الاقتصار على ذكر الجبهة إما لكونها أشرف الأعضاء المذكورة، أو أشهرها في تحصيل هذا الركن، فليس فيه ما ينفي الزيادة في غيره. (¬1) أخرجه البخاري رقم (580)، ومسلم رقم (162/ 607)، ومالك في "الموطأ" (1/ 11). (¬2) في "السنن" رقم (893). قوله: "فقد أدرك الصلاة" ليس على ظاهره بالإجماع؛ لأنه لا يكون بالركعة الواحدة مدركاً لجميع الصلاة، بحيث تحصل براءة ذمته من الصلاة، فإذا فيه إضمار فتقديره: فقد أدرك وقت الصلاة، أو حكم الصلاة، أو نحو ذلك. ويلزمه إتمام بقيتها. ومفهوم التعبيد بالركعة أن من أدرك دون الركعة لا يكون مدركاً لها، وهو الذي استقر عليه الاتفاق. انظر: "المجموع شرح المهذب" (4/ 113)، "فتح الباري" (2/ 57). (¬3) في "السنن" رقم (893)، وهو حديث حسن. وأخرجه ابن خزيمة في "صحيحه" رقم (1622)، والحاكم في "المستدرك" (1/ 216)، وصححه ووافقه الذهبي. قوله: "ولا تعدُّوها شيئاً" أي: وافقوه في السجود، ولا تجعلوا ذلك ركعة. قوله: "فقد أدرك الصلاة" قال ابن رسلان: المراد بالصلاة هنا: الركعة أي: صحت له تلك الركعة وحصل له فضيلتها. اهـ. وانظر ما تقدم ذكره.

20 - ولفظ مالك (¬1): "مَنْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ فَقَدْ أَدْرَكَ السَّجْدَةَ, وَمَنْ فَاتَتْهُ قِرَاءَةُ أُمِّ القُرْآنِ فَقَدْ فَاتَهُ خَيْرٌ كَثِيرٌ". [موقوف ضعيف] 21 - وعن علي ومعاذ - رضي الله عنهما - قالا: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا أَتَى أَحَدُكُمُ وَالإِمَامُ عَلَى حَالٍ فَلْيَصْنَعْ كَمَا يَصْنَعُ الإِمَامُ". أخرجه الترمذي (¬2). [صحيح لغيره] 22 - وعن همام بن الحارث: أَنَّ حُذَيْفَةَ - رضي الله عنه - أَمَّ النَّاسَ بِالمَدَائِنِ عَلَى دُكَّانٍ، فَأَخَذَ أَبُو مَسْعُودٍ بِقَمِيصِهِ فَجَبَذَهُ. فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلاَتِهِ قَالَ: أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّهُمْ كَانُوا يُنْهَوْنَ عَنْ ذَلِكَ؟ قَالَ: بَلَى، قَذ ذَكَرْتُ حِينَ مَدَدْتَنِي. أخرجه أبو داود (¬3). [صحيح] ¬

_ (¬1) في "الموطأ" (1/ 11 رقم 18)، وهو أثر موقوف ضعيف. قوله: "فقد أدرك السجدة". قال الخطابي: المراد بالسجدة الركعة بركوعها وسجودها، والركعة إنّما يكون تمامها بسجودها، فسميت على هذا المعنى سجدة. انظر: "فتح الباري" (2/ 38). (¬2) في "السنن" رقم (591)، وقال الترمذي: هذا حديث غريب، لا نعلم أحداً أسنده إلا ما رُويَ من هذا الوجه. وهو حديث صحيح لغيره. قوله: "فليصنع كما يصنع الإمام" فيه مشروعية دخول اللاحق مع الإمام في أي جزء من أجزاء الصلاة أدركه من غير فرقٍ بين الركوع والسجود، والعقود لظاهر قوله: "والإمام على حال". (¬3) في "السنن" رقم (597). وأخرجه الحاكم (1/ 210)، وعنه البيهقي في "السنن الكبرى" (3/ 108). وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، وصححه ابن خزيمة رقم (1523)، وابن حبان رقم (373 - موارد)، وهو حديث صحيح. قوله: "بالمدائن" هي مدينة قديمة على دجلة تحت بغداد. معجم البلدان (5/ 74 - 75). =

23 - وعن أبي حازم بن دينار: "أَنَّ نَفَرًا جَاءُوا إِلَى سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ يَتَمَارُونَ فِي المِنْبَرِ مِنْ أَيِّ عُودٍ هُوَ؟ فَقَالَ: أَمَا وَالله إِنِّي لأَعْرِفُ مِنْ أَيِّ عُودٍ هُوَ، وَمَنْ عَمِلَهُ، وَأيِّ يَوْمٍ جَلَسَ عَلَيْهِ. أَرْسَلَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إِلَى فُلاَنَةً امْرَأةً مِنَ الأَنْصَارِ أَنْ مُرِي غُلاَمَكِ النَّجَّارَ أَنْ يَعْمَلْ لِي أَعْوَادًا أُكَلِّمُ النَّاسَ عَلَيْهَا". فَعَمِلَ هَذ الثَّلاَثَ الدَّرَجَاتِ. ثُمَّ أَمَرَ بِهَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أَنْ تُوضَع هَذَا المَوْضِعَ: فَهْيَ مِنْ طَرْفَاءِ الغَابَةِ. فَقَامَ عَلَيْهِ - صلى الله عليه وسلم - فَكَبَّرَ وَكَبَّرَ النَّاسُ وَرَاءَهُ وَهُوَ عَلَى المِنْبَرِ، ثُمَّ رَكَعَ فَنَزَلَ القَهْقَرَى حَتَّى سَجَدَ فِي أَصْلِ المِنْبَرِ، ثُمَّ فَرَغَ مِنْ صَلاَتِهِ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: "إِنَّمَا صَنَعْتُ هَذَا لِتَأْتَمُّوا بِي وَلتَعَلَّمُوا صَلاَتِي". أخرجه الخمسة (¬1) إلا الترمذي. [صحيح] ¬

_ = قوله: "كانوا ينتهون" بفتح الباء والهاء, وفي رواية ابن حبان في "صحيحه" رقم (373 - موارد): "أليس قد نهي عن هذا؟ قوله: "حين مددتني" أي: مددت قميصي وجبذته إليك. وفي رواية ابن حبان: "ألم ترني قد تابعتك". وقد استدل بهذا الحديث على أنه يكره ارتفاع الإمام في المجلس. (¬1) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (917)، ومسلم رقم (544)، وأبو داود رقم (1080)، وابن ماجه رقم (1416)، والنسائي رقم (739). وهو حديث صحيح. قوله: "عن أبي حازم بن دينار" هو سلمة بن دينار الأعرج المدني، أبو حازم، مولى الأسود بن سفيان المخزومي، القاص، من عباد أهل المدينة, وثقاتهم، والمشهورين من تابعيهم. روى عن سهل بن سعد، وابن المسيب، وعطاء بن أبي رباح، وغيرهم، مات سنة (33 هـ)، قاله ابن الأثير في "تتمة جامع الأصول" (1/ 470 - قسم التراجم). قوله: "يتمارون" من المماراة، وهي المجادلة. قوله: "والله إني لأعرف مما هو" فيه القسم على الشيء لإرادة تأكيده للسامع. قوله: "وأول يوم جلس عليه" زيادة على السؤال، لكن فائدته إعلامهم بقوة معرفته بما سألوه عنه. وقد جاء في "صحيح البخاري" رقم (377) قوله: "ما بقي في الناس أعلم مني". =

24 - وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كانَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ فِي حُجْرَتِهِ، وَجِدَارُ الحُجْرَةِ قَصِيرٌ, فَرَأَى النَّاسُ شَخْصَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَامَ أُنَاسٌ يُصَلُّونَ بِصَلاَتِهِ، فَأَصْبَحُوا فَتَحَدَّثُوا. فَقَامَ الثَّانِيَةِ وَقَامُوا فَصَنَعُوا ذَلِكَ ثَلاَثًا، فَلَمّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ جَلَسَ فَلَمْ يَخْرُجْ، فَلَمَّا أَصْبَحَ ذَكَرَوا لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ: "إِنِّي خِفْتُ أَنْ تُكْتَبَ عَلَيْكُمْ صَلاَةُ اللَّيْلِ". أخرجه البخاري (¬1) وأبو داود (¬2). [صحيح] ¬

_ = قوله: "إلى فلانة امرأةً من الأنصار" قال الحافظ في "الفتح" (1/ 486): وأمَّا المرأة فلا يعرف اسمها لكنها أنصارية. ونقل ابن التين عن مالك: أن النجار كان مولى لسعد بن عبادة. فيحتمل أن يكون في الأصل مولى امرأته ونسب إليه مجازاً، واسم امرأته فكيهة بنت عبيد بن دليم، وهي ابنة عمه, أسلمت وبايعت. قوله: "غلامك النّجار": سمّاه عباس بن سهل عن أبيه فيما أخرجه قاسم بن أصبغ وأبو سعد في "شرف المصطفى" جميعاً من طريق يحيى بن بكير عن أبي لهيعة حدثني عمارة بن غزية عنه ولفظه: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب إلى خشبة. فلما كثر الناس، قيل له: لو كنت جعلت منبراً. قال: وكان بالمدينة نجار واحد يقال له: ميمون. قوله: "ولتعلموا صلاتي". وأمّا صلاته على المنبر فقيل: إِنَّه إنّما فعل ذلك لغرض التعليم كما يدل عليه قوله: "ولتعلموا صلاتي"، وغاية ما فيه جواز وقوف الإمام على محل أرفع من المؤتمين إذا أراد تعليمهم. قال ابن دقيق العيد في "إحكام الأحكام" (1/ 201 - 202): من أراد أن يستدل به على جواز الارتفاع من غير قصد التعليم لم يستقم؛ لأن اللفظ لا يتناوله. ولانفراد الأصل بوصف معتبر تقتضي المناسبة اعتباره فلا بد منه. انظر: "المحلى" (4/ 84)، "المجموع شرح المهذب" (4/ 200 - 201). "فتح الباري" (2/ 400 - 401). (¬1) في "صحيحه" رقم (729)، وأطرافه (730, 924, 1129, 2011, 2012, 5861). (¬2) في "السنن" رقم (1126)، وهو حديث صحيح. قوله: "في حجرته" ظاهره: أن المراد حجرة بيته, ويدل عليه ذكر جدار الحجرة. =

25 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا سَمِعْتُمُ الإِقَامَةَ فَامْشُوا إِلَى الصَّلاَةِ، وَعَلَيْكُمْ السَّكِينَةِ وَالوَقَارِ، وَلاَ تُسْرِعُوا، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا". أخرجه الستة (¬1). [صحيح] ¬

_ = وأوضح منه رواية حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد عن أبي نعيم بلفظ: "كان يصلي في حجرة من حجر أزواجه - صلى الله عليه وسلم - " قاله الحافظ في "فتح الباري" (2/ 214). قوله: "فقام أناس" أي: أنهم كانوا يصلون بصلاته وهو داخل الحجرة وهم خارجها. قوله: "ذكروا له" أفاد عبد الرزاق أن الذي خاطبه بذلك عمر - رضي الله عنه -. قوله: "إني خفت أن تكتب عليكم صلاة الليل" أي: تفرض عليكم. - وقد استدل البخاري في "صحيحه" (2/ 213 رقم الباب 80) بحديث عائشة - رضي الله عنها - على جواز أن يكون بين الإمام وبين القوم المؤتمين به حائط أو سترة. حيث قال: باب إذا كان بين الإمام وبن القوم حائط أو سترة. وقال الحسن: لا بأس أن تصلّي وبينك وبينه نهر. وقال أبو مجلز: يأتم بالإمام - وإن كان بينهما طريقٌ أو جدار، إذا سمع تكبير الإمام. (¬1) أخرجه البخاري رقم (636)، ومسلم رقم (151، 153/ 602)، وأبو داود رقم (572)، والنسائي رقم (861) وابن ماجه رقم (775) , ومالك في "الموطأ" (1/ 68 - 69). وهو حديث صحيح. قوله: "إذا سمعتم" هو أخص من قوله في حديث أبي قتاد: "إذا أتيتم الصلاة" لكن الظاهر أنه من الموافقة؛ لأنَّ المسرع إذا أقيمت الصلاة يترجى إدراك فضيلة التكبيرة الأولى ونحو ذلك، ومع ذلك فقد نهى عن الإسراع. قوله: "فعليكم السكينة والوقار" السكينة: التأني في الحركات واجتناب العبث، والوقار في الهيئة كغضِّ البصر، وخفض الصوت وعدم الالتفات. انظر: "فتح الباري" (2/ 118). قوله: "ولا تسرعوا" فيه زيادة تأكيد، وعدم الإسراع أيضاً يستلزم كثرة الخطا، وهو معنى مقصور لذاته, وردت فيه أحاديث كحديث جابر عند مسلم: "إن بكل خطوة درجة" =

26 - وعن أسماء بنت أبي بكر - رضي الله عنها - قالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ لِلنِّسَاءِ: "مَنْ كَانَتْ مِنْكُنَّ تُؤْمِنُ بِالله وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلاَ تَرْفَعْ رَأْسهَا حَتَّى يَرْفَعَ الرِّجَالُ رُءُوسَهُمْ". كَرَاهَةَ أَنْ يَرَيْنَ عَوْرَاتِ الرِّجَالِ. أخرجه أبو داود (¬1). [صحيح] 27 - وعن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - قال: صَلَّى بِنَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بَعْضَ الصَّلَوَاتِ الَّتِي يَجْهَرُ فِيهَا بِالقُرْآنِ فَالتبَسَتْ عَلَيْهِ القِرَاءَةُ. فَلَمَّا انْصَرَفَ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ فَقَالَ: "هَلْ تَقْرَءُونَ إِذَا جَهَرْتُ بِالقِرَاءَةِ؟ " فَقَالَ بَعْضُنَا: إِنَّا نَصْنَعُ ذَلِكَ. قَالَ: "فَلاَ. وَأَنَا أَقُولُ: مَا لِي يُنَازَعُنِي القُرْآنُ؟ فَلاَ تَقْرَءُوا بِشَيْءٍ مِنَ القُرْآنِ إِذَا جَهَرْتُ إِلاَّ بِأُمِّ القُرْآنِ". أخرجه أصحاب السنن (¬2). [ضعيف] ¬

_ = قوله: "فما أدركتم" قال الحافظ في "الفتح" (2/ 118): التقدير إذا فعلتم فما أدركتم، أي: فعلتم الذي أمرتكم به من السكينة وترك الإسراع. قوله: "وما فاتكم فأتموا" أي: أكملوا. تقدم شرحه. (¬1) في "السنن" رقم (851)، وهو حديث صحيح. - وهو واضح المعنى، ويوضحه حديث أبي سعيد: أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " ... وإنّ خير الصفوف صفوف الرجال المقدم، وشرها المؤخّر، وخير صفوف النساء المؤخّر وشرها المقدَّم، يا معشر النساء! إذا سجد الرجال فاغضضن أبصاركنَّ لا ترين عورات الرجال من ضيق الأزر". وهو حديث صحيح. أخرجه أحمد (3/ 2)، وابن خزيمة رقم (177)، وابن ماجه رقم (427) و (766)، وأبو يعلى رقم (1355)، وعبد بن حميد رقم (984)، والدارمي (1/ 177 - 178)، وابن حبان رقم (402)، والحاكم (1/ 191 - 192)، والبيهقي (2/ 16) مطولاً ومختصراً. (¬2) أخرجه أبو داود رقم (823, 824)، والترمذي رقم (311)، والنسائي في "السنن" (2/ 141). وأخرجه أحمد (5/ 313)، والبخاري في "جزء القراءة" رقم (64)، (257)، (258)، وابن حبان رقم (1785)، (1792)، (1848)، والحاكم (1/ 238)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (2/ 164)، وفي "القراءة خلف الإمام" رقم (108، 110، 111)، والبزار في "مسنده" رقم (2701) (2702)، (2703)، =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وابن حزيمة رقم (1581)، والشاشي في "مسنده" رقم (128)، والدارقطني (1/ 318 - 319)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (606)، وابن الجارود رقم (321). وهو حديث ضعيف، والله أعلم. - قال ابن العربي في "عارضة الأحوذي" (2/ 108 - 111): "اختلف الناس في صلاة المأموم على ثلاثة أقوال: الأول: أنه يقرأ إذا أسر، ولا يقرأ إذا جهر. وقال به: مالك، وابن القاسم. الثاني: يقرأ في الحالين. وقال به الشافعي وغيره لكنه قال: إذا جهر الإمام قرأ هو في سكتاته. الثالث: لا يقرأ في الحالين. وقال به: ابن حبيب، وأشهب, وابن عبد الحكم. والصحيح: وجوب القراءة عند السر؛ لقوله: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب". ولقوله للأعرابي: "اقرأ ما تيسر معك من القرآن". وتركه في الجهر. يقول الله تبارك وتعالى في سورة الأعراف: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (204)} [الأعراف: 204]، وفي "صحيح مسلم" رقم (63/ 404): "إذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا قرأ فأنصتوا". رواه سليمان التيمي، ونازع أبو بكر بن أبي النضر فيه مسلماً، فقال له مسلم: "يزيد" أحفظ من "سليمان" ولو لم يكن هذا الحديث لكان نص القرآن به أولى، ويقال للشافعي: عجباً لك، كيف يقدر المأموم في الجهر على القراءة, أينازع القرآن الإمام، أم يُعرض عن استماعه, أم يقرأ إذا سكت؟ فإن قال: يقرأ إذا سكت قيل له: فإن لم يسكت الإمام وقد أجمعت الأمة على أن سكوت الإمام غير واجب، متى يقرأ؟! ويقال له: أليس في استماعه لقراءة الإمام قراءة منه، وهذا كاف لمن أنصفه وفهمه. وقد كان ابن عمر لا يقرأ خلف الإمام، وكان أعظم الناس اقتداءً برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ", اهـ انظر: مناقشة المسألة وأدلتها في كتاب "المسائل التي بناها الإمام مالك على عمل أهل المدينة" توثيقاً ودراسة. د. محمد المدني بوساق. (1/ 286 - 316)، المبحث السابع. وانظر ما كتبه المحدث الألباني في "صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - " (ص 97 - 101). ولمزيد من معرفة هذه المسألة ارجع إلى "المغني" لابن قدامة (2/ 156 - 157)، و"المجموع" للإمام النووي (3/ 322)

28 - وعن عمران بن حصين - رضي الله عنهما - قال: صَلَّى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - الظُّهْرَ، فَجَعَلَ رَجُلٌ يَقْرَأُ خَلْفَهُ بِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: "أَيُّكُمْ القَارِئُ؟ " قَالَ الرَجُلُ: أَنَا. قَالَ: "قَدْ ظَنَنْتُ أَنَّ بَعْضَكُمْ خَالجَنِيهَا". أخرجه مسلم (¬1) وأبو داود (¬2) والنسائي (¬3). [صحيح] 29 - وعن المُسْوَّر بن يزيد المالكي قال: "كانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ فِي الصَّلاَةِ فَتَرَكَ شَيْئًا لَمْ يَقْرَأْهُ. فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ الله! تَرَكْتَ آيَةَ كَذَا وَكَذَا. قَالَ: فَهَلاَّ أَذْكَرْتَنِيهَا؟ " (¬4). [حسن] ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (45/ 398). (¬2) في "السنن" رقم (828، 829). (¬3) في "السنن" (2/ 140) و (3/ 247). وأخرجه البخاري في "القراءة خلف الإمام" رقم (93)، وأحمد (4/ 426، 431، 433)، وهو حديث صحيح. قوله: "خالجنيها" أي: نازعنيها. قال الخطابي في معالم "السنن" (1/ 519): "خالجنيها" أي: جاذبنيها، والخلج: الجذب. وهذا وقوله: "ونازعنيها" سواء. وإنّما أنكر عليه محاذاته في قراعة السورة حتى تداخلت القراءتان وتجاذبتا، وأمّا قراءة فاتحة الكتاب، فإنه مأمور بها في كل حال إن أمكنه أن يقرأ في السكتتين فعل وإلا قرأ معه لا محالة. ثم قال: وقد اختلف العلماء في هذه المسألة - تقدم ذكر أقوالهم. انظر: شرح "صحيح مسلم" للنووي (4/ 109). (¬4) أخرجه أبو داود رقم (907)، وعبد الله بن أحمد في "زوائد المسند" (4/ 74)، والبخاري في "القراءة خلف الإمام" رقم (194)، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" رقم (872)، (1059)، (2699)، وابن خزيمة رقم (1648)، وابن حبان رقم (2240)، (2241)، والطبراني في "الكبير" (ج 20 رقم 34). وهو حديث حسن.

زاد في رواية (¬1). "كُنْتُ أُرَى أَنَّهَا نُسِخَتْ". 30 - وعن علي - رضي الله عنه - قال: قَالَ رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "يَا عَلِيُّ لاَ تَفْتَحْ عَلَى الإِمَامِ فِي الصَّلاةِ" (¬2). أخرجهما أبو داود. [ضعيف] 31 - وعن بُسْر بن مَحْجنٍ عن أبيه: أَنَّهُ كَانَ فِي مَجْلِسِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَأُذِّنَ بِالصَّلاَةِ، فَقَامَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فصَلَّى وَرَجَعَ وَمِحْجَنٌ فِي مَجْلِسِهِ, فَقَالَ: "مَا مَنَعَكَ أَنْ تُصَلِّيَ مَعَ النَّاسِ، أَلَسْتَ بِرَجُلٍ مُسْلِمٍ؟ ". قَالَ: بَلَى، وَلَكِنِّي كُنْتُ قَدْ صَلَّيْتُ مَعَ أَهْلِي. فَقَالَ لَهُ: "إِذَا جِئْتَ إِلَى المَسْجدِ وَأُقِيْمَتِ الصَّلاةُ فَصَلِّ مَعَ النَّاسِ، وإنْ كُنْتَ قَدْ صَلَّيْتَ". أخرجه مالك (¬3) والنسائي (¬4). [حسن] ¬

_ (¬1) أبو داود رقم (9071). قوله: "آية كذا وكذا"، وعند ابن حبان رقم (2240): "يا رسول الله إنك تركت آية كذا وكذا". قوله: "فهلا ذكرتنيها" زاد ابن حبان في "صحيحه" رقم (2241): "ظننت أنها قد نسخت, قال: فإنها لم تنسخ". وقد استدل بهذا الحديث على مشروعية الفتح على الإمام. انظر: "المغني" (2/ 459). (¬2) أخرجه أبو داود في "السنن" رقم (908)، وهو حديث ضعيف. قال أبو داود في "السنن" (1/ 560): أبو إسحاق السبيعي لم يسمع من الحارث إلا أربعة أحاديث ليس هذا منها. - واحتج به من قال بكراهة الفتح على الإمام. انظر: "البناية في شرح الهداية" (2/ 494). ولكن هذا الحديث - علي - رضي الله عنه - لا ينتهض لمعارضة الأحاديث القاضية بمشروعية الفتح. (¬3) في "الموطأ" (1/ 132 رقم 8). (¬4) في "السنن" رقم (857). =

32 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما -: وَسَأَلَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: إِنِّي أُصَلِّي فِي بَيْتِي ثُمَّ أُدْرِكُ الصَّلاَةَ مَعَ الإِمَامِ، أَفَأُصَلِّي مَعَهُ؟ فَقَالَ: نَعَمْ. قَالَ الرَّجُلُ: فَأَيَّتَهُما أَجْعَلُ صَلاَتِي؟ فَقَالَ: أَوَ ذلِكَ إِلَيكَ؟ إِنَّمَا ذَلِكَ إِلَى الله يَجْعَلُ أَيَّتَهُمَا شَاءَ. أخرجه مالك (¬1). [موقوف صحيح] 33 - وعن سليمان مولى ميمونة عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قَالَ رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تُصَلُّوا صَلاَةً فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ". ¬

_ = وأخرجه أحمد (4/ 338)، ابن حبان رقم (2405)، والحاكم (1/ 224)، وعبد الرزاق في "مصنفه" رقم (3932)، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" رقم (958)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/ 362، 363)، والدارقطني (1/ 415)، والطبراني في "الكبير" (ج 20 رقم 698، 700، 701، 702). وهو حديث حسن. - استدل به على مشروعية الدخول في صلاة الجماعة لمن كان قد صلى تلك الصلاة, ولكن ذلك مقيد بالجماعات التي تقام في المساجد. قال ابن عبد البر في "التمهيد" (4/ 247) قال جمهور الفقهاء: إنما يعيد الصلاة مع الإمام في جماعة من صلى وحده في بيته أو في غير بيته، وأمّا من صلى في جماعة وإن قلَّت فلا يعيد، في أخرى: قلَّت أو كثرت، ولو أعاد في جماعة أخرى لأعاد في ثالثة ورابعة إلى ما لا نهاية. وهذا لا يخفى فساده. وقال: قال ذلك مالك وأبو حنيفة والشافعي وأصحابهم، ومن حجتهم: "لا تصلي صلاة في يوم مرتين" [أحمد (2/ 19، 41)، وأبو داود رقم (579)، والنسائي (2/ 114)، وابن حبان رقم (2396)، والطبراني رقم (13270)، والدارقطني (1/ 415، 416)، والبيهقي (2/ 303)، وابن خزيمة رقم (1641) وهو حديث حسن]. وكذلك استدلوا بحديث أبي داود المتقدم، وهو حديث حسن. انظر: "البناية في شرح الهداية" (2/ 674 - 675). "الأم" (8/ 561 - 563)، "المنتقى" للباجي (1/ 332 - 333)، "الأوسط" لابن المنذر (2/ 404). (¬1) "الموطأ" (1/ 133 رقم 9)، وهو أثر موقوف صحيح. وانظر: "التمهيد" (4/ 257 - 260)

أخرجه أبو داود (¬1) والنسائي (¬2). [حسن] 34 - وعن نافع: أَنَّ ابنَ عُمَرَ - رضي الله عنهما - كانَ يَقُولُ: مَنْ صَلَّى المَغْرِبَ وَالصُّبْحَ ثُمَّ أَدْرَكَهُمَا مَعَ الإِمَامِ فَلاَ يَعُدْ لَهُمَا. أخرجه مالك (¬3). [موقوف صحيح] 35 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ فَلاَ صَلاَةَ إِلاَّ المَكْتُوبَةُ". أخرجه الخمسة (¬4) إلا البخاري. [صحيح] ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (579). (¬2) في "السنن" (2/ 114). وقد تقدم تخريجه. وهو حديث حسن. (¬3) في "الموطأ" (1/ 133)، وهو أثر موقوف صحيح. (¬4) أخرجه مسلم رقم (710)، وأبو داود رقم (1266)، والنسائي رقم (865)، وابن ماجه رقم (1151)، والترمذي رقم (421)، وأحمد (2/ 517). وأخرجه ابن حبان رقم (1755)، وابن خزيمة في "صحيحه" رقم (1644). وهو حديث صحيح. - والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيرهم: إذا أقيمت الصلاة أن لا يصلِّي الرجل إلا المكتوبة, وبه يقول سفيان الثوري وابن المبارك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق. وقال النووي في شرح "صحيح مسلم" (5/ 221 - 223): قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة". وفي الرواية الأخرى: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر برجل وقد أقيمت صلاة الصبح، فقال: يوشك أن يصلي أحدكم الصبح أربعاً" فيها النهي الصريح عن افتتاح نافلة بعد إقامة الصلاة, سواء كانت راتبة كسنة الصبح والظهر والعصر أو غيرها، وهذا مذهب الشافعي والجمهور، وقال أبو حنيفة وأصحابه: إذا لم يكن صلى ركعتي سنة الصبح صلاهما بعد الإقامة في المسجد ما لم يخشى فوت الركعة الثانية، وقال الثوري ما لم يخشى فوت الركعة الأولى، وقالت طائفة: يصليهما خارج المسجد ولا يصليهما بعد الإقامة في المسجد. =

36 - وعن ربيعة بن أبي عبد الرحمن قال: كَانَ ابنُ عُمَرَ - رضي الله عنهما - إِذَا جَاءَ المَسْجِدَ - وَقَدْ صَلَّى النَّاسُ - بَدَأَ بِالمَكْتُوبَةِ، وَلَمْ يُصَلِّ قَبْلَهَا شَيْئًا. أخرجه مالك (¬1). [موقوف صحيح لغيره] 37 - وعن ابن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال: قال رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا قَضَى الإِمَامُ الصَّلاةَ وتَشهّدَ فَأَحْدَثَ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ فَقَدْ تَمَّتْ صَلاتُهُ, وَصَلَاة مَنْ خَلْفَهُ مِمَّنْ أَتَمَّ الصَّلاَةَ". أخرجه أبو داود (¬2). [ضعيف] 38 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "يُصَلُّونَ لَكُمْ، فَإِنْ أَصَابُوا فَلَكُمْ، وإِنْ أَخْطَئُوا فَلَكُمْ وَعَلَيْهِمْ". أخرجه البخاري (¬3). [صحيح] ¬

_ = ثم قال النووي: والصحيح أن الحكمة فيه أنْ يتفرغ للفريضة من أولها فيشرع فيها عقب شروع الإمام، وإذا اشتغل بنافلة فاته الإحرام مع الإمام وفاته بعض مكملات الفريضة, فالفريضة أولى بالمحافظة على إكمالها. (¬1) في "الموطأ" (1/ 168 رقم 75)، وهو أثر موقوف صحيح لغيره. انظر: ما تقدم. (¬2) في "السنن" رقم (617)، وهو حديث ضعيف. وأخرجه الترمذي رقم (408) دون ذكر الإمام. قال الترمذي في "السنن" (2/ 261 - 262): هذا حديث إسناده ليس بذاك القوي، وقد اضطربوا في إسناده. وقد ذهب بعض أهل العلم إلى هذا، قالوا: "إذا جلس مقدار التشهد وأحدث قبل أن يسلم فقد تمت صلاته. وقال بعض أهل العلم: إذا أحدث قبل أن يتشهد وقبل أن يسلم أعاد الصلاة. انظر: "الاستذكار" (4/ 284 - 286). (¬3) في "صحيحه" رقم (694). قوله: "يصلون لكم" أي: الأئمة، واللام في "لكم" للتعليل. قوله: "فإن أصابوا فلكم" أي: ثواب صلاتكم. زاد أحمد عن الحسن بن موسى: "ولهم" أي: ثواب صلاتهم. وقال ابن المنذر: هذا الحديث يرد على من زعم أن صلاة الإمام إذا فسدت، فسدت صلاة من خلفه. قوله: "وإن اخطئوا" أي: ارتكبوا الخطيئة, ولم يرد به الخطأ المقابل للعمد؛ لأنه لا إثمَ فيه. =

الباب السابع: في صلاة الجمعة

الباب السابع: في صلاة الجمعة وفيه خمسة فصول الفصل الأول: في فضلها ووجوبها وأحكامها 1 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قَالَ رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الجُمُعَةِ غُسْلَ الجَنَابَةِ ثُمَّ رَاحَ إِلَى الجُمُعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً, وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كبْشًا أَقْرَنَ, وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً, فَإِذَا خَرَجَ الإِمَامُ حَضَرَتِ المَلاَئِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ". أخرجه الستة (¬1). [صحيح] ¬

_ = وقال الحافظ في "الفتح" (2/ 188): قال المهلب: فيه جواز الصلاة خلف البر والفاجر إذا خيف منه، ووجه غيره قوله: إذا خيف منه بأن الفاجر إنّما يؤم إذا كان صاحب شوكة. وقال البغوي في "شرح السنة": فيه دليل على أنَّه إذا صلى بقوم محدثاً أنّه تصح صلاة المأمومين وعليه الإعادة. واستدل به غيره على أعم من ذلك، وهو صحة الائتمام بمن يخل بشيء من الصلاة، ركناً كان أو غيره إذا أتم المأموم. وهو وجه عند الشافعية بشرط أن يكون الإمام هو الخليفة أو نائبه. والأصح عندهم صحة الاقتداء إلا بمن علم أنه ترك واجباً. (¬1) أخرجه البخاري رقم (881)، ومسلم رقم (100/ 850)، وأبو داود رقم (351)، والترمذي رقم (499)، والنسائي رقم (1387). قوله: "من اغتسل" يعمّ كل من يصحّ منه الغسل من ذكر وأنثى وحرّ وعبد. قوله: "غسل الجنابة" أي: غسلاً كغسل الجنابة. وفي رواية عبد الرزاق في "مصنفه" رقم (5299): "فاغتسل أحدكم كما يغتسل من الجنابة". قال الحافظ في "الفتح" (2/ 366): وظاهره: أن التشبيه للكيفية لا للحكم وهو قول الأكثر، وقيل: فيه إشارة إلى الجماع يوم الجمعة ليغتسل فيه من الجنابة. انظر: "المغني" (3/ 228)، "المفهم" (2/ 484). =

2 - وفي رواية (¬1): "إِذَا كَانَ يَوْمُ الجُمُعَةِ كَانَ عَلَى كُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ المَسْجِدِ مَلاَئكَةٌ يَكْتُبُونَ الأَوَّلَ فَالأَوَّلَ، فَإِذَا جَلَسَ الإِمَامُ طَوَوُا الصُّحُفَ، وَجَاءُوا يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ". [صحيح] ¬

_ = قوله: "ثم راح" زاد أصحاب "الموطأ" عن مالك (1/ 101 رقم 1). "في الساعة الأولى". قوله: "فكأنما قرّب بدنة" أي: تصدّق بها متقرباً إلى الله تعالى. وقيل: ليس المراد بالحديث إلا بيان تفاوت المبادرين إلى الجمعة, وأن نسبة الثاني من الأول نسبة البقرة إلى البدنة في القيمة مثلاً. قوله: "ومن راح في الساعة الثانية" قد اختلف في الساعة المذكورة في الحديث، ما المراد بها ذكرها الحافظ في "الفتح" (2/ 367 - 369). منها: ما قيل: أن المراد بالساعات بيان مراتب التبكير من أوّل النهار إلى الزوال. ومنها: ما قيل: أن المراد بالساعات الخمس لحظات لطيفة أولها زوال الشمس وآخرها قعود الخطيب على المنبر، واستدلوا على ذلك بأن الساعة تطلق على جزء من الزمان غير محدود, تقول: جئت ساعة كذا. عزاه الحافظ في "الفتح" للمالكية وبعض الشافعية. ومنها: ما قاله القاضي حسين من أصحاب الشافعي: بأن المراد بالساعات ما لا يختلف عدده بالطول والقصر، فالنهار اثنتا عشرة ساعة, لكن يزيد كل منها وينقص والليل كذلك، وهذه تسمى الساعات الآفاقية عند أهل الميقات وتلك التعديلية. انظر: شرح "صحيح مسلم" للنووي (6/ 135). "المغني" (3/ 228)، "إحياء علوم الدين" للغزالي (1/ 181)، إحكام الأحكام لابن دقيق العيد (2/ 117). والحديث يدل على مشروعية الاغتسال يوم الجمعة, وعلى فضيلة التبكير إليها. (¬1) أخرجها مسلم في "صحيحه" رقم (25/ 850). قوله: "فإذا جلس الإمام طووا الصحف" قال النووي في "شرح صحيح مسلم" (6/ 145 - 146): وسبق في الحديث الآخر: "من اغتسل يوم الجمعة ثم راح فكأنما قدم بدنة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر ولا تعارض بينهما بل ظاهر الحديثين: أن بخروج الإمام يحضرون ولا يطوون الصحف، فإذا =

3 - وعن أوس بن أوس الثقفي - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ غَسَّلَ وَاغْتَسَلَ، وَبَكَّرَ وَابْتَكَرَ، وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ, وَدَنَا مِنَ الإِمَامِ فَاسْتَمَعَ وَلَمْ يَلْغُ، كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ عَمَلُ سَنَةٍ, أَجْرُ صِيَامِهَا وَقِيَامِهَا". أخرجه أصحاب السنن (¬1). [صحيح لغيره] وقال أبو داود (¬2): سُئِلَ مَكْحُولٌ عَنْ "غَسَّلَ وَاغْتَسَلَ"؟ فَقَالَ: غَسَلَ رَأْسَهُ وَجَسَدَهُ. وَكَذَلِكَ قَالَ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ. قوله: "غَسَّلَ" أي: جامع امرأته فأحوجها إلى الغُسل، وذلك يكون أغض لطرفه إذا خرج إلى الجمعة، واغتسل هو بعد الجماع (¬3). ¬

_ = جلس على المنبر طووها، وفيه استحباب الجلوس للخطبة أول صعوده حتى يؤذن المؤذن, وهو مستحب عند الشافعي ومالك والجمهور. وقال أبو حنيفة ومالك في رواية عنه: لا يستحب. ودليل الجمهور هذا الحديث مع أحاديث كثيرة في الصحيح، والدليل على أنه ليس بواجب، وأنه ليس من الخطبة. (¬1) أخرجه أبو داود رقم (345)، والترمذي رقم (496)، والنسائي (3/ 95)، وابن ماجه رقم (1087). قال الترمذي: حديث أوس بن أوس حديث صحيح لغيره, والله أعلم. (¬2) في "السنن" (1/ 249 رقم 349). (¬3) قال الخطابي في "معالم السنن" (1/ 246 - 247 - مع السنن). قوله: "غسل واغتسل وبكر وابتكر" اختلف الناس في معناهما، فمنهم من ذهب إلى أنّه من الكلام الظاهر الذي يراد به التوكيد ولم تقع المخالفة بين المعنيين لاختلاف اللفظين، وقال: ألا تراه يقول في هذا الحديث: "ومشى ولم يركب" ومعناهما واحد، وإلى هذا ذهب الأثرم صاحب أحمد. وقال بعضهم: قوله: "غسل" معناه غسل الرأس خاصة، وذلك لأن العرب لهم لمم وشعور، وفي غسلها مئونة، فأفرد ذكر غسل الرأس من أجل ذلك، وإلى هذا ذهب مكحول. وقوله: "واغتسل" معناه غسل سائر الجسد، وزعم بعضهم أن قوله: غسل معناه أصاب أهله قبل خروجه إلى الجمعة, ليكون أملك لنفسه وأحفظ في طريقه لبصره. =

وقيل: "غَسَّلَ" أسْبغ الوضوء وأكمله ثوم اغتسل بعده للجمعة. "وَبَكَّرَ" أي: إلى الصلاة في أول وقتها. "وابتكرَ": أدرك أولَ الخطبة. 4 - وعن ابن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "يَحْضُرُ الجُمُعَةَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ: فَرَجُلٌ حَضَرَهَا يَلْغُو وَهُوَ حَظُّهُ مِنْهَا، وَرَجُلٌ حَضَرَهَا يَدْعُو، فَهُوَ رَجُلٌ دَعَا الله إِنْ شَاءَ أَعْطَاهُ, وَإِنْ شَاءَ مَنَعَهُ, وَرَجُلٌ حَضَرَهَا بِإِنْصَاتٍ وَسُكُوتٍ, وَلَمْ يَتَخَطَّ رَقَبَةَ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُؤْذِ أَحَدًا، فَهِيَ كَفَّارَةٌ لَهُ إِلَى الجُمُعَةِ الَّتِي تَلِيهَا وَزِيَادَةُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ، وَذَلِكَ أَنَّ الله تَعَالَى يَقُولُ: "مَنْ جَاءَ بِالحَسَنةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا (¬1) " (¬2). [حسن] ¬

_ = قال: ومن هذا قول العرب: فحلُ غسَلَة إذا كان كثير الضراب. وقوله: "بكر وابتكر" زعم بعضهم أن معنى بكّر أدرك باكورة الجمعة, وهي أولها، ومعنى ابتكر قدم في الوقت .. انظر: "عارضة الأحوذي" (2/ 279). - والحديث يدل على مشروعية الغسل يوم الجمعة, وعلى مشروعية التبكير، والمشي والدنو من الإمام، والاستماع وترك اللغو، وأنّ الجمع بين هذه الأمور سبب لاستحقاق ذلك الثواب الجزيل. (¬1) سورة الأنعام الآية (160). (¬2) أخرجه أبو داود في "السنن" رقم (1113)، وهو حديث حسن. وأخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (3/ 219)، وابن خزيمة رقم (1813). قوله: "يلغو" اللغو. قال في "القاموس المحيط" (ص 1716): اللغو السقط وما لا يعتد به من كلام أو غيره. وقال الأخفش: اللغو الكلام الذي لا أصل له من الباطل وشبهه. وقيل: اللغو: الإثم لقوله تعالى: {وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا (72)} [الفرقان: 72]. انظر: "تهذيب اللغة" للأزهري (8/ 197). "لسان العرب" (15/ 251). =

5 - وعن علي - رضي الله عنه - قال وهو على المنبر في الكُوفة يخطبُ: إِذَا كَانَ يَوْمُ الجُمُعَةِ غَدَتِ الشَّيَاطِينُ بِرَايَاتِهَا إِلَى الأَسْوَاقِ فَيَرْمُونَ النَّاسَ بِالتَّرَابِيثِ, أَوِ قَالَ: بالرَّبَائِثِ وَيُثَبِّطُونَهُمْ عَنِ الجُمُعَةِ وَتَغْدُو المَلاَئِكَةُ فَيَجْلِسُونَ عَلَى أَبْوَابِ المَسْجِدِ يَكْتُبُونَ الرَّجُلَ مِنْ سَاعَةٍ، وَالرَّجُلَ مِنْ سَاعَتَيْنِ حَتَّى يَخْرُجَ الإِمَامُ. فَإِذَا جَلَسَ الرَّجُلُ مَجْلِسًا يَسْتَمْكِنُ فِيهِ مِنَ الِاسْتِمَاعِ وَالنَّظَرِ فَأَنْصتَ وَلَمْ يَلْغُ كَانَ لَهُ كِفْلاَنِ مِنْ أَجْرٍ، فَإِنْ نَأَى وَجَلَسَ حَيْثُ لاَ يَسْمَعُ فَأَنْصتَ وَلَمْ يَلْغُ كَانَ لَهُ كِفْلٌ مِنْ أَجْرهِ، وَإِنْ جَلَسَ مَجْلِسًا يَسْتَمْكِنُ فِيهِ مِنَ الِاسْتِمَاعِ وَالنَّظَرِ فَلَغَا وَلَمْ يُنْصِتْ كَانَ عَلَيهِ كِفْلٌ مِنْ وِزْرٍ، وَمَنْ قَالَ لِصَاحِبِهِ: يَوْمَ الجُمُعَهِ صَهْ فَقَدْ لَغَا، وَمَنْ لَغَا فَلَيْسَ لَهُ فِي جُمُعَتِهِ تِلْكَ شَيٌ". ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِهِ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ ذَلِكَ (¬1). ¬

_ = - يستدل من الحديث أنه لا يجوز من الكلام إلا ما خصه دليل كصلاة التحية، فعم الأمر بالصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - عند ذكره يعمّ جميع الأوقات، والنهي عن الكلام حال الخطبة يعم كل كلام، فيتعارض العمومات، ولكنه يرجح مشروعية الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - عند ذكره حال الخطبة. انظر: "المغني" (3/ 198 - 199)، "الأم" (2/ 420)، "التمهيد" (4/ 45). قوله: "ولم يتخط رقبة مسلم" يؤيده ما أخرجه أحمد (4/ 188، 190)، وأبو داود رقم (1118)، والنسائي في "السنن" (3/ 103) عن عبد الله بن بُسْر قال: جاء رجلٌ يتخطّى رقاب النَّاس يوم الجمعة والنبيِّ - صلى الله عليه وسلم - يخطب، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اجلس فقد آذيت". وهو حديث صحيح. - وقد اختلف أهل العلم في حكم التخطي يوم الجمعة: قال الترمذي في "السنن" (2/ 389): والعمل عليه عند أهل العلم، كرهوا أن يتخطى رقاب الناس، وشدّدوا في ذلك. وحكى أبو حامد في تعليقه عن الشافعي التصريح بالتحريم. قال النووي في "زوائد الروضة": إن المختار تحريمه للأحاديث الصحيحة، واقتصر أصحاب أحمد على الكراهة فقط. "المغني" (3/ 230). (¬1) أخرجه أبو داود في "السنن" رقم (1051)، وهو حديث ضعيف. =

أخرجهما أبو داود. [ضعيف] "التَّرَابِيثُ (¬1) أَوِ الرَّبَائثُ"جمع رَبيثة وهي ما يحبس الإنسان عن مَهامه ويشغله عنها ويُثَبِّطه. قال الخطابي (¬2): وَأَمَّا التَّرَابِيثُ" فليس بشيء. وقوله: "يَرْمُونَ" إنما هو فيرْبِثون الناس. كذا روى لنا في غير هذا الحديث (¬3). ¬

_ = وأخرجه أحمد (1/ 93). قوله: "غدت الشياطين" خرجت مبكرة. قوله: "بالترابيث" وهي المرة الواحدة, من التَّربيث، تقول: ربثتُه, تربيثاً، وتربيثةٌ واحدة، مثل قدمته تقديماً، وتقديمة واحدة. "النهاية في غريب الحديث" (1/ 623). قوله: "أو قال: بالربائث" يقال: ربثتُه عن الأمر: إذا حبسته وثبطته, والرَّبائث: جمع ربيثة, وهي الأمر الذي يحبس الإنسان عن مهامه, وقد جاء في بعض الروايات: "يرمون الناس بالترابيث" قال الخطابي في "معالم السنن" (1/ 637 - مع السنن): وليس بشيء. "النهاية في غريب الحديث" (1/ 623). قوله: "كان له كفلان من أجر" الكِفل بالكسر: الحظ والنصيب. قوله: "ومن قال لصاحبه يوم الجمعة صَهُ فقد لغا" عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا قلتَ لصاحبك يوم الجمعة: أنصت، والإمام يخطب فقد لغوت". [أخرجه أحمد (2/ 393)، والبخاري رقم (3941)، ومسلم رقم (11/ 851)، وأبو داود رقم (1112)، والترمذي رقم (512)، والنسائي رقم (1401)، وهو حديث صحيح]. (¬1) تقدم شرحها. (¬2) في "معالم السنن" (1/ 637 - مع السنن). (¬3) قاله الخطابي في "معالم السنن" (1/ 637 - مع السنن).

"وَالكِفْلُ" النصيب. وقيل: الضعف (¬1). "وَالوِزْرُ": الإثم المثقل للظهر (¬2). 6 - وعن طارق بن شهاب - رضي الله عنه - قال: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "الجُمُعَةُ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فِي جَمَاعَةٍ إِلاَّ عَلَى أَرْبَعَةً: عَبْدٌ مَمْلُوكٌ، أَوِ امْرَأَةٌ, أَوْ صَبِيٌّ، أَوْ مَرِيضٌ". أخرجه أبو داود (¬3). [صحيح] ¬

_ (¬1) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 555). (¬2) قال ابن الأثير في "النهاية": (2/ 844): الوزر: الحمل والثقل، وأكثر ما يطلق في الحديث على الذنب والإثم، يقال: وزر يزرُ فهو وازرٌ، إذا حمل ما يثقل ظهره من الأشياء المثقلة ومن الذنوب وجمعه أوزار. (¬3) في "السنن" رقم (1067). وأخرجه الدارقطني (2/ 3 رقم 2)، والبيهقي في "السنن" (3/ 172)، والحاكم (1/ 288)، وهو حديث صحيح. قوله: "عن طارق بن شهاب - رضي الله عنه -" هو طارق بن شهاب بن عبد شمس البَجَلي الأحمسي، أبو عبد الله الكوفي. قال أبو داود في "السنن" (1/ 644): رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يسمع منه, مات سنة (82 هـ)، أو سنة (83 هـ). "التقريب" (1/ 376 رقم 5). - وقد استدل بهذا الحديث على أن الجمعة من فرائض الأعيان. قوله: "عبد مملوك" فيه أن الجمعة غير واجبة على العبد. قوله: "أو امرأة" فيه عدم وجوب الجمعة على النساء. قوله: "أو صبي" فيه أن الجمعة غير واجبة على الصبيان وهو مجمع عليه. قوله: "أو مريض" فيه أن المريض لا تجب عليه الجمعة إذا كان الحضور يجلب عليه مشقة. انظر: مزيد تفصيل في "المحلى" (5/ 49)، "المجموع شرح المهذب" (4/ 357)، "الأوسط" لابن المنذر (4/ 20)، "البناية في شرح الهداية" (3/ 80).

وقال طارق (¬1): قد رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يُعَدُّ من أصحابه ولم يسمع منه شيئاً. 7 - وعن ابن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الجُمُعةُ عَلَى كُلِّ مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ". أخرجه أبو داود (¬2). [ضعيف والصحيح وقفه] 8 - وعن حفصة - رضي الله عنها - قالت: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ رَوَاحُ إِلَى الجُمُعَةِ, وَعَلَى كُلِّ مَنْ رَاحَ إِلَى الجُمُعَةِ الغُسْلُ". أخرجه أبو داود (¬3) والنسائي (¬4). [صحيح] ¬

_ (¬1) أي: أبو داود في "السنن" (1/ 644). (¬2) في "السنن" رقم (1056)، وهو حديث ضعيف، والصحيح وقفه. وأخرجه الدارقطني (2/ 6 رقم 2). قال أبو داود في "السنن" (1/ 640): "رواه جماعة عن سفيان مقصوراً على عبد الله بن عمرو، ولم يرفعوه وإنما أسنده قبيصة". اهـ. - وفي إسناده محمد بن سعيد الطائفي. قال المنذري في مختصر "السنن" (2/ 7): فيه مقال. وقال ابن حجر في "التقريب" (2/ 165 رقم 257): صدوق. وقال البيهقي في "السنن الكبرى" (3/ 173): ثقة. وقال الألباني في صحيح أبي داود (4/ 223): "وجملة القول: أن الطائفي هذا بريء العهدة من هذا الحديث، وإنّما العلة ممن فوقه أو من دونه". - والحديث يدل على أن الجمعة لا تجب إلا على من سمع النداء، وإليه ذهب الشافعي وأحمد وإسحاق, حكى ذلك الترمذي عنهم في "سننه" (2/ 376)، وحكاه ابن العربي في عارضة الأحوذي عن مالك. وانظر: "الأم" (2/ 382)، "المغني" (3/ 163). المجموع (4/ 354)، "المدونة" (1/ 153). (¬3) في "السنن" رقم (342). (¬4) في "السنن" رقم (1371). وهو حديث صحيح.

9 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -:"الجُمُعَةِ عَلَى كُلِّ مَنْ آوَاهُ اللَّيْلُ إِلى أَهْلِهِ". أخرجه الترمذي (¬1) وضعفه. [ضعيف جداً] 10 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسولُ الله: "مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الجُمُعَةِ أَوْ غَيْرِهَا فَقَدْ تَمَّتْ صَلاَتُهُ" (¬2). [صحيح] 11 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ أَدْرَكَ مِنْ صَلاَةِ الجُمُعَةِ رَكْعَةً فَقَدْ أَدْرَكَ" (¬3). أخرجهما النسائي. [شاذ] ¬

_ (¬1) في "السنن" عقب الحديث رقم (501)، والحديث رقم (502)، وهو حديث ضعيف جداً. قال الترمذي في "السنن" (2/ 375 - 376): "وهذا إسناد ضعيف إنّما يروى من حديث مُعَارك بن عبَّاد عن عبد الله بن سعيد المقبري، وضعّف يحيى بن سعيد القطان، عبد الله بن سعيد المقبري في الحديث" اهـ. - عبد الله بن سعيد بن أبي سعيد المقبري، يقال له: عبَّاد. قال البخاري: قال يحيى القطان: استبان لي كذبه في مجلس. وقال الغلاس: منكر الحديث، متروك. انظر: "التاريخ الكبير" (5/ 105)، "المغني" (1/ 340)، "المجروحين" (2/ 9)، "الجرح والتعديل" (5/ 71). - استدل بهذا الحديث على أن الجمعة تجب على من يؤويه الليل إلى أهله، والمراد: أنّه إذا جمع مع الإمام أمكنه العود إلى أهله آخر النهار، وأوّل الليل. وقاله به عبد الله بن عمر وأبو هريرة وأنس والحسن وعطاء ونافع وعكرمة والحكم والأوزاعي والإمام يحيى. انظر: "الأوسط" (4/ 34 - 35)، "البيان" للعمراني (2/ 548)، "المغني" (3/ 246)، "البناية في شرح الهداية" (3/ 91 - 92). (¬2) أخرجه النسائي في "السنن" (557)، وهو حديث صحيح. (¬3) أخرجه النسائي في "السنن" رقم (1425)، وهو حديث شاذ بذكر الجمعة.

12 - وعن رجل من أهل قباء عن أبيه وكانت له صحبة قال: "أَمَرَنَا النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - نَشْهَد الجُمْعَةَ منْ قُبَاءَ". أخرجه الترمذي (¬1). [إسناده ضعيف] 13 - وعن أبي الجعد الضُّمري - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ ترَكَ ثَلاَثَ جُمَعٍ تَهَاوُنًا بِهَا طَبَعَ الله تَعَالَى عَلَى قَلْبِهِ". أخرجه أصحاب السنن (¬2). [صحيح] ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (501)، وهو حديث ضعيف الإسناد. قال الترمذي: هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه, ولا يصحُّ في هذا الباب عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - شيء. (¬2) أخرجه أبو داود رقم (1052)، والنسائي (3/ 88)، والترمذي رقم (500)، وابن ماجه رقم (1125). وأخرجه أحمد (3/ 424 - 425)، وابن خزيمة رقم (1858)، والحاكم (1/ 280)، وابن أبي شيبة (2/ 154)، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" رقم (975)، (976)، وأبو يعلى رقم (1600)، والدولابي في "الكنى" (1/ 21 - 22)، والطحاوي في "مشكل الآثار" رقم (3182)، وابن حبان رقم (2786)، والبيهقي (3/ 172 - 247)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (1053)، وهو حديث صحيح. قوله: "عن أبي الجعد الضمري" قيل: اسمه أدرع، وقيل: عمر، وقيل: جنادة، صحابي له حديث، قيل: قتل يوم الجمل. "التقريب" (2/ 405 رقم 12). قوله: "ثلاث جمع" يحتمل أن يراد حصول الترك مطلقاً سواء توالت الجمعات أو تفرّقت، حتى لو ترك في كل سنة جمعة لطبع الله على قلبه بعد الثالثة وهو ظاهر الحديث. ويحتمل أن يراد ثلاث جمع متوالية؛ لأنّ موالاة الذنب ومتابعته مشعرة بقلة المبالاة به. قوله: "تهاوناً" فيه أن الطبع المذكور إنّما يكون على قلب من ترك ذلك تهاوناً. قال ابن العربي في "عارضة الأحوذي" (2/ 285 - 286): الترك للعبادة ثلاثة أقسام: الأول: لعذر، الثاني: لجحد، الثالث: للإعراض عنها جهلاً فلا يقدرها. فأمّا الأول: فيكتب أجره. وأمّا الثاني: فهو كافر. وأمّا الثالث: فهو المتهاون، وهي من جملة الكبائر، وسواء صلاها ظهراً أو تركها أصلاً إلى غير ظهر، وهو أعظمه في المعصية، فإذا واظب على ذلك كان علامة على أنّ =

14 - وعن سُمرة بن جُندب - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "منْ تَرَكَ الجُمُعَةَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَلْيَتَصَدَّقْ بِدِينَارٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَبِنِصْفِ دِيْنَارٍ". أخرجه أبو داود (¬1) والنسائي (¬2). [ضعيف] 15 - وعن أبي المليح عن أبيه واسمه [عُمير بن عامر] (¬3) الهُذَلي - رضي الله عنه -: أنهُ شَهِدَ النّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - زَمَنَ الحُدَيْبِيَةِ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ وَقَدْ أَصَابَهُمْ مَطَرٌ لَمْ يَبُلَّ أَسْفَلَ نِعَالهِمْ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يُصلَّوا في رِحَالِهِمْ. أخرجه أبو داود (¬4). [صحيح] ¬

_ = الله قد طبع على قلبه بطابع النفاق ... والتمادي على العاصي يوقع في سوء الخاتمة، ويذهب حلاوة الطاعة, فيذهب على المرء دينه وهو لا يشعر، فأما نفس المعصية فلا يكون كافراً، وإنّما يكون معرضاً نفسه لسوء الخاتمة، أو لينفذ فيه ما شاء من عذابه أو عفوه" اهـ. (¬1) في "السنن" رقم (1053). (¬2) في "السنن الكبرى" (2/ 260 رقم 1673). وأخرجه أحمد (5/ 8)، والعقيلي في "الضعفاء" (3/ 484)، والطبراني في "الكبير" رقم (6979)، وابن أبي شيبة (2/ 154)، وابن خزيمة رقم (1861)، والحاكم (1/ 280)، والبيهقي (3/ 248)، وهو حديث ضعيف. (¬3) كذا في المخطوط (أ. ب). وقال ابن الأثير في "تتمة جامع الأصول" (2/ 625): عامر بن أسامة هو أبو المليح عامر بن أسامة بن عمير الهذلي. البصري، وقيل: اسمه زيد بن أسامة. سمع أباه, وبريدة, وعوف بن مالك، وعمران بن الحصين، وجابر وأنساً وغيرهم. انظر: "التقريب" (2/ 476 رقم 129). (¬4) في "السنن" رقم (1057). وأخرجه النسائي رقم (854)، وهو حديث صحيح.

الفصل الثاني: في الوقت والنداء

الفصل الثاني: في الوقت والنداء 1 - عن أنس - رضي الله عنه - قال: "كانَ رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يُصلِّي الجُمُعَةَ حِينَ تَميلُ الشّمْسُ". أخرجه البخاري (¬1) وأبو داود (¬2) والترمذي (¬3). [صحيح] 2 - وفي أخرى للبخاري (¬4): "كان - صلى الله عليه وسلم - إِذَا اشْتَدَّ البَرْدُ بَكّرَ بِالصَّلاَةِ، وَإِذَا اشْتَدَّ الحَرّ أَبْرَدَ بالصلاَةِ: يَعْنِي الجُمْعَةَ". [صحيح] 3 - وعن سهل بن سعد - رضي الله عنه - قال: كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - الجُمُعةَ ثُمَّ تَكُونُ القَائِلَةُ. أخرجه الخمسة (¬5) إلا النسائي. [صحيح] ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (904). (¬2) في "السنن" رقم (1084). (¬3) في "السنن" رقم (503)، وقال: هو حديث حسن صحيح. وهو حديث صحيح. قوله: "حين تميل الشمس" فيه إشعار بمواظبته - صلى الله عليه وسلم - على صلاة الجمعة إذا زالت الشمس. (¬4) في "صحيحه" رقم (906). قوله: "إذا اشتد البرد بكر بالصلاة" أي: صلاها في أوّل وقتها. قوله: "وإذا اشتدّ الحر أبرد بالصلاة يعني الجمعة"، يحتمل أن يكون قوله: "يعني الجمعة" من كلام التابعي أو من دونه، أخذه قائله مما فهمه من التسوية بين الجمعة والظهر عند أنس. ويؤيده ما عند الإسماعيلي عن أنس من طريق أخرى وليس فيه قوله: "يعني الجمعة". "فتح الباري" (2/ 389). (¬5) أخرجه البخاري رقم (905، 940)، ومسلم رقم (859)، وأبو داود رقم (1086)، وابن ماجه رقم (1102)، والترمذي رقم (525)، وأخرجه أحمد (3/ 237)، وابن خزيمة رقم (1841)، (1877)، وابن حبان رقم (2810)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (3/ 241)، وهو حديث صحيح. =

وفي أخرى (¬1): "مَا كُنَّا نَقِيلُ وَلاَ نَتَغَدَّى إِلاَّ بَعْدَ الجُمُعَةِ". وفي أخرى للخمسة (¬2) إلا الترمذي، عن سلمة بن الأكوع: "ثمَّ ننصرفُ مِنَ الجُمُعَةِ وَليْسَ لِلْحِيطَانِ ظِلٌّ نَسْتَظِلُّ بهِ". [صحيح] ¬

_ = قوله: "كنا نصلي الجمعة مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم نرجع إلى القائلة فنقيل" أي: أنهم كانوا يبتدئون بالصلاة قبل القيلولة، بخلاف ما جرت به عادتهم في صلاة الظهر في الحرّ، فإنهم كانوا يقيلون ثم يصلون لمشروعية الإبراد. "فتح الباري" (2/ 388). وقوله: "القائلة": نوم نصف النهار. (¬1) أخرجه البخاري رقم (939)، ومسلم رقم (30/ 859)، وأبو داود رقم (1086)، والترمذي رقم (525)، وابن ماجه رقم (1095)، وهو حديث صحيح. قوله: "ما كنا نقيل ولا نتغدى إلا بعد الجمعة" فيه دليل لمن قال بجواز صلاة الجمعة قبل الزوال. وإلى هذا ذهب أحمد بن حنبل، واختلف أصحابه في الوقت الذي تصح فيه قبل الزوال هل هو الساعة السادسة أو الخامسة أو وقت دخول وقت العيد؟. ووجه الاستدلال به: أن الغداء والقيلولة محلها قبل الزوال. انظر: "المغني" (3/ 159 - 160). "فتح الباري" (2/ 389 - 390). (¬2) أخرجه البخاري رقم (4168)، ومسلم رقم (32/ 860)، وأبو داود رقم (1085)، وابن ماجه رقم (1100)، والنسائي رقم (1391). قوله: "ما نجد للحيطان فيئاً نستظل به" ظاهره تعجيل الجمعة, وقد قال مالك وأبو حنيفة والشافعي وجماهير العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم: لا تجوز الجمعة إلا بعد زوال الشمس، ولم يخالف في هذا إلا أحمد ابن حنبل وإسحاق، فجوزاها قبل الزوال، وحمل الجمهور هذا الحديث وغيره من الأحاديث على المبالغة في تعجليها، وأنهم كانوا يؤخرون الغداء والقيلولة في هذا اليوم إلى ما بعد صلاة الجمعة؛ لأنهم ندبوا إلى التبكير إليها فلو اشتغلوا بشيء من ذلك قبلها خافوا فوتها أو فوت التبكير إليها. =

4 - وعن السائب بن يزيد - رضي الله عنه - قال: كَانَ النِّدَاءُ يَوْمَ الجُمُعَةِ أَوَّلُهُ إِذَا جَلَسَ الإِمَامُ عَلَى المِنْبَرِ عَلَى عَهْدِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ - رضي الله عنهما -، فَلَمَّا كَانَ عُثْمَانُ وَكَثُرَ النَّاسُ زَادَ النِّدَاءَ الثَّالِثَ عَلَى الزَّوْرَاءِ. فَثَبَتَ الأَمْرُ عَلَى ذلِكَ. أخرجه الخمسة (¬1) إلا مسلماً. [صحيح] ¬

_ = وقوله: "وليس للحيطان ظلَّ نستظلُّ به" وإنّما نفى ما يستظل به وهذا مع قصر الحيطان ظاهر في أنّ الصلاة كانت بعد الزوال متصلة به. شرح "صحيح مسلم" للنووي (6/ 148 - 149)، "المغني" (3/ 239 - 242)، "فتح الباري" (2/ 390 - 391). مسائل أحمد بن حنبل برواية ولده عبد الله (ص 125 - 126 رقم 459). (¬1) أخرجه البخاري رقم (912، 916)، وأبو داود رقم (1087، 1088، 1089، 1090)، والترمذي رقم (516)، والنسائي رقم (1392)، وهو حديث صحيح. قوله: "كان النداء يوم الجمعة" في رواية ابن خزيمة رقم (1773): "كان ابتداء النداء الذي ذكره الله تعالى في القرآن يوم الجمعة" وسنده صحيح. قوله: "إذا جلس الإمام على المنبر، قال المهلب: الحكمة في جعل الأذان في هذا المحل ليعرف الناس جلوس الإمام على المنبر، فينصتون له إذا خطب. قال الحافظ في "الفتح" (2/ 394): وفيه نظر لما عند الطبراني - "الكبير" (ج 7 رقم 6642)، وغيره - كأبي داود رقم (1088) - في هذا الحديث: "أن بلالاً كان يؤذن على باب المسجد"، وهو حديث منكر. ثم قال الحافظ: فالظاهر أنه كان لمطلق الإعلام لا لخصوص الإنصات. نعم، لما زيد الأذان الأول كان للإعلام، وكان الذي بين يدي الخطيب للإنصات. قوله: "فلما كان عثمان" أي: خليفة. قوله: "وكثر الناس" أي: بالمدينة كما هو مصرح به في رواية البخاري رقم (912، 916). قوله: "زاد النداء الثالث" في رواية: "فأمر عثمان بالنداء الأوّل" [أخرجه الطبراني (ج 7 رقم 6642)]، وفي رواية: "التأذين الثاني أمر به عثمان". =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = [أخرجه البخاري رقم (915)]، ولا منافاة؛ لأنه سمي ثالثاً باعتبار كونه مزيداً، وأولاً باعتبار كون فعله مقدماً على الأذان والإقامة، وثانياً باعتبار الأذان الحقيقي لا الإقامة. قوله: "على الزوراء" موضع عند سوق المدينة قرب المسجد. قال الداودي: هو مرتفع كالمنارة، وقيل: الزوراء: سوق المدينة نفسه. "معجم البلدان" (3/ 156). والزوراء: تأنيث الأزور، وهو المائل، والإزوراء عن الشيء: العدول عنه والانحراف، ومنه سميت القوس الزوراء لميلها. قال البخاري في "صحيحه" كما ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 394): هو موضع بسوق المدينة, قال الحافظ في "الفتح" (2/ 394): وهو المعتمد. "معجم البلدان" (3/ 156)، "لسان العرب" (1/ 334). - والظاهر أن عثمان أحدثه لإعلام الناس بدخول وقت الصلاة قياساً على بقية الصلوات، وألحق الجمعة بها، وأبقى خصوصيتها بالأذان بين يدي الخطيب. - قال الشافعي في "الأم" (2/ 390): "والأذان الذي يجب على من عليه فرض الجمعة أن يذر عنده البيع: الأذان الذي كان على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - , وذلك الأذان الذي بعد الزوال وجلوس الإمام على المنبر. فإن أذن مؤذن قبل جلوس الإمام على المنبر، وبعد الزوال، لم يكن البيع منهياً عنه, كما ينهى عنه إذا كان الإمام على المنبر ... ". - وقال ابن قدامة في "المغني" (3/ 162 - 163): "أما مشروعية الأذان عقب صعود الإمام فلا خلاف فيه، فقد كان على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر، فلما كان عثمان زاد النداء الثالث على الزوراء والأذان الذي يمنع البيع ويلزم السعي هو الذي كان على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - فتعلق الحكم به دون غيره" اهـ. - وقال ابن رشد الحفيد في "بداية المجتهد" (1/ 382) بتحقيقي: "وأما الأذان فإن جمهور الفقهاء اتفقوا على أن وقته هو إذا جلس الإمام على المنبر" اهـ. - وقال السرخسي في "المبسوط" (1/ 134): "واختلفوا في الأذان المعتبر الذي يوجب السعي إلى الجمعة، ويحرم عنده البيع، فكان الطحاوي يقول: هو الأذان عند المنبر بعد خروج الإمام فإنه هو الأصل الذي كان على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين يخرج فيستوي على المنبر، وهكذا على عهد أبي بكر وعمر، ثم أحدث الناس الأذان على الزوراء" اهـ. =

الفصل الثالث: في الخطبة وما يتعلق بها

الفصل الثالث: في الخطبة وما يتعلق بها 1 - عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: كانَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ، كَانَ يَجْلِسُ إِذَا صَعِدَ عَلَى المِنْبَرَ حَتَّى يَفْرُغَ المُؤذِّنُ، ثُمَّ يَقُومُ فَيَخْطُبُ، ثُمَّ يَجْلِسُ فَلاَ يَتكَلَّمُ، ثُمَّ يَقُومُ فَيَخْطُبُ. أخرجه الخمسة (¬1)، وهذا لفظ أبي داود. [صحيح] ¬

_ = وقال ابن رجب في "فتح الباري" (8/ 215) عقب الحديث (912) عن السائب بن يزيد: "وقد دلَّ الحديثُ على أنَّ الأذان الذي كان على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر هو النداء الذي بينَ يدي الإمام عند جلوسه على المنبر، وهذا لا اختلاف فيه بين العلماء؛ ولهذا قال أكثرهم: إنه هو الأذان الذي يمنع البيعَ ويوجب السعي إلى الجمعة حيثُ لم يكن على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - سواه" اهـ. - وقال ابن العربي المالكي صاحب "عارضة الأحوذي" (2/ 305) عند شرح حديث السائب بن يزيد: "الأذان الأول أول شريعة غيرت في الإسلام على وجه طويل ليس من هذا الشأن، وكان كما ذكر الأئمة على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أذانان: (الأول): الأذان عند صعود الإمام على المنبر للخطبة. و (الثاني): الإقامة. قال: فأما بالمشرق فيؤذنون كأذان قرطبة، وأما بالمغرب فيؤذنون ثلاثة من المؤذنين بجهل المفتين فإنهم لما سمعوا أنها ثلاثة لم يفهموا أن الإقامة هي النداء الثالث فجمعوها وجعلوها ثلاثة غفلة وجهلاً بالسنة، فإن الله تعالى لا يغير ديننا ولا يسلبنا ما وهبنا من نعمة" اهـ. - قال فقيه الحنابلة منصور بن يونس البهوتي: "وما سوى التأذين قبل الفجر ويوم الجمعة من التسبيح والنشيد ورفع الصوت بالدعاء ونحو ذلك في المآذن أو غيرها فليس بمسنون، وما أحد من العلماء قال: إنه يستحب، بل هو من جملة البدع المكروهة؛ لأنه لم يكن في عهده - صلى الله عليه وسلم - ولا عهد أصحابه, وليس له أصل فيما كان على عهدهم يرد إليه، ولا يعلق استحقاق الرزق به؛ لأنه أعانه على بدعة ولا يلزم فعله ولو شرطه واقف" اهـ. من "كشاف القناع عن متن الإقناع" (1/ 243). - وانظر ما قاله ابن الحاج في "المدخل" (2/ 248). (¬1) أخرجه البخاري رقم (920، 928)، ومسلم رقم (861)، والترمذي رقم (506)، وأبو داود رقم (1092)، وابن ماجه رقم (1103)، والنسائي (3/ 109 رقم 1416)، وأخرجه أحمد (2/ 35)، =

2 - وللنسائي (¬1): "كَانَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ الخُطْبَتَيْنِ قَائِماً، وَكَانَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بِجُلُوسٍ". [صحيح] 3 - ولمسلم (¬2) والنسائي (¬3) عن كعب بن عجْرةَ: أَنّهُ دَخَلَ المَسْجِدَ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أُمِّ الحَكَمِ يَخْطُبُ قَاعِدًا. فَقَالَ: انْظُرُوا إِلَى هَذَا الخَبِيثِ يَخْطُبُ قَاعِدًا، وَالله تَعَالَى يَقُولُ: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} (¬4). [صحيح] ¬

_ = والدارقطني في "السنن" (2/ 20)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (3/ 197)، وفي "المعرفة" رقم (6424)، (6427)، وابن عبد البر في "التمهيد" (2/ 166)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (1072)، وابن الجارود في "المنتقى" رقم (295)، والطبراني في "الكبير" رقم (13296)، وعبد الرزاق في "المصنف" رقم (5261) من طرق. وهو حديث صحيح. قوله: "يقوم فيخطب" فيه أن القيام حال الخطبة مشروع. قال ابن المنذر في "الأوسط" (4/ 59): هو الذي عليه عمل أهل العلم من علماء الأمصار. وذهب الجمهور إلى وجوبه, ونقل عن أبي حنيفة أن القيام سنة, وليس بواجب، وإلى ذلك ذهبت الهادوية. انظر: "المغني" (3/ 170 - 171)، "المجموع شرح المهذب" (4/ 384). "البناية في شرح الهداية" (3/ 65)، البحر الزخار (2/ 16). قوله: "ثم يجلس": فيه مشروعية الجلوس بين الخطبتين. (¬1) في "السنن" رقم (1416). (¬2) في "صحيحه" رقم (39/ 864). (¬3) في "السنن" رقم (1397)، وهو حديث صحيح. قال النووي في شرحه لـ "صحيح مسلم" (6/ 2): هذا الكلام يتضمن إنكار المنكر، والإنكار على ولاة الأمور إذا خالفوا السنة. ووجه استدلاله بالآية: أنّ الله تعالى أخبر أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يخطب قائماً وقد قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21] مع قوله تعالى: {فَاتَّبِعُوهُ} [الأنعام: 153]، وقوله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} [الحشر: 7] مع قوله - صلى الله عليه وسلم -: "صلوا كما رأيتموني أصلي". (¬4) سورة الجمعة الآية (11).

4 - وعن عمارة بن رُوَيْبة (¬1): أنَّهُ رَأَى بِشْرَ بْنَ مَرْوَانَ يَخْطُبُ عَلَى المِنْبَرِ رَافِعاً يَدَيْهِ. فَقَالَ: قَبَّحَ الله تَيْنِكَ اليَدَيْن القُصَيِّرَتَيْنِ، لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - مَا كَانَ يَزِيدُ عَلَى أَنْ يَقُولَ بِيَدِهِ هكَذَا، وَأَشَارَ بِأُصْبَعِهِ المُسَبِّحَةِ. أخرجه الخمسة (¬2) إلا البخاري. [صحيح] 5 - وعن جابر - رضي الله عنه - قال: كانَ رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إِذَا خَطَبَ احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ, وَعَلاَ صَوْتُهُ, وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ، حَتَّى كَأَنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ يَقُولُ: "صَبَّحَكُمْ وَمَسَّاكُمْ". وَيَقُولُ: "بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ كَهَاتَيْنِ". وَيَقْرُنُ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالوُسْطَى. وَيَقُولُ: "أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ خَيْرَ الحَدِيثِ كتَابُ الله تَعَالى، وَخَيْرُ الهُدَيِ هُدَيُ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -، وَشَرُّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ". ثُمَّ يَقُولُ "أَنَا أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ: فَمَن تَرَكَ مَالًا فَلأَهْلِهِ, وَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضَيَاعًا فَإِلَىَّ وَعَلَىَّ". أخرجه مسلم (¬3) والنسائي (¬4). [صحيح] ¬

_ (¬1) انظر: "التقريب" (2/ 49 رقم 465). (¬2) أخرجه مسلم رقم (874)، وأبو داود رقم (1104)، والترمذي رقم (515)، والنسائي رقم (1412)، وهو حديث صحيح. وأخرجه أحمد في "المسند" (4/ 135 - 136)، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" رقم (1581)، وابن حبان رقم (882)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (3/ 210)، والدارمي (1/ 366)، وابن خزيمة رقم (1793)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (1079). قوله: "قبح الله هاتين اليدين" زاد الترمذي في "السنن" رقم (515): "القصيرتين". والحديث يدل على كراهة رفع الأيدي على المنبر حال الدعاء، وأنه بدعة, وقد ثبت عند البخاري رقم (1031)، ومسلم رقم (8597) من حديث أنس - رضي الله عنه - قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يرفع يديه في شيء من دعائه إلا في الاستسقاء، فإنه كان يرفع يديه حتى يرى بياض إبطيه". انظر: "شرح صحيح مسلم" للنووي (6/ 190 - 191). (¬3) في "صحيحه" رقم (43/ 867). (¬4) في "السنن" (3/ 188، 189). وهو حديث صحيح. =

. . . . . . . . . . . (¬1) "فلأهله" يرثونه ما خلّفه. "ومن ترك [مالاً] (¬2) أو ضياعاً فإلّى" قضاء دينه (¬3)، وهذا واجب عليه - صلى الله عليه وسلم - وعلى كل خليفة قام مقامه. "وعليَّ" القيام بضياعه، والضياع العيال، وأصله مصدر ضاع يضيع ضياعاً، سمي العيال بالمصدر كما يقول: من مات وترك فقراً أي: فُقراء، وإن كسرت الضَّاد كان جمع ضايع كجياع وجائع. قاله في "النهاية" (¬4). "أخرجه مسلم والنسائي". الحديث [الرابع] (¬5): "حديث ابن مسعود". ¬

_ = قوله: "إذا خطب احمرت عيناه" فيه أنّه يستحب للخطيب أن يفحم أمر الخطبة ويرفع صوته، ويجزل كلامه، ويظهر غاية الغضب والفزع؛ لأن تلك الأوصاف إنما تكون عند اشتدادهما. قوله: "صبحكم" فاعله ضمير يعود إلى العدو المنذر منه, ومفعوله يعود إلى المنذرين، وكذلك قوله: "ومساكم" أي: أتاكم العدو وقت الصباح أو وقت المساء. قوله: "يقرن" هو بضم الراء على المشهور الفصيح وحكى كسرها. قوله: "السبابة" سميت بذلك لأنهم كانوا يشيرون بها عند السبِّ. قوله: "كل بدعة" تقدم شرحها. وانظر: "شرح صحيح مسلم" للنووي (6/ 154 - 155). (¬1) جزء من شرح هذا الحديث بياض في المخطوط. (¬2) في (أ. ب): حالاً. وما أثبتناه من "صحيح مسلم". (¬3) تقدم توضيحه. (¬4) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 97 - 98). (¬5) كذا في (أ. ب)، وبحسب ترقيم صاحب التيسير فهو الحديث السادس.

4 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: "كَان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إِذَا تَشَهَّدَ قَالَ: الحَمْدُ للهِ، نَسْتَعِينُهُ, وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِالله مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، مَنْ يَهْدِهِ الله فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَرْسَلَهُ بِالحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ. مَنْ يُطِعِ الله وَرَسُولَهُ فَقَدْ رَشَدَ، وَمَنْ يَعْصِهِمَا فَإِنَّهُ لاَ يَضُرُّ إِلاَّ نَفْسَهُ، وَلاَ يَضُرُّ الله شَيْئًا". أخرجه أبو داود (¬1). [ضعيف] وزاد في رواية (¬2): إِذَا تَشَهَّدَ يَوْمَ الجُمُعَةِ، وساق الحديث. "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا تشهد" أي: أراد الإتيان بكلمة الشهادتين قدم الحمد. " [قال] (¬3): الحمد لله نستعينه" مأخوذ من الآية: {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)} (¬4). "ونستغفره" نطلب غفرانه. "ونعوذ بالله من شرور أنفسنا" لما كانت النفس أمّارة بالسوء إلاّ ما رحم ربي شرعت الاستعاذة, واللجأ إلى الله منها. "من يهدي الله فلا مضل له" كما قال: {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ} (¬5). ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (1097). وأخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (3/ 215) بسند ضعيف، له علتان: الأول: أبو عياض مجهول، كما في "التقريب" رقم (8293). والأخرى: عبد ربه وهو ابن أبي يزيد، وقيل غير ذلك، وهو مجهول أيضاً، كما قال ابن المديني. وقال الحافظ: "مستور". وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف، والله أعلم. (¬2) في "السنن" رقم (1098)، وهو حديث ضعيف. (¬3) سقطت من (ب). (¬4) سورة الفاتحة الآية (5). (¬5) سورة الكهف الآية (17).

"ومن يضلل" يعاقبه بالإضلال، وهو نيسره للعسرى. "فلا هادي له" قال: {ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (23)} (¬1). قوله: "أنّ محمداً عبده ورسوله" فيه دليل أنه كان يأتي باسمه العلم عند الشهادة. قوله: "فقد رشد" بفتح الشين المعجمة، قال ابن السبكي في "الطبقات" (¬2): أنه قرأ (¬3) الشيخ شهاب الدين ابن المرحل (¬4) على الحافظ المزي فجرى على لسانه رشِد بكسر الشين المعجمة فردّ عليه المزي رشَد بالفتح وقال له: قال الله تعالى: {لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)} (¬5)، ومراده: أنّ [الفعل إنما يكون مضارعاً لفعل] (¬6) ولا قائل به هنا أو يفعل وهو المُدَّعَى. فقال له ابن المُرحِّل: وكذلك قال تعالى: {فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا (14)} (¬7) [195 ب] فسكت المزي، يعني: أنّ فعلاً بالتحريك إنما يكون لفعل بالكسر كفرج. وقال الشيخ جمال الدين بن هشام: ورأيت في "كتاب سيبويه" (¬8): رَشدَ يَرْشَدُ رَشَداً، مثل: سخط يسخط سخطاً. قال: وهذا عين ما ذكره شيخنا ابن المرحل، فلله دره قد جاء السماع على وفق قياسه. ¬

_ (¬1) سورة الزمر الآية (23). (¬2) في "طبقات الشافعية الكبرى" (10/ 429 - 430). (¬3) في كتاب "سيرة ابن هشام". (¬4) وهو شهاب الدين ابن المرحِّل النحوي أستاذ جمال الدين عبد الله بن هشام في النحو. (¬5) سورة البقرة الآية (186). (¬6) في المخطوط الفعل لا يكون مضارعاً إلا يفعل، وما أثبتناه من "طبقات السبكي" (10/ 430). (¬7) سورة الجن الآية (4). (¬8) في الكتاب (4/ 34): باب في الخصال التي تكون في الأشياء.

قال ابن السبكي (¬1): لا يُغنيه هذا السَّماع الغريبُ، ولا القياس في كتب الحديث؛ لأنها إنما تقرأ على جادَّة اللغة, كما وقعت الرِّوايةُ والرواية لم تقع إلاّ على ما قاله المزي، وهو مشهور اللغة. قوله: "ومن يعصهما فإنه لا يضر إلاّ نفسه"، قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام: من خصائصه - صلى الله عليه وسلم -: أنه كان يجوز له الجمع بين ضميره وضميره تعالى، فقال: وذلك ممتنع على غيره, ولذلك أنكر على الخطيب. قال: وإنما يمتنع على غيره دونه؛ لأنّ غيره إذا جمع أوهم إطلاق التسوية بخلافه هو، فإنّ منصبه لا يتطرق إليه إيهام، وذلك لأنه - صلى الله عليه وآله وسلم - أمر الخطيب بالإفراد لئلا يوهم كلامه التسوية، وهو إشارة إلى ما في "سنن أبي داود" (¬2): "أنه خطبنا خطيب للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: من يطع الله ورسوله ومن يعصهما، فقال: قم أو اذهب فبئس الخطيب أنت". "فإنه لا يضر إلاّ نفسه" {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا} (¬3). "ولا يضر الله شيئاً" هو كما في الحديث القدسي: "يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني" (¬4). "أخرجه أبو داود، وزاد في رواية" عن ابن مسعود. "إذا تشهد يوم الجمعة وساق الحديث" فتكون هذه الزيادة مقيدة للمطلقة [196 ب] , إلاّ أنه قال المنذري في "مختصر السنن" (¬5): ¬

_ (¬1) في "طبقات الشافعية الكبرى" (10/ 430). (¬2) في "السنن" رقم (1099). وأخرجه النسائي رقم (3279)، وهو حديث صحيح. (¬3) سورة فصلت الآية (46). (¬4) أخرجه مسلم في "صحيحه" رقم (55/ 2577)، وهو حديث صحيح، وقد تقدم. (¬5) (2/ 18)، وانظر: "المغني" (2/ 478)، "الجرح والتعديل" (6/ 297).

في إسناده عمران بن داود, أبو العَّوام [القطان] (¬1) البصري، قال عفان: كان ثقة واستشهد به البخاري، وقال يحيى بن معين والنسائي: ضعيف الحديث، وقال يحيى مرة: ليس بشيء، وقال يزيد بن زُريع: كان [عمران] (¬2) حَروريًّا، وكان يرى السيف على أهل القبلة، انتهى. وفي "التقريب" (¬3): ضبط اسم أبيه أنه: داور بفتح الواو بعدها راء. الحديث الخامس: حديث "جابر بن سمرة". 5 - وعن جابر بن سَمُرة - رضي الله عنه - قال: كانت صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قصداً، وخطبته قصداً. أخرجه الخمسة (¬4) إلا البخاري. [حسن] "القصد" (¬5): العدل والسواء. "كانت صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قصداً وخطبته قصداً". فسّره المصنف بالعدل، والمراد: بين الطول والتخفيف، ولا ينافيه ما يأتي من حديث وائل من التفرقة بين الصلاة، والخطبة بما يأتي. وتمام الحديث في "سنن أبي داود" (¬6): "يقرأ آيات من القرآن ويذكّر الناس"، انتهى. ¬

_ (¬1) في المخطوط (أ. ب): "أبو اليقظان"، وما أثبتناه من "مختصر السنن". (¬2) سقطت من (ب). (¬3) (2/ 83 رقم 824)، وانظر التاريخ "الكبير" (6/ 425). (¬4) أخرجه مسلم رقم (41/ 866)، وأبو داود رقم (1101)، والترمذي رقم (507)، والنسائي رقم (1583)، وابن ماجه رقم (1106)، وهو حديث حسن. (¬5) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 458). (¬6) في "السنن" رقم (1101).

ولم يذكره ابن الأثير (¬1) كما لم يذكره المصنف. قوله: "أخرجه الخمسة إلاّ البخاري". قلت: قال الترمذي (¬2): إنه حسن صحيح. الحديث السادس: [حديث وائل] (¬3) 6 - وعن أبي وائل قال: خَطَبَنَا عَمَّارٌ فَأَوْجَزَ وَأَبْلَغَ، فَلَمَّا نَزَلَ قُلْنَا: يَا أَبَا اليَقْظَانِ لَقَدْ أَبْلَغْتَ وَأَوْجَزْتَ. فَلَوْ كُنْتَ تَنَفَّسْتَ؟ فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ "إِنَّ طُولَ صَلاَةِ الرَّجُلِ وَقِصَرَ خُطْبَتِهِ مَئِنَّةٌ مِنْ فِقْهِهِ، فَاقْصِرُوا الخُطْبَةَ, وَأطِيلُوا الصَّلاَةَ". أخرجه مسلم (¬4) وأبو داود (¬5). [صحيح] "تَنَفّسَ الرّجُلُ" في قوله: أي أطال (¬6). "مَئِنَةٌ" بفتح الميم (¬7) وكسر الياء مهموزة ونون مشددة, أي: علامة من فقه الرجل. ¬

_ (¬1) في "الجامع" (5/ 681). (¬2) في "السنن" (3/ 414). (¬3) كذا في (أ. ب)، والذي في متن الحديث أبي وائل. (¬4) في "صحيحه" رقم (47/ 869). (¬5) في "السنن" (1106). وأخرجه أحمد (4/ 263)، والبزار في "مسنده" رقم (1406)، وأبو يعلى رقم (1642)، وابن خزيمة رقم (1782)، وابن حبان رقم (2791)، والحاكم (3/ 393)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (3/ 208) من طرق وهو حديث صحيح. (¬6) وقال ابن الأثير في "غريب الجامع" (5/ 682)، وأصله: أنّ المتكلم إذا تنفسَّ استأنف القول، وسهُل عليه الإطالة. (¬7) قاله النووي في شرحه لـ "صحيح مسلم" (6/ 158). وانظر: تهذيب اللغة (15/ 562)، "غريب الجامع" للهروي (4/ 61).

قوله: "فأوجز" الإيجاز خلاف الإطناب، والمراد به تقليل الألفاظ مع كمال المراد، ولذا قال: "وأبلغ" أي: أبلغ المراد فلم يجوز إيجازاً يخل. "فلما نزل" أي: عن خطبته أو عن منبره. "قلنا: يا أبا اليقظان" هي كناية عمّار. قوله: "فلو كنت تنفست" أي: إطالة الخطبة. قوله: "إنّ طول صلاة الرجل" المراد: إطالة الصلاة بالنسبة إلى الخطبة لا تطويل يشوش على المأمومين [500/ أ]. قوله: "مئنة من فقهه" فسّر "المصنف" المئنة فقال: بفتح الميم. قال الأزهري (¬1): الأكثر على أنّ الميم فيها زائدة خلافاً لأبي عبيد (¬2)، فإنه جعل ميمها أصلية، وردّه الخطابي (¬3) وقال: إنما هي فعلية من المأن [197 ب] بوزن الشأن. قوله: "فاقصروا" بفتح الهمزة وكسر الصاد. "وأطيلوا الصلاة" والأمر فيهما نسبي أي: إقصاراً غير مخل، وإطالة غير مملّة (¬4). الحديث السابع: (حديث أبي هريرة). 7 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "كُلُّ خُطْبَةٍ لَيْسَ فِيهَا تَشَهُّدٌ فَهِيَ كَاليَدِ الجَذْمَاءِ". أخرجه أبو داود (¬5) والترمذي (¬6). [صحيح] ¬

_ (¬1) في "تهذيب اللغة" (15/ 562). (¬2) في "الغريبين" (6/ 1721)، و"غريب الحديث" (4/ 61). (¬3) في "غريب الحديث" (2/ 99). (¬4) انظر: "شرح صحيح مسلم" (6/ 158 - 159). (¬5) في "السنن" (4841). (¬6) في "السنن" رقم (1106). =

- وفي أخرى لأبي داود (¬1): كُلُّ كَلاَمٍ لاَ يُبْدَأُ فِيهِ بِحَمْدِ الله تَعَالى فَهُوَ أَجْذَمُ. [ضعيف] ومعنى "أَجْذَمُ" (¬2) أي: مقطوع (¬3). قوله: "كل خطبة ليس فيها تشهد" أي: ذكر الشهادتين كما تقدّم في صفة خطبته - صلى الله عليه وسلم - في حديث ابن مسعود. الحديث الثامن: "حديث سمرة". 8 - وعن سمرة بن جندب - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "احْضُرُوا الذِّكْرَ، وَادْنُوا مِنَ الإِمَامِ، فَإِنَّ الرَّجُلَ لاَ يَزَالُ يَتَبَاعَدُ حَتَّى يُؤَخَّرَ فِي الجَنَّةِ وَإِنْ دَخَلَهَا". أخرجه أبو داود (¬4). [صحيح] قوله: "حتى يؤخر في الجنة وإن دخلها" هو مثل أحاديث "من شرب الخمر في الدنيا لم يشربه في الجنة وإن دخلها" (¬5). قوله: "أخرجه أبو داود". ¬

_ = وأخرجه أحمد (2/ 302، 343)، وابن حبان رقم (579 - موارد)، وهو حديث صحيح. (¬1) في "السنن" رقم (4840). وأخرجه أحمد (2/ 359)، وهو حديث ضعيف. (¬2) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (1/ 246). غريب الحديث للخطابي (1/ 110). (¬3) والمراد به الداء المعروف، والأجذم: الذي ذهبت أعضاؤه كلها. (¬4) في "السنن" رقم (1108)، وهو حديث صحيح. وقد تقدم. (¬5) أخرجه أحمد في "المسند" (2/ 209) بسند ضعيف. وأخرج أحمد (2/ 21)، والبخاري رقم (5575)، ومسلم رقم (77/ 2003)، وأبو داود رقم (3679)، والنسائي رقم (5761)، وابن ماجه رقم (3373) عن ابن عمر أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من شرب الخمر في الدنيا ثم لم يتب منها حرمها في الآخرة". وهو حديث صحيح.

قلت: قال الحافظ المنذري (¬1): في إسناده انقطاع. الحديث التاسع: 9 - وعن أبي رِفاعة العدَوي - رضي الله عنه - قال: انْتَهَيْتُ إِلَى رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يَخْطُبُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله رَجُلٌ غَرِيبٌ يَسْأَلُ عَنْ دِينِهِ لاَ يَدْرِي مَا دِينُهُ؟ فَأَقْبَلَ عَلَيَّ وَتَرَكَ خُطْبَتَهُ حَتَّى انْتَهَى إِلَيَّ فَأُتِىَ بِكُرْسِيٍّ [مِنْ خَشَب] (¬2) قَوَائِمَهُ حَدِيدٌ فَقَعَدَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ يُعَلِّمُنِي مِمَّا عَلَّمَهُ الله تَعَالَى، ثمَّ أَتَى الخُطْبَةَ فَأَتمَّ آخِرَهَا. أخرجه مسلم (¬3) والنسائي (¬4). [صحيح] حديث "أبي رفاعة العدوي" اسم أبي رفاعة تميم بن أسيد. قوله: "وترك خطبته" يحتمل أنّ هذه الخطبة كانت غير خطبة الجمعة، فقد كان - صلى الله عليه وسلم - يخطب في الأمر الذي يريده فلذا قطعها بهذا الفصل الطويل. ويحتمل أنها كانت للجمعة واستأنفها، ويحتمل أنه لم يحصل فصل طويل، ويحتمل أنّ كلامه لهذا الغريب كان متعلقاً بالخطبة، فيكون منها ولا يضر المشي في أثنائها (¬5). وفي الحديث: استحباب تلطف السائل في عبارته وسؤاله العالم، وفيه: تواضعه - صلى الله عليه وسلم - ورفقه بالمسلمين، وشفقته عليهم، وخفض جناحه لهم. وفيه: المبادرة إلى جواب المستفتي، وتقديم أهم الأمور فأهمها (¬6). ¬

_ (¬1) في المختصر (1/ 20). (¬2) كذا في (أ. ب)، والذي في "صحيح مسلم" رقم (60/ 876): حسبتُ. وفي سنن النسائي (8/ 220): خلتُ. (¬3) في "صحيحه" رقم (60/ 876). (¬4) في "السنن" رقم (5377). وهو حديث صحيح. (¬5) ذكره النووي في شرحه لـ "صحيح مسلم" (6/ 166). (¬6) قاله النووي في شرحه لـ "صحيح مسلم" (6/ 165).

و"الكُرسي" بضم كافه وقد تكسر، وقعوده - صلى الله عليه وسلم - عليه ليسمع الباقون كلامه، ويروا شخصه الكريم (¬1). قوله: "قوائمه حديد" لفظه في "جامع ابن الأثير" (¬2): "حسبت، أي: ظننت"، وما كان يحسن من المصنف حذفها؛ لأنّ بحذفها صار خبراً قاطعاً أنه حديد وليس كذلك بل ظناً من الراوي. وقال [198 ب] ابن الأثير (¬3) [إنه] (¬4) في رواية النسائي (¬5): "فأتي بكرسي خِلتُ قوائمه حديداً"، انتهي. أي: بكسر الخاء وكسر اللام وهو بمعنى حسبت. قال في "الديباج" (¬6): أنه صحف ابن أبي الحذاء الأول، فقال: خشب بالخاء الشين المعجمتين. وصحف ابن قتيبة الثاني فقال: خُلب بضم الخاء والباء الموحدة وفسره بالليف. انتهى. الحديث العاشر: (حديث عثمان). 10 - وعن عثمان - رضي الله عنه -. أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي خِطْبَتِهِ: اسمِعُوا وَأَنْصِتُوا فَإِنَّ لِلْمُنْصِتِ الَّذِي لَا يَسْمَعُ مِنْ الحَظِّ مِثْلَ مَا لِلْمُنْصِتِ السَّامِعِ. أخرجه مالك (¬7). [موقوف صحيح] ¬

_ (¬1) قاله النووي في شرحه لـ "صحيح مسلم" (6/ 165). (¬2) (5/ 685 رقم 3983). (¬3) (5/ 685). (¬4) زيادة من (أ). (¬5) في "السنن" رقم (5377). (¬6) الديباج على "صحيح مسلم بن الحجاج" للسيوطي (2/ 451). (¬7) في "الموطأ" (1/ 104) رقم (8) وهو أثر موقوف صحيح.

وهو من قوله وليس بمرفوع. وقوله (من الحظ) أي: من الأجر، وفيه حث من لا يسمع على الصمت كحث السامع. الحديث الحادي عشر: حديث (أبي هريرة). 11 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قَالَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ يَوْمَ الجُمُعَةِ أَنْصِتْ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ فَقَدْ لَغَوْتَ". أخرجه الستة (¬1). [صحيح] قوله: "أنصت" هو من باب (¬2) التشبيه بالأدنى على الأعلى؛ لأنه إذا جعل قوله أنصت، وهو أمر بمعروف لغواً فغيره من الكلام أولى. قوله: "فقد لغوت" اللغو (¬3) من الكلام هو الساقط [الردود] (¬4)، وهذا دليل على تحريم الكلام والإمام يخطب. وقال أبو حنيفة (¬5): يجب الإنصات بخروج الإمام. وقال الشافعي (¬6)، وأبو حنيفة (¬7)، وعامة العلماء: يجب الإنصات للخطبة. وحُكي عن الشعبي (¬8) وبعض السلف: أنه لا يجب. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (934)، (3941)، ومسلم رقم (11/ 851)، وأبو داود رقم (1112)، والترمذي رقم (512)، والنسائي رقم (1401). وهو حديث صحيح، والله أعلم. (¬2) انظر: "فتح الباري" (2/ 414). (¬3) تقدم معناه. (¬4) في (ب) للردود. (¬5) انظر: البناية في "شرح الهداية" (3/ 99). (¬6) "المجموع شرح المهذب" (4/ 401) "الأم" (2/ 413). (¬7) البناية في "شرح الهداية" (3/ 99 - 401). (¬8) انظر: "المغني" (3/ 200) و"الأوسط" لابن المنذر (4/ 79 - 80).

الفصل الرابع: في القراءة في الصلاة والخطبة

وقال القاضي (¬1): ويلزمه الإنصات من لم يسمع عند الجمهور، وهو أحد قولي الشافعي (¬2)، وله قولان أحدهما: أنه يحرم الكلام، والثاني: أنه يكره تنزيهاً وهو الأخير من قوليه. قوله: "أخرجه الستة" قال الترمذي (¬3): والعمل عليه عند أهل العلم، كرهوا للرجل أن يتكلم والإمام يخطب. قالوا: وإن تكلم غيره لا ينكر عليه [إلا بالإشارة] (¬4)، واختلفوا في ردّ السلام، وتشميت العاطس والإمام يخطب، فرخص أحمد وإسحاق. وكره بعض أهل العلم من التابعين ذلك وهو قول الشافعي (¬5). انتهى. الفصل الرابع: في القراءة في الصلاة والخطبة (الفَصْلُ الَّرابعُ: [فِي القِراءَةِ] (¬6) فِي الصَّلاَةِ وَالّخُطْبَةِ) [199/ ب]. أي: والقراءة في الخطبة. الحديث الأول: حديث ([عبيد الله] (¬7) بن أبي رافع). ¬

_ (¬1) القاضي عياض في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (3/ 242). (¬2) انظر: "المجموع شرح المهذب" (4/ 401). (¬3) في "السنن" (2/ 387 - 388). (¬4) سقطت من (أ. ب) وأثبتناها من "سنن الترمذي". (¬5) انظر: "المجموع شرح المهذب" (4/ 401 - 402). (¬6) سقطت من (أ). (¬7) في (ب) عبد الله.

1 - عن عبيد الله بن أبي رافع قال: اسْتَخْلَفَ مَرْوَانُ أَبَا هُرَيْرَةَ عَلَى المَدِينَةِ فَصَلَّى أَبُو هَرَيْرَةَ الجُمُعَةَ وَقَرَأَ بَعْدَ الحَمْدِ بِسُورَةِ الجُمُعَةِ فِيِ الأُولَى، وإِذَا جَاءَكَ المُنَافِقُونَ فِي الثَّانِيَةِ وَقاَلَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ بِهِمَا. أخرجه مسلم (¬1)، وأبو داود (¬2)، والترمذي (¬3). [صحيح] قوله: "استخلف مروان" أي: ابن أبي الحكم، كان عاملاً على المدينة من قبل معاوية. قوله: "على المدينة" زاد في "الجامع" (¬4) (وخرج إلى مكة). قوله: "في الثانية" زاد في "الجامع" (¬5) "قال أي: [عبيد الله] (¬6) بن أبي رافع، أبا هريرة حين انصرف فقلت له: إنك قرأت السورتين كان علي بن أبي طالب يقرأ بهما في الكوفة، قال أبو هريرة: فإني سمعت" إلى آخره. فحذف المصنف من الرواية ما سمعت، وهو جائز. الحديث الثاني: (حديث سمرة). 2 - وعن سمرة بن جندب - رضي الله عنه - قال: "كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ فِي الجُمُعَةِ بِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى، وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الغَاشِيَةِ". أخرجه أبو داود (¬7) والنسائي (¬8). [صحيح] ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (61/ 877). (¬2) في "السنن" رقم (1124). (¬3) في "السنن" رقم (519)، وأخرجه أحمد (2/ 430)، وابن ماجه رقم (1118) وهو حديث صحيح. (¬4) (5/ 688 الحديث رقم 3989). (¬5) (5/ 688 الحديث رقم 3989). (¬6) في (ب) عبد الله. (¬7) في "السنن" رقم (1125). (¬8) في "السنن" رقم (1422). وهو حديث صحيح.

وفيه قرآءته - صلى الله عليه وسلم - بسبح اسم ... الحديث، أي: في صلاة الجمعة، ولا ينافيه حديث ابن عباس وهو (الثالث): 3 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "كَانَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ فِي الفَجْرِ يَوْمَ الجُمُعَةِ الم تَنْزِيلُ فِي الأُولىَ، وَفِي الثَّانِيَةِ: هَلْ أَتَى، وَفِي صَلاَةِ الجُمْعَةِ بِسُورَةِ الجُمْعُةِ وَالمُناَفِقِينَ". أخرجه الخمسة (¬1)، وإلا البخاري. [صحيح] بأنه كان يقرأ فيها بالجمعة والمنافقين؛ لأنه كان بهذا تارة وبهذا تارة. [الحديث الرابع] (¬2): 4 - وعن أم هشام بنت حارثة بن النعمان قال: "مَا أَخَذْتُ ق وَالقُرْآنِ المَجِيدِ إِلَّا مِنْ لِساَنِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ الجُمْعُةِ يَقْرَأُ بِهاَ عَلىَ المِنْبَرِ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ". أخرجه مسلم (¬3)، وأبو داود (¬4)، والنسائي (¬5). [صحيح] حديث (أم هشام) (¬6) ويقال لها أم هاشم، ممن بايعن بيعة الرضوان. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم رقم (64/ 879)، وأبو داود رقم (1074)، والنسائي رقم (1421)، وأخرجه أحمد (1/ 226). وهو حديث صحيح. (¬2) في (أ) الرابع حديث أم هشام. (¬3) في "صحيحه" رقم (15/ 873). (¬4) في "السنن" رقم (1102). (¬5) في "السنن" (1411). وهو حديث صحيح. (¬6) انظر: "الاستيعاب" رقم (3588).

[501/ أ] (بنت حارثة بن النعمان) (¬1) [بن نقع] (¬2) بن زيد النجاري شهد بدراً، والمشاهد كلها كان من فضلاء الصحابة. قوله: "يقرأ بها على المنبر كل جمعة" قال العلماء (¬3): سبب اختيارها أنها مشتملة على ذكر الموت والبعث، والمواعض الشديدة، والزواجر الأكيدة. ويؤخذ منه: استحباب قراءتها في خطبة كل جمعة. الحديث الخامس: حديث (يعلى بن أمية). 5 - وعن يعلى بن أمية - رضي الله عنه - قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -: يَقْرَأُ عَلَى المِنْبَرِ وَنَادَوْا يَا مَالِكُ. أخرجه الخمسة (¬4)، إلا النسائي. [صحيح] قوله: "يقرأ: ونادوا يا مالك" كأنه المراد بيان أن [200 ب] قول أم هشام في كل جمعة، أنه الأغلب، وإلا فإنه قد يقرأ غيرها، كهذه الآية، ويحتمل أنه كان يقرأ (ق) ويقرأ معها غيرها. قوله: "أخرجه الخمسة". قلت: قال الترمذي (¬5): حديث يعلى بن أمية حديث حسن غريب صحيح. قال: وقد اختار قوم من أهل العلم أن يقرأ الإمام في الخطبة آياً من القرآن. ¬

_ (¬1) حارثة بن النعمان بن نقع بن زيد بن عبيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار الأنصاري. "الاستيعاب" رقم (398) الأعلام. (¬2) في "المخطوط" (أ. ب) بن رافع، وما أثبتناه من "الاستيعاب". (¬3) انظر: "روضة الطالبين" (1/ 323). (¬4) أخرجه البخاري رقم (3230، 3266، 4818)، ومسلم رقم (871)، وأبو داود رقم (3992)، والترمذي رقم (508). وهو حديث صحيح. (¬5) في "السنن" (2/ 382).

الفصل الخامس: في آداب الدخول في الجامع والجلوس فيه

قال الشافعي (¬1): إذا خطب الإمام فلم يقرأ في خطبته شيئاً من القرآن أعاد الخطبة. انتهى. الفصل الخامس: في آداب الدخول في الجامع والجلوس فيه (الفَصْلُ الخَامِسْ: الدُخُولُ فِيِ الجَامِعِ وَالجِلُوسُ فِيْهِ) الحديث الأول: حديث (أبي هريرة). 1 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لأَنْ يُصَلّيَ أَحَدُكُمْ بِظَهْرِ الحَرَّةِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَقْعُدَ، حَتَّى إِذَا قَامَ الإِمَامُ يَخْطُبُ تخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ يَوْمَ الجُمُعَةِ". أخرجه مالك (¬2). [موقوف صحيح] فيه النهي عن تخطي الرقاب يوم الجمعة، بل يقف الداخل حيث! انتهى، وأما المشي بين الصفوف فليس من التخطي فيجوز. الحديث الثاني: (حديث معاذ بن أنس). 2 - وللترمذي (¬3) عن معاذ بن أنس مرفوعاً: "مَنْ تخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ يَوْمَ الجُمُعَةِ اتَّخَذَ جِسْرًا إِلَى جَهَنَّمَ". [ضعيف] قوله: "للترمذي". قلت: قال (¬4) عقب إخراجه: حديث سهل بن معاذ بن أنس الجهني حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديث رشدين بن سعد، والعمل عليه عند أهل العلم. كرهوا أن يتخطى الرجل يوم الجمعة رقاب الناس وشددوا في ذلك. ¬

_ (¬1) انظر: "روضة الطالبين" (1/ 323). (¬2) في "الموطأ" (1/ 110 رقم 18) وهو أثر موقوف صحيح. (¬3) في "السنن" رقم (513) وأخرجه ابن ماجه رقم (1116)، وهو حديث ضعيف. (¬4) في "السنن" (2/ 389).

وقد تكلم بعض أهل العلم في رشدين بن سعد، وضعفه من قبل حفظه. انتهى. قوله: "اتخذ جسراً" قال الحافظ (¬1) العراقي: المشهور في روايته اتخذ على البناء للمفعول، يعني أنه يجعل جسراً على طريق جهنم ليوطأ ويتخطى كما تخطى رقاب الناس، فإن الجزاء من جنس العمل، ويجوز بناءه للفاعل، أي: اتخذ لنفسه جسراً يمشي عليه إلى جهنم بسبب ذلك والأول أظهر وأوفق لرواية "من تخطى رقبة أخيه المسلم جعله الله يوم القيامة جسراً [201/ ب] على باب جهنم"، ذكره في "مسند الفردوس" (¬2). الثالث: حديث (جابر). 3 - وعن جابر - رضي الله عنه - قال: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يُقِيمَنَّ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ يَوْمَ الجُمُعَةِ ثُمَّ يُخَالِفُ إِلَى مَقْعَدِهِ فَيَقْعُدُ فِيهِ، وَلَكِنْ يَقُولُ أَفْسِحُوا". أخرجه مسلم (¬3). [صحيح] فيه النهي عن إقامة الرجل عن مقعده يوم الجمعة ثم يقعد فيه؛ لأنه قد سبقه فهو أحق به، والتقييد بيوم الجمعة لا مفهوم له، بل لا يحل فيه وفي غيره من الأيام، بل شرع أن يطلب أن يفسحوا له، ويتعين عليهم التفسيح له كما قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ} (¬4). قوله: "أخرجه مسلم". ¬

_ (¬1) انظر: "فتح الباري" (2/ 337)، "المغني" (3/ 230)، "المجموع شرح المهذب" (4/ 420). (¬2) (3/ 555 رقم 5741). (¬3) في "صحيحه" رقم (2178)، وأخرجه أحمد (3/ 295، 342)، وهو حديث صحيح. (¬4) سورة المجادلة الآية (11).

وعن نافع قال: سَمِعْتُ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - يَقُولُ: نَهىَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُقِيِمَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ مِنْ مَجْلِسِهِ وَيَجْلِسَ فِيِهِ، قِيلَ لِناَفِعٍ فِي الجُمُعَةِ؟ قاَلَ: فِي الجُمُعَةِ وَغيْرِهاَ. أخرجه الشيخان (¬1). [صحيح] الرابع: 4 - وعن معاذ بن أنس - رضي الله عنه - قال: "نَهَى رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنْ الحَبْوَةِ يَوْمَ الجُمُعَةِ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ". أخرجه أبو داود (¬2)، والترمذي (¬3). [حسن] حديث (معاذ بن أنس) في النهي عن الحبوة، وفي "القاموس" (¬4): احتبى بالثوب، اشتمل أو جمع بين ظهره وساقيه بعمامة ونحوها، والاسم الحبوة ويضم. انتهى. قلت: المراد الثاني، قالوا: وجه (¬5) النهي عنها أنها تجلب النوم فيفوت الاستماع للخطبة لكن قال الجمهور أنه منسوخ. قوله: "أخرجه أبو داود والترمذي". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (911، 6269، 6270)، ومسلم في "صحيحه" رقم (27/ 2177). (¬2) في "السنن" رقم (1110). (¬3) في "السنن" رقم (514)، وقال: هذا حديث حسن. وأخرجه أحمد (3/ 439)، وأبو يعلى رقم (1492)، (1496)، وابن خزيمة رقم (1815)، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" رقم (2905)، والطبراني في "الكبير" (ج 20 رقم 384)، والبيهقي (3/ 235)، والحاكم (1/ 289)، وصححه ووافقه الذهبي. وهو حديث حسن. (¬4) "القاموس المحيط"، (ص 1642). (¬5) انظر: "الأوسط" (4/ 84).

قلت: وقال (¬1) هذا حديث حسن، وقد كره قوم من أهل العلم الحبوة والإمام يخطب، ورخص في ذلك بعضهم، منهم ابن عمر وغيره، وبه يقول أحمد (¬2) وإسحاق لا يريان بالحبوة والإمام يخطب بأساً. انتهى. الحديث الخامس: حديث (شداد بن أوس). 5 - وعن شداد بن أوس - رضي الله عنه - قال: شَهِدْتُ مَعَ مُعَاوَيةَ بِبَيْتِ المَقْدِسِ فَجَمَّعَ بِنَا فَنَظَرْتُ فَإِذَا جُلُّ مَنْ فِي المَسْجِدِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وَهُمْ مُحْتَبُونَ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ. أخرجه أبو داود (¬3). [ضعيف] قوله: "وهم محتبون" هذا يعارض الأول، ولذا قيل أنه منسوخ. قال أبو داود (¬4): كان ابن عمر يحتبي والإمام يخطب، وأنس بن مالك (¬5)، وصعصعة ابن صوحان، وسعيد بن المسيب (¬6) [202 ب] وإبراهيم النخعي (¬7)، وعدّ جماعة. ثم قال (¬8): ولم يبلغني أن أحداً كرهه إلا عبادة بن نسي - أي: بضم وفتح المهملة - وعبادة قاضي طبرية. انتهى. ¬

_ (¬1) في "السنن" (3/ 103). (¬2) في "المغني" (3/ 201 - 202). (¬3) في "السنن" رقم (1111)، وهو حديث ضعيف. (¬4) في "السنن" (1/ 665)، وأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (2/ 119)، وابن المنذر في "الأوسط" (4/ 83 ث 1823)، عن نافع قال: كثيراً ما كان ابن عمر يحتبي يوم الجمعة والإمام يخطب، وهو أثر صحيح. (¬5) حكاه ابن قدامة في "المغني" (3/ 202). (¬6) أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (2/ 118)، وعبد الرزاق في "المصنف" (3/ 254 رقم 5551). (¬7) انظر: البيهقي (3/ 235). (¬8) أبو داود في "السنن" (1/ 665).

نقله عن أبي داود ابن الأثير (¬1) عقب رواية الحديث. [السادس] (¬2): حديث (عمرو بن شعيب). 6 - وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده - رضي الله عنه - قال: "نَهَى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنْ التَّحَلُّقِ يَوْمَ الجُمُعَةِ قَبْلَ الصَّلَاةِ" (¬3). أخرجه رزين. [إسناده حسن] قوله: "نهى عن التحلق" لفظ أبي داود (¬4): "عن الحلق" بفتح اللام. قال الخطابي (¬5): جمع حلقة (¬6)، قال: وكان بعض مشائخنا يرويه بسكونها" قال (¬7): وأخبرني أنه بقي أربعين سنة لا يحلق رأسه يوم الجمعة قبل الصلاة. فقلت له: إنما هو الحلق جمع حلقة، وإنما كره الاجتماع قبل الصلاة للعلم و [الذكر] (¬8)، وأمر أن يستقبل الصلاة وينصت للخطبة والذكر، فإذا فرغ منها كان الاجتماع والتحلق [502/ أ] بعد ذلك، فقال: فرجت عني وجزاني خيراً وكان من الصالحين. ¬

_ (¬1) في "الجامع" (5/ 693). (¬2) في (أ) الخامس. (¬3) أخرج أبو أبو داود رقم (1079)، وابن ماجه رقم (749)، (766)، (1133)، والترمذي رقم (322)، والنسائي رقم (715) عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الشراء والبيع في المسجد، وأن تنشد فيه ضالة، وأن ينشد فيه شعر، ونهى عن التحلق قبل الصلاة يوم الجمعة"، وهو حديث إسناده حسن. (¬4) تقدم نصه. (¬5) في "معالم السنن" (1/ 651) "مع السنن". (¬6) كذا في (أ. ب) والذي في "معالم السنن" الحِلَق: مكسورة الحاء، مفتوحة اللام، جماعة الحلقة. (¬7) الخطابي في "معالم السنن" (1/ 651 - مع السنن). (¬8) كذا في (أ. ب) والذي في "معالم السنن": المذاكرة.

قال الطحاوي (¬1): النهي عن الحلق يوم الجمعة في المسجد قبل الصلاة إذا عم المسجد وغلبه، فهو مكروه، وإذا كان غير ذلك فلا بأس به. وقال العراقي (¬2): وحمله أصحابنا والجمهور على بابه؛ لأنه ربما قطع الصفوف مع كونهم يوم الجمعة مأمورين بالتبكير والتراص في الصفوف الأول فالأول. قوله: "أخرجه رزين". قلت: هذا العجب فإنه نسبه ابن الأثير في "الجامع" (¬3) إلى أبي داود، ورأيته في "سنن أبي داود" (¬4) وفيه: عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الشراء والبيع في المسجد، وأن تنشد فيه ضالة، وأن ينشد فيه الشعر، ونهى عن الحلق قبل الصلاة يوم الجمعة". انتهى. ولم يذكر ابن الأثير (¬5) أنه ذكره رزين. [السابع] (¬6): حديث (جابر). 7 - وعن جابر - رضي الله عنه - قال: لمَّا اسْتَوَى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ الجُمُعَةِ عَلَى المِنْبَرِ. قَالَ: "اجْلِسُوا". فَسَمِعَ ذَلِكَ ابْنَ مَسْعُودٍ فَجَلَسَ عَلىَ بَابِ المَسْجِدِ فَرَآهُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "تَعَالَ يَا عَبْدَ الله بْنَ مَسْعُودٍ". أخرجه أبو داود (¬7). [صحيح] ¬

_ (¬1) انظر: "شرح معاني الآثار" (1/ 391 - 392). (¬2) انظر: "طرح التثريب" (3/ 834 - 835). (¬3) في "الجامع" (5/ 694 رقم 4002). (¬4) في "السنن" رقم (1079) بسند حسن. (¬5) في "الجامع" (5/ 694) وهو كما قال. (¬6) في (أ) السادس. (¬7) في "السنن" رقم (1091) وهو حديث صحيح.

قوله: "فجلس وهو بباب المسجد [203 ب] " فيه شدة امتثالهم لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما يأمر به على كل حال، ولما دعاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[علَّمه] (¬1) أنه لم يرد إلا أمر من في المسجد. (أخرجه أبو داود). [الثامن] (¬2): حديث (ابن عمر). 8 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما -: أنَّ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الجُمُعَةِ فَلْيَتَحَوَّلْ مِنْ مَجْلِسِهِ ذَلِكَ". أخرجه الترمذي (¬3) وصححه. [صحيح] قوله: "إذا نعس أحدكم يوم الجمعة" أي: وهو في المسجد (¬4). (فليتحول عن مجلسه ذلك) وذلك؛ لأنه إذا تحول اندفع عنه النعاس. قوله: "أخرجه الترمذي وصححه". قلت: قال (¬5): هذا حديث حسن صحيح. ¬

_ (¬1) في (ب) أعلمه. (¬2) في (أ) الحديث السابع. (¬3) في "السنن" رقم (526)، وأخرجه أبو داود رقم (1119)، والحاكم (1/ 291)، وعبد بن حميد رقم (747)، وأحمد (2/ 22)، وابن خزيمة رقم (1819)، وابن حبان رقم (2792)، والبيهقي في "السنن الكبري" (3/ 237)، وفي "المعرفة" رقم (6632)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (1078) من طرق. وهو حديث صحيح. (¬4) يؤيده، ما أخرجه أحمد (2/ 32)، بلفظ: "إذا نعس أحدكم في المسجد يوم الجمعة". (¬5) الترمذي في "السنن" (2/ 404).

الباب الثامن: في صلاة المسافر

[الحديث التاسع] (¬1): حديث (ابن عباس). 9 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: إِنَّ أَوَّلَ جُمُعَةٍ جُمَّعَتْ بَعْدَ جُمُعَةٍ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي مَسْجِدِ عَبْدِ القَيْسِ بِجُوَاثَى مِنْ البَحْرَيْنِ. أخرجه البخاري (¬2)، وأبو داود (¬3). [صحيح] قوله: "بجواثى" بضم الجيم وواو ومثلثة، قال أبو عبيد البكري في "معجمه" (¬4) على وزن معالي مدينة بالبحرين لعبد القيس، ويدل على قدم إسلامهم. ففي رواية أبي داود (¬5): "أن أول جمعة في الإسلام جمعت بجواثي قرية من قرى البحرين، قال عثمان: قرية من قرى عبد القيس". الباب الثامن: في صلاة المسافر وفيه: ثلاثة فصول ([البَابُ] (¬6) الثَامِنْ: فِي صَلاَةِ المُسَافِرِيْن) وفيه: ثَلاثةُ فُصُولْ. الفصل الأول: في القصر يقال: قصرت (¬7) الصلاة بالتخفيف قصراً، وقصرتها بالتشديد تقصيراً، واقتصرتها اقتصاراً. قاله في "التوشيح". ¬

_ (¬1) في (أ) الحديث الثامن. (¬2) في "صحيحه" رقم (892). (¬3) في "السنن" رقم (1068). وهو حديث صحيح. (¬4) ذكره الحافظ في "فتح الباري" (2/ 380). (¬5) في "السنن" (1068). وهو حديث صحيح. (¬6) في (أ) الفصل. (¬7) انظر: انظر: "فتح الباري" (2/ 561).

وترجمه البخاري (¬1) بقوله: باب التقصير، وذكر ابن حجر (¬2) ما ذكرناه ثم قال: والأول أشهر. الأول: حديث (أنس). 1 - عن أنس - رضي الله عنه - قال: "صَلَّيْناَ الظُّهْرَ مَعَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بالمَدِينَةِ أَرْبَعًا. وَخَرَجَ يُرِيدُ مَكَّةَ فَصَلَّى بِذِي الحُلَيْفَةِ العَصْرَ رَكْعَتَيْنِ". أخرجه الخمسة (¬3). [صحيح] قوله: "صلينا الظهر" هو إخبار عن صلاته - صلى الله عليه وسلم - لما خرج لسفر الحج، فإنه - صلى الله عليه وسلم - صلى الظهر بالمدينة كما قال (أربعاً) ثم خرج مسافراً فصلى العصر ركعتين، ويحتمل أن هذا في سفر عمرة من عمره - صلى الله عليه وسلم - إلا أن في رواية التصريح بأنه في سفره للحج. [204 ب]. الثاني: حديث (أنس). 2 - وعنه - رضي الله عنه -: وَقَدْ سُئْلَ عَنْ قَصْرِ الصَّلاَةِ. فَقَالَ: "كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إِذَا خَرَجَ مَسِيرَةَ ثَلاَثَةِ أَمْيَالٍ أَوْ ثَلاَثَةِ فَرَاسِخَ (شَكَّ شُعْبَةُ) صَلِّى رَكْعَتَيْنِ". أخرجه مسلم (¬4)، وأبو داود (¬5). [صحيح] ¬

_ (¬1) في "صحيحه" (2/ 561 الباب رقم 18 - مع الفتح). (¬2) في "فتح الباري" (2/ 561). (¬3) أخرجه البخاري رقم (1081)، وطرفه (4297)، ومسلم رقم (690)، وأبو داود رقم (1202)، والترمذي رقم (546)، والنسائي (1/ 234)، وأخرجه أحمد (3/ 110)، وأبو يعلى رقم (3633)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (1020) وهو حديث صحيح. (¬4) في "صحيحه" رقم (12/ 691). (¬5) في "السنن" رقم (1201)، وأخرجه أحمد (3/ 129)، وأبو يعلى رقم (4198)، وأبو عوانة (2/ 346)، وابن حبان رقم (2745)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (3/ 246)، وهو حديث صحيح.

قوله: "سئل" في "الجامع" (¬1): قال يحيى بن يزيد الهنائي: "سألت أنس عن قصر الصلاة فقال ... " الحديث. قوله: "عن قصر الصلاة" يحتمل من أين تقصر إذا خرج مسافراً؟ أو كم المسافة التي يعتبر فيها القصر؟. وجواب أنس أفاد أنه يقصر من بعد خروجه، ولا تعيين لمسافة السفر الذي يريد. قوله: "كان إذا خرج ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ" في "القاموس" (¬2): الميل بالكسر قدر مد البصر، ومنار يبنى للمسافر أو مسافة من (¬3) الأرض مترخية بلا حد، أو مائة ألف أصبع إلى أربعة ألف أصبع أو ثلاثة (¬4) أو أربعة (¬5) آلاف ذراع بحسب اختلافهم في الفرسخ (¬6)؛ هل تسعة آلاف بذراع القدماء؟ أو اثنى عشر ألف بذراع المحدثين؟. انتهى. وقال (¬7) في فرسخ: أنه ثلاثة أميال هاشمية أو اثنى عشر ألف ذراع أو عشرة آلاف. انتهى. ¬

_ (¬1) (5/ 699 رقم 4010). (¬2) "القاموس المحيط" (ص 1369). (¬3) قال الحافظ في "الفتح" (2/ 570) الميل هو من الأرض منتهى مد البصر؛ لأن البصر يميل عنه على وجه الأرض حتى يفنى إدراكه، وبذلك جزم الجوهري في "الصحاح" (5/ 1822). (¬4) قال العمراني في "البيان" (2/ 453). (¬5) انظر: "فتح الباري" (2/ 570). الميل = 1848 م قوله: بين المدينة وذي الحليفة ستة أميال = 1848 × 6 = 11088 م = 11.088 كم. انظر: كتابنا: "الإيضاحات العصرية للمقاييس والمكاييل والأوزان الشرعية". (¬6) الفرسخ = 5544 م. (¬7) الفيروز أبادي في "القاموس المحيط" (ص 329).

وبه يعرف أن الميل والفرسخ غير معينين لغة، وإنما ذكرهما أنس تقريباً. قوله: "شك شعبة" أي: هل قال أنس: ثلاثة أميال؟ أو ثلاثة فراسخ. ومع شك الراوي: لا يتعين أحدهما، بل يرجع إلى غير حديث أنس. واعلم أن بين ذي الحليفة والمدينة ستة أميال ويقال سبعة، قاله النووي في "شرح مسلم" (¬1). ولا حجة في الحديث على مقدار مسافة القصر؛ لأنه (¬2) ليس المراد أن ذا الحليفة غاية سفره، فلا دلالة فيه على ذلك ويأتي الكلام في ذلك. قوله: "أخرجه مسلم وأبو داود" ولم يخرجه البخاري. الثالث: حديث (مالك). 3 - وعن مالك (¬3): أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - كَانَ يَقْصُرُ الصَّلاَةَ فِي مِثْلِ مَا بَيْنَ مَكَّةَ وَالطَّائِفِ، وَفِي مِثْلِ مَا بَيْنَ مَكَّةَ وَعُسْفَانَ، وَفِي مِثْلِ مَا بَيْنَ مَكَّةَ وَجُدَّةَ، قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ أَرْبَعَةُ بُرُدٍ. [موقوف صحيح] (البرد) جمع بريد، والبريد اثنا عشر ميلاً، وقيل ستة أميال (¬4). قوله: "بلغه .. " الحديث، قال ابن عبد البر في "الاستذكار" (¬5): هذا عن ابن عباس معروف من نقل الثقات متصل الإسناد [503/ أ] عنه من وجوه، منها: ما رواه عمرو بن ¬

_ (¬1) (5/ 195). (¬2) انظر: "فتح الباري" (2/ 567) "المحلى" (5/ 3 - 7). (¬3) في "الموطأ" (1/ 148 رقم 15) وهو أثر موقوف صحيح. (¬4) البريد = 12 ميلاً، والبريد = 22.176 كم. انظر: كتابنا "الإيضاحات العصرية للمقاييس والمكاييل والأوزان" (ص 41 - 47). (¬5) (6/ 84 رقم 8022).

دينار عن ابن جريج عن عطاء، قال: سألت ابن عباس قلت: أقصر [205 ب] الصلاة إلى عرفة وإلى منى؟ قال: لا ولكن إلى الطائف وإلى جدة، ولا تقصر إلا في اليوم التام، ولا تقصر فيما دون اليوم. الحديث. ثم ذكر (¬1) له طريقاً آخر ثم قال: قول ابن عباس هذا لا يشبه أن يكون رأياً ولا يكون مثله إلا توقيفاً والله أعلم. انتهى. وترجم البخاري (¬2): باب في كم تقصر الصلاة. قال في "الفتح" (¬3): يريد بيان المسافة التي إذا أراد المسافر البلوغ إليها ساغ له القصر، ولا يسوغ في أقل منها، وهي من المواضع التي انتشر الخلاف فيها جداً. فحكى ابن المنذر وغيره فيها نحواً من عشرين قولاً، فأقل ما قيل في ذلك: يوم وليلة، وأكثره ما دام غائباً عن بلده. قال (¬4): وأورد المصنف - أي: البخاري - ما يدل على أن اختياره أن أقل مسافة القصر يوم وليلة، فقال: وسمى النبي - صلى الله عليه وسلم - يوماً وليلة سفراً، أي: في حديث أبي ذر: "السفر يوم وليلة". قلت: ولا يخفى أنه لا يقضي بأن ما دونه لا يسمى سفراً إلا أن يقال تعريف المسند إليه يقضي بالاختصاص، إلا أن في بعض طرقه (يوم) وفي بعضها (ليلة) وفي بعضها (بريد) فلا يتم أنه للاختصاص. ¬

_ (¬1) ابن عبد البر في "الاستذكار" (6/ 86 رقم 8029). (¬2) في "صحيحه" (2/ 565 الباب رقم 4 - مع الفتح). (¬3) (2/ 566). (¬4) أي: الحافظ في "الفتح" (2/ 566).

وقال الحافظ (¬1) ابن حجر: فإن حمل المطلق وهو اليوم المطلق والليلة المطلقة على الكاملة أي: يوم بليلته أو ليلة بيومها، قل الاختلاف واندرج في الثلاث فيكون أقلّ المسافة يوماً وليلة، لكن يعكر عليه رواية: (بريد). ثم ذكر في موضع آخران لفظ: (بريد) مشكوك فيه، وأنه أبدله بعض الرواة عن عدم. انتهى. قوله: [واندرج في الثلاثة] (¬2) إشارة إلى أن في بعض طرق رواية أبي هريرة: "ثلاثة أيام" ولا أدري كيف يندرج إذا كانت الثلاثة تحديداً لأقل المسافة. ومثله عن ابن عمر، وقد قال فيه الحافظ (¬3): إن حديث (¬4) [206 ب] الثلاثة أيام ما سيق لأجل مسافة القصر، بل لنهي المرأة عن الخروج وحدها ولذلك اختلفت الألفاظ في ذلك. قال: ويؤيد ذلك أن الحكم في نهي المرأة عن السفر وحدها متعلق بالزمان، ثم ذكر وجه ذلك في الفرق بين مسافة القصر ومسافة سفر المرأة، وهو أولى من الذي ذكره من الاندراج. قوله: "قال مالك: وذلك أربع برد". قلت: وقد أخرج الدارقطني (¬5) وابن أبي شيبة (¬6) من طريق عبد الوهاب بن مجاهد عن ¬

_ (¬1) في "الفتح" (2/ 566). (¬2) ما بين الحاصرتين من كلام الحافظ. (¬3) في "الفتح" (2/ 566 - 567). (¬4) تقدم تخريجه. (¬5) في "السنن" (1/ 387 رقم 1). (¬6) في "المصنف" (2/ 446 - 447). =

أبيه، وعطاء، عن ابن عباس: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "يا أهل مكة لا تقصروا في أدنى من أربعة برد، من مكة إلى عسفان". لكنه قال الحافظ (¬1): إنه حديث ضعيف من أجل عبد الوهاب، فلو ثبت كان التحديد بالأربعة مرفوعاً. ثم فسر مالك (¬2) البريد بقوله: والبريد اثنا عشر ميلاً، وقيل: ستة أميال. في "الفتح" (¬3) عن الفراء أن الميل من الأرض منتهى مد البصر وأن البصر يميل عنه على وجه الأرض حتى يفنى إدراكه، وبذلك جزم الجوهري (¬4). وقيل: حده أن ينظر إلى الشخص في أرض مسطحة فلا يدري أرجل هو أو امرأة؟ وذاهب أو آت؟. قال النووي (¬5): الميل ستة آلاف ذراع، والذراع أربعة وعشرون أصبعاً متعرضة معتدلة، والأصبع ست شعيرات معترضة معتدلة. انتهى. ¬

_ = وأخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (ج 11 رقم 11162)، وأورده الهيثمي في "المجمع" (2/ 157)، وقال: من رواية ابن مجاهد عن أبيه وعطاء، ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات، وأخرجه البيهقي (3/ 137 - 138). قال البيهقي: وهذا حديث ضعيف، إسماعيل بن عياش لا يحتج به، وعبد الوهاب بن مجاهد ضعيف بمرة، والصحيح أن ذلك من قول ابن عباس. (¬1) في "الفتح" (2/ 566). (¬2) في "الموطأ" (1/ 148)، وانظر: "التمهيد" (4/ 376 - 377). (¬3) (2/ 567). (¬4) انظر: "الصحاح" (5/ 1822). (¬5) في "شرحه لصحيح مسلم" (5/ 195).

قال الحافظ (¬1): وهذا الذي قاله هو الأشهر، ومنهم من عبر عن ذلك باثنى عشر ألف قدم بقدم الإنسان. وقيل: هو أربعة آلاف ذراع، وقيل: ثلاثة آلاف ذراع، وقيل خمسمائة وصححه ابن عبد البر (¬2)، ثم ذكر في الذراع أنه قدر الذراع هذا بالذراع الحديد المشهور الآن - أي: في عصر ابن حجر - في مصر وفي الحجاز، فوجد النقص عن الذراع الحديد قدر الثمن. قال (¬3): فعلى هذا فالميل بالذراع الحديد على القول المشهور خمسة آلاف ذراع ومئتان وخمسون ذراعاً. قال (¬4): وهذه فائدة نفيسة قل من نبه عليها. قال (¬5): وحكى النووي (¬6) أن أهل الظاهر (¬7) ذهبوا إلى أن أقل مسافة القصر ثلاثة أميال، وكأنهم احتجوا على ذلك بما رواه مسلم (¬8) وأبو داود (¬9) من حديث أنس: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا خرج [207 ب] مسيرة ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ قصر الصلاة". ¬

_ (¬1) في "الفتح" (2/ 567). (¬2) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 567)، وانظر: "شرح صحيح مسلم" (5/ 195 - 196). (¬3) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 567). (¬4) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 567). (¬5) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 567). (¬6) في "شرح صحيح مسلم" (5/ 195). (¬7) "المحلى" (5/ 3 - 7). (¬8) في "صحيحه" رقم (12/ 691). (¬9) في "السنن" رقم (1201). وأخرجه أحمد (3/ 129)، وأبو يعلى رقم (4198)، وأبو عوانة (2/ 346)، وابن حبان رقم (2745)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (3/ 146)، وهو حديث صحيح.

قال (¬1) وهذا أصح حديث ورد في بيان ذلك وأصرحه، وقد حمله من خالفه على أن المراد المسافة التي يبتدئ فيها القصر لا غاية السفر. ولا يخفى بعد هذا الحمل مع أن البيهقي (¬2) ذكر في روايته من هذا الوجه أن يحيى بن يزيد راوية عن أنس قال: "سألت أنساً عن قصر الصلاة، وكنت أخرج إلى الكوفة - يعني من البصرة - فأصلي ركعتين ركعتين حتى أرجع فقال أنس: ... " فذكر الحديث. فظهر أنه سأله عن جواز القصر في السفر، لا عن الموضع الذي يبدأ بالقصر منه، على أن الصحيح في ذلك، أنه لا يتقيد بمسافة، بل بمجاوزته البلد الذي يخرج منها. قال: ورده القرطبي (¬3) - أي ردّ الاستدلال بحديث أنس [504/ أ] مشكوك فيه فلا يحتج به. قال الحافظ (¬4): إن كان مرداه لا يحتج به في التحديد بثلاثة أميال فمسلم، لكن لا يمتنع أن يحتج به على التحديدية بثلاثة فراسخ، فإن الثلاثة أميال مندرجة فيها فيؤخذ بالأكثر احتياطاً. انتهى. قلت: كلام القرطبي في احتجاج الظاهرية (¬5) على الثلاثة الأميال بحديث أنس لا على الثلاثة الفراسخ، فلا وجه لكن لا يمتنع إلخ. وقد بين في الرواية أن الشاك شعبة. ¬

_ (¬1) الحافظ في "الفتح" (2/ 567). (¬2) في "السنن الكبرى" (3/ 146). (¬3) في "المفهم" (2/ 332). (¬4) في "الفتح" (2/ 567 - 568). (¬5) "المحلى" (5/ 3 - 7).

وأما الفرسخ ففي "القاموس" (¬1) أنه ثلاثة أميال هاشمية أو اثنى عشر ألف ذراع أو عشرة آلاف. انتهى وقد تقدم. والحاصل أنه مختلف في تحديد الميل والفرسخ اختلاف كثير ولا تسكن النفس إلى شيء مما ذكر وأقربه كلام ابن حجر (¬2) في الفائدة النفيسة، ويؤخذ من كلامه أنه يقوي أن أقل المسافة ثلاثة فراسخ، وهو أقل تقدير في مسافة القصر. واعلم أن الحافظ قال فيما نقلناه عنه أن أهل الظاهر (¬3) كأنهم يحتجون، وصرح ابن عبد البر أنهم احتجوا بحديث أنس ولفظه: إن أهل الظاهر احتجوا بحديث شعبة عن يحيى بن يزيد الهنائي قال: سألت أنس بن مالك عن قصر الصلاة [208 ب] ... الحديث. ثم قال ابن عبد البر (¬4): وأبو يزيد الهنائي شيخ من أهل البصرة، وليس مثله ممن يحتمل أن يحمل هذا المعنى الذي خالف فيه هذا الجمهور، ولا هو أيضاً ممن يوثق به في ضبط هذا الأصل. ثم ذكر للظاهرية أدلة أخرى وردها ثم قال: قال الأوزاعي (¬5): وعامة الفقهاء يقولون: مسيرة يوم تام، قال: وبه نأخذ. قال أبو عمر (¬6): هو كما قال الأوزاعي وجمهور العلماء الفقهاء على التقصير في أربعة برد، وهو مسيرة يوم بالسير القوي الحسن الذي لا إسراف فيه. ¬

_ (¬1) "القاموس المحيط" (ص 329). (¬2) في "الفتح" (2/ 567). (¬3) "المحلى" (2/ 3 - 7). (¬4) في "الاستذكار" (6/ 64 رقم 8087). (¬5) ذكره ابن عبد البر في "الاستذكار" (6/ 97 رقم 8103). (¬6) في "الاستذكار" (6/ 97 رقم 8104).

قال (¬1): ومن احتاط فلم يقصر إلا في مسافة ثلاثة أيام كاملة فقد أخذ بالأحوط. انتهي. قلت: وكل ما ذكر لا نهوض فيه، والقصر دار على مسمى الضرب في الأرض، ولم يأت في مقداره تحديد إلا حديث أنس (¬2) في الثلاثة الفراسخ، وقد قال الحافظ (¬3): أنه أصح حديث ورد في بيان ذلك وأصرحه كما عرفت، لكن أبو يزيد الهنائي وهو يحيى بن يزيد فيه ما تراه من كلام ابن عبد البر (¬4). لكن قال الذهبي في "الميزان" (¬5): يحيى بن يزيد الهنائي صاحب أنس فما به بأس روى عنه شعبة وابن علية وقال أبو حاتم: شيخ. انتهى. قلت: لفظ (ما به بأس) ولفظ (شيخ) من عبارات التعديل والأولة مقدمة على الثانية، كما في خطبة "الميزان" (¬6) وحينئذ فيتم الأخذ برواية الهنائي. فائدة: جدة عرفت بأبي جدة حزم بن إريان نزلها وهي ساحل مكة فعرفت به كما عرف كثير من البلاد برجال نزلوها. وحزم هو أبو ناجية أم غالب وإليها ينسب أبو الصديق الناجي وأبو المتوكل الناجي. ¬

_ (¬1) أبو عمر في "الاستذكار" (6/ 97 رقم 8104). (¬2) تقدم وهو حديث صحيح. (¬3) في "الفتح" (2/ 567). (¬4) في "الاستذكار" (6/ 97 رقم 8087). (¬5) (4/ 415 رقم 9655). (¬6) (1/ 3 - 4).

الرابع: حديث (ابن عباس). 4 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "خَرَجَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - من المَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ لَا يَخَافُ إِلَّا رَبَّ العَالَمِينَ، فَصَلِّى رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ". أخرجه الترمذي (¬1) وصححه، والنسائي (¬2). [صحيح] قوله: "لا يخاف إلا رب العالمين" هو بيان أن مفهوم الآية في قوله {إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} (¬3)، وأنه مطرح لتصريحه - صلى الله عليه وسلم - "أن القصر صدقة يتصدق الله بها على عباده" (¬4) لما سألوه عنه وقد أمنوا. قوله: "أخرجه الترمذي وصححه" [209 ب]. قلت: قال (¬5) حديث أنس (¬6) حديث حسن صحيح، وقال (¬7): وفي الباب عن جابر وابن عباس. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (547). (¬2) في "السنن" رقم (1435)، وهو حديث صحيح. (¬3) سورة النساء، الآية 101. (¬4) أخرجه أحمد (251)، ومسلم رقم (4/ 686)، وأبو داود رقم (1199)، والترمذي رقم (3034)، والنسائي رقم (1433)، وابن ماجه رقم (1065) من حديث يعلى بن أمية وهو حديث صحيح. (¬5) الذي تقدم من حديث ابن عباس. قال الترمذي في "السنن" (2/ 431): هذا حديث حسن صحيح. (¬6) يشير إلى حديث أنس الذي أخرجه الترمذي رقم (548) ثم قال عقبة: حديث أنس حديث حسن صحيح. (¬7) أي: الترمذي في "السنن" (2/ 432 بإثر الحديث رقم 548). وهو الحديث الثاني برقم (5).

الخامس: حديث (أنس). 5 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - مِنَ المَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ. فَكَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، حَتَّى رَجَعْنَا إِلَى المَدِينَةِ. قِيلَ: لَهُ: أَقَمْتُمْ بِمَكَّةَ شَيْئًا؟ قَالَ: "أَقَمْنَا بِهَا عَشْرًا". أخرجه الخمسة (¬1). [صحيح] قوله فيه: "كم أقمتم؟ قال: عشراً" يأتي حديث ابن عباس وهو السادس وهو يعارض، ويأتي كلام العلماء في الجمع بينهما. السادس: حديث (ابن عباس). 6 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "أَقَامَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - تِسْع عَشْرَة يَقْصُرُ الصَّلاَةَ، وَكُنَّا إذَا سَافَرْنَا فَأَقَمَناَ تِسْعَ عَشْرَة قَصَرْنَا وَإِنْ زِدْنَا أَتْمَمْنَا". أخرجه الخمسة (¬2)، إلا مسلماً. [صحيح] وفي أخرى لأبي داود (¬3): "سَبَعَ عَشَرَةً". [شاذٍ]. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (1081، ومسلم رقم (15/ 693)، وأبو داود رقم (1233)، والترمذي رقم (548)، والنسائي (3/ 118، 121)، وابن ماجه رقم (1077). وأخرجه أحمد (3/ 187)، وابن خزيمة رقم (956)، وأبو عوانة (2/ 347)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/ 418)، وابن حبان رقم (2754)، والبيهقي (3/ 136، 145، 153)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (1027)، وابن حزم في "المحلى" (5/ 26) من طرق. وهو حديث صحيح. (¬2) أخرجه البخاري رقم (1080، 4298، 4299)، وأبو داود رقم (1230)، والترمذي رقم (549)، وابن ماجه رقم (1075)، وأخرجه أحمد (1/ 224)، وابن خزيمة رقم (955)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/ 416)، والبيهقي (3/ 150)، والبغوي رقم (1028)، وابن حبان رقم (2750)، وعبد الرزاق في "المصنف" رقم (4337)، وابن أبي شيبة في "مصنفه" (2/ 454)، وعبد بن حميد رقم (582)، والدارقطني (1/ 388)، من طرق. (¬3) في "السنن" رقم (1230) وهو شاذ.

وفي أخرى للنسائي (¬1): "أَقَامَ بِمَكَّةَ عَامَ الفَتحِ خَمْسَ عَشَرَ يَقْصُرُ الصَّلاَةَ". [شاذ] قوله: "أقام النبي - صلى الله عليه وسلم - تسع عشرة يقصر الصلاة" وزاد في رواية أبي داود (¬2): "بمكة" وله في رواية: "بمكة عام الفتح". السابع: 7 - وعن عمران بن حصين - رضي الله عنه - قال: شَهِدْتُ عَامَ الفَتْحَ مَعَ النبي - صلى الله عليه وسلم - بِمَكَّةَ، فَأَقَامَ بِمَكَّةَ ثَمانَي عَشْرَةَ لَيْلَةً، لاَ يُصَلِّى إِلاَ رَكْعَتَيْنِ. وَيَقُولُ: "يَا أَهْلَ البَلَدِ صَلُّوا أَرْبَعًا فَإِنَّا سَفْرٌ". أخرجه أبو داود (¬3). [ضعيف] "السَّفْر" القوم المسافرون (¬4). قوله: "عن عمران بن الحصين [غزوت] (¬5) " مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وشهدت معه الفتح، فأقام بمكة ثماني عشرة ليلة، لا يصلي إلا ركعتين. ويقول: " [يا أهل مكة] (¬6) صلوا أربعاً فإنا سفر" هذه الأحاديث كما ترى تعارضت في مدة إقامته - صلى الله عليه وسلم -، واتفقت أنه في عام الفتح إلا رواية أنس الماضية فإنها غير مقيدة به. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (1453)، وأخرجه أبو داود رقم (1231)، وابن ماجه رقم (1076). (¬2) في "السنن" (1231)، وهو حديث شاذ. (¬3) في "السنن" رقم (1229)، وفي سنده علي بن زيد بن جدعان، وهو ضعيف. وهو حديث ضعيف. (¬4) قال ابن الأثير في "غريب الجامع" (5/ 702) السفر: القوم المسافرون، جمع سافر، يقال: سفرت أسفر سفوراً، فأنا سافر: إذا خرجت إلى السفر، والقوم سفراً، مثل: راكب وركب. (¬5) كذا في (أ. ب) وفي نص الحديث شهدتُ. (¬6) كذا في (أ. ب) والذي في نص الحديث يا أهل البلد.

فأما روايات ابن عباس وعمران بن حصين فإنه جمع بينهما البيهقي بأن من قال: "تسع عشرة" عدّ يومي [505/ أ] الدخول والخروج، ومن قال: "سبع عشرة" حذفهما، ومن قال: "ثماني عشرة" عدّ أحدهما. ورواية: "خمس عشرة" ضعفها النووي (¬1)، وتعقبه ابن حجر (¬2) قال: رواتها ثقات. وقال بأن التضعيف للشذوذ، لا لضعف الرواة. قال ابن حجر (¬3): وإذا ثبت أنها صحيحة فتحمل على أن الراوي، من أن الأصل رواية: "سبع عشرة" [210 ب] فحذف منها يومي الدخول والخروج. انتهى. قلت: يبقى التعارض بين "تسع عشرة" "وخمس عشرة". وأما رواية أنس (¬4): "عشراً" ففي رواية: "وكان ذلك في حجة الوداع". قال أحمد بن حنبل (¬5): لا وجه لهذا الحديث إلا أن يكون الراوي حسب بأيام إقامته منذ دخل مكة إلى خروجه منها، لعل هذا لم يقم في مكة أربعة أيام كوامل؛ لأنه دخلها رابع ذي الحجة وخرج منها إلى منى يوم الثامن. انتهى. والحقيقة (¬6) أنه دخلها رابع ذي الحجة، فأقام الخامس والسادس والسابع، وخرج في الثامن إلى منى، وذهب إلى عرفات في التاسع، وعاد إلى منى في العاشر، فأقام بها الحادي عشر ¬

_ (¬1) في "خلاصة الأحكام في مهمات السنن وقواعد الإسلام" (2/ 733 رقم 2563). (¬2) في "الفتح" (2/ 562). (¬3) في "الفتح" (2/ 562)، وانظر: التلخيص (2/ 96). (¬4) تقدم وهو حديث صحيح. (¬5) "المغني" (3/ 150 - 152). (¬6) انظر: "شرح صحيح مسلم للنووي" (5/ 202).

والثاني عشر، ونفر في الثالث عشر إلى مكة، وخرج منها إلى المدينة في الرابع عشر، فمدة إقامته بمكة وحواليها عشرة أيام وكان يقصر الصلاة فيها كلها. قوله: "وكنا إذا سافرنا" (¬1) لفظه في "الجامع" "فنحن إذا سافرنا وأقمنا تسع عشرة قصرنا" هذا لفظه في كل رواياته. قوله: "وإن زدنا أتممنا" (¬2) قال الترمذي (¬3): وقد روي عن ابن عباس: "أنه - صلى الله عليه وسلم - أقام في بعض أسفاره تسع عشرة يصلى ركعتين، قال ابن عباس: فنحن إذا أقمنا بيننا وبين تسع عشرة [نصلي] (¬4) ركعتين، وإن زدنا على ذلك أتممنا الصلاة". وروي عن علي - عليه السلام - أنه قال: "من أقام عشرة أيام أتم الصلاة". وروي عن ابن عمر أنه قال: "من أقام خمسة عشر يوماً أتم الصلاة"، وروي عنه: "اثنتي عشرة". وروي عن سعيد بن المسيب أنه قال: "إذا أقام أربعاً صلى أربعاً" وروى عنه ذلك قتادة وعطاء الخراساني، وروى عنه داود بن أبي هند خلاف هذا. واختلف أهل العلم بعد في ذلك فأما سفيان الثوري وأهل الكوفة (¬5) فذهبوا إلى توقيت خمس عشرة فقالوا: إذا أجمع على إقامة خمس عشرة أتم الصلاة. وقال الأوزاعي: إذا أجمع على إقامة اثنتي عشرة أتم الصلاة. ¬

_ (¬1) ليست هذه في حديث عمران، وإنما هي من الحديث السادس حديث ابن عباس. (¬2) ليست هذه في حديث عمران، وإنما هي من الحديث السادس حديث ابن عباس. (¬3) في "السنن" (2/ 432). (¬4) كذا في "المخطوط" والذي في "السنن" صلينا. (¬5) انظر: "المجموع شرح المهذب" (1/ 241 - 242).

وقال مالك (¬1)، والشافعي (¬2) وأحمد (¬3): إذا أجمع على إقامة أربع أتم الصلاة. [211 ب]. وأما إسحاق (¬4) فرأى أقوى المذاهب فيه حديث ابن عباس لأنه روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وتأوله بعده. إذا أجمع على إقامة تسع عشرة أتم الصلاة. ثم أجمع أهل العلم على أن المسافر يقصر ما لم يجمع إقامة وإن أتى عليه سنون. انتهى كلامه. قلت: وقول ابن عباس: "وإن زدنا أتممنا" ليس مأخوذاً من قصره - صلى الله عليه وسلم - تسع عشرة؛ لأنه لا يعلم أنه - صلى الله عليه وسلم -، لو زاد لأتم بل يحتمل أنه لو زاد لقصر، بل هو أقوى الاحتمالين؛ لأنه أقام دونها فقصر ثم أقام أكثر منها فقصر، فلا دليل أن التسع عشرة غاية منتهى سفره. قوله: "أخرجه أبو داود" قال المنذري (¬5): وأخرجه الترمذي (¬6) بنحوه وقال (¬7): حسن صحيح، هذا آخر كلامه. وفي إسناده علي بن زيد بن جدعان، وقد تكلم فيه جماعة من الأئمة وقال بعضهم هو حديث لا تقوم به حجة لكثرة اضطرابه (¬8). ¬

_ (¬1) انظر: "الاستذكار" (6/ 101 رقم 8117). (¬2) "المجموع شرح المهذب" (4/ 241 - 242). (¬3) انظر: "بداية المجتهد" (1/ 63 - 64 بتحقيقي). (¬4) انظر: "الاستذكار" (6/ 101 - 104). (¬5) في "مختصر السنن" (2/ 61). (¬6) في "السنن" رقم (545). (¬7) في "السنن" (2/ 430). (¬8) وهو حديث ضعيف.

الحديث الثامن: حديث (جابر). 8 - وعن جابر - رضي الله عنه - قال: "أَقَامَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِتَبُوكَ عِشْرِينَ يَوْمًا يَقْصُرُ الصَّلاَةَ". أخرجه أبو داود (¬1). [صحيح] قوله: "عشرين يوماً يقصر الصلاة" قوله: "أخرجه أبو داود". قلت: قال المنذري (¬2): ذكر البيهقي (¬3) أنه غير محفوظ، قال: وحديث الحسن (¬4) بن عمارة، عن الحكم عن مجاهد، عن ابن عباس قال: أقام النبي - صلى الله عليه وسلم - بخيبر أربعين يوماً [يصلي ركعتين] (¬5). غير صحيح، تفرد به الحسن بن عمارة، وهو متروك. انتهى. الحديث التاسع: 9 - وعن حارثة بن وهب - رضي الله عنه - قال: "صَلَّى بِنَا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وَنَحْنُ أَكْثَرُ مَا كُنَّا قَطُّ وَآمَنُهُ بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ". ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (1235). وأخرجه أحمد (3/ 295)، وابن حبان رقم (2749)، وعبد الرزاق في "مصنفه" رقم (4335)، وعبد بن حميد رقم (1139)، وابن حبان رقم (2752)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (3/ 152). وهو حديث صحيح. (¬2) في "مختصر السنن" (2/ 63). (¬3) في "السنن الكبرى" (3/ 152). (¬4) الحسن بن عمارة، أبو محمد مولى بجيلة: قال البخاري: كان ابن عيينة يضعفه، وقال أحمد: متروك، وقال أبو حاتم، ومسلم، والدارقطني، وجماعة: متروك. انظر: "التاريخ الكبير" (2/ 203) "الميزان" (1/ 513)، "الجرح والتعديل" (3/ 27)، "المغني" (1/ 165). (¬5) سقطت من (أ. ب) وأثبتناها من "مختصر السنن".

أخرجه الخمسة (¬1). [صحيح] حديث: "حارثة (¬2) بن وهب" هو الخزاعي أخو عبيد الله بن عمر بن الخطاب لأمه وهي أم كلثوم بنت جرول بن مالك بن شبيب بن ربيعة بن أصرم الخزاعية. والحديث تقدم معناه. العاشر: حديث (ابن عمر). 10 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: صَلَّى بِناَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ، وَأَبُو بَكْرٍ بَعْدَهُ، وَعُمَرُ بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ، وَعُثْمَانُ صَدْرًا مِنْ خِلَافَتِهِ - رضي الله عنهم -، ثُمَّ إِنَّ عُثْمَانَ صَلَّى بَعْدُ أَرْبَعًا، فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا صَلَّى مَعَ الإِمَامِ صَلَّى أَرْبَعًا. وَإِذَا صَلَّاهَا وَحْدَهُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ. أخرجه الشيخان (¬3) والنسائي (¬4). [صحيح] قوله: "وعثمان صدراً من خلافته" [212 ب] المشهور أن عثمان أتم بعد ست سنين من خلافته بمنى خاصة. والصحيح في تأويل فعله أنه رأى القصر والإتمام جائزين، فأخذ بأحد الجائزين، وهو الإتمام، هذا هو الحق في تأويل ما أتاه. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (1083، 1656)، ومسلم رقم (20/ 696)، وأبو داود رقم (1965)، والترمذي رقم (882)، والنسائي رقم (1445، 1446). وهو حديث صحيح. (¬2) ذكره ابن الأثير في "تتمة جامع الأصول" (1/ 288 - قسم التراجم). وانظر: "التقريب" (1/ 146 رقم 85). (¬3) البخاري في "صحيحه" رقم (1082)، ومسلم رقم (694). (¬4) في "السنن" رقم (1450)، وهو حديث صحيح.

وقد أطال الناس في ذكر أعذاره سيما ابن القيم في "الهدي النبوي" (¬1) [506/ أ] وهي أعذار كلها مردودة. قال ابن بطال (¬2): الوجه الصحيح في ذلك أن عائشة وعثمان كانا يريان أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما قصر؛ لأنه أخذ في ذلك بالرخصة. الحديث الحادي عشر: حديث (عثمان). 11 - وعن عثمان - رضي الله عنه -: أنَّهُ لمَّا اتَّخَذَ الأَمْوَالَ بِالطَّائِفِ، وَأَرَادَ أَنْ يُقِيمَ بِهَا صَلَّى بِمِنَى أَرْبَعًا، قَالَ ثُمَّ أَخَذَ بِهِ الأَئِمَّةُ بَعْدَهُ. أخرجه أبو داود (¬3). [ضعيف] قوله: "أنه لما اتخذ الأموال بالطائف، وأراد أن يقيم بها صلى بمنى أربعاً ثم أخذ [بها] (¬4) الأئمة بعده", أخرجه أبو داود. قلت: قال الحافظ المنذري (¬5) أنه منقطع؛ لأنه أخرجه أبو داود (¬6) عن الزهري، والزهري لم يدرك عثمان. - وفي رواية: "إِنَّماَ صَلّى أَرْبَعاً لِأَجْلِ الأَعْرَابِ، لأَنَّهُمْ كَثُرُوا عَامَئِذٍ، فَصَلَّى بِالنَّاسِ أَرْبَعًا لِيُعَلِّمَهُمْ أَنَّ الصَّلاَةَ أَرْبَعٌ" (¬7). [حسن بشواهده] ¬

_ (¬1) في "زاد المعاد" (1/ 451 - 455). (¬2) في "شرحه لصحيح البخاري" (3/ 72 - 73). (¬3) في "السنن" رقم (1963) وهو حديث ضعيف. (¬4) كذا في الشرح والذي في نص الحديث (به). (¬5) في "مختصر السنن" (2/ 413). (¬6) في "السنن" رقم (1963) وهو حديث ضعيف. (¬7) أخرجه أبو داود "في السنن" رقم (1964)، وهو حديث حسن بشواهده.

وفي أخرى (¬1): "أَنَّهُ أَجْمَعَ عَلىَ الإِقَامَةِ بَعْدَ الحَجَّ". [ضعيف] قوله: "وفي رواية" أي: عن الزهري، فهي منقطعة أيضاً. قوله: "ليعلمهم أن الصلاة أربع" يقال في هذا: قد كان الأعراب في زمان النبي - صلى الله عليه وسلم - وعام حجته، كانوا أجهل وأكثر حاجة إلى التعليم وقد صلى ركعتين اتفاقاً في منى على أن الأعراب كانوا مسافرين ففرضهم ركعتان، وإن كان فيهم من هو مقيم فليفعل عثمان كما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما صلى قصراً قال لأهل مكة: أتموا فإنا سفر (¬2) " فكان يفعل عثمان ذلك. قوله: "وفي أخرى" أي: رواية أخرى لأبي داود. "أجمع على الإقامة بعد الحج" قال الحافظ ابن حجر (¬3): فيه نظر لأن الإقامة بمكة على المهاجرين حرام وقد صح عن عثمان: "أنه كان لا يودع [النساء] (¬4) إلا على ظهر راحلته، ويسرع الخروج خشية أن يرجع في هجرته". وثبت (¬5) عن عثمان: "أنه لما حاصروه قال له المغيرة: اركب رواحلك إلى مكة" [213 ب]. قال: "لن أفارق دار هجرتي". انتهى. - وله (¬6) عن ابن مسعود: "أَنَّهُ صَلَّى أَرْبَعًا فَقِيلَ لَهُ: عِبْتَ عَلَى عُثْمَانَ ثُمَّ صَلَّيْتَ أَرْبَعًا؟ فَقَالَ: الخِلاَفُ شَرٌّ". [حسن] ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود في "السنن" رقم (1961) وهو حديث ضعيف. (¬2) تقدم وهو حديث ضعيف. (¬3) في "الفتح" (2/ 571). (¬4) سقطت من (أ. ب) وأثبتناها من "الفتح". (¬5) قاله الحافظ في "الفتح" (2/ 71). (¬6) أخرجه أبو داود في "السنن" رقم (1960)، وهو حديث حسن.

"الإِجْمَاعُ" العَزْمُ وَالنِّيِةِ عَلىَ الشْيءِ (¬1). قوله: "وله" أي: لأبي داود وأخرجه أيضاً البخاري (¬2) ومسلم (¬3) والنسائي (¬4) مختصراً ومطولاً. قوله: "عبت على عثمان"، وذلك أنه أخرج أبو داود (¬5) وعن ابن مسعود: "أنه لما صلى عثمان بمنى أربعاً قال ابن مسعود: صليت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ركعتين ومع أبي بكر ركعتين ومع عمر ركعتين ومع عثمان صدراً من إمارته ثم أتمها". زاد في رواية (¬6): "ثم تفرقت بكم الطرق فلوددت أن لي من أربع ركعات ركعتين متقبلتين". انتهى. قوله: "الخلاف شر" هذا يدل أن ابن مسعود يرى القصر جائز والتمام مثله، إذ لو كان يرى القصر حتماً لما جاز له أن يتركه، ويصلي صلاة لا تجزيء، وأن ما عاب على عثمان تركه ما عهده ممن كان قبله ومنه. ¬

_ (¬1) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 289) حيث قال: الإجماع: إحكام النيّة والعزيمة. (¬2) في "صحيحه" رقم (1084, 1657). (¬3) في "صحيحه" رقم (695). (¬4) في "السنن" رقم (1448، 1451)، كلهم دون قول معاوية بن قرة، عن أشياخه (أن عبد الله صلى أربعاً، قال: فقيل له: عبت على عثمان، ثم صليت أربعاً؟! قال: الخلاف شر). (¬5) في "السنن" رقم (1960)، وهذا الجزء من الحديث صحيح وقد تقدم تخريجه. أما قول معاوية بن قرة. فهو حسن. (¬6) أبو داود في "السنن" رقم (1960).

واعلم أنه نقل الحافظ ابن (¬1) حجر: "أن عثمان كان إذا قدم مكة صلى بها الظهر والعصر والعشاء أربعاً أربعاً، ثم إذا خرج إلى منى وعرفه قصر الصلاة فإذا فرغ من الحج وأقام بمنى أتم الصلاة" رواه أحمد (¬2)، قال: بإسناد حسن. وروي من طريق البيهقي (¬3) عن عثمان: "أنه أتم بمنى ثم خطب فقال: إن القصر سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسنة صاحبيه، ولكنه حدث طغام (¬4) - بفتح الطاء والمعجمة - فخفت أن يستنوا". وعن ابن جريج (¬5): (أن أعرابياً ناداه في منى: يا أمير المؤمنين ما زلت أصليها منذ رأيتك عام أول ركعتين). قال (¬6): وهذه [214 ب] طرق يقوي بعضها بعضاً. ¬

_ (¬1) في "الفتح" (2/ 571). (¬2) في "المسند" (4/ 94) بسند حسن. وأخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (ج 19 رقم 765) مختصراً. وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (2/ 156 - 157)، وقال: رواه أحمد، وروى الطبراني بعضه في "الكبير" ورجال أحمد موثقون. (¬3) (3/ 149 - 150). (¬4) قيل: من لا عقل له ولا معرفة، وقيل هم أوغاد الناس وأراذلهم. وقيل: جمع طغامة. وهو الأحمق، والتطغم: التجاهل. "القاموس المحيط" (ص 1463) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 114). (¬5) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 571). (¬6) الحافظ في "الفتح" (2/ 571).

الفصل الثاني: في الجمع بين الصلاتين

الحديث: [الثاني عشر (¬1)] حديث (عمر). 12 - وعن عمر - رضي الله عنه -: "أَنَّهُ صَلَّى لِلنَّاسِ بِمَكَّةَ رَكْعَتَيْنِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: يَا أَهْلَ مَكَّةَ أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ، فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ". أخرجه مالك (¬2). [موقوف صحيح] قد تقدم مرفوعاً من حديث عمران (¬3) بن حصين بمعناه. الفصل الثاني: في الجمع بين الصلاتين أي: المغرب والعشاء والظهر والعصر، وهو جمعان إما تقديماً أو تأخيراً. قال الحافظ (¬4): أورد المصنف - أي: البخاري (¬5) - في أبواب التقصير باب الجمع؛ لأنه تقصير بالنسبة إلى الزمان. قلت: وتبعه أئمة الحديث في ذلك، وترجم البخاري (¬6) لذلك بقوله: باب الجمع في السفر بين المغرب والعشاء. قال الحافظ ابن حجر (¬7): أورد فيه ثلاثة أحاديث، حديث ابن عمر وهو مقيد بما إذا جد به السفر، وحديث ابن عباس وهو مقيد بما إذا كان سائراً، وحديث أنس الآتي. وهو هنا الحديث الأول: حديث (أنس). ¬

_ (¬1) في (أ) العاشر. (¬2) في "الموطأ" (1/ 149 رقم 19) وهو أثر موقوف صحيح. (¬3) تقدم وهو حديث ضعيف. (¬4) في "الفتح" (2/ 580). (¬5) في "صحيحه" (2/ 561 الباب رقم 18 - مع الفتح). (¬6) في "صحيحه" (2/ 579 الباب رقم 13 - مع الفتح). (¬7) في "الفتح" (2/ 580).

1 - عن أنس - رضي الله عنه - قال: "كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إِذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الظُّهْرَ إِلَى وَقْتِ العَصْرِ، ثُمَّ يَنَزَلَ فَيَجَمَعَ بَيْنَهُمَا. وَإِنْ زَاغَتْ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَرْتَحِلَ صَلَّاهُماَ ثُمَّ ارْتَحَلَ" (¬1). [صحيح] - وفي رواية (¬2): "إِذَا كَانَ عَجِلَ عَلَيْهِ السَّيْرُ يُؤَخِّرُ الظُّهْرَ إِلَى وَقْتِ العَصْرِ، وَيَجْمَعُ بَيْنَهُمَا وَيُؤَخِّرُ المَغْرِبَ حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَهَا، وَبَيْنَ العِشَاءِ حِيْنَ يَغِيبَ الشَّفَقُ". [صحيح] أخرجه الخمسة إلاَّ الترمذي. قوله: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس" تدلك عن وسط السماء وهو الزوال. "أخر الظهر" لعدم دخول وقتها. (إلى وقت العصر ثم ينزل فيجمع بينهما) هذا جمع تأخير. قال في فتح الباري (¬3): هذا ما وقع فيه الاختلاف بين أهل العلم فقال بالإطلاق كثير (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (1111، 1112)، ومسلم رقم (46/ 704)، وأبو داود رقم (1218)، والنسائي رقم (586). (¬2) أخرجه مسلم في "صحيحه" رقم (48/ 704). (¬3) (2/ 580). (¬4) منها: ما أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (2/ 457) عن أبي عثمان قال: خرجت أنا وسعد إلى مكة فكان يجمع بين الصلاتين، بين الظهر والعصر، يؤخر من هذه ويعجل من هذه، ويصليها جميعاً، ويؤخر المغرب ويعجل العشاء ثم يصليهما جميعاً، حتى قدمنا مكة. وهو أثر صحيح. ومنها: ما أخرجه ابن المنذر في "الأوسط" (2/ 428) عن نافع قال: كان ابن عمر إذا سافر جمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، يؤخر من هذه ويعجل من هذه. وهو أثر صحيح. =

من الصحابة والتابعين (¬1). ومن الفقهاء: الثوري (¬2)، والشافعي (¬3)، وأحمد (¬4)، وإسحاق (¬5)، وأشهب (¬6)، وقال قوم لا يجوز الجمع مطلقاً، إلا بعرفة ومزدلفة، وهو قول الحسن (¬7)، والنخعي (¬8)، وأبي حنيفة (¬9) وصاحبيه وأجابوا عما روي من الأخبار في ذلك: أنه جمع صوري، وهو أنه [507/ أ] أخّر المغرب مثلاً إلى آخر وقتها، وعجل العشاء في أول وقتها. ¬

_ = ومنها: ما أخرجه ابن المنذر في "الأوسط" (2/ 423) وعبد الرزاق في "المصنف" (2/ 550) عن ابن عباس قال: (إذا كنتم سائرين فنابكم المنزل فسيروا حتى تصيبوا منزلاً فتجمعوا بينهما، وإن كنتم نزولاً فعجل بكم أمر، فاجمعوا بينهما، ثم ارتحلوا. وهو أثر صحيح. (¬1) منها: ما أخرجه ابن المنذر في "الأوسط" (2/ 423) عن ابن طاووس عن أبيه، كان يجمع بين الظهر والعصر في السفر. وهو أثر صحيح. ومنها: ما أخرجه ابن أبي شيية في "المصنف" (2/ 458) عن وكيع، عن زيد بن أبي أسامة قال: "سألت مجاهداً عن تأخير المغرب وتعجيل العشاء في السفر، فلم ير به بأساً". (¬2) ذكره ابن المنذر في "الأوسط" (2/ 422). (¬3) "المجموع شرح المهذب" (4/ 250 - 253) "البيان" للعمراني (2/ 484 - 486). (¬4) "المغني" لابن قدامة (3/ 127 - 128). (¬5) مسائل أحمد وإسحاق (1/ 40). (¬6) انظر: "الاستذكار" (6/ 30 - 31). (¬7) أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (2/ 459) من طريق هشام عن الحسن، ومحمد أولاً: ما نعلم من السنة الجمع بين الصلاتين في حضر ولا سفر، إلا بين الظهر والعصر بعرفة، وبين المغرب والعشاء بجمع. (¬8) حكاه النووي في "المجموع شرح المهذب" (4/ 250). (¬9) اللباب في "الجمع بين السنة والكتاب" (1/ 320 - 322).

قال (¬1): وتعقبه الخطابي (¬2) وغيره بأن الجمع رخصه، فلو كان على [215 ب] ما ذكروه [لكان] (¬3) أعظم ضيقاً من الإتيان بكل صلاة في وقتها؛ لأن أوائل الأوقات وأوخرها مما لا يدركه أكثر الخاصة فضلاً عن العامة (¬4). انتهى. قلت: هذا تهويل ليس عليه تعويل، وهل أوضح من معرفة أوائل أوقات الصلوات، وقد جعل لها الشارع علامات يدركها الذكي والغبي، والذكر والأنثى، والقروي، والبدوي بعينيه؟!. وهل أوضح من طلوع المنتشر في الفجر بياض يملأ الأفق بعد سواد الليل في الفجر؟ وميل الشمس عن كبد السماء المدرك بانحسار الظل إلى جهة الغرب في الظهر؟ وصيرورة الظل مثلي ما كان في وقت العصر، وغروب قرص الشمس وغروب الشفق؟. وهذه أوقات يدركها كل من له عينان، فكيف يقال: لا يدركه أكثر الخاصة فضلاً عن العامة، وقد قال - صلى الله عليه وسلم - للمرأة المستحاضة: "فإن قويت على أن تؤخري الظهر وتعجلي العصر وتصلين الظهر والعصر جميعاً ثم تؤخري المغرب والعشاء وتجمعين بين الصلاتين .... " الحديث (¬5). ¬

_ (¬1) الحافظ في "الفتح" (2/ 580). (¬2) في "معالم السنن" (2/ 12 - مع السنن). (¬3) سقطت من (ب). (¬4) انظر: "المغني" (3/ 137) "المجموع شرح المهذب" (4/ 250 - 252). (¬5) أخرجه الشافعي في "المسند" (رقم 141 - ترتيب)، وأحمد (6/ 381، 382، 439)، وأبو داود رقم (287)، وابن ماجه رقم (627)، والترمذي رقم (128)، والدارقطني في "السنن" (1/ 214)، والحاكم (1/ 172 - 173). وهو حديث حسن.

فهذه امرأة لو تعسر معرفة الأوقات لكانت قد أمرت بالتعسير: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} (¬1). ثم قال (¬2): ومن الدليل على أن الجمع للرخصة، قول ابن عباس: "أراد أن لا يحرج أمته". أخرجه مسلم (¬3). قلت: لا يخفى أن الإتيان للصلاتين في وقت واحد فيه رفع الحرج عن الإتيان بكل صلاة في أول وقتها، ثم الانتظار للأخرى إلى أول وقتها، ففي الجمع رفع حرج بلا ريب. ثم قال (¬4): وأيضاً فإن الأخبار جاءت صريحة بالجمع في وقت إحدى الصلاتين. قلت: نعم الأخبار الواردة [216 ب] في الجمع في السفر فقط جاءت كذلك، وأما حديث ابن عباس في الجمع في الحضر فلا كما يأتي. قال (¬5): وذلك هو المتبادر في الفهم من لفظ الجمع. قلت: بعد جعل الشارع للجمع الصوري في حديث المستحاضة جمعاً، وقال: (وتجمعين) فقد صار لفظاً مشتركاً شرعاً. قال ابن حجر (¬6): ومما يرد الحمل على الجمع الصوري جمع التقديم. ¬

_ (¬1) سورة البقرة الآية (185). (¬2) الحافظ في "الفتح" (2/ 580). (¬3) في "صحيحه" رقم (54/ 705)، وأخرجه أحمد (1/ 223)، وأبو داود رقم (1211)، والترمذي رقم (187)، والنسائي رقم (602)، والبيهقي (3/ 167)، وأبو عوانة (2/ 353 - 354). (¬4) أي الحافظ في "الفتح" (2/ 580). (¬5) أي الحافظ في "الفتح" (2/ 580). (¬6) في "الفتح" (2/ 580).

قلت: كل هذا الذي ذكره الخطابي (¬1) وابن حجر (¬2) في الجمع في السفر ونحن نقول به وإن خالف فيه من خالف لا الجمع مطلقاً. قال (¬3): وقيل: يختص الجمع لمن يجد في السير، قاله الليث وهو [القول] (¬4) المشهور عن مالك (¬5). قلت: قال ابن عبد البر في "الاستذكار" (¬6): روى ابن القاسم عن مالك قال: لا يجمع المسافر في حج أو عمرة إلا أن يجد به، ويخاف فوات أمر فيجمع في آخر وقت الظهر وأول وقت العصر، ولم يذكر في العشاءين الجمع عند الرحيل أول الوقت. قال سحنون (¬7): وهما كالظهر والعصر. انتهى. فدل على أن مالك إنما يقول بالجمع الصوري كما تفيده عبارته، فينبغي أن نعد مالك مع من لا يقول بجواز الجمع. ثم قال ابن حجر (¬8): وقيل: يختص - أي: الجمع - بالمسافر دون النازل، وهو قول ابن حبيب (¬9). ¬

_ (¬1) في "معالم السنن" (2/ 12 - مع السنن). (¬2) في "فتح الباري" (2/ 580). (¬3) الحافظ في "الفتح" (2/ 580). (¬4) سقطت من (ب). (¬5) انظر: "المدونة" (1/ 116 - 117) "المنتقى" للباجي (1/ 254). (¬6) (6/ 16 رقم 7718). (¬7) ذكره ابن عبد البر في "الاستذكار" (6/ 16 رقم 7719). (¬8) في "الفتح" (2/ 580). (¬9) ذكره ابن عبد البر في "الاستذكار" (6/ 16 رقم 7721).

وقيل: يختص بمن له عذر، عن الأوزاعي، وقيل: يجوز جمع التأخير دون التقديم وهو مروي عن مالك (¬1)، واختاره ابن حزم (¬2). انتهى. الحديث الثاني: حديث (ابن عباس). 2 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "كَانَ رَسُوُل الله - صلى الله عليه وسلم - يجمَعُ بَيْنَ صَلَاةِ الظُّهْرِ وَالعَصْرِ إِذَا كَانَ عَلَى ظَهْرِ سَيْرٍ. وَيَجْمَعُ بَيْنَ المَغْرِبِ وَالعِشَاءِ". أخرجه الشيخان (¬3). [صحيح] قوله: "على ظهر سير" كذا للأكثر بالإضافة، وللكشميهني (¬4): "على ظهر" بالتنوين "يسير" بالمضارع التحتانية مفتوحة في أوله. قال الطيبي (¬5) [217 ب]: الظهر في قوله: "ظهر سير" للتأكيد كقوله: "الصدقة عن ظهر غنى" ولفظ الظهر يقع في مثل هذا اتساعاً في الكلام كأن السير مستند إلى ظهر قوي من المطي مثلاً. انتهى. قلت: وهي معنى رواية (جَدَّ به السير) ففي "النهاية" (¬6): جَدَّ به السير اهتم وأسرع، يقال: جدّ يجدّ ويجد بالضم والكسر. 3 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: "صَلَّى النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - المَغْرِبِ وَالعِشَاءِ جَمْيِعاً كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُماَ بِإِقَامَةٍ، وَلَمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُما وَلَا عَلَى أَثَرِ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا". ¬

_ (¬1) انظر: "الاستذكار" (6/ 16 - 18). (¬2) في "المحلى" (3/ 172). (¬3) البخاري في "صحيحه" رقم (1107)، ومسلم رقم (705). (¬4) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 580). (¬5) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 580). (¬6) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 240). وانظر: "المجموع المغيث" (1/ 301).

أخرجه الستة (¬1). [صحيح] 4 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: مَا رَأَيْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى صَلَاةً قَطُّ لِغَيْرِ مِيقَاتِهَا إِلَّا صَلَاتَيْنِ، جَمَعَ بَيْنَ المَغْرِبِ وَالعِشَاءِ بِالمُزْدَلِفَةِ، وَصَلَّى الفَجْرَ يَوْمَئِذٍ قَبْلَ مِيقَاتِهَا. أخرجه الخمسة (¬2)، إلا الترمذي. [صحيح] الخامس: حديث (جعفر بن محمد). 5 - وعن جعفر بن محمد قال: "صَلّى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى الظُّهْرَ وَالعَصْرَ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ بِعَرَفَةَ، وَلَمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا، وَصَلَّى المَغْرِبَ وَالعِشَاءَ بِجَمْعٍ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ، وَلَمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا". أخرجه أبو داود (¬3). [ضعيف] قوله: " - صلى الله عليه وسلم - الظهر والعصر بأذان واحد وإقامتين"، ومثله قاله في المغرب والعشاء بجمع. وقوله: "لم يسبح [فيهما] (¬4) " أي: لم يصل النافلة بعد الأولى من المجموعتين. واعلم أن في الباب روايات ساقها أبو داود (¬5) من حديث ابن عمر: "أنه صلاهما بإقامة لكل صلاة". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (1092)، ومسلم رقم (703) (1288)، ومالك في "الموطأ" (1/ 400)، وأبو داود رقم (1926، 1927، 1928، 1929)، والترمذي رقم (887، 888)، والنسائي في "السنن" (1/ 291، 292). (¬2) أخرجه البخاري رقم (1682)، ومسلم رقم (1289)، وأبو داود رقم (1632)، والنسائي رقم (608). (¬3) في "السنن" رقم (1906) وهو حديث ضعيف. (¬4) كذا في (أ. ب) وفي نص الحديث بينهما. (¬5) في "السنن" (1927) وهو حديث صحيح.

زاد (¬1) في رواية: "ولم يناد في الأولى ولا سبح على إثر واحدة منهما". وفي رواية (¬2): "ولم ينادِ في واحدة منهما" وفي رواية (¬3) [508/ أ]: "بالمزدلفة بإقامة واحدة". وقال: "هكذا صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذا المكان". وفي رواية (¬4) عن أشعث بن سليم، عن أبيه، (أن ابن [عمر] (¬5) أذّن وأقام، وأمرنا بأذان وإقامة بالمزدلفة). إلا أنه قال الحافظ المنذري (¬6): إن هذا الحديث - يريد حديث أشعث - مخالف للأحاديث الصحيحة عن ابن عمر. قال (¬7): وذهب أبو حنيفة (¬8) إلى أنه يجمع بأذان واحد وإقامة واحدة كما جاء فيه. وقد أخرجه البخاري (¬9) في "صحيحه" من حديث عبد الله بن مسعود: "أنه صلى [218 ب] الصلاتين كل صلاة بأذان وإقامة، والعشاء بينهما". ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (1928) وهو حديث صحيح. (¬2) في "السنن" رقم (1928). (¬3) في "السنن" رقم (1931). (¬4) في "السنن" رقم (1933). (¬5) سقطت من (ب). (¬6) انظر: "مختصر السنن" (2/ 403). (¬7) انظر: "التعليقة المتقدمة". (¬8) انظر: "البناية في شرح الهداية" (3/ 5 - 8). و"اللباب في الجمع بين السنة والكتاب" (1/ 321 - 322). (¬9) في "صحيحه" رقم (1675).

ويروي عن مالك (¬1) أنه قال: يؤذن ويقيم لكل صلاة على ظاهر حديث ابن مسعود. وفي حديث جابر (¬2) الطويل: "أنه - صلى الله عليه وسلم - صلى المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين"، وذهب إليه أحمد (¬3)، وأبو ثور (¬4)، وغيرهما (¬5). قال المنذري (¬6): وقد أشار بعضهم إلى الجمع بين الأحاديث فقال: قوله: "بإقامة واحدة"، يعني لك صلاة دون أذان ويحتمل أن يكون بأذان كما ثبت في حديث جابر وهو (حج واحد) لكن لم يتعرض هنا لذكر أذان ولا نفيه، فيجمع بين الروايتين على هذا. ويبقى الإشكال في إثبات جابر إقامتين، ونص ابن عمر على إقامة واحدة، فلعله يعني بواحدة في العشاء الآخر، يعني دون أذان فيها، وبقيت الأولى بأذان وإقامة. انتهى كلام المنذري. قوله: "أخرجه أبو داود". قلت: وقال (¬7): هذا الحديث أسنده حاتم بن إسماعيل في الحديث الطويل، ووافق حاتماً على إسناده محمد بن علي الجعفي، عن محمد، عن أبيه، عن جابر، إلا أنه قال: "فصلى المغرب والعتمة بأذان وإقامة". ¬

_ (¬1) انظر: "المنتقى" للباجي (1/ 254 - 255). (¬2) أخرجه مسلم رقم (147/ 1218)، والنسائي رقم (604)، وهو حديث صحيح. (¬3) "المغني" (3/ 155 - 157). (¬4) انظر: "المجموع شرح المهذب" (4/ 285). (¬5) انظر: "فتح الباري" (2/ 577). (¬6) انظر: "فتح الباري" (2/ 577). (¬7) في "السنن" (2/ 464 - 465).

قال أبو داود (¬1): قال [محمد] (¬2): أخطأ أحمد في هذا الحديث الطويل. انتهى كلام أبي داود. السادس: حديث (ابن عباس). 6 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "مَنْ جَمَعَ بَيْنَ صَّلاَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، فَقَدْ أَتَى بَابًا مِنْ أَبْوَابِ الكَبَائِرِ". أخرجه الترمذي (¬3) وضعفه. [ضعيف جداً] "قال: من جمع بين صلاتين بغير عذر فقد أتى باباً من أبواب الكبائر"، ذكره [موقوفاً] (¬4) على ابن عباس، وهو مرفوعاً في الترمذي (¬5) إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، رأيناه في نسختين منه، وابن الأثير (¬6) ذكره موقوفاً كما ذكره المصنف وهو تقصير. وهذا يدل على أن حديث ابن عباس في الجمع في الحضر من غير عذر، هو الجمع [219 ب] الصوري كما قدمناه، ليوافق أحاديثه. قوله: "أخرجه الترمذي وضعفه". قلت: قال (¬7): وقد [روي] (¬8) عن حنش، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فرواه مرفوعاً. ¬

_ (¬1) لم أقف عليه في سنن أبي داود. (¬2) في المخطوط "أحمد" والصواب ما أثبتناه. (¬3) في "السنن" رقم (188) وهو حديث ضعيف جداً. (¬4) في (أ) هو موقوفاً. (¬5) في "السنن" (1/ 356 رقم 188)، وهو حديث ضعيف جداً. (¬6) في "الجامع" (5/ 423 رقم 4044). (¬7) الترمذي في "السنن" (1/ 356). (¬8) في (أ) رواه.

ثم قال (¬1): وحنش هذا هو أبو علي الرحبي، وهو حنش بن قيس وهو ضعيف عند أهل الحديث ضعفه أحمد وغيره. والعمل على هذا عند أهل العلم أن لا يجمع بين الصلاتين إلا في السفر أو بعرفة، ورخص بعض أهل العلم من التابعين في الجمع بين الصلاتين للمريض، وبه يقول أحمد، وإسحاق. وقال (¬2) بعض أهل العلم: يجمع بين الصلاتين للمطروبة يقول الشافعي وأحمد، وإسحاق، ولم يرَ الشافعي للمريض أن يجمع بين الصلاتين. انتهى كلام الترمذي. قلت: ولا دليل فيه على أن الجمع كبيرة، بل دل على أنه قد أتى الجامع باب الكبائر، ولا يدل أنه دخل مرتكبها إليها، ويحتمل أنه أريد فعل باباً منها. السابع: (حديث ابن عباس). 7 - وعنه - رضي الله عنه - قال: "صَلىَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - سَبْعاً وَثْمَانِياً الظُّهْرِ وَالعَصْرِ وَالمَغْرِبِ وَالعِشَاءِ، قال [أَيُّوبٍ] (¬3): لَعَّلهُ في لَيْلَةٍ مَطيرَةٍ؟ قَالَ: عَسَى". أخرجه الستة (¬4). [صحيح] وزاد في رواية الشيخين (¬5): قِيْلَ لِلرَّاوِيِ عَنْ ابنِ عَبَّاسٍ أَظُنُّهُ أَخَّرَ الظُّهْرَ وَعَجَّلَ العَصْرَ، وَأَخَّرَ المَغْرِبَ وَعَجَّلَ العِشَاءَ، قَالَ: وَأَنَا أَظُنُّ ذَلِكَ. [صحيح] ¬

_ (¬1) الترمذي في "السنن" (1/ 356). (¬2) الترمذي في "السنن" (1/ 357). (¬3) في (أ. ب) أبو أيوب والصواب ما أثبتناه من مصادر التخريج. (¬4) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (543)، ومسلم رقم (705)، وأبو داود رقم (1214)، والنسائي رقم (603) و"الموطأ" (1/ 144)، والترمذي رقم (1087). (¬5) البخاري رقم (1174)، ومسلم رقم (55/ 705).

- وفي أخرى لمسلم (¬1): صَلَّى الظُّهْرَ وَالعَصْرَ جَمِيعًا، وَالمَغْرِبَ وَالعِشَاءَ جَمِيعًا، مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا سَفَرٍ. وقال مالك (¬2): أَرَى ذَلِكَ فِي المَطَرِ. [صحيح] "صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة سبعاً وثمانياً" قد فسّر ذلك بقوله "الظهر والعصر, والمغرب والعشاء" إلا أنه شوشه ولم يرتبه. قوله: "قال أيوب" هو السختياني، والمقول له أبو الشعثاء (¬3)، وفي نسخ من التيسير أبو أيوب وهو غلط. وقوله: "عسى" أي: أن يكون كما قلت، واحتمال أنه كان لمطر قاله مالك (¬4) فإنه قال بعد رواية الحديث: لعلّه كان في مطر. وردّ بأنه أخرجه مسلم (¬5)، وأصحاب السنن (¬6) بلفظ: "من غير خوف ولا مطر". فانتفى أن يكون الجمع لخوف أو مطر، وجوّز بعضهم أن يكون الجمع للمرض، وقواه النووي (¬7) [220 ب] وفيه (¬8) نظر؛ لأنه لو كان جمعه بين الصلاتين لعارض المرض لما صلى معه إلا من له نحو ذلك العذر. ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (54/ 705). (¬2) في "الموطأ" (1/ 144). (¬3) قاله الحافظ في "الفتح" (2/ 23). (¬4) في "الموطأ" (1/ 144). (¬5) في "صحيحه" رقم (54/ 705). (¬6) أبو داود في "السنن" رقم (1210)، والنسائي رقم (601)، والترمذي رقم (187). (¬7) في "شرحه لصحيح مسلم" (5/ 218). (¬8) قاله الحافظ في "الفتح" (2/ 24).

والظاهر (¬1) أنه جمع بأصحابه, وقد صّرح بذلك ابن عباس في روايته، ومنهم من حمله على أنه جمع صوري، بأن يكون أخر الظهر إلى آخر وقتها، وعجل العصر في أول وقتها. واستحسن هذا القرطبي (¬2) ورجحه قبله إمام الحرمين، وجزم به من القدماء ابن الماجشون والطحاوي (¬3)، وقوّاه ابن سّيد الناس بأنّ أبا الشعثاء وهو راوي الحديث عن ابن عباس قد قال به، وذلك فيما ذكره المصنف [509/ أ] حيث قال: قيل للراوي: القائل: عمرو ابن دينار، والراوي أبو الشعثاء، قال ابن سيد الناس: وراوي الحديث أدرى بالمراد منه. قال الحافظ ابن حجر (¬4): ويقوي ما ذكره من الجمع الصوري أن طرق الحديث كلها ليس فيها تعرض لوقت الجمع، فإما أن تحمل على مطلقها، فيستلزم إخراج الصلاة عن وقتها المحدود لغير عذر، وإمّا أن تحمل على صفة مخصوصة لا يستلزم الإخراج، ويجمع بها بها بين مفترق الأحاديث، فالجمع الصوري أولى. انتهى. وقدمنا أوسع من هذا. قوله: "قال مالك أُرى" بضم الهمزة أي: أظن. "ذلك في المطر" تقدم الكلام أن هذا الظن يبطله تصريح رواية: "ولا مطر" وفي "الاستذكار" (¬5) لابن عبد البر عند ذكر أحاديث الجمع: ولا حجة في هذا الباب، وما كان مثله لمن جعل الوقت في صلاتي الليل، وفي صلاتي النهار في الحضر كهو في السفر، وأجاز الجمع بين الصلاتين في الحضر في وقت إحداهما؛ لأنه ممكن أن تكون صلاته في المدينة من غير خوف ¬

_ (¬1) قاله الحافظ في "الفتح" (2/ 24). (¬2) في "المفهم" (2/ 346). (¬3) في "شرح معاني الآثار" (1/ 164). (¬4) في "فتح الباري" (2/ 24). (¬5) (6/ 34 رقم 7799).

ولا سفر، [كأن] (¬1) أخّر الأولى من صلاتي النهار فصلاّها في آخر وقتها، وصلى الثانية في أول وقتها، وصنع ذلك في العشائين على ما ظنه أبو الشعثاء، وتأول الحديث هو وعمرو بن دينار وموضعهما من الثقة الموضع الذي ليس فوقه موضع. وإذا (¬2) كان ذلك غير مدفوع إمكانه، وكان ذلك الفعل يسمى جمعاً في اللغة العربية، بطلت الشبهة [221 ب] التي نزع بها من هذا الحديث من أراد الجمع في الحضر بين الصلاتين في وقت إحداهما؛ لأن جبريل أقام لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أوقات الصلوات في الحضر، وسافر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجمع بين الصلاتين في السفر [وسن للمسافر ذلك] (¬3) توسعة أذن الله له فيها فسنها لأمته فلا يتعدى بها إلى غير موضعها. وأما قول (¬4) ابن عباس إذ سئل عن معنى جمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين الصلاتين في الحضر، فقال: "أراد أن لا يحرج أمته" فمعناه مكشوف، أي: لا يضيق على أمته، فتصلي في أول الوقت أبداً، وفي وسطه أبداً، ولا تتعدى ذلك، ولكن لتصلِّ كيف شاءت في أوله أو وسطه، أو آخره؛ لأن ما بين طرفي الوقت، وقت كله. انتهى. وهو كلام حسن، وقد كان ذكر معناه في رسالتنا في الأوقات المسماة: "باليواقيت في تعليق المواقيت" (¬5)، من قبل تأليف هذا الشرح، والوقوف على كلام ابن عبد البر وغيره من نحو أربعين سنة. ¬

_ (¬1) كذا في (أ. ب) والذي في "الاستذكار" (6/ 34) كانت بأن. (¬2) قاله ابن عبد البر في "الاستذكار" (6/ 35 - 36 رقم 7800). (¬3) كذا في (أ. ب) والذي في "الاستذكار": وسن للمسافر ذلك كما سن له القصر في السفر مع الأمن. (¬4) قاله أبن عبد البر في "الاستذكار" (6/ 36 رقم 780). (¬5) وهي الرسالة رقم (79) من "عون القدير" من فتاوى رسائل ابن الأمير. بتحقيقي. ط. ابن كثير دمشق.

الفصل الثالث: في صلاة النوافل في السفر

الفصل الثالث: في صلاة النوافل في السفر ترجم البخاري (¬1) الباب بقوله: باب من لم يتطوع في السفر دبر الصلاة. وزادا بعض رواته: وقبلها. الأول: حديث (ابن عمر). 1 - عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: "صَحِبْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَلَمْ أَرَهُ يُسَبِّحُ فِي السَّفَرِ، وَقَالَ الله تَعَالىَ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (¬2) ". وقال ابن عمر: "لَوْ كُنْتُ مُسَبِّحًا لَأَتْمَمْتُ صَلَاتِي". أخرجه الستة (¬3). [صحيح] قوله: "فلم أره يسبح في السفر" أي: يتنفل الرواتب. قوله: "ولو كنت مسبحاً لأتممت" في "الجامع" (¬4) لأبن الأثير فصل هذه الجملة عن الأولى فقال بعد قوله "حسنة": وفي رواية يزيد بن زريع قال: مرضت فجاء ابن عمر يعودني فسألته عن السبحة [222 ب] في السفر فقال: "صحبت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فما رأيته يسبح ولو كنت مسبحاً لأتممت" أخرجه البخاري (¬5)، ومسلم (¬6). انتهى. ¬

_ (¬1) في "صحيحه" (2/ 588 الباب رقم 11 - مع الفتح). (¬2) سورة الأحزاب الآية (21). (¬3) أخرجه البخاري رقم (1102)، ومسلم رقم (8/ 689)، وأبو داود رقم (1223)، والترمذي رقم (544)، والنسائي (3/ 122، 123)، ومالك في "الموطأ" (1/ 150). (¬4) (5/ 727 - 729 رقم 4047). (¬5) البخاري رقم (1101). (¬6) في "صحيحه" رقم (9/ 689).

وفي رواية لمسلم (¬1): "صحبت ابن عمر في طريق مكة, فصلى لنا الظهر ركعتين، ثم أقبل وأقبلنا معه, فحانت منه التفاتة (¬2) فرأى ناساً قياماً فقال: ما يصنع هؤلاء؟ قلنا: يسبحون، قال: لو كنت مسبحاً لأتممت". ومراد ابن عمر أنه لو كان مخيراً بين الإتمام وصلاة الراتبة لكان الإتمام أحب إليه، لكنه فهم من القصر التخفيف، فلذلك كان لا يصلي الراتبة ولا يتم. الثاني: حديث (البراء بن عازب). 2 - وعن البراء - رضي الله عنه - قال: "صَحِبْتُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَفَرَاً فَماَ رَأَيْتُهُ ترَكَ رَكْعَتَيْنِ إِذَا زَاغَتِ الشَّمْسُ قَبْلَ الظُّهْرِ". أخرجه أبو داود (¬3)، والترمذي (¬4). [ضعيف] قوله: " أخرجه أبو داود والترمذي". قلت: قال الترمذي (¬5): حديث البراء حديث غريب وسألت محمداً عنه فلم يعرفه إلا من حديث الليث بن سعد، ولم يعرف اسم أبي بسرة الغفاري ورآه حسناً. قلت: يريد بأبي بسرة رواية عن البراء، وهو تابعي لا يعرف اسمه ولم يرو عنه غير صفوان بن سليم. ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (8/ 689). (¬2) في "صحيح مسلم": التفاتة نحو حيث صلّى. (¬3) في "السنن" رقم (1222). (¬4) في "السنن" رقم (550) وقال الترمذي: حديث غريب وسألت محمداً عنه, فلم يعرف إلا من حديث الليث بن سعد، ولم يعرف اسم أبي بسرة, ورآه حسناً قال أبو بسرة: لا يعرف فهو علة الحديث. وهو حديث ضعيف. (¬5) في "السنن" (2/ 435).

وليس له في الكتب الستة غير هذا الحديث عند الترمذي وابن ماجه (¬1). [510/ أ]. ثم قال الترمذي (¬2): وروي عن ابن عمر: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان لا يتطوع في السفر قبل الصلاة ولا بعدها" وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أنه كان يتطوع في السفر". ثم اختلف (¬3) أهل العلم بعد النبي - صلى الله عليه وسلم -، فرأى بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يتطوع الرجل في السفر، وبه يقول أحمد (¬4) وإسحاق، ولم تر طائفة من أهل العلم أن يصلي قبلها ولا بعدها، ومعنى من لم يتطوع في السفر قبول الرخصة، ومن تطوع فله في ذلك فضل كبير، وهو قول أكثر أهل العلم يختارون التطوع في السفر. انتهى. قلت: أبو بسرة (¬5) بضم الموحدة فسين مهملة ساكنة فراء مفتوحة, ووقع في نسخة من أبي داود بصرة بالصاد المهملة، وهو غير صحيح، فأبو بصرة صحابي معروف. وقول الترمذي: أن البخاري رأى حديث أبي بسرة حسن مشكل للجهالة باسمه، وكأنها لا تضر عنده. [223 ب]. الثالث: حديث (نافع). 3 - وعن نافع قال: كَانَ ابْنَ عُمَرَ يَرَى وَلَدْهُ عُبَيْدَ الله يَتَنَفَّلُ فِي السَّفَرِ فَلَا يُنْكِرُ عَلَيْهِ. أخرجه مالك (¬6). [ضعيف] ¬

_ (¬1) لم يخرجه ابن ماجه. والله تعالى أعلم. (¬2) في "السنن" (2/ 436). (¬3) قاله الترمذي في "السنن" (2/ 436). (¬4) "المغني" لابن قدامة (3/ 155 - 157). (¬5) انظر: "التقريب" (2/ 395 رقم 13). (¬6) في "الموطأ" (1/ 150 رقم 24) وهو أثر موقوف ضعيف.

قوله: "فلا ينكر عليه"، قال ابن عبد البر (¬1): هذا خلاف ما روي عن ابن عمر: "لو تنفلت في السفر لأتممت" إلا أن ابن عمر قد احتج لفعل ذلك بما نذكره عنه بعد. قال (¬2): والآثار كلها على أن الإنسان مخير في النافلة وفي صلاة السنة الركعتين قبل الظهر وبعدها، وبعد المغرب إن شاء فعل ذلك فحصل على ثوابه، وإن شاء قصر عنه. ومعلوم (¬3) أن المؤمن مخير في فعل النافلة في الحضر، فكيف في السفر؟ وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتنفل في السفر وفيه الأسوة. انتهى. الرابع: حديث (عائشة). 4 - وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: اعْتَمَرَتُ مَعَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى إِذَا قَدَمْتُ مَكَّةَ قُلْتُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ الله، قَصَرْتَ وَأَتْمَمْتُ، وَأَفْطَرْتَ وَصُمْتُ؟ قَالَ: "أَحْسَنْتِ يَا عَائِشَةُ". وَمَا عَابَ عَلَىَّ. أخرجه النسائي (¬4). [ضعيف] ¬

_ (¬1) في "الاستذكار" (6/ 121) رقم (8212، 8213). (¬2) ابن عبد البر في "الاستذكار" (6/ 12 رقم 8214). (¬3) ذكره: ابن عبد البر في "الاستذكار" (6/ 121 رقم 8215). (¬4) في "السنن" رقم (1456). وأخرجه الدارقطني في "السنن" (2/ 188رقم 39)، وقال الدارقطني عقب الحديث (40): (الأول متصل وهو إسناد حسن، وعبد الرحمن قد أدرك عائشة, ودخل عليها وهو مراهق، وهو مع أبيه وقد سمع منها). وأخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (3/ 142)، وقال: إسناده صحيح. وذكر صاحب التنقيح أن هذا المتن منكر، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يعتمر في رمضان قط. قلت: أخرج البخاري رقم (1778)، ومسلم رقم (1253) عن قتادة: سألت أنساً - رضي الله عنه -: كم اعتمر النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: أربع؛ عمرة الحديبية في ذي القعدة حيث صدّه المشركون, وعمرة من العام المقيل في ذي القعدة حيث صالحهم، وعمرة الجعرانة إذا قسم غنيمة - أراه - حنين. قلت: كم حجَّ؟ قال: واحدة. =

قوله: "اعتمرت" لا أدري أي عمرة أرادت، فإنه - صلى الله عليه وسلم - اعتمر عمرتين من المدينة، عمرة الحديبية وعمرة القضاء والثالثة: من الجعرانة، والرابعة مع حجته. قوله: "قصرت" بفتح المثناة الفوقية و (أتممت) بضمها و (أفطرت) مثل الأولى و (صمتُ) مثل الثانية. والحاصل أن عائشة أخبرت بأنها أتمت صلاتها وصامت في السفر، وهو - صلى الله عليه وسلم - أفطر وقصر، وروت عائشة أيضاً "أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يقصر في السفر ويتم ويصوم ويفطر". قال ابن القيم (¬1): أنه قال ابن تيمية هو كذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. انتهى. قلت: الحديث أخرجه عن عائشة الدارقطني (¬2) والبيهقي (¬3). قال الدارقطني (¬4): إسناده صحيح. وأقره ابن الجوزي، وارتضاه الذهبي وقال ابن حجر (¬5): رجاله ثقات، وقال البيهقي (¬6): له شواهد جملة. ثم ذكر ابن القيم (¬7) حديث عائشة في أنها أتمت وصامت، قال: قال شيخنا - يريد ابن تيمية - هذا باطل، ما كانت [224 ب] أم المؤمنين لتخالف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجميع أصحابه، ¬

_ = وقال النووي في "الخلاصة كما في نصب الراية" (2/ 192): في هذا الحديث إشكال، فإن المعروف أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يعتمر إلا أربع عمر. كلهن في ذي القعدة. (¬1) في "زاد المعاد" (1/ 454 - 455). (¬2) في "السنن" (2/ 188 رقم 39) وقد تقدم. (¬3) في "السنن الكبرى" (3/ 142) وقد تقدم. (¬4) في "السنن" (2/ 188). (¬5) في "التلخيص" (2/ 92 - 93). (¬6) في "السنن الكبرى" (3/ 142). (¬7) في "زاد المعاد" (1/ 454 - 455).

فتصلي خلاف صلاتهم، كيف والصحيح عنها "إن الله فرض الصلاة ركعتين ركعتين فلما هاجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة زيد في صلاة الحضر وأقرت صلاة السفر" (¬1). فكيف يظن بها مع ذلك أن تصلي بخلاف صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين معه؟. انتهى. إذا عرفت هذا فقد ردّ ابن تيمية الحديثين بمجرد الاستبعاد بأن عائشة لا تخالف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه, وهو محل النزاع، فإنها قد روت عنه أنه أتم وصام، وصححت الرواية كما سمعت فلم تخالفه بل فعلت أحد فعليه. وأما قوله: كيف والصحيح عنها أنها فرضت الصلاة ركعتين ركعتين، إلى قوله: وأقرت في السفر، فهذا لا ينافي أن القصر رخصة والتمام عزيمة, فإن المراد أقرت أي كانت أحد الجائزين. وابن تيمية لاعتقاده وجوب القصر ردّ ما روي كما سمعت، والحق ما قاله ابن عبد البر (¬2): إن إتمام عائشة في السفر، يدل على أنها علمت أن القصر ليس بواجب، وأنه رخصة، وتوسعة، فالناس مخيرون في قبولها. قال (¬3): ولا يظن عاقل بها تعمد إفساد فرضها بالزيادة فيه ما ليس منه عامداً لذلك فضلاً عن عالم، وقد ذكر أنه ذهب أكثر العلماء من السلف والخلف في قصر الصلاة أنه سنة غير واجب، ومنهم من يجعله مستحباً ويخير المسافر في الإتمام والقصر؛ لأنه عندهم رخصة وتوسعة. ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد (2/ 56)، والبخاري رقم (1102)، ومسلم رقم (8/ 689). (¬2) انظر: "التمهيد" (61/ 294). "الاستذكار" (6/ 42، 69 - 67). (¬3) ابن عبد البر في "الاستذكار" (6/ 67 - 68).

وظاهر القرآن يدل على أنه ليس بفرض؛ لأنه لا يقال في الفرض (لا جناح) على من جعله وقد قال تعالى: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} (¬1) كما قال: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ} (¬2)، ومثله كثير. وتحصيل مذهب مالك (¬3) أن القصر في السفر سنة [225 ب] مؤكدة لا فريضة، وهو قول الشافعي. [511/ أ]. قال أبو عمر (¬4): وأصحاب الشافعي اليوم على أن المسافر مخير بين القصر والإتمام، وكذلك قال جماعة الفقهاء البغداديين عنهم. انتهى. قال ابن القيم (¬5) بعد كلام شيخه ابن تيمية: قلت: وقد أتمت عائشة بعد موت النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ابن عباس وغيره أنها تأول كما تأول عثمان ثم ذكر تأويلات. قال في "تسير البيان" (¬6) نقلاً عن الشافعي: أن عائشة عملت بما روت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أي: أنه أتم وقصر وصام وأفطر، وقد صح عنه: "أنه صام في سفر الفتح في رمضان". قال ابن عبد البر (¬7) لما ذكر إتمام عائشة والتأويلات ما لفظه: وأولاها عندنا بالصواب والله أعلم: أنها علمت من قصر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما خير بين القصر والتمام اختار القصر؛ لأنه ¬

_ (¬1) سورة النساء الآية (101). (¬2) سورة البقرة الآية (236). (¬3) ذكره ابن عبد البر في "الاستذكار" (6/ 65 رقم 7912). (¬4) في "الاستذكار" (6/ 67). (¬5) في "زاد المعاد" (1/ 448 - 453). (¬6) (1/ 314 - 315). (¬7) في "الاستذكار" (6/ 68 رقم 7942).

[الباب التاسع]: في صلاة الخوف

الأيسر على أمته وقالت: "ما خير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً" (¬1). فأخذت هي بالرخصة إذ كان مباحاً لها في حكم التخيير. انتهى. قوله: "أخرجه النسائي". بَابُ فِي صَلاةَ الخَوْفِ 1 - عن سهل بن أبي حثمة - رضي الله عنه - قال: صَلَّى النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِأَصْحَابِهِ فِي الخَوْفِ، فَصَفَّهُمْ خَلْفَهُ صَفَّيْنِ، فَصَلَّى بِالَّذِينَ يَلُونَهُ رَكْعَةً ثُمَّ قَامَ، فَلَمْ يَزَلْ قَائِمًا حَتَّى صَلَّى الَّذِينَ خَلْفَهُ رَكعَةً، ثُمَّ تَقَدَّمُوا وَتَأَخَّرَ الَّذِينَ كَانُوا قُدَّامَهُمْ، فَصلَّى بِهِمْ رَكْعَةً, ثُمَّ قَعَدَ حَتَّى صَلَّى الَّذِينَ تَخَلَّفُوا رَكْعَةً، ثُمَّ سَلَّمَ. أخرجه الستة (¬2). [صحيح] قوله: "عن سهل (¬3) بن أبي حثمة" بفتح الحاء المهملة وسكون المثلثة, وأبو حثمة اسمه عبد الله. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (3560)، ومسلم رقم (2327)، وأبو داود رقم (4785)، وأحمد (6/ 116). ومالك (2/ 902 - 903)، والبيهقي في "السنن" (7/ 41)، وفي "الشعب" رقم (8067)، وأبو يعلى رقم (4382). (¬2) أخرجه البخاري رقم (4131)، ومسلم رقم (309/ 841)، والترمذي رقم (566)، وأبو داود رقم (1237)، والنسائي في "المجتبى" (3/ 170 - 171) , وفي "السنن الكبرى" رقم (1937)، وابن ماجه رقم (1259). وأخرجه أحمد (3/ 448)، والدارمي (1/ 358)، وابن خزيمة رقم (1357)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/ 310)، والطبراني في "المعجم الكبير" رقم (5632)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (3/ 253 - 254) , وفي "المعرفة" رقم (6710)، وفي "الدلائل" (3/ 377)، وهو حديث صحيح. (¬3) ذكره ابن الأثير في "تتمة جامع الأصول" (1/ 452 - قسم التراجم). وانظر: "التقريب" (1/ 335 رقم 550).

وقيل: عبيد، وقيل: عامر بن ساعدة بن عامر الحارثي الخزرجي ولد لثلاث من الهجرة. قوله: " - صلى الله عليه وسلم - بأصحابه في الخوف ... " الحديث. اعلم [226 ب] أنه ورد في كيفية صلاة الخوف صفات كثيرة، قال: ومال [أحمد] (¬1) إلى ترجيح (¬2) حديث سهل بن أبي حثمة، وكذا رجحه الشافعي (¬3). انتهى. قلت: قال ابن اقم في "الهدي" (¬4) أنه قال أحمد: كل حديث يروى في باب صلاة الخوف العمل به جائز. وقال: ستة أوجه أو سبعة، تروى كلها جائز. وقال الأثرم (¬5): قلت لأبي عبد الله يقول بالأحاديث كلها كل حديث في موضعه, أو يختار واحداً منها؟ قال (¬6): أنا أقول: من ذهب إليها كلها فحسن. انتهى. قال ابن حزم (¬7): صح فيها أربعة عشر وجهاً وبينها في جزء منفرد. وقال ابن العربي في "القبس" (¬8): جاء فيها روايات كثيرة أصحها ستة عشر رواية مختلفة ولم يبينها. ¬

_ (¬1) سقطت من (ب). (¬2) "المغني" (3/ 302). (¬3) "الأم" (2/ 438 - 439). (¬4) في "زاد المعاد" (1/ 512 - 513). (¬5) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 431)، وانظر: "زاد المعاد" (1/ 512 - 513). (¬6) ابن القيم في "زاد المعاد" (1/ 513). (¬7) في "جزء مفرد كما في فتح الباري" (2/ 431). (¬8) (1/ 375)، وانظر: "عارضة الأحوذي" (3/ 45).

وقال النووي نحوه في "شرح مسلم" (¬1): ولم يبينها أيضاً، وقد بينها شيخنا الحافظ أبو الفضل في "شرح الترمذي" وزاد وجهاً آخر فصارت سبعة عشر وجهاً، لكن يمكن أن تداخل. قال ابن القيم (¬2): هؤلاء كلما رأوا اختلاف الرواة في قضية جعلوا ذلك وجوهاً من فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإنما هو من اختلاف الرواة. انتهى. وقال ابن عبد البر في "الاستذكار" (¬3): إن كل الذي روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الخوف ستة أوجه. قال: وقد ذكرناها كلها من طرق في "التمهيد" (¬4)، وذكر من ذهب إليها من العلماء. أحدها: حديث ابن عمر (¬5) ومن تابعه. والثاني: حديث سهل (¬6) بن أبي حثمة ومن تابعه. والثالث: حديث ابن مسعود (¬7) ومن تابعه. ¬

_ (¬1) (6/ 226) (¬2) في "زاد المعاد" (1/ 513). (¬3) (6/ 75 - 77). (¬4) (5/ 257 - 281). (¬5) أخرجه البخاري رقم (4133)، ومسلم رقم (305/ 839)، وأحمد (2/ 132، 147، 148). وهو حديث صحيح. (¬6) تقدم، وهو حديث صحيح. (¬7) وهو حديث صحيح، انظر: "الاستذكار" (7/ 77 - 79).

والرابع: حديث أبي عياش (¬1) الزرقي، وما كان مثله على حسب ما ذكرناه في "التمهيد" (¬2) [227/ ب]. والخامس: حديث حذيفة (¬3)، وما كان مثله. والسادس: حديث أبي بكرة (¬4)، وحديث جابر (¬5): "أنه - صلى الله عليه وسلم - صلى لكل طائفة من الطائفتين فكانت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربعاً، ولأصحابه ركعتين ركعتين" وبذلك كان يفتي الحسن البصري (¬6) وهو قول يقوله كل من أجاز اختلاف نية الإمام، والمأموم في الصلاة. قال (¬7): وقالت طائفة منهم أبو يوسف وابن علية: لا تصلى صلاة الخوف بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - بإمام واحد، وإنما تصلى بإمامين، يصلي كما واحد منهما بطائفة ركعتين، واحتجوا بقوله تعالى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ} (¬8) الآية. قالوا (¬9): فإذا لم يكن فيهم لم يكن ذلك لهم؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - ليس كغيره في ذلك، ولم يكن من أصحابه من يؤثر بنصيبه فيه غيره، وكلهم كان يحب أن يصلي معه، ويأتم به، وليس أحد يقوم في الفضل مقامه، والناس بعده تستوي أحوال أهل الفضل منهم أو تتقارب. ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد (4/ 59/ 60)، وأبو داود رقم (1236)، والنسائي رقم (1550)، وهو حديث صحيح. (¬2) (5/ 257 - 281). (¬3) أخرجه أبو داود رقم (1246)، والنسائي (1530)، وهو حديث صحيح. (¬4) أخرجه أحمد (5/ 39، 49)، والنسائي رقم (1555)، وأبو داود رقم (1248)، وهو حديث صحيح. (¬5) أخرجه البخاري قم (4136)، ومسلم رقم (311/ 843)، وأحمد (3/ 364). (¬6) ذكره ابن عبد البر في "الاستذكار" (7/ 77 رقم 9720). (¬7) ابن عبد البر في "الاستذكار" (7/ 79 - 80). (¬8) سورة النساء الآية (102). (¬9) ذكره ابن عبد البر في "الاستذكار" (7/ 80 رقم 9731).

وليس بالناس (¬1) حاجة إلى إمام واحد عند الخوف، بل يصلي بطائفة إن شاؤا منهم وتحترس الأخرى، فإذا فرغت صلى بالناس من يقدمونه. هذه جملة (¬2) ما احتج به من ذهب مذهب أبي يوسف في ذلك. قال (¬3): ومن الحجة لنا عليه كسائر العلماء إجماعهم على أن قوله: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} (¬4)، ينوب فيها منابه [512/ أ]، ويقوم مقامه الخلفاء، والأمراء بعده، فكذلك قوله: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ} (¬5). ومن الدليل (¬6) على أن ما خوطب به فأمته فيه مثله قوله: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} (¬7) الآية، ومثله: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ [228 ب] يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ} (¬8)، هو المخاطب فيه وأمته داخلة في ذلك ومثله كثير. انتهى. ثم لا يخفى أن رواية ابن أبي خيثمة فيما إذا لم يكن العدو في القبلة فإن كان في جهتها فهي الصفة المذكورة في حديث جابر الآتي. قوله: "أخرجه الستة". ¬

_ (¬1) قاله ابن عبد البر في "الاستذكار" (7/ 80 رقم 9732). (¬2) قاله ابن عبد البر في "الاستذكار" (7/ 80 رقم (9733). (¬3) قاله ابن عبد البر في "الاستذكار" (7/ 80 رقم (9733). (¬4) سورة التوبة الآية (103). (¬5) سورة النساء الآية (102). (¬6) قاله ابن عبد البر في "الاستذكار" (7/ 9735). (¬7) سورة الأحزاب الآية (37). (¬8) سورة الأنعام الآية (68).

- وفي أخرى لمالك (¬1): صَلاَةَ الخَوْفِ أَنْ يَقُومَ الإِمَامُ وَمَعَهُ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَطَائِفَةٌ مُوَاجِهَةُ العَدُوِّ، فيرْكَعُ الإِمَامُ رَكْعَةً، وَيَسْجُدُ بِاللَّذِينَ مَعَهُ، ثُمَّ يَقُومُ، فَإِذَا اسْتَوَى قَائِمًا ثَبَتَ وَأَتَمُّوا لأَنْفُسِهِمُ الرَّكْعَةَ البَاقِيَةَ, ثُمَّ يُسَلِّمُوا وَيَنْصَرَفُونَ وَالإِمَامُ قَائِمٌ، فَيَكُونُونَ وُجَاهَ العَدُوِّ، ثُمَّ يُقْبِلُ الآخَرُونَ الَّذِينَ لَمْ يُصَلُّوا فَيُكَبِّرُونَ وَرَاءَ الإِمَامِ، فيْرْكَعُ بِهِمْ رَكْعَةً وَيَسْجُدُ ثُمَّ يُسَلِّمُ، فَيقُومُونَ فيرْكَعُونَ لأَنْفُسِهِمُ الرَّكعَةَ البَاقِيَةَ ثُمَّ يُسَلِّمُونَ. [صحيح] الحديث الثاني: حديث (جابر). 1 - وعن جابر - رضي الله عنه - قال: "كنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِذَاتِ الرِّقَاعِ، فَإِذَا أَتَيْنَا عَلَى شَجَرَةٍ ظَلِيلَةٍ تَرَكْنَاهَا لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ المُشْرِكيِنَ وَسَيْفُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مُعَلَّقٌ بِالشَّجَرةِ, فَاخْترَطَهُ فَقَالَ: تخَافُنِي؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَمَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ قَالَ: الله. فَتَهَدَّدهُ أَصْحَابُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ، فَصَلَّى بِطَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ تَأَخَّرُوا، وَصَلَّى بِالطَّائِفَةِ الأُخْرَى رَكْعَتينِ. فَكَانَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَرْبعٌ، وَلِلْقَوْمِ رَكْعَتَانِ". أخرجه الشيخان (¬2)، والنسائي (¬3). [صحيح] "اخْتَرَطَ (¬4) السَّيْفَ" إذا استله من غمده. قوله: "بذات الرقاع" في رواية: "بنخل" وهو اسم مكان من المدينة على يومين، وهو بواد يقال له: شرخ، بشين معجمة بعدها مهملة ساكنة، وخاء معجمة، وبذلك الوادي طوائف من قيس، وبني فزارة وأشجع، ذكره أبو عبيد البكري ونقله الحافظ في "الفتح" (¬5). ¬

_ (¬1) في "الموطأ" (1/ 183 - 184 رقم 2) وأخرجه البخاري رقم (4131)، ومسلم رقم (841). وهو حديث صحيح. (¬2) أخرجه البخاري رقم (4136)، ومسلم رقم (311/ 843). (¬3) في "السنن" رقم (1554) وهو حديث صحيح. (¬4) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (1/ 482). (¬5) (7/ 417).

قوله: "ظليلة" كثيرة الظل. قوله: "رجل" اسمه غورث بن الحارث قاله البخاري (¬1) عن مسدد، عن أبي عوانة, عن أبي بشر. وحديث جابر هذا ساقه ابن الأثير (¬2) بروايات كثيرة مختلفة مطولة ومختصرة, الذي ذكره المصنف أحدها. قوله: "فصلى بطائفة ركعتين ... " إلى آخره, هذه الرواية نسبها ابن الأثير إلى النسائي وحده، ولها عنده ألفاظ بمعنى ما هنا إلاّ أن صلاته - صلى الله عليه وسلم - أربعاً لكل طائفة ركعتين لم تثبت إلا في رواية النسائي (¬3) كما في "جامع الأصول" (¬4) والمصنف داخل الروايات، وضم بعضها إلى بعض ونسبها إلى الشيخين والنسائي. الثالث: 3 - وعن أبي عياش الزرقي - رضي الله عنه - قال: "كُنَّا مَعَ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - بِعُسْفَانَ وَعَلَى المُشْرِكِينَ خَالِدُ بْنُ الوَلِيدِ، فَصَلَّيْنَا الظُّهْرَ. فَقَالَ المُشْرِكُونَ: لَقَدْ أَصَبْنَا غفْلَةً لَوْ كُنَّا حَمَلْنَا عَلَيْهِمْ وَهُمْ فِي الصَّلاَةِ؟ فَنَزَلَتْ آيةُ القَصْرِ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالعَصْرِ، فَلَمَّا حَضَرَتِ الصَّلَاة قَامَ - صلى الله عليه وسلم - مُسْتَقْبِلَ القِبْلةِ, وَالمُشْرِكُونَ أَمَامَهُ فَصَفَّ خَلْفَهُ صَفٌّ, وَصَفَّ بَعْدَ ذَلِكَ الصَّفِّ صَفٌّ آخَرُ، فَرَكَعَ رَسُوُل الله - صلى الله عليه وسلم - وَرَكَعُوا جَمِيعًا، وَسَجَدَ وَسَجَدَ مَعَه الصَّفُّ الَّذِي يَلِيِهِ، ثُمَّ قَامَ الآخَرُونَ يَحْرُسُونَهُمْ، فَلَمَّا صَلَّى هَؤُلاَءِ السَّجْدَتيْنِ وَقَامُوا سَجَدَ الآخَرُونَ الَّذِينَ كَانُوا خَلْفَهُمْ، ثُمَّ تَأَخَّرَ الصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ إِلَى مُقَامِ الآخَرِينَ، وَتَقَدَّمَ الصَّفُّ الأَخِيرُ إِلَى مُقَامِ الصَّفِّ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) في "صحيحه" (2/ 426 رقم 4136). (¬2) في "الجامع" (5/ 735 - 737). (¬3) في "السنن" رقم (1554). (¬4) (5/ 735 - 737).

وَرَكَعُوا جَمِيعًا، ثُمَّ سَجَدَ وَسَجَدَ مَعَه الصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ، وَقَامَ الآخَرُونَ يَحْرُسُونَهُمْ، فَلَمَّا جَلَسَ - صلى الله عليه وسلم - وَالصفُّ الَّذِي يَلِيهِ سَجَدَ الآخَرُونَ، ثُمَّ جَلَسُوا جَمِيعًا فَسَلَّمَ بِهِمْ جَمِيعًا". أخرجه أبو داود (¬1)، والنسائي (¬2). [صحيح] حديث: "أبي عياش (¬3) " بكسر العين المهملة, وتشديد المثناة التحتية، وشين معجمة آخره، هو أبو عياش لا ابن عباس، المخزومي ويقال الورقي المديني. قوله: "بعسفان (¬4) " بضم المهملة الأولى وسكون الثانية [229 ب] ففاء آخره نون محل معروف. قوله: "خالد بن الوليد"، وذلك قبل إسلامه، وهذه الصفة التي ذكرها هي إحدى الصفات كما عرفت، وهي صلاته والعدو في قبلتهم، فقد أحرزوا معه - صلى الله عليه وسلم - تكبيرة الإحرام، والسلام، دخلوا بدخوله وخرجوا بخروجه. الرابع: حديث (ابن عمر). 4 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: "صَلَّى النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - صَلاَةَ الخَوْفِ بِإِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ رَكْعَةً وَاحِدَةً، وَالطَّائِفَةُ الأُخْرَى مُوَاجِهَةُ العَدُوِّ، ثُمَّ انْصَرَفُوا وَقَامُوا فِي مُقَامِ أَصْحاَبِهِم مُقْبِلِينَ عَلىَ ¬

_ (¬1) في "السنن" (1236). (¬2) في "السنن" رقم (1550). وأخرجه أحمد (4/ 59, 60) وهو حديث صحيح. (¬3) قال ابن حجر في "التقريب": (2/ 458 رقم 220) أبو عياش الزرقي الأنصاري، صحابي، روى حديثاً في صلاة الخوف , وشهد أحداً وما بعدها مات بعد الأربعين. (¬4) تقدم ذكرها.

العَدُوِّ، وَجَاءَ أُولَئِكَ فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَةً, ثُمَّ قَضَى هَؤُلاَءِ رَكْعَةً وَهَؤُلاَءِ رَكْعَةً". أخرجه الستة (¬1). [صحيح] وهو أيضاً أحد الصفات. والخامس: حديث (أبي هريرة). 5 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: "نَزَلَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَ ضَجْنَانَ وَعُسْفَانَ مُحَاصِرَ المُشْرِكِينَ. فَقَالَ المُشْرِكُونَ: إِنَّ لِهَؤُلَاءِ صَلَاةً هِيَ أَحَبُّ إِلَيْهِمْ مِنْ أَبْنَائِهِمْ وَأَبْكَارِهِمْ، وَهِيَ العَصْرُ فَاَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ فَمِيلُوا عَلَيْهِمْ مَيْلَةً وَاحِدةً وَإِنَّ جِبْرِيلَ - عليه السلام - أَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَمَرَهُ أَنْ يَقْسِمَ أَصْحَابَهُ نِصْفينِ، فَيُصَلِّيَ بَطَائِفَةٍ مِنْهُمْ، وَتَقُومُ طَائِفَةٌ أُخْرَى وَرَاءَهُمْ، وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ فَيُصَلَّي بِهمْ رَكْعَةً, ثُمَّ يَتَأْخَّرُ هَؤُلَاءِ وَيَتَقَدَّمُ أُولَئِكَ، فَيُصَلَّي بِهمْ رَكْعةً, فَتكُونُ لهُمْ مَعَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - رَكْعَةٌ رَكْعَةٌ وَللنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - رَكْعَتَانِ". أخرجه أصحاب السنن (¬2). [صحيح] واللفظ لغير الترمذي. قوله: "ضجنان" بالضاد المعجمة، فجيم فنون. قال في "القاموس" (¬3): كسكران جبلٌ قرب مكة وجبل آخر بالبادية. قوله: "فقال المشركون" في روايته في "الجامع": "فصلينا الظهر، فقال المشركون: لقد أصبنا غفلة لو كنا حملنا عليهم وهم في الصلاة, فنزلت آية القصر بين الظهر العصر". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (4133)، ومسلم رقم (839)، وأبو داود رقم (1243)، وابن ماجه رقم (1258)، والترمذي رقم (564)، والنسائي رقم (153، 1544). وهو حديث صحيح. (¬2) أخرجه أبو داود رقم (1240)، والترمذي رقم (3028)، والنسائي (1543)، وهو حديث صحيح. (¬3) "القاموس المحيط" (ص 1563).

قوله: "وأمهاتهم" (¬1) لفظه في "الجامع" (¬2): "هي أحب إليهم من أبناءهم وأموالهم" (¬3)، وذكر ابن الأثير أن في رواية النسائي (¬4): "من أبناءهم وأبكارهم" ولم أجد فيه: "وأمهاتهم" (¬5). قوله: "وإن جبريل أتى فأمره أن يقسم أصحابه" فيه: دليل أن هذه أول صلاة صليت للخوف. الحديث السادس: 6 - وعن عبد الله بن أنيس - رضي الله عنه - قال: بَعَثَنِي رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -نَحْوَ خَالِدِ بْنِ سُفْيَانَ الهُذَلِيِّ أَنْ أَقْتُلَهُ، وَكَانَ نَحْوَ عُرَنَةَ وَعَرَفَاتٍ فَقَالَ: "اذْهَبْ فَاقْتُلْهُ". فَرَأَيْتُهُ وَحَضَرَتْ صَلاَةُ العَصْرِ. فَقُلْتُ إِنِّي لأَخَافُ أَنْ يَكُونَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ مَا أَنْ أُؤَخِّرَ الصَّلاَةَ. فَانْطَلَقْتُ أَمْشِى وَأَنَا أُصَلِّى أُومِئُ إِيمَاءً. فَلَمَّا دَنَوْتُ مِنْهُ قَالَ لِي: مَنْ أَنْتَ؟ قُلْتُ: رَجُلٌ مِنَ العَرَبِ بَلَغَنِي أَنَّكَ تَجْمَعُ لِهَذَا الرَّجُلِ فَجِئْتُكَ فِي ذَلِكَ. فَقَالَ: إِنِّي لَفِي ذَلِكَ. فَمَشَيْتُ مَعَهُ سَاعَةً حَتَّى إِذَا أَمْكَنَنِي عَلَوْتُهُ بِالسَيْفِ حَتَّى بَرَدَ. أخرجه أبو داود (¬6). [ضعيف] حديث: "عبد الله بن أُنيس" [230 ب] بصيغة التصغير ترجم أبو داود (¬7) هذا الحديث بقوله: باب في صلاة الطالب. ¬

_ (¬1) كذا في الشرح، والذي في نص الحديث: (من أبنائهم وأبكارهم). (¬2) (5/ 745 رقم 4059). (¬3) وفي النسخة التي بين يدينا: (آباءهم وأبنائهم). (¬4) في "السنن" رقم (1544)، والذي فيه: (أبنائهم وأبكارهم). (¬5) وهو كما قال. (¬6) في "السنن" رقم (1249). وأخرجه أحمد (3/ 496)، وأبو يعلى رقم (905)، وابن خزيمة رقم (983)، وابن حبان رقم (7160)، بسند ضعيف، لجهالة ابن عبد الله بن أُنيس. وهو حديث ضعيف. (¬7) في "السنن" (2/ 41 الباب رقم 289).

قوله: "نحو خالد" لفظ "الجامع" (¬1): "أبي خالد" وهو لفظ "سنن أبي داود" (¬2). قوله: "أن أقتله" لفظه في "الجامع" (¬3) و"السنن" أيضاً: "قال: اذهب فاقتله". "وكان نحو عرنة وعرفات" هذا اللفظ مقدم في "الجامع" و"السنن" عن قوله: "اذهب فاقتله" ولفظهما هكذا: "وكان نحو عرنة وعرفات، قال: اذهب فاقتله"، فقدم المصنف، وأخّر (¬4) وبدل، فتأمل. قوله: "ما يؤخر الصلاة" أي: من قتال هذا، وهذا اللفظ - أي: ما يؤخر الصلاة - لم أجده في "سنن أبي داود" وهو في "الجامع" (¬5) كأنها نسخة من أبي داود، غير ما وقعت عليه. قوله: "فانطلقت نحوه" لفظ "الجامع" (¬6) و"السنن" (¬7) أيضاً: "فانطلقت أمشي وأنا أصلي أومئ إيماءً نحوه" فأخّرا لفظ: "نحوه" وقدّمها (¬8) المصنف. قوله: "قال: من أنت" لفظه في "الجامع" (¬9)، و"السنن" (¬10) (قال لي). ¬

_ (¬1) (5/ 749 رقم 4063). (¬2) في "السنن" رقم (1249). (¬3) (5/ 749 رقم 4063). (¬4) وهو كما قال الشارح. (¬5) (5/ 749 رقم 4063). (¬6) (5/ 749 رقم 4063). (¬7) في "سنن أبي داود" رقم (1249) وهو حديث ضعيف، وقد تقدم. (¬8) هذه اللغة ليست في نصّ حديث التيسير، لا بتقديم ولا بتأخير، وهي في "الجامع" و"سنن أبي داود". (¬9) (5/ 749 رقم 4063). (¬10) في "سنن أبي داود" رقم (1249) وهو حديث ضعيف، وقد تقدم.

قوله: "أخرجه أبو داود" زاد ابن الأثير (¬1): في باب سمّاه باب صلاة (¬2) الطالب، عقيب أبواب صلاة الخوف، وذكر رزين رواية زاد فيها: "وكان ساكناً بعرنة, وكان يجمع لقتال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ". وفيه: "قلت: إني لا أعرفه قال: إنه ثائر الرأس، كأنه شيطان إذا رأيته لم يخف عليك، قال فجئت فرأيته وعرفته". انتهى [231 ب]. قلت: وهذا فعل صحابي (¬3) اجتهاداً منه، ولعله أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقرّره على [513/ أ] ما فعل وهو الظاهر أنه يصف للنبي - صلى الله عليه وسلم - ما وقع له. قوله: "أخرجه أبو داود". ¬

_ (¬1) في "الجامع" (5/ 750). (¬2) في "سنن أي داود" (2/ 41 رقم 289). (¬3) انظر: "فتح الباري" (2/ 437). "الأوسط" (5/ 42 مسألة 712). "التمهيد" (5/ 277). قال الخطابي في "معالم السنن" (2/ 42): واختلفوا في صلاة الطالب فقال عوام أهل العلم: إذا كان مطلوباً كان له أن يصلي إيماء، وإذا كان طالباً نزل، إن كان راكباً وصلى بالأرض راكباً وساجداً، وكذلك قال الشافعي؛ إلا أنه شرط في ذلك شرطاً لم يشترطه غيره، قال: إذا قل الطالبون عن المطلوبين، وانقطع الطالبون, عن أصحابهم فيخافون عودة المطلوبين عليهم، فإذا كان هكذا كان لهم أن يصلوا يومئون إيماء. انظر: "الأم" (2/ 473) "المجموع شرح المهذب" (5/ 311).

القسم الثاني: من كتاب الصلاة في النوافل

القسم الثاني: من كتاب الصلاة في النوافل جمع نافلة (¬1)، وهي الزيادة, زادها الله على الفريضة فضلاً منه, ليكمل بها ما عساه يفرط فيه العبد من الفرائض، كما أخرج الحاكم في "الكنى" (¬2) عن ابن عمر، عنه - صلى الله عليه وسلم -: "أول ما افترض الله على أمتي الصلوات الخمس، وأول ما يسألون عن الصلوات الخمس، فمن كان ضيع شيئاً منها، يقول الله تبارك وتعالى: انظروا هل تجدون لعبدي نافلة من صلاة تتمون بها ما نقص من الفريضة, وانظروا في صيام عبدي شهر رمضان، إن كان ضيع شيئاً منه, فانظروا هل تجدوا لعبدي نافلة من صيام تتمون بها ما نقص من الصيام، وانظروا في زكاة عبدي إن كان ضيع شيئاً منها، فانظروا هل تجدون لعبدي نافلة من صدقة تتمون بها ما نقص من الزكاة, فيؤخذ ذلك على فرائض الله، وذلك لرحمته وعدله، فإن وجد فضلاً وضع في ميزانه وقيل له: ادخل الجنة مسروراً، وإن لم يوجد له شيء من ذلك أمرت به الزبانية فأخذ بيديه ورجليه, ثم قدف به في النار". انتهى. وله شواهد كثيرة. وأخرج الترمذي (¬3) عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر، فإن انتقص من فريضته شيئاً قال [232 ب] الرب تبارك وتعالى: انظروا هل لعبدي من تطوع فيكمل به ما انتقص من الفريضة, ثم تكون سائراً أعماله على ذلك". ¬

_ (¬1) انظر: "القاموس المحيط" (ص 1375)، "التعريفات" للجرجاني، (ص 315). (¬2) عزاه إليه صاحب "كنز العمال" (7/ 276 رقم 18859). (¬3) في "السنن" رقم (413) وقال: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه. وأخرجه أبو داود رقم (864)، وابن ماجه رقم (1425)، والنسائي (1/ 232)، وأحمد (5/ 72، 377)، والحاكم (1/ 263). وهو حديث حسن بشواهده.

الباب الأول: في النوافل المقرونة بالأوقات

قال الترمذي (¬1): وفي الباب عن تميم الداري. قال الترمذي (¬2): حديث أبي هريرة حسن غريب من هذا الوجه، وقد روي هذا الحديث، عن أبي هريرة من غير هذا الوجه. انتهى. قال العراقي في "شرح الترمذي": يحتمل ما انتقصه من السنن والهيئات المشروعة، فيها من الخشوع والأذكار والأدعية، وأنه يحصل له ثواب ذلك في الفريضة، وإن لم يفعله فيها، وإنما فعله في التطوع. ويحتمل أيضاً أن يزاد ما انتقص من فروضها وشروطها، ويحتمل: أن يزاد ما ترك من الفرائض ناسياً فلم يفعله فيعوض عنه من التطوع [514/ أ] وأنه تعالى يقبل من التطوعات الصحيحة عوضاً عن الصلوات المفروضة. وقال ابن العربي (¬3): الأظهر عندي أنه يكمل له ما انتقص من فروض الصلاة وأعدادها بفضل التطوع، وقوله: ثم الزكاة كذلك وسائر الأعمال، وليس في الزكاة فرض، ونقل فكما تكمل فرض الزكاة بنفلها، فكذلك الصلاة وفضل الله واسع. انتهى. وفيه: بابان الباب الأول: في النوافل المقرونة بالأوقات قوله: "الباب الأول: في النوافل المقرونة بالأوقات". جعل هذا ابن الأثير سبعة فصول والمصنف جعلها ستة فصول. [وفيه] (¬4): ستة فصول ¬

_ (¬1) في "السنن" (2/ 371). (¬2) في "السنن" (2/ 271). (¬3) في "عارضة الأحوذي" (2/ 207). (¬4) سقطت من (ب).

الفصل الأول: في رواتب الفرائض الخمس والجمعة

الفصل الأول: في رواتب الفرائض الخمس والجمعة الحديث الأول: حديث (ابن عمر). 1 - عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: "صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ وَرَكعَتَيْنِ بَعْدَهاَ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الجُمْعُةِ, وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ المَغْرِبِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ العِشَاءِ، فَأَمَّا المَغْرِبُ وَالعِشَاءُ فَفِي بَيْتِهِ". أخرجه الستة (¬1). [صحيح] قوله: "ركعتين قبل الظهر، وركعتين بعدها"، هذه عشر ركعات تضمنها الحديث. "فأمّا المغرب والعشاء ففي بيته" لفظ ابن الأثير (¬2): وفي رواية (¬3) بمعناه: وزاد: "فأما المغرب والعشاء ففي بيته". زاد البخاري (¬4) في رواية: "قال ابن عمر: وحدثتني حفصة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي ركعتين خفيفتين بعد ما يطلع الفجر" ويأتي [233 ب] في حديث عائشة قوله: "وركعتين بعد الجمعة" في رواية للشيخين (¬5): "وكان لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف - أي من المسجد - فيصليها في بيته". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (937)، وأطرافه في (1165، 1172، 1180)، ومسلم رقم (729، 882, 937)، وأبو داود رقم (1252)، والترمذي رقم (433، 434)، والنسائي رقم (873, 1427، 1428)، ومالك في "الموطأ" (1/ 166). وهو حديث صحيح. (¬2) في "الجامع" (6/ 3). (¬3) أخرجها البخاري في "صحيحه" رقم (1172). (¬4) في "صحيحه" رقم (1180). (¬5) سيأتي تخريجه.

وأخرج الترمذي (¬1) عن ابن عمر: "أنه كان إذا صلى الجمعة انصرف فصلى سجدتين في بيته, ثم قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصنع ذلك". قال الترمذي (¬2): حديث حسن صحيح. وأخرج أيضاً (¬3) عن أبي هريرة: "أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: من كان منكم مصلياً بعد الجمعة فليصل أربعاً". قال (¬4): هذا حديث حسن صحيح. فدلت الأحاديث على التخيير بين الركعتين والأربع. الحديث الثاني: حديث (عائشة). 2 - وعن عائشة - رضي الله عنها - قال: قَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ ثَابَرَ عَلَى ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً مِنْ السُّنَّةِ بَنَي الله لَهُ بَيْتًا فِي الجَنَّةِ: أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتيْنِ بَعْدَهَا، وَرَكْعَتيْنِ بَعْدَ المَغْرِبِ، وَرَكْعَتيْنِ بَعْدَ العِشَاءِ، وَرَكْعَتيْنِ قَبْلَ الفَجْرِ". أخرجه الترمذي (¬5)، والنسائي (¬6)، [صحيح] "المُثَابِرةُ" المواظبة. قوله: "من ثابر" بالمثلثة بعد الألف موحدة فراء. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (522)، وهو حديث صحيح. (¬2) في "السنن" (2/ 400). (¬3) الترمذي في "السنن" (523). وأخرجه أحمد (2/ 63)، ومسلم رقم (881)، وأبو داود رقم (1131)، وابن ماجه رقم (1132)، والنسائي رقم (1426). وهو حديث صحيح. (¬4) في "السنن" (2/ 400). (¬5) في "السنن" رقم (414). (¬6) في "السنن" رقم (1794، 1795). وهو حديث صحيح.

في "النهاية" (¬1): المثابرة: الحرص على الفعل والقول وملازمتهما. انتهى. أي: من [حافظ] (¬2) على فعلها وعدّها وهي التي في حديث ابن عمر إلا أنه زاد هنا: "ركعتين قبل الظهر" وزاد: "ركعتي الفجر" وحذف: ركعتي الجمعة. قوله: "أخرجه الترمذي". قلت: وقال (¬3): حديث عائشة حديث غريب من هذا الوجه، ومغيرة بن زياد قد تكلم فيه بعض أهل العلم من قبل حفظه. ثم أخرجه (¬4) من حديث أم حبيبة، وقال (¬5): إنه حسن صحيح. وذكره ابن الأثير (¬6) فقال: أم حبيبة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من صلى في يوم وليلة ثنتي عشرة بني له بيت في الجنة, وذكرت مثل حديث عائشة قال: "وركعتين قبل صلاة الغداة". انتهى. وقال: أخرجه الترمذي (¬7)، والنسائي (¬8). ¬

_ (¬1) (1/ 204) (¬2) في (أ) حفظ. (¬3) في "السنن" (2/ 273). (¬4) في "السنن" رقم (415). (¬5) في "السنن" (2/ 275). (¬6) في "الجامع" (6/ 5 رقم 4066). (¬7) في "السنن" رقم (415). (¬8) في "السنن" رقم (1801). وأخرجه أحمد (6/ 326)، ومسلم رقم (728)، وأبو داود رقم (1250)، وابن ماجه رقم (1141)، وهو حديث صحيح.

قلت: فلو أتى به المصنف لكان أولى؛ لأنه قد صحّحهُ الترمذي، وحديث عائشة غرّبه كما عرفت والإتيان بالصحيح [234 ب] أولى عند الاختصار. الحديث الثالث: حديث (عائشة). 3 - وعنها - رضي الله عنها - قال: صَلَاتَانِ لَمْ يَتَرَكَهُمَا رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - سِرًّا وَلَا عَلَانِيَةً فِي سَفَرْ وَلاَ حَضَرٍ، رَكْعَتَانِ قَبْلَ الفَجْرِ، وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ العَصْرِ. أخرجه الخمسة (¬1)، إلا الترمذي. [صحيح] قوله: "ركعتان بعد العصر" هاتان الركعتان هما اللتان صلاهما لما شغل عنهما، وهما راتبة الظهر فقضاهما بعد العصر، ثم لم يدعهما؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - كان إذا عمل عملاً أثبته، ولذا يقال: كان عمله ديمة. وأخرج أبو داود (¬2) عن عائشة: "أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي بعد العصر، وينهى عنها ويواصل وينهى عن الوصال". الحديث الرابع: حديث (علي - عليه السلام -). 4 - وعن علي - رضي الله عنه - قال: "كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّى فِي إِثْر كُلِّ صَلاَةٍ مَكْتُوبَةٍ رَكْعَتَينِ إِلاَّ الفَجْرَ وَالعَصْر". أخرجه أبو داود (¬3). [ضعيف] قوله: "إلا الفجر والعصر" أمّا العصر فقد ثبت حديث عائشة في صلاته بعد العصر، فحديث علي - عليه السلام - إخبار عمّا علمه. قوله: "أخرجه أبو داود". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (592)، ومسلم رقم (835)، وأبو داود رقم (1253)، والنسائي رقم (1757، 1758). وهو حديث صحيح. (¬2) في "السنن" رقم (1280) وهو حديث ضعيف. (¬3) في "السنن" رقم (1275)، وهو حديث ضعيف.

قلت: قال الحافظ المنذري (¬1): عاصم (¬2) بن حمزة وثقه يحيى بن معين وغيره، وتكلم فيه غير واحد. انتهى. وعاصم بن حمزة هو الذي رواه عن علي - عليه السلام -. الحديث الخامس: حديث (عائشة). 5 - وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "لَمْ يَكُنْ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَلَى شَيْءٍ مِنْ النَّوَافِلِ أَشَدَّ تَعَاهُدَاَ مِنْهُ عَلَى رَكْعَتَيْ الفَجْرِ". أخرجه الخمسة (¬3). [صحيح] وقد أفاده حديثها الأول بأنه ما تركهما في حضر ولا سفر. - وفي رواية لأبي داود (¬4) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: "لاَ تَدَعُوهُماَ وَلَوْ طَرَدَتْكُمُ الخَيْلُ". [ضعيف] - وفي أخرى للنسائي (¬5): "رَكْعَتَانِ قَبْلَ الفَجْرِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْياَ جَمِيِعاً". [صحيح] - وعنها (¬6) - رضي الله عنها - قالت: "كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يُصَلَّي رَكْعَتيْنِ خَفِيفَتْينِ بَيْنَ النِّدَاءِ وَالإِقَامَةِ مِنْ صَلاَةِ الصُّبْحِ". أخرجه الستة، إلا الترمذي. [صحيح] ¬

_ (¬1) في "مختصر السنن" (2/ 80). (¬2) انظر: "التقريب" (1/ 384 رقم 13)، "الميزان" (2/ 352 رقم 4052). (¬3) أخرجه البخاري رقم (1169)، ومسلم رقم (94/ 724)، وأبو داود رقم (1254)، والترمذي رقم (416)، والنسائي رقم (1759)، وهو حديث صحيح. (¬4) في "السنن" رقم (1258)، وهو حديث ضعيف. (¬5) في "السنن" رقم (1759). أخرجه أحمد (6/ 265)، ومسلم رقم (96/ 725)، والترمذي رقم (416). وهو حديث صحيح. (¬6) أخرجه البخاري رقم (1171)، ومسلم رقم (724)، وأبو داود رقم (1255)، والنسائي (3/ 256)، ومالك في "الموطأ" (1/ 127). وهو حديث صحيح.

- وفي أخرى (¬1): "كَانَ يُخَفِّفُهُمَا حَتَّى أَقُولَ: هَلْ قَرَأَ فِيهِمَا بِأُمِّ القُرْآنِ". - وفي أخرى للنسائي (¬2): "كَانَ إِذَا سَكَتَ المُؤَذِّنُ بَالأَذَانِ الأّوَّلِ مِنْ صَلَاةِ الفَجْرِ، قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الفَجْرِ بَعْدَ أَنْ يَسْتَبِينَ الفَجْرُ، ثُمَّ يَضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الأَيْمَنِ". [صحيح] قوله: "حتى أقول: هل قرأ فيهما بأم القرآن"، كأنها تشكك في ذلك، ولكنه قد ثبت، ويأتي عند أبي داود (¬3) من حديث ابن عباس: "أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ فيهما بـ {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا} (¬4) الآية، وفي الثانية: {رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ} (¬5) الآية". وأخرج (¬6) أيضاً عن أبي هريرة: "أنه - صلى الله عليه وسلم - قرأ في ركعتي الفجر بقل يا أيها الكافرون - أي: في الأولى - وقل هو الله أحد - أي: في الثانية". والمراد بهذا كله بعد الفاتحة. قوله: "فركع ركعتين [235 ب] خفيفتين" قيل الحكمة (¬7) في تخفيفهما المسارعة إلى صلاة الصبح أول الوقت، وقيل: ليستفتح صلاة النهار بركعتين خفيفتين، كما كان يصنع في صلاة الليل. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (1171)، مسلم رقم (92/ 724). (¬2) في "السنن" رقم (1762)، وهو حديث صحيح. (¬3) في "السنن" (1259). أخرجه مسلم رقم (727)، والنسائي رقم (944)، وهو حديث صحيح. (¬4) سورة البقرة الآية (136). (¬5) سورة آل عمران الآية (53). (¬6) في "السنن" رقم (1256). وأخرجه مسلم رقم (726)، وابن ماجه رقم (1148)، والنسائي رقم (945). (¬7) انظر: "فتح الباري" (3/ 46).

قوله: "ثم اضطجع" يأتي أنها إذا كانت غير نائمة حدّثها وإلاّ اضطجع. ويأتي الأمر بالاضطجاع قريباً والكلام عليه. والحديث السادس والسابع لا كلام عليهما. 6 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "كَانَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كثِيرَاً مَا يَقْرَأُ في رَكْعَتَيْ الفَجْرِ، فِي الأُولَى مِنْهُمَا: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا} (¬1) الآية. وَفِي الثَّانَيِةِ بِالَّتيِ فِي آلِ عِمْرَانَ: {قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} (¬2) الآية". أخرجه مسلم (¬3)، وأبو داود (¬4)، والنسائي (¬5). [صحيح] 7 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: "كانَ رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - كثِيراً مَا يَقْرَأُ فِي رَكْعَتَي الفَجرْ فِي الأُولى مِنْهُمَا: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا} (¬6) الآية. وَبِهَذِه الآَيَةِ: {رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (53)} (¬7) ". أخرجه أبو داود (¬8). [حسن] الحديث الثامن: حديث (أبي هريرة): 8 - وعنه - رضي الله عنه -: "أَنَّ رسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَرَأَ فِي ركْعَتَي الفَجْر: {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)} , و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} ". ¬

_ (¬1) سورة البقرة الآية (136). (¬2) سورة آل عمران الآية (64). (¬3) في "صحيحه" رقم (727). (¬4) في "السنن" رقم (1259). (¬5) في "السنن" رقم (944). (¬6) سورة البقرة الآية (136). (¬7) سورة آل عمران الآية (53). (¬8) في "السنن" رقم (1260)، وهو حديث حسن.

أخرجه مسلم (¬1) وأبو داود (¬2) والنسائي (¬3). [صحيح] - وللترمذي (¬4) عن ابن مسعود قال: رَمَقْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - شَهْراً، وَكانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتيْنِ قَبْلَ الفَجْرِ: {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)} وَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)}. [صحيح لغيره] - وللنسائي (¬5): رَمَقْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عِشْرِينَ مَرَّةً يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتيْنِ بَعْدَ المَغْرِبِ وَفي الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الفَجرِ: {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)} وَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} [صحيح] "أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في الركعتين قبل الفجر بـ {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)} و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} ". قال ابن القيم في الهدي (¬6): سمعت شيخ الإسلام يقول: سنة الفجر تجري مجرى بداية العمل، والوتر خاتمته، ولذلك كان - صلى الله عليه وسلم - يصلي سُنّة الفجر والوتر بسورتي الإخلاص، وهما الجامعتان لتوحيد العلم والعمل، وتوحيد المعرفة والإرادة, وتوحيد الاعتقاد والقصد، انتهى. قال ابن القيم (¬7): كالمفسر لكلام شيخه -: فسورة: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} متضمنة لتوحيد الاعتقاد والمعرفة، وما يجب إثباته للرب تعالى من الأَحَديَّة المنافية لمطلق الشركية ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (726). (¬2) في "السنن" رقم (1256). (¬3) في "السنن" (945)، وأخرجه ابن ماجه رقم (1148)، وهو حديث صحيح. (¬4) أشار إليه الترمذي في "السنن" (2/ 276). وأخرجه ابن ماجه رقم (1166)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/ 298). وهو حديث صحيح لغيره. (¬5) في "السنن" رقم (992)، وهو حديث صحيح. (¬6) في "زاد المعاد" (1/ 306). (¬7) في "زاد المعاد" (1/ 306).

بوجه من الوجوه, والصمديَّة المثبتة له جميع صفات [236 ب] الكمال الذي لا يلحقه نقص بوجه من الوجوه، ونفي الولد والوالد الذي هو من لوازم الصمديَّة، وغناه, وَأَحَدَّيته، ونفي الكفء المتضمن لنفي التشبيه والتمثيل والنظير. فتضمنت هذه السورة إثبات كل كمال له، ونفي كل نقص عنه, ونفي إثبات شبيه أو مثيل له في كماله، ونفي مطلق الشريك عنه, وهذه الأصول هي مجامع التوحيد العلمي الاعتقادي الذي يُباين صاحبه جميع فرق الضلال والشرك، ولذلك كانت تعدل ثلث (¬1) القرآن، فإنّ القرآن مداره على الخبر والإنشاء، والإنشاء ثلاثة: أمرٌ ونهي وإباحة, والخبر نوعان: خبر عن الخالق تعالى، وأسمائه وصفاته وأحكامه، وخبر عن خلقه، فأخلصت سورة الإخلاص للخبر عنه, وعن أسمائه، وصفاته، فعدلت ثلث القرآن، وخلَّصت قارئها المؤمن بها من الشرك العلمي. كما خلَّصته سورة {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)} عن الشرك العملي الإرادي القصدي، ولمّا كان العلم قبل العمل وهو إمامه وقائده وسائقه, والحاكم عليه ومنزله منازله، كانت سورة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} تعدل ثلث القرآن، والأحاديث بذلك تبلغ مبلغ التواتر، و {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)} تعدل ربع القرآن (¬2). ولمّا كان الشرك العملي الإرادي أغلبَ على النفوس لأجل مانعها هواها، وكثير منها ترتكبه مع علمها بمضرَّته وبطلانه، لما لها فيه من نيل [515/ أ] الأغراض، وإزالته، وقلعه منها أصعب، وأشد من قلع الشرك العملي وإزالته؛ لأنَّ هذا يزول بالعلم والحجة، ولا يمكن صاحبه أن يعلم الشيء على خلاف ما هو عليه، بخلاف شرك الإرادة والقصد، فإنّ صاحبه ¬

_ (¬1) تقدم ذكرها. (¬2) تقدم ذكرها.

يرتكب ما يدله العلم على بطلانه وضرره لأجل غلبة هواه, واستيلاء سلطان الشهوة والغضب على نفسه. فجاء من التأكيد والتكرير في سورة {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)} المتضمنة لإزالة الشرك العملي ما لم يجيء [به] (¬1) في سورة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)}، انتهى كلام ابن القيم. قلت: ولقد تكلم - رحمه الله - في كتابه "بدائع الفوائد" (¬2) في تفسير سورة {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)} [237 ب] بنفائس لم يأت بها أحد غيره, وكلام يأخذ بمجامع القلوب فجزاه الله خيراً. إلاّ أنه لا يخفى أنّ نفي الشرك العملي متفرع عن نفي الشرك الاعتقادي، إذ العمل يتفرع عن العلم، فكان الأظهر تقديم قراءة سورة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} على قراءة {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)}، والواقع خلاف ذلك، وكأنه يقال: لما كان نفي العملي أهم قدّم. الحديث التاسع: حديث (عائشة): 9 - وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "كانَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إِذَا صَلَّى رَكْعَتَيِ الفَجْرِ، فَإِنْ كُنْتُ مُسْتَيْقِظَةً حَدَّثَني وإِلاَّ اضْطَجَعَ حَتَّى يُؤَذَّنَ بِالصَّلاَةِ". أخرجه الخمسة (¬3) إلا النسائي (¬4). [صحيح] تقدّم الكلام على معناه. ¬

_ (¬1) سقطت من (ب). وفي "زاد المعاد" مثله. (¬2) (1/ 134 - 146). (¬3) أخرجه البخاري رقم (1160)، ومسلم رقم (133/ 743)، وأبو داود رقم (1263)، والترمذي رقم (420)، والنسائي رقم (1762)، وابن ماجه رقم (1198). (¬4) في "السنن" رقم (1762)، وفيه: "إذا سكت المؤذن بالأولى من صلاة الفجر قام فركع ركعتين خفيفتين قبل صلاة الفجر بعد أن يتبين الفجر ثم يضجع على شقه الأيمن".

العاشر: حديث (أبي هريرة): 10 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذا صَلَّى أَحَدُكُمْ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الصُّبْحِ فَلْيَضْطَجِعُ عَلَى يَمِينِهِ". أخرجه أبو داود (¬1) والترمذي (¬2). [صحيح] قوله: "فليضطجع على يمينه" تقدّم في حديث عائشة فعلاً له، وهنا الأمر لكل مصلٍ. وعقد أبو داود (¬3) له باب في ذلك فقال: باب الاضطجاع بعدها، وساق حديث (¬4) أبي هريرة بالأمر منه - صلى الله عليه وسلم - بها وفيه: "أنه قال له مروان بن الحكم: أما يجزئ أحدنا ممشاه إلى المسجد حتى يضطجع على يمينه؟ قال عبيد الله في حديثه [قال] (¬5): لا، فبلغ ذلك ابن عمر فقال: أكثر أبو هريرة على نفسه, فقيل لابن عمر: هل تنكر شيئاً مما يقول؟ قال: لا ولكنه اجترأ وجَبُنَّا، فبلغ ذلك أبا هريرة فقال: وما ذنبي إن كنت حفظت ونسوا". قال العلامة ابن القيم في "الهدي النبوي" (¬6): أنه قال شيخه ابن تيمية في حديث أبي هريرة الذي أخرجه الترمذي (¬7) أنه قال فيه (¬8): حسن صحيح غريب. أنه باطل وليس بصحيح إنما الصحيح فيه الفعل لا الأمر بها. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (1261). (¬2) في "السنن" رقم (420)، وقال: هذا حديث حسن صحيح. وأخرجه أحمد (6/ 254)، وهو حديث صحيح. (¬3) في "السنن" (2/ 47 الباب رقم 293). (¬4) في "السنن" رقم (1261). (¬5) سقطت من (أ. ب). (¬6) في "زاد المعاد" (1/ 308). (¬7) في "السنن" رقم (420). (¬8) في "السنن" (2/ 481).

وحديث الأمر بها تفرد عبد الواحد بن زياد وغلط فيه. وأمّا ابن حزم (¬1) ومن تابعه (¬2) فإنهم يوجبون هذه الضجعة، ويبطل ابن حزم [238 ب] صلاة من لم يضطجعها لهذا الحديث، وهذا ممّا انفرد به عن الأمة. ورأيت مجلداً لبعض أصحابه قد نصر فيه هذا المذهب، وقد ذكر عبد الرزاق في "المصنف" (¬3) عن معمر عن أيوب عن ابن سيرين: "أن أبا موسى ورافع بن خديج وأنس بن مالك كانوا يضطجعون بعد ركعتي الفجر ويأمرون بذلك" (¬4). وذكر (¬5) عن معمر عن نافع: "أنّ ابن عمر كان لا يفعله ويقول: كفى بالتسليم". وذكر (¬6) عن ابن جريج: "أخبرني من أصدق أنّ عائشة كانت تقول: أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يضطجع لسنة ولكنه كان يدأب ليلته فيستريح". قال (¬7): "وكان ابن عمر يحصبهم إذا رآهم يضطجعون على أيمانهم" (¬8). وذكر ابن أبي شيبة (¬9): أنّ ابن عمر رأى قوماً اضطجعوا بعد ركعتي الفجر، فأرسل إليهم فيها، فقالوا: نريد سنة فقال: أخبرهم أنها بدعة. ¬

_ (¬1) في "المحلى" (3/ 199). (¬2) انظر: "فتح الباري" (3/ 43 - 44). (¬3) (3/ 42 - 44). (¬4) انظر: "فتح الباري" (3/ 43)، و"طرح التثريب" (2/ 671 - 672). (¬5) انظر: "المحلى" (3/ 200). (¬6) أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" (4722) بسند ضعيف. (¬7) ابن القيم في "زاد المعاد" (1/ 309). (¬8) أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (2/ 248). (¬9) في "مصنفه" (2/ 249).

ثم قال ابن القيم (¬1): وقد غلا في هذه الضجعة طائفتان، وتوسط فيها ثالثة، فأوجبها جماعة من أهل الظاهر (¬2)، وأبطلوا الصلاة بتركها كابن حزم ومن تبعه. وكرهها جماعة من الفقهاء (¬3) وسمّوها بدعة، وتوسط فيها مالك (¬4) وغيره فلم يروا بها بأساً لمن فعلها راحة، وكرهوها لمن فعلها استناناً، واستحبها طائفة (¬5) على الإطلاق سواء استراح بها أو لا. انتهى باختصار فقد طوّل الكلام فيها. قوله: "أخرجه أبو داود والترمذي". قلت: وعقد له الترمذي (¬6) باباً كما عقد له أبو داود (¬7) فقال: باب ما جاء في الاضطجاع بعد ركعتي الفجر، وساق حديث أبي هريرة ثم قال (¬8): حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه، انتهى. أخرجه أبو داود (¬9) من طريق عبد الواحد بن زياد وفيه قال الذهبي في "المغني" (¬10): عبد الواحد بن زياد العبدي عن الأعمش وغيره، صدوق يغرب، قال ابن معين: ليس بشيء، ¬

_ (¬1) في "زاد المعاد" (1/ 309). (¬2) في "المحلى" (3/ 199). (¬3) انظر: "فتح الباري" (3/ 43)، "المحلى" (3/ 199). (¬4) انظر: "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (3/ 83)، "عارضة الأحوذي" (2/ 216). (¬5) "المجموع شرح المهذب" (3/ 523)، "المحلى" (3/ 200). (¬6) في "السنن" (2/ 281 الباب رقم 311). (¬7) في "السنن" (2/ 47 الباب رقم 293). (¬8) في "السنن" (2/ 281). (¬9) في "السنن" رقم (1261)، وهو حديث صحيح. (¬10) "المغني في الضعفاء" (2/ 410 رقم 3867).

وقال أبو داود الطيالسي [239 ب]: عمد إلى أحاديث كان يرسلها الأعمش فوصلها وليّنه القطان، انتهى. الحادي عشر: 11 - وعن محمد بن إبراهيم عن جده قيس بن عمرو قال: خَرَجَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَأُقِيمَتِ الصَّلاَةُ، فَصَلَّيْتُ مَعَهُ الصُّبْحَ، ثُمَّ انْصَرَفَ فَوَجَدَنِي أُصَلِّي فَقَالَ: "مَهْلاً يَا قَيْسُ، أَصَلاَتَانِ مَعًا؟ ". فَقُلْتُ: إِنَّي لَمْ أَكُنْ رَكَعْتُ رَكْعَتَي الصُّبْح. قَالَ: "فَلاَ إِذًا". أخرجه أبو داود (¬1) والترمذي (¬2). [صحيح] حديث "محمد بن إبراهيم عن جده قيس" وهو قيس بن عمرو، وقيل: قيس بن قهد بفتح القاف، قاله ابن الأثير (¬3). وفي الكاشغري: قيس بن شماس له رواية في ركعتي الفجر [516/ أ]. وقيل: الحديث عن قيس بن سهل وهو الصحيح، انتهى. قوله: "خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" أي: من بيته لصلاة الفجر. "فأقيمت الصلاة" صلاة الفجر. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (1267). (¬2) في "السنن" رقم (422). وأخرجه ابن ماجه رقم (1154)، والطبراني في "الكبير" (ج 18 رقم 937)، والدارقطني (1/ 384 - 385)، والحاكم (1/ 275)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (2/ 483)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (2/ 254)، والحميدي رقم (868)، وابن خزيمة رقم (1116)، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" رقم (4138، 4139)، وهو حديث صحيح. (¬3) في "تتمة جامع الأصول" (2/ 791).

"فصليت معه الصبح، ثم انصرف فوجدني أصلي فقال: "مهلاً يا قيس أصلاتان معاً؟ قلت: إني لم أكن ركعت ركعتي الصبح، قال: فلا إذاً" أي: لا نكير عليك، وكأنه قد علم أنها تقضى النوافل. قوله: "أخرجه أبو داود والترمذي". قلت: قال الترمذي (¬1): حديث محمد بن إبراهيم لا نعرفه مثل هذا إلاّ من حديث سعد ابن سعيد. قال: وسعد بن سعيد هو أخو يحيى بن سعيد الأنصاري، وقيس هو جدّ يحيى بن سعيد، ويقال: هو قيس بن عمرو، ويقال: ابن قهد، وإسناد هذا الحديث ليس بمتصل، محمد ابن إبراهيم لم يسمع من قيس. وقال أبو داود (¬2): روى هذا الحديث عبد ربّه، ويحيى بن سعيد مرسل. الحديث الثاني عشر: 12 - وعن عبد الله بن مالك بن بُحَيْنة قال: رَأَى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رَجُلاً وَقَدْ أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ يُصلِّي رَكْعَتَيْنِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - لاَثَ بِهِ النَّاسُ، فَقَالَ لَهُ: "آلصُّبْحَ أَرْبَعًا؟ آلصُّبْحَ أَرْبَعًا؟ ". أخرجه الشيخان (¬3) والنسائي (¬4). [صحيح] ¬

_ (¬1) في "السنن" (2/ 385). (¬2) في "السنن" (2/ 52). وقد جاء متصلاً من رواية يحيى بن سعيد عن أبيه عن جده قيس. أخرجه ابن خزيمة في "صحيحه" رقم (1116)، وابن حبان رقم (1563، 2471)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (2/ 483)، وابن المنذر في "الأوسط" (2/ 391)، والطحاوي في "مشكل الآثار" رقم (4137)، والدارقطني (1/ 383 - 384)، والحاكم (1/ 274 - 275). (¬3) البخاري في "صحيحه" رقم (663)، ومسلم رقم (711). (¬4) والنسائي رقم (867)، وهو حديث صحيح.

حديث "عبد الله بن مالك بن بحينة" تقدّم ضبطه. قوله: "آلصبح أربعاً؟ آلصبح أربعاً؟ " استفهام إنكار (¬1)، ونصبه بفعل مقدّر، أي: أَتصلي الصبح أربعاً؟ ومعناه: أنه لا يشرع للصبح بعد الإقامة بالصبح إلاّ الفريضة. قالوا (¬2): فمن صلى ركعتين بعد الإقامة ثم صلى معهم الفريضة كان في معنى "من صلى [240 ب] الصبح أربعاً" لأنه صلى بعد الإقامة أربعاً. قال الحافظ المنذري (¬3) بعد نسبته إلى مسلم (¬4): إنّ في رواية: "يوشك أن يصلي أحدكم الصبح أربعاً" قال بعضهم: هذا إشارة إلى علة المنع، وهي حماية للذريعة لئلا يطول الأمر، ويكثر ذلك فيظن الظان أنّ الفرض قد تغيّر. وفيه ردٌّ على من يجيز ركعتي الفجر والإمام يصلي الصبح، وإن أدركها معه بدليل قوله في حديث ابن سرجس: "بأيّ الصلاتين اعتددت بصلاتك وحدك أم بصلاتك معنا؟ ". [قال ابن عبد البر (¬5): اختلف الفقهاء في الذي لم يصل ركعتي الفجر وأدرك الإمام في الصلاة أو دخل المسجد فيصليهما فأقيمت الصلاة؟ فقال مالك (¬6): إذا كان قد دخل المسجد فليدخل مع الإمام [و] (¬7) لا يركعهما في شيء ¬

_ (¬1) وأعاده تأكيداً للإنكار، قاله ابن مالك. كما في "فتح الباري" (2/ 150). (¬2) انظر: "فتح الباري" (2/ 150). (¬3) في مختصر "السنن" (2/ 79). (¬4) في "صحيحه" رقم (65/ 711). (¬5) في "الاستذكار" (5/ 304 - 305). (¬6) ذكره ابن عبد البر في "الاستذكار" (5/ 305 رقم 6939). (¬7) وتمام العبارة كما في "الاستذكار": "ولا يركعهما في المسجد، وإن كان لم يدخل المسجد فإن لم يخف أن يفوته الإمام بركعةٍ فليركعهما خارج المسجد".

من أفنية المسجد اللاحقة به التي يصلي فيها الجمعة, فإن خاف أن تفوته الركعة الأولى مع الإمام، فليدخل وليصل معه ثم يصليهما إذا طلعت الشمس إن أحب، ولَأنْ يصليهما إذا طلعت الشمس أحبَّ إليَّ من تركهما. وقال الثوري (¬1): إن خشي فوت ركعة دخل معه ولا يصلِّهما وإلاّ صلاَّهما، وإن كان قد دخل المسجد. ثم ذكر أقوالاً للعلماء (¬2)، ثم قال (¬3) مختاراً لا أفاده حديث أبي هريرة (¬4) وساقه بسنده، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلاّ المكتوبة" وساقه موقوفاً وقال (¬5): الذين يرفعونه أكثر عدداً. انتهى من كلام له طويل] (¬6). قوله: "أخرجه الشيخان والنسائي". الحديث الثالث عشر: 13 - وعن عبد الله بن سَرْجَس - رضي الله عنه - قال: دَخَلَ رَجُلٌ المَسْجِدَ وَرَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي صَلاَةِ الغَدَاةِ. فَصَلَّى رَكْعَتيْنِ فِي جَانِبِ المَسْجِدِ. ثُمَّ دَخَلَ مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَلَّما انْصَرَفَ قَالَ: ¬

_ (¬1) ذكره ابن عبد البر في "الاستذكار" (5/ 305 رقم 6940). (¬2) أي: ابن عبد البر في "الاستذكار" (5/ 305 - 308). (¬3) ابن عبد البر في "الاستذكار" (5/ 308 رقم 6967). (¬4) أخرجه أحمد (2/ 455)، ومسلم رقم (63/ 710)، وأبو داود رقم (1266)، والترمذي رقم (421)، والنسائي (2/ 116)، وابن ماجه رقم (1151)، وأبو عوانة (2/ 32)، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" رقم (4124)، وأبو نعيم في "الحلية" (9/ 222)، والبيهقي (2/ 482)، وابن خزيمة رقم (1123)، والدارمي رقم (1488)، و"الخطيب في تاريخ بغداد" (7/ 195) من طرق وهو حديث صحيح. (¬5) ابن عبد البر في "الاستذكار" (5/ 308). (¬6) ما بين الحاصرتين سقطت من المخطوط (أ).

"يَا فُلاَنُ! بِأَيَّ الصَّلاَتَيْنِ اعْتَدَدْتَ أَبِصَلاَتِكَ وَحْدَكَ؟ أمْ بِصَلاتِكَ مَعَنَا". أخرجه مسلم (¬1) أبو داود (¬2) والنسائي (¬3). [صحيح] حديث "عبد الله بن سرجس" تقدّم ضبطه وتقدم الكلام عليه. قوله: " [أخرجه] (¬4) مسلم وأبو داود والنسائي". الحديث الرابع عشر: 14 - وعن أبي سلمة قال: سَمِعَ قَوْمٌ الإِقَامَةَ فَقَامُوا يُصَلُّونَ. فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "أَصَلاَتَانِ مَعًا؟ أَصَلاَتَانِ مَعًا". وَذَلِكَ فِي صَلاَةِ الصُّبْحِ. أخرجه مالك (¬5). [صحيح لغيره] حديث "أبي سلمة" وهو أبو سلمة عبد الله بن عبد الأسد المخزومي (¬6) زوج أم سلمة قبل النبي - صلى الله عليه وسلم -، له صحبة ورواية. قوله: "سمع قوم الإقامة [241 ب] فقاموا يصلون ... " الحديث كحديث عبد الله بن سرجس يفيد ما أفاده. ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (67/ 712). (¬2) في "السنن" رقم (1265). (¬3) في "السنن" (868). وأخرجه ابن ماجه رقم (1152)، وهو حديث صحيح. (¬4) سقطت من (ب). (¬5) في "الموطأ" (1/ 128 رقم 31)، وهو حديث صحيح لغيره. (¬6) قال ابن الأثير في "تتمة جامع الأصول" (2/ 578 - قسم التراجم): "هو أبو سلمة عبد الله بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم المخزومي القرشي، ابن عمة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأمه برة بنت عبد المطلب بن هاشم، وكان زوج أم سلمة قبل النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأسلم بعد عشرة, وكان الحادي عشر من المسلمين، وهو أول من هاجر هو وزوجته أم سلمة إلى الحبشة, وشهد بدراً ... ".

الحديث الخامس عشر: حديث "أبي هريرة". 15 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ لَمْ يُصَلِّ رَكْعَتَي الفَجْرِ، فَلْيُصَلِّهِمَا بَعْدَ مَا تَطْلُعُ الشَّمْسُ". أخرجه الترمذي (¬1). [صحيح] قوله: "من لم يصل ركعتي الفجر" أي: نافلته. قوله: "أخرجه الترمذي". قلت: وقال (¬2): هذا حديث لا نعرفه إلاّ من هذا الوجه، وقد روي عن ابن عمر (¬3): أنه فعله، والعمل على هذا عند بعض أهل العلم، وبه يقول سفيان الثوري (¬4) والشافعي (¬5) وأحمد (¬6) وإسحاق (¬7) وابن المبارك. قال (¬8): ولا نعلم أحداً روى هذا الحديث عن همام بهذا الإسناد نحو هذا إلاّ عمرو بن عاصم الكلابي، والمعروف من حديث قتادة عن النضر بن أنس عن بشير بن نهيك عن أبي ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (423). وأخرجه ابن حبان رقم (2463)، والحاكم في "المستدرك" (1/ 274)، وصححه ووافقه الذهبي، والدارقطني (1/ 382 - 383 رقم 6)، واليهقي في "السنن الكبرى" (2/ 484)، وهو حديث صحيح. (¬2) في "السنن" (2/ 288). (¬3) أخرجه مالك في "الموطأ" (1/ 128 رقم 32)، وهو أثر موقوف صحيح. (¬4) انظر: "المغني" لابن قدامة (2/ 544). (¬5) "المجموع شرح المهذب" (3/ 533 - 533). (¬6) "المغني" (2/ 544 - 545). (¬7) انظر: "المغني" (2/ 544)، و"الأوسط" (5/ 228). (¬8) الترمذي في "السنن" (2/ 288 - 289).

(راتبة الظهر)

هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من أدرك ركعة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح" (¬1)، انتهى. الحديث السادس عشر: حديث "ابن عمر". 16 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما -: أنه فاتته ركعتا الفجر فقضاهما بعد أن طلعت الشمس. أخرجه مالك (¬2) بلاغاً. [موقوف صحيح] قوله: "فقضاهما بعد أن طلعت الشمس" هذا هو الذي (¬3) تقدّم في كلام الترمذي بقوله: وقد روي عن ابن عمر أنه فعله (¬4). قوله: "أخرجه مالك بلاغاً" بلفظ: بلغني، فهو مقطوع. (راتبة الظهر) المنسوبة إليه، قبله أو بعده. الحديث الأول: حديث "علي - عليه السلام -": 1 - عن علي - رضي الله عنه - قال: "كانَ رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعاً وَبَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ". أخرجه الترمذي (¬5). [صحيح] قوله: "قبل الظهر أربعاً" أي: قبل صلاته بعد دخول وقته. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (579)، ومسلم رقم (608)، وأحمد (2/ 348، 459)، وأبو داود رقم (412)، والترمذي رقم (186)، والنسائي (1/ 257 - 258)، وابن ماجه رقم (699)، ومالك في "الموطأ" (1/ 6)، وهو حديث صحيح، وقد تقدم. (¬2) في "الموطأ" (1/ 128 رقم 32)، وهو أثر موقوف صحيح. (¬3) وهو كما قال الشارح. (¬4) وهو كما قال الشارح. (¬5) في "السنن" رقم (424)، وهو حديث صحيح.

"وبعدها ركعتين" بعد فعل صلاة الظهر. قوله: "أخرجه الترمذي". قلت: وقال (¬1): في الباب عن عائشة (¬2) وأم حبيبة (¬3). [242 ب]. قال أبو عيسى (¬4): حديث علي حديث حسن، والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن بعدهم، يختارون أن يصلي الرجل قبل الظهر أربع ركعات، وهو قول سفيان الثوري، وابن المبارك، وإسحاق. وقال بعض أهل العلم: صلاة الليل والنهار مثنى مثنى، يرون الفصل بين كل ركعتين، وبه يقول الشافعي وأحمد. - وله (¬5) في أخرى عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كانَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إذَا لَمْ يُصلِّ أَرْبَعَاً قَبْلَ الظُّهْرِ صَلاهَا بَعْدَهَا. [حسن] قوله: "وله" أي: الترمذي. قلت: وقال (¬6): هذا حديث [حسن] (¬7) غريب, إنما نعرفه من حديث ابن المبارك من ¬

_ (¬1) في "السنن" (2/ 289). (¬2) أخرجه الترمذي رقم (414)، والنسائي في "المجتبى" (3/ 260)، وفي "السنن الكبرى" رقم (1471)، وابن ماجه رقم (1140)، وهو حديث صحيح. (¬3) أخرجه أحمد (6/ 326)، ومسلم رقم (728)، وأبو داود رقم (1250)، والترمذي رقم (415)، والنسائي (3/ 262)، وابن ماجه رقم (1141)، وهو حديث صحيح. (¬4) في "السنن" (2/ 289 - 290). (¬5) أي: للترمذي في "السنن" رقم (426)، وهو حديث حسن. (¬6) في "السنن" (2/ 291). (¬7) سقطت من (ب).

هذا الوجه، وقد رواه قيس بن الربيع عن شعبة عن خالد الحذاء نحو هذا. ولا نعلم أحداً رواه عن شعبة غير قيس بن الربيع، وقد روي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحو هذا، انتهى كلامه. الحديث الثاني: حديث "أم حبيبة": 1 - وعن أم حبيبة - رضي الله عنها - قالت: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ صَلَّى قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا وَبَعْدَهَا أَرْبَعًا حَرَّمَهُ الله عَلَى النَّارِ". أخرجه أصحاب السنن (¬1). [صحيح] - وفي رواية (¬2): "مَنْ حَافَظَ عَلَى أَرْبَعِ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَأَرْبَعٍ بَعْدَهَا حَرَّمَهُ الله عَلَى النَّار". [صحيح] قوله: "أخرجه أصحاب السنن". قلت: قال الترمذي (¬3) بعد سياقه: هذا حديث حسن غريب، ثم قال (¬4): وقد روي من غير هذا الوجه، وساق سنده إلى أم حبيبة بلفظه (¬5)، ثم قال (¬6): هذا حديث صحيح حسن غريب من هذا الوجه. انتهى [517/ أ]. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود رقم (1269)، والترمذي رقم (427)، والنسائي رقم (1815)، وابن ماجه رقم (1160)، وهو حديث صحيح. (¬2) أخرجها الترمذي رقم (428)، وأبو داود رقم (1269)، والنسائي رقم (1816)، وهو حديث صحيح. (¬3) في "السنن" (2/ 292). (¬4) أي: الترمذي في "السنن" (2/ 293). (¬5) الحديث رقم (428)، وهو حديث صحيح. (¬6) في "السنن" (2/ 293).

وقال الحافظ المنذري في "مختصر السنن" (¬1) - بعد سياق أبي داود له عن مكحول عن عنبسة بن أبي سفيان عن أم حبيبة - ذكر أبو زرعة وهشام بن عمارة وأبو عبد الرحمن النسائي أنّ مكحولاً لم يسمع من عنبسة بن أبي سفيان. قوله: "وفي رواية من حافظ". قلت: هو لفظ رواية أبي داود. الحديث الثالث: حديث "أبي أيوب": 3 - وعن أبي أيوب - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَرْبَعٌ قَبْلَ الظُّهْرِ لَيْسَ فِيهِنَّ تَسْلِيمٌ تُفْتَحُ لهُنَّ أَبْوَابُ السَّمَاءِ". أخرجه أبو داود (¬2). [صحيح لغيره] قوله: "أربع قبل الظهر ليس فيهن تسليم" هذا صريح [243 ب] في عدم الفصل بينهن بالسلام، فتكون مخصوصة من عموم "صلاة الليل والنهار مثنى مثنى" (¬3). قوله: "أخرجه أبو داود". ¬

_ (¬1) (2/ 79). (¬2) في "السنن" رقم (1270). وأخرجه ابن ماجه رقم (1157)، والحميدي رقم (385)، وابن خزيمة رقم (1214)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/ 335)، والطبراني في "الكبير" رقم (4032)، (4033)، (4034)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (2/ 488)، وهو حديث صحيح لغيره. (¬3) أخرجه أحمد (2/ 26)، وأبو داود رقم (1421)، والترمذي رقم (437)، وقال: هذا حديث حسن صحيح. والنسائي (3/ 227)، وابن ماجه رقم (1322)، كلهم من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما -. وهو حديث صحيح.

قلت: وقال أبو داود (¬1): عبيدة ضعيف، وأبو منجاب هو سهم (¬2)؛ لأنه رواه عن شعبة عن عبيدة عن ابن منجاب. قال الحافظ المنذري (¬3): عبيدة هذا هو مُعَتِّب الضَّبيِّ الكوفي لا يحتج بحديثه, وهو بضم العين المهملة وفتح الباء الموحدة, انتهى. الحديث الرابع: 4 - وعن عبد الله بن السائب قال: كانَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي أَرْبَعَ رَكْعَاتٍ بَعْدَ أَنْ تَزُولَ الشَّمْسُ قَبْلَ الظُّهْرِ. وَيَقُولُ: "إِنَّهَا سَاعَةٌ تُفْتَحُ فِيهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ, وَأُحِبُّ أَنْ يَصْعَدَ لِي فِيهَا عَمَلٌ صَالِحٌ". أخرجه الترمذي (¬4). [صحيح] حديث "عبد الله بن السائب" أي: ابن أبي السائب، واسم أبي السائب (¬5): صيفي بن [عابد بن عبد الله] (¬6) بالباء الموحدة والدال المهملة المخزومي (¬7). قوله: "كان يصلي" يحتمل أنها التي في حديث أبي أيوب، وأنه ورد فيها القول والفعل، ويحتمل أنها غيرها كما أتيا في الحديث الخامس، وهو حديث ابن عمر يحتمل الأمرين. ¬

_ (¬1) في "السنن" (2/ 53). (¬2) أي: سهم بن مِنْجَاب بن راشد الضبي الكوفي، ثقة من السادسة, قاله الحافظ في "التقريب" (1/ 338 رقم 575). (¬3) (2/ 79). (¬4) في "السنن" رقم (478)، وهو حديث صحيح. (¬5) انظر: "التقريب" (1/ 417 رقم 324). (¬6) في (أ. ب) بن عبادة, وما أثبتناه من "التقريب"، و"تتمة جامع الأصول" (2/ 572 - قسم الرجال). (¬7) أي: ابن عمر بن مخزوم المخزومي القرشي. انظر: مرجعي الترجمة.

(راتبة العصر)

5 - وعن عمر - رضي الله عنه - قال: قَالَ رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَرْبَع قَبْلَ الظُّهْرِ وَبَعْدَ الزَّوَالِ تُحْسَبُ بِمِثْلِهِنَّ فِي السَّحَرِ، وَمَا مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ الله تَعَالَى فِي تِلْكَ السَّاعَةَ. ثُمَّ قَرَأَ: {يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ (48)} (¬1) " أخرجه الترمذي (¬2). [ضعيف] "التفيؤُ" (¬3): التحول من جهة إلى أخرى. (راتبة العصر) الحديث الأول: حديث (علي - عليه السلام -): 1 - عن عليّ - رضي الله عنه - قال: "كانَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يصَلِّي قَبْلَ العَصْرِ رَكْعَتَيْنِ". أخرجه أبو داود (¬4). [شاذ] قوله: "ركعتين قبل العصر" هذه ليست من الاثنى عشر التي سلفت في حديث عائشة, ولا مما شمله حديث ابن عمر لكنها داخلة تحت عموم: "بين كل أذانين صلاة" (¬5). الثاني: حديث "ابن عمر": 2 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "رحم الله امرأً صلى قبل العصر أربعاً". أخرجه أبو داود (¬6) والترمذي (¬7). [حسن] ¬

_ (¬1) سورة النحل الآية (48). (¬2) في "السنن" رقم (3128)، وهو حديث ضعيف. (¬3) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 402 - 403). "الفائق" للزمخشري (3/ 204). (¬4) في "السنن" رقم (1272)، وهو حديث شاذ. (¬5) أخرجه البخاري رقم (624) و (627)، ومسلم رقم (838)، من حديث عبد الله مُغفَّل، وهو حديث صحيح. (¬6) في "السنن" رقم (1271). (¬7) في "السنن" رقم (430)، وقال: حديث غريب حسن. =

قوله: "رحم الله امرأً" قال العراقي: يحتمل أن يكون دعاء وأن يكون خبراً. قوله: "صلى [244 ب] قبل العصر أربعاً" هي المذكورة في حديث ابن عمر، وفيه: أنه لا يفصل بينهما بالتسليم. قوله: "أخرجه أبو داود والترمذي". قلت: وقال الترمذي (¬1): هذا حديث غريب حسن. قال العراقي عليه: جرت عادة المصنف أن يقدّم الوصف بالحسن على الغرابة، وقدّم غريب هنا على حسن. قال: والظاهر أنّ تقديم الوصف الغالب على الحديث، فإن غلب عليه الحسن قدّمه, وإن غلب عليه الغرابة قدّمها، وهذا الحديث بهذا اللفظ لا يعرف إلاّ من هذا الوجه فانتفت منه وجوه المتابعات والشواهد، فغلب عليه، وصف الغرابة، انتهى. الثالث: حديث (علي - عليه السلام -): 3 - وعن علي - رضي الله عنه - قال: "كَانَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي قَبْلَ العَصْرِ أَرْبَعَاً يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ بِالتَّسْلِيمِ عَلَى المَلاَئِكَةِ المُقَرَّبِينَ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ مِنَ المُسْلِمِينَ وَالمُؤْمِنِينَ". أخرجه الترمذي (¬2). [حسن] قوله: "يفصل بينهن بالتسليم" فيكون مقيداً لحديث ابن عمر. قوله: "أخرجه الترمذي". ¬

_ = وأخرجه أحمد (2/ 117)، وابن حبان رقم (2453)، وابن خزيمة رقم (1153)، وهو حديث حسن. (¬1) في "السنن" (2/ 296). (¬2) في "السنن" رقم (429). وأخرجه النسائي رقم (343)، وابن ماجه رقم (1161)، وأحمد في "المسند" (1/ 85)، وهو حديث حسن.

قلت: وقال (¬1): وفي الباب عن ابن عمر وعبد الله بن عمرو. قال أبو عيسى (¬2): حديث علي حديث حسن، واختار إسحاق بن إبراهيم أن لا يفصل بين الأربع قبل العصر، واحتج لهذا الحديث وقال: معنى قوله: "يفصل بينهن بالتسليم" يعني التشهد. ورأى الشافعي (¬3) وأحمد (¬4): "صلاة الليل والنهار مثنى مثنى" يختاران الفصل، انتهى. قلت: وتأويل إسحاق بعيد جداً مع قوله: "بالتسليم". الرابع: حديث (عائشة): 4 - وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "مَا كَانَ رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَأْتِينِي فِي يَوْمِي بَعْدَ العَصْرِ إِلاَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ" (¬5). - وفي رواية: "مَا تَرَكَ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ العَصْرِ عِنْدِي قَطُّ" (¬6). أخرجه الخمسة إلا الترمذي. قوله: "بعد العصر" تمسك بهذا من أجاز التنفل بعد العصر مطلقاً ما لم يفرغ من الصلاة عند غروب الشمس، وهو قول أهل الظاهر (¬7) وابن المنذر (¬8). ¬

_ (¬1) في "السنن" (2/ 294). (¬2) في "السنن" (2/ 294 - 295). (¬3) "المجموع شرح المهذب" (3/ 505 وما بعدها). (¬4) "المغني" (2/ 578 - 579). (¬5) أخرجه البخاري رقم (597)، ومسلم رقم (298/ 835)، وأبو داود رقم (1279)، والنسائي رقم (574 - 578). (¬6) أخرجه البخاري رقم (591)، ومسلم رقم (299/ 835). (¬7) انظر: "المحلى" (3/ 200). (¬8) في "الأوسط" (5/ 528).

وأجاب من أطلق الكراهة، وهو قول الأكثرين بأنّ فعله - صلى الله عليه وسلم - هذا يدل على جواز استدراك ما فات من الرواتب من غير كراهة. وأما مواظبته على ذلك فهي من خصائصه، والدليل عليه رواية ذكوان مولى عائشة أنها حدّثته: "أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي بعد العصر وينهى عنها ويواصل وينهى عن الوصال" [245 ب] رواه أبو داود (¬1). ورواية أبي سلمة عن عائشة في نحو هذه القصة وفي آخره: "وكان إذا صلى صلاة أثبتها" رواه مسلم (¬2). وأمّا ما روي عن ذكوان عن أم سلمة في هذه القصة وهي: "أنها قالت: يا رسول الله! أفنقضيها إذا فاتت؟ قال: لا" (¬3) فهي رواية ضعيفة لا تقوم بها حجة. قلت: أخرجها الطحاوي (¬4)، واحتج بها بأنّ ذلك كان من خصائصه - صلى الله عليه وسلم -، وفيه ما فيه. قوله: "أخرجه الخمسة إلاّ الترمذي". الخامس: حديث "ابن عباس". 5 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: إِنَّمَا صَلَّى النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ العَصْرِ، لأَنَّهُ اشْتَغَلَ بِقِسْمَةِ مَالٍ أَتَاهُ عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ فَصَلاَّهُمَا بَعْدَ العَصْرِ، ثُمَّ لَمْ يَعُدْ لَهُمَا. أخرجه الترمذي (¬5). [إسناده ضعيف, وقوله: "لم يعد لهما" فهو منكر] ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (1280)، وهو حديث ضعيف, وقد تقدم. (¬2) في "صحيحه" رقم (298/ 835)، وأخرجه النسائي رقم (578)، وهو حديث صحيح. (¬3) أخرجه أحمد (6/ 315)، ورجاله رجال الصحيح، قاله الهيثمي في "مجمع الزوائد" (2/ 223 - 224). (¬4) "شرح معاني الآثار" (1/ 301 - 302). (¬5) في "السنن" رقم (184) بإسناد ضعيف، وقوله: "لم يعد لهما" فهو منكر.

قوله فيه: "ثم لم يعد لهما" هو معارض لحديث عائشة معارضة ظاهرة, لكن حديث عائشة أرجح لاتفاق الشيخين عليه؛ ولأنّ حديثه نافٍ وحديثها مثبت، والمثبت مقدم. السادس: 6 - وعن المختار بن فُلْفُلْ قال: سَألتُ أَنَسَ - رضي الله عنه - عَنِ التَّطَوُّعِ بَعْدَ العَصْرِ؟ فَقَالَ: كَانَ عُمَرُ - رضي الله عنه - يَضْرِبُ الأَيْدِي عَلَى صَلاَةٍ بَعْدَ العَصْرِ، وَكُنَّا نُصَلِّي عَلَى عَهْدِ رَسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ قَبْلَ صَلاَةِ المَغْرِبِ، وَكَانَ يَرَانَا نُصَلِّيهِمَا. فَلَمْ يَأْمُرْنَا وَلَمْ يَنْهَنَا. أخرجه مسلم (¬1). [صحيح] حديث "المختار بن فلفل" بفائين مضمومتين ولامين الأولى ساكنة, مولى عمرو بن حريث صدوق له أوهام (¬2). قوله: "كان عمر يضرب الأيدي على صلاة بعد العصر" وذلك لما ثبت عنده من النهي عن ذلك. قال ابن عباس: "وكنت أضرب مع عمر بن الخطاب الناس عليها". أخرجها الشيخان (¬3) عن كريب. قوله: "وكنا نصلى ركعتين بعد غروب الشمس" كأنه لما سأله عن صلاة بعد العصر عمّم سؤاله وذكر الصلاة بعد غروب الشمس وهي الآتية قريباً. [518/ أ]. قوله: "وكان يرانا" في "الجامع" (¬4) "فقلت [246 ب] له: أي: قال المختار لأنس - أكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصليهما؟ قال: كان يرانا ... " إلى آخره. ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (836). (¬2) قاله ابن حجر في "التقريب" (2/ 134 رقم 969). (¬3) أخرجه البخاري رقم (1233، 4370)، ومسلم رقم (297/ 834). (¬4) (6/ 31).

(راتبة المغرب)

فلا أدري لمّ حذف المصنف ذلك؟! واعلم أنه قد أخرج ابن حبان (¬1) "أنه - صلى الله عليه وسلم - صلى قبل المغرب ركعتين". ونحوه ابن حجر في "بلوغ المرام" (¬2). (راتبة المغرب) الأول: حديث (أنس): 1 - عن أنس - رضي الله عنه - قال: "كانَ إِذَا أَذَّنَ المُؤَذِّنُ لِصَلاَةِ المَغْرِبِ قَامَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَبْتَدِرُونَ السَّوَارِيَ حَتَّى يَخْرُجَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - وهُمْ كَذَلِكَ يُصَلُّونَ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ المغْرِبِ". أخرجه الشيخان (¬3) والنسائي (¬4). [صحيح] وزاد مسلم (¬5): "حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ الغَرِيبَ لَيَدْخُلُ المَسْجِدَ فَيَحْسِبُ أَنَّ الصَّلاَةَ قَدْ صُلِّيَتْ مِنْ كَثْرَةِ مَنْ يُصَلِّيَهَا". [صحيح] قوله: "يبتدرون السواري" أي: يصلون قريباً منها، وفي "الجامع" (¬6) بعد قوله: "ركعتين، ولم يكن بين الأذان والإقامة شيء". وفي رواية (¬7): "لم يكن بينهما إلاّ قليل". ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (1586)، بإسناد صحيح على شرط مسلم. (¬2) (3/ 12 بإثر الحديث رقم 7/ 339) بتحقيقي. (¬3) أخرجه البخاري رقم (503، 625)، ومسلم رقم (303/ 837). (¬4) في "السنن" (2/ 28 رقم 680)، وهو حديث صحيح. (¬5) في "صحيحه" رقم (303/ 837). (¬6) (6/ 31 رقم 4111). (¬7) أخرجها النسائي في "السنن" رقم (680).

وقوله: "قد صلِّيت" فيظن الغريب أنهما ركعتا المغرب التي بعده، وإنما خصّ الغريب أي: الغائب عن المسجد؛ لأنَّ الحاضر يعلم أنها لم تصلى الفريضة. وقوله: "لكثرة من يصليهما" يدل على أنها تصلى نافلة المغرب بعده في المسجد، وهاتان الركعتان قبل المغرب قد أنكرهما مرثد بن عبد الله حتى قال لعقبة الجهني: ألا أعجبك من أبي تميم يركع الركعتين قبل المغرب! فقال عقبة: إنّا كنّا نفعله على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قلت: فما يمنعك الآن؟ قال: "الشغل" أخرجه البخاري (¬1). الثاني: حديث "عبد الله بن مغفل". 2 - وعن عبد الله بن مُغَفَّلِ المُزَنِيِّ - رضي الله عنه - قال: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "صَلُّوا قَبْلَ المَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ". ثُمَّ قَالَ: "صَلُّوا قَبْلَ المَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ لمَنْ شاءَ، خَشْيَةَ أَنْ يَتَّخِذَهَا النَّاسُ سُنَّةً". أخرجه أبو داود (¬2) بهذا اللفظ. [صحيح] - وفي أخرى للشيخين (¬3) قال: "صَلُّوا قَبْلَ صَلاَةِ المَغْرِبِ". ثُمَّ قَالَ فِي الثَّالِثَةِ: "لِمَنْ شَاءَ كَرَاهِيَةَ أَنْ يَتَّخِذَهَا النَّاسُ سُنَّةً". [صحيح] قوله: "خشية أن يتخذها الناس سنة" أي: يحافظون عليها كالمحافظة على الرواتب، وليست منها فذكر ابن الأثير [247 ب] لها والمصنف في راتبة المغرب تسامح. ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (1184). (¬2) في "السنن" رقم (1281). وأخرجه أحمد (5/ 55)، والبخاري رقم (1183) و (7368)، وهو حديث صحيح. (¬3) أخرجه البخاري رقم (624، 627)، ومسلم رقم (838)، وأبو داود رقم (1283)، والنسائي (20/ 28)، والترمذي رقم (185)، وابن ماجه رقم (1162)، والبيهقي في "السنن" (2/ 19)، وأبو عوانة (2/ 31)، والدارقطني (1/ 266)، وفيه: "بين كل أذانين صلاة، بين كل أذانين صلاة" ثم قال في الثالثة: "لمن شاء".

والظاهر أنّ قوله: "خشية أن يتخذها الناس سنة، كراهية أن يتخذها الناس سنة" مدرج من أحد الرواة بيان منه للتقييد بالمشيئة. ولا يخفى أنّ "السنن" كلها هي لمن شاء فإنها ليست بحتم وإنما يريد أنّ بعضها آكد من بعض. قوله: "أخرجه أبو داود بهذا اللفظ" أي: بلفظ الأمر بهما مرة، ورواية البخاري (¬1): "أنه أمر بهما ثلاثاً". الثالث: حديث "ابن عمر". 3 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ المَغْرِبِ فِي بَيْتِهِ. أخرجه الترمذي (¬2) وصححه. [صحيح] قوله: "في بيته" تقدم في أول حديث الباب: "فأمّا المغرب والعشاء ففي بيته". قال أحمد بن حنبل (¬3) في رواية حنبل: السنة أن يصلي الرجل الركعتين بعد المغرب في بيته, كذا روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، قال السائب بن يزيد (¬4): لقد رأيت الناس في زمن عمر بن الخطاب إذا انصرفوا من صلاة المغرب انصرفوا جميعاً حتى لا يبقى في المسجد أحد كأنهم لا يصلون بعد المغرب حتى يصيروا إلى أهليهم"، انتهى. قال ابن القيم (¬5): فإن صلى الركعتين في المسجد هل تجزئ عنه وتقع موقعها؟ ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (1183)، (7318). (¬2) في "السنن" رقم (432). وأخرجه البخاري رقم (937)، ومسلم رقم (729). وهو حديث صحيح. (¬3) انظر: "المغني" (2/ 543 - 544)، "فتح الباري" (3/ 50). (¬4) أخرجه أحمد (5/ 427) عن محمد بن لبيد أخي بني عبد الأشهل. وابن أبي شيبة في "المصنف" (2/ 2246)، وابن خزيمة رقم (1200)، وابن ماجه رقم (1165). (¬5) في "زاد المعاد" (1/ 302 - 304).

اختلفت قوله - أي: أحمد (¬1) - فروى عنه ابنه عبد الله أنه قال: بلغني عن رجل سمّاه أنه قال: لو أنّ رجلاً صلى الركعتين بعد المغرب في المسجد ما أجزأه فقال: ما أحسن ما قال هذا الرجل، وما أجود ما انتزع!. قال أبو حفص (¬2): ووجهه أنه - صلى الله عليه وسلم - أمر بهذه الصلاة في البيوت. وقال المروزي: من صلى الركعتين بعد المغرب في المسجد يكون عاصياً، قال: ما أعرف هذا، قلت: يحكى عن أبي ثور أنه قال: هو عاص، قال: لعلّه ذهب إلى قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اجعلوها في بيوتكم". ثم قال (¬3): ووجهه عند أحمد - أي: وجه كونه غير عاص بصلاته الركعتين في المسجد - أنّ السنن لا يشترط لها مكان معين [248 ب] ولا جماعة, فيجوز فعلها في البيت وفي المسجد، انتهى. ثم قال (¬4): وفي سنة الغرب سنّتان أحدها: لا يفصل بينها وبين المغرب كلام. قال: ووجهه قول مكحول: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من صلى ركعتين بعد المغرب وقبل أن يتكلم رفعت صلاته في عليين" (¬5)؛ ولأنه يصل الفرض بالنفل، انتهى. قلت: حديث مكحول مرسل، ووصل الفرض بالنفل، قد ورد في ركعتي الجمعة النافلة بعدها أنه لا يصليها حتى يفصل بكلام أو نحوه. ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد (5/ 427) عن محمد بن لبيد أخي بني عبد الأشهل. (¬2) انظر: "زاد المعاد" (1/ 303). (¬3) ابن القيم في "زاد المعاد" (1/ 303). (¬4) أي: ابن القيم في "زاد المعاد" (1/ 303 - 304). (¬5) ذكره المنذري في "الترغيب والترهيب" (1/ 205)، وقال: ذكر رزين ولم أره في الأصول, وإسناده منقطع.

قال: والسنة الثانية أن تفعل في البيت، فقد روى أبو داود (¬1) والنسائي (¬2) والترمذي (¬3) من حديث كعب بن عجرة: "أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - أتى مسجد بني عبد الأشهل فصلى فيه المغرب، فلما قضوا صلاتهم رآهم يسجدون بعدها فقال: هذه صلاة البيوت"، ورواه ابن ماجه (¬4) من حديث رافع بن خديج، وقال: "اركعوها في بيوتكم"، انتهى. قوله: "أخرجه الترمذي وصححّه". الرابع: حديث (كعب بن عجرة): 4 - وعن كعب بن عُجْرةَ - رضي الله عنه - قال: صَلَّى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي مَسْجِدِ بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ المَغْرِبَ, فَلَمَّا قَضَوا صَلاَتهُمْ رَآهُمْ يُسَبِّحُونَ بَعْدَهَا فقَالَ: "هذِهِ صَلاَةُ البُيُوتِ". أخرجه أبو داود (¬5) والنسائي (¬6). [حسن] وعنده (¬7): "عَلَيْكُم بِهذِهِ الصَّلاَةِ في البُيُوتِ". [صحيح] هو الذي قدّمناه. قوله: "أخرجه أبو داود والنسائي". ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (1300). (¬2) في "السنن" رقم (1600). (¬3) في "السنن" رقم (604)، وهو حديث حسن. (¬4) في "السنن" رقم (1165)، وهو حديث حسن. (¬5) في "السنن" رقم (1300). (¬6) في "السنن" (1600). وهو حديث حسن، وقد تقدم. (¬7) أي: عند النسائي في "السنن" رقم (1600)، وهو حديث صحيح.

قلت: قال: هو من رواية إسحاق بن كعب بن عجرة، قال الذهبي في ترجمته في "الميزان" (¬1): أنه تفرد بحديث سنة المغرب في البيوت وهو غريب جداً. ورواه الترمذي وقال (¬2): غريب. قال بعض الأئمة: ومعناه على فرض صحته أنهم أرادوا أن يصلوها ويذهبوا إلى البيوت، فأمرهم أن يجعلوها في البيوت [519/ أ]، وأما من انتظر الصلاة فهو أفضل، وفيه أحاديث صحيحة، انتهى. وقد عارض حديث كعب بن عجرة حديث ابن عباس: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يطيل القراءة في الركعتين بعد المغرب حتى يتفرق [249 ب] أهل المسجد". أخرجه أبو داود (¬3). فإنه يدل أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يصليهما في المسجد فإنّه معارض لحديث ابن عمر وكعب بن عجرة, إلاّ أنه قال الحافظ المنذري (¬4): إنّ في إسناده - أعني حديث ابن عباس - يعقوب (¬5) بن عبد الله، وهو القمي الأشعري، كنيته أبو الحسن. قال الدارقطني: ليس بالقوي، انتهى. الخامس: 5 - وعن مكحولِ يرفعه: "مَنْ صَلَّى بَعْدَ المَغْرِبِ قَبْلَ أَنْ يَتْكَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ". وفي رواية: "أَرْبَعاً رُفِعَتْ صَلاَتُهُ فِي عِلِّيِّينَ". ¬

_ (¬1) (1/ 196 رقم 781). (¬2) في "السنن" (2/ 501). (¬3) في "السنن" رقم (1301)، وهو حديث ضعيف. (¬4) (2/ 90). (¬5) انظر: "ميزان الاعتدال" (4/ 452 رقم 9815).

حديث "مكحول يرفعه" مكحول تابعي فحديثه مرسل، ولم يخرجه أحد (¬1). 6 - وعن حذيفة - رضي الله عنه - نحوه. وزاد: وكان يقولُ: عَجِّلُوا الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ المَغْرِبَ فَإِنَّهُمَا يُرْفَعَانِ مَعَ المَكْتُوبَةِ (¬2). أخرجهما رزين. ¬

_ (¬1) أخرجه الطبراني في "الأوسط" رقم (7245)، وفي "الصغير" (2/ 48)، وأورده الهيثمي في "المجمع" (2/ 230)، وقال: "رواه الطبراني في الثلاثة, وقال: تفرد به صالح بن قطن التجاري، قلت: ولم أجد من ترجمه". قلت: ترجمه ابن حجر في "لسان الميزان" (3/ 547 رقم 4215)، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً. عن عمار بن ياسر أنّه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي بعد المغرب ست ركعات وقال: "من صلَّى بعد المغرب ست ركعات غفرت له ذنوبه، ولو كانت مثل زبد البحر". قال الطبراني: تفرد به صالح بن قطن. - وأخرج الترمذي رقم (435)، وابن ماجه رقم (1167) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من صلّى بعد المغرب ست ركعات لم يتكلم فيما بينهنَّ عدلن له بعبادة ثنتي عشرة سنة". قال الترمذي: حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث زيد بن الحباب، عن عمر بن أبي خثعم، قال: وسمعت محمد بن إسماعيل يقول: عمر بن عبد الله بن أبي خثعم منكر الحديث، وضعفه جداً. وهو حديث ضعيف جداً. - وأخرج الترمذي "السنن" (3/ 236) معلقاً، وابن ماجه رقم (1373)، عن عائشة - رضي الله عنها -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من صلّى بعد المغرب عشرين ركعة بنى الله له بيتاً في الجنة". وقال البوصيري في مصباح الزجاجة (1/ 442): هذا إسناد ضعيف. يعقوب بن الوليد قال فيه الإمام أحمد: من الكذابين الكبار، وكان يصنع الحديث. وقال الحاكم: "يروي عن هشام بن عروة المناكير، قلت: واتفقوا على ضعفه". وهو حديث موضوع. (¬2) أخرج البيهقي في "الشعب" رقم (3068)، وابن عدي في "الكامل" (3/ 1057)، في ترجمة زيد بن الحواري، عن أبي العالية عن حذيفة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "عجلوا الركعتين بعد المغرب لترفعا مع العمل". =

(راتبة العشاء)

كما أنّ الحديث السادس، وهو حديث حذيفة لم يخرجه (¬1) أحد. وأمّا قول المصنف: "أخرجهما رزين" فمن الوهم التي عرّفناك بها مراراً. (راتبة العشاء) الأول: 1 - عن شُرَيح بن هانِئ قال: "سَألتُ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - عَنْ صَلاَةِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ: مَا صَلَّى العِشَاءَ قَطُّ فَدَخَلَ عَلَيَّ إِلاَّ صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، أَوْ سِتَّ رَكَعَاتٍ، وَلَقَدْ مُطِرْنَا مَرَّةً مِنَ اللَّيْلِ فَطَرَحْنَا لَهُ نِطَعًا، فَلَكَأَنَّي أَنْظُرُ إِلَى ثُقْبٍ فِيهِ يَنْبُعُ مِنْهُ المَاءُ، وَمَا رَأَيْتُهُ مُتَّقِيًا الأَرْضَ بِشَيْءٍ مِنْ ثيَابَهِ قَطُّ". أخرجه أبو داود (¬2). [ضعيف] حديث "شريح بن هانئ" (¬3) بالشين المعجمة مصغر شرح، وبالراء والحاء المهملة، وهانئ هو يزيد الحارثي المدحجي أبو المقدام الكوفي، مخضرم، ثقة، قتل مع ابن أبي بكرة بسجستان. قوله: "إلاّ صلى أربع ركعات" تقدم في حديث ابن عمر: "ركعتين في بيته"، ولا منافاة بينها ولا بين الأربع والست، كأنه كان يفعل هذا تارة وهذا أخرى. ¬

_ = وانظر: "ضعيف الجامع" رقم (3689). (¬1) انظر: التعليقة المتقدمة. (¬2) في "السنن" رقم (1303)، وهو حديث ضعيف. وأخرجه النسائي في "الكبرى" (1/ 231 - 232 رقم 390). وهو حديث ضعيف لجهالة مقاتل بن بشير، فقد انفرد بالرواية عنه مالك بن مغول، ولم يؤثر توثيقه عن غير ابن حبان في الثقات (7/ 509). وانظر: الميزان (4/ 171 رقم 8738)، وقال الذهبي: لا يعرف. (¬3) ذكره ابن الأثير في "تتمة جامع الأصول" (1/ 501 - قسم التراجم).

(راتبة الجمعة)

قوله: "أخرجه أبو داود"، ولم يذكر [المنذري (¬1) أنه] (¬2) أخرجه غيره. (راتبة الجمعة) الأول: حديث "جابر": 1 - عن جابر - رضي الله عنه - قال: دَخَلَ رَجُلٌ وَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ فَقَالَ لَهُ - صلى الله عليه وسلم -: "صَلّيْتَ؟ قَالَ: لاَ، قَالَ: فَصَلِّ رَكعَتَيْنِ". وفي رواية: "قُمْ فَارْكَعْ رَكْعَتَيْنِ" أخرجه الخمسة (¬3). [صحيح] قوله: "دخل رجل" هو سليك بن عمر الغطفاني [كما] (¬4) قاله القسطلاني (¬5). وقيل: النعمان بن [بر] (¬6) قوقل [250 ب]، ولفظ مسلم (¬7) صريح أنه سليك فإنه قال: "جاء سليك الغطفاني يوم الجمعة ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاعد على المنبر فقعد سليك قبل أن يصلي فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - ... " الحديث. قوله: "صليت" أي: في المسجد عند دخولك. ¬

_ (¬1) في مختصر "السنن" (2/ 90). (¬2) في (ب): "رواية". (¬3) أخرجه البخاري رقم (930)، ومسلم رقم (55/ 875)، وأبو داود رقم (1116)، والترمذي رقم (510)، والنسائي رقم (1400)، وابن ماجه رقم (1112)، وهو حديث صحيح. (¬4) زيادة من (أ). (¬5) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 408). (¬6) سقطت من (أ). (¬7) في "صحيحه" رقم (58/ 875).

قوله: "ركعتين" هي تحية المسجد، ترجم له البخاري (¬1): باب إذا رأى الإمام رجلاً وهو يخطب أمره أن يصلي ركعتين، ثم ذكر هذا الحديث (¬2). قوله: "صليت" كذا للأكثر بحذف الهمزة (¬3). قوله: "قم فاركع" استدل به على أنّ الخطبة لا تمنع الداخل من صلاة تحية المسجد. وتُعقّب بأنها واقعة عين، لا عموم لها فيحتمل اختصاص سليك. وردّ بأنّ الأصل عدم الخصوصية؛ ولأنّ في رواية مسلم (¬4): "أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: إذا جاء أحدكم والإمام يخطب فليركع ركعتين، وليتجوز فيهما". وقوله: "أنه أمره أن يصلي ليراه [بعض الناس] (¬5) وهو قائم، فيتصدق عليه, لا يمنع القول (¬6) بجواز التحية، فإنّ المانعين لها لا يجيزون التطوع لعلة التصدق، ثم إنّ الحاصل للمانعين عن الصلاة والإمام يخطب أنه قد ثبت الأمر بالإنصات للخطبة، وأنّ "من قال لصاحبه: أنصت, فقد لغى" (¬7)، وبما أخرجه أبو داود (¬8): "أنه - صلى الله عليه وسلم - قال للذي دخل وهو يخطب يتخطى رقاب الناس: اجلس فقد آذيت". ¬

_ (¬1) في "صحيحه" (2/ 407 الباب رقم 32). (¬2) رقم (930)، وطرفاه في (931، 1166). (¬3) أي: همزة الاستفهام. "فتح الباري" (2/ 408). (¬4) في "صحيحه" رقم (59/ 875). وأخرجه أحمد (3/ 297)، وأبو داود رقم (1117)، وهو حديث صحيح. (¬5) سقطت من (أ. ب)، وأثبتناها من "الفتح" (2/ 408). (¬6) قاله الحافظ في "الفتح" (2/ 408). (¬7) أخرجه أحمد (2/ 532)، والبخاري رقم (934)، ومسلم رقم (11/ 851). (¬8) في "السنن" رقم (1118). وأخرجه أحمد (4/ 188، 190)، والنسائي في "السنن" (3/ 103). =

وأخرجه النسائي (¬1) وابن خزيمة (¬2)، وصححّه، قالوا: فأمره بالجلوس ولم يأمره بالتحية. وأجيب عنه: بأن مصلي التحية (¬3) يصدق عليه بأنه منصت، وأما حديث أبي داود فلعله كان قبل شرعية صلاة التحية؛ ولأنه يحتمل أن يكون قوله - صلى الله عليه وسلم -: [251 ب] "اجلس"، أي: بشرطه، وقد عرف أمره للداخل أن لا يجلس حتى يركع. وقد ذكر الحافظ في "الفتح" (¬4) عشرة أجوبة للمانعين عن حديث سليك والمانع هو مالك (¬5) وأتباعه, وقد أطال بنقلها وتعقب أكثرها. والذي ذهب إلى استحبابهما للداخل والإمام يخطب: الشافعي (¬6) وأحمد (¬7) وفقهاء المحدّثين. ¬

_ = وقد تقدم. وهو حديث صحيح. (¬1) في "السنن" (3/ 103). (¬2) في "صحيحه" رقم (1811). وأخرجه الحاكم (1/ 288)، وابن الجارود رقم (294)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/ 266)، وابن حبان رقم (2790)، والطبراني في "الشاميين" رقم (1953)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (3/ 231) من طرق. وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي. قلت: وهو كما قالا. (¬3) قاله الحافظ في "الفتح" (2/ 409). (¬4) (2/ 408 - 409). (¬5) انظر: "المدونة" (1/ 148) عارضة الأحوذي (2/ 299). (¬6) في الأم (2/ 399 - 400)، وانظر: "المجموع شرح المهذب" (4/ 429). (¬7) "المغني" (3/ 192).

قوله: "أخرجه الخمسة" واعتذر ابن الأثير (¬1) بذكر هذا الحديث، وهو في تحية المسجد، ويأتي ذكرها، قال: لأنه قرن ذكر الصلاة فيهما بيوم الجمعة. الثاني: حديث (أبي هريرة): 2 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قَالَ رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذَا صَلّى أَحَدُكُمُ الجُمُعَةَ فَلْيُصَلِّ بَعْدَهَا أَرْبَعاً" (¬2). [صحيح] - وفي رواية (¬3): "فَإِنْ عَجِلَ بِكَ شَيْءٌ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ فِي المَسْجِدِ وَرَكْعَتَيْنِ إِذَا رَجَعْتَ". أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي. [صحيح] قوله: "إذا صلى أحدكم الجمعة فليصل بعدها أربعاً" تقدم في حديث ابن عمر: "وركعتين بعد الجمعة". وفيه استحباب سنة الجمعة بعدها، والحث عليها، وأن أقلها ركعتان، وأكملها أربع، ونبه - صلى الله عليه وسلم - بقوله: "فليصل بعدها أربعاً" (¬4) على الحث عليها بصيغة الأمر وذكر الأربع لفضيلتها، وفعل الركعتين أحياناً بياناً لأقلها، وكان يصلي في أكثر الأوقات أربعاً؛ لأنه أمرنا بهن وحثنا عليهن، وكان هو أرغب في الخير وأحرص عليه منا (¬5). قوله: "وفي رواية فإن عجل بك شيء". ¬

_ (¬1) في "الجامع" (6/ 36). (¬2) أخرجه مسلم رقم (67/ 881)، وأبو داود رقم (1131)، والترمذي رقم (523)، والنسائي رقم (1426)، وابن ماجه رقم (1132). وهو حديث صحيح. (¬3) أخرجها مسلم في "صحيحه" رقم (68/ 881). (¬4) تقدم، وهو حديث صحيح. (¬5) قاله النووي في "شرح صحيح مسلم" (6/ 169).

قلت: لفظ ابن الأثير (¬1): زاد في رواية: "قال سهيل: فإن عجل بك شيء فصلِ ركعتين في المسجد وركعتين إذا رجعت". انتهى. فأفاد أنه غير مرفوع، بل هو من كلام سهيل. قال (¬2): وفي رواية لأبي داود (¬3) قال: "فقال لي أبي - يعني يونس - يا بني فإن صليت في المسجد ركعتين ثم أتيت المنزل أو البيت فصل ركعتين". انتهى. وسهيل هو ابن أبي صالح الراوي عن أبي هريرة، [252 ب] فرواية أبي داود في قوله: "فقال لي أبي" أي: أبو صالح، وقوله في الرواية الأخرى: "فإن عجل بك أمر" هي أيضاً لفظ سهيل كما قال ابن الأثير (¬4): وسهيل أخذ ذلك من كلام أبيه. وبه يعرف أنه قصر المصنف في الرواية حتى أوهم أن قوله: "فإن عجل بك شيء (¬5) [520/ أ] مرفوع". قوله: "أخرجه مسلم وأبو داود، والترمذي". الثالث: حديث (نافع). 3 - وعن نافع: "أَنَّ ابْنَ عُمَرَ - رضي الله عنهما - رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ يَوْمَ الجُمُعَةِ فِي مَقَامِهِ فَدَفَعَهُ وَقَالَ: أَتُصَلِّي الجُمُعَةَ أَرْبَعًا؟ وَكَانَ يُصَلِّي يَوْمَ الجُمُعَةِ رَكْعَتَيْنِ فِي بَيْتِهِ وَيَقُولُ: هَكَذَا فَعَلَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -". ¬

_ (¬1) في "الجامع" (6/ 38). (¬2) أي: ابن الأثير "الجامع" (6/ 38 - 39). (¬3) في "السنن" رقم (1131)، وهو حديث صحيح. (¬4) في "الجامع" (6/ 38 - 39). (¬5) أخرجها مسلم في "صحيحه" (68/ 881) وقد تقدم.

أخرجه الخمسة (¬1). واللفظ لأبي داود. [صحيح] قوله: "فدفعه .. " الحديث، فيه: "أن ابن عمر كان يرى أن صلاة ركعتي الجمعة تصلى في البيت (¬2)، وأخبر أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يفعل ذلك". قوله: "أخرجه الخمسة، واللفظ لأبي داود". الحديث الرابع: حديث (عطاء). - وعن عطاء قال: "كَانَ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - إِذَا صَلَّىَ الجُمُعَةَ بِمَكَّةَ تَقَدَّمَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ يَتَقَدَّمَ فَيُصَلَّي أَرْبَعًا. فَإِذَا كَانَ بِالمَدِينَةِ صَلَّى الجُمُعَةَ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى بَيْتِهِ. فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَلَمْ يُصَلِّ فِي المَسْجدِ، فَقِيلَ لَه: فَقَالَ: كَانَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَفْعَلُهُ". أخرجه أبو داود (¬3)، والترمذي (¬4). [صحيح] لفظه في رواية في "الجامع" (¬5): "قال: رأيت ابن عمر يصلي الجمعة فَيْنمازُ (¬6) غير كثير قال: فيركع ركعتين، ثم يمشي أنفس من ذلك، فيركع أربع ركعات, قال ابن جريج: قلت: لعطاء (¬7): كم رأيت ابن عمر يصنع ذلك؟ قال: مراراً". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (937، 1172، 1180)، ومسلم رقم (881)، وأبو داود رقم (1127)، والترمذي رقم (523)، والنسائي رقم (1427)، (1428). وهو حديث صحيح. (¬2) انظر: "المغني" (3/ 248 - 250)، "المجموع شرح المهذب" (3/ 503). (¬3) في "السنن" رقم (1130)، (1133). (¬4) في "السنن" رقم (523). وهو حديث صحيح. (¬5) (6/ 41 رقم 4126). (¬6) فَينْمازُ: إنماز عن مكانه، أي: فارقه, أراد: أنه تحول عن موضعه الذي صلى فيه. قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (6/ 41). (¬7) أي: عطاء بن أبي رباح.

الفصل الثاني: في صلاة الوتر

قوله: "أخرجه أبو داود والترمذي" في "الجامع" (¬1): واختصره الترمذي (¬2) وقال (¬3): "رأيت ابن عمر صلى بعد ركعتين، ثم صلى بعد ذلك أربعاً". انتهى. قال المنذري (¬4): أنه قال الترمذي (¬5): إنه حديث حسن صحيح. [قوله] (¬6) (الفصل الثاني: في صلاة الوتر) ترجم البخاري (¬7) بقوله: أبواب (¬8) الوتر، والوتر بالكسر (¬9): الفرد، وبالفتح: الثأر وفي لغة مترادفان، ولم يتعرض البخاري لحكمه. قال ابن التين (¬10): اختلف في الوتر في سبعة أشياء: في وجوبه، وعدده، واشتراط النية فيه، واشتراطه بقراءة، وفي اشتراط شفع قبله، وفي آخر وقته, وصلاته في السفر [253 ب] على الدابة. زاد الحافظ ابن حجر (¬11): وفي قضائه، والقنوت فيه, وفيما يقال فيه، وفي محل القنوت منه، وفيما يقال فيه, وفي فصله ووصله، وهل يسن ركعتان بعده، وفي صلاته من قعود. ¬

_ (¬1) (6/ 42). (¬2) في "السنن" رقم (523). (¬3) في "السنن" (2/ 402). (¬4) انظر: "مختصر السنن" (2/ 26) ولم أجده. (¬5) في "السنن" (2/ 400). (¬6) زيادة من (أ). (¬7) في "صحيحه" (2/ 477 الباب رقم 1). (¬8) كتاب "الوتر": باب ما جاء في الوتر. (¬9) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 478). (¬10) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 478). (¬11) في "الفتح" (2/ 478).

لكن هذا [الأخير] (¬1) ينبني على كونه مندوباً أولا، وقد اختلفوا في أول وقته أيضاً، وفي كونه أفضل صلاة التطوع، أو الرواتب أفضل منه، أو خصوص ركعتي الفجر. انتهى. ثاني عشرة وقع الخلاف فيها في الوتر. الأول: حديث (بريدة). 1 - عن بريدة - رضي الله عنه - قال: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "الوِتْرُ حَقٌّ، فَمَنْ لَمْ يُوتِرْ فَلَيْسَ مِنَّا. قَالهَاَ ثَلاَثاً". أخرجه أبو داود (¬2). [حسن لغيره] قوله - صلى الله عليه وسلم -: "الوتر حق، فمن لم يوتر فليس منا، قالها ثلاثاً". أي: قال: "الوتر حق فمن لم يوتر فليس منا، الوتر حق فمن لم يوتر فليس منا، الوتر حق فمن لم يوتر فليس منا" كما في "الجامع" (¬3). قال ابن عبد البر (¬4): في السلف من يقول بوجوب الوتر، وهو مذهب أبي حنيفة (¬5) وأصحابه, وحجتهم حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه (¬6)، عن جده, أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله قد زادكم صلاة إلى صلاتكم، وهي الوتر فحافظوا عليها". ¬

_ (¬1) سقطت من (أ. ب) وأثبتناها من "فتح الباري" (2/ 478). (¬2) في "السنن" رقم (1419). وأخرجه أحمد (5/ 357) وفي إسناده عبيد الله بن عبد الله العتكي متكلم فيه، وقال الحافظ في "التقريب" رقم (4312): صدوق يخطئ. وهو حديث حسن لغيره. (¬3) (6/ 42 رقم 4128). (¬4) في "الاستذكار" (5/ 263 رقم 6726، 6727، 6728). (¬5) انظر: "البناية في شرح الهداية" (2/ 565). (¬6) أخرجه أحمد (2/ 206) بسند ضعيف، لضعف المثنى بن الصباح، وابن أبي شيبة، في "المصنف" (2/ 297)، بسند ضعيف، لضعف الحجاج بن أرطاة, والمروزي في كتاب "الوتر" (ص 111)، والطيالسي رقم (2263)، وهو حديث حسن لغيره.

وحديث خارجة بن حذافة (¬1) قال: خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "إن الله أمدَّكم بصلاة هي خير لكم من حمر النعم، الوتر جعلها لكم فيما بين صلاة العشاء إلى أن يطلع الفجر". وحديث بريدة (¬2) الأسلمي: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "الوتر حق فمن لم يوتر فليس منّا". قال ابن عبد البر (¬3): وهذه آثار محتملة للتأويل؛ لأن قوله - صلى الله عليه وسلم -: "زادكم صلاة" ليس بموجب للفرض لاحتماله أن يكون زادنا فيما يكون لنا زيادة في أعمالنا، كما جاء في الوصية عنه صلى الله عليه [254 ب] وآله وسلم: "إن الله جعل لكم ثلث أموالكم زيادة في أعمالكم" (¬4)، ومعلوم أن ما هو لنا فهو خلاف ما افترض علينا، ويصحح هذا التأويل قوله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} (¬5)، ولو كانت ستاً لم يكن فيها وسطى. وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "خمس صلوات كتبهن الله على العباد". وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "مثل الصلوات الخمس" (¬6). ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود رقم (1418)، والترمذي رقم (452)، وابن ماجه رقم (1168). وهو حديث حسن، دون قوله: "هي خير لكم من حمر النعم". (¬2) تقدم، وهو حديث حسن لغيره. (¬3) في "الاستذكار" (5/ 264) رقم (6730, 6731 ,6732, 6733). (¬4) أخرجه ابن ماجه رقم (2709)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (6/ 268)، والبزار في "مسنده" كما في "نصب الراية"، (4/ 400)، وقال: لا نعلم رواه عن عطاء إلا طلحة بن عمرو، وليس بالقوي: وهو حديث ضعيف، وسيأتي تخريجه مطولاً. (¬5) سورة البقرة الآية (238). (¬6) أخرجه البخاري رقم (528)، ومسلم رقم (283)، وقد تقدم.

وقال الأعرابي: هل عليَّ غيرها يا رسول الله؟ قال: "لا. إلا أن تطوع" (¬1). والآثار في مثل هذا كثيرة جداً. ثم قال: قال أبو عمر (¬2): - يريد نفسه - الفرائض لا تثبت إلاّ بيقين لا خلاف فيه، فكيف والقول بأن الوتر ليس بواجب يكاد أن يكون إجماعاً لشذوذ الخلاف فيه. انتهى. قوله: "أخرجه أبو داود" قال الحافظ ابن حجر (¬3): فيه أبو المنيب وقد ضعف. انتهى. والحديث من أدلة من يوجب الوتر. الثاني: حديث (علي - عليه السلام -). 2 - وعن علي - رضي الله عنه - قال: الوِتْرُ لَيْسَ بِحَتْمٍ كَالصَّلاَةِ المَكْتُوبَةِ، وَلَكِنَّ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّ الله تَعَالَى وِتْرٌ يُحِبُّ الوِتْرَ، فَأَوْتِرُوا يَا أَهْلَ القُرْآنِ". أخرجه أصحاب السنن (¬4). [صحيح] قوله: "الوتر ليس بحتم كالصلاة المكتوبة, ولكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله وتر يحب الوتر، فأوتروا يا أهل القرآن". هو من الأدلة على عدم وجوب الوتر؛ لأنه لا يقوله علي - عليه السلام - إلاّ عن توقيف. فالأمر منه بالإيثار أمر ندب، وأيضاً فليس بعام للأمة بل خاص بأهل القرآن. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (46, 1891, 2678) (6956)، ومسلم رقم (178). (¬2) ابن عبد البر في "الاستذكار": (5/ 267 رقم 6744). (¬3) في "التلخيص" (2/ 45). (¬4) أخرجه أبو داود رقم (1416)، والترمذي رقم (453)، والنسائي رقم (1675) وابن ماجه رقم (1169)، وأخرجه أحمد (1/ 86). وهو حديث صحيح.

والظاهر أن المراد بهم المؤمنون؛ لأنهم أهل القرآن، وأمّا من قال للأعرابي: "ليس لك (¬1) " فما فيه حجة لأنه كلام صحابي. قوله: "أخرجه أصحاب السنن". قلت: إنّ الترمذي (¬2) بوّب له باب ما جاء أن الوتر ليس بحتم، فساق حديث علي هذا، ثم قال (¬3): وفي الباب عن ابن عمر، وابن مسعود، وابن عباس. قال أبو عيسى (¬4): حديث علي حسن، وروى سفيان الثوري وغيره عن أبي إسحاق، عن عاصم بن حمزة, عن علي قال: الوتر ليس بحتم كهيئة الصلاة المكتوبة, ولكن سنة سنّها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬5) حدّثنا بذلك بندار، وقال: حدّثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان، وهذا أصح من حديث أبي بكر بن عيَّاش. انتهى. يريد بحديث أبي بكرة بن عياش، هو ما ساق لفظه المصنف هنا، وابن [512/ أ] الأثير (¬6) [255 ب] ساق الروايتين جميعاً عن الترمذي، فلو اختار المصنف الرواية (¬7) التي قال الترمذي. أنها أصح لكان أولى. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود في "السنن" رقم (1417)، وابن ماجه رقم (1170). وهو حديث ضعيف. (¬2) في "السنن" (2/ 316). (¬3) الترمذي في "السنن" (2/ 316). (¬4) في "السنن" (2/ 316). (¬5) أخرجه الترمذي في "السنن" رقم (454). (¬6) في "الجامع" (6/ 43). (¬7) برقم (454)، وهو حديث صحيح.

الثالث: 3 - وعن ابن مُحيريز: أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي كِنَانَةَ يُدْعَى المُخْدَجِيَّ سَمِعَ رَجُلًا بِالشَّامِ يُكْنَى أَبَا مُحَمَّدٍ يَقُولُك الوِتْرُ وَاجِبٌ. قَالَ الكِناَنُّيِ: فَسَألتُ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ - رضي الله عنه -، فَقَالَ: كَذَبَ أَبُو مُحَمَّدٍ. سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتبَهُنَّ الله عَلَى العِبَادِ. فَمَنْ جَاءَ بِهِنَّ لَمْ يُضَيِّعْ مِنْهُنَّ شَيْئًا اسْتِخْفَافًا بِحَقِّهِنَّ كَانَ لَهُ عِنْدَ الله عَهْدٌ أَنْ يُدْخِلَهُ الجَنَّةَ, وَمَنْ لَمْ يَأْتِ بِهِنَّ فَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ الله عَهْدٌ، إِنْ شاءَ عَذَّبَهُ, وَإِنْ شاءَ أَدْخَلَهُ الجَنَّةَ". أخرجه الأربعة (¬1)، إلا الَترمذي. [صحيح] "أَبُو مُحَمَّدٍ (¬2) " هذا من الأنصار له صحبة. وقول عبادة: "كَذَبَ أَبُو مُحَمَّدٍ" أي أخطأ، ولا يجوز (¬3) أن يكذب في شيء من الأخبار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. حديث: "ابن محيريز" في "التقريب" (¬4): بمهملة وراء، واخره زاي، مصغر، ابن جنادة (¬5) بن وهب الجمحي، بضم الجيم وفتح الميم بعدها مهملة, المكي. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود رقم (1420)، وابن ماجه رقم (1401)، والنسائي (1/ 230). وأخرجه أحمد (5/ 315)، ومالك في "الموطأ" (1/ 123 رقم 14)، وابن حبان رقم (1732، 2417). وهو حديث صحيح. (¬2) أبو محمد: هو مسعود بن أوس بن زيد بن أصرم بن زيد بن ثعلبة بن عثمان بن مالك بن النجار. وقيل: مسعود بن زيد بن سبيع يعد في الشاميين، وقد عدّه الواقدي وطائفة من البدريين، ولم يذكره ابن إسحاق فيهم، وذكره جماعة من الصحابة. (¬3) ولا يجوز أن يراد به حقيقة الكذب؛ لأنه في "الفتوى"، ولا يقال لمن أخطأ في فتواه كذب. (¬4) (1/ 449 رقم 620). (¬5) عبد الله بن محيريز بن جنادة بن وهب الجمحي.

كان يتيماً في حجر أبي محذورة بمكة، ثم نزل ببيت المقدس، ثقة عابد من الثالثة. انتهى ذكره (¬1) في من اسمه عبد الله. قوله: "أن رجلاً من بين كنانة يدعى المخدجي" بضم أوله، وسكون المعجمة، وفتح الدال المهملة, ثم جيم، قيل: اسمه رفيع (¬2). قوله: "سمع رجلاً بالشام يكنى أبا محمد" هو أبو محمد مسعود بن أوس بن زيد بن أصرم بن زيد بن ثعلبة بن عثمان بن مالك بن النجار، يعدُّ في الشاميين، معدود في البدريين عند الواقدي وطائفة، ولم يذكره ابن إسحاق فيهم، قاله السهيلي (¬3). قوله: "يقول: الوتر واجب" قدّمنا البحث فيه قريباً. ومن الأدلة على عدم وجوبه ما استدل به ابن عبد البر (¬4) من "أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يوتر على (¬5) بعيره في سفره". قال (¬6): ففيه أوضح دليل على أنه ليس بواجب فرضاً، ولا يشبه المكتوبة؛ لأن الإجماع منعقد على أنه لا يجوز لأحد أن يصلي شيئاً من الفرائض على الدواب إلا في شدة الخوف ¬

_ (¬1) أي: ابن حجر في "التقريب" (1/ 449 رقم 620). (¬2) ذكره ابن حبان في "الثقات" (5/ 570). (¬3) في "الروض الأنف" (3/ 92 - 93). (¬4) في "الاستذكار" (5/ 271 رقم 241). (¬5) أخرجه أحمد (2/ 7)، البخاري رقم (999)، ومسلم رقم (36/ 700)، وأبو داود رقم (1226)، والترمذي رقم (472)، والنسائي (3/ 232)، وابن ماجه رقم (1200) كلهم من حديث ابن عمر، وهو حديث صحيح. (¬6) أي: ابن عبد البر في "الاستذكار" (5/ 272 رقم 6753).

خاصة، وفي غلبة المطر عليه، إذا كان الماء تحته وفوقه، فإنهم اختلفوا (¬1) في ذلك. انتهى. قوله: "أخرجه الأربعة, إلا الترمذي". الرابع: حديث (ابن عمر). 4 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "اجْعَلُوا آخِرَ صَلاَتِكُمْ بِالِّليْلِ وِتْرَاً". أخرجه الخمسة (¬2)، إلا الترمذي. [صحيح] قوله: "اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً" في رواية أبي داود (¬3)، والنسائي (¬4) عن ابن عمر، وصحّحه أبو عوانة (¬5) وغيره [256 ب] "أنه كان يقول ابن عمر: من صلى بالليل فليجعل آخر صلاته وتراً، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يأمر بذلك". ¬

_ (¬1) لا يجوز عند الشافعية صلاة الفرض على الدابة, إلا إذا كانت واقفة أو سائرة، وكانت صلاة مستوفية لفروضها وشرطها وأركانها وسننها، سواء في حالة الأمن والقدرة, وغيرهما: إلا أن الخائف في الأحوال المتقدمة يصلي حسب قدرته, وعليه الإعادة. انظر: "المجموع شرح المهذب" (3/ 504 - 506)، "الأوسط" (5/ 167 - 168). وقالت الحنفية: لا تصح صلاة الفرض على الدابة لغير عذر، ولو أتى بها كاملة, سواء كانت الدابة سائرة أو واقفة, أما المعذور فإنه يصلي حسب قدرته, وتقاس الطائرة, وغيرها على ذلك. انظر: "البناية في شرح الهداية" (2/ 565). (¬2) أخرجه البخاري رقم (998)، ومسلم رقم (151/ 751)، وأبو داود رقم (1438)، والنسائي رقم (1682). وأخرجه أحمد (2/ 20، 102، 135)، والبغوي في "شرح السنة" (4/ 86 رقم (965)، وابن خزيمة رقم (1082)، وهو حديث صحيح. (¬3) في "السنن" رقم (1438). (¬4) في "السنن" رقم (1682). (¬5) في "مسنده" (2/ 310). وهو حديث صحيح.

"فإذا كان الفجر فقد ذهب كل صلاة الليل والوتر"، وفيه: أنه لا وتر بعد طلوع الفجر. وفي صحيح (¬1) ابن خزيمة من حديث أبي سعيد مرفوعاً: "من أدركه الصبح ولم يوتر فلا وتر له"، إلاّ أنه عارضه حديثه عند أبي داود (¬2) مرفوعاً: لمن نسي الوتر أو نام فليصله إذا ذكره". ورفعت المعارضة بأن قوله (فلا وتر له) محمول على من تركه تعمداً، أو المراد لا وتر له إذاً، والصواب أن من نام عن وتره أو نسيه فأداؤه عند الاستيقاظ والذكر. وحكى ابن المنذر (¬3) عن جماعة من السلف أنه يخرج بالفجر وقته الاختياري، ويبقى وقت الضرورة إلى قيام صلاة الصبح، وحكاه القرطبي (¬4) عن مالك والشافعي (¬5)، وأحمد (¬6). ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (1092)، وأخرجه الحاكم في "المستدرك" (1/ 301 - 302)، وقال: هذا حديث صحيح على "شرح مسلم" ولم يخرجاه, والبيهقي في "السنن الكبرى" (2/ 478)، وهو حديث صحيح. (¬2) في "السنن" رقم (1431)، وأخرجه الترمذي رقم (465) وابن ماجه رقم (1188)، والحاكم في "المستدرك" (1/ 302)، والدارقطني (2/ 22)، والبيهقي (2/ 480)، كلهم من طريق محمد بن مطرف المدني، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد. قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه, ووافقه الذهبي، وهو كما قالا: وهو حديث صحيح. (¬3) في "الأوسط" (5/ 190 - 193). (¬4) في "المفهم" (2/ 382). (¬5) "المجموع شرح المهذب" (3/ 533) "حلية العلماء" (2/ 144 - 145). (¬6) قال المروزي في مختصر قيام الليل، كتاب "الوتر" (ص 333 - 334)، وسئل أحمد عن رجل عليه صلوات فواتر أيوتر؟ قال: إن فعل لم يضره, وسئل عمن أصبح ولم يوتر؟ قال: يوتر ما لم يصل الغداة. وفي رواية: ما أعرف الوتر بعد صلاة الغداة. =

واختلف السلف في مشروعية قضاءه فنفاه الأكثر. وفي مسلم (¬1) وغيره (¬2) عن عائشة: "أنه - صلى الله عليه وسلم - كان إذا نام من الليل من وجع أو غيره فلم يقم من الليل صلى في النهار اثنتي عشرة ركعة". وقال محمد بن نصر (¬3): لم نجد في شيء من الأخبار أنه - صلى الله عليه وسلم - قضى صلاة الوتر ولا أمر بقضاءه، ومن زعم في ليلة نومهم عن الصبح في الوادي أنه قضى الوتر فلم يصب. وعن عطاء (¬4) والأوزاعي: يقضي ولو طلعت الشمس إلى الغروب. قال الحافظ (¬5) ابن حجر: وهو وجه عند الشافعية (¬6)، وعن سعيد بن جبير يقضي من القابلة. قوله: "أخرجه الخمسة, إلاّ الترمذي". - ولمالك (¬7) عن ابن مسعود: "اجْعَلُوا آخِرَ صَلاَتِكُمْ مِنْ الِّليْلِ وِتْرَاً". ¬

_ = وفي أخرى: يصلي الوتر ما لم يصل الغداة, وليس عليه بعد صلاة الفجر أن يصليه. وكذلك قال أيوب، وأبو خيثمة، وإسحاق رحمهم الله. (¬1) في "صحيحه" رقم (140/ 746). (¬2) كالترمذي في "السنن" رقم (445)، والنسائي رقم (1789)، وهو حديث صحيح. (¬3) في "مختصر قيام الليل كتاب الوتر" (ص 334). (¬4) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (2/ 290) من طريق ليث، عن عطاء والشعبي، والحسن، وطاووس ومجاهد، قالوا: لا ندع الوتر، وإن طلعت الشمس. وانظر: "مختصر قيام الليل، كتاب الوتر" (ص 333 - 334). (¬5) في "فتح الباري" (2/ 480). (¬6) حكاه النووي في "شرح صحيح مسلم" (6/ 31 - 32). (¬7) لم أجده في "الموطأ" انظر: ما تقدم من حديث ابن عمر. و"المدونة" (1/ 89).

ظاهر عبارة المصنف أنه موقوف على ابن مسعود وليس كذلك، ففي "الجامع" (¬1): عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وساقه. الخامس: حديث (أبي أيوب) [257 ب]. 5 - وعن أبي أيوب - رضي الله عنه - قال: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "الوِتْرُ حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بِخَمْسٍ فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بِثَلَاثٍ فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بِوَاحِدَةٍ فَلْيَفْعَلْ". أخرجه أبو داود (¬2)، وهذا لفظه، والنسائي (¬3). [صحيح] قوله: "الوتر حق على كل مسلم"، هو مثل حديث بريدة (¬4)، وتقدم الكلام عليه. قوله: "على كل مسلم" ظاهر في عموم شرعيته، وحديث: "فأوتروا يا أهل القرآن" يراد بهم المسلمون. ثم بين عدده بقوله: "فمن أحب أن يوتر بخمس فليفعل" ظاهر موصولة. (ومن أحب أن يوتر بثلاث فليفعل) ظاهره كالأول أنها موصولة إلا أنه قد عارضه حديث أبي هريرة (¬5) مرفوعاً وموقوفاً: "لا توتروا بثلاث تشبهوا بصلاة المغرب". صحّحه الحاكم (¬6)، وروي من طرق وصحّح ابن حبان بعضها. ¬

_ (¬1) (6/ 46 رقم 4134). (¬2) في "السنن" (1422). (¬3) في "السنن" رقم (1711)، وأخرجه أحمد (712)، وابن ماجه رقم (1190). وهو حديث صحيح. (¬4) وهو حديث حسن لغيره، وقد تقدم. (¬5) أخرجه الدارقطني في "السنن" (2/ 24 - 25 رقم 1)، وهو حديث صحيح. (¬6) في "المستدرك" (1/ 304)، وقال: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي. وأخرجه البيهقي في "السنن" (3/ 31). وهو حديث صحيح.

وأخرج الحاكم عن عائشة (¬1) وابن عباس (¬2) كراهية الوتر بثلاث. وذهبت الحنفية (¬3) إلى أنه يوتر بثلاث موصولة واحتج لهم بأن الصحابة أجمعوا على أن الإيتار بثلاث حسن، وردّ أنه أي إجماع منهم مع خلاف من ذكرنا. ولكنه روى الحاكم (¬4) من حديث عائشة: "أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يوتر بثلاث لا يقعد [522/ أ] إلاّ في آخرهن"، وروى النسائي (¬5) من حديث أُبَّي بن كعب مثله. وجمع بن الروايتين النهي عن التشبه بصلاة المغرب بحمل النهي على صلاة الثلاث بتشهدين وحديث: "لا يقعد إلا في آخرهن" يرشد إلى هذا. ثم قد عارض قوله: "اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً" ما أخرجه مسلم (¬6) عن عائشة: "أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي ركعتين بعد الوتر وهو جالس"، وقد ذهب إليه بعض أهل العلم (¬7) وجعل قوله: "اجعلوا صلاتكم آخر الليل وتراً" مختصاً [بمن] (¬8) أوتر آخر الليل. وأجاب من لم يقل بذلك بأنّ الركعتين المذكورتين هما ركعتان الفجر، وحمله النووي (¬9) على أنه - صلى الله عليه وسلم - فعلهما لبيان جواز التنفل بعد الوتر، وجواز التنفل جالساً. ¬

_ (¬1) في "المستدرك" (1/ 303 - 304). (¬2) في "المستدرك" (1/ 304). (¬3) انظر: شرح "معاني الآثار" (1/ 342). (¬4) في "المستدرك" (1/ 305) وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي. (¬5) في "السنن" رقم (1699)، وهو حديث صحيح. (¬6) في "صحيحه" رقم (126/ 738). (¬7) انظر: "الأوسط" (5/ 202) شرح "صحيح مسلم" للنووي (6/ 21)، "المجموع شرح المهذب" (3/ 511). (¬8) في (ب) إن. (¬9) في "شرحه لصحيح مسلم" (6/ 21).

قال ابن القيم في الهدي (¬1): وفي المسند (¬2) عن أبي أمامة: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي ركعتين بعد الوتر، وهو جالساً يقرأ فيهما بـ {إِذَا زُلْزِلَتِ} و {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)} [258 ب] "، وروى الدارقطني (¬3) نحوه من حديث أنس. وقد أشكل هذا على كثير من الناس، فظنوه معارضاً لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "اجعلوا آخر صلاتكم من الليل وتراً" وأنكر مالك (¬4) هاتين الركعتين. وقال أحمد (¬5): لا أفعله ولا أمنع من فعله، قال: وأنكره مالك. وقالت طائفة (¬6): إنما فعل هاتين الركعتين ليبين جواز الصلاة بعد الوتر، وأن فعله لا يمنع التنفل، وحملا قوله: "اجعلوا صلالكم آخر الليل وتراً" على الاستحباب، وصلاة الركعتين بعده على الجواز. ¬

_ (¬1) في "زاد المعاد" (1/ 322 - 323). (¬2) في "المسند" (5/ 260). وأخرجه البيهقي في "السنن" (3/ 33). (¬3) في "السنن" (2/ 41 رقم 19). وأخرجه البيهقي في "السنن" (3/ 33)، من طريقين عن بقية عن عتبة بن أبي حكيم، عن قتادة، عن أنس به, بسند ضعيف. وله طريق آخر أخرجه ابن خزيمة رقم (158)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/ 341)، والبيهقي (3/ 33) من طريق عمارة بن زاذان عن ثابت، عن أنس به، بسند ضعيف أيضاً. ويتقوى حديث أنس بالشوهد عن أبي أمامة، وأم سلمة, وعائشة فهو حديث حسن لغيره. (¬4) ذكره ابن المنذر في "الأوسط" (5/ 202) عن أحمد بن حنبل في مسألة الصلاة بعد الوتر. قال: أرجوا إن فعله إنسان لا يضيق عليه, وقال أحمد: لا أفعله، وأورده محمد بن نصر المروزي في "مختصر قيام الليل: كتاب الوتر" (ص 310): قيل: (وليس عليه وتر؟ قال: لا). (¬5) ذكره ابن المنذر في "الأوسط" (5/ 202). (¬6) ذكره ابن القيم في "زاد المعاد" (1/ 322).

والصواب (¬1): أن يقال: أن هاتين الركعتين تجري مجرى السنة, وتكميل الوتر، فإن الوتر عبادة مستقلة، ولا سيما إن قيل بوجوبه، فتجري الركعتان بعده مجرى سنة المغرب من المغرب، فإنها وتر النهار، والركعتان بعدها تكميل لها، فكذلك الركعتان بعد وتر الليل. انتهى كلامه. ويتصل بالحديث مسألة: من أوتر ثم أراد أن يتنفل في الليل هل يكفي وتره الأول ويتنفل ما شاء؟ أو يشفع وتره بركعة ثم يتنفل؟. ثمّ إذا فعل هل يحتاج إلى وتر آخر؟ أم لا؟. ذهب الأكثر إلى أن يصلي شفعاً ما شاء، ولا ينقض وتره عملاً بقوله - صلى الله عليه وسلم - "لا وتران في ليلة" وهو حديث حسن أخرجه النسائي (¬2)، وابن خزيمة (¬3)، وغيرهما (¬4)، من حديث طلق ابن علي. ¬

_ (¬1) قاله ابن القيم في "زاد المعاد" (1/ 322 - 323). (¬2) في "السنن" رقم (3/ 229). (¬3) في "صحيحه" رقم (1101). (¬4) كأحمد (4/ 23)، وأبو داود رقم (1493)، والترمذي رقم (470)، وقال: حديث حسن غريب. وابن حبان رقم (671 - موارد)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (3/ 36)، وابن حزم في "المحلى" (3/ 50). من طريق عبد الله بن بدر، عن قيس بن طلق، عن أبيه, به مرفوعاً، وقد توبع عبد الله بن بدر، عند الطيالسي رقم (1095)، والطبراني في "الكبير" (ج 8 رقم 8247)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/ 342) عن أيوب بن عتبة، عن قيس بن وتابعهم كذلك سراج بن عقبة, عن قيس به. أخرجه أحمد (4/ 23). وقال الحافظ في "التلخيص" (2/ 36): وقال الترمذي: حسن، وقال عبد الحق: وغيره يصححه. وهو حديث صحيح.

قوله: "ومن أحب أن يوتر بواحدة فليفعل"، استدل به على أن الركعة الآخرة، أي: الوتر، وأن كل ما تقدمها شفع. وادعى بعض الحنفية (¬1) أنّ هذا إنما شرع لمن طرقه الفجر قبل أن يوتر، فيكفي واحدة لقوله: "فإذا خشي الصبح". قال الحافظ ابن حجر (¬2): قد صح [عن] (¬3) جماعة من الصحابة أنهم أوتروا بواحدة من غير تقدم نقل قبلها. انتهى. وقال ابن عبد البر في "الاستذكار" (¬4): أن الشافعي قال: إن الوتر بركعة لمن خشي الصبح جائز، وإن لم يصلِ قبلها شيء. قال (¬5): والقياس أنه يجوز ذلك لكل الناس خشيوا الصبح أم لم يخشوه؛ لأنه إذا جاز أن يفصل بسلام مما قبلها جاز أن تصلى وحدها. قوله: "أخرجه أبو داود [259 ب] وهذا لفظه، والنسائي"، قال: الحافظ (¬6) ابن حجر: وصحّحه ابن حبان (¬7) والحاكم (¬8). السادس: حديث (أم سلمة). ¬

_ (¬1) "البناية في شرح الهداية" (2/ 575) "تبيين الحقائق" (1/ 170). (¬2) في "فتح الباري" (2/ 481). (¬3) سقطت من (ب). (¬4) (5/ 259 رقم 6717). (¬5) ذكره ابن عبد البر في "الاستذكار": (5/ 259 رقم 6718). (¬6) في "التلخيص" (2/ 36). (¬7) في "صحيحه" رقم (671 - موارد). (¬8) في "المستدرك" (1/ 301 - 302).

6 - وعن أم سلمة - رضي الله عنها - قالت: "كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يُوتِرُ بَثَلاَثَ عَشَرَةَ. فَلَمَّا كبُرَ وَضَعُفَ أَوْتَرَ بِسَبْعٍ". أخرجه الترمذي (¬1)، والنسائي (¬2). [إسناده صحيح] وزاد الترمذي (¬3) فقال: وقال إسحاق بن إبراهيم: معنى ما روى أنه كان يُوتر بثلاث عشرة، أنه كان يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة مع الوتر، فنسبت صلاة الليل إلى الوتر. [إسناده صحيح] قوله: "بثلاث عشر" قد عارضه حديث عائشة: "أنه - صلى الله عليه وسلم - ما كان يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة" (¬4) وقد روي عنها (¬5) أيضاً مثل حديث أم سلمة: "وأنه كان يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة ثم يصلي إذا سمع النداء ركعتين خفيفتين" فهذا أكثر ما روي في عدد صلاته بالليل. قال ابن عبد البر (¬6): فهذه شهادات عدول على غالب، فمن زاد في ذلك زيادة قبلت منه؛ لأنها شهادة مستأنفة. قال (¬7): وأهل العلم يقولون أن الاضطراب عنها في أحاديثها في الحج، وأحاديثها في الرضاع، وأحاديثها في صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - بالليل، وأحاديثها في قصر صلاة المسافر، لم يأت ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (458) بإسناد صحيح. (¬2) في "السنن" رقم (1708). (¬3) في "السنن" (2/ 320 رقم 458). (¬4) أخرجه البخاري رقم (1147)، ومسلم رقم (125/ 738). (¬5) أخرجه البخاري رقم (994)، ومسلم رقم (122/ 736)، وأبو داود رقم (1336)، والنسائي (3/ 234)، وابن ماجه رقم (1198)، وأحمد (6/ 34). (¬6) في "الاستذكار" (5/ 242 رقم 6625). (¬7) في "الاستذكار" (5/ 242 رقم 6626).

ذلك إلا عنها؛ لأن الذين يروون ذلك عنها حفّاظ أثبات: القاسم بن محمد، وعروة، والأسود، ومسروق، ونظرائهم. قال (¬1): وقد أجمع العلماء على أن [لا حدَّ ولا] (¬2) شيء مقدر في صلاة الليل وأنها نافلة، فمن شاء أطال القيام فيها وقلّل ركعاته، ومن شاء أكثر الركوع والسجود. انتهى. واعلم أنه لم يقع البيان في كيفية صلاة هذه الركعات الثلاث عشرة والتسع، هل موصولة أو لا؟ إلاّ أنه قد ثبت حديث: "صلاة الليل مثنى مثنى" فقيل: المراد أنه يتشهد بين كل ركعتين، قال هذا الحنفية. ولكن عند مسلم (¬3) من حديث عقبة [260 ب] بن حريث قال: "قلت لابن عمر: ما مثنى مثنى؟ قال: يسلم من كل ركعتين"، وراوي الحديث أعلم بالمراد منه، وما فسره به هو المتبادر إلى الفهم؛ لأنه لا يقال في الرباعية مثلاً أنها مثنى. واستدل [523/ أ] بالحديث على تعين الفصل بين كل ركعتين من صلاة الليل. قال ابن دقيق (¬4) العيد: وهو ظاهر السياق بحصر المبتدأ في الخبر، وحمله الجمهور على أنه لبيان الأفضل، لما صح من فعله - صلى الله عليه وسلم - بخلافه, ولم يتعين أيضاً كونه لذلك، بل يحتمل أن يكون للإرشاد إلى الأخف، إذ السلام بين كل ركعتين أخف على المصلي من الأربع فما فوقها، لما فيه من الراحة غالباً وقضاء ما يعرض من أمر مهم. ولو كان الأصل لبيان الجواز فقط، لم يواظب - صلى الله عليه وسلم - عليه، ومن ادعى اختصاصه فعليه البيان. ¬

_ (¬1) ابن عبد البر في "الاستذكار" (5/ 244 رقم 6627). (¬2) سقطت من (ب). (¬3) في "صحيحه" رقم (159/ 749). (¬4) في "إحكام الأحكام" (2/ 83).

وقد صحّ عنه - صلى الله عليه وسلم - الفصل كما صحّ عنه الوصل فعند أبي داود (¬1)، ومحمد بن نصر (¬2)، من طريق الأوزاعي، وابن أبي ذئب كلاهما عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: "إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي من بين أن يفرغ من العشاء إلى الفجر إحدى عشرة ركعة, يسلم بين كل ركعتين". قال الحافظ (¬3) ابن حجر: إسنادهما على شرط الشيخين. قال: واستدل به أيضاً على عدم النقصان على ركعتين في النافلة ما عدا الوتر، والاستدلال به قوي. وإذا عرفت أنه قد ثبت الوصل والفصل فقد اختلف أيهما أفضل؟. قال الأثرم عن الإمام أحمد (¬4): الذي اختاره في صلاة الليل مثنى مثنى فإن صلى النهار أربعاً فلا بأس. وقال محمد (¬5) بن نصر: قد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أوتر بخمس (¬6) لم يجلس إلا في آخرها، إلى غير ذلك من الأحاديث الدالة على الوصل، إلاّ أنا نختار أن يسلم من كل ركعتين، لكونه أجاب به السائل، ولكن أحاديث الفصل أثبت وأكثر طرقاً. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (1336). (¬2) في "مختصر قيام الليل. كتاب الوتر" (ص 285). (¬3) في "الفتح" (2/ 479). (¬4) انظر: "المغني" (2/ 578 - 579)، "فتح الباري" (2/ 480). (¬5) في "مختصر قيام الليل. كتاب الوتر" (ص 284 - 285). (¬6) عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، (يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة يوتر من ذلك بخمس، ولا يجلس في شيء منهن إلا في آخرهن). [البخاري رقم (1140)، ومسلم رقم (123/ 737)، وأحمد (6/ 50)].

وفي كلامه (¬1) الرد على من ادعى أنه لم يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه صلى النافلة أكثر من ركعتين. قوله: "أخرجه الترمذي، والنسائي". قلت: بوّب له [261 ب] الترمذي (¬2) باب ما جاء في الوتر سبع، ثم قال (¬3) بعد إخراجه: وفي الباب عن عائشة. قال أبو عيسى (¬4): حديث أم سلمة حديث حسن، وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أنه أوتر بثلاث عشرة وإحدى عشرة, وتسع، وسبع، وخمس، وثلاث، وواحدة". قال إسحاق بن إبراهيم: معنى ما روي: "أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يوتر بثلاث عشرة" أنه كان يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة مع الوتر، فنسبت صلاة الليل إلى الوتر، وروي في ذلك حديثاً عن عائشة (¬5)، واحتج بما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "أوتروا يا أهل القرآن" (¬6). قال: إنما عنى به قيام الليل يقول: إنما قيام الليل على أصحاب القرآن. انتهى كلامه. السابع: حديث (ابن عمر). 7 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "الوِتْرُ مِنْ آخِرِ الَّليْلِ". ¬

_ (¬1) أي: الداودي ومن تبعه. "فتح الباري" (2/ 480). (¬2) في "السنن" (2/ 319 الباب رقم 334). (¬3) أي: "الترمذي في "السنن" (2/ 320). (¬4) في "السنن" (2/ 320). (¬5) تقدم نصه وتخريجه. (¬6) تقدم نصه وتخريجه.

أخرجه الستة (¬1)، إلا أبا داود، وهذا لفظ مسلم. [صحيح] - وفي رواية للبخاري (¬2): "صَلاَةُ الَّليِلِ مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَنْصَرِفِ فَارْكَعْ رَكْعَةً تُوتِرُ لَكَ مَا قَدْ صَلَّيْتَ". [صحيح] قوله: "الوتر ركعة من آخر الليل" فيه بيان وقت الإيتار وأنه آخر الليل، وأنه ركعة واحدة، والمراد بها منضافة إلى شفع قبلها كما أفادته رواية البخاري. وعقد البخاري (¬3) لأوقات الوتر ترجمة بلفظ: باب ساعات الوتر، أي: أوقاته. ومحصل (¬4) ما ذكره أن الليل كله وقت الوتر، لكن أجمعوا على أن ابتداءه مغيب الشفق بعد صلاة العشاء، وقد عارض حديث ابن عمر حديث وصيته - صلى الله عليه وسلم - لأبي هريرة بالوتر (¬5) قبل النوم، وقول عائشة: "وانتهى وتره إلى السحر" (¬6)، وجمع بينهما بأن حديث وصية أبي هريرة ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم رقم (155/ 753)، ومالك (1/ 123)، والترمذي رقم (437)، والنسائي (3/ 227، 228). (¬2) في "صحيحه" رقم (472, 473، 690). وأخرجه مسلم في "صحيحه" رقم (145/ 749). (¬3) في "صحيحه" (2/ 486 الباب رقم 2 - مع الفتح). (¬4) قاله الحافظ في "الفتح" (2/ 486). (¬5) أخرجه أحمد (5/ 173)، والنسائي رقم (2404)، وابن خزيمة رقم (1083، 1221، 2122)، وابن المنذر في "الأوسط" (5/ 170). وهو حديث صحيح. (¬6) عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "من كل الليل قد أوتر رسول الله من أول الليل وأوسطه وآخره، فانتهى وتره إلى السحر". [أخرجه أحمد (6/ 46)، والبخاري رقم (996)، ومسلم رقم (136/ 745)، وأبو داود رقم (1435)، والترمذي رقم (456)، والنسائي رقم (1682)، وابن ماجه رقم (1182)، وهو حديث صحيح].

لمن لم يثق من نفسه بقيام آخر الليل، وحديث ابن عمر لمن وثق من نفسه بأنه يقوم آخر الليل، كما يفيده حديث مسلم (¬1): "من طمع منكم أن يقوم آخر الليل فليوتر من آخره, فإن صلاة آخر الليل مشهودة وذلك أفضل، ومن خاف منكم أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر من أوله [262 ب] (¬2) ". وهو نص في وجه الجمع. وعورض حديث ابن عمر في الإيتار بواحدة، بحديث أبي سعيد (¬3): "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن البتيراء أن يصلي الرجل واحدة يوتر بها" وردّ بأنّ فيه عثمان بن محمد بن ربيعة. قال عبد الحق في "الأحكام" (¬4) من جهة ابن عبد البر: أن الغالب على حديث عثمان بن محمد الوهم، وقال ابن القطان (¬5): حديث عثمان بن محمد بن ربيعة شاذ لا يعرج على روايته. ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (163/ 755) عن جابر قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "أيكم خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر، ثم ليرقد، وقد وثق بقيام الليل فليوتر من آخره, فإن قراءة آخر الليل محضورة وذلك أفضل". وأخرجه أحمد (3/ 348)، والترمذي رقم (455)، وابن ماجه رقم (1187)، وهو حديث صحيح. (¬2) انظر: نص الحديث المتقدم. (¬3) أخرجه ابن عبد البر في "التمهيد" (4/ 177) من طريق عثمان بن محمد بن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن عبد العزيز بن محمد الدراوردي، عن عمر بن يحيى، عن أبيه, عن أبي سعيد: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن البتيراء، أن يصلي الرجل واحدة يوتر بها. وعثمان بن محمد بن أبي ربيعة بن عبد الرحمن، قال العقيلي: الغالب على حديثه الوهم. وضعفه الدارقطني، وقال ابن القطان: هذا حديث شاذ لا يعرج على رواته, "لسان الميزان" (4/ 152)، و"الميزان" (3/ 53). وقال النووي في "المجموع شرح المهذب" (3/ 519): حديث البتيراء ضعيف مرسل. (¬4) في "الأحكام الوسطى" (2/ 50). (¬5) في "بيان الوهم والإيهام الواقعين في كتاب الأحكام". (3/ 154 - 155).

قوله: "أخرجه الستة، إلا أبا داود، وهذا لفظ مسلم" (¬1). قوله: "وفي رواية للبخاري (¬2) صلاة الليل مثنى مثنى"، أي: اثنتين اثنتين. ولفظ: "مثنى" غير منصرف للعدل (¬3) والوصف، ولمسلم (¬4): "قلت: ما مثنى مثنى؟ قال: أن تسلم من كل اثنتين" وقد قدّمناه. قوله: "فإذا أردت أن تنصرف فاركع ركعة توتر لك". أي: تفسير ما قبلها من شفع وتراً، وهو مطلق عن التقييد بخشية الصبح [524/ أ]. قال في "فتح الباري" (¬5): أنه ادعى بعض الحنفية (¬6) أن هذا - أي: الإيتار بركعة - إنما شرع لمن طرقه الفجر قبل أن يوتر فيكتفي بواحدة، لقوله: "فإذا خشي الصبح". قال (¬7): ويحتاج - أي: بعض الحنفية - إلى دليل يعين الثلاث. قلت: وحديث "من شاء أن يوتر بواحدة فليفعل" دال على جواز (¬8) الإيتار بها، وإن لم يخش الفجر، ومن أجاز الإيتار بواحدة قال: إن سبق الشفع شرط في الإكمال لا في الصحة. ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (155/ 753) وقد تقدم. (¬2) في "صحيحه" رقم (473، 472، 690)، وقد تقدم. (¬3) قاله الحافظ في "فتح الباري" (2/ 479). (¬4) في "صحيحه" رقم (159/ 749). (¬5) (2/ 478 - 479). (¬6) "البناية في شرح الهداية" (2/ 575)، "تبيين الحقائق" (1/ 170). (¬7) قاله الحافظ في "الفتح" (2/ 479). (¬8) انظر: "المجموع شرح المهذب" (3/ 518 - 519). "المدونة" (1/ 126) "الحجة" (1/ 190).

الثامن: حديث (عبد العزيز بن جريج). 8 - وعن عبد العزيز بن جريج قال: "سَألنَا عَائِشَةَ - رضي الله عنها -: بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ يُوتِرُ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قَالَتْ: كَانَ يَقْرَأُ فِي الأُولَى بِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى، وَفي الثَّانِيَةِ بِقُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ، وَفي الثَّالِثَةِ بِقُلْ هُوَ الله أَحَدٌ وَالمُعَوِّذَتَيْنِ". أخرجه أصحاب السنن (¬1). [صحيح] قوله: "بأي شيء كان يوتر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" أي: يقرأ في وتره كما دل جوابها بقولها: "يقرأ في الأولى بسبح اسم ربك الأعلى" أي: بعد الفاتحة, وكذلك بقية الركعات، وهذا قراءته في الأيتار بثلاث، وأنه يجمع المعوذتين: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1)} و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1)} مع الصمد في ركعة. [263 ب]. ولم يبين في هذا الحديث أموصولة الثلاث أو مفصولة؟ لكن أخرج النسائي (¬2) من حديث أُبيّ بن كعب نحوه ولفظه: "يوتر بسبح اسم ربك الأعلى، وقل يا أيها الكافرون، وقل هو الله أحد، ولا يسلم إلا في آخرهن". قوله: "أخرجه أصحاب السنن". قلت: قال الترمذي (¬3): هذا حديث حسن غريب، وعبد العزيز هذا هو والد ابن جريج صاحب عطاء، وابن جريج هذا اسمه عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، وقد روى هذا الحديث يحيى بن سعيد الأنصاري، عن عمرة، عن عائشة. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود رقم (1424)، والترمذي رقم (463)، وابن ماجه رقم (1173)، والنسائي رقم (1731)، من حديث عبد الرحمن بن أبزى. وهو حديث صحيح. (¬2) في "السنن" رقم (1730). وأخرجه أحمد (5/ 123)، وأبو داود رقم (1423)، وابن ماجه رقم (1171)، وهو حديث صحيح. (¬3) في "السنن" (2/ 327).

وقال في محل آخر (¬1): والذي اختاره أكثر أهل العلم من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن بعدهم أن يقرأ بسبح اسم ربك الأعلى، وقل يا أيها الكافرون، وقل هو الله أحد، يقرأ في كل ركعة من ذلك سورة. انتهى. وفي "التلخيص" (¬2) أنه أخرجه أبو داود (¬3)، والترمذي (¬4)، وابن ماجه (¬5)، عن عائشة، وفيه خصيف الجزري وفيه لين. ورواه الدارقطني (¬6)، وابن حبان (¬7)، والحاكم (¬8) من حديث يحيى بن سعيد، عن عمرة، عن عائشة، وتفرد به يحيى بن أيوب عنه, وفيه مقال ولكنه صدوق. وقال العقيلي (¬9): إسناده صالح، ولكن حديث ابن عباس (¬10)، وأُبيَّ (¬11) بن كعب بإسقاط المعوذتين أصح. ¬

_ (¬1) في "السنن" (2/ 326). (¬2) (2/ 39 رقم 534). (¬3) في "السنن" رقم (1424). (¬4) في "السنن" رقم (463). (¬5) في "السنن" رقم (1173)، وقد تقدم وهو حديث صحيح. (¬6) في "السنن" (2/ 35). (¬7) في "صحيحه" رقم (2439). (¬8) في "المستدرك" (2/ 520). (¬9) ذكره الحافظ في "التلخيص" (2/ 40). (¬10) أخرجه أحمد (1/ 300)، والترمذي رقم (462)، والنسائي رقم (1702)، وابن ماجه رقم (1172)، وهو حديث صحيح. (¬11) تقدم، وهو حديث صحيح.

وقال ابن الجوزي (¬1): أنكر أحمد ويحيى بن معين زيادة المعوذتين. انتهى. قلت: ولا يخفى أن المصنف نسب رواية المعوذتين إلى أهل السنن، ولم يخرجها النسائي وهو منهم، وقد فصّل ابن الأثير (¬2) الروايات تفصيلاً واضحاً. التاسع: حديث (خارجة بن حذافة). 9 - وعن خارجة بن حذيفة - رضي الله عنه - قال: رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَمَدَّكُمُ الله بِصَلاَةٍ هِيَ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ. وَهيَ الوتِرُ. فَجَعَلَهاَ الله لَكُمْ فِيمَا بَيْنَ العِشَاءِ الآخِرَةِ إِلَى طُلُوعِ الفَجْرِ". أخرجه أبو داود (¬3)، والترمذي (¬4). [حسن دون قوله: هي خير من حمر النعم] "حُمْرِ النَّعَمِ" خيار الإبل وأغلاها قيمة. قوله: "فجعلها [264 ب] الله لكم فيما بين العشاء الآخرة إلى طلوع الفجر"، فيه: أن كل الليل وقت لصلاة الوتر، وأن أوله من بعد العشاء إلى الفجر، وأنه ينقطع الوقت بطلوع الفجر، ويأتي فيه الكلام. قوله: "أخرجه الترمذي". قلت: وقال (¬5): حديث خارجة بن حذافة حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديث يزيد بن أبي حبيب. انتهى. ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "التلخيص" (2/ 40). (¬2) في "الجامع" (6/ 51 - 54). (¬3) في "السنن" رقم (1418). (¬4) في "السنن" رقم (452). وأخرجه ابن ماجه رقم (1168)، وهو حديث حسن دون قوله: "هي خير لكم من حُمر النعم". (¬5) في "السنن" (2/ 315).

قلت: في "التقريب" (¬1): يزيد بن أبي حبيب البصري ثقة فقيه، ورمز له أنه أخرج له الستة، وليس فيه يزيد بن أبي حبيب غير هذا، ويدل له الحديث. العاشر: حديث (عائشة). 10 - وعن عائشة - رضي الله عنها - قال: "مَنْ كُلَّ اللَّيْلِ قَدْ أَوْتَرَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - مِنْ أَوَلِ الَّليْلِ وَأَوْسَطِهِ، وَآخِرِهِ فَانْتَهَى وِتْرُهُ إِلَى السَّحَرِ". أخرجه الخمسة (¬2). [صحيح] "من كل الليل قد أوتر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" وبينت ذلك بقولها: "من أوله، وأوسطه، وآخره, وانتهى وتره إلى السحر"، هو بيان لآخره، وزاد أبو داود (¬3): "حين مات". قال الحافظ (¬4) ابن حجر: يحتمل أن يكون اختلاف وقت الوتر باختلاف الأحوال، فحيث أوتر في أوله لعله كان وجعاً، وحيث أوتر في وسطه لعله كان مسافراً، أمّا وتره في آخره فكأنه غالب أحواله لما عرف من مواظبته على الصلاة في أكثر الليل، والسحر قبيل الصبح. انتهى. قوله: "أخرجه الخمسة". ¬

_ (¬1) (2/ 363 رقم 237). (¬2) أخرجه البخاري رقم (996)، ومسلم رقم (136/ 745)، وأبو داود رقم (1435)، والترمذي رقم (456)، والنسائي رقم (1682)، وابن ماجه رقم (1158)، وأخرجه أحمد (6/ 46). وهو حديث صحيح. (¬3) في "السنن" رقم (1435)، وهو حديث صحيح. (¬4) في "فتح الباري" (2/ 487).

الحادي عشر: حديث (جابر). 11 - وعن جابر - رضي الله عنه - قال: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ خَافَ أَنْ لَا يَقُومَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ, فَلْيُوتِرْ أَوَّلَهُ، وَمَنْ طَمِعَ أَنْ يَقُومَ آخِرَهُ فَلْيُوتِرْ آخِرَ اللَّيْلِ، فَإِنَّ صَلَاةَ آخِرِ اللَّيْلِ مَشْهُودَةٌ، مَحْضُورَةٌ، وَذَلِكَ أَفْضَلُ". أخرجه مسلم (¬1)، والترمذي (¬2). [صحيح] قوله: "من خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله" وهذا الإيتار مأذونُ فيه على تقدير أن لا يظن قيام آخر الليل. قوله: "مشهودة محضورة" أي: تشهدها ملائكة (¬3) الرحمة، وفيه دليل صريح على أن من وثق باستيقاظه آخر الليل، فتأخيره الوتر إلى آخره أفضل، ومن لا يثق بذلك فتقديمه أفضل. قوله: "أخرجه مسلم، والترمذي". قلت: الترمذي (¬4) رواه بصيغة التمريض ولفظه: وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من خشي منكم ألاّ يستيقظ من آخر الليل ... " الحديث. وقال (¬5): "فإن قراءة القرآن في آخر الليل محضورة, وهي أفضل". ثم قال (¬6): حدّثنا بذلك هنّاد قال: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر [265 ب]، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. انتهى. فهذا سنده آخر. ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (163/ 755). (¬2) في "السنن" رقم (456). أخرجه أحمد (3/ 348)، وابن ماجه رقم (1187)، وهو حديث صحيح. وقد تقدم. (¬3) قاله النووي في "شرح صحيح مسلم" (6/ 25). (¬4) في "السنن" (2/ 318). (¬5) أي: الترمذي في "السنن" (2/ 318). (¬6) في الترمذي في "السنن" (2/ 318).

الثاني عشر: حديث (أبي قتادة). 12 - وعن أبي قتادة - رضي الله عنه - قال: قَالَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - لِأَبِي بَكْرٍ - رضي الله عنه -: "مَتَى تُوتِرُ؟ " فَقَالَ: أوْتِر مِنْ أَوَّلَ اللَّيْلِ. وَقَالَ لِعُمَرُ - رضي الله عنه -: "مَتَى تُوتِرُ؟ " فَقَالَ: أَوُتِرُ آخِرَ اللَّيْلِ. فَقَالَ لأَبِي بَكْرٍ: "أَخَذَ هَذَا بِالحَذَرِ، وَأَخَذَ هَذَا" يَعْنيِ عُمَرُ بِالقُوَّةِ. أخرجه مالك (¬1)، وأبو داود (¬2). [صحيح] قوله: "أخذ هذا بالحذر" أي: مخافة أن ينام عن وتره. وقوله: "وأخذ هذا بالقوة" أي: بقوة وثوقه بنفسه أنه يستيقظ آخر الليل. قوله: "أخرجه مالك، وأبو داود". الثالث عشر: حديث (ابن عمر). 13 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "صَلاَةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنىَ مَثْنىَ". أخرجه أصحاب السنن (¬3). [صحيح] قوله: "صلاة الليل والنهار" أي: نوافلهما. "مثنى مثنى" تقدم الكلام فيه, قال الحافظ ابن حجر (¬4): زيادة: "والنهار" أكثر أئمة الحديث علّلوا هذه الزيادة بأن الحفاظ من أصحاب ابن عمر لم يذكروها عنه. ¬

_ (¬1) في "الموطأ" (1/ 124). (¬2) في "السنن" رقم (1434). وأخرجه الحاكم (1/ 301). وهو حديث صحيح. (¬3) أخرجه أبو داود رقم (1421)، والترمذي رقم (437)، وقال: هذا حديث حسن صحيح. والنسائي (3/ 227)، وابن ماجه رقم (1322). وهو حديث صحيح. (¬4) في "التلخيص" (2/ 47 - 48).

وحكم النسائي (¬1) على راويها بأنه أخطأ فيها، وقال يحيى بن معين: من علي الأزدي حتى أقبل منه. قوله: "أخرجه أصحاب السنن" قال الحافظ ابن حجر (¬2): وصحّحه ابن خزيمة (¬3). الرابع عشر: حديث (أبي سعيد). 14 - وعن أبي سعيد - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ نَامَ عَنْ وِتَرِهِ أَوْ نَسِيَهُ فَلْيُصَلِّ إِذَا ذَكَرهَ أَوِ اسْتَيْقَظَ". أخرجه أبو داود (¬4)، والترمذي (¬5). [صحيح] ترجمة ابن الأثير (¬6) بقوله: الوتر بعد الصبح. قوله: "فليصل إذا ذكر أو إذا استيقظ" لفظه في "الجامع" (¬7): "من نام عن وتره فليصل إذا أصبح" ونسبه إلى الترمذي. ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "التلخيص" (2/ 48). (¬2) في "التلخيص" (2/ 48). (¬3) في "صحيحه" رقم (1210). (¬4) في "السنن" رقم (1431). (¬5) في "السنن" رقم (465، 466). وأخرجه الدارقطني في "السنن" (2/ 22)، وأبن ماجه رقم (1188)، والحاكم (1/ 302)، والبيهقي (2/ 480)، من طريق محمد بن مطرف المدني عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد. قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه, ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. وهو حديث صحيح. (¬6) في "الجامع" (6/ 59 - 60 رقم 4258). (¬7) (6/ 59 رقم 4158).

قال: وله (¬1) في أخرى: "من نام عن وتره ... " الحديث الذي أتى به المصنف، إلا أنه بلفظ: "فليصل (¬2) إذا ذكر وإذا استيقظ" بالواو لا بأو. قال: وأخرج أبو داود (¬3)، الرواية الثانية إلى قوله: "إذا ذكر". انتهى. قوله: "أخرجه أبو داود والترمذي". قلت: قال الترمذي (¬4) - بعد سياقه اللفظين اللذين سقناهما -: وفي لفظ: "من نام عن وتره فليصل إذا أصبح" أصح من الحديث [266 ب]، الأول: وذكر وجه ذلك بأن الأول من رواية عبد الرحمن بن زيد بن أسلم. والثاني: من رواية عبد الله بن زيد بن أسلم، وذكر عن البخاري أن علي بن عبد الله ضعّف عبد الرحمن، ووثق عبد الله. انتهى. قال الترمذي (¬5): وقد ذهب بعض أهل الكوفة إلى هذا، قالوا: يوتر الرجل إذا ذكر وإن كان بعدما طلعت الشمس، وبه يقول سفيان (¬6) الثوري. انتهى. قلت: إلاّ أنه قد عارضه ما قاله الترمذي أيضاً: أنه روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لا وتر بعد صلاة الصبح" (¬7). ¬

_ (¬1) أي: للترمذي في "السنن" رقم (465)، وهو حديث صحيح. (¬2) وهو كما قال الشارح. (¬3) في "السنن" رقم (1431)، وهو حديث صحيح. (¬4) في "السنن" (2/ 330 - 331). (¬5) في "السنن" (2/ 331). (¬6) انظر: "المجموع شرح المهذب" (3/ 533)، "المحلى" (4/ 179 - 181). (¬7) تقدم نصه وتخريجه.

قال: وهو قول غير واحد من أهل العلم، وبه يقول الشافعي (¬1)، وأحمد (¬2)، وإسحاق. انتهى. ويمكن الجمع بأن يراد بهذا من أخّر الوتر حتى أصبح، والأول: على من نام. وقال الحافظ (¬3) ابن حجر: أنه حكى ابن المنذر (¬4) عن جماعة من السلف أن الوتر يخرج بالفجر وقته الاختياري، ويبقى وقت الضرورة إلى قيام صلاة الصبح. فلو أتى المصنف باللفظ الآخر المصحح أو أشار إليه لكان أولى، لكنه اقتصر على غير الأصح، وأتى بلفظه. [الحديث] (¬5) الخامس عشر: 15 - وعن أبي جمرة قال: سَألتُ عَائِذَ بِنَ عَمْروٍ وَكَانَ مَنَ أَصحَابِ الشَّجَرَةِ - رضي الله عنهم -، هَلْ يُنْقَضُ الوتِرُ؟ قَالَ: إِذّا أَوْتَرتَ مَنْ أَوَّلِهِ، فَلاَ تُوتِرْ مِنْ آخِرِهِ. أخرجه البخاري (¬6). [صحيح] وزاد رزين - رحمه الله - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ وِتْرَانِ فِي لَيْلَةٍ" (¬7). [صحيح] حديث (أبي جمرة) وهو بالجيم والراء، صاحب ابن عباس. ¬

_ (¬1) انظر: "حلية العلماء" (2/ 144 - 145)، "المجموع شرح المهذب" (3/ 533). (¬2) انظر: "مختصر قيام الليل كتاب الوتر" (ص 333 - 334). (¬3) في "فتح الباري" (2/ 479 - 480). (¬4) انظر: "الأوسط" (5/ 190 - 191). (¬5) سقطت من (ب). (¬6) في "صحيحه" رقم (4176). (¬7) سيأتي تخريجه.

وابن الأثير (¬1) ترجمه بقوله: الفرع الخامس في نقض الوتر. قوله: "وكان من أصحاب الشجرة" أي: من الذين بايعوه - صلى الله عليه وسلم - تحت الشجرة بيعة الرضوان الذين قال الله فيهم: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} (¬2). قوله: "هل ينتقض الوتر" قال في "النهاية" (¬3): نقضه إبطاله وتشفيعه بركعة لمن يريد أن يتنفل بعد أن أوتر. انتهى. قوله: "قال: إذا أوترت من أوله فلا توتر من آخره" قال الحافظ (¬4) ابن حجر: أنه ذهب الأكثر إلى أنه يصلي شفعاً ما أراد، ولا ينقض وتره [267 ب] عملاً بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا وتران في ليلة". قال: وهو حديث حسن، أخرجه النسائي (¬5)، وابن خزيمة (¬6). انتهى. ¬

_ (¬1) في "الجامع" (6/ 61). (¬2) سورة الفتح الآية (18). (¬3) (2/ 788)، وانظر: "الفائق" للزمخشري (1/ 139). (¬4) في "فتح الباري" (2/ 481). (¬5) في "السنن" (3/ 229 رقم 1679). (¬6) في "صحيحه" رقم (1101). وأخرجه أحمد (4/ 223)، وأبو داود رقم (1493)، والترمذي رقم (470)، وابن حبان رقم (671 - موارد)، والبيهقي (3/ 36)، وابن حزم في "المحلى" (3/ 50). من طريق عبد الله بن بدر، عن قيس بن طلق، به مرفوعاً. وقد توبع عبد الله بن بدر. أخرج هذه المتابعة، الطيالسي رقم (1095)، والطبراني في "الكبير" (ج 8/ رقم 8247)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/ 342) عن أيوب بن عتبة, عن قيس به. =

قلت: وأخرجه الترمذي (¬1): وترجم له: باب لا وتران في ليلة، وساقه بسنده إلى قيس ابن طلق بن علي، عن أبيه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا وتران في ليلة". قال أبو عيسى (¬2): هذا حديث حسن غريب، واختلف أهل العلم في الذي يوتر من أول الليل ثم يقوم من آخره, فرأى بعض أهل العلم من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن بعدهم نقض الوتر، وقالوا: يضيف إليه ركعة ويصلي ما بدا له، ثم يوتر في آخر صلاته؛ لأنه لا وتران في ليلة، وهو الذي ذهب إليه إسحاق (¬3). وقال بعض أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيرهم: إذا أوتر من أول الليل ثم نام، ثم قام من آخر الليل، فإنه يصلي ما بدا له، ولا ينقض وتره, ويدع وتره على ما كان، وهو قول سفيان (¬4) الثوري، ومالك (¬5) بن أنس، وابن المبارك (¬6) [526/ أ]، وأحمد (¬7)، وهذا أصح (¬8)؛ لأنه قد روي من غير وجه, أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد صلى بعد الوتر. انتهى. قوله: "أخرجه البخاري". قوله: "وزاد رزين قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... " الحديث. ¬

_ = وتابعهم كذلك السراج بن عقبة, عن قيس به. أخرجه أحمد (4/ 23). وهو حديث صحيح. (¬1) في "السنن" (2/ 333 الباب رقم 344). (¬2) في "السنن" (2/ 334). (¬3) انظر: "المغني" (2/ 598). (¬4) انظر: "الأوسط" (5/ 200). (¬5) انظر: "المنتقى" للباجي (1/ 224) "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (3/ 101). (¬6) انظر: "المجموع شرح المهذب" (3/ 521). (¬7) "المغني" (2/ 598). (¬8) انظر: "الأوسط" (5/ 199).

قلت: قدّمنا أنه أخرجه الترمذي (¬1) وترجم له، وأخرجه النسائي (¬2)، وابن خزيمة (¬3). إلا أن رزيناً زاده في رواية عائذ بن عمرو، ولم نجدها في روايته عند من أخرج حديثه. وأمّا الترمذي فأخرجه من حديث طلق بن علي، عن أبيه, وأخرجه عن طلق أبو داود، والنسائي كما في "الجامع" (¬4). السادس عشر: حديث (نافع، عن ابن عمر). 16 - وعن نافع قال: كُنْتُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - بِمَكَّةَ وَالسَّمَاءُ مُغِيمَةٌ، فَخَشِيَ الصُّبْحَ فَأَوْتَرَ بِوَاحِدَةٍ. ثُمَّ انْكَشَفَ الغَيْمُ فَرَأَى أَنَّ عَلَيْهِ لَيْلًا فَشَفَعَ بِوَاحِدَةٍ. ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ. فَلَمَّا خَشِيَ الصُّبْحَ أَوْتَرَ بِوَاحِدَةٍ. أخرجه مالك (¬5). [موقوف صحيح] قوله: "فرأى أنّ عليه ليلاً فشفع بواحدة" [268 ب] وهذا يصح عند من يقول بمشروعية التنفل بركعة واحدة غير الوتر، وكأنه رأي ابن عمر. قال ابن عبد البر في "الاستذكار" (¬6): إن هذه المسألة يعرفها أهل العلم بنقض الوتر، وقد روي (¬7) مثل قول ابن عمر في ذلك عن علي، وعثمان، وابن مسعود، وأسامة, ولم يختلف ¬

_ (¬1) في "السنن" (2/ 333 رقم 344). (¬2) في "السنن" (2/ 229 رقم (1679). (¬3) في "صحيحه" رقم (1101)، وهو حديث صحيح، وقد تقدم. (¬4) (6/ 62 رقم 4165). (¬5) في "الموطأ" (1/ 125 رقم 19). وهو أثر موقوف صحيح، وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (2/ 282)، وعبد الرزاق في "مصنفه" (3/ 229)، "وشرح معاني الآثار" (1/ 201). (¬6) (5/ 278 رقم (6777). (¬7) ذكره ابن عبد البر في "الاستذكار" (5/ 278 رقم 6778).

عنهم في ذلك، وقال بمذهب (¬1) ابن عمر في ذلك جماعة منهم عروة بن الزبير، ومكحول، وعمرو بن ميمون, وحجّتهم في ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: "الوتر ركعة من آخر الليل" (¬2)، وقوله: "فإذا خشي الصبح أوتر بركعة" (¬3). وذكر من خالف في ذلك واستدلالهم بحديث: "لا وتران في ليلة" (¬4) وأورد عليه: إن من نقض الوتر قد شفعه بركعة فلم يوتر في ركعة. قيل: إنه محال (¬5) أن يشفع ركعة قد سلّم منها، ونام مصليها، وتراخى الأمر فيها، وقد كتبها الملك الحافظ وتراً، فكيف تعود شفعاً؟! هذا ما لا يصح في قياسٍ ولا نظر. انتهى. فرجّح عدم صحة النقض وهو الأرجح. - وعن عائشة - رضي الله عنها - قال: "كَانَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يُسَلِّمُ فِي رَكْعَتَيِ الوَتْرِ". أخرجه النسائي (¬6). [شاذ] السابع عشر: حديث (ابن عمر). 17 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: "كَانَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُسَلِّمُ فِي الرَّكعَتَيْنِ مَنْ الوَتِرِ حَتَّى يَأَمُرَ بِبَعْضِ حَاجَتِهِ". أخرجه البخاري (¬7)، ومالك (¬8). [صحيح] ¬

_ (¬1) انظر: "الاستذكار" (5/ 279 رقم 6780). (¬2) تقدم مراراً. (¬3) تقدم مراراً. (¬4) تقدم، وهو حديث صحيح. (¬5) ذكره ابن عبد البر في "الاستذكار" (5/ 280 رقم 6790). (¬6) في "السنن" رقم (1698). (¬7) في "صحيحه" رقم (991). (¬8) في "الموطأ" (1/ 125 رقم 20).

- وله (¬1) في أخرى قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "صَلاَةُ المَغْرِبِ وَتْرُ النَّهَارِ". [موقوف صحيح] "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسلم في الركعتين من الوتر حتى يأمر ببعض حاجته". قلت: هكذا هو في "الجامع" (¬2) مرفوعاً إلى فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والذي في "البخاري" و"الموطأ": أنه كان يفعله ابن عمر لا غير. ولفظه في البخاري (¬3): عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يسلم بين الركعة والركعتين في الوتر حتى يأمر ببعض حاجته. ولفظ "الموطأ" (¬4): كان ابن عمر يسلم بين الركعتين والركعة في الوتر (¬5). قال ابن عبد البر: في "الاستذكار" (¬6): هذه المسألة اختلف فيها السلف والخلف، فروي الفصل بين الشفع وبين الوتر بالسلام عن عثمان وسعد، وزيد بن ثابت وابن عمر، وابن عباس، وأبي موسى، ومعاوية، وابن الزبير، وعلي. وبهذا (¬7) قال: مالك، والشافعي، وأصحابهما [269 ب] وأحمد، وأبو ثور. ¬

_ (¬1) أي: لمالك في "الموطأ" (1/ 125 رقم 21)، وهو أثر موقوف صحيح. (¬2) (6/ 63 رقم 4165). (¬3) في "صحيحه" رقم (991). (¬4) (1/ 125 رقم 20) وتمامه: حتى يأمر ببعض حاجته. (¬5) (5/ 281 رقم 6791). (¬6) (5/ 281 رقم 6791). (¬7) "الاستذكار" (5/ 281 رقم 6792).

قال: وقال (¬1) آخرون: الوتر ثلاث ركعات لا يفصل بينهن بسلام، روي ذلك عن عمر، عن أبي بن كعب، وأنس بن مالك، وأبي أمامة. وبه يقول عمر بن عبد العزيز، وأبو حنيفة (¬2) وأصحابه, وحجتهم حديث عائشة: "أنه أوتر بثلاث" (¬3) وبما رواه ابن سيرين (¬4)، عن ابن عمر عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "صلاة المغرب وتر صلاة النهار" (¬5)، ومعلوم (¬6) أن المغرب ثلاث ركعات لا يسلم إلا في آخرهن، فكذلك وتر صلاة الليل. وبحديث أبي أيوب (¬7): "من شاء أوتر بخمس، ومن شاء أوتر بثلاث, ومن شاء أوتر بواحدة". انتهى باختصار. قوله: "أخرجه البخاري ومالك". قلت: قد عرفت أن فيه وهمان زيادة رفع الحديث ونقصان (بين كل ركعة) ولكنه وقع لابن الأثير (¬8)، والمصنف تبع له، وكأنه اتفق لرزين فتبعه ابن الأثير. ¬

_ (¬1) ذكره ابن عبد البر في "الاستذكار" (5/ 282 رقم 6789، 6799). (¬2) انظر: "بدائع الصنائع" (1/ 27). (¬3) تقدم تخريجه. (¬4) ذكره ابن عبد البر في "الاستذكار" (5/ 285 رقم (6818). (¬5) تقدم آنفاً. (¬6) ذكره بن عبد البر في "الاستذكار" (5/ 283 رقم 6806). (¬7) تقدم نصه وتخريجه, وهو حديث صحيح. (¬8) في "الجامع" (6/ 63 - 64).

قوله: "وله" أي: ابن عمر في رواية أخرى، ويحتمل أن ضمير (له) لمالك لأنه لم يرو هذا اللفظ وهو قوله: "صلاة المغرب وتر النهار" إلا مالك، كما رأيناه في "الموطأ" (¬1)، ولم نجده في البخاري؛ ولأن ابن الأثير (¬2) أيضاً إنما نسبه إلى "الموطأ". واعلم أنه في "الموطأ" وجامع ابن الأثير موقوف على ابن عمر، ليس بمرفوع إليه - صلى الله عليه وسلم -، والمصنف رفعه إليه - صلى الله عليه وسلم - وهو وهم. الثامن عشر: حديث (علي - عليه السلام -). 18 - وعن علي - رضي الله عنه - قال: "كَانَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُوُل فِي وِتْرِهِ: اللهمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِك, وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ، أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ". أخرجه أصحاب السنن (¬3). [صحيح] قوله: "كان يقول في وتره". لفظ أبي داود (¬4): "في آخر وتره". قال ابن القيم (¬5): وهذا يحتمل أن يكون قبل فراغه منه وبعده، وفي إحدى روايات النسائي (¬6): "كان يقول إذا فرغ من صلاته وتبوأ مضجعه" وفي هذه [270 ب] الرواية: "لا ¬

_ (¬1) (1/ 125 رقم 22) وهو أثر موقوف صحيح. (¬2) في "الجامع" (6/ 63 - 64 رقم 4169). (¬3) أخرجه أبو داود رقم (1427)، والترمذي رقم (3566)، وقال: حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه، والنسائي رقم (1747)، وابن ماجه رقم (1179). وهو حديث صحيح. (¬4) في "السنن" رقم (1427). (¬5) في "زاد المعاد" (1/ 325). (¬6) انظر: "زاد المعاد" (1/ 325).

أحصي ثناءاً عليك ولو حرصت" وثبت أنه قال ذلك في السجود (¬1)، فلعله قاله في الصلاة وبعدها. انتهى. قوله: "اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على [527/ أ] نفسك". واعلم أنه قد استعاذ من كل شيء بضده، فاستعاذ من الغضب بالرضا من الغضب؛ لأنه ضده, وبالمعافاة من العقوبة، ولما لم يكن له تعالى ما يعيذ منه استعاذ به منه. قوله: "لا أحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك" إقرار بالعجز عن الثناء عليه تعالى، وأنه لا يحصيه ولا يحيط به, كما أنه لا يحاط بذاته, فلا يحاط بصفاته, ولا يحيطون به علماً، وهو نظير سبحانه من لا يعرف قدره غيره. قوله: "أخرجه أصحاب السنن (¬2) أبو داود، والترمذي، والنسائي". ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم في "صحيحه" رقم (486)، والنسائي في "السنن" رقم (1130)، وهو حديث صحيح. (¬2) تقدم، وهو حديث صحيح.

التَّحبير لإيضَاح مَعَاني التَّيسير (*) تَأليف العَلاّمَة محمَّد بن إسمَاعيل الأمير حَقّقه وعَلقّ عَليه وَخَرّجَ أحَاديثَه وَضبَط نصَّه محَمَّد صُبْحي بن حَسَن حَلّاق أبو مصعب الجُزء السادس مَكتَبَةُ الرُّشد ناشرون

_ (*) العنوان في (أ): التحبير حاشية التيسير. وفي (ج): التحبير شرح التيسير. والمثبت من المخطوط (ب).

جميع الحقوق محفوظة الطبعة الأولى 1433 هـ - 2012 م مَكتَبَةُ الرُّشد - ناشرون المملكة الْعَرَبيَّة السعودية - الرياض الإدارة: مركز البستان - طريق الملك فهد هاتف 4604818 ص. ب. 17522 الرياض 11494 - فاكس 4602497 E-mail:[email protected] Website:www.rushd.com.sa فروع المكتبة داخل المملكة - الرياض: المركز الرئيسي: الدائري الغربي، بين مخرجي 27 و28 هاتف: 4329332 - الرياض: فرع طريق عثمان بن عفان، هاتف: 2690444 - 2051500 - فرع مكة المكرمة: شارع الطائف هاتف: 5585401 فاكس: 5583506 - فرع المدينة المنورة: شارع أبي ذر الغفاري هاتف: 8340600 فاكس: 8383427 - فرع جدة: مقابل ميدان الطائرة هاتف: 6776331 فاكس: 6776354 - فرع القصيم: بريدة - طريق المدينة هاتف: 3242214 فاكس: 3241358 - فرع أبها: شارع الملك فيصل: هاتف: 2317307 فاكس: 2242402 - فرع الدمام: شارع الخزان هاتف: 8150566 فاكس: 8418473 - فرع حائل: هاتف: 5322246 فاكس: 5662246 - فرع الإحساء: هاتف: 5813028 فاكس: 5813115 - فرع تبوك: هاتف: 4241640 فاكس: 4238927 - فرع القاهرة: شارع إبراهيم أبو النجا - مدينه نصر: هاتف: 22728911 - فاكس: 22712625 مكاتبنا بالخارج - القاهرة: مدينة نصر هاتف: 2744605 - موبايل: 01001622653 - بيروت: بئر حسن موبايل: 554353/ 03 - تلفاكس: 462895/ 05

التَّحبير لإيضَاح مَعَاني التَّيسير - 6 - الجزء السادس

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الفصل الثالث: في صلاة الليل

الفصل الثالث: في صلاة الليل الأول: حديث (بلال). 1 - عن بلال - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ؛ فَإِنَّهُ دَأْبُ الصَّالحِينَ قَبْلَكُمْ، وَقُرْبَةٌ إِلَى رَبِّكُمْ، وَمَنْهَاةٌ عَنِ الآثَامِ، وَتَكْفِيرٌ لِلسَّيَّئَاتِ، وَمَطْرَدةٌ لِلدَّاءِ عَنِ الجَسَدِ". أخرجه الترمذي (¬1). [حسن] قوله: "فإنه دأب الصالحين" لفظه في "الجامع" (¬2): "فإنه من دأب" الدأب (¬3): العادة والشأن وقد تحرك، وأصله من دأب في العمل إذا جدّ وتعب، إلا أن العرب حوّلت معناه إلى العادة والشأن. قوله: "وقربة إلى ربكم" لفظه في "الجامع" (¬4): "وإن قيام الليل قربى إلى الله تتقرب به إليه" والمراد: قيامه بالصلاة. قوله: "ومنهاة عن الآثام" من قوله تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} (¬5). "وتكفير للسيئات" تغطية لها وللعقاب عنها. قوله: "ومطردة للداء عن الجسد" فهو من الأدوية النافعة, كما أنه للأدوية من آفات الأديان. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (3549)، وهو حديث حسن. في "سنن الترمذي": "قربة إلى الله"، وهذا في "الجامع" (9/ 433). (¬2) (9/ 433 رقم 7110). (¬3) قاله ابن الأثير "النهاية في غريب الحديث" (1/ 548). (¬4) (9/ 433 رقم 7110)، والذي فيه: "وإن قيام الليل قُربةٌ إلى الله". (¬5) سورة العنكبوت الآية (45).

قوله: "أخرجه الترمذي" نسبه في "الجامع" (¬1) إلى رواية أبي أمامة وبلال. الثاني: حديث (ابن عمرو بن العاص): 2 - وعن ابن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ قَامَ بِعَشْرِ آيَاتٍ لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الغَافِلِينَ، وَمَنْ قَامَ بِمائَةِ آيَةٍ كُتِبَ مِنَ القَانِتِينَ، وَمَنْ قَامَ بِالفِ آيَةٍ كُتِبَ مِنَ المُقَنْطَرِينَ". أخرجه أبو داود (¬2). [حسن] قوله - صلى الله عليه وسلم -[271 ب]: "من قام بعشر آيات" أي: في صلاة الليل، يحتمل في ركعة أو في أكثر. "لم يكتب من الغافلين" عن قيام الليل، وكأن هذا العدد أقل ما يقام به. قوله: "كتب من القانتين" من قوله: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (238)} (¬3). "ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين" جمع مقنطر، بضم الميم وقاف فنون اسم فاعل من قنطر، ملك مالاً بالقنطار، والقنطار دون أربعين من فضة أو ذهب أو ألف دينار، أو هو مسك ثور ذهباً أو فضة، قاله في "القاموس" (¬4). والمراد: حصّل ثواباً كهذا القَدْر. قوله: "أخرجه أبو داود". [الثالث] (¬5) ¬

_ (¬1) (9/ 433 رقم 7110). (¬2) في "السنن" رقم (1398)، وهو حديث حسن. (¬3) سورة البقرة الآية (238). (¬4) "القاموس المحيط" (ص 600). (¬5) في (أ. ب): "الثاني" وكما سبق فالحديث الثاني هو حديث ابن عمرو بن العاص.

3 - وله (¬1) في أُخرى عن عبد الله بن حُبْشِيٍّ قال: سُئِلَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: أَيُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "طُولُ القِيَامِ". [صحيح بلفظ: أي الصلاة] حديث "حبشي" المفاد بقوله: "وله في أُخرى عن عبد الله بن حبشي (¬2) " بضم الحاء المهملة فموحدة فشين معجمة فياء النسبة، وهو الخثعمي. قوله: ["طول القنوت" (¬3)] (¬4) أي: القيام، قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام: هذا مشكل لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد" (¬5). قلت: قال ابن القيم في كتابه "الهدي" (¬6): قد اختلف الناس في القيام والسجود أيهما أفضل؟ فرجّحت طائفة القيام لوجوه: أحدها: أن ذكره أفضل الأذكار، فكان ركنه أفضل الأركان. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود في "السنن" رقم (1325)، (1449). وأخرجه النسائي رقم (2526). وهو حديث صحيح بلفظ: "أي الصلاة أفضل؟ " (¬2) انظر: "التقريب" (1/ 408 رقم 248). (¬3) يشير إلى الحديث الذي أخرجه مسلم رقم (756)، والترمذي رقم (387)، وابن ماجه رقم (142)، وأحمد (3/ 302، 391) من حديث جابر - رضي الله عنه -: "أفضل الصلاة طول القنوت". (¬4) في نص الحديث: "القيام". (¬5) أخرجه الترمذي في "السنن" (3579)، وأبو داود رقم (1277)، وابن ماجه رقم (1364)، والحاكم (1/ 309)، وابن خزيمة رقم (1147) عن عمرو بن عبسة - رضي الله عنه -: أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "أقرب ما يكون الرب من العبد في جوف الليل الآخر، فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله تعالى في تلك الساعة فكن". وهو حديث صحيح. (¬6) في "زاد المعاد" (1/ 228 - 230).

والثاني: قوله تعالى: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (238)} (¬1). الثالث: قوله - صلى الله عليه وسلم -: "أفضل الصلاة طول القنوت" (¬2). وقالت طائفة: السجود [أفضل] (¬3)، واحتجت بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد" (¬4) وبحديث معدان بن أبي طلحة قال: لقيت ثوبان مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت: حدثني بحديث عسى الله أن ينفعني به، فقال: عليك بالسجود؛ فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ما من عبد سجد لله سجدة إلَّا رفع الله له بها درجة وحط عنه خطيئة" (¬5) قال معدان: ثم لقيت [272 ب] أبا الدرداء فسألته فقال لي مثل ذلك. وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لربيعة بن كعب الأسلمي وقد سأله مرافقته في الجنة فقال: "أعني على نفسك بكثرة السجود" (¬6). وأول سورة أنزلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سورة اقرأ على الأصح، وختمها بقوله: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (19)} (¬7)، وبأن السجود لله يقع من المخلوقات علويها وسفليها، وبأن الساجد ¬

_ (¬1) سورة البقرة الآية (238). (¬2) تقدم آنفاً. (¬3) سقطت من (أ. ب)، وأثبتناها من "زاد المعاد". (¬4) تقدم وهو حديث صحيح. (¬5) أخرجه مسلم رقم (488)، والترمذي رقم (388)، والنسائي في "المجتبى" (2/ 228)، وابن ماجه رقم (1423). وهو حديث صحيح. (¬6) أخرجه مسلم رقم (489)، وأبو داود رقم (1320)، والنسائي في "السنن" رقم (1138)، وهو حديث صحيح. (¬7) سورة العلق الآية (19).

أدنى ما يكون لربه وأخضع له وذلك أشرف حالات العبد، فلهذا كان أقرب ما يكون من ربه في هذه الحالة. وبأن السجود هو سرُّ العبودية؛ فإن العبودية [528/ أ] هي الذل والخضوع، وأذل ما يكون وأخضع إذا كان ساجداً. قلت: أما الآية في اقرأ، وحديث: "أعني على نفسك بكثرة السجود" فيحتمل أن المراد بهما الصلاة. قال (¬1): وقالت طائفة: طول القيام بالليل وأفضل، وكثرة الركوع والسجود بالنهار أفضل. واحتجت هذه الطائفة بأن صلاة الليل قد خصت بالقيام، لقوله تعالى: {قُمِ اللَّيْلَ} (¬2)، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "من قام رمضان إيماناً واحتساباً" (¬3) ولهذا يقال: قيام الليل، ولا يقال: قيام النهار. قالوا: وهذا كان هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإنه: "ما زاد في الليل على إحدى عشرة ركعة أو ثلاث عشرة ركعة" (¬4) وكان يصلي (¬5) في الليل بالبقرة وآل عمران والنساء، وأما بالنهار فلم يحفظ عنه شيء من ذلك، بل كان يخفف السنن. ¬

_ (¬1) ابن القيم في "زاد المعاد" (1/ 229). (¬2) سورة المزمل الآية (2). (¬3) أخرجه البخاري رقم (370، 2009)، ومسلم رقم (173/ 759)، وأبو داود (1371)، والنسائي رقم (2198)، وابن ماجه رقم (1326)، والترمذي رقم (808)، وهو حديث صحيح. (¬4) تقدم وهو حديث صحيح. (¬5) أخرجه أحمد (5/ 384، 397)، ومسلم رقم (772)، وهو حديث صحيح.

وقال شيخنا (¬1): الصواب أنهما سواء، فالقيام أفضل بذكره وهو القرآن والسجود بهيئة، فهيئة السجود أفضل من هيئة القيام، وذكر القيام أفضل من ذكر السجود. انتهى. إلاَّ أنه ذكر في كتابه "الكلم الطيب" (¬2) ما لا يوافق كلام شيخه, فإنه قال: قراءة القرآن أفضل من الذكر، ثم قال: أنه قد يعرض للمفضول ما يجعله أولى من الفاضل، بل لا يجوز أن يعدل عنه إلى الفاضل، وهذا [273 ب] كالتسبيح في الركوع والسجود؛ فإنه أفضل من قراءة القرآن فيهما، بل القراءة فيهما منهي عنها نهي تحريم أو كراهية. ثم قال: وإن كان فضل القرآن على كلام الله كفضل الله على خلقه، [لكن] (¬3) لكل مقام مقال. انتهى. فإنه أفاد أن السجود بذكره وهو التسبيح أفضل من قراءة القرآن في السجود، فلا يتم عموم أن ذكر القيام أفضل بكل حال، بل في حال القيام مثلاً، فيحتمل كلام شيخه (¬4) على أفضلية ذكر القيام ما لم يعرض ما يقتضي أن غيره أولى. [الرابع] (¬5): حديث (عبادة بن الصامت): 4 - وعن عُبادة بن الصامت - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ تَعَارَّ مِنَ اللَّيْلِ فَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا الله وَحْدَهُ لَا شرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، الحَمْدُ لله، وَسُبْحَانَ الله، وَالله أَكْبَرُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِالله، ثُمَّ قَالَ: اللهمَّ اغْفِرْ لِي، أَوْ دَعَا؛ اسْتُجِيبَ لَهُ، فَإِنْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى قُبِلَتْ صَلَاتُهُ". ¬

_ (¬1) قاله ابن القيم في "زاد المعاد" (1/ 230). (¬2) (ص 173) بتحقيقي. (¬3) سقطت من (أ. ب)، وأثبتناها من "الكلم الطيب". (¬4) أي: ابن تيمية شيخ الإِسلام. (¬5) في (أ. ب): "الثالث". وهو خطأ.

أخرجه الشيخان (¬1). [صحيح] "تعارّ" أي: استيقظ. قوله: "من تعارّ" بفتح المثناة (¬2) الفوقية فعين مهملة فألف فراء مثقلة، يأتي تفسيره. "ثم قال: اللهم اغفر لي أو دعا" عام بعد خاص؛ لأنه سؤال المغفرة دعاء. قوله: "أخرجه الشيخان". قلت: الذي في "جامع الأصول" (¬3): أخرجه البخاري (¬4) والترمذي (¬5) وأبو داود (¬6)، فزاد المصنف: مسلماً، ونقص الترمذي وأبا داود. وذكر الحافظ ابن حجر في "تخريج الأذكار" (¬7) أنه أخرجه الثلاثة المذكورون ولم يذكر أنه أخرجه مسلم، وساق طرقه عن الثلاثة. فما أدري كيف وقع للمصنف هذا النقص والزيادة؟!. [الخامس] (¬8): حديث المغيرة بن شعبة. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (1154)، ولم يخرجه مسلم. أخرجه أبو داود رقم (5060)، وابن ماجه رقم (3878)، والترمذي رقم (3414)، وهو حديث صحيح. (¬2) انظر: "فتح الباري" (3/ 40). (¬3) (9/ 435 رقم (7113). (¬4) في "صحيحه" رقم (1154). (¬5) في "السنن" رقم (3414). (¬6) في "السنن" رقم (5060). (¬7) (3/ 101) ط ابن كثير. (¬8) في (أ. ب): "الرابع"، وهو خطأ.

5 - وعن المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - قال: قَامَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى تَوَرَّمَتْ قَدَمَاهُ. فَقِيلَ لَهُ: قَدْ غُفِرَ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ؟ قَالَ: "أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا". أخرجه الخمسة (¬1) إلاَّ أبا داود. [صحيح] قوله: "حتى تورمت (¬2) قدماه" أي: من طول قيامه، والمراد: قيامه في الليل. وفي لفظ: "أو ساقاه" (¬3)، وفي لفظ (¬4): "حتى انتفخت"، وفي لفظ (¬5): "حتى ترم أو تنتفخ"، وفي لفظ (¬6): "حتى تفطر [274 ب] قدماه"، وفي لفظ (¬7): "تنفطر قدماه" كل ذلك في "الجامع" (¬8). قوله: "فقيل له" في رواية في "الجامع" (¬9): أن القائل عائشة. قوله: "عبداً شكوراً" أشكر الله على غفران ما تقدم وما تأخر، وفيه: أن العبادة تكون لاستجلاب المغفرة وللشكر عليها، وبالشكر يطلب المزيد: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} (¬10). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (1130، 4836، 6471)، ومسلم رقم (79/ 2819)، والترمذي رقم (412)، والنسائي (3/ 219). (¬2) انظر التعليقة المتقدمة. (¬3) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (1130). (¬4) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (1130)، ومسلم رقم (79/ 2819). (¬5) أخرجه البخاري رقم (6471). (¬6) أخرجه البخاري رقم (4837)، ومسلم رقم (80/ 2820). (¬7) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (4837)، وفيه: حتى تتفطّر. (¬8) (6/ 64 - 65). (¬9) انظر التعليقة المتقدمة. (¬10) سورة إبراهيم الآية (7).

قوله: "أخرجه الخمسة إلاَّ أبا داود" أي: الشيخان (¬1) والترمذي والنسائي. [السادس] (¬2): حديث (عائشة): 6 - وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "كَانَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - لَا يَدَعُ قِيَامَ اللَّيْلِ، وَكَانَ إِذَا مَرِضَ أَوْ كَسِلَ صَلَّى قَاعِدًا". أخرجه أبو داود (¬3). [صحيح] قوله: "وكان إذا مرض أو كسل" كأنها شك من الراوي؛ فإنه يطلق الكسل على المرض. "صلى قاعداً". قوله: "أخرجه أبو داود". [السابع] (¬4): حديث (أبي هريرة): 7 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "رَحِمَ الله رَجُلًا قَامَ مِنْ اللَّيْلِ فَصَلَّى وَأَيْقَظَ امْرَأَتَهُ، فَإِنْ أَبَتْ نَضَحَ في وَجْهِهَا المَاءَ. رَحِمَ الله امْرَأَةً قامَتْ مِنْ اللَّيْلِ فَصَلَّتْ وَأَيْقَظَتْ زَوْجَهَا، فَإِنْ أَبَى نَضَحَتْ فِي وَجْهِهِ المَاءَ". أخرجه أبو داود (¬5) والنسائي (¬6). [حسن] قوله: "رحم الله رجلاً" يحتمل أنه إخبار عمّن مضى، أو دعاء لمن يفعل ذلك. ¬

_ (¬1) تقدم تخريجه. (¬2) في (أ. ب): "الخامس". (¬3) في "السنن" رقم (1307). وأخرجه أحمد في "المسند" (6/ 249)، والبخاري في "الأدب المفرد" رقم (800)، وابن خزيمة رقم (1137)، والطيالسي رقم (1519)، وهو حديث صحيح. (¬4) في (أ. ب): "السادس". (¬5) في "السنن" رقم (1308)، (1450). (¬6) في "السنن" رقم (1610). وأخرجه ابن ماجه رقم (1636)، وأحمد (2/ 250)، وهو حديث حسن.

قوله: "فأيقظ امرأته" فيه جواز إيقاظ النائم ليفعل خيراً نفلاً. قوله: "فإن أبت نضح في وجهها الماء" ليكمل إيقاظها بإدراك برد الماء، ومثله المرأة في إيقاظ زوجها. قوله: "فصلّى وصلت" يحتمل أن الإيقاظ كان بعد الإتيان بشيء من الصلاة، ويحتمل أنه يريد: فأراد الصلاة. [529/ أ]. قوله: "أخرجه أبو داود والنسائي". [الثامن] (¬1) حديث (أبي هريرة) أيضاً: 8 - وعنه - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إِذَا هُوَ نَامَ ثَلَاثَ عُقَدٍ، يَضْرِبُ كلَّ مَكانِ كُلِّ عُقْدَةٍ, عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ فَارْقُدْ، فَإِنْ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ الله انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ, فَإِنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقَدَهُ كُلُّهَا فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ، وإلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ". أخرجه الستة (¬2) إلاَّ الترمذي. [صحيح] "قافيةُ الرأس" مؤخره، ومنه قافية الشّعر، وقيل: وسطه، والمراد: جميع الرأس، فكنى ببعضه عن كله (¬3). قوله: "يعقد الشيطان" يحتمل أنه يراد به الجنس (¬4)، أو رأس الشياطين وهو إبليس (¬5). ¬

_ (¬1) في (أ. ب): "السابع". (¬2) أخرجه البخاري رقم (1142)، ومسلم رقم (776)، وأبو داود رقم (1306)، وابن ماجه رقم (1329)، والنسائي رقم (1610). وهو حديث صحيح. (¬3) انظر: "فتح الباري" (3/ 24 - 25). (¬4) قال الحافظ في "الفتح" (3/ 24)، وفاعل ذلك هو القرين أو غيره. (¬5) وتجوز نسبة ذلك إليه لكونه الآمر به الداعي إليه.

قوله: "قافية رأس أحدكم" مؤخر عنقه [275 ب] وقافية كل شيء مؤخره، ومنه قافية القصيدة. وفي "النهاية" (¬1): القافية: القفا، وقيل: مؤخر الرأس، وقيل: وسطه. وظاهر قوله: "أحدكم" التعميم في المخاطبين ومن في معناهم (¬2). قوله: "إذا هو نام" في رواية (¬3): "إذا هو نائم". قوله: "يضرب على كل عقدة [مكانها] (¬4) " لفظ البخاري (¬5): "على مكان كل عقدة يضرب" أي: بيده على العقدة تأكيداً وإحكاماً لها. وقيل: معنى "يضرب" يحجب الحس عن النائم حتى لا يستيقظ، ومنه: {فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ} (¬6) أي: حجب الحس أن يلج في آذانهم فينتبهوا (¬7). قوله: "عليك ليل طويل" (¬8) روي بالنصب على الإغراء، وبالرفع على الابتداء. ¬

_ (¬1) (2/ 479)، وانظر: الفائق للزمخشري (1/ 202). (¬2) قاله الحافظ في "الفتح" (3/ 25). (¬3) للحموي والمستملي: "إذا هو نائم" بوزن فاعل. قال الحافظ في "الفتح" (3/ 25): والأول أصوب. أي: "إذا هو نام". (¬4) ليست هذه من ألفاظ التيسير. (¬5) في "صحيحه" رقم (142, 3269). (¬6) سورة الكهف الآية (11). (¬7) ذكره الحافظ في "الفتح" (3/ 25). (¬8) قال الحافظ في "الفتح" (3/ 25) كذا في جميع الطرق عن البخاري بالرفع، ووقع في رواية أبي مصعب في "الموطأ" عن مالك: "عليك ليلاً طويلاً"، وهي رواية ابن عيينة عن أبي الزناد عند مسلم، في "صحيحه" رقم (207/ 776).

قال القرطبي (¬1): الرفع أولى من جهة المعنى؛ لأنه الأمكن في الغرور، من حيث أنه يخبره عن طول الليلُ ثم يأمره بالرُّقاد بقوله: "فارقد" وإذا نُصبَ على الإغراء لم يكن فيه إلا الأمر بملازمة طول الرُّقاد، وحينئذٍ فيكون قوله: "فارقد" ضائعاً، ومقصود الشيطان يدرك تسويفه بالقيام والإلباس عليه. وقد اختلف في هذا العقد، فقيل: هو على الحقيقة، وأنه كما يعقد الساحر من سحره، وأكثر من يفعله النساء، تأخذ إحداهن الخيط فتعقد فيه عقدة وتتكلم عليه بالسِّحر فيتأثر المسحور عند ذلك (¬2)، ومنه قوله تعالى: {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4)} (¬3). وعلى هذا؛ فالعقود شيء عند قافية الرأس، وهو العقد في شعر الرأس. وهل العقد في شعر الرأس أو في غيره؟ الأقرب الثاني، إذ ليس لكل أحد شعر. ويؤيد كونه على الحقيقة ما ورد في بعض طرقه: "أن على رأس كل آدمي حبلاً" وفي رواية عن أبي هريرة مرفوعاً: "على قافية [276 ب] رأس أحدكم حبل فيه ثلاث عقد" وفي معناه أحاديث. وقيل (¬4): أنه مجاز، شبه فعل الشيطان بالنائم بعقد الساحر بالمسحور، فلما كان الساحر يمنع بعقده ذلك تصرف من يحاول عقده, كان هذا مثله من الشيطان للنائم. ¬

_ (¬1) في "المفهم" (2/ 409). (¬2) إمّا بمرضٍ، أو تخييل، أو تحريك قلب، أو تحزين، أو غير ذلك، فشبه فعل الشيطان بالنائم بفعل السَّواحر، وذلك: أنَّ النائم كُلَّما أراد أن يقوم ليذكر الله، أو يصلي عسَّره وخدَعه، بأن يقول له عليك ليل طويلٌ "فارقد". "المفهم" (2/ 409). (¬3) سورة الفلق الآية (4). (¬4) ذكره الحافظ في "الفتح" (3/ 25).

وقيل: المراد عقد القلب وتصميمه على الشيء، كأنه يوسوس له بأنه بقي من الليل قطعة طويلة فيتأخر عن القيام. وانحلال (¬1) العقد كناية عن علمه بكذبه فيما وسوس به، وقيل في تأويله غير ذلك. قوله: "انحلت عقدة" بلفظ الإفراد كما يدل له بقية السياق، وثبت لفظه بالجمع. قوله: "فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة" فيه الحث على الذكر عند الاستيقاظ ولا يتعين ذكر، لكن المأثور أفضل. "فإن توضأ انحلت عقدة, فإن صلَّى انحلت عقده كلها" وأقل ما تنحل به عقد الشيطان ركعتان، كما يفيده حديث ابن خزيمة (¬2): "عجلوا عقد الشيطان ولو بركعتين". قال الغزالي (¬3): ولهذا استحب استفتاح صلاة الليل (¬4) بركعتين مبادرة إلى حل العقد. قوله: "فأصبح" بذكر الله والوضوء والصلاة. "نشيطاً" ببركة قيام الليل. "طيب النفس" (¬5) منشرح الخاطر. ¬

_ (¬1) انظر: "المفهم" (2/ 409 - 410)، "فتح الباري" (3/ 25 - 26). (¬2) في "صحيحه" رقم (1132) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -. وفيه: " ... فحلُّوا عقد الشيطان ولو بركعتين" وسنده صحيح. (¬3) انظر: "الوسيط" (2/ 215 - 216). (¬4) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا قام أحدكم من الليل فليفتتح صلاته بركعتين خفيفتين". أخرجه أحمد (2/ 399)، ومسلم رقم (198/ 768)، وأبو داود رقم (1333)، وهو حديث صحيح. (¬5) قال الحافظ في "الفتح" (3/ 26) لسروره بما وفقه الله له من الطاعة, وبما وعده من الثواب, وبما زال عنه من عقد الشيطان. كذا قيل: والذي يظهر أن في صلاة الليل سراً في طيب النفس وإن لم يستحضر المصلي شيئاً =

"وإلاَّ أصبح خبيث النفس كسلان" هذا إذا [لم يستيقظ] (¬1)، فأما لو نام واستغرقه النوم فإنها تنحل عنه العقد عند قيامه لفريضة الفجر مثلاً؛ لأنه لم يستيقظ في الليل. قال ابن عبد البر (¬2): هذا الذم يختص بمن لم يقم إلى صلاته وضيّعها، أما من كانت عادته القيام إلى الصلاة المكتوبة أو النافلة فغلبته عيناه، فقد ثبت: "أن الله يكتب له أجر صلاته ونومه عليه صدقة" (¬3). قوله: "أخرجه الستة إلاَّ الترمذي". قوله: "فكنى ببعضه عن كله". قلت: وقال القرطبي (¬4): تخصيص القفا به؛ لأنه محل الوهم ومجال تصرفه، وهو أطوع القوى للشيطان وأسرعها إجابة لدعوته. انتهى. فدل على أنه أريد القفا حقيقة. [التاسع] (¬5): حديث (ابن مسعود) [277 ب]: ¬

_ = مما ذكر، وكذا عكسه، وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا (6)} [المزمل: 6]. (¬1) في (أ. ب): "و" والصواب ما أثبتناه. (¬2) في "الاستذكار" (5/ 185 - 186). (¬3) أخرجه أبو داود رقم (1314)، والنسائي رقم (1784، 1785)، ومالك في "الموطأ" (1178) عن عائشة - رضي الله عنها -: أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما من امرئ تكون له صلاةٌ بليل يغلبه عليها نومٌ إلا كتب له أجر صلاته، وكان نومه عليه صدقة". وهو حديث حسن. (¬4) في "المفهم" (2/ 408 - 409) ولم أجده بنصه. (¬5) في (أ. ب): "الثامن".

9 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: ذُكِرَ رَجُلٌ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقِيلَ: مَا زَالَ نَائِمًا حَتَّى أَصْبَحَ، مَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ؟ فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: "ذلِكَ رَجُلٌ بَالَ الشَّيْطَانُ في أُذُنِهِ". أخرجه الشيخان (¬1) والنسائي (¬2). [صحيح] قوله: "ذكر رجل عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فقيل: ما زال نائماً حتى أصبح ما قام إلى الصلاة" يحتمل ما قام لصلاة الليل النافلة, وقال سفيان: هذا عندنا في من نام عن الفريضة، أخرجه عنه ابن حبان (¬3). قوله: "فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ذلك رجل بال الشيطان في أذنه" في رواية (¬4): "في أذنيه" بالتثنية. [530/ أ]. اختلف (¬5) في بول الشيطان، فقيل: على الحقيقة، وقيل: كناية عن سد الشيطان أذن الذي ينام عن الصلاة حتى لا يسمع الذكر، وقيل: أن الشيطان ملأ سمعه بالأباطيل فحجبه عن الذكر. وقيل: كناية عن ازدراءه والاستخفاف (¬6) به حتى اتخذه كالكنيف المعد للبول. قال الطيبي (¬7): خص الأذن بالذكر وإن كانت العين أنسب بالنوم، إشارة إلى ثقل النوم؛ فإن المسامع هي موارد الانتباه. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (1144، 3270)، ومسلم رقم (205/ 774). (¬2) في "السنن" رقم (1609)، وهو حديث صحيح. (¬3) في "صحيحه" (6/ 302) رقم (2562). (¬4) أخرجه البخاري رقم (3270). (¬5) ذكره الحافظ في "الفتح" (3/ 28). (¬6) انظر: "شرح الطيبي على مشكاة المصابيح" (3/ 123). (¬7) في "شرحه على مشكاة المصابيح" (3/ 123).

وخص البول؛ لأنه أسهل مدخلاً في التجاويف وأسرع نفوذاً في العروق، فيورث الكسل في جميع الأعضاء، فيحصل به التثبيط عن القيام للصلاة. انتهى. قوله: "أخرجه الشيخان والنسائي". [العاشر] (¬1): حديث (عائشة): 10 - وعن عائشة - رضي الله عنها - قالَتْ: قَالَ رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا مِنْ امْرِئٍ تَكُونُ له صَلَاةٌ بِلَيْلٍ فَغَلَبَهُ عَلَيْهَا نَوْمٌ إِلَّا كُتِبَ لَهُ أَجْرَ صَلَاتِهِ, وَكانَ نَوْمُهُ عَلَيْهِ صَدَقَة". أخرجه الأربعة (¬2) إلا الترمذي. [حسن] قوله: "ما من امرئ تكون له صلاة" يعتاد القيام لها. "بليل فغلبه عليها نوم إلا كتب له أجر صلاته" هو كحديث: "أنه إذا مرض العبد أو سافر كتب الله له ما كان يعمل صحيحاً مقيماً" (¬3). "وكان نومه عليه صدقة" من الله يتصدق تعالى عليه بالنوم، ويكتب ما فاته من الصلاة، والله ذو الفضل العظيم. [الحادي عشر] (¬4) [278 ب]: حديثها أيضاً. ¬

_ (¬1) في (أ. ب): "التاسع". (¬2) أخرجه أبو داود رقم (1314). والنسائي رقم (1784، 1785)، ومالك في "الموطأ" (1/ 117)، وهو حديث حسن. (¬3) أخرجه البخاري رقم (2996)، وأحمد (4/ 411)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (3/ 373)، وفي "شعب الإيمان" رقم (9928)، وابن أبي شيبة في "مصنفه" (3/ 230)، والحاكم (1/ 341). كلهم من حديث أبي موسى الأشعري، وهو حديث صحيح. (¬4) في (أ. ب): "العاشر".

11 - وعنها - رضي الله عنها - قالَتْ: إِنْ كَانَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - لَيُوقِظُهُ الله تَعَالى مِنَ اللَّيْلِ، فَما يَجِيءُ السَّحَرُ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ حِزْبِهِ. أخرجه أبو داود (¬1). [حسن] قوله: "ليوقظه الله من الليل" الحديث هذا غالب أحواله - صلى الله عليه وسلم -، وقد ينام عن حزبه كما ثبت عنها. [الثاني عشر] (¬2): حديث (مسروق). 12 - وعن مسروق قال: سَالتُ عَائِشَةَ - رضي الله عنها -: أَيُّ العَمَلِ كَانَ أَحَبَّ إِلَى رسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قَالَتْ: الدَّائِمُ. قُلْتُ: وَأَيَّ حِينٍ كَانَ يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ؟ قَالَتْ: كَانَ يَقُومُ إِذَا سَمِعَ الصَّارِخَ. تَعْنِي الدِّيكَ. أخرجه الخمسة (¬3) إلاَّ الترمذي. [صحيح] قوله: "قالت: الدائم" قيل: المراد به المواظبة (¬4) العرفية, وهو القيام كل ليلة في ذلك الوقت لا الدوام المطلق، وليس المراد في قيام الليل، بل مطلق. قوله: "الصارخ" فسّره المصنف بالديك وقالوا: هو اتفاق هنا، قالوا: سمي بذلك لكثرة صراخه (¬5). قال ابن ناصر (¬6): وجرت العادة بأن الديك يصيح عند نصف الليل غالباً. قوله: "أخرجه الخمسة إلاَّ الترمذي". ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (1316)، وهو حديث حسن. (¬2) في (أ. ب): "الحادي عشر". (¬3) أخرجه البخاري رقم (1132)، ومسلم رقم (741)، وأبو داود رقم (1317)، والنسائي رقم (1616)، وهو حديث صحيح. (¬4) قاله الحافظ في "الفتح" (3/ 16). (¬5) ذكره النووي في "شرح صحيح مسلم" (6/ 23)، وانظر: "فتح الباري" (2/ 479 - 480). (¬6) ذكره الحافظ في "الفتح" (3/ 17).

[الثالث عشر] (¬1): حديث (عائشة). 13 - وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كَانَتْ صَلَاةُ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - مِنَ اللَّيْلِ عَشَرَ رَكَعَاتٍ: يُوتِرُ بِسَجْدَةٍ، وَيَرْكَعُ رَكْعَتَيْ الفَجْرِ، فَتْلِكَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً. أخرجه الستة (¬2) وهذا لفظ مسلم وأبي داود. [صحيح] قوله: "عشر ركعات" لم يبين مفصولة أو موصولة، وقد ثبت في غيرها في حديث (¬3): "أنه كان يصلي أربعاً لا تسأل عن حسنهن وطولهن ... " الحديث. والأحاديث في وتره - صلى الله عليه وسلم - قد كثرت، ووقع فيها زيادة ونقصان سيما في روايات (¬4) عائشة. والظاهر أنها كلها أخبار عن إيتاره في ليال متعددة، وأنه كان يختلف عدداً ووصلاً وفصلاً. قوله: "ويوتر بسجدة" أي: بركعة من إطلاق الجزء على الكل. قوله: "ويركع ركعتي الفجر" هذه ليست من صلاة الليل، بل هي بعد خروجه ودخول الصبح، لكن عدتها منها لاتصالها بها فعلاً. قوله: "أخرجه الستة" وهذا لفظ مسلم وأبي داود". ¬

_ (¬1) في (أ. ب): "الثاني عشر". (¬2) أخرجه البخاري رقم (1140)، ومسلم رقم (128/ 738)، وأبو داود رقم (1334، 1335)، والترمذي رقم (439، 440، 441)، والنسائي رقم (1696، 1726)، ومالك في "الموطأ" (1/ 125 - 126). (¬3) أخرجه البخاري رقم (1147)، وطرفاه رقم (2013، 3569). ومسلم في "صحيحه" رقم (738). (¬4) تقدم أكثرها.

[الرابع عشر] (¬1): حديث (أبي هريرة): 14 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنْ اللَّيْلِ فَلْيَفْتَتِحْ صَلَاتَهُ بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ". أخرجه مسلم (¬2) وأبو داود (¬3). وزاد (¬4): ثُمَّ لَيُطَوِّلْ بَعْدَ مَا شَاءَ. [صحيح] قوله: "فليفتتح صلاته بركعتين خفيفتين" تقدم وجهه عن الغزالي (¬5)، وقالوا: لأنه إذا دخل بهما استجلب النشاط بعدهما فيطول [279 ب] ما شاء. قوله: "أخرجه مسلم وأبو داود" قال في "الجامع" (¬6): قال أبو داود (¬7): ورواه جماعة موقوفاً على أبي هريرة. ولقد طوى المصنف أحاديث كثيرة وردت في الوتر وقيام الليل، جمعها ابن الأثير في "الجامع" (¬8). ¬

_ (¬1) في (أ): "الثاني عشر"، وفي (ب): "الثالث عشر". (¬2) في "صحيحه" رقم (198/ 768). (¬3) في "السنن" رقم (1323)، وهو حديث صحيح. (¬4) أي: أبو داود في "السنن" رقم (324). (¬5) في "الوسيط" (2/ 215 - 216). (¬6) (6/ 105 رقم 4201). (¬7) في "السنن" (2/ 80). (¬8) (6/ 64 - 107).

(الفصل الرابع): في صلاة الضحى

(الفصل الرابع): في صلاة الضحى أي: في وقته. في "القاموس" (¬1): الضَّحوة والضَّحية كعشيَّة, ارتفاع النهار، والضحى قرينة الذكر ويصفر ضحيا بلا هاء، والضحاء بالمد إذا قرب انتصاف النهار. انتهى. وفي "النهاية" (¬2): الضَّحو وهو ارتفاع أول النهار، والضحى بالضم والقصر فوقه، وبه سميت صلاة الضحى، ومنه حديث عمر: "اضحوا بصلاة الضحى" أي: صلوها لوقتها ولا تؤخرها إلى ارتفاع الضحى. انتهى. الحديث الأول: حديث (عائشة): 1 - عن عائشة - رضي الله عنها - قالَتْ: مَا سَبَّحَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - سُبْحَةَ الضُّحَى قَطُّ، وَإِنِّي لَأُسَبِّحُهَا. أخرجه الستة (¬3) إلا الترمذي. [صحيح] قوله: "وإني لأسبحها" قال الحافظ في "الفتح" (¬4): جاء عن عائشة أشياء مختلفة؛ ففي رواية (¬5) عن شقيق: قلت لعائشة: أكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي الضحى؟ قالت: لا، إلَّا أن يجيء من مغيبه. وفي رواية (¬6): "كان يصلي الضحى أربعاً ويزيد ما شاء الله" ففي الأول نفى رؤيتها ¬

_ (¬1) "القاموس المحيط" (ص 1682). (¬2) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 72). (¬3) أخرجه البخاري رقم (1177)، ومسلم رقم (718)، وأبو داود رقم (1292، 1293)، والنسائي (4/ 152)، ومالك في "الموطأ" (1/ 152 - 153)، وهو حديث صحيح. (¬4) في "فتح الباري" (3/ 56). (¬5) أخرجها مسلم في "صحيحه" رقم (76/ 717). (¬6) أخرجها مسلم رقم (78/ 719)، وأحمد (6/ 245)، وابن ماجه رقم (1381)، وهو حديث صحيح.

مطلقاً، وفي الثاني تقييد النفي بغير المجيء من مغيبه, وفي الثالث الإثبات مطلقاً. وقد اختلف العلماء في ذلك، فذهب ابن عبد البر (¬1) وغيره ما اتفق عليه الشيخان [531/ أ] وقالوا: إن عدم رؤيتها [لذلك] (¬2) لا يستلزم عدم الوقوع، فيقدم من روى عنهُ من الصحابة الأثبات. [280 ب]. وذهب آخرون إلى الجمع، فقال البيهقي (¬3): أن المراد من قولها: "ما رأيته سبّحها" أي: ما داوم عليها. "وإني لأسبحها" لأداوم عليها. وقد وسع الكلام في صلاة الضحى في الهدي النبوي (¬4) وغيره (¬5). الثاني: حديث (عبد الرحمن بن أبي ليلى): 2 - وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: مَا حَدَّثَنَا أَحَدٌ أنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يُصلِّي الضُّحَى غَيْرُ أُمِّ هَانِئٍ؛ فَإِنَّهَا قَالَتْ: دَخلَ عَلَيَّ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بَيْتِي يَوْمَ الفَتْحِ فَاغْتَسَلَ وَصَلَّى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ، فَلَمْ أَرَ صَلَاةً قَطُّ أَخَفَّ مِنْهَا، غَيْرَ أَنَّهُ يُتِمُّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ. أخرجه الستة (¬6). [صحيح] ¬

_ (¬1) في "الاستذكار" (6/ 144 - 145). (¬2) سقطت من (ب). (¬3) في "السنن الكبرى" (3/ 48 - 49). (¬4) في "زاد المعاد" (1/ 334 - 343). (¬5) "الاستذكار" (6/ 133 - 150). (¬6) أخرجه البخاري رقم (357، 1176)، ومسلم رقم (71/ 336)، وأبو داود رقم (1291)، والترمذي رقم (486)، والنسائي رقم (225)، وابن ماجه رقم (614، 1379)، وهو حديث صحيح.

قوله: "فاغتسل" ظاهره أنه - صلى الله عليه وسلم - اغتسل في بيتها, ولكنه وقع في "الموطأ" (¬1) و"مسلم" (¬2) فيها: (أنها ذهبت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو بأعلى مكة فوجدته يغتسل). ويجمع بينهما (¬3): بأن ذلك تكرر منه. قوله: "فصلى ثماني ركعات" قيل: هي صلاة الفتح تعرف بذلك، وكان الأمراء يصلونها إذا افتتحوا بلداً. قال الطبري (¬4): صلى سعد بن أبي وقاص حين افتتح المدائن ودخل إيوان كسرى، قال: فصلى فيه صلاة الفتح. قال (¬5): وهي ثمان ركعات لا يفصل بينها ولا يصلى فيها بإمام، فبيّن الطبري هذه الصلاة وحقيقتها. ومن سننها أيضاً: أن لا يجهر فيها بالقراءة، قاله السهيلي. قلت: والظاهر أن هذه الشرعية لها ما أخذت إلاَّ من صلاته - صلى الله عليه وسلم - يوم الفتح (¬6)، وهي محتملة، وقد فتح - صلى الله عليه وسلم - خيبر وغيرها وما روي عنه [أنه] (¬7) صلاها. ¬

_ (¬1) في "الموطأ" (1/ 152 رقم 28). (¬2) في "صحيحه" رقم (336). (¬3) ذكره الحافظ في "الفتح" (3/ 57). (¬4) ذكره الحافظ في "الفتح" (3/ 55). (¬5) انظر: "فتح الباري" (3/ 55). (¬6) أخرجه أبو داود رقم (1290)، وابن ماجه رقم (1323)، وابن خزيمة رقم (1234)، عن أم هانئ - رضي الله عنها -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلّى يوم الفتح سُبحَة ثمان ركعاتٍ يُسلِّم بين كل ركعتين". وهو حديث ضعيف. والله أعلم. (¬7) في (أ): "أنها".

قوله: "فلم أر صلاة قط أخف منها" ينبغي أن تعد من سننها. قوله: "أخرجه الستة". الثالث: حديث (أبي هريرة): 3 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: "أَوْصَانِي خَلِيلي - صلى الله عليه وسلم - بثَلَاثٍ: بِصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلَّ شَهْرٍ، وَرَكعَتَيْ الضُّحَى، وَأَنْ أُوتِرَ قَبْلَ أَنْ أَرْقُدَ".أخرجه الخمسة (¬1). [صحيح] قوله: "أوصاني خليلي" هذا لا ينافي قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لكن صاحبكم خليل الله" (¬2) و"أنه - صلى الله عليه وسلم - لو اتخذ خليلاً لاتخذ أبا بكر" (¬3)؛ لأن هذا إخبار من أبي هريرة أنه اتخذ هو رسول الله خليلاً. قوله: "بصيام ثلاثة أيام من كل شهر" مطلقة, ويحتمل أنها تقيد بأيام البيض (¬4) كما ورد التنصيص عليها في غير هذا كما يأتي، وأنه لا يشترط فيها متابعة. قوله: "وركعتي الضحى" [281 ب] قال على أنها أقل عددها. قوله: "وأن أوتر قبل أن أرقد" كأنه علم - صلى الله عليه وسلم - منه أنه يشق به الإيتار آخر الليل. قوله: "أخرجه الخمسة" في "الجامع" (¬5) نسب هذا اللفظ إلى البخاري ومسلم داود وذكره بألفاظ أُخرى نسبها إلى النسائي فكانوا أربعة؛ الشيخان وأبو داود والنسائي, ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (1981)، ومسلم رقم (85/ 721)، وأبو داود رقم (1432)، والترمذي رقم (760)، والنسائي رقم (1677، 2406). (¬2) أخرجه الترمذي في "السنن" رقم (3655) عن عبد الله قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أبرأ إلى كلِّ خليل من خلَّهِ، ولو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت ابن أبي قحافة خليلاً، وإنّ صاحبكم خليلُ الله". وهو حديث صحيح. (¬3) انظر: التعليقة المتقدمة. (¬4) وهو حديث صحيح، وسيأتي. (¬5) (6/ 113 رقم 4212).

ومن الخمسة: الترمذي، وبحثت سنن الترمذي فلم أجد (¬1) حديث أبي هريرة فيها. الرابع: حديث (أبي ذر): 4 - وعن أبي ذرّ - رضي الله عنه - قال: قال رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلَامَى مِنْ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ، فَكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ، وَأَمْرٌ بِالمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ, وَنَهْيٌ عَنْ المُنْكَرِ صَدَقَةٌ، وَيُجْزِئُ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا العَبْدُ مِنْ الضُّحَى". أخرجه مسلم (¬2) وأبو داود (¬3). [صحيح] قوله: "يصبح على كل سلامى" بضم السين المهملة وتخفيف اللام آخره ألف مقصورة, أصله عظام الأصابع وسائر الكف، ثم استعمل في عظام البدن ومفاصله (¬4). وفي "النهاية" (¬5): السلامى جمع سلامية وهي الأنملة من أنامل الأصابع، وقيل: واحده، وجمعه سواء، ويجمع على سلاميات، وهي التي بين كل مفصلين من مفاصل أصابع الإنسان، وقيل: السلامى كل عظم مجوف من صغار العظام. والمراد: الإخبار بأن على كل عظم من عظام الإنسان صدقة كل صباح، والصدقة تجزئ في غير المال، فلذا قال: "فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تكبيرة صدقة" فالأذكار كلها صدقات. ¬

_ (¬1) بل هو في "السنن" رقم (760). (¬2) في "صحيحه" رقم (84/ 720). (¬3) في "السنن" رقم (1285). وأخرجه أحمد (5/ 167)، والبخاري في "الأدب المفرد" رقم (227)، والنسائي في "السنن الكبرى" (8/ 204 - 205 رقم 8979)، وهو حديث صحيح. (¬4) قاله النووي في شرحه لـ "صحيح مسلم" (5/ 233). (¬5) (1/ 801). وانظر: "غريب الحديث للهروي" (1/ 191).

"وأمر بمعروف صدقة, ونهي عن منكر صدقة" فأفعال الخير كلها صدقات. قوله: "ويجزئ بضم أوله من أجزأ" وبفتحه من جزى يجزي، أي: كفى (¬1). "ركعتان يركعهما العبد من الضحى" فيه دليل على فضلهما وإغناءهما عمَّا وجب على كل ما وجب على الأعضاء، ويأتي أن السلامى في الإنسان ثلاثمائة وستون مفصلاً. قال الحافظ ابن حجر (¬2): قال شيخنا الحافظ [282 ب] أبو الفضل بن الحسين في شرح الترمذي: أنه اشتهر بين العوام أن من صلى الضحى ثم تركها عمي، فصار أكثر الناس لا يتركونها فضلاً، وليس لما قال أصل، بل الظاهر أنه مما ألقاه الشيطان على ألسنة العوام (¬3). قوله: "أخرجه مسلم وأبو داود". الخامس: حديث (بريدة). 5 - وعن بريدة - رضي الله عنه - قال: قال رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "فِي الإِنْسَانِ ثَلَاثِمَائَةٍ وَسِتُّونَ مَفْصِلاً، فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَنْ كُلِّ مَفْصِلٍ [مِنْهُ] (¬4) صَدَقةٍ". قَالُوا: مَنْ يُطِيقُ ذَلِكَ؟ قَالَ: "النُّخَاعَةُ فِي المَسْجدِ يَدْفِنُهَا، وَالشَّيْءُ يُنَحِّيهِ عَنْ الطَّرِيقِ، فَإِنْ لم يَجِدْ فَرَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا مِنَ الضُّحَى". أخرجه أبو داود (¬5). [صحيح] "النُّخَاعة" بالضم: النخامة (¬6). ¬

_ (¬1) قاله النووي في شرحه لـ "صحيح مسلم" (5/ 233 - 234). (¬2) في "فتح الباري" (3/ 57). (¬3) قال الحافظ: ليحرمهم الخير الكثير (¬4) وفي رواية: "منها". (¬5) في "السنن" رقم (5242)، وهو حديث صحيح. (¬6) قاله ابن الأثير في "النهاية" (2/ 733) , النخامة: البزقة التي تخرج من أقصى الحلق, ومن مخرج الخاء المعجمة.

قوله: "في الإنسان ثلاثمائة وستون مفصلاً، فعليه أن يتصدق عن كل مفصل بصدقة, قالوا: ومن يطيق ذلك؟ " فهموا أن المراد بها من المال؛ لأنه المتبادر منها، فأبان - صلى الله عليه وسلم - لهم أنها أعم من ذلك، فقال: "النُّخاعة في المسجد يدفنها، والشيء ينحّيه عن الطريق" هو إماطة الأذى (¬1) عن الطريق، الذي هو أقل شعب الإيمان. "فإن لم يجد" شيئاً مما ذكر. "فركعتان يركعهما من الضحى" تنوب عن ذلك كله. قوله: "أخرجه أبو داود". السادس: 6 - وعن أبي ذر أو أبي الدرداء - رضي الله عنهما - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "ابْنَ آدَمَ! ارْكَعْ لِي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ أَوَّلِ النَّهَارِ أَكْفِكَ آخِرَهُ". أخرجه الترمذي (¬2). [صحيح] حديث "أبي ذر أو أبي الدرداء" هكذا في "سنن الترمذي" بالشك، لكنه شك غير ضار؛ فإنه بين صحابين. قوله: "اركع لي أربع ركعات أول النهار" قيل: يحتمل أنها صلاة الفجر ونافلتها، فهي أربع أول النهار. "أكفك آخره" أي: بقية يومك, والمراد: أعينك على طاعات بقية يومك. قوله: "أخرجه الترمذي". قلت: هذا (¬3) حديث حسن غريب. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (2631)، ومسلم رقم (152)، وسيأتي. (¬2) في "السنن" (475)، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. وهو حديث صحيح. (¬3) أي: قال الترمذي في "السنن" (2/ 340).

قال (¬1): وروى وكيع والنضر بن شميل وغير واحد من الأئمة هذا الحديث عن نهَّاس بن قَهْم، ولا نعرفه إلَّا من حديثه. انتهى. قلت: في "التقريب" (¬2): النَّهاس تشديد الهاء، ثم مهملة، بن قَهْم، بفتح القاف وسكون الهاء، القيسي، [532/ أ] أبو الخطاب البصري، ضعيف. انتهى. [283 ب] السابع: حديث (أبي هريرة): 7 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ حَافَظَ عَلَى شُفعَةِ الضُّحَى غُفِرَتْ ذُنُوبُهُ وإنْ كانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ". أخرجه الترمذي (¬3). [ضعيف] قوله: "من حافظ على شفعة الضحى" في "النهاية" (¬4): يعني: ركعتي الضحى، من الشفع وهو الزَّوج، ويروى بالفتح والضم، كالغرفة والغُرفة، وإنما سمَّاها شفعة؛ لأنها أكثر من واحدة. قال القتيبي: الشفع: الزوج، ولم أسمع به مؤنثاً إلاَّ هاهُنا، وأظنه ذهب بتأنيثه إلى الفعلة الواحدة أو إلى الصلاة. انتهى. قوله: "أخرجه الترمذي". قلت: ساقه من حديث النَّهاس بن قَهْم (¬5) الذي قدمنا ذكره. الثامن: حديث (أنس): ¬

_ (¬1) أي: الترمذي في "السنن" (2/ 341) بإثر الحديث رقم (476) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من حافظ على شُفعة الضحى غفر له ذنوبه, وإن كانت مثل زبد البحر". (¬2) (2/ 307 رقم 156). (¬3) في "السنن" رقم (476)، وهو حديث ضعيف، وقد تقدم. (¬4) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 878). (¬5) انظر: سنن الترمذي (2/ 341).

8 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ صَلَّى الضُّحَى ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً بَنَى الله تَعَالَى لَهُ قَصْراً في الجَنَّةِ مِنْ ذَهَبٍ". أخرجه الترمذي (¬1). [ضعيف] قوله: "من صلَّى الضحى ثنتي عشرة ركعة" وتفصيلها عند الطبراني (¬2) من حديث أبي الدرداء مرفوعاً: "من صلى الضحى ركعتين لم يكتب من الغافلين، ومن صلى أربعاً كتب من القانتين، ومن صلى ستاً كفي ذلك اليوم، ومن صلى ثمانياً كتب من العابدين، ومن صلى اثنتي عشرة بنى الله له بيتاً في الجنة". قال الحافظ ابن حجر (¬3): في إسناده ضعف. قوله: "أخرجه الترمذي". قلت: قال (¬4): حديث أنس غريب لا نعرفه إلاَّ من هذا الوجه. انتهى. قال ابن القيم (¬5): أنه أخرج الحاكم (¬6): أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي الضحى اثنتي عشرة ركعة. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (473)، وقال: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وأخرجه ابن ماجة رقم (1380)، وهو حديث ضعيف. (¬2) في المعجم "الكبير" كما في "مجمع الزوائد" (2/ 237). قال الهيثمي: وفيه موسى بن يعقوب الزمعي، وثقّه ابن معين وابن حبان وضعفه ابن المديني وغيره, وبقية رجاله ثقات. وأخرجه البزار في "مسنده" رقم (694 - كشف). وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (2/ 237): رواه البزار وفيه حسين بن عطاء، ضعفه أبو حاتم وغيرها وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: يخطئ ويدلِّس. وهو حديث ضعيف، والله أعلم. (¬3) في "فتح الباري" (3/ 54). (¬4) أي: الترمذي في "السنن" (2/ 338). (¬5) في "زاد المعاد" (1/ 333). (¬6) في "المستدرك" (1/ 314).

قال ابن القيم (¬1): وهو حديث موضوع، المتهم به عمر بن صبيح (¬2)، قال ابن عدي: منكر الحديث، وقال ابن حبان: يضع الحديث على الثقات، لا يحل كتب حديثه إلاَّ على جهة التعجب منه. التاسع: حديث (عائشة): 9 - وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "كَانَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي الضُّحَى أَرْبَعَ رَكعَاتٍ وَيَزِيدُ مَا شَاءَ الله" (¬3). [صحيح] قوله: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي الضحى أربع ركعات ويزيد ما شاء الله" (¬4) [284 ب] هذه رواية فعله - صلى الله عليه وسلم -، وإلاَّ وله روايات أقواله. وأخرجه ابن عدي (¬5) من حديث ابن أبي أوفى: أنه - صلى الله عليه وسلم - صلَّى الضُّحَى ركعتين. وأخرج الطبراني في "الأوسط" من حديث جابر (¬6): أنه - صلى الله عليه وسلم - صلى الضحى ست ركعات. ¬

_ (¬1) في "زاد المعاد" (1/ 347). (¬2) انظر: "ميزان الاعتدال" (3/ 206 - 207 رقم 6147). (¬3) كذا في (أ. ب) لم يذكره من خرّجها. وفي "الجامع" (6/ 112 رقم 4211)، أخرجه مسلم. (¬4) أخرجه أحمد (6/ 145)، ومسلم رقم (78/ 719)، وابن ماجه رقم (1381)، وهو حديث صحيح. (¬5) ذكره الحافظ في "الفتح" (3/ 54). (¬6) في "الأوسط" رقم (2745) عن إبراهيم بن هاشم البغوي، ثنا أمية بن بسطام، ثنا معتمر بن سليمان قال: سمعت حميد الطويل يحدث عن محمَّد بن قيس عن جابر بن عبد الله قال: أتيت النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أعرض عليه بعيراً لي، فرأيته صلّى الضحى ست ركعات". وقال: لا يُروى هذا الحديث عن جابر إلاَّ بهذا الإسناد، تفرد به معتمر". وأورده الهيثمي في "المجمع" (2/ 2238)، وقال: رواه الطبراني في "الأوسط" من رواية محمَّد بن قيس عن جابر، وقد ذكره ابن حبان في الثقات. =

وجمع ابن القيم (¬1) الأقوال في صلاة الضحى، حكماً وعدداً فبلغت ستة: الأول: أنهما ستة وأقلها ركعتان وأكثرها اثنتي عشرة، وقيل: أربع فقط، وقيل: لا حدَّ لأكثرها (¬2). الثاني: لا تشرع إلاَّ لسبب، وذكر أسباباً (¬3) وقعت صلاته - صلى الله عليه وسلم - الضحى عندها. الثالث: لا تستحب أصلاً، وصح عن عبد الرحمن بن عوف: أنه لم يصلها، وكذلك ابن مسعود. ¬

_ = قلت: لم يذكره ابن حبان في "الثقات", ولعل الهيثمي اشتبه عليه بغيره. (¬1) في "زاد المعاد" (1/ 333 - 348). (¬2) انظر: "المجموع شرح المهذب" (3/ 530). وقال الروياني في كتابه "بحر المذهب في فروع مذهب الإِمام الشافعي" (2/ 375 - 376): إلى أنّ أكثرها ثمان ركعات, فقد روي أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أقل ما كان يصليها أربع ركعات وأكثر ما كان يصليها ثمان ركعات. قلت: عدد ركعات الضحى كما ورد في السنة الصحيحة أو الحسنة: ركعتان، أربع ركعات، ست ركعات، ثمان ركعات. وهذا من باب تنوع العبادات وليس من باب الاختلاف والاضطراب، ولله الحمد والمنة. (¬3) (منها): صلاته يوم الفتح، وقد تقدم من حديث أم هانئ. و (منها): صلاته عند القدوم من مغيبه كما في حديث عائشة - رضي الله عنها - كان لسبب القدوم. أخرجه مسلم في "صحيحه" رقم (75/ 717) عن عبد الله بن شقيق قال: قلت لعائشة: هل كان النبيّ - صلى الله عليه وسلم - يصلَّي الضحى؟ قالت: لا، إلاّ أن يجيء من مغيبه. و (منها): ما أخرجه مسلم رقم (74/ 716)، وأبو داود رقم (2781)، والنسائي رقم (731)، وهو حديث صحيح: "أنّه - صلى الله عليه وسلم - كان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فصلى فيه ركعتين" وهو حديث صحيح. و (منها): صلاته - صلى الله عليه وسلم - في بيت عتبان بن مالك لسبب التعليم. أخرجه أحمد (3/ 174 - 175)، والبخاري رقم (425)، ومسلم رقم (33/ 263).

الرابع: يستحب فعلها (¬1) تارة وتركها تارة بحيث لا يواظب عليها، وهذه إحدى الروايتين عن أحمد (¬2)، والحجة فيه حديث أبي سعيد: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي الضحى حتى نقول: لا يدعها، ويدعها حتى نقول: لا يصليها. أخرجه الحاكم (¬3). وعن عكرمة (¬4): "كان ابن عباس يصليها عشراً ويدعها عشراً". الخامس: تستحب صلاتها والمحافظة عليها في البيوت (¬5). السادس: أنها بدعة، صح ذلك من رواية عروة عن ابن عمر، وعن أبي بكر: أنه رأى ناساً يصلون الضحى، فقال: ما صلاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا عامة أصحابه (¬6). قال الحافظ ابن حجر (¬7): قد جمع الحاكم (¬8) الأحاديث الواردة في صلاة الضحى في جزء مفرد، وذكر لغالب هذه الأقوال مستنداً، وبلغ رواة الحديث في إثباتها [نحو] (¬9) عشرين نفساً من الصحابة. انتهى. ¬

_ (¬1) انظر: "زاد المعاد" (1/ 540 - 545). (¬2) انظر: "المغني" (2/ 549 - 550). (¬3) ذكره ابن القيم في "زاد المعاد" (341 - 342). وأخرجه الترمذي في "السنن" رقم (477)، وقال: هذا حديث حسن غريب. وهو حديث ضعيف. والله أعلم. (¬4) انظر: "المغني" (2/ 549). (¬5) انظر: "فتح الباري" (3/ 55). (¬6) ذكره الحافظ في "الفتح" (3/ 55) وسنده صحيح. (¬7) في "الفتح" (3/ 55). (¬8) "جزء مفرد في صلاة الضحى" الحاكم محمَّد بن عبد الله النيسابوري (ت 405 هـ)، جمع فيه الأحاديث الواردة في صلاة الضحى، وبلغ عدد رواة الحديث في إثباتها نحو العشرين نفساً من الصحابة. ذكره له الكتاني في "الرسالة المستطرفة" (ص 47). وانظر: "معجم المصنفات" (ص 170) رقم (459). (¬9) في (أ. ب): "عن" وما أثبتناه من "الفتح".

العاشر: حديث (زيد بن أرقم): 10 - وعن زيد بن أرْقَم - رضي الله عنه - قال: قال رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "صَلَاةُ الأَوَّابِينَ حِينَ تَرْمَضُ الفِصَالُ مِنَ الضُّحَى". أخرجها مسلم (¬1). [صحيح] قوله: "صلاة الأوابين" جمع أوّاب (¬2)، أي: الرجاعين بالتوبة إلى الله. "حين ترمض" بفتح الميم، رمض كفرح يفرح، في "النهاية" (¬3): هي أن تحمى الرمضاء وهي الرمل، فتبرك الفصال من شدة حرّها وإحراقها أخفافها. انتهى. و"الفصال" [285 ب] بالفاء والمهملة ككتاب، جمع فصيلة وهو الذي يفصل عن أمه، ومنه: "لا رضاع بعد فصال" فهو فعيل بمعنى مفعول، وأكثر ما يطلق في الإبل، وقد يقال في البقر (¬4). والمراد: أن صلاة الأوابين أفضل من صلاة الضحى، ولم يذكر هنا عددها ولعلها الأربع التي ورد فيها حديث: "أربع قبل الظهر ليس فيهن تسليم تفتح لهن أبواب السماء". ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (144/ 748). وأخرجه أحمد (4/ 366)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (2/ 406)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (1010)، والطيالسي رقم (687)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (3/ 49)، والدارمي رقم (1498)، والطبراني في "الكبير" رقم (5113) من طرق، وهو حديث صحيح. (¬2) انظر: "لسان العرب" (1/ 218). وقال ابن الأثير في "النهاية" (1/ 86): هو الكثير الرجوع إلى الله تعالى بالتوبة, وقيل: هو المطيع، وقيل: المُسبّحُ، يريد، صلاة الضحى عند ارتفاع النهار، أو شدة الحرِّ. (¬3) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 690). وانظر: "الفائق للزمخشري" (2/ 87). (¬4) قاله ابن الأثير في "النهاية" (2/ 375). وانظر: "غريب الحديث" للهروي (1/ 305).

(الفصل الخامس): في قيام رمضان

أخرجه أبو داود (¬1) والترمذي في "الشمائل" (¬2)، وابن ماجه (¬3) وابن خزيمة (¬4) عن أبي أيوب. قوله: "أخرجهما" أي: حديث عائشة وحديث زيد (مسلم). (الفصل الخامس): في قيام رمضان أي: قيام ليله بالصلاة فيه، قالوا: المراد بقيام رمضان الصلاة في لياليه، وحملوها على التراويح. قال النووي (¬5): التحقيق أن صلاة التراويح محصلة لفضيلة قيام رمضان، ولا تنحصر الفضيلة فيها ولا يتعين لها وقت، بل أي وقت من الليل صلى تطوعاً حصل له هذا الفضل من الله تعالى. قوله: (صلاة التراويح) في "النهاية" (¬6): جمع ترويحة, وهي المرة من الراحة كالتسليمة من السلام، سميت بها صلاة الجماعة في ليالي رمضان؛ لأنهم أول ما اجتمعوا عليها كانوا يستريحون بين كل تسليمتين قدر ما يصلي الرجل كذا وكذا ركعة. رواه محمَّد بن نصر (¬7) عن الليث. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (1270). (¬2) رقم (287). (¬3) في "السنن" رقم (1157). (¬4) في "صحيحه" رقم (1214)، وهو حديث حسن. (¬5) انظر: "شرح صحيح مسلم" للنووي (6/ 39 - 40). (¬6) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 700). وانظر: "المجموع المغيث" (1/ 817). (¬7) ذكره الحافظ في "فتح الباري" (4/ 250).

الأول: حديث (أبي هريرة): 1 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: كَانَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - يُرَغِّبُهُمْ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْمُرَهُمْ بِعَزِيمَةِ, فَيَقُولُ: "مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِه" فَتُوُفِّيَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وَالأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ كَانَ الأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ في خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ، وَصَدْرًا مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ. وفي رواية: "مَنْ قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إيمانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ". أخرجه الستة (¬1). [صحيح] وأخرج البخاري (¬2): "المَرْفُوعَ مِنْهُ في قِيَامِ رَمَضانَ وَقِيَامِ لَيْلَةِ القَدْرِ". قوله: "من غير أن يأمرهم بعزيمة" أي: لا يأمرهم أمر إيجاب, بل أمر ندب وترغيب (¬3). قوله: "إيماناً واحتساباً" [286 ب] قال الخطابي (¬4): أي: ثقة وعزيمة مصدقاً به، ورغبة في ثوابه طيبة بها نفسه غير مستثقل له. قوله: "غفر له" ظاهر في غفران الكبائر والصغائر [533/ أ]، وبه جزم ابن المنذر (¬5). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (37)، ومسلم رقم (174/ 759)، وأبو داود رقم (1371)، والترمذي رقم (683)، والنسائي (4/ 156)، وابن ماجه رقم (1326)، وهو حديث صحيح. (¬2) في "صحيحه" رقم (37، 38). (¬3) انظر: "فتح الباري" (4/ 251 - 252)، "شرح صحيح مسلم" للنووي (6/ 39 - 40). (¬4) انظر: "غريب الحديث" (1/ 18، 19). وقال النووي في شرحه لـ "صحيح مسلم" (10/ 152 - 153): معنى إيماناً: تصديقاً بأنه الحق معتقداً فضيلته، ومعنى احتساباً: أن يريد الله تعالى وحده لا يقصد رؤية الناس، ولا غير ذلك مما يخالف الإخلاص. (¬5) ذكره الحافظ في "الفتح" (4/ 251).

وقال النووي (¬1): المعروف أنه يخص بالصغائر، وبه جزم إمام الحرمين (¬2)، وعزاه عياض (¬3) لأهل السنة. وقال بعضهم (¬4): يجوز أن يخفف من الكبائر إذا لم يصادف صغيرة. قوله: "ما تقدم من ذنبه" زاد فيه عن سفيان عند النسائي (¬5): "وما تأخر"، ورواها آخرون أيضاً من أئمة الحديث. قال الحافظ ابن حجر (¬6): وقد ورد في غفران ما تقدم من الذنوب وما تأخر عدة أحاديث جمعتها في كتاب مفرد. وقد استشكلت (¬7) هذه الزيادة من حيث أن المغفرة تستدعي سبق شيء يُغفر، والمتأخر من الذنوب لم يأت، فكيف يغفر؟ وأجيب: بأنه كناية عن حفظهم من الكبائر، فلا يقع منهم كبيرة بعد ذلك، نظير ما قيل في حديث أهل بدر: "اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم" (¬8) وبه أجيب عن حديث صيام ¬

_ (¬1) في شرحه لـ "صحيح مسلم" (6/ 40). (¬2) ذكره الحافظ في "الفتح" (4/ 251). (¬3) في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (3/ 115 - 116). (¬4) ذكره الحافظ في "الفتح" (4/ 251)، وأخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (1/ 496)، وابن عبد البر في "الاستذكار" (5/ 151 رقم 222). (¬5) في "السنن الكبرى" (3/ 127 رقم 2523). قال ابن عبد البر في "التمهيد" (7/ 105)، وزيادة "وما تأخر" زيادة منكرة، والله أعلم. (¬6) في "الفتح" (4/ 252). (¬7) ذكره الحافظ في "الفتح" (4/ 252). (¬8) أخرجه البخاري رقم (3007)، ومسلم رقم (2494).

عرفة (¬1)، وأنه يكفِّر السنة الماضية والسنة الآتية. قوله: "فتوفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والأمر على ذلك" هذا من كلام الزهري (¬2) مدرج، والمرفوع انتهى عند قوله: "الآتية". ولفظ البخاري (¬3): قال ابن شهاب: فتوفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... الحديث. قوله: "وصدراً من خلافة عمر" أي: من أولها، وذلك: (أنه خرج عمر في بعض ليالي رمضان والناس متفرقون، يصلي الرجل لنفسه، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط، فقال عمر: إني لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد كان أمثل، ثم عزم فجمعهم على أبيّ بن كعب. قال الراوي - وهو عبد الرحمن [287 ب] بن عبد القارئ؛ حجة -: ثم خرجت معه ليلة أُخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم، فقال عمر: نعمت البدعة هذه) ... الحديث. أخرجه البخاري (¬4) والموطأ (¬5). قال الحافظ ابن حجر (¬6): لم يقع في هذه الرواية عدد الركعات التي كان يصلي بها أُبَيّ بن كعب، وقد اختلف في ذلك؛ ففي "الموطأ" (¬7) عن محمَّد بن يوسف عن السائب بن يزيد: "أنها إحدى عشرة". ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد (5/ 311)، ومسلم رقم (196/ 1162)، وأبو داود رقم (2425)، وابن ماجه رقم (1730)، والنسائي في "الكبرى" رقم (2185). وهو حديث صحيح. (¬2) ذكره البخاري في "صحيحه" (4/ 250 - مع الفتح). (¬3) في "صحيحه" (4/ 250 - مع الفتح). (¬4) في "صحيحه" رقم (2010). (¬5) في "الموطأ" (1/ 114 - 115 رقم 3). (¬6) في "الفتح" (4/ 254). (¬7) (1/ 115 رقم 4)، وهو أثر صحيح.

ورواه سعيد بن منصور (¬1) وزاد فيه: "وكانوا يقرؤون بالمئين ويقومون على العصي من طول القيام". ورواه محمَّد بن نصر المروزي (¬2) من طريق محمَّد بن إسحاق عن محمَّد بن يوسف فقال: "ثلاثة [عشر] (¬3) ". ورواه عبد الرزاق (¬4) من وجه آخر عن محمَّد بن يوسف فقال: "إحدى وعشرين". وذكر الرواية (¬5): "بثلاث وعشرين" و"بعشرين، وثلاث ركعات الوتر". قال (¬6): والجمع بين هذه الروايات ممكن باختلاف الأحوال، ويحتمل أن ذلك الاختلاف بحسب تطويل القراءة وتخفيفها، فحيث يطيل القراءة يقلل الركعات وبالعكس، وبذلك جزم الداودي (¬7) وغيره. وذكر بعد ذلك عن فعل جماعة من السلف من الأعداد كستٍ وثلاثين و [قد] (¬8) يوترون بثلاث. وقال الترمذي (¬9): أكثر ما قيل أنها تصلى إحدى وأربعين ركعة بركعة الوتر، كذا قال. ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (4/ 254). (¬2) في "مختصر قيام الليل" (ص 221). (¬3) في (أ): "عشرة". (¬4) في "مصنفه" (4/ 360). (¬5) انظر: "الاستذكار" (5/ 153 - 157). (¬6) الحافظ في "الفتح" (4/ 253). (¬7) ذكره الحافظ في "الفتح" (4/ 253). وانظر: "الاستذكار" (5/ 154 - 155). (¬8) سقطت من (ب). (¬9) في "السنن" (3/ 170).

وقد نقل ابن عبد البر (¬1) عن الأسود بن يزيد: أربعين بوتر شفع، وقيل: ثمان وثلاثين. وعن مالك (¬2): ست وأربعين وثلاثاً الوتر. انتهى. قلت: وكل هذه الأعداد ليس عليها أثارة من علم، إلاَّ عمومات فضائل الصلاة، وتجميع عمر - رضي الله عنه - قد صرح هو نفسه أنها بدعة (¬3)، وقوله: "نعمت البدعة" دعوى، وإلاَّ فليس في البدع ما يمدح. ¬

_ (¬1) في "الاستذكار" (5/ 157 رقم 6291). (¬2) ذكره الباجي في "المنتقى" (1/ 207 - 208)، وانظر: "الاستذكار" (5/ 157 رقم (6292)، ومصنف ابن أبي شيبة (2/ 393). (¬3) - قال الراغب الأصفهاني في "مفردات ألفاظ القرآن" (ص 110 - 111): "الإبداعُ إنشاءُ صنعةٍ بلا احتذاءٍ واقتداء، ومنه قيل: رَكيَّة بديعٌ أي جديدة الحفر، وإذا استعمل بها الله تعالى فهو إيجادُ الشيء بغير آلةٍ ولا مادة ولا زمان ولا مكانٍ وليس ذلك إلا لله. والبديعُ يقالُ للمبدِع، نحو قوله: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [البقرة: 117]، ويقال للمبدَع نحو رَكيَّة بديعٌ، وكذلك البِدْعُ يقال لهما جميعاً بمعنى الفاعِل والمفعولِ. قوله تعالى: {قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ} [الأحقاف: 9]، قيل: معناه مُبدَعاً لم يتقدمني رسولٌ، وقيل: مبدِعاً فيما أقولُهُ" اهـ. - قال الشاطبي في الاعتصام (1/ 37) - ن: دار المعرفة: "هي طريقة في الدين مخترعة, تضاهي الشريعة, يقصد بها التقرب إلى الله، ولم يقم على صحتها دليل شرعي صحيح أصلاً أو وضعاً" اهـ. قلت: بقصد التقرب إلى الله خرجت البدع الدنيوية, كتصنيف الكتب في علم النحو، وأصول الفقه، ومفردات اللغة، وسائر العلوم الخادمة للشريعة والسيارات والأسلحة والآلات الزراعية والصناعية فكلها وسائل مشروعة؛ لأنها تؤدي إلى ما هو مشروع بالنص. وهي التي تقبل التقسيم إلى الأحكام الخمسة: 1 - واجبة. 2 - ومندوبة. 3 - ومباحة. 4 - ومكروهة. 5 - ومحرمة. =

وقد صرّحت عائشة: (بأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يزد في رمضان ولا غيره في قيام الليل على إحدى عشرة ركعة) (¬1). وقد وجه لفعل عمر. قال ابن التين (¬2) وغيره: أنه استنبط [288 ب] عمر ذلك من تقرير النبي - صلى الله عليه وسلم - من صلى معه تلك الليالي، (وأنه - صلى الله عليه وسلم - إنما كره ذلك لهم خشية أن تفرض عليهم)، فلما مات - صلى الله عليه وسلم - حصل [الأمن] (¬3) من ذلك، وترجح عند عمر ذلك؛ لما في الاختلاف من افتراق الكلمة، ولأن الاجتماع على واحد أنشط للمصلين، وإلى قول عمر جنح الجمهور (¬4). وعن مالك (¬5) في إحدى الروايتين وأبي يوسف وبعض الشافعية (¬6): الصلاة في البيوت أفضل؛ لحديث: "أفضل صلاة المرء في بيته إلاَّ المكتوبة" وهو حديث صحيح، أخرجه مسلم (¬7). ¬

_ = أما البدعة الدينية لا تقسَّم إلى الأحكام الخمسة للأدلة الواضحة التي أوردتها في كتابي "مدخل إرشاد الأمة إلى فقه الكتاب والسنة" (ص 147 - 150) ط 1. - وقول عمر - رضي الله عنه -: "نعمت البدعة". قال ابن تيمية في "اقتضاء الصراط المستقيم" (ص 275 - 276) أكثر ما في هذا تسمية عمر تلك بدعة, مع حسنها، وهذه تسمية لغريب لا تسمية شرعية. (¬1) تقدم وهو حديث صحيح. (¬2) ذكره الحافظ في "الفتح" (4/ 252). (¬3) في (أ. ب) اليأس. وما أثبتناه من "الفتح" (4/ 252). (¬4) ذكره الحافظ في "الفتح" (4/ 252). (¬5) في "الاستذكار" (5/ 158 رقم (6302). (¬6) انظر: "المجموع شرح المهذب" (3/ 526). (¬7) في "صحيحه" رقم (781). وأخرجه البخاري رقم (6113)، وأبو داود رقم (1447)، والترمذي رقم (1044)، والنسائي رقم (1599)، كلهم من حديث زيد بن ثابت - رضي الله عنه -.

وبالغ الطحاوي (¬1) فقال: إن صلاة التراويح في الجماعة فرض كفاية، ولا ريب (¬2) أنه غلو في الدين. قوله: "وفي رواية (¬3): من قام ليلة القدر" لا ينافي رواية: "وقام رمضان" لاحتمال أن الغفران لمن قامه دون ليلة القدر، إذ أن المراد بالأعم الأخص. قوله: "وأخرج البخاري المرفوع منه". قلت: لكنه لم ينبّه المصنف على إدراج ما زاد على ذلك، بل ساقه مساق المرفوع. الثاني: حديث (عائشة). 2 - وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "كَانَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - يَجْتَهِدُ فِي رَمَضَانَ مَا لَا يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهِ, وَفي العَشْرِ الأَوَاخِرِ أَشَدَّ، وَكانَ يُحْيي لَيْلَهُ وَيُوقْظُ أَهْلَهُ وَيَشُدُّ مِئْزرَهُ". أخرجه الخمسة (¬4). [صحيح] "شَدُّ المِئْزَرِ" (¬5) كناية عن اجتناب النساء أو عن الجِد والاجتهاد في العمل. قوله: "يجتهد في رمضان" [534/ أ] أي: في العبادة. ¬

_ (¬1) في "شرح معاني الآثار" (1/ 351 - 352). (¬2) من كلام الشارح. (¬3) أخرجها أحمد (2/ 241)، والبخاري رقم (2014)، ومسلم رقم (175/ 760)، وأبو داود رقم (1372)، والترمذي رقم (683)، والنسائي رقم (2207) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -. وهو حديث صحيح. (¬4) أخرجه البخاري رقم (2024)، ومسلم رقم (1174)، وأبو داود رقم (1376)، وابن ماجه رقم (1768)، والترمذي رقم (796)، والنسائي (3/ 218)، وهو حديث صحيح. (¬5) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 57). وانظر: "الفائق" للزمخشري (1/ 40).

"ما لا يجتهد في غيره, وفي العشر الأواخر أشد" أي: في الاجتهاد؛ لأنه يلتمس فيها ليلة القدر. قوله: "وكان يحيي ليله" أي: يسهره, وسَمَّاه إحياءً؛ لأن النوم أخو الموت، فمن سهر فقد أحيا ليله، وأحيا نفسه (¬1). قوله: "وشدّ مئزره" كناية عن عدم قربانه النساء، كما فسّره المصنف، وقيل: عن التشمير للعبادة (¬2). قوله: "أخرجه الخمسة" [289 ب]. الثالث: حديث (أنس): 3 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُومُ فِي رَمَضَانَ, فَجِئْتُ فَقُمْتُ إِلَى جَنْبِهِ، فَجَاءَ رَجُلٌ آخَرُ فَقَامَ أَيْضًا حَتَّى كُنَّا رَهْطًا، فَلمَّا أَحَسَّ أَنَّا خَلْفَهُ جَعَلَ يَتَجَوَّزُ فِي الصَّلَاةِ، ثُمَّ دَخَلَ رَحْلَهُ فَصَلَّى صَلَاةً لَا يُصَلِّيهَا عِنْدَنَا. فَقُلْتُ لَهُ حِينَ أَصْبَحْتُ: أَفَطَنْتَ لَنَا اللَّيْلَةَ؟ قَالَ: "نَعَمْ، ذَاكَ الَّذِي حَمَلَنِي عَلَى الَّذِي صَنَعْتُ". أخرجه مسلم (¬3). [صحيح] "التَّجَوُّزُ" (¬4) الإسراع في العمل وتخفيفه. قوله: "لا يصليها عندنا" كأنه يريد أنه طوّل صلاته, وعندهم تجوّز فيها وخففها. ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (4/ 269). (¬2) قاله ابن الأثير في "النهاية" (1/ 57). وانظر: "فتح الباري" (4/ 269). (¬3) في "صحيحه" رقم (59/ 1104). (¬4) قال ابن الأثير في "النهاية" (1/ 308): أي خفَّفوا وأسرعوا بها، وقيل: إنّه من الجَوز، القطع والسّيْر. وانظر: "المجموع المغيث" (1/ 375).

قوله: "داخل رحله" (¬1) أي: منزله، وهو يدل على أنه صلى أولاً في المسجد. وقوله: "ذلك" (¬2) أي: الفطنة بكم، وذلك أنه تركهما لما يأتي من خشية ألَّا تفرض عليهم. قوله: "أخرجه مسلم". الرابع: حديث (عائشة): 4 - وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: صَلَّى رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - فِي المَسْجِدِ فَصَلَّى بِصَلَاتِهِ نَاسٌ كَثِيرٌ، ثُمَّ صَلَّى مِنْ القَابِلَةِ فَكَثُرُوا، ثُمَّ اجْتَمَعُوا مِنْ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ. فَلمَّا أَصْبَحَ قَالَ: "قَدْ رَأَيْتُ صَنِعَكُمْ، فَلَمْ يَمْنَعْنِي مِنْ الخُرُوجِ إِلَيْكُمْ إِلَّا أَنَّي خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ" وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ. أخرجه الستة (¬3) إلاَّ الترمذي. [صحيح] قوله: "خشيت أن تفرض عليكم" قال البرماوي: لا تعارض بين هذا وبين قوله ليلة الإسراء: {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ} (¬4) فإن ذلك المراد به في التنقيص كما يدل عليه السياق. ¬

_ (¬1) قال الأزهري في "تهذيب اللغة" (/) رحل الرجل عند العرب هو منزله سواء كان من حجر أو مدر أو وبر أو شعر وغيرها. (¬2) كذا في الشرح وصوابه (ذاك) كما في نص حديث مسلم. (¬3) أخرجه البخاري رقم (1129، 2011)، ومسلم رقم (177/ 761)، وأبو داود رقم (1373)، والنسائي (3/ 202) رقم (1604). وأخرجه أحمد (6/ 177)، وابن حبان رقم (2542)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (3/ 492 - 493)، وفي "الشعب" رقم (3267)، وفي "فضائل الأوقات" رقم (119)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (989). وهو حديث صحيح. (¬4) سورة ق الآية (29).

وقد تعقبه ابن حجر (¬1) بعد أن نسبه إلى الكرماني (¬2) بأن في ذكر التضعيف بقوله: "هي خمس وهي خمسون" إشارة إلى عدم الزيادة أيضاً؛ لأن التضعيف لا ينقص عن العشر. انتهى، وفيه تأمل. وذكر أجوبة كثيرة وردها وقال: إنه قد "فتح الباري" (¬3) - يعني عليه - بثلاثة أجوبة أُخرى؛ أحدها: يحتمل أن يكون الخوف افتراض قيام الليل، بمعنى جعل التهجد في المسجد جماعة شرطاً في صحة التنفل في الليل. قال: ويومئ إليه قوله في حديث زيد بن ثابت (¬4): "حتى خشيت أن يكتب عليكم، ولو كتب عليكم ما قمتم به، فصلوا أيها الناس" فمنعهم من التجميع في المسجد إشفاقاً عليهم من اشتراطه، وأُمن من إذنه بالمواظبة على ذلك في بيوتهم من افتراضه [290 ب] انتهى. قلت: إلاَّ أنه لا يناسبه قوله - صلى الله عليه وسلم - "فخشيت أن تفترض عليكم" صلاة الليل، فإنه ظاهر في الإطلاق. ثم قال: ثانيها: يحتمل أن يكون المخوف عليهم افتراض قيام الليل على الكفاية [لا] (¬5) على الأعيان، فلا يكون ذلك زائداً على الخمس، بل هو نظير ما ذهب إليه قوم في العيد. ثالثها: يحتمل أن يكون المخوف افتراض قيام رمضان خاصة، فقد وقع في حديث الباب (¬6) أن ذلك كان في رمضان. ¬

_ (¬1) في "فتح الباري" (3/ 13). (¬2) في شرحه لـ "صحيح البخاري" (6/ 189) (10/ 152 - 153). (¬3) (3/ 13 - 14). (¬4) تقدم وهو حديث صحيح. (¬5) في (أ. ب): "أو"، وما أثبتناه من "الفتح" (3/ 14). (¬6) يشير إلى الحديث الذي أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (1129).

وفي رواية سفيان بن حسين (¬1): "خشيت أن يكتب عليكم قيام هذا الشهر" فعلى هذا يرتفع الإشكال؛ لأن قيام رمضان لا يتكرر كل يوم، بل في السنة، ولا يكون ذلك قدراً زائداً على الخمس. وأقوى (¬2) هذه الثلاثة الأجوبة في نظري: الأول، والله أعلم بالصواب. انتهى. قلت: والأقوى في نظري جواب الكرماني (¬3) وهو جواب البرماوي؛ أن ذلك في جانب النقص؛ لأنه الذي دار فيه حديث الإسراء. وأما تعقب الحافظ فهو تعقب (¬4) بارد؛ لأن التضعيف في ثواب الخمس لا ينافي افتراض غيرها. الخامس: حديث (أبي هريرة): 5 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: خَرَجَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَلَى النَّاسِ فِي رَمَضَانَ، وَهُمْ يُصَلُّونَ في نَاحِيَةِ المَسْجِدِ، فَقَالَ: "مَا هَؤُلاَءِ؟ ". قِيلَ: أُنَاسٌ لَيْسَ مَعَهُمْ قُرْآنٌ. وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ - رضي الله عنه - يُصَلِّي بِهِمْ، فقَالَ: "أَصَابُوا، وَنِعْمَ مَا صَنَعُوا". أخرجه أبو داود (¬5)، وقال (¬6): هذا الحديث ليس بالقوي. [ضعيف] ومعناه واضح. ¬

_ (¬1) ذكرها الحافظ في "الفتح" (3/ 14). (¬2) قاله ابن حجر في "الفتح" (3/ 14). (¬3) في شرحه لـ "صحيح البخاري" (6/ 189)، (10/ 152 - 153). (¬4) رحم الله الشارح، فقد قال ابن حجر في "الفتح" (3/ 14) بعد التعقب. والله أعلم بالصواب، نسأل الله له الرحمة وحسن الثواب في الآخرة. (¬5) في "السنن" رقم (1377)، وهو حديث ضعيف. (¬6) في "السنن" (2/ 106).

قوله: "أخرجه أبو داود". قلت: وقال (¬1): ليس هذا الحديث بالقوي، ومسلم بن خالد (¬2) [الزَّنجي] (¬3) ضعيف. واعلم أنه ذكر البخاري ليلة القدر عقب أحاديث (¬4) الوتر والتهجد وعقد لها أبواباً: باب (¬5) فضل ليلة القدر، باب التماس (¬6) ليلة القدر، باب تحري (¬7) ليلة القدر، وغيرها (¬8) من الأبواب. وابن الأثير لم يذكر هاهُنا وتبعه المصنف، وكان هذا محلها؛ لأنها من قيام ليالي رمضان. [291 ب]. 6 - وعن أبي ذرٍّ - رضي الله عنه - قال: صُمْنَا مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فَلَمْ يَقُمْ بِنَا شَيْئًا مِنَ الشَّهْرِ حَتَّى بَقِيَ سَبْعٌ مِنَ الشَّهْرِ فَقَامَ بِنَا حَتَّى ذهبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ، ثُمَّ لَمْ يَقُمْ بِنَا في السَّادِسَةُ وَقَامَ في الخَامِسَةُ حَتَّى ذَهَبَ شَطْرُ اللَّيْلِ. فَقُلْنَا لَهُ: لَوْ نَفَّلْتَنَا بَقِيَّةَ لَيْلَتِنَا هذِهِ؟ فَقَالَ: "إنَّهُ مَنْ قَامَ مَعَ الإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ". ثُمَّ لَمْ يَقُمْ بِنَا حَتَّى بَقِيَ ثَلاَثٌ مِنَ الشّهْرِ فَصَلّى بِنَا في الثَّالِثَةِ وَدَعَا ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (1377)، وهو حديث ضعيف. (¬2) قال ابن حجر في "التقريب" (2/ 245 رقم 1079)، مسلم بن خالد المخزومي مولاهم، المكي، المعروف بالزَّنجي، فقيه صدوق كثير الأوهام. (¬3) في (أ. ب): "الزنج"، هكذا رسمت، وما أثبتناه من "التقريب". (¬4) هذا وهم من الشارح. بل ذكرها في "صحيحه" عقب كتاب "صلاة التراويح". انظر ما يأتي. (¬5) في "صحيحه" (3/ 255 الباب رقم (32) كتاب فضل ليلة القدر. الباب الأول: باب فضل ليلة القدر - مع الفتح). (¬6) في "صحيحه" (4/ 256 الباب رقم 2 - مع الفتح). (¬7) في "صحيحه" (4/ 259 الباب رقم 3 - مع الفتح). (¬8) منها ما في "صحيحه" (4/ 267 الباب رقم 4 باب رفع معرفة ليلة القدر لِتَلاحي الناس - مع الفتح).

(الفصل السادس): في صلاة العيدين

أَهْلَهُ وَنِسَاءَهُ وَقَامَ بِنَا حَتَّى خَشِينَا أَنْ يَفُوتَنَا الفَلَاحَ. قِيلَ: وَمَا الفَلَاحُ؟ قَالَ: السُّحُورُ. أخرجه أصحاب (¬1) السنن وصححه الترمذي. [صحيح] "السَّحُورَ" (¬2) بفتح السين: ما يتسحر به، وبالضم: الفعل نفسه. 7 - وعن عبد الله بن أبي بكر قال: سَمِعْتُ أُبَيَّاً - رضي الله عنه - يَقُولُ: كُنَّا نَنْصَرِفُ فِي رَمَضَانَ فَنَسْتَعْجِلُ الخَدَمَ بِالطَّعَامِ مخافَةَ فَوْتِ السَحُوْرِ. أخرجه مالك (¬3). [موقوف صحيح] قوله: (الفصل السادس): في صلاة العيدين صلاة العيدين عند الشافعي (¬4) والجمهور (¬5) سنة مؤكدة، وقال الأصطخري (¬6): فرض كفاية. وقال أبو حنيفة (¬7): واجبة. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود رقم (1375)، والترمذي رقم (806)، والنسائي في "السنن" (3/ 203)، وابن ماجه رقم (1327). وأخرجه أحمد (5/ 159 - 160)، وابن خزيمة رقم (2206)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (991)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/ 349)، وابن حبان رقم (2547)، وهو حديث صحيح. (¬2) قال ابن الأثير في "النهاية" (1/ 759) السَّحور: بالفتح اسم ما يتسحّر به من الطعام والشراب، وبالضّم المصدر والفعل نفسه، وكثر ما يروى بالفتح، وقيل: إنَّ الصَّواب بالضّم؛ لأنه بالفتح الطعام، والبركة والأجر والثواب في الفعل لا في الطعام. (¬3) في "الموطأ" (1/ 116 رقم 7)، وهو أثر موقوف صحيح. (¬4) انظر: "المجموع شرح المهذب" (5/ 112 - 113). (¬5) انظر: "المغني" (3/ 265). (¬6) ذكره القاضي العمراني في "البيان" (2/ 6205). (¬7) انظر: "المبسوط" للسرخسي (2/ 41).

وسمي العيد عيداً لعوده (¬1) وتكرره، وقيل: لعود السرور (¬2) فيه, وقيل: تفاؤلاً بعوده على من أدركه، كما سميت القافلة عند خروجها تفاؤلاً بقفولها ورجوعها سالمة وحقيقة القفول الرجوع. وقال الزمخشري (¬3): العيد هو السرور العائد، فكل يوم شرع تعظيمه يسمى عيداً. الأول: حديث (ابن عباس) 1 - عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: خَرَجَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ عِيدٍ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَمْ يُصَلِّ قَبْلَهُمَا وَلَا بَعْدَهُمَا. أخرجه الخمسة (¬4). [صحيح] قوله: "خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " أي: إلى الجبّان (¬5). قوله: "لم يصل قبلهما" فلا تحية للجبّان ولا نافلة (¬6) قبلية للعيد. "ولا بعدهما" أي: في الجبّان، ولم يبين في أيّ عيد، إلاَّ أن في هذه الرواية في بعضها: "في يوم أضحى أو فطر" ولم يبين كيفية الركعتين. ¬

_ (¬1) انظر: "لسان العرب" (3/ 319). (¬2) انظر: "الصحاح" للجوهري (3/ 515). (¬3) انظر: "الكشاف" (2/ 314). (¬4) أخرجه البخاري رقم (989)، ومسلم رقم (13/ 884)، وأبو داود رقم (1159)، والترمذي رقم (537)، والنسائي رقم (1587) ورقم (1291). وهو حديث صحيح. (¬5) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (1/ 233). (¬6) انظر: "المغني" (3/ 280 - 282)، "أحكام العيدين" للفريابي رقم (158)، "الأوسط" لابن المنذر (4/ 266 - 268).

قوله: "لا صلاة قبلهما ولا بعدهما" قال الترمذي (¬1): العمل عليه عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيرهم. وبه يقول الشافعي (¬2) وأحمد (¬3) وإسحاق. وقد رأى طائفة (¬4) الصلاة بعد صلاة العيد وقبلها من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيرهم (¬5) [والقول] (¬6) الأول أصح. انتهى. واعلم أنه حذف المصنف من الرواية [535/ أ] ما ذكره ابن الأثير (¬7) وهو قوله: (ثم أتى النساء وبلال معه فأمرهن بالصدقة، فجعلت المرأة تصدق بخرصها وفتخاتها). قوله: "أخرجه الخمسة". ¬

_ (¬1) أخرج البخاري في "صحيحه" رقم (989)، وفيه: "خرج يوم الفطر". (¬2) في "السنن" (2/ 418). (¬3) "البيان" للعمراني (2/ 633). (¬4) "المغني" (3/ 280 - 281). (¬5) أخرج ابن المنذر في "الأوسط" (4/ 267 ت 2139)، وابن أبي شيبة (2/ 180)، والبيهقي (3/ 304)، عن أيوب قال: رأيت أنس بن مالك والحسن يصليان قبل العيد. وأخرج البيهقي في "المعرفة" (5/ 92 رقم 6945): قال الشافعي في "الأم" (2/ 500 رقم 530)، وروي عن سهل بن سعد، وعن رافع بن خديج: أنّه كان يصلي قبل العيد وبعده. وقال البيهقي في "المعرفة" (5/ 93 رقم 6953)، وروينا عن ابن بريدة, قال: كان بريدة يصلي يوم الفطر، ويوم النحر قبل الإِمام. أخرج ابن أبي شيبة في "المصنف" (2/ 179) عن أبي إسحاق قال: كان سعيد بن جبير وإبراهيم وعلقمة يصلون بعد العيد أربعاً. (¬6) سقطت من (أ. ب)، وأثبتناها من سنن الترمذي (2/ 418). (¬7) في "الجامع" (6/ 125 رقم 4227).

قلت: واللفظ الذي ساقه المصنف هو لفظ الترمذي (¬1) والنسائي (¬2). الثاني: حديث (عائشة): 2 - وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "كَانَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - يكَبِّرُ فِي الفِطْرِ وَالأَضْحَى فِي الأُولَى سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ وَفِي الثَّانِيَةِ خَمْسَ تَكْبِيرَاتٍ، سِوَى تَكْبِيرَتَيْ الرُّكُوعِ". أخرجه أبو داود (¬3). [صحيح لغيره] "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[292 ب] يكبّر في الفطر والأضحى" أي: في صلاتيهما. "في" الركعة. "الأولى سبع تكبيرات وفي" الركعة "الثانية خمس تكبيرات (¬4) سوى تكبيرتي الركوع" وبهما تكون في الأولى ثمان وفي الثانية ستاً. قوله: "أخرجه أبو داود". قلت: قال المنذري (¬5): إن في إسناده ابن لهيعة ولا يحتج بحديثه. الثالث: حديث (كثير بن عبد الله): 3 - وعن كثير بن عبد الله عن أبيه عن جده قال: "كَانَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يُكَبِّرُ في العِيدَيْنِ فِي الأُولَى سَبْعًا قَبْلَ القِرَاءَةِ, وَفِي الآخِرَةِ خَمْسًا قَبْلَ القِرَاءَةِ". ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (537). (¬2) في "السنن" رقم (1587)، وقد تقدم. (¬3) في "السنن" (1149) و (1150). وهو حديث صحيح لغيره. (¬4) انظر: "المغني" (3/ 272)، "فقه الفقهاء السبعة وأثره في فقه الإِمام مالك" (2/ 457)، "المدونة" (1/ 66)، "المجموع شرح المهذب" (5/ 25)، "التمهيد" (5/ 253)، "الأوسط" لابن المنذر (4/ 273 - 274). (¬5) في "مختصر السنن" (2/ 31).

أخرجه الترمذي (¬1). [صحيح لغيره] وهو كحديث عائشة (¬2) في عدد التكبيرات، إلاَّ أنه بيّن أن التكبير قبل القراءة في الركعتين. ومثله ما أخرجه أبو داود (¬3) من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "التكبير في الفطر سبع في الأولى، وخمس في الثانية, والقرآن بعدهما كليهما". انتهى. وفي "الموطأ" (¬4) من فعل أبي هريرة: أنه كبّر في الأولى سبع تكبيرات قبل القراءة، وفي الثانية خمس تكبيرات قبل القراءة. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (536)، وقال: هو أحسن شيء في هذا الباب عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. وأخرجه ابن ماجه رقم (1279)، ولم يذكر القراءة. وأخرجه الطبراني في "الكبير" (ج 17 رقم 15)، والدارقطني (2/ 48)، والبيهقي (3/ 286)، وفي إسناده كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف وهو ضعيف، ومع ذلك حسنه الترمذي. وصححه ابن خزيمة في "صحيحه" رقم (1438، 1439)، ونقل الترمذي في "العلل الكبير" (1/ 288) عن البخاري قوله: ليس في هذا الباب شيء أصحّ من هذا، وبه أقول. وهو حديث صحيح لغيره. (¬2) تقدم وهو حديث صحيح لغيره. (¬3) في "السنن" رقم (1151). وأخرجه الدارقطني في "السنن" (2/ 48). ونقل الترمذي في "العلل الكبير" (1/ 288) عن البخاري أنه قال: إنه حديث صحيح. وهو حديث حسن، والله أعلم. (¬4) (1/ 180 رقم 9). وأخرجه من طريقه الشافعي في "الأم" (2/ 506 - 507 رقم 544)، ومن طريقه البيهقي في "السنن "الكبرى" (3/ 288)، وفي معرفة "السنن والآثار" (5/ 72 رقم 6874)، وعبد الرزاق في "مصنفه" =

قوله: "أخرجه الترمذي". قلت: عن كثير بن عبد الله عن أبيه عن جده, قال أبو عيسى (¬1): حديث جدِّ كثير حسن، وهو أحسن شيء روي في هذا الباب عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، واسمه عمرو بن عوف المزني. والعمل (¬2) على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيرهم، وهكذا روي عن أبي هريرة: (أنه صلى بالمدينة نحو هذه الصلاة). وهو قول أهل المدينة (¬3)، وبه يقول مالك (¬4) بن أنس والشافعي (¬5) وأحمد (¬6) وإسحاق (¬7). انتهى. الرابع: حديث (جابر بن سمرة): 4 - وعن جابر بن سمرة - رضي الله عنه - قال: صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - العِيدَيْنِ غيرَ مَرَّةٍ بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إِقَامَةٍ. أخرجه مسلم (¬8) وأبو داود (¬9) والترمذي (¬10). [صحيح] ¬

_ = (3/ 292 رقم 5680)، كلهم عن مالك عن نافع مولى ابن عمر قال: شهدتُ الفطر والأضحى مع أبي هريرة فكبر في الركعة الأولى سبع تكبيرات قبل القراءة وفي الآخرة: ض تكبيرات قبل القراءة بسند صحيح. (¬1) في "السنن" (2/ 416). (¬2) قاله الترمذي في "السنن" (2/ 416 - 417). (¬3) انظر: "فقه الفقهاء السبعة وأثره في فقه الإِمام مالك" (2/ 457). (¬4) "المدونة" (1/ 169)، "التمهيد" (5/ 253). (¬5) "المجموع شرح المهذب" (5/ 25)، "الأوسط" (4/ 274). (¬6) "المغني" (3/ 272). (¬7) حكاه عنه ابن المنذر في "الأوسط" (4/ 274). (¬8) في "صحيحه" رقم (7/ 887). (¬9) في "السنن" رقم (1148). (¬10) في "السنن" رقم (532)، وقال: حديث حسن صحيح. وهو حديث صحيح.

قوله: "بغير أذان ولا إقامة" وأخرجه أبو داود (¬1) عن ابن عباس بلفظ: (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى العيد بلا أذان ولا إقامة). قال الحافظ (¬2): إسناده صحيح. وقد اختلف (¬3) في أول من أحدث الأذان فيها، فروى ابن أبي شيبة (¬4) بإسناد صحيح عن سعيد بن المسيب: (إن أولَّ من أحدث أنه معاوية). ورواه الشافعي (¬5) عن الثقة عن الزهري وزاد: (أخذ به الحجّاج حين أمر على المدينة) وروى ابن المنذر (¬6) عن أبي قلابة [293 ب]: (أول من أحدثه عبد الله بن الزبير). قوله: "أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي". قلت: وقال (¬7): حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب [النّبيَّ] (¬8) الله - صلى الله عليه وسلم - وغيرهم: أنه لا يؤذن لصلاة العيدين ولا لشيء من النوافل. انتهى. الخامس: حديث (نافع): 5 - وعن نافع أن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: "كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرَ - رضي الله عنهما - يُصَلُّونَ العِيدَيْنِ قَبْلَ الخُطْبَةِ". ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (1147). وأخرجه مسلم رقم (5/ 886) بنحوه, وابن ماجه رقم (1274)، وهو حديث صحيح. (¬2) في "فتح الباري" (2/ 452). (¬3) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 453). (¬4) في "مصنفه" (2/ 169) بسند صحيح. (¬5) انظر: الأم (2/ 500 - 501). (¬6) ذكره ابن قدامة في "المغني" (3/ 267 مسألة 303). (¬7) الترمذي في "السنن" (2/ 413). (¬8) في (ب) الرسول وما أثبتناه من (أ) وسنن الترمذي.

أخرجه الخمسة (¬1) إلاَّ أبا داود. [صحيح] قوله: "يصلون العيدين قبل الخطبة" اختلف (¬2) في أول من غيّر ذلك، فقيل: مروان، وقيل: بل سبقه إلى ذلك عثمان. رواه ابن المنذر (¬3) بإسناد صحيح: "صلي بالناس ثم خطبهم على العادة، فرأى ناساً لم يدركوا الصلاة ففعل ذلك" أي: صار يخطب قبل الصلاة. قال الحافظ (¬4): وهذه العلة غير الذي اعتل بها، كان عثمان (¬5) راعى مصلحة الجماعة من إدراكهم الصلاة، وأما مروان (¬6) فراعى مصلحتهم في إسماعهم الخطبة. لكن قيل (¬7): أنهم كانوا في زمن مروان يتعمدون ترك سماع خطبته لما فيها من سبِّ من لا يستحق السب، والإفراط في مدح بعض الناس، فعلى هذا إنما راعى مصلحة نفسه. انتهى. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (963)، ومسلم رقم (8/ 888)، والترمذي رقم (531)، والنسائي رقم (1564)، وابن ماجه رقم (1276). وهو حديث صحيح. (¬2) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 451). (¬3) في "الأوسط" (4/ 272 - 273 ث 2151) بسند صحيح إلى الحسن البصري. (¬4) في "الفتح" (2/ 452). (¬5) أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" (3/ 283)، وابن أبي شيبة في "مصنفه" (2/ 171) بسند صحيح. (¬6) ثبت في "صحيح مسلم" رقم (9/ 889) من رواية طارق بن شهاب عن أبي سعيد قال: أوّل من بدأ بالخطبة يوم العيد قبل الصلاة مروان. وقال الترمذي في "السنن" (2/ 411) ويقال: أول من خطب قبل الصلاة مروان بن الحكم. (¬7) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 452).

قلت: وعلى كل حال؛ فهي بدعة مخالفة (¬1) لطريقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومراده (¬2) بسب مروان؛ سبه لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب - عليه السلام -، ومدحه لبعض الناس لمعاوية، وهو أميره الذي ولاّه المدينة. قوله: "أخرجه الخمسة إلاَّ أبا داود". السادس: حديث (جابر): 6 - وعن جابر - رضي الله عنه - قال: شَهِدْتُ العِيدِ مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - الصَّلَاةَ فَبَدَأَ بِالصَّلَاةِ قَبْلَ الخُطْبَةِ بِلاَ أَذَانٍ وَلَا إِقَامَةٍ. ثُمَّ قَامَ مُتَوَكَّئًا عَلَى بِلَالٍ - رضي الله عنه -، فَأَمَرَ بِتَقْوَى الله وَحَثَّ عَلَى طَاعَتِهِ وَوَعَظَ النَّاسَ وَذَكَّرَهُمْ. ثُمَّ أَتَى النِّسَاءَ فَوَعَظَهُنَّ وَذَكَّرَهُنَّ وَقَالَ: "تَصَدَّقْنَ، فَإِنَّ أَكْثَرَكُنَّ حَطَبُ جَهَنَّمَ" فَقَامَتْ امْرَأَةٌ مِنْ سِطَةِ النِّسَاءِ سَفْعَاءُ الخدَّيْنِ، فَقَالَتْ: لِمَ يَا رَسُولَ الله؟ قَالَ: "لِأَنَّكُنَّ تُكْثِرْنَ الشَّكَاةَ وَتَكْفُرْنَ العَشِيرَ". فَجَعَلْنَ يَتَصَدَّقْنَ مِنْ حُلِيِّهِنَّ يُلْقِينَ فِي ثَوْبِ بِلَالٍ. أخرجه الخمسة (¬3) إلاَّ الترمذي. [صحيح] "سِطَةُ (¬4) النساءِ" أوساطهن حَسَباً ونسباً. ¬

_ (¬1) وقال النووي في "المجموع شرح المهذب" (5/ 30): إن ظاهر نص الشافعي أنه لا يعتد بها. وهو الصواب. (¬2) ليس بيد الشارح دليل على ذلك. وتقدم موقف أهل السنة والجماعة مما شجر بين الصحابة, وهو الكف عن ذلك، وذكر محاسنهم وفضلهم، وكف ألسنتنا عن مثالبهم. (¬3) أخرجه البخاري رقم (961، 978)، ومسلم رقم (885)، وأخرجه أبو داود رقم (1141)، والنسائي في "السنن" رقم (1575)، وهو حديث صحيح. (¬4) قال ابن الأثير في "النهاية" (1/ 776)، وقال: وأصل الكلمة الواو وهو بابها، والهاء فيها عوضٌ من الواو كعِدة وزِنة، من الوعد، والوَزْن. وانظر: "المجموع المغيث" (2/ 86).

"وَالسُّفعةُ" (¬1) سواد في اللون. "وَالشّكاةُ" بفتح الشين: الشكوى. "والعشير" الزوج. قوله: "ثم قام متوكئاً على بلال" ظاهره أنه - صلى الله عليه وسلم - خطب متوكئاً عليه [294 ب] وأنه لم يكن منبر في المصلى. وقد عقد البخاري (¬2) له باباً فقال: باب الخروج إلى المصلى بغير منبر، ثم ذكر حديث (¬3): (أنه - صلى الله عليه وسلم - كان ينصرف من صلاته [536/ أ] فيقوم مقابل الناس). ولابن خزيمة (¬4) في رواية مختصرة: (خطب يوم العيد على راحلته). ¬

_ (¬1) السُّفعة: نوعٌ من السواد ليس بالكثير، وقيل: هو سواد مع لون آخر. انظر: "النهاية في غريب الحديث" (1/ 783). (¬2) في "صحيحه" (2/ 448 الباب رقم 6 - مع الفتح). (¬3) رقم (956) عن أبي سعيد الخدري قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلَّى، فأوّل شيء يبدأ به الصلاة، ثم ينصرف فيقوم مقابل الناس - والناس جلوس على صفوفهم - فيعظهم ويوصيهم ويأمرهم. فإن كان يريد أن يقطع بعثاً قطعه أو يأمر بشيء أمر به، ثمّ ينصرف. قال أبو سعيد: فلم يزل الناس على ذلك حتى خرجتُ مع مروان - وهو أمير المدينة - في أضحى أو فطر، فلّما أتينا المصلَّى إذا منبرٌ بناه كثير بن الصَّلت، فإذا مروان يريد أن يرتقيه قبل أن يصلي، فجبذتُ بثوبه، فجبذني، فارتفع فخطب قبل الصلاة، فقلت له: غيّرتم والله فقال أبو سعيد: قد ذهب ما تعلم، فقلت: ما أعلم والله خيرٌ مما لا أعلم. فقال: إنّ الناس لم يكونوا يجلسون لنا بعد الصلاة فجعلتها قبل الصلاة". (¬4) في "صحيحه" رقم (1445)، وقال أبو بكر: هذه اللفظة تحتمل معنيين: أحدهما: أنّه خطب قائماً لا جالساً، والثاني: أنّه خطب على الأرض، كإنكار أبي سعيد على مروان لما أخرج المنبر، فقال: لم يكن يخرج المنبر.

وقد ثبت (¬1) أن أول من أخرج المنبر مروان، وأنكر عليه ذلك. قوله: "ثم أتى النساء فوعظهن" لأنهن كن يقعدن في آخر المصلى. وفيه استحباب خروج النساء إلى صلاة العيدين، سواء كن شواب أم لا، وذوات هيئات أم لا. وقد اختلف فيه السلف، فنقل عياض (¬2): وجوبه عن أبي بكر وعلي وابن عمر. ومنهم من حمله على الندب، وجزم به الجرجاني (¬3) من الشافعية وأبو حامد من الحنابلة (¬4). وفيه: استحباب وعظ النساء وتذكيرهن بما يجب عليهن وحثهن على الصدقة، واستدل به على جواز (¬5) تصدق المرأة من مالها من غير توقف على إذن زوجها. قال القرطبي (¬6): ولا يقال: كان أزواجهن حضوراً؛ لأن ذلك لم يُنقل، ولو نقل فليس فيه إذن أزواجهن لهن في ذلك، فإن من ثبت له حقٌ فالأصل بقاؤه حتى يصرح بإسقاطه، ولم ينقل أنهم صرحوا بذلك. وفيه (¬7): أن الصدقة من دوافع العذاب؛ لأنه أمرهن بالصدقة، ثم علل أنهن أكثر أهل النار. ¬

_ (¬1) انظر: التعليقة رقم (5). (¬2) في إكمال المعلم بفوائد مسلم (3/ 298 - 299). (¬3) انظر: مختصر المزني (1/ 154)، "المجموع شرح المهذب" (5/ 113). (¬4) ذكره السرخسي في "المبسوط" (2/ 41) عنه. (¬5) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 468). (¬6) في "المفهم" (2/ 529). (¬7) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 468).

قوله: "ويكفرن العشير" أي: الزوج. قال ابن العربي (¬1): خص كفران العشير من بين أنواع الذنوب لدقيقه وهي قوله: "لو أمرت أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها" (¬2) فقرن حق الزوج بحق الله، فإذا كفرت المرأة حقه وقد بلغ من حقه عليها هذه الغاية دلَّ على تهاونها بحق الله، فلذلك [295 ب] أطلق عليها الكفر. انتهى. وقال الراغب (¬3): الكفر في جحود النعمة أكثر استعمالاً من الكفر في الدين. قلت: الكفر أكثر إطلاقه على فعل المعاصي أشهر. السابع: حديث (عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود): 7 - وعن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود قال: سَأَلَ عُمَرَ أَبَا وَاقِدٍ اللَّيْثِيَّ - رضي الله عنهما -: "مَا كانَ يَقْرَأُ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي الأَضْحَى وَالفِطْرِ؟ قَالَ: كَانَ يَقْرَأُ فِيهِما بِقَافٍ وَالقُرْآنِ المَجِيدِ، وَاقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ القَمَرُ". أخرجه الستة (¬4) إلاَّ البخاري. [صحيح] "قال: سأل عمر أبا واقد الليثي" اسم أبي واقد: الحارث بن عوف (¬5). ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 468). (¬2) أخرجه الترمذي في "السنن" (1159)، وقال: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه. وهو من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -. وهو حديث صحيح. (¬3) في "مفردات ألفاظ القرآن" (ص 724). (¬4) أخرجه مسلم رقم (14/ 891)، وأبو داود رقم (1154)، والترمذي رقم (534)، والنسائي (3/ 183 - 184)، وابن ماجه رقم (1282). وأخرجه أحمد (5/ 217 - 218)، ومالك (1/ 180 رقم 8)، والشافعي في "المسند" رقم (460 - ترتيب)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/ 413)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (3/ 294). وهو حديث صحيح. (¬5) انظر: تهذيب التهذيب (4/ 604).

قال ابن حزم (¬1): عبيد الله أدرك أبا واقدٍ وسمع منه. "ما كان يقرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الأضحى والفطر" أي: في صلاتيهما، قالوا: يحتمل أن عمر شك في ذلك فاستثبت أبا واقد، وأراد إعلام الناس بذلك أو نحو ذلك من المقاصد، ويبعد أن عمر لم يكن يعلم ذلك مع شهوده صلاة العيد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرات وقربه منه. وقوله: "بقاف واقتربت" فيه دليل للشافعي (¬2) وموافقيه أنه يسن بهما القراءة في العيدين، والحكمة في ذلك ما اشتملت عليه من الإخبار بالبعث وبالقرون الماضية وإهلاك المكذبين، وتشبيه بروز الناس للعيدين ببروزهم للبعث، وخروجهم من الأجداث كأنهم جراد منتشر. قوله: "أخرجه الستة إلاَّ البخاري". الثامن: حديث (النعمان بن بشير): 8 - وعن النعمان بن بشير - رضي الله عنهما - قال: "كَانَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ في العِيدَيْنِ وَفي الجُمُعَةِ بِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى وَهَلْ أتاكَ حَدِيثُ الغَاشِيَةِ، وَرُبَّمَا اجْتَمَعَا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ فَقَرَأَ بِهِمَا". أخرجه الستة (¬3) إلاَّ البخاري. [صحيح] قوله: "يقرأ في العيدين وفي الجمعة بسبح اسم ربك الأعلى" بعد الفاتحة المراد في الركعة الأولى. وبـ "هل أتاك حديث الغاشية" أي: في الركعة الثانية دلّت هذه الرواية أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يفعل ذلك تارة, وتارة يفعل ما ذكر أبو واقد فالكل سنة. ¬

_ (¬1) في "المحلى" (5/ 82). (¬2) انظر: "الأم" (2/ 510)، و"البيان" للعمراني (2/ 641). (¬3) أخرجه مسلم رقم (63/ 878)، وأبو داود رقم (1123)، والنسائي رقم (1423)، وابن ماجه رقم (1119)، وهو حديث صحيح.

(اجتماع العيد والجمعة)

قوله: "وربما اجتمعا" أي: العيد والجمعة. "فقرأ بهما" في الصلاتين جميعاً. قوله: "أخرجه الستة إلاَّ البخاري". قلت: [و] (¬1) أخرج [296 ب] ابن حزم (¬2) مثله عن سمرة بن جندب. قوله: (اجتماع العيد والجمعة) أي: في يوم الجمعة. الأول: حديث (أبي هريرة): 1 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "اجْتَمَعَ فِي يَوْمِكُمْ هَذا عِيدَان، فَمَنْ شَاءَ أَجْزَأَهُ مِنَ الجُمُعَةِ, وإنَّا مُجَمِّعُونَ". أخرجه أبو داود (¬3). [صحيح] قوله: "فمن شاء أجزأ" أي: فعل صلاة العيد عن صلاة الجمعة, وأخبر - صلى الله عليه وسلم - بقوله: "إنَّا مجمِّعون" أنه فمن شاء أن لا يجتزئ لصلاة العيد عن صلاة الجمعة. ¬

_ (¬1) زيادة من (أ). (¬2) في "المحلى" (4/ 107). وأخرجه ابن خزيمة في صحيحه رقم (1441)، وأحمد (5/ 7)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/ 413)، والطبراني في "الكبير" رقم (6773) و (6777) و (6878) من طرق. وهو حديث صحيح. (¬3) في "السنن" رقم (1073). وأخرجه ابن ماجه رقم (1311)، وقال البوصيري في "مصباح الزجاجة" (1/ 429): هذا إسناد صحيح رجاله ثقات, رواه أبو داود في "سننه" عن محمَّد بن المصفى بهذا الإسناد فقال عن أبي هريرة - رضي الله عنه - بدل ابن عباس وهو المحفوظ وأخرجه الطحاوي في شرح "مشكل الآثار" رقم (1155)، والحاكم في "المستدرك" (1/ 288 - 289)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (3/ 318). وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي. وهو حديث صحيح، والله أعلم.

وليس فيه دليل على وجوب الجمعة عليه - صلى الله عليه وسلم -، ولا على من أخبر أنه يجزئه عن الجمعة هل يجب عليه صلاة الظهر أم لا؟ وقد اختلف العلماء في ذلك؛ فقال عطاء بن أبي رباح (¬1): إذا صلوا العيد لم يجب بعده في هذا اليوم صلاة الجمعة ولا الظهر ولا غيرها إلاَّ العصر، لا على أهل القرى ولا على أهل البلد. وقال ابن المنذر (¬2): وروينا نحوه عن علي وابن الزبير. وقال أحمد (¬3): تسقط الجمعة عن أهل القرى وأهل البلد لكن يجب الظهر. وقال أبو حنيفة (¬4): لا تسقط الجمعة عن أهل [537/ أ] القرى ولا أهل البلد. احتج من أسقط الجمعة عن الجميع بحديث زيد بن أرقم قال: (شهدت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العيدين جميعاً، فصلى العيد ثم رخّص في الجمعة فقال: "من شاء أن يصلي فليصل"). رواه أبو داود (¬5) والنسائي (¬6) وابن ماجه (¬7) بإسناد جيد، وفيه ما يأتي. ¬

_ (¬1) ذكره القاضي العمراني في "البيان" (2/ 551). (¬2) انظر: "الأوسط" (4/ 287 - 288). (¬3) "المغني" (3/ 260 - 263). (¬4) في "البناية في شرح الهداية" (3/ 113). (¬5) في "السنن" رقم (1070). (¬6) في "السنن" رقم (1591). (¬7) في "السنن" رقم (1310). وأخرجه أحمد (4/ 372)، والطيالسي رقم (685)، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" رقم (1153) و (1154)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (3/ 317)، وفي "معرفة السنن والآثار" رقم (7023)، وابن أبي شيبة (2/ 188)، والدارمي رقم (1653)، والطبراني في "الكبير" رقم (5120)، والحاكم في "المستدرك" (1/ 288). وهو حديث صحيح لغيره.

وبحديث أبي هريرة (¬1) هذا، وقد ضعّفه النووي (¬2)، واحتج لأبي حنيفة بأن الأصل الوجوب - أي: للجمعة -. قلت: لكن بعد حديث (¬3) زيد بن أرقم وقوله: (أنه - صلى الله عليه وسلم - رخّص في الجمعة؛) يقدح في ذلك الأصل. وأما عطاء فاحتج له بحديث بعمل ابن الزبير (¬4) الآتي ذكره قريباً، وقول ابن عباس: (أصاب السنة). قلت: إلاَّ أنَّه لا دليل على أن ابن الزبير لم يصل الظهر؛ لأنَّ غاية ما في حديث عطاء أنه لم يخرج إليهم إلاَّ لصلاة العصر، فيحتمل أنه صلى الظهر في منزله، بل هو الأظهر؛ لأن الترخيص [297 ب] في الجمعة لا تسقط الظهر. ثم في فعل ابن الزبير وإخبار ابن عباس: "أنه السنة" دليل على أن الرخصة في ترك الجمعة عامة للإمام وغيره. فالحق أنه بالترخيص في الجمعة لا يسقط الظهر؛ لحديث (¬5): "خمس صلوات كتبهن الله على العباد في كل يوم وليلة" وإنما جعل الله الجمعة عوضاً عن الظهر، فإذا رخص في العوض لم يرخص في المعوض عنه. ¬

_ (¬1) وهو حديث صحيح. (¬2) قال النووي في "المجموع شرح المهذب" (4/ 259): رواه أبو داود وابن ماجه بإسناد ضعيف. (¬3) وهو حديث صحيح لغيره. (¬4) سيأتي وهو حديث صحيح. (¬5) أخرجه أحمد (5/ 315)، وأبو داود رقم (1420)، والنسائي في "السنن" (1/ 230)، وابن ماجه رقم (1401)، ومالك في "الموطأ" (1/ 123 رقم 14)، وابن حبان رقم (1732، 2417)، وهو حديث صحيح.

قوله: "أخرجه أبو داود" قال المنذري (¬1): في إسناده بقية بن الوليد وفيه مقال. وقال الخطابي (¬2): في إسناد حديث أبي هريرة مقال، ويشبه أن يكون معناه لو صح أن المراد بقوله: "فمن شاء أجزأه عن الجمعة" أي: عن حضور الجمعة، ولا يسقط عنه الظهر. انتهى. [قلت: وفي "الميزان" (¬3) قال ابن المنذر: لا يثبت؛ لأن إياساً مجهول. انتهى. وأقرَّه الذهبي؛ فإن أبا داود (¬4) أخرجه عن إياس بن أبي رملة في رواية أخرى ذكرها ابن الأثير وهي في أبي داود (¬5) عن إياس بن أبي رملة رواية عن زيد بن أرقم بنحو رواية أبي هريرة. فعرفتَ أنه ليس في الباب إلا رواية أبي هريرة (¬6) وفيها بقية، ورواية زيد بن أرقم (¬7) وفيها إياس بن أبي رملة مجهول، فليس في المسألة ما يعتمد عليه. ولذا قال أبو محمَّد بن حزم (¬8): وإذا اجتمع عيد في يوم جمعة صلى للعيد ثم للجمعة ولا بد. ولا يصح أثر بخلافه، ثم ذكر الحديثين وضعّفهما. ¬

_ (¬1) في مختصر "السنن" (2/ 11). (¬2) في "معالم السنن" (1/ 647). (¬3) في "ميزان الاعتدال" (1/ 282). (¬4) في "السنن" رقم (1070). وأخرجه النسائي رقم (1591)، وابن ماجه رقم (1310)، وهو حديث صحيح لغيره. (¬5) في "السنن" رقم (1070). وأخرجه النسائي رقم (1591)، وابن ماجه رقم (1310)، وهو حديث صحيح لغيره. (¬6) تقدم وهو حديث صحيح. (¬7) تقدم وهو حديث صحيح لغيره. (¬8) في "المحلى" (5/ 89).

ثم قال: الجمعة فرض والعيد تطوع، والتطوع لا يسقط الفرض. انتهى. وقال الحاكم (¬1) في حديث أبي هريرة: على شرط مسلم، قال: فإن بقية بن الوليد لم يختلف في صدقه إذا روى عن المشهورين. قال (¬2): وهذا الحديث غريب من حديث شعبة (¬3) والمغيرة وعبد العزيز، كلهم ممن يجمع حديثه. وأخرج (¬4) حديث زيد بن أرقم من طريق إياس بن أبي رملة وقال (¬5): هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. انتهى] (¬6). الثاني: حديث (أبي عبيد): 2 - وعن أبي عبيد سعيد بن عبيد: أَنَّهُ شَهِدَ العِيدَ مَعَ عُمَرَ - رضي الله عنه - فَصَلَّى قَبْلَ الخُطْبَةِ، ثُمَّ خَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ: "إِنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - نَهَاكُمْ عَنْ صِيَامِ هَذَيْنِ العِيدَيْنِ؛ أَمَّا أَحَدُهُمَا فَيَوْمُ فِطْرِكمْ مِنْ صِيَامِكُمْ، وَأَمَّا الآخَرُ فَيَوْمٌ تَأْكُلُونَ فِيهِ مِنْ نُسُكِكُمْ. قَالَ أبو عُبَيْدٍ: وَشَهِدْتُهُ مَعَ عُثْمَانَ فَصَلَّى قَبْلَ أَنْ يَخْطُبَ، وَكَانَ ذَلِكَ يَوْمَ جُمُعَةٍ. فَقَالَ لِأهْلِ العَوَالِي: مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْتَظِرَ الجُمُعَةَ فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَرْجعَ إلى أَهْلِهِ فَقَدْ أَذِنَّا لَهُ". أخرجه الشيخان (¬7). [صحيح] ¬

_ (¬1) في "المستدرك" (1/ 288 - 289). (¬2) أي: الحاكم في "المستدرك" (1/ 289). (¬3) وهو: ثنا شعبة عن المغيرة بن مقسم الضّبي، عن عبد العزيز بن رفيع. (¬4) أي: الحاكم في "المستدرك" (1/ 288). (¬5) في "المستدرك" (1/ 289). (¬6) ما بين الحاصرتين كان محله في الصفحة (298) مخطوط، ولكنه سقط من الناسخ فكتبه في صفحة (299) مخطوط، ونبّه على ذلك. (¬7) أخرجه البخاري رقم (304، 1462، 1951، 2658)، ومسلم رقم (79، 80).

قوله: "فصلى قبل الخطبة" في فعل عمر وعثمان الدليل على أن الخطبة بعد الصلاة لا كما فعل مروان، وقد روي: أن عثمان خطب قبل الصلاة، كما قدّمناه. قوله: "وقال لأهل العوالي" هي قرى من قرى المدينة خارجة عنها، وفيه: أنه رأى الرخصة لأهل القرى. قوله: "أخرجه الشيخان" لم أجده في "الجامع" لابن الأثير في هذا المحل، إنما ساقه في كتاب الصيام (¬1) في الأيام التي يحرم صومها، فقال: عن أبي عبيد سعد بن عبيد مولى أزهر، ثم قال: عن عمر وعلي مسنداً، وعن عثمان موقوفاً وساق [298 ب] الرواية عن عمر كما هنا بمثله، ثم قال: وشهدته مع عثمان، وساق ما ذكره المصنف هنا. ثم قال: وشهدته مع علي، وساق روايته بمثله، ونسب الثلاث إلى تخريج الشيخين، وأخرجه عن الموطأ (¬2) وأبي داود (¬3) والترمذي (¬4) بزيادة ونقصان. [الثالث] (¬5): حديث (عطاء) 3 - وعن عطاء بن أبي رباح قال: صلَّى بِنَا ابْنُ الزُّبَيْرِ - رضي الله عنهما - في يَوْمِ عِيدٍ في يَوْمِ جُمُعَةٍ أَوَّلَ النَّهَارِ، ثُمَّ رُحْنَا إِلَى الجُمُعَةِ فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْنَا وَصَلَّيْنَا وُحْدَانًا، وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - بِالطَّائِفِ، فَلمَّا قَدِمَ ذَكَرْنَا لَهُ، فَقَالَ: أَصَابَ السُّنَّةَ. [صحيح] ¬

_ (¬1) في "الجامع" (6/ 345 رقم 4497). (¬2) (1/ 178، 179). (¬3) في "السنن" رقم (2416). (¬4) في "السنن" رقم (771). وهو حديث صحيح. (¬5) في (أ): "الخامس".

وفي رواية: "اجْتَمَعَ يَوْمُ الجُمُعَةِ وَيَوْمَ الفِطْرِ عَلَى عَهْدِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، فَقَالَ: عِيدَانِ اجْتَمَعَا في يَوْمٍ وَاحِدٍ، فَجَمَعَهُمَا جَمِيعًا فَصَلَّاهُمَا رَكْعَتَيْنِ بُكْرَةً لَمْ يَزِدْ عَلَيْهِمَا حَتَّى صَلَّى العَصْرَ". أخرجه أبو داود (¬1) والنسائي (¬2). [صحيح] تقدم الكلام فيه قريباً. وقوله: "لم يزد عليهما" يحتمل لم يزد عليهما الجمعة؛ لأنها التي تطلع المخبر على صلاتها، وأما الظهر فلا دليل على أنه لم يصله. [الرابع] (¬3): حديث (أنس): 4 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: "كَانَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -لاَ يَغْدُو إلى الصَّلاَةِ يَوْمَ الفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ تَمَرَاتٍ وَيأْكُلُهُنَّ وِتْرًا". أخرجه البخاري (¬4) والترمذي (¬5). [صحيح] ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (1072). (¬2) في "السنن" (1592). وهو حديث صحيح. (¬3) في (أ): "السادس". (¬4) في "صحيحه" رقم (953): "معلقاً". (¬5) في "السنن" رقم (543). وأخرجه ابن خزيمة في "صحيحه" رقم (1429)، والدارقطني في "سننه" (2/ 45)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (3/ 282) من طريق مُرَجِّى بن رجاء عن عبيد الله بن أبي بكر بن أنس بن مالك، به. وأخرجه البخاري رقم (953)، وابن ماجه رقم (1754)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (1105) من طريق هشيم بن بشير. وأخرجه ابن حبان في "صحيحه" رقم (2814)، والحاكم في "المستدرك" (1/ 294)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (3/ 283)، وفي "معرفة السنن والآثار" رقم (1885) من طريق عتبة بن حميد، كلاهما عن عبيد الله بن أبي بكر، به. =

قوله: "حتى يأكل تمرات" قالوا: الحكمة (¬1) في استحباب التمر لما في الحلو من تقوية البصر الذي يضعفه الصوم، ولأن الحلو مما يوافق الإيمان, ويعبَّر به المنام ويرق به القلب. وأما الإيتار؛ فلأنه - صلى الله عليه وسلم - كان يحب الوتر: "لأن الله وتر يحب الوتر" (¬2). قوله: "أخرجه البخاري والترمذي". قلت: إلا أن لفظ الترمذي (¬3): "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يفطر على تمرات يوم الفطر قبل أن يخرج إلى المصلى". ثم قال (¬4): هذا حديث حسن صحيح [ثابت] (¬5). وقد فصّل ابن الأثير (¬6) روايته عن رواية البخاري لاختلاف [299 ب] لفظهما. [الخامس] (¬7): حديث (علي - عليه السلام -): 5 - وعن علي - رضي الله عنه - قال: "مِنْ السُّنَّةِ أَنْ تَخْرُجَ إِلَى العِيدِ مَاشِيًا، وَأَنْ تَأْكُلَ شَيْئًا قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ". ¬

_ = وفي رواية عتبة بن حميد: "يأكل تمرات ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً أو أقلَّ من ذلك أو أكثر من ذلك وتراً". ووقف ابن حبان في روايته إلى "سبعاً"، وصححه الحاكم على شرط مسلم. وأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (2/ 160)، وعبد بن حميد رقم (1237)، والدارمي رقم (1642)، والبزار رقم (650 - كشف)، وابن خزيمة رقم (1428)، وابن حبان رقم (2813)، والحاكم (1/ 294)، والبيهقي (3/ 282) من طريق حفص بن عبيد الله, عن أنس، وصححه الحاكم على شرط مسلم. (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 447). (¬2) تقدم وهو حديث صحيح. (¬3) في "السنن" رقم (543)، وقد تقدم. (¬4) في "السنن" (2/ 427). (¬5) وفي (أ): "غريب". وليستا في "السنن" (2/ 427). (¬6) في "الجامع" (6/ 146). (¬7) في (أ): "السابع".

أخرجه الترمذي (¬1). [حسن لغيره] في الخروج إلى صلاة العيد ماشياً وأنه من السنة. قوله: "أخرجه الترمذي". قلت: بزيادة: "وأن تأكل شيئاً قبل أن تخرج" وقد ذكرها ابن الأثير (¬2)، فما كان للمصنف (¬3) حذفها. وقال (¬4): هذا حديث حسن، والعمل على هذا الحديث عند أكثر أهل العلم: يستحبون أن يخرج الرجل إلى العيد ماشياً، وأن لا يركب إلا من عذر. انتهى. وعن بُريدة - رضي الله عنه - قال: كَانَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - لَا يَخْرُجُ يَوْمَ الفِطْرِ حَتَّى يَطْعَمَ، وَلَا يَطْعَمُ يَوْمَ الأَضْحَى حَتَّى يُصَلِّيَ. أخرجه الترمذي (¬5). ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (530)، وقال: حديث حسن. وأخرجه ابن ماجه رقم (1296)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (3/ 281) بسند ضعيف من أجل الحارث الأعور. وأخرج الشافعي في "الأم" (2/ 494 رقم 519)، والبيهقي في "معرفة السنن والآثار" (5/ 57 رقم 6834)، والفريابي في "أحكام العيدين" (ص 102 رقم 27) عن الزهري: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يركب في جنازة قط، ولا في خروج أضحى ولا فطر". وقال الألباني في "الإرواء" (3/ 104): "وهذا سند صحيح رجاله ثقات، لكنه مرسل". وحديث علي صحيح لغيره. (¬2) في "الجامع" (6/ 146 رقم 4257). (¬3) وليس كما قال. بل هي مثبتة. (¬4) في "السنن" (2/ 410 - 411). (¬5) في "السنن" رقم (542). وأخرجه أحمد (5/ 353)، وابن ماجه رقم (1756)، والطيالسي رقم (811)، وابن خزيمة رقم (1426)، وابن المنذر في "الأوسط" (4/ 253)، وابن حبان رقم (2812)، وابن عدي في "الكامل" (2/ 528)، =

[السادس] (¬1): حديث (ابن عمر): 6 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: "كانَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَأْخُذُ يَوْمَ العِيدِ في طَرِيقٍ ثُمَّ يَرْجعُ في طَرِيقٍ آخَرَ". أخرجه أبو داود (¬2). [صحيح] قوله: "يأخذ يوم العيد" عند خروجه للصلاة. "في طريق ويرجع في طريق آخر" ذكر العلماء في ذلك نحو عشرين (¬3) معنى تخميناً، أقربها: أن يشهد له الطريقان، أو يتصدق على فقراءهما أو تعمهما بركته, أو يذهب من الأبعد ويرجع من الأقرب، وهذا من الأفعال التي لم يعرف وجهها، وهل يتأسى به فيها أم لا؟ فيها خلاف (¬4). قوله: "أخرجه أبو داود" وأخرجه البخاري (¬5) من حديث جابر. ¬

_ = والدارقطني (2/ 45)، والحاكم (1/ 594)، والبيهقي (3/ 283)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (1104). قال الترمذي: حديث بريدة بن حُصيب حديث غريب. وقال محمَّد - أي البخاري -: لا أعرف لثواب بن عتبة غير هذا الحديث. وهو حديث حسن، والله أعلم. (¬1) في (أ): "الثامن". (¬2) في "السنن" رقم (1156). وأخرجه ابن ماجه رقم (1299)، والحاكم (1/ 296)، والبيهقي (3/ 309)، وأحمد (2/ 109)، وهو حديث صحيح. (¬3) قاله الحافظ في "الفتح" (2/ 473). (¬4) انظر: "فتح الباري" (2/ 473 - 474)، "المجموع شرح المهذب" (5/ 17 - 18). (¬5) في "صحيحه" رقم (986).

وقال (¬1): إنه أصح. ورواه أبو داود (¬2) وابن ماجه (¬3) من حديث ابن عمر، وكذلك رواه الحاكم (¬4). وأخرج الحاكم (¬5) أيضاً من حديث أبي هريرة وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرّجاه. [السابع] (¬6): حديث (أم عطية): 7 - وعن أم عطية - رضي الله عنها - قالت: أَمَرَنَا رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أنْ تُخْرِجَ في العِيدِ العَوَاتِقَ وَذَوَاتِ الخُدُورِ وَالحُيَّضَ، فَأَمَّا الحُيَّضُ فَيَشْهَدْنَ جَمَاعَةَ المُسْلِمِينَ وَدَعْوَتهمْ وَيَعْتَزِلْنَ مُصَلَّاهُمْ. أخرجه الخمسة (¬7). [صحيح] قوله: "العواتق وذوات الخدور" في "الجامع" (¬8): ¬

_ (¬1) أي: البخاري في "صحيحه". (¬2) في "السنن" رقم (1156). (¬3) في "السنن" رقم (1299). (¬4) في "المستدرك" (1/ 296). (¬5) في "المستدرك" (1/ 296). وأخرجه أحمد (2/ 338)، والترمذي رقم (541)، وابن خزيمة رقم (1468)، وابن حبان رقم (2815)، والدارمي رقم (1654)، والبيهقي (3/ 308)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (1108)، وهو حديث صحيح. (¬6) في (أ): "التاسع". (¬7) أخرجه البخاري رقم (974)، ومسلم رقم (12/ 890)، وأبو داود رقم (1136)، والترمذي رقم (539)، والنسائي رقم (1559)، وابن ماجه رقم (1308)، وهو حديث صحيح. (¬8) (6/ 148).

قال ابن عون: العواتق (¬1) ذوات الخدور. [538/ أ]. قوله: "فأما الحيّض فيشهدن جماعة المسلمين ويعتزلن مصلاّهم" قال ابن المنير (¬2): الحكمة فيه أن في وقوفهن وهن غير مصليات إظهار استهانة بالحال فندب لهن اجتناب ذلك. قال النووي (¬3): والأمر بالمنع للتنزيه لا للتحريم؛ لأنه ليس بمسجد. قال (¬4): وقال أصحابنا: يستحب إخراج النساء غير ذوي الهيئات والمستحسنات في العيدين دون غيرهن، وأجابوا عن إخراج ذوات الخدور بأن المفسدة في ذلك الزمان [كانت] (¬5) مأمونة بخلاف [300 ب] اليوم. ولهذا صح عن عائشة أنها قالت: (لو رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أحدث النساء لمنعهن المساجد ...) (¬6) الحديث. قال (¬7): ورأى جماعة من السلف أن خروجهن للعيد حق عليهن، منهم (¬8): أبو بكر ¬

_ (¬1) انظر: "لسان العرب" (10/ 236) وقيل: العواتق جمع عاتق، وهي المرأة الشابة أوّل ما تدرك، وقيل: هي التي لم تبن من والديها ولم تُزوَّج، وقد أدركت وشبت. وانظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 157). (¬2) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 468). (¬3) في شرحه لـ "صحيح مسلم" (6/ 179). (¬4) أي: النووي في شرحه لـ "صحيح مسلم" (6/ 178). (¬5) سقطت من (ب). (¬6) أخرجه البخاري رقم (869)، ومسلم رقم (144/ 445)، وأبو داود رقم (569)، ومالك (1/ 198 رقم 15)، وهو حديث صحيح. (¬7) النووي في شرحه لـ "صحيح مسلم" (6/ 178 - 179). (¬8) ذكره القاضي عياض في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (3/ 298)، وانظر "فتح الباري" (2/ 498)، "المجمع" (5/ 113).

وعمر وابن عمر، ومنعه آخرون منهم: عروة (¬1) والقاسم ومالك (¬2)، واختاره أبو حنيفة (¬3). انتهى باختصار. قلت: والحديث دليل لوجوب ذلك على النساء، ودعوى المفسدة لا ترفع أمره - صلى الله عليه وسلم -، وما من عصر من الأعصار إلا وفيه الصالح والطالح، وقد اتفق في عصر النبوة الزنا وشرب الخمر بعد تحريمه، والسرقة. وكلام عائشة - رضي الله عنها - مسألة فرضية: أنه - صلى الله عليه وسلم - لو رأى لمنع، وقد أخبر - صلى الله عليه وسلم - بأن النساء يحدثن أموراً كثيرة قبيحة، ولم ينه عن خروجهن إلى المسجد، بل أمر أن يخرجن إليهن تفلات، أي: غير متطيبات. وفي رواية بيان الحكمة في خروج الحيض بقوله: "فأما الحيّض فيشهدن جماعة المسلمين ودعوتهم" (¬4). وفي رواية البخاري (¬5): "فيكبرن بتكبيرهم، ويدعون بدعائهم يرجون بركة ذلك اليوم وطُهرته" وفي الحديث عدة روايات عند الخمسة. قوله: "أخرجه الخمسة". [الثامن] (¬6): حديث (ابن عمر): 8 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: "كَانَ رَسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يُخْرِجُ العَنَزَةَ يَوْمَ الفِطْرِ وَيوْمَ الأَضْحَى يُرْكِزُهَا فَيُصَلِّي إِلَيْهَا". ¬

_ (¬1) انظر: "المغني" (3/ 263). (¬2) "المنتقى" للباجي (1/ 319). (¬3) انظر: "بدائع الصنائع" (1/ 279 - 280). (¬4) تقدم آنفاً. (¬5) في "صحيحه" رقم (971). (¬6) في (أ): "العاشر".

أخرجه النسائي (¬1). [صحيح] "العَنَزةُ" (¬2) شبه العُكازة: وهي مثل نصف الرُّمح أو أكثر قليلاً، ولها سِنان كسنان الرمح. قوله: "العنزة" بفتح العين المهملة وفتح النون فزاي، فسّرها المصنف. [التاسع] (¬3): 9 - وعن ثعلبة بن زَهْدَمَ: أَنَّ عَلِيًّا - رضي الله عنه - اسْتَخْلَفَ أَبَا مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - عَلَى النَّاسِ فَخَرَجَ يَوْمَ عِيدٍ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ السُّنَّةِ أَنْ يُصَلَّى قَبْلَ الإِمَامِ. أخرجه النسائي (¬4). [صحيح] حديث "ثعلبة بن زهدم" (¬5) بفتح الزاي وسكون الهاء وفتح الدال المهملة في "التقريب": يختلف في صحبته، وقال العجلي (¬6): تابعي ثقة. قوله: "استخلف أبا مسعود على الناس" لا أدري في أيّ جهة استخلفه. وقوله: "فقال" أي: أبو مسعود. "إنه ليس من السنة أن يصلى" أي: صلاة العيد. "قبل الإِمام" ظاهره أنه لا يصلي أحد العيد إلا بعد تحقق صلاة الإِمام إن لم يحضرها. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (1565)، وهو حديث صحيح. (¬2) انظر: "القاموس المحيط" (667). (¬3) في (أ): "العاشر". (¬4) في "السنن" رقم (1561)، وهو حديث صحيح. (¬5) قال ابن الأثير في "تتمة جامع الأصول" (1/ 246 - 247) هو ثعلبة بن زهدم التميمي الحنظلي، قال الثوري: له صحبة، وقال البخاري: لا تصح صحبته. (¬6) في "معرفة الثقات" (1/ 261 رقم 194).

(الباب الثاني): في النوافل المقرونة بالأسباب

قوله: "أخرجه النسائي". (الباب الثاني): في النوافل المقرونة بالأسباب [وفيه أربعة فصول] (¬1) (الفصل الأول): في الكسوف الكسوف لغة (¬2): [النقط في سواد] (¬3) [301 ب] وكسفت الشمس: اسودّت وذهب شعاعها، واختلف في الخسوف والكسوف هل هما مترادفان أم لا؟ وعقد البخاري (¬4) باباً لذلك فقال: باب هل يقول كسفت الشمس [أو] (¬5) خسفت؟ قال ابن حجر (¬6): لعله أشار إلى ما رواه ابن عيينة عن الزهري عن عروة قال: "لا تقولوا كسفت الشمس، ولكن قولوا: خسفت". قال: وهذا موقوف صحيح، لكن الأحاديث الصحيحة تخالفه لثبوتها بلفظ "الكسوف في الشمس" من طرق كثيرة. والمشهور في استعمال الفقهاء أن الكسوف للشمس والخسوف للقمر، واختاره ثعلب، وذكر الجوهري (¬7) أنه أفصح، وقيل: يتعين ذلك، وقيل: يقال بهما في كل منهما أنه جاءت ¬

_ (¬1) سقطت من (أ). (¬2) "القاموس المحيط" (ص 1097). (¬3) كذا في (أ. ب)، وصوابه: التغير إلى سواد. (¬4) في "صحيحه" (2/ 535 الباب رقم 5 - مع الفتح). (¬5) في (ب): "أم". وما أثبتناه من (أ) والفتح). (¬6) في "فتح الباري" (2/ 535). (¬7) في "الصحاح" (4/ 1350، 1421).

الأحاديث، ولا شك أن مدلول الكسوف لغة غير مدلول الخسوف؛ لأن الكسوف التغير إلى سواد، والخسوف النقصان أو الذل. فإذا قيل في الشمس خسفت أو كسفت؛ لأنها تتغير ويلحقها النقص؛ ساغ ذلك وكذلك القمر، ولا يلزم من ذلك أن الخسوف والكسوف مترادفان. وقيل (¬1): بالكاف في الابتداء وبالخاء في الانتهاء، وقيل: بالكاف لذهاب جميع الضوء وبالخاء لبعضه، وقيل: بالخاء (¬2) لذهاب كل اللون وبالكاف لتغيره. الأول: حديث (عائشة): 1 - عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَامَ فَصَلَّى بِالنَّاسِ فَأَطَالَ القِرَاءَةَ، ثمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَأَطَالَ القِرَاءَةَ، وَهِيَ دُونَ قِرَاءَتِهِ الأُولَى، ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ وَهُوَ دونَ رُكُوعِهِ الأوَّلِ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ, ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ قَامَ فَصَنَعَ في الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ سَلَّم وَقَدْ تجَلتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ قامَ فَخَطَبَ النَّاسَ فقَالَ: "إِنَّ الشَّمْسَ وَالقَمَرَ لَا يُكْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لحِيَاتِهِ، وَلَكِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ الله تَعَالَى يُرِيهِمَا عِبَادَهُ, فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَافْزَعُوا إِلَى الصَّلَاةِ". أخرجه الستة (¬3). [صحيح] قوله: "فقام فصلى بالناس" ترجم البخاري (¬4): باب الصلاة في كسوف الشمس. ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 535). (¬2) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 535). (¬3) أخرجه البخاري رقم (1046)، ومسلم رقم (3/ 901)، وأبو داود رقم (1180)، والترمذي رقم (561)، وابن ماجه رقم (1263)، والنسائي رقم (1474 - 1476) و (1499، 1500). وأخرجه أحمد (6/ 87، 168)، ومالك في "الموطأ" (1/ 186). (¬4) في "صحيحه" (2/ 526 الباب رقم 16 - مع "الفتح").

قال في "الفتح" (¬1): أي: مشروعيتها، وهو أمر متفق عليه، لكن اختلف في الحكم وفي الصفة فالجمهور (¬2) على أنها سنة مؤكدة، وصرّح أبو عوانة في صحيحه بوجوبها ولم أره لغيره إلا ما روي عن مالك (¬3) أنه أجراها مجرى الجمعة، ونقل عن أبي حنيفة (¬4) وعن بعض أصحابه. وقد أفاد سياق حديث عائشة أنه - صلى الله عليه وسلم - صلى ركعتين في كل ركعة ركوعان. قوله: "فأطال القراءة" في رواية (¬5): "فاقترأ قراءة طويلة" وفي لفظ: "فقرأ سورة طويلة"، وفي رواية (¬6) ابن عباس: "فقرأ نحواً من سورة البقرة [302 ب] في الركعة الأولى" ونحوه في رواية أبي داود (¬7) وزاد: "أنه قرأ في القيام الأول من الركعة الثانية نحواً مَن آل عمران". [539/ أ]. واعلم أن صلاة الكسوف صلاة مخصوصة جاءت على صفات مخصوصة، فكل ما ثبت (¬8) أنه - صلى الله عليه وسلم - فعله فيها كان مشروعاً؛ لأنها أصل برأسه فلا يقاس، ولهذا رد الجمهور من أقاسها على صلاة النافلة حتى منع من زيادة الركوع فيها. ¬

_ (¬1) (2/ 527). (¬2) انظر: "المغني" (3/ 323). (¬3) انظر: "المنتقى" للباجي (3/ 323). (¬4) المبسوط (2/ 76)، "البناية في شرح الهداية" (3/ 173). (¬5) أخرجها مسلم في "صحيحه" رقم (3/ 901). (¬6) أخرجها البخاري في "صحيحه" رقم (1052). (¬7) في "السنن" رقم (1187) بإسناد حسن. (¬8) انظر: "المغني" (3/ 329 - 331). "المجموع شرح المهذب" (5/ 67 - 68). "زاد المعاد" (1/ 439).

قوله: "فأطال الركوع" قال الحافظ ابن حجر (¬1): لم أر في شيء من الطرق بيان ما قال فيه، إلا أن العلماء اتفقوا أنه لا قراءة فيه, وإنما فيه الذكر من التسبيح والتكبير ونحوهما. قوله: "ثم رفع رأسه ثم سجد سجدتين" لم يقع في هذه الرواية تطويل الاعتدال الذي يقع بعده السجود، ولكنه وقع في رواية مسلم (¬2): "ثم ركع فأطال الركوع، ثم رفع فأطال ثم سجد" قال النووي (¬3): هي رواية شاذة فلا يعمل بها. والمراد زيادة الطمأنينة في الاعتدال لا إطالته نحو الركوع، وتعقب بما رواه النسائي (¬4) وابن خزيمة (¬5) وغيرهما (¬6) من حديث ابن عمرو أيضاً ففيه: "ثم ركع فأطال حتى قيل لا يسجد ثم سجد، فأطال حتى قيل لا يرفع ثم رفع فجلس فأطال الجلوس حتى قيل لا يسجد" وصححه الحافظ ابن حجر (¬7)، وفيه تطويل الاعتدال قبل السجود وتطويل السجود بين السجدتين. قوله: "ثم سلّم وقد تجلّت الشمس" استدل به على إطالة الصلاة حتى يقع الانجلاء (¬8). ¬

_ (¬1) في "فتح الباري" (2/ 530). (¬2) في "صحيحه" رقم (9/ 904). (¬3) في شرحه لـ "صحيح مسلم" (6/ 207). (¬4) في "السنن" رقم (1496). (¬5) في "صحيحه" رقم (1393). (¬6) كأبي داود في "السنن" رقم (1194). وهو حديث صحيح بذكر الركوع مرتين كما في الصحيحين. (¬7) في "الفتح" (2/ 539). (¬8) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 527).

وقال الطحاوي (¬1) فيه: "وصلوا وادعوا" فدل أنه إن سلم من الصلاة قبل الانجلاء أنه يتشاغل بالدعاء حتى تنجلي، وقرره ابن دقيق العيد (¬2) بأنه جعل الغاية بمجموع الأمرين، ولا يلزم من ذلك أن يكون غاية لكل منهما [303 ب] على انفراده, فجاز أن يكون الدعاء ممتداً إلى غاية الانجلاء بعد الصلاة، فيصير غاية للمجموع، ولا عند تطويل الصلاة ولا تكرارها. انتهى. قوله: "فخطب الناس" فيه مشروعية الخطبة للكسوف، واستحبّها الشافعي (¬3) وإسحاق وأكثر أصحاب الحديث (¬4). وقال [صاحب] (¬5) الهداية (¬6) من الحنفية: ليس في الكسوف خطبة؛ لأنه لم ينقل. وتُعقب (¬7) بأن الأحاديث ثبتت بها وهي أحاديث كثيرة، وفي بعضها ذكر الحمد والثناء والموعظة وغير ذلك مما تشرع له الخطبة ويشرع فيها، وبه يندفع قول من قال من نفاة الخطبة: بأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يقصد الخطبة بخصوصها، وإنما أراد أن يبين لهم الرد على أن الكسوف لموت بعض الناس. وقد استضعفه ابن دقيق العيد (¬8) وقال: ¬

_ (¬1) في "شرح معاني الآثار" (1/ 331). (¬2) في "إحكام الأحكام" (2/ 138). (¬3) "البيان" للعمراني (2/ 641). (¬4) انظر: "فتح الباري" (2/ 527 - 528). (¬5) سقطت من (أ. ب)، وما أثبتناه من "الفتح". (¬6) (1/ 88)، وانظر "البناية في شرح الهداية" (3/ 171). (¬7) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 534). (¬8) في "إحكام الأحكام" (2/ 138 - 139).

إن الخطبة لا تنحصر مقاصدها في شيء معين بعد الإتيان بما هو المطلوب منها من الحمد والثناء والموعظة وجميع ما ذكر من سبب الكسوف وغيره من مقاصد خطبة الكسوف. قوله: "فقال: إن الشمس والقمر لا يكسفان لموت أحد" سبب هذا القول ما في رواية: "إن ابناً للنبي - صلى الله عليه وسلم - يقال له: إبراهيم مات، فقال الناس: إنما كسفت لموت إبراهيم" (¬1). وفيه روايات. قوله: "ولا لحياته" قال الحافظ ابن حجر (¬2): استشكلت هذه الزيادة؛ لأن السياق إنما ورد في ظن أن ذلك لموت إبراهيم ولم يذكروا الحياة. قال (¬3): والجواب أن فائدة ذكر الحياة وقع توهم من يقول لا يلزم من نفي كونه سبباً للفقد أن لا يكون سبباً للإيجاد، فعمّم الشارع النفي لدفع هذا التوهم. انتهى. قلت: كنت كتبت على هامش "الفتح" على هذا الكلام ما لفظه: فيه بحثان؛ الأول: أن القائلين كسفت الشمس لموت إبراهيم جعلوا الكسوف سبباً عن موته لا سبباً له كما قاله، ولفظ الحديث [304 ب] صريح في ذلك، أعني قولهم: كسفت لموت فلان، أي: سبب عن موته كسوف الشمس. البحث الثاني: أن القول بأنه يكون الكسوف سبباً للإيجاد، كما قال: أنه لدفعه يريد: ولا لحياته, قول لا تعرفه العرب ولا غيرهم ولا مناسبة لذلك أصلاً، فإنه إنما فصّل لهم تخيل ¬

_ (¬1) أخرج أحمد (4/ 249، 253)، والبخاري رقم (106)، ومسلم رقم (29/ 915)، عن المغيرة قال: انكسفت الشمس على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم مات إبراهيم، فقال الناس: انكسفت لموت إبراهيم، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله عَزَّ وَجَلَّ، لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته" فإذا رأيتموهما فادعوا الله تعالى، وصلُّوا حتى ينجلي"، وهو حديث صحيح. (¬2) في "الفتح" (2/ 529). (¬3) في "الفتح" (2/ 529).

أن الكسوف تسبب من موت عظيم من عظماء الأرض؛ لأنه حدوث تغير في العالم السفلي يناسبه تغير العالم العلوي. وأعظم آيات السماء [540/ أ] بتغير نورهما يناسب تغير الأرض بموت عظيم من عظمائها، فإن موته يحدث في الأرض ظلمة معنوية، كما قال أنس (¬1): لما كان اليوم الذي مات فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أظلم من المدينة كل شيء. وفي مرثاة عمر بن عبد العزيز: الشمس كاسفة ليست بطالعة البيت. وهو كثير في الأشعار المراثي، وحينئذ يناسب تخيل أن كسوف الشمس سبب عن موت عظيم من أهل الأرض. وأما أنه يكون كسوفها متسبباً عن إيجاد عظيم أو خلوصه من علة يخاف عليه منها أو نحو ذلك؛ فلا مناسبة لذلك أصلاً، بل يناسبه زيادة نور الشمس والقمر وإشراقهما؛ لأن إيجاد العظيم يحدث لأهل الأرض إنارة وإشراقاً وسروراً، وفي تناسبه إنارة العالم العلوي، ولذا قال العباس مادحاً له - صلى الله عليه وسلم -: وأنت لمّا ولدت أشرقت الدنيا ... ونارت بضوءها الأُفق وقال غيره: ثلاثة تشرق الدنيا ببهجتها ... شمس الضُحى وأبو إسحاق والقمر فجعل من تشرق الدنيا بوجوده ثالث النيّرين. وإذا عرفت ضعف ما ذكره الحافظ (¬2) من نكته التعميم، فالذي يظهر لي أنه - صلى الله عليه وسلم - إنما ¬

_ (¬1) تقدم. (¬2) في "فتح الباري" (2/ 529).

ضم نفي الحياة إلى نفي الموت كالاستدلال عليهم لرد ما تخيلوه وتوهموه من أن كسوفها سبب عن موت إبراهيم، يريد: كما أنهما لا يكسفان لحياة [305 ب] أحد ولا تقولونه ولا مناسبة عقلية ولا ادعائية بين الكسوف والحياة، كذلك لا يكسفان لموت أحد كما تزعمونه وتخيلونه من المناسبة في ذلك، فكما أن هذا باطل بإقراركم [فكذلك] (¬1) هذا. وهو نظير ما ذكره أئمة التفسير في قوله تعالى: {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (34)} (¬2) فإنه تعالى نفى الاستقدام، أي: طلب التقدم مع أنه معلوم عقلاً إحالته، وأنه لا يتصور طلبه فضمه إلى نفي طلب التأخر الممكن عقلاً إعلاماً بأنه قد صار الممكن كالمحال في عدم حصوله عند مجيء الأجل. وحاصله: أنه قد يضم الممكن إلى المحال لبيان إحالته، وغير الواقع إلى الواقع لبيان عدم وقوعه، فكذلك هنا ضم ما لم يقولوه، وهو سبب الكسوف عن الإيجاد إلى ما قالوه، وهو تسببه عن الموت للإعلام بأن الأمرين سواء في عدم تغير النيّرين عنهما. ¬

_ (¬1) في (أ): "فذلك". (¬2) سورة الأعراف الآية (34). قال البيضاوي: إنَّ هذا بمنزلة المثل: أي: لا يقصد من مجموع الكلام إلا أن الوقت لا يتغير ولا يتبدل، وهو نظير قولهم: الرمان حلو حامض، يعني: فالجزاء مجموع الأمرين لا كل واحد على حدته. وقال الواحدي: إن قيل: ما معنى هذا مع استحالة التقدم على الأجل وقت حضوره؟ قيل: هذا مبني على المقاربة، تقول: إذا جاء الشتاء إذا قرب وقته, ومع مقاربة الأجل يتصور التقدم، وإن كان لا يتصور مع الانقضاء، والمعنى لا يستأخرون عن آجالهم إذا انقضت, ولا يستقدمون عليها إذا قاربت الانقضاء، وهذا بناء على أنّه معطوف على قوله: لا يستأخرون.

قوله: "آيتان" أي: علامتان للدلالة على وحدانية الله وعظيم قدرته، أو على تخويف العباد من بأسه وسطوته، ويؤيده: {وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا (59)} (¬1). وقد عقد البخاري (¬2) باباً لذلك فقال: باب يخوّف الله - عز وجل - عباده بالكسوف، قاله أبو موسى (¬3). انتهى. يريد الإشارة إلى حديث أبي موسى الذي رواه هو -أي: البخاري (¬4) - ورواه مسلم (¬5) بلفظ: قال أبو موسى: خسفت الشمس في زمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقام فزعاً يخشى أن تكون الساعة حتى أتى المسجد، وذكر صلاته - صلى الله عليه وسلم - ثم قال - صلى الله عليه وسلم -: "إن هذه الآيات التي يرسلها الله لا تكون لموت أحد ولا لحياته، ولكن الله - عز وجل - يرسلها يخوّف بها عباده, فإذا رأيتم. شيئاً منها فافزعوا إلى ذكره ودعاءه واستغفاره". انتهى. قوله: "يخوّف الله بهما عباده" قال الحافظ في "الفتح" (¬6): فيه ردٌ على من يزعم من أهل الهيئة أن الكسوف أمر عادي لا يتأخر ولا يتقدم، إذ لو كان [306 ب] كما يقولون لم يكن في ذلك تخويف، ويصير بمنزلة الجزر والمد في البحر. وقد رد ذلك عليهم ابن العربي (¬7) وغير واحد من أهل العلم بما في حديث أبي موسى، حيث قال: (فقام فزعاً يخشى أن تكون الساعة). ¬

_ (¬1) سورة الإسراء الآية (59). (¬2) في "صحيحه" (2/ 536 الباب رقم 6 - مع الفتح). (¬3) عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (¬4) في "صحيحه" رقم (1059). (¬5) في "صحيحه" رقم (24/ 912). (¬6) (2/ 527). (¬7) في "عارضة الأحوذي" (3/ 37 - 38).

قالوا: فلو كان الكسوف بالحساب لم يقع الفزع، ولو كان بالحساب لم يكن للأمر بالعتق والصدقة والصلاة والذكر معنى، فإن ظاهر الأحاديث أن ذلك يفيد التخويف، وأن ما ذكر من أنواع الطاعات يرجى أن يدفع به ما يخشى من ذلك. ومما نقض به ابن العربي وغيره عليهم: أنهم يزعمون أن الشمس لا تنكسف على الحقيقة، وإنما يحول القمر بينها وبين أهل الأرض عند اجتماعهما في العقدتين. فقال: نعم، يزعمون أن الشمس أضعاف القمر في الجرم، فكيف يحجب الصغير الكبير إذا قابله؟ أم كيف يظلم الكثير بالقليل لا سيما وهو من جنسه؟ وكيف يحجب الأرض نور الشمس وهي زاوية منها؟ لأنهم يزعمون أن الشمس أكبر من الأرض بتسعين ضعفاً. انتهى. فائدة: وقع هنا ذكر كسوف القمر، وزعم ابن رشد (¬1) أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يصلِ في كسوف قمر، وذكر ابن القيم (¬2) أنه لم ينقل أنه - صلى الله عليه وسلم - صلى في كسوف القمر جماعة، لكن قد ذكر ابن حبان في تاريخه [541/ أ] ومغلطاي (¬3) في إشاراته, والعراقي: بأن القمر خسف في السنة الخامسة في جمادى، وأنه - صلى الله عليه وسلم - صلى بأصحابه صلاة الكسوف، فكانت أول صلاة كسوف في الإِسلام. قوله: "أخرجه الستة" اعلم أن المصنف - رحمه الله - اقتصر في هذه السنة على أخصر حديث وعلى رواية واحدة, وطوى عدة ألفاظ في حديث عائشة هذا. وطوى أحاديث سردها ابن الأثير في "الجامع" (¬4) عن أربعة عشر صحابياً: عن أسماء بنت أبي بكر، عن ابن عباس، عن أبي مسعود البدري، عن المغيرة [307 ب] بن شعبة، عن ¬

_ (¬1) في "بداية المجتهد ونهاية المقتصد" (1/ 497) بتحقيقي. (¬2) في "زاد المعاد" (1/ 434). (¬3) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 548). (¬4) (6/ 156 - 191). انظر: تخريجها في "نيل الأوطار" (7/ 144 - 173) بتحقيقي.

(الفصل الثاني): في الاستسقاء

ابن عمرو بن العاص، عن ابن عمر، عن سمرة بن جندب, عن أبي بكرة، عن عبد الرحمن بن سمرة، عن النعمان بن بشير، عن أُبي بن كعب، عن قبيصة بن مخارق، عن أبي هريرة، عن جابر. وعقد البخاري (¬1) في صحيحه للكسوف تسعة عشر باباً. ولقد قصّر المصنف كثيراً وأهمل سنناً واسعة، وقد ذكر بعضاً يسيراً مما أهمله، ولو استوفينا لطال الكلام واتسع مجال الكلام. (الفصل الثاني): في الاستسقاء هنا يراد به طلب السقيا من الله تعالى. قال ابن القيم (¬2): أنه - صلى الله عليه وسلم - استسقى على وجوه: أحدها: يوم الجمعة على المنبر أثناء خطبته. الثاني: أنه وعد الناس يوماً يخرجون فيه إلى المصلى، فخرج لما طلعت الشمس متواضعاً متبذلاً متخشعاً متضرعاً، فلما وافى المصلى صعد المنبر - إنْ صح (¬3) - وإلا ففي القلب منه شيء، وساق بقية الحديث. الوجه الثالث: أنه استسقى على منبر المدينة استسقاءً مجرداً في غير يوم الجمعة، ولم يحفظ عنه في هذا الاستسقاء صلاة. ¬

_ (¬1) في "صحيحه" (2/ 526 - 548 الباب رقم 1 - 19 - مع الفتح). (¬2) في "زاد المعاد" (1/ 439 - 440). (¬3) يشير إلى حديث عائشة - رضي الله عنها - وهو حديث حسن. أخرجه أبو داود رقم (1173)، وأبو عوانة كما في "التلخيص" (2/ 195)، وابن حبان رقم (2860)، والحاكم (1/ 328)، وصححه الحاكم على شرطهما، ووافقه الذهبي والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/ 325)، والبيهقي (3/ 349)، وسيأتي نصه وهو حديث حسن، والله أعلم.

الرابع: أنه استسقى وهو جالس في المسجد فرفع يديه ودعا الله - عز وجل -. الخامس: أنه استسقى عند أحجار الزيت، قريب من الزوراء وهي خارج باب المسجد الذي يدعى اليوم باب السلام. السادس: أنه استسقى في بعض غزواته لما سبقه المشركون إلى الماء فأصاب المسلمين العطش، وساق الحديث. قال (¬1): وأغيث - صلى الله عليه وسلم - في كل مرة استسقى فيها، وسرد أدعيةً ذكرت عنه - صلى الله عليه وسلم - في ذلك. الحديث الأول: [308 ب] حديث (أنس): 1 - عن أنس - رضي الله عنه - قال: أَصَابَتْ النَّاسَ سَنَةٌ، فَبَيْنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ يَوْمَ الجُمُعَةِ إِذْ قَامَ أَعْرَابِيٌّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله! هَلَكَ المَالُ، وَجَاعَ العِيَالُ، فَادْعُ الله لَنَا. فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَمَا نَرَى فِي السَّمَاءِ قَزَعَةٌ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدهِ! مَا وَضَعَهُمَا حَتَّى ثَارَ السَّحَابُ أَمْثَالَ الجِبَالِ، ثُمَّ لم يَنْزِلْ مِنْ عَلَى المِنْبَرِ حَتَّى رَأَيْتُ المَطَرَ يَتَحَادَرُ عَلَى لِحْيَتِهِ, فَمُطِرْنَا يَوْمَنَا ذَلِكَ وَمِنْ الغَدِ، وَمنْ بَعْدَ الغَدِ، وَالَّذِي يَلِيهِ حَتَّى الجُمُعَةِ الأُخْرَى، فَقَامَ ذَلِكَ الأَعْرَابِيُّ أَوْ غَيْرُهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله! تَهَدَّمَ البِنَاءُ وَغَرِقَ المَالُ، فَادْعُ الله تَعَالى لَنَا، فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ: اللهمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا، فَما يُشِيرُ بِيَدهِ إِلَى نَاحِية مِن السَّحَابِ إِلَّا انْفَرَجَتْ، وَصَارَتْ المَدِينَةُ مِثْلَ الجَوْبَةِ. وفي رواية: "اللهمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا، اللهمَّ عَلَى الآكَامِ وَالظِّرَابِ، وَبُطُونِ الأَوْدِيَةِ, وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ". قَالَ: "فَانْقَلَعَتْ وَخَرَجْنَا نَمْشِي في الشَّمْسِ". أخرجه الستة (¬2) إلا الترمذي. [صحيح] ¬

_ (¬1) أي: ابن القيم (1/ 441 - 442). (¬2) أخرجه البخاري رقم (932)، وأطرافه (933، 1013، 1014، 1015، 1016، 1017، 1018، 1019، 1021، 1029، 1033، 3582، 6093، 6342)، ومسلم رقم (897)، وأبو داود رقم (1174، 1175)، والنسائي (3/ 154، 155)، ومالك في "الموطأ" (1/ 191). وهو حديث صحيح.

"القَزَعَةُ" (¬1) بالتحريك: قطعة من الغيم، والجمع قزع. قوله: "سنة" بفتح المهملة بعدها نون خفيفة، أي: قحط وجدب (¬2). قوله: "أعرابي" في "بهجة المحافل" (¬3) أنه سليك بن عمرو الغطفاني، وفي "فتح الباري" (¬4): لم أقف على تسمية الرجل من رواية أنس. قوله: "هلك المال" لفظه في البخاري (¬5): "الأموال"، وفي رواية (¬6) كريمة وأبي ذر بدل البخاري (¬7): "المواشي". قال ابن حجر (¬8): وهو المراد بالأموال هنا لا الصامت، والمراد بهلاكهم عدم ما يعيشون به من الأقوات المفقودة بحبس المطر. قوله: "وضاع العيال" أي: من يعولونهم لقلة القوت. "وتعطلت السبل" (¬9) أي: الطرق، والمراد: أن الإبل ضعفت لقلة القوت عن السفر، لكونها لا تجد في طريقها من الكلأ ما يقيم أودها. ¬

_ (¬1) قاله ابن الأثير في "النهاية" (2/ 451). (¬2) انظر: "غريب الحديث" للخطابي (1/ 150)، و"النهاية" (1/ 811). (¬3) (1/ 330). (¬4) (2/ 501). (¬5) في "صحيحه" رقم (1014). (¬6) ذكره ابن حجر في "فتح الباري" (2/ 502) عن الكشميهني. (¬7) كذا في (أ. ب) والذي في "الفتح": جميعاً عن الكشميهني. (¬8) في "الفتح" (2/ 502). (¬9) كذا في الشرح وليست في متن الحديث، وهي من ألفاظ البخاري رقم (1013).

وقيل (¬1): المراد نفاد ما عند الناس من الطعام أو قلته بحيث لا يجدون ما يجلبونه وما يحملونه إلى الأسواق. قوله: "فادع لنا" لفظ البخاري (¬2): "فادع الله يغيثنا"، وفي رواية (¬3): "أن يغيثنا". قوله: "فرفع يديه" زاد في البخاري (¬4) وقال: "اللهم اسقنا" كرره ثلاثاً، وما نرى في السماء قزعة: بفتح القاف والزاي بعدها مهملة، أي: سحاب متفرق (¬5). قوله: "ما وضعهما" أي: يديه. "حتى ثار السحاب أمثال الجبال". وقوله: "السحاب يتحادرُ عن لحيته" أي: المطر. قوله: "فقام ذلك الأعرابي أو غيره" شك من أنس، كما يدله قول شريك في آخر الحديث: "سألت أنساً (¬6): هو الرجل الأول؟ فقال: لا أدري". وورد في رواية (¬7): "قال الرجل". وفي أُخرى (¬8): حتى جاء ذلك الأعرابي في الجمعة. قال في "فتح الباري" (¬9): وهذا يقتضي الجزم بأنه كان واحداً، فلعلَّ أنساً تذكره [309 ب] بعد أن نسيه أو نسيه بعد أن تذكره. ¬

_ (¬1) ذكره ابن حجر في "الفتح" (2/ 502 - 503). (¬2) رقم (1013، 1014). (¬3) البخاري في "صحيحه" رقم (1033)، وفيه: فادع الله لنا أن يسقينا. (¬4) في "صحيحه" رقم (1013). (¬5) قاله ابن حجر في "الفتح" (2/ 503). (¬6) عند البخاري في "صحيحه" رقم (1013)، (1014)، (1029). (¬7) أخرجها البخاري في "صحيحه" رقم (1013)، (1017). (¬8) أخرجها البخاري في "صحيحه" رقم (1019). (¬9) (2/ 504).

قوله: "حوالينا" بفتح اللام، أي: اجعل المطر حيث لا أبنية ولا دور. وقوله: "ولا علينا" بيان للمراد نحو البناء؛ لأنها تشمل الطرق التي حولهم، فأراد إخراجها بقوله: "ولا علينا" (¬1). قال الطيبي (¬2): في إدخال الواو هنا معنى لطيف، وذلك أنه لو أسقطها كان مستسقياً للآكام وما معها فقط, ودخول الواو يقتضي أن طلب المطر على المذكورات ليس مقصوداً [بعينه] (¬3) ولكن ليكون وقيّة من أذى المطر، فليست الواو مخلصة للعطف ولكنها للتعليل، وهو كقولهم: "تجوع الحرة (¬4) ولا تأكل بثدييها"، فإن الجوع ليس مقصوداً لعينه، ولكن لكونه مانعاً من الرضاع بأجرة إذ كانوا يكرهون ذلك. انتهى. [542/ أ]. قوله: "على الآكام" فيه بيانٌ لقوله: "حوالينا" والإِكام بكسر الهمزة وقد تفتح، وقد جمع أكمة بفتحات. قال ابن البرقي (¬5): هو التراب المجتمع، وقال الفرّاء (¬6): هي التي من حجر واحد، وهو قول الخليل (¬7). ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 504). (¬2) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 505). (¬3) في (ب): "لعينه". (¬4) تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها. أي: لا تكون ظئراً وإنْ آذاها الجوع، أول من قاله الحارث بن سليل الأسدي. ويضرب هذا المثل في الاحتراس من مدنَّسات المكاسب. انظر: قصة المثل. المستقصى (2/ 20 رقم 68). "مجمع الأمثال" للميداني (1/ 215 - 216 رقم 619). (¬5) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 505). (¬6) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 505)، وانظر: "تهذيب اللغة" (14/ 376). (¬7) في كتاب "العين" (ص 585).

وقال الخطابي (¬1): هي الهضبة الضخمة. قوله: "والظراب" بكسر المعجمة وآخره موحدة جمع ظرب بكسر الراء، وقد تسكن. قال الفرّاء (¬2): هو الجبل المنبسط ليس بالعالي. وقال الجوهري (¬3): الرابية الصغيرة. قوله: "وبطون الأودية" والمراد ما يتحصل فيه الماء لينتفع به. قالوا: ولم يسمع أفعلة جمع فاعل إلا أودية جمع وادٍ. قوله: "فانقلعت" ولفظ البخاري (¬4): "فأقلعت" أي: السماء أو السحابة الماطرة، والمراد: أمسكت من المطر على المدينة. قلت: وفي الحديث عدة ألفاظ اشتملت عليها الروايات غير هذه، وقد سردها ابن الأثير في "الجامع" (¬5)، وفيها زيادات كثيرة. وهذا اللفظ الذي أتى به المصنف [310 ب] أخصر روايات أنس. الثاني: حديث (عائشة): 2 - وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: شُكِيَ إِلَى رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - قُحُوطَ المَطَرِ، فَأَمَرَ بِمِنْبَرٍ فَوُضِعَ لَهُ فِي المُصَلَّى، وَوَعَدَ النَّاسَ يَوْمًا يَخْرُجُونَ فِيهِ, قَالَتْ: فَخَرَجَ حِينَ بَدَا حَاجِبُ الشَّمْسِ، فَقَعَدَ عَلَى المِنْبَرِ، فكَبَّرَ وَحَمِدَ الله تَعَالى، ثُمَّ قَالَ: "إِنَّكُمْ شَكَوْتُمْ جَدْبَ دِيَارِكمْ، وَاسْتِئْخَارَ المَطَرِ عَنْ إِبَّانِ زَمَانِهِ عَنْكُمْ، وَقَدْ أَمَرَكمْ الله تَعَالى أَنْ تَدْعُوهُ، وَوَعَدَكمْ أَنْ يَسْتَجيبَ لَكُمْ، ثُمَّ قَالَ: الحَمْدُ لله رَبَ العَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، لَا إِلَهَ إِلا الله يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ. اللهمَّ أَنْتَ الله لَا ¬

_ (¬1) في "أعلام الحديث" (1/ 603). (¬2) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 505)، وانظر: "تهذيب اللغة" (14/ 376). (¬3) في الصحاح (1/ 174). (¬4) في "صحيحه" رقم (1014). (¬5) (6/ 195 - 206).

إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ الغَنِيُّ وَنَحْنُ الفُقَرَاءُ, أَنْزِلْ عَلَيْنَا الغَيْثَ، وَاجْعَلْ مَا أَنْزَلْتَ لنَا قُوَّةً وَبَلَاغًا إِلَى حِينٍ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ فَلَمْ يَزَلْ في الرَّفْعِ حَتَّى بَدَا بَيَاضُ إِبِطَيْهِ, ثُمَّ حَوَّلَ إِلَى النَّاسِ ظَهْرَه وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ وَهُوَ رَافِعٌ يَدَيْهِ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ وَنَزَلَ فَصَلَّى رَكعَتَيْنِ، فَأَنْشَأَ الله تَعَالى سَحَابةً فَرَعَدَتْ وَبَرَقَتْ، ثُمَّ أَمْطَرَتْ بِإِذْنِ الله تَعَالى، فَلَمْ يَأْتِ مَسْجدَهُ حَتَّى سَالَتْ السُّيُولُ، فَلمَّا رَأَى سُرْعَتَهُمْ إِلَى الكِنِّ ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ, ثُمَّ قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ الله عَلَى كلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَأنِّي عَبْدُ الله وَرَسُولُهُ. أخرجه أبو داود (¬1). [حسن] قوله: "قحوط (¬2) المطر" بضم القاف والحاء: انحباسه. قوله: "في المصلى" موضع بالمدينة معروف، بينه وبين المسجد ألف ذراع، كما قاله عمر بن شبة (¬3) قوله: "فخرج" قال ابن حبان (¬4): أن خروجه - صلى الله عليه وسلم - للاستسقاء إلى المصلى كان في شهر رمضان سنة ست من الهجرة. قوله: "عن إبّان" بكسر الهمزة وتشديد الموحدة وإبان الشيء وقته (¬5). ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (1173)، وقال: هذا حديث غريب، إسناده جيد. وأخرجه أبو عوانة كما في "التلخيص" (2/ 195)، والحاكم في "المستدرك" (1/ 328)، وصححه الحاكم على شرطهما، ووافقه الذهبي، مع أن خالد بن نزار، والقاسم بن مبرور لم يخرج لهما الشيخان شيئاً. وأخرجه ابن حبان رقم (2860)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/ 325)، والبيهقي (3/ 349). وهو حديث حسن، والله أعلم. (¬2) قال ابن الأثير في "النهاية" (2/ 418): يقال: قُحِط المطر، وقَحَط إذا احتبس وانقطع، وأُقحط الناس إذا لم يمطروا. والقحط: الجدب؛ لأنه من أثره. (¬3) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 499). (¬4) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 499). (¬5) "القاموس المحيط" (ص 1515).

قوله: "أن تدعوه" بقوله: {ادْعُونِي} (¬1). "ووعدكم بأن يستجيب لكم" بقوله: {أَسْتَجِبْ لَكُمْ} (¬2). قوله: "ثم رفع يديه حتى بدا بياض إبطيه" عقد البخاري (¬3) له باباً فقال: باب رفع الإِمام [يديه] (¬4) في الاستسقاء وذكر حديث (¬5) أنس: أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يرفع يديه إلا في الاستسقاء. قال في "فتح الباري" (¬6): إنَّه معارض للأحاديث الثابتة في [الرفع] (¬7) في غير الاستسقاء وهي كثيرة، وقد أفردها المصنف بترجمة في كتاب الدعوات وساق فيها عدة أحاديث، وجمع بين حديث أنس وبينها، بحمل النفي على صفة مخصوصة إما الرفع البليغ، ويدل عليه قوله: (حتى يرى بياض إبطيه) (¬8). ويؤيده (¬9): أن غالب الأحاديث التي وردت في رفع اليدين في الدعاء إنما المراد مداخلة: اليدين وبسطهما عند الدعاء فبالغ في رفعهما في الاستسقاء حتى يرى بياض إبطيه. ¬

_ (¬1) سورة غافر الآية: (60). (¬2) سورة غافر الآية: (60). (¬3) في "صحيحه" (2/ 517 الباب رقم 22 - مع الفتح). (¬4) كذا في (أ. ب)، والذي في "الفتح": "يدَهُ". (¬5) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (1031)، وطرفاه في (3565، 6341). (¬6) (2/ 517). (¬7) كذا في (أ. ب)، والذي في "الفتح" (2/ 517) بالرفع. (¬8) في حديث أنس الذي ذكره البخاري في الباب برقم (1031)، وأخرجه مسلم في "صحيحه" رقم (7/ 895)، وأحمد (3/ 282). (¬9) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 517).

وإما صفة اليدين في ذلك، بما رواه مسلم (¬1) من رواية ثابت عن أنس قال: "أن رسول الله صلى الله عليه [311 ب] وآله وسلم استسقى فأشار بظهر كفيه إلى السماء". ولأبي داود (¬2) من حديث أنس: "كان يستسقي هكذا، ومد يديه وجعل بطونهما مما يلي الأرض حتى رأينا بياض إبطيه". قال النووي (¬3): قال العلماء: السنة في كل دعاء لرفع بلاءً أن يرفع يديه جاعلاً ظهور كفيه إلى السماء، وإذا دعا بسؤال شيء وتحصيله أن يجعل بطن كله إلى السماء. انتهى. ولم يذكر في هذه الرواية رفع الناس أيديهم مع الإِمام، وترجم (¬4) له باب: رفع الناس أيديهم مع الإِمام في الاستسقاء. قوله: "ثم حوّل إلى الناس ظهره وحوّل رداءه" ترجم له البخاري (¬5)، باب: كيف حوّل النبي - صلى الله عليه وسلم - ظهره إلى الناس. وقوله: "وحوّل رداءه" قال ابن العربي (¬6): الحكمة فيه أنه علامة بينه وبين ربه، قيل له: حوّل رداءك ليتحول حالك، وتعقب بأنه يحتاج إلى نقل. وقال غيره (¬7): الحكمة فيه التفاؤل بتحويل الحال عمَّا هي عليه. انتهى. ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (6/ 895). (¬2) في "السنن" (1171)، وهو حديث صحيح. (¬3) في شرحه لـ "صحيح مسلم" (6/ 188)، وذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 518). (¬4) أي: البخاري في "صحيحه" (2/ 516 الباب رقم 21 - مع الفتح). (¬5) في "صحيحه" (2/ 514 الباب رقم 17 - مع الفتح). (¬6) في "عارضة الأحوذي" (3/ 33). (¬7) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 499) وعزاه للمهلب.

وتعقبه ابن العربي (¬1): بأن من شرط الفأل أن لا يقصد إليه. قال ابن حجر (¬2): فيه حديث رجاله ثقات، أخرجه الدارقطني (¬3) والحاكم (¬4) عن جابر ورجح الدارقطني (¬5) إرساله، وعلى كل حال؛ فهو أولى من القول بالظن. انتهى. يريد به قول ابن العربي (¬6) أنه علامة ... إلى آخره. قلت: وحديث جابر أخرجه الحاكم (¬7) عن جعفر بن محمَّد عن أبيه عن جابر قال: "استسقى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحوَّل رداءه ليتحوّل القحط". قال الحاكم (¬8): هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. انتهى. قلت: قوله: "ليتحول القحط" من كلام جابر قطعاً، لعله قاله استنباطاً منه. قال الواقدي (¬9): أنَّ طول رداءه كان ستة أذرع في ثلاثة أذرع، وطول إزاره [312 ب] أربعة أذرع وشبرين في ذراعين وشبر. وذكر في الروايات في كيفية التحويل روايات، ففي رواية أبي داود (¬10): (فجعل عطافه ¬

_ (¬1) في "عارضة الأحوذي" (3/ 33). (¬2) في "الفتح" (2/ 499). (¬3) في "السنن" (2/ 66 رقم 2) مرسلاً. (¬4) في "المستدرك" (1/ 326)، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه, وقال الذهبي: غريب عجيب صحيح. وهو حديث ضعيف. (¬5) في "السنن" (2/ 66 - 67). (¬6) في "عارضة الأحوذي" (3/ 33). (¬7) في "المستدرك" (1/ 326). (¬8) في "المستدرك" (1/ 326). (¬9) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 499). (¬10) في "السنن" رقم (1163)، وهو حديث صحيح.

الأيمن على عاتقه الأيسر، وعطافه الأيسر على عاتقه الأيمن). وورد غيرها. واستحب الجمهور (¬1) التحويل، وعن أبي حنيفة (¬2) وبعض المالكية (¬3) لا يستحب شيء من ذلك. واستحب الجمهور (¬4) أن يحوّل الناس بتحويل الإِمام، ويشهد له ما رواه أحمد (¬5) في هذا الحديث بلفظ: "وحوّل الناس معه". وأما وقت التحويل؛ فقد روى مالك (¬6): أنه - صلى الله عليه وسلم - حوّل رداءه حين استقبل القبلة). [543/ أ]. قوله: "فصلى ركعتين" لم يذكر صفتهما ولا ما يقرأ فيهما. وقد أخرج الدارقطني (¬7) من حديث ابن عباس: (أنه يكبر فيهما سبعاً وخمساً كالعيد، وأنه يقرأ فيهما بسبح وهل أتاك). قال الحافظ ابن حجر (¬8): وفي إسناده مقال. ¬

_ (¬1) انظر: "المغني" (3/ 340 - 341)، و"فتح الباري" (2/ 499). (¬2) "البناية في شرح الهداية" (3/ 182). (¬3) "التمهيد" (5/ 323). (¬4) "المغني" (3/ 341)، "الفتح" (2/ 499). (¬5) في "المسند" (4/ 41) بسند حسن. (¬6) انظر: "الاستذكار" (7/ 137 رقم (995). (¬7) في "السنن" (2/ 68 رقم 11)، وهو حديث صحيح. (¬8) في "الفتح" (2/ 500) ثم قال: لكن أصله في "السنن" بلفظ: "ثم صلَّى ركعتين كما يصلى في العيد"، أخرجه أبو داود رقم (1165)، والترمذي رقم (558)، وقال: حديث حسن صحيح، والنسائي رقم (1521)، وابن حبان رقم (2862)، والحاكم (1/ 326 - 327)، والبيهقي (3/ 344)، وأحمد (1/ 230)، وهو حديث صحيح.

قلت: وذلك أنه ذكره الدارقطني (¬1) من رواية عبد العزيز بن محمَّد بن عمر الزهري، قال الهيثمي في "مجمع "الزوائد" (¬2): أنه متروك. قال ابن حجر (¬3): لكن أصله في السنن (¬4) بلفظ: (ثم صلى ركعتين كما يصلي في العيدين). فأخذ بظاهره الشافعي (¬5)، وقال: يكبر فيهما، واستدل بالحديث على أن الخطبة في الاستسقاء قبل الصلاة. ولكنه وقع عند أحمد (¬6) في حديث عبد الله بن زيد التصريح بأنه بدأ بالصلاة قبل الخطبة، وكذا عند ابن ماجه (¬7) من حديث أبي هريرة. واختار الشافعية (¬8) والمالكية (¬9) تأخير الخطبة. ¬

_ (¬1) في "السنن" (1/ 326 - 327). (¬2) (2/ 212). (¬3) في "فتح الباري" (2/ 500). (¬4) تقدم تخريجه وهو حديث صحيح. (¬5) انظر: "الأم" (2/ 545)، و"المجموع شرح المهذب" (5/ 82). (¬6) في "المسند" (4/ 40، 41) بسند صحيح. (¬7) في "السنن" رقم (1268). وقال البوصيري في "مصباح الزجاجة" (2/ 416): "هذا إسناد صحيح، رجاله ثقات .. ". قلت: بل النعمان بن راشد ضعيف. وأخرجه أحمد (3/ 326)، وابن خزيمة في "صحيحه" رقم (1409، 1422)، وابن المنذر في "الأوسط" رقم (2219)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/ 325)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (3/ 347)، وهو حديث ضعيف، والله أعلم. (¬8) "الأم" (2/ 545 - 546)، و"المجموع شرح المهذب" (5/ 94). (¬9) "المدونة" (1/ 166)، حاشية ابن عابدين (3/ 66).

وعند أحمد (¬1) رواية كذلك ورواية: أنه يخيّر (¬2). والحديث دليل على مشروعية الصلاة للاستسقاء، وعليه اتفق العلماء إلا أبا حنيفة (¬3) فقال: لا تسن له صلاة إنما يستسقي بالدعاء. وحجة العلماء حديث الصحيحين (¬4) وحديث أبي داود (¬5) هذا، وغيرهما، وقد قدّمنا لك أن الاستسقاء فعله - صلى الله عليه وسلم - على أنواع. قوله: "ثم أمطرت" هكذا بالألف (¬6) وهما لغتان: مطرت وأمطرت، ولا التفات إلى قول من قال: لا يقال أمطرت بالألف إلا في العذاب. قوله: "أخرجه أبو داود". قلت: نقل عنه المنذري (¬7) ما لفظه: قال أبو داود (¬8): هذا حديث غريب [313 ب] إسناده جيد. أهل المدينة يقرءون: (ملك يوم الدين) وفي هذا الحديث حجة لهم. انتهى. الثالث: حديث (أنس): 3 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: أَصَابَنَا مَطَرٌ وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَحَسَرَ ثَوْبَهُ حَتَّى أَصَابَهُ مِنَ المَطَرِ، فَقُلْنَا: لِمَ صَنَعْتَ هَذَا؟ قَالَ: "إِنَّهُ حَدِيثُ عَهْدٍ بِرَبَّهِ". ¬

_ (¬1) انظر: "المغني" (3/ 336). (¬2) انظر: "المحلى" (5/ 93). (¬3) "المبسوط" (1/ 400)، "البناية في شرح الهداية" (3/ 174، 175). (¬4) أخرجه البخاري رقم (1026)، ومسلم رقم (2/ 894). (¬5) تقدم وهو حديث حسن. (¬6) انظر: "فتح الباري" (2/ 518). (¬7) في "مختصر السنن" (2/ 38). (¬8) في "السنن" (1/ 693).

(الفصل الثالث): في صلاة الجنازة

أخرجه أبو داود (¬1). [صحيح] هذا الحديث ترجم له البخاري (¬2) من تمطَّر، بتشديد الطاء، أي: يعرض لوقوع المطر، ولم يذكر حديث أنس. قوله: "حديث عهد بربه" قال العلماء (¬3): معناه قريب العهد بتكوين ربه, والبخاري استدل لما ترجم له بقوله في حديث أنس (¬4): "حتى رأيتُ المطر يتحادر على لحيته" فأراد أن يبين أن تحادر المطر على لحيته لم يكن اتفاقاً، وإنما كان قصداً، فلذلك ترجم (¬5) بقوله: من تمطّر، أي: قصد نزول المطر عليه؛ لأنه لو لم يكن باختياره - صلى الله عليه وسلم - لنزل عن المنبر أول ما وكف السقف، لكنه تمادى في خطبته حتى أكثر نزوله بحيث تحادر على لحيته. قوله: "أخرجه أبو داود" (¬6). قلت: وأخرجه مسلم (¬7). (الفصل الثالث): في صلاة الجنازة بفتح الجيم (¬8) وكسرها لغتان، وقيل: بالكسر النعش، وبالفتح الميت. الأول: حديث (أبي هريرة): ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (5100). وأخرجه مسلم في "صحيحه" رقم (898)، وهو حديث صحيح. (¬2) في "صحيحه" (2/ 519 الباب رقم 24 - مع الفتح) باب من تمطَّر في المطر حتى يتحادر على لحيته. (¬3) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 520). (¬4) في "صحيحه" رقم (1033)، وفيه: "رأيتُ المطر يتحادرُ على لحيته". (¬5) أي: البخاري في "صحيحه" (2/ 519 الباب رقم 24 - مع "الفتح"). (¬6) في "السنن" رقم (5100). (¬7) في "صحيحه" رقم (898)، وهو حديث صحيح. (¬8) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (1/ 299). "غريب الحديث" للخطابي (1/ 79).

1 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَن شَهِدَ الجَنَازَةَ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا فَلَهُ قِيرَاطٌ، وَمَنْ شَهِدَهَا حَتَّى تُدْفَنَ فَلَهُ قِيرَاطَانِ، وَالقِيرَاطُ مِثْلُ أُحُدٍ". أخرجه الخمسة (¬1)، وهذا لفظ البخاري. [صحيح] قوله: "حتى يُصلَّى عليها" بفتح اللام مبني للمفعول. "فله قيراط" بكسر القاف قال الجوهري (¬2): أصله قراط بالتشديد، قال: والقيراط نصف دانق، وكان قبل ذلك الدانق سدس درهم، فعلى هذا يكون القيراط جزءاً من اثني عشر جزء من الدرهم. وفي "النهاية" (¬3): القيراط جزء من أجزاء الدينار وهو نصف عشرة في أكثر البلاد، وفي الشام جزء من أربعة وعشرين جزءاً. والمراد بهذا المقدار: الإشارة إلى الأجر المتعلق بالميت في تجهيزه وغسله، وجميع ما يتعلق بذلك، وللمصلي عليه أجر من ذلك ولمن يشهد الدفن. والمراد بابتداء الشهود [314 ب] أن يكون من أهلها، كما في رواية أبي سعيد (¬4) وفي رواية خباب (¬5) عند مسلم: "من بيتها" ومقتضاه: أن القيراط لمن حضر أول الأمر إلى انقضاء الصلاة، وبذلك صرّح المحب الطبري (¬6) وغيره. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (1325)، ومسلم رقم (52/ 945)، وأبو داود رقم (3168، 3169)، والترمذي رقم (1040)، والنسائي رقم (1994 - 1997) و (5032)، وهو حديث صحيح. (¬2) في "الصحاح" (3/ 1151). (¬3) (2/ 438). (¬4) أخرجه أحمد في "المسند" (3/ 27) بسند حسن. (¬5) أخرجه مسلم في "صحيحه" رقم (56/ 945). (¬6) ذكره الحافظ في "الفتح" (3/ 197).

قال الحافظ ابن حجر (¬1): والذي يظهر لي أن القيراط يحصل لمن صلى فقط؛ لأن كل ما قبل الصلاة وسيلة إليها, لكن يكون قيراط من صلى فقط دون قيراط من شيّع وصلى، ورواية مسلم (¬2) من طريق أبي صالح عن أبي هريرة: "أصغرهما مثل أحد" يدل على أن القيراط يتفاوت. قوله: "ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان" قال في "الفتح" (¬3): ظاهره أنهما غير قيراط الصلاة, وهو ظاهر سياق أكثر الروايات، وبذلك جزم بعض المتقدمين. قال (¬4): لكن رواية ابن سيرين صريحة في أن الحاصل من الصلاة ومن الدفن قيراطان فقط. قال النووي (¬5): رواية ابن سيرين صريحة في أن المجموع قيراطان، فرواية: "كان له قيراطان" أي: بالأول، وقوله: "حتى تدفن" ظاهره أن حصول القيراط لا يتوقف على الفراغ من الدفن، وقيل: يحصل بمجرد الوضع في اللحد، وقيل: عند انتهاء الدفن قبل الفراغ من إهالة التراب. وقد وردت الأخبار بكل ذلك [544/ أ] فيها كل ذلك، إلا أن عند أبي عوانة (¬6) عن ابن عباس: "حتى يسوى عليها التراب" وهي أصرح الروايات في ذلك، والزيادة مقبولة. قيل: ويحتمل أن حصول القيراط بكل ذلك، لكن يتفاوت القيراط كما تقدم. ¬

_ (¬1) في "الفتح" (3/ 197). (¬2) في "صحيحه" رقم (53/ 945). (¬3) في "الفتح" (3/ 197). (¬4) الحافظ في "الفتح" (3/ 197). (¬5) في شرحه لـ "صحيح مسلم" (7/ 13). (¬6) عزاه إليه الحافظ في "الفتح" (3/ 198).

قوله: "أخرجه الخمسة وهو لفظ البخاري" (¬1) لكن في رواية له بزيادة: "مثل الجبلين العظيمين" وفي رواية لابن أبي شيبة (¬2): "القيراط مثل جبل أحد"، وفي رواية لأحمد (¬3) وغيره (¬4): "كل واحد منهما أعظم من أحد". الثاني: حديث (أبي هريرة أيضاً): 2 - وعنه - رضي الله عنه - قال: نَعَى النّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - النَّجَاشِيَّ - رحمه الله - في اليَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، وَخَرَجَ بِهِمْ إِلَى المُصَلَّى فَصَفَّهُمْ، وَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ. أخرجه الستة (¬5). [صحيح] وفي أخرى للشيخين (¬6) والنسائي (¬7): نَعَى النَّجَاشِيَّ في اليَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ وَقَالَ: "اسْتَغْفِرُوا لِأَخِيكُمْ" وَلَمْ يَزِدْ. [صحيح] قوله: "نعى النَجاشي" بفتح النون وتخفيف الجيم وبعد الألف شين معجمة ثم ياء ثقيلة كياء النسبة [315 ب] , وقيل: بالتخفيف، ورجحه الصغّاني، وهو لقب من ملك الحبشة. قوله: "أربع تكبيرات" قال ابن عبد البر (¬8): اختلف السلف من الصحابة في التكبير على الجنائز من ثلاث تكبيرات إلى سبع. ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (1325). (¬2) في مصنفه (3/ 320 - 321). (¬3) في "المسند" (2/ 233). (¬4) كالنسائي في "المجتبى" (4/ 77)، وفي "السنن الكبرى" رقم (2135). (¬5) أخرجه البخاري رقم (1333)، ومسلم رقم (62/ 951)، وأبو داود رقم (3204)، والترمذي رقم (1022)، والنسائي رقم (1972)، وابن ماجه رقم (1534)، وهو حديث صحيح. (¬6) أخرجه البخاري رقم (1327، 1328، 3880، 3881)، ومسلم رقم (63/ 951). (¬7) في "السنن" رقم (1879). وهو حديث صحيح. (¬8) انظر: "التمهيد" (6/ 226 - 227). "الاستذكار" (8/ 241 - 242).

ثم ساق (¬1) بسنده: "أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يكبر على الجنائز أربعاً وخمساً وستاً وسبعاً وثمانياً، حتى جاء حديث النجاشي (¬2) فخرج إلى المصلى فصفّ وراءه وكبر عليه أربعاً، ثم ثبت النبي - صلى الله عليه وسلم - على أربع حتى توفاه الله". ثم ذكر (¬3) أنه اتفق على ذلك الفقهاء أهل الفتوى في الأمصار. انتهى. وترجم البخاري (¬4): باب التكبير على الجنازة أربعاً، وذكر الحديث هذا. واعلم أنه استدل به على مشروعية الصلاة على الميت الغائب عن البلد، وبذلك قال الشافعي (¬5) وأحمد (¬6) وجمهور السلف (¬7)، حتى قال ابن حزم (¬8): لم يأت عن أحد من الصحابة منعه. وعن الحنفية (¬9) والمالكية (¬10): لا يشرع ذلك. وعن بعض أهل العلم: إنما يجوز ذلك في اليوم الذي مات فيه الميت وما قرب منه، لا إذا طالت المدة. ¬

_ (¬1) في "الاستذكار" (8/ 239 رقم 11244). (¬2) ذكره الزبيدي في تاج العروس (9/ 204). وفي "أدب الكاتب" (ص 73): النّجاشي: هو الناجش، والنّجش: استثارة الشيء، ومنه قيل: للزائد في ثمن السلعة: ناجشٌ، ونجّاشٌ، ومنه قيل: للصائد: ناجشٌ. قال محمَّد بن إسحاق: النّجاشي اسمه أصحمَةُ, وهو بالعربية: عطيّةٌ، وإنما النجاشي اسم الملك، كقولك: هرقل، وقيصر، ولست أدري أبا العربية، هو. أم وفاقٌ وقع بين العربية وغيرها؟. (¬3) ابن عبد البر في "الاستذكار" (8/ 239 رقم 11245). (¬4) في "صحيحه" (3/ 202 الباب رقم 64 - مع الفتح). (¬5) "المجموع شرح المهذب" (5/ 211). (¬6) في "المغني" (3/ 446). (¬7) انظر: "فتح الباري" (3/ 188). (¬8) في "المحلى" (5/ 139). (¬9) "حاشية ابن عابدين" (3/ 99). (¬10) "التمهيد" (6/ 223).

واعتذر الحنفية والمالكية عن قصة النجاشي بأمور، منها: أنه كان بأرض لم يصل بها عليه أحد، فتعينت الصلاة عليه لذلك. قال الحافظ (¬1): وهذا محتمل، إلا أني لم أقف على شيء من الأخبار أنه لم يصل عليه في بلده أحد، ومن ذلك قول بعضهم: أنه كشف له - صلى الله عليه وسلم - عليه حتى رآه، فتكون صلاته عليه كصلاة الإِمام على ميت رآه ولم يره المؤتمون، ولا خلاف في جوازها. قال ابن دقيق العيد (¬2): هذا يحتاج إلى نقل، ولا يثبت بالاحتمال كأنه يقول، وحديث الواحدي في أسباب النزول (¬3) عن ابن عباس: (أنه كشف [316 ب] للنبي - صلى الله عليه وسلم - عن سرير النجاشي حتى رآه وصلى عليه). حديث لم بسنده الواحدي، بل ساقه بغير إسناد. ومن ذلك: أن ذلك خاص بالنجاشي؛ لأنه لم يثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - صلى على ميت غائب غيره. قال ابن حجر (¬4): كأنه لم يثبت عنده قصة معاوية بن معاوية الليثي، وقد ذكرت في ترجمته في الصحابة (¬5): أن خبره قوي بالنظر إلى مجموع طرقه. وقال ابن العربي (¬6): قال المالكية: ليس ذلك إلا لمحمد - صلى الله عليه وسلم -. قلنا: وما عمل به محمَّد تعمل به أمته - يعني: لأن الأصل عدم الخصوصية. قالوا: طويت له الأرض وأحضرت الجنازة بين يديه. ¬

_ (¬1) في "الفتح" (3/ 188). (¬2) في "إحكام الأحكام" (2/ 259). (¬3) (ص 139 - 140). (¬4) في "الفتح" (3/ 188). (¬5) في "الإصابة" (ج 6 رقم الترجمة 8099). (¬6) في "عارضة الأحوذي" (4/ 259).

قلنا: إن ربنا عليه لقادر وإن نبينا لأهل لذلك، ولكن لا تقولوا إلا ما رويتم، ولا تخترعوا حديثاً من عند أنفسكم، ولا تحدّثوا إلا [بالثابتات] (¬1)، ودعوا الضعاف؛ فإنها سبيل تلاف إلى ما ليس له تلاف. قلت: ولا يخفى قوة القول بمشروعية الصلاة على الميت الغائب عن البلد، إذ لم يأت المانع بما يدفع به ما وقع منه - صلى الله عليه وسلم - من صلاته على النجاشي. قوله في الرواية (¬2) الأخرى: "ولم يزد" أي: لم يزد في أمرهم له با لاستغفار لا أنه لم يصل عليه, فهذا جمع بينهما، وإلا فزيادة: "الصلاة" من عدلٍ مقبولة. قوله: "أخرجه الستة". الثالث: حديث (زيد بن أرقم): 3 - وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: كَانَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ يُكَبِّرُ عَلَى جَنَائزِنَا أَرْبَعًا، وَإِنَّهُ كَبَّرَ عَلَى جَنَازَةٍ خَمْسًا، فَسَألنَاهُ فَقَالَ: كَانَ النّبي - صلى الله عليه وسلم - يُكَبِّرُ. أخرجه الخمسة (¬3) إلا البخاري. [صحيح] قوله: "وإنه كبر خمساً" ظاهر هذا، وما تقدم أنه من الفعل المخير فيه، ودعوى ابن عبد البر (¬4) أنه وقع الإجماع على الأربع غير صحيحة، بل المخالف في تعين الخمس طائفة كثيرة. قوله: "أخرجه الخمسة إلا البخاري" وفيه روايات أخرى. ¬

_ (¬1) في (أ) (ب): "بالثابت"، وما أثبتناه من العارضة. (¬2) تقدمت وهي رواية صحيحة. (¬3) أخرجه مسلم رقم (72/ 957)، وأبو داود رقم (3197)، والترمذي رقم (1023)، والنسائي رقم (1982)، وابن ماجه رقم (1505)، وهو حديث صحيح. (¬4) في "الاستذكار" (8/ 241 رقم 11262).

وأخرج البيهقي (¬1) عن ابن المسيب أن عمر قال: (كل ذلك قد كان أربعاً وخمساً، فاجتمعنا على أربع). وأخرج ابن المنذر (¬2) والبيهقي (¬3) أيضاً عن أبي وائل قال: (كانوا [317 ب] يكبرون على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربعاً وخمساً وستاً وسبعاً، فجمعهم عمر على أربع تكبيرات). الرابع: 4 - وعن حميد بن عبد الرحمن قال: صَلّى أنسُ بنُ مَالكٍ - رضي الله عنه -، وَكبَّرَ ثَلاثَاً، وَسَهَا فَسَلّمَ، فَقِيلَ لَهُ: فَاسْتَقْبَلَ القِبلَةَ، وَكَبَّرَ الرَّابِعَةِ ثُمَّ سَلّمِ. أخرجه البخاري (¬4) في ترجمة. حديث "حميد بن عبد الرحمن" (¬5) أي: ابن عوف الزهري، هو من كبار التابعين، سمع أبا هريرة وعثمان وغيرهما. قوله: "صلى" أي: على جنازة. "وكبر ثلاثاً وسها فسّلم، فاستقبل القبلة وكبر الرابعة". قلت: يعارضه ما روى ابن المنذر (¬6) من طريق حماد بن سلمة عن يحيى بن أبي إسحاق قال: قيل لأنس: إن فلاناً كبّر ثلاثاً، فقال: وهل التكبير إلا ثلاثاً؟ انتهى. قال الحافظ ابن حجر (¬7): يمكن أن يجمع بين الروايتين [545/ أ]: إما بأنه - أي: أنساً - ¬

_ (¬1) في "السنن الكبرى" (4/ 37). (¬2) في "الأوسط" (5/ 429 - 430). (¬3) في "السنن الكبرى" (4/ 37). (¬4) في "صحيحه" (3/ 202 الباب رقم 64 - مع الفتح). (¬5) ذكره ابن الأثير في "تتمة جامع الأصول" (1/ 321). (¬6) في "الأوسط" (5/ 429 رقم 4134). (¬7) في "فتح الباري" (3/ 202).

كان يرى الثلاث مجزئة, والأربع أكمل منها، وإما بأن من أطلق [عنه] (¬1) الثلاث لم يذكر الأولى؛ لأنها افتتاح، كما روي من طريق ابن علية عن يحيى بن أبي إسحاق: "أن أنساً قال: أوليس التكبير ثلاثاً؟ فقيل له: يا أبا حمزة! التكبير أربع، قال: أجل، غير أن واحدة هي افتتاح الصلاة". قوله: "أخرجه البخاري في ترجمة". قلت: مثله في "الجامع" (¬2)، والبخاري (¬3) لم يخرجه بل ذكره تعليقاً. قال ابن حجر (¬4): "أره موصولاً من طريق حميد. الخامس: حديث (ابن عباس): 5 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما -: أَنَّهُ صَلَّى عَلَى جَنَازَةٍ فَقَرَأَ بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ، فَقِيلَ لَهُ في ذلِكَ، فَقَالَ: إِنَّهُ مِنْ السُّنَّةِ. أخرجه الخمسة (¬5) إلا مسلماً، وهذا لفظ أبو داود. [صحيح] ترجم له البخاري (¬6): باب قراءة فاتحة الكتاب على الجنازة. قوله: "فقرأ بفاتحة الكتاب" لم يبين محل قراءتها، وقد وقع التصريح به في حديث جابر، أخرجه الشافعي (¬7) بلفظ: "وقرأ بأم الكتاب بعد التكبيرة". ¬

_ (¬1) في (أ. ب): "عليه"، وما أثبتناه من "الفتح". (¬2) (6/ 215). (¬3) في "صحيحه" (3/ 202 الباب رقم 64 - مع الفتح). (¬4) في "فتح الباري" (3/ 202). (¬5) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (1335)، وأبو داود رقم (3198)، والترمذي رقم (1026)، والنسائي رقم (1987)، وهو حديث صحيح. (¬6) في "صحيحه" (3/ 303 الباب رقم 65 - مع الفتح). (¬7) في "المسند" رقم (578 - ترتيب). وأخرجه الحاكم (1/ 358)، والبيهقي (4/ 39)، بسند ضعيف جداً.

قال الحافظ (¬1): أفاده شيخنا في شرح الترمذي وقال: إن سنده ضعيف. قوله (¬2): "لتعلموا أنها سنة" أي: طريقة نبوية, والأكثر أن قول الصحابي سنة له حكم الرفع. قوله: "آخره الخمسة إلا مسلماً، وهذا لفظ أبي داود". [السادس] (¬3): حديث (ابن عمر): 6 - وعن نافع: أَنَّ ابنَ عُمَرَ - رضي الله عنهما - كَانَ لَا يَقْرَأُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الجَنَازَة. أخرجه مالك (¬4). [موقوف صحيح] قوله: "لا يقرأ في الصلاة على الجنازة" وخالفه ابن عباس [318 ب] وعثمان بن حنيف [وأبو أمامة] (¬5) وجماعة من الصحابة والتابعين بالمدينة ومكة والبصرة، كلهم يرى قراءة فاتحة الكتاب مرة في الصلاة على الجنازة بعد أول تكبيرة، إلا ما روى حميد عن أنس: "أنه كان يقرأ في الصلاة على الميت في الثلاث التكبيرات بفاتحة الكتاب". أفاده ابن عبد البر (¬6). وفي رواية للنسائي (¬7): "أن ابن عباس قرأ على جنازة بفاتحة الكتاب وسورة وجهر حتى أسمعنا، وقال: إنها سنة وحق". ¬

_ (¬1) في "فتح الباري" (3/ 304). (¬2) انظر: "الأوسط" لابن المنذر (5/ 437، 438، 439). "المغني" (3/ 411)، "المدونة" (1/ 174)، "المجموع شرح المهذب" (5/ 191). (¬3) في (أ): الخامس. (¬4) في "الموطأ" (1/ 228 رقم 19)، وهو أثر موقوف صحيح. (¬5) كذا في (أ. ب): "والذي في الاستذكار" (8/ 261 رقم 11371)، وأبي أُسامة ابن سهل بن حنيف. (¬6) في "الاستذكار" (8/ 261 - 262). (¬7) في "السنن" رقم (1987)، وهو حديث صحيح.

إلا أنه قال البيهقي (¬1): ذكر السورة غير محفوظ. وقال النووي (¬2): إسناده صحيح. وأخرج الترمذي (¬3) وحسّنه من حديث أبي هريرة: "أنه - صلى الله عليه وسلم - صلى على جنازة فرفع يديه مع أول تكبيرة ثم وضع اليمنى على اليسرى". قوله: "أخرجه مالك" أي: عن نافع عن ابن عمر. [السابع] (¬4): حديث (أبي هريرة): 7 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا صلَّيْتُمْ عَلَى المَيَّتِ فَأَخْلِصُوا لَهُ الدُّعَاءَ". أخرجه أبو داود (¬5). [حسن] ¬

_ (¬1) في "السنن الكبرى" (4/ 38). (¬2) في "المجموع شرح المهذب" (5/ 189). (¬3) في "السنن" رقم (1077)، وقال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. قال الزيلعي في "نصب الراية" (2/ 258): " ... وأعله ابن القطان في كتابه "بأبي فروة" ونقل تضعيفه عن أحمد والنسائي وابن معين، والعقيلي. قال: وفيه علة أخرى، وهو أن يحيى بن يعلى الراوي عن أبي فروة، وهو أبو زكريا القطواني الأسلمي، هكذا صرح به عند الدارقطني، وهو ضعيف, ولهم آخر في طبقته يكنى "أبا المحيا" ذاك ثقة وليس هو هذا .. - أبو فروة هو يزيد بن سنان الرهاوي، ضعفه أحمد وابن معين وابن المديني، وقال البخاري: مقارب الحديث. انظر: "المجروحين" (3/ 106)، "الميزان" (4/ 427)، "المغني" (2/ 750)، "المجروحين" (3/ 106). وخلاصة القول: أن حديث أبي هريرة حديث حسن لغيره, والله أعلم. (¬4) في (أ): "السادس". (¬5) في "السنن" رقم (3199). وأخرج ابن ماجه رقم (1497)، وابن حبان رقم (3076)، والبيهقي (4/ 40)، وهو حديث حسن.

قوله: "فاخلصوا له الدعاء" تأتي ألفاظ: "حفظت عنه - صلى الله عليه وسلم - " في الدعاء على الميت والإخلاص الإقبال على الدعاء والتوجه الكلي إلى الله في الإجابة. قوله: "أخرجه أبو داود". [الثامن] (¬1): حديث (أبي هريرة أيضاً): 8 - وعنه - رضي الله عنه -: وسئل: كَيْفَ يُصَلَّى عَلَى الجَنَازَةِ؟ فَقَالَ: أَتْبَعُهَا مِنْ بَيْتِ أَهْلِهَا، فَإِذَا وُضِعَتْ كَبَّرْتُ وَحَمِدْتُ الله وَصَلَّيْتُ عَلَى نَبِيِّهِ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ أَقُولُ: اللهمَّ إِنَّهُ عَبْدُكَ، وَابْنُ عَبْدِكَ وَابْنُ أَمَتِكَ، كَانَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ وَأَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ، اللهمَّ إِنْ كَانَ مُحْسِنًا فَزِدْ في إِحْسَانِهِ، وَإِنْ كَانَ مُسِيئًا فَتَجَاوَزْ عَن سَيَئَاَتِهِ، اللهمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَه وَلَا تَفْتِنَّا بَعْدَهُ. أخرجه مالك (¬2). [موقوف صحيح] قوله: "فقال: اتبعها من بيت أهلها" من محل وفاته, والسؤال عن كيفية الصلاة لكنه أجاب بزيادة الإفادة. "فإذا وضعته" أي: للصلاة عليها. "كبّرت" أي: للإحرام. "وحمدت الله وصليت على نبيه - صلى الله عليه وسلم - " لم يبين موضعي الحمد والصلاة ولا عدد التكبير. "ثم أقول: عبدك" أي: هذا. "وابن عبدك وابن أمتك" فيه استعطاف لربه, واستجلاب لرحمته بأنه مملوكه وابن مماليكه. "كان يشهد [319 ب] أن لا إله إلا أنت وأن محمداً عبدك ورسولك" كما أمره بذلك. "وأنت أعلم به" أي: بحقيقة أمره وباطنه. ¬

_ (¬1) في (أ): "السابع". (¬2) في "الموطأ" (1/ 228 رقم 17)، وهو أثر موقوف صحيح.

"اللهم إن كان محسناً فزد في إحسانه" أي: في مجازاته بالحسنى. "وإن كان مسيئاً فتجاوز عن سيئاته" وهذا متفرع عن كونه تعالى أعلم به. "اللهم لا تحرمنا أجره" من تشييعه ودفنه. "ولا تفتنا بعده" بل اجعله موعظة لنا وعبرة. "أخرجه مالك" (¬1) موقوفاً على أبي هريرة. [التاسع] (¬2): حديث (عوف بن مالك): 9 - وعن عوف بن مالك - رضي الله عنه - قال: صَلَّى النّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى جَنَازَةٍ فَحَفِظْنَا مِنْ دُعَائِهِ: "اللهمَّ اغْفِرْ لَهُ, وَارْحَمْهُ، وَعَافِهِ وَاعْفُ عَنْهُ، وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ، وَوَسَّعْ مُدْخَلَهُ، وَاغْسِلْهُ بِالمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالبَرَدِ, وَنَقِّهِ مِنَ الخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ، وَأَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِنْ دَارِهِ, وَأَهْلاً خَيْرًا مِنْ أَهْلِهِ, وَزَوْجَاً خيرًا مِنْ زَوْجِهِ، وَأَدْخِلْهُ الجَنَّةَ، وَأَعِذْهُ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ، وَمِنْ عَذَابِ النَّارِ". قَالَ عَوْفٌ - رضي الله عنه -: حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنْ أَكُونَ أنَّا ذَلِكَ المَيِّتَ. أخرجه مسلم (¬3) واللفظ له، والترمذي (¬4) والنسائي (¬5). [صحيح] ¬

_ (¬1) وهو موقوف صحيح. (¬2) في (أ): "الثامن". (¬3) في "صحيحه" رقم (86/ 963). (¬4) في "السنن" رقم (1025)، (1500)، وقال: حديث حسن صحيح، قال محمَّد - البخاري -: أصح شيء في هذا الباب هذا الحديث. (¬5) في "السنن" رقم (1984). وأخرج أحمد (6/ 23، 28)، وهو حديث صحيح.

قوله: "فحفظنا من دعائه" هذا يدل أنه - صلى الله عليه وسلم - جهر بالدعاء (¬1)، وأنه سنة. قوله: "أخرجه مسلم واللفظ له والنسائي والترمذي". قلت: لفظه مختصر وهو قوله: "اللهم اغفر له وارحمه, واغسله بالبرد، واغسله كما يغسل الثوب" انتهى. وقال (¬2): أنه حسن صحيح. قال محمَّد بن إسماعيل: أصح شيء في هذا الباب هذا الحديث. انتهى. [العاشر] (¬3): حديث (لحسن): 10 - وعن الحسن أنه قال: يُقْرَأَ عَلَى الطَّفْلِ فَاتِحَةُ الكِتَابِ وَيَقُولُ: اللهمَّ اجْعَلْهُ لَنَا سَلَفاً وَفَرَطاً وَذُخْراً وَأَجْراً. أخرجه البخاري (¬4) في ترجمته. قوله: "يقرأ على الطفل فاتحة الكتاب" أي: كما يقرأ على المكلف. قوله: "سلفاً" في "الجامع" (¬5): "إذا مات للإنسان ولد صغير قيل: جعله الله لك سلفاً وفرطاً" فالسلف من سلف المال في المبيعات كأنه قد أسلفه وجعله ثمناً للأجر والثواب. ¬

_ (¬1) وهو خلاف ما صرّح به جماعة من استحباب الإسرار بالدعاء, وقد قيل: إن جهره بالدعاء لقصد تعليمهم. (¬2) الترمذي في "السنن" (3/ 345). (¬3) في (أ): "التاسع". (¬4) في "صحيحه" (3/ 203 رقم الباب 65 - مع الفتح). قال ابن حجر في "الفتح" (3/ 203): وصله عبد الوهاب بن عطاء في "كتاب الجنائز" له عن سعيد بن أبي عروبة أنّه سئل عن الصلاة على الصَّبي فأخبرهم عن قتادة عن الحسن أنَّه كان يكبر ثم يقرأ فاتحة الكتاب ثم يقول: "اللهم اجعله لنا سلفاً وفرطاً وأجراً". وأخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (4/ 10) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -. (¬5) (6/ 224).

والفرط (¬1) المتقدم على القوم لطلب الماء، أي: جعله الله لك متقدماً بين يديك [320 ب] وذخراً عنده. قوله: "أخرجه البخاري (¬2) في ترجمة" صوابه: ذكره, ولم يذكر الحافظ ابن حجر (¬3) أنه وصله أحد. [546/ أ]. [الحادي عشر] (¬4): حديث (عطاء): 11 - وعن عطاء - رضي الله عنه - قال: "صَلَّى النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى ابْنِهِ إِبْرَاهِيمَ وَهُوَ ابْنُ سَبْعِينَ لَيْلَةً". أخرجه أبو داود (¬5). [مرسل منكر] جعل له ابن الأثير (¬6) فرعاً في الصلاة على الأطفال، وذكر حديث (¬7) البهي ثم حديث عطاء. قوله: "أنه - صلى الله عليه وسلم - صلى على ابنه إبراهيم وهو ابن سبعين ليلة" (¬8) قوله: "أخرجه أبو داود". ¬

_ (¬1) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 360). (¬2) في "صحيحه" (3/ 403 رقم الباب 65 - مع الفتح). (¬3) في "الفتح" (3/ 203)، وقال: وصله عبد الوهاب بن عطاء في "كتاب الجنائز" له عن سعيد بن أبي عروبة ... " تقدم. (¬4) في (أ): "العاشر". (¬5) في "السنن" بإثر الحديث رقم (3188) مرسل منكر. (¬6) في "الجامع" (6/ 225). (¬7) ابن الأثير في "الجامع" (6/ 225 رقم 4321). حديث البهي أخرجه أبو داود في "السنن" رقم (3188)، وهو حديث ضعيف, والله أعلم. (¬8) تقدم وهو حديث مرسل منكر.

قلت: ترجم له أبو داود (¬1): باب الصلاة على الطفل، وساق سنده إلى عائشة (¬2) قالت: "مات إبراهيم ابن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو ابن ثمانية عشر شهراً، فلم يصلِ عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ". ثم أخرج (¬3) عن البهي قال: "لما مات إبراهيم ابن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المقاعد". ثم قال (¬4) بعد سياق طريقه إلى عطاء ما نقله المصنف. انتهى. قال الحافظ المنذري (¬5) على الرواية الأولى: أن فيها محمَّد بن إسحاق وفيه كلام. وفي الثانية التي عن البهي، فقال فيه: هو أبو محمَّد عبد الله بن يسار، مولى مصعب بن الزبير، يعد في الكوفيين. وقال (¬6) في الثالث وهو حديث عطاء: أنه مرسل. انتهى. والبهي بفتح الموحدة وكسر الهاء وتشديد المثناة التحتية، اسمه: عبد الله (¬7) مولى مصعب بن الزبير بن العوام، تابعي من الطبقة الثانية من تابعي الكوفيين، سمع عائشة وابن عمر وابن الزبير. ¬

_ (¬1) في "السنن" (3/ 528 الباب رقم 53). (¬2) أخرجه أبو داود في "السنن" رقم (3187) بإسناد حسن. (¬3) أبو داود في "السنن" رقم (3188)، وهو حديث ضعيف. (¬4) أبو داود في "السنن" (3/ 529). (¬5) في "مختصر السنن" (4/ 323 - 324). (¬6) المنذري في "مختصر السنن" (4/ 324). (¬7) قال ابن الأثير في "تتمة جامع الأصول" (1/ 234)، البهي: بفتح الياء وكسر الهاء، ليس نسباً إلى أحد، وإنّما هو لقب عبد الله البهي، مولى مصعب بن الزبير بن العوام.

واعلم أنه تكلم الخطابي (¬1) هنا فقال: قال بعض أهل العلم: استغنى إبراهيم عن الصلاة عليه بنبوة أبيه، كما استغنى الشهيد عن الصلاة بقربة الشهادة. وقال الزركشي (¬2): ذكروا في ذلك وجوهاً؛ منها: أنه لا يصلي نبي على نبي، وقد جاء: "أنه لو عاش [كان نبياً] (¬3) ". قلت: وهذه دعوى غريبة لا دليل عليها، وقد مات هارون قبل موسى، ولعله صلى عليه، إن كانت صلاة الجنازة مشروعة. ثم إنه لم يكن إبراهيم حينئذٍ نبياً حقيقة, بل مجازاً على تقدير محال [321 ب] وهو عيشه فإنه محال؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - خاتم رسل الله. وقيل: المعنى أنه لم يصل عليه في جماعة. وقد ورد: "أنه صلى عليه" وراه ابن ماجه (¬4) عن ابن عباس وأحمد عن البراء وأبو يعلى عن أنس، والبزار عن أبي سعيد، وأسانيدها ضعيفة, وحديث أبي داود أقوى، وقد صححه ابن حزم (¬5). قلت: لأبي داود حديثان: "أنه صلى" و"أنه لم يصل" وحديث النفي مرسل، وحديث عائشة مسند، وابن إسحاق الكلام عليه لا يقدح فيه. ¬

_ (¬1) في "معالم السنن" (3/ 528 مع السنن). (¬2) انظر المصدر المتقدم. (¬3) في (ب): كا نبيًّا، هكذا رسمت. (¬4) في "السنن" رقم (1511)، وهو حديث صحيح دون قوله: " ... لعتقت أخواله ... ". عن ابن عباس قال: لما مات إبراهيم ابن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقال: "إنّ له مرضعاً في الجنّة ولو عاش لكان صديقاً نبيًّا, ولو عاش لعتقت أخواله القِبطُ وما استرق قبطيٌ". (¬5) في "المحلى" (5/ 161 - 162).

الحديث [الثاني عشر] (¬1): حديث (جابر): 12 - وعن جابر - رضي الله عنه - قال: قَالَ رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "الطِّفْلُ لَا يُصَلَّى عَلَيْه, وَلَا يَرِثُ، وَلَا يُورَثُ حَتَّى يَسْتَهِلَّ". أخرجه الترمذي (¬2). [صحيح] قوله: "حتى يستهل" في "الجامع" (¬3): استهل المولود إذا بكى عند الولادة وصاح. قوله: "أخرجه الترمذي". قلت: وقال (¬4): هذا حديث قد اضطرب الناس فيه, فرواه بعضهم عن أبي الزبير عن جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرفوعاً، ورواه أشعث بن سوَّار وغيره عن أبي الزبير عن جابر موقوفاً، وكأن هذا أصح من الحديث المرفوع. وقد ذهب بعض أهل العلم إلى هذا فقالوا: لا يصلى على الطفل حتى يستهل، وهو قول الشافعي والثوري. وترجم الترمذي (¬5) لهذا: باب ما جاء في ترك الصلاة على الطفل حتى يستهل، وقدّم باب (¬6) الصلاة على الأطفال، وذكر بإسناده حديثاً عن المغيرة بن شعبة وفيه: "والطفل يصلى عليه" وقال: إنه حديث حسن صحيح. ¬

_ (¬1) في (أ. ب): "الحادي عشر". (¬2) في "السنن" رقم (1032)، وهو حديث صحيح. وأخرجه النسائي في "السنن الكبرى" رقم (6324)، وابن ماجه رقم (1508)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (4/ 8)، وهو حديث صحيح. (¬3) (6/ 225). (¬4) الترمذي في "السنن" (3/ 351). (¬5) في "السنن" (3/ 350 الباب رقم 43). (¬6) الترمذي في "السنن" (3/ 349 الباب رقم 42).

ثم قال (¬1): والعمل عليه عند بعض أهل العلم، من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيرهم، قالوا: يصلى على الطفل وإن لم يستهل بعد أن يعلم أنه خلق. انتهى كلامه. وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: مَاتَ إِبْرَاهِيمُ ابْنُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ ابْنُ ثمانِيةَ عَشَرَ شَهْرًا فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ. أخرجه أبو داود (¬2). [الثالث عشر] (¬3): حديث (نافع بن أبي غالب): 13 - وعن نافع بن أبي غالب قال: صَلَّى أَنَسٌ - رضي الله عنه - عَلَى جَنَازَةِ رُجُلٍ فَقَامَ عِنْدَ رَأْسِهِ فكبَّرَ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ، وَصَلّى عَلَى امْرَأَةٍ فَقَامَ عِنْدَ عَجِيزَتِهَا، وَكَبَّرَ أرْبَعاً، فَقِيلَ لَهُ: أهكَذَا كانَ رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَصْنَعُ؟ قَالَ: نَعَمْ. أخرجه أبو داود (¬4) والترمذي (¬5). [صحيح] قوله: "فقام عند عجيزتها" لفظ الترمذي (¬6): "فقام وسط السرير" وهو بمعنى حديث أبي داود. وفي "سنن أبي داود" (¬7): (قال أبو غالب: فسألت عن صنيع أنس في قيامه على المرأة [322 ب] عند عجيزتها، فحدثوني: أنه إنما كان لأنها لم تكن النعوش، فكان الإِمام يقوم حيال عجيزتها يسترها من القوم). انتهى. ¬

_ (¬1) الترمذي في "السنن" (3/ 350). (¬2) في "السنن" رقم (3187)، وهو حديث صحيح. (¬3) في (أ): "حادي عشر". (¬4) في "السنن" رقم (3194). (¬5) في "السنن" رقم (1034). وأخرجه أحمد (3/ 204)، وابن ماجه رقم (1494)، والبيهقي (4/ 33)، والطيالسي رقم (2149)، وهو حديث صحيح. (¬6) في "السنن" رقم (1034)، وهو حديث صحيح. (¬7) في "السنن" رقم (3194).

قوله: "أخرجه أبو داود والترمذي". قلت: وقال (¬1): حديث أنس حديث حسن، وقد رَوَى غير واحدٍ عن هَمَّام مثل هذا، ورَوَى وكيع هذا الحديث عن هَمَّام، فوهم فيه فقال: عن غالب عن أنس. والصَّحيحُ عن أبي غالب، واختلفوا في اسم أبي غالب هذا، فقال بعضهم: اسمه نافع، ويقال: رافع. [الرابع عشر] (¬2): حديث (عثمان وأبي هريرة وابن عمر): 14 - وعن عثمان، وأبي هريرة، وابن عمر - رضي الله عنهم -: أنَهُمْ كانُوا يُصَلُّونَ عَلَى جَنَازَةِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، فَيَجْعَلُونَ الرِّجَالُ مِمَّا يَلي الإِمَامَ، وَالنِّساءَ مِمَّا يَلي القِبْلَةَ. أخرجه مالك (¬3). [موقوف صحيح] قوله: "على جنازة الرجال والنساء" لفظ "الجامع" (¬4): "جنائز" وهو أولى، والمراد: إذا اجتمعت جنائز الفريقين قدم الرجال مما يلي الإِمام، والنساء مما يلي القبلة، وهذا فعل الصحابة الثلاثة، ولم يتفق في عصره - صلى الله عليه وسلم - ذلك، وإنما هو استحسان. وذكر ابن عبد البر (¬5) كلاماً في المسألة وخلافاً، ولكنه قال: إن أكثر العلماء في وضع الرجال يتلون النساء والنساء أمامهم. ورواه عن عدة من الصحابة. [547/ أ]. قوله: "أخرجه مالك". قلت: أخرجه (¬6) بلاغاً ولفظه: (أنه بلغه أن عثمان بن عفان وابن عمر وأبا هريرة). ¬

_ (¬1) أي: الترمذي في "السنن" (3/ 352 - 353). (¬2) في (أ): "الثاني عشر". (¬3) في "الموطأ" (1/ 230 رقم 24)، وهو أثر موقوف صحيح. (¬4) (6/ 231 رقم 4330). (¬5) في "الاستذكار" (8/ 277 - 278 رقم 11452). (¬6) مالك في "الموطأ" (1/ 230 رقم 24).

وقال ابن عبد البر (¬1): أنه رواه الدارقطني (¬2) موصولاً، ولفظه: عن مالك عن ابن شهاب عن أنس أن عثمان ... الحديث. إلا أنه قال (¬3): وهو عندي وهم، والصحيح ما في "الموطأ". انتهى. [الخامس عشر] (¬4): [15] وعن محمَّد بن أبي حرملة: أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ تُوُفِّيَتْ، وَطَارِقٌ أَمِيرُ المَدِينَةِ, فَأُوتِيَ بِجَنَازَتِهَا بَعْدَ الصُّبْحِ فَوُضِعَتْ بِالبقِيعِ، وَكَانَ طَارِقٌ يُغَلِّسُ بِالصُّبْحِ. فقَالَ ابْنَ عُمَرَ - رضي الله عنهما - لِأَهْلِهَا: إِمَّا أَنْ تُصَلُّوا عَلَى جَنَازَتِكُمْ الآنَ، وَإِمَّا أَنْ تَتْرُكُوهَا حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ. أخرجه مالك (¬5). [موقوف صحيح] حديث "محمَّد بن أبي حرملة" هو محمَّد بن أبي [323 ب] حرملة المدني مولى عبد الرحمن بن أبي سفيان بن حوطب بن عبد العزى القرشي، سمع ابن عمر وعطاء، سمع منه مالك بن أنس وابن عيينة (¬6). قال في "التقريب" (¬7): ثقة من السادسة. قوله: "وكان يومئذ طارق أمير المدينة". ¬

_ (¬1) في "الاستذكار" (8/ 277 رقم 11450). (¬2) في "السنن" (2/ 79 - 80). (¬3) أي: ابن عبد البر في "الاستذكار" (8/ 277 رقم 11451). (¬4) في (أ): "الثالث عشر". (¬5) في "الموطأ" (1/ 229 رقم 20)، وهو أثر موقوف صحيح. (¬6) قاله ابن الأثير في "تتمة جامع الأصول" (2/ 874 - قسم التراجم). (¬7) (2/ 153 رقم 129).

قلت: هو طارق (¬1) مولى عثمان بن عفان، تابعي، روى عن جابر، وكان أمير المدينة زمن عبد الملك بن مروان. قوله: "إما أن تؤخروها حتى ترتفع الشمس" ويأتي حديث (¬2): (أن ابن عمر كان يصلي على الجنازة بعد الصبح وبعد العصر إذا صليت لوقتهما). قال ابن عبد البر (¬3) - بعد ذكر الحديثين -: أنه اختلف أئمة الفتوى في ذلك، فقال مالك في رواية ابن القاسم عنه: لا بأس بالصلاة على الجنائز بعد العصر ما لم تصفر الشمس، فإذا اصفرّت لم يصلى عليها إلا أن يخاف تغيرها، فإن خيف ذلك صُلَّي عليها. قال (¬4): ولا بأس بالصلاة على الجنائز بعد الصبح ما لم يسفر، فإذا أسفر فلا يصلوا عليها إلا أن يخافوا. وهذا معنى (¬5) الحديثين المتقدمين عن ابن عمر. قال (¬6): ومذهب ابن عمر معلوم أنه لا يمنع من الصلاة إلا عند الطلوع، وعند الغروب. وذكر ابن عبد الحكم (¬7) عن مالك: أن الصلاة جائزة على الجنائز [في] (¬8) ساعات الليل ¬

_ (¬1) انظر: "التقريب" (1/ 376 رقم 9). (¬2) سيأتي تخريجه. (¬3) في "الاستذكار" (8/ 269 رقم 11405، 11406). (¬4) أي: مالك كما ذكره ابن عبد البر في "الاستذكار" (8/ 269 رقم 11407). (¬5) ذكره ابن عبد البر في "الاستذكار" (8/ 269 رقم 11408). (¬6) ذكره ابن عبد البر في "الاستذكار" (8/ 269 رقم 11408). (¬7) ذكره ابن عبد البر في "الاستذكار" (8/ 269 رقم 11409). (¬8) سقطت من (ب).

والنهار، وعند طلوع الشمس وعند غروبها، وهو مذهب الشافعي. قال الشافعي (¬1): يصلى على الجنائز في كل وقت؛ لأن النهي إنما ورد عنده في التطوع لا في الواجب والمسنون من الصلوات. وقال الثوري (¬2): لا يصلى على الجنازة إلا في مواقيت الصلاة، وتكره الصلاة عليها في نصف النهار وحين تغيب الشمس، وبعد الفجر حتى تطلع الشمس. وقال أبو حنيفة (¬3) [324 ب] وأصحابه: لا يصلى عليها عند طلوع الشمس ولا عند الغروب، ولا نصف النهار، ويصلى عليها في غيرها من الأوقات، وحجتهم حديث عقبة (¬4) ابن عامر قال: "ثلاث ساعات نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يصلى فيهن أو نقبر فيهن موتانا: عند طلوع الشمس حتى تبيض، وعند انتصاف النهار حتى تزول الشمس، وعند اصفرار الشمس حتى تغيب". انتهى. قلت: وأظهره دليلاً (¬5) هذا الأخير. ¬

_ (¬1) "البيان" للعمراني (3/ 93). (¬2) ذكره ابن عبد البر في "الاستذكار" (8/ 269 رقم 11414). وانظر: "المغني" (3/ 503 - 504)، "فتح الباري" (2/ 208). (¬3) "البناية في شرح الهداية" (2/ 59). (¬4) أخرجه أحمد (4/ 152)، ومسلم رقم (293/ 831)، وأبو داود رقم (3192)، والترمذي رقم (1030)، والنسائي (1/ 275)، وابن ماجه رقم (1519)، والطيالسي رقم (1001)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/ 151)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (2/ 452). وهو حديث صحيح. (¬5) انظر: شرح "صحيح مسلم" للنووي (6/ 110).

وعن نافع قال: كانَ ابنُ عُمَرَ - رضي الله عنهما - يُصَلِّي عَلَى الجْنَازَةِ بَعْدَ الصُّبْحِ وَبَعْدَ العَصْرِ إذَا صُلِّيَتَا لِوَقْتَيْهِمَا. أخرجه مالك (¬1). وللبخاري (¬2) في ترجمة باب بغير إسناد: كانَ ابنُ عُمَرَ لاَ يُصَلِّي إلَّا طَاهِراً، وَلاَ يُصَلِّي عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَلاَ غُرُوبِهَا وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ. قوله: "وللبخاري في ترجمة باب بغير إسناد". أقول: قال الحافظ في "الفتح" (¬3): وصله مالك في "الموطأ" (¬4) عن نافع عن ابن عمر بلفظ: (أن ابن عمر كان يقول: لا يصلي الرجل على الجنازة إلا وهو طاهر). قوله: "ولا يصلي عند طلوع الشمس ولا عند غروبها" قال أيضاً (¬5): وصله سعيد بن منصور من طريق أيوب عن نافع. قوله: "ويرفع يديه" وصله البخاري (¬6) في كتاب "رفع اليدين" المفرد من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر: (أنه كان يرفع يديه مع كل تكبيرة على الجنازة). وقد روي مرفوعاً أخرجه الطبراني في "الأوسط" (¬7) عن نافع عن ابن عمر بإسناد ضعيف، قاله الحافظ (¬8). ¬

_ (¬1) في "الموطأ" (1/ 229 رقم 21)، وهو أثر موقوف صحيح. (¬2) في "صحيحه" (2/ 189 الباب رقم 56). (¬3) (3/ 190). (¬4) (1/ 230 رقم 26)، وهو أثر موقوف صحيح. (¬5) الحافظ في "الفتح" (3/ 190). (¬6) (ص 155 رقم 184). (¬7) رقم (8417)، وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (3/ 32)، وقال: وفيه عبد الله بن محرر وهو مجهول. (¬8) في "الفتح" (3/ 190).

قلت: كرّر البخاري (¬1) في هذا الباب أدلة أنها تصلى صلاة الجنازة صلاة. قال ابن رشيد (¬2) نقلاً عن ابن المرابط وغيره: مراد البخاري الرد على من يقول أن الصلاة على الجنازة إنما هي دعاء لها واستغفار، فتجوز على غير طهارة. ونقل ابن عبد البر (¬3) الاتفاق على اشتراط الطهارة فيها إلا عن الشعبي. قال (¬4): وقد وافقه إبراهيم بن عليه وهو ممن يرغب عن كثير من قوله، ونقل غيره: أن ابن جرير الطبري يوافقهما على ذلك، وهو مذهب (¬5) شاذ. [السادس عشر] (¬6): حديث (عائشة): 16 - وعن عائشة - رضي الله عنها -: أَنَّهَا لمَّا مَاتَ سَعْدُ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ - رضي الله عنه - قالَتْ: ادْخُلُوا بِهِ المَسْجِدَ حَتَّى أُصَلِّيَ عَلَيْهِ، فَأُنْكِرَ ذَلِكَ عَلَيْهَا، فَقَالَتْ: مَا أَسْرَعَ مَا نَسِيَ النَّاسُ، وَالله لَقَدْ صَلَّى رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - عَلَى ابْنَيْ بَيْضَاءَ في المَسْجِدِ: سُهَيْلٍ وَأَخِيهِ. أخرجه الستة (¬7) إلا البخاري. [صحيح] ¬

_ (¬1) في "صحيحه" (3/ 189 - 190 - مع الفتح). (¬2) ذكره الحافظ في "الفتح" (3/ 191). (¬3) في "الاستذكار" (8/ 283 رقم 505). (¬4) ابن عبد البر في "الاستذكار" (8/ 283 رقم 11492). (¬5) قال ابن عبد البر في "الاستذكار" (8/ 283 - 284 رقم 11494): قول الشعبي هذا لم يلتفت أحد إليه ولا عرج عليه، وقد أجمعوا أنّه لا يصلّى عليها إلا إلى القبلة، ولو كانت دعاءً كما زعم الشّعبيُّ لجازت إلى غير القبلة، ولما أجمعوا على التكبير فيها، واستقبال القبلة بها علم أنها صلاة، ولا صلاة إلا بوضوء، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يقبل الله صلاة بغير وضوء". (¬6) في (أ): "الرابع عشر". (¬7) أخرجه مسلم رقم (99/ 973)، وأبو داود رقم (3189)، والترمذي رقم (1033)، والنسائي رقم (1967)، وابن ماجه رقم (1518)، وهو حديث صحيح.

قوله: "لما مات سعد بن أبي وقاص" سعد توفي بداره، وكانت بالعقيق على عشرة أميال من المدينة, وحمل على أعناق الرجال إلى المدينة، وصلى عليه [325 ب] مروان بن الحكم، ودفن بالبقيع سنة إحدى، أو خمس، أو ست، أو سبع، أو ثمان وخمسين، وهو آخر العشرة موتاً. [548/ أ]. قوله: "على ابني (¬1) بيضاء في المسجد سهيل وأخيه" اسمه سهل، ماتا في حياته - صلى الله عليه وسلم - وصلى عليهما, ولهما أخ اسمه صفوان يعرفون بأمهم البيضاء واسمها دعد، واسم أبيهم وهب بن ربيعة الفهري، قاله الكاشغري. قالوا: إنما أنكروا على عائشة لحديث (¬2) أبي هريرة عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من صلى على جنازة في المسجد فلا شيء له" [و] (¬3) يأتي لفظه قريباً. وبأنه - صلى الله عليه وسلم - (¬4) نعى للناس النجاشي وخرج بهم إلى المصلى فصفّ بهم وكبر أربع تكبيرات. قالوا: ولم يصلِّ عليه في المسجد. ¬

_ (¬1) ذكرهما ابن الأثير في "تتمة جامع الأصول" (1/ 451، 453 - قسم التراجم). وانظر: شرح "صحيح مسلم" للنووي (7/ 39). (¬2) أخرجه أبو داود في "السنن" رقم (3191)، وهو حديث حسن. (¬3) زيادة من (أ). (¬4) عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أنّ النّبي - صلى الله عليه وسلم - نعى النجاشيَّ في اليوم الذي مات فيه، وخرج إلى المصلَّى، فصفَّ بهم وكبَّر عليه أربع تكبيرات". أخرجه أحمد (2/ 280 - 281)، والبخاري رقم (1333)، ومسلم رقم (62/ 951)، وأبو داود رقم (3204)، والترمذي رقم (1022)، والنسائي رقم (1972)، وابن ماجه رقم (1534)، وهو حديث صحيح.

وأجيب عن حديث أبي هريرة أنه قال فيه أحمد بن حنبل (¬1): أنه لا يثبت، ثم قال: رواه صالح مولى التوأمة (¬2) وليس بشيء مما انفرد به. وصحح أحمد أن السنة: الصلاة على الجنازة في المسجد. وقال بذلك الشافعي وجمهور أهل العلم، وهي السنة المعمول بها في الخليفتين بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى على أبي بكر وعمر في المسجد بمحضر كبار الصحابة وصدر السلف من غير نكير. وأجيب عن حديث النجاشي بأنه ليس في صلاته - صلى الله عليه وسلم - على الجنائز في موضع، ولا صلاة العيد في موضع، دليل على أن صلاة الجنازة وصلاة العيد لا تجوز إلا في ذلك الموضع، وكل فعل ما نهى عنه الله - عز وجل - , [326 ب] ولا رسوله مباح فعله، فكيف بما فعله - صلى الله عليه وسلم -؟ وعقد البخاري (¬3) له باباً فقال: باب الصلاة على الجنائز بالمصلى والمسجد، وذكر أدلة ذلك. قوله: "أخرجه الستة إلا البخاري". وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: صُلِّيَ عَلَى عُمَرَ - رضي الله عنه - في المَسْجِدِ. أخرجه مالك (¬4). ¬

_ (¬1) انظر: "المغني" (3/ 421 - 423)، و"مسائل أحمد لأبي داود" رقم (157). (¬2) صالح بن نبهان المدني، مولى التوأمة: صدوق، اختلط، قال ابن عدي: لا بأس برواية القدماء عنه كابن أبي ذئب، وابن جريج، من الرابعة، مات سنة خمس - أو ست - وعشرين، وقد أخفى من زعم أن البخاري أخرج له "التقريب" رقم (2892). قال المحرران: صدوق حسن الحديث بالنسبة لمن روى عنه قبل اختلاطه، وهم: أسيد بن أبي أسيد البراد, وزياد بن سعد، وسعيد بن أبي أيوب، وعبد الله بن علي الإفريقي، وعبد الملك بن جريج، وعمارة بن غزية، ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب، وموسى بن عقبة. أمّا الآخرون فروايته ضعيفة لسماعهم منه بعد الاختلاط. (¬3) في "صحيحه" (3/ 198 الباب رقم 60 - مع الفتح). (¬4) في "الموطأ" (1/ 230 رقم 23)، وهو أثر موقوف صحيح.

[السابع عشر] (¬1): حديث (أبي هريرة): 17 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ صَلَّى عَلَى جَنَازَةٍ في المَسْجدِ فَلاَ شَيْءَ لَهُ. في نُسْخَةٍ: فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ" أخرجه أبو داود (¬2). [حسن] قوله: "فلا شيء له" تقدم الكلام فيه. [الثامن عشر] (¬3): حديث (أبي هريرة): 18 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أَنَّ امْرَأَةً سوْدَاءَ كَانَتْ تَقُمُّ المَسْجِدَ أَوْ شَابًّا، فَفَقَدَهَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فَسَأَل عَنْهَا أَوْ عَنْهُ فَقَالُوا: مَاتَ. قَالَ: "أَفلَا كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي؟ " فَكَأَنَّهُمْ صَغَّرُوا أَمْرَهَا أَوْ أَمْرَهُ، فَقَالَ: "دُلُّونِي عَلَى قَبْرِهَا" فَدَلُّوهُ فَصَلَّى عَلَيْهَا، ثُمَّ قَالَ: "إِنَّ هَذِهِ القُبُورَ مَملوءَةٌ ظُلْمَةً عَلَى أَهْلِهَا، وَإِنَّ الله يُنَوِّرُهَا لهُمْ بِصَلَاتِي عَلَيْهِمْ". أخرجه الشيخان (¬4) واللفظ لمسلم، وأبو داود (¬5). [صحيح] "الإِيذَانُ": الإعلام (¬6). قوله: "أن امرأة سوداء" سمَّاها البيهقي أم محجن، وكذا الكاشغري، وزاد البيهقي: أن الذي أجاب النبي - صلى الله عليه وسلم - عن سؤاله أبو بكر. وفي البخاري (¬7): أن أسود رجلاً أو امرأة. ¬

_ (¬1) في (أ): "الخامس عشر". (¬2) في "السنن" رقم (3191)، وهو حديث حسن، وأخرجه ابن ماجه رقم (1517). (¬3) في (أ): "السادس عشر". (¬4) أخرجه البخاري رقم (1337)، ومسلم رقم (71/ 956). (¬5) في "السنن" رقم (3203). (¬6) قال ابن الأثير في "الجامع" (6/ 237): الإيذان: الإعلام بالأمر. (¬7) في "صحيحه" رقم (1337).

قوله: "تقم" (¬1) بفتح المثناة الفوقية وضم القاف أي: تجمع القمامة وهي الكناسة. وفي رواية: "كانت تلتقط الخزق والعيدان من المسجد وهما من القمامة". قوله: "فصلى عليها" فيه مشروعية الصلاة على القبر. قال ابن المنذر (¬2): أنه قال بمشروعيتها الجمهور، ومنعه النخعي (¬3) ومالك (¬4) وأبو حنيفة (¬5) وعنهم: إن دفن قبل أن يصلى عليه شرع وإلا فلا، واحتجوا بقوله في الحديث: "إن هذه القبور مملوءة ظلمة, وإن الله ينوّرها عليهم بصلاتي" بأن ذلك من خصائصه - صلى الله عليه وسلم -. وردَّ (¬6): بأن الحديث في بعض طرقه: "فصففنا خلفه وكبر عليه أربعاً". قال ابن حبان (¬7): في ترك إنكاره على من صلى معه على القبر بيان جواز ذلك لغيره وأنه ليس من خصائصه، وتعقب بأن الذي وقع بالتبعية لا ينهض دليلاً للأصالة. قلت: وفيه أنه لو كان من خصائصه لأبانه لهم ذلك، وليس في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ينورها عليهم بصلاتي" ما يدل على أنه يختص به، ولا على أنها لا تنوّر بصلاة غيره، إذ هو من مفهوم الإضافة وهو كمفهوم الصفة فيه الخلاف. ¬

_ (¬1) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 491). "المجموع المغيث" (2/ 753). (¬2) في "الأوسط" (5/ 413). (¬3) أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (3/ 362) من طريق مغيرة عن إبراهيم قال: لا يُصلَّى على الميت مرتين. (¬4) حكاه ابن المنذر في "الأوسط" (5/ 413). (¬5) "البناية في شرح الهداية" (3/ 48 - 49). (¬6) انظر: "فتح الباري" (3/ 205). (¬7) في "صحيحه" (7/ 357).

قوله: "أخرجه الشيخان وأبو داود". "الإيذان: الإعلام". [التاسع عشر] (¬1): حديث (أنس): 19 - وعن أنس - رضي الله عنه -: أَنَّ رسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - صَلّى عَلَى قَبْرٍ. أخرجه مسلم (¬2). [صحيح] ومضى الكلام عليه. [العشرون] (¬3): حديث [327 ب] (ابن المسيب). 20 - وعن ابن المسيب: أنَّ أُمَّ سَعْدٍ - رضي الله عنها - مَاتَتْ والنَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - غَائِبٌ، فَلمَّا قَدِمَ صَلَّى عَلَيْهَا وَقَدْ مَضى لِذلِكَ شَهْرٌ. أخرجه الترمذي (¬4). [ضعيف] قوله: "أن أم سعد" هو سعد بن عبادة، واسم أمه عمرة بن مسعود. قوله: "أخرجه الترمذي". قلت: أخرج حديثه صلاته - صلى الله عليه وسلم - على القبر المنبوذ في باب (¬5) الصلاة على القبر، ولفظه: عن الشعبي: "أخبرني من رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - ورأى قبراً [منتبذاً] (¬6) ". قال في "النهاية" (¬7): أي: منفرداً عن القبور بعيداً منها: "فصف أصحابه وصلى عليه, فقيل له - أي: الشعبي - من أخبرك؟ قال: ابن عباس". ¬

_ (¬1) في (أ): "السابع عشر". (¬2) في "صحيحه" رقم (955). (¬3) في (أ): "الثامن عشر". (¬4) في "السنن" رقم (1038)، وهو حديث ضعيف. (¬5) أخرجه الترمذي في "السنن" (3/ 355 الباب رقم 47 الحديث 1037)، وهو حديث صحيح. (¬6) في (أ. ب): "منبوذاً". وما أثبتناه من السنن. (¬7) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 702). وانظر: "الفائق" للزمخشري (3/ 400).

ثم قال (¬1): والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيرهم، وهو قول الشافعي (¬2) وأحمد (¬3) وإسحاق. وقال بعض أهل العلم: لا يصلى على القبر. وهو قول مالك بن أنس. وقال ابن المبارك: إذا دفن الميت ولم يصل عليه يصلى على القبر. وقال أحمد (¬4) وإسحاق: يصلى على القبر إلى شهر، وقال: أكثر ما سمعنا عن ابن المسيب: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى على قبر أم سعد بن عبادة (¬5) بعد شهر". ثم ساق حديث ابن المسيب بسنده إليه. قلت: وهو مرسل؛ لأن سعيداً لم يدرك موت أم سعد، بل ولا أدرك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. [الحادي والعشرون] (¬6) [549/ أ]: حديث (عقبة بن عامر): 21 - وعن عقبة بن عامر - رضي الله عنه -: "أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - صلَّى عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ بَعْدَ ثمانِ سِنِينَ كَالمُوَدعِّ لِلْأَحْيَاءِ وَالأَمْوَاتِ". أخرجه أبو داود (¬7) والنسائي (¬8). [صحيح] ¬

_ (¬1) الترمذي في "السنن" (3/ 356). (¬2) انظر: "المجموع شرح المهذب" (5/ 210). (¬3) "المغني" (3/ 444 - 446). (¬4) "المغني" (3/ 445). (¬5) وهو حديث ضعيف، وقد تقدم. (¬6) في (أ): "التاسع عشر". (¬7) في "السنن" رقم (3224). (¬8) في "السنن" رقم (1954). وأخرجه البخاري رقم (4042)، ومسلم رقم (2296).

قوله: "صلى على قتلى أُحد بعد ثمان سنين" ترجم البخاري (¬1): باب الصلاة على الشهيد، ثم ذكر حديث (¬2) جابر بن عبد الله: أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يصل على شهداء أُحد. ثم ذكر حديث عقبة (¬3) هذا بزيادة في لفظه. وترجم (¬4) له الترمذي بباب: ترك الصلاة على الشهيد، وذكر حديث جابر وقال: إنه حديث حسن صحيح. ثم قال (¬5): وقد اختلف أهل العلم في الصلاة على الشهيد، فقال بعضهم: لا يصلى على الشهيد، وهو قول أهل المدينة، وبه يقول الشافعي (¬6) وأحمد (¬7). وقال بعضهم: يصلى على الشهيد، واحتجوا بحديث النبي - صلى الله عليه وسلم - "أنه صلى على حمزة". وهو قول الثوري [328 ب] وأهل الكوفة (¬8)، وبه يقول إسحاق. انتهى. ¬

_ (¬1) في "صحيحه" (3/ 209 الباب رقم 72 - مع الفتح). (¬2) البخاري في "صحيحه" رقم (1343). وأخرجه النسائي (1955)، وابن ماجه رقم (1514)، والترمذي رقم (1036)، وقال: حديث حسن صحيح، وعبد بن حميد في "المنتخب" رقم (1119)، وأبو داود رقم (3138) و (3139)، وابن الجارود رقم (552)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (1500)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (4/ 10)، وهو حديث صحيح. (¬3) البخاري في "صحيحه" رقم (1344). (¬4) في "السنن" (3/ 354 الباب رقم 46). (¬5) أي: الترمذي في "السنن" (3/ 355). (¬6) "الأم" (2/ 597). (¬7) "المغني" (3/ 467). (¬8) انظر: "البناية في شرح الهداية" (3/ 308). "شرط معاني الآثار" (1/ 504).

وفي "فتح الباري" (¬1): قال الشافعي في "الأم" (¬2): جاءت الأخبار كأنها عيان من وجوه متواترة: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يصل على قتلى أحد". وما روي: "أنه صلَّى - صلى الله عليه وسلم - على حمزة سبعين تكبيرة" لا يصح، وقد كان ينبغي لمن عارض بذلك هذه الأحاديث الصحيحة أن يستحيي على نفسه. قال: وأما أحاديث عقبة بن عامر فقد وقع في نفس الحديث أن ذلك كان بعد ثمان سنين يعني: والمخالف يقول: لا يصلى على القبر إذا طالت المدة فكأنه - صلى الله عليه وسلم - دعا لهم واستغفر لهم حين علم قرب أجله مودعاً لهم بذلك، ولا يدل على نسخ الحكم الثابت. انتهى. قال ابن حجر (¬3): ثم إن الخلاف في ذلك من منع الصلاة عليهم على الأصح عند الشافعية، وفي وجه أن الخلاف في الاستحباب، وهو المنقول عن الحنابلة (¬4). قال المروزي (¬5) عن أحمد: الصلاة على الشهيد أجود، وإن لم يصلوا عليه أجزأ. قوله: "أخرجه الترمذي" قدّمنا كلامه. [الثاني والعشرون] (¬6): حديث (جابر): 22 - وعن جابر - رضي الله عنه -: أنَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "تُوُفَّيَ اليَوْمَ رَجلٌ صَالِحٌ مِنْ الحَبَشِ فَهَلُمَّ فَصَلُّوا عَلَيْهِ. قَالَ: فَصَفَفْنَا عَلَيْه, فَكُنْتُ فِي الصَّفِّ الثَّانِي أَوْ الثَّالِثِ فَصَلَّى عَلَيْهِ". ¬

_ (¬1) (3/ 210). (¬2) في "الأم" (2/ 597). (¬3) في "الفتح" (3/ 210). (¬4) انظر: "المغني" (3/ 467). (¬5) ذكره الحافظ في "الفتح" (3/ 210). (¬6) في (أ): "العشرون".

أخرجه الشيخان (¬1) والنسائي (¬2). [صحيح] قوله: "من الحبش" بفتح المهملة والموحدة بعدها معجمة. قوله: "وكنت في الصف الثاني أو الثالث" ظاهر صنيع المصنف: أن الحديث في الصحيحين هكذا, وليس كذلك، بل الذي في البخاري (¬3): "فصففنا عليه, فصلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ونحن صفوف. قال أبو الزبير عن جابر: وكنت في الصف الثاني" هكذا معلقاً. قال الحافظ ابن حجر (¬4): وصله النسائي (¬5) من طريق شعبة عن أبي الزبير بلفظ: "كنت في الصف الثاني يوم صلى - صلى الله عليه وسلم - على النجاشي". انتهى. ولم أجد في البخاري: "أو الثالث" إلا أنه قال ابن الأثير (¬6): وفي رواية لهما: "وكنت في [329 ب] الصف الثاني أو الثالث". قوله: "أخرجه الشيخان والنسائي". [الثالث والعشرون] (¬7): حديث (أبي برزة): 23 - وعن أبي برزة الأسلمي - رضي الله عنه -: "أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يُصَلِّ عَلَى مَاعِزِ بْنِ مَالِكٍ، وَلَمْ يَنْهَ عَنِ الصَّلاَةِ عَلَيْهِ". أخرجه أبو داود (¬8). [إسناده حسن] ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (1320)، ومسلم رقم (65/ 652). (¬2) في "السنن" (4/ 61، 62). وهو حديث صحيح. (¬3) في "صحيحه" رقم (1320). (¬4) في "الفتح" (3/ 187). (¬5) في "السنن" (4/ 61، 62). (¬6) في "الجامع" (6/ 242 - 243). (¬7) في (أ): "الحادي والعشرون". (¬8) في "السنن" رقم (3186) بسند حسن.

قوله: "لم يصل على ماعز بن مالك، ولم ينه عن الصلاة عليه" أي: الذي رجم في حدِّ الزنا. قال القاضي عياض (¬1): ولم يذكر مسلم صلاته - صلى الله عليه وسلم - على ماعز، وذكرها البخاري. وقد اختلف العلماء في الصلاة على المرجوم، فكرهها مالك (¬2) وأحمد (¬3) وأهل الفضل دون باقي الناس، ويصلي عليه غير الإِمام وأهل الفضل. وقال الشافعي (¬4) وآخرون: يصلي عليه الإِمام وأهل الفضل وغيرهم، والخلاف بين الشافعي ومالك إنما هو في الإِمام وأهل الفضل، وأما غيرهم فاتفقا على أنه يصلي، وبه قال جماهير (¬5) العلماء، قالوا: فيصلى على الفسّاق والمقتولين في الحدود والمحارب وغيرهم. وقال الزهري (¬6): لا يصلي أحد على المرجوم وقاتل نفسه. وقال قتادة (¬7): لا يصل على ولد الزنا، واحتج الجمهور بهذا الحديث، وفيه دلالة على أن الإِمام وأهل الفضل يصلون عليه. انتهى. قوله: "أخرجه أبو داود". ¬

_ (¬1) في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (3/ 454). (¬2) انظر: "مدونة الفقه المالكي" (1/ 581). (¬3) "المغني" (3/ 508 - 509). (¬4) انظر: "الأوسط" (5/ 406 - 408). (¬5) انظر: شرح "صحيح مسلم" للنووي (7/ 47). "المغني" (3/ 508). (¬6) أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" (3/ 535 رقم 6618). (¬7) أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" (3/ 534 رقم 6613).

قلت: في "مختصر السنن" (¬1) للمنذري ما لفظه: قوله - أي: أبي داود - عن نفر من أهل البصرة فيه مجاهيل. وأخرج مسلم في صحيحه (¬2) حديث ماعز عن أبي سعيد الخدري وفيه: "فما استغفر له ولا سبه". وأخرجه (¬3) من حديث بريدة بن الحصيب وفيه مقال: "استغفروا لماعز بن مالك [550/ أ] فقالوا: غفر الله لماعز بن مالك". وأخرجه البخاري في صحيحه (¬4) عن محمود بن غيلان عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن أبي سلمة عن جابر وفيه: "فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - خيراً وصلّى عليه". وقال البخاري (¬5): لم يقل يونس وابن جرير عن الزهري: فصلى عليه، هذا آخر كلامه. وقد أخرجه أبو داود (¬6) والترمذي (¬7) والنسائي (¬8) من حديث معمر عن الزهري [330 ب] وفيه: "فلم يصل عليه". ¬

_ (¬1) (4/ 320 - 322). (¬2) رقم (20/ 1694). (¬3) أي: مسلم في "صحيحه" رقم (22/ 1695). (¬4) رقم (6820). (¬5) في "صحيحه" بإثر الحديث رقم (6820). (¬6) في "السنن" رقم (4429). (¬7) في "السنن" رقم (1429). (¬8) في "السنن" رقم (1956). وهو حديث صحيح.

وعلل بعضهم هذه الزيادة وهو قوله: "فصلى عليه" بأن محمَّد بن يحيى لم يذكرها، وهو أضبط من محمود بن غيلان، قال: وتابع محمَّد بن يحيى نوح بن حبيب. وقال غيره: كذا رواه عن عبد الرزاق والحسن بن علي ومحمد بن المتوكل ولم يذكر الزيادة. قال: وما أرى مسلماً ترك رواية محمود بن غيلان إلا مخافة هؤلاء، هذا آخر كلامه. وقد خالفه (¬1) أيضاً إسحاق بن إبراهيم الحنظلي المعروف بابن راهويه، وحميد بن زنجويه وأحمد بن المنصور الرمادي وإسحاق بن إبراهيم الدبري، فهؤلاء ثمانية من أصحاب عبد الرزاق خالفوا محمود بن غيلان في هذه الزيادة، وفيهم هؤلاء الحفاظ: إسحاق بن راهويه، ومحمد بن يحيى الذهلي، وحميد بن زنجويه. وقد أخرجه مسلم (¬2) في صحيحه عن إسحاق بن راهويه عن عبد الرزاق ولم يذكر لفظه، غير أنه قال نحو رواية عقيل وحديث عقيل (¬3) الذي أشار إليه ليس فيه ذكر الصلاة. وقال أبو بكر البيهقي (¬4): ورواه البخاري عن محمود بن غيلان عن عبد الرزاق، إلا أنه قال: "وصلى عليه" وهو خطأ لإجماع أصحاب عبد الرزاق على خلافه، ثم إجماع أصحاب الزهري على خلافه. هذا آخر كلامه. وقد أخرج مسلم في صحيحه (¬5) وأبو داود (¬6) والترمذي (¬7) ....................... ¬

_ (¬1) انظر: "فتح الباري" (12/ 130). (¬2) في "صحيحه" رقم (1691). (¬3) أخرجه مسلم في "صحيحه" رقم (16/ 1691). (¬4) في "السنن الكبرى" (8/ 218). (¬5) في "صحيحه" رقم (24/ 1696). (¬6) في "السنن" رقم (4420). (¬7) في "السنن" رقم (1435)، وقال: هذا حديث حسن صحيح.

والنسائي (¬1) وابن ماجه (¬2) من حديث عمران بن حصين حديث الجهنية وفيه: "فأمر بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فشكّت عليها ثيابها، ثم أمر بها فرجمت, ثم صلى عليها، فقال له عمر: أتصلي عليها يا نبي الله وقد زنت؟ فقال: "لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم، وهل وجدت توبة أفضل من أن جادت بنفسها في سبيل الله". وهذا الحديث ظاهر جداً في الصلاة على المرجوم، والله أعلم. وإنما حملت الصلاة في حديث محمود بن غيلان على الدعاء وسقت [331 ب] الأحاديث كلها. انتهى كلام المنذري (¬3). [الرابع والعشرون] (¬4): حديث (أبي هريرة): 24 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: كَانَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يُؤْتَى بِالرَّجُلِ المتوَفَّى وَعَلَيْهِ الدَّيْنُ فَيَسْأَلُ: هَلْ تَرَكَ لِدَيْنِهِ قَضَاءً؟ فَإِنْ حُدِّثَ أَنَّهُ تَرَكَ وَفَاءً صَلَّى، وَإِلَّا قَالَ: صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ. فَلمَّا فَتَحَ الله عَلَى رَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم - كانَ يُصَلِّي وَلاَ يَسْأَلُ، وَكانَ يَقُولُ: "أَنا أَولَى بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، فَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا أوْ كَلاًّ أوْ ضَيَاعاً فإِلَيَّ وَعَليَّ، وَمَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ". أخرجه الخمسة (¬5) إلا أبا داود. [صحيح] "الكَلُّ": الثقل والدين (¬6). ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (1957). (¬2) في "السنن" رقم (2555)، وهو حديث صحيح. (¬3) في "مختصر السنن" (4/ 320 - 322). (¬4) في (أ): "الثاني والعشرون". (¬5) أخرجه البخاري رقم (2298، 5371، 6731)، ومسلم رقم (1619)، والترمذي رقم (1070)، والنسائي (4/ 66)، وهو حديث صحيح. (¬6) قاله ابن الأثير في "جامع الأصول" (245).

"وَالضَّيَاعُ" بفتح الضاد: العيال (¬1). قوله: "فإن حُدّث أنه ترك وفاء صلى" أو يحمل دينه عنه أحد الحاضرين كما ثبت ذلك من حديث (¬2) أبي قتادة " [و] (¬3): أنه تحمل الدين [عن من لا وفاء له] (¬4)، فصلّى عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ". قوله: "فلما فتح الله على رسوله - صلى الله عليه وسلم - " المراد: لما اتسع نطاق الإِسلام وجاءت الغنائم وغيرها، كان يتحمل بالدين وإن لم يصرح هنا إلا بقوله: "كان لا يسأل" أي: عند إرادته الصلاة وكأنه يسأل بعد ذلك ثم يقضيه، وإنما كان يترك الصلاة على من عليه دين ولم يخلف وفاءً، لئلا يتساهل الناس في الاستدانة ويهملوا الوفاء، فزجرهم عن ذلك بترك الصلاة، فلما فتح الله عليه مبادئ الفتوح قال: "من ترك ديناً فعليّ قضاؤه" فكان يقضيه وجوباً. قوله: "أخرجه الخمسة إلا أبا داود". قوله: "الثقل" بالمثلثة والقاف والدين، وهو عطف تفسيري. [551/ أ]. [الخامس والعشرون] (¬5): حديث (جابر بن سمرة): 25 - وعن جابر بن سمرة - رضي الله عنه - قال: أُتِيَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِرَجُلٍ قَتَلَ نَفْسَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ. أخرجه مسلم (¬6) .................................................................... ¬

_ (¬1) قاله ابن الأثير في "جامع الأصول" (245). (¬2) أخرجه أحمد (3/ 330)، والطيالسي رقم (1673)، والبيهقي (6/ 75)، والبزار رقم (1334) من حديث جابر - رضي الله عنه - بسند حسن. (¬3) زيادة من (أ). (¬4) في (أ. ب): "على من لم وفي". ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬5) في (أ): "الثاني والعشرون". (¬6) في "صحيحه" رقم (107/ 978).

والترمذي (¬1) والنسائي (¬2). [صحيح] قوله: "فلم يصل عليه" قال الترمذي (¬3): اختلف أهل العلم في هذا؛ فقال بعضهم: يصلى على كل من صلى القبلة وعلى قاتل النفس. وهذا قول سفيان الثوري وإسحاق. وقال أحمد (¬4): لا يصلي الإِمام على قاتل النفس ويصلي عليه غير الإِمام. انتهى. قوله: "أخرجه مسلم والترمذي والنسائي". [السادس والعشرون] (¬5): حديث (عائشة): 26 - وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا مِنْ مَيِّتٍ تُصَلِّي عَلَيْهِ أُمَّةٌ مِنْ المُسْلِمِينَ يَبْلُغُونَ مِائَةً كلُّهُمْ يَشْفَعُونَ لَهُ إِلَّا شُفِّعُوا فِيهِ". أخرجه مسلم (¬6) والترمذي (¬7) والنسائي (¬8). [صحيح] قوله: "أمة من المسلمين" قيل: الأمة من الأربعين إلى المائة، ويأتي بيانه في حديث ابن عباس. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (1068). (¬2) في "السنن" رقم (1964). وأخرجه أحمد (5/ 87، 92، 94، 97)، وأبو داود رقم (3185)، وابن ماجه رقم (1526)، وهو حديث صحيح. (¬3) في "السنن" (3/ 381). (¬4) في "المغني" (3/ 504 - 505). (¬5) في (أ): "الثالث والعشرون". (¬6) في "صحيحه" (58/ 947). (¬7) في "السنن" رقم (1991). (¬8) في "السنن" رقم (1029). وأخرجه أحمد (6/ 40)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (3/ 321)، وإسحاق بن راهويه رقم (1329)، وأبو يعلى رقم (4398، 4874)، وابن حبان رقم (3081) من طرق. وهو حديث صحيح.

قوله: "يبلغون مائة" ظاهره اختصاص هذا العدد بالشفاعة، إلا أن الحديث الذي بعده بين أن [332 ب] ما دونها إلى الأربعين له حكم المائة. قال القاضي عياض (¬1): قيل: هذه الأحاديث خرجت أجوبة السائلين، سألوا عن ذلك فأجاب كل واحد عن سؤاله. قال النووي (¬2) - بعد نقله -: ويحتمل أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبر بقبول شفاعة مائة ثم بقبول شفاعة أربعين، ثم [ثلاث] (¬3) صفوف وإن قل عددهم فأخبر به، ويحتمل أن يقال هنا مفهوم عدد لا يحتج به جمهور الأصوليين (¬4)، فلا يمنع من [الإخبار] (¬5) بقبول شفاعة مائة قبول شفاعة دون ذلك، وكذا الأربعين مع ثلاثة صفوف، وحينئذ؛ فكل الأحاديث معمول بها وتحصل الشفاعة بأقل الأمرين ثلاثة صفوف وأربعين. قوله: "أخرجه مسلم والترمذي والنسائي". [السابع والعشرون] (¬6): حديث (ابن عباس): 27 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ما مِنْ مُسْلِمٍ يَمُوتُ فَيَقُومُ عَلَى جَنَازَتِهِ أَرْبَعُونَ رَجُلاً لاَ يُشْرِكُونَ بِالله شَيْئًا إِلاَّ شَفَّعَهُمُ الله تَعَالى فِيهِ". أخرجه مسلم وأبو داود (¬7). [صحيح] ¬

_ (¬1) في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (3/ 407). (¬2) في شرحه لـ "صحيح مسلم" (7/ 17). (¬3) في المخطوط (أ. ب) ثلاثة، وما أثبتناه من "شرح صحيح مسلم" للنووي (7/ 17). (¬4) انظر: "إرشاد الفحول" (ص 599 - 600) بتحقيقي. (¬5) سقطت من (ب). (¬6) في (أ): "الرابع والعشرون". (¬7) في "السنن" رقم (3170). =

قوله: "لا يشركون بالله شيئاً" هو مقيد لحديث عائشة. وقوله: "فيقوم على جنازته" فسروه بالقيام للصلاة عليها، وإن كان أعم. قوله: "أخرجه مسلم وأبو داود". [الثامن والعشرون] (¬1): حديث (مالك بن هبيرة): 28 - وعن مالك بن هبيرة - رضي الله عنه - قال: قال رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا مِنْ مُسلِمٍ يَمُوتُ فَيُصَلِّي عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ صُفُوفٍ مِنْ المُسْلِمِينَ إِلَّا أَوْجَبَ" فَكَانَ مَالِكٌ - رضي الله عنه - إِذَا اسْتَقَلَّ أَهْلَ الجَنَازَةِ جَزَّأَهُمْ ثلَاثَةَ صُفُوفٍ لِهذَا الحَدِيثِ. أخرجه أبو داود (¬2) والترمذي (¬3). [ضعيف] قوله: "ثلاثة صفوف" هذا ليس فيه اشتراط عدد، وفيه دلالة على أن للصفوف على الجنازة تأثيراً ولو كان الجمع كثيراً. إلا أن (¬4) الظاهر أن الذين خرجوا معه - صلى الله عليه وسلم - للصلاة على النجاشي كانوا عدداً كبيراً، وكان المصلى فضاءً لا يضيق بهم لو صلوا صفاً واحداً، ومع ذلك فقد صفّهم، ولذا قال جابر (¬5): "كنت في الصف الثاني"، وفي الرواية الأخرى: "أو الثالث". ¬

_ = وأخرجه أحمد (1/ 277)، ومسلم رقم (59/ 948)، والبيهقي في "الشعب" رقم (9249)، وفي "السنن الكبرى" (4/ 30)، والطحاوي في "مشكل الآثار" رقم (271)، وابن حبان رقم (3082)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (1505)، وهو حديث صحيح. (¬1) في (أ): "الخامس والعشرون". (¬2) في "السنن" رقم (3166). (¬3) في "السنن" رقم (1028). (¬4) ذكره الحافظ في "الفتح" (3/ 187). وأخرجه أحمد (4/ 79)، وابن ماجه رقم (1490)، والبخاري في "التاريخ الكبير" (7/ 303)، والطبراني في "الكبير" (ج 19 رقم 665)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (3/ 321 - 322)، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" رقم (2816)، وهو حديث ضعيف، والله أعلم. (¬5) تقدم نصه وتخريجه.

(الفصل الرابع): في صلوات متفرقة

قوله: "فقد أوجب" لفظ أبي داود (¬1): "وجبت له الجنة". قوله: "فكان مالك" أي: ابن هبيرة, الصحابي راوي الحديث. [333 ب]. "إذا استقل أهل الجنازة جزأهم ثلاثة صفوف" قال الحافظ ابن حجر (¬2): أنه فهم مالك خاصية للثلاثة صفوف على الجنازة سواء قلّوا أو كثروا. قال (¬3): ويبقى النظر فيما إذا تعددت الصفوف والعدد قليل، أو كان الصف واحداً والعدد كثير، أيهما أفضل؟ انتهى. قلت: في قول الراوي: "إذا استقل أهل الجنازة" ما يشعر أنهم إذا بلغوا أربعين أو مائة لا يجزئهم صفوفاً. ولفظ رواية الترمذي (¬4): "أنه كان مالك بن هبيرة إذا صلى على جنازة فتقالَّ الناسَ عليها، جزَّأهم ثلاثةَ أجزاءٍ". قوله: "أخرجه أبو داود والترمذي". قلت: وقال (¬5): حديث مالك بن هبيرة حديث حسن. (الفصل الرابع): في صلوات متفرقة قوله: (تحية المسجد) الأول: حديث (أبي قتادة): ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (3166)، وهو حديث ضعيف. (¬2) في "الفتح" (3/ 187). (¬3) الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (3/ 188). (¬4) في "السنن" رقم (1028)، وهو حديث ضعيف. (¬5) أي: الترمذي في "السنن" (3/ 347).

1 - عن أبي قتادة - رضي الله عنه - قال: قال رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا دَخَلَ أَحَدُكمُ المَسْجِدَ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ". أخرجه الستة (¬1). [صحيح] ترجم له البخاري (¬2): باب إذا دخل أحدكم المسجد. قوله: "فليركع" أي: فليصل، من إطلاق الجزء وإرادته الكل (¬3). قوله: "ركعتين" هذا العدد لا مفهوم لأكثره باتفاق، واختلف في أقله. والصحيح اعتباره، فلا يأتي هذه السنة بأقل من ركعتين، واتفق أئمة الفتوى (¬4) على أن الأمر في ذلك الندب، ونقل ابن بطال (¬5) عن أهل الظاهر الوجوب، والذي (¬6) صرّح به [552/ أ] ابن حزم (¬7) عدمه. قال الطحاوي (¬8): الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها ليس هذا الأمر بداخلٍ فيها. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (444، 1163)، ومسلم رقم (714)، وأبو داود رقم (467، 468)، والترمذي رقم (316)، والنسائي رقم (730)، وابن ماجه رقم (1012، 1013). وأخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (3/ 53، 194)، والدارمي رقم (1433) وأحمد (5/ 295، 296، 303، 305، 311)، وهو حديث صحيح. (¬2) في "صحيحه" (1/ 537 الباب رقم 60 - مع الفتح). (¬3) ذكره الحافظ في "الفتح" (1/ 537). (¬4) ذكره الحافظ في "الفتح" (1/ 537). وانظر: "المغني" (3/ 192 - 193). (¬5) في شرحه لـ "صحيح البخاري" (2/ 93). (¬6) ذكره الحافظ في "الفتح" (1/ 537 - 538). (¬7) في "المحلى" (5/ 69 - 71). (¬8) انظر: "شرح معاني الآثار" (1/ 369 - 370).

قال الحافظ ابن حجر (¬1): هما عمومان تعارضا، الأمر بالصلاة لكل داخل من غير تفصيل، والنهي في أوقات مخصوصة، فلا بد من تخصيص أحد العمومين. فذهب جمع إلى تخصيص النهي وتعميم الأمر، وهو الأصح [334 ب] عند الشافعية (¬2)، وذهب جمع إلى عكسه، وهو قول الحنفية (¬3) والمالكية (¬4). انتهى. قلت: تقرر في الأصول أن الأمر لجلب المصالح والنهي لدفع المفاسد ودفعها أهم (¬5) من جلب المصالح، فالأرجح قول الحنفية. قوله: "قبل أن يجلس" صرّح جماعة بأنه إذا خالف وجلس لا يشرع له التدارك، وفيه نظر؛ لما رواه ابن حبان في صحيحه (¬6) من حديث أبي ذر: "أنه دخل المسجد فقال له النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - "أركلعت ركعتين؟ " قال: لا، قال: "قم فاركعهما" وترجم له ابن حبان (¬7) أن تحية المسجد لا تفوت بالجلوس. قلت: يحتمل أنه لم يكن أبو ذر عرف بمشروعيتهما، فلا يستدل به على من جلس عالماً به. قوله: "أخرجه الستة". الثاني: حديث (كعب بن مالك) ¬

_ (¬1) في "فتح الباري" (1/ 538). (¬2) "المجموع شرح المهذب" (3/ 543 - 545). (¬3) انظر: "حاشية ابن عابدين" (2/ 399). (¬4) "مدوَّنة الفقه المالكي وأدلته" (1/ 463 - 464). (¬5) انظر: "الأشباه والنظائر" لابن نجم (ص 89 - 91). (¬6) لم أقف عليه من حديث أبي ذر، والله أعلم. (¬7) انظر: "صحيحه" (6/ 249 - 250).

[صلاة الاستخارة]

2 - وعن كعب بن مالك - رضي الله عنه - قال: "كَانَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ بَدَأَ بِالمَسْجِدِ فَصَلّى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ جَلَسَ لِلنَّاسِ". أخرجه أبو داود (¬1). [صحيح] قوله: "فصلى فيه ركعتين" الحديث دليل أنه يبدأ القادم من سفر بالمسجد، والركعتان تحيته. وقيل: إنما شرع ذلك للعظيم الذي يتلقاه أهل بلدته لا لغيره، ودفع عنه - صلى الله عليه وسلم - أمر جابر (¬2) بن عبد الله عند قدومه من السفر بالبداية بالمسجد وصلاة ركعتين فيه كما في قصته في حديث الجمل. قوله: "أخرجه أبو داود" وحديثه هذا مذكور في قصة كعب (¬3) وتخلفه من غزاة تبوك. [صلاة الاستخارة] (¬4) قوله: "صلاة الاستخارة" الاستخارة (¬5): طلب الخيرة في الشيء، وهي استفعال منه، يقال: استخر الله يخر لك. الأول - وليس فيها غيره -: حديث (جابر بن عبد الله): 1 - عن جابر - رضي الله عنه - قال: كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يُعَلِّمُنَا الِاسْتِخَارَةَ فِي الأُمُورِ كُلِّهَا كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ القُرْآنِ، يَقُولُ: "إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الفَرِيضَةِ، ثُمَّ لْيَقُلِ: اللهمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ، وَأْسَتْقْدِرُكَ بِقُدْرَتك، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ العَظِيمِ؛ فَإِنَّكَ ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (2781). وأخرجه البخاري رقم (4418)، ومسلم رقم (2769)، وهو حديث صحيح. (¬2) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (3087). (¬3) انظر: "صحيح البخاري" رقم (4418)، و"صحيح مسلم" رقم (2769). (¬4) سقطت من (أ). (¬5) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (6/ 251).

تَقْدِرُ وَلاَ أَقْدِرُ، وَتَعْلَمُ وَلاَ أَعْلَمُ، وَأَنْتَ عَلاَّمُ الغُيُوبِ. اللهمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي - أَوْ قَالَ: فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ - فَاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي، ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ، وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي - أَوْ قَالَ: فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ - فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْني عَنْهُ، وَاقْدُرْ لِي الخَيْرَ حَيْثُ كَانَ، ثُمَّ رَضِّنِي بِهِ. قَالَ: وَيُسَمِّي حَاجَتَهُ". أخرجه الخمسة (¬1) إلا مسلماً. [صحيح] قوله: "في الأمور كلها" ظاهره (¬2) في عموم كل أمر وليس المراد إلا في غير الواجبات والمشروعات، إنما المراد في الأمور التي يجهل حكمها. قال ابن أبي جمرة (¬3): هو عامٌ أريد به الخصوص [335 ب] فإن الواجب والمستحب لا يستخار في فعلهما، والحرام والمكروه لا يستخار فيتركهما، فانحصر الأمر في المباح وفي المستحب إذا تعارض فيه أمران: أيهما يبدأ به؟ أو يقتصر عليه. قال الحافظ (¬4) - بعد نقله - قلت: وتدخل الاستخارة فيما عدا ذلك في الواجب والمستحب المخير، وفيما كان زمانه موسعاً، ويتناول العموم العظيم من الأمور والحقير، فربَّ حقيى يترتب عليه الأمر العظيم. قوله: "كما يعلمنا السورة من القرآن" أي: يعلمنا دعاءه وألفاظه. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (1162 و6382)، وأبو داود رقم (1538)، والترمذي رقم (480)، والنسائي (6/ 80)، وابن ماجه رقم (1383). وهو حديث صحيح. (¬2) ذكره الحافظ في "الفتح" (11/ 184). (¬3) ذكره الحافظ في "الفتح" (11/ 184). (¬4) في "الفتح" (11/ 184).

قيل (¬1): وجه الشبه عموم الحاجة إلى الاستخارة في الأمور كلها، كعموم الحاجة إلى القراءة في الصلاة. وقال ابن أبي جمرة (¬2): التشبيه في حفظ حروفه وترتيب كلماته ومنع الزيادة والنقص منه والدرس له، والمحافظة عليه، ويحتمل أن يكون من جهة أن كل واحد منهما علم بالوحي. قوله: "إذا همّ أحدكم بالأمر" أي: خطر له فعله لحاجة ونحوها، وفي رواية: "يعلم أصحابه". قال ابن أبي جمرة (¬3): ترتيب الواردات على القلب على مراتب: الهمة ثم اللمة ثم الخطرة ثم النية ثم الإرادة ثم العزيمة. فالثلاثة الأولى لا يؤاخذ بها بخلاف الثلاثة الأخرى، فقوله: "إذا همّ" يشير إلى أول ما يرد على القلب فيستخير ليظهر له ببركة الصلاة والدعاء ما هو الخير. قوله: "فليركع ركعتين من غير الفريضة" احتراز (¬4) عن صلاة الصبح مثلاً. قال النووي في "الأذكار" (¬5): لو دعا بدعاء الاستخارة عقب راتبة الظهر مثلاً أو غيرها من النوافل الراتبة أو [553/ أ] المطلقة سواء اقتصر على ركعتين أو أكثر أجزأ، كذا أطلقه. قال الحافظ ابن حجر (¬6): وفيه نظر، ويظهر أن يقال: إن نوى تلك الصلاة بعينها وصلى الاستخارة معاً أخرى بخلاف إذا لم ينوِ. ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (11/ 184). (¬2) ذكره الحافظ في "الفتح" (11/ 184). (¬3) ذكره الحافظ في "الفتح" (11/ 185). (¬4) ذكره الحافظ في "الفتح" (11/ 185). (¬5) (1/ 331 - 332 رقم 343/ 246 - مع صحيح الأذكار). (¬6) ذكره الحافظ في "الفتح" (11/ 185).

والمراد [336 ب] بصلاة الاستخارة أن يقع الدعاء عقبها أو فيها؛ لأن ظاهر الخبر أن يقع الدعاء عقبها أو فيها؛ لأن ظاهر الخبر أن تقع الصلاة والدعاء بعد وجود إرادة الأمر. قوله: "اللهم إني أستخيرك بعلمك" الباء للتعليل (¬1) أي: لأنك أعلم، وكذا هي في قوله: "بقدرتك" وفيها احتمالات أخر. قوله: "وأستقدرك" أي: أطلب منك أن تجعل لي على ذلك قدرة، ويحتمل أن يراد: أطلب منك أن تقدره لي، والمراد بالتقدير التيسير. قوله: "من فضلك" إشارة إلى أن [إعطاء] (¬2) الرب فضل منه، وليس لأحد عليه حق. قوله: "فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم" إشارة إلى أن العلم والقدرة لله وحده وليس للعبد من ذلك إلا ما قدره الله له، فكأنه قال: أنت يا رب! تقدر قبل أن تخلق فيّ القدرة وعندما تخلقها فيّ وبعدما تخلقها فيّ. قوله: "اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر" أي: الذي هممت به، وفي رواية: "ثم يسميه بعينه" [ويأتي في الحديث آخراً] (¬3)، فقيل: يسميه باللفظ، وقيل: يكفيه استحضاره بقلبه. وقد استشكل الكرماني قوله: "إن كنت" لإتيانه بصيغة الشك هنا، ولا يجوز الشك في كون الله عالماً. وأجاب: في أن العلم متعلق بالخير أو الشر لا في أصل العلم. قوله: "وعاقبة أمري، أو قال: عاجل أمري وآجله" هو شك من الراوي، ولم تختلف الطرق في ذلك. ¬

_ (¬1) انظر: "فتح الباري" (11/ 185). (¬2) في (أ. ب): "عطاء" وما أثبتناه من "الفتح". (¬3) كذا في (أ. ب)، والذي في "الفتح": "وقد ذكر ذلك في آخر الحديث في الباب". يشير إلى الحديث رقم (6382)، وفيه: كان ثمَّ رضَّني به، ويُسمى حاجته.

واقتصر في حديث أبي سعيد (¬1) على "عاقبة أمري" وكذا في حديث ابن مسعود (¬2)، وهو يؤيد أحد الاحتمالين في أن العاجل والآجل مذكورين بدل الألفاظ الثلاثة أو بدل الأخيرين فقط. قوله: "فاقدره لي" قال أبو الحسن القابسي (¬3): أهل بلدنا يكسرون الدال، وأهل الشرق يضمُونها، قيل: معناه يسّره لي. قوله: "فاصرفه عني واصرفني عنه" أي: حتى لا يبقى قلبه بعد صرف الأمر عنه متعلقاً به. قوله: "ثم رضِّني به" بالتشديد، وفي رواية: "ثم ارضني به" اجعلني به راضياً. قال ابن عبد السلام (¬4): أنه يفعل بعد الاستخارة ما يقوى له، ويستدل له بقوله في بعض طرقه من حديث [337 ب] ابن مسعود (¬5): "في آخره ثم يعزم". وقال النووي في "الأذكار" (¬6): يفعل بعد الاستخارة ما ينشرح له صدره. ¬

_ (¬1) تقدم نصه وتخريجه. (¬2) أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (ج 7 رقم 10012). وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (2/ 280)، وقال: في إسناده صالح بن موسى الطلحي، وهو ضعيف، قلت: بل صالح بن موسى الطلحي متروك. انظر: "التقريب" رقم (2891). (¬3) ذكره الحافظ في "الفتح" (11/ 186). (¬4) ذكره الحافظ في "الفتح" (11/ 187). (¬5) تقدم تخريجه. (¬6) (1/ 231).

(صلاة الحاجة)

ويستدل له بحديث أنس عند ابن السني (¬1): "إذا هممت بأمر فاستخر ربك سبعاً، ثم انظر إلى الذي سبق في قلبك؛ فإن الخير فيه". قال الحافظ (¬2): وهذا لو ثبت لكان هو المعتمد، لكن سنده واهٍ جداً. قوله: "أخرجه الستة إلا مسلماً" وقال الترمذي (¬3): حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من حديث عبد الرحمن بن أبي الموَالِي، وهو شيخ مدني ثقة، روى عنه سفيان، وروى عن عبد الرحمن (¬4) غير واحد من الأئمة. انتهى كلامه. (صلاة الحاجة) 1 - عن عبد الله بن أبي أوفى - رضي الله عنهما - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ كَانَتْ لَهُ إِلَى الله تَعَالَى حَاجَةٌ، أَوْ إِلَى أَحَدٍ مِنْ بَنِي آدَمَ، فَلْيَتَوَضَّأْ وَلْيُحْسِنِ الوُضُوءِ، ثُمَّ لْيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ لْيُثْنِ عَلَى الله تَعَالى، وَلْيُصَلِّ عَلَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ لْيَقُلْ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله الحَلِيمُ الكَرِيمُ، سُبْحَانَ الله رَبِّ العَرْشِ العَظِيمِ، الحَمْدُ لله رَبِّ العَالَمِينَ، أَسْأَلُكَ مُوجِبَاتِ رَحْمَتِكَ، وَعَزَائِمَ مَغْفِرَتِكَ، وَالعِصْمَةَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، وَالغَنِيمَةَ مِنْ كُلِّ بِرٍّ، وَالسَّلاَمَةَ مِنْ كُلِّ إِثْمٍ، لاَ تَدَعْ لِي ذَنْبًا ¬

_ (¬1) في "عمل اليوم والليلة" رقم (598)، وهو حديث ضعيف. (¬2) في "الفتح" (11/ 187). (¬3) في "السنن" (2/ 346). (¬4) قال الحافظ في "تهذيب التهذيب" (2/ 558): في ترجمة عبد الرحمن بن أبي الموالي: "قلت: قال أبو طالب، عن أحمد: كان يروي حديثاً منكراً عن ابن المنكدر عن جابر في الاستخارة ليس أحد يرويه غيره ... ". - وقد وثق عبد الرحمن بن أبي الموالي جمهور أهل العلم، كا قال العراقي، وقال أحمد بن حنبل وأبو زرعة وأبو حاتم: لا بأس به. وقال إسحاق بن منصور عن ابن معين: صالح. وقال الترمذي والنسائي: ثقة. انظر: "الجرح والتعديل" (5/ 292)، و"المغني" (2/ 388)، "الميزان" (2/ 592).

إِلاَّ غَفَرْتَهُ، وَلاَ هَمًّا إِلاَّ فَرَّجْتَهُ، وَلاَ حَاجَةً هِيَ لَكَ رِضًا إِلَّا قَضَيْتَهَا يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ". أخرجه الترمذي (¬1). [ضعيف جداً] "عَزَائِمُ المَغْفِرَةِ": الأسباب التي تعزم للعبد الغفران وتحققه. قوله: "موجبات رحمتك" أي: ما يوجب الرحمة من الأعمال الصالحة والطاعات. قوله: "عزائم مغفرتك" الأسباب التي تعزم له الغفران وتحققه. والعصمة من كل ذنب: أي المنع بالألطاف والتيسير لليسرى، والتدارك للفرطات بالتوبة. وقال الحافظ العراقي: فيه جواز سؤال العصمة من كل ذنب، وقد أنكر بعضهم ذلك؛ إذ بالعصمة إنما هي للأنبياء والملائكة. والجواب: أنها في حق [554/ أ] الأنبياء والملائكة واجبة وفي حق غيرهم جائزة، وسؤال الجائز جائز، إلا أن الأدب في حقنا سؤال الحفظ لا العصمة، وقد يكون هذا هو المراد هنا. انتهى. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (479). وأخرجه ابن ماجه رقم (1384)، والحاكم (1/ 320). وهو حديث ضعيف جداً. قال النووي في "الأذكار" (1/ 478): ويستحبُّ أن يدعو بدعاء الكرب، وهو: "اللهم آتنا في الدنيا حسنةً، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار" لما قدمناه عن الصحيحين فيهما. - قال الحافظ في "الفتح" (11/ 192): قال الشيخ عماد الدين بن كثير: الحسنة في الدنيا تشمل كل مطلوب دنيوي من عافية، ودار رحبة، وزوجة حسنة، وولد بار، ورزق واسع، وعلم نافع، وعمل صالح، ومركب هنيء، وثناء جميل إلى غير ذلك مما شملته عباراتهم، فإنها كلها مندرجة في الحسنة في الدنيا، وأمّا الحسنة في الآخرة فأعلاها دخول الجنة، وتوابعه من الأمن من الفزع الأكبر في العرصات، وتيسير الحساب وغير ذلك من أمور الآخرة، وأمّا الوقاية من عذاب النار فهو يقتضي تيسير أسبابه في الدنيا من اجتناب المحارم وترك الشبهات.

صلاة التسبيح

قوله: "أخرجه الترمذي". قلت: وقال (¬1): هذا حديث غريب وفي إسناده، [338 ب] مقال فائد بن عبد الرحمن يضعف في الحديث، وفائد هو أبو الورقاء. انتهى. قلت: وفي "التقريب" (¬2) أنه متروك، وأخرجه ابن ماجه (¬3) والطبراني. قال السخاوي: وبالجملة فهو ضعيف جداً، وأما كونه موضوعاً فلا، وذِكرُ ابن الجوزي له في "الموضوعات" (¬4) مردود. انتهى. صلاة التسبيح 1 - عن ابن عباس - رضي الله عنهما - وأبي رافع - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لِلْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ - رضي الله عنه -: "يَا عَبَّاسُ! يَا عَمَّاهُ! أَلَا أُعْطِيكَ؟ أَلا أَمْنَحُكَ؟ أَلا أَحْبُوكَ؟ أَلا أَفْعَلُ بِكَ عَشْرَ خِصَالٍ، إِذَا أَنْتَ فَعَلْتَ ذَلِكَ غَفَرَ الله لَكَ ذَنْبَكَ أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ، قَدِيمَهُ وَحَدِيثَهُ، خَطَأَهُ وَعَمْدَهُ، صَغِيرَهُ وَكَبِيرَهُ، سِرَّهُ وَعَلَانِيَتَهُ، عَشْرَ خِصَالٍ: أَنْ تُصَلِّيَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، تَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ فَاتِحَةَ الكِتَابِ وَسُورَةً، فَإِذَا فَرَغْتَ مِنْ القِرَاءَةِ قُلْتَ: سُبْحَانَ الله، وَالحَمْدُ لله، وَلَا إِلَهَ إِلَّا الله، وَالله أَكْبَرُ، خَمْسَ عَشْرَةَ مَرَّةً، ثُمَّ تَرْكَعُ فَتَقُولُها وَأَنْتَ رَاكِعٌ عَشْرًا، ثُمَّ تَرْفَعُ رَأْسَكَ مِنْ الرُّكُوعِ فَتَقُولُها عَشْرًا، ثُمَّ تَهْوِي سَاجِدًا فَتَقُولُها وَأَنْتَ سَاجِدٌ عَشْرًا، ثُمَّ تَرْفَعُ رَأْسَكَ مِنْ السُّجُودِ فَتَقُولُها عَشْرًا، ثُمَّ تَسْجُدُ فَتَقُولُها عَشْرًا، ثُمَّ تَرْفَعُ رَأْسَكَ فَتَقُولُها عَشْرًا، فَذَلِكَ خَمْسٌ وَسَبْعُونَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، تَفْعَلُ ذَلِكَ فِي أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ، إِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ تُصَلِّيَهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ مَرَّةً فَافْعَلْ، وَإلاَّ فَفِي كُلِّ جُمُعَةٍ مَرَّةً, فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَفِي كُلِّ شَهْرٍ مَرَّةً، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَفِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَفِي ¬

_ (¬1) في "السنن" (2/ 344 - 345). (¬2) (2/ 107 رقم 3)، انظر "الميزان" (3/ 239)، و"الجرح والتعديل" (7/ 83). (¬3) في "السنن" رقم (1384). (¬4) رقم (1026).

عُمُرِكَ مَرَّةً". أخرجه أبو داود (¬1) عن ابن عباس [حسن] والترمذي (¬2) عن أبي رافع. [صحيح] "الحِبَاء": العطية. قوله: "ألا أحبوك" أي: أعطيك، قال الطيبي (¬3): أعاد القول بألفاظ مختلفة تقريراً للتأكيد وتوطئة للاستماع إليه. قوله: "عشر خصال" قال الأشرفي في "شرح المصابيح" (¬4): "عشر" مفعول تنازعت فيه الأفعال قبله. وقوله: أفعل بك عشر خصال أصيرك ذا عشر خصال، والمراد بها: التسبيحات؛ لأنها فيما سوى القيام عشر عشر. وقال الطيبي (¬5): معناه ألا آمرك بما إن فعلته تصير ذا عشر خصال، والعشر سبب للمغفرة. قوله: "أخرجه أبو داود عن ابن عباس والترمذي عن أبي رافع" قال الحافظ ابن حجر (¬6): أنه صححه أبو علي بن السكن والحاكم، وادعى أن النسائي أخرجه في صحيحه عن ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (1297). وأخرجه ابن ماجه رقم (1387)، وابن خزيمة رقم (1216)، والحاكم (1/ 318)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (3/ 51 - 52)، وهو حديث حسن. (¬2) في "السنن" رقم (482)، وهو حديث صحيح. (¬3) في شرحه على "مشكاة المصابيح" (3/ 187). (¬4) انظر: "شرح الطيبي على مشكاة المصابيح" (3/ 188). (¬5) في شرحه على "مشكاة المصابيح" (3/ 188). (¬6) في "التلخيص" (2/ 13).

عبد الرحمن بن بشر. قال: وتابعه إسحاق بن أبي إسرائيل عن موسى، وأن ابن خزيمة رواه عن محمد بن يحيى عن إبراهيم (¬1) بن الحكم بن أبان عن أبيه مرسلاً، وهو ضعيف. قال المنذري (¬2): وفي الباب عن أنس وأبي رافع وعبد الله بن عمرو وغيرهم [339 ب] وأمثلها حديث ابن عباس. قلت: وفيه عن الفضل بن عباس، فحديث أبي رافع رواه الترمذي (¬3)، وحديث عبد الله بن عمرو رواه الحاكم (¬4) وسنده ضعيف، وحديث أنس رواه الترمذي (¬5) أيضاً وفيه نظر؛ لأن لفظه لا يناسب ألفاظ صلاة التسبيح، وقد تكلم عليه شيخنا في شرح الترمذي، وحديث الفضل بن عباس ذكره الترمذي (¬6). قلت: لم أجده في الترمذي مخرّجاً، بل قال (¬7): وفي الباب، وعدّ الفضل بن عباس ولم يخرج حديثه، وحديث عبد الله بن عمرو بن العاص رواه أبو داود (¬8). قال الدارقطني (¬9): أصح شيء في فضائل سور القرآن: قل هو الله أحد، وأصح شيء في فضل الصلاة: صلاة التسبيح. ¬

_ (¬1) انظر: "التقريب" (1/ 34 رقم 190). (¬2) انظر: "الترغيب والترهيب" (1/ 528). و"مختصر السنن" (2/ 89 - 90). (¬3) في "السنن" رقم (482)، وهو حديث صحيح. (¬4) في "المستدرك" (1/ 319). (¬5) في "السنن" رقم (481) بإسناد حسن. (¬6) في "السنن" (2/ 348 بإثر الحديث رقم 481). (¬7) أي: الترمذي في "السنن" (2/ 348). (¬8) في "السنن" رقم (1298)، وهو حديث حسن. (¬9) ذكره الحافظ في "التلخيص" (2/ 14).

وقال أبو جعفر العقيلي (¬1): ليس في صلاة التسبيح حديث يثبت. وقال أبو بكر بن العربي (¬2): ليس فيها حديث صحيح ولا حسن. وبالغ ابن الجوزي فذكره في "الموضوعات" (¬3)، وصنّف أبو موسى المديني جزءاً في تصحيحه متبايناً. والحق (¬4) أن طرقه كلها ضعيفة وإن كان حديث ابن عباس يقرب من شرط الحسن؛ إلا أنه شاذ لشدة الفردية فيه، وعدم المتابع والشاهد من وجه معتبر، ومخالفة هيئتها لهيئة باقي الصلوات، وموسى بن عبد العزيز، وإن كان صادقاً صالحاً فلا يحتمل منه هذا التفرد. وقد ضعفّها ابن تيمية (¬5)، والمزي، وتوقف الذهبي، حكاه ابن عبد الهادي عنهم في أحكامه. وقد اختلف كلام الشيخ محيي الدين فوهّاها في "شرح المهذب" (¬6) وقال: حديثها ضعيف، وفي استحبابها عندي نظر؛ لأن فيها تغييراً عن هيئة الصلاة المعروفة، فينبغي أن لا تفعل، وليس حديثها بثابت. وقال في "تهذيب الأسماء واللغات" (¬7): قد جاء في صلاة التسبيح حديث حسن في كتاب الترمذي وغيره، وذكر المحاملي من أصحابنا وغيره: أنها سنة حسنة. ¬

_ (¬1) انظر: "تحفة الأحوذي" (2/ 597). (¬2) في "عارضة الأحوذي" (2/ 267). (¬3) (2/ 143 - 146). (¬4) قاله ابن حجر في "التلخيص" (2/ 14). (¬5) في "منهاج السنة" (4/ 116). (¬6) "المجموع شرح المهذب" (4/ 59). (¬7) (1/ 144).

ومال في "الأذكار" (¬1) أيضاً إلى استحبابه. قلت: بل قوّاه واحتج له. انتهى كلام "التلخيص" (¬2). [555/ أ]. قلت: واعلم أنه أشار [340 ب] الحافظ (¬3) فيما بيناه إلى كلام الحاكم (¬4) ولم يستوفه، وقد رأيت أن أنقله بلفظه لما فيه من الطرق، فقال في حديث ابن عباس بعد سياقه: هذا حديث وصله موسى بن عبد العزيز عن الحكم بن أبان، وقد أخرجه أبو بكر محمد بن إسحاق، وأبو داود سليمان بن الأشعث وأبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب في الصحيح فرووه ثلاثتهم عن عبد الرحمن بن بشر. وقد رواه إسحاق بن أبي إسرائيل عن موسى بن عبد العزيز القنباري - ثم ساق سنده إلى ابن عيينة - قال: سألت يوسف بن يعقوب: كيف كان الحكم بن أبان؟ قال: ذلك سيدنا. قال (¬5): وأما إرسال إبراهيم بن الحكم بن أبان هذا الحديث عن أبيه، قال: فهذا الإرسال لا يوهن وصل هذا الحديث؛ لأن الزيادة من الثقة أولى من الإرسال على أن إمام عصره في الحديث إسحاق بن إبراهيم الحنظلي قد أقام هذا الإسناد عن إبراهيم بن الحكم بن أبان ووصله. ثم قال: وقد صحت الرواية عن عبد الله بن عمر بن الخطاب: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علّم ابن عمه جعفر بن أبي طالب هذه الصلاة كما علّمها عمه العباس". ثم ساق سندها وصفتها كما في حديث العباس. ¬

_ (¬1) (1/ 483 - صحيح الأذكار). (¬2) (2/ 13 - 14). (¬3) في "التلخيص" (2/ 13). (¬4) في "المستدرك" (1/ 318 - 319). (¬5) الحاكم في "المستدرك" (1/ 319).

ثم قال (¬1): هذا إسناد صحيح لا غبار عليه. قال (¬2): ومما يستدل به على صحة هذا الحديث استعمال الأئمة من أتباع التابعين إلى عصرنا هذا إياه ومواظبتهم [عليهن] (¬3) وتعليمهن الناس، منهم: عبد الله بن المبارك. ثم ساق سنده إلى محمد بن مزاحم قال: سألت عبد الله بن المبارك عن الصلاة التي يسبح فيها، فذكر صفتها. ثم قال: رواة هذا الحديث عن ابن المبارك كلهم [ثقات أثبات] (¬4)، فقال: ولا يتهم عبد الله أن يعلِّمه ما لم يصح سنده عنده. انتهى كلامه. قلت: لا ريب أنهم يحسّنون ما لم تبلغ شواهده هذا المبلغ، بل قد يصحّحونه لغيره، فأقل أحوال هذه الطرق أن تصيِّره حسناً معمولاً به، وهم يقولون: يعمل في فضائل الأعمال بالأحاديث الضعيفة فكيف بالحسنة؟! وأما قول من قال: أنها خالفت [341 ب] هيئة الصلاة؛ فلا مخالفة إلا في القعود بعد القيام من السجدة الثانية، وهذه كجلسة الاستراحة المشروعة في الفريضة غايته فيها زيادة ذكر وإطالة قعود، وثبوتها في الفريضة يؤنس بها في هذه الصلاة, فالذي ينشرح له الصدر العمل بها. قوله: (أحاديث تتضمن معاني تتعلق بالصلاة) الأول: حديث (ابن مسعود): ¬

_ (¬1) الحاكم في "المستدرك" (1/ 319). (¬2) الحاكم في "المستدرك" (1/ 319). (¬3) كذا في المخطوط والذي في "المستدرك": عليه. (¬4) سقطت من (أ. ب)، وأثبتناها من "المستدرك" (1/ 319).

1 - عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال: "لَا يَجْعَلْ أَحَدُكُمْ لِلشَّيْطَانِ شَيْئًا مِنْ صَلَاتِهِ، يَرَى أَنَّ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ لَا يَنْصَرِفَ إِلَّا عَنْ يَمِينِهِ، لَقَدْ رَأَيْتُ رَسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كَثِيرًا يَنْصَرِفُ عَنْ يَسَارِهِ". أخرجه الخمسة (¬1) إلا الترمذي. [صحيح] قوله: "لا يجعل أحدكم للشيطان شيئاً من صلاته" يريد أن التزامه أن لا ينصرف إلا عن يمينه باعتقاد أنه سنة وهو بدعة، والبدعة هي مطلوب الشيطان. قوله: "كثيراً ينصرف عن يساره" قال العلماء (¬2): الانصراف يميناً أو شمالاً غير مكروه لثبوتهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وإن كان انصرافه عن يمينه الأكثر، وأما نهي ابن مسعود فهو عن اعتقاد أنه لازم أو واجب، والتزامه بدعة. قوله: "أخرجه الخمسة إلا الترمذي". الثاني: حديث (عائشة): 2 - وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "رَأَيْتُ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - يَشْرَبُ قَائِمًا وَقَاعِدًا، وَيُصَلِّي حَافِيًا وَمُنْتَعِلاً، وَيَنْصَرِفُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ". أخرجه النسائي (¬3). [إسناده صحيح] قوله: "يشرب قاعداً وقائماً" يأتي الكلام عليه في الشرب. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (852)، ومسلم رقم (707)، وأبو داود رقم (1042)، والنسائي (3/ 81)، وابن ماجه رقم (930). وهو حديث صحيح. - قال ابن المنير: فيه أن المندوبات قد تنقلب مكروهات إذا رفعت عن رتبتها؛ لأن التيامن مستحب في كل شيء، أي: من أمور العبادة، لكن لما خشي ابن مسعود أن يعتقدوا وجوبه أشار إلى كراهته. "فتح الباري" (2/ 338). (¬2) انظر: "فتح الباري" (2/ 338). (¬3) في "السنن" رقم (1359) بإسناد صحيح.

"ويصلي حافياً ومنتعلاً" وقد ورد أمره بالصلاة في النعال (¬1)، فقد يفعله أحياناً ويتركه أحياناً كما هو شأن الفعل المسنون. والانصراف عن اليمين والشمال كما في حديث [بن مسعود] (¬2) [342 ب] والمراد بالانصراف انفتاله من صلاته وقيامه من محل أدائها. قوله: "أخرجه النسائي". الثالث: حديث (ابن عباس): 3 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما -: أَنَّ رَفْعَ الصَّوْتِ بِالذِّكْرِ حِينَ يَنْصَرِفُ النَّاسُ مِنْ المَكْتُوبَةِ كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -. أخرجه الخمسة (¬3) إلا الترمذي. [صحيح] قوله: "أن رفع الصوت (¬4) بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " بأي ذكر كان من تهليل وغيره، وعليه عمل الناس من ذلك العصر في غالب المحلات. قوله: "أخرجه الخمسة إلا الترمذي". ¬

_ (¬1) تقدم نصه وتخريجه. (¬2) في (أ): "ابن عباس"، وهو خطأ. (¬3) أخرجه البخاري رقم (842)، ومسلم رقم (12/ 583)، وأبو داود رقم (1002)، (1003)، والنسائي رقم (1335)، وهو حديث صحيح. (¬4) قال النووي في شرحه لـ "صحيح مسلم" (5/ 84): ونقل ابن بطال وآخرون: أن أصحاب المذاهب المتبوعة وغيرهم متفقون على عدم استحباب رفع الصوت بالذكر والتكبير، وحمل الشافعي رحمه الله تعالى هذا الحديث على أنّه جهر وقتاً يسيراً حتى يعلمهم صفة الذكر لا أنهم جهروا دائماً. قال: فاختار للإمام والمأموم أن يذكر الله تعالى بعد الفراغ من الصلاة ويخفيان ذلك.

الرابع: 4 - وعن أبي رمثة - رضي الله عنه - قال: أَدْرَكَ رَجُلٌ مَعَ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - التَّكْبِيرَةَ الأولَى مِنَ الصَّلاَةِ فَصَلَّى نَبِيُّ الله - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ سَلَّمَ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ حَتَّى رَأَيْنَا بَيَاضَ خَدَّيْهِ، فَقَامَ الرَّجُلُ الَّذِي أَدْرَكَ مَعَهُ التَّكْبِيرَةَ الأُولَى مِنْ الصَّلَاةِ يَشْفَعُ، فَوَثَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ - رضي الله عنه - فَأَخَذَ بِمَنْكِبِهِ فَهَزَّهُ, ثُمَّ قَالَ: اجْلِسْ إِنَّهُ لَمْ يَهْلِكْ أَهْلَ الكِتَابِ إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فَصْلٌ بَيْنَ صَلَوَاتِهِمْ، فَرَفَعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بَصَرَهُ وَقَالَ: "أَصَابَ الله بِكَ يَا ابْنَ الخَطَّابِ". أخرجه أبو داود (¬1). [ضعيف] حديث "أبي رِمثة" بكسر الراء وسكون الميم فمثلثة، اسم أبي رمثة رفاعة (¬2) بن يثربي، وفي اسمه خلاف، وهو صحابي. [556/ أ]. قوله: "ليشفع" بفتح أوله وثالثه وإسكان ثانيه، وروي بضم أوله وتشديد الفاء، والمراد: إتيانه بالنافلة بعد الفريضة. وترجم له ابن الأثير (¬3): الفصل بين الصلاتين، وفيه أنه لا يصلي صلاتين بل [يجعل] (¬4) بينهما مهلة، [وفيه] (¬5) دليل أنه منكر، ولذا قرر النبي - صلى الله عليه وسلم - عمر ودعا له. قوله: "أخرجه أبو داود". ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (1007)، وهو حديث ضعيف. (¬2) "التقريب" (1/ 251 رقم 101). (¬3) في "الجامع" (6/ 258). (¬4) في (أ): "جعل". (¬5) في (أ): "وفي".

الخامس: 5 - وعن أبي الشعثاء قال: كُنَّا قُعُودًا فِي المَسْجِدِ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - فَأَذَّنَ المُؤَذِّنُ، قَامَ رَجُلٌ يَمْشِي، فَأَتْبَعَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ بَصَرَهُ حَتَّى خَرَجَ مِنْ المَسْجِدِ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَمَّا هَذَا فَقَدْ عَصَى أَبَا القَاسِمِ - صلى الله عليه وسلم -. أخرجه الخمسة (¬1) إلا البخاري. [صحيح] حديث "أبي الشعثاء" (¬2) بالشين المعجمة وسكون العين المهملة فمثلثة، اسمه: سليم ابن الأسود المحاربي (¬3)، تابعي مشهور، وسُليم بضم السين المهملة وفتح اللام، ولهم أبو الشعثاء تابعي آخر يسمى جابر بن زيد، فلا أدري أيُّ الرجلين هذا؟ وترجمه ابن الأثير (¬4): الخروج من المسجد بعد الأذان. قوله: "أما هذا فقد عصى أبا القاسم - صلى الله عليه وسلم - " جعل أئمة الحديث مثل هذا له حكم (¬5) الرفع كما هو معروف في أصول الحديث. ودلّ أنه يحرم الخروج من المسجد بعد الأذان حتى يصلي المكتوبة. قوله: "أخرجه الخمسة إلا البخاري". السادس [343 ب]: حديث (سماك بن حرب): 6 - وعن سماك بن حرب قال: قُلْتُ لِجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ - رضي الله عنه -: أَكُنْتَ تُجَالِسُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قَالَ: نَعَمْ كَثِيرًا، كَانَ لاَ يَقُومُ مِنْ مُصَلاَّهُ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ الصُّبْحُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم رقم (655)، وأبو داود رقم (536)، والترمذي رقم (204)، والنسائي (2/ 29)، وابن ماجه رقم (733). وهو حديث صحيح. (¬2) انظر: "التقريب" (2/ 434 رقم 8 و9). (¬3) ذكره ابن الأثير في "تتمة جامع الأصول" (1/ 471 - قسم التراجم). (¬4) في "الجامع" (6/ 259). (¬5) قاله القرطبي في "المفهم" (2/ 281).

وَكَانُوا يَتَحَدَّثُونَ فَيَأْخُذُونَ فِي أَمْرِ الجَاهِلِيَّةِ فَيَضْحَكُونَ وَيَتَبَسَّمُ رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -. أخرجه الخمسة (¬1) إلا البخاري. [صحيح] قوله: "لا يقوم من مصلاه الذي يصلي فيه الصبح حتى تطلع الشمس" فيه سنية القعود بعد صلاة الفجر إلى طلوع الشمس، وفيه جواز (¬2) التحدث في المسجد والضحك فيه. والنهي عن التحدث في المساجد محمول على أن يغلب ذلك على القاعدين لا أن يقع نادراً. قوله: "أخرجه الخمسة إلا البخاري". السابع: حديث (ابن عمر): 7 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَا تَغْلِبَنَّكُمْ الأَعْرَابُ عَلَى اسْمِ صَلَاتِكُمْ، فَإِنَّ اسْمَهَا فِي كِتَابِ الله العِشَاءُ، وَإِنمَّا يُعْتَمُ بِحِلَابِ الإِبِلِ". أخرجه مسلم (¬3) وأبو داود (¬4) والنسائي (¬5). [صحيح] قوله: "وهم يعتمون (¬6) بحلاب الإبل" معناه: أن الأعراب يسمونها العتمة لكونهم يعتمون بحلاب الإبل، أي: يؤخرونها إلى شدة الظلام. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم في "صحيحه" رقم (670)، وأبو داود رقم (1294)، والترمذي رقم (585)، والنسائي رقم (1357، 1358). وهو حديث صحيح. (¬2) ذكره النووي في شرحه لـ "صحيح مسلم" (5/ 171). (¬3) في "صحيحه" رقم (228/ 644)، (229/ 644). (¬4) في "السنن" رقم (4984). (¬5) في "السنن" رقم (541، 542). وأخرجه أحمد (2/ 10)، وابن ماجه رقم (704). (¬6) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 159)، "الفائق" للزمخشري (2/ 391).

والنهي عن تسمية صلاة العشاء عتمة للتنزيه (¬1)، وتسميتها في بعض الأحاديث: "عتمة" لبيان الجواز. قوله: "أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي". الثامن: حديث (عبد الله بن مغفل): 8 - وعن عبد الله بن مغفل - رضي الله عنه - قال: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَا تَغْلِبَنَّكُمْ الأَعْرَابُ عَلَى اسْمِ صَلَاتِكُمْ المَغْرِبِ. قَالَ: وَتَقُولُ الأَعْرَابُ: هِيَ العِشَاءُ". أخرجه البخاري (¬2). [صحيح] قوله: "على اسم صلاتكم المغرب" أي: أن الأعراب كانوا يسمون صلاة المغرب العشاء جهلاً منهم، فأمر - صلى الله عليه وسلم - أصحابه أن لا [يسمّوها] (¬3) إلا بالمغرب. قوله: "أخرجه البخاري". التاسع: 9 - وعن أبي برزة الأسلمي - رضي الله عنه - قال: "كَانَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَ العِشَاءِ وَالحَدِيثَ بَعْدَهَا". أخرجه الخمسة (¬4) إلا النسائي. [صحيح] حديث "أبي برزة" بفتح الموحدة وسكون الراء وبالزاي هو نضلة بفتح النون وسكون الضاد المعجمة، بن عبيد الأسلمي (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: "فتح الباري" (2/ 45)، "الأوسط" (2/ 373 - 374). (¬2) في "صحيحه" رقم (563). (¬3) في (أ): "يسمونها". (¬4) أخرجه البخاري رقم (547)، ومسلم رقم (647)، وأبو داود رقم (398)، والنسائي (1/ 246)، والترمذي رقم (168)، وقال: حديث أبي برزة حديث حسن صحيح، وابن ماجه رقم (701)، وهو حديث صحيح. (¬5) قاله ابن الأثير في "تتمة جامع الأصول" (2/ 943 - قسم التراجم).

قوله: "يكره النوم قبل العشاء" قالوا: سبب الكراهة (¬1) أنه يعرضها لفوات وقتها باستغراق النوم أو فوات وقتها المختار، أو لئلا يتساهل الناس فيناموا عن صلاتها جماعة. قوله: "والحديث بعدها" قالوا: لأنه يؤدي إلى السهر، ويخاف منه غلبة النوم [344 ب] عن قيام الليل أو الذكر فيه أو عن صلاة الصبح عن وقتها الأفضل أو الجائز أو المختار؛ ولأن سهر الليل سبب لكسل النهار لما يفوته فيه من مصالح الدين والدنيا، والمكروه من الحديث بعدها هو ما لا مصلحة فيه (¬2). قوله: "أخرجه الخمسة إلا النسائي". العاشر: حديث (عمر): 10 - وعن عمر - رضي الله عنه - قال: "كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَسْمُرُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ فِي الأَمْرِ مِنْ أُمُورِ المُسْلِمِينَ، وَأَنَا مَعَهُمَا". أخرجه الترمذي (¬3). [صحيح] قوله: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسمر مع أبي بكر في الأمر من أمور المسلمين" فيه بيان أنه لا بأس بالحديث بعد صلاة العشاء في أمر فيه مصلحة للمسلمين؛ لأن لفظ السمر لا يطلق إلا على ما بعد العشاء. قوله: "أخرجه الترمذي" وقال: حسن. ¬

_ (¬1) قاله النووي في شرحه لـ "صحيح مسلم" (5/ 146)، وانظر: "فتح الباري" (2/ 50 - 51)، "شرح معاني الآثار" (1/ 258 - 259). (¬2) ذكره النووي في شرحه لـ "صحيح مسلم" (5/ 246). (¬3) في "السنن" (169)، وقال: حديث عمر حديث حسن. وأخرجه أحمد (1/ 25)، وابن حبان رقم (276 - موارد)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (1/ 452)، والنسائي في "الكبرى" رقم (8257)، والحاكم (3/ 317)، وصححه، ووافقه الذهبي. وهو حديث صحيح لغيره.

الحادي عشر: حديث (رجل من خزاعة): 1 - وعن رجل من خزاعة من أصحابُ رسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: لَيْتَنِي صَلَّيْتُ فَاسْتَرَحْتُ، فَكَأَنَّهُمْ عَابُوا ذَلِكَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "أَقِمْ الصَّلَاةَ يَا بِلَالُ! وَأَرِحْنَا بِهَا" (¬1). [صحيح] قوله: "وأرحنا بها" قيل: أرحنا بالخروج (¬2) من عهدة التكليف، وقيل: كان دخوله في الصلاة واشتغاله بها راحة له، فإنه كان يعد الاشتغال بغيرها من الأعمال الدنيوية تعباً، فكان يستريح في الصلاة لما [557/ أ] يجد من مناجاة الرب، ولذا قال: "وجعلت قرة عيني في الصلاة" (¬3) والمصنف فسره بتفسير قريب من هذا. وفي رواية "لعليَّ" أُصَلِّي فَأَسْتَرِيحَ. قَالَ: فَأُنْكِرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "قُمْ يَا بِلاَلُ، فَأَرِحْنَا بِهَا. يَعْنِي: بِالصَّلاَةِ". أخرجه أبو داود (¬4). ومعنى "أرِحْنَا بِهَا" يعني: نستريح بأدائها عن شغل القلب بها. الثاني عشر: حديث (عثمان بن أبي العاص): 12 - وعن عثمان بن أبي العاص - رضي الله عنه - قال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله! إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ حَالَ بَيْنِي وَبَيْنَ صَلَاتِي وَبَيْنَ قِرَاءَتِي يَلْبِسُهَا عَلَيَّ، فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: "ذَاكَ شَيْطَانٌ يُقَالُ لَهُ خَنْزَبٌ، فَإِذَا أَحْسَسْتَهُ فَتَعَوَّذْ بِالله تَعَالى مِنْهُ، وَاتْفِلْ عَنْ يَسَارِكَ ثَلَاثًا قَالَ: فَفَعَلْتُ ذَلِكَ فَأَذْهَبَهُ الله عَنِّي". أخرجه مسلم (¬5). [صحيح] ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود في "السنن" رقم (4985، 4986). وهو حديث صحيح. (¬2) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (6/ 264). (¬3) تقدم نصه وتخريجه مراراً. (¬4) في "السنن" رقم (4986)، وهو حديث صحيح. (¬5) في "صحيحه" رقم (2203).

ترجمه ابن الأثير (¬1) بلفظ: شيطان الصلاة. قوله: "خنزب" بفتح الخاء المعجمة وكسرها وسكون النون وفتح الزاي فموحدة، قال أبو عمرو (¬2): وهو لقب له، والخنزب قطعة لحم منتنة. قوله: "فتعوّذ بالله واتفل عن يسارك ثلاثاً" فيه استحباب (¬3) التعوذ من شيطان الوسوسة مع التفل عن اليسار ثلاثاً في حال صلاته، وأن ذلك لا يخل بها، بل هو متعين فيها [345 ب] لإصلاحها. وقوله: "يلبسها" (¬4) أي: يخلطها ويشككني فيها، وهو بفتح أوله وكسر ثانيه. قوله: "فأذهبه الله عني". قوله: "أخرجه مسلم" وروى الحديث ابن ماجه (¬5) عن عثمان أيضاً بلفظ: "لما استعملني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الطائف، كان يعرض لي شيء في صلاتي حتى ما أدري ما أصلي، فلما رأيت ذلك رحلت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: " [ابن أبي العاص؟] (¬6) " قلت: نعم يا رسول الله. قال: "ما جاء بك؟ " قلت: يا رسول الله! عرضَ لي شيء في صلاتي حتى ما أدري ما أصلي، قال: "ذاك الشيطانُ، ادنُهُ" فدنوت منه، فجلست على صدور قدميَّ، فضرب ¬

_ (¬1) في "الجامع" (6/ 264). (¬2) ذكره ابن الأثير في "النهاية في غريب الحديث" (1/ 536). وانظر: "المجموع المغيث" (1/ 622). (¬3) ذكره النووي في شرحه لـ "صحيح مسلم" (14/ 190). (¬4) ذكره النووي في شرحه لـ "صحيح مسلم" (14/ 190). وانظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 582). (¬5) في "السنن" رقم (3548)، وهو حديث صحيح. (¬6) في المخطوط (أ. ب): "بن العاص". وما أثبتناه من سنن ابن ماجه.

صدري بيده، وتَفَلَ في [فيَّ] (¬1) وقال: "اخرج [عدو الله] (¬2) " ففعل ذلك ثلاث مرات، ثم قال: "الحق بعملك" قال عثمان: فلعمري ما أحسبه خالطني بعد". انتهى. واعلم أنه قد ورد الحديث: "أن شيطان الوضوء (¬3) يسمى الولهان" فالاستعاذة عند أفعال الطاعات تطرد الشيطان عن التلبيس على العبد لطاعاته. فلا ينبغي لمسلم ترك التعوذ عند الإتيان بكل طاعة، نسأل الله أن يعيذنا من شياطين الإنس والجن أجمعين، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، ونستغفره لذنوبنا وأوزارنا، ونسأله التوفيق لمراضيه والإعاذة من معاصيه، والحمد لله رب العالمين، وصلاته وسلامه على خاتم المرسلين وعلى آله الأئمة الميامين ورضي عن أصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. انتهى بحمد الله ومعونته تأليف هذا الجزء الثاني من "التحبير شرح التيسير" في صباح الجمعة المباركة ثاني شهر محرم الحرام أو غرّته مفتتح سنة تسع وسبعين ومائة وألف. نسأل الله أن يقدمها بالصحة والعافية في الأديان والأبدان، وبكل خير عام لجميع أهل الأعيان، ونسأله القبول للأفعال والأقوال، والتجاوز عما لا يرضيه، فإنه لا حول ولا قوة إلا به - عز وجل -. [558/ أ]. ¬

_ (¬1) كذا في (أ. ب)، والذي في سنن ابن ماجه: "فمي". (¬2) سقطت من (ب)، وفي (أ): "يا عدو الله". وما أثبتناه من سنن ابن ماجه. (¬3) أخرجه أحمد (1/ 136)، وابن ماجه رقم (421)، والترمذي رقم (57)، والطيالسي رقم (547)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (1/ 197)، والحاكم (1/ 162)، و"الضياء في المختارة" رقم (1247، 1248) كلهم من حديث أبي من طرق بإسناد ضعيف جداً. وأخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (1/ 197) من حديث عمران بن حصين مرفوعاً، وهو حديث ضعيف.

[انتهى ما حرره المؤلف الإمام العلامة محمد بن إسماعيل الأمير - رحمه الله - في آخر الجزء الثاني على قسمته، وإلاَّ فإنَّ هذا الجزء الرابع من هذه النسخة وكل جزء نحواً من ثلاثين كراس. كما نقل هذا الجزء في (3 شهر شعبان سنة 1362 هـ) بصنعاء، بعناية مولانا أمير المؤمنين المتوكل على الله يحيى بن الإمام المنصور بالله محمد بن يحيى حميد الدين حفظه تعالى. كتبه: محمد بن أحمد الحجري [347 ب].] (¬1). - في صفحة عنوان الجزء الخامس من المخطوط (ب) ما يلي: ["جعل المصنف- رحمه الله - هذا الجزء الثالث، لكنه سيكون الخامس، فإن ما قبله قسِّم أربعة أجزاء" اهـ. - "شرعنا في المقابلة من يوم الإثنين عاشر صفر سنة (1362). - وبخط المؤلف - رحمه الله - ما لفظه: الحمد لله الشروع في تأليفه لعله خامس عشر محرم الحرام سنة (1179) تسع وسبعون ومائة وألف. أعان الله على تمامه، وفتح أبواب معانيه، آمين. انتهى من خطه - رحمه الله -"] (¬2). ¬

_ (¬1) ما بين الحاصرتين زيادة من (ب). (¬2) زيادة من المخطوط (ب).

كتاب الصوم

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله الذي يسر وأعان على تمام الجزئين الأولين من شرح تيسير الوصول، وعلى جمع بيان ما في الأحاديث النبوية من كلام الأئمة من علماء المنقول، والصلاة والسلام على من باتباع سنته يكون إلى رضوان الله الوصول، وعلى آله الذين شرفهم بشرفه موصول، ورضي الله عن أصحابه الذين بهم كان الوصول إلى هذه النقول. وبعد: فقد من الله وله الحمد بالإيمان على النصف الأول من التيسير، وها نحن نشرع في شرح النصف الأخير، ونطلب من الله الإعانة على كل ما يرضيه، ونعوذ به من شرور معاصيه، قال المصنف - رحمه الله -: كتاب الصوم وفيه ثلاثة أبواب الباب الأول: فى فضله وفضل شهر رمضان 1 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قَالَ رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ، الحَسَنَةُ بِعَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ. قَالَ الله تعالى: إِلاَّ الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي، لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ. وَلخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ الله مِنْ رِيحِ المِسْكِ". [صحيح] وفي رواية: "الصِّيَامُ جُنَّةٌ, فَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلاَ يَرْفُثْ، وَلاَ يَصْخَبْ، فَإِنْ شَاتَمَهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ، إِنِّي صَائِمٌ".

أخرجه الستة (¬1). [صحيح] وقوله: "الصَّوْمُ لِي": أي لم يشاركني (¬2) فيه أحد، ولا عبد به غيري، فإن سائر العبادات قد عبدت بها الكفار آلهتها، فأنا حينئذٍ أجزي به على قدر اختصاصه بي، وأنا أتولى الجزاء عليه بنفسي، ولا أكله إلى أحد غيري. "وَالخُلُوفُ" (¬3) بضم الخاء: تغير ريح فم الصائم من ترك الأكل والشرب. "والرَّفَثُ" (¬4): مخاطبة الرجل المرأة بما يريده منها، وقيل: هو التصريح بذكر الجماع، وهو الحرام في الحج على المحرم، وأما الرّفث في الكلام إذا لم يكن مع امرأة فلا يحرم لكن يستحب تركه. "وَالصَّخَبُ" (¬5): الضجة والجلبة. قال المصنف - رحمه الله -: (كتاب الصوم). أقول: هو لغة (¬6): الإمساك ومثله الصيام. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (1894، 1904)، ومسلم رقم (1151)، وأبو داود رقم (2363)، والترمذي رقم (764)، وابن ماجه رقم (1691)، والنسائي رقم (2216، 2217)، ومالك في "الموطأ" (1/ 310)، وهو حديث صحيح. (¬2) انظر: "فتح الباري" (4/ 107). (¬3) انظر: "غريب الحديث" للهروي (1/ 325). "المجموع المغيث" (1/ 610). (¬4) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 672)، "الفائق" للزمخشري (2/ 70). (¬5) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 15). (¬6) قاله النووي في شرحه لـ "صحيح مسلم" (7/ 186). وانظر: "القاموس المحيط" (ص 1460).

وشرعاً (¬1): إمساك مخصوص في زمن مخصوص بشرائط مخصوصة، وفي المحكم: الصوم: ترك الطعام، والشراب، والنكاح، والكلام، يقال: صام صياماً وصوماً. وقال الراغب (¬2): الصوم في الأصل: الإمساك عن الفعل (¬3)، ولذلك قيل: للفرس الممسكة عن السَّير (¬4) صائم، وفي الشرع: إمساك المكلف بالنية عن تناول المشرب، والمطعم، والاستمناء، والاستقاء من الفجر إلى المغرب. وكان فرضه (¬5) في السنة الثانية من الهجرة في شعبان بالاتفاق، وفيها فرضت صدقة الفطر قبل العيد بيومين، وقيل: بيوم، وصلى النبي - صلى الله عليه وسلم - صلاة العيد، وهي أول صلاة صلاها، وفي الحجة منها صلى صلاة الأضحى، وضحى، وأمر بالأضحية وهي أول صلاة للأضحى صلَّاها، وأمَّا ما قيل: إنَّ آدم - عليه السلام - لما أكل من الشجرة ثم تاب تأخر قبول توبته لما بقي في جسده من تلك الأكلة ثلاثين يوماً، فلما صغى جسده منها تِيبَ عليه، ففرض على ذريته صيام ثلاثين يوماً، فإنّه ذكره الحافظ ابن حجر في "الفتح" (¬6) عن بعض الصوفية، ثم قال: وهذا يحتاج إلى ثبوت السند فيه إلى من يقبل قوله في ذلك، وهيهات، وجدان ذلك انتهى. وذكر المصنف فيه ثلاثة أبواب فقال: (الباب الأول في فضله، وفضل رمضان) أي: في فضله [2 ب] مطلقاً، وفضل رمضان بخصوصه. ¬

_ (¬1) انظر: "فتح الباري" (4/ 102). (¬2) في "مفردات ألفاظ القرآن" (ص 500). (¬3) ثم قال: مطعماً كان، أو كلاماً، أو مشياً. (¬4) قال الراغب: أو العلف. (¬5) انظر: "فتح الباري" (4/ 107). (¬6) (4/ 102 - 103).

الأول: حديث أبي هريرة. أقول: ساق المصنف ببعض ألفاظ رواياته روايتين، وذكر ابن الأثير (¬1) لحديث أبي هريرة سبعة عشر رواية ما بين مطولة، ومختصرة، ومخرجة للستة، أو لبعض منهم. قوله: "كل عمل ابن آدم" أي: من صالح أعماله فهو من العموم المراد به الخاص. (يضاعف) أي: جزاؤه، وبيّنه بقوله: "الحسنة عشر أمثالها" وهو النص القرآني: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} (¬2)، يراد أنه إذا أعطى درهماً صدقة كتب له أجر عشرة دراهم، وزاد (إلى سبعمائة ضعف) أي: تنتهي المضاعفة إلى ذلك فضلاً من الله، وورد به النص في الصدقة في قوله: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ} (¬3) فالمضاعفة بالعشر مقطوع بها بالوعد الصادق، والتضعيف إلى ما ذكر يؤتيه الله من يشاء. قوله: "قال الله: إلاَّ الصوم فإنَّه لي وأنا أجزي به". أقول: اختلف العلماء في المراد بهذه الجملة مع أنَّ الأعمال كلها لله، وهو الذي يجزي بها على أقوالٍ (¬4). الأول: إنَّ الصوم لا يقع فيه الرياء كما يقع في غيره حكاه المازري (¬5)، ونقله عياض (¬6) عن أبي عبيد، ولفظ: أبي عبيد: قد علمنا أن أعمال البر كلها لله، وهو الذي يجزي بها فنرى، ¬

_ (¬1) في "الجامع" (9/ 450 - 456). (¬2) سورة الأنعام الآية (160). (¬3) سورة البقرة الآية (261). (¬4) انظر: هذه الأقوال في "فتح الباري" (4/ 107 - 108). (¬5) في "المعلم بفوائد مسلم" (2/ 41). (¬6) في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (4/ 110 - 111).

والله أعلم أنَّه إنما خص الصيام؛ لأنَّه ليس يظهر من ابن آدم بفعله، وإنما هو شيء في القلب، ويؤيد هذا التأويل قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ليس والصوم رياء" حدثنيه شبابه عن عقيل عن الزهري، فذكره مرسلاً، وقال ذلك؛ لأنَّ الأعمال لا تكون إلاَّ بالحركات، إلاَّ الصوم، فإنَّه بالنية التي تخفى على الناس، هذا وجه الحديث عندي. انتهى. قال الحافظ ابن حجر (¬1): وقد روى البيهقي الحديث المذكور في "الشعب" (¬2) من طرق عن عُقيْل، وأورده (¬3) من وَجْهٍ آخر عن الزهري موصولاً عن أبي سلمة عن أبي هريرة، وإسناده ضعيف، ولفظه: "الصيام لا رياء فيه" قال الله: "هو لي وأنا أجزي به". قال (¬4): وهذا لو صح كان قاطعاً للنزاع، وقال بهذا الوجه جماعة. والثاني: إنَّ المراد بقوله: "وأنا أجزي به" أي: انفرد بعلم مقدار ثوابه، وتضعيف حسناته، وأمَّا غيره من العبادات فقد اطلع عليها بعض الناس. قال القرطبي (¬5) معناه: إنَّ الأعمال ينكشف [3 ب] مقادير ثوابها للناس، وأنَّها تضعف من عشرة إلى سبعمائة إلى ما شاء الله إلاَّ الصوم فإنَّ الله يثيب عليه بغير تقدير، ويشهد له سياق الرواية الأخرى (¬6): "كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى ما شاء الله، قال الله: إلاَّ الصوم فإنه لي وأنا أجزي به" أي: أجازي به عليه جزاءً كثيراً من غير ¬

_ (¬1) في "الفتح" (4/ 107). (¬2) رقم (3593)، وهو حديث مرسل. (¬3) رقم (3322)، وهو حديث ضعيف جداً. (¬4) رقم (3322)، وهو حديث ضعيف جداً. (¬5) في "المفهم" (3/ 213). (¬6) أخرجها مالك في "الموطأ" (1/ 310).

تعيين لمقداره، وهذا نحو قوله تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (10)} (¬1)، والصابرون هم الصائمون في أكثر الأقوال، وذكر له شواهد. قال القرطبي (¬2): [هذا القول ظاهر الحسن] (¬3)، قال: غير أنّه تقدم، ويأتي في غير ما حديث أن صوم اليوم بعشرة أيام، وهو نص في إظهار التضعيف، فيبعد هذا الجواب بل يبطل. قال الحافظ (¬4): لا يلزم من الذي ذكر بطلانه، بل المراد بما أورده أنَّ صيام اليوم الواحد يكتب بعشرة أيام، وأمَّا مقدار ثواب ذلك فلا يعلمه إلاَّ الله، وهذا حسن. الثالث: إن معنى قوله: "الصوم لي" أي: أَنَّه أحب العبادات إليَّ، والمقدم عندي، ويؤيده حديث النسائي (¬5) عن أبي أمامة مرفوعاً: "عليك بالصوم لا مثل له". وردّ بأنّه يدفعه الحديث الصحيح: "واعلموا أنَّ خير أعمالكم الصلاة" (¬6). الرابع (¬7): إنَّ الإضافة إضافة تشريف وتعظيم، كما يقال: بيت الله وإن كان البيوت كلها لله. ¬

_ (¬1) سورة الزمر الآية (10). (¬2) في "المفهم" (3/ 213). (¬3) كذا في (أ. ب)، وفي "الفتح" (4/ 108)، والذي في "المفهم"، وهذا ظاهر قول الحسن. (¬4) في "الفتح" (4/ 108). (¬5) في "السنن" رقم (2221)، وهو حديث صحيح. (¬6) أخرجه ابن ماجه رقم (277)، والحاكم (1/ 130) من حديث ثوبان - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "استقيموا ولن تحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة، ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن"، وهو حديث صحيح لغيره. (¬7) ذكره الحافظ في "الفتح" (4/ 108).

قلت: ويريد بالإضافة قوله: "لي" في الخبر عن الصوم، ولكنَّه يبقى الكلام في قوله: "وأنا أجزي به". الخامس (¬1): أنَّ الاستغناء عن الطعام والشراب من صفات الله تعالى، فلما تقرب الصائم إليه بما يوافق صفاته أضافه إليه، وقال القرطبي (¬2): معناه: إنَّ أعمال العباد مناسبة لأحوالهم إلاَّ الصيام، فإنَّه مناسبٌ لصفة من صفات الحق، كأنّه يقول: إنَّ الصائم يتقرب إليَّ بأمر هو مُتعلق بصفة من صفاتي. قلت: ولا يخفى أنَّ الملائكة لا تأكل طعاماً، ولا تشرب شراباً. السادس (¬3): إنّه خالص لله وليس للعبد فيه حظ قاله الخطابي (¬4)، وأوضحه ابن الجوزي (¬5)، فقال: المعنى ليس لنفس الصائم فيه حظ بخلاف غيره من العبادات [4 ب] فإنَّ له فيها حظاً لثناء الناس عليه بعبادته. قلت: إن أراد أنه قصد هذا الحظ فهو رياء يحبط العمل، وإن أراد أنَّه يتفق له ذلك بغير قصد منه فهو غير حظٍ أراده. السابع: إنَّ الصيام عبادة لم يُعبد بها غيرُ الله بخلاف الصلاة، والصدقة والطواف ونحو ذلك. واعترض عليه بما يقع من عباد النجوم، وأصحاب الهياكل والاستخدامات، فإنهم يتعبدون لها بالصيام. ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (4/ 108). (¬2) في "المفهم" (3/ 212). (¬3) ذكره الحافظ في "الفتح" (4/ 108). (¬4) في "أعلام الحديث" (2/ 946). (¬5) ذكره الحافظ في "الفتح" (4/ 108).

وذكر ابن الأثير في "غريب الجامع" (¬1) هذا الوجه، واستحسنه وقال: لم يسمع أنَّ طائفة من طوائف المشركين في الأزمان [المتقدمة] (¬2) عبدت آلهتها بالصوم، ولا تقربت إليها به، ولا دانتها به، ولا عُرِفَ الصومُ في العبادات إلاَّ من جهة الشرائع، فلذلك قال الله: "الصوم لي" أي: لم يشاركني فيه أحدٌ، ولا عُبد به غيري، وأنا حينئذٍ أجزي به على قدر اختصاصه بي، وأنا أتولى الجزاء عليه بنفسي لا أكلِهُ إلى أحد من ملك مقرب، أو غيره، ثم أجاز هذا القول، وقال: إنَّه أخبره به الأمير مجاهد الدين أبو منصور قايماز بن عبد الله، وذكر أنَّه مما وقع له ابتكاراً، ولم يسمعه من أحدٍ، ولا وقف عليه في كتاب، ولم أسمعه أنا من غيره، ولقد أصاب فيما وقع له وأحسن وفقه الله لعرفانه. ولم يتنبه لما أورده الحافظ من انتقض بصيام من ذكر لما ذكر. قوله: "يدع شهوته وطعامه من أجلي". أقول: المراد بشهوته: شهوة الجماع، والمراد: أنَّه جاهد نفسه طول نهاره مع ميل نفسه إلى ما جاهدها عليه، فأمَّا من لم يعرض له ذلك فغيره أفضل منه، وإنما حملناه على الجماع؛ لأنَّه عطف عليه الطعام، ويحتمل أن يكون من الخاص بعد العام، وفي رواية ابن خزيمة: "يدع الطعام والشراب من أجلي، ويدع لذته من أجلي، ويدع زوجته من أجلي". قوله: "للصائم فرحتان" بيَّنهما بقوله: "فرحة عند فطره" قيل: لزوال الجوع، والعطش، وقيل: لإتمام الصوم، والمثوبة. قلت: أولهما ويرشد له الدعاء عند الإفطار: "اللهم لك صمنا، وعلى رزقك أفطرنا" (¬3). ¬

_ (¬1) (9/ 454). (¬2) كذا في (أ. ب)، والذي في "الجامع": "المتقادمة". (¬3) أخرجه أبو داود رقم (2357)، والنسائي في "السنن الكبرى" رقم (3315)، والدارقطني في "السنن" (2/ 185 رقم 25)، والحاكم (1/ 422) من حديث ابن عمر، وهو حديث حسن.

قوله: [5 ب] "وفرحة عند لقاء ربه"؛ لما يناله من الجزاء الذي أخبر عنه بقوله: "وأنا أجزي به" وغير ذلك مما ذكر في جزاء الصيام. قوله: "ولخلوف" (¬1) بضم الخاء المعجمة واللام وسكون الواو بعدها فاء. "فم الصائم" أي: تغير رائحته من خلو المعدة. "أطيبُ عند الله من ريح المسك". أقول: اُستُشكل (¬2) ذلك؛ لأنَّه تعالى منزه عن استطابة (¬3) الروائح، إذ ذلك من صفات الحيوان. قال المازري (¬4): هو مجازي؛ لأنها جرت العادة بتقريب الرائحة الطيبة منا فاستعير ذلك للصوم لتقريبه من الله تعالى فالمعنى: أنَّه أطيب عند الله من ريح المسك عندكم أي: يقرب إليه أكثر من تقريب المسك إليكم، وإلى ذلك أشار ابن عبد البر (¬5). وقيل: إنَّ المراد أنَّ ذلك في حق الملائكة، وأنهم يستطيبون ريح الخلوف أكثر مما تستطيبون ريح المسك. ¬

_ (¬1) تقدم شرحها. (¬2) ذكره الحافظ في "الفتح" (4/ 105 - 106). (¬3) قال ابن القيم في "الكلم الطيب" (ص 67 - 68) بتحقيقي: كل هذا تأويل لا حاجة إليه، وإخراج للفظ عن حقيقته، والصواب: أنّ نسبة الاستطابة إليه سبحانه كنسبة سائر صفاته وأفعاله إليه، فإنّها استطابة لا تماثل استطابة المخلوقين، كما أنّ رضاه وغضبه، وفرحه، وكراهته، وحبّه، وبغضه لا تماثل ما للمخلوق من ذلك، كما أنّ ذاته سبحانه وتعالى لا تشبه ذوات المخلوقين، وصفاته لا تشبه صفاتهم، وأفعاله لا تشبه أفعالهم. (¬4) في "المعلم" (2/ 41). (¬5) في "الاستذكار" (10/ 248 - 249 رقم 14737).

وقيل: إنَّ المعنى: أن حكم الخلوف والمسك عند الله على ضدَّ ما هو عندكم، وهذا قريب من الأول. وقيل: المراد: أنَّ الله يُطيب نكهته في الآخرة، فتكون أطيب من ريح المسك، لا سيما بالإضافة إلى الخلوف (¬1). وقال الداودي (¬2): وجماعة المعنى: أنَّ الخلوف أكثر ثواباً من المسك المندوب إليه في الجمع، ومجالس الذكر، ورجحه النووي (¬3). وحاصله: حمل معنى الطيب على القبول والرضى، قال البغوي (¬4): معناه: الرضى بفعله، وإليه ذهب جماعة من الأئمة، قال الخطابي (¬5): طيبه عند الله رضاؤه به، وثناؤه عليه. ووقع بين الشيخين ابن عبد السلام، وابن الصلاح تنازع في المسألة فذهب ابن عبد السلام إلى ذلك في الآخرة، كما في دم الشهيد. واستدل بالرواية التي فيها: "يوم القيامة". قلت: وهي التي أخرجها مسلم (¬6) وأحمد (¬7) والنسائي (¬8) من حديث عطاء عن أبي صالح: "أطيب عند الله يوم القيامة". ¬

_ (¬1) وانظر "فتح الباري" (4/ 105). (¬2) ذكره الحافظ في "الفتح" (4/ 106). (¬3) في "شرحه لصحيح مسلم" (8/ 30). (¬4) في "شرح السنة" (6/ 222). (¬5) في "أعلام الحديث" (2/ 94). (¬6) في "صحيحه" رقم (163/ 1151). (¬7) في "المسند" (2/ 273). (¬8) في "السنن" رقم (2216) وهو حديث صحيح.

وذهب ابن الصلاح إلى أنَّ ذلك في الدنيا، واستدل بما تقدم، وبأنَّ جمهور العلماء ذهبوا إلى ذلك، كما قدمناه قريباً. قوله: "وفي رواية". أقول: هي في "صحيح البخاري" (¬1)، و"الجُنَّة" بالضم وتشديد النون [6 ب] هي الستر، وقد تبين المستور عنه بما في الروايات الأُخر "جنة من النار". أخرجه النسائي (¬2) من حديث عائشة، وله (¬3) من حديث عثمان بن أبي العاص جنة كجنة أحدكم من القتال" ولأحمد (¬4) من حديث أبي هريرة: "جنة وحصن حصين من النار"، وله (¬5) من حديث أبي عبيدة بن الجراح: "الصيام فيه جنة ما لم يخرقها"، زاد الدارمي (¬6): "بالغيبة" وبذلك ترجم له (¬7) هو وأبو داود (¬8). قوله: "فلا يرفث" (¬9). أقول: (يرفث) بالضم والكسر، ويجوز في فاءه الثلاث الحركات. ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (1894). (¬2) في "السنن" رقم (2234). (¬3) أي: للنسائي في "السنن" رقم (2230). (¬4) في "المسند" (2/ 245، 306). (¬5) أي: للنسائي في "السنن" رقم (2233). (¬6) في "سننه" رقم (1773). (¬7) أي: الدارمي: في "السنن" (2/ 1081/ الباب رقم 27). (¬8) في "السنن" (3/ 767 الباب رقم 25). (¬9) تقدم شرحها مراراً.

قال السيوطي (¬1): فاؤه مثلثة في الماضي والمضارع، والأفصح الفتح في الماضي، والضم في المضارع، والمراد بالرفث هنا هو بفتح للراء والفاء: الكلام الفاحش، وهو يطلق على هذا، وعلى الجماع ومقدماته، وعلى ذكره مع النساء أو مطلقاً. قوله: "ولا يصخب" بفتح حرف المضارعة، فصاد مهملة ساكنة، فخاء معجمة مفتوحة، وهو رفع الصوت، وفي رواية البخاري (¬2): "ولا يجهل" أي: لا يفعل شيئاً من أفعال الجهل كالصياح، والسفه، ونحو ذلك، ولسعيد بن منصور: "ولا يجادل". قال القرطبي (¬3): لا يفهم من هذا أنَّ غير يوم الصوم يباح فيه ما ذكرنا إنما المراد أنَّ المتسع من ذلك يتأكد في الصوم. قوله: "فإن شاتمه أحد أو قاتله". لفظ البخاري (¬4): "وإن امرؤ" وفيه ألفاظ متفقة المعاني مختلفة الألفاظ، وأثبتت الروايات كلها أنه يقول: "إني صائم، إني صائم" إلاَّ أنها وردت بالتكرار، وبالإفراد في بعض، واختلف في المراد بقوله: "إني صائم" هل يخاطب بها الذي يكلمه بذلك أو يقولها في نفسه؟. وبالثاني: جزم (¬5) المتولي ونقله الرافعي عن الأئمة، ورجح النووي الأول في "الأذكار" (¬6). ¬

_ (¬1) انظر: "الديباج على صحيح مسلم بن الحجاج" (3/ 229). (¬2) في "صحيحه" رقم (1894). (¬3) في "المفهم" (3/ 214). (¬4) في "صحيحه" رقم (1894). (¬5) ذكره الحافظ في "الفتح" (4/ 105). (¬6) (1/ 492)

وقال في "شرح المهذب" (¬1): كل منهما حسن، والقول باللسان أقوى. وقال الروياني (¬2): إن كان رمضان فليقله بلسانه، وإن كان غيره فليقله في نفسه، والمراد كف نفسه عن مقابلة الشتم بالشتم، وعن المماثلة. وقيل: يقوله مرة في نفسه لزجرها عن إجابته، والثانية: يقولها بلسانه لدفع من أراد شتمه، وقتاله. قوله: "أخرجه الستة". قلت: بألفاظ عدة قدمنا كمية ما ساقه ابن الأثير (¬3) في ذلك، وتفسير "المصنف" لقوله: "الصوم لي" و"للخلوف" تقدم ما يفيده، وكذا (الرفث). الثاني: حديث أبي [7 ب] هريرة (¬4) - أيضاً -: 2 - وعنه - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ صَامَ يَوْماً فِي سَبِيْلِ الله تعالَى جَعَلَ الله بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّارِ خَنْدَقًا كما بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ" (¬5). أخرجه الترمذي (¬6). [إسناده حسن] قوله: "في سبيل الله" هو إذا أطلق أريد به الجهاد، فالمراد: من صام وهو في الجهاد؛ لأنّه جمع بين جهاد نفسه، ترجم له الترمذي (¬7) باب: ما جاء في فضل الصوم في سبيل الله، وذكر ¬

_ (¬1) في المجموع "شرح المهذب" (6/ 398). (¬2) في "بحر المذهب" (4/ 329 - 330). (¬3) في "جامع الأصول" (9/ 450 - 456). (¬4) كذا في "المخطوط" والذي في "الجامع" (6/ 457 رقم 7144) بهذا اللفظ عن أبي أمامة. (¬5) هذا اللفظ من حديث أبي أمامة. (¬6) في "السنن" رقم (1624) من حديث أبي أمامة - رضي الله عنه - بإسناد حسن. (¬7) في "السنن" (4/ 166 الباب رقم 3).

أحاديث في الباب منها: من حديث أبي سعيد (¬1) الخدري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يصوم عبد يوماً في سبيل الله إلاَّ باعد ذلك اليوم من النار عن وجهه سبعين خريفاً" وقال (¬2): هذا حديث حسن صحيح. قوله: "أخرجه الترمذي وقال (¬3): هذا حديث غريب، من حديث أبي أمامة" انتهى. والمصنف نسبه لأبي هريرة كما ترى، وحديث أبي هريرة في الباب أخرجه الترمذي (¬4) - أيضاً - لكن بلفظ: "زحزحه الله عن النار سبعين خريفاً" ثم قال: أحداهما، أي: الراويين عن أبي هريرة يقول: "سبعين"، والآخر يقول: "أربعين". وذكره ابن الأثير - أيضاً - في "الجامع" (¬5) إلاَّ أنَّه زاد فيه: أنَّ في رواية "أربعين خريفاً" ولم أجدها، إنما لفظه ما نقلناه، وقال (¬6) فيه الترمذي: إنه غريب من هذا الوجه. والحاصل: إنَّ رواية "خندقاً" إنما هي (¬7) في رواية أبي أمامة، لا أبي هريرة. والمصنف نسبها لأبي هريرة، وهي في "الجامع" (¬8) على الصواب منسوبة لأبي أمامة، والترمذي (¬9) أخرج الحديث في كتاب الجهاد. ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي في "السنن" رقم (1623) وهو حديث صحيح. (¬2) في "السنن" (4/ 166). (¬3) في "السنن" (4/ 167). (¬4) في "السنن" رقم (1622) وهو حديث صحيح. (¬5) (9/ 456 - 457 رقم 7142). (¬6) في "السنن" (4/ 166). (¬7) وهو كما قال. (¬8) (9/ 457 رقم 7144). (¬9) في "السنن" (4/ 166 الباب رقم 3).

الثالث: 3 - وعن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال: قلت يا رسول الله: مُرْنِي بِأَمْر يَنْفَعْنِي الله تَعَالَى بِهِ، فَقَالَ: عَلَيْكَ بَالصَوْمِ، فَإِنَّهُ لَا عَدْلَ لَهُ. أخرجه النسائي (¬1). [صحيح] حديث أبي أمامة ولفظه في "الجامع" (¬2): "مرني بعمل ينفعني الله به. قال: عليك بالصوم فإنَّه لا مثل له". وفي رواية (¬3): "أنه سأل: أيُّ العمل أفضل؟ فقال: عليك بالصوم، فإنه لا عدل له". وفي أخرى (¬4): "مرني بعمل. قال: عليك بالصوم، فإنَّه لا عدل له". انتهى. العدل المثل كما فسرته الرواية الأخرى، فالمصنف أتى بلفظ مأخوذ من الروايات، لا أنَّه لفظ أحدها، وفيه دليل على فضيلة الصوم على كل عمل نافع. قوله: "أخرجه النسائي" بألفاظ الروايات التي سقناها. الرابع: حديث سهل بن سعد: 4 - وعن سهل بن سعد - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ فِي الجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ: الرَّيَّانُ، لَا يَدْخُلُه إِلاَّ الصَّائِمُونَ، فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ، فَلاَ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ". أخرجه الخمسة (¬5) إلا أبا داود. [صحيح] ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (2221) وهو حديث صحيح. (¬2) (9/ 456 رقم 7141). (¬3) أخرجها النسائي في "السنن" رقم (2222) وهو حديث صحيح. (¬4) عند النسائي في "السنن" رقم (2220) وهو حديث صحيح. (¬5) أخرجه البخاري رقم (1896)، ومسلم رقم (1152)، والترمذي رقم (765)، والنسائي في "السنن" رقم (2236).

وزاد الترمذي (¬1): "وَمَنْ دَخَلَهُ لَا يَظْمَأُ أَبَداً". قوله: "باباً يقال (¬2) له: الريان". مبالغة من الري، وهو خلاف العطش، سمي الباب به بشرى لداخليه أنّهم لا يظمئون. "لا يدخله إلاَّ الصائمون، فإذا دخلوا أُغلق". المراد: الصائمون من كل ملة من أشياع الأنبياء - عليهم السلام -، والمراد: صوم الفرض. قوله: "زاد الترمذي" في رواية. "ومن دخله لا يظمأ أبداً" إن قلت: أهل الجنة لا يظمئون أبداً. قلت: يمكن أنهم يحتاجون إلى شرب الماء، ما عدا الصُّوام فإنهم لا يشربونه إلاَّ تلذذاً، لا لحاجة (¬3). قوله: "أخرجه الخمسة إلاَّ أبا داود". قلت: قال الترمذي (¬4): هذا حديث حسن صحيح غريب. الخامس: حديث أبي هريرة. 5 - وعن أبي هريرة (¬5) - رضي الله عنه - قال: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لاَ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا". أخرجه الترمذي (¬6). [صحيح] ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (765). (¬2) انظر: "فتح الباري" (4/ 111). (¬3) انظر: "المفهم" (3/ 316)، "فتح الباري" (4/ 111). (¬4) في "السنن" (3/ 137). (¬5) بل هو من حديث زيد بن خالد الجهني. (¬6) في "السنن" رقم (807) وهو حديث زيد بن خالد الجهني، وهو حديث صحيح.

أقول: هكذا في "الجامع" (¬1)، والذي رأيته في الترمذي، وقد عقد (¬2) له باباً ما جاء في فضل من فطَّر صائماً، ثم ساق الحديث إلى زيد بن خالد (¬3) الجهني قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وذكره بلفظه، وقال (¬4): إنّه حسن صحيح. انتهى. وذكره المنذري في "الترغيب والترهيب" (¬5) فقال: الترغيب في إطعام الصائم عن زيد ابن خالد الجهني، وساقه بلفظه الذي هنا، وقال رواه الترمذي (¬6) والنسائى (¬7) وابن ماجه (¬8) وابن خزيمة (¬9) وابن حبان (¬10) في صحيحيهما. انتهى. فنسبه ابن الأثير له إلى أبي هريرة، وتبعه "المصنف" نسبة غير صحيحة (¬11)، وقد رواه الطبراني عن سلمان عنه - صلى الله عليه وسلم - بلفظ: "من فطر صائماً على طعام وشراب من حلال صلت عليه الملائكة في ليالي شهر رمضان، وصلى عليه جبريل ليلة القدر". ¬

_ (¬1) (9/ 459 الحديث رقم 7148). (¬2) أي: الترمذي في "السنن" (3/ 171 الباب رقم 82). (¬3) الحديث رقم (807) وهو حديث صحيح. (¬4) الترمذي في "السنن" (3/ 171). (¬5) (2/ 85). (¬6) في "السنن" رقم (807). (¬7) في "السنن الكبرى" رقم (3330). (¬8) في "السنن" رقم (1746). (¬9) في "صحيحه" رقم (2064). (¬10) في "صحيحه" رقم (3420). (¬11) وهو كما قال الشارح.

رواه في "الكبير" (¬1). ورواه البزار (¬2) وقال: "صلى عليه جبريل ليلة القدر، ورزق دموعاً، ورقةً، قال سلمان: إن كان لا يقدر على قوته، قال: على كسرة خبز أو مذقة لبن وشربة ماء كان له ذلك". وأخرجه أبو الشيخ (¬3) ابن حيان في "كتاب الثواب" إلاَّ أنَّه قال: "وصافحه جبريل ليلة القدر". وزاد فيه: "ومن صافحه جبريل يرق قلبه، وتكثر دموعه. قال: قلت: يا رسول الله! أفرأيت إن لم يكن عنده؟ قال: قبضة من طعام. قال: أفرأيت إن لم يكن عنده لقمة خبز. قال: فمذقة من لبن. قلت: أفرأيت إن لم يكن عنده شيء. قال: فشربة من ماء". وأخرج ابن خزيمة في "صحيحه" (¬4) من حديث سلمان وفيه: "من فطر صائماً" يعني: في رمضان، "كان مغفرةً لذنوبه، وعتقاً لرقبته من النار، وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شيء. قالوا: ليس كلنا يجد ما يفطر الصائم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يعطي الله هذا الثواب من فطر صائماً على تمرة أو شربة, أو مذقة لبن". فهذا شرح حديث زيد بن خالد، وتبيين فضل الله. ¬

_ (¬1) رقم (6162)، وأورده الهيثمي في "المجمع" (3/ 156) وقال رواه الطبراني في "الكبير، والبزار" وزاد فيه: وفيه الحسن بن أبي جعفر، قال ابن عدي: له أحاديث صالحة، وهو صدوق قلت: وفيه كلام. قلت: وعلي بن زيد أيضاً ضعيف. وهو حديث ضعيف جداً. (¬2) كما في "مجمع الزوائد" (3/ 156). (¬3) ذكره المنذري في "الترغيب والترهيب" (2/ 24 رقم 1462/ 1)، وأخرجه البيهقي في "الشعب" رقم (3955). وهو حديث ضعيف جداً. (¬4) في "صحيحه" رقم (2067).

السادس: حديث أبي هريرة: 6 - وعنه - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الجَنَّةِ, وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، وَسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ". أخرجه الستة (¬1) إلا أبا داود. [صحيح] قوله: "إذا دخل رمضان" لفظ الترمذي (¬2): "إذا كان أول ليلة من رمضان" ولفظ النسائي: "إذا دخل شهر رمضان". قوله: [9 ب] "فتحت أبواب الجنة" وهي ثمانية، وكأن تفتيحها استبشار بفضل رمضان، وإعلام بأنهم يُدخلون الصائمون الجنة، وبأنَّه علامة للملائكة بدخول الشهر العظيم، وتعظيم حرمته، وبمنع الشياطين من أذى المؤمنين، ويحتمل أن يكون إشارة إلى كثرة الثواب، والعفو، وأنَّ الشياطين يقل إغواؤهم فيصيرون كالمصفدين (¬3). قوله: "وغلقت أبواب النار" كأنه لا يدخلها أحد ممن كتب عليه العذاب. وقيل (¬4): إنّه عبارة عن صرف الهمم عن المعاصي الآيلة بأصحابها إلى النار. قوله: "وسلسلت الشياطين". وفي رواية: "صفدت" (¬5) بضم الصاد، وتشديد الفاء أي: شدت بالأغلال. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (1898)، وطرفاه برقم (1899، 3277)، ومسلم رقم (1079)، والترمذي رقم (682)، وابن ماجه رقم (1642)، والنسائي (4/ 126 رقم 2098)، وأخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (4/ 303)، والحاكم (1/ 421)، وابن خزيمة رقم (1883). وهو حديث صحيح. (¬2) في "السنن" (4/ 176). (¬3) ذكره الحافظ في "الفتح" (4/ 114). (¬4) ذكره الحافظ في "الفتح" (4/ 114). (¬5) أخرجها أحمد (2/ 357)، البخاري رقم (1898)، ومسلم رقم (1079).

قال الحُليمي (¬1): تصفيد الشياطين في شهر رمضان، يحتمل أن يكون المراد أيامه خاصة، وأراد الشياطين التي هي مسترقة السمع، ألا تراه قال: مردة الشياطين؛ لأنَّ شهر رمضان كان وقتاً لنزول القرآن إلى السماء الدنيا، وكانت الحراسة قد وقعت بالشهب، كما قال: {وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ (7)} (¬2)، فزيدوا التصفيد في شهر رمضان مبالغة في الحفظ، والله أعلم. ويُحتمل أن تكون أيامه ولياليه، ومعناه: أنَّ الشياطين لا يخلصون فيه من إفساد الناس إلى ما يخلصون إليه في غيره؛ لاشتغال المسلمين بالصيام الذي فيه قمع الشهوات، وبقراءة القرآن، وسائر العبادات. انتهى. وقال القرطبي (¬3) بعد حمله التصفيد على ظاهره: فإن قيل: فكيف ونحن نرى المعاصي والشرور واقعةً في رمضان كثيراً، فلو صفدت لم يقع ذلك. فالجواب (¬4): إنّها إنما تغل عن الصائمين الصوم الذي حوفظ على شروطه، وروعيت آدابه، والمصفد بعض الشياطين، وهم المردة، لا كلهم كما في بعض الروايات. والمقصود: تغليل الشرور فيه، وهذا أمر محسوس، فإنَّ وقوع ذلك فيه أقل من غيره، أو لأنَّه لا يلزم من تصفيد جميعهم أن لا يقع شرٌّ، ولا معصية؛ لأنَّ لذلك أسباباً غير الشياطين، كالنفوس الخبيثة، والعادات القبيحة، والشياطين الإنسية. قوله: "أخرجه الستة إلاَّ أبا داود". ¬

_ (¬1) في كتاب "المنهاج في شعب الإيمان" للحُليمي (ت: 403 هـ) (2/ 379). (¬2) سورة الصافات: الآية: (7). (¬3) في "المفهم" (3/ 136 - 137). (¬4) انظره مفصلاً في "المفهم" (3/ 136 - 137).

7 - وفي أخرى للنسائي (¬1): وَيُنَادِي مُنادٍ كُلَّ لَيْلَةٍ: يَا بَاغِيَ الخَيْرَ هَلُمَّ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ. [صحيح لغيره] قوله: "وفي أخرى للنسائي". قلت: وقال (¬2): قال أبو عبد الرحمن [10 ب] يريد نفسه هذا الحديث خطأً. انتهى. قلت: وهذه الزيادة في سنن الترمذي (¬3) بلفظ النسائي، وزاد: "ولله عتقاً كل ليلة". قال الترمذي (¬4) بعد سياقه حديث أبي هريرة الذي رواه أبو بكر بن عياش - يريد هذا الحديث؛ لأنَّه ساقه من طريقه - حديث غريبٌ لا نعرفه، مثل رواية أبي بكر بن عياش عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة، إلاَّ من حديث أبي بكر، وسألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث فقال: حدثنا الحسن بن الربيع، حدثنا أبو الأحوص عن الأعمش عن مجاهد قوله: "إذا كان أول ليلة من شهر رمضان". فذكر الحديث. قال محمد: وهذا أصح عندي من حديث أبي بكر بن عياش. انتهى. وللنسائي (¬5) فيه كلام كثير. السابع: حديث أنس: 8 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: سُئِلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: أَيُّ الصَّوْمِ أَفْضَلُ بَعْدَ رَمَضَانَ؟ قَالَ: "شَعْبَانُ لِيُعْلَم رَمَضَانَ"، وَأَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "فِي رَمَضَانَ". أخرجه الترمذي (¬6). [ضعيف] ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (2107) وهو حديث صحيح لغيره. (¬2) في "السنن" (4/ 130). (¬3) في "السنن" (3/ 66 - 67 رقم 682). (¬4) في "السنن" (3/ 68). (¬5) في "السنن" (4/ 130). (¬6) في "السنن" رقم (663)، وقال الترمذي: هذا حديث غريب، وصدقة بن موسى ليس عندهم بذاك. =

الباب الثاني: في واجبات الصوم وسننه وأحكامه

قوله: "قال: شعبان ليعلم رمضان" أي: لأنّه مقدمة بين يدي رمضان، فيعظم بصيامه، كما تقدم، نوافل الصلوات قبلها، ليدخل إليها بنشاط وكذلك صيام شعبان يحصل به النشاط بصيام رمضان، وكذلك تشابه الصلاة بالصيام بعده، وهي الأيام الست من شوال كالنافلة البعدية للصلاة. قوله: "وأي الصدقة أفضل؟ " أي: سأل عنها، فقال: "في رمضان"؛ لأنَّ فيه تضاعف الطاعات، ولذا كان - صلى الله عليه وسلم - أجود (¬1) ما يكون في رمضان. قوله: "أخرجه الترمذي". الباب الثاني: في واجبات الصوم وسننه وأحكامه زاد ابن الأثير (¬2) في الترجمة جائزاً ومكروهاً. الأول: حديث ابن عُمر: 1 - عن ابن عمر - رضي الله عنهما -: أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكر رمضان فقال: "لاَ تَصُومُوا حَتَّى ترَوُا الهِلاَلَ، وَلاَ تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ". ¬

_ = صدقة بن موسى الدقيقي، أبو المغيرة، أو أبو محمد السلمي، البصري: صدوق له أوهام. "التقريب" رقم (2921). وقال المحرران: بل ضعيف. ضعفه ابن معين، وأبو داود، والنسائي، والترمذي، وأبو بشر الدولابي، وقال أبو حاتم: ليَّن الحديث، يكتب حديثه، ولا يحتج به، ليس بالقوي. وقال ابن حبان: كان شيخاً صالحاً إلا أن الحديث لم يكن من صناعته، فكان إذا روى قلب الأخبار حتى خرج عن حدِّ الاحتجاج به. (¬1) سيأتي نصه وتخريجه. (¬2) في "الجامع" (6/ 265).

أخرجه الستة (¬1) إلا الترمذي. [صحيح] وفي رواية للبخاري (¬2): "فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا العِدَةَ ثَلاِثينَ". ولمسلم (¬3) والنسائي (¬4) عن أبي هريرة: "فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَصُومُوا ثَلاثِيْنَ يَوْمًا". "غُمَّ (¬5) عَلَيْكُمْ" أي: غطَّاه شيء من السحاب، أو غيم أو غيره فلم يظهر. ترجمه ابن الأثير (¬6) بقوله: الفرع الأول في وجوبه بالرؤية. قوله: "لا تصوموا حتى تروا الهلال". هو نهي عن صيام رمضان والدخول فيه إلاَّ بالرؤية لهلاله أي: رمضان، والنهي يقتضي التحريم. قوله: "ولا تفطروا حتى تروا هلال شوال". وظاهره: أنَّه لا بد من رؤيتهم كلهم، والمراد البعض كما يأتي أدلة (¬7) الاكتفاء، به. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (1906)، ومسلم رقم (1080)، وأبو داود رقم (2320)، والنسائي رقم (2121)، ومالك في "الموطأ" (1/ 286)، وابن ماجه رقم (1655)، وهو حديث صحيح. (¬2) في "صحيحه" رقم (1909). أخرجه مسلم رقم (19/ 1081)، وأحمد (2/ 287) وهو حديث صحيح. (¬3) في "صحيحه" رقم (17/ 1081). (¬4) في "السنن" رقم (2121). وأخرجه أحمد (2/ 287)، وابن ماجه رقم (1655) وهو حديث صحيح. (¬5) انظر: "القاموس المحيط" (ص 1476). وقال ابن الأثير في "النهاية" (2/ 322 - 323): غُمَّ علينا الهلال إذا حال دون رؤيته غيم، أو نحوه، من غممت الشيء إذا غطيته. وفي "غمَّ" ضمير الهلال، ويجوز أن يكون "غمّ" مسنداً إلى الظرف. أي: فإن كنتم مغموماً عليكم فأكملوا، وترك ذكر الهلال للاستغناء عنه. (¬6) في "الجامع" (6/ 265). (¬7) انظر: "فتح الباري" (4/ 123).

وترجم البخاري (¬1) للحديث بقوله: (باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إذا رأيتم الهلال فصوموا"). وهذا لفظ حديث أخرجه مسلم (¬2). وقوله: "حتى تروا الهلال" ظاهر في إيجاب (¬3) الصوم حين الرؤية متى وجدت ليلاً، أو نهاراً، لكنه محمول على صوم اليوم المستقبل، وبعض العلماء فرق ما بين قبل الزوال وبعده، وهو ظاهر في النهي عن ابتداء [11 ب] صوم رمضان قبل رؤية الهلال، فيدخل فيه صورة الغيم وغيرها. قوله: "ولا تفطروا" أي: للخروج من رمضان حتى تروه أي: هلال شوال، وهو نهي عن الأمرين إلاَّ بتحقق الرؤية (¬4). قوله: "فإن غمّ عليكم فاقدروا له" قيل: يحتمل أن تكون هذه الجملة للتفرقة بين حال الصحو والغيم، فيكون التعليق بالرؤية متعلق بالصحو. وأمَّا الغيم فله حكم آخر، ويحتمل ألا تفرقة، ويكون الثاني مؤكداً للأول، وإلى الأول ذهب أكثر الحنابلة (¬5)، وإلى الثاني ذهب الجمهور (¬6)، فقالوا: المراد بقوله "فاقدروا له" انظروا في أول الشهر، واحسبوا تمام الثلاثين. ويرجح (¬7) هذا التأويل، الروايات الأُخر المصرحة بالمراد، وهي ما تقدم من قوله: ¬

_ (¬1) في "صحيحه" (4/ 119 الباب رقم 11 - مع الفتح). (¬2) في "صحيحه" رقم (18/ 1081). (¬3) ذكره الحافظ في "الفتح" (4/ 121). (¬4) انظر: "المجموع شرح المهذب" (6/ 455) "المغني" (4/ 326 - 327). (¬5) "الإنصاف" (3/ 269)، "الروض المربع شرح زاد المستقنع" (4/ 266 - 267). (¬6) انظر: "فتح الباري" (4/ 121 - 122)، "بدائع الصنائع" (2/ 78) "التمهيد" (7/ 156). (¬7) ذكره الحافظ في "الفتح" (4/ 121).

"فأكملوا العدة ثلاثين" ونحوها، وأولى ما فسر الحديث بالحديث. وروى البخاري (¬1) حديث أبي هريرة بلفظ: "فأكملوا عدة شعبان ثلاثين". وهذا أصرح (¬2) ما ورد في ذلك، وقد قيل: إنَّ شيخ البخاري آدم تفرد بذلك، فإنَّ أكثر الرواة عن شعبة، قالوا: فعدوا ثلاثين. قال الإسماعيلي (¬3): فيجوز أن يكون أورده على ما وقع عنده من تفسير الخبر. قال الحافظ ابن حجر: قلت: الذي ظنه الإسماعيلي صحيح، فقد رواه البيهقي (¬4) من طريق إبراهيم بن زيد عن آدم بلفظ: "فإن غمّ عليكم فعدوا ثلاثين يوماً". يعني: عدُّوا شعبان ثلاثين، فوقع للبخاري (¬5) إدراج التفسير في نفس الخبر، ويؤيده رواية أبي سلمة عن أبي هريرة (¬6) بلفظ: "لا تقدموا رمضان بصوم يومٍ ولا يومين" فإنه يشعر بأنَّ المأمور بعدده هو شعبان. قال ابن عبد الهادي في "تنقيحه" (¬7) الذي دلت عليه الأحاديث وهو مقتضى القواعد أنَّه أيّ شهر غمَّ، أُكمل ثلاثين سواءً شعبان ورمضان وغيرهما، فعلى [هذا] (¬8) قوله: "فأكملوا ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (1909). (¬2) ذكره الحافظ في "الفتح" (4/ 121). (¬3) في "فتح الباري" (4/ 121). (¬4) في "السنن الكبرى" (4/ 209). (¬5) في "صحيحه" رقم (1909). (¬6) أخرجه البخاري رقم (1914)، ومسلم رقم (21/ 1082)، وأبو داود رقم (2327)، والترمذي رقم (684)، والنسائي رقم (2173)، وابن ماجه رقم (1650)، وأحمد (2/ 521)، وهو حديث صحيح. (¬7) (2/ 282 - 283). (¬8) سقطت من (أ. ب) وأثبتناها من "التنقيح".

العدة" يرجع إلى الجملتين، وهي قوله: "صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غمّ عليكم" - في صومكم وفطركم - "فأكملوا العدة". وبقية الأحاديث تدل عليه، فاللام في قوله: "فأكملوا العدة" للشهر أي: عدة الشهر، ولم يخص - صلى الله عليه وسلم - شهراً دون شهر بالإكمال إذا غم، فلا فرق بين شعبان وغيره في ذلك، إذ لو كان شعبان غير مراد بهذا الإكمال لبيَّنه، فلا تكون رواية من روى [12 ب] "فأكملوا عدة شعبان" مخالفة لمن قال: "فأكملوا العدة"، بل مبينة لها، ويؤيده رواية: "فإن حال بينكم وبينه سحاب فأكملوا العدة ثلاثين، ولا تستقبلوا الشهر استقبالاً". أخرجه أصحاب السنن (¬1)، وابن خزيمة (¬2)، وأبو يعلى (¬3) من حديث ابن عباس. وقوله: "غُمّ" (¬4) بضم الغين المعجمة وتشديد الميم، أي: حال بينكم وبينه غيم، يقال: غممت الشيء: إذا غطَّيته. وفي قوله: "فاقدروا له" تفسير آخر، أي: اقدروا له بحساب المنازل، قاله ابن سريج (¬5) من الشافعية. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود رقم (2327)، والترمذي رقم (866)، والنسائي رقم (2124، 2125، 2129، 2130). (¬2) في "صحيحه" رقم (1912). (¬3) في "مسنده" رقم (2355)، وأخرجه أحمد (1/ 226)، وابن حبان رقم (3590، 3594)، والحاكم (1/ 424 - 425)، والطبراني في "الكبير" رقم (11755، 11756، 11757)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (4/ 208). وهو حديث صحيح. (¬4) انظر: "القاموس المحيط" (ص 1476)، "النهاية في غريب الحديث" (2/ 322 - 323)، وقد تقدم. (¬5) انظر: "المجموع شرح المهذب" (6/ 276)، "فتح الباري" (4/ 122).

قال ابن سريج: إنّ قوله: "فأقدروا له" خطاب لمن خصه الله بهذا العلم، نقله عنه ابن العربي (¬1)، ونقل ابن المنذر (¬2) قبله الإجماع، فقال: صوم يوم الثلاثين من شعبان، إذا لم يرَ الهلال مع الصحو لا يجب بإجماع الأمة، وقد صح عن أكثر الصحابة والتابعين كراهيته، هكذا أطلقه، ولم يفصل بين حَاسِب وغيره. قال ابن دقيق العيد (¬3): الذي أقول: إنَّ الحساب لا يجوز أن يعتمد عليه في الصوم، لمفارقة القمر للشمس، على ما يراه المنجمون، [من تقدم] (¬4) الشهر بالحساب على الشهر بالرؤية بيوم أو يومين، فإنّ ذلك إحداث لسبب لم يشرعه الله. قال: وأمَّا إذا دلَّ الحساب على أنَّ الهلال قد طلع من الأفق على وجه يُرىَ، لولا وجود المانع - كالغيم مثلاً - فهذا يقتضي الوجوب، لوجود السبب الشرعي. انتهى. قوله: "أخرجه الستة إلاَّ الترمذي". قوله: "ولمسلم (¬5) والنسائي (¬6) عن أبي هريرة: "فإن غمّ عليكم فصوموا ثلاثين يوماً". هذه الرواية صريحة في إغمام هلال شوال. ولفظ "الجامع" (¬7) في رواية مسلم عن أبي هريرة: "فإنْ غمي عليكم الشهر فعدوا ثلاثين". ¬

_ (¬1) في "عارضة الأحوذي" (3/ 207). (¬2) انظر: "المغني" (4/ 331). (¬3) في "إحكام الأحكام" (ص 537). (¬4) في (أ. ب): فقد يتقدم. وما أثبتناه من "إحكام الأحكام". (¬5) في صحيحه رقم (17/ 1081)، وقد تقدم. (¬6) في "السنن" رقم (1655)، وقد تقدم. (¬7) (6/ 268).

ولفظ الثاني فيه: "فإن غُمَّ عليكم فعدوا ثلاثين"، وليس فيهما (¬1) "فصوموا" ولا لفظ "يوماً"، ورواية: "فإن غمّ عليكم فصوموا ثلاثين يوماً" نسبها ابن الأثير (¬2) إلى تخريج الخمسة. الثاني حديث: حذيفة: 2 - وعن حذيفة - رضي الله عنه - قال: قَالَ رسولُ الله- صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تُقَدِّمُوا الشَّهْرَ حَتَّى تَرَوُا الهِلاَلَ، أَوْ تُكْمِلُوا العِدَّةَ, ثُمَّ صُومُوا حَتَّى تَرَوُا الهِلاَلَ، أَوْ تُكْمِلُوا العِدَّةَ".أخرجه أبو داود (¬3) والنسائي (¬4). [صحيح]. قوله: "لا تقدموا الشهر حتى تروا الهلال". أي: هلال رمضان، أو"تكملوا العدة" أي: عدة شعبان. "ثم صوموا" بعد أي: الأمرين "حتى تروا الهلال" هلال شوال، "أو تكملوا العدة" [13 ب] عدة رمضان. قدمنا لك أنّ ليس المراد التعليق صوماً وإفطاراً برؤية الجميع، وأنه يراه كل أحد، بل المراد البعض، إمَّا واحد على رأي الجمهور (¬5)، أو اثنين على رأي الآخرين (¬6)، ووافق الحنفية (¬7) على الأول إلاَّ أنهم خصوا ذلك بما إذا كان في السماء علةٌ من غيم، وغيره، وإلاَّ فمتى كان صحواً لا يقبل إلاَّ من جمع كثير يقع العلم بخبرهم، وقد تمسك بتعليق الصوم بالرؤية من ذهب إلى إلزام أهل بلدته برؤية أهل بلد غيرها، ومن لم يذهب إلى ذلك، قال: لأنَّ قوله: ¬

_ (¬1) وهو كما قال. (¬2) في "الجامع" (6/ 267). (¬3) في "السنن" رقم (2326). (¬4) في "السنن" رقم (2126)، وهو حديث صحيح. (¬5) انظر: "فتح الباري" (4/ 123)، "شرح السنن" للبغوي (6/ 245). (¬6) انظر: "روضة الطالبين" (2/ 328). (¬7) "المبسوط" (3/ 140).

"حتى تروه" خطاب لأناس مخصوصين، فلا يلزم غيرهم، ولكنه مصروف عن ظاهره، فلا يتوقف الحال على رؤية كل أحد، فلا يتقيد بالبلد. وقد اختلف (¬1) العلماء في ذلك على مذاهب: أحدهما: لأهل كل بلد رؤيتهم، وفي "صحيح مسلم" من حديث ابن عباس ما يشهد له، وحكاه ابن المنذر (¬2) عن عكرمة, والقاسم، وسالم، وإسحاق، وحكاه الترمذي (¬3) عن أهل العلم، ولم يحك سواه، وحكاه الماوردي (¬4) وجهاً للشافعية. ثانيهما: مقابله إذا رؤي ببلدةٍ لزم أهل البلاد كلها، وهو المشهور عند المالكية (¬5). لكن حكى ابن عبد البر (¬6) الإجماع على خلافه، وقال: أجمعوا على لا تراعى الرؤية فيما بعد من البلاد كخراسان، والأندلس. قال القرطبي (¬7): قد قال شيوخنا: إذا كانت رؤية الهلال ظاهرة ناطقة بموضع، ثم نقل إلى غيرهم شهادة اثنين لزمهم الصوم. وقال ابن الماجشون (¬8): لا يلزم بالشهادة إلاَّ لأهل البلد الذي ثبت فيه الشهادة إلاَّ أنَّ ¬

_ (¬1) انظرها في "فتح الباري" (4/ 123). (¬2) ذكره البغوي في "شرح السنة" (6/ 346). والحافظ في "الفتح" (4/ 123). (¬3) في "السنن" (3/ 77). (¬4) في "الحاوي" (3/ 409). (¬5) انظر: "التسهيل" (3/ 783)، "التمهيد" (7/ 159). (¬6) "التمهيد" (7/ 59 - 160). (¬7) في "المفهم" (143). (¬8) ذكره الحافظ في "الفتح" (4/ 123).

يثبت عند الإمام الأعظم فيلزم الناس كلهم؛ لأنَّ البلاد في حقه كالبلد الواحد إذ حكمه نافذ في الجميع. وقال بعض الشافعية (¬1): إن تقاربت البلاد كان الحكم واحداً، وإن تباعدت فوجهان: لا يجب عند الأكثر، واختار أبو الطيب، وطائفة الوجوب، وحكاه البغوي (¬2) عن الشافعي، وفي ضبط البعد أوجهٌ: أحدها: اختلاف المطالع قطع به العراقيون، والصيدلاني، وصححه النووي في الروضة (¬3)، وشرح المهذب (¬4). ثانيها: مسافة القصر قطع به الإمام البغوي (¬5) [14 ب] وصححه الرافعي في "الشرح الصغير" (¬6) والنووي في شرح مسلم (¬7). ثالثها: باختلاف الأقاليم. رابعها: يلزم كل أهل بلد لا يتصور خفاؤه عنهم بلا عارض دون غيرهم، واستدل بالحديث على وجوب الصوم، أو الفطر على من رأى الهلال وحده، وإن لم يثبت بقوله، وهو قول الأئمة الأربعة في الصوم. ¬

_ (¬1) انظر: "روضة الطالبين" (2/ 328). (¬2) في "شرح السنة" (6/ 245). (¬3) "روضة الطالبين" (2/ 328). (¬4) (6/ 280) (¬5) في "شرح السنة" (6/ 245 - 246). (¬6) ذكره الحافظ في "الفتح" (4/ 123). (¬7) بل ضعفه النووي في "المجموع" (6/ 281)، وصححه في "شرح صحيح مسلم" (7/ 197).

واختلفوا في الفطر قال الشافعي (¬1): يفطر ويخفيه. وقال الأكثر (¬2): يستمر صائماً احتياطاً. قوله: "أخرجه أبو داود والنسائي". الثالث: حديث عائشة: 3 - وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَتَحَفَّظُ مِنْ شَعْبَانَ مَا لاَ يَتَحَفَّظُ مِنْ غَيْرهِ، ثُمَّ يَصُومُ لِرُؤْيَةِ رَمَضَانَ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْهِ عَدَّ ثَلاَثِينَ يَوْمًا، ثُمَّ صَامَ". أخرجه أبو داود (¬3). [صحيح] قوله: "يتحفظ" أي: يتحرى في أمره لتوقف الصوم عليه، وبقيته كما سلف. قوله: "أخرجه أبو داود". الرابع: حديث ابن عباس: 4 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: جَاءَ أَعْرَابِيٌ إِلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ الهِلاَلَ. فَقَالَ: "أتشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله؟ قَالَ: نَعَمْ. قال: أَتَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: يَا بِلاَلُ أَذِّنْ فِي النَّاسِ أَنْ يَصُومُوا غَدًا". أخرجه أصحاب "السنن" (¬4). [ضعيف] ¬

_ (¬1) انظر: "المجموع شرح المهذب" (6/ 246). (¬2) "فتح الباري" (4/ 123). (¬3) في "السنن" رقم (2325). وأخرجه أحمد (6/ 149)، والدارقطني في "السنن" (2/ 156 - 157)، وقال: هذا إسناد صحيح. وهو حديث صحيح. (¬4) أخرجه أبو داود رقم (2340)، والترمذي رقم (691)، والنسائي رقم (2113)، وابن ماجه رقم (1652). =

ترجم له ابن الأثير (¬1) بقوله: الفرع الثاني في وجوبه بالشهادة وهو نوعان: الأول: شهادة الواحد. قوله: "جاء أعرابي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إني رأيت الهلال". قوله: "يعني هلال رمضان" نسب هذا ابن الأثير (¬2) إلى الحسن ولفظه قال: الحسن في حديثه يعني هلال رمضان. انتهى. والحديث يدل آخره على هذا المدرج، وهو دليل على قبول خبر الواحد (¬3) في هلال رمضان، وأنه يكفي كونه مسلماً في الجملة، وذلك الزمان كان الصدق غالباً على أهله، فيقبل خبر الواحد من غير خبره بحاله، ويدل له قوله - صلى الله عليه وسلم -: "خير القرون قرني" (¬4). إلى قوله: "ثم يفشوا الكذب" فحَصَر الكذب وفشوه من بعد القرون الثلاثة، وإذا فشا الكذب وجب التأني في الأخبار حتى يبحث عن حال الراوي، ويثبت في خبره، ولذا قال تعالى في خبر الفاسق: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} (¬5) فإنَّه تعالى أمَرَ بتبيين خبر الفاسق، وذلك بالبحث عن حقيقته. ¬

_ = وأخرجه ابن خزيمة رقم (1923)، وابن حبان رقم (3446)، وابن أبي شيبة (3/ 68)، وأبو يعلى رقم (2529)، والدارمي (2/ 5)، والطحاوي في"مشكل الآثار" رقم (782)، (483، 484)، وابن الجارود رقم (379، (380)، والحاكم (1/ 424)، والبيهقي (4/ 211)، والدارقطني (2/ 158)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (1724) من طرق. وهو حديث ضعيف، والله أعلم. (¬1) في "الجامع" (6/ 271). (¬2) في "الجامع" (6/ 271 رقم 4383). (¬3) انظر: "المغني" (4/ 416 - 417)، "الأم" (3/ 232)، "المجموع" (6/ 282)، "المنتقى" للباجي (2/ 36). (¬4) تقدم مراراً وهو حديث صحيح. (¬5) سورة الحجرات الآية: (6).

قوله: "أخرجه أصحاب السنن". قلت: قال (¬1) الترمذي: حديث ابن عباس فيه اختلاف، وروى سفيان الثوري وغيره عن سماك بن حرب عن عكرمة عن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلاً، وأكثر أصحاب سماك رووا عن سماك عن عكرمة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلاً، والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم قالوا: تقبل شهادة رجل واحد في الصيام [15 ب] وبه يقول ابن المبارك (¬2)، والشافعي (¬3)، وأحمد (¬4)، وقال إسحاق: لا يصام إلاَّ بشهادة رجلين، ولم يختلف أهل العلم في الإفطار أنَّه لا يقبل فيه إلاَّ شهادة رجلين. انتهى بلفظه. الخامس: حديث ابن عمر: 5 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: تَرَاآى النَّاسُ الِهلَالَ فَأَخْبَرْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - أَنِّي رَأَيْتُهُ، فَصَامَ وَأَمَرَ النَّاسَ بِصِيَامِهِ. أخرجه أبو داود (¬5). [صحيح] ¬

_ (¬1) في "السنن" (3/ 75). (¬2) قال ابن قدامة في "المغني" (4/ 416 - 417): المشهور عن أحمد، أنه يقبل في هلال رمضان قول واحد عدل، ويلزم الناس الصيام بقوله: وهو قول عمر، وعلي، وابن عمر، وابن المبارك، والشافعي في الصحيح عنه. (¬3) "المجموع شرح المهذب" (6/ 282). وقال الشافعي في "الأم" (3/ 232): لا يجوز على هلال رمضان إلا شاهدان. قال الشافعي: وقد قال بعض أصحابنا: لا أقبل عليه إلا شاهدين، وهذا القياس على كل مغيب استدل عليه ببينة، وقال بعضهم: جماعة. (¬4) انظر: "المغني" (4/ 417). (¬5) في "السنن" رقم (2345). وأخرجه ابن حبان رقم (3447)، والحاكم في "المستدرك" (1/ 423)، والدارمي (2/ 4)، والبيهقي (4/ 212). =

قوله: "تراآى الناس الهلال" أي: تطلبوا رؤية هلال رمضان "فأخبرت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إني رأيته فصام وأمر الناس بصيامه". هو كحديث الأعرابي، ويدل على ما يدل عليه. قوله: "أخرجه أبو داود". السادس: حديث الحسين بن الحارث الجدلي: 6 - وعن حسين بن الحارث الجدلي عن الحارث بن حاطب - رضي الله عنه - قال: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نَنْسُكَ لِرؤْيَتِه, فَإِنْ لَمْ نَرَهُ, وَشَهِدَ شَاهِدَا عَدْلٍ نسَكنَا بِشِهَادَتِهِمَا. أخرجه أبو داود (¬1). [صحيح] "النُّسُكُ" هنا الصوم. هو أبو القاسم الحسين بن الحارث الجدَلي - بفتح الجيم وفتح الدال المهملة - تابعي مشهور سمع الحارث بن حاطب، وابن عمر، والنعمان بن بشير روى عنه أبو مالك الأشجعي، والحجاج بن أَرْطَأة يُعَدُ في الكوفيين. قاله ابن الأثير (¬2)، وترجم للحديث ابن الأثير (¬3) بقوله: الثاني في شهادة الاثنين. ¬

_ = قال الدارقطني: تفرَّد به مروان بن محمد، عن ابن وهب وهو ثقة فيه نظر، فقد تابعة هارون بن سعيد الأيلي عن ابن وهب, عند الحاكم والبيهقي. وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي. وهو حديث صحيح. (¬1) في "السنن" رقم (2338). وأخرجه الدارقطني في "السنن" (2/ 167) وقال: هذا إسناد متصل صحيح، وهو حديث صحيح. (¬2) في "تتمة جامع الأصول" (1/ 310 - 311 - قسم التراجم). (¬3) في "الجامع" (6/ 273).

قوله: "عن الحارث بن حاطب". لفظه في "الجامع" (¬1): أنَّ أمير مكة قال: "عهد إلينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ننسك لرؤيته، فإن لم نره وشهد شَاهِدَا عدلٍ نسكنا بشهادتهما". قال: فسألت الحسين بن حريث مَنْ أمير مكة. فقال: لا أدري، ثم لقيني بعد مدة, فقال: هو الحارث بن حاطب أخو محمد بن حاطب، ثم قال الأمير إنَّ فيكم من هو أعلم بالله ورسوله مني (¬2)، [وأوْمى] (¬3) بيده إلى رجلٍ - قال الحسين: فقلت لشيخ إلى جنبي: من هذا الذي [أوْمى] (¬4) إليه الأمير؟ قال: هذا عبد الله بن عمر، وصدق كان أعلم بالله - عز وجل - منه (¬5). والحديث دليل أنه يصام ويُفطر بشهادة العدلين، وهو كذلك، ولا دلالة فيه أنه لا يعمل بشهادة الواحد فيه، وتقدم الدليل عليه, وهو منطوق، وهذا الذي عارضه مفهوم لا يقاومه. قوله: "أخرجه أبو داود". فسر "المصنف" النسك هنا بالصوم؛ لأنَّ النسك العبادة، وتعيين الصوم هنا للقرينة. السابع - حديث [أبي عمير] (¬6) ابن أنس بن مالك الصحابي: 7 - وعن أبي عمير بن أنس عن عمومة له من أصحاب رسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّ رَكْبًا أَتَوْا إِلَى رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَشْهَدُونَ أَنَّهُمْ رَأَوُا الِهلاَلَ بِالأَمْسِ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يُفْطِرُوا، وَإِذَا أَصْبَحُوا أَنْ يَغْدُوا إِلَى مُصَلاَّهُمْ. ¬

_ (¬1) في "الجامع" (6/ 273 - 274 رقم 4385). (¬2) في "الجامع" زيادة: وقد شهد هذا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (¬3) كذا في "المخطوط" والذي في "الجامع": أومأ. (¬4) كذا في "المخطوط" والذي في "الجامع": أومأ. (¬5) في "الجامع" زيادة: فقال: بذلك أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (¬6) كذا في (أ. ب) و"الجامع" والذي في "التقريب" أبو عميرة.

أخرجه أبو داود (¬1) والنسائي (¬2). [صحيح] [وأبو عمير] (¬3) من صغار التابعين. قال في "التقريب" (¬4): ثقة. قيل: كان أكبر أولاد أنس بن مالك، واسمه عبد الله [16 ب]. قوله: "عن عمومة له". لا يضرّ جهالتهم؛ لأنّهم من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (أنَّ ركباً) اسم جمع لراكب، لا جمع. قوله: "أتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يشهدون أنهم رأوا الهلال". أي: هلال شوال. "بالأمس" أي: ليلة يومهم الذي أتوا فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو آخر يومٍ من رمضان. "فأمرهم" أي: أهل المدينة أن يفطروا يومهم ذلك، وإذا أصبحوا أن يغدوا وقت الغداة إلى مصلاهم لصلاة العيد، وفيه قبول شهادة الركب، ووجوب الإفطار، وصلاة العيد يوم ثانيه. قوله: "أخرجه أبو داود والنسائي". الثامن: حديث كريب: 8 - وعن كريب قال: اسْتَهَلَّ عَلَيَّ رَمَضَانُ وَأَنَا بِالشَّامِ، فَرَأَيْتُ الهِلاَلَ يَوْمَ الجُمُعَةِ، ثُمَّ قَدِمْتُ المَدِينَةَ فِي آخِرِ الشَّهْرِ، فَسَأَلَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ: مَتَى رَأَيْتُمُ الهِلاَلَ؟ قُلْتُ: يَوْمَ الجُمُعَةِ. فَقَالَ: ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (1157). (¬2) في "السنن" رقم (1557). وأخرجه أحمد (5/ 57، 58)، وابن ماجه رقم (1653)، والدارقطني في "السنن" (2/ 170)، والبيهقي (4/ 250)، وابن حزم في "المحلى" (5/ 92). قال ابن حزم: هذا مسند صحيح، وأبو عمير مقطوع على أنه لا يخفى عليه من أعمامه من صحت صحبته ممن لم تصح صحبته، وإنما يكون هذا علة ممن يمكن أن يخفى عليه هذا. والصحابة كلهم عدول - رضي الله عنهم -. لثناء الله تعالى عليهم. وهو حديث صحيح. (¬3) كذا في (أ. ب)، و"الجامع" والذي في "التقريب": "أبو عميرة". (¬4) (2/ 456 رقم 192).

أَنْتَ رَأَيْتَهُ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، وَرَآهُ النَّاسُ، وَصَامُوا، وَصَامَ مُعَاوِيَةُ - رضي الله عنه - فَقَالَ: لَكِنَّا رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ السَّبْتِ فَلاَ نَزَالُ نَصُومُ حَتَّى نُكْمِلَ ثَلاَثِينَ، أَوْ نَرَاهُ. قُلْتُ: أَفَلاَ تَكْتَفِي بِرُؤْيَةِ مُعَاوِيَةَ وَصِيَامِهِ؟ فَقَالَ: لاَ هَكَذَا أَمَرَنَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -. أخرجه الخمسة (¬1) إلا البخاري. [صحيح] وهكذا هو في كتاب الحميدي، يوم الجمعة، وكلهم قالوا: ليلة الجمعة وهو الصحيح، وكذا هو في "جامع الأصول" (¬2) ليلة الجمعة. بضم الكاف مصغر كرب، وهو ابن مسلم (¬3) مولى عبد الله بن عباس، وفي "جامع الأصول" (¬4) ابن أبي مسلم "استهل عليَّ رمضان بالشام فرأيت الهلال يوم الجمعة" وذلك أنها بعثته أم الفضل إلى معاوية بالشام. قال: فقدمت الشام فقضيت حاجتها. قوله: "ثم قدمت المدينة في آخر الشهر - رمضان - فسألني ابن عباس: متى رأيتم الهلال؟ ". قلت: يوم الجمعة، ورآه الناس، وصاموا، وصام معاوية. قوله: "قلت: أفلا نكتفي" قال - ابن الأثير -: شك أحد رواته في نكتفي أي: بالنون، أو تكتفي - بالمثناة الفوقية الأولى - أي: نحن يا أهل المدينة، والثاني: أنت يا ابن عباس. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم في "صحيحه" رقم (28/ 1087)، وأبو داود رقم (2332)، والترمذي رقم (693)، والنسائي رقم (2111)، وهو حديث صحيح. (¬2) (6/ 276). (¬3) قال الحافظ في "التقريب" (2/ 134 رقم 43)، كريب بن أبي مسلم الهاشمي مولاهم المدني، أبو رشدين، مولى ابن عباس. ثقة. (¬4) في "تتمة جامع الأصول" (2/ 816 - قسم التراجم). حيث قال: كريب: هو أبو رشدين، كريب بن أبي مسلم مولى عبد الله بن عباس.

قوله: "فقال: ليست (¬1) هكذا، أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بِقُلْه" يريد بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "صوموا لرؤيته, وأفطروا لرؤيته" لا أنَّه أراد أنه قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا تكتفوا برؤية أهل قطر عن رؤيتكم. قوله: "وكلّهم قالوا ليلة الجمعة" ظاهره كل الخمسة الذين أخرجوه، والذي في "جامع الأصول" (¬2) أنه أخرج لفظ: "يوم الجمعة" مسلم (¬3)، قال: وأخرجه أبو داود (¬4) والترمذي (¬5) والنسائي (¬6)، وكلّهم قالوا: فرأيت الهلال ليلة الجمعة. والذي في كتاب الحميدي "يوم الجمعة" [17 ب] هذا لفظه. قوله: "وكذا هو في "جامع الأصول" (¬7): (ليلة الجمعة) ". قلت: قد سمعت لفظه، وأنَّه أتى بالروايتين، ولا ريب أنَّ مراده بيوم الجمعة ليلتها، فالروايتان متوافقتان معنىً. قال ابن خزيمة في "صحيحه" (¬8): وقد احتج به لاختلاف المطالع، قال البيهقي (¬9): يحتمل أنَّ ابن عباس لم يثبت عنده إلاَّ شهادة كريب وحده فلم يكتف بها إذ لا بد في الإفطار ¬

_ (¬1) كذا في الشرح والذي في نص الحديث "لا. هكذا أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -". (¬2) (6/ 276). (¬3) في "صحيحه" رقم (1087)، وفيه: "ليلة الجمعة". (¬4) في "السنن" رقم (2332). (¬5) في "السنن" رقم (693). (¬6) في "السنن" رقم (2111) وهو حديث صحيح. (¬7) (6/ 276). (¬8) في "صحيحه" رقم (1916). (¬9) في "السنن" (4/ 202).

من اثنين، قال: ويحتمل أن يكون قوله: هكذا أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اعتباراً بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "فإن غم عليكم فأكملوا العدة". ويكون ذلك قولاً، لا فتوى من جهته أخذاً بهذا الخبر. انتهى. وقد قدمنا البحث، والخلاف في صوم أهل جهة برؤية أهل جهة أخرى. التاسع: حديث أبي هريرة: 9 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قَالَ النَبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "الصَّوْمُ يَوْمَ تصُومُونَ، وَالفِطْرُ يَوْمَ تُفْطِرُونَ، وَالأَضْحى يَوْمَ تُضَحُّونَ". أخرجه أبو داود (¬1) والترمذي (¬2). [صحيح] ترجم له الترمذي (¬3) باب ما جاء أنَّ الفطر يوم يفطرون، والأضحى يوم يضحون. ثم ساق حديث (¬4) أبي هريرة هكذا، وقال (¬5) فيه: هذا حديث غريب حسن. وفسر (¬6) بعض أهل العلم هذا الحديث، فقال: إنما معنى هذا الصوم والفطر مع الجماعة، وعظم الناس. انتهى. وترجم ابن الأثير (¬7) الحديث بقوله: الفرع الرابع في الصوم، والفطر بالاجتهاد. قال ابن الأثير (¬8): وترجم أبو داود (¬9) هذا الحديث باب: إذا أخطأ القومُ الهلال. انتهى. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (2324). (¬2) في "السنن" رقم (697)، وقال: هذا حديث حسن غريب. (¬3) في "السنن" (3/ 80 الباب رقم 11). (¬4) أي: الترمذي في "السنن" رقم (697) وقد تقدم. (¬5) في "السنن" (3/ 80). (¬6) قاله الترمذي في "السنن" (3/ 80). (¬7) في "الجامع" (6/ 277). (¬8) في "الجامع" (6/ 278). (¬9) في "السنن" (2/ 743 الباب رقم 5).

قال الخطابي (¬1): معناه: أنَّ الخطأ مرفوع عن الناس فيما كان سبيله الاجتهاد, فلو أنَّ قومًا اجتهدوا فلم يروا الهلال إلاَّ بعد الثلاثين، فلم يفطروا حتى استوفوا العدد، ثم ثبت عندهم أنَّ الشهر كان تسعاً وعشرين، فإن صومهم وفطرهم ماضٍ لا شيء عليهم من وزرٍ، أو عيب. قال المنذري (¬2): ولعله من كلام الخطابي، وقال بعضهم: فيه إشارة إلى أنَّ يوم الشك لا يصام احتياطاً، وإنما يصوم يوم يصوم الناس. وقيل: فيه الرد على من يقول: أن من عرف طلوع القمر بتقدير حساب المنازل جاز له [18 ب] أن يصوم به، ويفطر دون من لم يعلم. وقيل: إنَّ الشاهد الواحد إذا رأى الهلال، ولم يحكم القاضي بشهادته أنَّه لا يكون هذا صومًا له، كما لم يكن للناس، انتهى. قوله: "أخرجه أبو داود والترمذي". قلت: وقال (¬3): حسن غريب. العاشر: حديث ابن عمر: 10 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "الشَّهْرُ كَذَا وَكَذَا وَكَذَا"، وَصفَّقَ بِيَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ بِكُلِّ أَصَابِعِهِمَا، وَنَقَصَ في الصَّفْقَةِ الثَّالِثَةِ إِبْهَامَ اليُمْنى أوِ اليُسْرى. أخرجه الخمسة (¬4) إلا الترمذي. [صحيح] ¬

_ (¬1) في "معالم السنن" (3/ 743 - مع السنن). (¬2) في "مختصر السنن" (3/ 221 - 222). (¬3) في "السنن" (3/ 80). (¬4) أخرجه البخاري رقم (1907)، (1913)، ومسلم رقم (1080)، وأبو داود رقم (2319، 2320)، والنسائي في "السنن" رقم (2140)، وهو حديث صحيح.

قوله: "كذا وكذا وكذا". له ألفاظ كثيرة هذا أحدها، وحاصله بيان عدد أيام الشهر بأصابعه - صلى الله عليه وسلم - بيان بالفعل، وأنَّه يكون ثلاثين، ويكون تسعاً وعشرين كما أفاده قوله: "ونقص في الصفقة الثالثة". وهو دال على أنهما أصلان، ويعتبر الانتهاء برؤية الهلال أو مضي العدة. قوله: "أخرجه الخمسة إلاَّ الترمذي". - وفي رواية لمسلم (¬1) والنسائي (¬2): "إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ, لاَ نَكْتُبُ وَلاَ نَحْسُبُ الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا" يَعْنِي: مَرَّةً تِسْعَاً وَعِشْرِينَ، وَمَرَّةً ثَلاَثِينَ. [صحيح] قوله: "وفي رواية لمسلم والنسائي". قلت: بل هي في "صحيح البخاري" (¬3)، وترجم له (¬4) باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا نحسب ولا نكتب". قوله: "إِنَّا أُمةٌ أُمِّية". بلفظ النسب، قيل: أراد أمة العرب؛ لأنَّها لا تكتب، أو منسوب إلى الأمهات، أي: أنّهم على أصل ولادة أمهم، أو منسوب إلى الأم: لأنَّ المرأة هذه صفتها غالباً، وقيل: منسوب إلى أم القرى. قوله: "لا نكتب ولا نحسب". تفسير لكونهم كذلك، وقيل: العرب أميون، لأنَّ الكتابة كانت فيهم عزيزة، قال الله - تعالى -: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ} (¬5) , ولا يرد على ذلك أنه كان فيهم من يكتب، ويحسب, لأنَّ ذلك كان قليلاً فيهم، والمراد بالحساب هُنا: حساب النجوم، وتسيرها، ولم يكونوا يعرفون من ذلك إلاَّ النزر اليسير، فعلق الصوم ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (15/ 1080) وأخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (1913). (¬2) في "السنن" رقم (2140، 2141). (¬3) في "صحيحه" رقم (1913). (¬4) في "صحيحه" (4/ 126 الباب رقم 13 - مع الفتح). (¬5) سورة الجمعة الآية: (2).

وغيره بالرؤية لرفع الحرج عنهم في [معاناة] (¬1) حساب التسيير، ولو حدث بعدهم من يعرف ذلك، بل ظاهر السياق يشعر بنفي تعليق الحكم بالحساب أصلاً. قال ابن بزيزة (¬2): الرجوع إلى الحساب مذهب باطل، فقد نهت الشريعة عن الخوض في علم النجوم، فإنَّه حدس وتخمين ليس فيها قاطع، ولا ظنّ غالب، وقال الباجي: إجماع السلف الصالح [19 ب] حجة على من زعم ذلك. الحادي عشر: حديث أبي بكرة: 11 - وعن أبي بكرة - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "شَهْرا عِيدٍ لاَ يَنْقُصَانِ: رَمَضَانُ، وَذُوا الحِجَّةِ". أخرجه الخمسة (¬3) إلا النسائي. [صحيح] قيل: أراد بهذا تفضيل العمل في عشر ذي الحجة، وأنه لا ينقص في الأجر والثواب عن شهر رمضان. قوله: "شهرَا عيدٍ لا ينقصان رمضان وذو الحجة". قال الحافظ ابن حجر (¬4): قد اختلف العلماء في معنى الحديث، فمنهم من حمله على ظاهره, فقال: لا يكون رمضان، ولا ذو الحجة إلاَّ ثلاثين يوماً. قال: وهذا قولٌ مردود معاند للموجود المشاهد، ويكفي في رده قوله - صلى الله عليه وسلم -: "صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غمَّ عليكم فأكملوا العدة". فإنه لو كان رمضان أبداً ثلاثين لم يحتج إلى هذا. ¬

_ (¬1) في (أ. ب) معناه: وما أثبتناه من "الفتح". في هامش المخطوطة: كذا في الأصل، ولعله معاناة. (¬2) ذكره الحافظ في "الفتح" (4/ 127). (¬3) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (1912)، ومسلم رقم (1089)، وأبو داود رقم (2323)، والترمذي رقم (692). (¬4) في "فتح الباري" (4/ 125).

ومنهم من تأول له معنى [الإيفاء] (¬1)، وقال أبو الحسن: كان إسحاق بن راهويه يقول: لا ينقصان في الفضيلة إن كانا تسعة وعشرين، أو ثلاثين. وقيل: لا ينقصان معا إن جاء أحدهما تسعة وعشرين جاء الآخر ثلاثين. وقيل: لا ينقصان في ثواب العمل فيهما، وهذان القولان (¬2) مشهوران، وفيه أقوال أُخر. قال القرطبي (¬3): إنَّ فيه خمسة أقوال فذكر ما تقدم، وزاد: أنَّ معناه: لا ينقصان في عامٍ بعينه، وهو العام الذي قال فيه - صلى الله عليه وسلم - تلك المقالة، وساق أقوالاً، ثم قال: قال الزين ابن المنير (¬4): لا يخلو شيء من هذه الأقوال عن الاعتراض، وأَقْرَبُهَا: أنَّ المراد من النقص الحسي باعتبار العدد يَنْجَبِرُ بأنَّ كلاًّ منهما شهرُ عيدٍ عظيم، فلا ينبغي وصفهما بالنقصان بخلاف غيرهما من الشهور، وحاصله يرجع إلى تأييد قول الحق. قال البيهقي في "المعرفة" (¬5): إنما خصهما بالذكر لتعلق حكم الصوم والحج بهما، وبه جزم النووي (¬6)، وقال: إنَّه الصواب المعتمد، انتهى ملخصاً، والمصنف ذكر بعض المعاني في تفسيره ... أنه قال الترمذي (¬7): قال أحمد: معنى هذا الحديث: لا ينقصان معاً في سنة واحدة، ¬

_ (¬1) كذا في (أ. ب) والذي في "الفتح": لائقاً. (¬2) ذكره الحافظ في "الفتح" (4/ 125). (¬3) في "المفهم" (3/ 145 - 146). (¬4) قاله الحافظ في "الفتح" (4/ 125). (¬5) (6/ 243 رقم 8604). (¬6) في "شرحه لصحيح مسلم" (7/ 199). (¬7) في "السنن" (3/ 76).

فصل في أركان الصوم

إنْ نقص أحدهما تم الآخرُ، قال: وقال إسحاق: معناه: إن كان تسعاً وعشرين فهو تمامٌ غير نقصان. انتهى. وقد قدمنا معناه. قوله: "أخرجه الخمسة إلاَّ النسائي". فصل في أركان الصوم النية لم يتقدم له في الترجمة ذكر الأركان، وكأنَّه أراد بها واجباته التي أشار إليها في الترجمة، وابن الأثير (¬1) قال: الفصل الثاني في ركن [20 ب] الصوم وجعله فرعين: الأول: النية، وجعله نوعين الأول: نية الفرض، وهو الذي أراد المصنف بقوله: "النية" هي مصدر نوى ينوي نية، وهي إرادة الفعل. الأول: حديث حفصة: 1 - عن حفصة - رضي الله عنها - قالت: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ لَمْ يُجْمِعِ الصِّيَامَ قَبْلَ الفَجْرِ فَلاَ صِيَامَ لَهُ". أخرجه أصحاب "السنن" (¬2). [حسن] ¬

_ (¬1) في "الجامع" (6/ 284). (¬2) أخرجه أبو داود رقم (2454)، والنسائي رقم (2333)، والترمذي رقم (730). وأخرجه أحمد (6/ 286)، والدارقطني (2/ 172)، وابن خزيمة رقم (1933)، والطبراني في "المعجم الكبير" (ج 23 رقم 337)، والبيهقي (4/ 202)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (2/ 54) كلهم من طريق عبد الله بن أبي بكر، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله, عن أبيه, عن حفصة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له". قال الترمذي في "السنن" (3/ 108): "حديث حفصة حديث لا نعرفه مرفوعاً إلا من هذا الوجه. وقد روي عن نافع، عن ابن عمر قوله وهو أصح. وهكذا أيضاً روي هذا الحديث عن الزهري موقوفاً، ولا نعلم أحداً رفعه إلا يحيى ابن أيوب". اهـ. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وأخرجه ابن ماجه رقم (1700) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة, حدثنا خالد بن مخلد القطواني، عن إسحاق بن حازم، عن عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم، عن سالم، عن ابن عمر، عن حفصة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا صيام لمن لم يفرضه من الليل". قال ابن أبي حاتم في "العلل" رقم (654): سألت أبي عن حديث رواه معن القزاز عن إسحاق بن حازم، عن عبد الله بن أبي بكر عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. قلت لأبي: أيهما أصح؟ فقال: لا أدري؛ لأن عبد الله بن أبي بكر قد أدرك سالماً، وروى عنه ولا أدري هذا الحديث مما سمع من سالم أو سمعه من الزهري عن سالم. اهـ. وكذا نقل ابن عبد الهادي في "التنقيح" (2/ 282) عن أبي حاتم وزاد في آخره: "فقد روى الزهري عن حمزة، عن حفصة غير مرفوع وهذا عندي أشبه". اهـ. وأخرجه ابن خزيمة رقم (1933)، والترمذي رقم (730)، والنسائي رقم (2333)، والطبراني في "الكبير" (ج 23 رقم 337) كلهم من طريق يحيى بن أيوب عن عبد الله بن أبي بكر عن الزهري عن سالم .... كما تقدم. وأخرجه عن يحيى بن أيوب كلاً من: عبد الله بن وهب، وابن أبي مريم، وعبد الله بن صالح كاتب الليث، وعبد الله بن عبد الحكم، وأشهب. وخالفهم الليث بن سعد، فقد أخرجه النسائي رقم (2331) من طريق سعيد بن شرحبيل، عن الليث، عن يحيى بن أيوب, عن عبد الله بن أبي بكر، عن سالم، به. فلم يذكر الزهري. واختلف فيه على الليث، فرواه عبد الله بن صالح كاتب الليث، وعبد الله بن عبد الحكم، وشعيب بن الليث، كلهم عن الليث، عن يحيى عن عبد الله بن أبي بكر عن الزهري عن سالم، به. وفيه ذكر الزهري، ومنهم من رواه موقوفاً. فقد أخرج النسائي رقم (2336)، والدارقطني (2/ 173) كلاهما من طريق يونس، عن ابن شهاب, قال أخبرني حمزة بن عبد الله بن عمر، عن أبيه, قال: قالت حفصة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - ... فذكر مثله موقوفاً. - صحيح موقوف -. وأخرجه النسائي رقم (2338) من طريق سفيان عن معمر عن الزهري، به. موقوفاً. - صحيح موقوف -. =

قوله: "من لم يُجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له". يُجمع - بضم أوله وسكون الجيم وكسر الميم - قال الخطابي (¬1): الإجماعُ: إحكامُ النية والعزيمة، يقال: أجمعت الرأي، وأزمعته, وعزمت عليه بمعنى. قوله: "أخرجه أصحاب السنن". قلت: ترجم له الترمذي (¬2) بقوله: باب ما جاء لا صيام لمن لم يعزم من الليل، ثم قال بعد إخراجه: حديث حفصة حديثٌ لا نعرفه مرفوعاً إلاَّ من هذا الوجه، وقد روى عن نافعٍ عن ابن عُمر قوله، وهو أصح، وإنّما معنى هذا عند بعض أهل العلم: لا صيام لمن لم يجمع ¬

_ = ومنهم من جعله من مسند عائشة وحفصة: فقد أخرجه النسائي رقم (2341)، والبيهقي (4/ 202) كلاهما من طريق مالك عن ابن شهاب، عن عائشة وحفصة، وفيه: لا يصوم إلا من أجمع الصيام قبل الفجر" - صحيح لغيره -. ومنهم من جعله في مسند ابن عمر، فقد أخرجه النسائي رقم (2343)، والبيهقي (4/ 202). كلاهما من طريق مالك عن نافع عن ابن عمر، به. موقوفاً. وتابع مالك عبد الله كما عند النسائي.- صحيح موقوف -. وقال النسائي في "السنن الكبرى" (3/ 172 بإثر الحديث 2661): "قال أبو عبد الرحمن: والصواب عندنا موقوف، ولم يصح رفعه - والله أعلم - لأن يحيى بن أيوب ليس بذلك القوي، وحديث ابن جريج، عن الزهري غير محفوظ. - والله أعلم -". اهـ. قلت: وهناك خلاف بين العلماء في رفع هذا الحديث ووقفه. فلذهب فريق إلى أنه مرفوع، وبه قال الحاكم، والدارقطني، وابن خزيمة، وابن حزم، وابن حبان. وذهب فريق آخر إلى أنه موقوف ولا يصح رفعه, وبه قال البخاري، وأبو داود، والترمذي والنسائي، وأحمد. انظر: "نصب الراية" (2/ 433 - 435) و"التلخيص الحبير" (2/ 361 - 362 رقم 882/ 2)، و"فتح الباري" (4/ 142)، و"المجموع شرح المهذب" (6/ 301). (¬1) في "معالم السنن" (2/ 823 - مع السنن). (¬2) في "السنن" (3/ 108).

الصيام قبل طلوع الفجر في رمضان، أو في صيام نذرٍ إذا لم ينوه من الليل لم يُجزءه, وأمَّا صيام التطوع فمباح له أن ينويه بعدما أصبح، وهو قول الشافعي (¬1) وأحمد (¬2) وإسحاق. انتهى. وقال أبو داود (¬3): وقفه على حفصة معمر، والزبيدي، وابن عيينة، ويونس الإيلي، انتهى. وقال النسائي (¬4): الصواب عندي موقوف، إلاَّ أنَّه أخرجه ابن خزيمة في صحيحه (¬5) محتجاً به، وقال الحاكم (¬6): رفعه يحيى بن أيوب المصري، وهو صحيح على شرط البخاري، وقد احتج بيحيى. وقال الخطابي (¬7): عبد الله أسنده، والزيادة من الثقات مقبولة، وممن رجح رفعه ابن حزم (¬8) وغيره (¬9)، ورواه الدارقطني (¬10) والبيهقي (¬11) في سننهما. وقال الدارقطني (¬12): رفعه عبد الله بن أبي بكر عن الزهري، وهو من الثقات الرفعاء. ¬

_ (¬1) انظر: "الأم" (3/ 234 - 235). (¬2) "المغني" (4/ 333). (¬3) في "السنن" (2/ 824). (¬4) في "السنن الكبرى" (3/ 172 بإثر الحديث رقم 2661). (¬5) رقم (1933). (¬6) ذكره الحافظ في "التلخيص" (2/ 361). (¬7) في "معالم السنن" (2/ 824 - مع السنن). (¬8) في "المحلى" (6/ 162). (¬9) كابن حبان وابن خزيمة. (¬10) في "السنن" (2/ 172). (¬11) في "السنن الكبرى" (4/ 203). (¬12) في "السنن" (2/ 172).

وقال البيهقي (¬1): عبد الله بن أبي بكر أقام إسناده، ورفعه، وهو من الثقات الأثبات، قال هذا الزركشي في تخريجه على كتاب الرافعي. الثاني: حديث عائشة وحفصة، وهو كحديث حفصة الماضي. 2 - وعن عائشة وحفصة - رضي الله عنهما - أنهما قالتا: "لَا يَصُوْمُ إِلاّ مَنْ أَجْمَعَ الصِّيَامَ قَبْلَ الفَجْرِ". أخرجه مالك (¬2) والنسائي (¬3). [موقوف صحيح] قوله: "أخرجه مالك والنسائي". قلت: عقد (¬4) له باباً فقال: باب ذكر اختلاف الناقلين لخبر حفصة, ثم سرد حديث حفصة وعائشة هذا في ذلك الباب. وأمَّا مالك فقال ابن الأثير في "الجامع" (¬5): وأخرجه [في] (¬6) "الموطأ" (¬7) عقيب حديث ابن عمر، فقال: عن عائشة وحفصة زوجي النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل ذلك، ولم يذكر لفظهما. قال ابن عبد البر (¬8) [21 ب]- بعد ذكر [حديث] (¬9) -: لم يخص هذا عنها من نفل (¬10)، ¬

_ (¬1) في "السنن الكبرى" (4/ 202). (¬2) في "الموطأ" (1/ 288). (¬3) في "السنن" رقم (2341)، وهو أثر صحيح موقوف, وقد تقدم. (¬4) أي: النسائي في "السنن" (4/ 196). (¬5) (6/ 286). (¬6) سقطت من (أ. ب)، و"الجامع"، وهي زيادة يستلزمها السياق. (¬7) (1/ 288). (¬8) في "الاستذكار" (10/ 37 رقم 13843). (¬9) كذا في (أ. ب) ولعل الصواب قوله: بعد ذكر حديث حفصة. (¬10) كذا في (أ. ب) وإليك نص عبارة ابن عبد البر من "الاستذكار" لم يخص في هذا فرضاً ولا سُنّة من نفل. وهذا حديث فردٌ في إسناده ...

في نية صوم التطوع

وهذا حديث اضطرب (¬1) في إسناده، ولكنَّه أحسن ما روي مرفوعاً في هذا الباب. انتهى. في نية صوم التطوع قوله: "فصل في نية صوم التطوع". يُريد أنَّ الأدلة دلت على الفرق (¬2) بين نية الفرض والتطوع، كما دلت له الأحاديث. الأول: حديث عائشة: 1 - عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قَالَ لِي رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ يَوْمٍ: "يَا عَائِشَةُ! هَلْ عِنْدَكُمْ شَيءٌ". قُلْتُ: لا. قَالَ: "فَإِنِّي صَائِمٌ". فَلَمَا خَرَجَ أُهْدِيَتْ لَنَا هَدِيَّةٌ، أَوْ جَاءَنَا زَوْرٌ، قَالَتْ فَلمَّا رَجَعَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله! أُهْدِيَتْ لَنَا هَدِيَّةٌ، أَوْ جَاءَنَا زَوْرٌ، وَقَدْ خَبَأْتُ لَكَ شَيْئًا. قَالَ: "مَا هُوَ". قُلْتُ: حَيْسٌ. قَالَ: "هَاتِيهِ". فَجِئْتُ بِهِ فَأَكَلَ ثُمَّ قَالَ: "قَدْ كُنْتُ أَصْبَحْتُ صَائِمًا" (¬3). [صحيح] قال مجاهد - رحمه الله -: "إنما ذلك بمنزلة رجلٍ يخرج الصدقة من ماله, فإن شاء أمضاها، وإن شاء أمسكها" (¬4). أخرجه الخمسة إلا البخاري. [حسن] قوله: "قال: فإني صائم". ليس فيه دليل أنَّه أنشأ نية الصوم تلك، بل فيه إخبار بأنَّه صائم، ومعلوم أنَّ زمان الخبر متقدم على زمان الإخبار، ويدل لتقدم النية قوله في هذا الحديث: "كنت أصبحت صائماً" أي: دخلتُ في الصباح صائماً، ولا يكون إلاَّ بنية من قبل الفجر، لأنَّ الصباح من بعده. ¬

_ (¬1) انظر: "التعليقة المتقدمة". (¬2) انظر: "المغني" (3/ 333 - 334)، "البناية في شرح الهداية" (3/ 605). (¬3) أخرجه مسلم رقم (169/ 154)، وأبو داود رقم (2455)، الترمذي رقم (734)، والنسائي رقم (2322، 2323)، وابن ماجه رقم (1701) وهو حديث صحيح. (¬4) أخرجه النسائي في "السنن" رقم (2322)، وهو حديث حسن.

قوله: "خبأت لك شيئاً" في رواية "الجامع" (¬1): "قال: ما هو؟ قلت: حَيْسٌ (¬2). قال: هاتيه" وتكررت الرواية أنه حيسٌ. قوله: "فأكل" لأنَّه متطوعٌ، وقد ثبت "المتطوع أمير نفسه". ولقد أبعد الحنفية (¬3) حيث قالوا: الحديث محمول على صوم القضاء، والنذر يريدون حديث: "لا صيام لمن لم يُجمع الصيام من الليل". وذلك الحديث عام؛ لأنَّه نكرةٌ في سياق النفي، ولم يأتِ تخصيصه، وأعجب منه قول الطحاوي (¬4): إنَّ المراد بالنهي عن الاكتفاء بنية صوم الغد في بياض نهار اليوم، بل عليه أن يُؤخر النية إلى غيبوبة الشمس حتى يكون بإيقاع النية في الليل مُبيِّناً، وزعم أنَّ هذا التأويل يجري في جميع أنواع الصيام فرضها ونفلها. قال إمام الحرمين (¬5): هو كلام غث لا أصل له، ويحط من رتبة الطحاوي، وتمسك الحنفية بحديث سلمة بن الأكوع (¬6): "أنَّه - صلى الله عليه وسلم - أمر رجلاً من أسلم أن أذّن في الناس أنَّ من أكل فليصم بقية يومه, ومن لم يكن أكل فليصم فإنَّ اليوم يومُ عاشوراء". أخرجاه في الصحيحين (¬7). ¬

_ (¬1) (6/ 286 - 287 رقم 4402). (¬2) قال ابن الأثير في "النهاية" (1/ 458): هو الطعام المتخذ من التمر والأقط والسمن، وقد يجعل عوض الأقط الدقيق أو الفتيت. وانظر: "المجموع المغيث" (1/ 533). (¬3) انظر: "البناية في شرح الهداية" (3/ 637 - 638). (¬4) في "شرح معاني الآثار" (2/ 55 - 56). (¬5) انظر: "نهاية المطلب في دراية المذهب" (4/ 8 - 9). (¬6) أخرجه أحمد (4/ 50)، والبخاري رقم (2007)، ومسلم رقم (135/ 1135). (¬7) البخاري رقم (2007)، ومسلم رقم (135/ 1135)، وهو حديث صحيح.

قال الطحاوي (¬1): فيه دليل على أن من تعين عليه صوم يوم، ولم ينوه ليلاً أنه تُجزِءه نيتُه نهاراً قبل الزوال. قال ابن الجوزي في "التحقيق" (¬2): لم يكن صوم يوم عاشوراء واجباً، فله حكم النافلة. قلت: ومن سلّم أنَّ النافلة تُنْوى من النهار، فإن دليل التبييت عام، وأما حديث سلمة - رضي الله عنه - فإنه ليس فيه دليل على أنَّ من أكل يَصحُّ صومُه بنيةٍ من النهار، فإنَّ قوله: "فليصم بقيّة يومه" [22 ب]. مراد به: ترك الأكل لا أنَّه صائم حقيقة فإنَّه لم يشرع الله صوم بعض يوم، ويدل له قوله: "ومن لم يأكل فليصم فإنَّه صيام حقيقة, والنية من النهار؛ لأنَّه لم يعلم فرضه إلاَّ من ذلك الحين حين النداء". وأمَّا قوله: قبل الزوال فأين الدليل على أنَّه وقع النداء قبله؟ ولا يتم الاستدلال به لأنَّه قد نسخ وجوبه، كما في حديث عائشة في الصحيحين (¬3): أنَّه لما فرض رمضان قال - صلى الله عليه وسلم -: "من شاء صامه, ومن شاء تركه" يعني: عاشوراء. قوله: "قال مجاهد: إنما ذلك بمنزلة رجل يخرج الصدقة من ماله، فإنْ شاء أمضاها، وإن شاء أمسكها". يريد أنه يجوز لمن فعل نفلاً أن يمضيه [وإن لا] (¬4). قوله: "أخرجه الخمسة إلاَّ البخاري". الثاني: حديث أم الدرداء: ¬

_ (¬1) (2/ 56 - 57). (¬2) (5/ 282). (¬3) أخرجه البخاري رقم (2002)، ومسلم رقم (113/ 1125). (¬4) كذا في (أ. ب) ولعل الصوب: إن شاء وإلا فلا.

2 - وعن أم الدرداء قالت: كَانَ أَبُو الدَّرْدَاءِ - رضي الله عنه - يَأْتِي نَهَاراً، فَيَقُولُ: عِنْدَكُمْ طَعَامٌ؟ فَإِنْ قُلْنَا: لاَ. قَالَ: إِنِّي صَائِمٌ يَوْمِي هذَا، وَفَعَلَهُ أَبُو طَلْحَةَ, وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَحُذَيْفَةُ - رضي الله عنهم -. أخرجه البخاري (¬1) في ترجمة. ترجم له البخاري (¬2): باب: إذا نوى بالنهار صوماً. وذكر في الباب رواية أم الدرداء (¬3) معلقة، وقال الحافظ ابن حجر (¬4): إنَّه وصلها ابن أبي شيبة (¬5) من طريق أبي قلابة عن أم الدرداء، وساقه. قوله: "وفعله أبو طلحة (¬6)، وأبو هريرة (¬7)، وابن عباس (¬8)، وحذيفة" (¬9). قال الحافظ ابن حجر (¬10): ¬

_ (¬1) في "صحيحه" (4/ 140 رقم الباب (221 - مع الفتح) معلقاً. (¬2) في "صحيحه" (4/ 140 رقم الباب (221 - مع الفتح) معلقاً. (¬3) أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (3/ 31)، وعبد الرزاق (4/ 272)، والبيهقي (4/ 204)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (2/ 57) بسند صحيح. وقد تقدم. (¬4) في "الفتح" (4/ 140). (¬5) في "مصنفه" (3/ 31). (¬6) أخرجه ابن أبي شيبة (3/ 31)، وعبد الرزاق (4/ 273)، والبيهقي (4/ 204)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (2/ 57). (¬7) أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (4/ 204) بسند لا بأس به. وله شاهد عن عبد الرزاق في "مصنفه" (4/ 274) بمعناه. (¬8) أخرجه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" (2/ 56) بسند حسن. (¬9) أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (3/ 29)، وعبد الرزاق في "مصنفه" (4/ 274)، والبيهقي (4/ 402)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"، (2/ 56) بسند صحيح. (¬10) في "فتح الباري" (4/ 141).

[أمَّا أثر] (¬1) أبو طلحة وصله عبد الرزاق (¬2) من طريق قتادة وابن أبي (¬3) شيبة من طريق حميد، قال: وأثر أبي هريرة وصله البيهقي (¬4) من طريق ابن أبي ذئب عن عثمان بن نجيح عن سعيد بن المسيب قال: "رأيت أبا هريرة يطوف بالسوق، ثم يأتي أهله, فيقول: عندكم شيء؟ فإن قالوا: لا. قال: فإني صائم". قال (¬5): وأثر ابن عباس وصله الطحاوي (¬6) من طريق عمر وابن أبي عَمرو عن عكرمة عن ابن عباس، قال: وأثر حذيفة وصله عبد الرزاق (¬7)، وابن أبي شيبة (¬8) من طريق سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: قال حذيفة من بدا له الصيام بعدما تزول الشمس فليصم، انتهى. وقال النووي (¬9): في حديث عائشة الأول دليل للجمهور في أنَّ صيام النافلة يجوز بنية في النهار قبل الزوال، قال: وتأوله الآخرون على أنَّ سؤاله: هل عندكم شيء؟ لكونه [نوى الصيام من الليل، ثم ضعف عنه، وأراد الفطر لذلك] (¬10). ¬

_ (¬1) سقطت من (أ. ب) وأثبتناها من "الفتح". (¬2) في "مصنفه" (4/ 273) وقد تقدم. (¬3) في "مصنفه" (3/ 31). (¬4) في "السنن الكبرى" (4/ 204) بسند لا بأس به. وقد تقدم. (¬5) أي: الحافظ في "الفتح" (4/ 141). (¬6) في "شرح معاني الآثار" (2/ 56) بسند حسن. وقد تقدم. (¬7) في "مصنفه" (4/ 274). (¬8) في "مصنفه" (3/ 29). (¬9) في شرحه لـ "صحيح مسلم" (8/ 35). (¬10) كذا في (أ. ب) والذي في "شرح صحيح مسلم": ضعف عن الصوم وكان نواه من الليل، فأراد الفطر للضعف.

قال: وهو تأويل فاسد وتكلف بعيد. انتهى. قلت: قدمنا لك ما يدل أنه لا فساد فيه، ولا تكلف، بل العبارة النبوية دالة عليه، وأمَّا تقييد النووي (¬1) بقبل الزوال فهو الذي لا دليل عليه، وأمَّا قولهم: ثم ضعف [23 ب] عنه فلا وجه له، بل المتطوع أمير نفسه، وما أحسن قول ابن عمر (¬2): "لا يصوم تطوعاً حتى يجمع من الليل، أو يتسحَّر". وقال مالك (¬3) في النافلة: لا يصوم إلاَّ أن يبيت إلاَّ أن يكون يسرد الصوم، فلا يحتاج إلى التبييت. قال الحافظ ابن حجر (¬4): والمعروف عن مالك (¬5)، والليث (¬6) وابن ابي ذئب أنَّه لا يصح صيام التطوع إلاَّ بنية من الليل. قوله: "أخرجه البخاري في ترجمة". كان الأولى أن يأتي المصنف بعبارة "جامع الأصول" (¬7) حيث قال: ذكره البخاري في ترجمة باب من أبواب الصوم. ¬

_ (¬1) في "شرحه لصحيح مسلم" (8/ 35). (¬2) أخرجه مالك في "الموطأ" (1/ 288 رقم 18)، والشافعي في "الأم" (2/ 234 رقم 910)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (4/ 102) بسند صحيح. (¬3) ذكره ابن عبد البر في "الاستذكار" (10/ 35 رقم 13827). (¬4) في "فتح الباري" (4/ 141). (¬5) انظر: "الاستذكار" (10/ 35 رقم 13824). (¬6) انظر: "الاستذكار" (10/ 35 رقم 13829)، و"المحلى" (6/ 172). (¬7) (6/ 290).

الإمساك عن المفطرات

الإمساك عن المفطرات قوله: "الإمساك عن المفطرات". زاد ابن الأثير (¬1): وهي أنواع، وعدها ثلاثة: الأول: القيء، والحجامة، والاحتلام. الثاني: الكحل. الثالث: القبلة والمباشرة. الأول: حديث أبي هريرة: 1 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ ذَرَعَهُ القَيْءُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ، وَمَنْ اسْتَقَاءَ عَمْدَاً فَلْيَقْضِ". أخرجه أبو داود (¬2) والترمذي (¬3). [صحيح] "ذَرَعَهُ القَيْءُ" إذا غلبه من غير استدعاء. قوله: "من ذرعه القيء". بالذال المعجمة المفتوحة فراء مفتوحة, فعين مهملة، يأتي تفسيره للمصنف. قوله: "ومن استقاء عمداً". طلب القيء فليقضِ دل على التفرقة بين القيء عمداً والقيء من غير عمدٍ. ¬

_ (¬1) في "الجامع" (6/ 291). (¬2) في "السنن" رقم (2380). (¬3) في "السنن الكبرى" رقم (3117). وأخرجه أحمد (2/ 498)، وابن ماجه رقم (1676)، والترمذي رقم (720)، والدارمي (2/ 14)، وابن خزيمة رقم (1960، 1961)، وابن حبان رقم (3518)، والبيهقي (4/ 14)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (1755)، والدارقطني في "سننه" (2/ 184 رقم 20)، وقال: رواته ثقات كلهم. والحاكم في "المستدرك" (1/ 426 - 427)، وصححه الحاكم على شرطهما، ووافقه الذهبي وهو كما قالا. وقال أبو داود عقب الحديث رقم (2380): "رواه أيضاً حفص بن غياث عن هشام مثله. وهذه الرواية وصلها ابن ماجه رقم (1676) وابن خزيمة في "صحيحه" رقم (1961)، والحاكم (1/ 426)، والبيهقي (4/ 219) من طرق عن حفص بن غياث عن هشام به. وهو حديث صحيح. والله أعلم.

قوله: "أخرجه أبو داود والترمذي". قلت: قال أبو داود (¬1): سمعت أحمد بن حنبل يقول: ليس من ذا شيء. قال الخطابي (¬2): يريد أنَّ الحديث غير محفوظ، وقال الترمذي (¬3): حسن غريب لا نعرفه إلاَّ من حديث عيسى بن يونس. وقال محمد يعني البخاري (¬4): لا أراه محفوظاً، انتهى. ثم قال الترمذي (¬5): والعمل عند أهل العلم على حديث أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنَّ الصائم إذا ذرعه القيء فلا قضاء عليه، وإذا استقاء عمداً فليقضِ، وبه يقول الشافعي، وسفيان الثوري، وأحمد، وإسحاق، انتهى بلفظه. قلت: العجب يصرح الأئمة من المحدثين بضعفه (¬6)، ويكون دليلاً، فالله أعلم هل رجح لهم، أو عضده غيره. الثاني: حديث أبي سعيد: 2 - وعن أبي سعيد - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "ثَلَاثٌ لَا يُفْطرْنَ الصَّائِمَ: الحِجَامَةُ, وَالقَيْءُ, وَالِاحْتِلَامُ". أخرجه الترمذي (¬7). [ضعيف] ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (2/ 777) ولم أجده ولعله في نسخة أخرى. (¬2) في "معالم السنن" (2/ 777 - مع السنن). (¬3) في "السنن" (3/ 99). (¬4) ذكره الحافظ في "التلخيص" (2/ 363). (¬5) في "السنن" (3/ 99). (¬6) حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - حديث صحيح. (¬7) في "السنن" رقم (719). =

قوله: "الحجامة، والقيء، والاحتلام" لو صح (¬1) الأول لحمل هذا على قيء المتعمد. قوله: "أخرجه الترمذي". قلت: وقال (¬2): حديث أبي سعيد الخدري غير محفوظ، وقد رَوَى عبد الله بن زيد بن أسلم، وعبد الرحمن بن محمد وغير واحد، هذا الحديث عن زيد بن أسلم مرسلاً، ولم يذكروا فيه عن أبي سعيد، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم يضعف في الحديث [24 ب]، ثم قال (¬3): وسمعت محمداً يذكر عن علي بن عبد الله قال: عبد الله بن زيد بن أسلم ثقة، وعبد الرحمن بن زيد ضعيف. قال محمد: ولا أروي عنه شيئاً. ¬

_ = وأخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (4/ 220)، وأبو يعلى في "مسنده" رقم (66/ 1039)، وعبد بن حميد في "مسنده" رقم (959 - المنتخب)، وأبو نعيم في "الحلية" (8/ 400)، وابن خزيمة رقم (1972)، وابن عدي في "الكامل" (5/ 444)، وابن حبان في "المجروحين" (2/ 23)، وابن الجوزي في "العلل المتناهية" رقم (888) من طريق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري، به. قال الترمذي: "حديث أبي سعيد الخدري حديث غير محفوظ. وقد روى عبد الله بن زيد بن أسلم، وعبد العزيز بن محمد، وغير واحد، هذا الحديث عن زيد بن أسلم مرسلاً، ولم يذكروا فيه عن أبي سعيد وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم يضعف في الحديث. اهـ. وقال ابن خزيمة في صحيحه (3/ 233): "هذا الإسناد غلط، ليس فيه عطاء بن يسار ولا أبو سعيد، وعبد الرحمن بن زيد ليس هو ممن يحتج أهل التثبت بحديثه لسوء حفظه للأسانيد، وهو رجل صناعته العبادة والتقشف والموعظة والزهد ليس من أحلاس الحديث الذي يحفظ الأسانيد" اهـ. وانظر: "العلل" للدارقطني (11/ 267). والخلاصة: أن حديث أبي سعيد ضعيف، والله أعلم. (¬1) إذا كان يشير إلى حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - فهو صحيح كما تقدم. (¬2) في "السنن" (3/ 97). (¬3) الترمذي في "السنن" (3/ 97).

الثالث: حديث مَعْدَان: 3 - وعن معدان بن طلحة: أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ - رضي الله عنه - حَدَّثَهُ: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَاءَ فَأَفْطَرَ، وَأنَّه سَأَلَ ثَوْبَانَ - رضي الله عنه - عَنْ ذلِكَ؟ فَقَالَ: صَدَقَ، أَنَا صَبَبْتُ لَهُ وَضُوءَهُ. أخرجه أبو داود (¬1) والترمذي (¬2). [صحيح] بفتح الميم وسكون العين المهملة فدال مهملة ابن طلحة، وهو أصح من رواية من قال: أبو طلحة، وقال الترمذي (¬3): ابن أبي طلحة أصح. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (2381). (¬2) في "السنن" رقم (87) وفي "العلل" (1/ 166 - 167)، وأخرجه أحمد (6/ 443)، والنسائي في "السنن الكبرى" رقم (3108)، والدارمي رقم (8)، وابن خزيمة رقم (1957)، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" رقم (1675)، وفي "شرح معاني الآثار" (2/ 296)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (1/ 144)، وابن حبان رقم (1097)، والحاكم (1/ 426)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (160) من طرق. قال الترمذي في "العلل الكبير" (1/ 168): سألت محمداً - أي البخاري - عن هذا الحديث، فقال: جوَّد حسين المعلم هذا الحديث. وقال الترمذي في "السنن": وحديث حسين أصح شيء في هذا الباب. وقال البيهقي في "السنن الكبرى" (1/ 144): "وإسناد هذا الحديث مضطرب، واختلفوا فيه اختلافاً شديداً والله أعلم. فتعقبه ابن التركماني في الجوهر النقي فقال: "أخرجه الترمذي، ثم نقل كلام الترمذي المتقدم - وقال ابن منده: هذا إسناد متصل صحيح، ثم قال ابن التركماني: وإذا أقام ثقة إسناداً أعتمد، ولم يبال بالاختلاف, وكثير من أحاديث الصحيحين لم تسلم من مثل هذا الاختلاف. وخلاصة القول: أن حديث أبي الدرداء حديث صحيح، والله أعلم. (¬3) في "السنن" (1/ 246).

قوله: "إنَّ أبا الدرداء حدَّثه: أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاء فأفطر، وأنه - أي: معدان - سأل ثوبان عن ذلك فقال: صدق أنا صببت له الوضوء". ورواية الترمذي: "فلقيت ثوبان في مسجد دمشق". وترجم له باب (¬1): الوضوء من القيء والرعاف. ذكره في أبواب الوضوء، وذكره (¬2) في الصوم في غضون حديث: "ومن استقاء عمداً فليقضِ". وقال: وقد روي عن أبي الدرداء، وثوبان، وفضالة بن عبيد: "أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قاء فأفطر". قال: وإنما معنى هذا: أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - كان صائماً متطوعاً، فقاء فضعف فأفطر لذلك. هكذا روي في بعض الحديث مفسراً. انتهى. قلت: وقال ثوبان: "أنا صببت له وضوءه" دال على أنَّ الرواية قاء فتوضأ، وغايته: أنَّ هذا اضطراب في متنه، أو يحمل على رواية قاء فأفطر أنَّ صب الوضوء كان لغسل يديه، والمضمضة، وحمل الترمذي له بأنَّه أفطر عمداً لضعفه لا أنَّ الإفطار بسبب القيء ليس بالبعيد، وفيه خلاف إلاَّ أنه [قال ابن بطال (¬3): إنَّ من تعمد القيء أفطر بالإجماع، وتعقب (¬4) بأنَّ ابن عباس، وابن مسعود قالا: لا يفطر مطلقا] (¬5). ¬

_ (¬1) في "السنن" (1/ 142 الباب رقم 64). (¬2) في "السنن" (3/ 98 الباب رقم 25 باب: ما جاء فيمن استقاء عمداً). (¬3) في "شرحه لصحيح البخاري" (4/ 80). (¬4) ذكره الحافظ في "الفتح" (4/ 174). (¬5) ليس العبارة كما قال الشارح، وإليك نصها كما في "فتح الباري" (4/ 174): وقد اختلف السلف في المسألتين: أما القيء فذهب الجمهور إلى التفرقة بين من سبقه فلا يفطر وبين من تعمده فيفطر، ونقل ابن المنذر الإجماع على بطلان الصوم بتعمد القيء، لكن نقل ابن بطال عن ابن عباس وابن مسعود لا يفطر مطلقاً.

قوله: "أخرجه أبو داود والترمذي". الرابع: حديث ابن عباس: 4 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "احْتَجَمَ رَسَولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَاحْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ". أخرجه الخمسة (¬1) إلا النسائي. [صحيح] قوله: "احتجم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو صائم، واحتجم وهو محرم". ترجم البخاري (¬2) له باب الحجامة والقيء للصائم أي: هل يفسدان الصوم، أَوْ لا؟ أَوْ أحدهما يفسده دون الآخر؟ أمَّا الحجامة فالجمهور (¬3) - أيضاً - على عدم الفطر بها مطلقاً، وعن علي وعطاء، والأوزاعي، وأحمد (¬4) وإسحاق، وأبي ثور، قالوا: يفطر الحاجم والمحجوم له، وأوجبوا عليهما القضاء، وشذ عطاء فأوجب الكفارة - أيضاً - وقال بقول أحمد من [25 ب] الشافعية (¬5) ابن خزيمة، وابن المنذر، وابن حبان. ونقل الترمذي (¬6) عن الزَّعفراني: ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (1938)، وأبو داود رقم (2373)، والترمذي رقم (775)، وابن ماجه رقم (1682)، و (3081). وهو حديث صحيح. (¬2) في "صحيحه" (4/ 173 - الباب رقم 32 - مع الفتح). (¬3) انظر: "المغني" (4/ 350). (¬4) في "المغني" (4/ 350 - 351). (¬5) قال النووي في "المجموع شرح المهذب" (6/ 390): " ... وقال جماعة من العلماء: الحجامة تفطر، وهو موسل علي بن أبي طالب، وأبي هريرة، وعائشة، والحسن البصري، وابن سرين، وعطاء، والأوزاعي، وأحمد، وإسحاق، وابن المنذر، وابن خزيمة. قال الخطابي: قال أحمد وإسحاق: يفطر الحاجم والمحجوم وعليهما القضاء دون الكفارة. وقال عطاء: يلزم المحتجم في رمضان القضاء والكفارة. "المغني" (4/ 350)، "فتح الباري" (4/ 174). (¬6) في "السنن" (3/ 145).

أنَّ الشافعي (¬1) علق القول به على صحة الحديث. قال ابن عبد البر (¬2): إنَّ حديث: "أفطر الحاجم والمحجوم" (¬3) منسوخ (¬4)؛ لأنَّه جاء في بعض طرق ابن عباس هذا أنَّ ذلك كان في حجة الوداع، وسبق إلى ذلك الشافعي (¬5)، واعترضه ابن خزيمة (¬6) بأنَّ في هذا الحديث أنه كان صائماً محرماً. قال: ولم يكن قط محرماً مقيماً ببلده، وإنما كان محرماً، وهو مسافر، والمسافر (¬7) إن كان ناوياً للصوم فمضى عليه بعض النهار وهو صائم جاز له الأكل والشرب على الصحيح، فإذا ¬

_ (¬1) في "الأم" (3/ 242). (¬2) في "الاستذكار" (10/ 125). (¬3) عن رافع بن خديج قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أفطر الحاجم والمحجوم"، وأخرجه أحمد في "المسند" (3/ 465) بسند صحيح، والترمذي رقم (774)، وقال: حديث رافع بن خديج حديث حسن صحيح. وأخرجه الترمذي في "العلل" (1/ 360)، وقال الترمذي: سألت محمداً عن هذا الحديث، فقال: غير محفوظ. وأخرجه ابن خزيمة رقم (1964)، وابن حبان رقم (3535)، والطبراني في "الكبير" رقم (4257)، والحاكم (1/ 428)، والبيهقي (4/ 265)، وعبد الرزاق في "المصنف" رقم (7523)، وهو حديث صحيح. والله أعلم. وأخرجه أحمد (5/ 276، 282)، وأبو داود رقم (2367)، وابن ماجه رقم (1680)، وابن خزيمة رقم (1984)، وابن حبان رقم (3532)، والحاكم (1/ 427)، من حديث ثوبان وهو حديث صحيح. وانظر: تخريجه مفصلاً في "نيل الأوطار" (8/ 271 - 280) بتحقيقي. (¬4) انظر: "الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار" (ص 354). (¬5) انظر: "الأم" (3/ 242). (¬6) في "صحيحه" (3/ 230). (¬7) انظر: "فتح الباري" (4/ 171).

جاز له ذلك جاز له أن يحتجم وهو مسافر قال: فليس في خبر ابن عباس ما يدل على إفطار المحجوم فضلاً عن الحاجم، انتهى. وتعقب (¬1) بأنَّ الحديث ما ورد هكذا إلاَّ لفائدة، فالظاهر أنّه وجدت منه الحجامة وهو صائم ثم لم يتحلل من صومه، واستمر. قال ابن خزيمة (¬2): جاء بعضهم بأعجوبة، أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - إنما قال: "أفطر الحاجم والمحجوم"؛ لأنهما كانا يغتابان، قال: فإذا قيل: فالغيبة تفطر الصائم؟ قال: لا. قال: فعلى هذا لا يخرج من مخالفة الحديث بلا شبهة، انتهى. قال ابن حزم (¬3): صح حديث: "أفطر الحاجم والمحجوم" بلا ريب، لكن وجدنا من حديث أبي سعيد (¬4): "أرخص النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحجامة للصائم". وإسناده صحيح، فوجب الأخذ به؛ لأنَّ الرخصة إنما تكون بعد العزيمة، فدل على نسخ الفطر بالحجامة سواءً كان حاجماً أو محجوماً، انتهى. ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (4/ 178). (¬2) في "صحيحه" (3/ 230). (¬3) في "المحلى" (6/ 203 - 204). (¬4) أخرجه النسائي في "السنن الكبرى" رقم (3228)، وابن خزيمة في "صحيحه" رقم (1969)، والدارقطني في "السنن" (2/ 182 رقم 9)، بإسناد صحيح. وقال الحافظ في "التلخيص" (2/ 371)، إسناده صحيح، ورجاله ثقات، لكن اختلف في رفعه ووقفه، واستشهد له بحديث أنس الذي أخرجه البخاري رقم (1940) عن ثابت البُناني أنه قال لأنس بن مالك: أكنتم تكرهون الحجامة للصائم على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: لا إلا من أجل الضعف. وهو حديث صحيح.

ويدل له ما ذكره في "فتح الباري" (¬1) عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -: "نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الحجامة للصائم، وعن المواصلة، ولم يحرمهما إبقاءً على أصحابه" (¬2). قال ابن حجر (¬3): إسناده صحيح، والجهالة بالصحابي لا تضر، ويأتي الحديث قريباً. قوله: "أخرجه الخمسة إلاَّ النسائي". الخامس: حديث أنس: 5 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: مَا كُنَّا نَدَعُ الحِجَامَةَ لِلصَّائِمِ إِلاَّ لِكَرَاهَةِ الجهْدِ. أخرجه البخاري (¬4) وأبو داود (¬5). [صحيح] قوله: "إلاَّ لكراهة الجهد" أي: المشقة وكلام أنس وقع جواباً لسؤالِ ثابت البناني قال لأنس: "أكنتم تكرهون الحجامة للصائم؟ قال: لا. إلاَّ من أجل الضعف". وزاد شبابة: حدثنا شعبة على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، انتهى كلام البخاري (¬6) [26 ب]. وقوله: "وزاد شبابة" مشعر بأنَّه زاد ما يؤكد رفعه. قوله: "أخرجه البخاري وأبو داود". السادس: حديث ابن أبي ليلى: ¬

_ (¬1) (4/ 178). (¬2) أخرجه أحمد (4/ 314)، وأبو داود رقم (2374). وهو حديث صحيح. وقال الحافظ في "الفتح" (4/ 178) عقب الحديث: إسناده صحيح والجهالة بالصحابي لا تضر". (¬3) في "الفتح" (4/ 178) وقد تقدم. (¬4) في "صحيحه" رقم (1940) وقد تقدم لفظه. (¬5) في "السنن" رقم (2375)، وهو حديث صحيح. (¬6) في "صحيحه" (2/ 174 رقم 1940 - مع الفتح).

6 - وعن ابن أبي ليلى عن رجلْ صحابي قال: "نَهَى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الحِجَامَةِ وَالمُوَاصَلَةِ، وَلَمْ يُحَرِّمْهُمَا إِبْقَاءً عَلَى أَصْحَابِي". أخرجه أبو داود (¬1). [صحيح] قوله: "إبقاء على أصحابه" أي: رفقاً بهم عن مشقة الأمرين، وسقط من الحديث على ما سقناه قريباً، ولم يُحرِّمهُما، وهو لفظ أبي داود (¬2). وزاد أبدا، وسقط - أيضاً - على ابن الأثير (¬3) فتبعه "المصنف"، وفيه: "فقيل له: يا رسول الله! إنك تواصل إلى السحر، قال: إني أواصل إلى السحر، وربي يطعمني، ويسقيني". قوله: "أخرجه أبو داود" قدمنا عن الحافظ ابن حجر (¬4): أنَّ رجاله ثقات. السابع: حديث رافع بن خديج: 7 - وعن رافع بن خديج - رضي الله عنه - قال: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَفْطَرَ الحَاجِمُ والمَحْجُومُ". أخرجه الترمذي (¬5) وصححه، وأخرجه أبو داود (¬6) عن ثوبان وعن شداد ابن أوس (¬7) - رضي الله عنهما -. [صحيح] ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (2374)، وهو حديث صحيح وقد تقدم. (¬2) في "السنن" رقم (2374) وهو حديث صحيح. (¬3) في "الجامع" (6/ 293). (¬4) في "فتح الباري" (4/ 178). (¬5) في "السنن" رقم (774)، وقال: حديث رافع بن خديج حديث حسن صحيح. وقد تقدم تخريجه. (¬6) في "السنن" رقم (2367) وهو حديث صحيح وقد تقدم. (¬7) أخرجه أبو داود رقم (2368)، وابن ماجه رقم (1681)، والنسائي في "السنن الكبرى" رقم (3126)، وأحمد (4/ 122 - 123)، وابن حبان رقم (3533)، والدارمي (2/ 14)، والبيهقي (4/ 265)، وعبد الرزاق في "مصنفه" رقم (7519)، وابن أبي شيبة في "مصنفه" (3/ 49 - 50)، والطبراني في "الكبير" رقم (7149 - 7154) من طرق وهو حديث صحيح.

ومعنى: "أَفْطَرَ الحَاجِمُ وَالمَحْجُومُ" عند من (¬1) ذهب إلى أن الحجامة لا تفطر أنهما تعرّضا للإفطار. أما المحجوم: فللضعف الذي يلحقه من ذلك ونحوه، وأما الحاجم: فلا يأمن وصول شيء من دم المحجوم إلى حلقه فيبلعه، ونحو ذلك. قوله: "أفطر الحاجم والمحجوم له" تقدم الكلام عليه مستوفًا، وقد ذكر "المصنف" تأويل من لم يقل: بأنَّ الحجامة تفطر، والأقرب ما قدمناه عن ابن حزم (¬2). قوله: "أخرجه الترمذي (¬3) وصححه، وأخرجه أبو داود (¬4) عن ثوبان، وعن شداد بن أوس" (¬5). وادعى الحافظ السيوطي في "الجامع الصغير" (¬6) أنه متواتر. الثامن: حديث أنس: 8 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: جاء رجل فقال: يَا رَسُولَ الله! إنَّ عَيْنِي اشْتَكَتْ أَفْأَكْتَحِلُ وَأَنَا صَائِمٌ؟ قَالَ: "نَعَمْ". أخرجه الترمذي (¬7) وصححه. [حسن] قوله: ("أفأكتحل وأنا صائم؟ قال: نعم" أخرجه الترمذي). ¬

_ (¬1) انظر: "فتح الباري" (4/ 177). (¬2) في "المحلى" (6/ 203 - 204). (¬3) تقدم وهو حديث صحيح. (¬4) تقدم وهو حديث صحيح. (¬5) تقدم وهو حديث صحيح. (¬6) رقم (1309). (¬7) في "السنن" رقم (726)، وهو أثر حسن.

قلت: وقال (¬1): حديث أنس إسناده ليس بالقوي، ولا يصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الباب شيء، وأبو عاتكة (¬2) يضعف. واختلف أهل العلم في الكحل للصائم، فكرهه بعضهم، وهو قول سفيان وابن المبارك، وأحمد (¬3)، وإسحاق، ورخص بعض أهل العلم في الكحل للصائم وهو قول الشافعي (¬4)، انتهى. ¬

_ (¬1) في "السنن" (3/ 77). وقال ابن الجوزي في "التحقيق" (2/ 316): "قلت: - ابن الجوزي - اسم أبي عاتكة: طريف بن سلمان قال البخاري: منكر الحديث. وقال النسائي: ليس بثقة. وقال الرازي: ذاهب الحديث". اهـ. وقال ابن عبد الهادي في "التنقيح" (2/ 316 - 317): "وقد انفرد به الترمذي، وإسناده واهٍ جداً، وأبو عاتكة مجمع على ضعفه، والحسين بن عطية هو ابن نجيح القرشي أبو علي الكوفي البزار صدقه أبو حاتم". (¬2) انظر: "التقريب" (2/ 443 رقم 1). (¬3) "المغني" (4/ 353 - 354). (¬4) قال النووي في "المجموع شرح المهذب" (6/ 387 - 388): "فرع في مذاهب في الاكتحال ذكرنا أنه جائز عندنا - الشافعية - ولا يكره، ولا نفطر به، سواء وجد طعمه في حلقه أم لا، وحكاه ابن المنذر عن: عطاء والحسن البصري، والنخعي، والأوزاعي، وأبي حنيفة، وأبي ثور. وحكاه غيره عن: ابن عمر، وأنس، وابن أبي أوفى الصحابيين - رضي الله عنهم -، وبه قال داود. وحكى ابن المنذر من سليمان التيمي، ومنصور بن المعتمر، وابن شبرمة وابن أبي ليلى أنهم قالوا: يبطل به صومه. وقال قتادة: يبطل به صومه. وقال الثوري وإسحاق: يكره. وقال مالك وأحمد: يكره وإن وصل إلى الحلق أفطر. اهـ. انظر: "التسهيل" (3/ 810) "المغني" (4/ 353 - 354).

التاسع: حديث عبد الرحمن بن النعمان: 9 - وعن عبد الرحمن بن النعمان بن معبد بن هوذة عن أبيه عن جده قال: أَمَرَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بِالإِثْمِدِ المُرَوَّحِ عِنْدَ النَّوْمِ، وَقَالَ: "لِيَتَّقِهِ الصَّائِمُ". أخرجه أبو داود (¬1). [ضعيف] "المُرَوَّحِ" (¬2) بالحاء المهملة: المطيب بالمسك. قوله: "بالإثمد المروّح" قد فسره "المصنف" (وقال: ليتقه الصائم. أخرجه أبو داود). قلت: وقال أبو داود (¬3): قال لي يحيى بن معين: هذا حديث منكر، قال المنذري (¬4) وعبد الرحمن قال يحيى بن معين: ضعيف، وقال أبو حاتم: صدوق، انتهى. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (2377)، وقال أبو داود: قال لي يحيى بن معين: هو حديث منكر، يعني حديث الكحل. وأخرجه ابن الجوزي في "التحقيق" (2/ 315 رقم 1170)، وأخرجه البخاري في "التاريخ الكبير" (7/ 398)، والدارمي رقم (1774)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (4/ 262). من طريق عبد الرحمن بن النعمان بن معبد بن هوذة، عن أبيه، عن جده النعمان بن معبد والد عبد الرحمن (مجهول، لم يوثقه معتمر). وقد ترجم له البخاري في "الكبير" (8/ 78)، وابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (8/ 445)، ولم يوردا فيه جرحاً ولا تعديلاً. وذكره ابن حبان في "الثقات" (7/ 530). وقال الذهبي في "الميزان" (4/ 266): (غير معروف، تفرد عنه ابنه عبد الرحمن)، وقال الحافظ في "التقريب" رقم (7161) مجهول. (¬2) قال ابن الأثير في "النهاية" (1/ 700): أي: المطيب بالمسك، كأنه جعل له رائحة تفوح بعد أن لم تكن له رائحة. (¬3) في "السنن" (2/ 776). (¬4) في "مختصر السنن" (3/ 260).

القبلة والمباشرة

وفي "التقريب" (¬1): عبد الرحمن بن النعمان بن سعيد بن هوذة الأنصاري أبو النعمان الكوفي صدوق ربما غلط، انتهى. القبلة والمباشرة 1 - عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: إنْ كانَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - لَيُقَبِّلُ بَعْضَ أَزْوَاجِهِ وَهُوَ صَائِمٌ، ثُمَّ ضَحِكَتْ. [صحيح] - وفي أخرى: وَيُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ، وَكانَ أَمْلَكَكُمْ لإِرْبهِ. [صحيح] أخرجه الستة (¬2) إلا النسائي، وهذا لفظ الشيخين. "الإِرْبُ" (¬3) بكسر الهمزة، وسكون الراء: الذكر هنا، وبفتحهما: الحاجة، والمراد بها هنا: حاجة الجماع. أقول: القبلة معروفة، والمباشرة في "القاموس" (¬4): باشر المرأة: جامعها، أو صارا في ثوب واحد، وباشرت [27 ب] بشرته بشرتها، انتهى. قلت: ويتعين هنا الأخير. قوله: "وضحكت". قيل: تعجباً من نفسها حين ذكرت هذا الذي يستحى من ذكره، لكن غلب عليها تقديم مصلحة التبليغ (¬5). ¬

_ (¬1) رقم (7161)، وقد تقدم. (¬2) أخرجه البخاري رقم (1927)، و (1928)، ومسلم رقم (65/ 1106)، وأبو داود رقم (2382)، والترمذي رقم (729)، وابن ماجه رقم (1684)، وهو حديث صحيح. (¬3) انظر: "الفائق" للزمخشري (1/ 37)، "النهاية في غريب الحديث" (1/ 49). (¬4) "القاموس المحيط" (ص 448). (¬5) انظر: "فتح الباري" (4/ 152).

وقيل: ضحكت سروراً (¬1) بمكانها منه - صلى الله عليه وسلم - وقيل: أرادت بذلك التنبيه على أنها صاحبة القصة (¬2). قوله: (وفي أخرى: "وكان أملككم لأربه"). في "النهاية" (¬3) أي: كان غالباً لهواه، وأكثر المحدثين يروونه بفتح الهمزة والراء، وبعضهم يروونه بكسر الهمزة وسكون الراء، وله تأويلان: أحدهما: أنَّه الحاجة يقال: منها المأرب، والأَرَبُ، والأرْبَه، والمأرَبةُ. والثاني: أرادت به العضو، وعنت به من الأعضاء الذكر خاصة. والحديث دلّ على جواز القبلة (¬4) للصائم، والمباشرة إذا كان يملك نفسه عن الجماع، فإنَّ هذه من مبادئه. قال الحافظ ابن حجر (¬5): ما حاصله أنه قد اختلف في القبلة والمباشرة للصائم، فكرهها قوم مطلقاً، وهو المشهور عند المالكية (¬6)، ونقل ابن المنذر (¬7) وغيره عن قومٍ تحريمها، واحتجوا بقوله تعالى: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ} (¬8). والجواب: أنه - صلى الله عليه وسلم - هو المبين عن الله - تعالى - وقد أباح المباشرة نهاراً، فدل على أنَّ المراد بالمباشرة في الآية الجماع، لا ما دونه، وأباح قوم القبلة مطلقاً، وهو المنقول عن أبي ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (4/ 152). (¬2) قال الحافظ: ليكون أبلغ في الثقة بها. (¬3) (1/ 49). (¬4) انظر: "المجموع شرح المهذب" (6/ 349 - 350). (¬5) في "الفتح" (4/ 150). (¬6) انظر: "المدونة" (1/ 195) "التسهيل" (3/ 803). (¬7) انظر: "المغني" (4/ 360)، "المجموع شرح المهذب" (6/ 350). (¬8) سورة البقرة الآية: (187).

هريرة، وغيره، وبالغ بعض أهل الظاهر (¬1) فاستحبها، واختلفوا إذا قبل، أو باشر، أو نظر، فأنزل، أو أمذى فاختار ابن حزم (¬2) أنه لا يفطر، واحتج له، وفيه نزاع (¬3). قوله: "أخرجه الستة". وهذا لفظ الشيخين. الحديث الثاني، حديث جابر: ¬

_ (¬1) في "المحلى" (6/ 194). (¬2) في "المحلى" (6/ 194 - 195). (¬3) قال النووي في "المجموع" (6/ 349 - 350): (الرابعة): إذا نظر إلى امرأة ونحوه وتلذذ فأنزل لم يفطر، سواء كرر النظر أم لا. وهذا لا خلاف فيه عندنا - أي الشافعية - إلا وجهاً شاذاً حكاه السرخسي في "الأمالي" أنه إذا كرر النظر فأنزل بطل صومه، والمذهب الأول. وبه قال أبو الشعثاء جابر بن زيد التابعي، وسفيان الثوري، وأبو حنيفة، وأبو يوسف، وأبو ثور. وحكى ابن المنذر عن الحسن البصري هو كالجماع، فيجب القضاء والكفارة، ونحوه عن الحسن بن صالح، وعن مالك روايتان. إحداهما: كالحسن، والثانية: إن تابع النظر فعليه القضاء، الكفارة، وإلا فالقضاء. قال ابن المنذر: لا شيء عليه، ولو احتاط فقضى يوماً فحسن. قال صاحب الحاوي: أما إذا أفطر بقلبه من غير نظر فتلذذ وأنزل فلا قضاء عليه، ولا كفارة بالإجماع. قال: وإذا كرر النظر فأنزل أثم، وإن لم يجب القضاء. (فرع): لو قبَّل امرأة وتلذذ فأمذى ولم يمن لم يفطر عندنا - أي الشافعية. بلا خلاف، وحكاه ابن المنذر عن الحسن البصري، والشعبي، والأوزاعي، وأبي حنيفة، وأبي ثور، قال: وبه أقول. وقال مالك وأحمد: يفطر. دليلنا أنه خارج لا يوجب الغسل فأشبه البول. اهـ. وانظر: "الأم" (4/ 252)، "المدونة" (1/ 195)، "التسهيل" (3/ 803)، "المحلى" (6/ 194).

2 - وعن جابر - رضي الله عنه -: أَنَّ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ - رضي الله عنه - قَالَ: يَا رَسُولَ الله صَنَعْتُ اليَوْمَ أَمْرًا عَظِيمًا، قَبَّلْتُ وَأَنَا صَائِمٌ؟ قَالَ: "أَرَأَيْتَ لَوْ مَضْمَضْتَ بِالمَاء؟ قُلْتُ: لا بأس. قال: فَمَهُ" (¬1) أخرجه أبو داود. وقوله: "فَمَهْ" أي: فماذا عليه، والهاء للسكت. قوله: "صنعت أمراً عظيماً" ثم بينه بعد أن عظمه بقوله: "قبلت وأنا صائم" وكأنه كان لا يعلم جواز القبلة له، فاستعظم ما أتى منه، (قال: أرأيت لو مضمضت بالماء، قلت: لا بأس)؛ لأنه قد علم أنَّ البأس إنما هو في دخول الماء الجوف، (قال: فمه) أي: أيّ شيء عليك إلاَّ أنَّ لفظ أبي داود (¬2) فيه فصل لفظ: (قلت: لا بأس به، قال: فمه) فقال: وقال عيسى بن حماد في حديثه: (قلت: لا بأس به. قال: فمه). قوله: "أخرجه أبو [28 ب] داود". قلت: قال المنذري: في "مختصر السنن" (¬3): وأخرجه النسائي (¬4)، وقال: هذا حديث منكر. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (2385)، وهو حديث صحيح. عن جابر بن عبد الله، قال: قال عمر بن الخطاب: هَشِشْتُ فقبلت وأنا صائم، فقلت: يا رسول الله، صنعت اليوم أمراً عظيماً، قبلت وأنا صائم! قال: أرأيت لو مضمضت من الماء وأنت صائم؟! قال عيسى بن حماد في حديثه: قلت: لا بأس به، ثم اتفقا، قال: (فمهْ). (¬2) وهو كما قال انظر "التعليقات المتقدمة". (¬3) في مسنده (1/ 479 - كشف). (¬4) في "السنن الكبرى" رقم (3036). وأخرجه أحمد (1/ 21)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (3/ 60)، وعبد بن حميد رقم (21)، والدارمي رقم (1765)، البزار رقم (236 - كشف)، وابن خزيمة رقم (1999)، والطحاوي في"شرح معاني الآثار" (2/ 89)، وابن حبان رقم (3544)، والحاكم (1/ 431). وهو حديث صحيح.

وقال أبو بكر (¬1) [البزار] (¬2): وهذا الحديث لا نعلمه إلاَّ من هذا الوجه، انتهى. وأخرج - أيضاً - أبو داود (¬3) عن عائشة: "أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقبلها وهو صائم، ويمص لسانها" لكن قال أبو داود: هذا الإسناد غير صحيح، انتهى. وفي "مختصر السنن" (¬4) قال المنذري في إسناده: محمد بن دينار الطاحي البصري، قال يحيى بن معين: ضعيف، وفي رواية: ليس به بأس، وليس له كتاب، وقال غيره: صدوق، وقال ابن عدي الجرجاني: قوله: "ويمص لسانها" في المتن، لا يقوله إلاَّ محمد بن دينار، وهو الذي رواه، وفي إسناده - أيضاً - سعد بن أوس قال ابن معين: بصري ضعيف، انتهى. قال الذهبي (¬5): هذه اللفظة: لا توجد إلاَّ في هذا الخبر المنكر، ثم ذكر اضطرابه. الحديث الثالث: حديث أبي هريرة: 3 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سَأَلَ رَجُلٌ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -عنِ المُبَاشَرَةِ لِلصَّائِمِ فَرَخَّصَ لَهُ، فَأَتَاهُ آخَرُ فَسَأَلَهُ فَنَهَاهُ. وَكانَ الَّذِي رَخَّصَ لَهُ شَيْخاً وَكَبيراً، وَالَّذِي نَهَاهُ شَابًّا. أخرجه أبو داود (¬6). [صحيح لغيره] قوله: "فإذا الذي رخَّص له شيخ، وإذا الذي نهاه شاب". ¬

_ (¬1) أي: أبو بكر البزار في "مسنده" (1/ 479 - كشف) حيث قال: لا نعلمه عن عمر إلا من هذا الوجه بهذا اللفظ، وقد روى عن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بخلاف هذا. (¬2) كذا في (أ. ب) والصواب ما أثبتناه من مصادر التخريج. (¬3) في "السنن" رقم (2386)، وهو حديث ضعيف. والله أعلم. (¬4) (3/ 264). (¬5) في "الميزان" (3/ 541 رقم 7504)، وانظر: "التقريب" (2/ 160 رقم 202). (¬6) في "السنن" رقم (2387)، وهو حديث صحيح لغيره.

فعرف - صلى الله عليه وسلم - أنَّ الشيخ لا تفضي به المباشرة إلى الجماع فرخَّص له؛ لأنَّ المباشرةَ لا تكون ذريعة إلى الجماع، بخلاف الشاب فقد لا يملك نفسه. قوله: "أخرجه أبو داود". قلت: وسكت عليه هو (¬1) والمنذري (¬2)، وقال الحافظ ابن حجر (¬3): إنَّ فيه ضعفاء. قال: وقد روى مسلم (¬4) عن عمر بن أبي سلمة وهو ربيب النَّبي - صلى الله عليه وسلم -: "أنَّه سأله: أيقبل وهو صائم؟ فقال: "سل هذه" - يعني: أم سلمة - فأخبرته أنَّه - صلى الله عليه وسلم - يصنع ذلك، فقال: يا رسول الله قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فقال: "أما والله إني لأتقاكم لله وأخشاكم له". فدل على أنَّ الشيخ والشاب سواء؛ لأنَّ عمر (¬5) حينئذٍ كان شاباً لعله كان أول ما بلغ، وفيه دلالة على أنه ليس من الخصائص. الحديث الرابع: حديث نافع: 4 - وعن نافع: أّنَّ عَبْدَ الله بنَ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: "كَانَ يَنْهَى عَنِ القُبْلَة المُبَاشَرَةِ لِلصَّائِم". أخرجه مالك (¬6). [موقوف صحيح] قوله: "كان ينهى عن القبلة والمباشرة للصائم"، كأنَّه لم يبلغ ابن عمر ترخيصه - صلى الله عليه وسلم - في ذلك، أو نهى عنه مخافة الوقوع (¬7) في المحضور، أو نهى عنهما [29 ب]. ¬

_ (¬1) أبو داود في "السنن" (2/ 781). (¬2) في "مختصر السنن" (3/ 264). (¬3) في "التلخيص" رقم (2/ 373). (¬4) في "صحيحه" رقم (74/ 1108)، وهو حديث صحيح. (¬5) أي: عمر بن أبي سلمة. (¬6) في "الموطأ" (1/ 293 رقم 2) وهو أثر موقوف صحيح. (¬7) انظر: "فتح الباري" (4/ 150)، "المغني" (4/ 361).

المفطر ناسيا

قوله: "أخرجه مالك". المفطر ناسياً منه حديث واحد حديث أبي هريرة: 1 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ نَسِيَ وَهُوَ صَائِمٌ فَأَكَلَ، أَوْ شَرِبَ، فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ الله وَسَقَاهُ". أخرجه الخمسة (¬1) إلا النسائي. [صحيح] قوله: "من نسي فأكل أو شرب فليتم صومه" فإنَّ أكله وشربه ناسياً لا يفطره، بل هو كما قال - صلى الله عليه وسلم -: "فإنَّما أَطعمه الله وَسَقَاه" أي: أراد [مواخرة] (¬2) ذلك فحصل له النسيان، وبعدم فطره قال الشافعي (¬3) وأحمد (¬4) وأبو حنيفة (¬5) والأكثر، وقال مالك (¬6): يفسد صومه، ويجب عليه القضاء. قلت: وهو خلاف النص، وبوب له البخاري (¬7): باب: الصائم إذا أكل أو شرب ناسياً. قال في "الفتح" (¬8): هل يقضي أو لا؟ وهي مسألةُ خلافٍ مشهورة. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (1933)، ومسلم رقم (171/ 1155)، وأبو داود رقم (2398)، والترمذي رقم (721)، وابن ماجه رقم (1673)، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. (¬2) كذا رسمت بأعلى السطر ولعلها موافقة. (¬3) انظر: "المجموع شرح المهذب" (6/ 352 - 353). (¬4) انظر: "المغني" (4/ 367 - 368). (¬5) انظر: "البناية في شرح الهداية" (3/ 638). (¬6) انظر: "التسهيل" (3/ 813). (¬7) في "صحيحه" (4/ 155 الباب رقم 26). (¬8) (4/ 155).

ذهب الجمهور إلى عدم وجوب القضاء، وعن مالك يبطل صومه، ويجب عليه القضاء. قال الداودي (¬1): لعل مالكاً لم يبلغه الحديث، أو بلغه فأوله على رفع الإثم. قال ابن العربي (¬2): تمسك جميع فقهاء الأمصار بظاهر هذا الحديث، وتطلع مالك إلى المسألة من طريقها، فأشرف عليها؛ لأنَّ الفطر ضد الصوم، والإمساك ركن للصوم، فأشبه ما لو نسي من الصلاة ركعة. قال (¬3): وقد روى الدارقطني (¬4) فيه: "لا قضاء عليه"، وتأوله علماؤنا بأنَّ المراد: لا قضاء عليه الآن، وهذا تعسف، وإنما أقول: ليته صح فنتبعه ونقول به، إلاَّ على رأي مالك أنَّ خبر الواحد إذا جاء على خلاف القواعد لم يعمل به، فلما جاء الحديث الأول الموافق للقاعدة في رفع الإثم عملنا به، وأمَّا الثاني: فلا يوافقهما، فلا نعمل به. قال الحافظ (¬5) بعد نقل كلام في تقوية مذهب مالك ما لفظه: والجواب عن ذلك كله ما أخرجه ابن خزيمة (¬6)، وابن حبان (¬7)، والحاكم (¬8)، والدارقطني (¬9) من طريق محمد بن عبد الله ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (4/ 155). (¬2) في "عارضة الأحوذي" (3/ 247). (¬3) الحافظ في "الفتح" (4/ 157). (¬4) في "السنن" (2/ 178 رقم 27)، وقال: إسناد صحيح، وكلهم ثقات. (¬5) في "الفتح" (4/ 157). (¬6) في "صحيحه" رقم (1990). (¬7) في "صحيحه" رقم (3521). (¬8) في "المستدرك" (1/ 430)، وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه بهذه السياقة، ووافقه الذهبي. (¬9) في "السنن" (2/ 178 رقم 28).

الأنصاري عن محمد بن عُمر، وعن أبي سلمة عن أبي هريرة بلفظ: "من أفطر في شهر رمضان ناسياً فلا قضاء عليه، ولا كفارة". فعين رمضان، وصرّح بإسقاط القضاء، قال الدارقطني (¬1): تفرد به محمد بن مرزوق عن الأنصاري، وتعقب بأنَّ ابن خزيمة (¬2) أخرجه - أيضاً - عن إبراهيم بن محمد الباهلي، وبأنَّ الحاكم (¬3) أخرجه من طريق أبي حاتم الرازي كلاهما عن الأنصاري، فهو المتفرد به، كما قال البيهقي (¬4)، وهو ثقة [30 ب]. والمراد: أنه انفرد بإسقاط القضاء فقط لا بتعيين شهر رمضان ناسياً، فإنَّ الله أطعمه وسقاه، وقد ورد إسقاط القضاء من وجه آخر من حديث أبي هريرة أخرجه الدارقطني (¬5) من رواية محمد بن عيسى الطباع عن ابن علية عن هشام عن ابن سيرين، ولفظه: "فإنّما هو رزق ساقه الله إليه، ولا قضاء عليه". وقال (¬6) بعد تخريجه: هذا إسناد صحيح، وكلهم ثقات. قلت (¬7): إنَّ زيادة: "ولا قضاء عليه" قد جاءت من طريق يقوي بعضها بعضاً، قال: فأقلّ درجات الحديث يريد الذي فيه زيادة. "ولا قضاء عليه" أن يكون حسناً فيصلح للاحتجاج به، وقد وقع الاحتجاج في مسائل بما هو دونه في القوة. ¬

_ (¬1) في "السنن" (2/ 178). (¬2) في "صحيحه" رقم (1990). (¬3) في "المستدرك" (1/ 430). (¬4) في "المعرفة" (2/ 272 رقم 8710) حيث قال: تفرد به الأنصاري، عن محمد بن عمرو وكلهم ثقة. (¬5) في "السنن" (2/ 178 رقم 27). (¬6) أي: الدارقطني في "السنن" (2/ 178). (¬7) الحافظ في "الفتح" (4/ 157) حيث قال: وإسناده وإنْ كان ضعيفاً لكنه صالحٌ للمتابعة ...

زمان الصوم

وأمَّا (¬1) القياس الذي ذكره ابن العربي (¬2) فهو في مقابل النص، فلا يقبل ورده للحديث مع صحبته بكونه خبر واحد خالف القاعدة ليس بمسلم؟ لأنَّه قاعدة مستقلة في الصيام، فمن عارضه بالقياس على الصلاة أدخل قاعدة في قاعدة، ولو فتح باب رد الأحاديث الصحيحة، بمثل هذا لما بقي من الحديث إلاَّ القليل. انتهى (¬3). قوله: "أخرجه الخمسة". زمان الصوم الأول: حديث أنس: 1 - عن أنس - رضي الله عنه - قال: "كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يُفْطِرُ مِنَ الشَّهْرِ حَتَّى نَظُنَّ أَنَّهُ لاَ يَصُومَ مِنْهُ، وَيَصُومُ حَتَّى تَظُنَّ أَنَّهُ لاَ يُفْطِرَ مِنْهُ شَيْئًا، وَكَانَ لاَ تَشَاءُ أَنْ تَرَاهُ مِنَ اللَّيْلِ مُصَلِّيًا إِلاَّ رَأَيْتَهُ، وَلاَ تَشَاءُ أَنْ تَرَاهُ نَائِمًا إِلاَّ رَأَيْتَهُ". أخرجه الشيخان (¬4) والترمذي (¬5). [صحيح] قوله: "وكان لا تشاء أن تراه من الليل مصلياً إلاَّ رأيته" يريد أنَّ صلاته ونومه كان يختلف (¬6) بالليل، ولا يرتب وقفاً معيناً، بل بحسب ما تيسر له القيام، فكان تارة يقوم من أول الليل، وتارةً من وسطه، وتارة من آخره، فكان من أراد أن يراه في وقت من أوقات الليل قائماً أو في وقت من أوقات النهار، فراقبه المرة بعد المرة فلا بد أنْ يصادفه قائماً أو صائماً على وفق ما ¬

_ (¬1) قاله الحافظ في "الفتح" (4/ 157). (¬2) في "عارضة الأحوذي" (3/ 247). (¬3) من "فتح الباري" (4/ 157). (¬4) أخرجه البخاري رقم (1141)، (1972، 1973)، ومسلم رقم (1158). (¬5) في "السنن رقم (769). وهو حديث صحيح. (¬6) انظر: "فتح الباري" (4/ 216).

عاشوراء

أراد أن يراه، هذا معنى الخبر، وليس المراد أنه كان يسرد الصوم، ويستوعب الليل بالقيام، ولا يعارضه حديث عائشة "كان عمله (¬1) ديمة"؛ لأنَّ المراد بذلك ما اتخذه راتباً لا مطلق النافلة. قوله: "أخرجه الشيخان والترمذي". الثاني: حديث [31 ب] ابن عباس: 2 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: مَا صَامَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -شَهْرَاً كَامِلاً قَطْ غَيْرَ رَمَضَانَ. أخرجه الشيخان (¬2) والنسائي (¬3). [صحيح] قوله: "ما صام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شهراً كاملاً قط غير رمضان". ومثله عن عائشة عند مسلم (¬4) ولفظه: "ولا صام شهراً كاملاً قط منذ قدم المدينة غير رمضان"، وفي رواية عند مسلم (¬5): "شهراً متتابعاً" وهو دليل على أنه لم يستكمل صيام شهر نفلاً. قوله: "أخرجه الشيخان والنسائي". عاشوراء هو اليوم العاشر (¬6) من المحرم، وهو اسمٌ إسلاميٌّ، وليس في كلامهم فَاعُولآَء، بالمد غيره، وقد أُلحق به تاسوعاء، وهو تاسع المحرم، وقيل: إنَّ عاشوراء هو التاسع، مأخوذ من العِشْر في أورَاد الإبل. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (1987)، وطرفه (6466). (¬2) أخرجه البخاري رقم (1971)، ومسلم رقم (178/ 1157). (¬3) في "السنن" رقم (2346). وهو حديث صحيح. (¬4) في "صحيحه" رقم (174/ 1156). (¬5) في "صحيحه" رقم (1157). (¬6) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 209)، وانظر: "المجموع المغيث" (2/ 450).

وقد تقدم (¬1) مبسوطاً في حرف التاء، انتهى "نهاية" (¬2). قال في "الفتح" (¬3): أنّه قال ذلك ابن دريد أي: دعوى أنَّه ليس في كلامهم فاعولآء، قال (¬4): وقد رَدَّ ذلك بأنَّ ابن الأعرابي حكى أنه سمع في كلامهم فاعولآء، وبقول عائشة: إنَّ أهل الجاهلية كانوا يصومونه. قال الحافظ (¬5): وهذا الأخير لا دلالة فيه على ردِّ ما قال ابن دريد. الأول: حديث أبي قتادة: 1 - عن قتادة - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "صِيَامُ عَاشُورَاء إِنِّي أَحْتَسِبُ عَلَى الله أَنْ يُكَفِرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ". أخرجه الترمذي (¬6) وصححه. [صحيح] قوله: "إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله". أي: أنَّ صومه سبب لذلك، وللعلماء (¬7)، هل الذنوب كلها أو الصغائر؟ وتقدم البحث فيه. قوله: "أخرجه الترمذي وصححه". ¬

_ (¬1) في "النهاية" (1/ 189). (¬2) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 209)، وانظر: "المجموع المغيث" (2/ 450). (¬3) في "الفتح" (4/ 245) حيث قال: وزعم ابن دريد أنه اسم إسلامي، وأنه لا يعرف في الجاهلية. (¬4) الحافظ في "الفتح" (4/ 245) حيث قال: وردَّ ذلك عليه ابن دحية .. (¬5) في "فتح الباري" (4/ 245). (¬6) في "السنن" رقم (752)، وأخرجه أحمد (5/ 311)، ومسلم رقم (196/ 1168)، وأبو داود رقم (2425)، وابن ماجه رقم (1730)، والنسائي في "الكبرى" رقم (2185). وهو حديث صحيح. (¬7) انظر: "المجموع شرح المهذب" (6/ 429 - 430).

الثاني: حديث عائشة: 2 - وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كَانَ عَاشُورَاءُ يُصَامُ قَبْلَ رَمَضَانَ. فَلمَّا نَزَلَ رَمَضَانُ كَانَ مَنْ شَاءَ صَامَ، وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ. أخرجه الستة (¬1) إلا النسائي. [صحيح] قولها: "كان عاشوراء يُصام". لم تبين هل كان - صلى الله عليه وسلم - يصومه في هذه الرواية، إلاَّ أنه قد روى عنها هشام بن عروة عن أبيه وفيه: "أنَّ أهل الجاهلية كانوا يصومونه"، أمَّا صيام أهل الجاهلية فلعلهم تلقوه من الشارع السالف، وكانوا يعظمونه بكسوة الكعبة وغير ذلك، و"أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصوم في الجاهلية" أي: قبل أن يهاجر إلى المدينة. قوله: "فلما نزل رمضان كان من شاء صامه ومن شاء أفطر". وقد أخرج البخاري (¬2) عن نافع عن ابن عمر بلفظ: "صام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عاشوراء، وأمر بصيامه، فلما فرض رمضان ترك". فقوله: "ويأمر - صلى الله عليه وسلم - بصيامه" دل على أنه فرض (¬3). قوله: "أخرجه الستة إلاَّ النسائي". الثالث: حديث ابن عباس: 3 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قَدِمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - المَدِينَةَ، فَرَأَى اليَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ: "مَا هَذَا؟ ". قَالُوا: هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ. هَذَا يَوْمٌ نَجَّى الله تَعَالَى فِيْهِ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ، فَصَامَهُ مُوسَى. فَقَالَ: "أَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ". فَصَامَهُ، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (2001، 2002)، و (1592، 1893، 3831، 4502، 4504)، ومسلم رقم (113/ 1125)، وأبو داود رقم (2442)، والترمذي رقم (753). (¬2) في "صحيحه" رقم (2001). (¬3) انظر: "فتح الباري" (4/ 248).

أخرجه الشيخان (¬1) وأبو داود (¬2). [صحيح] [قوله] (¬3): "قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرأى اليهود [32 ب] تصوم يوم عاشوراء، فقال: ما هذا؟ " أي: ما سبب صومكم. "قالوا: يوم صالح نجّى الله فيه موسى - عليه السلام - وبني إسرائيل من عدوهم" بإغراق فرعون ونجاتهم. ولفظ مسلم (¬4): "هذا يوم عظيم نجَّى الله فيه موسى وقومه، وأغرق فرعون وقومه". قوله: "فصامه موسى". زاد مسلم (¬5): "شكراً لله"، وقد استشكل ظاهر الخبر؛ لاقتضائه: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قدم المدينة فوجد القوم صياماً يوم عاشوراء". فيفهم أنه قدم يوم عاشوراء، وإنما قدم المدينة (¬6) في ربيع الأول، وأجيب بأنَّ المراد أول ما علم صيامهم، وسؤاله كان بعد قدومه المدينة، لا أنَّه قبل أن يقدمها علم ذلك، والمعنى (¬7): قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة فأقام إلى يوم عاشوراء، فوجد اليهود صياماً. قوله: "وأمر بصيامه". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (2004)، ومسلم رقم (127/ 1130). (¬2) في "السنن" رقم (2444)، وأخرجه أحمد (1/ 291)، وابن ماجه رقم (1734). وهو حديث صحيح. (¬3) سقطت من (أ. ب). (¬4) في "صحيحه" رقم (127/ 1130). (¬5) في "صحيحه" رقم (128/ 1130) (¬6) قاله الحافظ في "الفتح" (4/ 247). (¬7) قال الحافظ في "الفتح" (4/ 247)، وغايته أن في الكلام حذفاً تقديره، قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة فأقام إلى يوم عاشوراء فوجد اليهود فيه صياماً. ثم قال الحافظ: ويحتمل أن يكون أولئك اليهود كانوا يحسبون يوم عاشوراء بحساب السنين الشمسية فصادف يوم عاشوراء بحسابهم اليوم الذي قدم فيه - صلى الله عليه وسلم - ...

وللبخاري (¬1) في التفسير، فقال لأصحابه: "أنتم أحق بموسى منهم"، ثم استشكل برجوعه - صلى الله عليه وسلم - إليهم في ذلك. أي: بقوله: خيرهم .. وأجيب (¬2) عنه بأنه يحتمل أنه كان أوحى إليه بصدقهم، أو تواتر عنده الخبر بذلك، أو أنه أخبره من أسلم منهم كابن سلام، وليس في الخبر دليل أنه ابتداء الأمر بصيامه، بل في حديث عائشة (¬3) التصريح بأنَّه كان يصومه قبل ذلك، فغاية ما في القصة أنَّه لم يحدث له بقول اليهود تجديد (¬4) حكم، وإنما هي صفة حال وجواب سؤال، ولا ينافي ذلك أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يصومه، وأنَّ أهل الجاهلية كانوا يصومونه، إذْ لا مانع من توارد الفريقين على صيامه مع اختلاف السبب في ذلك. وأخرج أحمد من وجه آخر عن ابن عباس (¬5) زيادة في سبب صوم اليهود له. ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (4680). (¬2) قاله المازري في "المعلم بفوائد مسلم" (2/ 38). (¬3) تقدم، وهو حديث صحيح. (¬4) قال السندي: قوله: "أنا أحق بموسى أي: بموافقة موسى لقوله تعالى: {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام: 90] وعلم من هذا أن المطلوب منه الموافقة لموسى، لا الموافقة ليهود، فلا يشكل بأنه يجب مخالفتهم لا موافقتهم، على أنه كان في أول الأمر يجب موافقتهم لتألفهم، ثم لا علم منهم إصرارهم على الكفر وعدم تأثير التأليف فيهم، ترك موافقتهم ومال إلى مخالفتهم، ولهذا عزم على المخالفة في آخر الأمر بضم صوم التاسع إلى صوم عاشوراء، وأما الأخذ بقولهم، فإما لأنه تواتر ذلك عنده، أو لأنه علم بالوحي صدقهم فيه. والله تعالى أعلم. (¬5) وقد وهم الشارح. بل هو من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -. قال الحافظ في "الفتح" (4/ 247): ولأحمد من طريق شبيل بن عوف عن أبي هريرة نحوه، وزاد فيه: "وهو اليوم الذي استوت فيه السفينة على الجودي فصامه نوح شكراً.

ولفظه (¬1): بعد نجى الله فيه [أنَّ السفينة استوت فيه على الجودي فصامه نوح شكراً لله"] (¬2). قوله: "أخرجه الشيخان وأبو داود". الرابع: حديث قيس بن سعد بن عبادة: 4 - وعن قيس بن سعد بن عبادة - رضي الله عنهما - قال: كُنَّا نَصُومُ عَاشُورَاءَ، وَنُؤَدِّي زَكَاةَ الفِطْرِ، فَلمَّا نَزَلَ رَمَضَانُ وَنَزَلَتِ الزَّكَاةُ لَمْ نُؤْمَرْ بِهِ، وَلَمْ نُنْهَ عَنْهُ، وَكُنَّا نَفْعَلُهُ. أخرجه النسائي (¬3). [صحيح] قوله: "كنا نصوم عاشوراء". أي: في الإسلام. [قوله] (¬4): "ونؤدي زكاة الفطر". أي: زكاة يوم عيد الإفطار، وظاهره أنهم كانوا يؤدونها قبل فرض رمضان، وليس كذلك فإنّها إنما فرضت بعد فرض رمضان (¬5). والجواب: أنَّ قوله: "فلما نزل رمضان، ونزلت الزكاة لم نؤمر به". أي: بصيام [33 ب] عاشوراء. [قوله] (¬6): "ولا بزكاة (¬7) الفطر" لنزول فريضة الزكاة، ولم ينه عنه فمراده: أنَّ بنزول ¬

_ (¬1) كذا العبارة في (أ. ب) انظر. نص العبارة في "التعليقة المتقدمة". (¬2) كذا العبارة في (أ. ب) انظر: نص العبارة في "التعليقة المتقدمة". (¬3) في "السنن" رقم (2506). وهو حديث صحيح. (¬4) سقطت من (أ. ب). (¬5) وهو كما قال الشارح. وقد تقدم. (¬6) سقطت من (أ. ب). (¬7) كذا في الشرح والذي في نص الحديث: "ونزلت الزكاة ولم نؤمر به .. " والعبارة التي ذكرها الشارح ليست في نص الحديث.

رجب

رمضان لم يؤمروا بعاشوراء، ولم ينهوا عنه، وبعد نزول الزكاة لم يؤمروا بزكاة الفطر أمراً ثانياً، ولم ينهوا عنها. فائدة: كان قيس بن سعد بن عبادة، وعبد الله بن الزبير أطلسين، والأطلس الذي لا لحية له، ولا شعر بوجهه، وكذلك الأحنف بن قيس وشريح القاضي كانا أطلسين، وكان قيس بن سعد جواداً ابن جواد ابن جواد أربعة متوالدون في الجود والشجاعة لم يكن لغيرهم، وكانت الأنصار تقول: وددنا أنْ نشتري لك لحية بأموالنا كلها (¬1). قوله: "أخرجه النسائي". تنبيه: لم يذكر المصنف صوم التاسع من المحرم، وقد ذكره ابن الأثير (¬2) من حديث ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لئن بقيت إلى قابل لأصومنَّ التاسع" (¬3). وفي لفظ: "أنه لما قيل له: إنَّ اليهود تصوم عاشوراء قال: فإذا كان العام القابل صمت إنْ شاء الله اليوم التاسع، فلم يأتِ العام المقبل حتى توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -"، ونسبه إلى مسلم (¬4) وأبي داود (¬5). رجب أي: صومه ولفظ "الجامع" (¬6): (صوم رجب) 1 - عن عباد بن حنيف قال: ¬

_ (¬1) قاله ابن الأثير في "تتمة جامع الأصول" (2/ 789). (¬2) في الجامع (6/ 313 رقم 4452). (¬3) أخرجه أحمد (1/ 345)، ومسلم رقم (134/ 1134) وهو حديث صحيح. (¬4) في صحيحه رقم (133/ 1134). (¬5) في السنن رقم (2445)، وهو حديث صحيح. (¬6) (6/ 315).

شعبان

سَالتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ عَنْ صَوْمِ رَجَبٍ فَقَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - يَقُولُ: كَانَ - صلى الله عليه وسلم - يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ: لاَ يُفْطِرُ. وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ: لاَ يَصُومُ. أخرجه الشيخان (¬1) وأبو داود (¬2). [صحيح] [قوله: (¬3)] "عن عَبَّاد" بفتح المهملة وتشديد الموحدة. الظاهر أنَّ مراد ابن جبير بهذا الاستدلال أنه لا نهي عنه، ولا ندب (¬4) لعينه، بل له حكم الشهور، ولم يثبت (¬5) في صوم رجب نهى، ولا ندب لعينه، لكن أصل الصوم مندوب إليه. قلت: إلاَّ أنَّه من الأشهر الحرم، وقد ثبت الحث على صومها، فصومه مندوب لذلك. قوله: "أخرجه الشيخان وأبو داود". شعبان أي: صومه. الأول: حديث عائشة: 1 - عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ: لاَ يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ: لاَ يَصُومُ. وَمَا رَأَيْتُهُ اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ إِلاَّ رَمَضَانَ، وَمَا رَأَيْتُهُ فِي شَهْر أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ". ¬

_ (¬1) البخاري في صحيحه رقم (1971)، ومسلم رقم (1157). (¬2) في السنن رقم (2430)، وهو حديث صحيح. (¬3) سقط من (أ. ب). (¬4) انظر "فتح الباري" (4/ 216). (¬5) وهو كما قال الشارح.

أخرجه الستة (¬1). [صحيح] قوله: "وما رأيته استكمل صيام شهر قط، وما رأيته في شهر أكثر صياماً منه في شعبان". وعند مسلم (¬2): "كان يصوم شعبان إلاَّ قليلاً". وعند أبي داود (¬3) من حديث أم سلمة: "كان لا يصوم من السنة شهراً تاماً إلاَّ شعبان يصله برمضان". قال الحافظ ابن حجر (¬4): أي: كان يصوم معظمه. ونقل [34 ب] الترمذي (¬5) عن ابن المبارك أنه قال جابر في "كلام العرب": إذا صام أكثر الشهر أن يقولوا: صام الشهر كله، ويقال: قام فلان ليلته أجمع، ولعله قد تعشى واشتغل ببعض أمره. قال الترمذي (¬6): كأنَّ ابن المبارك جمع بين الحديثين بذلك. قوله: "أخرجه الستة". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (1969)، وطرفاه: (1970، 6465)، ومسلم رقم (175/ 1156)، وأبو داود رقم (2431، 2434)، والترمذي رقم (736)، والنسائي رقم (2177)، ومالك في "الموطأ" (1/ 309)، وهو حديث صحيح. (¬2) في صحيحه رقم (176/ 1156). (¬3) في السنن رقم (2336). وأخرجه أحمد (6/ 311)، والترمذي رقم (736)، وقال: هذا حديث حسن، والنسائي رقم (2353)، وابن ماجه رقم (1648) وهو حديث صحيح. (¬4) في "الفتح" (4/ 214). (¬5) في السنن (3/ 114)، عقب الحديث رقم (737). (¬6) في السنن (3/ 114).

الثاني: حديث أم سلمة: 2 - وعن أم سلمة - رضي الله عنها - قالت: مَا رَأَيْتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَصُومُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ إِلاَّ شَعْبَانَ وَرَمَضَانَ. أخرجه أصحاب السنن (¬1)، واللفظ للترمذي والنسائي. [صحيح] قوله: "شهرين متتابعين إلاَّ شعبان ورمضان". ظاهره: أنَّه كان (¬2) يستكمل صوم شعبان، وجوابه ما تقدم عن ابن المبارك. قوله: "أخرجه أصحاب السنن واللفظ للترمذي". [صحيح] قلت: وقال (¬3): حديث أم سلمة حديث حسن، وذكر هنا (¬4) كلام ابن المبارك الذي قدمناه. الثالث: حديث أسامة بن زيد: 3 - وعن أسامة - رضي الله عنه - قال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله! لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ؟ قَالَ: "ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ عَنْهُ النَّاسُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ العَالمِينَ، وَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي، وَأَنَا صَائِمٌ". أخرجه النسائي (¬5). [حسن] ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود في السنن رقم (2336)، والترمذي رقم (736)، والنسائي رقم (2175، 2176، 2352، 2353)، وابن ماجه رقم (1648)، وهو حديث صحيح. (¬2) قال الطيبي في شرحه على مشكاة المصابيح (4/ 211): يحمل على أنه كان يصوم شعبان كله تارة، ويصوم معظمه أخرى لئلا يتوهم أنه واجب كله كرمضان. (¬3) أي: الترمذي في "السنن" (3/ 114). (¬4) أي: الترمذي في "السنن" (3/ 114). (¬5) في "السنن" رقم (2357). =

ست من شوال

قوله: "قال: ذلك شهر يغفل عنه الناس بين رجب ورمضان". لعلَّ المراد بغفلتهم عنه أنهم لا يعظمونه كما يعظمون رجباً بالعتيرة فيه، والاحترام له؛ لأنه من الحرم إلاَّ أنهم يغفلون عن صيامه مع صيامهم رجباً، فلما غفل عنه الناس عظمه - صلى الله عليه وسلم - بصيامه إياه، ثم ذكر من أسباب صومه: قوله: "إنها ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين". ويأتي أنَّها تعرض الأعمال على الله يوم الإثنين، ويوم الخميس، وعلل - صلى الله عليه وسلم - صومها بذلك، كما علله في صوم شعبان، والجمع بينهما أنها تعرض وترفع في شعبان أعمال السنة، وفي الإثنين والخميس أعمال ما بينهما، وهما من الأيام، أو أنها تعرض في اليومين ولا ترفع إلاَّ في شعبان. قوله: "أخرجه النسائي". ست من شوال 1 - عن أيوب - رضي الله عنه - قال: قَالَ رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَأَتْبَعَهُ بِسِتٍّ مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ". أخرجه مسلم (¬1) والترمذي (¬2). [صحيح] ¬

_ = وأخرجه أبو داود رقم (2436)، وابن خزيمة في صحيحه رقم (2119)، وأحمد (5/ 201)، و"الضياء في المختارة" رقم (1356)، والبزار في "مسنده" رقم (2617) من طريق عبد الرحمن بن مهدي، عن ثابت بن قيس، عن أبي سعيد المقبري، عن أسامة، به. وأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (3/ 103) وعثمان بن سعيد الدارمي في الرد على الجهمية (ص 29) وأبو القاسم البغوي في "مسند أسامة" رقم (49)، و"الضياء في المختارة" رقم (1319، 1320)، وابن عدي في "الكامل" (2/ 915) من طرق عن ثابت بن قيس، به. وهو حديث حسن. والله أعلم. (¬1) في "صحيحه" رقم (204/ 1164). (¬2) في "السنن" رقم (759). =

قوله: "ست من شوال" أي: استحباب (¬1) صيامها. فيه أنَّه لا يشرع صومها إلاَّ لمن صام رمضان، فلا يشرع صومها في حق المسافر إذا أفطر رمضان. وقوله: "وأتبعه" عامٌّ لصومها (¬2) عقيبه، أو في أثنائه، ولوصلها وتفريقها، واعتاد صومها صوم من ثاني يوم في شوال، ووصلها وهو أحد الجائزين. وقوله: "كصيام الدهر". أي: السنة، وذلك لأنَّ رمضان صومه بصوم ثلاثمائة يوم الحسنة (¬3) بعشر أمثالها [35 ب] وصوم الست بستين يوماً، وذلك عدد أيام السنة والتشبيه ¬

_ = وأخرجه أحمد (5/ 417)، وابن ماجه رقم (1716)، وأبو داود رقم (2433)، والدارمي (2/ 21) والبيهقي (4/ 292)، والطيالسي كما في "منحة المعبود" (1/ 197 رقم 948)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (1780)، وقد أعل هذا الحديث بأنه من رواية سعد بن سعيد الأنصاري أخي يحيى بن سعيد، وقد ضعف لسوء حفظه، ولكن تابعه أخوه يحيى بن سعيد الأنصاري عند النسائي في "السنن الكبرى" (3/ 240 رقم 2879) وكذلك تابعه أخوه الآخر عبد ربه بن سعيد عند النسائي في "الكبرى" (3/ 240 رقم 2878). وهو حديث صحيح، والله أعلم. (¬1) انظر: "المجموع شرح المهذب" (6/ 426)، "المغني" (4/ 438). (¬2) قال النووي في "شرحه لصحيح مسلم" (8/ 56): قال أصحابنا: والأفضل أن تصام الست متوالية عقب يوم الفطر، قال: فإن فرقها أو أخرّها عن أوائل شوال إلى آخره حصلت فضيلة المتابعة؛ لأنه يصدق أنه أتبعه ستاً من شوال. (¬3) عن ثوبان عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من صام رمضان وستة أيام بعد الفطر كان تمام السنة، من جاء بالحسنة فله عشر مثالها". [أخرجه ابن ماجه رقم (1715)، وأحمد (5/ 280)، والدارمي (2/ 21)، والنسائي في "السنن الكبرى" (3/ 238 - 239 رقم 2873)، الطحاوي في "مشكل الآثار" (3/ 119 - 120)، وابن حبان رقم (3635)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (4/ 293)، والخطيب في "تاريخ بغداد" (2/ 362). وهو حديث صحيح].

عشر ذي الحجة

بصيام الدهر، لا يقتضي شرعية صومه، وإن اقتضاه، فقد ورد ما هو أصرح في نفي صومه وهو حديث: "من صام الدهر فلا صام ولا أفطر"، وفي المسألة خلاف معروف. قوله: "أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي". قلت: وقال (¬1): حديث أبي أيوب حديث حسن، وقد استحب قوم صيام ستة أيام من شوال لهذا الحديث. وقال ابن المبارك: هو حسن، مثل صيام ثلاثة أيام من كل شهر. قال ابن المبارك: ويروى في بعض الحديث، "ويلحق هذا الصيام برمضان"، واختار ابن المبارك أن تكون ستة من أول الشهر، وقد روى عن ابن المبارك أنَّه قال: إنْ صام ستة أيامٍ من الشهر متفرقةً، فهو جائز. ثم (¬2) ذكر أنَّ هذا الحديث من رواية (¬3) سعيد بن سعيد أخو يحيى بن سعيد الأنصاري، وأنَّه قد تكلم فيه بعض أهل الحديث من قبل حفظه. عشر ذي الحجة 1 - عن هنيدة بن خالد عن امرأته عن بعض أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَصُومُ تِسْعَ ذِي الحِجَّةِ، وَيَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَثَلاَثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، أَوَّلَ اثْنَيْنِ مِنَ الشَّهْرِ وَالخَمِيسَ". أخرجه أبو داود (¬4) والنسائي (¬5). [ضعيف] ¬

_ (¬1) في "السنن" (3/ 132 - 133). (¬2) أي: الترمذي في "السنن" (3/ 133). (¬3) تقدم توضيحه. (¬4) في "السنن" رقم (2437). (¬5) في "السنن" رقم (2372). وهو حديث ضعيف.

الأول حديث. (هنيدة) (¬1) - بنون مصغر - بن خالد الخزعي، ويقال: النخعي، ربيب عمر مذكور في الصحابة، وقيل: من الثانية، ذكره (¬2) ابن حبان في الموضعين. [قوله] (¬3) (عن امرأته عن بعض أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصوم تسع ذي الحجة". فكان الأولى أن يترجمه المصنف بتسع ذي الحجة، لكنَّه تبع ابن الأثير (¬4)، وكأنَّه لا يعلم أن يوم النحر لا يصام. قوله: "ويوم عاشوراء" تقدم الكلام فيه. "وثلاثة أيام من كلِّ شهر" يحتمل أنَّها البيض، ويأتي لها ترجمة مستقلة. قوله: "أول اثنين من الشهر وخميس. لفظه في "الجامع" (¬5): "أوّل اثنين من كل شهر والخميس". لعله سقط حرف العطف والمراد: وأول اثنين، وإن جعل بدلاً من ثلاثة أيام ما كان إلاَّ بدل بعض، وفي "الجامع" (¬6) بعد إسناده إلى أبي داود (¬7)، وإلى رواية النسائي (¬8) مثله وقال: "أَوَّل اثنين من الشهر وخميس". ¬

_ (¬1) ذكره ابن الأثير في "تتمة الجامع" (2/ 984). (¬2) قاله ابن حجر في "التقريب" (2/ 322 رقم 116). (¬3) سقطت من (أ. ب). (¬4) في "الجامع" (6/ 320). (¬5) (6/ 322 - 323). (¬6) في "الجامع" (6/ 320). (¬7) في "السنن" (2437)، وهو حديث ضعيف. (¬8) في "السنن" رقم (2372)، وهو حديث ضعيف.

وفي أخرى (¬1): "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصوم العشر وثلاثة أيام من كل شهر الاثنين والخميس" انتهى. فرواية [36 ب] النسائي الأولى قد بيَّنت الثلاثة الأيام، كما ترى، فيحمل عليها غيرها، ويأتي حديث حفصة وابن عمر في ذلك. واعلم أنَّه أخرجه مسلم (¬2) والترمذي (¬3) من حديث عائشة قالت: "ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صائماً في العشر قط" انتهى. فقد عارض حديث هنيدة، وهذا أصح إسناداً إلاَّ أنَّه قد ورد الحديث بفضل العمل في أيام العشر من ذي الحجة، ومنه الصوم. أخرج الترمذي (¬4) عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما من أيام العمل الصالح أحب إلى الله من هذه الأيام العشر" الحديث. قال الترمذي (¬5): حديث ابن عباس حسن غريب صحيح. قوله: "أخرجه أبو داود والنسائي". قلت: قال المنذري - في "مختصر السنن" (¬6) -: اختلف على هنيدة بن خالد في إسناده، ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (2418). (¬2) في "صحيحه" رقم (9/ 1176). (¬3) في "السنن" رقم (756)، وهو حديث صحيح. (¬4) في "السنن" رقم (757). وأخرجه البخاري رقم (969)، وأبو داود رقم (2438)، وابن ماجه رقم (1727)، وهو حديث صحيح. (¬5) في "السنن" (3/ 131). (¬6) (3/ 320).

فروي عنه، كما أوردناه، وروى عنه عن حفصة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -، وروى عنه عن أم سلمة. انتهى. قلت: وفيه مجهول وهي امرأة هنيدة. الثاني: حديث القاسم بن محمد: 2 - وعن القاسم بن محمد قال: كَانَتْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - تَصُومُ يَوْمَ عَرَفَةَ. وَلَقَدْ رَأَيْتُهَا عَشِيَّةَ عَرَفَةَ يَدْفَعُ الإِمَامُ، ثُمَّ تَقِفُ حَتَّى يَبْيَضَّ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ النَّاسِ مِنَ الأَرْضِ، ثُمَّ تَدْعُو بِالشَرَابٍ فَتُفْطِرُ. أخرجه مالك (¬1). [موقوف صحيح] قوله: "يصوم عرفة". أي: بعرفة كما دل بقية الحديث، وكأنَّه اجتهاد منها، وإلاَّ فإنَّه - صلى الله عليه وسلم - لم يصم يوم عرفة (¬2) بعرفة. قوله: "حتى يبيضَّ ما بينها وبين الناس من الأرض". أي: لا يبقى بينها وبينهم اتصال. ¬

_ (¬1) في "الموطأ" (1/ 375 - 376 رقم 133)، وهو أثر موقوف صحيح. (¬2) قال النووي في "المجموع شرح المهذب" (6/ 429 - 430) فرع: في مذاهب العلماء في صوم عرفة بعرفة: (ذكرنا أن مذهبنا أي الشافعية استحباب فطره، ورواه ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأبي بكر، وعمر، وعثمان - رضي الله عنهم -. ونقله الترمذي والماوردي وغيرهما عن أكثر العلماء. ونقله العبدري عن عامة الفقهاء غير ابن الزبير وعائشة، ونقله ابن المنذر عن مالك والثوري. وحكى ابن المنذر عن ابن الزبير، وعثمان بن العاص الصحابي، وعائشة وإسحاق بن راهويه: استحباب الصوم. واستحبه عطاء في الشتاء، والفطر في الصيف. وقال قتادة: لا بأس به بالصوم إذا لم يضعف عن الدعاء، وحكى صاحب البيان عن يحيى بن سعيد الأنصاري أنه قال: يجب الفطر بعرفة ... انظر: "المغني" (4/ 444 - 445)، "فتح الباري" (4/ 237 - 238)، "البيان" للعمراني (3/ 550).

أيام الأسبوع

قوله: أخرجه مالك". الثالث: حديث أبي قتادة: 3 - وعن أبي قتادة - رضي الله عنه - قال: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ إِنِّي أَحْتَسِبُ عَلَى الله تَعَالى أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ" (¬1). [صحيح] قوله: "إني أحتسبُ على الله أن يكفر السنة التي [قبله] (¬2) والسنة التي بعده". قالوا: تكفير المتأخرة قبل حصول ذنوبها أريد به هدايته إلى أن لا يأتي بالسيئات، أو إلى أنه إذا أتى بسيئة كفرت. قوله: "أخرجه الترمذي". قلت: وقال (¬3): حديث أبي قتادة حديث حسن، وقد استحب أهل العلم صيام عرفة إلاَّ بعرفة. انتهى. أيام الأسبوع أي: استحباب صوم ما نص عليها منها. الأول: حديث عائشة: 1 - عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَتَحَرَّى صِيامَ يَوْمِ الإِثْنَيْنِ وَالخَمِيْسِ". أخرجه الترمذي (¬4) والنسائي (¬5). [صحيح] ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي في "السنن" رقم (749)، وهو حديث صحيح وقد تقدم تخريجه. (¬2) في (أ. ب) قبلها وما أثبتناه من "سنن الترمذي". (¬3) في "السنن" (3/ 124). (¬4) في "السنن" رقم (745). (¬5) في "السنن" رقم (2361). وأخرجه أحمد (6/ 89)، وابن ماجه رقم (1739)، وأبو يعلى رقم (4751)، وابن حبان رقم (3643). =

أيام البيض

"التَّحَرِّي" (¬1): التقصد. وتقدم معناه في حديث هنيدة، إلاَّ أنَّ حديث عائشة قاضٍ بأنه - صلى الله عليه وسلم - يصوم كل اثنين [37 ب] وكل خميس. قوله: "أخرجه الترمذي والنسائي". قلت: وقال الترمذي (¬2): حديث عائشة حديث حسن غريب من هذا الوجه. الثاني: حديث أبي هريرة: 2 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قَالَ رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "تُعْرَضُ الأَعْمَالُ عَلَى الله تَعَالَى يَوْمَ الإِثْنَيْنِ وَالخَمِيسِ، فَأُحِبُّ أَنْ يُعْرَضَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ". أخرجه الترمذي (¬3). [صحيح لغيره] قوله: "تعرض الأعمال". تقدم الكلام فيه. قوله: "أخرجه الترمذي". قلت: وقال (¬4): حديث أبي هريرة في هذا الباب حديث حسن غريب. أيام البيض أي: استحباب صومها سميت بذلك؛ لأنَّ لياليها قمر ونهارها شمس. ¬

_ = قال الحافظ في "التلخيص" (2/ 410): (وأعله ابن القطان في كتاب "الوهم والإيهام" (4/ 270) وقال: سكت عنه مصححاً له، والحديث إنما هو عند الترمذي حسن). انظر: "العلل" لابن أبي حاتم رقم (750). وهو حديث صحيح. (¬1) التحري: القصد والاجتهاد في الطلب، والعزم على تحقيق الشيء بالفعل والقول. "النهاية في غريب الحديث" (1/ 368). (¬2) في "السنن" (3/ 121). (¬3) في "السنن" رقم (747)، وهو حديث صحيح لغيره. (¬4) في "السنن" (3/ 122).

الأول: حديث عبد الملك بن قتادة بن ملحان القيسي: 1 - عن عبد الملك بن قتادة بن ملحان القيسي عن أبيه - رضي الله عنه - قال: كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَأْمُرُنَا أَنْ نَصُومَ أَيّامَ البِيضَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ، وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ، وَخَمْسَ عَشْرَةَ، وَقَالَ: "هُنَّ كَهَيْئَةِ الدَّهْرِ". أخرجه أبو داود (¬1) والنسائي (¬2). [حسن دون قوله: "هنَّ كهيئة الدهر"] في "التقريب" (¬3)، ويقال: ابن قدامة بدل قتادة، ويقال: عبد الملك بن المنهال مقبول من الثالثة. انتهى. قوله: "عن أبيه" أي: قتادة بن ملحان، وقال في "التقريب" (¬4): صحابي له حديث في أيام البيض. انتهى، يريد به هذا. قوله: "أيام البيض". أبدل منها ما عيَّنها بقوله: ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة وقال هو). أي: صومها (كهيئة الدهر) أي: صيامه لما تقرر أنَّ الحسنة بعشر أمثالها. قوله: "أخرجه أبو داود والنسائي". قلت: أخرجه أبو داود عن ابن ملحان. قال الحافظ (¬5) المنذري: اختلف في ابن ملحان هذا، فقيل: هو قتادة بن ملحان القيسي، وله صحبة والحديث من مسنده، قال يحيى بن معين وهو الصواب، وقيل: إنَّه منهال بن ملحان القيسي والد عبد الملك. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (2449). (¬2) في "السنن" رقم (2342)، وهو حديث حسن دون قوله: "هن كهيئة الدهر". (¬3) (1/ 521 رقم 335)، (1/ 523 رقم 1356). (¬4) (2/ 123 رقم 83). (¬5) في "مختصر السنن" (3/ 329).

قال ابن معين (¬1): وهو خطأ وأطال في الكلام على ذلك، وقال - أيضاً -: إنَّه أخرجه النسائي (¬2) وابن ماجه (¬3). الثاني: حديث ابن عباس: 2 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "كانَ رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - لَا يَفْطِرُ أَيَامَ البِيضِ في حَضَرٍ، وَلَا سَفَرٍ". أخرجه النسائي (¬4). [حسن] قوله: "لا يفطر أيام البيض في حضر ولا سفر". فالحديث الأول في أمر أصحابه بصيامها، وهذا في أنَّه - صلى الله عليه وسلم - ما تركها، وفيه تأكيد في صومها. قوله: "أخرجه النسائي". الثالث: حديث معاذة العدوية: 3 - وعن معاذة العدوية قالت: سَأَلَتْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها -: "أَكَانَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَصُومُ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ. قُلْتُ: مِنْ أَيِّ أَيَّامِ الشَّهْرِ كَانَ يَصُومُ؟ قَالَتْ: لَمْ يَكُنْ يُبَالِي مِنْ أَيِّ الأَيَّامِ يَصُومُ". أخرجه مسلم (¬5) وأبو داود (¬6) والترمذي (¬7). [صحيح] قوله: "لم يكن يبالي من أي الأيام يصوم". أفادت أنَّه يصوم من كل شهر ثلاثة أيام إلاَّ ¬

_ (¬1) انظر: "التقريب" (2/ 123 رقم 83)، "الجرح والتعديل" (7/ 132 رقم 754). (¬2) في "السنن" (2342). (¬3) في "السنن" رقم (1707). وهو حديث حسن، دون قوله: "هن كهيئة الدهر". (¬4) في "السنن" رقم (2345)، وهو حديث حسن. (¬5) في "صحيحه" رقم (194/ 1160). (¬6) في "السنن" رقم (3453). (¬7) الترمذي رقم (763).

أنَّها لم تعينها، ولا ينافي حديث ابن عباس (¬1)؛ لأنَّه عين ما لم تعرفه عائشة من التعيين. قوله: "أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي". قلت: وقال: [38 ب] حديث حسن صحيح. الرابع: حديث أبي ذر: 4 - وعن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: "مَنْ صَامَ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ فَذَلِكَ صِيَامُ الدَّهْرِ". فَأَنْزَلَ الله تَعَالَى تَصْدِيقَ ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} (¬2) اليَوْمُ بِعَشْرَةِ أَيَّامٍ" (¬3). أخرجه الترمذي (¬4) والنسائي (¬5). [صحيح] ¬

_ (¬1) تقدم. وقد وقع الاتفاق بين العلماء على أنه يستحب أن يكون الثلاث المذكورة في وسط الشهر كما حكاه النووي في "شرح صحيح مسلم" (8/ 49). وقال النووي في "المجموع شرح المهذب" (6/ 436): (وأتفق أصحابنا على استحباب صوم أيام البيض، قالوا هم وغيرهم: وهي اليوم الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر، هذا هو الصحيح المشهور الذي قطع به الجمهور من أصحابنا وغيره، وفيه وجه لبعض أصحابنا، حكاه الصميري والماوردي، والبغوي وصاحب البيان وغيرهم أنها الثاني عشر، والثالث عشر، والرابع عشر، وهذا شاذ ضعيف يرده الحديث السابق في تفسيرها - تقدم - وقول أهل اللغة أيضاً وغيرهم. وأما سبب تسمية هذه الليالي بيضاً، فقال ابن قتيبة والجمهور؛ لأنها تبيض بطلوع القمر من أولها إلى آخرها، وقيل: غير ذلك. وانظر: "فتح الباري" (4/ 227). (¬2) سورة الأنعام الآية: (160). (¬3) سورة الأنعام الآية: (160). (¬4) في "السنن" رقم (762)، وقال: هذا حديث حسن صحيح. (¬5) في "السنن" رقم (2423)، وهو حديث صحيح.

قوله: "ثلاثة أيام" يحتمل أن يراد بها أيام البيض، أو مطلقاً، ودلَّ أنَّها سبب (¬1) نزول الآية. قوله: "أخرجه الترمذي والنسائي". قلت: وقال (¬2) الترمذي: إنَّه حديث حسن. الخامس: حديث عامر بن مسعود: 5 - وعن عامر بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قَالَ رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "الغَنِيمَةُ البَارِدَةُ: الصَوْم في الشِّتَاءِ". أخرجه الترمذي (¬3). [صحيح] في "التقريب" (¬4): أبو سعيد الزُّرقي الأنصاري، وقيل: أبو سعيد صحابي اسمه عمارة ابن سعيد، أو بالعكس صححه ابن حبان، وقيل: عامر بن مسعود وهو كذلك في "الجامع" كما هنا، وفي الترمذي - أيضاً -. قوله: "- صلى الله عليه وسلم - الغنيمة". هي كل ما أخذ بغير مشقة، وهي في الأموال في الإطلاق أغلب. "الباردة" إعلامٌ بأنَّها غنيمة هنية الصوم في الشتاء، وذلك بعض أيامه، وفي "النهاية" (¬5): إنما سماه غنيمة لما فيه من الأجر والثواب. قوله: "أخرجه الترمذي". ¬

_ (¬1) انظر: "جامع البيان" (10/ 36 - 40)، "تفسير ابن كثير" (6/ 246). (¬2) في "السنن" (3/ 135). (¬3) في "السنن" رقم (797)، وهو حديث صحيح. (¬4) (2/ 428 رقم 35). (¬5) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 324).

قلت: وبوب له (¬1) باب: ما جاء في الصوم في الشتاء، وقال (¬2): هذا حديث مرسل عامر ابن مسعود لم يدرك النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو والد إبراهيم بن عامر القرشي الذي روى عنه شعبة، والثوري. انتهى. السادس: حديث ابن مسعود: 6 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قُلْتُ لِعَائِشَةَ - رضي الله عنها -: "هَلْ كَانَ رَسُوُل الله - صلى الله عليه وسلم - يَخْتَصُّ مِنَ الأَيَّامِ شَيْئًا؟ قَالَتْ: لاَ. كَانَ عَمَلُهُ دِيمَةً، وَأَيَّكُمْ يُطِيقُ مَا كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يُطِيقُ". أخرجه الشيخان (¬3). [صحيح] "الدَّيمَةُ": المطر الدائم في سكون، تشبه به الأعمال الدائمة مع القصد والرفق. قوله: "قالت: لا. كان عمله ديمة". أي: دائماً كصومه الإثنين والخميس، وفي "النهاية" (¬4) على قولها: (الدّيمةُ) هي المطر الدائم في سكون، شَبَّهت عمله - صلى الله عليه وسلم - في دوامه مع الاقتصاد بديمة المطر الدائم. انتهى. ومرادها: أنَّه - صلى الله عليه وسلم - كان يحافظ على ما عمله، كما قال: "أحبّ الأعمال إلى الله أدومه (¬5). وقوله - أيضاً -: "مع القصد والرفق". مأخوذ من الديمة، فإنّها مطر يدوم، وأقل دوامه يوم وليلة، كما قيل وفيه: رفق إذ لا إضرار فيه. قوله: "أخرجه الشيخان". ¬

_ (¬1) أي: الترمذي في "السنن" (3/ 162 الباب رقم (74). (¬2) في "السنن" (3/ 162). (¬3) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (1987، 6466)، ومسلم رقم (217/ 783) (¬4) (1/ 594)، وانظر "فتح الباري" (4/ 236). (¬5) أخرجه البخاري رقم (6464، 6465، 6467)، ومسلم رقم (216/ 782)، من حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: سئل أي: العمل أحب إلى الله؟ قال: "أدومه وإن قل".

الأيام التي يحرم صومها

الأيام التي يحرم صومها عبارة ابن الأثير (¬1): [الأيام التي يكره صومها، وعدها العيدين، وأيام التشريق ويوم الشك] (¬2). الحديث الأول: عن أبي سعيد: 1 - عن أبي سعيد - رضي الله عنه - قال: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يَصْلُحُ الصِّيَامُ فِي يَوْمَيْنِ: يَوْمِ الفِطْرِ وَيَومِ النَّحْرِ". أخرجه الخمسة (¬3) إلا النسائي، وهذا لفظ مسلم. [صحيح] قوله: "لا يصلح الصيام في يومين". وإذا لم يصلح فلا يحل؛ لأنَّ الصالح شرعاً هو المأذون [39 ب] فيه لا المنهي عنه، وعدم الصلاحية تستلزم النهي وبيَّنهما بقوله: "يوم الفطر" قد صار كالعلم لأول يوم من شوال، كما أنَّ يوم النحر للعاشر من ذي الحجة، ويأتي بيان وجه عدم الصلاحية. قوله: "أخرجه الخمسة إلاَّ النسائي وهذا لفظ مسلم". الثاني: حديث عقبة بن عامر: 2 - وعن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - قال: قَالَ رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "يَوْمُ عَرَفَةَ, وَيَوْمُ النَّحْرِ، وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ عِيدُنَا أَهْلَ الإِسْلاَمِ، وَهِيَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ". ¬

_ (¬1) في "الجامع" (6/ 343). (¬2) كذا في "المخطوط" (أ. ب) والذي في "الجامع" في الأيام التي يحرم صومها: وهي نوعان. النوع الأول: في أيام العيد والتشريق، وقال في "الجامع" (6/ 350). النوع الثاني: في يوم الشك. (¬3) أخرجه البخاري رقم (1991، 1995)، ومسلم رقم (141/ 827)، وأبو داود رقم (2417)، والترمذي رقم (772)، وهو حديث صحيح.

أخرجه أصحاب السنن (¬1)، وصححه الترمذي. [صحيح] قوله: "يوم عرفة". يُحمل على المراد أنَّ في عرفة (¬2) لما علم من مشروعية صومه في غيرها. "ويوم النحر وأيام التشريق" وهي: ثلاثة أيام بعد النحر، ويأتي في كلام "المصنف" وجه تسميتها تشريقاً. "عيدنا أهل الإسلام" أي: يا أهل، وهي أيام أكل وشرب، زاد في "المجتبى" (¬3) و"التجريد": وبعال، ومثله في الدارقطني (¬4) - وهو بكسر الموحدة فعين مهملة - في "النهاية" (¬5): البعال النكاح وملاعبة الرجل أهله والمباعلة: المباشرة. انتهى. فلا تصام: لأنَّه ينافي كونها عيداً. قوله: "أخرجه أصحاب السنن وصححه الترمذي". ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود رقم (2419)، والترمذي رقم (773)، وقال: هذا حديث حسن صحيح. والنسائي في "المجتبى" رقم (3004)، وفي الكبرى رقم (2832). وأخرجه ابن حبان رقم (3603)، والحاكم (1/ 434)، وقال: صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي. وابن أبي شيبة في "المصنف" (3/ 104)، والطبري في "تهذيب الآثار" وفي "مسند عمر" رقم (562)، وابن خزيمة رقم (2100)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (1796). وغيرهم. وهو حديث صحيح. والله أعلم. (¬2) تقدم توضيحه. (¬3) لم أقف عليه. (¬4) في "السنن" (2/ 212 رقم 32)، من حديث عبد الله بن حذافة السهمي، وقال الواقدي: ضعيف. (¬5) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 146).

الثالث: 3 - وعن نبيشة الهذلي - رضي الله عنه - قال: قَالَ رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرِ الله تَعَالى". أخرجه مسلم (¬1). [صحيح] "أَيَّامُ التَّشْرِيقِ": ثلاثة أيام بعد يوم النحر، سميت بذلك لأنهم كانوا يشرّقون فيها لحوم الأضاحي في الشمس. حديث "نبيشة" بالنون فموحدة فمثناة فشين معجمة مصغر يعرف بنبيشة الخير، وهو ابن عمرو (¬2) بن عوف من هذيل، وقيل: نبيشة (¬3) بن عبد الله بن شيبان قاله الكاشغري. قوله: "أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر الله". وهي أي: الثلاثة الأيام المعدودات التي أمر الله بذكره فيها فقال: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} (¬4). قال في "النهاية" (¬5): الأيام المعدودات هي: أيام التشريق ثلاثة أيام بعد النحر. قوله: "أخرجه مسلم". الرابع: 4 - وعن صلة بن زفر قال: كُنَّا عِنْدَ عَمَّارٍ - رضي الله عنه - فِي اليَوْمِ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ مِنْ شَعْبَانَ أَوْ رَمَضَانَ، فَأُتِيْنَا بِشَاةٍ مَصْلِيَّة، فَتَنَحَّى بَعْضُ القَوْمِ، فَقَالَ: إِنِّي صَائِمٌ، فَقَالَ عَمّارٌ: مَنْ صَامَ هَذَا اليَومَ فَقَدْ عَصَى أَبَا القَاسِمِ - صلى الله عليه وسلم -. ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (144/ 1141). (¬2) انظر: "التقريب" (2/ 297 رقم 39). (¬3) ذكره ابن الأثير في "تتمة جامع الأصول" (2/ 942 - قسم التراجم). (¬4) سورة البقرة الآية: (203). (¬5) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 167).

أخرجه أصحاب السنن (¬1)، وصححه الترمذي. [صحيح] حديث "صِلَة" (¬2) بكسر الصاد المهملة مخفف اللام ابن زُفَر - بضم الزاي وفتح الفاء فراء - هو العنسي الكوفي أبو العلاء، أو أبو بكر تابعي ثقة جليل مات في حدود السبعين. قوله: "في اليوم الذي يشك فيه من شعبان أو من رمضان". وهو يوم الإغمام الذي أفادته "فإن غمّ عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوماً" (¬3). قوله: "من صام هذا اليوم فقد عصى أبا القاسم". جزم الحافظ ابن حجر (¬4) وغيره بأنَّ مثل هذا مرفوع فهو دليل [40 ب] على تحريم صوم الإغمام وعليه عقد المصنف، وقبله ابن الأثير، ترجحة الأحاديث هذه، وأحاديث النهي عن ذلك كثيرة إلاَّ أَنَّه ذهب ابن القيم في كتابه "الهدي (¬5) النبوي": أنَّه لا يحرم صومه, وزعم أنَّ قول عمار فيمن صام آخر يوم من شعبان تطوعاً، ولفظه: "وهذا الذي قال فيه عمار: من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم". ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود رقم (2334)، والترمذي رقم (686)، والنسائي رقم (2188)، وابن ماجه رقم (1645). وأخرجه البخاري في صحيحه (4/ 19 الباب رقم 11 - مع الفتح). وابن حبان رقم (3585)، وابن خزيمة رقم 1914)، والدارقطني في "السنن" (2/ 157)، والحاكم (1/ 423 - 424)، والبيهقي (4/ 208) وابن أبي شيبة (3/ 72)، وعبد الرزاق رقم (7318)، وأبو يعلى رقم (43/ 1644)، من طرق. وهو حديث صحيح. (¬2) ذكره ابن الأثير في "تتمة جامع الأصول" (1/ 527 - قسم التراجم). وانظر: "التقريب" (1/ 370 رقم 122). (¬3) تقدم وهو حديث صحيح. (¬4) في "فتح الباري" (4/ 120). (¬5) في "زاد المعاد" (2/ 44).

فيقال عليه: هذا غير محل النزاع، فإنّه هو فسَّر يوم الشك بقوله: فأمَّا صوم يوم الغيم احتياطاً على أنَّه إن كان من رمضان فهو فرضه، وإلا فهو تطوع فالمنقول عن الصحابة يقتضي جوازه, فهذا لفظه. فكيف يفسر حديث عمار بأنَّ المراد به آخر يوم يصام من شعبان تطوعاً فإنَّ آخر يوم من شعبان إنْ كان من غير إغمام فليس هو اليوم الذي يشك فيه، ولا هو محل النزاع، وإنْ كان مع الإغمام فلا قائل أنَّه يصام تطوعاً، بل الناس فريقان فيه: فريق يحرم صومه، وفريق يقول: بجواز صومه بنيةٍ مشروطة، وفريق ثالث على ما رواه ابن القيم (¬1) يقول: يجب صومه واليوم الذي فسر به حديث عمار هو يوم يقين أنه من شعبان، فما لنا ولإدخاله في يوم الشك وعمار يقول: اليوم الذي يشك فيه، فإنَّ حديث عمار صريح في يوم الشك، فكيف يفسَّر بيوم اليقين، وقد نبهنا على ما في كلامه في هامش "الهدي"، ولكنَّه جنح إلى ترجيح إمامه؛ لأنَّه يرى صوم الشك. وأعجب منه أنَّ بعض الناس قال: مراد عمار بأبي القاسم نفسه. والمعنى: فقد عصاني، وهو باطل من وجهين: الأول: أنَّ كنية عمار أبو اليقظان، لا أبو القاسم، والثاني: أنَّ عصيان عمار ليس بمعصية. قوله: "أخرجه أصحاب السنن وصححه الترمذي". وقال فيه الحافظ ابن حجر (¬2): وهذا وإن كان موقوفاً فهو في حكم المرفوع، أفاده في نخبة الفكر (¬3) وغيرها، وقد أشرنا إليه. ¬

_ (¬1) في "زاد المعاد" (2/ 43 - 45). (¬2) في "فتح الباري" (4/ 120). (¬3) (ص 106 - 107).

الخامس: 5 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - يرفعه قال: مَنْ صَامَ الأَبَدَ فَلاَ صَامَ وَلَا أَفْطَرَ. أخرجه النسائي (¬1). [صحيح] حديث (ابن عمر) من هنا ترجم ابن الأثير (¬2) لها بالأيام التي [41 ب] يكره صومها وعدها صوم الدهر، وصوم أواخر شعبان، وصوم يوم عرفة بعرفة، وصوم الجمعة، والسبت والمصنف ترجم للجميع بالتحريم كما عرفت. قوله: "من صام الأبد فلا صام ولا أفطر". ذكره - صلى الله عليه وسلم - جواباً لمن قال: أرأيت من صام الدهر؟ والحديث مفهومه: أنَّه سواء فطره وصومه لا يثاب عليه، ولا يعاقب، وهو غير مراد؛ لأنَّه جواب السؤال عن صوم الدهر، فإنَّ هذا غير صحيح؛ لأنَّ العبادة لا تكون متساوية الطرفين (¬3) لا استحباب فيه، ولا كراهة، بل إمَّا أن تكون راجحة أو مرجوحةً، فالمراد من الحديث النهي عن صوم الدهر، وقيل: معناه: الدعاء على من صام الدهر بأنَّه لا صام، ولا أفطر، وهو في قوة الدعاء عليه بعدم الحياة، ولا يدعو - صلى الله عليه وسلم - بذلك إلاَّ على فاعل المحرم. قوله: "أخرجه النسائي". قلت: وأخرجه الترمذي (¬4) من حديث أبي قتادة: قيل: يا رسول الله! كيف بمن صام الدهر؟ قال: "لا صام ولا أفطر، أو لم يصم، ولم يفطر". ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (2376)، وهو حديث صحيح. (¬2) في "الجامع" (6/ 352). (¬3) انظر: "فتح الباري" (4/ 223). و"إحكام الأحكام" (2/ 239). (¬4) في "السنن" رقم (767). =

قال أبو عيسى (¬1): حديث أبي قتادة حديث حسن. السادس: حديث أبي هريرة: 6 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قَالَ رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ فَلَا تَصُوْمُوا". أخرجه أبو داود (¬2)، وهذا لفظه والترمذي (¬3). [صحيح] قوله: "- صلى الله عليه وسلم -: إذا انتصف شعبان فلا تصوموا". يفيد تحريم (¬4) الصيام في النصف الآخر من شعبان إنْ صح الحديث (¬5). قال ابن رجب: إنّه اختلف العلماء في صحة هذا الحديث، ثم في العمل به. ¬

_ = وأخرجه أحمد (5/ 296 - 297، 299)، ومسلم رقم (196/ 1162)، وأبو داود رقم (2425)، والنسائي رقم (2387)، والحاكم (1/ 435)، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي، وابن خزيمة رقم (2150)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (3/ 78)، وعبد الرزاق في "المصنف" رقم (7865). وهو حديث صحيح. (¬1) في "السنن" (3/ 139). (¬2) في "السنن" (2337). (¬3) في "السنن" رقم (738)، وقال: هذا حديث حسن صحيح. وأخرجه النسائي في "الكبرى" رقم (2923)، وابن ماجه رقم (1651)، وابن حبان في صحيحه رقم (3589). وهو حديث صحيح. (¬4) قال جمهور العلماء يجوز الصوم تطوعاً بعد النصف من شعبان، وضعفوا الحديث الوارد في النهي عنه. انظر: "المغني" (4/ 327)، "فتح الباري" (4/ 231). (¬5) وهو حديث صحيح.

فأمَّا تصحيحه فصححه غير واحد منهم الترمذي (¬1)، وابن حبان (¬2)، والحاكم (¬3)، والطحاوي (¬4)، وابن عبد البر (¬5)، وتكلم فيه من هو أكبر من هؤلاء وأعلم، وقالوا: هو حديث منكر منهم عبد الرحمن بن مهدي، وأبو زرعة الرازي، والإمام أحمد، والأثرم، وقال: أحمد لم يرو العلاء حديثاً أنكر منه، ورده لحديث: "لا تقدموا رمضان بصوم يومٍ أو يومين". ومفهومه: جواز التقدم بأكثر من يومين. قلت: هذا مفهوم لا يقاوم النهي المنطوق، ولا يرد به، ثم قال ابن رجب: وقال الأثرم: الأحاديث كلها تخالفه، يشير إلى أحاديث صيام النبي - صلى الله عليه وسلم - شعبان كله ووصله [42 ب] برمضان ونهيه عن التقدم لرمضان بيوم أو يومين، فصار الحديث حينئذٍ شاذاً مخالفاً للأحاديث الصحيحة. قلت: هذا من تعارض الفعل والقول، والقول أرجح، إِذْ الفعل يحتمل الخصوصية، وقال: قال الطحاوي: هو منسوخ. وحكى الإجماع على ترك العمل به وأخذ به آخرون منهم الشافعي (¬6) وأصحابه، ونهوا عن ابتداء التطوع بالصوم بعد نصف لمن ليس له عادة. انتهى. ¬

_ (¬1) في "السنن" (3/ 115). (¬2) في "صحيحه" رقم (3589). (¬3) لم أجده. (¬4) في "شرح معاني الآثار" (2/ 83). (¬5) في "الاستذكار" (10/ 238 - 239). (¬6) انظر: "المجموع شرح المهذب" (6/ 453 - 454).

قلت: وقال الترمذي (¬1): إِنَّه حسن صحيح، لا نعرفه إلاَّ من هذا الوجه على هذا اللفظ. ومعنى هذا الحديث عند بعض أهل العلم: أن يكون الرجل مفطراً، فإذا بقي شيء من شعبان أخذ في الصوم بحيال شهر رمضان، انتهى. قوله: "أخرجه أبو داود والترمذي". قلت: كان عليه أن يقول: وصححه كما تقدم له مراراً. السابع: حديث أبي هريرة: 7 - وعنه - رضي الله عنه - قال: قَالَ رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يَتَقَدَّمَنَّ أَحَدُكُمْ رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ رَجُلاً كَانَ يَصُومُ صَوْمَاً فَلْيَصُمْهُ". أخرجه الخمسة (¬2). [صحيح] قوله: "لا يتقدّمنَّ أحدكم رمضان بصوم يومٍ أو يومين". فيه دليل على أنَّه لا يصام يوم الشك؛ لأنَّه ليس من رمضان. "إلاَّ أن يكون" أي: الصائم. "رجلاً كان يصوم صوماً فليصمه". كأن تكون عادته صيام الإثنين فاتفق أنَّه كان قبل رمضان بيومٍ أو يومين، فلا بأس بصيامه. [قوله] (¬3): "أخرجه الخمسة". الثامن: حديث أبي هريرة: 8 - وعنه أيضاً - رضي الله عنه - قال: "نَهَى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ بِعَرَفَةَ". أخرجه أبو داود (¬4). [ضعيف] ¬

_ (¬1) في "السنن" (3/ 115). (¬2) أخرجه البخاري رقم (1914)، ومسلم رقم (21/ 1082)، وأبو داود رقم (2327)، والترمذي رقم (684)، والنسائي رقم (2173)، وابن ماجه رقم (1650). وهو حديث صحيح. (¬3) سقطت من (أ. ب). (¬4) في "السنن" (2440). =

قوله: "نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن صوم يوم عرفة بعرفة". قال الحافظ المنذري (¬1): اختلف (¬2) في صوم يوم عرفة بعرفة، قال ابن عمر: لم يصم النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا أبو بكر، ولا عمر، ولا عثمان، وأَنا لا أصومه، وكان مالك، والثوري يختاران الفطر، وكان ابن الزبير، وعائشة يصومان يوم عرفة, وري ذلك عن عثمان بن أبي العاص، وكان إسحاق يميل إلى الصوم، وكان عطاء يقول: أصوم في الشتاء ولا أصوم في الصيف. وقال قتادة: لا بأس به إذا لم يضعف من الدعاء، وقال أحمد بن حنبل (¬3): إن قدر على أن يصوم صام، وإن أفطر فذلك يوم يحتاج فيه إلى القوة. انتهى. قلت: وكأنَّهم حملوا النهي على [43 ب] الكراهة. قوله: "أخرجه أبو داود". قلت: قال المنذري (¬4): وأخرجه النسائي (¬5) وابن ماجه (¬6)، وفيه مهدي الهجري، قال ابن معين (¬7): لا أعرفه، قال الخطابي (¬8): هذا نهي استحباب، لا نهي إيجاب. انتهى. وهو الذي أشرنا إليه. ¬

_ = وأخرجه أحمد (2/ 446)، وابن ماجه رقم (1732)، والنسائي في "الكبرى" رقم (2843)، وابن خزيمة رقم (2101)، والحاكم في "المستدرك" (1/ 434)، والبيهقي (4/ 284). وهو حديث ضعيف وقد تقدم. (¬1) في "مختصر السنن" (3/ 321 - 322). (¬2) انظر: "المجموع شرح المهذب" (6/ 432). (¬3) انظر: "المغني" (4/ 444 - 445). (¬4) في "مختصر السنن" (3/ 321). (¬5) في "السنن الكبرى" رقم (2843). (¬6) في "السنن" رقم (1732). (¬7) انظر: "الميزان" (4/ 195). (¬8) في "معالم السنن" (2/ 816 - مع السنن).

التاسع: حديث أبي هريرة: 9 - وعنه - رضي الله عنه - قال: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يَصُومَنَّ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الجُمُعَةِ إِلاَّ أَنْ يَصُومَ يَوْمًا قَبْلَهُ, أَوْ يَوْماً بَعْدَهُ". أخرجه الخمسة (¬1) إلا النسائي، وهذا لفظ البخاري. [صحيح] قوله: "- صلى الله عليه وسلم -: "لا يصومنَّ أحدكم يوم الجمعة إلاَّ أنْ يصوم يوماً قبله أو يوماً بعده". فالنهي عن إفراده بالصوم (¬2)، ولعلَّ العلّة أنَّه عيد الأسبوع، فكما يشرع الإفطار في أعياد السنة، وإن كان واجباً فيها، فيشرع في الجمعة - أيضاً - إفراده، ولا يبعد إيجابه كالعيدين، وأنَّ النَّهي للتحريم بخلاف إذا دخل في صوم ما قبله أو ما بعده فلا يحرم. قوله: "أخرجه الخمسة إلاَّ النسائي وهذا لفظ البخاري". - وفي رواية لمسلم (¬3): "لاَ تَخُصُّوا لَيْلَةَ الجُمُعَةِ بِقِيَامٍ مِنْ بَيْنِ اللَّيَالِي، وَلاَ تَخُصُّوا يَوْمَ الجُمُعَةِ بِصِيَامٍ مِنْ بَيْنِ الأَيَّامِ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ فِي صَوْمٍ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ". [صحيح] قوله: "وفي رواية لمسلم" أي: عن أبي هريرة مرفوعة. "لا تخصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي، ولا تخصوا يوم (¬4) الجمعة بصيام من بين الأيام إلاَّ أنْ يكون" الصيام. "في صومٍ يصومه أحدكم". لا أنَّه خص به يوم الجمعة، ويقال: في قيام الليل فيها كذلك، وكان النهي عن القيام فيها بخصوصها أنَّه يضعف القائم عن عبادة الجمعة والإتيان إليها بالتبكير، وزيارة الأرحام، وزيارة الموتى، فإنَّه يومٌ شُرع فيه ذلك. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (1985)، ومسلم رقم (147/ 1144)، وأبو داود رقم (2420)، الترمذي رقم (743)، وابن ماجه رقم (1723). وهو حديث صحيح. (¬2) انظر: "فتح الباري" (4/ 234)، "المحلى" (7/ 21)، "المجموع شرح المهذب" (6/ 481). (¬3) في "صحيحه" رقم (148/ 1144). (¬4) انظر: "فتح الباري" (4/ 235)، "زاد المعاد" (2/ 81 - 82).

العاشر: 10 - وعن عبد الله بن بسر السلمي عن أخته الصماء - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تَصُومُوا يَوْمَ السَّبْتِ إِلاَّ فِيمَا افْتُرِضَ عَلَيْكُمْ، فَإنَّ لَمْ يَجِدْ أَحَدُكُمْ إِلاَّ لِحَاءَ عِنَبَةٍ، أَوْ عُودَ شَجَرَةٍ فَلْيَمْضُغْهُ". أخرجه أبو داود (¬1)، وقال: إنه حديث منسوخ، والترمذي (¬2) وحسنه. [صحيح] "لِحَاءُ العِنَبَةِ". قشرها. حديث "عبد الله بن بُسر" (¬3) بضم الموحدة, وسكون السين المهملة، وهو ابن أبي بسر المازني السلمي صحابي ابن صحابي، وعبد الله بن بسر هذا وأبوه بسر وأخوه عطية بن بسر، وأخته الصماء بنت بسر كلّهم صحبوا النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم -. "عن أخته الصماء" بفتح الصاد المهملة وتشديد الميم والمد. قوله: "لا تصوموا يوم السبت إلاَّ فيما افترض الله عليكم". قال الترمذي (¬4): معنى الكراهة في هذا أن يَخُصَّ الرجلُ يوم السبت بصيام؛ لأنَّ اليهود يعظمون يوم السبت. انتهى. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (2421). (¬2) في "السنن" رقم (744)، وقال: هذا حديث حسن. وأخرجه أحمد (6/ 368)، وابن ماجه رقم (1726)، والدارمي (2/ 19)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (2/ 80)، وابن خزيمة رقم (2162)، والحاكم (1/ 435)، البيهقي (4/ 302)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (1806) من طرق. وهو حديث صحيح. والله أعلم. (¬3) انظر: "التقريب" (1/ 404 رقم 204). (¬4) في "السنن" (3/ 120).

"فإنْ لم يجد أحدكم إلاَّ لحاء عنبة" اللحاءُ - بكسر اللام وبالحاء المهملة ممدود - هو القشر. "أو عود شجرة فليمضغه". اعلم أنه قد عارضه ما أخرجه أحمد في "المسند" (¬1) والنسائي (¬2) عن كريب مولى ابن عباس قال: "أرسلني ابن عباس وناس من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أمّ سلمة أسألها: أيّ الأيام كان رسول الله أكثر لها صياماً؟ قالت: يوم السبت والأحد، ويقول إنهما [44 ب] عيد المشركين، فأنا أحب أن أخالفهم". قال ابن القيم (¬3): في صحة هذا الحديث نظر؛ لأنَّه من رواية محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب، وقد استُنْكَر بعض حديثه، وقد قال عبد الحق في "أحكامه" عن ابن جريج عن عباس بن عبد الله بن عباس عن عمه الفضل، "زار النبي - صلى الله عليه وسلم - عباساً في بادية له" قال: إسناده ضعيف. قال ابن القطان: هو كما ذكر ضعيف، ولا يعرف حال محمد بن عمر، وذكر حديثه هذا عن أم سلمة في صوم السبت والأحد، وسكت عنه عبد الحق مصححاً له، ومحمد بن عمر لا يعرف حاله، وبراويه عبد الله بن محمد بن عمر، ولا يعرف حاله - أيضاً - والحديث أراه حسناً، والله أعلم. ¬

_ (¬1) في "المسند" (6/ 323 - 324). (¬2) في "السنن الكبرى" (3/ 209 - 213) رقم (2772 - 2785). وأخرجه البيهقي (2/ 303)، وابن حبان رقم (3616، 3646)، والحاكم (1/ 436)، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. وابن خزيمة رقم (2167)، والطبراني في "الكبير" (ج 23 رقم (616)، و (964) بإسناد حسن. (¬3) في "زاد المعاد" (2/ 75).

وقد روى الإمام أحمد (¬1) وأبو داود (¬2) عن عبد الله بن بسر، وذكر حديث الكتاب، ثم قال ابن القيم (¬3): فاختلف الناس في هذين الحديثين، فقال مالك (¬4): هذا كذب يريد حديث عبد الله بن بسر ذكره عنه أبو داود. وقال الترمذي (¬5): هو حديث حسن، وقال أبو داود (¬6): هذا حديث منسوخ، وقال النسائي: هو حديث مضطرب. وقال جماعة من أهل العلم: لا تعارض بينه وبين حديث أم سلمة، فإنَّ النهي عن صومه إنما هو عن إفراده، وعلى ذلك ترجم أبو داود (¬7) فقال: باب النهي أن يخص يوم السبت بصوم، وحديث صيامه إنما هو مع الأحد قالوا: ونظير هذا أنه نهى عن إفراد يوم الجمعة بالصوم إلاَّ أنْ يصوم يوماً قبله أو يوماً بعده. وبهذا يزول الإشكال الذي ظنَّه من قال: أنَّ صومه نوع تعظيم له فهو موافقة لأهل الكتاب وتعظيمه وإن تضمن مخالفتهم في صومه، فإنَّ التعظيم إنما يكون إذا أُفرد بالصوم، ولا ريب أنَّ الحديث لم يجيء بإفراده، وأمَّا إذا صامه مع غيره لم يكن معه تعظيم. انتهى كلام ابن القيم (¬8). ¬

_ (¬1) في "المسند" (6/ 368). (¬2) في "السنن" رقم (2421). (¬3) في "تهذيب السنن" (3/ 120). (¬4) ذكره أبو داود في "السنن" (2/ 807). (¬5) (3/ 120). (¬6) في "السنن" (2/ 807). (¬7) في "السنن" (2/ 805 الباب رقم 15). (¬8) في "زاد المعاد" (2/ 75 - 77).

سنن الصوم

قوله: "أخرجه أبو داود وقال: إنَّه حديث منسوخ والترمذي وحسنه. (لحاء العنبة): قشرها". قلت: قال المنذري (¬1): إنَّ الصماء أخت بسر، ورُويَ هذا الحديث من حديث عبد الله ابن بسر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومن حديث الصماء عن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وقال النسائي (¬2): هذه أحاديث [45 ب] مضطربة، انتهى. قلت: لم لا يقال حديث بسر وعبد الله والصماء - صحابة - أنَّهم سمعوه (¬3) كلهم، وأنَّ الصماء سمعته منه - صلى الله عليه وسلم - أو من عائشة. وجملة الأيام التي عدّها في هذه الأحاديث أنه يحرم صومها عشرة أيام. سنن الصوم لو قدمها قبل محرمات الصوم كان أولى، ولكن هذا صنيع ابن الأثير (¬4) ولكنه زاد في الترجمة: وجائزاته ومكروهاته. الحديث الأول: حديث أنس: 1 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قَالَ رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "تَسَحَّرُوا، فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةٍ". أخرجه الخمسة (¬5) إلا أبا داود. [صحيح] ¬

_ (¬1) في "في مختصر السنن" (3/ 299 - 300). (¬2) في "السنن الكبرى" (2/ 143). (¬3) انظر: "التلخيص" (2/ 414). (¬4) في "الجامع" (6/ 361). (¬5) أخرجه البخاري رقم (1923)، ومسلم رقم (40/ 1095)، والترمذي رقم (708)، والنسائي رقم (2146)، وابن ماجه رقم (1692). =

قوله: - صلى الله عليه وسلم -: "فإنَّ في السحور (¬1) بركة" - بفتح المهملة - ما يتسحر به، وبالضم الفعل، والبركة فيه لوجوه: اتباع السنة، ومخالفة أهل الكتاب، والتقوية على العبادة، والزيادة في النشاط، والتثبت في الذكر والدعاء وقت مظنة الإجابة، وتذكير النية لمن أغفلها قبل النوم (¬2). وعند أحمد (¬3): "السحور بركة، فلا تدعوه ولو أن يجرع أحدكم جرعة من ماء، فإنَّ الله وملائكته يصلون على المتسحرين"، ولسعيد بن منصور (¬4): "تسحروا ولو بلقمة". ¬

_ = وأخرجه أحمد (3/ 99، 215، 229، 243، 258، 281)، وابن الجارود رقم (383)، وأبو نعيم في "الحلية" (3/ 35)، (6/ 339)، وعبد الرزاق في "مصنفه" رقم (7598)، وابن خزيمة رقم (1937)، والطيالسي رقم (882 - منحة)، والطبراني في "الصغير" رقم (60 - الروض الداني)، والدولابي في "الكنى" (1/ 120)، وأبو يعلى رقم (93/ 2848)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (4/ 236)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (1727)، والدارمي (2/ 6)، والقضاعي في "مسند الشهاب" (1/ 395 رقم 677)، والبزار رقم (976 - كشف) من طرق كثرة عنه. وهو حديث صحيح. (¬1) قال ابن الأثير في "النهاية" في غريب الحديث (1/ 759): السحور، هو بالفتح: اسم ما يتسحر به من الطعام والشراب، وبالضم، المصدر، والفعل نفسه, وأكثر ما يروى بالفتح، وقيل: إن الصواب، بالضم؛ لأنه بالفتح الطعام، والبركة والأجر والثواب في الفعل لا في الطعام. انظر: "غريب الحديث" للخطابي (3/ 253). "المجموع المغيث" (2/ 66). (¬2) انظر: "فتح الباري" (4/ 140). (¬3) في "المسند" (3/ 12) بإسناد ضعيف. وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (3/ 150) وقال: رواه أحمد وفيه أبو رفاعة, ولم أجد من وثقه ولا جرحه, وبقية رجاله رجال الصحيح. وهو حديث صحيح لغيره. والله أعلم. (¬4) ذكره الحافظ في "الفتح" (4/ 140).

قوله: "أخرجه الخمسة إلاَّ أبا داود". الثاني: حديث عمرو بن العاص: 2 - وعن عمرو بن العاص - رضي الله عنه - قال: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "فَصْلُ مَا بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الكِتَابِ أَكْلَةُ السَّحَرِ". أخرجه الخمسة (¬1) إلا البخاري. [صحيح] قوله: - صلى الله عليه وسلم -: "فصل" أي: فرق "ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر". فإنّهم لا يتسحرون، وهو عام لليهود والنصارى، والأحاديث تقتضي وجوب التسحر، ولو بجرعة من ماء. قوله: "أخرجه الخمسة إلاَّ البخاري". الثالث: حديث زيد بن ثابت: 3 - وعن زيد بن ثابت - رضي الله عنه - قال: تَسَحَّرْنَا مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ قُمْنَا إِلَى الصَّلاَةِ، قِيْلَ: كَمْ كَانَ بَيْنَ ذَلِكَ؟ قَالَ: "قَدْرُ خَمْسِينَ آيَةً". أخرجه الخمسة إلا أبا داود (¬2). [صحيح] ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم رقم (46/ 1096)، وأبو داود رقم (2343)، والترمذي رقم (709)، والنسائي رقم (2166). وأخرجه أحمد (4/ 197)، وابن خزيمة رقم (1940)، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" رقم (477)، وابن حبان رقم (3477)، والبيهقي (4/ 236)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (1729)، وعبد بن حميد رقم (293)، والدارمي رقم (1739)، وعبد الرزاق في "المصنف" رقم (7602)، والخطيب في "تاريخه" (7/ 264)، من طرق عنه. وهو حديث صحيح. (¬2) أخرجه البخاري رقم (1921)، ومسلم رقم (47/ 1097)، والترمذي رقم (703)، والنسائي رقم (2155). وهو حديث صحيح.

وهو في بيان وقت التسحر، وجعله ابن الأثير نوعان، فقال: النوع الثاني: في وقته وتأخيره وذكر ما هنا (¬1). قوله: "ثم قمنا إلى الصلاة" أي: صلاة الفجر. "قيل: كم بين ذلك؟ ". أي: المذكور من أكلة السحر والصلاة. "قال: قدر خمسين" أي: قدر تلاوتها، ولفظه عند الترمذي (¬2): "قدر قراءته خمسين آية". قوله: "أخرجه الخمسة إلاَّ أبا داود". الرابع: حديث سهل بن سعد: 4 - وعن سهل بن سعد - رضي الله عنه - قال: كُنْتُ أَتَسَحَّرُ فِي أَهْلِي، ثُمَّ تَكُونُ بِي سُرْعَةٌ أَنْ أُدْرِكَ صَلاَةَ الفَجْرِ مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -. أخرجه البخاري (¬3). [صحيح] قوله: "ثم تكون بي سرعة أن أدرك صلاة الفجر مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -". هو من أدلة أنَّ الصحابة - أيضاً - كانوا يؤخرون التسحر. الخامس: 5 - وعن زرّ بن حبيش قال: قُلْنَا لِحُذَيْفَةَ: أَيَّ سَاعَةٍ تَسَحَّرْتَ مَعَ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم -؟ قَالَ: هُوَ النَّهَارُ، إِلاَّ أَنَّ الشَّمْسَ لَمْ تَطْلُعْ. أخرجه النسائي (¬4). [إسناده حسن] حديث "زرِّ (¬5) بن حُبيش" [46 ب]. ¬

_ (¬1) في "الجامع" (6/ 314). (¬2) في "السنن" رقم (703). (¬3) في "صحيحه" رقم (1920). (¬4) في "السنن" رقم (2152) بإسناد حسن. (¬5) انظر: "التقريب" (1/ 259 رقم 33).

وهو بكسر الزاي فراءٌ، وحبيش بمهملة أوله فموحدة آخره معجمة مصغر حبش (¬1). قوله: "هو النهار، إلاَّ أنَّ الشمس لم تطلع". قلت: عقد له النسائي (¬2) باباً، فقال: باب تأخير السحور، وذكر الاختلاف على زرّ فيه، وذكر هذا الحديث (¬3)، وفي سنده عاصم وهو ابن أبي النجود - بنون وجيم - الأسدي مولاهم الكوفي أبو بكر المقري صدوق له أوهام، حجة في القراءة، وحديثه في الصحيحين مقرون (¬4). انتهى. يريد أنَّهما خرجا له مقروناً بغيره وهو دليل أنه يهم، ثم ذكر له النسائي (¬5) طريقين ليس فيهما أحداهما بلفظ: "إنَّ زراً قال: تسحرت مع حذيفة ثم خرجنا إلى الصلاة, فلما أتينا المسجد صلينا ركعتين، فأُقيمت الصلاةُ وليس بينهما إلاَّ هنيهةٌ". ولفظ الطريق الثاني: "تسحرتُ مع حذيفةَ ثم خرجنا إلى المسجد فصلَّينا ركعتي الفجر، ثم أقيمت الصلاة فصلَّينا". انتهى. فالطريقان الآخرتان الأخذ بهما متعين، وهما بمعنى. قوله: "أخرجه النسائي". قلت: كما سمعته فيما سقناه من طرقه. السادس: حديث طلق بن علي: ¬

_ (¬1) وهو زر بن حبيش بن حباشة الأسدي الكوفي، أبو مريم، ثقة جليل، مخضرم، مات سنة إحدى أو اثنتين وثمانين. (¬2) في "السنن" (4/ 142 الباب رقم 142). (¬3) برقم (2152). (¬4) قاله ابن حجر في "التقريب" (1/ 383 رقم 3). (¬5) في "السنن" رقم (2153، 2154).

6 - وعن طلق بن علي - رضي الله عنه - قال: قَالَ رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "كُلُوا، وَاشْرَبُوا، وَلاَ يَهِيدَنَّكُمُ السَّاطِعُ المُصْعِدُ حَتَّى يَعْتَرِضَ لَكُمُ الأَحْمَرُ". أخرجه أبو داود (¬1) والترمذي (¬2). [حسن] قوله: "ولا يهيدنَّكم". يقال: هدته أهيده: إذا أزعجته. وأصل الهِيد - بالكسر الحركة لا يزعجكم عن الأكل والشرب (¬3). "الساطع المصعد" في "النهاية" (¬4): يعني الصبح الأول: المستطيل يقال: سطع الصبح يسطع فهو ساطع أول ما ينشق مستطيلاً. انتهى. قوله: "الأحمر". هو المستطير - بالراء - في "النهاية" (¬5) الفجر المستطير: هو الذي انتشر ضوءه فاعترض في الأفق، بخلاف المستطيل. قوله: "أخرجه أبو داود والترمذي". قلت: وقال (¬6): حديث طلق بن علي حديث حسن غريب من هذا الوجه، والعمل على هذا عند أهل العلم، أنه لا يحرم على الصائم الأكل والشرب حتى يكون الفجر الأحمر المعترض، وبه يقول عامة أهل العلم. انتهى. وللشيخين (¬7) عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: هُوَ المُعْتَرِضُ، وَلَيْسَ بِالمُسْتَطِيلِ. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (2348). (¬2) في "السنن" رقم (705). وهو حديث حسن. (¬3) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (6/ 371): هدتُ الشيء: إذا حركته وأقلقته، يقول: لا تنزعجن للفجر المستطيل، فإنه الصبح الكذَّاب، فلا تمتنعوا به عن الأكل والشرب. (¬4) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 776). وانظر: "الفائق" للزمخشري (2/ 178). (¬5) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 134). (¬6) أي: الترمذي في "السنن" (3/ 86). (¬7) البخاري في "صحيحه" رقم (621، 5298، 7247)، ومسلم رقم (40/ 1093) واللفظ له.

"لَا يَهِيدَنَّكُم" (¬1) أي: لا يزعجكم الفجر المستطيل، فإنه الصبح الكذَّاب، فلا تمتنعوا به عن الأكل والشرب. والمصنف قد فسر ذلك كما تراه بأنَّه الفجر الكذَّاب. السابع: حديث أبي هريرة [47 ب]: 7 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا سَمِعَ أَحَدُكُمُ النِّدَاءَ وَالإِنَاءُ عَلَى يَدهِ فَلاَ يَضَعْهُ حَتَّى يَقْضِي حَاجَتَهُ". أخرجه أبو داود (¬2). [حسن] قوله: - صلى الله عليه وسلم -: "إذا سمع أحدكم النداء": أذان الفجر. "والإناءُ": إناء طعامٍ أو شراب. "فلا يدعه" (¬3): يترك الإناء لأجل النداء. "حتى يقضي منه حاجته". أكلاً وشرباً، قال العلماء: معناه: إذا سمع النداء وهو مشك في الصبح. وقد صرح الدارمي (¬4) والماوردي (¬5) أنَّه لا يحرم على الشاك الأكل؛ لقوله: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} (¬6). انتهى. ¬

_ (¬1) تقدم شرحها. (¬2) في "السنن" رقم (2350)، وهو حديث حسن. وأخرجه أحمد في "المسند" (2/ 424)، والدارقطني (2/ 165)، والحاكم (1/ 203)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (4/ 218). (¬3) كذا في الشرح، والذي في "سنن أبي داود" فلا يضعه، واللفظ الذي ذكره الشارح عند أحمد في "المسند" (2/ 424). (¬4) لم أقف عليه, انظر سنن الدارمي (1/ 430 - 431). (¬5) انظر: "الحاوي الكبير" (3/ 443 - 444). (¬6) سورة البقرة الآية: (187).

وقت الإفطار

وقال البيهقي (¬1): هو محمول عند عوام أهل العلم على أنَّه قد علم أنَّ المنادى كان ينادي قبل طلوع الفجر بحيث يتسع شربه قبل طلوع الفجر. انتهى. قوله: "أخرجه أبو داود". قلت: وترجم (¬2) له باب الرجل يسمع النداء والإناء على يده. ولم يتكلم المنذري عليه في "مختصر السنن" (¬3). وقت الإفطار الأول: حديث عمر: 1 - عن عمر - رضي الله عنه - قال: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَا هُنَا، وَأَدْبرَ النَّهَارُ مِنْ هَا هُنَا، وَغَرَبَتِ الشَّمْسُ، فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ". أخرجه الخمسة (¬4) إلا النسائي. [صحيح] قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أقبل الليل من ها هنا" أي: من جهة المشرق، والمراد وجود الظلمة (¬5) حساً من جهة المشرق. "وأدبر النهار من ها هنا" من جهة المغرب. ¬

_ (¬1) في "السنن الكبرى" (4/ 219). (¬2) في "السنن" (2/ 761 الباب رقم 18). (¬3) (3/ 233). (¬4) أخرجه البخاري رقم (1954)، ومسلم رقم (51/ 1100)، وأبو داود رقم (2351)، والترمذي رقم (698). وهو حديث صحيح. (¬5) أخرج البخاري في "صحيحه" رقم (1956) من حديث عبد الله أبي أوفى وفيه: " ... وأشار بإصبعه قبل المشرق".

"وغربت الشمس" قال في "الفتح" (¬1): ذكر في هذا الحديث ثلاثة أمور، وإن كانت متلازمة في الأصل، لكنها قد تكون في الظاهر غير متلازمة، فقد يظنّ إقبال الليل من جهة المشرق، ولا يكون إقباله حقيقةً بل لوجود أمر يغطي ضوء الشمس، وكذلك إدبار النهار، فمن [ثمة] (¬2) قيد بقوله: "غربت الشمس" إشارة إلى اشتراط تحقق الإقبال والإدبار، وأنَّهما بواسطة غروب الشمس لا بسبب آخر. قوله: "فقد أفطر الصائم" أي: دخل في وقت الفطر، كما يقال: أنجد إذا أقام بنجد، وأتهم إذا أقام بتهامة، ويحتمل أن يكون معناه فقد صار مفطراً في الحكم لكون الليل ليس ظرفاً للصيام الشرعي (¬3). وردَّ ابن خزيمة (¬4) هذا الاحتمال فقال: قوله: "فقد أفطر الصائم". لفظه خبر، ومعناه الأمر أي: فليفطر الصائم (¬5)، ولو كان المراد فقد صار مفطراً لكان فطر جميع الصوام واحداً، ولم يكن الترغيب في تعجيل الإفطار حسناً لتوافق الأمر الشرعي [48 ب]. انتهى. قوله: "أخرجه الخمسة إلاَّ النسائي". وترجم له البخاري (¬6) باب: متى يحل يفطر الصائم. ¬

_ (¬1) (4/ 196). (¬2) في (أ. ب) ثمة وما أثبتناه من "الفتح". (¬3) ذكره الحافظ في "الفتح" (4/ 197). (¬4) في "صحيحه" (3/ 274). (¬5) قال الحافظ في "الفتح" (4/ 197)، ويرحج الأول أيضاً رواية شعبة أيضاً بلفظ: "فقد حل الإفطار". (¬6) في "صحيحه" (4/ 196 الباب رقم 43 - مع الفتح).

تعجيل الفطر

قال عليه ابن حجر (¬1): غرض هذه الترجمة الإشارة إلى أنَّه هل يجب إمساك جزء من الليل لتحقق مضي النهار أم لا؟. الثاني: 2 - وعن حميد بن عبد الرحمن: أَنَّ عُمَرَ وَعُثْمَانَ - رضي الله عنهما -: كَانَا يُصَلِّيَانِ المَغْرِبَ حِينَ يَنْظُرَانِ إِلَى اللَّيْلِ الأَسْوَدِ قَبْلَ أَنْ يُفْطِرَا، ثُمَّ يُفْطِرَانِ بَعْدَ الصَّلاَةِ، وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ. أخرجه مالك (¬2). [موقوف ضعيف] حديث "حميد بن عبد الرحمن (¬3) " هو أبو عبد الرحمن، ويقال: أبو إبراهيم حميد بن عبد الرحمن بن عوف الزهري القرشي المدني، من كبار التابعين، سمع عثمان، وأبا هريرة، وغيرهما. قوله: "إنَّ عمر وعثمان كانا يصليان المغرب حين ينظران إلى الليل الأسود قبل أن يفطرا ثم يفطران بعد الصلاة وذلك في رمضان). الذي في الهدي النبوي (¬4): "أنَّه - صلى الله عليه وسلم - كان يفطر قبل أنْ يصلي" لم يذكر عنه غير ذلك، وكأنَّه ما عرف هذان الصحابيان ذلك من فعله - صلى الله عليه وسلم - لأنَّه إذا دخل الليل كان وقتاً لتعجيل الإفطار، وإلاَّ لم تصح الصلاة. قوله: "أخرجه مالك". تعجيل الفطر جعل ابن الأثير (¬5) هذا نوعاً ثانياً، والأول نوعاً أولاً. الأول: حديث سهل بن سعد: ¬

_ (¬1) في "الفتح" (4/ 196). (¬2) في "الموطأ" (1/ 289 رقم 8) وهو أثر موقوف ضعيف. (¬3) انظر: "التقريب" (1/ 203 رقم 603). (¬4) في "زاد المعاد" (2/ 48). (¬5) في "الجامع" (6/ 374).

1 - عن سهل بن سعد - رضي الله عنه - قال: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الفِطْرَ".أخرجه الثلاثة (¬1) والترمذي (¬2). [صحيح] قوله: "لا يزال الناس بخير". من اتباع السنة وغيرها "ما عجلوا الفطر". زاد أحمد (¬3): "وأخروا السحور"، وزاد أبو داود (¬4) وابن خزيمة (¬5): "لأنَّ اليهود والنصارى يؤخرون الإفطار"، ومعناه لا تزال أُمتي منتظماً أمرها وهم بخير (¬6) ما داموا محافظين على هذه السنة، فإذا أخروه كان ذلك علامة على فساد يقعون فيه, والمراد الإفطار بعد تحقق الغروب. [قوله] (¬7): "أخرجه الثلاثة والترمذي". قلت: حديث (¬8) سهل بن سعد حديث حسن صحيح، وهو الذي اختاره أهل العلم ¬

_ (¬1) البخاري في "صحيحه" رقم (1957)، ومسلم رقم (48/ 1098)، ومالك في "الموطأ" (1/ 288 رقم 6). (¬2) في "السنن" رقم (699). وأخرجه أحمد (5/ 331)، وابن ماجه رقم (1697)، وابن حبان رقم (3510)، والحاكم (1/ 434)، وابن أبي شيبة (3/ 13)، وعبد الرزاق في "مصنفه" رقم (7592)، والدارمي (2/ 7)، وابن خزيمة رقم (2059)، والطبراني في "المعجم الكبير" رقم (5962)، وأبو نعيم في "الحلية" (7/ 136). وهو حديث صحيح. (¬3) في "المسند" (5/ 331). (¬4) في "السنن" رقم (2353)، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -. (¬5) في "صحيحه" رقم (2059). (¬6) انظر: "فتح الباري" (4/ 199). (¬7) سقطت من (أ. ب). (¬8) أي: قال الترمذي في "السنن" (3/ 82).

من أصحاب النَّبي - صلى الله عليه وسلم - وغيرهم، استحبُّوا تعجيل الفطر، وبه يقول الشافعي (¬1)، وأحمد (¬2) وإسحاق، انتهى. الثاني: 2 - وعن مالك (¬3): أنه سمع عبد الكريم بن أبي المخارق يقول: "من عمل النبوة تعجيل الفطر، والاستيناء بالسحور". [مقطوع صحيح] "الاستيناء" (¬4): التأني والتأخير. "وعن مالك: أنه سمع عبد الكريم بن أبي المخارق" بضم الميم فخاء معجمة [49 ب] آخره قاف. قال ابن حجر في "التقريب" (¬5): إنَّه أبو أمية المعلم البصري، نزل مكة، واسم أبيه قيس، وقيل: طارق. قوله: "يقول: من عَمَلِ النُّبوة: تعجيل الفطر والاستيناء بالسحور". بقوله الثاني والتأخير، ولا يخفى أنه كان الأولى أن يأتي المصنف عوض أثر ابن أبي المخارق بما في الجامع (¬6) من حديث أبي هريرة (¬7) قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قال الله - عز وجل -: أحب عبادي إليَّ أعجلهم فطراً". ¬

_ (¬1) "البيان" للعمراني (3/ 497 - 500). (¬2) "المغني" لابن قدامة (4/ 432). (¬3) في "الموطأ" (1/ 158 رقم 46) وهو أثر مقطوع صحيح. (¬4) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (1/ 85). (¬5) (1/ 516 رقم 1285). (¬6) (6/ 375 رقم 4555). (¬7) أخرجه أحمد (2/ 329)، والترمذي رقم (700). وهو حديث صحيح لغيره.

أخرجه الترمذي. قلت: وقال (¬1): حسن غريب، فإنَّه حديث قدسي مرفوع مفيد لأحبية الله لمن عجل الإفطار. الثالث: 3 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: "كانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يُفْطِرُ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّي عَلَى رُطَبَاتٍ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَعَلَى تَمَرَاتٍ, فَإِنْ لَمْ يَجِدْ حَسَا حَسَواتٍ مِنْ مَاء". أخرجه أبو داود (¬2) والترمذي (¬3) واللفظ له. [صحيح] "حديث أنس: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفطر قبل أن يصلي". هذا هو دليل صاحب الهدي (¬4). "على رطبات (¬5)، فإن لم يكن فعلى تمرات". قالوا: لأنَّ الطبيعة أوان خلو المعدة تقبل على الطعام أتم إقبال، فإذا كان الحلو أول ما يصل إلى المعدة ينتفع البدن بقبوله غاية الانتفاع على الخصوص القوة الباصرة، فإنَّ انتفاعها بالحلو يكون أنفع لها من سائر التقوى. ¬

_ (¬1) في "السنن" (3/ 83). (¬2) في "السنن" رقم (2356). (¬3) في "السنن" رقم (696). وأخرجه الدارقطني (2/ 185)، وأحمد (3/ 164)، والحاكم (1/ 432)، والبيهقي (4/ 239)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (1742). وهو حديث صحيح. (¬4) (2/ 48). (¬5) قال ابن القيم في "زاد المعاد" (2/ 48). وكان يحض على الفطر بالتمر، فإن لم يجد، فعلى الماء, هذا من كمال شفقته على أمته ونصحهم، فإن إعطاء الطبيعة الشيء الحلو مع خلو المعدة، أدعى إلى قبوله، وانتفاع القوى به, ولا سيما القوة الباصرة, فإنها تقوى به، وحلاوة المدينة التمر، ومرباهم عليه، وهو عندهم قوت، وأدم، ورطبة فاكهة. =

"فإنْ لم يجد" رطباً ولا تمراً. "حسا حسوات" (¬1) بحاء وسين مهملتين جمع حسوة بالفتح وهي المرة من الشراب والحسوة - بالضم - الجرعة من الشراب بقدر ما يُحسَى من ماء، زاد في رواية في الترمذي (¬2): "فإنَّه طهور" ولفظه عن سليمان بن عامر الضبي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر، فإن لم يجد فليفطر على ماء فإنَّه طهور". قال (¬3) الترمذي: حسن صحيح. قوله: "أخرجه أبو داود والترمذي واللفظ له". قلت: وقال (¬4): هذا حديث حسن غريب. الرابع: 4 - وعن معاذ بن زهرة قال: بَلَغَنِي أَنَّ رَسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كانَ إِذَا أَفْطَرَ قَالَ: "اللهمَّ لَكَ صُمْتُ, وَعَلَى رِزْقِكَ أَفْطَرْتُ". أخرجه أبو داود (¬5). [ضعيف] ¬

_ = وأما الماء، فإن الكبد يحصل لها بالصوم نوع يبس. فإذا رطبت بالماء، كمل انتفاعها بالغذاء بعده, ولهذا كان الأولى بالظمآن الجائع، أن يبدأ قبل الأكل بشرب قليل من الماء، ثم يأكل بعده, هذا مع ما في التمر والماء من الخاصية التي لها تأثير في صلاح القلب لا يعلمها إلا أطباء القلوب. (¬1) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (1/ 378). (¬2) في "السنن" (3/ 79 بإثر الحديث رقم 695). (¬3) في "السنن" (3/ 79). (¬4) في "السنن" (3/ 79). (¬5) في "السنن" رقم (2358)، وهو حديث ضعيف. والله أعلم. قال المنذري في "مختصر السنن" (3/ 233): هذا مرسل.

حديث "معاذ بن زهرة" ويقال: أبو زهرة في "التقريب" (¬1): مقبول من الثالثة أرسل حديثاً فوهم من ذكره في الصحابة. قوله: "قال: اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت". جعل ابن الأثير (¬2) الدعاء عند الإفطار نوعاً مستقلاً. قوله: "أخرجه أبو داود" قال المنذري (¬3): مرسلاً. الخامس: 5 - وعن مروان بن سالم عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: "كان النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ إِذا أَفطَرَ: ذَهَبَ الظَّمَأُ، وَابْتَلَّتِ العُرُوقُ، وَثَبَتَ الأَجْرُ إِنْ شَاءَ الله تَعَالَى". أخرجه أبو داود (¬4). [حسن] وزاد رزين في أوله: "الحَمْدُ لله". حديث "مروان بن سالم (¬5) [50 ب] عن ابن عمر". مروان بن سالم هو المُقفّع بقاف ثم فاء ثقيلة [مصري] (¬6) مقبول من الرابعة. ¬

_ (¬1) (2/ 256 رقم 1198)، حيث قال: معاذ بن زهيرة، ويقال معاذ، أبو زهرة مقبول، من الثالثة، أرسل حديث، فوهم من ذكره في الصحابة. (¬2) في "الجامع" (6/ 378). (¬3) في "مختصر السنن" (3/ 233). (¬4) في "السنن" رقم (2357). أخرجه النسائي في "الكبرى" (3/ 374 رقم 3315)، والدارقطني في "السنن" (2/ 185 رقم 25)، وقال: تفرد به الحسن بن واقد، وإسناده حسن. والحاكم في "المستدرك" (1/ 422). وقال صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، وهو حديث حسن، والله أعلم. (¬5) انظر: "ميزان الاعتدال" (4/ 91 رقم 8426)، "التقريب" (2/ 239 رقم 1019). (¬6) في (أ. ب) البصري، وما أثبتناه من "التقريب".

قوله: "ذهب الظمأ" مهموز الآخر وهو العطش، قال الله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ} (¬1) أي: الكائن عن عدم شرب الماء لمجيء وقت جواز الشرب. "وابتلت العروق". التي يبست بالظمأ. "وثبت الأجر" أجر الصوم. إن شاء الله تعالى. قوله: "أخرجه أبو داود". قلت: وأخرجه النسائي (¬2). [وفي "سنن أبي داود" (¬3) وغيره (¬4)، قال النووي بالإسناد الصحيح عن أنس (¬5)]: "أنَّه - صلى الله عليه وسلم - جاء إلى سعد بن عبادة فجاء بخبز وزيت فأكل ثم قال النبي - صلى الله عليه -: "أفطر عندكم الصائمون، وأكل طعامكم الأبرار، وصلَّت عليكم الملائكة". انتهى. وظاهره أنَّه يدعو الإنسان لمن أطعمه بهذا سواءً كان في إفطاره عنده أو غيره. السادس: 6 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: وَاصَلَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي آخِرِ شَهْرِ رَمَضَانَ، فَوَاصَلَ نَاسٌ مَعَهُ فَبَلَغَهُ ذَلِكَ فَقَالَ: "لَوْ مُدَّ لَنَا الشَهْرُ لَوَاصَلْنَا وِصَالاً يَدَع المُتَعَمِّقُونَ تَعَمُّقَهُمْ. إِنِّي لَسْتُ مِثْلِكُمْ، إِنِّي أَظَلُّ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِيني". ¬

_ (¬1) سورة التوبة الآية: (120). (¬2) في "السنن الكبرى" رقم (6874)، وفي عمل اليوم الليلة رقم (296). (¬3) في "السنن" رقم (3854). (¬4) كالدارمي رقم (1779)، وعبد الرحمن بن حميد رقم (1234)، وأحمد (3/ 138)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (7/ 287). وهو حديث صحيح. (¬5) كذا العبارة في (أ. ب) والذي في "الأذكار" للنووي (1/ 497 رقم 555/ 399)، روينا في "سنن أبي داود"، وغيره بالإسناد الصحيح عن أنس - رضي الله عنه -".

أخرجه الشيخان (¬1) والترمذي (¬2). [صحيح] "المُوَاصَلَةُ" (¬3): هنا أن يصوم يومين، أو ثلاثة لا يفطر فيها و"التعمق" (¬4) المبالغة ومجاوزة الحد في الأمر. ومعنى "يُطْعِمُنِي وَيُسْقِينِي" أي: يعينني ويقوّيني عليه فيكون ذلك بمنزلة الطعام والشراب لكم. "حديث أنس: قال: (واصل النبي - صلى الله عليه وسلم -) في "النهاية" (¬5) هو ألاَّ يفطر يوماً يوماً أو أياماً. قوله: "في آخر شهر رمضان فواصل ناس فبلغه ذلك". وصال من واصل. قوله: "فقال: لو مدّ لنا الشهر". أي: لو كنا في أوائله ووسطه. قوله: "لواصلنا وصالاً يدع المتعمقون". في "النهاية" (¬6): المتعمق: المبالغ في الأمر، المتشدد فيه يطلب أقصى غايته. [قوله] (¬7): "تعمقهم" لعجزهم عن الوصال. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (1961)، ومسلم رقم (59/ 1104). (¬2) في "السنن" رقم (778). (¬3) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 854 - 855)، "المجموع المغيث" (3/ 420). (¬4) قال ابن الأثير في "النهاية" (2/ 255) المتعمق: المبالغ في الأمر المتشدد فيه الذي يطلب أقصى غايته. (¬5) (2/ 854 - 855). (¬6) (2/ 255). (¬7) سقطت من (أ. ب) وهي من مستلزمات الشرح.

قوله: "إني لست مثلكم". كأنَّه جواب ما يقال: فلِمَ واصلت يا رسول الله؟ فقال: "إني لست مثلكم". "إني أضلُّ عند ربي يطعمني ويسقيني". اختلف العلماء (¬1) في معناه، فقيل: هو على حقيقته، وأنه - صلى الله عليه وسلم - كان يؤتى بطعام من عند الله كرامة له، في ليالي صيامه. قلت: وفيه نظر؛ لأنَّه قال (¬2): أظل. وهو إنما يكون في النهار، ويقابل ببات، ولذا قيل: "أظلُّ أرعى وأبيت أطحن". وإن كان الإطعام في الليل، كما يدل له لفظه: "أبيت" فلم يكن مواصلاً. وقال الجمهور (¬3): هو مجاز عن لازم الطعام والشراب، وهو القوة [51 ب]. فكأنَّه قال: يعطيني قوة الآكل والشارب، ويفيض عليَّ ما يسد مسدَّ الطعام والشراب، [ويقوي على الطاعة من غير ضعف في القوة ولا كلال] (¬4). ورجح هذا ابن القيم في الهدي النبوي (¬5). واختلف العلماء (¬6): هل هو محرم على غيره - صلى الله عليه وسلم - لثبوت النهي عنه، فالأكثر على أنَّه من خصائصه - صلى الله عليه وسلم - وأنَّ غيره ممنوع منه، فقيل: كراهة, وقيل: تحريماً. والسلف مختلفون في ذلك. ¬

_ (¬1) انظر: "فتح الباري" (4/ 207). (¬2) قال ابن بطال في "شرحه لصحيح البخاري" (4/ 111). (¬3) ذكره الحافظ في "الفتح" (4/ 207 - 208). (¬4) كذا العبارة في (أ. ب) والذي في "فتح الباري" (4/ 207 - 208)، ويقوى على أنواع الطاعة من غير ضعف في القوة، ولا كلال في الإحساس. (¬5) في "زاد المعاد" (2/ 31). (¬6) انظر: "فتح الباري" (4/ 204).

كان ابن الزبير (¬1) يرى جوازه فيواصل خمسة عشر يوماً، وذهب الأكثرون إلى تحريمه، وصرح الظاهرية (¬2) بتحريمه إلاَّ ما أذن فيه, وهو إلى السحر، وهو في الحقيقة ليس بوصال، بل يؤخر عشاءه إلى وقت السحر، وأدلة الفريقين مستوفاة في "فتح الباري" (¬3). والذي تقوى لنا التحريم، وبه جزمنا في "منحة الغفار" (¬4). قوله: "أخرجه الشيخان والترمذي". وتقدم تفسيرنا المواصلة (¬5)، وأتى بها "المصنف" كما فسَّر التعمق (¬6) والإطعام والاستسقاء بما قاله الجمهور. السابع: 7 - وعن أبي بكر عبد الرحمن: أَنَّ أبَاهُ أَخْبَرَ مَرْوَانَ: أنَّ عَائِشَةَ وَأُمَّ سَلَمَةَ - رضي الله عنهما - أَخْبَرَتَاهُ: أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كانَ يُدْرِكُهُ الفَجْرُ فِي رَمَضَانَ جُنُبًا مِنْ غَيْر حُلْمٍ فَيَغْتَسِلَ وَيَصُوْمُ. أخرجه الستة (¬7). [صحيح] ¬

_ (¬1) ذكره ابن عبد البر في "الاستذكار" (10/ 151 رقم 14330، 14331)، والنووي في "المجموع" (6/ 402). (¬2) في "المحلى" (5/ 234). (¬3) (4/ 204 - 205)، وانظر: "الاستذكار" (10/ 151) "المجموع شرح المهذب" (6/ 402). (¬4) (3/ 324 - مع ضوء النهار بتحقيقي). (¬5) تقدم شرحها. (¬6) تقدم شرحها. (¬7) أخرجه البخاري رقم (1925، 1930، 1931، 1932)، (1926)، ومسلم رقم (78/ 1109)، وأبو داود رقم (2388، 2389)، والترمذي رقم (779)، والنسائي (1/ 108)، ومالك في "الموطأ" (1/ 291)، وابن ماجه في "السنن" رقم (1704). وهو حديث صحيح.

حديث "أبي بكر بن عبد الرحمن". أي: ابن الحارث بن هشام، كما في سنن أبي داود (¬1) أنَّ أباه عبد الرحمن بن الحارث "أخبر مروان" بن الحكم بن أبي العاص. "أنَّ عائشة وأمّ سلمة أخبرتاه أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يدركه الفجر في رمضان جنباً من غير حلم فيغتسل ويصوم". قلت: قال أبو داود (¬2) ما أقلَّ من يقول هذه الكلمة، يعني: "يصبح جنباً في رمضان"، وإنَّما النَّبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصبح جنباً وهو صائم. انتهى. قال المنذري في مختصر "السنن" (¬3) قد وقعت هذه الكلمة في "صحيح مسلم" (¬4). وفي كتاب النسائي (¬5) وفيها ردٌّ على إبراهيم النخعي والحسن البصري في قولهما: لا يجزيه صومه في الفرض، ويجزيه في التطوع. انتهى. وفي الجامع (¬6): أنَّه قال مروان لعبد الرحمن: أقسم بالله لتقرعنَّ بها أبا هريرة ومروان يومئذٍ على المدينة، قال أبو بكر فكره ذلك عبد الرحمن، ثم قدر لنا أن نجتمع بذي الحليفة، وكانت لأبي هريرة هنالك أرض. فقال عبد الرحمن لأبي هريرة: إني ذاكر لك أمراً لولا مروان أقسم عليَّ فيه لم أذكره فذكر [52 ب] قول عائشة وأمَّ سلمة. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (2388). (¬2) في "السنن" (2/ 782). (¬3) (3/ 266 - 267). (¬4) في "صحيحه" رقم (78/ 1109). (¬5) في "السنن" (1/ 108). (¬6) (6/ 384).

فقال كذلك: حدثني الفضل بن العباس وهنَّ أعلم" (¬1). قال البخاري (¬2) وقال [همام: حدثني عبد الله بن عمر] (¬3) عن أبي هريرة: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يأمر بالفطر" والأول أَسْنَدُ. وفي رواية عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي بكر لمسلم قال: "سمعته يقص يقول في قصصه من أدلة الفجر جنباً فلا يصوم فذكرت ذلك لعبد الرحمن يعني: لأبيه، فأنكر ذلك فانطلق عبد الرحمن وانطلقت معه حتى دخلنا على عائشة وأم سلمة وذكرنا القصة فرجع أبو هريرة وقال: إنَّه إنّما سمعه من الفضل بن العباس، ولم يسمعه من النبي - صلى الله عليه -" (¬4) وفي روايات (¬5) أبسط من هذا. قوله: "أخرجه الستة". الثامن: 8 - وعن عامر بن ربيعة - رضي الله عنه - قال: رَأَيْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - مَا لاَ أعُدُّ, وَلاَ أُحْصِي يَسْتَاكُ وَهُوَ صَائِمٌ. [ضعيف] ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (1925، 1926، 1930، 1931، 1932). (¬2) في "صحيحه" (4/ 43) بإثر الحديث (1926). (¬3) كذا في (أ. ب) والذي في "صحيح البخاري": همام وابن عبد الله بن عمر. (¬4) انظر: "فتح الباري" (4/ 141 - 142). (¬5) منها ما أخرجه النسائي في "السنن الكبرى" رقم (2947، 2946)، وابن أبي شيبة (3/ 81 - 82) من رواية ابن جريج فرجع أبو هريرة عن ذلك. ومنها: ما أخرجه النسائي في "السنن الكبرى" رقم (2943، 2942) وفيه أن أبا هريرة أحال بذلك على الفضل ابن عباس.

أخرجه البخاري (¬1)، وأبو داود (¬2)، والترمذي (¬3). حديث "عامر بن ربيعة" (¬4) أي: ابن كعب بن مالك العنزي - بسكون النون صحابي مشهور أسلم قديماً وهاجر وشهد بدراً. قوله: "يستاك وهو صائم". ترجمة البخاري (¬5): باب: سواك الرطب واليابس للصائم، ثم ذكر الحديث هذا إلاَّ أنه علقه. قوله: "ما لا أعلم ولا أحصي". لفظ البخاري (¬6): "ما لا أحصى أو أعدّ" بالشك، ثم ساق أدلة شرعية السواك العامة للصائم وغيره. قال ابن حجر (¬7): إنَّ البخاري سلك بالمطلق مسلك العموم، وأنَّ العام في الأشخاص عام في الأحوال، وقد أشار (¬8) إلى ذلك بقوله في آخر الترجمة: ولم يخص صائماً من غيره. انتهى. قوله: "أخرجه البخاري". قلت: البخاري (¬9) لم يخرجه بل ذكره تعليقاً بقوله: ويذكر عن عامر بن ربيعة، وقال ابن الأثير (¬10): وأخرجه البخاري قال: ويذكر عن عامر بن ربيعة. انتهى. ¬

_ (¬1) في "صحيحه" (4/ 158 الباب رقم 27) تعليقاً. (¬2) في "السنن" (2364). (¬3) في "السنن" (725). وهو حديث ضعيف. (¬4) انظر: "التقريب" (1/ 387 رقم 41). (¬5) في "صحيحه (4/ 158 الباب رقم 27 - مع الفتح) (¬6) في "صحيحه" (4/ 158 الباب رقم 27) معلقاً. (¬7) في "الفتح" (4/ 158). (¬8) أي البخاري في "صحيحه" (4/ 158 الباب رقم 27). (¬9) وهو كما قال الشارح. (¬10) في "الجامع" (6/ 388).

فنقل لفظ البخاري ليعرف أنَّه علقه، وكان يحسن من ابن الأثير (¬1) أن يقول: وعلقه البخاري، وقال في "فتح الباري" (¬2): أنَّه وصله أحمد (¬3) وأبو داود (¬4) والترمذي (¬5) من [طريق عاصم بن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه] (¬6). وأخرجه ابن خزيمة في صحيحه (¬7)، وقال: كنت لا أخرج حديث عاصم ثم نظرت، وإذا شعبة والثوري قد رويا عنه, وروى عنه مالك خبراً في غير "الموطأ" [53 ب]. قلت: وضعفه ابن معين (¬8) والذهلي والبخاري وغير واحدٍ، انتهى. قوله: "وأبو داود والترمذي". قلت: وقال عقيب (¬9): إخراجه: إنَّه حديث حسن، قال (¬10): والعمل على هذا عند أهل العلم لا يرون بالسواك بأساً إلاَّ أنَّ بعض أهل العلم كرهوا السواك للصائم بالعود الرطب، ¬

_ (¬1) في "الجامع" (6/ 388). (¬2) (4/ 158). (¬3) في "المسند" (3/ 445, 446). (¬4) في "السنن" رقم (2364). (¬5) في "السنن" رقم (725). (¬6) كذا في (أ. ب) والذي في "الفتح": طريق عاصم بن عبيد الله، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه, وهو الصواب. (¬7) رقم (2007). (¬8) أي: عاصم بن عبيد الله بن عاصم بن عمر بن الخطاب العدوي المدني ضعيف، قاله ابن حجر في "التقريب" (1/ 384 رقم 15). وانظر: "الميزان" (2/ 353 رقم 4056). (¬9) أي: الترمذي في "السنن" (3/ 104). (¬10) أي: الترمذي في "السنن" (3/ 104).

وكرهوا له السواك آخر النهار، ولم يرَ الشافعي (¬1) بالسواك بأساً أول النهار وآخره وكره أحمد (¬2) وإسحاق السواك آخر النهار. انتهى. التاسع: حديث ابن عمر: 9 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - أنه قال: يَسْتَاكَ الصَّائِمُ أَوَّلَ النَّهَارِ وَآخِرَهُ. أخرجه البخاري (¬3) في ترجمة. قوله: "أول النهار وآخره" فيه تأييد لما سلف من إطلاق استياكه - صلى الله عليه وسلم - في جميع يومه. قوله: "أخرجه البخاري ترجمة" (¬4) لم أجده فيه. العاشر: حديث أبي هريرة: 10 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ، فَلَيْسَ لله حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ". أخرجه البخاري (¬5) وأبو داود (¬6) والترمذي (¬7). [صحيح] قوله: "من لم يدع قول الزور والعمل به". ترجم له البخاري (¬8) بلفظ هذا. ¬

_ (¬1) "المجموع شرح المهذب" (6/ 389). (¬2) "المغني" (4/ 359). (¬3) في "صحيحه" (4/ 153 الباب رقم 25 - مع الفتح). (¬4) بل هو في "صحيح البخاري" (4/ 153 الباب رقم 25 - مع الفتح). (¬5) في "صحيحه" رقم (1903). (¬6) في "السنن" رقم (2362). (¬7) في "السنن" رقم (707)، وأخرجه أحمد (2/ 452 - 453، 505)، وابن ماجه رقم (1689)، والنسائي في "الكبرى" رقم (3233). وهو حديث صحيح. (¬8) في "صحيحه" (10/ 473 الباب رقم 51 - مع الفتح)

قال الحافظ (¬1): إنَّه زاد البخاري (¬2) في "الأدب": "والجهل". وكذا لأحمد (¬3) عن حجاج ويزيد بن هارون كلاهما عن ابن أبي ذئب. والمراد بقول الزور الكذب والجهل السفه والعمل به أي: بمقتضاه كما تقدم. قوله: "فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه" ليس له مفهوم (¬4)، فإنَّ الله لا يحتاج إلى شيء، وإنما معناه فليس لله إرادة في صيامه فوضع الحاجة موضع الإرادة (¬5). وقال ابن المنير (¬6): بل هو كناية عن عدم القبول، كما يقول المغضب لمن ردَّ عليه شيئاً طلبه منه، فلم يقمْ به: لا حاجة لي بكذا، فالمراد ردّ الصوم المتلبس بالزور (¬7)، وقريب منه قوله - تعالى -: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} (¬8) فإنَّ معناه لن يصيب رضاه الذي ينشأ عنه القبول. وقال ابن العربي (¬9): مقتضى أنَّ من فعل ما ذكر لا يثاب على صيامه، ومعناه: أنَّ ثواب الصيام لا يقوم في الموازنة بإثم الزور، وما ذكر معه. ¬

_ (¬1) في "فتح الباري" (4/ 103 - 104). (¬2) في "صحيحه" رقم (6057). (¬3) ذكره الحافظ في "الفتح" (4/ 117). (¬4) ذكره الحافظ في "الفتح" (4/ 117). (¬5) قال ابن المنير في حاشيته على البخاري: بل هو كناية عن عدم القبول كما يقول المغضب لمن رد عليه شيئاً طلبه منه فلم يقم به: لا حاجة لي بكذا، فالمراد ردّ الصوم المتلبس بالزور وقبول الصوم السالم منه ...) وسيأتي. (¬6) ذكره الحافظ في "الفتح" (4/ 117). (¬7) وتمام العبارة: وقبول الصوم السالم منه. (¬8) سورة الحج الآية: (37). (¬9) في "عارضة الأحوذي" (3/ 229).

وقال البيضاوي (¬1): ليس المقصود من شرعية الصوم نفس الجوع والعطش، بل ما يتبعه من كسر الشهوات وتطويع النفس الأمارة للنفس المطمئنة, فإذا لم يحصل ذلك لم ينظر الله إليه نظر القبول، فقوله: "ليس لله [54 ب] حاجة" مجاز عن عدم القبول بنفي السبب، وأراد المسبب، واستدل به على أنَّ هذه الأفعال تنقص الصوم، وتعقب بأنَّها صغائر تكفر باجتناب الكبائر. وترجم الترمذي (¬2) للحديث: باب ما جاء في التشديد في الغيبة للصائم. قالوا (¬3): وهو مشكل؛ لأنَّ الغيبة ليست من قول الزور ولا العمل به، لأنَّها أنْ يذكرَ غيره بما يكره، وقول الزور هو الكذب، وقد وافق الترمذي بقية أصحاب السنن فترجموا بالغيبة، وذكروا هذا الحديث، وكأنّهم فهموا من ذكر قول الزور والعمل به الأمر بحفظ المنطق، ويمكن أن يكون منه إشارة إلى الزيادة التي وردت في بعض طرقه, وهي الجهل، فإنَّه يصح إطلاقه على جميع المعاصي. وأمَّا قوله: "والعمل به" فيعود على الزور، ويحتمل أن يعود إلى الجهل والعمل بهما (¬4). قوله: "أخرجه البخاري وأبو داود والترمذي". الحادي عشر: حديث أبي هريرة أيضاً: 11 - وعنه - رضي الله عنه - قال: قال رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلى طَعَامٍ وَهُوَ صَائِمٌ، فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ". ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (4/ 117). (¬2) في "السنن" (3/ 87 الباب رقم 16). (¬3) ذكره الحافظ في "الفتح" (4/ 118). (¬4) ذكره الحافظ في "الفتح" (4/ 118).

أخرجه مسلم (¬1) وأبو داود (¬2). [صحيح] قوله: - صلى الله عليه وسلم -: "إذا دعي أحدكم إلى طعام وهو صائم". وأخرج الطبراني (¬3) من حديث ابن مسعود: "إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب، فإن كان مفطراً فليأكل، وإن كان صائماً فليدع بالبركة" ففيه أنَّه يجيب الدعوة، ويحضر ويدعو بالبركة لأهل الطعام. قوله: "فليقل (¬4) لأهل الطعام إني صائم" تطيباً لقلوبهم وجبراً لخواطرهم. قوله: "أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي". قلت: أخرج في الباب حديثين كلاهما عن أبي هريرة لفظ أحدهما (¬5): "إذا دعي أحدكم إلى طعام فإن كان صائماً فَلْيصلِّ" (¬6) يعني: الدعاء، ولفظُ الثاني (¬7) هو الذي ذكره المصنف، وقال (¬8): كلا الحديثين في هذا الباب عن أبي هريرة حسن صحيح. ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (159/ 1150). (¬2) في "السنن" رقم (2461)، وأخرجه أحمد (2/ 242)، والترمذي رقم (781)، وابن ماجه رقم (1750). وهو حديث صحيح. (¬3) في "المعجم الكبير" رقم (10563). (¬4) في (ب): فليقل. (¬5) أي: الترمذي في "السنن" رقم (780)، وهو حديث صحيح، وأخرج أحمد (2/ 489)، ومسلم رقم (106/ 1431)، وأبو داود رقم (2460) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا دُعي أحدكم فليجب، فإن كان صائماً فليصلِّ، وإن كان مفطراً فليطعم" وهو حديث صحيح. (¬6) في (ب): فليصل. (¬7) أي: الترمذي في "السنن" رقم (781). وهو حديث صحيح. (¬8) أي: الترمذي في "السنن" (3/ 150).

الثاني عشر: حديث عائشة: 12 - وعن عائشة - رضى الله عنها - قالت: قال رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ نَزَلَ بِقَوْمِ فَلاَ يَصُومَنَّ إِلاَّ بِإِذْنِهِمْ". أخرجه الترمذي (¬1)، وقال (¬2): منكر، لا نعرف أحداً [من الثقات روى هذا الحديث عن هشام بن عروة] (¬3). [ضعيف جداً] قوله: - صلى الله عليه وسلم -: "من نزل بقوم" ضيفاً لهم. "فلا يصومنَّ إلاَّ بإذنهم"؛ لأنَّ لهم حق الضيافة له. قوله: "أخرجه الترمذي وقال (¬4): منكر، [لا نعرف أحداً من الثقات روى هذا الحديث عن هشام بن عروة] " (¬5). قلت: وتمام كلامه (¬6)، [وقد رَوَى موسى بن داودَ عن أبي بكر المدنيِّ من هذا، وهذا حديث ضعيف - أيضاً - أبو بكر ضعيف [55 ب] عند أهل الحديث، وأبو بكر المدنيِّ الذي روى عن جابر بن عبد الله اسمه الفضل بن بشر وهو أوثق من هذا، وأقدم، انتهى] (¬7). ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (789) وهو حديث ضعيف جداً. (¬2) في "السنن" (3/ 156). (¬3) في (أ. ب) رواه من الثقات غير هشام بن عروة وما أثبتناه من "سنن الترمذي" (3/ 156). (¬4) الترمذي في "السنن" (3/ 156). (¬5) في (أ. ب) لا نعلم أحداً رواه من الثقات غير هشام بن عروة, وما أثبتناه من "سنن الترمذي". (¬6) أي: الترمذي في "السنن" (3/ 156). (¬7) كذا في (أ. ب) وكما ترى فالعبارات مضطربة, ولذلك تقدم نص كلام الترمذي حيث قال: (وقد روى موسى بن داود عن أبي بكر المدني عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحواً من هذا. قال أبو عيسى: وهذا حديث ضعيف أيضاً، وأبو بكر ضعيف عند أهل الحديث، وأبو بكر المدني الذي روى عن جابر بن عبد الله، اسمه الفضلُ بن مُبشر، وهو أوثق من هذا وأقدم.

الثالث عشر: 13 - وعن أمّ عمارة بنت كعب - رضي الله عنها -: أنّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ عَلَيْهَا، فَقَدَّمَتْ إِلَيْهِ طَعَاماً، فَقَالَ لَهَا: كُلِي، فَقَالتْ: إِنِّي صَائِمَةٌ. فَقَالَ: "إِنَّ الصَّائِمَ إِذَا أُكِلَ طَعَامُهُ صَلَّتْ عَلَيْهِ المَلاَئِكَةُ - عليهم السلام - حَتَّى يَفْرَغُوا" (¬1). [ضعيف] "حديث أم عمارة بنت كعب الأنصارية: أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل عليها فقدمت إليه طعاماً، فقال لها كلي. فقالت: إنّي صائمة. فقال - صلى الله عليه وسلم -: إنَّ الصائم إذا أكل طعامه صلت عليه الملائكة حتى يفرغوا". لفظه في الترمذي (¬2): "إنَّ الصائم تصلي عليه الملائكة إذا أكل عنده حتى يفرغوا - وربما قال - يشبعوا" انتهى. وهي تدل على أعم من الأول، فإنَّ تلك مقيدة بطعام الصائم. وفي رواية: "الصَائِمُ إذَا أَكلَ عِنْدَهُ الْمَفَاطِيْرُ صَلَّتْ عَلَيْهِ المَلَائِكَةُ". أخرجه الترمذي (¬3). قوله: "وفي رواية: "الصائم إذا أكل عنده المفاطير صلت عليه الملائكة". ظاهره: أنَّها رواية للترمذي، ولم أجدها فيه (¬4). قوله: "أخرجه الترمذي". قلت: وقال (¬5): هذا حديث حسن صحيح. ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي في "السنن" رقم (785) وهو حديث ضعيف. (¬2) في "السنن" رقم (785)، وهو حديث ضعيف. (¬3) في "السنن" رقم (784)، وهو حديث ضعيف. (¬4) بل هي في "سنن الترمذي" رقم (784)، وهي رواية ضعيفة. (¬5) في "السنن" (3/ 154، بإثر الحديث رقم (785).

الرابع عشر: حديث أبي هريرة: 14 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قَالَ رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَا تَصُم المَرْأَةُ، وَبَعْلُهَا شَاهِدٌ إِلَا بِإِذْنِهِ". أخرجه الخمسة (¬1) إلا النسائي. [صحيح] وزاد أبو داود (¬2): "فِي غَيْرِ رَمَضَانَ". والله أعلم. قوله: "لا تصم المرأة" ذات الزوج؛ لقوله: "وزوجها" لفظ الترمذي (¬3). "وبعلها (¬4) شاهد" أي: حاضر. "إلاَّ بإذنه". وإلاَّ فله أن يفطرها لحاجته إليها. قوله: "أخرجه الخمسة إلاَّ النسائي". قوله: "وزاد أبو داود (¬5): في غير رمضان". قلت: هو في رواية الترمذي (¬6) ولفظه: "لا تصوم المرأة يوماً من غير رمضان" وقال (¬7) بعد إخراجه: حديث حسن. قال (¬8): وفي الباب عن ابن عباس وأبي سعيد. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (5195)، ومسلم رقم (84/ 1026)، وأبو داود رقم (2458)، والترمذي رقم (782)، وابن ماجه رقم (1761). وهو حديث صحيح. (¬2) في "السنن" رقم (2458). (¬3) في "السنن" رقم (782) وفيه: (وزوجها شاهدٌ ..) (¬4) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (5192). (¬5) في "السنن" رقم (2458). (¬6) في "السنن" رقم (782) والذي فيه: "لا تصوم المرأة وزوجها شاهد، يوماً من غير رمضان، إلا بإذنه". (¬7) في "السنن" (3/ 151). (¬8) أي: الترمذي في "السنن" (3/ 151).

الباب الثالث: في إباحة الفطر وأحكامه

وهذه الزيادة مراده: وإنْ لم تذكر؛ لأنَّه ليس للزوج (¬1) أن يمنعها عن صوم الواجب، فإنَّه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. بخلاف غير الواجب, فله منعها، وله منعها عن قضاء الواجب إلاَّ إذا تضيق. الباب الثالث: في إباحة الفطر وأحكامه ترجمة ابن الأثير (¬2) بقوله: في مبيح الفطر وموجبه. الأول: حديث جابر: 1 - عن جابر - رضي الله عنه - قال: خَرَجَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَامَ الفَتْحِ إِلَى مَكَّةَ فِي رَمَضَانَ، فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ كُرَاعَ الغَمِيمِ فَصَامَ النَّاسُ، ثُمَّ دَعَا بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ فَرَفَعَهُ حَتَّى نَظَرَ النَّاسُ ثُمَّ شَرِبَ، فَقِيلَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ: إِنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَدْ صَامَ، فَقَالَ: "أُولَئِكَ العُصَاةُ، أُولَئِكَ العُصَاةُ". أخرجه مسلم (¬3) والترمذي (¬4). [صحيح] قوله: "خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم -". يأتي في المغازي تعيين يوم خروجه إنْ شاء الله. قال الحافظ ابن حجر (¬5): والذي اتفق عليه أنَّه خرج في عاشر رمضان ودخل مكة تاسع عشرة منه. ¬

_ (¬1) قال النووي في شرحه لصحيح مسلم (17/ 115): وسبب هذا التحريم: أن للزوج حق الاستمتاع بها في كل وقت، وحقه واجب على الفور فلا تفوته بالتطوع، وإذا أراد الاستمتاع بها جاز، ويفسد صومها، وظاهر التقييد بالشاهد، أنه يجوز لها التطوع إذا كان الزوج غائباً، وفي معنى الغيبة أن يكون مريضاً بحيث لا يستطيع الجماع. وانظر: "فتح الباري" (9/ 296)، "المجموع شرح المهذب" (6/ 445). (¬2) في "الجامع" (6/ 293). (¬3) في "صحيحه" رقم (1114). (¬4) في "السنن" رقم (710)، وهو حديث صحيح. (¬5) وفي "فتح الباري" (8/ 4 - 5).

[قوله] (¬1) "عام الفتح" أي: فتح مكة، وهو في الثامنة من الهجرة، سمِّي به العام لعظمته، فإنَّه دخل الناس بعده في دين الله أفواجاً. قوله: "كراع الغميم" بزنة غراب، والغميم بالغين [56 ب] المعجمة في "القاموس" (¬2): موضع على ثلاثة أميال من عسفان كعثمان على مرحلتين من مكة، فيكون أفطر - صلى الله عليه وسلم - قبل قدومه مكة بخمسة أيام، ولفظ البخاري (¬3): "فلما بلغ الكديد (¬4) " بفتح الكاف وكسر الدال المهملة مكان معروف، ولفظ كراع الغميم في رواية مسلم (¬5) قال عياض (¬6): اختلفت الروايات في الموضع الذي أفطر فيه والكل في قصة واحدة، وكلها متقاربة، والجميع من أعمال عسفان، انتهى. قوله: "فصام الناس ثم دعا بقدح من ماء فرفعه حتى نظر الناس ثم شرب" بعد أن علم الناس بإفطاره بمشاهدة شربه. "فقيل له بعد ذلك: إنَّ بعض الناس قد صام" استمر على صومه. "فقال: أولئك العصاة". استدل به على تعين الفطر في السفر، وأنَّه لا يجوز الصوم فيه. ¬

_ (¬1) سقطت من (أ. ب). (¬2) "القاموس المحيط" (ص 1476). (¬3) في "صحيحه" رقم (4276). وأخرجه مسلم في صحيحه رقم (88/ 113) كلاهما من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -. (¬4) انظر: "معجم البلدان" (4/ 442). (¬5) في "صحيحه" رقم (90/ 1114). (¬6) في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (4/ 65).

وقد اختلف (¬1) السلف في هذه المسألة فقالت طائفة: لا يجزي الصوم في السفر عن الفرض، بل من صام في السفر وجب عليه قضاؤه في الحضر؛ لظاهر قوله تعالى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (¬2)، ولحديث: "ليس من البر الصيام في السفر" (¬3). ومقابل البر الإثم، وإذا كان آثماً بصومه لم يجزئه، وهذا قول بعض أهل الظاهر (¬4)، وحكي (¬5) عن جماعة من الصحابة والتابعين، وذهب الجمهور (¬6) إلى أنَّ الصوم أفضل لمن قوي عليه، وقال كثير منهم: الفطر أفضل عملاً بالرخصة، وهو قول الأوزاعي وأحمد (¬7) وإسحاق. وقال آخرون: هو مخير مطلقاً، وقال آخرون: أفضلهما أيسرهما لقوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} (¬8)، فمن كان الصوم في حقه أيسر فهو الأفضل، وإن كان الفطر أيسر فهو الأفضل، وهو قول (¬9) عمر بن عبد العزيز، واختاره ابن المنذر. ¬

_ (¬1) انظر: "فتح الباري" (4/ 183)، "المغني" (4/ 408 - 409). "المجموع شرح المهذب" (6/ 269). (¬2) سورة البقرة الآية (182). (¬3) أخرجه أحمد (3/ 317)، والبخاري رقم (1946)، ومسلم رقم (92/ 1115) من حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنه -، وهو حديث صحيح. (¬4) في "المحلى" (6/ 243). (¬5) حكاه الحافظ في "الفتح" (4/ 183) عن عمر وابن عمر وأبي هريرة والزهري وإبراهيم النخعي وغيرهم، اهـ. (¬6) انظر: "المغني" (4/ 408 - 409)، "فتح الباري" (4/ 183). (¬7) قال ابن قدامة في "المغني" (4/ 407 - 408): فصل: والأفضل عند إمامنا أي أحمد بن حنبل - رحمه الله - الفطر في السفر، وهو مذهب ابن عمر، وابن عباس، وسعيد بن المسيب، والشعبي، والأوزاعي، وإسحاق. (¬8) سورة البقرة: (185). (¬9) ذكره ابن قدامة في "المغني" (4/ 408)، وانظر: "المجموع شرح المهذب" (6/ 266).

وقد أجاب من رأى الصيام في السفر في الفرض عن أدلة من أوجب الإفطار. أمَّا الآية فقالوا: التقدير، فمن كان على سفر فأفطر فعليه عدة من أيام أُخر، وأمَّا حديث (¬1): "أولئك العصاة". فلأنَّهم خالفوا أمره - صلى الله عليه وسلم -، فإنَّه قال: "إنكم تصبحوا عدوكم والفطر أقوى لكم" (¬2). فكانت عزيمة، فنسب من صام إلى العصيان لمخالفة أمره أفاد الحافظ ابن حجر (¬3). وحديث: "ليس من البر الصيام في السفر" محمول على من شق عليه، وقال ابن دقيق العيد (¬4): إنَّ كراهة الصوم في السفر محمولة على من جهده الصوم وشق عليه [57 ب] أو يؤدي إلى ترك ما هو أولى من الصوم من وجوه القرب. وحمل الشافعي (¬5) نفي البر في الحديث على من أبى قبول الرخصة. وقال الطحاوي (¬6): المراد بالبر هنا: البر الكامل الذي هو أعلى مراتب البر، وليس المراد به إخراج الصوم في السفر عن أن يكون براً (¬7). قلت: ولا يخفى ضعف الردِّ، فالتقدير في الآية خلاف الظاهر منها. قوله: "أخرجه مسلم والترمذي". ¬

_ (¬1) تقدم وهو حديث صحيح. (¬2) أخرجه أحمد (3/ 35 - 36)، ومسلم رقم (102/ 1120)، وأبو داود رقم (2406) من حديث أبي سعيد، وهو حديث صحيح. (¬3) في "فتح الباري" (4/ 184). (¬4) في "إحكام الأحكام" (2/ 225). (¬5) في "الأم" (3/ 258). (¬6) في "شرح معاني الآثار" (2/ 64). (¬7) وتمام العبارة: لأن الإفطار قد يكون أبر من الصوم إذا كان للتقوي على لقاء العدو.

الثاني: حديث أنس: 2 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - في سَفرٍ، فَمِنَّا الصَّائِمُ، وَمِنَّا المُفْطِرُ، فَنَزَلْنَا مَنْزِلاً فِي يَوْمٍ حَارٍّ، أَكْثَرُنَا ظِلاًّ صَاحِبُ الكِسَاءِ، وَمِنَّا مَنْ يَتَّقِي الشَّمْسَ بِيَدِهِ, فسَقَطَ الصُّوَّامُ وَقَامَ المُفْطِرُونَ فَضَرَبُوا الأَبْنِيَةَ، وَسَقَوُا الرِّكَابَ، فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: "ذَهَبَ المُفْطِرُونَ اليَوْمَ بِالأَجْرِ". أخرجه الشيخان (¬1) والنسائي (¬2). [صحيح] قوله: "ومنا المفطر" هو من أدلة مَنْ أجاز الصيام في السفر، وأنَّه صيام فرض. "فنزلنا منزلاً في يوم حار أكثرنا ضلاً صاحب الكساء ومنّا مَنْ يتقي الشمس بيده". لا يجد له ظلاً. [قوله:] (¬3) "فسقط الصوّام". من الضعف وشدّة الحر. قوله: "وقام المفطرون فضربوا الأبنية" أي: الخيام ونحوها. قوله: "وسقوا الركاب". لم يعين هذه السفرة. قوله: "فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ذهب المفطرون اليوم بالأجر". لما كفوا الصائمين مؤنة ضرب الأبنية وسقي الركاب، وفيه دليل (¬4) على أنَّ الفطر لمن شق عليه الصوم أفضل. قوله: "أخرجه الشيخان والنسائي". الثالث: حديث جابر: ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (2890)، ومسلم رقم (1119). (¬2) في "السنن" رقم (2283)، وهو حديث صحيح. (¬3) سقطت من (أ. ب) وهو من مستلزمات الشرح. (¬4) انظر: "المغني" (4/ 409) "المجموع شرح المهذب" (6/ 266).

3 - وعن جابر - رضي الله عنه - قال: كانَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي سَفَرٍ، فَرَأَى رَجُلاً قَدِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ النَّاسُ. وَقَدْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ فَقَالَ: "مَا لَهُ". فقَالُوا: رَجُلٌ صَائِمٌ. فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَيْسَ مِنَ البِرِّ أَنْ تَصُومُوا فِي السَّفَرِ" (¬1). [صحيح] قوله: "في سفر". قال ابن حجر (¬2): إنَّه سفر غزوة الفتح. قوله: "قد ظُلِّلَ عليه" قال الحافظ (¬3): لم نقف على اسم الرجل. قوله: "ليس البر أن تصوموا في السفر". من هنا أخذ ابن دقيق العيد (¬4) أنَّه لا يكره الصوم إلاّ في حق من بلغ به الصوم إلى هذه المشقة كما تقدم، وقد قال (¬5) - أيضاً - إنَّ المانعين من الصوم في السفر مطلقاً يقولون: إنَّ اللفظ عام، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. قال (¬6): وينبغي أن يتنبه للفرق بين دلالة السبب ودلالة السياق والقرائن على تخصيص العام، وعلى مراد المتكلم وبين مجرد ورود "العام" على سبب، فإنَّ بين العامين فرقاً واضحاً. ومن أجراهما مجرى واحداً لم يصب، فإنَّ مجرد ورود العام على سبب (¬7) لا يقتضي التخصيص ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد (3/ 317)، والبخاري رقم (1946)، ومسلم رقم (92/ 1115)، وأبو داود رقم (2407)، والنسائي (4/ 176) وهو حديث صحيح. (¬2) في "فتح الباري" (4/ 182). (¬3) في "الفتح" (4/ 185). (¬4) في "إحكام الأحكام" (2/ 225). (¬5) في "إحكام الأحكام" (2/ 225). (¬6) أي: ابن دقيق العيد في "إحكام الأحكام" (2/ 225 - 226). (¬7) قال ابن دقيق العيد في "شرح الإلمام" كما في "البحر المحيط" (3/ 380): نص بعض أكابر الأصوليين على أن العموم يخص بالقِران، قال: ويشهد له مخاطبات الناس بعضهم بعضاً، حيث يقطعون في بعض المخاطبات بعدم العموم بناء على القرينة، والشرع يخاطب الناس بحسب تعارفهم، وقال: ولا يشتبه عليك =

به لنزول آية السرقة في قصة سرقة رداء صفوان، وأمَّا السياق والقرائن الدالة على مراد المتكلم فهي المرشدة لبيان المجملات، وتعيين المحتملات كما في حديث الباب، [وقال ابن التين] (¬1): هذه القصة تشعر بأنَّ من اتفق له مثل ما اتفق لهذا الرجل أنَّه [58 ب] يساويه في الحكم. وأما من سَلِم من ذلك ونحوه، فهو في جواز الصوم على أصله. قوله: وفي رواية: "لَيْسَ مِنْ البِّرِّ الصَّوْمُ فِي السَفَرِ". أخرجه الخمسة (¬2) إلا الترمذي. قوله: وفي رواية: "ليس من البر الصوم في السفر". هي: بمعنى الأولى وتمامه في "سنن النسائي" (¬3): "وعليكم برخصة الله التي رخصها لكم فاقبلوها". قوله: "أخرجه الخمسة إلاَّ الترمذي". الرابعة: حديث عائشة: 4 - وعن عائشة - رضى الله عنها - قالت: سَأَلَ حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو الأَسْلَمِيُّ - رضي الله عنه - رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: عَنْ الصَّومِ فِي السَّفَرِ، وَكَانَ كَثِيْرَ الصِيَامِ، فَقَالَ: "إِنْ شِئْتَ فَصُمْ، وإِنْ شِئْتَ فَأَفْطِرْ". ¬

_ = التخصيص بالقِران بالتخصيص بالسبب، كما اشتبه على كثير من الناس، فإن التخصيص بالسبب غير مختار، فإن السبب وإن كان خاصاً فلا يمنع أن يورد لفظ عام يتناوله وغيره كما في قوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] ولا ينتهض السبب بمجرده قرينة لرفع هذا، بخلاف السياق فإن به يقع التبيين والتعيين أمّا التبيين ففي المجملات، وأمّا التعيين ففي المحتملات. (¬1) كذا في (أ. ب) والذي في "فتح الباري": ابن المنير في الحاشية وهو الصواب. (¬2) تقدم وهو حديث صحيح. (¬3) في "السنن" (4/ 176).

أخرجه الستة (¬1). [صحيح] قوله: "وكان كثير الصيام" أي: تطوعاً، ويدخل فيه الفرض. قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إن شئت فصم وإن شئت فأفطر". دلَّ على أنَّه حيث لا يشق عليه الصوم في السفر أنه يصوم، ولم يبين - صلى الله عليه وسلم - له الأفضل منهما، وظاهره العموم في صيام الفرض، والنفل، ومن منع الفرض في السفر قال: خصته الآية. قوله: أخرجه الستة". الخامس: حديث أنس: 5 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: "كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَمِنَّا الصَّائِمُ، وَمِنَّا المُفْطِرُ، فَلَا الصَّائِم يَعِيْبُ عَلى المُفْطِرِ، وَلَا المُفْطِرُ يَعِيْبُ عَلَى الصَّائِمِ". أخرجه الثلاثة (¬2) وأبو داود (¬3). [صحيح] قوله: "فمنَّا الصائم، ومنَّا المفطر". وهو مبني على علمه - صلى الله عليه وسلم - بذلك، ليكون من التغرير على الأمرين. "فلا الصائم يعيب على المفطر، ولا المفطر يعيب على الصائم". فدل على جواز الأمرين، ولم يبين هذا السفر: هل قبل الفتح أو بعده؟ لأنَّه ذهب جماعة إلى أنَّ فطره - صلى الله عليه وسلم - عام الفتح، وأمره الناس بالإفطار ناسخ لجواز الصوم في السفر (¬4). قوله: "أخرجه الثلاثة وأبو داود". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (1943)، ومسلم رقم (103/ 1121)، وأبو داود رقم (2402)، والترمذي رقم (711)، والنسائي رقم (2305)، وابن ماجه رقم (1662). وهو حديث صحيح. (¬2) أخرجه البخاري رقم (1947)، ومسلم رقم (9/ 1118)، ومالك في "الموطأ" (1/ 295). (¬3) في "السنن" رقم (2405). (¬4) ذكره الحافظ في "الفتح" (4/ 184).

السادس: حديث أبي الدرداء: 6 - وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فِي حَرٍّ شَدِيدٍ، حَتَّى إِنْ كَانَ أَحَدُنَا لَيَضَعُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ مِنْ شِدَّةِ الحَرِّ، وَمَا فِينَا صَائِمٌ إِلاَّ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، وَابْنُ رَوَاحَةَ - رضي الله عنه -. أخرجه الشيخان (¬1) وأبو داود (¬2). [صحيح] قوله: ["في بعض أسفاره"]، (¬3) في رواية مسلم (¬4): "في شهر رمضان". "في حر شديد". قال الحافظ ابن حجر (¬5): وبهذه الزيادة يتوجه الرد على أبي محمد ابن حزم في زعمه أنَّ حديث أبي الدرداء هذا لا حجة فيه؛ لأنَّه يحتمل أن يكون ذلك الصوم تطوعاً، وهذه السفرة غير سفرة الفتح؛ لأنَّه ذكر فيها عبد الله بن رواحة وهو استشهد قبل الفتح، فهي غزوة أخرى. قال الحافظ ابن حجر (¬6): ولا يصح حمل هذا السفر على أنَّه كان يوم بدر؛ لأنَّ أبا الدرداء لم يكن حينئذٍ أسلم، وفيه دلالة على صحة الصوم في السفر. قوله: "وما فينا صائم إلاَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وابن رواحة". هو عبد الله الذي استشهد في غزوة مؤتة. قوله: "أخرجه الشيخان وأبو داود". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (1945)، ومسلم رقم (108/ 1122). (¬2) في "السنن" رقم (2409)، وهو حديث صحيح. (¬3) هذا اللفظ لم يذكره المصنف، وكذا ابن الأثير، وأخرجه بهذا اللفظ البخاري رقم (1945)، ومسلم في صحيحه رقم (109/ 1122). (¬4) أخرجها مسلم في صحيحه رقم (109/ 1122). (¬5) في "فتح الباري" (4/ 182). (¬6) في "فتح الباري" (4/ 183).

السابع: 7 - وعن عمرو بن أُمية الضمري - رضي الله عنه - قال: قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - مِنْ سَفَرٍ فَقَالَ: "انْتَظِرِ الغَدَاءَ يَا أَبَا أُمَيَّةَ". قُلْتُ: يَا رَسُولُ الله: إِنِّي صَائِمٌ، قَالَ: "ادْنُ أُخْبِرَكَ عَنِ المُسَافِرِ، إِنّ الله تَعَالَى وَضَعَ عَنْهُ الصِّيَامَ وَنِصْفَ الصَّلاَةِ". أخرجه النسائي (¬1). [إسناده صحيح] حديث "عمرو بن أمية (¬2) الضمري" بفتح الضاد المعجمة, وسكون الميم، كان عمرو من رجال العرب (¬3) نجدة وجراءة، وأسلم بعد انصراف المشركين من غزوة أحد، وهو الذي بعثه النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى النجاشي، وأسلم على [59 ب] يديه ووفاته في أيام معاوية بالمدينة. قوله: "فقال: انتظر الغداء يا أبا أمية". هو عمرو. قوله: "ادْنُ أخبرك عن المسافر" أي: عمَّا جعل الله له من الرخصة. "أنَّ الله وضع عنه الصيام" أي: صيام الفريضة، وكتب عليه من أيام أخر. "ونصف الصلاة" أي: وضع عنه نصفها، فلا تجب، والمراد: الرباعية (¬4) لما علم من الشريعة قطعاً، ويؤخذ منه أنه لا يصوم المسافر، ولا يتم لأنَّه تكليف قد أسقطه الله عنه, وقد عارضه أدلة صحة الأمرين. قوله: "أخرجه النسائي". قلت: ترجم (¬5) له باب وضع الصيام عن المسافر والاختلاف فيه عن الأوزاعي، وساق اختلاف طرقه عنه ثم عقد له باباً آخر، وذكر الاختلاف فيه أيضاً. ¬

_ (¬1) في "السنن" (2272) بإسناد صحيح. (¬2) انظر: "التقريب" (2/ 65/ رقم 637). (¬3) قاله ابن الأثير في "تتمة جامع الأصول" (2/ 612 - 613 - قسم التراجم). (¬4) تقدم في "قصر الصلاة". (¬5) أي: النسائي في "السنن" (4/ 178 الباب رقم 50).

الثامن: 8 - وعن رجل من بني عبد الله بن كعب بن مالك اسمه أنس بن مالك قال: قال رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ الله تَعَالَى وَضَعَ شَطْرَ الصَلَاةِ عَنِ المُسَافِرِ، وَأَرْخَصَ لَهُ فِي الإِفْطَارِ، وَأَرْخَصَ فِيْهِ لِلْمُرْضِعِ وَالحُبْلَى إِذَا خَافَتَا عَلَى وَلَدَيْهِمَا". أخرجه أصحاب السنن (¬1). [حسن] حديث: (رجل من بني عبد الله بن كعب). اسمه: أنس بن مالك هو حديث منقطع؛ لأنَّ بين الراوي وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - اثنان. قوله: "وأرخص له في الإفطار" فيه دليل على جواز صوم الفرض في السفر، وتقدم لي عدم صحته فيه ما هو أصح من هذا. قوله: "وأرخص فيه للمرضع والحبلى إذا خافتا على ولديهما". ولفظه عند الترمذي (¬2) عمن ذكر قال: "أغارت علينا خيل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فوجدته يتغدى، فقال: ادْنُ فكل، فقلت: إني صائم. فقال: ادْنُ أحدثك عن الصوم أو الصيام, إنَّ الله وضع عن المسافر شطر الصلاة, وعن الحامل والمرضع الصوم أو الصيام، والله لقد قالهما النبي - صلى الله عليه وسلم - كليهما أو إحداهما، فيا لهف نفسي ألاَّ أكون طعمت من طعام النَّبي - صلى الله عليه وسلم -. هذا لفظه, وقريب منه في "سنن أبي داود" (¬3)، وليس فيهما التقييد بإذا خافتا على ولديهما لا في "سنن أبي داود"، ولا في سنن الترمذي، ولا في سنن النسائي (¬4). ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود رقم (2408)، والترمذي رقم (715)، وابن ماجه رقم (1667، 3299)، والنسائي رقم (2776، 2315). وهو حديث حسن. (¬2) في "السنن" رقم (715). (¬3) في "السنن" رقم (2408). (¬4) في "السنن" (2776، 2315).

وابن الأثير في "الجامع" (¬1) ساق تلك الزيادة في رواية أبي داود ولم أجدها وكأنَّها في (¬2) نسخة منه. قوله: "أخرجه أصحاب السنن". قلت: قال الترمذي (¬3): حديث أنس بن مالك الكعبي حديث حسن، ولا نعرف لأنس ابن مالك هذا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - غير هذا الحديث [60 ب] الواحد، والعمل على هذا عند أهل العلم، وقال بعض أهل العلم: الحامل والمرضع يفطران ويقضيان ويطعمان. وبه يقول سفيان ومالك (¬4) والشافعي (¬5) وأحمد (¬6). ¬

_ (¬1) (6/ 408). (¬2) وهو كما قال الشارح. (¬3) في "السنن" (3/ 95). (¬4) انظر: "التسهيل" (3/ 829). (¬5) قال النووي في "المجموع" (6/ 274 - 275): فرع في مذاهب العلماء في الحامل والمرضع إذا خافتا فأفطرتا: "قد ذكرنا أن مذهبنا - أي الشافعية - أنهما إن خافتا على أنفسهما لا غير، أو على أنفسهما وولدهما، أفطرتا وقضتا ولا فدية عليهما بلا خلاف. وإن أفطرتا للخوف على الولد أفطرتا وقضتا والصحيح وجوب الفدية. قال ابن المنذر: وللعلماء في ذلك أربعة مذاهب: قال ابن عمر، وابن عباس، وسعيد بن جبير: يفطران ويطعمان، ولا قضاء عليهما. وقال عطاء بن أبي رباح، والحسن، والضحاك، والنخعي، والزهري، وربيعة والأوزاعي، وأبو حنيفة، والثوري، وأبو عبيدة, وأبو ثور، وأصحاب الرأي: يفطران ويقضيان، ولا فدية كالمريض. وقال الشافعي وأحمد: يفطران ويقضيان ويفديان، وروي ذلك عن مجاهد. وقال مالك: الحامل تفطر وتقضي ولا فدية، والمرضع تفطر وتقضي وتفدي. قال ابن المنذر: وبقول عطاء أقول". اهـ. (¬6) انظر: "المغني" (4/ 393 - 394).

وقال بعضهم: يفطران ويطعمان ولا قضاء عليهما، وإن شاءتا قضتا، ولا إطعام عليهما. انتهى. التاسع: 9 - وعن محمد بن كعب قال: أَتَيْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ - رضي الله عنه - فِي رَمَضَانَ وَهُوَ يُرِيدُ سَفَراً، وَقَدْ رُحِلَتْ لَهُ رَاحِلَتُهُ، وَلَبِسَ ثِيَابَ سَفَرِهِ فَدَعَا بِطَعَامٍ، فَأَكَلَ، فَقُلْتُ: لَهُ سُنَّةٌ؟ قَالَ: نَعَمْ. ثُمَّ رَكِبَ. أخرجه الترمذي (¬1). [صحيح لغيره] حديث (محمد بن كعب (¬2)) هو أبو حمزة محمد بن كعب القرظي، مدني، سمع ابن عباس، وزيد بن أرقم، وأنس بن مالك، وابن مسعود، كان أبوه ممن لم يثبت يوم فريضة فترك. قوله: "أتيت أنس بن مالك في رمضان وهو يريد سفراً، وقد رُحِّلت له راحلته". وضع عليها الرحل للسفر. [قوله] (¬3): "ولبس ثياب سفره فدعا بطعام". أي: وهو في منزله لم يكن معه سفراً إلاَّ نيته له. [قوله] (¬4): "فأكل فقلت: سنة" أي: أكل من يريد السفر قبل تلبسه به. "قال: نعم". قوله: "أخرجه الترمذي". قلت: ترجم (¬5) له باب فيمن أكل ثم خرج سفراً. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (799). وهو حديث صحيح لغيره. (¬2) ذكره ابن الأثير في "تتمة جامع الأصول" (2/ 889 - قسم التراجم). وانظر: "التقريب" (2/ 203 رقم 659). (¬3) سقطت من (أ. ب) وهي من مستلزمات الشرح. (¬4) سقطت من (أ. ب) وهي من مستلزمات الشرح. (¬5) أي: الترمذي في "السنن" (3/ 163 الباب رقم 76).

ثم قال (¬1) بعد سياقه هذا حديث: حسن، وذكر من رواه فقال: ومحمد بن جعفر هو ابن أبي كثير، مدينيٌّ، ثقة، وهو أخو إسماعيل بن جعفر، وعبد الله بن جعفر هو ابن نجيح، والد علي بن المدينِّي، وكان يحيى بن معين يضعفه. وقد ذهب بعض أهل العلم إلى هذا الحديث, وقالوا: للمسافر أن يفطر في بيته قبل أن يخرج، وليس له أن يقصر الصلاة حتى يخرج من جدار المدينة أو القرية, وهو قول إسحاق بن إبراهيم. انتهى. العاشر: 10 - وعن مالك (¬2): أَنَّهُ بَلَغَهُ: أَنَّ عُمَرَ - رضي الله عنه - كَانَ إِذَا كَانَ فِي سَفَرٍ فِي رَمَضَانَ، فَعَلِمَ أَنَّهُ دَاخِلٌ المَدِينَةَ مِنْ أَوَّلِ يَوْمِهِ دَخَلَ وَهُوَ صَائِمٌ. [موقوف ضعيف] حديث (مالك أنه بلغه). الحديث هو بلاغ وعمل صحابي يحتمل أنَّه كان يرى جواز صوم الفرض في السفر، مع أنه ليس في هذا أنَّه كان يفعل ذلك في صوم الفرض. الحادي عشر: 11 - وعن منصور الكلبي: أَنَّ دِحْيَةَ بْنَ خَلِيفَةَ - رضي الله عنه -: خَرَجَ مِنْ قَرْيَةٍ مِنْ دِمَشْقَ إِلَى قَدْرِ قَرْيَةِ عُقْبَةَ مِنَ الفُسْطَاطِ، وَذَلِكَ ثَلاَثَةُ أَمْيَالٍ فِي رَمَضَانَ، فَأَفْطَرَ وَأَفْطَرَ مَعَهُ نَاسٌ كَثِيرٌ, وَكَرِهَ آخَرُونَ أَنْ يُفْطِرُوا، فَلمَّا رَجَعَ إِلَى قَرْيَتِهِ قَالَ: وَالله لَقَدْ رَأَيْتُ اليَوْمَ أَمْرًا مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنِّي أَرَاهُ: إِنَّ قَوْمًا رَغِبُوا عَنْ هَدْيِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وَأَصْحَابِهِ. اللهمَّ اقْبِضْنِي إِلَيْكَ. أخرجه أبو داود (¬3). [ضعيف] ¬

_ (¬1) أي: الترمذي في "السنن" (3/ 164). (¬2) (1/ 296 رقم 27)، وهو موقوف ضعيف. (¬3) في "السنن" رقم (2413)، وهو حديث ضعيف.

حديث (منصور الكلبي) لم يذكر ابن الأثير (¬1) من أحواله شيئاً إلاَّ أنَّه روى عن دحية ومنصور تابعي، قال في "التقريب" (¬2): منصور بن سعيد أو ابن زيد الكلبي المصري مستور. انتهى. قوله: "أنَّ دحية (¬3) " هو بكسر الدال المهملة وفتحها ابن خليفة، بفتح الخاء المعجمة فلامٌ، فمثناة تحتية, ففاء صحابي معروف. قوله: "خرج من دمشق إلى قرية مقدار ثلاثة أميال". أي: بينهما وبين دمشق، ولفظ أبي داود (¬4): "إلى قدر قرية عقبة من الفسطاط، وذلك ثلاثة أميال في رمضان [61 ب] فأفطروا وأفطر معه ناس كثير". كأنَّه كان رأيه الإفطار في هذه المسافة. قوله: "فقال: والله لقد رأيت". لفظ أبي داود (¬5): "فلما رجع إلى قريته قال: والله لقد رأيت اليوم أمراً ما كنت أظن أني أراه, إنَّ قوماً رغبوا عن هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه, يقول ذلك للذين قد صاموا ثم قال: اللهمَّ اقبضني إليك". وهكذا لفظه في "الجامع" (¬6) لابن الأثير، فيه إخباره بأنَّ هديه - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه الإفطار عند بلوغ هذه المسافة، والمسألة ذات خلاف بلغ أربعة عشر قولاً قد بيناه في شرحنا "سبل السلام (¬7) على بلوغ المرام". قوله: "أخرجه أبو داود". ¬

_ (¬1) في "تتمة جامع الأصول" (2/ 916 - قسم التراجم). (¬2) (2/ 276 رقم 1382). (¬3) انظر: "التقريب" (1/ 235 رقم 51). (¬4) في "السنن" (2413). (¬5) في "السنن" (2413). (¬6) (6/ 412 رقم 4600). (¬7) (4/ 115 - 116) بتحقيقي.

قلت: قال الحافظ المنذري (¬1): قال الخطابي (¬2): ليس إسناده بالقوي، في إسناده رجل ليس بالمشهور، وهو بشير بن منصور الكلبي، فإنَّ رجال الإسناد كلهم ثقات، محتج بهم في الصحيح، سواه وهو مصري، روى عنه أبو الخير اليزني، ولم أجد من رواه سواه، فيكون مجهولاً، ثم قال: والذي رويناه عن دحية الكلبي فكأنَّه ذهب إلى ظاهر الآية في الرخصة في السفر. وأراد بقوله: "رغبوا عن [هدي] (¬3) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليه وآله وسلم. وأصحابه" في قبول الرخصة, لا في تقدير السفر الذي أفطر فيه. انتهى. الثاني عشر: 12 - وعن عبيد بن [جبر] (¬4) قال: كُنْتُ مَعَ أَبِي بَصْرَةَ الغِفَارِيِّ صَاحِبِ رَسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - رضي الله عنه - فِي سَفِينَةٍ مِنَ الفُسْطَاطِ فِي رَمَضَانَ، فَدَفَعَ فَقُرَّبَ غداؤه فَقَالَ: اقْتَرِبْ. قُلْتُ: أَلَسْتَ تَرَى البُيُوتَ؟ قَالَ: أَتَرْغَبُ عَنْ سُنَّةِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَأَكَلَ وَأَكَلْتُ. أخرجه أبو داود (¬5). [صحيح لغيره] حديث (عبيد بن جبر). هو أبو جبير عبيد بن جبر (¬6) بن عبد الله القبطي المصري وهو مصغر عبد، وجبر - بفتح الجيم وسكون الموحدة (¬7). ¬

_ (¬1) في "مختصر السنن" (3/ 293). (¬2) في "معالم السنن" (2/ 801). (¬3) في "المخطوط" (أ. ب) "سنة" وما أثبتناه من معالم السنن". (¬4) في (أ. ب) جبير، وما أثبتناه من مصدري الحديث وهو الصواب. (¬5) في "السنن" رقم (2412). وأخرجه أحمد (6/ 398) بسند ضعيف. وهو حديث صحيح لغيره. (¬6) انظر: "التقريب" (1/ 542 رقم 1537). (¬7) ذكره ابن الأثير في "تتمة جامع الأصول" (2/ 694 - 695 - قسم التراجم).

قوله: "أبي بصرة" بفتح الموحدة، فصاد مهملة ساكنة, فراء، اسم أبي بصرة (¬1) حُميل [- بضم الحاء المهملة، وفتح الميم وسكون المثناة التحتية] (¬2) بن بصرة الغفاري - بكسر الغين المعجمة ففاء بعد ألفه راء - نسبة إلى غفار قبيلة من العرب. قوله: "فقُرِّب غداؤه" أي: بعد خروجه من وطنه، وهو قريب منه، ولذا قال: "قلت: ألست ترى البيوت؟ ". أي: بيوت القرية التي خرج منها. قوله: "فقال: أترغب عن سنة رسول الله فأكل وأكلت معه". فيه دليل على أنه إذا فارق منزله، وخرج مسافراً أنَّه يباح له الإفطار، وما هو بأعجب من حديث أنس بن مالك، وأكله (¬3) في منزله وقال: هو [62 ب] السنة. واعلم أنَّ لفظه في "سنن أبي داود" (¬4): "أترغب عن سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في السفر؟ ". قال جعفر في حديث "فأكل": هذا لفظه يريد بجعفر بن مسافر الذي روى الحديث عنه عبيد بن جبر. ¬

_ (¬1) ذكره ابن الأثير في "تتمة جامع الأصول" (1/ 226 - قسم التراجم). وانظر: "التقريب" (2/ 395 رقم 22). (¬2) كذا في (أ. ب) والذي في "تتمة جامع الأصول": حميد بن بصرة الغفاري، حميد بضم الحاء المهملة وفتح الميم وسكون الياء تحتها نقطتان. والذي في "التقريب": جميل بن بصرة. قال ابن عبد البر في "الاستيعاب" (ص 782 - 783): أبو بصرة الغفاري: اختلف في اسمه، فقيل جميل بن بصرة، وقيل: حميل، وكل ذلك مضبوط محفوظ عنهم، وأصح ذلك جميل وهو جميل بن بصرة بن وقاص بن حبيب بن غفار، روى عنه أبو هريرة. (¬3) انظر: "المغني" (4/ 346)، "المدونة" (1/ 202). (¬4) في "السنن" رقم (2412) وهو حديث صحيح لغيره.

وهكذا ساقه ابن الأثير في "الجامع" (¬1)؛ إلاَّ أنَّه حذف لفظة: "في السفر". ثم قال: قال جعفر في حديثه: "فأكل" فقد اتفق أبو داود وابن الأثير على لفظة: "أكل" دون "وأكلت" فكأنَّه سبق قلم من المصنف. قوله: "أخرجه أبو داود". الثالث عشر: 13 - وعن سلمة بن المحبق - رضي الله عنه - قال: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَدْرَكَهُ رَمَضَانُ في السَّفَرِ وَلَهُ حُمُولَةٌ تَأوِيِ بِهِ إِلَى شِبَعٍ فَلْيَصُمْ رَمَضَانَ حَيْثُ أَدْرَكَهُ". أخرجه أبو داود (¬2). [ضعيف] "الحُمُولَةُ" (¬3): بالضم: الأحمال، وبالفتح: الإبل يحمل عليها. أي: من كان صاحب أحمال. حديث "سلمة بن المحبق (¬4) " بضم الميم وفتح الحاء المهملة وتشديد الموحدة والقاف، وأصحاب الحديث يفتحون (¬5) الموحدة وفي "القاموس" (¬6) سلمة بن المحبق كمحدِّث صحابيٌّ. قوله: "وله حمولة" يأتي تفسيرها. ¬

_ (¬1) (6/ 413 رقم 4602). (¬2) في "السنن" رقم (2410، 2411)، وهو حديث ضعيف. (¬3) قال ابن الأثير في "النهاية" (1/ 436) الحمولة بالضم، الأحمال، يعني أن يكون صاحب أحمال يسافر بها، وأمّا الحمول بلا هاء، فهي: الإبل التي عليها الهوادج، كان فيها نساء أو لم يكن. (¬4) انظر: "التقريب" (1/ 318 رقم 382). (¬5) ذكره ابن الأثير في "تتمة جامع الأصول" (1/ 446 - قسم التراجم). (¬6) "القاموس المحيط" (ص 1127).

قوله: "فليصم رمضان حيث أدركه". فيه دليل على وجوب (¬1) صوم رمضان على المسافر إذا كان معه ما يشبعه للأمر، إلاَّ أنَّه يحمل على الندب لتصريح الآية بجواز الإفطار، أو وجوبه. قوله: "أخرجه أبو داود". قلت: قال الحافظ المنذري (¬2): في إسناده عبد الصمد بن حبيب الأزدي العَوْذي البصري. قال يحيى بن معين (¬3): ليس به بأس، وقال أبو حاتم (¬4) الرازي: يكتب حديثه، وليس بالمتروك، وقال يحيى: من كبار الضعفاء. قلت: كأَنَّ له فيه قولان، وقال البخاري (¬5): لين الحديث، وضعفه أحمد وقال البخاري - أيضاً - عبد الصمد بن حبيب منكر الحديث ذاهب الحديث، ولم يعد البخاري هذا الحديث شيئاً، وقال أبو جعفر العقيلي (¬6): هذا الخبر لا يتابع عليه ولا يعرف إلاَّ به، انتهى. وقد فسر "المصنف" الحمولة، وفرق بينها (¬7) وبين الحمول. ¬

_ (¬1) انظر: "المغني" (4/ 346 - 347). (¬2) في "مختصر السنن" (3/ 290). (¬3) ذكره الذهبي في "الميزان" (2/ 619 رقم 5070). (¬4) في "الجرح والتعديل" (6/ 51 رقم 271). (¬5) في "التاريح الكبير" (3/ 2/ 106 رقم 1853). (¬6) في "الضعفاء الكبير" (3/ 83 رقم 1052). (¬7) تقدم ذكره.

موجب الإفطار

موجب الإفطار الأول: 1 - عن نافع أنَّ ابنَ عُمَرَ - رضي الله عنهما - كانَ يَقُولُ: "يَصُومُ رَمَضَانَ مُتَتَابِعاً مَنْ أَفْطَرَه مِنْ مَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ" (¬1). [موقوف صحيح] حديث "نافع عن ابن عمر كان يقول: "يصوم رمضان متتابعاً": لا يفرق بين أيام قضاءه كما لا يفرق بين أيام أدائه "من أفطره من مرض أو سفر". هذه فتوى منه قالها اجتهاداً, وقد خالفه جماعة من الصحابة وقالوا: لا بأس بقضائه مفرقاً، منهم: ابن عباس (¬2)، وأبو هريرة (¬3)، وأنس (¬4)، ومعاذ بن جبل (¬5) قال ابن أبي شيبة في "المصنف" (¬6) بسنده عن محمد بن المنكدر بلاغاً عنه - صلى الله عليه وسلم -: "أنه سئل عن تقطيع قضاء [63 ب] رمضان فقال: "ذلك إليك، أرأيت لو كان على أحدكم دين فقضى الدرهم والدرهمين ألم يكن ¬

_ (¬1) أخرجه مالك في "الموطأ" (1/ 304 رقم 45) وهو أثر موقوف صحيح. (¬2) أخرجه البخاري في صحيحه (4/ 188 - 189 الباب رقم 40 - مع الفتح) معلقاً، قال ابن عباس: لا بأس أن يفرِّق لقوله تعالى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184]. (¬3) أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (4/ 258). (¬4) أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (4/ 258) بسند صحيح. (¬5) أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (4/ 258). (¬6) في "مصنفه" (3/ 32). وأخرجه الدارقطني في "السنن" (2/ 194 رقم 77) وقال الدارقطني: إسناد حسن إلا أنه مرسل، وقد وصله غير أبي بكر عن يحيى بن سليم إلاَّ أنه جعله عن موسى بن عقبة عن أبي الزبير عن جابر، ولا يثبت متصلاً.

قضاء؟ والله أحق أن يغفر ويعفو". وقاله من التابعين مجاهد وعطاء وطاوس وعكرمة وعوالم، أفاده في المصنف لابن أبي شيبة (¬1). الثاني: 2 - وعن ابن شهاب: أَنَّ أَبا هُرَيْرَةَ وَابْنَ عبَّاسٍ - رضي الله عنهما - اخْتَلَفَا فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: يُفَرِّقُ بَيْنَهُ، وَقَالَ الآخَرُ: لاَ يُفَرِّقُ. لاَ أَدْرِي أَيَّهُمَا قَالَ: يُفَرِّقُ، وَلَا أَيُّهُمَا قَالَ: لاَ يُفَرَّقُ" (¬2). أخرجهما مالك. [موقوف ضعيف] حديث (ابن شهاب) محمد بن شهاب الزهري، ذكر فيه خلاف أبي هريرة وابن عباس، وأنَّه جهل تعيين مقالة كل واحد، وتقدم عن ابن أبي شيبة (¬3) أنَّهما قالا: لا بأس بالتفريق. قوله: "أخرجهما مالك" قال في "الفتح" (¬4): هكذا أخرجه منقطعاً. قال: وصله عبد الرزاق (¬5) معيناً عن معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس فيمن عليه قضاء رمضان قال: يقضيه مفرقاً قال الله: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (¬6). وقال عبد الرزاق (¬7) عن ابن جريج عن عطاء: أنَّ ابن عباس، وأبا هريرة قالا: فرقه إذا أحصيته. ¬

_ (¬1) في "مصنفه" (3/ 33 - 34). (¬2) أخرجه مالك في "الموطأ" (1/ 304 رقم 46) وهو أثر موقوف ضعيف. (¬3) في "المصنف" (3/ 31 - 32). (¬4) (4/ 189). (¬5) في "مصنفه" رقم (7665)، وأخرجه الدارقطني (2/ 192 رقم 65) والبيهقي في "السنن الكبرى" (4/ 258)، وصححه الحافظ في "فتح الباري" (4/ 189). (¬6) سورة البقرة: الآية 184. (¬7) في "مصنفه" رقم (7664). وأخرجه البيهقي في "السنن" (4/ 258).

قلت: وأَمَّا البخاري فترجم (¬1) الباب بقوله: باب: متى يقضي رمضان؟ أي: هل يقضي متتابعاً أو مفرقاً؟ وهل يجب على الفور أو لا؟ قال زين الدين (¬2) بن منير: جعل الترجمة استفهاماً لتعارض الأدلة؛ لأنَّ ظاهر قوله تعالى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (¬3) يقتضي التفريق لصدق أيام أخر، سواء كانت متتابعة, أو مفرقة. قلت: في قوله: إنَّها تقتضي التفريق نظر، بل تحتمل الأمرين كما أرشد إليه قوله: سواء كانت متتابعة أو مفرقة، قال (¬4): والقياس يقتضي التتابع إلحاقاً لصفة القضاء بصفة الأداء. انتهى. الثالث: حديث عائشة: 3 - وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ، فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَ إِلاَّ فِي شَعْبَانَ، وَذَلِكَ لِمَكَانِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -. أخرجه الستة (¬5). [صحيح] قوله: "فما أستطيع أن أقضي إلاَّ في شعبان". في "الفتح" (¬6) استدل به على أنَّ عائشة كانت لا تتطوع بشيء من الصيام لا في عشر ذي الحجة، ولا في عاشوراء، ولا غير ذلك، وهو ¬

_ (¬1) في "صحيحه" (4/ 188 الباب رقم 40 - مع الفتح). (¬2) ذكره الحافظ في "الفتح" (4/ 189). (¬3) سورة البقرة: الآية 184. (¬4) قاله ابن المنير كما في "فتح الباري" (4/ 189). (¬5) أخرجه البخاري رقم (1950)، ومسلم رقم (151/ 1146)، وأبو داود رقم (2399)، والترمذي رقم (783)، والنسائي رقم (2319)، وابن ماجه رقم (1669)، ومالك في "الموطأ" (1/ 308). وهو حديث صحيح. (¬6) (4/ 191).

مبني على أنها كانت لا ترى جواز صيام التطوع لمن عليه دين من رمضان (¬1). قوله: "وذلك لمكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -". أو "الشغل برسول الله - صلى الله عليه وسلم -"، ليست من كلام عائشة بل هي مدرجة، وذكر رواية من روى (¬2) [64 ب] الحديث بدونها. قال (¬3): ومما يدل على ضعف الزيادة أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "كان يقسم لنسائه فيعدل، وكان يدنو من المرأة في غير يومها فيقبل، ويلمس من غير جماع". فليس في شغلها بشيء من ذلك ما يمنع الصوم، اللهم إلاَّ أن يقال: كانت لا تصوم إلاَّ بإذنه ولم يكن يأذن؛ لاحتمال احتياجه إليها، فإذا ضاق الوقت أذن لها، وكان - صلى الله عليه وسلم - يكثر الصوم في شعبان، فلذلك كان لا يتهيأ لها القضاء إلاَّ في ذلك. قوله: "أخرجه الستة". الرابع: حديث عائشة - أيضاً -: 4 - وعنها - رضي الله عنها - قالت: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ". أخرجه الشيخان (¬4) وأبو داود (¬5). [صحيح] قيل: "صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ" على ظاهره، وهو قول الشافعي (¬6) القديم، وقيل: المراد به الكفارة, فعبر عنها بالصوم، إذ كانت تلازمه, وعليه أكثر الفقهاء. قوله: - صلى الله عليه وسلم -: "من مات وعليه صوم" أي: واجب. ¬

_ (¬1) ثم قال الحافظ في "الفتح" ومن أين لقائله ذلك؟. (¬2) أخرجها مسلم في "صحيحه" رقم (151/ 1146). (¬3) أي: الحافظ في "الفتح" (4/ 191). (¬4) البخاري في "صحيحه" رقم (1952)، ومسلم رقم (153/ 1147). (¬5) في "السنن" رقم (2400). وهو حديث صحيح. (¬6) انظر: "المجموع شرح المهذب" (6/ 415).

"صام عنه وليه". اختلف السلف في هذه المسألة، فأجاز الصيام عن الميت أصحاب الحديث، وعلق الشافعي (¬1) في القديم القول به على صحة الحديث، كما نقله البيهقي في "المعرفة" (¬2) وقال البيهقي في "الخلافيات" (¬3): هذه السنة تالله لا أعلم خلافاً بين أهل الحديث في صحتها، فوجب العمل بها، ثم ساق بسنده إلى الشافعي قال: كلما قلت وصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - خلافه، فخذوا بالحديث، ولا تقلدوني. قلت: والعجب أن يفردوا هذا القول عن الشافعي، والواجب أنْ يقوله كل مسلم، فإنَّ من عقد الإسلام اتباعه - صلى الله عليه وسلم - في أقواله، وأن لا يقدم عليه قول قائل: إذ لو قدم عليه قول غيره بخلاف ما صح عنه فإسلامه لم يتم. ثم قال الحافظ ابن حجر (¬4): وقال الشافعي في "الجديد" (¬5)، وأبو حنيفة (¬6): لا يصوم عنه وليه. وقال الليث وأحمد (¬7) وإسحاق وأبو عبيد (¬8): لا يصام عنه إلاَّ النذر حملاً للعموم الذي في حديث عائشة على المقيد في حديث ابن عباس، والمراد: "صام عنه وليه" النذر (¬9). قلت: ولا وجه له، بل الذي في حديث ابن عباس فرد من أفراد من مات وعليه صوم. ¬

_ (¬1) نقله البيهقي في "المعرفة" (6/ 309) عن الشافعي. (¬2) نقله البيهقي في "المعرفة" (6/ 309) عن الشافعي. (¬3) في "مختصر الخلافيات" (3/ 70). (¬4) في "فتح الباري" (4/ 194). (¬5) انظر: "المجموع شرح المهذب" (6/ 415) و"الأم" (3/ 262). (¬6) "شرح فتح القدير" (2/ 364)، و"البناية في شرح الهداية" (3/ 698). (¬7) انظر: "بداية المجتهد ونهاية المقتصد" (2/ 174 - 175) بتحقيقي. (¬8) ذكره ابن قدامة في "المغني" (4/ 398)، وانظر: "فتح الباري" (4/ 194). (¬9) انظر: "المغني" (4/ 398)، "المجموع شرح المهذب" (6/ 414).

قال الحافظ ابن حجر (¬1): ليس بينهما تعارض حتى يجمع بينهما، وقد نقل المصنف أنَّه يصوم عنه حقيقة عند الشافعي، وهو ظاهر الحديث. وقوله: "صام عنه وليه" خبر معناه الأمر أي: فليصم عنه, وليس هذا الأمر للوجوب عند الجمهور (¬2)، وأوجبه أهل الظاهر (¬3)، واعتل الحنفية (¬4) بعدم العمل [65 ب] بالحديث بأنَّ عائشة وابن عباس أفتيا بخلاف ما رويا، فعن عائشة أنَّها قالت: (لا تصوموا عن موتاكم، وأطعموا عنهم) أخرجه البيهقي (¬5) [و] (¬6) عن ابن عباس أنه قال في رجل مات وعليه صوم: (يطعم عنه). أخرجه عبد الرزاق (¬7). وأجيب (¬8): بأنهما أثران فيهما مقال، وبأنَّ العبرة بما رويا، لا بما رأيا كما عرف في الأصول، فالأظهر هو القول بالصوم عنه، وأمَّا الولي فقيل: كل قريب (¬9)، وقيل: الوارث خاصة، وقيل: عصبته. قال الحافظ ابن حجر (¬10): الأول أرجح، والثاني قريب. ¬

_ (¬1) في "فتح الباري" (4/ 194). (¬2) انظر: "المغني" (4/ 398 - 400). (¬3) "المحلى" (7/ 2 - 4). (¬4) "البناية في شرح الهداية" (3/ 698). (¬5) أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (4/ 254)، وفي "المعرفة" (6/ 311)، وعبد الرزاق في "مصنفه" (9/ 61 رقم 16346). (¬6) زيادة من مستلزمات العبارة. (¬7) في "مصنفه" (9/ 61). (¬8) انظر: "فتح الباري" (4/ 194). (¬9) ذكره الحافظ في "الفتح" (4/ 194). (¬10) الحافظ في "الفتح" (4/ 194).

قال: واختلفوا: هل يختص ذلك بالولي؛ لأنَّ الأصل عدم النيابة في العبادة البدنية, ولأنها عبادة لا تدخلها النيابة في الحياة, فكذلك في الموت إلاَّ ما ورد فيه الدليل، فيقتصر على ما ورد، ويبقى على الأصل، وهذا هو الراجح، وقيل: لا يختص بالولي، فلو أمر أجنبياً بأنْ يصوم عنه أجزى كما في الحج، وقيل: يصح استقلال الأجنبي بذلك، وذكر الولي لكونه الغالب. قال: وظاهر صنيع البخاري اختيار هذا الأخير، وبه جزم أبو الطيب الطبري، وقواه بتشبيهه - صلى الله عليه وسلم - له بالدين. قوله: "قيل: صام عنه وليه على ظاهره" وهو قول الشافعي (¬1) القديم. تقدم الكلام فيه. قوله: "وعليه أكثر الفقهاء" نقل هذا القول ابن حجر (¬2) عن الماوردي (¬3) قال: أي: فعل عنه ما يقوم مقام الصوم، قال: وهو نظير قوله: "التراب وضوء المسلم إذا لم يجد الماء" قال: فسمى البدل باسم المبدل عنه, فكذلك يسمى الإطعام صوماً، انتهى. قلت: ولا ملجأ لإخراج الحديث عن ظاهره ولفظه، وقال: إنَّ المجيزين لم يوجبوا الصوم بل قالوا (¬4): إنَّه يخير الولي بين الإطعام والصوم. انتهى. الخامس: حديث ابن عباس: 5 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ: إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ نَذْرٍ، أَفأَصُومُ عَنْهَا؟ قَالَ: "أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ فَقَضَيْتِيهِ أَكَانَ يُؤَدِّى ذَلِكِ عَنْهَا؟ ". قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: "فَصُومِي عَنْ أُمِّكِ". ¬

_ (¬1) انظر: "المجموع شرح المهذب" (6/ 415). (¬2) في "فتح الباري" (4/ 194). (¬3) في "الحاوي الكبير" (3/ 452 - 453). (¬4) ذكره الحافظ في "الفتح" (4/ 194).

أخرجه الخمسة (¬1). [صحيح] قوله: "وعليها صوم نذر". هذه إحدى الروايات وفي روايات "خمسة (¬2) عشر يوماً" [وفي رواية] (¬3) "شهرين متتابعين" (¬4)، ورواية الكتاب صريحة أنه صوم نذر، وغايته أنَّ فيه اضطراباً في السائلة, وفي قدر الصوم وغير ذلك، إلاَّ أنَّه قال الحافظ (¬5) [66 ب] ابن حجر بعد ذكر رواياته وما فيها من الاضطراب أنَّه لا يقدح في موضع الاستدلال من الحديث؛ لأنَّ الغرض منه مشروعية الصوم أو الحج عن الميت، ولا اضطراب في ذلك. قوله: "أفأصوم عنها؟ قال: أرأيت لو كان على أمك دين فقضيتيه أكان ذلك يؤدي عنها؟ " أي: يخلص ذمتها عنه. [قوله] (¬6) "قالت: نعم". فيه دليل أنها كانت عالمة أنَّ قضاء الدين عن الميت يؤدي عنه. "قال: فصومي عن أمك". وتقدم مثل هذا في الحج، وتقدم الكلام عليه، وفيه: "فدين الله أحق بالوفاء أو القضاء". قوله: "أخرجه الخمسة". وأخرجه أحمد (¬7) وغيره (¬8) بألفاظ متقاربة. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (1953)، ومسلم رقم (56/ 1148)، وأبو داود رقم (3307، 3308)، والترمذي رقم (716)، وابن ماجه رقم (1758). وهو حديث صحيح. (¬2) وهو من رواية أبي حريز، أخرجها البخاري في "صحيحه" رقم (1953). (¬3) سقطت من (أ. ب) وأثبتناها من "فتح الباري" (4/ 195). (¬4) وهي من رواية أبي خالد، قال الحافظ في "الفتح" (4/ 195) وروايته تقتضي أن لا يكون الذي عليها صوم شهر رمضان بخلاف رواية غيره. (¬5) في "الفتح" (4/ 195). (¬6) سقطت من (أ. ب). (¬7) في "المسند" (1/ 216، 338). (¬8) البخاري في "صحيحه" رقم (1953)، ومسلم رقم (1148).

السادس: حديث ابن عمر: 6 - وعن مالك (¬1): أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُنْكِرُ أنْ يَصُومُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ، أَوْ يُصَلِّي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ. [موقوف صحيح] قوله: "كان ينكر أن يصوم أحد عن أحد" أي: كان ينكر شرعية ذلك، وكأنَّه ما بلغه الحديث، ويحتمل أنَّه كان ينكر أن يصوم أحد عن أحد في حياة المصوم عنه لا بعد موته. قوله: "أو يصلي أحد عن أحد" أمَّا هذا فلم يأتِ ما يدل عليه في الحديث، والأصل عدم نيابة أحد عن أحد في الصلاة، فتبقى عليه، وهذا أخرجه مالك (¬2) بلاغاً عن ابن عمر. السابع: 7 - وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كُنْتُ أَنَا وَحَفْصَةُ صَائِمَتَيْنِ، فَأُهْدِيَ لَنَا طَعَامٌ، فَأَكَلْنَا مِنْهُ، فَدَخَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ حَفْصَةُ: وَبَدَرَتْنِي بِالكَلاَمِ، وَكَانَتْ بِنْتَ أَبِيهَا يَا رَسُولَ الله: إِنِّي أَصْبَحْتُ أَنَا وَعَائِشَةُ صَائِمَتَيْنِ مُتَطَوِّعَتَيْنِ، فَأُهْدِيَ لَنَا طَعَامٌ، فَأَفْطَرْنَا عَلَيْهِ، فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: "اقْضِيَا مَكَانَهُ يَوْماً آخَرَ" أخرجه مالك (¬3) وأبو داود (¬4) والترمذي (¬5). [ضعيف] حديث (عائشة) وجعله ابن الأثير (¬6) نوعاً رابعاً. ¬

_ (¬1) في "الموطأ" (1/ 303 رقم 43) وهو أثر موقوف صحيح، وأخرجه النسائي في "السنن الكبرى" (3/ 257 رقم 2930) موقوفاً وهو أثر صحيح. (¬2) في "الموطأ" (1/ 303 رقم 43) وهو أثر موقوف صحيح. (¬3) في "الموطأ" (1/ 306 رقم 50). (¬4) في "السنن" رقم (2457). (¬5) في "السنن" رقم (735)، وهو حديث ضعيف. (¬6) في "الجامع" (6/ 419).

فقال: الرابع في قضاء التطوع ثم ذكره. قوله: "وكانت بنت أبيها" تصفها بالفضيلة. قوله - صلى الله عليه وسلم -: "اقضيا مكانه" عوضه (يوماً آخر). ظاهر الأمر الوجوب، ولكنَّه لم يقل به العلماء (¬1)، بل قالوا: إنَّه للندب، وكأنَّهم يقولون: قد كان الأصل مندوباً، فلا يزيد فرعه عليه. قوله: "أخرجه ["الموطأ"] (¬2) والترمذي وأبو داود". قلت: قال أبو سعيد يعني ابن الأعرابي: رواية "سنن أبي داود"، وهذا الحديث لا يثبت، وإنما أدخل أبو داود زميل؛ لأنَّه عنده أمثل، وسمعت عبد الرحمن بن الفضل يقول: ¬

_ (¬1) قال النووي في "المجموع شرح المهذب" (6/ 447)، فرع في مذاهب العلماء في الشروع في صوم التطوع .. قد ذكرنا أن مذهبنا أي الشافعية, أنه يستحب البقاء فيهما، وأن الخروج منهما بلا عذر ليس بحرام، ولا يجب قضاؤهما. وبهذا قال عمر، وعلي، وابن مسعود وابن عمر، وابن عباس، وجابر بن عبد الله، وسفيان الثوري، وأحمد وإسحاق. وقال أبو حنيفة: يلزمه الإتمام، فإن خرج منهما لعذر لزمه القضاء ولا إثم، وإن خرج بغير عذر لزمه القضاء وعليه الإثم. وقال مالك وأبو ثور: يلزمه الإتمام، فإن خرج بلا عذر لزمه القضاء، وإن خرج بعذر فلا قضاء ... اهـ وقال القاضي عبد الوهاب البغدادي المالكي في "عيون المجالس" (2/ 667). مسألة: إذا شرع إنسان في صوم تطوع لزمه إتمامه, وإن خرج منه لغير عذر فعليه القضاء، وإن خرج منه لعذر فلا قضاء عليه. (¬2) كذا في "الشرح"، والذي بإثر الحديث (مالك).

قال البخاري (¬1): زميل لا يعرف له سماع عن عروة. انتهى. من "سنن أبي داود"، وقال المنذري في مختصره (¬2): زميل ليس بالمشهور، قال البخاري: لا يعرف لزميل سماع عن عروة, ولا أروي عن زميل، ولا تقوم به الحجة. قال الخطابي (¬3): إسناده ضعيف, وزميل مجهول، انتهى. وفي "التقريب" (¬4) في حرف الزاي: زميل - بالتصغير - ابن عباس الأسدي مولاهم المدني مجهول. انتهى. قلت [67 ب]: وأخرجه (¬5) من غير طريق زميل عن جعفر بن برقان عن الزهري عن عروة عن عائشة الحديث، ثم قال (¬6) الترمذي: وروى صالح بن أبي الأخضر ومحمد بن أبي حفصة هذا الحديث عن الزهري عن عروة عن عائشة، ثم ذكر من رواه عن الزهري، عن عائشة ولم يذكروا فيه عن عروة، قال (¬7): وهذا أصح؛ لأنَّه رَوِيَ عن ابن جريج أنَّه قال: سألت الزهري: أَحدثك عروة عن عائشة؟ فقال: لم أسمع عن عروة في هذا شيئاً، ثم قال (¬8): ¬

_ (¬1) انظر: "العلل الكبير" للترمذي (1/ 352). (¬2) (3/ 335). (¬3) في "معالم السنن" (2/ 826). (¬4) (1/ 263 رقم 66)، وانظر: "الميزان" (2/ 81 رقم 2905). (¬5) الترمذي في "السنن" رقم (735). (¬6) في "السنن" (3/ 112). (¬7) أي: الترمذي في "السنن" (3/ 112). (¬8) أي: الترمذي في "السنن" (3/ 113).

وقد ذهب قوم من أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيرهم إلى هذا الحديث، فرأوا عليه القضاء إذا أفطر وهو قول مالك (¬1) بن أنس. الثامن: 8 - وعن أسماء بنت أبي بكر - رضي الله عنها - قالت: أَفْطَرْنَا عَلَى عَهْدِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ غَيْمٍ، ثُمَّ طَلَعَتِ الشَّمْسُ: قِيلَ لهِشَامٍ: فَأُمِرُوا بِالقَضَاءِ؟ قَالَ: بُدٌّ مِنْ قَضَاءٍ. أخرجه البخاري (¬2)، وأبو داود (¬3). [صحيح] حديث (أسماء بنت أبي بكر) ترجم له البخاري (¬4): باب من أفطر في رمضان (¬5). أي: ظانًّا غروب الشمس ثم طلعت. قوله: "يَوم غيمٍ". في رواية أبي داود (¬6): "في يوم غيم". قوله: "قيل لهشام" ابن عروة؛ لأنَّه أحد رواته عن فاطمة عن أسماء. قوله: "لا بد من قضاء" قال في "الفتح" (¬7): هو استفهام إنكار محذوف الأداة والمعنى: لا بد من قضاء، ووقع في رواية (¬8) أبي ذر: "لا بد من قضاء" إلاَّ أنَّه من كلام هشام. ¬

_ (¬1) انظر: "عيون المجالس" (2/ 667). (¬2) في "صحيحه" رقم (1959). (¬3) في "السنن" رقم (2359). وهو حديث صحيح. (¬4) في "صحيحه" (4/ 199 الباب رقم 46 - مع الفتح). (¬5) باب إذا أفطر في رمضان، ثم طلعت الشمس. (¬6) في "السنن" رقم (2359) والذي فيه: "يوماً في رمضان في غيم .... " (¬7) (4/ 200). (¬8) ذكرها الحافظ في "الفتح" (4/ 200).

وقد اختلف في هذه المسألة، فذهب الجمهور إلى إيجاب القضاء، واختلف على عمر، فروى ابن أبي شيبة (¬1) وغيره أنه ترك القضاء، وروى مالك (¬2) عن عمر أنه قال لما أفطر ثم طلعت الشمس: "الخطب يسير وقد اجتهدنا"، وزاد عبد الرزاق (¬3): "ونقضي يوماً". وجاء ترك القضاء عن مجاهد، والحسن، وبه قال إسحاق، وأحمد (¬4) في رواية، واختاره ابن خزيمة (¬5)، وقال: قول هشام: لا بد من قضاء لم يسنده، ولا تبين عندي أنَّ عليهم قضاء. قال الحافظ ابن حجر (¬6): ورجح الأول أنَّه لو غمّ هلال رمضان، فأصبحوا مفطرين، فتبين أنَّ ذلك اليوم من رمضان فالقضاء واجب بالاتفاق، انتهى. قوله: "أخرجه البخاري وأبو داود". التاسع: 9 - وعن أسلم قال: فَعَلَ ذَلِكَ عُمَرُ، يَعْنِي: القَضَاءَ، وَقَالَ الخَطْبُ يَسِيرٌ: وَقَدِ اجْتَهَدْنَا. أخرجه مالك (¬7). [موقوف صحيح] "الخَطْبُ" الأمر والشأن. حديث (أسلم) وهو أسلم العدوي مولى عمر ثقة مخضرم (¬8). ¬

_ (¬1) في "مصنفه" (3/ 24 - 25). (¬2) في "الموطأ" (1/ 303 رقم 44) وهو أثر موقوف صحيح. (¬3) في "مصنفه" رقم (7392). (¬4) انظر: "المغني" (4/ 391). (¬5) ذكره الحافظ في "الفتح" (4/ 200). (¬6) في "فتح الباري" (4/ 200). (¬7) في "الموطأ" (1/ 303 رقم 44) وهو أثر موقوف صحيح. (¬8) قاله ابن حجر في "التقريب" (1/ 64 رقم 465).

قوله: "فعل ذلك عمر" الحديث. قلت: لفظ ابن الأثير في "الجامع" (¬1): أنَّ عمر أفطر ذات يوم في رمضان في يوم ذي غيم [68 ب] ورأى أنَّه قد أمسى، وغابت الشمس فجاء رجل، فقال: يا أمير المؤمنين! طلعت الشمس، فقال عمر: "الخطب يسير" وقد اجتهدنا. قال مالك (¬2): يريد بقوله: "الخطب يسير" القضاء فيما يرى والله أعلم. لخفة مؤنته، ويسارته يقول: يصوم يوماً مكانه، انتهى. قلت: فلا أدري كيف جزم المصنف بأنه قال: أسلم أنه فعل عمر ذلك أي: القضاء، وهذه رواية "الجامع" (¬3) عن "الموطأ" (¬4) منادية بأنَّه استنبط مالك القضاء من قول عمر: الخطب يسير. وأنَّه رآه يريد عمر بقوله: الخطب يسير القضاء كما سمعته فيما نقلنا، فالقضاء لم ينقله أسلم عن عمر، ولا قال: إنَّ عمر قضى، بل هو كلام مالك برأيه أنه أراد عمر ذلك، بل الذي يظهر من قول عمر: وقد اجتهدنا، أنَّه لا قضاء؛ لأنَّ المجتهد إذا ظهر خطؤه فهو معفو عنه، وإذا كان معفو عنه فلا يجب عليه القضاء، ولذا لم يأخذ الحافظ ابن حجر (¬5) أنَّ لعمر قولاً بالقضاء إلاَّ من زيادة عبد الرزاق (¬6)، ويقضي يوماً لا من قوله: الخطب يسير وقد اجتهدنا. ¬

_ (¬1) (6/ 421 رقم 4614). (¬2) في "الموطأ" (1/ 303). (¬3) (6/ 421). (¬4) (1/ 303). (¬5) في "فتح الباري" (4/ 200). (¬6) في "مصنفه" رقم (7392).

قوله: "أخرجه مالك" قد سمعت اللفظ (¬1) الذي أخرجه مالك. العاشر: 10 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ مَرَضٍ وَلاَ رُخْصَةٍ لَم يَقْضِهِ صَوْمُ الدَّهْرِ كُلِّهِ, وَإِنْ صَامَهُ". أخرجه البخاري (¬2) تعليقاً، وأبو داود (¬3) والترمذي (¬4). [ضعيف] حديث (أبي هريرة) جعله ابن الأثير (¬5) نوعاً سادساً في تشديد الإفطار. قوله: "- صلى الله عليه وسلم -: "من أفطر يوماً من رمضان من [غير رخصة ولا مرض] (¬6) "عطف خاص على عام. قوله: "لم يقضه (¬7) صوم الدهر كلّه، وإن صامه". ¬

_ (¬1) وهو برقم (91). (¬2) في "صحيحه" (4/ 160 الباب رقم 160 - مع الفتح). (¬3) في "السنن" رقم (2396). (¬4) في "السنن" رقم (723). وأخرجه أحمد (2/ 386)، وابن ماجه رقم (1672) والدارمي رقم (1715)، والنسائي في "الكبرى" رقم (3281، 3282)، والبيهقي في "السنن" (4/ 228)، وفي الشعب رقم (3653) و (3654)، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" رقم (1521، 1522)، وابن خزيمة رقم (1987). وهو حديث ضعيف. (¬5) في "الجامع" (6/ 421). (¬6) كذا في "الشرح"، والذي في نص الحديث: من غير مرض ولا رخصة. (¬7) قال ابن المنير في حاشيته على البخاري: إن معنى قوله في الحديث: "لم يقض عنه صيام الدهر" أي: لا سبيل إلى استدراك كما له فضيلة الأداء بالقضاء، أي: في وصفه الخاص، وإن كان يقضى عنه في وصفه العام, فلا يلزم من ذلك إهدار القضاء بالكلية). وتعقبه الحافظ في "الفتح" (4/ 161) ولا يخفى تكلفه.

قوله: "أخرجه البخاري تعليقاً وأبو داود والترمذي". قلت: لفظ ابن الأثير في "الجامع" (¬1) أخرجه الترمذي (¬2) وأخرجه أبو داود (¬3)، ولم يذكر المرض، وَلاَ كلمة "وإن صامه". انتهى، ثم قال: أخرجه البخاري (¬4) قال: ويذكر عن أبي هريرة وقال: من غير عذر ولا مرض، انتهى. وهذه العبارة وهي قول البخاري، ويذكر لا تسمى تعليقاً بل هو مقطوع، ولذا قال الحافظ (¬5): إنَّه وصله أصحاب السنن (¬6) الأربعة، وصححه ابن خزيمة (¬7). انتهى. قال الترمذي (¬8): سألت محمداً يعني: البخاري عن هذا الحديث، فقال ابن المطوس: اسمه يزيد (¬9) بن المطوس لا أعرف له غير هذا الحديث. وقال البخاري في "التاريخ" - أيضاً - تفرد ابن المطوس بهذا الحديث، ولا أدري سمع أبوه من أبي هريرة أم لا. انتهى. [69 ب] كلام الحافظ (¬10)، إلاَّ أنَّه ليس (¬11) في الترمذي عن ¬

_ (¬1) (6/ 421 - 422). (¬2) في "السنن" رقم (723). (¬3) في "السنن" رقم (2396). (¬4) في "صحيحه" (4/ 160 الباب رقم 160 - مع الفتح). (¬5) في "فتح الباري" (4/ 161). (¬6) أخرجه أبو داود رقم (2396) , والترمذي رقم (723) , وابن ماجه رقم (1672) , والنسائي في "الكبرى" رقم (3281)، و (3282). (¬7) في "صحيحه" رقم (1987). (¬8) في "السنن" (3/ 101). (¬9) انظر: "التقريب" (2/ 473 رقم 84). (¬10) في "فتح الباري" (4/ 161). (¬11) وهو كما قال الشارح.

في الكفارة

البخاري زيادة، ولا أدري، بل هي من التاريخ كما نقله الحافظ (¬1) ثم قال (¬2): قلت: واختلف فيه على حبيب (¬3) بن أبي ثابت اختلافاً كثيراً، فحصلت فيه ثلاث علل: الاضطراب، والجهل بحال ابن المطوس، والشك في سماع أبيه من أبي هريرة، وهذه الثالثة تختص بطريقة البخاري في اشتراط اللقاء، ثم قال: وعلى تقدير صحته، فظاهره قول من ذهب إلى عدم القضاء في الفطر بالأكل، بل يبق ذلك في ذمته زيادة في عقوبته؛ لأنَّ مشروعية القضاء تقتضي رفع الملام، لكن لا يلزم من عدم القضاء عدم الكفارة فيمن ورد فيه الأمر بها، وهو الجماع، والفرق بين الانتهاك بالجماع والأكل ظاهر، فلا يتم القياس، وقد أطال النقل عن السلف واختلافهم في القضاء وفي كميته عند من قال به. في الكفارة قوله: "في الكفارة" أي: في بيان حكم الكفارة لمن أفطر بالجماع أي: عمداً عالماً، ولم يكن له شيء يعتق، أو يطعم، ولا يستطيع الصيام. الأول: 1 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا رَسولَ الله: هَلَكْتُ. قَالَ: "مَا أَهْلَكَكَ؟ " قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى أَهْلِي وَأَنَا صَائِمٌ، فَقَالَ: "تَجِدُ رَقَبَةً تَعْتِقُهَا؟ ". قَالَ: لاَ. قَالَ: "فَهَلْ تَسْتَطِيْعُ أَنْ تصُوْمَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟ ". قَالَ: لاَ. قَالَ: "هَلْ تَجِدُ إِطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟ ". قَالَ: لاَ. قَالَ: فَاجْلِسْ، فَبَيْنَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ إِذْ أُتِي - صلى الله عليه وسلم - بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ، فَقَالَ: "أَيْنَ السَائِلُ؟ " قَالَ: أنَا. قَالَ: "خُذْ هَذَا ¬

_ (¬1) في "الفتح" (4/ 161). (¬2) ابن حجر في "الفتح" (4/ 161). (¬3) انظر: "الميزان" (1/ 451 رقم 1690).

فَتَصْدَقُ بِهِ" قَالَ: أعَلَى أفْقَرَ مِنِّي، فَوَالله مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا أَهْلُ بَيْتٍ أَفْقَرُ مِنَّا، فَضَحِكَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ قَالَ: "أَطْعِمْهُ أَهْلَكَ". أخرجه الستة (¬1) إلا النسائي. [صحيح] "وَالعَرَقُ" (¬2): الزّنبيل. "اللَّابَةُ (¬3): الأرض ذات الحجارة السود الكثيرة، وهي الحرة ولابتا المدينة: حرّتاها من جانبيها. قوله: حديث (أبي هريرة قال: جاء رجل) قال الحافظ (¬4): لم أقف على تسميته إلاَّ أنَّ عبد الغني في "المبهمات" (¬5) وتبعه ابن بشكوال جزماً بأنَّه سلمان أو سلمة بن صخر البياضي، وذكر مستندهما في ذلك ورده. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (1936)، ومسلم رقم (81/ 1111)، وأبو داود رقم (2390، 2393)، والترمذي رقم (724)، وابن ماجه رقم (1671) ومالك في "الموطأ" (1/ 296، 297). وهو حديث صحيح. (¬2) انظر: "الصحاح" للجوهري (5/ 1809). والعرق: مكيال للجامدات يعرفه أهل الحجاز قبل الإسلام وبعده. والعرق الشرعي قدرته الشريعة بخمسة عشر صاعاً أو ما يعادل مداً شرعياً، على اعتباره الصاع أربعة أمداد. فالعرق الشرعي: 15 صاعاً. والعرق الشرعي: 32.625 كيلوا غراماً. واسعة العرق الشرعي = 41.25 لتراً. وانظر: كتابنا "الإيضاحات العصرية للمقايس والمكاييل والأوزان"، (ص 89 - 92). (¬3) انظر: "الصحاح" (1/ 220) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 618). (¬4) في "فتح الباري" (4/ 164). (¬5) "المبهمات" لعبد الغني بن سعيد الأزدي (ت 409 هـ) واسمه الغوامض والمبهمات، ذكره له جماعة. انظر: "معجم المصنفات" (ص 345 رقم 1097). =

قوله: "فقال: يا رسول الله" زاد بعض الرواة (¬1) عن الزهري: "جاء رجل وهو ينتف شعره, ويدق صدره، فقال: إنَّ الأخِرَ هلك". وهو بهمزة مفتوحة، وخاء معجمة مكسورة بغير مدّ هو الأبعد، وقيل: الغائب، وقيل: الأرذل. قوله: "هلكت" في حديث عائشة "احترقت" واستدل (¬2) به على أنَّه كان عامداً؛ لأنَّ الهلاك والاحتراق مجاز عن العصيان المؤدي إلى ذلك، فكأنَّه جعل المتوقع كالواقع، وبالغ فيه فعبر عنه بلفظ الماضي، وإذا تقرر هذا فليس فيه حجة على وجوب الكفارة على الناسي، وهو مشهور قول مالك (¬3)، والجمهور (¬4)، وعن أحمد (¬5) وبعض المالكية يجب على الناسي، وتمسكوا بعدم استفصاله عن جماعة هل كان عن عمد أو نسيان؟ وترك الاستفصال في الفعل ينزل منزلة العموم في القول كما اشتهر. ¬

_ = قال ابن عبد البر في "التمهيد": أظن هذا وهماً؛ لأن المحفوظ أنه ظاهر من امرأته ثم وقع عليها، لا أنه كان ذلك منه في رمضان، والله أعلم. وقال محققه: "لعل مستند من قال أنه سلمة بن صخر، ما رواه الحاكم (2/ 204) وغيره "أنه ظاهر من امرأته حتى ينسلخ رمضان, ثم وطأها في المدة ... " الحديث. والذي يؤيد ما ذكره ابن عبد البر أن في قصة المجامع في حديث الباب أنه كان صائماً، وفي قصة سلمة بن صخر أن ذلك كان في رمضان, ولكنه ليلاً. انظر: "فتح الباري" (4/ 164). (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (4/ 164). (¬2) ذكره الحافظ في "الفتح" (4/ 164). (¬3) انظر: "المدونة" (1/ 185)، "عيون المجالس" (2/ 631). (¬4) انظر: "المجموع شرح المهذب" (6/ 352). (¬5) "المغني" (4/ 367 - 368).

والجواب (¬1): أنَّه قد تبين حاله بقوله: هلكت واحترقت، فدل على أنَّه كان عامداً عالماً [70 ب] بالتحريم - وأيضاً - فدخول النسيان في الجماع في نهار رمضان في غاية البعد، [واستدل به على أنَّ من جاء] (¬2) مستفتياً أنَّه لا يعزر؛ لأنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يعاقبه مع اعترافه بالمعصية، وتوجيهه أنَّ مجيئه مستفتياً يقتضي الندم والتوبة والتعزير، إنما شرع للاستصلاح، ولا استصلاح مع الصلاح. قوله: "وقعت على أهلي وأنا صائم" جملة حالية (¬3) أي: حال كوني صائماً، وفي رواية: "وقعت على أهلي ظهراً في رمضان" (¬4). قوله: "هل تجد رقبة تعتقها؟ " في رواية (¬5): "بئس ما صنعت، اعتق رقبة". (قال: لا) في رواية (¬6): "فقال: لا والله يا رسول الله". وفي أخرى (¬7): "والذي بعثك بالحق ما ملكت رقبة"، واستدل بإطلاق الرقبة على أجزاء الرقبة الكافرة كما تقوله الحنفية (¬8)، ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (4/ 164). (¬2) كذا في (أ. ب) والذي في "الفتح" واستدل بهذا على أن من ارتكب معصية لا حدَّ فيها وجاء ... (¬3) ذكره الحافظ في "الفتح" (4/ 165). (¬4) عزاه ابن حجر في "الفتح" (4/ 165) لسعيد بن منصور. حيث قال: وقد وقع في مرسل ابن المسيب عند سعيد بن منصور. (¬5) وهي من رواية مجاهد عن أبي هريرة. (¬6) وهي من رواية ابن مسافر. (¬7) وهو من رواية ابن عمر. ذكر ذلك وغيره الحافظ في "الفتح" (4/ 165). (¬8) "البناية في شرح الهداية" (3/ 666 - 667).

وهو ينبني على أنَّ السبب إذا اختلف واتحد الحكم هل يقيد المطلق أو لا؟ وهل تقييده بالقياس أو لا؟ قال الحافظ (¬1): والأقرب أن تقييده بالقياس. قوله: "فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال لا". وفي رواية (¬2): "لا أقدر"، وفي أخرى (¬3): "وهل لقيت ما لقيت إلاَّ من الصوم". قوله: "قال: هل تجد إطعام ستين مسكيناً؟ قال: لا". وفي رواية (¬4): "قال: والذي بعثك بالحق ما أشبع أهلي". قال ابن دقيق العيد (¬5): أضاف الإطعام الذي هو مصدر أطعم إلى ستين، فلا يكون ذلك موجوداً في حق من أطعم ستة مساكين في عشرة أيام مثلاً، ومن أجاز ذلك فكأنَّه استنبط من النص معنى يعود عليه بالإبطال، والمشهور عن الحنفية (¬6) الإجزاء حتى لو أطعم (¬7) مسكيناً واحداً في ستين يوماً كفى. والمراد بالإطعام (¬8): الإعطاء, لا حقيقة الإطعام من وضع المطعوم في الفم، بل يكفي الوضع بين يديه بلا خلاف، وفي ذكر الإطعام ما يدل على وجود طاعمين فيخرج الطفل الذي لم يطعم كقول الحنفية، ونظر الشافعية إلى النوع وقالوا: يسلم لوليه. ¬

_ (¬1) في "فتح الباري" (4/ 16). وانظر. "إرشاد الفحول" (ص 541 - 544) بتحقيقي. (¬2) من رواية إبراهيم بن سعد. (¬3) وهي من رواية ابن إسحاق. (¬4) وهي من رواية ابن عمر - رضي الله عنهما -. (¬5) في "إحكام الأحكام" (2/ 216). (¬6) "البناية في شرح الهداية" (3/ 668 - 670). (¬7) انظر: "المفهم" (3/ 170). (¬8) ذكره الحافظ في "الفتح" (4/ 166).

فائدة (¬1): ذكر في حكمة هذه الخصال: أنَّ من انتهك حرمة الصوم بالجماع فقد أهلك نفسه بالمعصية, فناسب أن يقوي نفسه برقبة يعتقها، وقد صحّ: أنَّ "من أعتق رقبة أعتق الله بكل عضو منه عضواً منه من النار" (¬2). وأمَّا الصيام فمناسبته ظاهرة [كالمعاقبة] (¬3) [71 ب] بجنس الجناية، وأمَّا الإطعام فمناسبته ظاهرة؛ لأَنَّه مقابلة كل يوم بإطعام مسكين، وفيه دليل على وجوب الكفارة بالجماع خلافاً لمن شذَّ فقال: لا يجب مستنداً إلى أنَّه لو كان واجباً لما سقط بالإعسار، وأجيب بأنَّها تسقط [بالإعسار] (¬4) ويأتي استيفاء الكلام على ذلك، وفي الحديث دليل على أنَّ التكفير بالخصال المذكورة على الترتيب. قال ابن العربي (¬5): لأنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - نقله من أمر بعد عدمه إلى أمر آخر، وليس هذا شأن التخيير، ونازع القاضي عياض (¬6) في ظهور دلالة الترتيب في السؤال على ذلك، وقال البيضاوي (¬7): ترتيب الثاني بالفاء على فقد الأول، ثم الثالث بالفاء على فقد الثاني، يدل على عدم التخيير مع كونها في معرض البيان وجواب السؤال، فينزل منزلة الشرط للحكم. ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (4/ 166). (¬2) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من أعتق رقبة مسلمةً أعتق الله بكل عضوٍ منه عضواً من النار حتى فرجه بفرجه". أخرجه البخاري رقم (2517)، ومسلم رقم (22/ 1509). وهو حديث صحيح. (¬3) كذا في (أ. ب) والذي في "الفتح" كالمقاصة. (¬4) سقطت من (أ. ب) وأثبتناها من "الفتح". (¬5) في "عارضة الأحوذي" (3/ 252 - 253). (¬6) في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (4/ 57). (¬7) ذكره الحافظ في "الفتح" (4/ 167).

قلت: وهو الأرجح بل المتعين. قوله: "بعَرق" (¬1) بفتح المهملة والراء بعدها قاف. "فيه تمر" زاد البخاري (¬2) والعرق المكتل - بكسر الميم وسكون الكاف وفتح المثناة الفوقية قال الحافظ (¬3): إنَّه تفسير من أحد رواته. قوله: "فقال: أين السائل؟ قال: أنا". وفي حديث عائشة أين المحترق آنفاً، قال ابن الأثير (¬4): قال مالك (¬5): قال عطاء، فسألت ابن المسيب: كم في ذلك العرق من التمر؟ فقال: ما بين خمسة (¬6) عشر صاعاً إلى عشرين صاعاً. قوله: "فقال: تصدق به عن نفسك" واستدل بإفراده بذلك على أنَّ الكفارة عليه وحده دون الموطوءة، وكذا قوله في المراجعة: "هل تستطيع؟ " هل تجد؟ وغير ذلك، وهو الأصح من قول الشافعي (¬7) والأوزاعي (¬8). وقال الجمهور (¬9): تجب الكفارة على المرأة - أيضاً - على اختلاف وتفاصيل لهم في الأَمَة والحرة والمطاوعة، والمكرهة، وهل هي عليها أو على الزوج عنها؟. ¬

_ (¬1) تقدم شرحه. (¬2) في "صحيحه" رقم (1936). (¬3) في "فتح الباري" (4/ 168). (¬4) في "الجامع" (6/ 424). (¬5) في "الموطأ" (1/ 297). (¬6) تقدم ذكره. (¬7) "المجموع شرح المهذب" (6/ 366). (¬8) ذكره ابن قدامة في "المغني" (4/ 376). (¬9) قال الجمهور وأبو ثور، وابن المنذر: تجب الكفارة على المرأة أيضاً على اختلاف وتفاصيل لهم ... وانظر: "المغني" (4/ 376 - 378).

واستدل الشافعية (¬1) بسكوته - صلى الله عليه وسلم - عن إعلام المرأة بوجوب الكفارة مع الحاجة، وأجيب بمنع وجوب الحاضر إذْ ذاك إذْ لم تعترف، وبأنَّها قصة حال، فالسكوت عنها لا يدل على الحكم، لاحتمال أن تكون المرأة غير صائمة لعذر من الأعذار، ثم إنَّ بيان الحكم للرجال بيان في حقها لاستوائهما في تحريم الفطر، وانتهاك حرمة الصوم كما علم، والتنصيص على الحكم [72 ب] في بعض المكلفين كافٍ في حق الباقين. قال القرطبي (¬2): اختلفوا في الكفارة: هل هي على الرجل وحده عن نفسه فقط؟ أو عليه وعليها؟ أو عليه كفارتان عنه وعنها؟ أو عليه على نفسه وعليه عنها؟ وليس في الحديث ما يدل على شيء من ذلك؛ لأنَّه سكت عن المرأة فيؤخذ حكمها من دليل آخر مع احتمال أن يكون سبب السكوت أنَّها كانت غير صائمة. قوله: "فقال: أَعَلَى أفقر مني؟ " أي: أتصدق على شخص أفقر مني، وهذا يشير إلى أنَّه فهم الإذن له في التصدق على مَنْ يتصف بالفقر. قوله: "فوالله ما بين لابتيها أهل بيت أفقر منَّا" تثنية لابة، ويريد الحرتين، وأفقر منصوب على أنَّه خبر ما النافية، ويجوز الرفع على لغة تميم (¬3). قوله: "فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -". قيل: إنَّ سبب ضحكه - صلى الله عليه وسلم - كان من شأن حال الرجل جاء خائفاً على نفسه راغباً في فدائها فيما أمكنه، فلما وجد الرخصة طمع في أن يأكل ما أعطيه من الكفارة. ¬

_ "المجموع شرح المهذب" (6/ 363 - 369). "فتح الباري" (4/ 170). (¬1) في "الأم" (3/ 251 - 252). (¬2) في "المفهم" (3/ 172 - 173). (¬3) ذكره الحافظ في "الفتح" (4/ 171).

قوله: "أطعمه أهلك". قال ابن دقيق العيد (¬1): تباينت في هذه القصة المذاهب، فقيل: إنَّه دل على سقوط الكفارة بالإعسار المقارن لوجودها؛ لأنَّ الكفارة لا تصرف إلى النفس ولا إلى العيال، ولم يبين النبي - صلى الله عليه وسلم - استقرارها في ذمته إلى حين يساره وهو أحد قولي الشافعي (¬2)، وبيان ذلك بصدقة الفطر حيث تسقط بالإعسار المقارن لسبب وجوبها، وهو هلال الفطر، لكن الفرق بينهما: أنَّ صدقة الفطر لها أمد تنتهي إليه، وكفارة الجماع لا أمد لها، فتستقر في الذمة، وليس في الخبر ما يدل على إسقاطها على العاجز، والجمهور (¬3) قالوا: والذي أذن له فيه ليس على سبيل الكفارة، ثم اختلفوا فقال الزهري: هو خاص بهذا الرجل، وإليه مال إمام الحرمين وردّ بأنَّ الأصل عدم الخصوصية, قال الشيخ تقي الدين (¬4): أقوى من ذلك أنْ يجعل الإعطاء لا على أنَّه من جهة الكفارة، بل من جهة التصدق عليه، وعلى أهله بتلك الصدقة، لما ظهر من حاجتهم. وأمَّا الكفارة فلم تسقط بذلك، لكن استقرارها في ذمته مأخوذ من دليل آخر (¬5). قلت: وهذه الأقوال مبنية على أنَّه قد ثبت النص [73 ب] أو الإجماع أنَّه لا يأكل الرجل، ولا أهله من كفارته، وإلاَّ فلو قيل: أنَّه دل الحديث على إجزائها في أكله وأكل أهله، ولا مانع عنه مع اعتباره أنَّه صدقة منه عليهم، ونفقة الرجل على أهله صدقة، فلا ينافي قوله - صلى الله عليه وسلم -: "فتصدق به". ¬

_ (¬1) في "إحكام الأحكام" (2/ 216 - 217). (¬2) انظر: "الأم" (3/ 250)، "المجموع شرح المهذب" (6/ 369). (¬3) انظر: "فتح الباري" (4/ 171)، "المغني" (4/ 385). (¬4) ذكره الحافظ في "الفتح" (4/ 172). (¬5) قال الحافظ في "الفتح" (4/ 172)، ولكن ليس استقرارها في ذمته مأخوذاً من هذا الحديث.

لكن قعد الفقهاء قواعد يستشكلون بها بعض ما ورد من النصوص، فلو قامت أدلة على القاعدة ناهضة لتعين تأويل الحديث لكنَّا لم نجد لهم دليلاً ناهضاً على القاعدة، وقد ورد ما يدل على إجزاء الكفارة عنه بإنفاقها في أهله، وعلى الإسقاط وهو قوله - صلى الله عليه وسلم -: "فكله وأنت وعيالك وقد كفر الله عنك" (¬1). إلاَّ أنَّه قال الحافظ ابن حجر (¬2): إنَّه ضعيف. بقي الكلام في قضاء اليوم الذي أفطره بالوقاع، فإنَّه لم يقع في الصحيحين ذكر قضاءه إلاَّ أنَّه ورد الأمر بالقضاء في رواية من طرق. قال الحافظ ابن حجر (¬3) بعد ذكرها: إنَّ مجموعها (¬4) يفيد أنَّ لها أصلاً، وأنَّه يجب القضاء. ¬

_ (¬1) قال الحافظ في "التلخيص" (2/ 398) " ... وتعقب بأن الدارقطني أخرج من طريق أهل البيت إلى علي بن أبي طالب أن رجلاً قال: يا رسول الله! هلكت ... فذكر الحديث" إلى أن قال: فقال: "انطلق فكله أنت وعيالك، فقد كفر الله عنك ... " لكن الحديث ضعيف؛ لأن في إسناده من لا تعرف عدالته. (¬2) في "فتح الباري" (4/ 172) حيث قال: ولكنه حديث ضعيف، ولا يحتج بما انفرد به. وانظر: "التلخيص" (2/ 398). (¬3) في "الفتح" (4/ 182). (¬4) منها ما أخرجه أبو داود رقم (2393)، وهو حديث منكر بزيادة "صمّ يوماً" ومنها ما أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (4/ 226)، من طريق إبراهيم بن سعد عن الليث عن الزهري. وحديث إبراهيم بن سعد في "الصحيح" أي: صحيح مسلم رقم (83/ 1111) عن الزهري نفسه بغير هذه الزيادة. وحديث الليث عن الزهري في "الصحيحين" البخاري رقم (6821)، ومسلم رقم (1111). بدون هذه الزيادة. وانظر: "التلخيص" (2/ 396).

فائدة: لا تشبه قصة المحترق هذه ما ذكره في "عدة القاري والسامع" (¬1) للبخاري عن أبي هريرة: "إنَّه جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه - فقال: إني ألممت بذنب عظيم فماذا يكفر عني؟ قال: عليك بالجهاد. قال: والذي بعثك بالحق إني لمن أجبن الناس، وما آتي حاجتي إلاَّ ومعي مؤنسي من أهلي. قال: عليك بالصلاة. قال: والذي بعثك بالحق إني لمن أهل بيت ينامون عن الصلاة ولولا أنَّ أهلي يوقظوني للفريضة لما انتبهت ولا قمت إليها. قال: عليك بالصوم، قال: والذي بعثك بالحق ما أشبع من أكل، وضحك النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى بدت نواجذه والناس حوله. قال: عليك بكلمتين خفيفتين على اللسان، ثقيلتين في الميزان، يرضيان الرحمن: سبحان الله وبحمده, سبحان الله العظيم، وهما القريبتان". انتهى. قوله: "أخرجه الستة إلاَّ النسائي". قوله: "اللابة: الأرض ذات الحجارة السود". قلت: ويقال لها: لوبة (¬2) ونوبة بالنون ثلاث لغات مشهورات. ¬

_ (¬1) لم أقف عليه. (¬2) انظر: "الصحاح" للجوهري (1/ 220). قال النووي في "المجموع شرح المهذب" (6/ 381 - 383): فرع في مذاهب العلماء في كفارة الجماع في صوم رمضان وما يتعلق بها وفيه مسائل: إحداها: قد ذكرنا أن مذهبنا - أي الشافعية - أن من أفسد صوم يوم من رمضان بجماع تام أثم به، بسبب الصوم لزمته الكفارة. وبهذا قال (مالك) و (أبو حنيفة) و (أحمد) و (داود) والعلماء كافة إلا ما حكاه العبدري وغيره من أصحابنا عن الشعبي، وسعيد بن جبير، والنخعي، وقتادة أنهم قالوا: لا كفارة عليه كما لا كفارة عليه بإفساد الصلاة. دليلنا حديث أبي هريرة - المتقدم برقم (1663) من كتابنا هذا - حتي قصة الأعرابي، ويخالف الصلاة فإنه لا مدخل للمال في جبرانها. (الثانية): يجب على المكفر مع الكفارة قضاء اليوم الذي جامع فيه. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = هذا هو المشهور من مذهبنا وفيه خلاف سبق. قال العبدري: وبإيجاب قضائه قال جميع الفقهاء سوى الأوزاعي فقال: إن كفر بالصوم لم يجب قضاءه، وإن كفر بالعتق أو الإطعام قضاه. (الثالثة): قد ذكرنا أن الصحيح من مذهبنا أنه لا يجب على المرأة كفارة أخرى وبه قال أحمد. وقال مالك وأبو حنيفة، وأبو ثور، وابن المنذر: عليها كفارة أخرى وهي رواية عن أحمد. (الرابعة): هذا الكفارة على الترتيب فيجب عتق رقبة, فإن عجز فصوم شهرين متتابعين، فإن عجز فإطعام ستين مسكيناً. وبه قال أبو حنيفة، والثوري، والأوزاعي، وأحمد في أصح الروايتين عنه. وقال مالك: هو مخير بين الخصال الثلاث وأفضلها عنده الإطعام. وعن الحسن البصري أنه مخير بين عتق رقبة ونحر بدنة، واحتجا بحديثين على وفق مذهبيهما. دليلنا حديث أبي هريرة - المتقدم - وأما حديث الحسن فضعيف جداً. وحديث مالك يجاب عنه بجوابين: (أحدهما): حديثنا أصح وأشهر. و (الثاني): أنه محمول على الترتيب جمعاً بين الروايات. (الخامسة): يشترط في صوم هذه الكفارة عندنا - أي الشافعية - وعند الجمهور التتابع، وجوز ابن أبي ليلى تفريقه لحديث في صوم شهرين من غير ذكر الترتيب. دليلنا حديث أبي هريرة السابق وهو مقيد بالتتابع فيحمل المطلق عليه. (السادسة): إذا كفر بالإطعام فهو إطعام ستين مسكيناً كل مسكين مد، سواء البر والزبيب والتمر وغيرها. وقال أبو حنيفة: يجب لكل مسكين مدان من حنطة, أو صاع من سائر الحبوب، وفي الزبيب عنه روايتان: رواية صاع، ورواية مدان. (السابعة): لو جامع في صوم غير رمضان من قضاء أو نذر أو غيرهما، فلا كفارة كما سبق، وبه قال الجمهور. وقال قتادة: تجب الكفارة في إفساد قضاء رمضان. اهـ

قوله: "من جانبيها". أي: الشرقية والغربية والمدينة [74 ب] بينهما ولها - أيضاً - حرَّة من القبلة، وحرَّة من الشام، لكنهما يرجعان إلى الشرقية والغربية، فيتصلان بهما، وحرم المدينة ما بين لابتيها عرضاً، ومن عير إلى ثور عرضاً (¬1). الثاني: 2 - حديث مالك (¬2): أَنَّهُ بَلَغَهُ: أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ - رضي الله عنه - كَبِرَ حَتَّى كَانَ لاَ يَقْدِرُ عَلَى الصِّيَامِ فَكَانَ يَفْتَدِي. [موقوف صحيح] قوله: "فكان يفتدي" أي: يخرج فدية عن صيامه بناءً على بقاء الفدية (¬3) على الشيخ "الكبير". الثالث: 3 - وعنه: أَنَّهُ بَلَغَهُ (¬4): أَنَّ عَبْدَ الله بْنَ عُمَرَ - رضي الله عنهما - سُئِلَ عَنِ المَرْأَةِ الحَامِلِ إِذَا خَافَتْ عَلَى وَلَدِهَا، وَاشْتَدَّ عَلَيْهَا الصِّيَامُ؟ فَقَالَ: تُفْطِرُ وَتُطْعِمُ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا مُدًّا مِنْ حِنْطَةٍ بِمُدِّ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. [موقوف صحيح] ¬

_ (¬1) انظر: "فتح الباري" (4/ 171). (¬2) في "الموطأ" (1/ 307 رقم 51) - وهو أثر موقوف صحيح. (¬3) أخرجه الحاكم (1/ 440)، وصححه ووافقه الذهبي والدارقطني في "السنن" (2/ 205 رقم 6) بسند صحيح، عن ابن عباس أنه قال: رخص للشيخ الكبير أن يفطر ويطعم عن كل يوم مسكيناً ولا قضاء عليه. وأخرج البخاري في "صحيحه" رقم (4505) عن عطاء سمع ابن عباس يقرأ: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184]. قال ابن عباس: ليست منسوخة, هي للشيخ الكبير، والمرأة الكبيرة, ولا يستطيعان أن يصوما فيطعمان مكان كل يوم مسكيناً. (¬4) في "الموطأ" (1/ 308 رقم 52) وهو أثر موقوف صحيح.

قوله: "وعن مالك: أنَّه بلغه". قوله: "فقال: تفطرُ وتطعم مكان كل يوم مسكيناً مدّاً من حنطة بمدّ النبي - صلى الله عليه وسلم - ". هذه فتيا من ابن عمر، وقد وافقه عليها أئمةٌ، وظاهره ولا قضاء عليها بعد ذلك. وأخرج الترمذي (¬1) عن أنس بن مالك الكعبي: "أنَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: إنَّ الله وضع عن المسافر شطر الصلاة، وعن الحامل والمرضع الصوم أو الصيام". قال الترمذي (¬2): إنَّه حديث حسن، والعمل عليه عند بعض أهل العلم. وقال بعض أهل العلم: يفطران، ويطعمان ويقضيان. وبه يقول سفيان ومالك والشافعي وأحمد، وقال بعضهم: يفطران ويطعمان ولا قضاء عليهما، وإن شاءَتا قضتا ولا إطعام عليهما. انتهى (¬3). وفي "الموطأ" (¬4) بعد روايته قال مالك: وأهل العلم يرون عليهما القضاء كما قال تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (¬5). ويرون ذلك مرضاً من الأمراض مع الخوف على ولدها. انتهى. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (715). وأخرجه أحمد (4/ 347)، وأبو داود رقم (2408)، والنسائي رقم (2277) وابن ماجه رقم (1667). قلت: رجاله ثقات، غير أبي هلال الراسبي، واسمه محمد بن سليم مولى بني سلمة بن لؤي فيه كلام يسير، ولعل الصواب أن حديثه حسن. انظر: "التاريخ الكبير" (1/ 105)، "الجرح والتعديل" (7/ 273)، "الميزان" (3/ 574). وهو حديث حسن. والله أعلم. (¬2) في "السنن" (3/ 95). (¬3) قاله الترمذي في "السنن" (3/ 95). (¬4) (1/ 308). (¬5) سورة البقرة الآية: (184).

والحديثان كلاهما بلاغ، وقال مالك (¬1) بعد رواية حديث فدية أنس عن نفسه: ولا أرى ذلك واجباً، وأَحبُّ إليَّ أن يفعله (¬2). الرابع: حديث ابن عمر: 4 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما -: عنِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامُ شَهْرٍ رَمَضَانَ، فَلْيُطْعِمْ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا". أخرجه الترمذي (¬3)، وصحح وقفه على ابن عمر. [ضعيف] قوله: - صلى الله عليه وسلم -: "من مات وعليه صيام شهر رمضان فليطعم مكان كل يوم مسكيناً". تقدم ما يعارضه من أنَّه يصوم (¬4) عنه وليه، وتقدم البحث فيه، وذلك الحديث لا نزاع في صحته، وأمَّا هذا فقد رجح الترمذي أنَّه موقوف (¬5) على ابن عمر. قوله: "أخرجه الترمذي وصححه وقفه على ابن عمر". قلت: لم أجده (¬6) في الترمذي، وكأنَّه في نسخة، وكذلك لم أجده في "جامع" (¬7) ابن الأثير إنما فيه (¬8) عن ابن عمر حديث: "إنَّه لا يصوم أحد عن أحد، ولا يصلي أحد عن أحد". ¬

_ (¬1) في "الموطأ" (1/ 307). (¬2) وتمام العبارة كما في "الموطأ": إذا كان قوياً عليه، فمن فدى، فإنما يطعم، مكان كل يوم، مدّا بمد النبي - صلى الله عليه وسلم -. (¬3) في "السنن" رقم (718)، وقال الترمذي: حديث ابن عمر لا نعرفه مرفوعاً إلا من هذا الوجه، والصحيح عن ابن عمر موقوفاً. وأخرجه ابن ماجه رقم (1757)، وهو حديث ضعيف. والله أعلم. (¬4) تقدم وهو حديث صحيح من حديث عائشة - رضي الله عنها -. (¬5) وقال الدارقطني: "المحفوظ" وقفه على ابن عمر، وتابعه البيهقي على ذلك، "التلخيص الحبير" (2/ 399). (¬6) بل هو في "سنن الترمذي" رقم (718)، وهو حديث ضعيف. (¬7) بل هو في "الجامع" (6/ 428 رقم 4620). (¬8) في "الجامع" (6/ 409 رقم 4611).

وقال: أخرجه "الموطأ" (¬1)، انتهى، ولم أجد (¬2) حديث ابن عمر هذا في "الموطأ" فينظر [75 ب]. الخامس: 5 - وعن القاسم بن محمد: أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: "مَنْ كانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ رَمَضَانَ فَلَمْ يَقْضِهِ وَهُوَ قَوِيٌ عَلَى صِيَامِهِ حَتَّى جَاءَ رَمَضَانُ آخَرٌ، فَإِنَّهُ يُطْعِمُ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا مُدًّا مِنْ حِنْطَةٍ, وَعَلَيْهِ مَعَ ذَلِكَ القَضَاءُ". أخرجه مالك (¬3). [مقطوع صحيح] حديث (القاسم بن محمد). وهو ابن أبي بكر الصديق، كان أحد فقهاء المدينة السبعة أنه كان يقول: "من كان عليه قضاء رمضان فلم يقضه وهو قوي على صيامه". أي: لا عذر له عن الصوم. قوله: "حتى جاء رمضان آخر" قبل قضاءه صومه الأول. قوله: "فإنَّه يطعم مكان كل يوم مسكيناً مدّاً من حنطة وعليه مع ذلك القضاء". فالإطعام كفارة تأخير القضاء، وهذأ رأي من القاسم بن محمد، وهو مذهب الهادوية (¬4) ومالك (¬5). ¬

_ (¬1) (1/ 303 رقم 43)، وهو أثر موقوف صحيح، وقد تقدم. (¬2) وهو كما قال الشارح. (¬3) في "الموطأ" (1/ 308 رقم 53) وهو أثر مقطوع صحيح. (¬4) انظر: "البحر الزخار" (2/ 257). (¬5) انظر: "الاستذكار" (10/ 228 - 229). قال النووي في "شرح المهذب" (6/ 412 - 413): (فرع في مذاهب العلماء فيمن أخر قضاء رمضان بغير عذر حتى دخل رمضان آخر: قد ذكرنا أن مذهبنا - أي الشافعية - أنه يلزمه صوم رمضان الحاضر ثم يقضي الأول، ويلزمه عن كل يوم فدية, وهي مد من طعام. =

وأخرج الدارقطني (¬1) عن أبي هريرة مرفوعاً: "من لم يقضِ حتى دخل رمضان آخر صام الذي أدركه ثم يقضي ما عليه ثم يطعم عن كل يوم مسكيناً". إلاَّ أنَّه أخرجه من طريق عمر (¬2) بن موسى بن وجيه, وهو ضعيف جداً. والراوي عنه إبراهيم (¬3) بن نافع ضعيف أيضاً، ورواه من طريق أخرى موقوفاً وصححه، وصحح عن ابن عباس وابن عمر من قولهما. ¬

_ = وبهذا قال ابن عباس، وأبو هريرة, وعطاء بن أبي رباح، والقاسم بن محمد، والزهري، والأوزاعي، ومالك، والثوري، وأحمد، وإسحاق، إلا أن الثوري قال: الفدية مدَّان عن كل يوم. وقال الحسن البصري، وإبراهيم النخعي، وأبو حنيفة, والمزني، وداود: يقضيه ولا فدية عليه. أما إذا دام سفره ومرضه ونحوهما من الأعذار حتى دخل رمضان الثاني فمذهبنا - أي الشافعية - أنه يصوم رمضان الحاضر ثم يقضي الأول ولا فدية عليه؛ لأنه معذور. وحكاه ابن المنذر عن طاوس، والحسن البصري، والنخعي، وحماد بن أبي سليمان, والأوزاعي، ومالك، وأحمد، وإسحاق، وهو مذهب أبي حنيفة, والمزني، وداود. قال ابن المنذر: وقال ابن عباس، وابن عمر، وسعيد بن جبير، وقتادة: يصوم رمضان الحاضر عن الحاضر، ويفدي عن الغائب، ولا قضاء عليه). اهـ (¬1) في "السنن" (2/ 197 رقم 89) وقال الدارقطني: إبراهيم بن نافع، وعمر بن موسى بن وجيه: ضعيفان. (¬2) عمر بن موسى بن وجيه الميتمي الوجيهي الحمصي. قال البخاري: منكر الحديث، وقال ابن معين: ليس ثقة, وقال ابن عدي: هو ممن يضع الحديث متناً وإسناداً. "الميزان" (3/ 224 رقم 6222). (¬3) إبراهيم بن نافع الجلاب، بصري، روى عن مقاتل. قال أبو حاتم كان يكذب، كتبت عنه، وذكر له ابن عدي مناكير، ولعل بعضها من مقاتل بن سليمان ونحوه. "الميزان" (1/ 69 رقم 234). =

وقال ابن حزم (¬1): إنَّه روي عدم القضاء عن ابن عمر من طريق صحيحة. وقال عبد الحق في "إحكامه (¬2) ": إِنَّه لا يصح في الإطعام شيء. قوله: "أخرجه مالك". ¬

_ = قلت: والذي في كتاب ابن أبي حاتم - الجرح والتعديل (2/ 141) -: (إبراهيم بن نافع الجلاب البصري الناجي من بني ناجية أبو إسحاق روى عن مبارك بن فضالة، وعمر بن موسى الوجيهي كتب عنه أبي، سمعت أبي يقول: وسألته عنه فقال: لا بأس به كان حدث عن عمر بن موسى الوجيهي بواطيل، وعمر متروك الحديث). وقال عدي في "الكامل" (1/ 265 - 266): (إبراهيم بن نافع أبو إسحاق الجلاب: أظنه بصري منكر الحديث عن الثقات وعن الضعفاء. ثم ذكر ابن عدي له أحاديث ... ثم قال: ولم أرَ لإبراهيم بن نافع هذا أوحش من هذه الأحاديث، ولعل هذه الأحاديث من جهة من رواه هو عنه؛ لأنه روى عن ضعافٍ مثل: مقاتل بن سليمان، وعمر بن موسى، وجميعاً ضعيفين). اهـ. وانظر: "لسان الميزان" (1/ 116). (¬1) في "المحلى" (6/ 272). (¬2) "الأحكام الوسطى" (2/ 238).

كتاب الصبر

كتاب الصبر حقيقة (¬1) الصبر حبس النفس عن الجزع، واللسان عن التشكي، والسخط والجوارح عن لطم الخدود، وشق الجيوب ونحوها، وقيل: في حقيقته (¬2): خلق فاضل من أخلاق النفس، تمتنع به من فعل ما لا يحسن ولا يجمل، وهو قوة من قوى النفس التي بها صلاحها وقوام أمرها. قال الجنيد (¬3): الصبرُ (¬4) تجرع المرارة من غير تعبُّس، وقيل (¬5): هو الوقوف مع البلاء بحسن الأدب، وقيل (¬6): هو التلقي للبلوى من دون ظهور الشكوى، وقيل (¬7): هو التأدب مع الله، وتلقي بلاءه بالرحب والدعة، وقد بسطنا الكلام فيه في كتابنا (السيف الباتر) (¬8). الأول: 1 - عن أنس - رضي الله عنه - قال: أَتَى النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - علَى امْرَأَةٍ تَبْكِي عَلَى صَبِيٍّ لَهَا، فَقَالَ لَهَا: "اتَّقِي الله، وَاصْبِرِي". فَقَالَتْ: وَمَا تُبَالِي بِمُصِيبَتِي؟ فَلمَّا ذَهَبَ قِيلَ لَهَا: إِنَّهُ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَأَخَذَهَا ¬

_ (¬1) قاله ابن القيم في عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين (ص 15). (¬2) ذكره ابن القيم في "عدة الصابرين" (ص 19). (¬3) هو أبو القاسم الجنيد بن محمد النهاوندي البغدادي (ت 298 هـ) "تاريخ بغداد" (7/ 241). (¬4) انظر: "الرسالة القشيرية" (ص 255)، "مدارج السالكين" (2/ 157). (¬5) عزاه النووي في "شرح صحيح مسلم" (3/ 102)، وانظر: "عدة الصابرين" (ص 20). (¬6) قاله ابن القيم في "عدة الصابرين" (ص 20) شرحاً للعبارة التالية. (¬7) قاله عمرو بن عثمان المكي (ت بعد 300 هـ). انظر: "سير أعلام النبلاء" (14/ 57 - 58). (¬8) وهي الرسالة رقم (164) من "عون القدير من فتاوى ورسائل ابن الأمير" بتحقيقي. ط ابن كثير دمشق.

مِثْلُ المَوْتِ، فَأَتَتْ بَابَهُ فَلَمْ تَجِدْ عَلَى بَابِهِ بَوَّابِينَ، فَأَتَتْهُ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ الله! لَمْ أَعْرِفْكَ، فَقَالَ: "إِنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولَى". أخرجه الخمسة (¬1) إلا النسائي. [صحيح] حديث أنس: "أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - أتى على امرأة". عقد له البخاري ترجمة فقال: باب: زيارة القبور. "فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - على امرأة". قال الحافظ ابن حجر (¬2): لم أقف على اسمها، ولا على اسم صاحب القبر، ثم [76 ب] ذكروا رواية لمسلم (¬3) تشعر بأنَّه ولدها. وفي قوله: "تبكي على صبي لها" إشعار بذلك. فقال لها: "اتقي الله واصبري" قال القرطبي (¬4): الظاهر: أنَّه كان في بكائها قدر زائد من نوحٍ، أو غيره ولهذا أمرها بالتقوى. قال الحافظ ابن حجر (¬5): يؤيده ما في مرسل عيسى بن أبي كثير: نسمع منها ما يكره، فوقف عليها. "فقالت: وما تبالي بمصيبتي". لفظه في البخاري (¬6): "إليك عني، فإنَّك لم تصب بمصيبتي". قوله: "ولم تعرفه" جملة حالية أي: خاطبته بذلك حال كونها غير عارفة به. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (1252، 1283، 1302، 7154)، ومسلم رقم (926)، وأبو داود رقم (3124)، والترمذي رقم (987)، والنسائي رقم (1869). وهو حديث صحيح. (¬2) في "فتح الباري" (13/ 132). (¬3) في "صحيحه" رقم (11/ 923). (¬4) في "المفهم" (2/ 579). (¬5) في "الفتح" (3/ 149). (¬6) في "صحيحه" رقم (1283).

قوله: "فأخذها مثل الموت" أي: من شدة الكرب الذي أصابها لما عرفت أنَّه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خجلاً منه ومهابة (¬1). قوله: "فلم تجد على بابه بوابين" كما يفعله العظماء والملوك. قوله: "إنَّما الصبر عند الصدمة الأولى" المراد: أنَّه إذا وقع الثبات أول شيء يهجم على القلب من مقتضيات الجزع، فذلك هو الصبر الكامل الذي يترتب عليه الأجر (¬2). قال الخطابي (¬3): إنَّ المعنى: أنَّ الصبر الذي يحمد صاحبه ما كان عند مفاجأة المصيبة, بخلاف ما بعد ذلك، فإنَّه على الأيام يسلو، وحكي عن غيره: أنَّ المرء لا يؤجر على المصيبة؛ لأنَّها ليست من صنيعه، وإنما يؤجر على حسن نيته وجميل صبره (¬4). قوله: "أخرجه الخمسة إلاَّ النسائي". الثاني: حديث أم سلمة: 2 - وعن أمّ سلمة - رضي الله عنها - قالت: سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مَا مِنْ مُسْلِمٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ فَقَالَ مَا أَمَرَهُ الله: إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، اللهمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي، وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا. إِلاَّ أَخْلَفَ الله لَهُ خَيْرًا مِنْهَا". قَالَتْ: فَلمَّا مَاتَ أَبُو سَلَمَةَ قُلْتُ: أَيُّ المُسْلِمِينَ خَيْرٌ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ؟ أَوَّلُ بَيْتٍ هَاجَرَ إِلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ إِنِّي قُلْتُهَا، فَأَخْلَفَ الله تَعَالَى لِي رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، قَالَتْ فَأَرْسَلَ إِليَّ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - حَاطِبَ بْنَ أَبِي بَلْتَعَةَ يَخْطُبُنِي لَهُ، فَقُلْتُ: إِنَّ لِي بِنْتًا وأَنَا غَيُورٌ. ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (3/ 149). (¬2) قاله الحافظ في "الفتح" (3/ 149). وانظر: "عدة الصابرين" (ص 137 - 138). (¬3) في "أعلام الحديث" (1/ 690). (¬4) ذكره الحافظ في "الفتح" (3/ 150).

فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: "أَمَّا ابْنَتَهَا فَنَدْعُوا الله يُغْنِيَهَا عَنْهَا، وَأَدْعُو الله أَنْ يَذْهَبَ بِالغَيْرَة". أخرجه مسلم (¬1) ومالك (¬2)، وأبو داود (¬3) والترمذي (¬4). [صحيح] "تصيبه مصيبة" هو مطلق في أي: مصيبة في الأديان والأبدان والأموال. "فيقول: ما أمر الله" قال في "شرح مسلم" (¬5): فيه دليل للمذهب المختار في الأصول: أنَّ المندوب مأمور به, والآية تقضي ندبه, وإجماع المسلمين منعقد على ذلك. قوله: "أجرني". قال القاضي عياض (¬6): أجرني بالقصر والمد، حكاهما صاحب الأفعال (¬7)، وقال الأصمعي (¬8): وأكثر أهل اللغة هو مقصور، ولا يمد، ومعنى أجره الله: أعطاه أجره, وجزاء صبره في مصيبته. قوله: "واخلف لي" هو (¬9) بقطع الهمزة وكسر اللام، قال أهل اللغة (¬10): يقال لمن ذهب له مال، أو ولد، أو شيء يتوقع حصول مثله: أخلف الله عليك مثله، فإن ذهب ما لا يتوقع ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (3/ 918). (¬2) في "الموطأ" (1/ 236). (¬3) في "السنن" رقم (3119). (¬4) في "السنن" رقم (3511) وهو حديث صحيح. (¬5) (6/ 220). (¬6) في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (3/ 358 - 359). (¬7) كتاب "الأفعال" (ص 9) وهو لأبي بكر محمد بن عمر بن عبد العزيز بن إبراهيم بن عيسى بن مزاحم، المعروف بابن القوطية (ت: 367 هـ). (¬8) ذكره القاضي عياض في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (3/ 359). (¬9) ذكره النووي في "شرح صحيح مسلم" (6/ 220). (¬10) "القاموس المحيط" (ص 1043).

مثله بأن ذهب له والد، أو عم، أو أخ لمن لا جدّ له، ولا والد له خلف الله عليك بغير ألف. أي: كان الله خليفة منه عليك. قوله: "وأنا امرأة غيور" (¬1) يقال: امرأة غيور، وغيرى، ورجل [77 ب] غيور، وغيران، وقد جاء فعول في صفات المؤنث كثير نحو: امرأة عروس وعروب وضحوك لكثيرة الضحك، وعقبة كاؤد (¬2). قوله: "أن يذهب بالغَيْرة" هي بفتح الغين المعجمة. قوله: "إلاَّ أجره الله" هو بقصر الهمزة ومدها، والقصر أفصح، وأشهر كما سبق. قوله: "ثم عزم الله لي". العزم صدق الإرادة واستجماعها. قوله: "أخرجه مسلم ومالك وأبو داود والترمذي" وقال (¬3): حسن صحيح أخرجه مختصراً. الثالث: 3 - وعن أبي سنان قال: دَفَنْتُ ابْنِي سِنَانًا وَأَبُو طَلْحَةَ الخَوْلاَنِيُّ جَالِسٌ عَلَى شَفِيرِ القَبْرِ، فَلمَّا فَرَغْتُ قَالَ: أَلاَ أُبَشِّرُكَ؟ قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ - رضي الله عنه - قال: قَالَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا مَاتَ وَلَدُ العَبْدِ، قَالَ الله لمِلاَئِكَتِهِ: قَبَضْتُمْ وَلَدَ عَبْدِي؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ. فَيَقُولُ: قَبَضْتُمْ ثَمَرَةَ فُؤَادِهِ؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ. فَيَقُولُ: مَاذَا قَالَ عَبْدِي؟ فَيَقُولُونَ: حَمِدَكَ وَاسْتَرْجَعَ، فَيَقُولُ: ابْنُوا لِعَبْدِي بَيْتًا فِي الجَنَّةِ وَسَمُّوهُ بَيْتَ الحَمْدِ". أخرجه الترمذي (¬4). [حسن] ¬

_ (¬1) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 333). (¬2) ذكره النووي في "شرح صحيح مسلم" (6/ 221). (¬3) في "السنن" (5/ 533). (¬4) في "السنن" رقم (1021). =

حديث (أبي سنان) وهو أبو سنان عيسى (¬1) بن سليمان القَسْمَلي - بفتح القاف وسكون السين المهملة وفتح الميم وباللام -. "قال: دفنت ابني سناناً". قوله: "حدثني أبو موسى الأشعري". قلت: لفظه في الترمذي (¬2): قال - أي: أبو طلحة: حدثني الضحاك بن عبد الرحمن بن عَرْزَب عن أبي موسى، فحذف المصنف من حدث أبا طلحة فصار الحديث منقطعاً، ومثل المصنف صنع ابن الأثير، وليس بصواب. قوله: "ثمرة فؤاده" في "النهاية" (¬3) قيل: للولد ثمرة؛ لأنَّ الثمرة ما ينتجه الشجر، والولد ينتجة الأب. قوله: "أخرجه الترمذي". قلت: وقال (¬4): هذا حديث حسن غريب. الرابع: حديث أبي هريرة. 4 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "يَقُولُ الله -- عز وجل -: مَنْ أَذْهَبْتُ حَبِيبَتَيْهِ فَصَبَرَ وَاحْتَسَبَ لَمْ أَرْضَ لَهُ ثَوَابًا دُونَ الجَنَّةِ". أخرجه الترمذي (¬5) وصححه. [صحيح] ¬

_ = وأخرجه أحمد (4/ 415)، وابن حبان رقم (2948)، وهو حديث حسن. (¬1) ذكره ابن الأثير في "تتمة جامع الأصول" (2/ 731 - 732). (¬2) في "السنن" (3/ 341 رقم 1021) وليس فيه ما ذكره الشارح وهو في مصادر تخريج الحديث الأخرى. كابن حبان في "صحيحه" رقم (2948). (¬3) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 218). (¬4) في "السنن" (3/ 341). (¬5) في "السنن" رقم (2401) وهو حديث صحيح.

قلت: وأخرجه البخاري (¬1) أيضاً، ولفظه: عن أنس - رضي الله عنه - قال: سَمِعْتُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: إن الله تعالى قال: "إِذَا ابْتَلَيْتُ عَبْدِي بِحَبِيبَتَيْهِ, ثُمَّ صَبَرَ عَوَّضْتُهُ عَنْهُمَا الجَنَّةَ, يُرِيدُ عَيْنَيْهِ". والله أعلم. قوله: "حبيبتيه" يأتي تفسيرهما بالعينين فهما أحب شيء إلى الإنسان بهما يستفيد الدنيا والدين، ولذا مدحهما الله تعالى في قوله: {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8)} (¬2). قوله: "صبر واحتسب" أي: صبر راجياً للأجر. قوله: "أخرجه الترمذي وصححه". قلت: قال (¬3): حسن صحيح. قوله: "وأخرجه البخاري (¬4) عن أنس". بل وأخرجه الترمذي (¬5) - أيضاً - إلاَّ أنَّ الله - تعالى - يقول: "إذا أخذت كريمتي عبدي في الدنيا" وقال (¬6): حسن غريب. قوله: "يريد عينيه". قلت: قال الحافظ ابن حجر (¬7): لم يصرح بالذي فسرهما. الخامس: حديث ابن عمرو بن العاص: ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (5653). (¬2) سورة البلد الآية: 8. (¬3) في "السنن" (4/ 603). (¬4) في "صحيحه" رقم (5653). (¬5) في "السنن" رقم (2400). (¬6) في "السنن" (4/ 603). (¬7) في "فتح الباري" (10/ 116 - 117).

5 - وعن ابن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال: قَالَ رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ الله لاَ يَرْضَى لِعَبْدِهِ المُؤْمِنِ إذا ذَهَبَ بِصَفِيِّهِ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ فَصَبَرَ وَاحْتَسَبَ بِثَوَابٍ دُونَ الجَنَّةِ". أخرجه النسائي (¬1). [حسن] قوله: "بصَفَيِّه" (¬2) الصَّفي - بفتح الصاد المهملة، وكسر الفاء وتشديد المثناة التحتية - الحبيب. قوله: "أخرجه النسائي". قلت: وأخرجه البخاري (¬3) عن أبي هريرة بلفظ: "صفيِّه من أهل الدنيا ثم احتسب". الحديث. السادس: حديث عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس: 6 - وعن عطاء بن أبي رباح قال: قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: أَلاَ أُرِيكَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ؟ قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: هَذِهِ المَرْأَةُ السَّوْدَاءُ أَتَتِ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ: إِنِّي أُصْرَعُ، وَإِنِّي أَتَكَشَّفُ، فَادْعُ الله لِي. قَالَ: "إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الجَنَّةُ, اِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ الله تَعَالَى أَنْ يُعَافِيَكِ؟ " قَالَتْ: أَصْبِرُ فَادْعُ الله لِي أن لاَ أَتَكَشَّفَ، فَدَعَا لَهَا. أخرجه الشيخان (¬4). [صحيح] قوله: "امرأة من أهل الجنة [78 ب] ". قال الكاشغري (¬5): ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (1871) وهو حديث حسن. (¬2) قال ابن الأثير في "النهاية" (2/ 41) صفيُّ الرجل: الذي يُصافيه الودّ ويُخلصه له. (¬3) في "صحيحه" رقم (6424). (¬4) البخاري رقم (5652)، ومسلم رقم (54/ 2576). (¬5) انظر: "الاستيعاب" (ص 952 رقم 3518)، والذي فيه أنها أم زفر وقال ابن الأثير في "أسد الغابة" (7/ 368 رقم 7569) أم قرثع، غير منسوبة.

هي أمّ [قريع] (¬1) غير منسوبة, وفي "فتح الباري (¬2) " هي: سُعَيرة، بمهملتين مصغر، وذكر [عبد الغني بن سعيد] (¬3) في "المبهمات" (¬4) أنَّ هذه المرأة ماشطة خديجة التي كانت تعاهد النبي - صلى الله عليه وسلم - بالزيارة, قال: وقد يؤخذ من الطرق التي أوردتها أنَّ الذي كان بأم زفر كان من صرع الجن لا من الخلط، انتهى. قوله: "أصرع" في "المصباح" (¬5): الصرع علة تعترض في الدماغ ومجاري الأعصاب من غلظ الرطوبة. انتهى. قلت: هذا أحد نوعي الصرع، وقد قرر ابن القيم (¬6) أنَّه يكون من ذلك ومن الجن، وبين ذلك، وذكر قصصاً من ذلك. قوله: "ولك الجنة". أي: سبب الصبر على تلك العلة ومنه شدة إيمانها ويقينها. "وإن شئت دعوت الله أن يعافيك، قالت: أصبر، فادع الله أن لا أتكشف فدعا لها". ¬

_ (¬1) كذا في "المخطوط" والذي في "أسد الغابة" أم قرثع، وفي "الاستيعاب" أم زفر، وكذلك في "الإصابة" (8/ 396 رقم 12031). (¬2) (10/ 115). (¬3) في (أ. ب) ابن سعد وعبد الغني وهو خطأ، والصواب ما أثبتناه من "الإصابة" (8/ 396 رقم 12031) وانظر: "فح الباري" (10/ 115). (¬4) ذكره ابن حجر في "الإصابة" (8/ 396 رقم 12031). (¬5) ليس كذلك والذي في "المصباح المنير" (ص 129). والصرع داء يشبه الجنون وصرع بالبناء للمفعول فهو مصروع، والصريع من الأغصان ما تهدّل وسقط إلى الأرض ... وقال صاحب "القاموس المحيط" (ص 952) الصرع: علة تمنع الأعضاء النفسية من أفعالها منعاً غير تام، وسببه شدة تعرض في بعض بطون الدماغ، وفي مجاري الأعصاب المحركة للأعضاء من خلط غليظ أو لزج كثير، فتمتنع الروح عن السلوك فيها سلوكاً طبيعياً فتتشنج الأعضاء. (¬6) انظر: "عدة الصابرين" (ص 138).

وفيه: أنَّ الصبر على البلاء سبب لدخول الجنة بمجرده (¬1). قوله: "أخرجه الشيخان" من حديث عطاء بن أبي رباح، واسم أبي رباح أسلم (¬2) كان عطاء جعد الشعر أسود، أفطس، أشل، أعور، ثم عمي، وكان من أجلاء الفقهاء، ومن تابعي مكة. قال الأوزاعي (¬3): مات يوم مات وهو أرضى أهل الأرض عند الناس، سمع ابن عباس، وأبا هريرة وغيرهما، روى عنه عمرو بن دينار، والزهري، وفاته سنة خمس عشرة ومائة. السابع: 7 - وعن عطاء بن يسار - رضي الله عنه - قال: قَالَ رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا مَرِضَ العَبْدُ بَعَثَ الله تَعَالَى إِلَيْهِ مَلَكَيْنِ فَقَالَ: انْظُرا مَاذَا يَقُوُلُ لِعُوَّادِهِ؟ فَإِنْ هُوَ - إِذَا جَاؤُهْ - حَمِدَ الله وَأَثْنَى عَلَيْهِ رَفَعَا ذَلِكَ إِلَى الله - عز وجل -، - وَهُوَ أَعْلَمُ - فَيَقُولُ: لِعَبْدِي عَلَيَّ إِنْ تَوَفَّيْتُهُ أَنْ أُدْخِلَهُ الجَنَّةَ, وَإِنْ أَنَا شَفَيْتُهُ أَنْ أُبْدِلَهُ لَحمًا خَيْرًا مِنْ لَحمِهِ, وَدَمًا خَيْرًا مِنْ دَمِهِ، وَأَنْ أُكَفِّرَ عَنْهُ سَيَّئَاتِهِ". أخرجه مالك (¬4). [صحيح لغيره] حديث: "عطاء بن يسار" (¬5). هو أبو محمد عطاء بن يسار مولى ميمونة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو أخو سليمان بن يسار، من التابعين المشهورين بالمدينة، كان كثير الرواية عن ابن عباس، مات سنة ثلاث ومائة. ¬

_ (¬1) قاله الحافظ في "الفتح" (10/ 115). (¬2) ذكره ابن الأثير في "تتمة جامع الأصول" (2/ 702 - 703 - قسم التراجم). وانظر: "التقريب" (2/ 22 رقم 190). (¬3) ذكره ابن حجر في "تهذيب التهذيب" (13/ 102). وانظر: "ميزان الاعتدال" (3/ 70 رقم 5640). (¬4) في "الموطأ" (2/ 940 - 941 رقم 5). وهو أثر صحيح لغيره. (¬5) قاله ابن حجر في "تهذيب التهذيب" (3/ 110). وانظر: "ميزان الاعتدال" (3/ 77 رقم 5654).

قوله: "قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا مرض العبد بعث الله إليه ملكين، فقال: انظرا" أي: اسمعا. "ماذا يقول لعُوَّاده" جمع عائد من يعود المريض. قوله: "أخرجه مالك". قلت: وهو حديث مرسل. الثامن: 8 - وعن خباب بن الأرت - رضي الله عنه - الله عنه قال: شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً فِي ظِلِّ الكَعْبَةِ, فَقُلْنَا لَهُ: أَلاَ تَسْتَنْصِرُ لَنَا؟ أَلاَ تَدْعُو لَنَا؟ فَقَالَ: "قَدْ كانَ مَنْ قَبْلَكُمْ يُؤْخَذُ الرَّجُلُ فَيُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرضِ، فَيُجْعَلُ فِيهَا، ثُمَّ يُؤْتَى بِالمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ, فَيُجْعَلُ نِصْفَيْنِ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الحَدِيدِ، مَا دُونَ لَحمِهِ وَعَظْمِهِ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ, وَالله لَيُتِمَّنَّ الله تعالى هَذَا الأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ، فَلاَ يَخَافُ إِلاَّ الله، أوَ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ, وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ". أخرجه البخاري (¬1)، وأبو داود (¬2)، والنسائي (¬3). [صحيح] حديث (خباب) بفتح المعجمة وموحدة ثقيلة آخره موحدة. "ابن الأرت" بفتح الهمزة وسكون الراء، فمثناة فوقية - وخباب صحابي تقدم ذكره. قوله: "قال: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه [79 ب] وآله وسلم وهو متوسد بردة في ظل الكعبة". ذكر هذا لتحقيق وقت الشكوى من تقرير حفظ الرواية. قوله: "فقلنا: ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو لنا؟ " وذلك أنَّهم كانوا في شدة من أذية الكفار لهم، وكان خباب ممن أسلم قديماً قبل دخول النبي - صلى الله عليه وسلم - دار الأرقم وهو ممن عُذب في الله على إسلامه فصبر، وهو مهاجري، شهد بدراً وما بعدها. ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (3612)، (3852، 6943). (¬2) في "السنن" رقم (2649). (¬3) في "السنن" رقم (5319).

قوله: فقال - صلى الله عليه وسلم -: "قد كان من قبلكم". من أتباع الأنبياء - عليهم السلام - "يؤخذ الرجل" يأخذه أعداؤه. قوله: "فيحفر له في الأرض فيجعل فيها، ثم يؤتى بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين" كما يصنع بالأخشاب في شقها بالمنشار. قوله: "ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه". وهذا نوع آخر من تعذيب الكفار لأتباع رسل الله. قوله: "ما يصده ذلك" من شقه بالمنشار، ومشط لحمه وعظمه. "عن دينه" بل يصبر على ما ابتلي به، وهذا تسلية وتأسية لأتباعه - صلى الله عليه وسلم - الذين عذبوا في ذات الله، وتصبير لهم على ذلك، ثم بشَّرَ خباباً بقوله: "والله ليتمنَّ الله هذا الأمر" وهو ظهور دين الله على الدين كله، ويأمن المؤمنون. "حتى يسير الراكب" أي: وحده. "من صنعاء إلى حضرموت" يحتمل أن يراد بها (¬1) صنعاء اليمن وبينها وبين حضرموت مسافة بعيدة قريب عشرين يوماً، ويحتمل صنعاء الشام والمسافة بينهما أبعد بكثير. قال ياقوت (¬2): إنَّ صنعاء دمشق قرية عند باب الفراديس، قال الحافظ ابن حجر (¬3): سميت باسم من نزلها من أهل صنعاء اليمن. قوله: "لا يخاف إلاَّ الله أو الذئب على غنمه". ويأمن من الناس جميعاً لا يخاف منهم أحداً في هذه المسافة الطويلة المعروفة بالمخافة. ¬

_ (¬1) انظر: "فتح الباري" (6/ 620). (¬2) في "معجم البلدان" (3/ 429). (¬3) في "فتح الباري" (6/ 620).

وهذا نظير ما ذكره - صلى الله عليه وسلم - لعدي بن حاتم "أنَّها تسير الظعينة من الحيرة حتى تطوف بالبيت لا تخاف إلاَّ الله" (¬1). وصدق - صلى الله عليه وسلم -، ثم هذا كله كما أخبر به فهو من إعلام "ولكنكم تستعجلون". وقد جعل الله لكل كائنة وقتاً لا تقدم ولا تأخر عنه. أخرجه البخاري وأبو داود والنسائي [80 ب]. التاسع: حديث أسامة بن زيد: 9 - وعن أسامة بن زيد - رضي الله عنهما - قال: أَرْسَلَتْ بِنَتُ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَيْهِ أنَّ ابْنًا لِي احْتُضِرَ فَاشْهَدْه, فَأرْسَلَ يَقْرَأُ السَّلاَمَ وَيَقُولُ: "إِنَّ لله مَا أَخَذَ وَلله مَا أَعْطَى، وَكُلُّ شَيءٍ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمًّى، فَلْتَصْبِرْ وَتَحْتَسِبْ". أخرجه الخمسة (¬2) إلا الترمذي. [صحيح] قوله: "أرسلت بنت النبي - صلى الله عليه وسلم-". هي: زينب امرأة أبي العاص بن الربيع، وقيل: فاطمة, والابن محسن بن علي - عليهما السلام -. قوله: "إليه أنَّ ابنًا لها قد احتضر". هو علي بن أبي العاص بن الربيع، قاله الدمياطي. وقال الحافظ ابن حجر (¬3): بل بنتها أمامة، ولم تمت في مرضها. قوله: "فاشهده". أي: حضر وفاته فقال: "فأرسل يُقرأ السلام، ويقول: إنَّ لله ما أخذ". أي: إنَّ هذا الذي أخذ منكم كان له لا لكم، فلم يأخذ إلاَّ ما هو له، فلا ينبغي أن تجزعوا، كما لا يجزع من استرد الوديع منه الوديعة، أو العارية. ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي في "السنن" رقم (2953) وهو حديث حسن. (¬2) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (1284، 5655، 6602، 7377، 7448)، ومسلم في "صحيحه" رقم (11/ 923)، وأبو داود رقم (3125)، والنسائي رقم (1868)، وابن ماجه رقم (1588)، وهو حديث صحيح. (¬3) وقال الحافظ في "الفتح" (3/ 157)، أو من الأنفس، أو ما هو أعم من ذلك.

قوله: "وله ما أعطى". معناه: أنَّ ما وهبه لكم ليس خارجاً عن ملكه، بل هو سبحانه يفعل ما يشاء من أخذ أو إعطاء. قوله: "وكلَّ". من الأخذ والإعطاء (¬1). "عنده بأجل مسمى" يريد من مات فقد انقضى أجله المسمى، فمحالٌ تقدمه وتأخره عنه، فإذا علمتم هذا فاصبروا، واحتسبوا ما نزل بكم، وكذلك الإعطاء له أجل مسمى أيضاً، فلا تستعجلوا، وهذا الحديث من قواعد الإسلام المشتمل على جملة من أصول الدين وفروعه، والآداب. قوله: "فلتصبر ولتحتسب" تنوي بصبرها الثواب من ربها (¬2). قوله: "أخرجه الخمسة إلاَّ الترمذي". العاشر: حديث أنس: 10 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: اشْتَكَى ابْنٌ لأَبِي طَلْحَةَ، فَمَاتَ وَأَبُو طَلْحَةَ خَارِجٌ، وَلَمْ يَعْلَمْهُ، فَلَمَّا رَأَتِ امْرَأَتُهُ أنَّهُ قَدْ مَاتَ هَيَّأَتْ شَيْئًا، وَنَحَّتْهُ فِي جَانِبِ البَيْتِ، فَلَّما جَاءَ أَبُو طَلْحَةَ قَالَ: كَيْفَ الغُلاَمُ؟ قَالَتْ: قَدْ هَدَأَتْ نَفْسُهُ، وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ قَدِ اسْتَرَاحَ، فَظَنَّ أَبُو طَلْحَةَ أَنَّهَا صَادِقَةٌ، ثُمَّ قَرَّبَتْ لَهُ العِشَاءَ وَوَطَّأتْ لَهُ الفِراشَ، فَلمَّا أَصْبَحَ اغْتَسَلَ، فَلمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ أَعْلَمَتْهُ بِمَوتِ الغُلَامِ، فَصَلَّى مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ أَخْبَرَهُ بِمَا كَانَ مِنْهَا، فَقَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَعَلَّهُ أَنْ يُبَارِكَ الله لَكُمَا فِي لَيْلَتِكُمَا" فَجَاءهُمَا تِسْعَةَ أَوْلاَدٍ كُلُّهُمْ قَدْ قَرَءوا القُرْآنَ. أخرجه البخاري (¬3). [صحيح] قوله: "ابن لأبي طلحة" هو زوج أم أنس، والابن هو أبو عمير الذي كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يمازحه يقول له لما مات نغره وحزن عليه "ما فعل النغير يا أبا عمير". ¬

_ (¬1) وقال الحافظ في "الفتح" (3/ 157)، أو من الأنفس، أو ما هو أعم من ذلك. (¬2) ذكره الحافظ في "الفتح" (3/ 157). (¬3) في "صحيحه" رقم (1301)، وطرفه (5470).

"فمات وأبو طلحة خارج" أي: عن منزله. قوله: "امرأته". هي: أمّ سليم، أم أنس. قوله: "قد هدأت نفسه" أي: روحه بالموت من عارض المرض، وأوهمت أبا طلحة أنَّ مرادها سكنت بالنوم لوجود العافية, وهذه هي التورية (¬1) عند أهل البديع، ويقال لها: الإيهام. قوله: "فظنّ أبو طلحة أنها صادقة". أي: بالنسبة إلى ما فهمه، وإلاَّ فهي صادقة يقيناً لا ظناً بالنسبة إلى ما أرادت (¬2). قوله: "لعلَّ أن يبارك الله لكما في ليلتكما" بسبب صبر المرأة وحسن [81 ب] صنيعها، وأنَّها تهيأت له بأحسن هيئة، حتى نال منها كما ثبت ذلك في رواية (¬3). قوله: "فجاءهما تسعة أولاد كلهم قرءوا القرآن". وللبيهقي (¬4) وغيره: "فولدت غلاماً فلقد رأيت لذلك الغلام سبعة بنين كلهم ختم القرآن". والغلام المذكور اسمه عبد الله بن أبي طلحة، وله من الأولاد: إسحاق، وإسماعيل، ¬

_ (¬1) التورية: وتسمى أيضاً بالإيهام والتوجيه والتخييل، والتورية أولى بالتسمية لقربها من مطابقة المسمى لأنها مصدر ورَّيت الخبر تورية إذا سترته وأظهرت غيره فكأن المتكلم يجعله وراءه بحيث لا يظهر. وفي الاصطلاح: التورية: أن يذكر المتكلم لفظاً مفرداً له حقيقتان أو حقيقة ومجاز أحدهما قريب ودلالة اللفظ عليه ظاهرة, والآخر بعيد ودلالة اللفظ عليه خفية، ويريد المتكلم المعنى البعيد، ويوري عنه بالقريب فيوهم السامع أول وهلة أنه يريد المعنى القريب وليس كذلك، ولهذا سمي هذا النوع إيهاماً. انظر: مزيد تفصيل: "الكليات" (ص 277 - 278). "معجم البلاغة العربية" (ص 724 - 725). (¬2) انظر: "فتح الباري" (3/ 170). (¬3) أخرج البخاري في "صحيحه" رقم (5470) وفيه: (فقربت إليه العشاء فتعشى، ثم أصاب منها ...). (¬4) في "السنن الكبرى" (4/ 59 - 60).

وعبد الله، ويعقوب، وعمر، والقاسم، وعمارة، وإبراهيم، وعمير، وزيد، ومحمد، وأربع من البنات، ذكره في التوشيح. قلت: فهؤلاء أحد عشر ذكروا، ولا ينافي الراوي: فلقد رأيت لذلك الغلام سبعة؛ لأنَّه أخبر عمن رآهم، ولا قوله: فجاءهما تسعة أولاد؛ لأنَّ أبناء البنين أبناء لجدهم، وقوله: "تسعة" إخبار عما علمه (¬1). قوله: "أخرجه البخاري". الحادي عشر: 11 - وعن القاسم بن محمد قال: هَلَكَتِ امْرَأةٌ لِي فَأتَانِي مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ القُرَظِيُّ يُعَزِّينِي بِهَا، وَقَالَ: إِنَّهُ كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجُلٌ فَقِيهٌ عَالِمٌ عَابِدٌ مجْتَهِدٌ, وَكَانَتْ لَهُ امْرَأَةٌ، وَكَانَ بِهَا مُعْجَبًا فَمَاتَتْ، فَوَجَدَ عَلَيْهَا وَجْدًا شَدِيدًا، حَتَّى خَلاَ فِي بَيْتٍ، وَأَغْلَقَ عَلَى نَفْسِهِ، وَاحْتَجَبَ، فَلَمْ يَكُنْ يَدْخُلُ عَلَيْهِ أَحَدٌ فَسَمِعَتْ بِهِ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيْلَ، فَجَاءَتْهُ فَقَالَتْ: إِنَّ لِي إِلَيْهِ حَاجَةً أَسْتَفْتِيهِ فِيهَا لَيْسَ يُجْزِينِي إِلاَّ أنْ أُشَافِهَهُ بِهَا، وَلَزِمَتْ بَابَهُ، فَأُخْبِرَ بِهَا فَأَذِنَ لَهَا، فَقَالَتْ: أَسْتَفْتِيكَ فِي أَمْرٍ، قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قالَتْ: إِني اسْتَعَرْتُ مِنْ جَارَةٍ لِي حُلِيًا، فَكُنْتُ أَلبَسُهُ زَمَانًا، ثُمَّ إِنَّهَا أرْسَلَتْ تَطْلُبُهُ أَفَأرُدُّهُ إِلَيْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ وِالله. قَالَتْ: إِنَّهُ قَدْ مَكَثَ عِنْدِي زَمَانًا؟ فَقَالَ: ذَاكَ أَحَقُّ لِرَدِّكِ إِيَّاهُ، فَقَالَتْ لَهُ: يَرْحَمُكَ الله، أَفَتَأْسَفُ عَلَى مَا أَعَارَكَ الله، ثُمَّ أَخَذَهُ مِنْكَ وَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْكَ، فَأَبْصَرَ مَا كَانَ فِيهِ وَنَفَعَهُ الله بِقَوْلِهَا. أخرجه مالك (¬2). [مقطوع صحيح] حديث (القاسم بن محمد) هو القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، كان أحد فقهاء المدينة وعلمائها، وحديثه ليس فيه ما يقتضي البحث فيه. ¬

_ (¬1) انظر: "فتح الباري" (3/ 171). (¬2) في "الموطأ" (1/ 237 رقم 43) وهو أثر مقطوع صحيح.

الثاني عشر: حديث أبي موسى: 12 - وعن أبي موسى - رضي الله عنه - قال: قَالَ رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَا أَحَدَ أَصْبَرَ عَلَى أَذًى سَمِعَهُ مِنَ الله - عز وجل -, إِنَّهُ لَيُشْرَكُ بِهِ، وَيُجْعَلُ لَهُ الوَلَدُ، وُيُعَافِيْهِمْ، وَيَرْزُقْهُمْ". أخرجه الشيخان (¬1). [صحيح] قوله: "لا أحد أصبر على أذىً سمعه من الله". المراد به: حبسه العقوبة عن مستحقها وهو الحلم، ثم أبا الأخرى بقوله: "إنَّه ليشرك به، ويجعل له الولد، ويرزقهم" مع ذلك. "ويعافيهم" وبه يعرف أنَّ صبره تعالى عدم (¬2) المعاجلة بعقوبة من يستحقها، بل إحسانه إليه. قوله: "أخرجه الشيخان". الثالث عشر: حديث ابن مسعود: 13 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى رَسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - يَحْكِى نَبِيًّا مِنَ الأَنبِيَاءِ - عليهم السلام - ضَرَبَهُ قَوْمُهُ فَأَدْمَوْهُ, وَهْوَ يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ، وَيَقُولُ: "اللهمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي، فَإِنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ". ¬

_ (¬1) البخاري رقم (6099، 7378)، ومسلم رقم (49/ 2804). (¬2) قال الغنيمان في "شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري" (1/ 93). تعليقاً على كلام المازري، وهو قوله: (حقيقة الصبر: منع النفس من الانتقام أو غيره ....). قلت: "الغنيمان" قوله: فأطلق الصبر على الامتناع في حق الله تعالى، فيه نظر، وذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أطلق على ربه الصبر، وأنه ما أحد أصبر منه، وهو - صلى الله عليه وسلم - أعلم الخلق بالله تعالى، وأخشاهم له، وأقدرهم على البيان على الحق وأنصحهم للخلق، فلا استدراك عليه, فيجب أن يبقى ما أطلقه - صلى الله عليه وسلم - على الله تعالى بدون تأويل، إلا إذا كان يريد بذلك تفسير معنى الصبر، ولكن الأولى أن يبقى بدون تأويل؛ لأنه واضح ليس بحاجة إلى تفسير. انظر: "شأن الدعاء" للخطابي (ص 98). "الحجة" للأصبهاني (2/ 456).

أخرجه الشيخان (¬1). [صحيح] قوله: "كأني أنظر إلى نبي من الأنبياء". قيل (¬2): هو نوح - عليه السلام - ضربه قومه فأدموه وهو يمسح الدم عن وجهه وهو يقول: "اللهم اغفر لقومي". أي: وفقهم للإيمان، وإلاَّ فإنَّ الله لا يغفر أن يشرك به، فهو وكما قال إبراهيم: {وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (36)} (¬3)، فالمراد: وفقه للإيمان، وعدم غفران الشرك ثابت في كل شريعة من شرائع الأنبياء. قوله: "فإنَّهم لا يعلمون" أي: بعقوبة من ضرب رسولك؛ لأنهم لم يصدقوا أنَّه نبي. قوله: "أخرجه الشيخان". الرابع عشر: 14 - وعن عبد الرحمن بن القاسم قال: قَالَ رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "ليُعَزِّ المُسْلِمينَ فِي مَصَائِبْهِمْ المُصِيْبَةُ بِي" أخرجه مالك (¬4). [صحيح لغيره] وفي رواية للترمذي (¬5): "مَنْ أُصِيبَ بِمُصِيبَةٍ فليذْكُرْ مُصِيبَتَهُ بِي، فَإِنَّهَا أَعْظَمُ المَصَائِبِ". حديث (عبد الرحمن بن القاسم) أي: ابن محمد بن أبي بكر. ¬

_ (¬1) البخاري في "صحيحه" رقم (3477، 6929)، ومسلم رقم (105/ 1792). (¬2) انظر: "فتح الباري" (3/ 521). (¬3) سورة إبراهيم الآية: (36). (¬4) في "الموطأ" (1/ 236 رقم 41) وهو أثر صحيح لغيره. (¬5) لم يخرجه الترمذي: بل أخرجه ابن السني في "اليوم والليلة" رقم (576)، وابن عدي في "الكامل" (7/ 2625)، وأبو نعيم في "المعرفة" (1/ 435 - 436 رقم 1267) بسند ضعيف جداً لكن للحديث شواهد فيكون بها حسن لغيره.

قوله: "لتُعزِّ المسلمين في مصائبهم المصيبةُ". فاعل تعزى أي: ليُصَبَّر من أصيب من المسلمين بأني [82 ب] مصيبته. "بي" رواية الترمذي التي ذكرها "المصنف" قد أوضحت ذلك: "فليذكر مصيبته بي، فإنَّها أعظم المصائب"؛ لأنَّه - صلى الله عليه وسلم - دليل كل خير، وهادي الأمة، وذائدهم عن كل شر، وضير؛ لأنَّه ببركة جنابه لا يعذب الله الأمة وهو فيهم، {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} (¬1). قوله: "أخرجه مالك". قلت: مرسل (¬2)؛ لأنَّ عبد الرحمن تابعي لم يدرك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قوله: "وفي رواية للترمذي" إلى آخره, هذه الرواية لم أجدها في "جامع (¬3) ابن الأثير". الخامس عشر: 15 - وعن يحيى بن وثاب عن شيخ من أصحاب النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: قَالَ رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "المُسْلِمُ الَّذِي يُخَالِطُ النَّاسَ ويصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ خَيْرٌ مِنَ الَّذِي لاَ يُخَالِطُهُمْ، وَلاَ يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ" أخرجه الترمذي (¬4). [صحيح] حديث (يحيى بن وثاب) بفتح الواو، وتشديد المثلثة آخره موحدة، ويحيى هو مولى بني أسد الكوفي، سمع ابن عمر، وابن عباس، روى عنه أبو إسحاق الهمداني، والأعمش (¬5). قوله: "عن شيخ من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -" هو شيخ مجهول، لكن جهالة عين الصحابي عند المحدثين لا تضر؛ لأنَّهم كلهم عدول. ¬

_ (¬1) سورة الأنفال الآية: (33). (¬2) وقد روى مسنداً من حديث سهل بن سعد، وعائشة، والمسور بن مخرمة, قاله ابن عبد البر. (¬3) وهو كما قال الشارح. (¬4) في "السنن" رقم (2507)، وهو حديث صحيح. (¬5) ذكره ابن الأثير في "تتمة جامع الأصول" (2/ 1008 - قسم التراجم).

قوله: "ويصبر على أذاهم"؛ لأنَّ غالب المخالطة تجلب الأذية على من خالطهم. قوله: "خير من الذي لا يخالطهم" أي: أنَّه خير منه في زيادة الأجر بصبره على أذاهم، وهو دليل على أنَّ غير العزلة أفضل من العزلة، وفيها تفاصيل معروفة. قوله: "أخرجه الترمذي". قلت: زاد ابن الأثير (¬1) وقال: كان شعبة يرى أنَّه ابن عمر. انتهى. أي: أنَّ شعبة كان يرى أنَّ الشيخ من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - هو ابن عمر. ¬

_ (¬1) في "الجامع" (6/ 441). وأخرجه ابن ماجه في "السنن" رقم (4032) من مسند عبد الله بن عمر. وهو حديث صحيح.

كتاب الصدق

كتاب الصدق وهو عند الجمهور (¬1) مطابقة الحكم للواقع، ولا يشترط الاعتقاد. وقال الجاحظ (¬2): مطابقته مع الاعتقاد، وقال الراغب (¬3): والصدق والكذب أصلهما في القول ماضياً كان أو مستقبلاً وعداً كان أو غيره، ثم قال (¬4): وفي أعمال الجوارح، كصدق في القتال إذا وفَّاه حقه، وفعل فيه ما يجب وكذب فيه إذا كان بخلاف ذلك. الأول: حديث ابن مسعود: 1 - عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى البِرِّ، وَإِنَّ الِبرَّ يَهْدِي إِلَى الجَنَّةِ, وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ الله صِدِّيقًا، وَإِنَّ الكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الفُجُورِ، وَإِنَّ الفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَاِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ وَيتَحَرَّى الكِذْبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ الله كَذَّابًا". أخرجه الستة (¬5) إلا النسائي. [صحيح] قوله: "يهدي" بفتح حرف المضارعة من الهداية (¬6). "إلى البر (¬7) " البر اسم جامع للخيرات كلها، ولذا حكم - صلى الله عليه وسلم - بأنَّه يهدي إلى الجنة. ¬

_ (¬1) انظر: "التمهيد" للأسنوي (135) "الإحكام" للآمدي (2/ 10). (¬2) ذكره ابن النجار في "شرح الكوكب المنير" (2/ 309). وانظر: "تيسير التحرير" (3/ 38). (¬3) في "مفردات ألفاظ القرآن" (ص 478). (¬4) أي: الراغب في مفرداته (ص 479). (¬5) البخاري رقم (6094)، ومسلم رقم (102/ 2606)، وأبو داود رقم (4989)، والترمذي رقم (1971) ومالك في "الموطأ" (2/ 989)، وابن ماجه رقم (46). وهو حديث صحيح. (¬6) ذكره الحافظ في "الفتح" (10/ 508). (¬7) انظر: "مفردات ألفاظ القرآن" (ص 114)، "فتح الباري" (10/ 508).

قوله: "حتى يكتب عند الله صديقاً" [83 ب] أي: يحكم له بذلك، ويستحق الوصف بمنزلة الصديقين وثوابهم وعاقبتهم. قوله: "يهدي إلى الفجور" أي: يقود إليه، ويدل عليه والفجور (¬1) اسم جامع للشر، والحديث حث على الصدق وتحريه، وأنه سبب لدخول الجنة, وعكسه الكذب وتحريه، قال الله - تعالى -: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119)} (¬2). والكذب من صفات المنافقين، كما في الحديث الصحيح: "إنَّ المنافق إذا حدّث كذب" (¬3). قوله: "أخرجه الستة إلاَّ النسائي". الثاني: 2 - وعن أبي الجوزاء قال: قُلْتُ لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِيًّ - رضي الله عنهما -: مَا حَفِظْتَ مِنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قَالَ: حَفِظْتُ مِنْهُ: "دع مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لاَ يَرِيبُكَ فَإِنَّ الصدْقَ طَمَأْنِيْنَةٌ, وَالكَذِبَ رِيبَة". أخرجه الترمذي (¬4) وصححه، والنسائي (¬5). [صحيح] ¬

_ (¬1) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 344 - 345). وقال الراغب في "مفرداته" (ص 626)، والفجور: شق ستر الدِّيانه، يقال فجر فجوراً فهو فاجر. ويطلق على الميل إلى الفساد وعلى الانبعاث في المعاصي، وهو اسم جامع للشر. ذكره الحافظ في "الفتح" (10/ 508). (¬2) سورة التوبة الآية: (119). (¬3) أخرج البخاري في "صحيحه" رقم (33)، ومسلم رقم (59)، والترمذي رقم (2631). عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان". (¬4) في "السنن" رقم (2518). (¬5) في "السنن" (8/ 327). =

حديث (أبي الحوراء) بفتح الحاء المهملة وبالواو والمد. اسمه ربيعة بن شيبان (¬1) السعدي، تابعي عزيز الحديث، يروي عن الحسن بن علي وغيره. قوله: "حفظت منه" أي: مشافهة فإنَّه ولد سنة ثلاث من الهجرة، فتوفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو ابن سبع سنين. قوله: "دع ما يريبك" بفتح حرف المضارعة في "التعريفات" الريبُ: التردُّد بين مَوقعي تُهمة بحيثُ يمتنعُ من الطَّمأنينة على كلِّ منهما، وأصله: قلَقُ النَّفس واضطرابُها، ومنه: رَيْبُ الزَّمان لنوائبهِ المزعجة ومصائبه المُقلقة. انتهى. "إلى ما لا يريبك" أي: ما لا تردد فيه، وهو ما اطمأنت إليه النفس إمَّا بدليل، أو بما يلقيه الله في القلب من باب "استفت قلبك" (¬2). قوله: "فإنَّ الصدق طمأنينة" مثال لبعض ريبة فيه وهو صدق المقال، فإنَّها تطمئنُ به النفس إن قاله أو قيل له. ¬

_ = وأخرجه أحمد (1/ 200)، والحاكم (2/ 13)، (4/ 99)، والدارمي (2/ 245)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (2032)، وابن حبان في "صحيحه" رقم (722)، والطبراني في "الكبير" رقم (2711)، (2718)، وأبو نعيم في "الحلية" (8/ 264)، وهو حديث صحيح. (¬1) ذكره ابن الأثير في "تتمة جامع الأصول" (1/ 331 - قسم التراجم). وقال ابن حجر في "التقريب" (1/ 246 رقم 56)، ربيعة بن شيبان السعدي، أبو الحوراء بمهملتين، البصري، ثقة من الثالثة. (¬2) أخرجه أحمد (4/ 228)، وأبو يعلى في "مسنده" رقم (1586، 1587)، والطبراني في "المعجم الكبير" (ج 22 رقم 403)، والدارمي (2/ 245 - 246)، والبخاري في "التاريخ الكبير" (1/ 144 - 145). وهو حديث حسن.

وقوله: "والكذب ريبة" هو أيضاً مثال لبعض أنواع الريبة، فإنَّ الكذب إن قاله بقي في ريبة لئلا يظهر عليه أو يأثم به [......] (¬1) إليه، فإنه لا يطمئن بكلام الكاذب، بل يوقعه في التردد والشك، وهذا حديث جليل جامع لأنواع من القواعد. قوله: "أخرجه الترمذي وصححه النسائي". ¬

_ (¬1) في (أ. ب) رسمت لعلس. غير مقروءة.

كتاب الصدقة والنفقة

كتاب الصدقة والنفقة وفيه ثلاثة فصول الفصل الأول: في فضلهما الأول: حديث أبي هريرة: 1 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا تَصَدَّقَ أَحَدٌ بِصَدَقَةٍ مِنْ طَيِّبٍ، وَلاَ يَقْبَلُ الله إِلاَّ الطَّيِّبَ، إِلاَّ أَخَذَهَا الرَّحْمَنُ بِيَمِينِهِ, وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ، وَإِنْ كانَتْ تَمْرَةً فَتَرْبُو فِي كَفِّ الرَّحْمَنِ حَتَّى تَكُونَ أَعْظَمَ مِنَ الجَبَلِ كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ أَوْ فَصِيلَهُ". أخرجه الستة (¬1) إلا أبا داود. [صحيح] قوله: "فَتَرْبُو" أي: تكثر وتزيد. "وَكفُّ الرَّحْمنِ" هنا كناية عن محل قبول الصدقة التي توضع فيه، وإلا فلا كف (¬2) لله ولا جارحة، تعالى الله عمَّا يقول الظالمون والمجسمون (¬3) علوًّا كبيراً. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (1410، 7430) تعليقاً، ومسلم في "صحيحه" رقم (63، 1014)، والترمذي رقم (661)، وابن ماجه رقم (1842)، والنسائي (5/ 57). وأخرجه أحمد (2/ 538)، وابن خزيمة في "التوحيد" (1/ 143 - 144)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (1632)، والبيهقي في "الأسماء والصفات" (ص 328)، والآجري في "الشريعة" (ص 320 - 321). وهو حديث صحيح. (¬2) بل الكف صفة ذاتية خبرية ثابتة لله عز وجل بالأحاديث الصحيحة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، والإيمان به واجب، والبحث عن كيفية ذلك باطل. وقال الأصبهاني في "الحجة" (2/ 262): (... وللقدم معان, وللكف معان, وليس يحتمل الحديث شيئاً من ذلك، إلا ما هو معروف في كلام العرب، فهو معلوم بالحديث, مجهول الكيفية. وقال صديق حسن خان في "قطف الثمر" (ص 66): (ومن صفاته سبحانه: اليد، واليمين، والكف، والإصبع ...). (¬3) انظر: "التعليقة المتقدمة" وقد تقدم مزيد تفصيل.

"وَالفَلُوُّ (¬1) " المُهرْ أول ما يولد. "وَالفَصِيلُ (¬2) " ولد الناقة إلى أن يفصل عن أمه. قوله: "من طيب" أي: حلال. "ولا يقبل الله إلاَّ الطيب إلاَّ أخذها بيمينه". قال المازري (¬3): كنّى عن قبول الصدقة بالأخذ باليمين، وعن تضعيف الأجر بالتريبة جرياً على ما اعتادوه في [84 ب] خطابهم ليفهموه. قال القاضي (¬4): لما كان الشيء الذي يرتضى يتلقى باليمين (¬5) استعملت اليمين في مثل هذا، واستعيرت للقبول كقوله: ¬

_ (¬1) قال ابن الأثير في "النهاية في غريب الحديث" (2/ 395) الفَلُوُّ المهر الصغير، وقيل: هو الفطيم من أولاد ذوات الحافر. وانظر: "غريب الحديث" للخطابي (2/ 177). (¬2) انظر: "الفائق" للزمخشري (12213). وانظر: "النهاية" (2/ 375). (¬3) في "المعلم بفوائد مسلم" (2/ 13 - 14، 18). (¬4) القاضي عياض في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (3/ 536 - 537). (¬5) بل الواجب إثبات ما أثبته الله لنفسه في كتابه, أو أثبته له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل؛ لأن الله أعلم بنفسه من غيره, ورسوله - صلى الله عليه وسلم - أعلم الخلق بربه. وقال: الغنيمان في "شرحه لكتاب التوحيد من صحيح البخاري" (1/ 311): (هذا؛ وقد تنوعت النصوص من كتاب الله تعالى وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - على إثبات اليدين لله تعالى وإثبات الأصابع لهما، وإثبات القبض وتثنيتهما، وأن إحداهما يمين كما مر، وفي نصوص كثيرة, والأخرى شمال، كما في "صحيح مسلم"، وأنه تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، وبالنهار ليتوب مسيء الليل، وأنه تعالى يتقبل الصدقة من الكسب =

تلقاها عَرابة باليمين أي: هو مؤهل للمجد والشرف، وليس المراد بها الجارحة، انتهى. وعرابة الذي ذكره المازري هو عرابة (¬1) بن أوس الخزرجي الأنصاري الأوسي، كان من سادات قومه كريماً جواداً، كان يقاس في الجود بعبد الله بن جعفر. قال ابن قتيبة (¬2): لقيه الشمَّاخ (¬3) الشاعر وهو يريد المدينة، وقال: ما أقدمك؟ قال: أمتار لأهلي، وكان معه بعيران، فأوقرهما له براً، وتمراً وكساه، وأكرمه، فخرج من المدينة وامتدحه بالقصيدة التي يقول فيها: رَأيتُ عَرابَة الأوسيَّ يَسْمُو ... إلى الخَيرات مُنقَطعَ القَرينِ إذا ما رايةٌ رُفِعَتْ لمِجْدٍ ... تَلَقَّاها عَرَابُة باليمينٍ وفسر المصنف الحديث بنحو مما ذكرناه. ¬

_ = الطيب بيمينه، فيربيها لصاحبها، وأن المقسطين على منابر من نور عن يمين الرحمن، وكلتا يديه يمين، وغير ذلك مما هو ثابت عن الله ورسوله). (¬1) عرابة بن أوس وقد تقدم مفصلاً بن قيظي الأوسى، صحابي ابن صحابي، شهد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غزوة الخندق, ولم يشهد أحداً، كانت سنه إذا ذاك أربع عشرة سنة وخمسة أشهر، فلم يأذن له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يشهدها لذلك. انظر: "الإصابة" (3/ 311). (¬2) في "الشعر والشعراء" (1/ 318 - 319). (¬3) الشمَّاخ: هو معقل بن ضرار، كان جاهلياً إسلامياً. قال الحطيئة: أبلغوا الشَّماخ أنه أشعر غطفان. وانظر: "خزانة الأدب" (3/ 37 - 38).

قوله: "فلُوَّه" بزنة عَدوّ المهر ضرب به المثل؛ لأنَّه يزيد زيادة بينة؛ ولأنَّ الصدقة نتاج العمل، وأحوج ما يكون النتاج إلى التربية إذا كان فطيماً، فإذا أحسن التربية له انتهى إلى حد الكمال. قوله: "أخرجه الستة إلاَّ أبا داود". قلت: وأخرج الترمذي (¬1) من حديث أبي هريرة أنَّه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إنَّ الله يقبل الصدقة ويأخذها بيمينه فيربيها لأحدكم كما يربي أحدكم مهره, حتى أنَّ اللقمة لتصير مثل أحد وتصديق ذلك في كتاب الله: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ} (¬2)، {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} (¬3) ". قال (¬4) أبو عيسى: هذا حديث صحيح. قلت: إلاَّ أنَّه قال العراقي: فيه تخليط من بعض الرواة، والصواب (¬5): {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ} (¬6). قال أبو عيسى (¬7): قال غير واحد من أهل العلم في هذا الحديث وما يشبهه: هذا من الروايات في الصفات، ونزول الرب تبارك وتعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا، قالوا: ثبتت الروايات في هذا ونؤمن بها، ولا يتوهم، ولا يقال: كيف؟ هكذا روي عن مالك بن أنس ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (662)، وهو حديث صحيح لغيره. (¬2) سورة الشورى الآية: (25). (¬3) سورة البقرة الآية: (276). (¬4) في "السنن" (3/ 50). (¬5) وهو كما قال. (¬6) سورة التوبة الآية: 104. (¬7) في "السنن" (3/ 50 - 51).

[85 ب] وسفيان بن عيينة وعبد الله بن المبارك أنَّهم قالوا في هذه الأحاديث: أمررها بلا كيف، وهذا قول أهل العلم من أهل السنة والجماعة. وأمَّا الجهمية (¬1) فأنكروا هذه الروايات، وقالوا: هذا تشبيه، وقد ذكر الله في غير موضع من كتابه اليد والسمع والبصر، فتأولت الجهمية هذه الآيات وفسروها على غير ما فسرها أهل العلم، وقالوا: إنَّ الله لم يخلق آدم (¬2) بيده, وقالوا: إنما معنى اليد هنا القوة. وقال إسحاق بن إبراهيم: إنما يكون التشبيه إذا قال: يد كيد أو مثل يد، أو سمع كسمع أو مثل سمع، فهذا هو التشبيه، وأمَّا إذا قال كما قال الله: يد وسمع وبصر، ولا يقول: ¬

_ (¬1) الجهمية ترجع نسبتها إلى مؤسسها جهم بن صفوان, والجهمية إحدى الفرق الكلامية التي تنتسب إلى الإسلام وهي ذات مفاهيم وأراء عقدية خاطئة في مفهوم الإيمان، وفي صفات الله تعالى وأسمائه. فالجهمية تنكر جميع الأسماء التي سمى الله بها نفسه وجميع الصفات التي وصف بها نفسه بحجج واهية وتأويلات باطلة. منها: إرادة تنزيه الله تعالى. - أن إثبات الصفات يقتضي أن يكون الله جسماً لأن الصفات لا تقوم إلا بالأجسام؛ لأنها أعراض والأعراض لا تقوم بنفسها. - أن وصف الله تعالى بتلك الصفات التي ذكرت في كتابه الكريم أو في سنة نبيه العظيم، يقتضي مشابهة الله بخلقه، فينبغي نفي كل صفة نسبه إلى الله تعالى، وتوجد كذلك في المخلوقات لئلا يؤدي إلى تشبيه الله بزعمهم بمخلوقاته التي تحمل اسم تلك الصفات. انظر: "المقالات" (1/ 279) "الفرق بين الفرق" (ص 212). "فرق معاصرة" (2/ 800 - وما بعدها). "الملل والنحل" (1/ 97 - 100). (¬2) اعلم أن ما أضيف إلى الله مما هو غير بائن عنه, فهو صفة له غير مخلوقة, وكل شيء أضيف إلى الله بائن عنه, فهو مخلوق، فليس كل ما أضيف إلى الله يستلزم أن يكون صفة له. وقد تقدم تفصيله. انظر: "مجموع فتاوى لابن تيمية" (5/ 212)، (9/ 290)، "التدمرية" (ص 31 - 35).

كيف، ولا يقول: مثل سمع وكسمع، فهذا لا يكون تشبيهاً، وهو كما قال الله في كتابه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)} (¬1) انتهى. وقدمنا كلام المازري (¬2) وهو تأويل صحيح (¬3)، وهذا أحسن منه، وأولى بجلال الله - سبحانه وتعالى -. الثاني: حديثه - أيضاً -: 2 - وعنه - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "بَيْنَا رَجُلٌ فِيِ فَلاَةٍ مِنَ الأَرْضِ إِذْ سَمِعَ صَوْتًا فِي سَحَابَةٍ أسْقِ حَدِيقَةَ فُلاَنٍ. فَتَنَحَّى ذَلِكَ السَّحَابُ, فَأَفْرَغَ مَاءَهُ فِي حَرَّةٍ, فَإِذَا شَرْجَةٌ مِنْ تِلْكَ الشِّرَاجِ قَدِ اسْتَوْعَبَتْ ذَلِكَ المَاءَ, فَتَتَبَّعَ المَاءَ، فَإِذَا رَجُلٌ قَائِم فِي حَدِيقَةٍ يُحَوَّلُ المَاءَ بِمِسْحَاتِهِ. فَقَالَ لَهُ: يَا عَبْدَ الله! مَا اسْمُكَ؟ قَالَ: فُلاَنٌ. الاسْمُ الَّذِي سَمِعَ فِي السَّحَابَةِ. فَقَالَ لَهُ: يَا عَبْدَ الله! لِمَ سَالتَنِي عَنِ اسْمِي؟ قَالَ: سَمِعْتُ صَوْتًا فِي السَّحَابِ الَّذِي هَذَا مَاؤُهُ يَقُوُلُ: اسْقِ حَدِيقَةَ فُلاَنٍ لِاسْمِكَ. فَمَا تَصْنَعُ فِيهَا؟ قَالَ: أَمَّا إِذَا قُلْتَ هَذَا فَإِنِّي أَنْظُرُ إِلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهَا، فَأتَصَدَّقُ بِثُلُثِهِ, وَآكُلُ أنَا وَعِيَالِي ثُلُثَهُ, وَأَرُدُّ فِيهَا ثُلُثَهُ". أخرجه مسلم (¬4). [صحيح] "الحَرَّةُ (¬5) " بفتح الحاء: الأرض ذات الحجارة السوداء. "وَالشَّرْجَةُ" (¬6): واحدة الشِّراج وهي مسايل الماء إلى السَّهل من الأرض. ¬

_ (¬1) سورة الشورى الآية: 11. (¬2) في "المعلم بفوائد مسلم" (2/ 18). (¬3) ليس كذلك انظر ما تقدم. (¬4) في "صحيحه" رقم (2984). (¬5) انظر: "النهاية في مجموع الحديث" (1/ 357). "المجموع المغيث" (1/ 426). (¬6) "الفائق" للزمخشري (2/ 223).

"والمِسحاةُ" (¬1): المجْرَفة من الحديد. قوله: "رجل" لم يأتِ مسماً في رواية. قوله: "إذ سمع صوتاً في سحابة اسق حديقه فلان" الحديقة القطعة من النخل، وتطلق على الأرض ذات الشجر. قوله: "فتنحى" أي: قصد ذلك السحاب في ناحية. "فأفرغ ماءه في حرة". قوله: "شرجة" بفتح الشين المعجمة وسكون الراء فجيم هي طريق الماء كما يأتي للمصنف، والحديث فضيلة للصدقة (¬2)، فإنَّ نفقته على أولاده ونفسه صدقة، والذي يرده في إصلاح الأرض صدقة أيضاً. قوله (¬3): "أخرجه مسلم". الثالث: حديثه - أيضاً -: 3 - وعنه - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "سَبَقَ دِرْهَمٌ مِائَةَ الفِ دِرْهَمٍ". قِيلَ: وَكَيْفَ ذلِكَ يَا رَسولَ الله؟ قَالَ: "كَانَ لِرَجُلٍ دِرْهَمَانِ فَتَصَدَّقَ بِأَجْوَدْهِمَا، وَانْطَلَقَ آخَرُ إِلى عُرْضِ مَالِهِ فَأَخْرَجَ مِنْهُ مِائَةَ الفِ دِرْهَمٍ فَتَصَدَّقَ بِهَا". أخرجه النسائي (¬4). [حسن] ¬

_ (¬1) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 852). (¬2) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (9/ 520). (¬3) أي قوله: (فإني أنظر إلى ما يخرج منها فأتصدق بثلثه ...). (¬4) في "السنن" رقم (2527). وأخرجه ابن خزيمة في "صحيحه" رقم (2443)، وابن حبان في "صحيحه" رقم (3336)، والحاكم (1/ 416). وهو حديث حسن.

"عُرْضُ الشَّيْءِ" (¬1) جانبه وناحيته. قوله: "سبق درهم" أي: سبق في ثوابه أو قبوله. "مائة ألف درهم" وكأنَّه استنكر السامعون ذلك؛ لأنَّ الذي يعلم أنَّ الأكثر أفضل من الأقل. "قيل: وكيف ذلك يا رسول الله؟! قال: كان لرجل درهمان فتصدق [أحدهما] (¬2) " فهو نصف ماله. قوله: "وانطلق آخر إلى عرض ماله، فأخرج منه مائة ألف درهم فتصدق بها". فسبق ذلك الدرهم تلك المائة؛ لأنَّه نصف مال من أخرجه, والآخر أخرج شطراً من ماله فسماحة صاحب الدرهم أكبر، ويحتمل أنَّ ذلك لأنَّه وافق محتاجاً مستحقاً [86 ب] دون صاحب المائة، أو أنَّه أحسن منه نية، وإن كان خلاف الظاهر، والحديث يناسبه قول الشاعر: ليس العطاء من الغناء سماحة ... حتى تجود وما لديك قليل قال في "الجامع" (¬3): وفي رواية (¬4): "وكان رجل له مال كثير فأخذ من عرض ماله". إلاَّ أنَّه يعارضه حديث: "أفضل الصدقة ما كانت عن ظهر غنى (¬5) " ولعله يجاب بأنَّ المراد غنى النفس، وأنَّ المتصدق لا يتبع ما أخرجه نفسه. ولأبي محمد بن حزم بحث هنا، لعلنا نلحقه إن وجدناه إن شاء الله. ¬

_ (¬1) انظر: "الفائق" للزمخشري (2/ 415). "النهاية في غريب الحديث" (2/ 184). (¬2) كذا في "الشرح" والذي في نص الحديث (بأجودهما). (¬3) (9/ 520). (¬4) أخرجه النسائي في "السنن" رقم (2528)، وهو حديث حسن. (¬5) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (1427)، وهو حديث صحيح وقد تقدم.

قوله: "أخرج النسائي". الرابع: حديث ابن عباس: 4 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما -: أَنَّهُ جَاءَهُ سَائِلٌ: فَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: أَتَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَتَصُومُ وَتُصَلِّي؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: سَالتَ وَلِلسَّائِلِ حَقٌّ، إِنَّهُ لَحَقٌّ عَلَيْنَا أَنْ نَصِلَكَ. فَأَعْطَاهُ ثَوْبًا، وَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَكْسُو مُسْلِماً ثَوْبًا إِلاَّ كَانَ فِي حِفْظِ الله تَعَالَى مَا دَامَ عَلَيْهِ مِنْهُ خِرْقَةٌ". أخرجه الترمذي (¬1). [ضعيف] قوله: "فقال له: أتشهد .. إلى آخره" فيه أنَّه سأل السائل عن الدين ليتصدق المتصدق، وقد عرف دينه لحديث: "تخيروا لصدقاتكم". قوله: "أخرجه الترمذي". الخامس: حديث أبي سعيد: 5 - وعن أبي سعيد - رضي الله عنه -: أَنَّ أَعْرَابِيًّا قَالَ: يَا رَسولَ الله: أَخبرنِي عَنِ الهِجْرَةِ. فَقَالَ: "وَيْحَكَ، إِنَّ شَأْنَهَا شَدِيدٌ، فَهَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ؟ " قَالَ: نَعَمْ. قَالَ:"فَتُعْطِي صَدَقَتَهَا؟ " قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَهَل تَمْنَحُ مِنْهَا؟ قَال: نَعَم. قَالَ: فَتَحْلُبُهَا يَوْم وِرْدَهَا؟ قَال: نَعَمْ. قَالَ: "فَاعْمَلْ مِنْ وَرَاءِ البِحَارِ، فَإِنَّ الله لَنْ يِتِرَكَ مِنْ عَمَلِكَ شيْئًا". أخرجه الخمسة (¬2) إلا الترمذي. [صحيح] قوله: "فاعمل من رواء البحار". عبارة (¬3) يراد بها: في أي محل كنت حيث قد قمت بما أمر الله به من حقوق ما أعطيت من الإبل، وخص - صلى الله عليه وسلم - ما ذكر؛ لأنَّه أعز شيء على أهل ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (2484)، وهو حديث ضعيف. (¬2) أخرجه البخاري رقم (1452)، وأطرافه رقم (2633، 3923، 6165)، ومسلم رقم (1865)، وأبو داود رقم (2477)، والنسائي رقم (4164). وهو حديث صحيح. (¬3) قال الحافظ في "الفتح" (7/ 259) مبالغة في إعلامه بأن عمله لا يضيع في أي موضع كان.

البادية، ولم يسأله عن سائر الواجبات لعلمه - صلى الله عليه وسلم - بأنَّه لا يريد الهجرة إلاَّ وقد قام بأمور دينه, وإنما شدد عليه أمرها؛ لأنَّ خروج صاحب البادية إلى الحضر مهاجراً أمر صعب لا يحتمله حال السائل (¬1). وقوله: "تحلبها يوم وردها" أي: يوم ترد المياه لتشرب, فإنَّهم كانوا يحلبونها ويتصدقون من لبنها، فاكتفى بذكر الحلب؛ لأنَّه معلوم أنَّ المراد به التصدق. وفي "شرح مسلم" (¬2): أنَّ المراد بالبحار القرى، والعربُ تسمي القرى البحار، والقرية البحيرة, والمراد بالهجرة التي سأل عنها الأعرابي ملازمة المدينة مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، وترك أهله ووطنه فخاف عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن لا يقوى لها، [فأمره بالعمل في وطنه] (¬3)، انتهى. وقوله: "لن يترك (¬4) " بمثناة تحتية ثم مثناة فوفية لا ينقصك. قوله: "أخرجه الخمسة إلاَّ الترمذي". السادس: حديث أبي هريرة: 6 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "الصَّدَقَةُ تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ، وَتَدْفَعُ مِيتةَ السُّوءِ". أخرجه الترمذي (¬5). [ضعيف] ¬

_ (¬1) انظر: "فتح الباري" (7/ 258 - 259). (¬2) (13/ 9). (¬3) كذا في (أ. ب) والعبارة كما في "شرح صحيح مسلم" للنووي: ولا يقوم بحقوقها وأن ينكص على عقبيه فقال له إن شأن الهجرة التي سألت عنها لشديد. ولكن اعمل الخير في وطنك وحيث ما كنت فهو ينفعك ولا ينقصك الله منه شيئاً والله أعلم. (¬4) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 820)، "غريب الحديث" للهروي (1/ 306). (¬5) في "السنن" رقم (664) وهو حديث ضعيف.

قوله: "تطفئ غضب الرب (¬1) " شبهه بتلهب النار في [87 ب] إضرار من غضب عليه، فمن فعل ما يغضب الله، ولا يغضبه إلاَّ المعاصي، فبادر بإخراج الصدقة، فإنَّه يطفئ عنه الغضب، ووجه المناسبة واضحة، وهو أنَّ بالصدقة يطفئ العبد تلهب المحتاج بنار حاجته، فكافأه الله بدفع نار غضبه، وهذا أحد فوائد الصدقة، وإلاَّ فإنَّ فوائدها كثيرة منها: الإخلاف وزيادة الرزق إذا افتقر، ثم متاجرة الله بالصدقة، وغير ذلك من انشراح صدر المتصدق، وانبساط أخلاقه، ومنها: قوله: "وتدفع ميتة السوء" أي: الشر وهي الميتة على غير أهبة ولا استعداد. قوله: "أخرجه الترمذي". ¬

_ (¬1) الغضب صفة فعلية خبرية ثابتة لله عز وجل بالكتاب والسنة. والدليل من الكتاب: قوله تعالى: {وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا} [النور: 9]. وقوله تعالى: {كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى (81)} [طه: 81]. والدليل من الحديث: ما أخرجه البخاري رقم (3194)، ومسلم رقم (2751) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: "إن رحمتي غلبت غضبي". وما أخرجه البخاري رقم (3340)، ومسلم رقم (194) حديث الشفاعة الطويل وفيه: " ... إن ربي غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله .... ". فأهل السنة والجماعة يثبتون صفة الغضب لله عز وجل بوجه يليق بجلاله وعظمته, لا يكيفون ولا يشبهون ولا يؤولون، كمن يقول: الغضب إرادة العقاب, ولا يعطلون، بل يقولون: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)} [الشورى: 11]. وانظر: "الحجة في بيان المحجة" للأصبهاني (2/ 457).

النفقة

قلت: بيض له ابن الأثير في "الجامع" (¬1)، ولم ينسبه إلى أحد، وكأنَّه مما ذكر رزين فينظر. النفقة أي: الأحاديث في النفقة وهي ما ينفقه من واجب وغيره الأول: حديث أبي هريرة: 1 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ فِيهِ العِبَادُ إِلاَّ وَمَلَكَانِ يَنْزِلاَنِ مِنَ السَّمَاءِ, يَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللهمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الآخَرُ: اللهمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا". أخرجه الشيخان (¬2). وفي أخرى (¬3): "يَقولُ الله تعالى: يَا ابنَ آدَمَ أنفِقْ أُنفِقْ عَلَيْكَ". قوله: "اللهم أعطِ منفقاً خلفاً" أي: عوضاً عن نفقته, قال العلماء: هذا في الإنفاق في الطاعات ومكارم الأخلاق، وعلى العيال والضيفان، والصدقات ونحو ذلك، بحيث لا يذم ولا يسمى ذلك سرفاً، والإمساك المذموم هو: الإمساك عن هذا. قوله: "ويقول الآخر: اللهم أعطِ ممسكاً" عن كل ما ذكرناه. "تلفاً" عبر بالعطية في جانب التلف للمشاكلة (¬4). ¬

_ (¬1) (9/ 522) وفيه: أخرجه الترمذي. (¬2) البخاري رقم (1442)، ومسلم رقم (57/ 1010). (¬3) أخرجها البخاري في "صحيحه" رقم (4684، 5352، 7411، 7496)، ومسلم رقم (36/ 993). وأخرجها البخاري رقم (7419)، ومسلم رقم (37/ 993). (¬4) ذكره الحافظ في "الفتح" (3/ 305). والمشاكلة في اللغة هي المماثلة, والذي تحرَّر في المصطلح عند علماء هذا الفن أن المشاكلة هي: ذكر الشيء بلفظ غيره لوقوعه في صحبة ذلك الغير. =

قوله: "أخرجه الشيخان، وفي أخرى يقول الله: يا بن آدم أنفق" على من تحت يدك وغيرهم. "أُنْفِقْ عَليْكَ" أمر من الله - تعالى - لعباده بالإنفاق مما آتاهم في وجوه الخير، وأنَّه سبب للإخلاف ويصدقه: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ} (¬1). قوله: "أخرجه الشيخان". أخرجاه بألفاظ كثيرة كما ساقها ابن الأثير (¬2). الثاني: أبي ذر: 2 - وعن أبي ذَرٌ - رضي الله عنه -: قَالَ رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يُنْفِقُ مِنْ كُلِّ مَالٍ لَهُ زَوْجَيْنِ فِي سَبِيلِ الله تَعَالَى إِلاَّ اسْتَقْبَلَتْهُ حَجَبَةُ الجَنَّةِ كُلُّهُمْ يَدْعُوهُ إِلَى مَا عِنْدَهُ". قِيْلَ: وَكَيْفَ ذَلِكَ؟ قَالَ: "إِنْ كَانَ إِبِلاً فَبَعِيرَيْنِ، وَإِنْ كَانَتْ بَقَرًا فَبَقَرَتَيْنِ". أخرجه النسائي (¬3). [صحيح] قوله: "من كل مال له زوجين". أي: صنفين من أي صنف من أصناف المال. وقوله: "في سبيل الله" قيل: أراد الجهاد، وقيل: ما هو أعم منه. وفي "النهاية" (¬4): سبيل الله، عام يقع على كل عمل خالص سُلِك به طريق التقرُّب إلى الله بأداء الفرائض والنوافل وأنواع التطوعات، فإذا أُطلق فهو في الغالب واقعٌ على الجهاد، وحتى صار لكثرة الاستعمال كأنَّه مقصور عليه. ¬

_ = ومثل ذلك قوله تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40]. فالجزاء عن السيئة في الحقيقة غير سيئة, والأصل: وجزاء سيئة عقوبة مثلها. انظر: "معجم البلاغة العربية" (ص 316 - 317). (¬1) سورة سبأ الآية: (39). (¬2) في "الجامع" (9/ 522 - 523). (¬3) في "السنن" رقم (3184) وهو حديث صحيح. (¬4) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 752).

قوله [88 ب]: "حجبة الجنة" جمع حاجب أي: خزنتها. "كلهم يدعوه إلى ما عنده" أي: إلى دخوله من بابه. قوله: "إن كان إبلاً" أي: إن كان المال الذي ينفق من الإبل، فالزوجان بعيران أو من البقر فهما بقرتان. قوله: "أخرجه النسائي". الثالث: حديث أبي هريرة: 3 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قَالَ رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "دِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي سَبِيلِ الله، وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي رَقَبَةٍ، ودِينَارٌ تَصَدَّقْتَ بِهِ عَلَى مِسْكِينٍ، ودِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ, أَعْظَمُهَا أَجْرًا الَّذِي أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ". أخرجه مسلم (¬1). [صحيح] قوله: "أنفقته في رقبة" أي: في عتقها أو أعنت به مكاتباً. قوله: "أعظمها أجراً الذي أنفقته على أهلك" فيه فضيلة الإنفاف على الأهل واجباً كان أو مندوباً، وإذا كان أفضلهما فإنَّه يقدم على ما ذكر من النفقات (¬2). قوله: "أخرجه مسلم". الرابع: حديث أبي مسعود البدري: 4 - وعن أبي مسعود البدري - رضي الله عنه - قال: قَالَ رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ المُسْلِمَ إِذَا أَنْفَقَ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةٍ وَهُوَ يَحْتَسِبُهَا كَانَتْ لَهُ صَدَقَةً". ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (995). وأخرجه أحمد (2/ 476) وهو حديث صحيح. (¬2) قال النووي في "شرحه لصحيح مسلم" (7/ 81 - 82) مقصود الباب الحث على النفقة على العيال وبيان عظم الثواب فيه؛ لأن منهم من تجب نفقته بالقرابة, ومنهم من تكون مندوبة، وتكون صدقة وصلة، ومنهم من تكون واجبة, بملك النكاح أو ملك يمين، وهذا كله فاضل محثوث عليه, وهو أفضل من صدقة التطوع ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم - في رواية ابن أبي شيبة: "أعظمها أجراً الذي أنفقته على أهلك".

أخرجه الخمسة (¬1) إلا أبا داود. [صحيح] قوله: "وهو يحتسبها" أي: يعتد بها عند الله (¬2) - تعالى - فهو قيد لكل نفقة. قوله: "كانت له صدقة" أي: أفضل الصدقات كما سلف. قال في "الفتح" (¬3): فيه أنَّ النفقة على العيال، وإن كانت من أفضل الطاعات فإنما تكون طاعة إذا نوى بها وجه الله، وكذلك نفقته على نفسه، ودابته، وضيفه إذا لم يقصد بها الطاعة لم تكن طاعة فلا يؤجر، لكن تبرأ ذمته من النفقة الواجبة. قال (¬4): وأطلق الصدقة على النفقة مجاز، والمراد بها الأجر، والقرينة الصارفة عن الحقيقة الإجماع على جواز النفقة على الزوجة الهاشمية التي حرمت عليها الصدقة. انتهى. قوله: "أخرجه الخمسة إلاَّ أبا داود". الخامس: حديث ابن مسعود: 5 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قَالَ رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ وَسَّعَ عَلَى عِيَالِهِ يَوْمَ عَاشُوْرَاءَ وَسَّعَ الله عَلَيْهِ سَائِرَ سَنَتِهِ" (¬5). قَالَ سُفْيَانُ: إِنَّا قَدْ جَرَّبْنَاهُ فَوَجَدْنَاهُ كَذَلِكَ. أخرجه رزين. [ضعيف] ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (55، 4006، 5351)، ومسلم رقم (48/ 1002)، والترمذي رقم (1965)، والنسائي في "السنن" رقم (2545). وهو حديث صحيح. (¬2) قال القرطبي في "المفهم" (3/ 43): ومعنى يحتسبها: أي: يقصد بها ثواب الله، (¬3) (1/ 136). (¬4) الحافظ في "فتح الباري" (1/ 136 - 137). (¬5) أخرجه البيهقي في "الشعب" رقم (3794)، والطبراني في "الكبير" رقم (10007)، والعقيلي في "الضعفاء" (3/ 252)، وابن حبان في "المجروحين" (3/ 54)، وابن عدي في "الكامل" (5/ 1854). =

قوله: "يوم عاشوراء" أي: زاد في النفقة فيه على سائر الأيام. "وسع الله عليه سائر سنته قال سفيان" يحتمل أنَّه الثوري أو ابن عيينة. "إنَّا قد جربناه فوجدناه كذلك" بيض ابن الأثير (¬1) لمن أخرجه, والمصنف على قاعدته. قال: "أخرجه رزين" قلت: في "الجامع الصغير" (¬2): أخرجه الطبراني في "الأوسط" (¬3)، والبيهقي في "شعب الإيمان (¬4) " عن أبي سعيد رزين يضعفه, وفي شرحنا على "الجامع الصغير" المسمى: بالتنوير (¬5) ما لفظه: فيه هَيْصَم (¬6) عن الأعمش. قال ابن حجر في أماليه (¬7): اتفقوا على ضعف الهَيْصَم وعلى انفراده به. وقال البيهقي (¬8): في موضع أسانيده كلها ضعيفة. وقال ابن رجب في اللطائف: لا يصح إسناده، وقد روي من وجوه [89 ب] أُخر لا يصح شيء منها، ورواه ابن عدي (¬9) في "أماليه" في إسناده لين فيه حجاج بن نصير، ومحمد بن ¬

_ = وهو حديث ضعيف. (¬1) في "الجامع" (9/ 527). (¬2) رقم (9075). (¬3) رقم (9298). (¬4) في "الشعب" رقم (3794). (¬5) وقد أعاننا الله على تحقيقه. ط ابن الجوزي الدمام. (¬6) هيصم بن شداخ. قال العقيلي في "الضعفاء الكبير" (3/ 252): الهيصم مجهول، والحديث غير محفوظ. وقال ابن حبان في "المجروحين" (3/ 97) الهيصم روى الطامَّات لا يجوز الاحتجاج به. (¬7) (ص 28 - 30). (¬8) في "الشعب" بإثر الحديث رقم (3795). (¬9) انظر: "الكامل" لابن عدي (5/ 1854).

الفصل الثاني: في الحث عليها

ذكوان، وسلمان بن أبي عبد الله مضعفون، لكن ذكرهم في الثقات (¬1)، فالحديث حسن على رأيه، وله طريق أخرى صححها ابن ناصر، وفيه زيادة منكرة. قلت: كأنَّها (¬2). قال سفيان إلى آخره، وأمَّا ابن الجوزي (¬3) فحكم بوضعه وتعقبه الحافظ ابن حجر (¬4)، وقال المجدْ اللغوي - يريد مؤلف "القاموس" - ما يروى في فضل يوم عاشوراء، والصلاة فيه، والإنفاق، والخضاب والأدهان والاكتحال بدعة ابتدعها قتلة الحسين - رضي الله عنه -، وفي "الغنية" للحنفية: الاكتحال يوم عاشوراء لما صار علامة لبغض أهل البيت وجب تركه، انتهى بلفظه من التنوير، ولله الحمد الكثير. الفصل الثاني: في الحث عليها الأول: 1 - عن [حارثة] (¬5) بن وهب - رضي الله عنه - قال: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "تَصَدَّقُوا، فَيُوشِكُ الرَّجُلُ يَمْشِي بِصَدَقَةٍ. فَيَقُولُ الَّذِي يُعْطَاهَا: لَوْ جِئْتَنَا بِهَا بِالأَمْسِ قَبِلْتُهَا. فَأَمَّا الآنَ فَلاَ حَاجَةَ لِي فِيهَا، فَلاَ يَجِدُ مَنْ يَقْبَلُهَا مِنْهُ". أخرجه الشيخان (¬6) والنسائي (¬7). [صحيح] ¬

_ (¬1) (4/ 312 - 314). (¬2) أي: الزيادة. (¬3) في "الموضوعات" رقم (1142). (¬4) انظر: "الأمالي المغلقة" (ص 29 - 30). (¬5) في المخطوط (أ. ب) خارجة, وما أثبتناه من مصادر التخريج. (¬6) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (1411، 1424، 7120)، ومسلم رقم (58/ 1011). (¬7) في "السنن" رقم (2555). وهو حديث صحيح.

حديث ([حارثة] (¬1) بن وهب) هو الخزاعي أخو عبيد الله (¬2) بن عمر لأمه. قوله: "أما الآن فلا حاجة لي فيها، فلا يجد من يقبلها منه". قال العلماء (¬3): وذلك عند قرب الساعة حيث يكثر المال، ويقبض، وهو حث على المبادرة بالصدقة، واغتنام إمكانها قبل تعذرها، وسبب عدم قبولها كثرة الأموال (¬4)، وظهور كنوز الأرض، ووضع البركات فيها بعد هلاكِ يأجوج ومأجوج، وقلة الناس، وقرب قيام الساعة, وعدم ادخارهم المال. قوله: "أخرجه الشيخان". الثاني: حديث أبي موسى: 2 - وعن أبي موسى - رضي الله عنه -: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَطُوفُ الرَّجُلُ فِيهِ بِالصَّدَقَةِ مِنَ الذَّهَبِ, فَلَا يَجِدُ أَحَدًا يَأْخُذُهَا مِنْهُ, وَترَى الرَّجُلُ الوَاحِدُ يتْبَعُهُ أَرْبَعُونَ امْرَأَةً يَلُذْنَ بِهِ مِنْ قِلَّةِ الرِّجَالِ وَكَثْرَةِ النِّسَاءِ". أخرجه الشيخان (¬5). [صحيح] قوله: "يطوف الرجل بالصدقة من الذهب فلا يجد أحداً يأخذها منه" (¬6). ¬

_ (¬1) ذكره ابن الأثير في "تتمة جامع الأصول" (1/ 288 - قسم التراجم). (¬2) أي: عبيد الله بن عمر بن الخطاب. وانظر: "التقريب" (1/ 146 رقم 85). (¬3) انظر: "شرح صحيح مسلم" للنووي (7/ 96). "فتح الباري" (3/ 282). (¬4) أخرج البخاري في "صحيحه" رقم (1412) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تقوم الساعة حتى يكثر فيكم المال، فيفيض، حتى يهم رب المال من يقبل صدقته, وحتى يعرضه فيقول الذي يعرضه عليه: لا أرب لي .. ". (¬5) البخاري في "صحيحه" رقم (1414)، ومسلم رقم (1012). وهو حديث صحيح. (¬6) قال النووي في "شرحه لصحيح مسلم" (7/ 96): قوله - صلى الله عليه وسلم -: "يطوف الرجل بصدقته من الذهب"، إنما هذا يتضمن التنبيه على ما سواه؛ لأنه إذا كان الذهب لا يقبله أحد فكيف الظن بغيره وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "يطوف" إشارة إلى أنه يتردد بها بين الناس فلا يجد من يقبلها فتحصل المبالغة والتنبيه على عدم قبول الصدقة بثلاثة أشياء كونه يعرضها ويطوف بها وهي ذهب.

هو كالذي قبله، إنما زاد هنا طواف المتصدق وتردده بصدقته، وهي من أنفس الأموال. قوله: "ويرى الرجل" يروى بالضم المثناة التحتية وفتحها. "ويلذن" بالذال المعجمة أي: ينتهين إليه ليقوم بحوائجهن، ويذب عنهن كقبيلة بقي من رجالها واحد، وبقي نساؤها فهن يلذنَّ به, ولا يطمع فيهن أحد (¬1). قال العلماء (¬2): وسبب قلة الرجال: الحروب والقتال الذي يقع آخر الزمان، وتراكم الملاحم كما قال - صلى الله عليه وسلم -: "لما يكثر الهرج" أي: القتل. قوله: "أخرجه الشيخان". الثالث: 3 - وعن علي - رضي الله عنه - قال: قال رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "بَادِرُوا بِالصَّدَقَةِ، فإنَّ البَلَاء لا يَتَخَطَّاها" (¬3). أخرجه رزين. [ضعيف] حديث "علي - عليه السلام -: بادروا بالصدقة". كأنَّ المراد في أول يوم [90 ب] فإنَّ البلاء لا يتخطاها، بل تحول بينه وبين المتصدق فلا يصيبه. قوله: "أخرجه رزين". وبيض له ابن الأثير (¬4)، وبحثت عنه فلم أجده (¬5). الرابع: حديث أنس: ¬

_ (¬1) قاله النووي في "شرح صحيح مسلم" (7/ 96). (¬2) قاله النووي في "شرح صحيح مسلم" (7/ 96). وانظر: "فتح الباري" (1/ 179). (¬3) أخرجه الطبراني في "الأوسط" رقم (5639) من حديث علي - رضي الله عنه - وهو حديث ضعيف. وأخرجه البيهقي في "الشعب" رقم (3353)، وفي "السنن" (4/ 189)، وابن عدي في "الكامل" (3/ 248) من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه -، وهو حديث ضعيف. (¬4) في "الجامع" (6/ 446). (¬5) انظر ما تقدم.

4 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لمَّا خَلَقَ الله الأَرْضَ جَعَلَتْ تَمِيدُ وَتَتكَفَّأُ فَأَرْسَاهَا بِالجِبَالِ فَاسْتَقَرَّتْ. فَتَعَجَّبَ المَلَائِكَةُ مِنْ شِدَّةِ الجِبَالِ, قَالُوا: يَا رَبَّنَا! هَلْ خَلَقْتَ خَلْقاً أَشَدُّ مِنَ الجِبَالِ؟ قَالَ: نَعَمِ، الحَدِيدُ. قَالُوا: فَهَلْ خَلَقْتَ خَلْقاً أَشَدُّ مِنَ الحَدِيدِ؟ قَالَ: نَعَمِ النَّارُ. قَالُوا: فَهَلْ خَلَقْتَ خَلْقاً أَشَدُّ مِنَ النَّارِ؟ قَالَ: نَعَمِ المَاءُ. قَالُوا: فَهَلْ خَلَقْتَ خَلْقاً أَشَدُّ مِنَ المَاءِ؟ قَالَ: نَعَمْ، الرِّيحُ. قَالُوا: فَهَلْ خَلَقْتَ خَلْقاً أَشَدُّ مِنَ الرِّيْحِ؟ قَالَ: نَعَمِ ابْنُ آدَمَ، إِذَا تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ بِيَمِينِهِ فَأَخْفَاهَا عَنْ شِمَالِهِ". أخرجه الترمذي (¬1). [ضعيف] "مَادَتِ (¬2) الأَرْضُ" تميد: إذا تحركت واضطربت. قوله: "تتكفأ" (¬3) بالفاء والهمزة يأتي تفسيره للمصنف. قوله: "الحديد" لأنَّه يقطع أحجار الجبال. وقوله: "النار" لأنَّها تذيب الحديد. قوله: "الماء" لأنَّه يطفئ النار. وقوله: "الريح" لأنَّها تفرق الماء. قوله: "ابن آدم" المتصف بأنَّه "إذا تصدق صدقة بيمينه فأخفاها (¬4) عن شماله" مبالغة في الإخفاء، أي: عن كل أحد حتى عن جوارحه، وذلك أنَّها تطفئ غضب الرب تعالى. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (3369)، وهو حديث ضعيف. (¬2) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (6/ 447). (¬3) قال ابن الأثير في "غريب الجامع" (6/ 447) تكفّأ: تكفَّأت المرأة في مشيتها: إذا تمايلت كما تتمايل النخلة, والأصل: تتكفأ، فحذفت إحدى التاءين تخفيفاً. وانظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 546). (¬4) ويغنى عن الحديث الضعيف. ما أخرجه البخاري رقم (660)، ومسلم رقم (1031)، وأحمد (2/ 439)، والترمذي رقم (2391)، وابن حبان رقم (4469) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول =

قوله: "أخرجه الترمذي". قلت: وقال (¬1): حديث غريب. الخامس: حديث ابن عمر: 5 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ عَلَى المِنْبَرِ وَذَكَرَ الصَّدَقَةَ وَالتَّعفُّفَ عَنِ المَسْأَلَةِ: "اليَدُ العُلْيَا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلَى"، "وَالعُلْيَا" هِيَ المُنْفِقَةُ، "وَالسُّفْلَى" هيَ السَّائِلَةُ". أخرجه الستة (¬2) إلا الترمذي. [صحيح] قوله: "اليد العليا خير من اليد السفلى". المراد بالأخيرية عند الله بل وعند العباد ثم فسرهما بقوله: "والعليا" هي المنفقة, من الإنفاق. وروى أبو داود (¬3) "المتعففة" من العفة ورجحه الخطابي (¬4). "والسفلى هي السائلة" نسب الإنفاق والسؤال إلى الأيدي؛ لأنه يكون بها الإعطاء والأخذ، وسميت سفلى في مقابلة المعطية فعلوها ظاهر، وظاهر قوله: "السائلة" أنَّ من أعطي من غير مسألة لا تكون يده السفلى. وأخرج أبو داود (¬5) عن مالك بن نضله: أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "الأيدي ثلاثة فيد الله العليا، ويد المعطي التي تليها، ويد السائل السفلى، فأعط الفضلَ، ولا تعجزْ عن نفسك". ¬

_ = الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ..... إلى قوله: ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه .. ". وهو حديث صحيح. (¬1) في "السنن" (5/ 455) حيث قال: هذا حديث غريب لا نعرفه مرفوعاً إلا من هذا الوجه. (¬2) أخرجه البخاري رقم (1429)، ومسلم رقم (1033)، وأبو داود رقم (1648)، والنسائي رقم (2533)، ومالك في "الموطأ" (2/ 998). وهو حديث صحيح. (¬3) في "السنن" (2/ 297). (¬4) في "معالم السنن" (2/ 297). (¬5) في "السنن" رقم (1649)، وهو حديث صحيح.

قوله: "أخرجه الستة إلاَّ الترمذي". السادس: حديث عدي بن حاتم: 6 - وعن عدِيٍّ بن حاتم - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "اتْقُوا النَّارَ وَلَوِ بِشِقِّ تَمْرَةٍ" (¬1). [صحيح] - وفي رواية: "مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَتِرَ مِنَ النَّارِ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ فَلْيَفْعَلْ" (¬2). أخرجه الشيخان والنسائي. [صحيح] قوله: "ولو بشق تمرة". بكسر الشين المعجمة أي: جانبها أو نصفها، أي: ولو كان الاتقاء المذكور بذلك فإنَّه ينقذ، زاد أبو يعلى (¬3): "فإنَّها تقع من الجائع موقعها من الشبعان" أي: بحصول الاستلذاذ بحلاوتها، وفيه الحث على الصدقة, وإنْ قلَّتْ، والإخبار بأنَّها سبب النجاة من النار. قوله: "أخرجه الشيخان والنسائي". السابع: حديث أبي هريرة: 7 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قِيلَ: يَا رَسُولَ الله! أَيُّ الصّدقَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "جُهْدُ المُقِلِّ، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ". أخرجه أبو داود (¬4). [صحيح] ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (6023، 6539، 6563، 4443، 7512)، ومسلم رقم (67/ 1016)، والنسائي رقم (2553). (¬2) أخرجه البخاري رقم (1417)، (3595)، ومسلم رقم (66/ 1016). (¬3) في "مسنده" رقم (85)، من حديث جابر بن عبد الله عن أبي بكر الصديق - رضى الله عنه -. (¬4) في "السنن" رقم (1677)، وهو حديث صحيح. =

"الجُهْدُ" بالضم: الوسع والطاقة من المقل الذي ماله قليل، فهو يعطي بقدر ماله. قوله: "جهد المقل" أي: وسعته وطاقته. "وابدأ بمن تعول" أي: ابدأ في الصدقة بمن تعوله (¬1)، وتنفقه، وتقوم بكفايته. قوله: "أخرجه أبو داود". الثامن: حديث ابن المسيب: 8 - وعن سعيد بن المسيب قال: أَتَى سَعْدُ بنُ عُبَادَةَ - رضي الله عنه - رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعْجَبُ إِلَيْكَ؟ قَالَ: "المَاءُ". أخرجه أبو داود (¬2). [حسن] قوله [91 ب]: "الماء" الصدقة تتفاضل باعتبار موقعها، ولا ريب أنَّ الحاجة إلى الماء عامة لكل حيوان. قوله: "أخرجه أبو داود" إلاَّ أنَّه قد قيل (¬3): إنَّ ابن المسيب لم يدرك سعد بن عبادة. التاسع: حديث زيد بن أسلم: ¬

_ = وأخرجه البخاري رقم (1426)، وأبو داود رقم (1676)، والنسائي رقم (2534، 2544)، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن خير الصدقة ما ترك غنيً - أو تصدق به عن ظهر غنى - وابدأ بمن تعول" وهو حديث صحيح. (¬1) قال الحافظ في "الفتح" (9/ 500) عال الرجل أهله، إذا عانهم أي قام بما يحتاجون إليه من قوت وكسوة. (¬2) في "السنن" رقم (1679, 1680, 1681). وأخرجه ابن ماجه رقم (3684)، والنسائي رقم (3664، 3665، 3666)، وهو حديث حسن. (¬3) قال المنذري في "مختصر السنن" (2/ 255) وهو منقطع فإن سعيد بن المسيب والحسن البصري لم يدركا سعد بن عبادة، فإن مولد سعيد بن المسيب سنة خمس عشرة, ومولد الحسن البصري سنة إحدى وعشرين، وتوفي سعد بن عبادة بالشام سنة خمس عشرة، وقيل: سنة أربع عشرة وقيل: سنة إحدى عشرة. فكيف يدركانه؟!.

9 - وعن زيد بن أسلم - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَعطُوا السَّائِلَ وَلَوْ جَاءَ عَلَى فَرَسٍ". أخرجه مالك (¬1). [ضعيف] قوله: "ولو جاء على فرس" أي: ولو كان ذا هيئة في صورة غني؛ لأنَّ له حق السؤال. قال الخطابي (¬2): معناه حسن الظن بالسائل إذا تعرض لك، وأن لا تَجْبَهَه بالتكذيب، والرد مع إمكان الصدق في أمره يقول: لا تخيب السائل إذا سألك، وإن زانك منظره, فقد يكون له الفرس يركبه، ووراء ذلك عائلة ودين يجوز له معه أخذ الصدقة, وقد يكون من أصحاب سهم ابن السبيل، فيباح له أخذها مع الغنى، وقد يكون صاحب حمالة وغرامة (¬3). قوله: "أخرجه مالك". قلت: هو مرسل، فإنَّ زيد بن أسلم تابعي كان عالماً ديناً ثقة، قال مالك: كان زيد بن أسلم من العلماء الذين يخشون الله، وكان يقول: ابن آدم اتق الله يحبك الناس، وإن كرهوا، ذكر هذا ابن عبد البر في "التمهيد" (¬4). العاشر: 10 - ولأبي داود (¬5) - رضي الله عنه -: "لِلسَّائِل حَقٌ وَلَوْ جَاءَ عَلَى فَرَسٍ". [ضعيف] ¬

_ (¬1) في "الموطأ" (2/ 996 رقم 3) وهو حديث ضعيف. وأخرج أبو داود في "السنن" رقم (1665) عن حسين بن علي قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "للسائل حق وإن جاء على فرس". وهو حديث ضعيف. (¬2) في "معالم السنن" (2/ 306 - 307 - مع السنن". (¬3) وتمام العبارة في "معالم السنن": لديون ادَّانها في معروف وإصلاح ذات البين ونحو ذلك فلا يرد ولا يخيب مع إمكان أسباب الاستحقاق. (¬4) في "السنن" رقم (1665) وهو حديث ضعيف. (¬5) في "السنن" رقم (1665) وهو حديث ضعيف.

حديث علي - عليه السلام -: "للسائل حق ولو جاء على فرس". ظاهر صنيع المصنف أَنَّه موقوف، ولفظه في "الجامع" (¬1) عن علي - عليه السلام -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "للسائل حق ولو جاء على فرس" فهو مرفوع. والمراد حق على المسئول إن كان لديه ما يعطيه مما أوجبه الله أو مطلقاً مع الاستطاعة. قوله: "أخرجه أبو داود". الحادي عشر: حديث أبي هريرة: 11 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا نَقَصَ مَالٌ مِنْ صَدَقَةٍ، وَمَا زَادَ الله عَبْداً بِعَفْوٍ إِلاَّ عِزًّا، وَلَا تَوَاضَعَ عَبْدٌ لله إِلاَّ رَفَعَهُ الله". أخرجه مسلم (¬2) ومالك (¬3) والترمذي (¬4). [صحيح] قوله: "ما نقص مال من صدقة" بعده في "الجامع" (¬5): "أو قال: ما نقصت صدقة من مال" انتهى. وكأنَّه شك من أحد الرواة، وما كان يصلح من "المصنف" حذفه؛ لأنَّ الرواية بالشك في أيّ اللفظين قاله - صلى الله عليه وسلم -, فصار بعد الحذف جزماً بالمشكوك فيه. إخراج الصدقة من المال، وإن كان ينقصها (¬6) حساً، فإنَّ الإخلاف عليه يزيدها نمواً، فهو ليس بنقص حقيقي، فالنفي يتوجه إلى الحقيقة. ¬

_ (¬1) (6/ 453 رقم 4656). (¬2) في "صحيحه" رقم (2588). (¬3) في "الموطأ" (2/ 1000). (¬4) في "السنن" رقم (2030). وهو حديث صحيح. والله أعلم. (¬5) (6/ 455 رقم 4660). (¬6) قال النووي في "شرح صحيح مسلم" (16/ 141): قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ما نقصت صدقة من مال" ذكروا فيه وجهين. أحدهما: معناه أنه يبارك فيه ويدفع عنه المضرات فينجبر نقص الصورة بالبركة الخفية, وهذا مدرك =

قوله: "وما زاد الله عبداً بعفو [92 ب] إلاَّ عزاً" لما كان العافي عمَّن ظلمه وهضمه في الظاهر مغلوب، وأنَّ العزة في الانتصاف أخبر - صلى الله عليه وسلم - أنَّ العفو يزداد به العافي عزاً على عكس ما يتخيل. قوله: "ولا تواضع عبد لله إلاّ رفعه الله" فيه أنَّ التواضع (¬1) سبب لرفعة الله للعبد، كما أنَّ التكبر سبب لوضعه عند الله. قوله: "أخرجه مسلم ومالك والترمذي". قلت: لفظ "الجامع" (¬2) أخرجه مسلم والترمذي وأخرجه "الموطأ" (¬3) مرسلاً أنه سمع العلاء بن عبد الرحمن يقول: ما نقصت صدقة من مال، وذكر الحديث، وقال مالك (¬4) في آخره: ولا أدري أرفع هذا الحديث إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أم لا؟ انتهى بلفظه، وفي اختصار المصنف له إخلال كثير. الثاني عشر: حديث جابر: 12 - وعن جابر - رضي الله عنه - قال: أَمَرَ رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - مِنْ كُلِّ جَادِّ عَشَرَةِ أَوْسُقٍ مِنَ التَّمْرِ بِقِنْوٍ يُعَلَّقُ فِي المَسْجِدِ لِلْمَسَاكِينِ. ¬

_ = بالحس والعادة. والثاني: أنه وإن نقصت صورته كان في الثواب المرتب عليه جبر لنقصه وزيادة إلى أضعاف كثيرة. (¬1) قال النووي في "شرحه لصحيح مسلم" (16/ 142) فيه أيضاً وجهان. أحدهما: يرفعه في الدنيا ويثبت له بتواضعه في القلوب منزلة ويرفعه الله عند الناس ويجل مكانه. الثاني: أن المراد ثوابه في الآخرة, ورفعه فيها بتواضعه في الدنيا. (¬2) (6/ 455 رقم 4660). (¬3) في "الموطأ" (2/ 1000). (¬4) في "الموطأ" (2/ 1000).

أخرجه أبو داود (¬1). [حسن] قوله: "من كل [جاذ] (¬2) " بالجيم وآخره ذال معجمة في "القاموس" (¬3): "الجذ الإسراع والقطع المستأصل". عشرة أوسق. قال إبراهيم الحربي (¬4): يريد قدراً من النخل، يجذ منه عشرة أوسق، وتقديره مجذوذ فاعل بمعنى مفعول. "بقنو" (¬5) بكسر القاف، والقنو: العذق بما فيه من الرطب. قوله: "للمساكين" قال الخطابي (¬6): هذا من صدقة المعروف دون الفرض. قوله: "أخرجه أبو داود". الثالث عشر: عوف بن مالك: 13 - وعن عوف بن مالك - رضي الله عنه - قال: خَرَجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَاً وَبِيَدِهِ عَصًا، وَقَدْ عَلَّقَ رَجُلٌ قِنْوَ حَشَفٍ فَجَعَلَ يَطْعُنُ فِيهِ وَيَقُولُ: "لَوْ شَاءَ رَبُّ هَذِهِ الصَّدَقَةِ تَصَدَّقَ بِأَطْيَبَ مِنْ هذَا، إِنَّ رَبَّ هَذِهِ الصَّدَقَةِ يَأْكُلُ حَشَفاً يَوْمَ القِيَامَةِ". أخرجه أبو داود (¬7) والنسائي (¬8). [حسن] ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (1662)، وهو حديث حسن. (¬2) كذا في "الشرح" والذي في نص الحديث و"سنن أبي داود": جادّ. (¬3) "القاموس المحيط" (ص 423). (¬4) انظر: "غريب الحديث" لأبي إسحاق إبراهيم بن إسحاق الحربي (198 - 285 هـ) (3/ 1171). (¬5) قاله ابن الأثير في "النهاية في غريب الحديث" (2/ 496). (¬6) في "معالم السنن" (2/ 305). (¬7) في "السنن" رقم (1608). (¬8) في "السنن" (2493). وأخرجه ابن ماجه رقم (1821). وهو حديث حسن. والله أعلم.

"القِنْو" (¬1) العذق بما فيه من الرطب. قوله: "قنو حشف" بالحاء المهملة فشين معجمة ففاء، في "القاموس" (¬2): الحشف أردئ التمر، أو الضعيف لا نوى له، واليابس الفاسد، انتهى. قوله: "يأكل حشفاً يوم القيامة" قد أمر الله بالإنفاق ممَّا يحبه العبد، {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ} (¬3)، {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} (¬4)، {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ} (¬5) هو عام في كل مكروه، وإن كان سياق الآية في جعل البنات لله تعالى عما يقولون. قوله: "أخرجه أبو داود والنسائي" وفي ألفاظهما خلاف يسير كما في "الجامع" (¬6) لابن الأثير. قوله: "العذق" (¬7) هو بكسر العين المهملة وسكون الذال المعجمة, فقاف العرجون، وتفتح العين النخلة. الرابع عشر: حديث جرير (¬8) [93 ب]: ¬

_ (¬1) تقدم شرحها. (¬2) "القاموس المحيط" (ص 1034). (¬3) سورة الإنسان الآية: (8). (¬4) سورة آل عمران الآية: (92). (¬5) سورة النحل الآية: (62). (¬6) (6/ 456). (¬7) قال ابن الأثير في "النهاية" (2/ 185) العَذق بالفتح النخلة، وبالكسر: العُرجون بما فيه من الشماريخ، ويجمع على عِذاق. (¬8) وهو جرير بن عبد الله البجلي - رضي الله عنه -.

14 - وعن جريرَ - رضي الله عنه - قال: أَتَى النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَوْمٌ حَفَاةٌ عُرَاة مُجْتَابِي النِّمَارِ أَوِ العَبَاءِ مُتَقَلِّدِي السُّيُوفِ عَامَّتُهُمْ مِنْ مُضَرَ. فَتَمَعَّرَ وَجْهُ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - لِمَا رَأَى بِهِمْ مِنَ الفَاقَةِ، فدَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ، فَأَمَرَ بِلاَلاً - رضي الله عنه - فَأَذَّنَ وَأَقَامَ فَصَلى، ثُمَّ خَطَبَ فَقَالَ: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} الآيَةِ .. {وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1)} (¬1)، وَالآيَةَ الَّتِي فِي الحَشْرِ: {اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} (¬2). تَصَدَّقَ رَجُلٌ مِنْ دِينَارِهِ, مِنْ دِرْهَمِهِ، مِنْ ثَوْبِهِ، مِنْ صَاعِ بُرِّهِ, مِنْ صَاعِ تَمْرِهِ, حَتَّى قَالَ: "وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ". فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ بِصُرَّةٍ كَادَتْ كَفُّهُ تَعْجِزُ عَنْهَا، بَلْ قَدْ عَجَزَتْ، ثُمَّ تَتَابَعَ النَّاسُ حَتَّى رَأَيْتُ كَوْمَيْنِ مِنْ ثِيَابٍ وَطَعَامٍ، حَتَّى رَأَيْتُ وَجْهَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - يَتَهَلَّلُ كَأَنَّهُ مُذْهَبَةٌ. فَقَالَ: "مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلاَمِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَه مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْء، وَمَنْ سَنَّ فِي الإِسْلاَمِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْء". أخرجه مسلم (¬3) والنسائي (¬4). [صحيح] قوله: "مُجتابى النِّمار" أي: لابسيها، والنِّمار (¬5) جمع نمرة وهي شَمْلة مخطّطة من مآزر الأعراب. ¬

_ (¬1) سورة النساء الآية: 1. (¬2) سورة الحشر الآية: 18. (¬3) في "صحيحه" رقم (1017). (¬4) في "السنن" رقم (2553). وأخرجه أحمد (5/ 358)، وابن ماجه رقم (203) وهو حديث صحيح. (¬5) قال ابن الأثير في "النهاية" (2/ 796): كل شملة مخططة من مآزر الأعراب فهي نمرة, وجمعها نمار، كأنها أخذت من لون النمر، لما فيها من السواد والبياض، وهي من الصفات الغالبة. =

"تمعَّرَ" (¬1) أي: تغير وتلوّن من الغضَب. قوله: "مجتابي النمار" جمع مجتاب (¬2) بالجيم فمثناة فوقية فموحدة، والنمار بكسر النون جمع نمرة، وهي شملة مخططة من مآزر الأعراب، واجتاب فلان الثوب إذا لبسه، والمراد هنا: أنَّهم توروا وخرقوها ولبسوها. قوله: "عامتهم من مضر" في "الجامع" بعد هذا اللفظ بل كلهم من مضر. قوله: "فتمعر وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" بالعين المهملة يقال: تمعر وجهه إذا تغير وتلون من الغضب بين وجه ذلك بقوله: "لما رأى بهم من الفاقة". قوله: "حتى تهلل وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زاد في "الجامع" (¬3): "كأنَّه مذهبه" ولا أدري لماذا حذفه المصنف، قال في المشارق (¬4) (مذهبه) بذال معجمة وباء أي: موحدة أي: فضة مذهبة وصحَّفه بعضهم فقال: "مدهنة" بدال مهملة ونون. انتهى. وقال ابن الأثير (¬5): (مدهنة) المُّدهن: نقرة في الجبل يُستنقعُ فيها الماء من المطر، والمدُّهن - أيضاً - ما جعل فيه الدُّهن، والمدهُنة كذلك، شبَّه صفاء وجهه - صلى الله عليه وسلم - لإشراقه بالسرور: بصفاء هذا الماء المجتمع في الحجر، أو بصفاء الدهن، هذا ما شرحه الحميدي في غريبه، ثم ذكر رواية الذال المعجمة والموحدة بمثل ما قدمناه عن المشارق (¬6). ¬

_ = انظر: "غريب الحديث" للخطابي (2/ 113). "الفائق" للزمخشري (1/ 243). (¬1) "القاموس المحيط" (ص 614). (¬2) "الفائق" للزمخشري (1/ 243). (¬3) (6/ 457). (¬4) للقاضي عياض (1/ 431). (¬5) في "غريب الجامع" (6/ 458 - 459). وانظر: "النهاية في غريب الحديث" (1/ 615 - 616). (¬6) (1/ 431).

نعم وسبب (¬1) سروره - صلى الله عليه وسلم - وفرحه ما رآه من مبادرة المسلمين إلى طاعة الله، وبذل أموالهم لله وامتثالهم أمره، وبدفع حاجة هؤلاء المحتاجين وتعاونهم على البر والتقوى، فينبغي للإنسان إذا رأى شيئاً من هذا القبيل أن يفرح ويكون فرحه لله. قوله: "ثم قال: من سنَّ في الإسلام سُنَّة حسنة فله أجرها، وأجر من عمل بها من بعده, من غير أن ينقص من أجورهم شيء". فيه الحث على الاقتداء بالخيرات، وسنِّ السنن الحسنات، وسبب هذا الكلام في هذا الحديث: أنَّه قال في أوله: فجاء رجل بصرة كادت كفه تعجز عنها ثم تتابع الناس فكان الفضل العظيم للبادي بهذا الخير، والفاتح [94 ب] لباب هذا "الإحسان". وقوله: "من سنَّ سُنَّة سيئة, كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده, من غير أن ينقص من أوزارهم شيء". هذا تحذير من الابتداع بقبائح (¬2) الأعمال، إن قلت: كيف حمل أوزار من بعده؟ {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} (¬3). قلت: ما حمل الأوزرة؛ لأنَّه فتح باب البدعة الذي دخل منه من تبعه، فكان عليه إثم فتح الباب، وإثم كل داخل منه, وعليهم آثام دخولهم، فهو نظير قوله تعالى: {وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ} (¬4) في جواب من قال من الكفار: {اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ ¬

_ (¬1) ذكره النووي في "شرحه لصحيح مسلم" (7/ 103). (¬2) انظر: "شرح صحيح مسلم" للنووي (7/ 104). (¬3) سورة الأنعام الآية: 164، سورة الإسراء الآية: 15، سورة فاطر الآية: 18، سورة الزمر الآية: 7، سورة النجم الآية: 38. (¬4) سورة العنكبوت الآية: 12.

خَطَايَاكُمْ} (¬1) ثم قال: {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ} (¬2) وهو وزر الإضلال، ووزر الضلال. قوله: "أخرجه مسلم والنسائي". الخامس عشر: حديث أبي هريرة: 15 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "قَالَ رَجُلٌ: لَأَتَصَدَّقَنَّ اللَّيْلَةَ بِصَدَقَةٍ. فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِي يَدِ سَارِقٍ، فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ اللَّيْلَةَ عَلَى سَارِقٍ. فَقَالَ: اللهمَّ لَكَ الحَمْدُ عَلَى سَارِقٍ. لأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِي يَدِ زَانِيَةٍ فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ الليْلَةَ على زَانِيَةٍ. فَقَالَ: اللهمَّ لَكَ الحَمْدُ عَلَى سَارِقٍ وَزَانِيَةٍ. لأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ, فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِي يَدِ غَنِيٍ، فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ اللَّيْلَةَ عَلَى غَنِيٍ. فَقَالَ: اللهمَّ لَكَ الحَمْدُ عَلَى سَارِقٍ وزَانِيَةٍ وَغَنِيٍّ، فَأُتِيَ فَقِيلَ لَهُ: أَمَّا صَدَقَتُكَ فَقَدْ قُبِلَتْ، أَمّا السَّارِقُ فَلَعَلَّهُ أن يَسْتَعفُّ عَنْ سَرِقَتِهِ، وَأَمَّا الزَانِيَةُ فَلَعَلَّهَا أن تَستَعِفَّ عَنْ زِنَاهَا، وَأَمَّا الغَنِيُّ فَلَعَلَّهُ أَنْ يَعْتَبِرَ فَيُنْفِقَ مِمّا أَعْطَاهُ الله تَعَالَى". ¬

_ (¬1) سورة العنكبوت الآية: 12. (¬2) سورة العنكبوت الآية: 13. قال ابن كثير في تفسيره (10/ 497): وقوله تعالى: {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ} [العنكبوت: 13] إخبار عن الدعاة إلى الكفر والضلالة أنهم يوم القيامة يحملون أوزاراً أنفسهم وأوزار أخرى بسبب من أضلوا من الناس من غير أن ينقص من أوزار أولئك شيئاً، كما قال تعالى: {لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (25)} [النحل: 25]. ثم قال: وفي "الصحيح": "من دعا إلى هدى، كان له من الأجر مثل أجور من اتبعه إلى يوم القيامة من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من اتبعه إلى يوم القيامة من غير أن ينقص من آثامهم شيئاً" [أخرجه مسلم رقم (16/ 2674)].

أخرجه الشيخان (¬1) والنسائي (¬2). [صحيح] قوله: "قال رجل" أي: من بني إسرائيل. "لأتصدقن الليلة بصدقة". هذا من باب الالتزام كالنذر مثلاً، والقسم فيه مقدر، كأنَّه قال: والله لأتصدقن (¬3). قوله: "فأصبحوا يتحدثون" كأنَّه عن وحي إلى بعض أنبياء بني إسرائيل الموجودين. قوله: "تُصدق" مبني للمجهول "الليلة على سارق" وكأنَّه سمع ذلك "فقال: اللهم لك الحمد" قاله حمداً على المكروه تفويضاً (¬4) إلى الله، حيث وقعت صدقته في غير مستحقها وهو لا يريد ذلك. قوله: "فأتى" قيل: أتاه آتٍ، وقيل: أوحي إلى نبي ذلك الزمان فأخبره بذلك. زاد الطبراني (¬5) وأبو نعيم (¬6): "في منامه فبشره الله بقبول صدقته"؛ لأنَّه لم يقصد واحداً من الثلاثة، إنما اتفق ذلك ثم أخبره - تعالى - بفائدة صدقته على كل واحد، وأنَّه ينفع بها من وقعت له، فيكون للمتصدق أجر استعفاف السارق، واستعفاف الزانية، واعتبار الغني. والحاصل أنَّ الصدقة بحسن النية لا تكون إلاَّ جالبة خيراً للمتصدق. قوله: "أخرجه الشيخان والنسائي". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (1421)، ومسلم رقم (78/ 1022). (¬2) في "السنن" رقم (2523)، وأخرجه أحمد (2/ 350). (¬3) ذكره الحافظ في "الفتح" (3/ 290)، وهو حديث صحيح. (¬4) رجحه الحافظ في "الفتح" (3/ 290). (¬5) لم أقف عليه. (¬6) ذكره الحافظ في "الفتح" (3/ 290). وأخرجه أحمد في "المسند" (2/ 350)، وفيه: " ... فأري في المنام إن صدقتك قد قبلت، ... ".

الفصل الثالث: في أحكام الصدقة

الفصل الثالث: في أحكام الصدقة الأول: حديث أبي هريرة: 1 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ". أخرجه البخاري (¬1) وأبو داود (¬2) والنسائي (¬3). [صحيح] قوله: "خير الصدقة ما كان عن ظهر غنىً" في "المصباح" (¬4) عن ظهر غنى أي: عن غنى يستظهر به على النوائب [95 ب]. وفي "شرح مسلم" (¬5): أفضل الصدقة ما بقي صاحبها بعدها مستغنياً بما بقي معه (¬6)، مستظهراً به على مصالحه وحوائجه، وإنما كانت هذه خير صدقاته, وأفضل من الصدقة بكل ماله؛ لأنَّه قد يندم إذا احتاج، ويود أنَّه لم يتصدق بخلاف من بقي بعدها مستغنياً، فإنَّه لا يندم بل يسر بها. قوله: "وابدأ بمن تعول" فيه تقديم نفقته على نفسه وعياله. واعلم أنا قد وعدنا ببحث في المسألة لابن حزم (¬7)، وذلك أنَّه قال: ما حاصله أنَّها لا تنفذ هبة ولا صدقة لأحد إلاَّ فيما أبقى له ولعياله غنى، فإن أعطى ما لا يبقى لنفسه وعياله ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (1427). (¬2) في "السنن" رقم (1676). (¬3) في "السنن" رقم (2534، 2544). وهو حديث صحيح. (¬4) "المصباح المنير" (ص 147). (¬5) للنووي (7/ 125). (¬6) ثم قال بعد هذا: وتقديره أفضل الصدقة ما أبقت بعدها غنى يعتمده صاحبه ... (¬7) في "المحلى" (9/ 136 مسألة رقم 1631).

غنى فسخ كله، ثم استدل بهذا الحديث وبغيره في معناه، ثم قال (¬1): وبلا شك وبالضرورة إنما زاد في الصدقة ونقص من الخير، والأفضل فلا أجر فيه ولا خير فيه، ولا فضل فيه، وإنَّه باطل، وإذا كان باطلاً فهو أكل مال بالباطل، فهذا حرام بنص القرآن. قلت: نفي الأفضلية، والأخيرية يدل على أنَّه ما عدا ما نفيا عنه فيه فضل، وهو مفضول بالنسبة إلى ما فضل عليه، والأخيرية كذلك فقوله: ما نقص من الخير، والأفضل لا خير فيه محل نظر، والمسألة لغوية. وفي الحديث: "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير" الحديث أخرجه أحمد (¬2) ومسلم (¬3) وابن ماجه (¬4)، فصرح بأنَّ المخير عليه فيه خير مع أنَّه لو لم يصرح لكان في مفهومه غنية، وأحاديث الفضائل واسعة لا تدل على نفي الفضل عما فضلت عليه نحو: "أفضل الأعمال الصلاة في أول وقتها". أخرجه أبو داود (¬5)، والترمذي (¬6)، والحاكم (¬7)، وهي أحاديث واسعة لا حاجة إلى سردها، فالمسألة لغوية يفهمها كل من له إدراك. ¬

_ (¬1) أي: ابن حزم في "المحلى" (9/ 136). (¬2) في "المسند" (2/ 367). (¬3) في "صحيحه" رقم (2664). (¬4) في "السنن" رقم (79). وأخرجه ابن أبي عاصم في "السنة" رقم (3561)، وابن حبان رقم (5722)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (10/ 89)، والنسائي في "عمل اليوم والليلة" رقم (625)، والطحاوي في "مشكل الآثار" رقم (262). وهو حديث صحيح. (¬5) في "السنن" رقم (426). (¬6) في "السنن" رقم (170). (¬7) في "المستدرك" (1/ 189). ثلاثتهم من حديث أم فروة - رضي الله عنها -، وهو حديث صحيح لغيره. =

ثم حدد (¬1) الغنى الذي تجوز معه الصدقة, فقال: والغنى هو ما يقوم بقوت المرء، وأهله على الشبع من قوت مثله، وبكسوتهم كذلك، وسكناهم، وبمثل حاله من مركب وخادم، قال: فهذا يقع عليه في اللغة اسم غني لاستغنائه عن الناس، ثم أورد على نفسه حديث: "أيُّ الصدقة أفضل؟ فقال - صلى الله عليه وسلم -: جهد المقل، وابدأ بمن [96 ب] تعول" (¬2). وأجاب (¬3) بأن المراد جهده إن كان مقلاً من المال غير مكثر إذا بقي لمن يعول غنىً، ولا بد، ثم أورد حديث: "سبق درهم مائة ألف درهم" (¬4) فقال: إِنَّه كان لصاحب الدرهم غنى وفضل، وكان له درهمان فقط فتصدق بأحدهما، فكانت نسبة الدرهم من ماله أكثر من نسبة المائة الألف من مال الآخر فقط، وليس فيه أنَّه لم يكن له غنى سواهما، وأورد قوله تعالى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} (¬5). وأجاب (¬6) بعد ذكر سبب نزول الآية: أنَّ الذي أثر على نفسه هو أبو طلحة، قال: وكان أبو طلحة أكثر [أنصاري] (¬7) بالمدينة مالاً من نخل، [وقد لا يخصها لموسر أكل خاصة] (¬8)، ¬

_ = وأخرجه البخاري رقم (527)، ومسلم رقم (85)، والترمذي رقم (1898)، والنسائي (1/ 292)، من حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -. وهو حديث صحيح. (¬1) أي: ابن حزم في "المحلى" (9/ 138 - 139). (¬2) أخرجه أبو داود في "السنن" رقم (1677). وهو حديث صحيح. (¬3) أي: ابن حزم في "المحلى" (9/ 139). (¬4) تقدم وهو حديث صحيح. (¬5) سورة الحشر الآية 9. (¬6) أي: ابن حزم في "المحلى" (9/ 141). (¬7) كذا في (أ. ب) والذي في "المحلى" (9/ 141): الأنصار. (¬8) كذا في (أ. ب) والذي في "المحلى" (9/ 141): وقد لا يحضر الموسر أكل حاضر.

قال (¬1): فبطل تعلقهم بهذا الخبر، وذكر من أدلة دعواه حديث حذفه - صلى الله عليه وسلم - لمن أتى بمثل البيضة (¬2) من الذهب، وقال: "هذه صدقة ما تركت لي مالاً غيرها، فحذفه - صلى الله عليه وسلم - بها، ولو أصابه لأوجعه، ثم قال: ينطلق أحدكم فيخلع ماله ثم يصير عيالاً على الناس". وغيره، ولكنها لا تقوى على تحريم التصدق لمن لا يجد غنىً، بل الأولى أن يقال: من وثق من نفسه أنَّها تقنع، وإن لم يبق عنده غنى فصدقته جابرة مفضولة على صدقة من له غنى، ومن لم يثق من نفسه بذلك فلا يحسن منه الصدقة, مع أنَّها تتبعها نفسه؛ لأنَّه ربما ندم فأثم. قوله: "أخرجه البخاري وأبو داود والنسائي". الثاني: حديث أبي هريرة: 2 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: أَمَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِالصَّدَقَةِ فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ الله! عِنْدِي دِينَارٌ؟ قَالَ: "تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى نَفْسِكَ". قَالَ: عِنْدِي آخَرُ؟ قَالَ: "تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى وَلَدِكَ". قَالَ: عِنْدِي آخَرُ؟ قَالَ: "تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى زَوْجَتِكَ". قَالَ: عِنْدِي آخَرُ؟ قَالَ: "تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى خَادِمِكَ". قَالَ: عِنْدِي آخَرُ؟ قَالَ: "أَنْتَ أَبْصَرُ بِهِ" أخرجه أبو داود (¬3) والنسائي (¬4). [حسن] قوله: "تصدق به على نفسك" فيه أنَّ النفقة على النفس صدقة، وأنَّه يبدأ بها، وهذا أمر يقتضي الوجوب، وأنَّ النفقة على الولد بعد النفقة على النفس، وعلى الزوجة بعد الولد، وعلى ¬

_ (¬1) أي: ابن حزم في "المحلى" (9/ 141). (¬2) سيأتي قريباً. (¬3) في "السنن" رقم (1691). (¬4) في "السنن" رقم (2535). وأخرجه أحمد (2/ 251)، والحميدي رقم (1176)، والشافعي في "مسنده" رقم (209 - ترتيب)، والبخاري في "الأدب المفرد" رقم (197)، وابن حبان في "صحيحه" رقم (3337، 4233)، (4235)، والحاكم في "المستدرك" (1/ 415)، والبيهقي (7/ 466)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (1685)، (1686) من طرق وهو حديث حسن. والله أعلم.

الخادم بعدهما، وأنَّه لا يتصدق على غير هؤلاء قبلهم، فإن فضل عن نفقتهم شيء تصدق به حيث شاء. قوله: "أخرجه أبو داود والنسائي". الثالث: حديث أبي سعيد: 3 - وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: دَخَلَ رَجُلٌ المَسْجِدَ بِهَيْئَةٍ بَذَّةٍ وَالنَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَأْمُرُ بِالصَّدَقَةِ، فَتَصَدَّقَ النَّاسُ، فَأَعْطَاهُ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ثَوْبَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: "تَصَدَّقُوا". فَطَرَحَ الرَّجُلُ أَحَدَ ثَوْبَيْهِ. فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: "أتَرَوْنَ إِلَى هَذَا الذِي رَأَيتُهُ بِهَيْئَةٍ بَذَّةٍ فَأَعْطَيْتُه ثَوْبَيْنِ. ثُمَّ قُلْتُ: تَصَدَّقُوا، فَطَرَحَ أَحَدَ ثَوْبَيْهِ, خُذْ ثَوْبَكَ" وَانْتَهَرَهُ. أخرجه أبو داود (¬1) والنسائي (¬2). [حسن] قوله: "خذ ثوبك وانتهره" فيه دليل على أنَّه لا يخرج الصدقة الفقير مع احتياجه إليها، وبه استدل ابن حزم (¬3) لدعواه التي قدمنا، ولكن الظاهر هنا أنَّه إنما نهاه - صلى الله عليه وسلم - لحاجته لثوبه، وأنَّه لا تذهب بذاذة هيئته إلاَّ بهما، كما أعطاه - صلى الله عليه وسلم -. قوله: "أخرجه أبو داود والنسائي" [97 ب]. الرابع: حديث جابر: 4 - وعن جابر - رضي الله عنه - قال: جَاءَ رَجُلٌ بِمِثْلِ بَيْضَةٍ مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله! أَصَبْتُ هَذِهِ مِنْ مَعْدِنٍ فَخُذْهَا، فَهِيَ صَدَقَةٌ، مَا أَمْلِكُ غَيْرَهَا. فَأَعْرَضَ عَنْهُ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ أَتَاهُ مِنْ قِبَلِ رُكْنِهِ الأَيْمَنِ، فَقَالَ: مِثْلَ ذَلِكَ. فَأَعْرَضَ عَنْهُ فَأَتَاهُ مِنْ قِبَلِ رُكْنِهِ الأَيْسَرِ. فَقَال مِثْلَ ذلِكَ. فَأَعْرَضَ عَنْهُ ثُمَّ أَتَاهُ مِنْ خَلْفِهِ فَقَالَ مِثْلَ ذلِكَ. فَأَخَذَهَا - صلى الله عليه وسلم - فحَذَفَهُ بِهَا، فَلَوْ أَصَابَتْهُ لأَوْجَعَتْهُ، وَقَالَ: "يَأْتِي أَحَدُكُمْ بِمَا يَمْلِكُ فَيَقُوُل: هَذِهِ صَدَقَةٌ؟ ثُمَّ يَقْعُدُ يَتَكَفَفُ النَّاسَ. خَيْرُ ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (1675). (¬2) في "السنن" (1408). وهو حديث حسن. والله أعلم. (¬3) في "المحلى" (9/ 140 - 141).

الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى". أخرجه أبو داود (¬1). [ضعيف دون قوله: "خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى"] "يَتكَفّفُ (¬2) الناسَ": يسألهم ويطلب منهم ما يأخذه ببطن كَفِّه. قوله: "لا أملك غيرها" فيه أنَّه - صلى الله عليه وسلم - قبل خبره، فلذا قال: "يأتي أحدكم بجميع ما يملك". وقوله: "ثم يقعد يتكفف الناس". يدل أنَّه كان الرجل يسأل الناس فكره - صلى الله عليه وسلم - له السؤال، وهو يمكنه الاستعفاف عنه بما عنده، فهو إرشاد له إلى الأفضل، لا أنَّه يحرم عليه ذلك كما قاله ابن حزم (¬3)، وأنَّ قوله: "لا أملك غيرها" ما يرشد إلى أنَّه لم ينسلخ قلبه عنها. قوله: "أخرجه أبو داود". الخامس: حديث عائشة - رضي الله عنها -: 5 - وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا أَنْفَقَتِ المَرْأَةُ مِنْ طَعَامِ بَيْتِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ, فَلَهَا أَجْرُهَا بِمَا أَنْفَقَتْ، وَللزَّوْجِ بِمَا اكْتَسَبَ, وَلِلْخَازِنِ مِثْلُ ذَلِكَ، لاَ يَنْقُصُ بَعْضُهُمْ مِنْ أَجْرَ بَعْضٍ شَيْئًا". أخرجه الخمسة (¬4). [صحيح] قوله: "إذا أنفقت المرأة من بيت زوجها". ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (1673). (¬2) قال ابن الأثير في "النهاية" (2/ 553) تكفَّف: إذا أخذ ببطن كفِّه أو سأل كفَّا من الطعام، أو ما يكف الجوع. وانظر: "الفائق" للزمخشري (2/ 244). (¬3) في "المحلى" (9/ 139 - 140). (¬4) أخرجه البخاري رقم (1425)، ومسلم رقم (80/ 1024)، وأبو داود رقم (1685)، والترمذي رقم (671)، والنسائي رقم (2539)، وابن ماجه رقم (2294)، وهو حديث صحيح.

قيل: هذا على عادة الحجاز، فإنهم يأذنون لنسائهم وخدمهم أن يضيفوا ويطعموا السائل، فحرض - صلى الله عليه وسلم - أمته على هذه العادة الحسنة. قوله: "فلها أجرها .. إلى آخره" إلاَّ أنه قد عارضه حديث (¬1): "إذا أنفقت المرأة من بيت زوجها من غير أمره فلها نصف أجره". فمعناه: من غير أمره الصريح (¬2) في ذلك القدر المعين، ويكون معها إذن عام سابق متناول لهذا القدر وغيره, وذلك الإذن إمَّا بالتصريح، أو بالعرف، ولا بد من هذا التأويل، قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام: فيه إشكال من حيث أنَّها لم تساوِ زوجها في السبب فكيف تساويه في الأجر؟. وأجاب: بأنَّ المراد بالنصف هنا التقريب لا التحديد، قال: وهذا كما قال - صلى الله عليه وسلم -: "الطهور شطر الإيمان" (¬3). لما كان الغالب على الصحابة أنَّهم لا يأتون إلى منازلهم، إلاَّ بقدر مؤنهم ومؤن عيالهم، فتكون الزوجة شريكة لزوجها في المؤنة، والمتصدق إذا كان أحد الشريكين كان له نصف أجر ما يتصدق به. قوله: "أخرجه الخمسة". السادس: حديث أبي أمامة: 6 - وعن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال: قَالَ رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تُنْفِقُ المَرْأَةُ مِنْ بَيْتِ زَوْجَهَا إِلاَّ بِإِذْنِهِ". قِيلَ: يَا رَسُولَ الله!: وَلاَ الطَّعَامَ؟ قَالَ: "ذَلِكَ أَفْضَلُ أَمْوَالِنَا". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (5360)، ومسلم رقم (84/ 1026)، وأحمد في "المسند" (2/ 316)، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -. (¬2) انظر: "فتح الباري" (3/ 303). (¬3) أخرجه مسلم في "صحيحه" رقم (223)، والترمذي رقم (3517)، وابن ماجه رقم (280)، والنسائي (5/ 5) من حديث أبي مالك الأشعري - رضي الله عنه -، وهو حديث صحيح.

أخرجه الترمذي (¬1). [صحيح] قوله: "إلاَّ بإذن زوجها" الإذن ضربان (¬2): إذن صريح في النفقة والصدقة، وإذن مفهوم من اطراد العادة, كإعطاء السائل كسرة ونحوها مما اطردت به العادة والعرف، وعلم بالعرف رضى المالك، فإن اختلف العرف أوشك في رضاه، أو علم من حاله الشح لم يجز تصرف في ماله إلاَّ بإذنه. واعلم أنَّه لا بد للخازن والعامل والزوجة والمملوك من إذن المالك (¬3) [98 ب] في ذلك، وإلاَّ فلا أجر لهم، بل عليهم وزر بتصرفهم في مال غيرهم بدون إذنه. قوله: "ذلك أفضل أموالنا" فإنَّه شيء قد تعب عليه وصنع وتدفع الحاجة به بغير تكلف فهو أفضل الأموال. قوله: "أخرجه الترمذي". قلت: وقال: حسن. السابع: حديث عمرو بن العاص: 7 - وعن ابن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَا يَجُوْزُ لِامْرَأَةِ عَطِيَّةٌ إِلاَّ بِإِذْنِ زَوْجِهَا" (¬4). [حسن] - وفي رواية: "لَا يَجُوْزُ لِامْرَأَةٍ أَمرٌ فِي مَالهَا إِذَا مَلَكَ زَوْجُهَا عِصْمَتَهَا". ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (2120) وقال: وهو حديث حسن. وهو حديث صحيح. والله أعلم. (¬2) ذكره النووي في "شرحه لصحيح مسلم" (7/ 112). (¬3) انظر: "شرح صحيح مسلم" (7/ 113)، "فتح الباري" (3/ 303). (¬4) أخرجه أحمد (2/ 184)، والنسائي رقم (3757)، وأبو داود رقم (3547) وهو حديث حسن.

أخرجه أبو داود (¬1) والنسائي (¬2). [حسن] قوله: "لا يجوز لامرأة أمر في مالها إذا ملك زوجها عصمتها" أي: عقدة نكاحها، والمراد: لا تنفق من مالها إلاَّ بإذنه. قال الخطابي (¬3): هذا عند أكثر العلماء، على معنى حسن العشرة، واستطابة نفس الزوج بذلك، إلاَّ أنَّ مالك (¬4) بن أنس قال: تردُّ ذلك حتى يأذن الزوج. قال الخطابي (¬5): ويحتمل أن يكون ذلك من غير الرشيدة، وقد ثبت أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال للنساء: "تصدقن، فجعلت المرأة تلقي القرط، والخاتم، وبلال يتلقاها بردائه" (¬6) وهذه عطية بغير إذن أزواجهن. قوله: "أخرجه أبو داود والنسائي". الثامن: حديث أبي موسى: ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (3546). (¬2) في "السنن" رقم (3756). وأخرجه أحمد (2/ 221)، وابن ماجه رقم (2388). وهو حديث حسن. (¬3) في "معالم السنن" (3/ 816 - مع السنن). (¬4) انظر: "مدونة الفقه المالكي وأدلته" (2/ 650). "عيون المجالس" (4/ 1647). (¬5) في "معالم السنن" (3/ 816 - مع السنن). (¬6) وهو حديث صحيح. أخرجه أحمد (1/ 242)، (3/ 296، 310، 314)، والبخاري رقم (978)، ومسلم في "صحيحه" رقم (4/ 885)، من حديث جابر - رضي الله عنه -.

8 - وعن أبي موسى - رضي الله عنه - قال: قَالَ رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "الخَازِنُ المُسْلِمُ الأَمِينُ الَّذِي يُعْطِي مَا أُمِرَ بِهِ, طَيِّبَةً بِهِ نَفْسُهُ, أَحَدُ المُتَصَدِّقَيْنِ". أخرجه الشيخان (¬1). [صحيح] قوله: "أحد المتصدقين" أي: له مثل أجر من أمره بالإخراج لطيبة نفسه بذلك، وتهنية من يعطيه، والمراد بالخازن (¬2) من أمر بالإعطاء سواء كان خازناً أو لا، إنما الحديث خرج على الغالب. قوله: "أخرجه الشيخان". التاسع: حديث عمر: 9 - وعن عمر - رضي الله عنه - قال: حَمَلْتُ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ الله، فَأَضَاعَهُ الَّذِي عِنْدَهُ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَشتَرِيَهُ، وَظَنَنْتُ أَنَّهُ يَبِيعُهُ بِرُخْصٍ، فَسَألتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "لاَ تَشْتَرِهِ، وَلاَ تَعُدْ فِي صَدَقَتِكَ, وَإِنْ أَعْطَاكَهُ بِدِرْهَمٍ، فَإِنَّ العَائِدَ فِي صَدَقَتِهِ كَالعَائِدِ فِي قَيْئِهِ". أخرجه الستة (¬3). [صحيح] وفي رواية لمالك (¬4): "كَالكلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ". ¬

_ (¬1) البخاري في "صحيحه" رقم (1438، 2319، 2360)، ومسلم رقم (79/ 1023). (¬2) قال الحافظ في "الفتح" (3/ 303) وقد قيد الخازن فيه بكونه مسلماً فأخرج الكافر؛ لأنه لا نية له، وبكونه أميناً فأخرج الخائن لأنه مأزور، ورتب الأجر على إعطائه ما يؤمر به غير ناقص لكونه خائناً أيضاً، ويكون نفسه بذلك طيبة لئلا يعدم النية فيفقد الأجر وهي قيود لا بد منها. (¬3) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (1489, 2775, 2971, 3002)، ومسلم رقم (1621)، وأبو داود رقم (1593)، والترمذي رقم (668)، والنسائي رقم (2616)، وابن ماجه رقم (2392) وهو حديث صحيح. (¬4) في "الموطأ" (1/ 282 رقم 49).

قوله: "حملت على فرس" كان اسم الفرس الورد، وكان لتميم الداري فأهداه للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فأعطاه لعمر، ومعنى حملت على فرس: تصدقت به, أو وهبته لمن يقاتل عليه في سبيل الله. وقوله: "فأضاعه" أي: قصر في القيام بعلفِه ومؤنته. قوله: "لا تشتره ولا تعد في صدقتك". قال العلماء (¬1): إنَّه نهي تنزيه لا تحريم، فيكره لمن تصدق بشيء، وأخرجه في زكاة أو كفارة أو نذر، أو نحو ذلك من القربات أن يشتريه ممن دفعه إليه، أو يهبه أو يتملكه باختياره، فأمَّا إذا أورثه منه فلا كراهة فيه، وكذا لو انتقل إلى ثالث فاشتراه منه فلا كراهة. هذا مذهب الجمهور (¬2)، وعند جماعة: أنَّ النهي للتحريم. قلت: ويدل للتحريم جعله كالعائد في قيئه، وهو محرم قطعاً (¬3)، فكذا ما شبه به. قوله: "أخرجه الستة". قوله: "وفي رواية لمالك (¬4) كالكلب [99 ب] يعود في قيئه" وبه استدل من قال: النهي للتنزيه, قال: لأنَّ الكلب غير مكلف، وقد بسطنا القول فيه في "سبل السلام" (¬5) شرحنا لـ "بلوغ المرام". العاشر: حديث ابن عباس: 10 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما -: أَنَّ رَجُلاً قَالَ: يا رَسُولَ الله! إِنَّ أُمِّي تُوُفِّيَتْ. أَيَنْفَعُهَا أَنْ أَتَصَدَّقَ عَنْهَا؟ قَالَ: "نَعَمْ". قَالَ: إِنَّ لِي مِخْرَافًا، فَأَنَا أُشْهِدُكَ أَنِّي قَدْ تَصَدَّقْتُ عَنْهَا. ¬

_ (¬1) ذكره النووي في "شرح صحيح مسلم" (11/ 62). (¬2) انظر: "المجموع شرح المهذب" (6/ 239). "المغني" (4/ 102 - 106)، "المبسوط" (12/ 49). (¬3) قال القرطبي في "المفهم" (4/ 579) وهذا هو الظاهر من سياق الحديث. (¬4) في "الموطأ" (1/ 282). (¬5) (5/ 233 - 234) بتحقيقي.

أخرجه الخمسة (¬1) إلا مسلماً. [صحيح] "المخراف" الحديقة. قوله: - صلى الله عليه وسلم -: "نعم" أي: ينفعها التصدق عنها، وفيه دليل على لحوق نفع الصدقة من الحي للميت، ويلحق بها سائر القرب مما ينفع وبسطناه في شرحنا "جمع الشتيت (¬2) في شرح أبيات التثبيت". قوله: "مخرافاً" (¬3) بكسر أوله وسكون المعجمة آخره فاء فسره المصنف. قوله: "أخرجه الخمسة". الحادي عشر: حديث سعد بن عبادة: 11 - وعن سعد بن عبادة - رضي الله عنه - قال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله! إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ، فَأَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "المَاءُ". فَحَفَرَ بِئْرًا وَقَالَ: "هَذِهِ لأُمِّ سَعْدٍ". أخرجه أبو داود (¬4) والنسائي (¬5). [حسن لغيره] قوله: "الماء" فيه دليل على أفضلية الصدقة بالماء، وقد تقدم. قوله: "أخرجه أبو داود والنسائي" قال المنذري في "الترغيب" (¬6): إنَّه منقطع الإسناد عند الكل، فإنَّهم رووه كلهم عن سعيد بن المسيب عن سعد ولم يدركه, فإنَّ سعداً توفي بالشام ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (2756، 2762، 2870)، وأبو داود رقم (2882)، والترمذي رقم (669)، والنسائي (3654، 3655). وهو حديث صحيح. (¬2) وهي الرسالة رقم (21) من "عون القدير من فتاوى ورسائل ابن الأمير" بتحقيقي ط ابن كثير - دمشق. (¬3) قال ابن الأثير في "النهاية" (1/ 483) مخرفاً. أي: حائط نخل يخرف منه الرَّطب. (¬4) في "السنن" رقم (1679، 1680، 1681). (¬5) في "السنن" رقم (3664، 3666) وقد تقدم، وهو حديث حسن لغيره. والله أعلم. (¬6) (1/ 726).

كتاب صلة الرحم

سنة خمس عشرة (¬1)، ومولد سعيد بن المسيب سنة خمس عشرة ورواه أبو داود (¬2) والنسائي (¬3) عن الحسن البصري عن سعد، ولم يدركه أيضاً، فإنَّ مولد الحسن سنة إحدى وعشرين، ورواه أبو داود وغيره عن إسحاق السبيعي عن رجل عن سعد، انتهى. كتاب صلة الرحم قال النووي (¬4): صلة الرحم: الإحسان إلى الأقارب بما تيسر، حسب الحال من إنفاق، أو زيارة, أو إحسان، أو غير ذلك. وفي "النهاية" (¬5): الرحم هم الأقارب، ويقع على كل من يجمع بينك وبينه نسب، ويطلق في الفرائض على الأقارب من النساء. قال القرطبي (¬6): الرحم التي توصل عامة وخاصة، فالعامة رحم الدين، ويجب صلتها بالتواد والتناصح والعدل والإنصاف والقيام بالحقوق الواجبة والمستحبة. وأمّا الرحم (¬7) الخاصة فتزيد بالنفقة على القريب، وتفقد أحوالهم، والتغافل عن زلّاتهم. ¬

_ (¬1) وقيل: سنة أربع عشرة (¬2) في "السنن" رقم (1680). (¬3) في "السنن" رقم (3665). وهو حديث حسن. والله أعلم. (¬4) انظر: "شرح صحيح مسلم" للنووي (15/ 113 - 114). (¬5) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 646). (¬6) في "المفهم" (6/ 526) حيث قال: فالعامة: رحم الدين، وتجب مواصلتها بملازمة الإيمان، والمحبة لأهله ونصرتهم، والنصيحة لهم، وترك مضارتهم، والعدل بينهم، والنصفة في معاملتهم، والقيام بحقوقهم الواجبة كتمريض المرضى، وحقوق الموتى، من غسلهم، والصلاة عليهم، ودفنهم، وغير ذلك من الحقوق المترتبة لهم. (¬7) قال القرطبي في "المفهم" (6/ 526) وأما الرحم الخاصة: فتجب لهم الحقوق العامة، وزيادة عليها كالنفقة على القرابة القريبة. =

وتتفاوت مراتب استحقاقهم في ذلك كما ورد في الحديث (¬1): "الأقرب فالأقرب". قال ابن أبي جمرة (¬2): تكون صلة الرحم بالمال وبالعون على الحاجة وبدفع الضرر، وبطلاقة الوجه, والدعاء، والمعنى الجامع: إيصال ما أمكن من الخير، ودفع ما أمكن من الشر بحسب الطاقة، وهذا إنما يستمر إذا كان أهل الرحم [100 ب] أهل استقامة, فإن كانوا كفاراً أو فجاراً فمقاطعتهم في الله هي صلتهم، بشرط بذل الجهد في وعظهم، ثم إعلامهم إن أصروا أنّ ذلك سبب تخلفهم عن الحق، ولا يسقط مع ذلك صلتهم بالدعاء لهم بظهر الغيب أن يعودوا إلى الطريق المثلى. الأول: حديث عائشة: 1 - عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "الرَّحِمُ مُعَلَّقَةٌ بِالعَرْشِ، تَقُولُ: مَنْ وَصَلَنِي وَصَلَهُ الله، وَمَنْ قَطَعَنِي قَطَعَهُ الله". أخرجه الشيخان (¬3). [صحيح] قوله: "معلقة بالعرش" الرحم عرفت معناها، والمراد من تعلقها بالعرش قربها منه في قبول دعائها وسرعة إجابته وهو قولها: "من وصلني" كما سمعته من الصلات. ¬

_ = وتفقد أحوالهم، وترك التغافل عن تعاهدهم في أوقات ضروراتهم وتتأكد في حقهم حقوق الرحم العامة، حتى إذا تزاحمت الحقوق بدء بالأقرب فالأقرب. (¬1) أخرجه أحمد (5/ 3، 5)، وأبو داود رقم (5139)، والترمذي رقم (1897). وقال: هذا حديث حسن. وأخرجه البخاري في "الأدب المفرد" رقم (3)، والبيهقي (4/ 179) (8/ 2)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (3417) وهو حديث صحيح. (¬2) ذكره الحافظ في "الفتح" (10/ 418). (¬3) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (5989)، ومسلم رقم (17/ 2555).

"وصله الله" بإعطائه ما يرجوه, قال ابن أبي جمرة (¬1): الوصل من الله كناية عن عظيم إحسانه. "ومن قطعني قطعه الله" يحتمل أنه دعاء، وأنه إخبار، وقد عدوا قطع الرحم من الكبائر كما بينه ابن حجر (¬2) الهيتمي في "الزواجر". وقوله: "تقول" في "الفتح" (¬3): يحتمل أن يكون بلسان الحال أو بلسان المقال قولان مشهوران، والثاني أرجح، وعلى الثاني: فهل تتكلم كما هي أو يخلق الله لها حياة وعقلاً عند كلامها؟ قولان مشهوران، والأول أرجح لصلاحية القدرة العامة لذلك، وفيه تعظيم حق الرحم، وأنَّ قطعها من العظائم. قوله: "أخرجه الشيخان". الثاني: حديث أبي هريرة: 2 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ الله تَعَالَى فِي رِزْقِهِ, وَأَنْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ, فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ". أخرجه البخاري (¬4) والترمذي (¬5). [صحيح] قوله: "من سرّه أن يبسط له في رزقه" في حديث أنس (¬6): "من أحب أن يتوسع عليه فيه". ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (10/ 418). (¬2) في كتاب "الزواجر عن اقتراف الكبائر" (2/ 166 - الكبيرة الثالثة بعد الثلاثمائة - قطع الرحم). (¬3) (10/ 417) من قول ابن أبي جمرة. وانظر: "شرح صحيح مسلم" (15/ 113). (¬4) في "صحيحه" رقم (5985). (¬5) في "السنن" رقم (1979). وهو حديث صحيح. (¬6) أخرجه البخاري رقم (5986)، ومسلم رقم (2557)، وهو حديث صحيح.

قوله: "وينسأ" (¬1) بضم أوله وسكون النون بعدها مهملة ثم همزة. قوله: "في أثره" (¬2) أي: أجله، ويسمى الأجل أثراً؛ لأنه يتبع العمر، قال زهير: والمرء ما عاش ممدود له أمل ... لا ينقضي العمر حتى ينتهي الأثر وأصله من: أثر مشيد في الأرض، فإن من مات لا يبقى له حركة فلا يبقى لقدمه في الأرض أثر. [قول] (¬3) "فليصل رحمه" قال ابن المنير (¬4): ظاهر الحديث يعارض قوله تعالى: {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (34)} (¬5). قال (¬6): والجمع بينهما من وجهين: أحدهما: أنَّ هذه الزيادة كناية عن البركة في العمر بسبب التوفيق إلى الطاعة وعمارة وقته بما ينفعه في الآخرة, وصيانته عن تضييعه في غير ذلك، وحاصله أنَّ صلة الرحم تكون سبباً للتوفيق للطاعة والصيانة عن المعصية فيبقى [101 ب] بعده الذكر الجميل، فكأنه لم يمت، ومن جملة ما يحصل له من التوفيق: العلم الذي ينتفع به من بعده والصدقة الجارية عليه والخلف الصالح. ¬

_ (¬1) النَّسْأ: التأخير، يقال: نسأت الشيء نسَأ، وأنسأته إنساءً، إذا أخَّرته. والنَّساء: الاسم، ويكون في العمر، والدين. انظر: "غريب الحديث" للهروي (2/ 158)، "النهاية في غريب الحديث" (2/ 733). (¬2) قاله الحافظ في "الفتح" (10/ 416). (¬3) زيادة وهي من مستلزمات الشرح. (¬4) ذكره الحافظ في "الفتح" (10/ 416). ولكنه قال: قال ابن التين: ظاهر الحديث يعارض قوله تعالى ... (¬5) سورة يونس الآية: 49. (¬6) ذكره الحافظ في "الفتح" (10/ 416).

ثانيهما: أنّ الزيادة على حقيقتها، وذلك بالنسبة إلى علم الملك الموكل بالعمر، وأما الأول الذي دلت عليه الآية فبالنسبة إلى علم الله كأن يقال للملك مثلاً: إنّ عمر فلان مائة إن وصل رحمه، وستون إن قطعها، وقد سبق في علم الله أنه يصل أو يقطع، فالذي في علم الله لا يتقدم ولا يتأخر، والذي في علم الملك هو الذي يمكن فيه الزيادة والنقص، وإليه الإشارة بقوله تعالى: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ (39)} (¬1) فالمحو والإثبات بالنسبة إلى ما في علم الملك، وما في أم الكتاب هو الذي في علم الله، فلا محو فيه البتة، ويقال له القضاء (¬2) المبرم، ويقال للأول: القضاء المعلق، والوجه الأول أليق بحديث الباب، فإنَّ الأثر ما يتبع الشيء، فإذا أخر حسن أن يحمل على الذكر الحسن بعد فقد المذكور. قال الطيبي (¬3): الوجه الأول أظهر وإليه يشير كلام صاحب الفائق (¬4) قال: يجوز أن يكون المعنى: أنّ الله يُبقي أثر واصل رحمه في الدنيا طويلاً فلا يضمحل سريعاً كما يضمحل أثر قاطع الرحم، ولما أنشد أبو تمام (¬5) قوله - في بعض المراثي -: توفّيتِ الآمالُ بعد محمّدٍ ... وأصبح في شُغلٍ عن السَّفر السَّفْرُ قال (¬6) له أبو دلف: لم يمت من قيل فيه هذا الشعر. ومن هذه المادة قول الخليل - عليه السلام -: {وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ (84)} (¬7) ¬

_ (¬1) سورة الرعد الآية: 39. (¬2) انظر: "مجموع فتاوى" (14/ 488 - 492). (¬3) في "شرحه على مشكاة المصابيح" (9/ 179). (¬4) "الفائق" للزمخشري (3/ 427). (¬5) يرثي محمد بن حميد الطوسي. انظر: "الديوان" (ص 355). (¬6) ذكره الحافظ في "الفتح" (10/ 416). (¬7) سورة الشعراء الآية: 84.

وقد ورد في تفسيره وجه ثالث، فأخرج الطبراني (¬1) بسند ضعيف عن أبي الدرداء قال: "ذكر عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من وصل رحمه أنسئ له في أجله، فقال: إنه ليس زيادة في عمره, قال الله: {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ} (¬2) الآية, ولكن الرجل تكون له الذرية الصالحة، فيدعون له من بعده". وله في "الكبير" (¬3) حديث وفيه: "إنّ الله لا يؤخر نفساً إذا جاء أجلها، وإنما زيادة العمر ذرية صالحة". وجزم ابن فورك (¬4) بأنَّ المراد بزيادة العمر نفي الآفات عن صاحب البر في فهمه وعقله. وقال بعضهم (¬5): في أعم من ذلك، وفي وجود البركة في رزقه وعلمه ونحو ذلك. قوله: "أخرجه البخاري والترمذي". - وعند الترمذي (¬6): "تَعَلَّمُوا مِنْ أَنْسَابِكُمْ مَا تَصِلُونَ [102 ب] بِهِ أَرْحَامَكُمْ، فَإِنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ مَحَبَّةٌ فِي الأَهْلِ، مَثْرَاةٌ فِي المَالِ، مَنْسَأَةٌ فِي الأَثَرِ". [صحيح] "يَنسأُ" (¬7) أي: يؤخر. "والأثرُ" هنا الأجل. ¬

_ (¬1) في "المعجم الصغير" كما ذكره الحافظ في "فتح الباري" (10/ 416). (¬2) سورة الأعراف الآية: (34). (¬3) ذكره الحافظ في "الفتح" (10/ 416). (¬4) ذكره الحافظ في "الفتح" (10/ 416). (¬5) ذكره الحافظ في "الفتح" (10/ 416). (¬6) في "السنن" رقم (1979) وهو حديث صحيح. (¬7) تقدم شرحه.

الثالث: حديث ميمونة: 3 - وعن ميمونة - رضي الله عنها - قالت: أَعْتَقَتْ وَليدَةً وَلَمْ أسْتَأْذِنَ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَلمَّا كَانَ يَوْمُهَا الَّذِي يَدُورُ عَلَيْهَا فِيهِ. قَالَتْ: يَا رَسُولَ الله أشَعَرْتَ أَنِّي أَعْتَقْتُ وَلِيدَتِي. قَالَ: "وَفَعَلْتِ؟ ". قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: "أَمَا إِنَّكِ لَوْ أَعْطَيْتِيهَا أَخْوَالَكِ كَانَ أَعْظَمَ لأَجْرِكِ". أخرجه الشيخان (¬1) وأبو داود (¬2). [صحيح] قوله: "ولم أستأذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" هذا هو دليل حمل حديث أنه لا يجوز للزوجة تصرف في مالها إلاّ بإذن زوجها على أنه بحسن (¬3) العشرة لا نهي تحريم. قوله: "كان أعظم لأجرك" قال الحافظ في "الفتح" (¬4): قال ابن بطال (¬5): فيه أنَّ هبة ذي الرحم أفضل من العتق، ويؤيده ما رواه الترمذي (¬6) والنسائي (¬7) وأحمد (¬8)، وصححه ابن خزيمة (¬9) وابن حبان (¬10) من حديث سلمان بن عامر الضبي مرفوعاً: "الصدقة على المسكين صدقة وعلى ذي الرحم صدقة وصلة". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (2592، 2594)، ومسلم رقم (44/ 999). (¬2) في "السنن" رقم (1690). وأخرجه أحمد في "المسند" (3/ 402، 434). وهو حديث صحيح. (¬3) تقدم ذكره. (¬4) (5/ 219). (¬5) في "شرحه لصحيح البخاري" (7/ 110 - 111). (¬6) في "السنن" رقم (658) وقال: حديث حسن. (¬7) في "السنن" (5/ 92). (¬8) في "المسند" (4/ 17). (¬9) في "صحيحه" رقم (2385). (¬10) في "صحيحه" رقم (3344). =

قال (¬1): لكن لا يلزم من ذلك أن يكون هبة ذي الرحم أفضل مطلقاً؛ لاحتمال أن يكون المسكين محتاجاً ونفعه بذلك متقدماً، والآخر بالعكس، وقد وقع في رواية النسائي (¬2) المذكورة: "أفلا قدمت بها بنت أخيك" حق رعاية العم، فبين الوجه في الأولوية وهو احتياج قريبتها إلى من يخدمها، وليس في الحديث أنه حجة على أنَّ صلة الرحم أفضل من العتق؛ لأنها واقعة عين، والحق أنّ ذلك يختلف باختلاف الأحوال، انتهى. قوله: "أخرجه الشيخان وأبو داود". الرابع: 4 - وعن سلمان بن عامر - رضي الله عنه - قال: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "الصَّدَقَةَ عَلَى المِسْكِينِ صَدَقَةٌ، وَعَلَى ذِي الرَّحِمِ ثِنْتَانِ: صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ". أخرجه النسائي (¬3). [صحيح لغيره] ¬

_ = وأخرجه ابن ماجه رقم (1844)، والحاكم (1/ 407)، والطبراني في "الكبير" رقم (6211)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (4/ 174)، والدارمي (1/ 397)، وابن أبي شيبة (3/ 192)، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" رقم (1136) من طرق. وإسناده ضعيف لجهالة الرباب الضبية، وهي بنت صُلَيْع أم الرائح. تفردت بالرواية عنها، حفصة بنت سيرين، ولم يوثقها إلا ابن حبان في "الثقات" (4/ 244 - 245). قال الحافظ في "تهذيب التهذيب" (4/ 672 - 673): الرباب بنت صُلَيْع الضبية البصرية. روت عن عمها سلمان بن عامر الضبي في العقيقة، والفطر على التمر، والصدقة على ذي القربى. وعنها: حفصة بنت سيرين. قال الحافظ ذكرها ابن حبان في "الثقات". اهـ. وخلاصة القول: إن الحديث صحيح لغيره. والله أعلم. (¬1) الحافظ في "الفتح" (5/ 219). (¬2) في "السنن" (5/ 92) وهو حديث صحيح لغيره وقد تقدم. (¬3) في "السنن" (5/ 92) وقد تقدم وهو حديث صحيح لغيره.

حديث (سلمان (¬1) بن عامر هو الضبي) قال مسلم: ليس في الصحابة ضبي غيره, وضبة هو ابن أدد بن طانجة. "الصدقة على المسكين صدقة" يكتب له أجرها. "وعلى ذي الرحم ثنتان: صدقة وصلة" فهي أفضل، وتقدم الكلام فيه قريباً. قوله: "أخرجه النسائي". ¬

_ (¬1) هو سلمان بن عامر بن أوس بن حجر بن عمرو بن الحارث الضبي، صحابي سكن البصرة. "التقريب" (1/ 315 رقم 345).

كتاب الصحبة

كتاب الصحبة الصحبة والصحابة مصدران وهو المصاحبة وفيه ثمانية عشر فصلاً قوله: "ثمانية عشر فصلاً" وهكذا في "الجامع" (¬1) لابن الأثير. الفصل الأول: فِي حَقِّ الرَّجُل عَلى الزَوْجَةِ الأول: 1 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْ كُنْتُ آمِراً أَحَداً أَنْ يَسْجُدُ لأَحَدٍ لأَمَرْتُ المَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدُ لِزَوْجِهَا". أخرجه الترمذي (¬2). [صحيح] قوله: حديث "أبي هريرة: لأمرت الزوجة أن تسجد لزوجها" هذا من عظم حقه عليها، ولكن السجود لا يجوز لأحد من العباد، فيجب عليها طاعته فيما عدا السجود. قوله: "أخرجه الترمذي". ¬

_ (¬1) (6/ 494). (¬2) في "السنن" رقم (1159) وقال: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه. وأخرجه ابن حبان رقم (1291 - موارد)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (7/ 291) من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة به، وزادوا إلا الترمذي لما عظم الله من حقه عليها، وإسناده حسن. وأخرجه الحاكم في "المستدرك" (4/ 171 - 172)، والبزار في "مسنده" رقم (1466 - كشف). من طريق سليمان بن أبي سليمان، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه, ورده الذهبي بقوله: بل سليمان هو اليمامي ضعفوه. وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (4/ 307): (رواه البزار وفيه: سليمان بن داود اليمامي وهو ضعيف). وهو حديث صحيح. والله أعلم.

قلت: وقال (¬1): في الباب عن معاذ (¬2) بن جبل وسراقة (¬3) بن مالك بن جُعْشم وعائشة (¬4) وابن عباس (¬5) [103 ب] وعبد الله (¬6) بن أبي أوفى وطلق (¬7) بن علي وأم سلمة (¬8) وأنس (¬9) وابن عمر (¬10). ¬

_ (¬1) في "السنن" (3/ 465). (¬2) أخرجه أحمد (5/ 227)، ورجاله ثقات، لكن فيه انقطاع. (¬3) أشار إليه الترمذي في "السنن" (3/ 465). (¬4) أخرجه أحمد (6/ 76)، وابن ماجه رقم (1852)، وابن أبي شيبة في "مصنفه" (4/ 306) من طريق علي ابن زيد عن سعيد، به، وعلي بن زيد بن جدعان ضعيف. وهو حديث صحيح، ما عدا الشطر الثاني منه فهو ضعيف، عن عائشة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لو أمرت أحداً أن يسجد لأحدٍ لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها، ولو أن رجلاً أمر امرأته أن تنقل من جبل أحمر إلى جبل أسود، ومن جبل أسود إلى جبل أحمر، لكان نولها أن تفعل". الشطر الأول صحيح. والشطر الثاني ضعيف. كما تقدم. (¬5) أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" رقم (12003)، وفي سنده أبو عزة الدباغ، واسمه الحكم بن طهمان وهو ضعيف. (¬6) أخرجه أحمد (4/ 381)، وابن ماجه رقم (1853)، وابن حبان رقم (1290 - موارد)، والبيهقي في "السنن" (7/ 292) من طريق حمّاد بن زيد عن أيوب عن القاسم، به, إسناده حسن، والقاسم بن عون الشيباني الكوفي، وهو صدوق يغرب، كما في "التقريب" رقم (5475)، وتابعه إسماعيل بن علي، ثنا أيوب به نحوه. عند أحمد (4/ 381). وخلاصة القول: إن الحديث حسن لغيره. (¬7) أشار إليه الترمذي في "السنن" (3/ 465). (¬8) أخرجه الترمذي في "السنن" رقم (1161). وسيأتي. (¬9) أخرجه أحمد (3/ 158)، والبزار في "مسنده" رقم (2454 - كشف)، والنسائي في "عشرة النساء" رقم (265). وأورده الهيثمي في "المجمع" (9/ 4) وقال: رجاله رجال الصحيح، غير حفص ابن أخي أنس، وهو ثقة. وهو حديث صحيح بشواهده. (¬10) أشار إليه الترمذي في "السنن" (3/ 465).

قال (¬1): وحديث أبي هريرة حسن غريب من هذا الوجه من حديث محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة. انتهى. وفي "الترغيب" (¬2) للمنذري: أنه قال الترمذي: حديث حسن صحيح. انتهى. والذي في الترمذي (¬3) هو ما ذكرناه. قلتُ: وأخرجه أبو داود (¬4) عن قيس بن سعد قال: "أتيت الحيرة فرأيتهم يسجدون لمرزبان لهم فقلتُ: رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحق بأن يسجد له، فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت: إني أتيت الحيرة فرأيتهم يسجدون لمرزبانٍ لهم، فأنت يا رسول الله أحق أن نسجد لك، فقال: "أريت لو مررت بقبري أكنت تسجد له؟ قال: قلت: لا، قال: فلا تفعلوها، لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد، لأمرت النساء أن يسجدن لأزواجهن؛ لما جعل الله لهم عليهن من حق". انتهى. قال المنذري (¬5): في إسناده شريك بن عبد الله القاضي، وقد تكلم فيه غير واحد، وأخرج له مسلم في المتابعات، انتهى. وقد ذكر ابن الأثير (¬6) حديث قيس هذا. ¬

_ (¬1) في "السنن" (3/ 465). (¬2) (2/ 676). (¬3) في "السنن" (3/ 465). (¬4) في "السنن" رقم (2140). وأخرجه الحاكم (2/ 187)، والبيهقي (7/ 291) من طريق شريك عن حصين عن الشعبي. قال الحاكم: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي. قلت: شريك بن عبد الله القاضي سيئ الحفظ. وهو حديث صحيح. دون قصة القبر. (¬5) في "مختصر السنن" (3/ 67). (¬6) في "الجامع" (6/ 494 - 495 رقم 4706).

الثاني: حديث (أم سلمة): 2 - وعن أم سلمة - رضي الله عنها - قالت: قال رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَيُّمَا امْرَأَةٍ مَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَنْهَا رَاضٍ دَخَلَتْ الجَنَّةَ". أخرجه الترمذي (¬1) [ضعيف]. قوله: "دخلت الجنة" يريد أنّ رضا زوجها سبب لدخول الجنة إن لم يعارضه موانع عن ذلك. قوله: "أخرجه الترمذي". قلت: وقال (¬2): وهذا حديث حسن غريب. الثالث: (حديث أبي هريرة): 3 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا مِنْ رَجُلٍ يَدْعُو امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فَتَأْبَى عَلَيْهِ إِلاَّ كَانَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ سَاخِطًا عَلَيْهَا حَتَّى يَرْضَى عَنْهَا زَوْجُهَا" (¬3). ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (1161) وقال: هذا حديث حسن غريب. وأخرجه ابن ماجه رقم (1854)، والحاكم (4/ 173)، وقال: صحيح الإسناد, ووافقه الذهبي. قال ابن الجوزي في "العلل المتناهية" (2/ 141)، مساور مجهول وأمه مجهولة. وقال الذهبي في "الميزان" (2/ 95): مساور فيه جهالة، والخبر منكر، يعني هذا. وقال الذهبي في "الميزان" (4/ 615) في ترجمة والدة مساور: تفرد عنها ابنها. يعني أنها مجهولة. وهو حديث ضعيف. (¬2) في "السنن" (3/ 466). (¬3) البخاري في "صحيحه" رقم (5193)، ومسلم رقم (122/ 1436)، وأبو داود في "السنن" رقم (2141).

قوله: "إلى فراشه" أي: إلى المضاجعة سواء أراد جماعها أو لا، فلا يحل لها أن لا تجيبه ولو كانت حائضاً. قوله: "إلا كان الذي في السماء" من الملائكة. "ساخطاً عليها" ولا يسخطون على أحد إلاّ بأمر الله تعالى، ولا يأمرهم بذلك إلاّ وهو ساخط عليها. - وفي رواية: "إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فَأَبَتْ أنْ تَجِيء، فَبَاتَ غَضْبَانَ، لَعَنَتْهَا المَلاَئِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ". وفي رواية (¬1): "حتَّى تَرْجِعَ". [صحيح] قوله: "لعنتها الملائكة حتى تصبح" معناه: أنَّ اللعنة تستمر عليها حتى تزول المعصية بطلوع الفجر، والاستغناء عنها أو بتوبتها ورجوعها إلى الفراش، ولعنهم لها بأمر الله تعالى جعلها الله عبادة لهم. - وفي رواية (¬2): "إِذَا بَاتَتِ المَرْأَةُ مُهَاجِرَةً فِرَاشَ زَوْجِهَا لَعَنَتْهَا المَلاَئِكَةُ". الحديث. أخرجه الشيخان وأبو داود. [صحيح] قوله: "أخرجه الشيخان وأبو داود". [الرابع] (¬3): 4 - وعنه - رضي الله عنه - قال: قِيلَ: يا رَسُولَ الله! أَيُّ النِّسَاءِ خَيْرٌ؟ قَالَ: "الَّتي تَسُرُّهُ إِذَا نَظَرَ، وَتُطِيعُهُ إِذَا أَمَرَ، وَلاَ تُخَالِفُهُ فِي نَفْسِهَا وَمَالِهَا بِمَا يَكْرَهُ". أخرجه النسائي (¬4). [إسناده صحيح] قوله: "وعنه" أي: أبي هريرة. ¬

_ (¬1) أخرجها البخاري في "صحيحه" رقم (5194). (¬2) أخرجها البخاري في "صحيحه" رقم (5194)، ومسلم رقم (120/ 1436): (إذا باتت المرأة هاجرة). (¬3) في "المخطوط" الثالث، والصواب ما أثبتناه. (¬4) في "السنن" رقم (3231) بإسناد صحيح.

"قال: قيل: يا رسول الله! أي [104 ب] النساء خير؟ " أجاب - صلى الله عليه وسلم - بذكر ثلاث صفات سروره بها: إذا نظرها لحسنها وحسن خلقها وهيئتها، وطاعته إذا أمرها بأي أمر، وعدم مخالفتها له في نفسها ومالها، وفعل ما يكره. ولا دليل فيه أنها لا تصرف في مالها إلاّ عن رأيه؛ لأنه إنما ذكر صفات خير النساء. قوله: "أخرجه النسائي". الخامس: حديث عمر. 5 - وعن عمر - رضي الله عنه - قال: قال رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَا يُسْأَلُ الرَجُلُ فيِمَ ضَرَبَ امْرَأَتَهُ؟ " أخرجه أبو داود (¬1). [ضعيف] قوله: "فيم ضرب امرأته" لأنه من سؤال الإنسان عما لا يعنيه، والتفتيش عن أسرار العباد، وهو منهي عن ذلك. [السادس] (¬2): حديث أبي سعيد: 6 - وعن أبي سعيد - رضي الله عنه - قال: جَاءَتِ امْرَأَةُ صَفْوَانَ بْنِ المُعَطَّلِ إِلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وَصَفْوَانُ عِنْدَهُ، فَقَالَت: يَا رَسُولَ الله زَوْجِي يَضْرِبُنِي إِذَا صَلَّيْتُ، وَيُفَطِّرُنِي إِذَا صُمْتُ، وَلاَ ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (2147). وأخرجه النسائي في "عشرة النساء" رقم (2861)، وابن ماجه رقم (1986)، والبيهقي (7/ 305)، وأحمد (1/ 20) كلهم من طريق داود بن عبد الله الأودي، عن عبد الرحمن المُسْلى، عن الأشعث بن قيس، عن عمر بن الخطاب، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: فذكره. قلت: إسناده ضعيف من أجل المُسْلى هذا، قال الذهبي: لا يعرف إلا في هذا الحديث، تفرد عنه داود بن عبد الله الأودي). انظر: "الميزان" (2/ 602 رقم 5020). قال الحافظ في "التقريب" رقم (4052) مقبول. وهو حديث ضعيف. والله أعلم. (¬2) في "المخطوط" الخامس. والصواب ما أثبتناه.

يُصَلِّي صَلاَةَ الفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ. فَسَأَلَه عَمّا قَالَت. فقَالَ: يَا رسولُ الله: أَمَّا قَوْلُهَا: يَضْرِبُنِي إِذَا صَلَّيْتُ فَإِنَّهَا تَقْرَأُ بِسُورَتَيْنِ وَقَدْ نَهَيْتُهَا. فَقَالَ لَهَا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْ كَانَتْ سُورَةٌ وَاحِدَةٌ لكَفَتِ النَّاسَ". وَأَمَّا قَوْلُهَا: يُفَطِّرُنِي إذَا صُمْتُ فَإِنَّهَا تَنْطَلِقُ تَصُومُ وَأَنَا رَجُلٌ شَابٌّ لاَ أَصْبِرُ. فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تَصُوْمْ امْرَأَةٌ إِلاَّ بِإِذْنِ زَوْجِهَا". وَأَمَّا قَوْلُهَا: إِنِّي لاَ أُصَلِّي حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَإِنَّا أَهْلُ بَيْتٍ قَدْ عُرِفَ لَنَا ذَلِكَ لاَ نَكَادُ نَسْتَيْقِظُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ. قَالَ: "فَإِذَا اسْتَيْقَظْتَ يَا صَفْوَانُ فَصَلِّ". أخرجه أبو داود (¬1). [صحيح] قوله: "ابن المعطل" اسم فاعل من عطل. قوله: "تقرأ سورتين" كأنه يريد أنها تطيل بذلك الصلاة وهو محتاج لها. قوله: "لا تصوم المرأة إلا بإذن زوجها" أي: صيام النفل (¬2) لا الفرض، فلا تحتاج إلى إذنه. قوله: "لا نكاد نستيقظ حتى تطلع الشمس" يعني: أنها عادة لهم ولم يأمره - صلى الله عليه وسلم - أن يعد له من يوقظه للصلاة، بل قال له: "إذا استيقظت يا صفوان فصل"، فدلّ على أنه لا يجب إعداد النائم من يوقظه لصلاته، ولنا في هذا رسالة بسيطة ومراجعات مع جماعة من علماء عصرنا رحمهم الله، وهي موجودة في رسائلنا. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (2459) وهو حديث صحيح. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهدُ إلا بإذنه". [أخرجه البخاري رقم (5195)، ومسلم رقم (84/ 1026)، وأحمد (2/ 316)]. (¬2) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تصوم امرأة وزوجها شاهدٌ يوماً من غير رمضان إلا بإذنه". [أخرجه أحمد (2/ 476)، وأبو داود رقم (2458)، والترمذي رقم (782)، وابن ماجه رقم (1761)]. وهو حديث صحيح.

قوله: "أخرجه أبو داود". [السابع] (¬1): 7 - وعن أبي الورد بن ثمامة قال: قَالَ عَليٌّ - رضي الله عنه - لِابنِ أغيْدَ: أَلاَ أُحَدِّثُكَ عَنِّي وَعَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وَكَانَتْ مِنْ أَحَبِّ أَهْلِهِ إِلَيْهِ؟ قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: إِنَّهَا جَرَّتْ بِالرَّحَى حَتَّى أَثَّرَ فِي يَدِهَا. وَاسْتَقَتْ بِالقِرْبَةِ حَتَّى أَثَّرَتْ فِي نَحْرِهَا، وَكَنَسَتِ البَيْتَ حَتَّى اغْبَرَّتْ ثِيَابُهَا. فَأُتْيَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِخَدَمٍ. فَقُلْتُ: لَوْ أَتَيْتِ أَبَاكِ فَسَألتِهِ خَادِمًا؟ فَأَتَتْهُ فَوَجَدَتْ عِنْدَهُ حُدَّاثًا فَرَجَعَتْ. فَأَتَاهَا مِنَ الغَدِ فَقَالَ: "مَا كَانَ حَاجَتُكِ؟ ". فَسَكَتَتْ فَقُلْتُ: أَنَا أُحَدِّثُكَ يَا رَسُولَ الله، إِنَّهَا جَرَّتْ بِالرَّحَى حَتَّى أَثَّرَتْ فِي يَدِهَا، وَحَمَلَتْ بِالقِرْبَةِ حَتَّى أَثَّرَتْ فِي نَحْرِهَا، فَلمَّا أَنْ جَاءَ الخَدَمُ أَمَرْتُهَا أَنْ تَأْتِيَكَ تَسْتَخْدِمُكَ خَادِمًا يَقِيهَا حَرَّ مَا هِيَ فِيهِ. فَقَالَ: "اتَّقِي الله يَا فَاطِمَةُ وَأَدَّي فَرِيضَةَ رَبِّكِ، وَاعْمِلي عَمَلَ أَهْلِكِ، إِذَا أَخَذْتِ مَضْجَعَكِ فَسَبِّحِي ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ، وَاحْمَدِي ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ، وَكَبِّرِي أَرْبَعًا وَثَلاَثِينَ. فَذَلِكِ مِائَةٌ هِيَ خَيْرٌ لَكِ مِنْ خَادِمٍ". قَالَتْ: رَضِيتُ عَنِ الله وَعَنْ رَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَلَمْ يُخْدِمْهَا. أخرجه الخمسة (¬2) إلا النسائي. [صحيح] حديث (أبي الورد بن ثمامة) بضم المثلثة تابعي روى عن علي بن أبي طالب - عليه السلام -، وروى عنه الجُريري بضم الجيم وفتح الراء الأولى، كما قاله ابن الأثير (¬3). قوله: "لابن أغْيُد" بفتح الهمزة وسكون العين المهملة وضم الياء الموحدة. في "التقريب" (¬4): علي بن أغيد، وقد لا يسمى في الإسناد، مجهول من الثالثة، انتهى. ¬

_ (¬1) في (أ. ب) السادس والصواب ما أثبتناه. (¬2) أخرجه البخاري رقم (3113، 3705، 5361، 5362، 6318)، ومسلم رقم (80/ 2727)، وأبو داود رقم (2988، 2989)، والترمذي رقم (3408، 3409). وهو حديث صحيح. (¬3) في "تتمة جامع الأصول" (2/ 974 - قسم التراجم). (¬4) (2/ 32 رقم 294).

قوله: "حدَّاثاً" في "النهاية" (¬1): جماعة يتحدَّثون، جمع على غير قياس، حملاً على نظيره، نحو: سامر وسُمَّار، فإن السُّمَّار المحدِّثون، انتهى. واعلم أنّ الحديث قدّمه ابن الأثير (¬2) في حرف الدال المهملة في الدعاء عند النوم، وذكر له روايات عدة واختلافاً في ألفاظه، والمصنف لم يأت به في أدعية [105 ب] النوم ولم يذكره إلاّ هنا. قوله: "فغدا علينا" في رواية (¬3): "فغدا علينا ونحن في لِفَاعِنَا، فجلس عند رأسها، فأدخلت رأسها في اللِّفَاعِ حياءً من أبيها فقال: ما كانت حاجتك أمس إلى آل محمد؟ فسكتت مرتين، فقال: أنا والله أحدثك .. " فذكر نحوه. وفي رواية (¬4): "أنها أتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تسأله فلم تره، فأخبرت بذلك عائشة, فلما جاء أخبرته فأتانا وقد أخذنا مضاجعنا فقعد بيننا حتى وجدت برد قدميه على صدري". وألفاظه كثيرة مجتمعة على معنى واحد هو شكاء فاطمة - رضي الله عنها - ما تلقاه من أعمال [منازلها] (¬5) وطلبها لخادم، ومنعه - صلى الله عليه وسلم - لها صيانة لها عن الدنيا، وأمرها بأن تعمل عمل أهلها وعلَّمها من الذكر ما هو خير لها من خادم. وقد استدل بالحديث أنه يجب على الزوجة خدمة زوجها والقيام بمؤنة منزلها. ¬

_ (¬1) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 343). (¬2) "الجامع" (6/ 253 - 254 رقم 2240). (¬3) أخرجها أبو داود في "السنن" رقم (5063). وهو حديث صحيح. (¬4) أخرجها مسلم في "صحيحه" رقم (2727). (¬5) كذا في المخطوط، ولعلها (منزلها).

وقد بسطنا القول في عدم نهوض الاستدلال على إيجاب ذلك عليها في حواشي "شرح عمدة الأحكام" (¬1) وحاشية ضوء النهار (¬2)، ولله الحمد. وفي رواية (¬3) في الحديث عن علي - عليه السلام -: أنه قال: "فما تركتهن منذ سمعتهن إلا ليلة صفين، فإني ذكرتها من آخر الليل فقلتها". قوله: "أخرجه الخمسة إلا النسائي". قلت: في "الجامع" (¬4) لابن الأثير أنه أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي، وسرد رواياته في "كتاب الدعاء" (¬5)، وكذلك هنا نسبها إلى الأربعة، وساق رواية أبي داود (¬6) التي ساقها المصنف عن أبي الورد بن ثمامة ثم قال: وقد أخرج ذلك البخاري ومسلم والترمذي من رواية أخرى نحوه بمعناه. والحديثُ باختلاف طرقه مذكور في "أدعية النوم (¬7) والانتباه" من "كتاب الدعاء" من حرف الدال، انتهى بلفظه. قلت: وقد سقنا بعض روايات ما قاله ابن الأثير؛ لأنَّ المصنف لم يأت بالحديث في "كتاب الدعاء". ¬

_ (¬1) (4/ 87 - 88). (¬2) "منحة الغفار" (4/ 242 - 243، ضوء النهار) بتحقيقي. (¬3) أخرجها البخاري في "صحيحه" رقم (5362)، ومسلم رقم (2727). (¬4) (6/ 502). (¬5) في "الجامع" (4/ 253 - 256). (¬6) تقدم تخريجه. (¬7) في "الجامع" (4/ 253 - 256).

الفصل الثاني: في حق المرأة على الزوج

الفصل الثاني: في حق المرأة على الزوج (الثاني) أي: الفصل الثاني من فصول كتاب الصحبة. الأول: حديث (أبي هريرة) 1 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "استَوْصُوا بِالنِّسَاء، فَإِنَّ المَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ, وَإِنْ ترَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، فَاستَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْراً". أخرجه الشيخان (¬1) والترمذي (¬2). [صحيح] قوله: "استوصوا بالنساء خيراً" يريد تواصوا [106 ب] فليس السين للطلب. وقيل: استوصوا: اقبلوا وصيتي فيهن وارفقوا بهن (¬3). قوله: "من ضلَع" بفتح اللام. "وإنّ أعوج ما في الضلع (¬4) أعلاه" يريد خلقن خلقاً فيه اعوجاج؛ لأنهن خلقن من أصل معوج، وقيل: يريد أنّ أول النساء وهي حواء خلقت من ضلع (¬5) من أضلاع آدم. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (5186)، ومسلم رقم (62/ 1468). (¬2) في "السنن" رقم (1188). وهو حديث صحيح. (¬3) قاله البيضاوي: وقال الحافظ في "الفتح" (9/ 253)، والحامل على هذا التقدير أن الاستيصاء استفعال. وظاهره طلب الوصية، وليس هو المراد. (¬4) قال الحافظ في "الفتح" (9/ 253) ذكره ذلك تأكيد بمعنى الكسر؛ لأن الإقامة أمرها أظهر في الجهة العليا، أو إشارة إلى أنها خلقت من أعوج أجزاء الضلع مبالغة في إثبات هذه الصفة لهن. (¬5) قال الفقهاء: إنها خلقت من ضلع آدم، ويدل على ذلك قوله: {خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا} [النساء: 1]. وقد روى ذلك من حديث ابن عباس، أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (3/ 852 رقم 4718).

قوله: "كسرته" قيل: هو ضرب مثل للطلاق (¬1)، أي: لو أردت منها ألا تترك اعوجاجها أفضى الأمر إلى فراقها. قيل: وفيه إشارة إلى أنّ أعوج ما في المرأة لسانها، وأنها لا تقبل التقويم، كما أنّ الضلع لا تقبله، وأكّد الأمر في الاستيصاء بالنساء خيراً لذلك. قوله: "أخرجه الشيخان والترمذي" قال ابن الأثير (¬2): وأول حديث البخاري (¬3): "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره، واستوصوا بالنساء خيراً". وأول حديث مسلم (¬4): "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فإذا شهد أمراً فليتكلم بخير أو ليسكت، واستوصوا بالنساء خيراً". الثاني: حديث (عمرو بن الأحوص): 2 - وعن عمرو بن الأحوص - رضي الله عنه - قال: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّهُنَّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ. لَيْسَ تَمْلِكُونَ مِنْهُنَّ شَيْئًا غَيْرَ ذَلِكَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ. فَإِنْ فَعَلْنَ فَاهْجُرُوهُنَّ فِي المَضَاجِعِ، وَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبرِّحٍ. فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا، أَلاَ إِنَّ لَكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ حَقًّا، وَلنِسَائِكُمْ عَلَيْكُمْ حَقًّا، فَحَقُكمْ عَلَيْهِنَّ أنْ لاَ يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ مَنْ تَكْرَهُونَ، وَلاَ يَأْذَنَّ فِي بُيُوتِكُمْ لِمَنْ تَكْرَهُونَ، أَلاَ وَحَقُّهُنَّ عَلَيْكُمْ: أَنْ تُحْسِنُوا إِلَيْهِنَّ فِي كِسْوَتِهِنَّ وَطَعَامِهِنَّ". أخرجه الترمذي (¬5). [حسن] ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (9/ 253). (¬2) في "الجامع" (6/ 503 رقم 4717). (¬3) في "صحيحه" رقم (5185)، وأطرافه (6018، 6136، 6138، 6475). (¬4) في "صحيحه" رقم (60/ 1468). (¬5) في "السنن" رقم (1163) وقال: حديث حسن صحيح. =

"عَوانٌ" (¬1) جمع عانية وهي الأسيرة، شبه المرأة في دخولها تحت حكم الزوج بالأسير. و"المبِّرحُ" الشديد والشاق. قوله: "استوصوا بالنساء خيراً" تقدم تفسيره، وعامل "خيراً" محذوف، أي: بإيتاء النساء خيراً. وَ"عوان" بالعين المهملة فسّرها المصنف بالأسيرة. قوله: "غير ذلك" أي: الذي أحله الله من غشيانهن وجماعهن، وفيه دليل على أنه لا يملك منها القيام بمؤنة منزله كما قدمناه وهذا أحصرٌ. قوله: "إلاّ أن يأتين بفاحشة مبينة" إذا أطلق هذا اللفظ فالمراد به: فاحشة الزنا، وفي "الكشاف" (¬2) في قوله تعالى: {إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} (¬3) وهي النشوز، وشكاسة الخلق، وإيذاء الزوج وأهله بالبذاء والسلاطة، يريد حدة اللسان، ثم نقل عن الحسن (¬4): أنّ المراد: الزنا. ¬

_ = وأخرجه ابن ماجه رقم (1851)، والنسائي في "عشرة النساء" رقم (287) في إسناده سليمان بن عمرو، ذكره ابن حبان في "الثقات". لكن للحديث شاهد من حديث عمِّ أبي حُرَّة الرقاشي، عند أحمد في "المسند" (5/ 72 - 73). بسند ضعيف، لصنف علي بن زيد بن جدعان. فالحديث بمجموع الطريقين حسن. والله أعلم. (¬1) "القاموس المحيط" (ص 1696). (¬2) (2/ 45). (¬3) سورة النساء الآية: 19. (¬4) أخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (6/ 533).

وأما قوله تعالى: {فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} (¬1) فالمراد بها (¬2): فاحشة الزنا، والحاصل أنها لفظ مشترك لا بد من قرينة على تعيين المراد بها. وقوله - صلى الله عليه وسلم - هنا: "فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع، واضربوهن [107 ب] " قرينة أنه أريد بالفاحشة غير الزنا، فإنه لا يأمر - صلى الله عليه وسلم - بإمساك الزوج الزانية؛ لأنه أمر بأن يكون ديوثاً، وقد ورد تحريم الجنة على الديوث وهو الذي لا يغار على نسائه، ومن العلماء من أوجب تطليق الزوجة إذا زنت. قوله: "غير مبرح" في "النهاية" (¬3): غير شاق. ثم ذكر (¬4) من حق الزوج على زوجته أن لا يطأ فراشه ولا تأذن (¬5) في منزله لمن يكره، ولو كان أباها أو أمها أو أبا زوجها، أو أمه، فبالأولى غيرهم. ¬

_ (¬1) سورة النساء الآية: 25. (¬2) انظر: "جامع البيان" (6/ 612 - 615). (¬3) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 120). (¬4) أي: في الحديث. (¬5) قال النووي في "شرحه لصحيح مسلم" (8/ 184): وهذا حكم المسألة عدد الفقهاء أنها لا يحل لها أن تأذن لرجل أو امرأة ولا محرم ولا غيره في دخول منزل الزوج إلا من علمت أو ظنت أن الزوج لا يكرهه؛ لأن الأصل تحريم دخول منزل الإنسان حتى يوجد الإذن في ذلك منه أو ممن أذن له في الإذن في ذلك، أو عرف رضاه باطراد العرف بذلك أو نحوه، ومتى حصل الشك في الرضاء ويترجح شيء ولا وجدت قرينة لا يحل الدخول ولا الإذن والله أعلم.

وفي هذا أيضاً دليل على أنه لا حق له عليها في القيام بمؤنة منزله، وحقها عليه الإحسان إليها في طعامها وكسوتها، وكل ذلك بالمعروف من وسع الله عليه وسع عليهن، ومن قتر عليه فبقدره كما قال تعالى: {عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} (¬1). قوله: "أخرجه الترمذي". قلت: قال (¬2) بعد سياق سنده إلى سليمان بن عمرو بن الأحوص قال: حدثني أبي أنه شهد حجة الوداع مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فحمد الله وأثنى عليه, وذكر ووعظ ثم قال: "ألا واستوصوا بالنساء خيراً ... " ثم ساق الحديث كما هنا. ثم قال (¬3): هذا حديث حسن صحيح. انتهى. الثالث: 3 - وعن حكيم بن معاوية عن أبيه - رضي الله عنه - قال: قُلْتُ: يَا رَسولُ الله مَا حَقُّ زَوْجَةِ أَحَدِنَا عَلَيْهِ؟! قَالَ: "أَنْ تُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمْتَ، وَأَنْ تَكْسُوَهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ، وَلاَ تَضْرِبِ الوَجْهَ، وَلاَ تُقَبِّحْ، وَلاَ تَهْجُرْ إِلاَّ فِي البَيْتِ". أخرجه أبو داود (¬4). [صحيح] ¬

_ (¬1) سورة الطلاق الآية: (9). قالوا: العبرة بحال الزوج في النفقة، وإلى ذلك ذهبت العترة والشافعية وبعض الحنفية. "البحر الزخار" (3/ 271)، "البيان" للعمراني (11/ 203). وقيل العبرة بحال الزوجة، وإلى ذلك ذهبت أكثر الحنفية ومالك. انظر: "البناية في شرح الهداية" (5/ 491 - 492). "بدائع الصنائع" (4/ 23 - 24). "عيون المجالس" (3/ 1395 رقم 9766). (¬2) أي: الترمذي في "السنن" (5/ 273). (¬3) أي: الترمذي في "السنن" (5/ 274). (¬4) في "السنن" رقم (2144). =

حديث (حكيم بن معاوية عن أبيه) أي: معاوية. قوله: "ولا تقبح" قال ابن الأثير (¬1): أنه قال أبو داود (¬2): ولا يقول: قبحك الله، انتهى. وقيل: المراد: ولا يسمعها المكروه الذي منه التقبيح. قوله: "ولا هجر إلاَّ في البيت" أي: إلاّ في المضجع، ولا يتحول عنها إلى بيت آخر أو يحولها، وتقدم "فاهجروهن في المضاجع" وهو يبين ما هنا. قوله: "أخرجه أبو داود". قلت: أخرجه عن سعيد بن حكيم عن أبيه عن جده معاوية بن حزن القشيري. قال المنذري (¬3): وأخرجه النسائي (¬4)، اختلف الأئمة في الاحتجاج بهذه النسخة، منهم من احتج بها، ومنهم من أبى ذلك، وخرّج الترمذي (¬5) شيئاً منها وصحّحه، انتهى. ¬

_ = وأخرجه أحمد في "المسند" (4/ 447)، وابن ماجه رقم (1850)، والنسائي في "السنن الكبرى" رقم (917 - العلمية"، والطبراني في "الكبير" (ج 19 رقم 1039)، وابن حبان رقم (4175)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (7/ 295)، من طرق عن يزيد بن هارون, عن شعبة، عن أبي قزعة، عن حكيم بن معاوية عن أبيه, به. وأخرجه أبو داود رقم (2142)، وأحمد (4/ 447)، والطبراني في "الكبير" (ج 19 رقم 1034، 1037، 1038)، والحاكم في "المستدرك" (2/ 187 - 188)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (7/ 305) من طرق عن أبي قزعة، به. وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي. وأخرجه أبو داود رقم (2143)، وأحمد (5/ 5)، والطبراني في "الكبير" (ج 19 رقم 999، 1000، 1001، 1002)، من طرق عن بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده، وإسناده حسن. وخلاصة القول: أن الحديث صحيح. والله أعلم. (¬1) في "الجامع" (6/ 505). (¬2) في "السنن" (2/ 606). (¬3) في "مختصر السنن" (3/ 68). (¬4) في "السنن الكبرى" رقم (917 - العلمية). (¬5) في "السنن" رقم (1956)، وقال: هذا حديث حسن صحيح.

الرابع: حديث (عائشة): حديث أم زرع 4 - عن عائشة (¬1) - رضي الله عنها - قالت: جَلَسَ إِحْدَى عَشْرَةَ امْرَأَةً, فَتَعَاهَدْنَ وَتَعَاقَدْنَ أَنْ لاَ يَكْتُمْنَ مِنْ أَخْبَارِ أَزْوَاجِهِنَّ شَيْئًا. قَالَتِ الأُولَى: زَوْجِي لَحمُ جَمَلٍ، غَثٌّ عَلَى رَأْسِ جَبَلٍ، لاَ سَهْلٍ فَيُرْتَقَى، وَلاَ سَمِينٍ فَيُنْتَقَلُ. وفي رواية للبخاري: فَيُنْتَقَى. قالَتِ الثَّانِيَةُ: زَوْجِي لاَ أَبُثُّ خَبَرَهُ، إِنِّي أَخَافُ أَنْ لاَ أَذَرَهُ، إِنْ أَذْكُرْهُ أَذْكُرْ عُجَرَهُ وَبُجَرَهُ. قَالَتِ الثَّالِثَةُ: زَوْجِي العَشَنَّقُ، إِنْ أَنْطِقْ أُطَلَّقْ، وَإِنْ أَسْكُتْ أُعَلَّقْ. قَالَتِ الرَّابِعَةُ: زَوْجِي كَلَيْلِ تِهَامَةَ, لاَ حَرٌّ، وَلاَ قُرٌّ، وَلاَ مَخَافَةَ، وَلاَ سَآمَةَ. قَالَتِ الخَامِسَةُ: زَوْجِي إِنْ دَخَلَ فَهِدَ، وَإِنْ خَرَجَ أَسِدَ، وَلاَ يَسْأَلُ عَمَّا عَهِدَ. قَالَتِ السَّادِسَةُ: زَوْجِي إِنْ أَكَلَ لَفَّ، وإِنْ شَرِبَ اشْتَفَّ، وَإِن اضْطَجَعَ التَفَّ، وَلاَ يُولِجُ الكَفَّ لِيَعْلَمَ البَثَّ. قَالَتِ السَّابِعَةُ: زَوْجِي غَيَايَاءُ أَوْ عَيَايَاءُ طَبَاقَاءُ، كُلُّ دَاءٍ لَهُ دَواءٌ، شَجَّكِ أَوْ فَلَّكِ أَوْ جَمَعَ كُلاًّ لَكِ. قَالَتِ الثَّامِنَةُ: زَوْجِي المَسُّ مَسُّ أَرْنَبٍ، وَالرِّيحُ رِيحُ زَرْنَبٍ. قَالَتِ التَّاسِعَةُ: زَوْجِي رَفِيعُ العِمَادِ، طَوِيلُ النِّجَادِ، عَظِيمُ الرَّمَادِ، قَرِيبُ البَيْتِ مِنَ النَّادِ. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (5189)، ومسلم رقم (92/ 2448)، والنسائي في "عشرة النساء" رقم (252، 253، 256)، وأبو يعلى رقم (4701، 4702، 4703)، وابن أبي عاصم في "السنة" رقم (1238)، الطبراني في "الكبير" (ج 23 رقم 265 - 274)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (2340).

قَالَتِ العَاشِرَةُ: زَوْجِي مَالِكٌ، وَمَا مَالِكٌ؟ مَالِكٌ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكِ، لَهُ إِبِلٌ كَثِيرَاتُ المَبَارِكِ, قَلِيلاَتُ المَسَارِحِ، وإِذَا سَمِعْنَ صَوْتَ المِزْهَرِ أَيْقَنَّ أَنَّهُنَّ هَوَالِكُ. قَالَتِ الحَادِيَةَ عَشْرَةَ: زَوْجِي أَبُو زَرْعٍ وَمَا أَبُو زَرْعٍ؟ أَنَاسَ مِنْ حُلِيٍّ أُذُنَيَّ، وَمَلأَ مِنْ شَحْمٍ عَضُدَيَّ، وَبَجَّحَنِي فَبَجِحَتْ إِلَيَّ نَفْسِي، وَجَدَنِي فِي أَهْلِ غُنَيْمَةٍ بِشِقٍّ، فَجَعَلَنِي فِي أَهْلِ صَهِيلٍ وَأَطِيطٍ وَدَائِسٍ وَمُنَقٍّ، فَعِنْدَهُ أَقُولُ: فَلاَ أُقَبَّحُ، وَأَرْقُدُ فَأَتَصَبَّحُ، وَأَشْرَبُ فَأَتقَنَّحُ، أُمُّ أَبِي زَرْعٍ فَمَا أُمُّ أَبِي زَرْعٍ؟ عُكُومُهَا رَدَاحٌ، وَبَيْتُهَا فَسَاحٌ، ابْنُ أَبِي زَرْعٍ، فَمَا ابْنُ أَبِي زَرْعٍ مَضْجِعُهُ كَمَسَلِّ شَطْبَةٍ, وَيُشْبِعُهُ ذِرَاعُ الجَفْرَةِ، بِنْتُ أَبِي زَرْعٍ، فَمَا بِنْتُ أَبِي زَرْعٍ طَوْعُ أَبِيهَا، وَطَوْعُ أُمِّهَا، وَمِلْءُ كِسَائِهَا، وَغَيْظُ جَارَتِهَا، جَارِيَةُ أَبِي زَرْعٍ، فَمَا جَارِيَةُ أَبِي زَرْعٍ لاَ تَبُثُّ حَدِيثَنَا تَبْثِيثًا، وَلاَ تُنَقِّثُ مِيرَتَنَا تَنْقِيثًا، وَلاَ تَمْلأُ بَيْتَنَا تَعْشِيشًا. قَالَتْ: خَرَجَ أَبُو زَرْعٍ وَالأَوْطَابُ تُمْخَضُ، فَلَقِيَ امْرَأَةً مَعَهَا وَلَدَانِ لَهَا كَالفَهْدَيْنِ يَلْعَبَانِ مِنْ تَحْتِ خَصْرِهَا بِرُمَّانَتَيْنِ، فَطَلَّقَنِي وَنَكَحَهَا، فَنكحْتُ بَعْدَهُ رَجُلاً سَرِيًّا، رَكِبَ شَرِيًّا، وَأَخَذَ خَطِّيًّا وَأَرَاحَ عَلَيَّ نَعَمًا ثَرِيًّا، وَأَعْطَانِي مِنْ كُلِّ رَائِحَةٍ زَوْجًا، وَقَالَ: كُلِي أُمَّ زَرْعٍ، وَمِيرِي أَهْلَكِ. قَالَتْ: فَلَوْ جَمَعْتُ كُلَّ شَيْءٍ أَعْطَانِيهِ مَا بَلَغَ أَصْغَرَ آنِيَةِ أَبِي زَرْعٍ. قَالَتْ عَائِشَةُ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "كُنْتُ لَكِ كَأَبِي زَرْعٍ لأُمِّ زَرْعٍ". وقد سقط حديث أم زرع من "تجريد قاضي القضاة"، وقد أثبتُّه هنا من "جامع (¬1) الأصول" لشهرته، وقد أُفرِد شرح هذا الحديث بالتأليف، وقد رأيت أن أذكر ها هنا من الكلام عليه ما تمس إليه الحاجة مما لا بد منه. فأقول وبالله التوفيق: قول الأولى: "زوجي لحمُ جَملٍ غَثٌ" أي: مهزول (¬2). ¬

_ (¬1) (6/ 507 رقم 4722). (¬2) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 288). "الفائق" للزمخشري (3/ 48).

"على رأسٍ جَبَلٍ" أي: صعب الوصول إليه. وَصفته بقِلَّة الخير، تقول: هو كلحم الجمل لا كلحم الضأن، ومع ذلك مهزول رديء صعب المتناول لا يوصل إلاَّ إليه بمشقة شديدة (¬1). وقول الثانية: "لَا أَبُثُّ خبرَهُ" أي: لا أنشره وأشيعه. وقولها: "إنِّي أخَافُ أَنْ لاَ أَذَرَه" أي: خبره طويل، إن شرعت في تفصيله لا أقدر على إتمامه لكثرته (¬2). "وَالعُجَرُ وَالبُجَرُ" الراد عيوبه الباطنة وأسراره الكامنة. "وَالعُجَرُ" (¬3) تعقد العَصَب والعروق حتى ترى ناتئة في الجسد. ¬

_ (¬1) قال الحافظ في "الفتح" (6/ 259) قال عياض: (... وذلك أنها أودعت كلامها تشبيه بشيئين: شبهت زوجها باللحم الغث، وشبهت سوء خلقه بالجبل الوعر، ثم فسرت ما أجملت، فكأنها قالت: لا الجبل سهل فلا يشق ارتقاؤه لأخذ اللحم ولو كان هزيلاً؛ لأن الشيء المزهود فيه قد يؤخذ إذا وجد بغير نصب، ثم قالت: ولا اللحم سمين فيتحمل المشقة في صعود الجبل لأجل تحصيله. انظر: "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (7/ 456 - 457). وقال الخطابي في "غريب الحديث" (2/ 849): معنى الجبل الوعر في هذا أن تكون قد وصفته بسوء الخلق، والترفع لنفسه والذهاب بها زهواً وكبراً. (¬2) هذا على أن الضمير للخبر أي: أنه لطوله وكثرته إن بدأته لم أقدر على تكميله، فاكتفت بالإشارة إلى معايبه، خشية أن يطول الخطب بإيراد جميعها. وقيل: الضمير لزوجها وعليه يعود حمير: (عجره وبجره، بلا شك كأنها خشيت إذا ذكرت ما فيه أن يبلغه فيفارقها ...). (¬3) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 163). "غريب الحديث" للهروي (2/ 290)، "الفائق" للزمخشري (3/ 49، 50).

"وَالبُجَرُ" (¬1) نحوها إلا أنها في البطن خاصة. وقول الثالثة: "زوجي العَشَنَّقُ" (¬2) هو الطويل بلا نَفْع، فإذا ذكرت عيوبه طلقني، وإن سَكَتُّ عنها علقني، فتركني لا عَزباً ولا مُزوَّجة. قال الله تعالى: {فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} (¬3). وقول الرابعة: زوجِي كَليلِ تهامةَ. لا حرٌّ ولا قرٌّ، ولا مخافةَ ولا سآمةَ" هذا وصف بليغ، وصفته بعدم الأذى، وبالراحة، ولذاذة العيش، والاعتدال، كليل تهامة: الذي لا حرَّ فيه ولا برد مفرطين، وأنها لا تخاف غائلته لكرَم أخلاقه، ولا تخشى منه ملَلاً ولا سآمة (¬4). وقول الخامسة: "زوجِي إنْ دَخَلَ فَهَدَ (¬5) إِلى آخِره" هذا مدح بليغ، وصفته بكثرة النوم إذا دخل بيته وعدم السؤال عمَّا ذهب من متاعه وما بقي لقولها: "وَلاَ يسألُ عَّما عَهِدَ" أي: عما عهده في البيت من متاعه وماله لكرمه. وقوله: "وإنْ خرَج أَسِدَ" أي: إذا خرج إلى الناس ومارس الحرب كان كالأسد، تصفه بالشجاعة. ¬

_ (¬1) انظر: "غريب الحديث" للهروي (2/ 92). "النهاية في غريب الحديث" (1/ 103). (¬2) قال ابن الأثير في "النهاية" (2/ 210) هو الطويل الممتد القامة، أرادت أن له منظراً بلا مخبر؛ لأن الطول في الغالب دليل السّفه، وقيل: هو السيئ الخلق. انظر: "فتح الباري" (9/ 260)، "الفائق" للزمخشري (3/ 50)، "غريب الحديث" للهروي (2/ 291). (¬3) سورة النساء الآية: (129). (¬4) انظر: "فتح الباري" (9/ 261). (¬5) قال ابن حبيب: شبهته في لينه وغفلته بالفهد؛ لأنه يوصف بالحياء وقلة الشر، وكثرة النوم. انظر: "فتح الباري" (9/ 261)، "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (7/ 458).

وقول السادسة: "زوجي إنْ أَكلَ لَفَّ" أي: أكثر من الطعام وخلط (¬1) من صنوفه حتى لا يُبقي شيئاً. "وَإنْ شَرِبَ اشْتَفَّ" (¬2) أي: استوعب جميع ما في الإناء. "وَلا يولجُ الكَفَّ ليَعْلمَ البَثَّ" هذا ذمٌ له. أرادت أنه إذا اضطجع ورقد، التف في ثيابه ناحية ولم يضاجعني ليعلم ما عندي من محبته، ولا بثَّ هناك (¬3) إلا محبة الدنوِّ من زوجها. وقول السابعة: "زوجِي عَياياءُ أو غياياء" إلى آخره. "عَياياء" (¬4) بمهملة ومعجمة، ومعناه بالمهملة الذي لا يلْقِح وهو العنين الذي تُعِييه مُباضَعة النساء ويعجز عنها، وبالمعجمة: الذي لا يهتدي إلى مسلك من الغيَّاية (¬5) وهي الظلمة. ومعنى "طَبَاقاء" المنطبقة (¬6) عليه أموره حمقاً، وقيل: الغبي الأحمق الفَدْم. ¬

_ (¬1) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 607). "غريب الحديث" للهروي (2/ 292). (¬2) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (1/ 878). (¬3) كذا العبارة في "المخطوط" مضطربة. قال الحافظ في "الفتح" (9/ 263): وكأنها قالت: أنه يتجنبها ولا يدنيها منه، ولا يدخل يده في جنبها فيلمسها ولا يباشرها ولا يكون منه ما يكون من الرجال فيعلم بذلك محبتها له وحزنها لقلة حظها منه. وقد جمعت في وصفها له بين اللؤم والبخل، والبهمة والمهانة، وسوء العشرة مع أهله. (¬4) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 283). "غريب الحديث" للهروي (2/ 294). (¬5) قال ابن الأثير في "النهاية" (2/ 335): (... ويجوز أن تكون قد وصفته بثقل الروح، وأنه كالظل المتكاثف المظلم الذي لا إشراق فيه). انظر: "المجموع المغيث" (2/ 590). (¬6) انظر: "الفائق" للزمخشري (3/ 51). "النهاية في غريب الحديث" (2/ 103).

وقولها: "كُلُّ دَاءٍ لَهُ دَوَاء" أي: جميع أدواء الناس مجتمعة فيه (¬1). "والشَّجُّ" جرح الرأس. "والفَلُّ" (¬2) الكسر والضرب. نقول: أنا معه بين جرحِ رأسٍ أو ضربٍ وكسر عُضو أو جمع بينهما. وقول الثامنة: "زوجِي المسُّ مسُّ أرنب، والرِّيحُ ريحُ زَرْنَبٍ" (¬3) وصفته بلين الخلق، والجانب، وحسن العشرة، وأنه طيب الريح، أو طيب الثناء في الناس. وقوله التاسعة: "زوجي رفيعُ العمادِ" إلى آخره. فرفيع العماد وصف له بالشرف، وسناء الذكر والرفعة في قومه. "وَطَوِيلُ النِّجَادِ" بكسر النون ووصفٌ له بطول القامة، والنِّجاد (¬4) حمائل السيف، والطويل يحتاج إلى طولِ حمائل سيفه" والعرب تمدح بذلك. "وعظيم الرَّماد" وصف له بالجود وكثرة الضيافة من اللحوم والخبز فيكثر وقوده ويكثر رمَاده. وقولها: "قريبُ البيتِ من النادِ" أي: النادي، وهو مجلس القوم، وصف له بالكرم والسؤدد؛ لأنه لا يقرِّب البيت من النادي إلا من هذه صفته؛ لأن الضِّيفان يقصدون النادي، ¬

_ (¬1) قاله الزمخشري: كما في "فتح الباري" (9/ 264). "وانظر: "النهاية" (1/ 587 - 588). (¬2) انظر: "القاموس المحيط" (ص 1349). (¬3) قيل: هو نوع من أنواع الطيب، وقيل: هو نبت طيب الريح، وقيل: هو الزعفران، وقيل: هو حشيشة دقيقة طيبة الرائحة، وليس ببلاد العرب. انظر: "النهاية" (1/ 722)، "غريب الحديث" للهروي (2/ 296)، "فتح الباري" (9/ 264 - 265). (¬4) قاله ابن الأثير في "النهاية" (2/ 712). وانظر: "الفائق" للزمخشري (3/ 49).

وأصحاب النادي يأخذون ما يحتاجون إليه في مجلسهم من البيت القريب من النادي، وهذه صفة الكرام، واللئام بخلاف ذلك (¬1). وقول العاشرة: "زَوْجِي مَالِكٌ" إلى آخره. تقول: هو خير مما أصفه به، له إِبلٌ كثيرة فهي باركة بفنائه لا يوجهها تسرَح إلا قليلاً عند الضرورة، ومعظم أوقاتها تكون باركة بفنائه، فإذا نزل به الضيف قَراهم من ألبانها ولحومها. "والمِزْهرُ" (¬2) بكسر الميم: عود الغِناء الذي يضرب به. وأرادت أن زوجها عوَّد إبله إذا نزل به الضِّيفان انتحرَ لهم منها، وإتيانهم بالعيدان والمعازف والشراب، فإذا سمعت الإبل صوت المِزْهَر علمن أنه قد جاء الضِّيفان وأنهن منحورات هوالك (¬3). وقوله الحادية عشرة: "زوجِي أَبُو زَرْعٍ" إلى آخره. فمعنى "أَنَاسَ" (¬4) بنون ومهملة من النوس وهي الحركة من كل شيء متدلٌ. "وَأُذُنَيَّ" بتشديد الياء على التثنية: أي: حلَّاني قِرَطَة وشُنوفاً فيها فهي تَنُوس، أي: تتحرك لكثرتها (¬5). ومعنى "مَلَأ من شَحْمٍ عَضُدَيَّ" أي: أسمنني وملأ بدني شحماً؛ لأن العضدين، إذا سمنا فغيرهما أولى. ¬

_ (¬1) انظر: "فتح الباري" (9/ 265). "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (7/ 461). (¬2) انظر: "القاموس المحيط" (ص 517). (¬3) انظر: "فتح الباري" (9/ 266 - 267). (¬4) قال القاضي عياض في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (7/ 463): والنوس: الحركة من كل شيء متدل. وانظر: "النهاية" (2/ 804) (¬5) انظر: "فتح الباري" (9/ 267).

ومعنى "بَجَّحَنِي" بتشديد الجيم. "فَبَجَحْتُ" (¬1) بكسر الجيم وفتحها، والفتح أفصح. أي: فرحني ففرحت وعظمني فعظُمت عندي نفسي. وقولها: "وَجَدَنِي في أَهْلِ غُنيمةً" بضم الغين تصغير الغنم، أرادت أهلها كانوا أصحاب غنم لا أصحاب خيل وإبل؛ لأن الصهيل أصوات الخيل، والأطيط (¬2) أصوات الإبل، وحنينها، والعرب إنما تعتد بأصحابها لا بأصحاب الغنم. وقولها "بِشِقٍّ" بكسر الشين وفتحها. قال أبو عبيد (¬3): هو بالفتح والمحدثون يكسرونه يعني: يشق جبل، أي: ناحيته لقلتهم وقلة غنمهم. وقولها: "ودائسٍ" هو الذي يدوس الزرع في بيدرة. "ومُنَقٍّ" بضم أوله وفتح ثانيه على المشهور، وقد يكسر، وتشديد القاف، والمراد به بالفتح (¬4) عند الجمهور الذي يُنَقِّي الطعام، أي: يخرجه من تِبنه وقشوره ويُنقَيه بالغربال، أي: أنه صاحب زرع يدوسه ويُنقيه. وقولها: "فَعِنْدَهُ أَقُوْلُ فَلَا أَقْبَحُ" أي: لا يقبح قولي فيرده بل يقبله مني (¬5). ¬

_ (¬1) قاله ابن الأثير في "النهاية" (1/ 102 - 103). وانظر: "الفائق" للزمخشري (3/ 49). (¬2) انظر: "غريب الحديث" للهروي (2/ 302). (¬3) ذكره القاضي عياض في "إكمال المعلم" (7/ 464). والحافظ في "الفتح" (9/ 267). (¬4) قال ابن الأثير في "النهاية" (2/ 791) والفتح أشبه لاقترانه بالدّائس، وهما مختصان بالطعام. انظر: "فتح الباري" (9/ 268). (¬5) أي: لكثرة إكرامه لها وتدللها عليه، لا يرد لها قولاً ولا يقبح عليها ما تأتي به. "فتح الباري" (9/ 268).

"وأرقد فأتصبح" أي: أنام الصُّبحة، أي: بعد الصباح لكفايتها بمن يخدمها. وقولها: "وَأَشْرَبُ فأتقنح" بالنون بعد القاف وبالميم بدل النون. فمعناه بالميم: أروى حتى أدع الشراب من شدة الريّ، وبالنون: أُقطّع الشراب وأتمهّل فيه (¬1). "والعُكوم" (¬2) الأعدال وأوعية الطعام. "والرَّدَاحُ" (¬3) العظيمة الكبيرة. "وبيتها فساح" بفتح الفاء وتخفيف السين المهملة، أي: واسع. وقولها: "مضجعه كمسلِّ" بفتح الميم والسين المهملة وتشديد اللام. "وَشَطْبَة" (¬4) بشين معجمة مفتوحة ثم طاء مهملة ساكنة ثم موحدة ثم هاء: ما شُطب من جريدة النخل، أي: شقَّ؛ لأن الجريدة يشقق منها قضبان، فمرادها أنه مهفهف قليل اللحم كالشطبة، وهو ما يمدح به الرجل، وقيل: أرادت أنه كالسيف يسل من غمده. وقولها: "وتُشبعه ذراع الجفرة" الذراع مؤنثة وقد تذكر، والجفرة (¬5) بفتح الجيم الأنثى من أولاد المعز، وقيل: من الضأن، وهي ما بلغت أربعة أشهر، وفُصلت عن أمها، وأرادت أنه قليل الأكل، والعرب تمدح به. ¬

_ (¬1) قاله ابن الأثير في "النهاية" (2/ 492). وانظر: "الفائق" للزمخشري (3/ 52)، "غريب الحديث" للهروي (2/ 304). (¬2) انظر: "غريب الحديث" للخطابي (2/ 158)، "الفائق" للزمخشري (3/ 53)، "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (7/ 465)، "النهاية" (1/ 648)، (2/ 244). (¬3) انظر: "غريب الحديث" للهروي (2/ 304). "الفائق" للزمخشري (3/ 53). (¬4) الشطبة: السعفة من سعف النخلة ما دامت رطبة. أرادت أنه قليل اللحم دقيق الخصر، فشبهته بالشطبة، أي: موضع نومه، دقيق لنحافته. "النهاية في غريب الحديث" (1/ 867). (¬5) "غريب الحديث" للهروي (2/ 306)، "الفائق" للزمخشري" (3/ 49).

وقولها: "طوع أبيها وطوع أمها" أي: مطيعة لهما منقادة لأمرهما. ومعنى "ملء كسائها" ممتلئة الجسم سمينة، وفي رواية صفر رِدَائها بكسر الصاد وصفر الخالي، أي: ضامرة البطن. "وغيظ جارتها" المراد بالجارة هنا: الضرة أي: يغيظ ضرتها (¬1) ما ترى من حسنها وجمالها خاصاً خَلْقاً وخُلُقَاً. وقولها: "لا تبث حديثنا تبثيثاً" بالثاء أي: لا تشيعه وتظهره بل تكتمه. "ولا تنقث ميرتنا" الميرة الطعام المجلوب، ومعنى لا تنقث (¬2) لا تفسدها، ولا تفرقها وتذهب بها، وصفتها بالأمانة. "ولا تملأ بيتنا تعشيشاً" (¬3) بالعين المهملة أي: لا تترك الكناسة والقُمامة فيه متفرقة كعُشِّ الطائر بل هي مُصلحة للبيت معتنية بتنظيفه وروى بالغين المعجمة من الغش في الطعام. "والأوطاب" (¬4) جمع وطب بفتح الواو وسكون الطاء، وهي أسقية اللبن التي يُمخض فيها. ¬

_ (¬1) انظر: "فتح الباري" (9/ 271). (¬2) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 784). "الفائق" للزمخشري" (3/ 54). (¬3) قال ابن الأثير في "النهاية" (2/ 210) أي: أنها لا تخوننا في طعامنا فتخبأ منه في هذه الزاوية، وفي هذه الزاوية، كالطيور إذا عششت في مواضع شتى، وقيل: أرادت لا تملأ بيتنا بالمزابل كأنه عش طائر، ويروى بالغين المعجمة. انظر: "الفائق" للزمخشري (3/ 49). (¬4) انظر: "غريب الحديث" للخطابي (2/ 3). "المجموع المغيث" (3/ 430).

ومعنى "يلعبان من تحت خصرها برمانتين" قال أبو عبيد (¬1): معناه: أنها ذات كفل عظيم، فإذا استقلت على قفاها نتأ الكفل بها من الأرض حتى تصير تحتها فَجْوة يجري فيها الرمان. "والسَّريُّ" بالمهملة السيد الشريف. وقيل: السخي. "والشَّريُّ" بالمعجمة: الفرس الفائق الخيار. "الخَطى" (¬2) بفتح الخاء المعجمة وكسرها والفتح أشهر: الرمح منسوب إلى الخط: قرية بساحل البحر عند عُمَان، وسميت الرماح خطية لأنها تحمل إلى هذا الموضع وتثقب فيه. "وأراح عليَّ نعماً ثريًّا" أي: أتى بها إلى مُراحها وهو موضع مبيتها، والنعم الإبل والبقر والغنم. "والثريُّ" بالمثلثة وتشديد الياء: الكثير من المال وغيره. "وأعطاني من كل رائحة" أي: ما يروح من الإبل والبقر والغنم والعبيد. "زوجاً" أي: اثنين. "وَميرِي أهلك" بكسر الميم من الميرة (¬3)، أي: أعطيهم وأفضلي عليهم. وقوله - صلى الله عليه وسلم - لعائشة - رضي الله عنها -: "كنت لك كأبي زرعٍ لأم زرعٍ" قال العلماء (¬4): هو تطيب لنفسها، وإيضاح لحسن عشرته إياها. ومعناها أنا لك كأبي زرع، [وكان زائدة أو للدوام، والله أعلم] (¬5). ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (9/ 273). (¬2) ذكره الحافظ في "الفتح" (9/ 274). وانظر: "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (7/ 468). (¬3) انظر: "المجموع المغيث" (3/ 247). "الفائق" للزمخشري (3/ 26). (¬4) ذكره القاضي عياض في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (7/ 470). (¬5) كذا في العبارة في "المخطوط" وإليك نصها كما في "إكمال المعلم" (7/ 470). =

قوله: "جلس إحدى عشرة امرأة" في الرواية: "أنهن كنّ في زمن الجاهلية". وفي رواية: "أنهن من بطن من بطون اليمن". وفي رواية: تعيين البطن، وأنهن من خثعم، وظاهر سياق المصنف أنه موقوف على عائشة - رضي الله عنها -[108 ب]، وقد روي مرفوعاً بطوله إليه - صلى الله عليه وسلم - من طرف ولكنه نقل القاضي عياض (¬1) عن أبي بكر الخطيب: أنّ المرفوع منه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما هو قوله لعائشة: "كنت لك كأبي زرع لأم زرع". وما عداه فمن كلام عائشة حدّثت به النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم -. قال (¬2): بيّن ذلك عيسى بن يونس في روايته، وأبو أويس وأبو معاوية الضرير. وقال أبو الحسن الدارقطني (¬3): الصحيح عن عائشة: أنها هي حدّثت النبي - صلى الله عليه وسلم - بقصة النسوة فقال لها حينئذٍ: "كنت لك كأبي زرع لأم زرع". قوله: "فتعاهدن وتعاقدن ألا يكتمن من أخبار أزواجهن شيئاً". اعلم أنه قد استشكل سماعه - صلى الله عليه وسلم - لهذا الحديث، وتحديث عائشة به؛ لأنه غيبة. قال القاضي (¬4): إنه استدل بعض العلماء بهذا الحديث على جواز الغيبة إذا ذكرت فيمن لا يعرف. ¬

_ = ومعناه: أنا لك، وتكون (كان) زائدة، أو تكون على بابها، ويراد بها الاتصال، أي كنت لك فما مضى وأنا كذلك، أو على بابها، أو كنت لك في قضاء الله وسابق علمه كأبي زرع في إحسانه ومحبته لها. (¬1) في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (7/ 470 - 471). (¬2) القاضي عياض في "إكمال العلم" (7/ 470). (¬3) قاله الحافظ في "الفتح" (9/ 257). (¬4) في "إكمال المعلم" (7/ 470).

ونقل الخطابي (¬1) عن بعض شيوخه: أنه ليس في هذا حجة لما قاله بعض العلماء (¬2)، إنما الحجة لو سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - امرأة تغتاب زوجها، ولا تسميه فأقرها عليه، وأمّا هذه الحكاية عن نساء مجهولات غير حاضرات حتى ينكر عليهن فليس بحجة، وهو نظير من قال: في العالم من يسرق ويزني فلا يكون غيبة (¬3). ثم نقل نحو هذا عن جماعة. وأقول: لا يخفى أنّ هذه حكاية عن جماعة النسوة وفيها غيبة منهن لأزواجهن، لكن الحاكي وهي عائشة، والمحكي له وهو النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يسمى الحاكم مغتاباً ولو كان لمعيّن فإنه إذا قال قائل: قال عمرو: أنّ زيداً سرق أو شرب الخمر أو زنى، فإنه لا يكون القائل للحاكم مغتاباً بالاتفاق، وقد حكى الله أقوال الكفار وغيرهم في القرآن، وبالجملة الحاكي لا ينسب إليه غير كونه حاكياً لكلام غيره وقد بسطنا هذا في رسالة جواب سؤال. قوله: "لحم جمل غث" (¬4) يجوز في غث الرفع وصف للحم، والكسر وصف للجمل، وروي بالوجهين. قوله: "لا سهل" يجوز فيه ثلاثة (¬5) وجوه كلها مروية نصب لام سهل من دون تنوين، ورفعه وخفضه منوناً، ومثله سمين. ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (9/ 276). (¬2) قاله أبو عبد الله التميمي شيخ عياض. "فتح الباري" (9/ 276). (¬3) انظر: "فتح الباري" (9/ 276 - 277). (¬4) تقدم شرحها. (¬5) ذكره الحافظ في "الفتح" (9/ 259).

قال القاضي عياض (¬1): أقربها عندي هنا الرفع في الكلمتين، ووجهه أن يكون خبر المحذوف [109 ب] تقديره لا هو سهلٌ، أو: لا هذا سهل، ولا ذاك سمين، أو: لا الجبل سهل ولا اللحم سمين، فتكون كل واحدة من الكلمتين خبر مبتدأ محذوف. قال: وأما وجه النصب فعلى إعمال "لا" وتكون هنا بمعنى "ليس" والخبر محذوف أي: لا سهل فيه أو منه مثل قولهم: لا بأس. قال: وأمّا الخفض فعلى وجهين على النعت للجبل وترك إعمال "لا" وتقديرها ملغاة زائدة في اللفظ لا في المعنى، وهو أحد وجوهها عند النحاة (¬2) كقولهم: شربت بلا زاد، وعجبت من لا شيء، فإنها ملغاة العمل زائدة في اللفظ لا في المعنى، ومنه قوله تعالى: {وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (32) لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ (33)} (¬3). ¬

_ (¬1) انظر: "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (7/ 457). "فتح الباري" (9/ 259). (¬2) قال ابن هشام في "المغني" (1/ 245): من أقسام (لا) النافية المعترضة بين الخافض والمخفوض، نحو "جئت بلا زادٍ" و"غضبتُ من لا شيء"، وعن الكوفيين أنها اسم، وأن الجار عليها نفسها، وأن ما بعدها خفض بالإضافة، وغيرهم يراها حرفاً، ويسميها زائدة كما يسمون كان في نحو (زيدة كان فاضل) زائدة وإن كانت مفيدة لمعنى وهو المضي والانقطاع، فعلم أنهم قد يريدون بالزائد المعترض بين شيئين متطالبين، وإن لم يصح أصل المعنى بإسقاطه كما في مسألة (لا) المقترنة بالعاطف في نحو (ما جاءني زيد ولا عمرو) ويسمونها زائدة، وليست بزائدة البتة، ألا ترى أنه إذا قيل (ما جاءني زيد ولا عمرو) ويسمونها زائدة، وليست بزائدة البتة، ألا ترى أنه إذا قيل: (ما جاءني زيد وعمرو) احتمل أن المراد نفي مجيء كل منهما على كل حال، وأن يراد نفي اجتماعهما في وقت المجيء، فإذا جيء بـ (لا) صار الكلام نصّاً في المعنى الأول، نعم هي في قوله سبحانه: {وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ} [فاطر: 22] لمجرد التوكيد، وكذا إذا قيل: (لا يستوي زيد ولا عمرو). انظر: "المحرر في النحو" للهرميِّ (ت 702 هـ) (2/ 957)، "الكتاب" (3/ 105). (¬3) سورة الواقعة الآية: (32 - 33). =

قوله: "وفي رواية البخاري (¬1) فتنتقى" أي: تستخرج نقية، والنقاء بكسر النون المخ. قال ابن الأثير (¬2): هكذا، قال الحميدي ولم أجدها في كتاب البخاري (¬3)، انتهى. وكان يحسن أن لا يحذفها المصنف. قوله: "لا أبث خبره" قال عياض (¬4): روي بالموحدة وبالنون يقال: بث الحديث ونثه بمعنى: إلاّ أنّ النون أكثر ما تستعمل في الشر. قوله: "العشنق" يأتي للمصنف أنه الطويل بلا نفع. وقال القاضي عياض (¬5): العشنق الطويل، قاله أبو عبيد (¬6)، وقال عبد العلاء (¬7) بن حبيب: العشنق المقدام على ما يريد، الشرس في أموره بدليل [......] (¬8) وصفها له. ونُقل عن غيره (¬9): أن العشنق الطويل العنق، وذكر أقوالاً أخر ولم أجد فيها أنه ¬

_ = قال ابن هشام في "المغني" (1/ 244) (لا) يجب تكرارها إذا دخلت على مفردٍ خبر أو صفة، أو حال نحو زيد لا شاعر، ولا كاتب ونحو: {وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (32) لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ (33)} [الواقعة: 32، 33]. (¬1) هي ليست في البخاري، قال الحافظ (9/ 259): في رواية: أبي عبيد "فينتقى". (¬2) قال ابن الأثير في "جامع الأصول" (6/ 510) وقد جاء في كتب الغريب: "فينتقى" أي: ليس له نقيٌ وهو المخ. (¬3) وهو كما قال. (¬4) في "مشارق الأنوار" (1/ 121). (¬5) في "مشارق الأنوار" (2/ 178). (¬6) ذكره الحافظ في "الفتح" (9/ 260). (¬7) ذكره الحافظ في "الفتح" (9/ 260). (¬8) كلمة غير مقروءة في "المخطوط". (¬9) قاله الخليل في "كتاب العين" (ص 64).

الطويل بلا نفع كما زاده المصنف. قال القاضي (¬1): إن وصفها له بالطول مدح له، قال: لأنّ العرب تمدح الرجال السادات بطول القامة، وفخامة الظاهر، ومنه قول [الآخر] (¬2): طويل النجاد. وفي "القاموس" (¬3): العُشْنُق كقنفذ، التام الحسن، لكن قوله: كقنفذ لم نجد ضبطه إلّا بفتح العين أوله وفتح النون مشددة. وفي "النهاية" (¬4): العشنق هو الطويل الممتد القامة، أرادت أنّ له منظراً بلا مخبر؛ لأنّ الطول في الأغلب دليل السفه، وقيل: هو السيئ الخلق. انتهى. فقول المصنف: الطويل بلا نفع لم أجده وكأنه أخذه من قول "النهاية" (¬5) أنّ له منظراً بلا مخبر، نعم نقل عياض (¬6) عن الأصمعي أنه قال [110 ب] معناه: ليس معه إلاّ طوله فلا نفع، وإن ذكرت ما فيه من المعائب طلّقني. ¬

_ (¬1) في "إكمال المعلم" (7/ 461). (¬2) في "المخطوط" (أ. ب) الآجري، ولعل الصواب ما أثبتناه، ولعله يريد كما قالت الخنساء: (طويل النجاد). انظر: "فتح الباري" (9/ 265)، و"إكمال المعلم" (7/ 461). (¬3) "القاموس المحيط" (ص 1174)، والذي فيه: العُسْنُقُ: التامُ الحُسْن. وقال الفيروز آبادي في "القاموس المحيط" (ص 1174) العشنق: كعَمَلّسٍ وعُلابطٍ: الطويل ليس بضخم ولا مثقل. (¬4) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 210). (¬5) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 210). (¬6) في "إكمال المعلم" (7/ 457) ونقله عن أبي عبيد.

قول الخامسة: "فهد" بكسر الفاء، جعل المصنف كلامها مدحاً لزوجها، وقيل: أنها أرادت الذم، وأنه يثب عليها للجماع كالفهد لغلظ طباعه، وليس عنده ما عند الناس من الملاعبة والمداعبة قبله، أو بالضرب والبطش (¬1). "وإذا أخرج" في الناس كان أمره "أسد" في الجرأة والبطش والإقدام، ولا يتفقد حالها وحال بنيها وما يحتاجونه. ووقع في رواية ابن بكار (¬2) مقلوباً: "إذا دخل أسد، وإذا خرج فهد" فإن صحّ فمعناه إذا خرج إلى الناس كان في غاية الرزانة والوقار وحسن السمت، وإذا دخل منزله كان متفضلاً مواسياً؛ لأنّ الأسد يوصف بأنه إذا افترس أكل من فريسته بعضاً وترك الباقي لمن حوله من الوحوش، ولم يهاوشهم عليها، ولا يرفع اليوم لغد، أي: لا يدخر ما حصل عنده اليوم لأجل غد، كناية عن جوده، وهو يؤيد إرادة المدح. وقوله: "فهد" مشتق من الفهد و"أسد" من الأسد. قول السادسة: "ولا يعلم البث" البث (¬3) في الأصل: شدة الحزن والمرض الشديد، كأنه لشدته يَبُثّهُ (¬4). وقول السابعة: "عياياء أو غياياء" هذا شك من الراوي، قال القاضي (¬5) عياض: الأكثر روايته بغير شك، وسائر الرواة يروونه بالعين المهملة، وأمّا رواية المعجمة فليست ¬

_ (¬1) انظر: "إكمال المعلم" (7/ 458). (¬2) ذكره الحافظ في "الفتح" (9/ 262). (¬3) قال ابن الأثير في "النهاية" (1/ 102) البث في الأصل أشد الحزن والمرض الشديد، بأنه من شدته يَبُثّه صاحبه. (¬4) انظر: "التعليق المتقدمة". (¬5) في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (7/ 460).

بشيء، وردّ هذا القاضي وقال: أنه ظهر له فيه معنى صحيح، وهو أن يكون مأخوذاً من الغياية وهي كلُ ما أظلك (¬1) فوق الرأس من سحاب وغيره ونحو ذلك، ومنه سميت الراية غاية، فكأنه غطّى عليه من جهله، وسترت عليه مصالحه وهو كقوله: "طباقاً" ويمكن أن يكون مأخوذاً من الغي وهو الانهماك في الشر، أو من الغي وهو الخيبة قال تعالى: {فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59)} (¬2) قيل: خيبة، وقيل: غير هذا، أي: أنه خائب من كل فضيلة. قول الثامنة: "ريح زرنب" قال القاضي (¬3) عياض: الزرنب ضرب من الطيب معروف عند العرب، قال: واختلف أصحاب النبات [111 ب] من المتقدمين والمتأخرين في صفته، فقال بعضهم: هي شجرة عظيمة بجبل لبنان بالشام لا تثمر لها ورق طويل بين الخضرة والصفرة تشبه ورق الحلاف، ورائحته كرائحة الأترج، ويستعمل ورقه وقضبانه. وقال أكثرهم (¬4): أنها حشيشة دقيقة طيبة الرائحة. وقال بعضهم: تشبه ورق الطرفاصفرا رائحتها كرائحة الأترج من الأفادية الطيبة، وتشبيهها إياه بريح الزرنب فيه تأويلات: أحدها: أنها أرادت بذلك طيب ثناءه عند الناس وانتشاره. الثاني: أنها أرادت طيب جسده وعطر أردافه (¬5). الثالث: أنها أرادت لين عريكته وحسن صلته، فيكون كالفصل الأول. ¬

_ (¬1) وقد تقدم شرحها. (¬2) سورة مريم الآية: (59). (¬3) انظر: "إكمال المعلم" (7/ 460)، "مشارق الأنوار" (1/ 495). (¬4) ذكره الحافظ في "الفتح" (9/ 265). (¬5) انظر: "المفهم" (6/ 340).

قول العاشرة: "المزهر" (¬1) بكسر الميم فزاي ساكنة فهاء مفتوحة فراء، اسم للعود (¬2) بالعربي، والبربط العجمي، بفتح الموحدتين بينهما راء وآخره طاء مهملة. قول الحادي عشر: "من حلي" الحلي واحد، وهو كل ما يتحلى به من ذهب وفضة وجوهر، والحلي جمع، ويقال: بكسر الحاء وقرئ بهما، والحلي بفتح الحاء واحد الحلي. قوله: "من شحم عضدي" قال أبو عبيد (¬3): لم ترد العضد وحده، وإنما أرادت الجسد لأنّ العضد إذا سمنت سمن سائر الجسد، وقد ألم به المصنف، وألم بتفسير حديث أم زرع، وقد أطال فيه القاضي عياض، ولا حاجة إلى استيفائه. قوله: "كنت لك" و (كان) زائدة، قال القاضي (¬4) عياض كما قال بعضهم (¬5) في قوله: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ} (¬6) أي: أنتم (¬7). قالوا (¬8): ومثله {مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (29)} (¬9) أي: هو في المهد، وقوله: {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا} (¬10) أي: أنت عليها. ¬

_ (¬1) تقدم معناه. (¬2) انظر: "المفهم" (6/ 342)، "فتح الباري" (9/ 266). (¬3) انظر: "المفهم" (6/ 342)، "فتح الباري" (9/ 267). (¬4) تقدم نصه من "إكمال المعلم" (7/ 470). (¬5) سورة آل عمران الآية: 110. (¬6) سورة آل عمران الآية: 110. (¬7) ذكره القرطبي في "المفهم" (6/ 349). (¬8) ذكره الحافظ في "الفتح" (9/ 275). (¬9) سورة مريم الآية: 29. (¬10) سورة البقرة الآية: 143.

قال (¬1): ويحتمل إن كان على بابها ثم يراد بها الاتصال، أي: كنت لك فيما مضى من صحبتي لك وعشرتي إياك كأبي زرع، وأنا كذلك لا أتبدل عنه. وفي الكتاب العزيز: {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (134)} (¬2)، {إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (44)} (¬3)، وهو تعالى كان في الأزل كذلك، وكذلك هو جل اسمه. وقال القاضي (¬4) بعد تمام شرح الحديث: ونحن الآن (¬5) نبين ما اشتمل عليه هذا الحديث [112 ب] من ضروب الفصاحة، وفنون البلاغة، والأبواب الملتفة بالبديع - إلى أن قال -: وبالجملة فكلام هؤلاء النسوة من الكلام الفصيح الألفاظ، الصحيح الأغراض، البليغ العبارة، البديع الكناية، والإشارة الرفيع التشبيه والاستعارة. وبعضهن أبلغ قولاً، وأعلى يداً، وأكثر طولاً، وأمكن قاعدة وأصلاً، وكلام بعضهن أكثر رونقاً وديباجة، وأرق حاشية، وأحلى محاجة، وبعضهن أصدق في الفصاحة لهجة، وأوضح في البيان حجة، وأبلغ في البلاغة والإيجاز حجة. ¬

_ (¬1) القاضي عياض في "إكمال المعلم" (7/ 470). (¬2) سورة النساء الآية: 134. (¬3) سورة الإسراء الآية: 44. سورة فاطر الآية: 41. وقال تعالى: {وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا (51)} [الأحزاب: 51]. (¬4) لم أجده في "إكمال المعلم" (7/ 471). قال القاضي في "الإكمال" قد ألفنا كتاباً في حديث أم زرع قديماً، كتاباً مفرداً كبيراً، وذكرنا فيه جميع زياداته، وبسطنا شرح معانيه واختلاف رواياته وتسمية رواته ولغاته، وخرجنا فيه من مسائل الفقه نحو عشرين مسألة، ومن غريب العربية مثلها، وهو كثير بأيدي الناس. وقد ترجم البخاري عليه: (باب حسن المعاشرة مع الأهل) في "صحيحه" (9/ 254 الباب رقم 82 - مع الفتح". (¬5) لعله في كتابه الذي أشار إليه.

فأنت إذا تأملت كلام أم زرع مع كثرة فصوله، وقلة فضوله، مختار الكلمات، واضح السمات، قَدْ قَدَّرت ألفاظه قيس معانيه، وقررت قواعده، وتشيّدت مبانيه، وجعلت لبعضه في البلاغة موضعاً وأودعته من البديع بدعاً. وإذا لمحت كلام التاسعة صاحبة العماد والنجاد، والرماد ألفيتها لأفانين البلاغة جامعة، ولعلم البيان رافعة، وبعصا الإيجاز والقصر قارعة. واعتبر كلام الأولى فإنه مع صدق تشبيهه, وصقالة وجوهه، قد جمع من حسن الكلام أنواعاً، وكشف عن محيّا البلاغة قناعاً، وقرن بين جزالة اللفظ وحلاوة البديع، وضم تفاريق المناسبة والمقابلة والمطابقة والمجانسة والترتيب والترصيع، فلما صدق تشبيهها، فقد شبهت بخل زوجها، وأنه لا ينال ما عنده مع شراسة أخلاقه، وكبر نفسه، بلحم الجمل الغث على رأس الجبل الوعر، فشبهت (¬1) وعورة خلقه بوعورة الجبل، وبُعد خيره ببعد اللحم على رأسه، والزهد فيما يُرجى منه لقلته وتعذره، بالزهد في لحم الجمل الغث، فأعطت التشبيه حقه، ووفته قسطه، وهذا من تشبيه الجلي بالخفي، والمتوهم بالمحسوس، والحقير بالخطير، وساق في التشبيه آيات قرآنية ثم تكلم على كل عبارة بما يناسبها من البديع، وما فيها من كل معنى غريب، إلاّ أنه أطال لأنه ألّف كتاباً (¬2) مستقلاً في هذا الحديث وشرحه. الخامس: حديث (جابر): 5 - وعن جابر - رضي الله عنه - قال: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَا يَفْرُكُ مُؤمِنٌ مُؤْمِنَةً, إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلْقًا رَضِيَ آخَرَ". أخرجه مسلم (¬3). [صحيح] ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (9/ 259 - 260). (¬2) بعنوان: بغية الرائد لما تضمنه حديث أم زرع من الفوائد. انظر: "كشف الظنون" (5/ 805). (¬3) في "صحيحه" رقم (63/ 1469). وأخرجه أحمد في "المسند" (2/ 329). وهو حديث صحيح.

قوله: "لا يفرك" بالياء والراء، فرك كسمع ونصر، كما في "القاموس" (¬1) [113 ب] بغض، والمراد: أنه لا يكره خلقاً فيبغضها لأجله إلاّ رضي منها خلقاً آخر يمحو الأول، فلا يحصل لها عنده بغض إذا كانا مؤمنين. قوله: "أخرجه مسلم". [السادس] (¬2): "حديث جابر". قوله: "لا يفرك" فرك يفرك كضرب يضرب، أي: لا يبغض مؤمن مؤمنة وبين وجه النفي بقوله: "إن كره منها خلقاً" يبغِّضُها إليه. "رضي منها" خلقاً. "آخر" إذ لا بد للمؤمن من خلق يكره به إلى غيره وخلق يحببه إليه، ولذا يقال: وإذا الحبيبُ أتى بذنب واحدٍ ... جاءت محاسنُه بألف شفيعِ قوله: "أخرجه مسلم". الحديث: [السادس] (¬3) حديث (ابن عمر): 6 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَغْلَبَ لِذِي لُبٍّ مِنْكُنَّ". قَالَتْ امْرَأَة مِنْهُنَّ جَزْلَةٌ: وَمَا نُقْصَانُ العَقْلِ وَالدِّينِ؟ قَالَ: "أَمَّا نُقْصَانُ العَقْلِ: فَإِنَّ شَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ، وَأَمَّا نُقصَانُ الدِّينِ فَإِنَّ إِحْدَاكُنَّ تُفطِرُ رَمَضَانَ وَتُقِيمُ أَيَامًا لاَ تُصَليَّ". أخرجه أبو داود (¬4). [صحيح] ¬

_ (¬1) "القاموس المحيط" (ص 1227) حيث قال: الفِرك بالكسر ويفتح: البغضة عامَّةٌ, كالفروك، والفُركان، أو خاصٌّ ببغضة الزوجين، فرِكها وفركته، كسمع فيهما وكنصَر شاذ، فِركاً وفروكاً، فهي فارك وفروك، ورجل، مفرَّك كمعظَّم: تبغضهُ النساء، ومفرّكةٌ. يبغضها الرجال. (¬2) كذا في "المخطوط" وهو وهم من الشارح فقد أعاد شرح حديث جابر برقم مختلف. (¬3) في "المخطوط": السابع. والصواب ما أثبتناه. (¬4) في "السنن" رقم (4679). =

و"اللُّبُّ" العقل. و"الجَزلة" (¬1) التامة. وقيل: ذات كلام جزْل: أي: قوي شديد. قوله: "ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي لب" عقل، وذلك لأنّ الله تعالى زينها للناس حتى غلبن على ذوي الألباب كما قال تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ} (¬2) فبدأ بهن من بين السبعة المذكورة في الآية. قوله: "من إحداكن" أي: من واحدة منكن، أي: أنّ الواحدة تغلب ذوي العقل، وأنّ كل واحدة أغلب لكل واحد من ذوي الألباب. "قالت امرأة منهن" كأنه - صلى الله عليه وسلم - خاطب جماعة من النساء. قوله: "جزلة" بالجيم مفتوحة والزاي ساكنة يأت تفسيرها. قوله: "وما نقصان العقل والدين؟ " طلبت بيان ما لم تعلمه. "قال: أمّا نقصان العقل فإنّ شهادة امرأتين بشهادة رجل" كما نطق به القرآن فهو دليل على أنه لم يكتف بالواحدة لنقصان العقل، والله تعالى علّل شهادة [الاثنتين] (¬3) بقوله: {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} (¬4) ففي "الكشاف" (¬5): أن تضل، منقول له أي: إرادة أن تضل والمراد بالضلال النسيان، من ضلَّ الطريق إذا لم يهتد له، فهو في قوة إرادة أن تذكر إحداهما الأخرى. ¬

_ = وأخرجه مسلم في "صحيحه" رقم (79)، وابن ماجه رقم (4003). وهو حديث صحيح. (¬1) جزلة: تامة الخلق، ويجوز أن تكون ذات كلام جزل، أي: قوي شديد. (¬2) سورة آل عمران الآية: (14). (¬3) في "المخطوط" الاثنين، والصواب ما أثبتناه. (¬4) سورة البقرة الآية: (283). (¬5) (1/ 513).

هذا خلاصة ما فيه. قلت: ولا ينافي الحديث بيان أنّ نقصان العقل ذلك؛ لأن غلبة النسيان من نقص العقل، ولذا يغلب على من بلغ من الخرف ونحوه، فهو في النساء من أصل الخلقة. قوله: "وأمّا نقصان الدين فإنّ إحداكن تفطر رمضان وتقيم أياماً لا تصلي"، وهي أيام حيضها ونفاسها، فإن قلت: هذا أمر أذن لهن فيه الشارع فكيف يجعل عيباً فيهن؟ قلتُ: هو نقصان [114 ب] من الكمال الذي جعله الله للرجال، وإن كان بإذن الشارع فإنّ الله أذن لمن لم يجد ما يجاهد به من آلة وظهر وورق أن يتخلف عن الخروج للجهاد، والخارج للجهاد أفضل منه، وكذلك من ابتلي بالعمى فنقص في ذاته وفي دينه عن أمور كثيرة أذن الله له بالترك لها والبصير أكمل منه ونحو ذلك. قوله: "أخرجه أبو داود". [السابع] (¬1): حديث أسامة بن زيد: 7 - وعن أسامة بن زيد - رضي الله عنهما - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا ترَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً هِيَ أَضَرُ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ". أخرجه الشيخان (¬2) والترمذي (¬3). [صحيح] قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء". لا ريب أن فتنة النساء للرجال عامة من قبل بعثته - صلى الله عليه وسلم - ومن بعدها، بل من عصر أبي البشر آدم - عليه السلام -، فإنه أول من فتنته (¬4) امرأته حواء كما في أحاديث أكله الشجرة المنهي عنها، ¬

_ (¬1) في "المخطوط" الثامن، والصواب ما أثبتناه. (¬2) أخرجه البخاري رقم (5096)، ومسلم رقم (2740). (¬3) في "السنن" رقم (2780). وهو حديث صحيح. (¬4) بل كان الخطاب والامتحان، والابتلاء لكليهما فالله تعالى ذكره، نهى آدم عليه السلام وزوجته عن أكل شجرة بعينها من أشجار الجنة دون سائر أشجارها فخالفا ما نهاهما الله عنه، فأكلا منها كما وصفهما الله به. =

وكذلك قتل قابيل لأخيه هابيل كان بسبب فتنة النساء كما في الآثار الواردة في ذلك. ولأنّ حب النساء أمر ثابت في القلوب زينه الله للعباد كما صرّحت به الآية، وكل محبوب مجلبة للفتنة وأنزل الله في بيان أحكامهن سورة سميت سورة النساء، وكثر ذكر أحكامهن في سورة البقرة. ويكفيك فتنة (¬1) نسائه - صلى الله عليه وسلم - حتى آلى منهن شهراً، وأنزل الله: {وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ (4)} (¬2) الآية، وفيها ما ترى من الزجر الشديد، وقضايا فتن النساء قضايا واسعة في الكتاب والسنة وغيرهما مما يصدق الحديث النبوي. قوله: "أخرجه الشيخان والترمذي". [الثامن] (¬3): 8 - وعن مُطَرِّف بن عبد الله، وكان له امرأتان فخرج مِنْ عِنْد إِحْدَاهُمَا، فَلمَّا رَجَعَ قالَتْ لَهُ: أتَيْتَ مِنْ عِنْدِ فُلانَة؟ قَالَ: أَتَيْتُ مِنْ عِنْدِ عِمْرَانَ بِنْ حُصَيْنٍ، فَحَدَّثَنَا عَنْ رَسُوْلِ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَنَّ أَقَلَّ سَاكِني الجَنَّة النِسَاءُ". أخرجه مسلم (¬4). [صحيح] ¬

_ = قال تعالى: {يَاآدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (35) فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ} [البقرة: 35، 36]. انظر: "جامع البيان" (1/ 560 - 566). "تفسير ابن كثير" (1/ 364 - 365). (¬1) تقدم توضيحه. (¬2) سورة التحريم الآية: 4. (¬3) في "المخطوط" التاسع، والصواب ما أثبتناه. (¬4) في "صحيحه" رقم (2738). وهو حديث صحيح.

حديث (مطرف بن عبد الله (¬1)) هو تابعي جليل. قوله: "إنّ أقل ساكني الجنة النساء" وأخرج أحمد (¬2) ومسلم (¬3) من حديث ابن عباس مرفوعاً: "اطّلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء، واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء". وأخرجه البخاري (¬4) والترمذي (¬5) عن عمران بن حصين. قوله: "أخرجه مسلم". [التاسع] (¬6): حديث أبي سعيد: 9 - وعن أبي سعيد - رضي الله عنه - قال: قَالَ رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الأَمَانَةِ عِنْدَ الله يَوْمَ القِيَامَةِ الرَّجُلَ يُفْضِي إِلَى امْرَأَتِهِ وَالمَرْأَةُ تُفْضِي إلى زَوْجِهَا، ثُمَّ يَنْشُرُ أَحَدُهُمَا سِرَّ صَاحِبِهِ" أخرجه مسلم (¬7) وأبو داود (¬8) [إسناده ضعيف] ¬

_ (¬1) انظر: "التقريب" (2/ 253 رقم 1171). (¬2) في "المسند" (1/ 234). (¬3) في "صحيحه" رقم (2737). وعلقه البخاري رقم (6649) عن حماد, ووصله النسائي في "الكبرى" رقم (9262)، و (9263)، و (9264)، والبيهقي في "البعث والنشور" رقم (195)، وهناد في "الزهد" رقم (246، 604)، وعبد بن حميد رقم (69)، والآجري في "الشريعة" (ص 390)، والطبراني في "الكبير" رقم (12765، 12766، 2769). من طرق وهو حديث صحيح. (¬4) في "صحيحه" رقم (3241) وأطرافه في (5198، 6449، 6546). (¬5) في "السنن" رقم (2603). وهو حديث صحيح. (¬6) في "المخطوط": العاشر، والصواب ما أثبتناه. (¬7) في "صحيحه" رقم (123، 124/ 1437). (¬8) في "السنن" رقم (4870). =

قوله: "إنّ من أعظم الأمانة عند الله يوم القيامة" أي: من أعظم ما يعاقب عليه من الأمانات ويأتي بيانها. قوله: "الرجل يفضي إلى امرأته" مأخوذ من قوله تعالى: {وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ} (¬1). "والمرأة تفضي إلى زوجها" وبيان الأمانة. قوله: "ثم [115 ب] ينشر أحدهما" أو كل منهما بالأولى. ¬

_ = وأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (4/ 391)، وابن السني في "عمل اليوم والليلة" رقم (619)، وأبو نعيم في "الحلية" (10/ 236)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (7/ 193 - 194)، وفي "الشعب" رقم (5231)، وأبو داود رقم (4870) من طرق. قال المحدث الألباني - رحمه الله - في "آداب الزفاف" (ص 142 - 143): (إن هذا الحديث مع كونه في "صحيح مسلم"؛ فإنه ضعيف من قبل سنده؛ لأن فيه: (عمر بن حمزة العمري) وهو ضعيف؛ كما قال في "التقريب" رقم (4884). وقال الذهبي في "الميزان" (3/ 192): (ضعفه يحيى بن معين، والنسائي، وقال أحمد: أحاديثه مناكير). ثم ساق له الذهبي هذا الحديث، وقال: (فهذا مما استنكر لعمر). قلت: ويستنتج من هذه الأقوال لهؤلاء الأئمة أن الحديث ضعيف ليس بصحيح، وتوسط ابن القطان - في "بيان الوهم والإيهام" (4/ 450 - 451 رقم 2021) - فقال: كما في "الفيض": (وعمر ضعفه ابن معين، وقال أحمد: أحاديثه مناكير. فالحديث به حسن لا صحيح). قلت: لا أدري كيف حكم بحسنه مع التضعيف الذي حكاه هو نفسه؟ فلعله أخذ بهيبة "الصحيح"!. ولم أجد حتى الآن ما أشد به عضد هذا الحديث ... والله أعلم). اهـ. (¬1) سورة النساء الآية: 21. قال الراغب في مفرداته (ص 639): أفضى إلى امرأته: في "الكناية" أبلغ، وأقرب إلى التصريح من قولهم: خلا بها.

"سر صاحبه" أي: ما يقع بينهما من ذلك، فإنه قبيح شرعاً كما أنه قبيح عقلاً وعرفاً. قوله: "أخرجه مسلم وأبو داود". الحَادِي عَشَر (¬1): حديث (عائشة - رضي الله عنها -): 10 - وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال لي رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنِّي لأَعْلَمُ إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً، وإِذَا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى". فَقُلْتُ: مِنْ أَيْنَ تَعْرِفُ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: "إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً فَإِنَّكِ تَقُولِينَ: لاَ وَرَبِّ مُحَمَّدٍ، وإِذَا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى قُلْتِ: لاَ وَرَبِّ إِبْرَاهِيمَ". قُلْتُ: أَجَلْ يَا رَسُولَ الله، وَالله مَا أَهْجُرُ إِلاَّ اسْمَكَ. أخرجه الشيخان (¬2). قوله: "وإذا كنت عليَّ غضبى" فيه يغتفر للمرأة غضبها على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قوله: "تقولين: لا ورب محمد" فيأخذ من ذكرها اسمه - صلى الله عليه وسلم - رضاها عنه، ويأخذ (¬3) من طي اسمه غضبها. قوله: "والله ما أهجر (¬4) إلاّ اسمك" هذا جواب في نهاية الحسن، وإخبارٌ بأنّ غضبها لا يفضي بها إلى شيء يكرهه - صلى الله عليه وسلم -، وإنما تهجر لفظ اسمه قوله: "أخرجه الشيخان". ¬

_ (¬1) في "المخطوط" الحادي عشر، والصواب ما أثبتناه. (¬2) البخاري في "صحيحه" رقم (5228، 6078)، ومسلم رقم (2439). (¬3) قال ابن حجر في "فتح الباري" (9/ 326) يؤخذ منه استقراء الرجل حال المرأة من فعلها وقولها فيما يتعلق بالميل إليه وعدمه، والحكم بما تقتضيه القرائن في ذلك؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - جزم برضا عائشة وغضبها بمجرد ذكرها لاسمه وسكوتها، فبنى على تغير الحالتين من الذكر والسكوت تغير الحالتين من الرضا والغضب. (¬4) قال الطيبي في "شرحه على مشكاة المصابيح"، (6/ 343 - 344): هذا الحصر غاية من اللطف في الجواب؛ لأنها أخبرت أنها إذا كانت في غاية من الغضب الذي يسلب العاقل اختيار، لا يغيرها عن كمال المحبة المستغرقة ظاهرها وباطنها الممتزجة بروحها، وإنما عبرت عن الترك بالهجران، ليدل بها على أنها تتألم من هذا الترك الذي لا اختيار لها فيه. وأنشد أو هو كما قيل: =

الفصل الثالث: في آداب الصحبة

الفصل الثالث: في آداب الصحبة أي الفصل الثالث من فصول الصحبة. (آداب الصحبة)، الصحبة والصحابة مصدران، بمعنى وهو المصاحبة أيضاً. الأول: حديث أبي هريرة: 1 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكذَبُ الحَدِيثِ، وَلاَ تَجسَّسُوا، وَلاَ تَحَسَّسُوا، وَلَا تَنَافَسُوا، وَلاَ تَحَاسَدُوا، وَلاَ تَبَاغَضُوا، وَلاَ تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ الله إِخْوَانًا كَما أمَرَكمُ الله تعالى: المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ، لاَ يَظْلِمُهُ، وَلاَ يَخْذُلُهُ، وَلاَ يَحْقِرُهُ. بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ المُسْلِمَ، كُلُّ المُسْلِمِ عَلَى المُسْلِمِ حَرَامٌ: مَالُهُ وَدَمُهُ وَعِرْضُهُ. إِنَّ الله لاَ يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَجْسَادِكُم، وَلكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ. التَّقْوَى هَا هُنَا، التَّقْوَى هَا هُنَا التَّقْوَى هَا هُنَا، وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ. أَلَا لَا يَبعْ بَعْضُكُم عَلى بَيع بَعْضٍ، وَكُونُوا عِبَادَ الله إِخْوَاناً. وَلاَ يَحِلُ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرُ أَخَاهُ فَوْقُ ثَلاثٍ". أخرجه الستة (¬1) إلا النسائي، وهذا لفظ مسلم. [صحيح] ¬

_ = إني لأمنحك الصدود وإنني ... قسماً إليك مع الصدود لأميلُ وقال الحافظ في "الفتح" (9/ 326)، وفي اختيار عائشة ذكر إبراهيم عليه الصلاة والسلام، دون غيره من الأنبياء دلالة عن مزيد فطنتها؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أولى الناس به كما نص عليه القرآن، فلما لم يكن لها بد من هجر الاسم الشريف أبدلته بمن هو منه بسبيل حتى لا تخرج عن دائرة التعلق بالجملة. (¬1) أخرجه البخاري رقم (5143، 6064)، (6066، 6724)، ومسلم رقم (28/ 2563)، وأبو داود رقم (4917)، ومالك في "الموطأ" (2/ 907، 908)، والترمذي رقم (1928). قلت: وأخرجه أحمد (2/ 465، 517)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (6/ 85)، (8/ 333)، (10/ 231)، والبغوى في "شرح السنة" رقم (3533). وهو حديث صحيح.

"التجسس" (¬1) بالجيم: البحث عن عورات النساء، وبالحاء: استماع الحديث. و"التدابر" (¬2) التقاطع والتهاجر. قال: "قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إياكم والظن" تحذير من العمل، بدلاً منه نفسه؛ لأنه ينجم على النفس بغير اختيار كما في حديث أبي هريرة عند ابن عدي (¬3): "إذا حسدتم فلا تبغوا، وإذا ظننتم فلا تحققوا ... " الحديث، فالنهي متوجه إلى العمل بالظن. قال سفيان الثوري (¬4): الظن ظنان: ظن هو إثم وهو أن يظن فيتكلم به، وظن ليس كذلك وهو أن يظن فلا يتكلم به. وقال النووي في "شرح مسلم" (¬5): المراد: النهي عن سوء الظن. وقال الخطابي (¬6): هو تحقيق الظن وتصديقه دون ما يهجس في النفس، فإنّ ذلك لا يملك. ¬

_ (¬1) قال الحافظ في "الفتح" (10/ 481) قوله: (ولا تجسسوا) وذلك أن الشخص لا يقع له خاطر التهمة فيريد أن يتحقق فيتجسس ويبحث ويستمع، فنهي عن ذلك. وهذا الحديث يوافق قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} [الحجرات: 12]. (¬2) انظر: "القاموس المحيط" (ص 499). (¬3) في "الكامل" (4/ 313) في ترجمة عبد الرحمن بن سعد بن عمار بن سعد مؤذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ط: دار الفكر. وأخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" (10/ 403 رقم 19504) عن معمر عن إسماعيل بن أمية، عن النبي: "ثلاث لا يسلم منهم أحدٌ: الطيرة، والظن، والحسد، قيل: فما المخرج منها يا رسول الله؟ قال: إذا تطيرت فلا ترجع، وإذا ظننت فلا تحقق، وإذا حسدت فلا تبغ". قال ابن حجر في "الفتح" (10/ 213): وهذا مرسل أو معضل، ثم ذكر له شواهد، أظنها لا ترفع من قوته. (¬4) ذكره القاضي عياض في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (8/ 29). (¬5) (16/ 119). (¬6) في "غريب الحديث" له (1/ 19). وانظر: "النهاية" (2/ 145).

ومراد الخطابي: أنّ المحرم من الظن ما يصر صاحبه عليه ويستمر في قلبه دون ما يعرضَّ في القلب ولا يستقر، فهذا لا تكليف به، انتهى. قلت: لا ريب أنّ الله تعالى قد تعبد بالظن والعمل به والمراد به ما ثبت له إمارة يصير بها أحد الطرفين راجحاً، وقد يطلق الظن على الشك، ولعله المراد في الحديث، فإنّ ظنون المجتهدين معلوم تعبد العباد بها. قوله: "ولا تجسسوا" بالجيم، الفحص عن أخبار غيرك، والتحسس بالمهملة أن تستمع الأخبار بنفسك، ذكره السهيلي. وفي "النهاية" (¬1): "التجسس" بالجيم: البحث عن العورات، وبالحاء: الاستماع، وبه فسره المصنف كما يأتي. وفي "النهاية" (¬2): أنه بالجيم: التفتيش عن بواطن الأمور، وأكثر ما يقال في الشر، والجاسوس [116 ب] صاحب سر الشر، والناموس صاحب سر الخير. والنهي عنه (¬3)؛ لأنّ الشخص يتبع به خاطر التهمة، فيريد أن يتحقق فيتجسس ويبحث ويتسمع فنهى عن ذلك، وقد قال تعالى: {وَلَا تَجَسَّسُوا} (¬4). قوله: "ولا تنافسوا" المنافسة على الشيء المغالبة عليه. ¬

_ (¬1) (1/ 266) حيث قال: التجسس بالجيم: التفتيش عن بواطن الأمور، وأكثر ما يقال في الشر. (¬2) (1/ 266). (¬3) قاله الحافظ في "الفتح" (10/ 481). (¬4) سورة الحجرات الآية: (12).

"ولا تحاسدوا" ولا يحسد (¬1) بعضكم بعضاً، وهو تمني زوال النعمة عن أخيه وانقلابها إليه. "ولا تباغضوا" أي: لا يبغض بعضكم بعضاً، والمراد: لا تعاطوا (¬2) أسباب البغض؛ لأنّ البغض لا يكتسب ابتداءً، وهو نهي عن الحسد وعن البغضاء سواء كانت من جانب، أو من الجانبين. وقوله: "ولا تدابروا" قال المازري (¬3): التدابر المعاداة، وقيل: أنه كناية عن الاختلاف والافتراق. وقال مالك في "الموطأ" (¬4): التدابر: الإعراض عن أخيك المسلم فتدبر عنه بوجهك. قوله: "وكونوا عباد الله" منادى. "إخواناً كما أمركم الله" أعواناً، فإنه قال: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} (¬5)، وهذا وإن كان خبراً فإنه يتضمن الأمر به. ¬

_ (¬1) الحسد تمني الشخص زوال النعمة عن مستحق لها أعم من أن يسعى في ذلك أولا، فإن سعى كان باغياً، وإن لم يسع في ذلك ولا أظهره ولا تسبب في تأكيد أسباب الكراهة التي نهى المسلم عنها في حق نظر، فإن كان المانع له من ذلك العجز بحيث لو تمكن لفعل فهذا مأزور. وإن كان المانع له من ذلك التقوى فقد يعذر؛ لأنه لا يستطيع دفع الخواطر النفسانية، فيكفيه في مجاهدتها أن لا يعمل بها ولا يعزم على العمل بها. (¬2) ذكره الحافظ في "الفتح" (10/ 483). (¬3) في "المعلم بفوائد مسلم" (3/ 163) حيث قال: والتدابر: المعادة. يقال: دابرت الرجل عاديته، وقيل معناه: لا تقاطعوا ولا تهاجروا؛ لأن المتهاجرين إذا ولى أحدهما عن صاحبه فقد ولاّه دبره. (¬4) (2/ 907 - 908). (¬5) سورة الحجرات الآية: 10.

وقيل: كما أمركم الله هذه الأوامر المقدم ذكرها، فإنها جامعة (¬1) لمعاني الإخوة، ونسبتها إلى الله سبحانه؛ لأنّ الرسول بلّغنا عنه تعالى. وقوله: "إخوانًا" قال القرطبي (¬2): أي: كونوا كإخوان النسب في الشفقة والمحبة والرحمة والمعاونة والصحبة. قوله: "المسلم أخو المسلم" جمع بينهم الدين فصاروا إخوة به. "لا يظلمه ولا يخذله" بل ينصره ظالماً أو مظلوماً لحديث: "انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً" (¬3). "ولا يحقره" من الاحتقار يقال: حقره كضرب وكرم، وهو الإذلال كما في "القاموس" (¬4). قوله: "بحسب امرئٍ من الشر أن يحقر أخاه المسلم" أي: يكفيه من الشر إذلاله أخاه، والمراد من الشر في دينه، ثم أتى بأعمَّ من كل ذلك فقال: "كل المسلم على المسلم حرام: ماله، ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (10/ 483). قال ابن عبد البر: تضمن الحديث تحريم بعض المسلم والإعراض عنه، وقطيعته بعد صحبته بغير ذنب شرعي، والحسد له على ما أنعم به عليه، وأن يعامله معاملة الأخ النسيب، وأن لا ينقب عن معايبه، ولا فرق في ذلك بين الحاضر والغائب، وقد يشترك الميت مع الحي في كثير من ذلك. (¬2) في "المفهم" (6/ 536). (¬3) أخرجه البخاري رقم (2443)، (2444)، وأحمد (3/ 201)، والترمذي رقم (2255)، وأبو يعلى رقم (3838)، والطبراني في "الصغير" رقم (576)، والقضاعي في "الشهاب" رقم (646)، والبيهقي (6/ 94)، و (10/ 90)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (3516)، وأبو نعيم في "الحلية" (10/ 405). وهو حديث صحيح. (¬4) "القاموس المحيط" (ص 484).

ودمه، وعرضه"، وهذه الثلاثة هي التي خطب بها النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع وتحريمها من ضرورة الدين. قوله: "إنّ الله لا ينظر إلى صوركم وأجسادكم" للإثابة والعقاب. "ولكن ينظر إلى قلوبكم" فإنّ جميع ما تقدم النهي عنه من أفعال القلوب الظن وما ذكر معه. "التقوى هاهُنا، التقوى هاهُنا، التقوى هاهُنا" [117 ب] كرّرها ثلاثاً. "ويشير إلى صدره" وهو محل القلب، أي: التقوى حقيقة إنما هي في القلب، فهو الذي يرجو الله فيأتي بالطاعات، وهو الذي يخشاه، فيتجنب المقبحات، وهيئة التقوى الإتيان بالطاعات واجتناب المقبحات (¬1). قوله: "ألا لا يبع بعضكم على بيع بعض" قالوا: مثاله أن يقول الرجل لمن يشتري شيئاً في مدة الخيار: أفسخ هذا البيع، وأنا أبيعك مثله بأرخص من ثمنه، أو أجود منه بثمنه، أو نحو ذلك، فإنّ هذا حرام، ويحرم أيضاً الشراء على شراء أخيه، وهو أن يقول للبائع في مدة الخيار: افسخ البيع وأنا اشتريه منك بأكثر من هذا الثمن، ونحو ذلك. قال ابن عبد البر (¬2): تضمن الحديث تحريم بغض المسلم والإعراض عنه وقطيعته بعد صحبته بغير ذنب شرعي والحسد له بما أنعم الله عليه به، وأن يعامل معاملة الأخ من النسب، وأن لا ينقب عن معائبه، ولا فرق في ذلك بين الحاضر والغائب، وقد يشترك الميت مع الحي في كثير من ذلك. انتهى. ¬

_ (¬1) انظر: "المفهم" (6/ 537)، "فتح الباري" (10/ 483 - 484). (¬2) في "التمهيد" (15/ 78 - 79).

قوله: "ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث" عقد البخاري (¬1) لهذا باباً فقال: باب الهجرة وهي بكسر الهاء وسكون الجيم، ترك مكالمة الآخر إذا التقيا. قال النووي (¬2): قال العلماء: تحرم الهجرة بين المسلمين أكثر من ثلاث ليال بالنص، وتباح في الثلاث بالمفهوم، وإنما عفى عنه في ذلك؛ لأنّ الآدمي مجبول على الغضب فسُومح بذلك القدر ليرجع ويزول ذلك العارض، وزاد في رواية البخاري: "يلتقيان فيعرض هذا وبعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام". وفي رواية أحمد (¬3) وهي للبخاري في "الأدب" (¬4): "فإنهما ناكبان عن الحق، وأولهما فياءً يكون سبقه كفارة". وفي أخرى (¬5): "فإن ماتا على صرامهما لم يدخلا الجنة جميعاً". قال أكثر العلماء (¬6): تزول الهجرة بمجرد السلام وردّه. وقال أحمد (¬7): لا تبرأ إلاّ بعوده إلى الحال الذي كان عليها أولاً، وقال أيضاً: ترك الكلام إن كان يؤذيه لم تنقطع الهجرة بالسلام. ¬

_ (¬1) في "صحيحه" (10/ 491 الباب رقم 62 - مع الفتح). (¬2) في "شرحه لصحيح مسلم" (16/ 117). (¬3) في "المسند" (4/ 20). (¬4) رقم (402). وهو حديث صحيح لغيره. (¬5) أخرجها أحمد (4/ 20) وهو حديث صحيح لغيره. (¬6) انظر: "التمهيد" (15/ 79). (¬7) ذكره ابن عبد البر في "التمهيد" (15/ 79 - 80). وانظر: "الاستذكار" (26/ 154).

وقال عياض (¬1): إذا اعتزل كلامه لا تقبل شهادته عليه عندنا، ولو سلّم عليه واستدل بالحديث على أنّ من أعرض عن أخيه المسلم، وامتنع عن مكالمته، والسلام عليه، أنه آثم بذلك؛ لأنّ [118 ب] نفي الحل يثبت التحريم، ومرتكب الحرام آثم. قال ابن عبد البر (¬2): أجمعوا على أنه لا يجوز الهجران فوق ثلاثٍ إلاّ لمن خاف من مكالمته أن يفسد عليه دينه، أو يدخل على نفسه أو ماله مضرة، فإن كان ذلك جاز، وربَّ هجر جميل خير من مخالطة مؤذية، وأمّا زيارة الأخ أخاه فقد ورد: "زرغبًّا تزدد حبًّا" (¬3). ¬

_ (¬1) في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (8/ 26 - 27). (¬2) انظر: "التمهيد" (15/ 69 - 70)، (26/ 145 - 146). (¬3) أخرجه البيهقي في "الشعب" رقم (8015، 8016)، والبزار في "مسنده" رقم (1922، 1923 - كشف) وقال: لا يعلم في (زرغباً تزدد حباً) حديث صحيح، وأبو الشيخ في "الأمثال" رقم (15)، وابن أبي الدنيا في "الإخوان" رقم (104)، وأبو نعيم في "الحلية" (3/ 322)، وفي "أخبار أصفهان" (2/ 185)، والخطابي في "العزلة" رقم (110)، والعقيلي في "الضعفاء" (2/ 255) (4/ 192)، وابن عدي في "الكامل" (4/ 108)، والقضاعي في "مسند الشهاب" (1/ 367)، والطبراني في "الأوسط" رقم (1754)، وابن الجوزي في "العلل المتناهية" (2/ 740) بإسناد ضعيف جداً علته طلحة بن عمرو الحضرمي متروك، إلا أنه لم ينفرد في رواية الحديث عن عطاء، عن أبي هريرة إذ تابعه عشرة، نذكر منهم: 1) يحيى بن أبي سليمان عن عطاء به. أخرجه الخطيب في "تاريخ بغداد" (14/ 108) وفي "الموضح لأوهام الجمع والتفريق" (1/ 520)، والبيهقي في "الشعب" رقم (8016). يحيى بن أبي سليمان المديني أبو صالح البغدادي، لين الحديث من السادسة وقال أبو حاتم، ليس بالقوي، مضطرب الحديث، يكتب حديثه، وقال البخاري: منكر الحديث. انظر: "الجرح والتعديل" (9/ 154)، "الميزان" (4/ 383). 2) ابن جريج، عن عطاء به. =

قال الحافظ ابن حجر (¬1): أنه قد ورد من طرق أكثرها غرائب لا يخلو واحد منها عن مقال، قال: وقد جمع طرقه أبو نعيم (¬2) وغيره، وذكر من روى عنه من الصحابة، وقال: أنه قد جمع طرقه في جزء، ثم قال: وجزم أبو عبيد (¬3) بأنه من كلام العرب. ¬

_ = أخرجه العقيلي في "الضعفاء" (4/ 192)، وابن حبان في "الثقات" (9/ 172)، ومدار أسانيدهما على ابن جريج، وقد عنعن وهو مدلس. 3) يزيد بن عبد الله القرشي، عن عطاء. أخرجه ابن عدي في "الكامل" (2/ 15) وفي سنده بشر بن عبيد الدارسي، قال الذهبي في "الميزان" (1/ 320): كذبه الأزدي. وقال ابن عدي: منكر الحديث عن الأئمة، بين الضعف جداً. 4) محمد بن عبد الملك, عن عطاء، به. أخرجه ابن عدي في "الكامل" (6/ 159)، ومحمد بن عبد الملك، قال أحمد: كان أعمى يضع الحديث ويكذب كما في "الميزان" (3/ 691). انظر: تخريجه: مفصلاً، شواهده وطرق، في "التنوير شرح الجامع الصغير" بتحقيقي، ط: ابن الجوزي الدمام. قاله ابن حبان في "روضة العقلاء" (ص 116) وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبار كثيرة تصرح بنفي الإكثار من الزيارة حيث يقول: (زر غباً تزدد حباً) إلا أنه لا يصح منها خبر من جهة النقل، فتنكبنا عن ذكرها وإخراجها في "الكتاب". وقال السخاوي في "المقاصد الحسنة" (ص 243): أفرد أبو نعيم طرقه ثم شيخنا - ابن حجر - في "الإنارة" بطرق غب الزيارة، وبمجموعها يتقوى الحديث، وإن قال البزار: إنه ليس فيه حديث صحيح، فهو لا ينافيه ما قلناه. وقال ابن الجوزي في "العلل المتناهية" (2/ 729): هذه الأحاديث ليس فيها ما يثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (¬1) في "الفتح" (10/ 498). (¬2) ذكره السخاوي "المقاصد الحسنة" (ص 243). (¬3) في "الأمثال" كما ذكره الحافظ في "الفتح" (10/ 499).

قال (¬1): وكان هذا الكلام شائعاً في المتقدمين، فروينا في فوائد أبي محمد بن السقا قال: انشدوا لهلال بن العلاء: الله يعلم أنني ... لك أخلص الثقلين [وداً] (¬2) لكن لقول نبينا ... زوروا على الأيام غبًّا وبقوله من زار غبًّا ... منكم يزداد حبًّا قلت (¬3): وكان يمكنه أن يوجز فيقول: لكن لقول نبينا ... من زار غباً زاد حبًّا قال (¬4): وقد أنشدونا لأبي محمد بن هارون: أقل زيارة الإخوا ... ن تزدد عندهم حبًّا فإن المصطفى قد قا ... ل زر غباً تزد حبًّا قلت: والبخاري عقد باباً في "صحيحه" (¬5) بلفظ: هل يزور صاحبه بكرة أو عشياً؟ وقال ابن حجر (¬6): وكأن البخاري رمز بالترجمة إلى توهين الحديث المشهور: "زر غباً تزدد حباً"، انتهى. وأنشد الحريري في "مقاماته": ¬

_ (¬1) أي: ابن حجر في "الفتح" (10/ 499). (¬2) كذا في "المخطوط" والذي في "الفتح" (قلباً). (¬3) أي: الحافظ في "الفتح" (10/ 499). (¬4) أي: الحافظ في "الفتح" (499). (¬5) (10/ 498 الباب رقم 64 - مع الفتح). (¬6) في "فتح الباري" (10/ 498).

لا تزر من تحب في كل شهر ... غير يوم ولا تزده عليه فاجتلاء الهلال في الشهر يوم ... ثم لا تنظر العيون إليه ونقيضه من قال: إذا حققت من خل وداداً ... فزره ولا تخف منه ملالاً وكن كالشمس تطلع كل يوم ... ولا تك في زيارته هلالاً قوله: "أخرجه الستة وهذا لفظ مسلم". قلت: وهو مقطع في البخاري في أبواب. الثاني: حديث (أبي هريرة). 2 - وعنه - رضي الله عنه - قال: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "حَقُّ المُسْلِمِ عَلَى المُسْلِمِ خَمْسٌ: رَدُّ السَّلاَمِ، وَعِيَادَةُ المَرِيضِ، وَاتَّبَاعُ الجَنَازَة، وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ، وَتَشْمِيتُ العَاطِس". أخرجه الخمسة (¬1). [صحيح] وزاد مسلم (¬2) في رواية: "وإذا دَعَاكَ فأَجِبْهُ, وَإذَا استنْصَحَك فانْصَحْ لَهُ". قوله: "حق المسلم على المسلم [119 ب] خمس" أي: الذي يجب للمسلم على أخيه المسلم خمس، بيّنها بقوله: "رد السلام" يحتمل رده عليه إن سلم، فهو واجب أو تسليمه عليه ابتداء، ويقولون (¬3): هو سنة. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (1240)، ومسلم رقم (4/ 2162)، وأبو داود رقم (5030)، والترمذي رقم (2737)، والنسائي رقم (1938)، وأخرجه أحمد (2/ 540). وهو حديث صحيح. (¬2) في "صحيحه" رقم (5/ 2162). (¬3) نقل ابن عبد البر الإجماع على أن ابتداء السلام سنة، وأن رده فرض. =

"وعيادة المريض" (¬1) أي: عيادته إياه إذا كان مريضاً. "واتباع الجنازة" تشييعها، أي: جنازته، وهذا حق له بعد موته. "وإجابة الدعوة" إن دعاه لطعام. "وتشميت العاطس" يروي بالسين المهملة، وبالمعجمة أي: الدعاء له إذا عطس وحمد الله كما قيدته الأحاديث بذلك، وقد أطلنا في شرح الحديث في الجزء الثاني من "سبل السلام" (¬2). قوله: "أخرجه الخمسة" وفي كتاب "العزلة" (¬3) للإمام محمد بن إبراهيم الوزير، وهذه الخمس اتفق على روايتها أمير المؤمنين علي - عليه السلام -، وأبو هريرة، والبراء بن عازب. قوله: "وزاد مسلم (¬4) في رواية" أي: عن أبي هريرة. "وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له" قال ابن الأثير (¬5): ولمسلم "حق المسلم على المسلم ست، قيل: ما هنَّ يا رسول الله؟! قال: إذا لقيته فسلم عليه, وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد الله فشمته، وإذا مرض فعده، وإذا مات فاتبعه". ¬

_ = "التمهيد" لما في "الموطأ" من المعاني والأسانيد (16/ 94). وانظر: "المجموع شرح المهذب" (4/ 468). (¬1) وقد جزم البخاري بوجوبها فقال: في "صحيحه" (10/ 112 رقم الباب 4 - مع الفتح) باب وجوب عيادة المريض. وقال الجمهور بالندب، وقد تصل إلى الوجوب في حق بعض دون بعض "المغني" لابن قدامة (3/ 361). ونقل النووي في "المجموع شرح المهذب" (5/ 103) الإجماع على عدم الوجوب، وانظر: "شرح صحيح مسلم" للنووي (16/ 124). (¬2) (8/ 134 - 136) بتحقيقي ط ابن الجوزي الدمام. (¬3) وقد أعاننا الله على تحقيقه، ط: الجيل: ناشرون - صنعاء. (¬4) في "صحيحه" رقم (5/ 2162). (¬5) (6/ 527).

وفي حديث البراء عند الشيخين (¬1) والترمذي (¬2) والنسائي (¬3): "أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسبع - ثم عدّها -: أمرنا بعيادة المرضى، واتباع الجنازة، وتشميت العاطس، وإبرار المقسم أو القسم، ونصر المظلوم، وإجابة الدَّاعي، وإفشاء السلام". وزاد الترمذي (¬4) في حديث علي - عليه السلام -: "ويحب له ما يحب لنفسه". الثالث: حديث (أبي موسى): 3 - وعن أبي موسى - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَطْعِمُوا الجَائِعَ، وَعُودُوا المَرِيضَ، وَفُكُّوا العَانِيَ". أخرجه البخاري (¬5) وأبو داود (¬6). [صحيح] "العانِي": الأسِيرُ. قوله: "أطعموا الجائع" فإنه يجب سدُّ رمقه، والزيادة عليه فضيلة، لا فريضة. قوله: "وعودوا المريض" عام لكل مريض معروف، من أي مرض. "وفكوا العاني" فسّره المصنف بالأسير، وهذه فروض كفاية (¬7). قوله: "أخرجه البخاري وأبو داود". الرابع: حديث (أبي ذر). ¬

_ (¬1) البخاري في "صحيحه" رقم (1239)، ومسلم في "صحيحه" رقم (3/ 2066). (¬2) في "السنن" رقم (2809). (¬3) في "السنن" رقم (1939). وهو حديث صحيح. (¬4) في "السنن" (2736) وهو حديث ضعيف. وأخرجه أحمد (1/ 89)، والدارمي (2/ 275 - 276)، وابن ماجه رقم (1433). (¬5) في "صحيحه" رقم (3046). (¬6) في "السنن" رقم (3105). (¬7) انظر: "المغني" لابن قدامة (13/ 354).

4 - وعن أبي ذرّ - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "يَا أَبَا ذَرٍّ! لاَ تَحْقِرَنَّ مِنَ المَعْرُوفِ شَيْئًا وَلَو أنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ. وإذَا اشْتريتَ لحَمًا أوْ طَبخْتَ قِدْرًا فَأَكْثِرْ مَرَقَتَهُ وَاغْرِفْ لجِارِكَ مِنْهُ". أخرجه الترمذي (¬1). [صحيح] قوله: "يا أبا ذر" لفظ ابن الأثير (¬2): قال: "قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا يحقرن أحدكم شيئاً من المعروف"، وليس نداء [120 ب] إلى أبي ذر. قوله: "ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق". لفظه في "الجامع" (¬3) بعد قوله: "شيئاً، فإن لم تجد فلتلق أخاك بوجه طلق"، وقد اختلف فيه لفظ المصنف ولفظ ابن الأثير كما ترى. قوله: "وإذا طبخت [مرقاً فأكثر ماءها] (¬4) واغرف لجارك منه" هذا إحسان إلى الجار ولكنه قد طمسه عرف الناس. قوله: "أخرجه الترمذي". قلت: لفظه فيه: "عن أبي ذر [قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -] (¬5): لا يحقرن أحدكم شيئاً من المعروف وإن لم يجد فليلقَ أخاه بوجه طليقٍ، وإذا اشتريت لحمًا أو طبخت قدراً فأكثر مرقته واغرف لجارك منه". قال (¬6): هذا حديث حسن صحيح. انتهى. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (1833). وأخرجه مسلم في "صحيحه" رقسم (2625، 2626). (¬2) في "الجامع" (6/ 531). (¬3) (6/ 531). (¬4) هكذا في (ب)، وهذه اللفظة لم يأت بها صاحب التيسير كما ذكر الشارح، وإنما أورد صاحب التيسير اللفظة كما هي في سنن الترمذي. (¬5) سقطت من (أ. ب). (¬6) في "السنن" (4/ 275).

الفصل الرابع: في آداب المجلس

وابن الأثير (¬1) أتى بلفظه هذا، والمصنف زاد فيه: "يا أبا ذر لا يحقرن" وهو بلفظ: "لا يحقرن أحدكم" وحذف منه "فإن لم يجد" وحوّله إلى "ولو أن تلقى أخاك"، وقال: "طلق" وهو "طليق" وقال: "إذا طبخت مرقاً فأكثر ماءها". ولفظ الترمذي (¬2) والجامع (¬3): "إذا اشتريت لحماً أو طبخت مرقاً فأكثر مرقته". فلا أدري كيف يقع مثل هذا للمصنف؟!. الفصل الرابع: في آداب المجلس قوله: "الرابع" أي: الفصل الرابع من فصول آداب الصحبة. الأول: حديث (أبي سعيد الخدري): 1 - عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِيَّاكُمْ وَالجُلُوسَ في الطُّرُقَاتِ". قَالُوا: يَا رَسُولَ الله: مَا لَنَا بُدٌّ مِنْ مَجَالِسِنَا، نَتَحَدَّثُ فِيهَا. فَقَالَ: "إِذَا أَبَيْتُمْ إِلاَّ المَجْلِسَ فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ". قَالُوا: وَمَا حَقُّهُ يَا رَسولَ الله؟ قال: غَضُّ البَصَرِ، وَكَفُّ الأذَى، وَرَدُّ السَّلاَمِ، وَالأَمْرُ بِالمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيُ عَنِ المُنْكَرِ". أخرجه الشيخان (¬4) وأبو داود (¬5). [صحيح] وزاد (¬6) في أخرى عن عمر: "وَتُغِيثُوا المَلْهُوفَ، وَتَهْدُوا الضَّالَّ". [حسن] ¬

_ (¬1) في "الجامع" (6/ 531 رقم 4738). (¬2) في "السنن" رقم (1833) وهو حديث صحيح. (¬3) (6/ 531). (¬4) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (2465، 6229)، ومسلم رقم (114، 2121). (¬5) في "السنن" رقم (4815). وأخرجه أحمد (3/ 36، 47، 61)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (3338). (¬6) أي: أبو داود في "السنن" رقم (4817) وهو حديث حسن.

قوله: "إياكم والجلوس" بالمنصوب (¬1) محذر منه. "في الطرقات" جمع طريق، وهو ممر الناس العامة أو الخاصة بأهل حافة. "قالوا: يا رسول الله! ما لنا بد من مجالسنا" في "الفتح" (¬2) أنّ القائل بذلك أبو طلحة، وهو مبين في مسلم (¬3)، يقال: ما له بد من كذا، أي: ما له فراق منه. "نتحدث" يحدث بعضنا بعضاً. "فيها" بما فيه مصالح الدين والدنيا، وترويح النفوس في المحادثة بالمباح، فلما قولوا ذلك، دّلهم على الآداب المذكورة. قال القاضي عياض (¬4): فيه دليل على أنهم فهموا من أمره لهم ليس للوجوب، وإنما هو للأولى، ولو فهموا أنه للوجوب لم يراجعوه هذه المراجعة، وقد يحتج به من يرى أنّ الأمر ليس للوجوب. قال الحافظ (¬5): إن قلت: ويحتمل أن يكونوا رجوا وقوع النسخ تخفيفاً لما شَكَوا من الحاجة إلى ذلك، ويؤيده أنّ في مرسل يحيى بن يعمر "فظنّ القوم أنها عزيمة [121 ب] " انتهى. قلت: هذا رجاء النسخ (¬6) قبل الإمكان. ¬

_ (¬1) أي: بالنصب على التحذير. (¬2) "فتح الباري" (5/ 113). (¬3) ذكره الحافظ في "الفتح" (5/ 113). (¬4) ذكره الحافظ في "الفتح" (11/ 11). (¬5) في "الفتح" (11/ 11). (¬6) انظر: "البحر المحيط" (4/ 81) "شرح الكوكب المنير" (3/ 540 - 541)، "الناسخ والمنسوخ" للنحاس (3/ 53).

قوله: "فإذا أبيتم إلاّ المجلس فأعطوا الطريق حقه". قوله: "غض البصر" كما أمر الله به في قوله: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} (¬1) وذلك لأنّ الطريق مظنة مرور النساء الشواب فيتعرضن للغيبة. "وكف الأذى" عن المارين بأن لا يضيق عليهم الطريق، أو في باب منزل من يتأذى بالقعود عليه أو بتكشف عياله، أو ما يريد التستر به من حاله، قاله القاضي عياض (¬2)، قال: ويحتمل أن يريد كف الناس بعضهم عن بعض. قوله: "وردّ السلام" على من سلم عليه من المارين. قوله: "والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"؛ لأنّ القعود في الطريق مظنة الأمرين. قوله: "أخرجه الشيخان وأبو داود". قوله: "وزاد" أبو داود (¬3). في رواية أخرى: "وتغيثوا الملهوف" وله شاهد في الصحيحين (¬4) من حديث أبي موسى بلفظ: "وتعين ذا الحاجة الملهوف"، وعند ابن حبان (¬5) من حديث أبي ذر: "وتسعى بشدة ساقيك مع اللهفان المستغيث". قوله: "وتهدوا الضال" أي: ترشدوه إلى السبيل، وروى الترمذي (¬6) من حديث أبي ذر مرفوعاً: "وإرشادك الرجل في أرض الضلال صدقة". ¬

_ (¬1) سورة النور الآية: 30. (¬2) ذكره الحافظ في "الفتح" (11/ 12). (¬3) في "السنن" رقم (4817). وهو حديث حسن. (¬4) البخاري في "صحيحه" رقم (1445)، ومسلم رقم (1008). (¬5) ذكره الحافظ في "الفتح" (11/ 12). (¬6) في "السنن" رقم (1956). =

وله (¬1) وللبخاري في "الأدب المفرد" (¬2) من حديث البراء مرفوعاً: "من منح منيحة أو أهدى زُقاقاً كان له عدل عتاق نسمة". والمراد: من دل الذي لا يعرفه عليه إذاً. ونقل الحافظ ابن حجر (¬3) ما وقع في ذلك من الزيادة في كتب الحديث، ونظمها بقوله: جمعت آداب من رام الجلوس على الطر ... يق من قول خير الخلق إنسانا افش السلام وأحسن في الكلام وشمت ... عاطساً وسلاماً ردَّ إحسانا في الحمل عاون ومظلوماً أعن وأغث ... لهفان واهد سبيلاً واهد حيرانا بالعرف مُر وانه عن نكر وكف أذى ... وغضّ طرفاً وأكثر ذكر مولانا قال (¬4): فهذه أربعة عشر أدباً، وذكر (¬5) من أخرج ما ذكره. الثاني: حديث (ابن عمر): 2 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا كَانُوا ثَلاَثَةً فَلاَ يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ الثَّالِثِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَحْزُنُهُ". ¬

_ = وأخرجه البخاري في "الأدب المفرد" رقم (991)، وأحمد (5/ 168)، وابن حبان رقم (474) وهو حديث صحيح. (¬1) أي: للترمذي في "السنن" رقم (1957). (¬2) رقم (683) وهو حديث صحيح. ولفظ الترمذي في "السنن" رقم (1957): "من منح منيحة لبن أو وَرِق أو هدى زقاقاً كان له مثل عتق رقبة". (¬3) في "الفتح" (11/ 11). (¬4) الحافظ في "الفتح" (11/ 11 - 12). (¬5) أي: الحافظ في "الفتح" (11/ 11 - 12).

أخرجه الثلاثة (¬1) وأبو داود (¬2). [صحيح] وأخرجه الخمسة (¬3) إلا النسائي عن ابن مسعود - رضي الله عنه - بمعناه. [صحيح] قوله: "إذا كانوا" أي: أهل المجلس. "ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الثالث" [112 ب] وذكر علة النهي بقوله: "فإنّ ذلك يحزنه" لأنه يتوهم أنهما إنما طويا عنه الحديث؛ لأنه ليس بأهل للخطاب؛ ولأنه يجوز أنّ ذلك لأمر يعود عليه ضرره، قالوا: وكذا ثلاثة فأكثر بحضرة واحد وهو نهي تحريم عام في سفر، وحضر عند الجمهور (¬4). ورخصّه بعض العلماء بالسفر؛ لأنه مظنة الخوف. وادعى بعضهم أنه منسوخ، وإنما كان أول الإسلام، فلما فشى الإسلام سقط النهي، وكان المنافقون يفعلون ذلك بحضرة المسلمين فيحزنوهم. وأمّا إذا كان أهل المجلس (¬5) أربعة فتناجى اثنان دون اثنين فلا يدخل تحت النهي. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (6288)، ومسلم رقم (2183)، ومالك في "الموطأ" (2/ 988 - 989). (¬2) في "السنن" رقم (4852) وهو حديث صحيح. (¬3) أخرجه البخاري رقم (6290)، ومسلم رقم (2184)، وأبو داود رقم (4851)، وابن ماجه رقم (3775) و (3776)، والترمذي رقم (2825). وهو حديث صحيح. (¬4) انظر: "فتح الباري" (11/ 83). (¬5) أخرج البخاري في "صحيحه" رقم (6290) عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى رجلان دون الآخر، حتى تختلطوا بالناس، أجل إنَّ ذلك يحزنه". قال الحافظ في "الفتح" (11/ 83): قوله: "حتى يختلطوا بالناس" أي: يختلط الثلاثة بغيرهم، والغير أعم من أن يكون واحداً أو أكثر فطابقت الترجمة، عند البخاري: باب إذا كانوا أكثر من ثلاثة، فلا بأس بالمسارة والمناجاة: ويؤخذ منه أنهم إذا كانوا أربعة لم يمتنع تناجي اثنين لإمكان أن يتناجى الاثنان الآخران، وقد ورد =

وعليه دلّ فعل ابن عمر، ففي "الموطأ" (¬1) عن عبد الله بن دينار قال: كنت أنا وابن عمر عند دار خالد بن عقبة التي بالسوق، فجاء رجل يريد أن يناجيه، وليس مع ابن عمر أحد غيري، فدعا ابن عمر رجلاً آخر حتى كنّا أربعة فقال لي وللرجل الذي دعاه: استأْخرَا شيئاً، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ثم ذكر الحديث. قوله: "أخرجه الثلاثة" في "الجامع" (¬2) رمز للشيخين (¬3) والموطأ (¬4) وأبي داود (¬5). قوله: "وأخرجه الخمسة عن ابن مسعود بمعناه" الذي في "الجامع" (¬6): الرمز على رواية ابن مسعود للبخاري (¬7) ومسلم (¬8) وأبي داود (¬9) والترمذي (¬10) فقط. الثالث: حديث (أنس): 3 - وعن أنس - رضي الله عنه - قَالَ: لَمْ يَكُنْ شَخْصٌ أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، وَكَانُوا إِذَا رَأَوْهُ لَمْ يَقُومُوا لَهُ، لِمَا يَعْلَمُونَ مِنْ كَرَاهِيَتِهِ لِذَلِكَ. ¬

_ = ذلك صريحاً فيما أخرجه المصنف في "الأدب المفرد"، وأبو داود وصححه ابن حبان من طريق أبي صالح، عن ابن عمر رفعه: "قلت: فإن كانوا أربعة؟ قال: لا يضره". (¬1) (2/ 988 رقم 13) وهو أثر صحيح. (¬2) (6/ 534 رقم 4744). (¬3) البخاري في "صحيحه" رقم (6288)، ومسلم رقم (2183). (¬4) في "الموطأ" (2/ 988 - 989). (¬5) في "السنن" رقم (4852). وهو حديث صحيح وقد تقدم. (¬6) (6/ 535 رقم 4745). (¬7) في "صحيحه" رقم (6280). (¬8) في "صحيحه" رقم (2184). (¬9) في "السنن" رقم (4851). (¬10) في "السنن" رقم (2825). وأخرجه ابن ماجه رقم (3775، 3776). وهو حديث صحيح.

أخرجه الترمذي (¬1). [صحيح] قوله: "وكانوا إذا رأوه لم يقوموا لما يعلمون من كراهيته لذلك". عقد البخاري (¬2) باباً للقيام فقال: باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "قوموا إلى سيّدكم". قال في "الفتح" (¬3): هذه الترجمة معقودة لحكم قيام القاعد للداخل، ولم يجزم فيها بحكم (¬4). قال ابن بطال (¬5): في هذا الحديث - يعني حديث: "قوموا إلى سيدكم" - أمر الإمام الأعظم بإكرام الكبير من المسلمين، ومشروعية إكرام أهل الفضل في مجلس الإمام الأعظم، والقيام لغيره من أصحابه، وإلزامه الناس كافة بالقيام إلى الكبير منهم. قال (¬6): وقد منع من ذلك قوم واحتجوا بحديث أبي أمامة (¬7): "خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متوكئاً على عصا، فقمنا [123 ب] إليه فقال: "لا تقوموا كما [تقوم] (¬8) الأعاجم بعضهم لبعض". وأجاب عنه الطبري (¬9) بأنه حديث ضعيف (¬10) مضطرب السند، فيه من لا يعرف. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (2754). وهو حديث صحيح. (¬2) في "صحيحه" (11/ 49 الباب رقم 26 - مع الفتح). (¬3) (11/ 49). (¬4) وتمام العبارة كما في "الفتح": بحكم للاختلاف, بل اختصر على لفظ الخبر كعادته. (¬5) في "شرحه لصحيح البخاري" (9/ 43 - 44). (¬6) أي: ابن بطال في "شرحه لصحيح البخاري" (9/ 43). (¬7) أخرجه أبو داود في "السنن" رقم (5230)، وابن ماجه رقم (3836). وهو حديث ضعيف. (¬8) كذا "المخطوط" و"شرح صحيح البخاري" لابن بطال. والذي في "سنن أبي داود وابن ماجه" يعظم. (¬9) ذكره ابن بطال في "شرحه للبخاري" (9/ 43). (¬10) أي: حديث أبي أمامة، وهو كما قال: حديث ضعيف، والله أعلم.

واحتجوا أيضاً بحديث (¬1) عبد الله بن بريدة: "أن أباه دخل على معاوية فأخبره أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أحبّ أن يتمثل له الرجال قياماً وجبت له النار". وأجاب عنه الطبري (¬2) بأنّ الذي فيه نهي من يقام له عن السرور بذلك لا نهي من يقام له إكراماً (¬3). وأجاب ابن قتيبة (¬4): بأنّ معناه: من أراد أن يقوم الرجال على رأسه كما يقام بين يدي ملوك الأعاجم، وليس المراد به نهي الرجل عن القيام لأخيه إذا سلَّم عليه. واعلم أنه نقل في "فتح الباري" (¬5) في هذه المسألة مقاولة بين النووي وابن الحاج، ولنذكر حاصلها: [قال البيهقي (¬6): القيام على وجه البر والإكرام جائز لقيام الأنصار لسعد، وقيام طلحة لكعب، ولا ينبغي لمن يقام له أن يعتقد استحقاقه لذلك، حتى إنْ من ترك القيام له حنق ¬

_ (¬1) أخرجه الحاكم من رواية حسين المعلم عن عبيد الله بن بريدة، عن معاوية، فذكره وفيه: "ما من رجل يكون على الناس فيقوم على رأسه الرجال يحب أن يكثر عنده الخصوم فيدخل الجنة". ذكره الحافظ في "الفتح" (11/ 50). (¬2) ذكره ابن بطال في "شرحه لصحيح البخاري" (9/ 43). (¬3) كذا العبارة في (أ. ب) وإليك نصها من "شرح صحيح البخاري" لابن بطال: وذلك أن هذا الخبر إنما ينبئ عن نهي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للذي يقال له بالسرور بما يفعل له من ذلك، لا عن نهيه القائم عن القيام. (¬4) ذكره ابن بطال في "شرحه لصحيح البخاري" (9/ 43 - 44). (¬5) (11/ 51 - 52). (¬6) في "السنن الكبرى" (8/ 167 - 168).

لذلك (¬1)] (¬2). هذا واحتج النووي (¬3) بقيام طلحة لكعب بن مالك، وأجاب ابن الحاج (¬4): بأنّ طلحة (¬5) إنما قام لتهنئته ومصافحته، ولم ينقل أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قام له ولا أمر به ولا فعله أحد ممن حضر، وإنما انفرد به طلحة لقوة المودة بينهما على ما جرت به العادة أنّ التهنئة ونحو ذلك تكون على قدر المودة. قال: ولو حمل فعل طلحة على محل النزاع، يريد القيام للقادم، لزم أن يكون من حضر من المهاجرين قد ترك المندوب. قلت: لا يخفى أنّ كعباً قادم والقيام له مندوب كما يأتي تسليم ابن الحاج له، وقد ترك القيام من حضره من المهاجرين، فالوجه أنه يجوز تركهم المندوب، فهذا من خاصيته, وهذا كله بعد الجزم بأنه - صلى الله عليه وسلم -، علم قيام طلحة وأقرّه. ¬

_ (¬1) وتمام العبارة: حنق عليه أو عاتبه أو شكاه. (¬2) ما بين الحاصرتين ليست من المقاولة التي ذكرها الحافظ في "الفتح" وليست هي من بدايتها كما يتوهم القارئ. (¬3) في "شرحه لصحيح مسلم" (17/ 96)، وكتاب "الترخيص في الإكرام بالقيام" (ص 29 - 34). (¬4) في "كتاب المدخل" له. (¬5) يشير إلى الحديث الذي أخرجه البخاري في "صحيحه" (11/ 54) الباب رقم 27 - مع الفتح) وقال ابن مسعود: علمني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التشهد وكفِّي بين كفيه, وقال كعب بن مالك: دخلت المسجد فإذا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقام إليَّ طلحة بن عبيد الله يهرولُ حتى صافحني وهنأني. (وقول كعب): هو طرف من قصة كعب بن مالك الطويل في غزوة تبوك في قصة توبته، أخرجها البخاري في "صحيحه" رقم (4418)، ومسلم رقم (2769)، وأبو داود رقم (2202)، والترمذي رقم (3101)، والنسائي (6/ 152)، وأحمد (3/ 459، 460) من حديث كعب بن مالك.

واحتج من أجاز القيام بحديث: "قوموا إلى سيدكم"، قال مسلم (¬1): لا أعلم في قيام الرجل للرجل حديثاً أصح من هذا. واعترض عليه ابن الحاج بأنّ القيام لسعد ليس من محل النزاع، وهو القيام [124 ب] للبر والإكرام، قال: وإنما أمرهم بذلك لينزلوه عن دابته لما كان فيه من المرض. قال: وعلى تقدير تسليم أنّ القيام كان لما ذكر من البر والإكرام، فديس من محل النزاع، بل لأنه غائب قدم، والقيام للغائب إذا قدم مشروع (¬2). واحتج النووي بما أخرجه النسائي (¬3) من حديث عائشة: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا رأى فاطمة ابنته قد أقبلت فأرحب لها ثم قام إليها فقبلها، ثم أخذ بيدها حتى يجلسها في مكانه". وأخرجه أبو داود (¬4) والحاكم (¬5) وصحّحه. وأجاب عنه ابن الحاج باحتمال أن يكون القيام لها لأجل يجلسها في مكانه إكراماً لها، لا على وجه القيام المتنازع فيه. قال: ولا سيما ما عرف من ضيق بيوتهم، وقلة الفرش فيها، فكان إرادته إجلاسها في موضعه مستلزماً لقيامه. قلت: لا يخفى أنّ هذا خلاف ظاهر السياق، فإنها قالت عائشة: "ثم قام إليها" ولم تسق الكلام إلاّ لبيان الإكرام بالقيام، لا أن القيام غير مراد، وإنما هو مستلزم فإنه خلاف السياق. ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (11/ 51). (¬2) انظر: "فتح الباري" (11/ 51). (¬3) في "السنن الكبرى" رقم (8311، 9192، 9193). (¬4) في "السنن" رقم (5217). (¬5) في "المستدرك" (3/ 159). وهو حديث صحيح.

واحتج النووي بما أخرجه أبو داود (¬1): "أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - كان جالساً يوماً، فأقبل أبوه من الرضاعة فوضع له بعض ثوبه، فجلس عليه، ثم جاءت أمه فوضع لها شق ثوبه من الجانب الآخر، فجاء أخوه من الرضاعة فقام فأجلسه بين يديه". واعترضه ابن الحاج بأنّ هذا القيام لو كان من محل النزاع لكان الوالدان أولى به من الأخ، وإنما قام للأخ إمّا ليوسع له في الرداء، أو في المجلس. قلت: لا كرامة أنَّ الظاهر مع ابن الحاج، ولكن في غيره من الأدلة غنية عنه. واحتج النووي (¬2) بحديث قيامه - صلى الله عليه وسلم - لجعفر بن أبي طالب لما قدم من الحبشة، وبقيامه - صلى الله عليه وسلم - لزيد بن حارثة إلى المدينة. وأجاب ابن الحاج بأنهما في غير منازع، إذ قد سلف له أنّ القيام للقادم مشروع، وساق أدلة، وردّها ابن الحاج. قال النووي (¬3): وحديث أنس - يريد الذي نحن في شرحه - أقرب ما يحتج به. قال: والجواب عنه من وجهين: أحدهما: أنه خاف عليهم الفتنة إذا أفرطوا في تعظيمه [125 ب] فكره قيامهم له لهذا المعنى كما قال: "لا تطروني" (¬4) ولا يكره قيام بعضهم لبعض، فإنه قد قام لبعضهم وقاموا لغيره بحضرته، فلم ينكر عليهم، بل أقرهم وأمر به. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (5145) وهو حديث ضعيف. (¬2) في شرحه لـ "صحيح مسلم" (7/ 96)، وكتاب "الترخيص" (ص 28 - 29). (¬3) في كتاب "الترخيص في الإكرام بالقيام" (ص 29 - 32). (¬4) أخرجه البخاري رقم (2462)، (3445)، (4021)، (6829)، (6830)، (7323)، ومسلم رقم (1691)، وأبو داود رقم (4418)، وابن ماجه رقم (2553)، والترمذي في "الشمائل" رقم (323)، وأحمد في "المسند" (1/ 23، 56)، والنسائي في "الكبرى" رقم (7156، 7159، 7160)، وابن حبان رقم (414) =

ثانيهما: أنه كان بينه وبين أصحابه من كمال الأنس وكمال الود والصفاء ما لا يحتمل زيادة بالإكرام بالقيام، فلم يكن في القيام مقصود، وإن فرض للإنسان صاحب بهذه المثابة لم يحتج إلى القيام. واعترضه ابن الحاج بما فيه طول إلاّ أنه اعتراض ناهض. ثم ذكر ابن الحاج من المناسبة التي تترتب على استعمال القيام أنّ الشخص لا يتمكن فيه من التفصيل بين من [يحل] (¬1) إكرامه، وبره كأهل الدين والخير والعلم؟ أو يجوز كالمستورين، وبين من لا يجوز كالظالم المعلن بالظلم، أو يكره كمن لا يتصف بالعدالة وله جاه؟ فلولا اعتقاد القيام ما احتاج أحد أن يقوم لمن يحرم إكرامه أو يكره، بل جرّ ذلك إلى ارتكاب النهي لما صار يترتب على الترك من الشر. وفي الجملة: متى صار ترك القيام يشعر بالاستهانة أو يترتب عليه مفسدة، امتنع وإلى ذلك أشار ابن عبد السلام (¬2). ونقل ابن كثير في تفسيره (¬3) عن بعض المحققين التفصيل فقال: المحذور أن يتخذ ديدناً كعادة الأعاجم كما دلّ عليه حديث أنس، وأمّا إذا كان لقادمٍ من سفر أو لحاكم في محل ولايته فلا بأس. ¬

_ = عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تطروني كما أُطري عيسى ابن مريم عليه السلام، فإنما أنا عبد الله, فقولوا: عبد الله ورسوله". (¬1) كذا في (أ. ب) والذي في "الفتح" يستحب. (¬2) ذكره الحافظ في "الفتح" (11/ 54). (¬3) ذكره الحافظ في "الفتح" (11/ 54).

وقال الغزالي (¬1): القيام على سبيل الإعظام مكروه، وعلى سبيل الإكرام لا يكره. قال الحافظ ابن حجر (¬2): وهذا تفصيل حسن. انتهى. كله مستفاد من "فتح الباري" (¬3). قوله: "أخرجه الترمذي" وقال (¬4): حسن غريب. الرابع: حديث (أبي أمامة). 4 - وعن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - مُتَوَكِّئًا عَلَى عَصًا فَقُمْنَا إِلَيْهِ، فَقَالَ: "لاَ تَقُومُوا كَما تَقُومُ الأَعَاجِمُ يُعَظِّمُ بَعْضُهَا بَعْضًا". أخرجه أبو داود (¬5). [ضعيف] قوله: "فقمنا إليه فقال: لا تقوموا كما تقوم الأعاجم تعظِّم بعضها بعضاً". فهو نهي عن القيام للتعظيم لا للبر والإكرام. قوله: "أخرجه أبو داود". قلت: تقدم قريباً أنه ضعيف؛ لأنّ في سنده أبو العَنْبَسِ (¬6)، مجهول، وأبو غالب (¬7) مختلف فيه. ¬

_ (¬1) في "الإحياء" (1/ 205). (¬2) في "فتح الباري" (11/ 54). (¬3) (11/ 49 - 54). (¬4) في "السنن" (5/ 90). (¬5) في "السنن" رقم (5230) وهو حديث ضعيف. (¬6) أبو العنبس: هو عبد الله بن صهبان الأسدي الكوفي لين الحديث. انظر: "التقريب" (1/ 424 رقم 389). (¬7) يقال نافع، ويقال: سعيد بن الحزور، قال يحيى بن معين: صالح الحديث، وقال مرة، ليس به بأس، وقال أبو حاتم الرازي: ليس بالقوي، وقال ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج به، إلا فيما يوافق الثقات. وقال النسائي: ضعيف. =

الخامس: 5 - وعن أبي مِجْلَز قال: خَرَجَ مُعَاوِيَةُ عَلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ وَابْنِ عَامِرٍ - رضي الله عنهم -. فَقَامَ ابْنُ عَامِرٍ وَجَلَسَ ابْنُ الزُّبَيْرِ. فَقَالَ مُعَاوِيَةُ لِابْنِ عَامِرٍ: اجْلِسْ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَمْثُلَ لَهُ الرِّجَالُ قِيَامًا فَلْيتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ". أخرجه أبو داود (¬1) والترمذي (¬2). [صحيح] حديث "أبي مجلز" بكسر الميم وسكون الجيم، آخره زاي، اسمه حميد بن لاحق (¬3). قوله: "على ابن الزبير وابن صفوان [فقام ابن عامر] (¬4) " كأنه خرج من منزله الخاص إلى المنزل الذي يجتمع فيه بالناس. قوله: "فقال: [اجلس] (¬5) فإني سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: من أحب أن يثمثل". هذا لفظ الترمذي (¬6) ولفظ أبي داود (¬7): "يمثل له الناس قياماً فليتبوأ مقعده من النار" هذا لفظ أبي داود. ¬

_ = انظر: "تهذيب التهذيب" (4/ 570)، "ميزان الاعتدال" (1/ 476 رقسم 1799)، "المجروحين" (1/ 267)، "الضعفاء والمتروكين" (ص 262 رقم 696). (¬1) في "السنن" رقم (5229). (¬2) في "السنن" رقم (2756) وقال: هذا حديث حسن. وهو حديث صحيح. (¬3) بل هو لاحق بن حميد بن سعيد السدوسي البصري، أبو مجلز، ثقة, من كبار الثالثة، مات سنة ست وقيل: تسع ومائة. "التقريب" (2/ 240 رقم 1). (¬4) في (ب) فقاما. (¬5) في (ب) اجلسا. (¬6) في "السنن" رقم (2756)، وفيه: (خرج معاوية فقام عبد الله بن الزبير وابن صفوان حين رأوه، فقال: اجلسا، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من سره أن يتمثل له الرجال قياماً فليتبوأ مقعده من النار"). (¬7) في "السنن" رقم (5229).

ولفظ الترمذي (¬1) [126 ب]: "أنه خرج على عبد الله بن الزبير وابن صفوان حين رأوه فقال: اجلسا ... " الحديث، إلاَّ أنه قال: "الرِّجال" عوض "الناس" وقال: "يتمثل". واعلم أنّ للحديث طرقاً أخرى أخرجها البخاري في كتاب "الأدب المفرد" (¬2) عن أبي مجلز، وأخرجها أبو داود والترمذي، ولفظ أبي مجلز: "خرج معاوية على ابن الزبير وابن عامر، فقام ابن عامر وجلس ابن الزبير، فقال معاوية لابن عامر: اجلس فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .... " وذكر الحديث. وأمّا الترمذي (¬3) فأخرجه من رواية سفيان الثوري عن حبيب ولفظه: "خرج معاوية فقام عبد الله بن الزبير وابن صفوان حين رأوه فقال: اجلسا .. " ثم ذكر الحديث. فاختلفت الروايتان. قال الحافظ ابن حجر (¬4) في ترجيح رواية غير سفيان الثوري: أنّ سفيان وإن كان من جبال الحفظ إلاّ أنّ العدد الكثير وفيهم مثل شعبة أولى، بكون روايتهم محفوظة من الواحد، وقد اتفقوا على أنّ ابن الزبير لم يقم، وأمَّا إبدال ابن عامر بابن صفوان فسهل لاحتمال الجمع بأن يكونا معاً وقع لهما ذلك. قال الخطابي (¬5): معنى الحديث: من أحبّ أن يقام له بأن يلزمهم بالقيام له صفوفاً على طريق الكبر والنخوة. ¬

_ (¬1) تقدم نصه. (¬2) رقم (748). (¬3) تقدم نصه وتخريجه. (¬4) في "الفتح" (11/ 50). (¬5) في "معالم السنن" (5/ 390).

ورجّح المنذري (¬1) الجمع بما جمع به البخاري ابن قتيبة من أنّ القيام المنهي عنه أن يقام له وهو جالس. قال: وقد ردّ ابن القيم في "حاشية السنن" (¬2) هذا القول، بأنّ سياق حديث معاوية يدل على خلاف ذلك، وإنما كره القيام له لما خرج تعظيماً له، ولأنّ هذا لا يقال له القيام للرجل، وإنما هو القيام على رأس الرجل وعند الرجل. قال: والقيام ينقسم إلى ثلاث مراتب: قيام على رأس الرجل وهو فعل الجبابرة. وقيام إليه عند قدومه ولا بأس به. وقيام له عند رؤيته وهو المتنازع فيه. انتهى. قلت: قوله: "عند قدومه" محتمل لقدومه من محل بعيد، أو خروجه من منزله الخاص إلى المحل الذي أعده لمن يصل إليه، فقصة معاوية دلت أنه فهم أن الحديث الذي رواه يشمل القيام لمن خرج من منزله الخاص؛ لأنه لا يقال: أنه قادم بل خارج من منزله. وحديث قيامه - صلى الله عليه وسلم - لفاطمة - رضي الله عنها - لأنها قادمة من منزلها. قال الحافظ ابن حجر (¬3): وورد في خصوص [127 ب] القيام على رأس الكبير الجالس ما أخرجه الطبراني في "الأوسط" (¬4) عن أنس: "إنما هلك من كان قبلكم بأنهم عظموا ملوكهم بأن قاموا وهم قعود". ¬

_ (¬1) انظر: "مختصر السنن" (8/ 82 - 83). (¬2) (8/ 85 - مختصر السنن). (¬3) في "الفتح" (11/ 50). (¬4) رقم (6680). =

قوله: "أخرجه أبو داود والترمذي". قلت: قد بينا لك ما في لفظيهما من الاختلاف كما عرفت، ثم لا يخفى أنّ حديث معاوية فيمن أحبّ قيام الناس، لا فيمن قام، وكأنه استدل به أنّ القيام ذريعة إلى محبة ذلك. السادس: حديث (ابن عمر - رضي الله عنه -). 6 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يُقِيمَنَّ أَحَدُكُمْ رَجُلًا مِنْ مَجْلِسِهِ ثُمَّ يَجْلِسُ فِيهِ، وَلكِنَّ تَوَسَّعُوا وَتَفسَّحُوا يَفْتَحِ الله لَكُمْ". وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ - رضي الله عنهما - إِذَا قَامَ رَجُلٌ مِنْ مَجْلِسِهِ لَمْ يَجْلِسْ فِيهِ. أخرجه الخمسة (¬1) إلا النسائي. [صحيح] قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يقيمن أحدكم رجلاً من مجلسه ثم يجلس فيه". فيه نهي عن أن يقيم الرجلُ الرجلَ من مجلسه ليجلس فيه، وهو عام لكل أحد، ولكل مجلس في أي محل في منزل أو سوق أو مسجد، بل إذا ضاق المحل الذي يريد القعود فيه، قال للجالسين: تفسحوا، كما أمر الله، فأما لو قام له القاعد وآثره بمجلسه فلا يدخل تحت الحديث، لكن رواية ابن عمر كما ذكر. ¬

_ = وأخرج مسلم في "صحيحه" رقم (413) من حديث جابر وفيه: "إن كنتم آنفاً لتفعلون فعل فارس والروم، يقومون على ملوكهم وهو قعود". (¬1) أخرجه البخاري رقم (911، 6269)، (6270)، ومسلم رقم (27، 28/ 2177)، وأبو داود رقم (4828)، والترمذي رقم (2750، 2751). وأخرجه الحميدي رقم (664)، وابن أبي شيبة (8/ 584)، والدارمي (2/ 281)، والبخاري في "الأدب المفرد" رقم (1140) و (1153)، وابن خزيمة رقم (1822)، وابن حبان رقم (586)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (3/ 232)، وفي "المعرفة" رقم (6618)، وفي "الآداب" رقم (303)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (3332). وهو حديث صحيح.

"وكان إذا قام له رجل من مجلسه لم يجلس فيه". كما ساقه المصنف في حديث ابن عمر. وذكر ابن الأثير (¬1): أنَّ في رواية لأبي داود (¬2): "أنه جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقام له رجل آخر من مجلسه, فذهب ليجلس فيه، فنهاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "، وكذا رواه أبو داود (¬3) عن أبي بكرة: "أنه نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك". قوله: "أخرجه [الستة] (¬4) إلاّ النسائي". السابع: 7 - وعن وهب بن حذيفة - رضي الله عنه - قال: قَالَ رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا خَرَجَ الرَّجُلُ لحِاجَتِهِ ثُمَّ عَادَ فَهُوَ أَحَقُّ بِمَجْلِسِهِ. أخرجه الترمذي (¬5) وصححه. [صحيح] حديث (وهب بن حذيفة) (¬6) ويقال: حذافة الغفاري، ويقال: المزني، صحابي من أهل الصفة، عاش إلى خلافة معاوية، قاله الكاشغري. قوله: "إذا خرج الرجل لحاجته" أي: حاجة. ¬

_ (¬1) في "الجامع" (6/ 537). (¬2) في "السنن" رقم (4828) وهو حديث ضعيف. (¬3) في "السنن" رقم (4827) وهو حديث ضعيف. (¬4) كذا في (ب) والذي تقدم: الخمسة وهو الصواب. (¬5) رقم (2751)، وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب. وأخرجه أحمد (3/ 422)، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" رقم (1595)، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" رقم (1278)، والطبراني في "الكبير" (ج 22 رقم 359) من طرق. وهو حديث صحيح. (¬6) ذكره ابن الأثير في "تتمة جامع الأصول" (2/ 967 - قسم التراجم". وقال ابن حجر في "التقريب" (2/ 338 رقم 110)، وهب بن حذيفة, ويقال: حذافة الغفاري، صحابي من أهل الصفة، عاش إلى خلافة معاوية.

"ثم عاد فهو أحق بمجلسه" الذي خرج منه، سواء كان في مسجد أو سوق أو منزل، فقد ثبت له الحق بقعوده فيه أولاً. قوله: "أخرجه الترمذي وصححه". الثامن: حديث (جابر بن سمرة). 8 - وعن جابر بن سمرة - رضي الله عنه - قال: كُنَّا إِنَّا أَتَيْنَا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - جَلَسَ أَحَدُنَا حَيْثُ يَنْتَهِي. أخرجه أبو داود (¬1). [حسن] قوله: "جلس أحدنا حيث ينتهي" أي: حيث يجد موقفاً يقف فيه من دون تخطيه لأحد أو إخراجه من موقفه. قوله: "أخرجه أبو داود". التاسع: حديث (عمرو بن شعيب). 9 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده - رضي الله عنه - قال: قال رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يَجْلِسَ بَيْنَ اثْنَيْنِ إِلا بِإِذْنِهِمَا". أخرجه أبو داود (¬2) والترمذي (¬3)، وعنده: "أَنْ يُفَرِّقَ بينَ اثنينِ". [حسن] قوله: "لا يحل لرجل أن يجلس بين اثنن إلاّ بإذنهما" [128 ب] هذا لفظ "لا يحل" للترمذي (¬4)، ولفظ أبي داود (¬5): "لا يجلس بين اثنين إلاّ بإذنهما" كما في "الجامع" (¬6)، وذلك لأنه ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (4825). وأخرجه الترمذي رقم (2753)، وهو حديث حسن. (¬2) في "السنن" رقم (4843) و (4844) (¬3) في "السنن" رقم (2752). وهو حديث حسن. (¬4) في "السنن" رقم (2752) ولأبي داود رقم (4844). وهو حديث حسن. (¬5) في "السنن" رقم (4843) وهو حديث حسن. (¬6) (6/ 539).

قد استحق كل واحد منهما موقفه، فالقاعد بينهما يزحزح كل واحد من بعض موقفه، ولا يحل له إلاّ أن يأذنا له جاز، ولو أذن أحدهما دون الآخر لم يحل له إذ لا بد من استغراقه بعض موقف الآخر. قوله: "أخرجه أبو داود والترمذي". "وعنده" أي: الترمذي "أن يفرق بين اثنين" لفظ ابن الأثير (¬1): وأخرج الترمذي الثانية وهي قوله: "لا يحل لرجل أن يفرق بين اثنين إلاّ بإذنهما"، وقدمنا لفظ الترمذي بلفظ: "لا يحل"، وليس من لفظ أبي داود كما قاله المصنف، ثم رأيت في لفظ لأبي داود (¬2): "لا يحل لرجل أن يفرق بين اثنين إلا بإذنهما". العاشر: حديث (أبي سعيد الخدري). 10 - وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "خيرُ المَجَالِسِ أَوْسَعُهَا". أخرجه أبو داود (¬3). [صحيح] قوله: قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خير المجالس أوسعها"؛ لأنَّ المجلس الضيق كاسمه يؤثر الضيق، ويحتمل أنّ المراد به: ما يفقد فيه الإنسان المجلس المعد للجلوس، وهذا الأوضح. قوله: "أخرجه أبو داود". قلت: قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي [الموالي] (¬4)، عن عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري عن أبي سعيد. ¬

_ (¬1) في "الجامع" (6/ 539). (¬2) في "السنن" رقم (4844) وهو حديث حسن. (¬3) في "السنن" رقم (4820) وهو حديث صحيح. (¬4) كذا في المخطوط (أ. ب) وفي "التقريب" والذي في "سنن أبي داود": (الموال).

ثم قال بعد إخراجه: قال أبو داود (¬1): هو عبد الرحمن بن عمرو بن أبي عمرة الأنصاري. انتهى. قال الكاشغري: عبد الرحمن بن أبي عمرة بفتح العين آخره هاء، مختلف فيه. انتهى. وفي "التقريب" (¬2): يقال: ولد في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -. وقال ابن أبي حاتم (¬3): ليس له صحبة. قلت: لا يضر ذلك؛ لأنه رواه عن أبي سعيد. الحادي عشر: 11 - وعن أبِي مِجْلز: أَنَّ رَجُلاً قَعَدَ وَسْطَ الحَلْقَةِ فَقَالَ حُذَيْفَةُ بنُ اليمانِ - رضي الله عنه -: مَلْعُونٌ عَلَى لِسَان مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - مَنْ جَلَسَ وَسْطَ حَلْقَة. أخرجه أبو داود (¬4) والترمذي (¬5). [ضعيف] حديث: (أبي مجلز) تقدم ضبطه وأنّ اسمه لاحق بن حميد. "أنّ رجلاً جلس" لفظ "الجامع" (¬6): "قعد". "وسط الحلقة" هي بسكون اللام في الأشهر، وهي كل مستدير خالي الوسط. "ملعون على لسان محمد - صلى الله عليه وسلم -" لفظ "الجامع": "أو لعن الله على لسان محمد" كذا رواه مالك والمصنف جزم بأحد اللفظين. "من جلس وسط الحلقة" ووجه اللعن أنّ القاعد كذلك يؤذي من حول الحلقة بالاستدبار لبعض. ¬

_ (¬1) في "السنن" (5/ 162). (¬2) (1/ 493 رقم 1066). (¬3) ذكره ابن حجر في "التقريب" (1/ 493). (¬4) في "السنن" رقم (4826). (¬5) في "السنن" رقم (2753). وهو حديث ضعيف. (¬6) (6/ 540).

قوله: "أخرجه أبو داود". قلت: في "الجامع" (¬1): "أخرجه الترمذي" وفي رواية [129 ب] "أبي داود مختصراً: أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعن من جلس وسط الحلقة". انتهى. وبه تعرف رواية المصنف. قال الترمذي (¬2) بعد إخراجه: حسن صحيح. الثاني عشر: حديث (جابر بن سمرة). 12 - وعن جابر بن سُمرة - رضي الله عنه - قال: دَخَلَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - المَسْجِدَ فَرَآهُمْ حِلَقَا. فَقَالَ: "مَا لِي أَرَاكُمْ عِزِينَ". أخرجه مسلم (¬3) وأبو داود (¬4). [صحيح] "قال: دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسجد فرآهم حلقاً" لفظ "الجامع" (¬5): "وهم حلق"، وهو لفظ أبي داود، وهو بفتح الحاء واللام جمع حلقة بسكونها. "فقال: ما لي أراكم عزين" بكسر العين المهملة فزاي فمثناة تحتية فنون، في "القاموس" (¬6): العِزة كِعدة، العصبة من الناس، جمعه عزون، وقد بيّن في النحو وجه جمعه جمع السلامة (¬7) مع عدم كمال شروطه فيه، ووجه كراهته - صلى الله عليه وسلم - لتفرقهم حلقاً لأنَّ التفرق بالأبدان ¬

_ (¬1) (6/ 539 - 540). (¬2) في "السنن" (5/ 90). (¬3) في "صحيحه" رقم (430). (¬4) في "السنن" رقم (4823). وهو حديث صحيح. (¬5) (6/ 540 رقم 4757). (¬6) "القاموس المحيط" (ص 1690). قال الراغب في "مفرداته" (ص 565) عزين: جماعات في تفرقةٍ واحدتها عزة، وأصله من: عزوته فاعتزى: أي: نسبته فانتسب، فكأنهم الجماعة المنتسب بعضهم إلى بعض إما في الولادة، أو في المصاهرة. (¬7) قال ابن الأثير في "النهاية" (2/ 203): وفيه: "مالي أراكم عزين" جمع عزة, وهي الحلقة المجتمعة من الناس، وأصلها عِزوة، فحذفت الواو وجمعت جمع السلامة على غير قياس، كِثُبين وبُرِين. في جمعِ ثُبّه وبُرَة.

لأن التفرق قد ينشأ عنه التفرق بالقلوب والاختلاف، والمراد لله سبحانه، وله - صلى الله عليه وسلم - اتفاق قلوب المؤمنين والائتلاف. قوله: "أخرجه مسلم وأبو داود" زاد أبو داود (¬1): حدثنا واصل بن عبد الأعلى، عن ابن فُضيلٍ، عن الأعمش بهذا: قال: كأنّهُ يُحب الجماعة. الثالث عشر: 13 - وعن عمرو بن الشريد عن أبيه - رضي الله عنه - قال: مَرَّ بِي النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - وأَنَا جَالِسٌ، وَقَدْ وَضَعْتُ يَدِيَ اليُسْرَى خَلْفَ ظَهْرِي، وَاتَّكَأْتُ عَلَى اليَةِ يَدِي فَقَالَ: "أَتَقْعُدُ قِعْدةَ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ؟ ". أخرجه أبو داود (¬2). [بإسناد رجاله ثقات] حديث "عمرو بن الشريد عن أبيه" صحابي معروف كان اسمه (¬3) مالكاً، فسماه النبي - صلى الله عليه وسلم - الشريد؛ لأنه قتل قتيلاً من قومه ولحق بمكة فأسلم. قاله ابن الأثير (¬4). "قال: مرّ بي النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنا جالس وقد وضعت يدي اليسرى خلف ظهري واتكأتُ على إليتها" أي: اللحمة التي في أصل الإبهام، ولفظ أبي داود: "اليَةِ يدي"، وهو لفظ "الجامع" (¬5). ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (4824) وهو أثر صحيح. (¬2) في "السنن" رقم (4848) بإسناد رجاله ثقات. (¬3) انظر: "التقريب" (1/ 350 رقم 60) حيث قال: الشريد: الثقفي، صحابي، شهد بيعة الرضوان، قيل: كان اسمه مالكاً. (¬4) في "تتمة جامع الأصول" (2/ 722 - قسم التراجم" حيث قال: عمرو بن الشريد: هو عمرو بن الشريد ابن سويد الثقفي، تابعي، عداده في أهل الطائف، سمع ابن عباس، وأباه، وأبا رافع مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وانظر: "التقريب" (2/ 72 رقم 706). (¬5) (6/ 541 رقم 4760).

"فقال: أتقعد قعدة المغضوب عليهم؟ " المراد بهم: اليهود، فكراهيته - صلى الله عليه وسلم - للتشبه بهم. قوله: "أخرجه أبو داود". الرابع عشر: (حديث أبي الدرداء): 14 - وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إِذَا جَلَسَ جَلَسْنَا حَوْلَهُ، وَكَانَ إِذَا قَامَ وَأَرَادَ لَنَا الرُّجُوعَ نَزَعَ نَعْلَيْهِ أَوْ بَعْضَ مَا كَانَ عَلَيْهِ فَيَعْرِفُ ذَلِكَ أَصْحَابُهُ فَيَثْبُتُونَ. أخرجه أبو داود (¬1). [ضعيف] "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا جلس جلسنا حوله من عن يمينه ويساره، وكان إذا قام وأراد الرجوع إلى مجلسه نزع نعليه أو بعض ما كان عليه" فيترك ذلك عندهم. "فيعرف ذلك" أي: إرادته الرجوع. "فيثبتون" في مجلسهم [130 ب] حتى يرجع، وفيه أنه ينبغي لمن عنده قوم قعود وقام من بينهم لحاجة أن ينبههم على رجوعه لينتظروه. قوله: "أخرجه أبو داود". قلت: قال المنذري (¬2): فيه تمام بن نجيح الأسدي (¬3). انتهى. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (4854)، وهو حديث ضعيف. (¬2) في "مختصره" (7/ 300). (¬3) ثم قال المنذري في "مختصره": قال يحيى بن معين: ثقة، وقال ابن عدي: غير ثقة، وعامة ما يرويه لا يتابعه الثقات عليه، وقال أبو حاتم الرازي: منكر الحديث ذاهب. وقال ابن حبان: منكر الحديث جداً، يروي أشياء موضوعة عن الثقات، كأنه المتعمِّد لها، وانتقد عليه أحاديث هذا من جملتها. انظر: "الميزان" (1/ 359 رقم 1341)، "الجرح والتعديل" (2/ 445 رقم 1788).

وفي "التقريب" (¬1): تمام بن نجيح، ونسخة ابن يحيى الأسدي الدمشقي نزيل حلب، ضعيف. الخامس عشر: حديث (أبي هريرة): 15 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا كانَ أَحَدُكُمْ فِي الشَّمْسِ". وفي رواية: "فِي الفَيْءِ فَقَلَصَ عَنْهُ الظِّلُّ فَصَارَ بَعْضُهُ فِي الشَّمْسِ، وَبَعْضُهُ فِي الظِّلِّ فَلْيَقُمْ". أخرجه أبو داود (¬2). [حسن] قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا كان أحدكم في الشمس"، وفي رواية: "في الفيء" لفظ "الجامع" (¬3): "إذا كان أحدكم في الفيء" وفي رواية: "في الشمس". ولفظ أبي داود (¬4): "إذا كان أحدكم في الشمس". وقال مخلد: "في الفيء". "فقلص" بزنة قعد، بقاف آخره صاد مهملة، في "القاموس" (¬5): قلص عني الظل، انقبض. "عنه الظل فصار بعضه في الشمس وبعضه في الظل فليقم" حتى يقعد في ظل خالص أو شمس كذلك. قوله: "أخرجه أبو داود". قلت: ترجم له (¬6): باب في الجلوس بين الظل والشمس، وساقه بسنده. ¬

_ (¬1) (1/ 113 رقم 7). (¬2) في "السنن" رقم (4821) وهو حديث حسن. (¬3) (6/ 542 رقم 4763). (¬4) في "السنن" رقم (4821) وهو كما قال الشارح. (¬5) "القاموس المحيط" (ص 810). (¬6) أي: أبو داود في "السنن" (5/ 162 الباب رقم 15).

قال المنذري (¬1): فيه مجهول. انتهى، وذلك أنه قال أبو داود (¬2) - في سنده - عن محمد بن المنكدر. قال: حدثني من سمع أبا هريرة .. الحديث. السادس عشر: 16 - وعن قيس عن أبيه: أنَّهُ جَاءَ وَالنَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ، فَقَامَ فِي الشَّمْسِ، فَأَمَرَ بِهِ فَتَحَوَلَ إِلَى الظِّلِّ. أخرجه أبو داود (¬3). [صحيح] حديث: (قيس عن أبيه) هكذا في "الجامع" (¬4)، وفي "سنن أبي داود" (¬5): عن أبيه عن جده أنه جاء .. الحديث، فالذي جاء (¬6) جد قيس لا أبوه كما يفيده ما في "الجامع" وهنا. قوله: "فأمره فتحول إلى الظل" هذا ليس أنه كان بعضه في الظل وبعضه في الشمس، بل فيه أنه لا ينبغي له البقاء في الشمس. وقوله: "فتحول" هكذا هنا بزنة تفعل، وأنه الذي تحول، لكن لفظ أبي داود (¬7) وابن الأثير (¬8): "فأمره فَحُوِّل" بزنة فعل مبني للمجهول، وأنّه حوله غيره. قوله: "أخرجه أبو داود". ¬

_ (¬1) في "مختصر السنن" (7/ 182). (¬2) في "السنن" رقم (4821) وهو حديث حسن. (¬3) في "السنن" رقم (4822) وهو حديث صحيح. (¬4) (6/ 542 رقم 4764). (¬5) في "السنن" رقم (4822) حيث قال: حدثنا مسدد، حدثنا يحيى، عن إسماعيل قال: حدثني قيس، عن أبيه، أنه جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... (¬6) ليس الأمر كذلك، انظر: "التعليقة المتقدمة" وانظر: "جامع الأصول" (6/ 542 رقم 4764). (¬7) في "السنن" رقم (4822). (¬8) في "الجامع" (6/ 542 رقم 4764)، وهو كما قال الشارح.

الفصل الخامس: في صفة الجليس

قلت: ولا يناسب الباب الذي ترجمه له. الفصل الخامس: في صفة الجليس قوله: "الخامس" أي: من الفصول الثمانية عشر. (في صفة الجليس) حُسنًا وقبحًا. الأول: حديث (أبي موسى): 1 - عن أبي موسى - رضي الله عنه - قال: قال رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَثَلُ الجَلِيسِ الصَّالِحِ وَجَلِيسِ السَّوْءِ كَحَامِلِ المِسْكِ وَنَافِخِ الكِيرِ، فَصَاحِبِ المِسْكِ إِمَّا إِنْ يُحْذِيَكَ وَإمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ, وَنَافِخُ الكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقُ ثِيَابَكَ أَوْ تَجِدُ مِنْهُ رِيحًا خَبِيثَةً". أخرجه الشيخان (¬1). [صحيح] "يُحذيكَ" (¬2): يعطيك. "قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[مثل] (¬3) " صفة. "الجليس [131 ب] الصالح" للمجالسة وصفة "جليس السوء" الذي لا ينبغي أنه يجالس "كحامل المسك ونافخ الكير" لف (¬4) ونشر مرتب، الأول للأول، والثاني للثاني، ثم بين حال الجليسين بقوله: ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (2101)، وطرفه: (5534)، ومسلم رقم (2628). (¬2) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (1/ 350 - 351). "الفائق" للزمخشري (3/ 6). (¬3) سقطت من (أ. ب) وأثبتاها لأنها من مستلزمات الشرح. (¬4) اللف والنشر، أو الطيّ والنشر، أن يذكر متعدد، ثم يذكر ما لكل من أفراده شائعاً من غير تعيين، اعتماداً على تصرف السامع في تمييز ما لكل واحد منها، ورده إلى ما هو له. وهو نوعان: =

"فحامل المسك إما أن يجديك" (¬1) بضم المثناة التحتية فجيم فدال مهملة من أجدى عليه يجدي إذا أعطاه. "وإما أن تبتاع منه" كذلك الجليس الصالح إما أن تنتفع بمجالسته بدلالته لك على الخير. "وإمّا أن تأخذ عنه" ما ينفعك في دنياك ودينك. "ونافخ الكير (¬2) إمّا أن يحرق ثيابك" فيتلفها. "وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة" كذلك جليس السوء، إما أن تخسر لمجالسته من دنياك، أو تأذي بقبيح مجالسته، وهذا حث على مجالسة الصالحين، وحث على البعد عن مجالسة العاصين، ولذا قيل: وقارن إذا قارنت حراً فإنَّما ... يُزين ويُزري بالفتى قرناؤه قوله: "أخرجه الشيخان". الثاني: حديث (جابر): ¬

_ = (أ) إما أن يكون النشر فيه على ترتيب الطيّ، نحو قوله تعالى: {وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} [القصص: 73]، ثم ذكر السكون لليل، وابتغاء الرزق للنهار، على الترتيب. (ب) وإمّا أن يكون النشر على خلاف ترتيب الطيّ، نحو قوله تعالى: {فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ} [الإسراء: 12]. ذكر ابتغاء الفضل الثاني، وعلم الحساب للأول، على خلاف الترتيب. انظر: "معجم البلاغة العربية" (ص 396 - 397). (¬1) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (1/ 244). (¬2) الكير: حقيقته البناء الذي يركب عليه الزق، والزق الذي ينفخ فيه, فأطلق على الزق اسم الكير مجازاً لمجاورته له، وقيل: الكير هو الزق نفسه، وأما البناء فاسمه الكور. انظر: "فتح الباري" (4/ 324)، "النهاية في غريب الحديث" (2/ 574).

2 - وعن جابر - رضي الله عنه - قال: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "المَجَالِسُ بِالأَمَانةِ إِلاَّ ثَلاَثَةَ مَجَالِسَ: سَفْكُ دَمٍ حَرَامٍ، أَوْ فَرْجٌ حَرَامٌ، أَوِ اقْتِطَاعُ مَالٍ بِغَيْرِ حَقٍّ". أخرجه أبو داود (¬1). [ضعيف] "قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: المجالس بالأمانة" في "النهاية" (¬2): هذا ندب إلى ترك إعادة ما يجري في المجلس من قول أو فعل، وكأن ذلك أمانة عند من سمعه أو رآه، والأمانة: تقع على الطَّاعة والعبادة والثقة والوديعة، والأمان، وقد جاء في كل منها أحاديث (¬3). "إلاّ ثلاثة" فلا يكتمها من رآها. "سفك دم حرام، أو فرج حرام، أو اقتطاع مال بغير حق" فإن هذه منكرات لا يحل الكتم على من فعلها. قوله: "أخرجه أبو داود". قلت: قال المنذري (¬4): فيه ابن أخي جابر: مجهول. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (4869) وهو حديث ضعيف. (¬2) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 80). وانظر: "غريب الحديث" للخطابي (1/ 91). (¬3) منها: ما أخرجه أبو داود رقم (4868)، والترمذي رقم (1959) عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا حدث الرجل بالحديث ثم التفت، فهي أمانة". وهو حديث حسن. ومنها: ما أخرجه البخاري (6289)، ومسلم رقم (146/ 2482) عن أنس بن مالك قال: أسر إليّ نبي الله سراً، فما أخبرت به أحداً بعد، ولقد سألتني عنه أم سُليم، فما أخبرتها به. ومنها: ما أخرجه مسلم في "صحيحه" رقم (145/ 2482) (عن أنس قال: أتى عليَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا ألعب مع الغلمان، قال: فسلّم علينا، فبعثني إلى حاجة. فأبطأت على أمي، فلما جئت قالت: ما حبسك؟ قلت: بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحاجة، قالت: ما حاجته؟ قلت إنها سر، قالت: لا تُحدثن بسرّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -أحداً). سيأتي. (¬4) في "مختصر السنن" (7/ 210).

وفي إسناده: عبد الله بن نافع الصائغ (¬1) المخزومي فيه مقال. انتهى. وفي "التقريب" (¬2): عبد الله بن نافع الصائغ المخزومي ثقة صحيح الكتاب، في حفظه لين، انتهى. الثالث: حديث (أنس): 3 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: بَعَثَنِي رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي حَاجَةٍ فَأَبْطأْتُ عَلَى أُمِّي. فَلَمَّا جِئْتُ قَالَتْ: مَا حَبَسَكَ؟ قُلْتُ: بَعَثَنِي رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - لِحَاجَةٍ. قَالَتْ: وَمَا هِيَ؟ قُلْتُ: إِنَّهَا سِرٌّ. قَالَتْ: لاَ تُحَدِّثَنَّ بِسِرِّ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - أَحَدًا. أخرجه الشيخان (¬3)، واللفظ لمسلم. [صحيح] "قال: بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حاجة" أوّله في "الجامع" (¬4): "أتاني (¬5) رسول [132 ب] الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا ألعب مع الصبيان، فسلم علينا، وبعثني في حاجة فأبطأت على أمي - وهي أم سليم -". "فلما جئت قالت: ما حبسك؟ قلت: بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حاجة قالت: وما هي؟ " لفظ "الجامع" (¬6): "ما حاجته". "قلت: إنها سرّ، قالت: لا تحدثن بسرِّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحداً". تمامه في "الجامع" (¬7): "قال أنس: والله لو حدثت بها أحداً لحدثتك يا ثابت"، يريد ثابت البناني الراوي عنه. ¬

_ (¬1) مولى بني مخزوم مدني كنيته: أبو محمد: وفيه مقال. (¬2) (1/ 456 رقم 686). (¬3) أخرجه مسلم في "صحيحه" رقم (145/ 2482). وقد تقدم، ولم يخرجه البخاري، والله أعلم. (¬4) (6/ 545 رقم 4769). (¬5) بل الذي في "الجامع" أتى عليَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (¬6) (6/ 546) وهو كما قال الشارح. (¬7) (6/ 546).

الفصل السادس: (في التحاب والتواد)

وفيه كمال أنس مع صغر سنه، وكمال أنه في حثه على حفظ سر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قوله: "أخرجه الشيخان واللفظ لمسلم" في "الجامع" (¬1) والذي للبخاري "أسرّ إليَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سراً فما حدثت به ولا أمي" (¬2). وفي رواية (¬3): "أسرّ إليَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سراً فما حدثت به أحداً بعده، ولقد سألتني عنه أم سليم فما أخبرتها به". انتهى. الفصل السادس: (في التحابِّ والتوادِّ) قوله: "السادس" من الفصول الثمانية عشر قال ابن الأثير (¬4): وفيه سبعة فروع: الأول: في الحث عليه. انتهى. الأول: حديث أبي هريرة: 1 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَ تَدْخُلُوا الجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلاَ تُؤْمِنُوا حَتَى تَحَابُّوا، أَفَلاَ أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلاَمَ بَيْنَكُمْ". أخرجه مسلم (¬5) وأبو داود (¬6) والترمذي (¬7). [صحيح] ¬

_ (¬1) (6/ 546). (¬2) لم يخرجاه، ولم أجده في "زيادات الحميدي". (¬3) أخرجه البخاري رقم (6289)، ومسلم رقم (146/ 2482). (¬4) في "الجامع" (6/ 546). (¬5) في "صحيحه" رقم (54). (¬6) في "السنن" رقم (5193). (¬7) في "السنن" رقم (2688)، وأخرجه ابن ماجه رقم (68). وهو حديث صحيح.

قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "والذي نفسي بيده لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا" قال الله: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ} (¬1) أي: دخولها. "ولا تؤمنوا حتى تحابوا" يحب بعضكم بعضاً؛ لأنكم إخوة في الإيمان. "ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم" (¬2) كأنه قيل: دلنا عليه، فقال: "أفشوا السلام بينكم" أذيعوه بينكم فيسلم بعضكم على بعض، فإنه يكون سبباً للتحاب، وتقدم إفشاء السلام (¬3)، وأنه على من عرفت وعلى من لم تعرف. قوله: "أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي". الثاني: حديث (النعمان بن بشير): 2 - وعن النعمان بن بشير - رضي الله عنهما - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَثَلُ المُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الجَسَدِ إِذَا اشْتكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَه سَائِرُ الجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالحُمَّى". أخرجه الشيخان (¬4). [صحيح] قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مثل" بفتح المثلثة. ¬

_ (¬1) سورة المائدة الآية: (72). (¬2) قال النووي في "شرح صحيح مسلم" (1/ 36): معناه لا يكمل إيمانكم ولا يصح حالكم في الإيمان إلا بالتحاب. (¬3) لأن السلام أول أسباب التآلف، ومفتاح استجلاب المودة، وفي إفشائه تمكن ألفة المسلمين بعضهم لبعض، وإظهار شعارهم المميز لهم من غيرهم من أهل الملل مع ما فيه من رياضة النفس، ولزوم التواضع وإعظام حرمات المسلمين، وقد ذكر البخاري - رحمه الله - في "صحيحه" عن عمار بن ياسر - رضي الله عنه - أنه قال: ثلاث من جمعهن فقد جمع الإيمان: الإنصاف من نفسك، وبذل السلام للعالم، والإنفاق من الاقتار. "شرح صحيح مسلم" (1/ 36)، "فتح الباري" (11/ 18 - 20). (¬4) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (6011)، ومسلم رقم (66/ 2586).

"المؤمنين [133 ب] في توادّهم وتراحمهم، وتعاطفهم" قال ابن أبي جمرة (¬1): الثلاثة متقاربة، وبينها فرق لطيف، فالتراحم أن يرحم بعضهم بعضاً، والتواد التواصل الجالب للمحبة كالتزاور والتهادي، والتعاطف إعانة بعضهم بعضاً كما يعطف طرف الثوب عليه ليقويه. انتهى. وخبر قوله "مثل" (¬2) هو: "مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى سائر الجسد بالسهر والحمى" فكأن المؤمنين جسد واحد يسرّهم ما يسره، ويضرهم ما يضره. قوله: "أخرجه الشيخان". الثالث: حديث "المقدام بن معد يكرب". 3 - وعن المقدام بن معد يكرب - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا أَحَبَّ أَحَدُكمْ أَخَاهُ فَلْيُخْبِرْهُ أَنَّهُ يُحِبُّهُ". أخرجه أبو داود (¬3) والترمذي (¬4). [صحيح] ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (10/ 439)، وإليك نص كلامه كما في "الفتح": الذي يظهر أن التراحم والتواد والتعاطف وإن كانت متقاربة في المعنى لكن بينها فرق لطيف، فأمّا الزاحم فالمراد به، أن يرحم بعضهم بعضاً بأخوة الإيمان، لا بسبب شيء آخر، وأمّا التوادد فالمراد به التواصل الجالب للمحبة، كالتزاور والتهادي، وأمّا التعاطف فالمراد به: إعانة بعضهم بعضاً، كما يعطف طرف الثوب عليه ليقويه. (¬2) ووجه التشبيه فيه التوافق في التعب والراحة. "فتح الباري" (10/ 439). (¬3) في "السنن" رقم (5124). (¬4) في "السنن" رقم (2391). وأخرجه أحمد (4/ 130)، والبخاري في "الأدب المفرد" رقم (542)، والنسائي في "عمل اليوم والليلة" رقم (206)، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" رقم (440)، والطبراني في "الكبير" (ج 20 رقم 661)، وفي "مسند الشاميين" رقم (491)، وابن السني في "عمل اليوم والليلة" رقم (198)، وأبو نعيم في "الحلية" =

قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أحبّ أحدكم أخاه" محبة خاصة غير محبة المؤمنين العامة. "فليخبره أنه يحبه" علل ذلك في حديث عن مجاهد مرسلاً: "فإنَّه أَبقى للألفة وأثبت للمودةِ"، وأخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب "الإخوان" (¬1)، وفي رواية: "وليقل له الذي أعلمه بحبه" ما يأتي قريباً، أخرجه أبو داود في أثناء حديث إلاّ أنّه قال المخبر: ولا أعلم هل علَّمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أم لا؟. قوله: "أخرجه أبو داود والترمذي". قلت: وقال (¬2) حسن صحيح غريب. الرابع: حديث (أنس): 4 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: كَانَ رَجُلٌ عِنْدَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَمَرَّ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولِ الله! إِنِّي أُحِبُّ هَذَا. قَالَ: "أَعْلَمْتَهُ؟ " قَالَ: لَا. قَالَ: "فَأَعْلِمْهُ". فَلَحِقَهُ. فَقَالَ: إِنِي أُحِبُّكَ فِي الله. فَقَالَ: أَحَبَّكَ الَّذِي أَحْبَبْتَنِي لَهُ. أخرجه أبو داود (¬3). [صحيح] ¬

_ = (6/ 99)، وابن حبان في "صحيحه" رقم (570)، والحاكم (4/ 171) من طريق يحيى بن سعيد القطان به، وهو حديث صحيح. وأخرجه أحمد (3/ 140 - 141) و"الضياء في المختارة" رقم (1619) من طرق من حديث أنس بن مالك. وأخرجه البخاري في "الأدب المفرد" رقم (543) بسند حسن، عن رجل من الصحابة. (¬1) رقم (69). (¬2) في "السنن" (4/ 595). (¬3) في "السنن" رقم (5125). وأخرجه أحمد (3/ 140)، وأبن حبان رقم (2513 - موارد)، والحاكم في "المستدرك" (4/ 171) وهو حديث صحيح.

"قال: كان رجل عند النبي - صلى الله عليه وسلم -، فمر رجل فقال: يا رسول الله! إني أحب هذا، قال: أعلمته؟ قال: لا، قال: فأعلمه، فلحقه فقال: إني أحبك في الله، فقال: أحبك الله الذي أحببتني فيه". لا أدري هل هذا قد كان علمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يقوله أو قاله من تلقاء نفسه (¬1). قوله: "أخرجه أبو داود". الخامس: 5 - وعن يزيد بن نعامة الضبي - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا آخَى الرَّجُلُ الرَّجُلَ فَلْيَسْألهُ عَنِ اسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ وَمِمَّنْ هُوَ، فَإِنَّهُ أَوْصَلُ لِلْمَوَدَّةِ". أخرجه الترمذي (¬2). [ضعيف] حديث (يزيد بن نعامة الضبي) قال الكاشغري: مختلف في صحبته. وفي "التقريب" (¬3): يزيد بن نعامة الضبي أبو مودود البصري، مقبول من الثالثة، ولم يجعله صحابياً، فيكون حديثه مرسلاً. قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا آخى الرجل الرجل" اتخذه أخاً وصديقاً. "فليسأله عن اسمه، واسم أبيه، وممن هو" من أي: قبيلة، فإنه يحتاج إلى معرفته لذلك. قوله: "أخرجه الترمذي". قلت: وقال (¬4): حديث غريب لا نعرفه إلاّ من هذا الوجه، قال: ولا يعلم ليزيد بن نَعَامة سماعاً من النبي صلى [134 ب] الله عليه وآله وسلم. ¬

_ (¬1) لم أقف على قول المخبر في "سنن أبي داود"، ولعله في نسخة أخرى. (¬2) في "السنن" رقم (2392 م) وهو حديث ضعيف. (¬3) (2/ 372 رقم 336). (¬4) في "السنن" (4/ 599).

قال (¬1): ويروى عن ابن عمر (¬2) عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحو هذا، ولا يصح إسناده. السادس: حديث (أبي هريرة): 6 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سَمِعْتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "أَحْبِبْ حَبِيبَكَ هَوْنًا مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ بَغِيضَكَ يَوْمًا مَا، وَأَبْغِضْ بَغِيضَكَ هَوْنًا مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ حَبِيبَكَ يَوْمًا مَا". أخرجه الترمذي (¬3) وصحح وقفه. [صحيح] ¬

_ (¬1) أي: الترمذي في "السنن" (4/ 599). (¬2) أخرجه البيهقي في "الشعب" رقم (9010)، وابن أبي الدنيا في "الإخوان" رقم (74). قال المناوي في "فيض القدير" (1/ 248)، وفيه عبد الله بن أبي مرة أورده الذهبي في "الضعفاء"، وقال: تابعي مجهول، وتبع الألباني في "الصحيحة" رقم (417)، المناوي بأن في سند الحديث عبد الله بن أبي مرة. ثم استدركه في (ص 947) من "الصحيحة" بقوله: ثم تبين لي أنه لا وجه لتضعيف المناوي، برواية البيهقي في "الشعب" بـ (عبد الله بن أبي مرة) المجهول؛ لأنه قائم على وهم وقع له في اسم هذا التابعي، فقد وقفت على إسناده في "الشعب" - وقد طبع أخيراً - فإذا هو عنده: (عبد الله بن مرة) الهمداني الخارفي ثقة بلا خلاف، ومن رجال الشيخين، وهو غير عبد الله بن أبي مرة المجهول. وهو حديث صحيح، والله أعلم. (¬3) في "السنن" رقم (1997). وأخرجه البيهقي في "الشعب" رقم (6595)، وابن عدي في "الكامل" (2/ 712)، وتمام في فوائده رقم (1195 - الروض البسام)، وابن حبان في "المجروحين" (1/ 351) وأعله بسويد بن عمرو الكلبي. قال الترمذي: حديث غريب. قال الألباني في "غاية المرام" (ص 273 - 274): رجاله كلهم ثقات، رجال مسلم، ليس فيهم من ينظر في حالة، سوى سويد بن عمرو الكلبي، وقد قال النسائي وابن معين: ثقة. وقال العجلي: ثقة، ثبت في الحديث، وكان رجلاً صالحاً متعبداً، ولم يتكلم فيه غير ابن حبان كما رأيت، فلا يلتفت إليه لا سيما وهو من رجال مسلم ... اهـ. وله طريق آخر عن ابن سيرين، يرويه الحسن بن دينار عنه به. =

"الهَوْنُ" الرّفق، وإضافة (ما) إليه تُفِيدُ التقليل، يعني: أحبه حباً قَصْداً لا إفراط فيه. "قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول" لفظه في "الجامع" (¬1): "قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أحبب .. " إلخ، ولفظ: "سمعت" في حديث ساقه (¬2) بعد حديث أبي هريرة عن عائشة، ونصَّ لمن أخرجه. "أحبب حبيبك هوناً ما" يأتي تفسيره عن المصنف، أي: حباً قليلاً، لا تفرط فيه "عسى" للإشفاق "أن يكون بغيضك يوماً ما" فتندم على الإفراط في حبه، أو ينالك بضر مما عرفه بسبب إفراط المحبة. ¬

_ = أخرجه تمام في "فوائده" رقم (1193 - الروض البسام)، وابن عدي في "الكامل" (2/ 711)، والخطيب في "تاريخ بغداد" (11/ 427)، وفيه ابن دينار هذا متروك. وأخرجه الطبراني في "الأوسط" رقم (5120)، وفي "الكبير" (8/ 88 - المجمع). عن عبد الله بن عمرو. وقال الهيثمي: وفيه محمد بن كثير الفهري، وهو ضعيف. وأخرجه الطبراني في "الأوسط" رقم (5119) وفي "الكبير" (8/ 99 - المجمع)، وتمام رقم (1196 - الروض البسام"، والقضاعي رقم (739) بسند ضعيف، لضعف أبي الصلت وجميل بن زيد، ولم يسمع من ابن عمر. وقال الهيثمي في "المجمع" (8/ 88): وفيه جميل بن زيد وهو ضعيف. قال الألباني في "غاية المرام" (ص 276). قلت: لكنه لم يتفرد به فقد قال تمام عقبه: ورواه يحيى البكاء عن ابن عمر، لكنَّ البكّاء ضعيف أيضاً، ولكنه أجمل حالاً من جميل فقد وثق). اهـ وأخرجه الدارقطني في "الأفراد - كما في "فيض القدير" (1/ 176). وأخرجه تمام في "فوائده" رقم (1192 و6594 - الروض البسام)، والترمذي بإثر حديث رقم (1997)، والبيهقي في "الشعب" رقم (6593)، والبخاري في "الأدب المفرد" رقم (1321). وفي "غاية المرام" رقم (472) صححه الألباني، حيث قال: وجملة القول: أن الحديث من طريق ابن سيرين صحيح مرفوعاً بلا ريب. والله أعلم. (¬1) (6/ 549 رقم 4775). (¬2) أي: ابن الأثير في "الجامع" (6/ 550 رقم 4776)، وبيض له وفي "المطبوع" أخرجه رزين.

ولذا قال: احذر عدوك مرة ... واحذر صديقك ألف مرة فلربما انقلب الصد ... يق فكان أعرف بالمضرة "وابغض بغيضك بغضاً ما عسى أن يكون حبيبك يوماً ما" فتندم على الإفراط في بغضك إياه، والإفراط فيه وهو نهي عن الإفراط في الأمرين. قوله: "أخرجه الترمذي وصحح وقفه". قلت: قال (¬1): هذا حديث ضعيف، والصحيح: أنه عن علي موقوف. السابع: حديث (أبي هريرة أيضاً). 7 - وعنه - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يَقُولُ الله - عز وجل - يَوْمَ القِيَامَةِ: أَيْنَ المتحَابُّونَ بِجَلاَلِي؟ اليَوْمَ أُظِلُّهُمْ فِي ظِلِّي يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلَّا ظِلِّي". أخرجه الترمذي (¬2) وصححه. [صحيح] ¬

_ (¬1) في "السنن" (4/ 360). (¬2) كذا في "المخطوط" وهو خطأ، والذي في "الجامع" (6/ 550)، أخرجه مسلم والموطأ. أخرجه مسلم في "صحيحه" رقم (37/ 2566)، ومالك في "الموطأ" (2/ 952). قلت: وأخرجه أحمد (2/ 237)، والدارمي (2/ 312)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (3462) من طرق، وهو حديث صحيح. وأخرج الترمذي في "السنن" رقم (2390) من حديث معاذ بن جبل قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "قال الله عز وجل: المتحابون في جلالي لهم منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء ... ". وأخرجه أحمد (5/ 239)، والطبراني في "الكبير" (ج 20 رقم 144 - 151)، وأبو نعيم في "الحلية" (2/ 131) من طرق. وهو حديث صحيح.

قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يقول الله يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي؟ " من قوله: {ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (27)} (¬1) أي: الذي يجله الموحدون عن التشبيه بخلقه، وعن أفعالهم (¬2)، أو يقال له: ما أجَلك؟ وما أكرمك؟ أو من عنده الجلال والإكرام للمخلصين من عباده، وهذه الصفة من أعظم صفات الله تعالى، قاله في "الكشاف" (¬3). وإنما جعل التحاب (¬4) لأجل جلاله تعالى غير مشوب بشيء آخر غير رضاه لدلالته على الهيبة والسطوة المانعة عن قصد ما لا يرضاه. ¬

_ (¬1) سورة الرحمن الآية: (27). (¬2) قول الزمخشري: عن التشبيه بخلقه وعن أفعالهم، إجلاله عن أفعال الخلق مبني على مذهب المعتزلة: أنه لا يخلق أفعال العباد ومذهب أهل السنة، أنه هو الخالق لها. انظر: "المعتزلة وأصولهم الخمسة" (ص 169 - 180). "مجموع فتاوى لابن تيمية" (8/ 389، 393 - 400). (¬3) (6/ 9). - الجلال من أوصافه سبحانه وتعالى، وهي صفة ذاتية ثابتة بالكتاب والسنة، و (الجليل) ليس من أسمائه تعالى. وقد تقدم مفصلاً في أسماء الله الحسنى. (¬4) قال الحافظ في "الفتح" (1/ 62) قال يحيى بن معاذ: حقيقة الحب في الله أن لا يزيد بالبر ولا ينقص بالجفاء. وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما تحاب رجلان في الله إلا كان أحبهما إلى الله عز وجل أشدهما حباً لصاحبه". أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" رقم (544)، وابن حبان في "صحيحه" رقم (566)، وأبو يعلى في "مسنده" رقم (3419)، والبزار في "مسنده" رقم (3600 - كشف)، والحاكم (4/ 171)، وصححه ووافقه الذهبي. وهو حديث صحيح.

"اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلاّ ظلي". أي: يكونون في ظل العرش من حرِّ ذلك اليوم، ووهيج الموقف، وقيل: أي: في الراحة وطيب العيش في كنفه وستره. قوله: "أخرجه مسلم ومالك (¬1) ". الثامن: حديث (معاذ بن جبل): 8 - وعن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "يَقُولُ الله - عز وجل -: المتحَابُّونَ فِي جَلاَلِي لهُمْ مَنَابِرُ مِنْ نُورٍ يَغْبِطُهُمُ النَّبِيُّونَ وَالشُّهَدَاءُ". أخرجه [مسلم ومالك] (¬2). [صحيح] قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[135 ب]: "يقول الله - عز وجل -: "المتحابون في جلالي لهم منابر من نور يغبطهم" قال ابن الأثير (¬3): الغبطة هي أن تشتهي لنفسك مثل ما يكون لغيرك من نعمة وثروة، من غير أن يزول عنه ما هو فيه، والحسد أن تتمنى ما لغيرك بزوال نعمته. "النّبيّون" إن قلت: لا ريب أنّ الأنبياء - عليهم السلام - أفع العباد درجة عند الله، فكيف يغبطون من ذكر؟ قلتُ: الأنبياء - عليهم السلام - مخاطبون يوم القيامة بالشفاعة لأممهم، والاهتمام بأمورهم، وأولئك على المنابر لا يخاطبون بشيء ولا يهتمون به، ولأنه تعالى يسأل الرسل ويقول: ماذا أجبتم؟ ويسأل الأمم عنهم: هل بلغوا؟ وغير ذلك من أمور الآخرة. "والشهداء" أي: يغبطونهم أيضاً. "أخرجه الترمذي وصححه". ¬

_ (¬1) تقدم التعليق على ذلك فانظره. (¬2) كذا في "المخطوط" وهو خطأ، والذي في "الجامع" (6/ 551 رقم 4778)، أخرجه الترمذي. أخرجه الترمذي رقم (2390)، وقال: هذا حديث صحيح. وهو حديث صحيح، وقد تقدم تخريجه: آنفاً. (¬3) في "غريب الجامع" (6/ 551).

قلت: قال (¬1): حسن صحيح. التاسع: 9 - وعن أبي إدريس الخولاني عن معاذ - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: يَقُولُ الله تَبَارَكَ وَتعالى: "وَجَبَتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ، وَللْمُتَجَالِسِينَ فِيَّ، وَللِمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ، وَللْمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ". أخرجه مالك (¬2). [صحيح] حديث (أبي أدريس الخولاني) صدره في "الجامع" (¬3): "عن أبي أدريس الخولاني قال: دخلت مسجد دمشق، فإذا فتىً برَّاق الثَّنايا والنَّاس حوله، فإذا اختلفوا في شيء أسندوه إليه، وصدَروا عن رأيه، فسألت عنه؟ فقالوا: هذا معاذ بن جبل، فلما كان الغد هجَّرت إليه، فوجدتُه قد سبقني بالتهجير، ووجدته يصلِّي، فانتظرته حتى أمضى صلاته، ثم جئته من قبل وجهه، فسلّمت عليه، ثم قلت له: والله إني لأحبُّك في الله، قال: الله؟ فقلت: الله، ثم قال: الله؟ فقلت: الله، فأخذ بحبوة ردائي، فجذبني إليه، فقال: أبشر، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "يقول الله تبارك وتعالى: وجبت محبتي للمتحابين فيَّ، والمتجالسين فيَّ" أي: في ذكري، كالقاعدين في حلق تلاوة كتابه، والتذكير بنعمائه. ¬

_ (¬1) الترمذي في "السنن" (4/ 598). (¬2) في "الموطأ" (2/ 953 - 954 رقم 16) وهو حديث صحيح. وأخرجه أحمد في "المسند" (5/ 229)، والطيالسي رقم (571)، والحاكم (4/ 169 - 170)، والطحاوي رقم (3893، 3894)، والطبراني في "الكبير" (ج 20 رقم 146، 147، 148)، وأبو نعيم في "الحلية" (5/ 206). من طرق. وهو حديث صحيح. (¬3) (6/ 551 - 552).

"والمتزاورين فيَّ" (¬1) يزور أخاه لله. "والمتباذلين فيَّ" يبذلون أموالهم لله، ومن أحبه الله أحبه العباد، وإذا أحب الله يوماً عبده ألقى عليه محبة في الناس. ومحبة (¬2) الله لعبده فسّرت بإرادته الخير له، وإكرامه إياه، وبغضه (¬3) إرادة عقوبته وإهانته، ويأتي حديث إيحاء الله إلى جبريل بأنه يحب فلاناً. ¬

_ (¬1) عن عمرو بن عبسة قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: قال الله عز وجل قد حقت محبتي للذين يتحابون من أجلي، وقد حقت محبتي للذين يتزاورون من أجلي، وقد حقت محبتي للذين يتباذلون من أجلي، وقد حقت محبتي للذين يتصافون من أجلي". أخرجه أحمد (4/ 386)، الطبراني في "الصغير" رقم (1095)، وفي "الأوسط" رقم (9076)، والبيهقي في "الشعب" رقم (8996). وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (10/ 279)، وقال: رواه الطبراني في الثلاثة، وأحمد بنحوه ورجال أحمد ثقات. وهو حديث صحيح. (¬2) الحب أو المحبة من صفات الله عز وجل، الفعلية الاختيارية الثابتة بالكتاب والسنة. الدليل من الكتاب: قوله تعالى: {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195)} [البقرة: 195]. وقوله تعالى: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة: 54]. الدليل من السنة: ما أخرجه مسلم رقم (2405) من حديث سهل بن سعد - رضي الله عنه -، وفيه: "لأعطين الراية غداً رجلاً يفتح الله على يديه، يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله .... ". فأهل السنة والجماعة يثبتون صفة الحب والمحبة لله عز وجل، ويقولون: هي صفة حقيقة لله عز وجل، على ما يليق به، وليس هي إرادة الثواب، كما يقول المؤولة، كما يثبت أهل السنة لازم المحبة، وأثرها وهو إرادة الثواب وإكرام من يحبه سبحانه. (¬3) البغض: من الصفات الفعلية الثابتة لله عز وجل بالأحاديث الصحيحة. =

قوله: "أخرجه "الموطأ"". العاشر: حديث (عمر - رضي الله عنه -): 10 - وعن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَفْضَلُ الأَعْمَال: الحُبُّ فِي الله، وَالبُغْضُ فِي الله". أخرجه أبو داود (¬1). [ضعيف] 11 - وعن عمر - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ مِنْ عِبَادِ الله لِأُناسًا مَا هُمْ بِأَنْبِيَاءَ، وَلاَ شُهَدَاءَ، يَغْبِطُهُمُ الأَنْبِيَاءُ وَالشُّهَدَاءُ يَوْمَ القِيَامَةِ بِمَكَانِهِمْ مِنَ الله تَعَالَى". قَالُوا: يَا رَسُولَ الله تُخبرْنَا مَنْ هُمْ؟ قَالَ: "هُمْ قَوْمٌ تَحَابُّوا بِرُوحِ الله عَلَى غَيْرِ أَرْحَامٍ بَيْنَهُمْ، وَلاَ أَمْوَالٍ يَتَعَاطَوْنَهَا، فَوَالله إِنَّ وُجُوهَهُمْ لنُورٍ، وإِنَّهُمْ لَعَلَى نورٍ. وَلاَ يَخَافُونَ إِذَا خَافَ النَّاسُ، وَلاَ يَحْزُنونَ إِذَا حَزِنَ النَّاسُ". وَقَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62)} (¬2). أخرجه أبو داود (¬3). [صحيح] قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن من عباد الله لأناس ما هم بأنبياء، ولا شهداء [136 ب] يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة بمكانهم من الله تعالى، قالوا: يا رسول الله تخبرنا من ¬

_ = انظر: حديث أبي هريرة الأتي. (¬1) في "السنن" رقم (4599) وهو حديث ضعيف. ويغنى عن الضعيف، ما أخرجه أحمد (3/ 438، 440)، وأبو داود رقم (4681)، عن أبي أمامة، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من أحب لله، وأبغض لله، ومنع لله، فقد استكمل الإيمان". وهو حديث صحيح. لم يشرح ابن الأمير حديث أبي ذر. (¬2) سورة يونس الآية: 62. (¬3) في "السنن" رقم (3527) وهو حديث صحيح. أخرجه البيهقي في "الشعب" رقم (8998) وهناد في "الزهد" رقم (475)، وابن جرير في "جامع البيان" (12/ 212)، وأبو نعيم في "الحلية" (1/ 5)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" (6/ 1963).

هم؟ قال: هم قوم تحابوا بروح الله" أي: برحمته وحبه وذكره، أي: هو سبب التحاب بينهم لا سبب غير ذلك، ولذا قال: "من غير أرحام بينهم، ولا أموال يتعاطونها" يعطي بعضهم بعضاً. "فوالله إنّ وجوههم لنور، وإنهم لعلى نور" أي: منابر من نور كما تقدم. "لا يخافون إذا خاف الناس، ولا يحزنون إذا حزن الناس"، وقرأ هذه الآية: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62)} (¬1). فهذا نص أنّ هؤلاء هم أولياء الله، وقد وصفهم بقوله: {الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63)} (¬2). قوله: "أخرجه أبو داود". الحادي عشر: حديث (أبي هريرة - رضي الله عنه -). 11 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا أَحَبَّ الله تَعَالَى العَبْدَ نَادَى جِبْرِيلَ: إِنَّ الله يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحْبِبْهُ. فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ يُنَادِي فِي أَهْلِ السَّمَاءِ: إِنَّ الله يُحِبُّ فُلانًا فَأَحِبُّوهُ، فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ, ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ القَبُولُ فِي الأَرْضِ". أخرجه الثلاثة (¬3) والترمذي (¬4). [صحيح] ¬

_ (¬1) سورة يونس الآية: (62). (¬2) سورة يونس الآية: (63). قال ابن جرير في "جامع البيان" (12/ 213) وقوله: {الَّذِينَ آمَنُوا} [البقرة: 14] من نعت الأولياء، ومعنى الكلام: ألا إن أولياء الله الذين آمنوا وكانوا يتقون، لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. (¬3) أخرجه البخاري رقم (3209، 6040، 7485)، ومسلم رقم (157/ 2637)، ومالك في "الموطأ" (2/ 953). (¬4) في "السنن" رقم (3161) وهو حديث صحيح.

وزاد مسلم (¬1): "وَإِذَا أَبْغَضَ عَبْداً [نَادَى] (¬2) جِبْرِيلَ: إِنِّي أبْغِضُ فُلاَنًا فَأَبْغِضْه. فَيُبْغِضُهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ يُنَادِى في أَهْلِ السَّمَاءِ: إِنَّ الله يُبْغِضُ فُلاَنًا [فَأَبْغِضُوهُ] (¬3)، ثُمَّ تُوضَعُ لَهُ البَغْضَاءُ فِي الأَرْضِ". [صحيح] قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أحب الله عبداً" قد ورد في الحديث الصحيح تعيين من يحبه, الله وهو الحديث القدسي (¬4)، وأنه يقول الله: "أفضل ما تقرب به عبدي أداء ما افترضت عليه إلى أن يقول: "ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه, فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به, ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها ... " الحديث. "نادى جبريل: إنَّ الله يحب فلاناً" هذا وضع الظاهر موضع المضمر أصله: "إني أحب". "ثم ينادي" جبريل بأمر الله. "في أهل السماء: إنّ الله يحب فلاناً فأحبوه, فيحبه أهل السماء" يحتمل أنّ المراد السموات كلها. قالوا: محبة الملائكة تحتمل أمرين: ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (157/ 2637). (¬2) كذا في (أ. ب) والذي في "صحيح مسلم": دعا. (¬3) كذا في (أ. ب) والذي في "صحيح مسلم": قال فيبغضونه. (¬4) يشير إلى الحديث الذي أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (6502) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله قال: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب, وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحب إليَّ مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه, فإذا أحببته, كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به, ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه, ولئن أستعاذني لأعيذنه, وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته.

أحدهما: استغفارهم له، ورحمتهم وثناءهم عليه، ودعاؤهم له. والثاني: أنّ محبتهم على ظاهرها كمحبة المخلوقين، وهو ميل القلب إليه، واشتياقهم إلى لقائه بالمحبة والرضا عنه، ويؤخذ منه أنّ محبة قلوب الناس علامة محبة الله، ويؤيده "أنتم شهداء الله في أرضه". قوله: "أخرجه الثلاثة والترمذي" قال ابن الأثير (¬1): وزاد (¬2) في حديثه في ذكر المحبة: "فذاك قول الله: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا (96)} (¬3) ". زاد مسلم (¬4) في روايته: "وإذا أبغض الله عبداً نادى جبريل" لفظه في "الجامع" (¬5): "دعا جبريل". قوله: "إني أبغض فلاناً فأبغضه، فيبغضه جبريل ثم ينادي في أهل [137 ب] السماء: إنّ الله يبغض فلاناً فأبغضوه، ثم توضع له البغضاء في الأرض". وأخرجه "الموطأ" (¬6) بمثل الرواية الأولى، قال: ولا أحسبه إلاّ قال في البغض مثل ذلك. الثاني عشر: (حديث أبي ذر - رضي الله عنه -): 12 - وعن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: قُلْتُ يَا رَسُولَ الله الرَّجُلُ يُحِبُّ القَوْمَ وَلاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ ¬

_ (¬1) في "الجامع" (6/ 555). (¬2) أي: الترمذي في "السنن" رقم (3161) وهو حديث صحيح. (¬3) سورة مريم الآية: 96. (¬4) في "صحيحه" رقم (157/ 2637). (¬5) (6/ 555). (¬6) (2/ 953).

يَعْمَلَ عَمَلَهُمْ؟ قَالَ: "أَنْتَ يَا أَبَا ذَرٍّ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ" (¬1). [صحيح] قال: قلت: يا رسول الله! الرجل يحب القوم ولا يستطيع أن يعمل عملهم، قال: يا أبا ذر أنت مع من أحببت" تمامه عند أبي داود (¬2): "قال: فإني أحب الله ورسوله، قال: فإنك مع من أحببت, فأعادها أبو ذر وأعادها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ". وفي "الجامع" (¬3): أنّ في رواية البخاري (¬4): "أنّ رجلاً من أهل البادية أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله! متى الساعة قائمة؟ قال: ويلك وما أعددت لها؟! قال: ما أعددت لها إلاّ أني أحب الله ورسوله، قال: إنك مع من أحببت، قلنا: ونحن كذلك؟ قال: نعم، ففرحنا يومئذٍ فرحاً شديداً"، انتهى. - وفي لفظ الترمذي (¬5): "المَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ". أخرجه أبو داود (¬6) عن أبي ذرّ، والترمذي عن صفوان بن عَسَّال. قوله: "أخرجه أبو داود وعن أبي ذر". قلت: وأخرجه (¬7) عن أنس، وفي روايته عنه قال: "ما رأيت أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود في "السنن" رقم (5126)، وأحمد في "المسند" (5/ 156، 166)، وابن حبان في "صحيحه" رقم (556) وهو حديث صحيح. (¬2) في "السنن" رقم (5126) وهو حديث صحيح. (¬3) (6/ 556 - 557). (¬4) في "صحيحه" رقم (6167). أخرجه مسلم رقم (2639)، والترمذي رقم (2385) كلهم من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه -. (¬5) في "السنن" رقم (2387) من حديث صفوان بن عسال. وهو حديث صحيح. (¬6) في "السنن" رقم (5126) وهو حديث صحيح. (¬7) أي: الترمذي في "السنن" رقم (2385) وهو حديث صحيح.

فرحوا بشيء لم أرهم فرحوا بشيء أشد منه". "والترمذي (¬1) عن صفوان بن عسال". قلت: لفظه ما تقدم، زاد في رواية (¬2): "وله ما اكتسب"، وقال الترمذي (¬3): حسن غريب. الثالث عشر: حديث (أبي هريرة - رضي الله عنه -): 13 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قَالَ رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "الأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ، مَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ، وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ". أخرجه مسلم (¬4)، وأبو داود (¬5)، وأخرجه البخاري (¬6) عن عائشة. [صحيح] قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الأرواح" أرواح بني آدم أو أعم من ذلك. "جنود" جمع جند. قوله: "مجندة ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف" قال ابن الأثير (¬7): معنى "الأرواح جنود مجندة": الإخبار عن مبدأ (¬8) كون الأرواح وتقدُّمها الأجساد، فأخبر النبي ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (2387) وهو حديث صحيح. (¬2) في "السنن" رقم (2386) من حديث أنس - رضي الله عنه -. (¬3) في "السنن" (4/ 596). (¬4) في "صحيحه" رقم (2638). (¬5) في "السنن" رقم (4834) وهو حديث صحيح. (¬6) في "صحيحه" (6/ 369 رقم 333) تعليقاً. قال الحافظ في "الفتح" (6/ 369) وقال الليث: وصله المصنف في "الأدب المفرد" رقم (691) عن عبد الله ابن صالح. (¬7) في "غريب الجامع" (6/ 559 - 560). (¬8) قاله الخطابي في "معالم السنن" (5/ 169).

الفصل السابع: في التعاضد والتناصر

- صلى الله عليه وسلم - أنها خلقت أول خلقها على قسمين: من ائتلاف، واختلاف، كالجنود المجندة إذا تقابلت وتواجهت، ومعنى تقابل الأرواح ما جعلها الله عليه من السعادة والشقاوة في مبدأ الكون والخلقة، يقول: إنّ الأجساد التي فيها الأرواح تلتقي في الدنيا فتأتلف، وتختلف على حسب ما جعلت عليه من التشاكل أو التنافر في بدء الخلقة، ولهذا ترى الخَيِّرُ يحب الأخيار، والشِّرِّيرَ يحب الأشرَار، ويميل إليهم، انتهى. وفي غيره قال العلماء (¬1) [138 ب]: معناه جموع مجتمعة وأنواع، وأمَّا تفارقها فهو لأمر جعله الله تعالى عليه. قيل: إنَّه موافقة صفاتها التي خلقها الله عليها وتناسبها في قسمتها. وقيل: لأنها خلقت مجتمعة ثم فرقت في أجسادها، فمن وافق قسمه ألفه، ومن باعده نافره وخالفه. وقال الخطابي (¬2) وغيره (¬3): توالفها هو ما خلقه الله عليه من السعادة والشقاوة في المبتدأ، وكانت الأرواح قسمين متقابلين، فإذا تلاقت الأجساد ائتلفت واختلفت بحسب ما خلقت عليه، فيميل الأخيار إلى الأخيار، والأشرار إلى الأشرار. قوله: "أخرجه مسلم وأبو داود وأخرجه البخاري عن عائشة - رضي الله عنها - ". الفصل السابع: في التعاضد والتناصر قوله: "السابع في التعاضد والتناصر" جعل فيه ابن الأثير (¬4) أربعة فروع. الأول: حديث (ابن عمر - رضي الله عنه -): ¬

_ (¬1) ذكره النووي في شرحه لـ "صحيح مسلم" (16/ 185). (¬2) في "معالم السنن" (5/ 169 - مع السنن). (¬3) انظر: "المفهم" (6/ 644 - 645). (¬4) في "الجامع" (6/ 561).

1 - عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ، لاَ يَظْلِمُهُ, وَلاَ يُسْلِمُهُ, وَمَنْ كَانَ في حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ الله في حَاجَتِهِ, وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كرْبَةً فَرَّجَ الله بِهَا عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ القِيَامة, وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ الله يَوْمَ القِيَامَةِ". أخرجه أبو داود (¬1). [صحيح] وزاد رزين في رواية: "وَمَنْ مَشَى مَعَ مَظْلُومٍ حَتَّى يُثْبِتَ لَهُ حَقَّهُ ثَبَّتَ الله تَعَالى قَدَمَيْهِ عَلَى الصِرَاطِ يَوْمَ تَزِلُّ الأَقْدَامُ". قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "المسلم أخو المسلم" هو من قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} (¬2). "لا يظلمه ولا يسلمه" يقال: أسلم فلاناً فلاناً: إذا ألقاه في الهلكة ولم يَحْمه من عدوه، [وهو عامٌّ] (¬3) في كل من أسلمته إلى شيء، لكن دخله التَّخصيص وغلب عليه الإلقاء في الهلكة، قاله في "النهاية" (¬4). "ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته" ومن كان الله (¬5) في حاجته قضاها قطعاً، وفي هذا أعظم حث على نفع الرجل أخاه، وأنه ينبغي له أن يشتغل بحاجة أخيه دون حاجة نفسه؛ لأنّ حاجة نفسه قد تكفل بها من بيده ملكوت كل شيء وهو على كل شيء قدير. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (4893). وأخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (2442)، ومسلم رقم (2580)، والترمذي في "السنن" رقم (1426). وهو حديث صحيح. (¬2) سورة الحجرات الآية: 10. (¬3) سقطت من (أ. ب) وأثبتاه من "النهاية". (¬4) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 800). (¬5) انظر: "شرح صحيح مسلم" للنووي (16/ 134 - 135).

"ومن فرج عن مسلم كربة" وتفريجها بأي شيء ولو بوعظه والتذكير. "فرّج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة" وهو يوم الأهوال والأفزاع والكرب. "ومن ستر مسلماً" رأى عليه ارتكاب (¬1) ما يقبح مما يجوز ستره وأخرج أبو داود (¬2) والنسائي (¬3) من حديث عقبة بن عامر عنه - صلى الله عليه وسلم -: "من رأى عورة فسترها كان كمن أحيا موءودة". قوله: "أخرجه أبو داود". ¬

_ (¬1) قال النووي في "شرحه لصحيح مسلم" (16/ 135): في هذا فضل إعانة المسلم وتفريج الكرب عنه وستر زلاته, ويدخل في كشف الكربة وتفريجها من أزالها بماله أو جاهه أو مساعدته, والظاهر أنه يدخل فيه من أزالها بإشارته ورأيه ودلالته وأما الستر المندوب إليه هنا فالمراد به الستر على ذوي الهيئات ونحوهم ممن ليس هو معروفاً بالأذى والفساد فأما المعروف بذلك فيستحب أن لا يستر عليه, بل ترفع قضيته إلى ولي الأمر إن لم يخف من ذلك مفسدة لأن الستر على هذا يطمعه في الإيذاء والفساد، وانتهاك الحرمات وجسارة غيره على مثل فعله هذا كله في ستر معصية وقعت وانقضت أما معصية رآه عليها وهو بعد متلبس بها فتجب المبادرة بإنكارها عليه ومنعه منها على من قدر على ذلك، ولا يحل تأخيرها فإن عجز لزمه رفعها إلى ولي الأمر إذا لم تترتب على ذلك مفسدة, وأما جرح الرواة والشهود والأمناء على الصدقات والأوقاف والأيتام ونحوهم فيجب جرحهم عند الحاجة ولا يحل الستر عليهم، إذا رأى منهم ما يقدح في أهليتهم وليس هذا من الغيبة المحرمة, بل من النصيحة الواجبة, وهذا مجمع عليه قال العلماء في القسم الأول: الذي يستر هذا الستر مندوب، فلو رفعه إلى السلطان ونحوه لم يأثم بالإجماع، لكن هذا خلاف الأولى، وقد يكون في بعض صوره ما هو مكروه والله أعلم. (¬2) في "السنن" رقم (4891). (¬3) في "السنن الكبرى" رقم (7242، 7241).

قلت: زاد المنذري (¬1) والترمذي (¬2) والنسائي (¬3)، وأخرج مسلم (¬4) بعضه، وذكره ابن الأثير في آخر هذا الفصل ونسبه إلى الشيخين (¬5) [139 ب]. قوله: "وزاد رزين في رواية: ومن مشى مع مظلوم حتى يثبت له حقه ثبت الله قدميه على الصراط يوم تزل الأقدام". وهو داخل تحت عموم: "من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته" وفي عموم: "من فرج كربة". الثاني: (حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -): 2 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قَالَ رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ الله عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كربِ يَوْمِ القِيَامَةِ, وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ الله عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ, وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ الله في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَالله في عَوْنِ العَبْدِ مَا كَانَ العَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ, وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ الله لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الجَنَّةِ, وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ الله تَعَالَى يَتْلُونَ كتَابَ الله وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلاَّ نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ, وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةَ, وَحَفَّتْهُمُ المَلاَئِكَةُ, وَذَكَرَهُمُ الله فِيمَنْ عِنْدَهُ, وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ". أخرجه مسلم (¬6)، واللفظ له، وأبو داود (¬7)، والترمذي (¬8). [صحيح] ¬

_ (¬1) في "مختصر السنن" (7/ 721). (¬2) في "السنن" رقم (1426). (¬3) في "السنن الكبرى" رقم (7245، 7246، 7247). (¬4) في "صحيحه" رقم (2580). (¬5) البخاري في "صحيحه" رقم (2442)، ومسلم في "صحيحه" رقم (2580). (¬6) في "صحيحه" رقم (2699). (¬7) في "السنن" رقم (4946). (¬8) في "السنن" رقم (1930). =

قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا" وهي كل ما حصل من الكرب، في "القاموس" (¬1): الكرب الحزن يأخذ بالنفس. "نفّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة, ومن يسّر على معسر" سهل عليه إن كان له دين عنده أو سعى عند من له الدين في التيسير عليه. "يسّر الله عليه" أي: أموره كلها, ولذا أطلقه. "في الدنيا والآخرة ومن ستر مسلماً" كما تقدم بأن يراه على قبيح فلم يبرزه. "ستره الله في الدنيا والآخرة, والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه". في أمور دينه أو دنياه. "ومن سلك طريقاً يلتمس فيها علماً" من العلم النافع بتعلمه أو بتعليمه. "سهل الله له طريقاً إلى الجنة, وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله"، وهي المساجد كما قال: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} (¬2). قوله: "يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم" المدارسة مفاعلة, تصدق على من تلا شيئاً ورفيقه يستمع له، ثم يتلو رفيقه وهو كذلك، ويصدق على جماعة كل يتلو لنفسه على الاستقلال، والمفاعلة بمعنى فعل بينهم. "إلاّ نزلت عليهم السكينة" فعيلة من السُّكون والطمأنينة, قاله ابن الأثير (¬3): "وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة" أحاطت بهم. ¬

_ = وأخرجه ابن ماجه رقم (225) وأحمد (2/ 252) وابن حبان في "صحيحه" رقم (534). وهو حديث صحيح. (¬1) "القاموس المحيط" (ص 166). (¬2) سورة النور الآية (36). (¬3) في "غريب الجامع" (6/ 562). =

"وذكرهم الله فيمن عنده" كما هو نص: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} (¬1). "ومن بطأ به عمله" أخّره عن القرب من الله والتقرب إليه. "لم يسرع به نسبه" إليهما كما هو نص: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} (¬2). قوله: "أخرجه مسلم، واللفظ له، وأبو داود والترمذي" لكن ليس لأبي داود إلاّ إلى قوله: "في عون أخيه" ما في "الجامع" (¬3). الثالث: "حديث أبي هريرة أيضاً". 3 - وعنه - رضي الله عنه - قال: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "الدِّينُ النَّصِيحَةُ". قالُوا: لِمَنْ يَا رسولَ الله؟ قَالَ: "لله، وَلكِتَابِهِ, وَلرَسُولِهِ، وَلأَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ. المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِم, لاَ يَخْذُلُهُ، وَلاَ يَكْذِبُهُ, وَلاَ يَظْلِمُهُ. إِنَّ أَحَدَكمْ مِرْآةُ أَخِيه, فَإِن رَأَى بِهِ فَلْيُمِطْهُ عَنْه". أخرجه البخاري (¬4). [صحيح] ¬

_ = وانظر: "النهاية في غريب الحديث" (1/ 791 - 792). (¬1) سورة البقرة الآية (152). (¬2) سورة الحجرات الآية (12). (¬3) (6/ 562). (¬4) في "صحيحه" (1/ 137 الباب رقم 42 - مع الفتح). قال ابن حجر في "فتح الباري" (1/ 137): هذا الحديث أورده المصنف هنا ترجمة باب, ولم يخرجه مسنداً في هذا الكتاب لكونه على غير شرطه، ونبه بإيراده على صلاحيته في الجملة. وقال ابن حجر في "تغليق التعليق" (2/ 54 - 56): هذا المتن لم يخرجه البخاري موصولاً في "صحيحه"، وإنّما أخرجه في تاريخه الكبير (6/ 460) وفي "الأوسط" (2/ 34). ثم قال ابن حجر: وأخرجه مسلم من حديث سهيل بن أبي صالح، عن عطاء بن يزيد، عن تميم الداريِّ، وهو مشهور عن سُهيل ... =

قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الدين النصيحة" مبالغة في أنها هي الدين، ويحتمل [140 ب] أنها حقيقة؛ لأنّ من نصح لله كما قالوا: "لمن يا رسول الله؟ قال: لله" فإنه لا يتم نصحه لله إلاّ بقيامه بوظائف الدين المأمور بها فعلاً والمنهي عنها تركاً، وكذلك: "لكتابه" فإنّ نصح الكتاب العمل به، وكذلك: "لرسوله" فإنّ نصحه اتباع أوامره والانتهاء عن نواهيه, وكذلك: "لأئمة المسلمين" بمعاونتهم على فعل الخيرات, وكفهم عن المقبحات. "والمسلم أخو المسلم لا يخذله، ولا يكذبه، ولا يظلمه" فإنّ هذه تنافي أخوته إياه. "وإنّ أحدكم مرآة أخيه" أي: مثلها في إراءة الحسن والقبيح. "فإن رأى به أذىً فليمطه عنه" أي: يزله عنه. "أخرجه الترمذي". قلت: في "الجامع" ساقه هكذا ثم قال: أخرجه الترمذي مفرقاً في ثلاثة مواضع. قال: والرواية الأولى - يريد التي ساقها المصنف وساقها ابن الأثير - ذكرها بطولها رزين، انتهى. راجعت "سنن الترمذي"، فحديث أبي هريرة فيه ساقه إلى قوله: "ما كان في عون أخيه" فقط, وذكر حديث: "إنّ أحدكم مرآة أخيه" إلى آخره حديث مستقل، وقال: ضعيف، شعبة أحد رواته, والمرآة مفعلة من الرؤية, وإلى هذا انتهى شرح العراقي على الترمذي. الرابع: 4 - وعن عاصم الأحول قال: قُلْتُ لأَنَسٍ - رضي الله عنه -: أَبَلَغَكَ أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لاَ حِلْفَ فِي الإِسْلاَمِ". فَقَالَ: قَدْ حَالَفَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَ قُرَيْشٍ وَالأَنْصَارِ فِي دَارِى". ¬

_ = وأخرج حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أحمد في "المسند" (2/ 297)، والترمذي في "السنن" رقم (1926)، ومحمد بن نصر رقم (748)، والنسائي (7/ 157). انظر: "تغليق التعليق" (2/ 54 - 57).

أخرجه الشيخان، واللفظ له، وأبو داود. [صحيح] وعنده: في دَارِنَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثَاً. حديث (عاصم الأحول) في "التقريب" (¬1): عاصم بن سليمان الأحول، أبو عبد الله البصري، يعد من الرابعة, لم يتكلم فيه إلاّ القطان، وكأنه بسبب دخوله في الولاية، انتهى. "قال: قلت لأنس: أبلغك أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: لا حلف في الإِسلام؟ ". الحلف (¬2) بكسر المهملة وسكون اللام، العهد والمعنى: أنهم لا يتعاهدون في الإِسلام على الأشياء التي كانوا يتعاهدون عليها في الجاهلية بآرائهم، وأمّا حلف الإِسلام فهو جائز على أحكام الدين وحدوده في الجاهلية في الأخوة والتناصر والتعاون على الحق، والأخذ على يد الظالم. "فقال" أي: أنس "قد حالف النبي - صلى الله عليه وسلم - بين قريش والأنصار في داري [141 ب] خمساً". لفظ: "خمساً" ليس في البخاري (¬3) ولا في "جامع ابن الأثير" (¬4)، وفي "الجامع" رواية نسبها إلى أبي داود (¬5) وفيه: "في دارنا مرتين أو ثلاثاً" وتأتي للمصنف وكان سفيان بن عيينة يقول: معنى حالف آخر ولا حلف في الإِسلام كما جاء به الحديث. قوله: "أخرجه الشيخان واللفظ لهما". قلت: فيه نظر كما عرفت، والبخاري (¬6) ترجم له بقوله: باب الإخاء والحلف. ¬

_ (¬1) (1/ 384 رقم 9). (¬2) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (1/ 415). "المجموع المغيث" (1/ 488). (¬3) في "صحيحه" رقم (2294). (¬4) في "الجامع" (6/ 567). (¬5) في "السنن" رقم (2926). (¬6) في "صحيحه" (10/ 501 الباب رقم 67 - مع الفتح).

الخامس: (حديث أنس - رضي الله عنه -). 5 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا". قِيل: أَنْصُرُهُ إِذَا كانَ مَظْلُومًا، فَكَيْفَ أنصُرُهُ ظَالِمًا؟ قَالَ: "تَحْجُزُهُ عَنِ الظُّلْمِ، فَإِنَّ ذَلِكَ نَصْرُهُ". أخرجه البخاري (¬1) والترمذي (¬2). [صحيح] "قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: انصر أخاك ظالماً" يأتي تفسيره. "أو مظلوماً" وهو خطاب لكل مؤمن أن ينصر أخاه. "قيل: أنصره إذا كان مظلوماً" فإنه الذي يتصور فيه النصر، ولذا قال: "فكيف أنصره ظالماً؟ قال: تحجزه عن الظلم" بالحاء المهملة والجيم والزاي، يقال: حجزه منعه عن الظلم بالقول أو الفعل. قال ابن بطال (¬3): والنصر عند العرب الإعانة، وتسميته للمنع عن الظلم نصراً من تسمية الشيء بما يئول إليه. وقال البيهقي (¬4): معناه: أنّ الظالم نفسه تعد مظلومة؛ لأنّ وبال ظلمه عليها فمنعه من الظلم نصر لنفسه فاتحد فيه الظالم والمظلوم. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (2443، 6952). (¬2) في "السنن" رقم (2256). وأخرجه أحمد في "المسند" (3/ 99) وهو حديث صحيح. (¬3) في شرحه لـ "صحيح البخاري" (6/ 572) حيث قال: والنصرة عند العرب: الإعانة والتأييد، وقد فسره رسول الله صلى الله عليه - صلى الله عليه وسلم -: أن نصر الظالم منعه من الظلم؛ لأنه إذا تركته على ظلمه ولم تكفه عنه أداه ذلك إلى أن يقتص منه، فبمنعك له مما يوجب عليه القصاص نصره, وهذا من باب الحكم للشيء وتسميته بما يقول إليه، وهو من عجيب الفصاحة, ووجيز البلاغة. (¬4) "السنن الكبرى" (8/ 191).

قلت: إلاّ أنه خلاف ما فهمه من خاطبهم - صلى الله عليه وسلم -، وخلاف جوابه, وقد كنت كتبت رسالة في الحديث وبسطت القول فيه، جواب سؤال تفرعت فيه مسائل. قوله: "أخرجه البخاري والترمذي". السادس: حديث "أبي الدرداء - رضي الله عنه - ": 6 - وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ ذَبَّ عَنْ عِرْضِ أَخِيهِ رَدَّ الله النَّارَ عَنْ وَجْهِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ". أخرجه الترمذي (¬1). [حسن] قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من ذَبَّ عن عرض أخيه" بأن سمع من يعيبه، فردّ قول العائب المغتاب، وذلك بنصيحة له أنه لا يحل له القول، أو ببيان كذب ما قاله. "ردّ الله النار عن وجهه يوم القيامة" وهل يجب الذب أو يندب؟ الظاهر وجوبه، أو فراق المجلس الذي يقع فيه ذلك، إنْ كان له عذر عن الرد أو المغالطة في الكلام حتى يخرج المغتاب عن غيبته, فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[142 ب] لما سمع عائشة تقول في صفية: إنها قصيرة، قال: "لقد حكيت كلمة لو مزج بها البحر لمزجته". قالت: وحكيتُ له إنساناً فقال: "ما أحب أني حكيتُ إنساناً وأنّ لي كذا وكذا". أخرجه الترمذي (¬2) وصححه. قوله: "أخرجه الترمذي". قلت: وقال (¬3): في الباب عن أسماء بنت يزيد، وقال (¬4): حسن - يريد حديث أبي الدرداء -. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (1931) وقال: حديث حسن. وهو كما قال: حديث حسن. (¬2) في "السنن" رقم (2503). وأخرجه أحمد (6/ 189) وأبو داود رقم (4875)، وهو حديث صحيح. (¬3) في "السنن" (4/ 661). (¬4) أي: الترمذي في "السنن" (4/ 661).

السابع: حديث (أبي موسى): 7 - وعن أبي موسى - رضي الله عنه - قال: كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إذَا أَتَاهُ طَالِبُ حَاجَةٍ أَقْبَلَ عَلَى جُلَسَائِهِ فَقَالَ: "اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا، وَيَقْضِي الله عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ مَا شَاء". أخرجه الخمسة (¬1). [صحيح] "قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أتاه طالب حاجة أقبل على جلسائه فقال: اشفعوا تؤجروا" أي: يحصل لكم الأجر مطلقاً، قضيت الحاجة أم لا. "ويقضي الله على لسان نبيه ما شاء" وفي رواية: "وليقض" باللام، وهي رواية أبي داود والترمذي. قال القرطبي (¬2): لا يصح أن تكون هذه اللام لام الأمر؛ لأنَّ الله تعالى لا يُؤمَر، ولا لام كي؛ لأنه ثبت في الرواية: "وليقض" بغير ياء. ثم قال: يحتمل أن يكون بمعنى الدعاء: اللهم اقض، والأمر هنا بمعنى الخبر (¬3). وفي الحديث الحض على فعل الخير بالفعل وبالتسبب إليه بكل وجه، والشفاعة إلى الكبير في كشف كربة، ومعونة الضعيف، إذ ليس كل أحد يقدر على الوصول إلى الرئيس، ولا يمكن منه ليوضح ويعرفه مراده على وجهه، وإلاّ فقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يحتجب. قوله: "أخرجه الخمسة" وفي لفظ عن معاوية: "إني لأريد الأمر فأؤخره كيما تشفعوا فتؤجروا، فإنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: اشفعوا تؤجروا" أخرجه أبو داود (¬4). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (1432) و (6028) (7476) ومسلم رقم (627)، وأبو داود رقم (5131)، والترمذي رقم (2672)، والنسائي رقم (2556)، وهو حديث صحيح. (¬2) في "المفهم" (6/ 633). (¬3) حيث قال: وكأن هذه الصيغة وقعت موقع الخبر كما قد جاء في بعض نسخ مسلم، ويقضي الله: على الخبر بالفعل المضارع. (¬4) في "السنن" رقم (5132). وأخرجه النسائي رقم (2557)، وهو حديث صحيح.

قلت: وهو آخر (¬1) حديث في "سنن أبي داود". الثامن: حديث (أبي موسى أيضاً): 8 - وعنه - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ مِنْ إِجْلالِ الله: إِكْرَامَ في الشَّيْبَةِ المُسْلِمِ، وَحَامِلِ القُرآنِ غَيْرِ الغَالِي فِيهِ، وَلَا الجَافِي عَنْهُ وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ المُقْسِطِ". أخرجه أبو داود (¬2). [حسن] قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنّ من إجلال الله" تعظيمه تعالى. "إكرام ذي الشيبة" أي: إكرام العباد ذي الشيبة. "المسلم" فإنّ الله قد أكرمه بالشيب وإخراج سواد شعره إلى البياض، فقد ورد في الشيب: "أنه نور من الله، وأن أول من شاب إبراهيم [143 ب] الخليل - عليه السلام -، فقال: ما هذا يا رب؟! قال: هذا نور، قال: رب زدني من نورك". وأخرج الترمذي (¬3) والنسائي (¬4) عن كعب بن مرة مرفوعاً: "من شاب شيبة في الإِسلام كانت له نوراً يوم القيامة". وأخرج الحاكم في "الكنى" عن أم سليم مرفوعاً: "من شاب شيبة في الإِسلام كانت له نوراً ما لم يغيرها". ¬

_ (¬1) وليس كذلك؛ لأن آخر حديث في "سنن أبي داود" برقم (5274) عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يقول الله عزَّ وجل: يؤذني ابن آدم يسبُّ الدهر وأن الدَّهر، بيدي الأمر أقلِّب الليل والنهار". وأخرجه البخاري رقم (4826) ومسلم رقم (2246). (¬2) في "السنن" رقم (4843)، وهو حديث حسن. (¬3) في "السنن" رقم (1634). (¬4) في "السنن" (6/ 27). وأخرجه أحمد (4/ 235 - 236)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (9/ 162)، وهو حديث صحيح.

قال القرافي: قد يقال: الشيب ليس من اكتساب العبد فما وجه ثوابه عليه؟ والجواب: أنه إذا كان شيبة بسبب الجهاد أو غيره من أعمال البر كالمحدوب في العمل والخوف من الله كان له الجزاء المذكور. وقال: والظاهر أنَّ المراد يصير الشيب نوراً بنفسه يهتدي به صاحبه، انتهى. قلت: الحديث سيق لفضيلة الشيب نفسه لا لما كان بسببه. "وحامل القرآن غير الغالي فيه" بالغين المعجمة، المعتد في القراءة، يريد: لا تغلوا في القرآن بأن تبلغوا جهدكم في قراءته وتجويده من غير تفكر فيه وتدبر لمعانيه. "ولا الجافي عنه" قال ابن الأثير (¬1): الغالي المبالغ في الشيء، والجافي التارك للشيء. وأما قوله: "ولا الجافي عنه" فمعلوم أنّ من ترك القرآن وجفاه حقيق بأن لا يُحترم ولا يُوقّر، وأمّا الغالي فيه، وهو المبالغ فيه، فما أعلم ما وجه ترك احترامه، وتوقيره، وإكرامه. انتهى. وكتب عليه: يمكن أنّ ذلك إشارة إلى قول من ترك السنة ذهاباً إلى أنه لا يقبل إلاَّ القرآن، ولا يقبل شيء معه غلواً فيه, وإليه الإشارة بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا ألفين أحدكم متكئًا على أريكته يأتيه أمري فيقول: لا أدري، ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه" (¬2). انتهى. ¬

_ (¬1) في غريب "الجامع" (6/ 573). (¬2) أخرجه أبو داود رقم (4605) والترمذي رقم (2663)، وابن ماجه رقم (13)، والشافعي في "المسند" (1/ 20 - ترتيب)، والحميدي رقم (551)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (7/ 76)، وفي "الدلائل" (1/ 24)، والحاكم (1/ 108)، والطبراني في "الكبير" رقم (934، 935)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (4/ 209)، وأحمد (6/ 10)، والخطيب في الفقه والمتفقه (ص 88) من طرق من حديث أبي رافع، وهو حديث صحيح.

قلت: ويحتمل أنه أريد بالغالي المبالغ في تلاوته دائماً حتى يتمه في أقل من ثلاثة, وقد "نهى - صلى الله عليه وسلم - عن قراءته في أقل من ثلاث" كما في حديث (¬1) ابن عمرو، وفي الاعتصام (¬2) وفي غيره من أبواب "صحيح البخاري". "وإكرام ذي السلطان المقسط" العادل [144 ب] فإن له حقاً على رعيته يلزم به إكرامه وتوقيره. قوله: "أخرجه أبو داود". التاسع: حديث (أنس - رضي الله عنه -): 9 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا أَكْرَمَ شَابٌّ شَيْخًا لِسِنِّهِ إِلاَّ قَيَّضَ الله تَعَالَى لَهُ مَنْ يُكْرِمُهُ عِنْدَ سِنِّهِ" (¬3). [ضعيف] قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما أكرم شاب شيخاً لسنه إلاّ قيّض الله من يكرمه عند سنه" فيه بشرى أنّ من فعل مثل هذا فُعِل به مثله، جزاءً وفاقاً، وإلى هنا أخرجه الترمذي وقال (¬4): حديث غريب. ثم أخرج الحديث الآخر عن أنس الذي عبّر عنه المصنف بقوله: 10 - وقال - صلى الله عليه وسلم -: "لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا، وَيُوقَّرْ كبِيرَنَا" (¬5). [صحيح] زاد في رواية: "وَيأْمُرُ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَ عَنِ المُنْكَرِ". أخرجه الترمذي (¬6). [ضعيف] ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (5051). (¬2) (13/ 275 الباب رقم 5 - مع الفتح). (¬3) أخرجه الترمذي في "السنن" رقم (2022)، وهو حديث ضعيف. (¬4) في "السنن" (4/ 373). (¬5) في "السنن" رقم (1919)، وهو حديث صحيح. (¬6) في "السنن" رقم (1921)، وهو حديث ضعيف.

قوله: وقال - صلى الله عليه وسلم -: "ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويوقر كبيرنا". والمصنف أوهم أنه حديث واحد، وابن الأثير (¬1) فصل الثاني عن الأول فقال: وعن أنس قال: جاء شيخ يريد النبي - صلى الله عليه وسلم - فأبطأ القوم أن يوسعوا له، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ليس منا .. " الحديث. وقال: أخرجه الترمذي وقال (¬2): هذا حديث غريب. انتهى. والمصنف لما رآهما عن أنس جميعاً ومعانيهما متقاربة ساقهما حديثاً واحداً، وعرفت معنى قوله: "أخرجه الترمذي". قوله: "زاد" أي: الترمذي (¬3). "في رواية" ظاهره عن أنس، وليس كذلك بل هي رواية عن ابن عباس (¬4) كما ساقها عنه ابن الأثير (¬5) لفظها في أوله لفظ حديث أنس وآخرها: "وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر"، انتهى. قوله: "أخرجه الترمذي". قلت: نعم، لكن عن ابن عباس أخرج الزيادة, وعن أنس أخرج الحديثين الأولين الذين جعلهما حديثاً واحداً. وقال (¬6) في حديث ابن عباس: هذا حديث غريب. ¬

_ (¬1) في "الجامع" (6/ 573). (¬2) في "السنن" (4/ 322). (¬3) في "السنن" رقم (1921)، وهو حديث ضعيف. (¬4) وهو كما قال الشارح. (¬5) في "الجامع" (6/ 573 رقم 4812). (¬6) في "السنن" (4/ 322).

وكان الواجب على المصنف أن يقول: "وفي رواية لابن عباس" فإنه إذا نظر الناظر في [كتابه] (¬1) نسبتها إلى أنس وهو غير صحيح ولا صادق. قلت: وفي الباب عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعاً: "ليس منّا من لم يرحم صغيرنا، ويعرف شرف كبيرنا" أخرجه الترمذي (¬2) وقال (¬3): هذا حديث حسن [145 ب] صحيح. العاشر: حديث (عائشة - رضي الله عنها -): 10 - وعن عائشة - رضي الله عنها -: أنَّهَا مَرَّ بِهَا سَائِلٌ، فَأَعْطَتْهُ كِسْرَةً، وَمَرَّ بِهَا رَجُلٌ وَعَلَيْهِ ثِيَابٌ وَلَهُ هَيْئَةٌ فَأَقْعَدَتْهُ فَأَكَلَ. فَقِيلَ لَهَا فِي ذَلِكَ؟ فَقَالَتْ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَنْزِلُوا النَّاسَ مَنَازِلهُمْ". أخرجه أبو داود (¬4). [ضعيف] "أنها مر بها سائل" أي: فسألها. "فأعطته كسرة ومر بها آخر وعليه ثياب وله هيئة" أي: حسنة. "فأقعدته يأكل، فقيل لها في ذلك، فقالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أنزلوا الناس منازلهم" أي: يتلقى كل واحد بما هو له أهل، وهو به أليق وأحق. قوله: "أخرجه أبو داود". ¬

_ (¬1) كذا في (أ. ب) وهي في (ب) مكتوبة فوق السطر. (¬2) في "السنن" رقم (1920) وهو حديث صحيح. وأخرجه أبو داود رقم (4943)، وأحمد في "المسند" (2/ 207)، والبخاري في "الأدب المفرد" (355)، وهو حديث صحيح. (¬3) في "السنن" (4/ 322). (¬4) في "السنن" رقم (4842). وانظر: الضعيفة رقم (1894).

الفصل الثامن: في الاستئذان

الفصل الثامن: في الاستئذان " الثامن" من فصول كتاب الصحبة "في الاستئذان" أي: طلب الأذن ممن هو في محلٍ يراد الدخول إليه، وفيه عشرة أحاديث: الأول: 1 - عن رِبْعي بن حراش قال: عَنْ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَامِرٍ إِنَّهُ اسْتَأْذَنَ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ في بَيْتٍ فَقَالَ: أَلِجُ؟ فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم - لِخَادِمِهِ: "اخْرُجْ إِلَى هَذَا فَعَلِّمْهُ الِاسْتِئْذَانَ فَقُلْ لَهُ: قُلِ: السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ، أَأَدْخُلُ". فَسَمِعَهُ الرَّجُلُ. فَقَالَ: السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ، أَأَدْخُلُ؟ فَأَذِنَ لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَدَخَلَ. أخرجه أبو داود (¬1). [صحيح] حديث (ربعي) بكسر الراء المهملة فموحدة فعين مهملة (ابن حِراش) (¬2) بحاء وراء مهملتين وشين معجمة، تابعي جليل، لم يكذب منذ أسلم. قال في "المصباح" (¬3): كان ابناه عاصيين على الحجاج فقيل للحجاج: إنّ أباهما لم يكذب كذبة قط، فلو أرسلت إليه فسألته عنهما، فأرسل إليه فقال: هما في البيت، فقال الحجاج: قد عفونا عنهما لصدقك". وكان حَلَفَ لا يضحك حتى يعلم أين مصيره إلى الجنة أو النار، فما ضحك إلاّ بعد موته. انتهى. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (5177، 5178، 5179). وهو حديث صحيح. (¬2) قال ابن الأثير في "تتمة جامع الأصول" (1/ 390): ربعي بن حراش، هو ربعي بن حِراش بن جحش ابن عمرو بن عبد الله بن بجاد بن عبد بن مالك بن غالب بن قطيعة بن العبس العبسي الكوفي الأعور العابد الورع، يقال: لم يكذب في الإِسلام كذبة, وهو من جملة التابعين وكبارهم. (¬3) (ص 82 - 83).

وكأن المراد بقوله: إلا بعد موته، أنهم أدركوه مبتسم، وهو تابعي ثقة مخضرم، كما في "التقريب" (¬1)، وبهذا يعرف أنّ حديثه مرسل. "قال: جاء رجل من بني عامر فاستأذن على النَّبي - صلى الله عليه وسلم - " الاستئذان مشروع بالإجماع، تظاهرت به أدلة الكتاب والسنة كما قال تعالى: {لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا} (¬2) وفي قراءة (¬3): (تستأذنوا). "وهو في بيت فقال: ألج؟ " من الولوج (¬4). "فقال لخادمه: اخرج إلى هذا فعلمه الاستئذان، فقل له: قل السلام عليكم [آدخل؟] (¬5) " بهمزة ممدودة، فيه بيان أنّ السنة أن يسلم ثم يستأذن، فإن استأذن ثلاثاً فلم يؤذن له، فظن أنه لم يسمع، فإنه ينصرف ولا يعيد الاستئذان، وقيل: يزيد فيه. "فسمع الرجل" الذي استأذن أولاً. "فقال: السلام عليكم [146 ب] آدخل، فأذن له النبي - صلى الله عليه وسلم - فدخل". قوله: "أخرجه أبو داود" (¬6) ولفظه عن ربعي قال: حدثني رجل من بني عامر .. الحديث، قال المنذري (¬7): وأخرجه النسائي بنحوه. ¬

_ (¬1) (1/ 243 رقم 28). (¬2) سورة النور الآية (27). (¬3) انظر: "معجم القراءات" (6/ 252). (¬4) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 878). المجموع المغيث (3/ 450). (¬5) كذا في المخطوط والذي في "سنن أبي داود": أأدخل؟ (¬6) في "السنن" رقم (5177)، والذي فيه: حدثنا رجل عن بني عامر. وفي "السنن" رقم (5178)، وفيه حُدِّثتُ. (¬7) في مختصر "السنن" (8/ 57).

الثاني: 2 - وعن قيس بن سعد بن عبادة (¬1) - رضي الله عنهما - قال: زَارَنَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي مَنْزِلِنَا فَقَالَ: "السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ الله". فَرَدَّ أَبِي رَدًّا خَفِيًّا. فَقُلْتُ لِأبِي: لاَ تَأْذَنُ لِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فَقَالَ: ذَرْهُ يُكْثِرْ عَلَيْنَا مِنَ السَّلاَمِ. فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: "السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ ورَحْمَةُ الله". فَرَدَّ سَعْدٌ رَدًّا خَفِيًّا، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ الله". ثُمَّ رَجَعَ فَاتَّبَعَهُ سَعْدٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله! إِنِّي كُنْتُ أَسْمَعُ تَسْلِيمَكَ، وَأَرُدُّ عَلَيْكَ رَدًّا خَفِيًّا لِتُكثِرَ عَلَيْنَا مِنَ السَّلاَمِ. فَانْصَرَفَ مَعَهُ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وَأَمَرَ لَهُ سَعْدٌ بِغِسْلٍ فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ نَاوَلَهُ مِلْحَفَةً مَصْبُوغَةً بِزَعْفَرَانٍ أَوْ وَرْسٍ، فَاشْتَمَلَ بِهَا، ثُمَّ رَفَعَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَدَيْهِ وَهُوَ يَقُولُ: "اللهمَّ اجْعَلْ صَلَوَاتِكَ ورَحْمَتَكَ عَلَى آلِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ". ثُمَّ أَصَابَ مِنَ الطَّعَامِ، فَلمَّا أَرَادَ الِانْصِرَافَ قَرَّبَ لَهُ سَعْدٌ حِمَارًا قَدْ وَطَّأَ عَلَيْهِ بِقَطِيفَةٍ, فَرَكِبَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -. فَقَالَ سَعْدٌ: يَا قَيْسُ اصْحَبْ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فَصَحِبْتُهُ. فَقَالَ لِي رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "ارْكَبْ مَعِي"، فَأبَيْتُ، فَقَالَ: "إِمَّا أَنْ تَرْكَبَ وإِمَّا أَنْ تَنْصَرِفَ"، فَانْصَرَفْتُ. أخرجه أبو داود (¬2). [ضعيف الإسناد] حديث (قيس بن سعد - رضي الله عنه -) أي: ابن عبادة، صحابي ابن صحابي. قال: "زارنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في منزلنا فقال: "السلام عليكم ورحمة الله، فردّ أبي رداً خفياً" لم يسمعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فقلت لأبي: ألا تأذن لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال: ذره حتى يكثر علينا من السلام، فرد سعد رداً خفياً، فقال رسول الله! ثالثاً: "السلام عليكم ورحمة الله" ثم رجع بعد التسليم ¬

_ (¬1) في "السنن الكبرى" رقم (10075). (¬2) في "السنن" رقم (5185). وأخرجه ابن ماجه رقم (466، 3604)، والنسائي في "الكبرى" رقم (10083)، وهو حديث ضعيف الإسناد لانقطاعه.

ثلاثاً، وقد أمر - صلى الله عليه وسلم - برجوع المستأذن بعد ثلاث، كما رواه أبو موسى (¬1) في قصته مع عمر: أنه قال: "يستأذن أحدكم ثلاثاً، فإن أذن له وإلا رجع"، فقال له عمر: ائتني ببينة على هذا، فذهب ثم رجع، فقال: هذا أُبي، فقال أُبي: يا عمر لا تكن عذاباً على أصحاب محمَّد - صلى الله عليه وسلم - ". فتبعه سعد فقال: يا رسول الله إني كنت أسمع تسليمك وأرد عليك رداً خفياً لتكثر علينا من السلام. إن قيل: أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يستأذن، وإنما أتى لمجرد السلام. قلت: يحتمل أنه لا يشرع الاستئذان حتى يرد - عليه السلام - ليعلم أن في المنزل من يستأذن عليه. "فانصرف معه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأمر له سعد بغسل فاغتسل، ثم ناوله بحلفة مصبوغة بزعفران أو ورس" شك من الراوي، والورس (¬2) زرع أصفر، وقيل: أحمر يصبغ به الثياب، يزرع باليمن ولا يكون بغيرها. "فاشتمل بها ثم رفع يديه وهو يقول: اللهم اجعل صلواتك ورحمتك على آل سعد، ثم أصاب من الطعام الذي صنعه له سعد، فلمَّا أراد الانصراف قرب له سعد حماراً قد وطَّأ عليه بقطيفةٍ (¬3) " هي كساء له حمل من أي شيء كانت. "فقال سعد: يا قيس اصحب رسول [147 ب] الله - صلى الله عليه وسلم - فصحبته, فقال: اركب معي فأبيت فقال: إما أن تركب" أي: معي. "وإمَّا أن تنصرف" تعود إلى منزلك. "فانصرفت". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (6245)، ومسلم رقم (2153، 2154). وأبو داود رقم (5180)، والترمذي رقم (2695)، وابن ماجه رقم (3706)، وهو حديث صحيح. (¬2) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 840). "المجموع المغيث" (3/ 404). (¬3) القطيفة: هي كساء له خمل. "النهاية" (2/ 472). وقال ابن الأثير في "غريب الجامع" (6/ 579): القطيفةُ: الدِّثار ذو الخمل.

في الحديث فوائد زيارة الأكابر لأصحابهم إلى منازلهم من غير تقديم إخبار بأنه سيأتيهم، ومنها: التسليم من خارج المنزل، ومنها: الاقتصار على المفضول من السلام، وإن كان الأفضل زيادة "وبركاته" لما في حديث عمران بن حصين عند أبي داود (¬1): ["كنّا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فجاء رجل فسلّم فقال: السلام عليكم، فرد عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - السلام ثم جلس، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "عشر"، ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله، فردّ عليه فجلس، فقال: "عشرون" ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته فرد عليه فجلس فقال: "ثلاثون"] (¬2). وأخرجه الترمذي وقال (¬3): حسن غريب. وأمّا ما عند أبي داود (¬4) من حديث أنس بزيادة "ومغفرته فقال: أربعون" فهو حديث في إسناده أبو مريم عبد الرحمن بن ميمون وسهل بن معاذ لا يحتج بهما كما قاله الحافظ المنذري (¬5). ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (5195). وأخرجه الترمذي رقم (2689)، والنسائي في "الكبرى" رقم (10097)، وفي "عمل اليوم والليلة" رقم (337)، والبيهقي في "الشعب" رقم (887)، وفي "الآداب" رقم (258)، والدارمي رقم (2640)، وأحمد (4/ 440)، والبزار في "مسنده" رقم (3588 - كشف). وهو حديث صحيح. (¬2) كذا في (أ) وفي "سنن أبي داود" وفي "التيسير"، ونص الحديث في (ب) كما يلي: "أنه جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - رجل فقال: السلام عليكم ورحمة الله، فرد عليه ثم جلس، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - عشرين، ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله، فرد عليه فجلس، فقال عشرين، فجاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, فرد عليه فجلس، فقال: ثلاثين". (¬3) في "السنن" (5/ 53). (¬4) في "السنن" رقم (5196) بإسناد ضعيف. (¬5) في مختصر "السنن" (8/ 69).

ومنها: جواز الاغتسال في غير بيت الإنسان، ومنها: أنّ تقديم الغسل للزائر من الإكرام، ومنها: الدعاء من الزائر لمن زاره قبل آخر مجلسه كما يعتاده الناس من الدعاء له عند الخروج من منزله، ومنها: جواز التصلية على غير الرسل، ومنها: قبول الزائر الإكرام وشرعية تقديم المزور له الطعام، وقبوله الركوب على الدابة عند خروجه من منزله، ومنها: كراهة مشي الماشي مع الراكب في مثل هذا، ويحتمل أنّ رده قيساً لم يكن للكراهة، بل لإكرامه لقيس. قوله: "أخرجه أبو داود". قلت: قال (¬1) بعد إخراجه: قال هشام أبو مروان عن محمَّد بن عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة. قال أبو داود (¬2): رواه عمر بن عبد الواحد وابن سماعة عن الأوزاعي مرسلاً، لم يذكر قيس بن سعد، انتهى كلامه. وقال الحافظ المنذري (¬3): وأخرجه النسائي مسنداً ومرسلاً. الثالث: حديث (عوف بن مالك): 3 - وعن عوف بن مالك - رضي الله عنه - قال: أَتَيْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي غَزْوةِ تَبُوكَ وَهُوَ فِي قُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ عَلَيَّ وَقَالَ: "ادْخُلْ". قُلْتُ: أَكُلِّي يَا رَسُولَ الله؟! قَالَ "كُلُّكَ". فَدَخَلْتُ. قَالَ: إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ مِنْ صِغَر القُبَّةِ. أخرجه أبو داود (¬4). [صحيح] ¬

_ (¬1) في "السنن" (5/ 334). (¬2) في "السنن" (5/ 334). (¬3) في مختصر "السنن" (8/ 61). (¬4) في "السنن" رقم (500). وأخرجه ابن ماجه رقم (4042)، وهو حديث صحيح. وأخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (3176) دون قصة الدخول.

"قال: أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك وهو في قبة" خيمة صغيرة. "من أدم فسلمت عليه فردّ عليَّ وقال: ادخل" فهنا اكتفى بالسلام عن الاستئذان، أي: ادخل القبة. "فقلت: كلي؟ فقال: كلك فدخلت, قيل: إنما قال: كلي لصغر القبة". قلت: لفظ "الجامع" (¬1): "قال [148 ب] عثمان بن أبي عاتكة: إنما قال: أدخل كلي لصغر القبة". قوله: "أخرجه أبو داود". الرابع: 4 - وعن عبد الله بن بُسْر - رضي الله عنه - قال: كَانَ رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إِذَا أتى بَابَ قَوْمٍ لَم يَسْتَقْبِلِ البَابَ مِنْ تِلْقَاءِ وَجْهِهِ, وَلَكِنْ مِنْ رُكْنِهِ الأَيْمَنِ أَوِ الأَيْسَرِ. ثُمَّ يَقُولُ: "السَّلاَمُ عَلَيْكُمُ، السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ، وَذَلِكَ أَنَّ الدُّورَ يَوْمَئِذٍ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا سُتُورٌ". أخرجه أبو داود (¬2). [حسن] حديث (عبد الله بن بسر) بضم الموحدة فسين مهملة, ترجمه ابن الأثير (¬3) بموقف المستأذن. "قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أتى باب قوم لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه" لجواز أن يرى ما يكره أهل المنزل رؤيته. "ولكن" يأتي الباب "من ركنه الأيمن أو الأيسر ثم يقول: السلام عليكم السلام عليكم وذلك" أي: عدم الإتيان من تلقاء وجه الباب. "أنّ الدور لم يكن عليها يومئذٍ ستور" أي: أبواب من المتعارفة تستر ما في باطنها. ¬

_ (¬1) (6/ 584 رقم 4821). (¬2) في "السنن" رقم (5186) وهو حديث حسن. (¬3) في "الجامع" (6/ 584 الحديث رقم 4822).

قوله: "أخرجه أبو داود". قلت: قال الحافظ المنذري (¬1): في إسناده بقية (¬2)، وبسر بضم الموحدة وسكون المهملة، له صحبة، انتهى. قلت: هي زيادة أنّ أبا الراوي وهو عبد الله بن بسر (¬3)، قال الكاشغري: صلّى عبد الله القبلتين، وصحب النبي - صلى الله عليه وسلم - هو وأمه وأبوه وأخوه عطية وأخته الصماء. الخامس: 5 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ - رضي الله عنه - قَالَ: اسْتَأْذَنْتُ عَلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - ثَلاَثًا فَأَذِنَ لِي. أخرجه الترمذي (¬4). [ضعيف الإسناد] حديث (ابن عباس قال: حدثني عمر" رواية صحابي عن صحابي، في "الجامع" (¬5) زيادة "ابن الخطاب". "قال: استأذنت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -ثلاثاً" قال الحسن: الأول إعلام، والثاني: مؤامرة، والثالث: استئذان في الرجوع. "فأذن لي". قوله: "أخرجه الترمذي". قلت: وقال (¬6): هذا حديث حسن غريب. ¬

_ (¬1) في مختصر "السنن" (8/ 62). (¬2) ثم قال: وفيه مقال. (¬3) انظر: "التقريب": (1/ 404 رقم 204). و"تهذيب التهذيب" (2/ 302). (¬4) في "السنن" رقم (2691)، وهو حديث ضعيف الإسناد ومنكر المتن. (¬5) (6/ 583 - 584 رقم 4820). (¬6) في "السنن" (5/ 54) ثم قال: وأبو زُمَيل اسمه سماك الحنفيُّ وإنّما أنكر عُمرْ عندنا على أبي موسى حيث روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "الاستئذان ثلاثٌ, فإذا أذن لك وإلا فارجع" وقد كان عمر استأذن على النّبيِّ =

السادس: حديث (أبي هريرة): 6 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا دَخَلَ البَصَرُ فَلاَ إِذْنَ" (¬1) [ضعيف] زاد في رواية (¬2): "إِنَّمَا الاسْتِئْذَانِ مِنَ النَّظَرِ". [صحيح] قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا دخل البصر فلا إذن" أي: إذا نظر المستأذن وراء باب من يستأذن عليه فلا إذن له عقوبة على مد بصره إلى ما منع عنه. هذه الرواية أخرجها أبو داود (¬3) عن أبي هريرة وفيها كما قال المنذري (¬4) كثير بن زيد الأسلمي لا يحتج به. قوله: "وفي رواية" يوهم أنها عن أبي هريرة وليس كذلك، بل هي من رواية هزيل بن شرحبيل كما في أبي داود (¬5)، ومثله في "الجامع الكبير" وهي بعض حديث لفظه: "قال: جاء رجل فوقف على باب النبي - صلى الله عليه وسلم - فقام على الباب, قال: عثمان مستقبل الباب فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - هكذا عنك، وهذا إنما الاستئذان من النظر". انتهى [149 ب]. ¬

_ = - صلى الله عليه وسلم - ثلاثاً فأذن له، ولم يكن علم هذا الذي روه أبو موسى عن النّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "فإن أذن لك وإلا فارجع". (¬1) أخرج أبو داود رقم (5173)، وأحمد (2/ 366)، والبخاري في "الأدب المفرد" رقم (1082، 1089)، والطبراني في "الأوسط" رقم (1394) من طرق. وهو حديث ضعيف. (¬2) أخرجها أبو داود في "السنن" رقم (5174) من حديث هزيل بن شرحبيل وهو حديث صحيح. (¬3) في "السنن" رقم (5173). (¬4) في مختصر "السنن" (8/ 55). وقال الحافظ في "التقريب" (1/ 131 - 132 رقم 11) صدوق يخطئ. (¬5) في "السنن" رقم (5174)، وهو حديث صحيح.

والمراد: إنما شرع أخذ الإذن (¬1) من صاحب المنزل لئلا يقع النظر على الحرم فلا يحل لأحد أن ينظر في حجر باب أو غيره مما هو، فتعرض فيه لوقوع بصره على ما لا يحل نظره. السابع: 7 - وعنه - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى طَعَامٍ، فَجَاءَ مَعَ الرَّسُولِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَهُ إِذْنٌ" (¬2). أخرجهما أبو داود. [صحيح] حديث (أبي هريرة) ترجم له ابن الأثير (¬3) بالفرع الثالث في إذن المستدعي، وبوّب له أبو داود (¬4): باب الرجل يدعي إذ يكون ذلك إذنه. قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا دعي أحدكم فجاء مع الرسول فإن ذلك له إذن". فلا يشرع في حقه الاستئذان. ¬

_ (¬1) قال السدي: قوله: "إذا دخل البصر" أي: إذا دخل بصر أحدٍ في بيت صاحبه فأنه دخل فيه، فلا حاجة له إلى الإذن للدخول، والمراد تقبيح إدخال البصر في بيت آخر، وأنه بمنزلة الدخول، لا أنه يجوز بعده الدخول بلا إذن. (¬2) في "السنن" رقم (5190) وهو حديث صحيح. وأخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (8/ 340)، والبخاري في "الأدب المفرد" رقم (1075)، وأحمد (2/ 533)، وعلقه البخاري في "صحيحه" (11/ 131 الباب رقم 14). وأخرجه البخاري في "الأدب المفرد" رقم (1076)، وأبو داود رقم (5189)، وابن حبان رقم (5811)، والبيهقي (8/ 340)، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" رقم (1588) من طريق محمَّد بن سيرين، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "رسول الرجل إلى الرجل إذنه". (¬3) في "الجامع" (6/ 585). (¬4) في "السنن" (5/ 376).

ولكن البخاري (¬1) بوّب بقوله: [إذا بعث إلى إنسان لا يكون إذناً] (¬2)، وساق قصة (¬3) أهل الصفة، كانوا إذا بعث إليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليشربوا من اللّبن جاءوا واستأذنوا. انتهى. ولا يقال: حديث الباب يعارضه لأنّا نبيّن ما فيه. قوله: "أخرجهما" أي: حديثي أبي هريرة (أبو داود). قلت: أمّا قوله في الأول (¬4): "وفي رواية" فعرفت أنها ليست من رواية أبي داود. وهذا الحديث الآخر، قال أبو داود (¬5) - عقيب إخراجه - ما لفظه: قال أبو داود: قتادة لم يسمع من أبي رافع. انتهى. قال المنذري (¬6): وذكره البخاري (¬7) تعليقاً لأجل الانقطاع في إسناده. الثامن: 8 - وعن عطاء بن يسار: أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: أَسْتَأْذِنُ عَلَى أُمِّي؟ فَقَالَ: "نَعَمْ". فَقَالَ الرَّجُلُ: إِنِّي مَعَهَا في البَيْتِ؟ فَقَالَ: "اسْتَأْذِنْ عَلَيْهَا". فَقَالَ: إِنِّي خَادِمُهَا؟ فَقَالَ ¬

_ (¬1) في "صحيحه" (11/ 31 الباب رقم 14). (¬2) بل قال: باب إذا دُعيّ الرجل فجاء هل يستأذن؟ وقال سعيد: عن قتادة عن أبي رافع عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "هو إذنه". (¬3) أخرجها البخاري في "صحيحه" رقم (6246) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: دخلت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوجد لبناً في قدح، فقال: أبا هرّ إلحق أهل الصُّفّة فادعهم إليَّ. قال: فأتيتهم فدعوتهم، فأقبلوا فاستأذنوا فأُذن لهم. فدخلوا .... (¬4) انظر ما تقدم. (¬5) في "السنن" (5/ 376) حيث قال: قال أبو علي اللؤلؤي: سمعت أبا داود يقول: قتادة لم يسمع من أبي رافع شيئاً. (¬6) في مختصر "السنن" (8/ 64). (¬7) في "صحيحه" (11/ 31 الباب رقم 14).

رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "اسْتَأْذِنْ عَلَيْهَا، أَتُحِبُّ أَنْ تَرَاهَا عُرْيَانَةً؟ ". قَالَ: لاَ. قَالَ: "فَاسْتَأْذِنْ عَلَيْهَا". أخرجه مالك (¬1). [ضعيف] حديث (عطاء بن يسار) (¬2) هو أبو محمَّد المدني، مولى ميمونة, يعد فاضل صاحب مواعظ وعبادة. "أنّ رجلاً سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: استأذن على أمي؟ قال: نعم، فقال الرجل: إني معها في البيت؟ قال: استأذن عليها، قال: إني خادمها؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: استأذن عليها، أتحب أن تراها عريانة؟ قال: لا، قال: فاستأذن عليها". فيه مشروعية الاستئذان على أهل منزل الإنسان وإن لم يكن إلاّ أهله للعلة التي ذكرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قوله: "أخرجه مالك". قلت: مرسلاً كما عرفت. التاسع: حديث (ابن مسعود - رضي الله عنه -): 9 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال لي رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذْنُكَ عَليَّ أَنْ يُرْفَعَ الحِجَابُ، وَأَنْ تَسْمعَ سِوَادِي حَتَّى أَنْهَاكَ". أخرجه مسلم (¬3). [صحيح] "سَوَادِي" أي: صوتي. قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذنك عليَّ أن يرفع الحجاب" الذي بينه وبينه ولا يحتاج إلى أخذ إذن. ¬

_ (¬1) في "الموطأ" (2/ 963 رقم 1)، وهو حديث ضعيف. (¬2) انظر: "التقريب" (2/ 23 رقم 204). (¬3) في "صحيحه" رقم (2169). وأخرجه أحمد (1/ 404)، والنسائي في "الكبرى" رقم (8261)، وأبو يعلى في "مسنده" رقم (5356)، والطبراني في "الكبير" رقم (8446)، وهو حديث صحيح.

"وأن تسمع سِوادي" بكسر السين المهملة الصوت، وبفتحها الشخص. وفي "النهاية" (¬1): هو بالكسر السِّرار، يقال: ساوَدْت الرجل مساوَدَة (¬2) [150 ب] إذا ساررته. قيل: هو من إدناء سوادك إلى سواده أي: شخصك إلى شخصه. "حتى أنهاك" فيه فضيلة لعبد الله بن مسعود عجيبة، اختصه - صلى الله عليه وسلم - بها, ولذا قال أبو موسى: أنهم ما كانوا يظنونه إلا من أهل بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قوله: "أخرجه مسلم". العاشر: حديث (جابر - رضي الله عنه -). 10 - وعن جابر - رضي الله عنه - قال: أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَدَقَقْتُ البَابَ فَقَالَ: "مَنْ ذَا؟ ". فَقُلْتُ: أَنَا. فَخَرَجَ وَهُوَ يَقُولُ: "أَنَا، أَنَا"، كَأَنَّهُ يَكْرَهُهُ. أخرجه الخمسة (¬3) إلا النسائي. [صحيح] "قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فدققت الباب" أي: باب منزل النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفيه أنه كان له باب ويغلق ويدق. ¬

_ (¬1) (1/ 822). (¬2) قال النووي في شرحه لـ "صحيح مسلم" (14/ 150): يقال: ساودت الرجل مساودة إذا ساررته، قالوا: وهو مأخوذ من إدناء سوادك من سواده عند المساررة, أي: شخصك من شخصه, والسواد اسم لكل شخص وفيه دليل لجواز اعتماد العلامة في الإذن في الدخول عليه للناس عامة أو لطائفة خاصة أو لشخص أو جعل علامة غير ذلك جاز اعتمادها والدخول إذا وجدت بغير استئذان، وكذا إذا جعل الرجل ذلك علامة بينه وبين خدمه ومماليكه وكبار أولاده وأهله، فمتى أرخى حجابه فلا دخول عليه إلا باستئذان، فإذا رفعه جاز بلا استئذان، والله أعلم. (¬3) أخرجه البخاري رقم (6250)، ومسلم رقم (2155)، وأبو داود رقم (5187)، والترمذي رقم (2711)، والنسائي بها "الكبرى" رقم (10160)، وأخرجه أحمد (3/ 320، 363)، والدارمي رقم (2672). وهو حديث صحيح.

"فقال: من ذا؟ قلت: أنا فخرج وهو يقول: أنا، أنا، كأنه يكرهه" قيل: إنما كرهه؛ لأنه ليس فيه بيان الداق، وقال ابن الجوزي (¬1): إنما كرهه؛ لأن (¬2) فيه نوعاً من الكبر، كأنه يقول: أنا الذي لا يحتاج إلى أن أذكر اسمي ولا نسبي. قوله: "أخرجه الخمسة إلاّ النسائي". الحادي عشر: حديث (أنس - رضي الله عنه -): 11 - وعن أنس - رضي الله عنه -: أَنَّ رَجُلاً اطَّلَعَ مِنْ بَعْضِ حُجَرِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَامَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِمِشْقَصٍ فكَأَنِّي انظر إِلَيْهِ يَخْتِلُ الرَّجُلَ لِيَطْعُنَهُ. أخرجه الخمسة (¬3). [صحيح] "قال: أنّ رجلاً اطلّع من بعض حجر" بضم الحاء المهملة وفتح الجيم، جمع حجرة، ويحتمل أنه جمع حجر، لثقب البيت الذي ينظر إليه من دخله. "فقام النبي - صلى الله عليه وسلم - بمشقص" بكسر الميم وسكون الشين المعجمة فقاف مفتوحة فصاد مهملة، في "النهاية" (¬4): المشقص نصلُ السَّهم إذا كان طويلاً غير عريضٍ، ولفظ روايته في "الجامع" (¬5): "بمشقص أو مشاقيص" بالشك، فحذفه المصنف فصار جزماً بأحد اللفظين. ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (11/ 36). (¬2) وقال النووي في شرحه لـ "صحيح مسلم" (14/ 135 - 136)، ولأنّه لم يحصل بقوله: (أنا) فائدة ولا زيادة، بل الإبهام باقٍ. وانظر: "فتح الباري" (11/ 35 - 36). (¬3) أخرجه البخاري رقم (6242)، (6900)، ومسلم رقم (2157)، وأبو داود رقم (5171)، والترمذي رقم (2708)، والنسائي رقم (4858). قلت: وأخرجه أحمد (3/ 239، 242). (¬4) (1/ 881). (¬5) (6/ 589 رقم 4831).

"يختل" (¬1) بفتح حرف المضارعة وكسر المثناة الفوقية, أي: يرواغه ويستغفله، ويطعن بضم العين المهملة. "ليطعنه" فيه جواز رمي عين المتطلع بشيء خفيف، فلو فقأ (¬2) عينه فلا ضمان إذا كان نظر في بيت ليس فيه امرأة له ولا محرم له، كذا قيدوه، والأولى إذا لم يكن الأمر له جواز نظرها. قوله: "أخرجه الخمسة". وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وترجم له ابن الأثير: الفرع السادس في دق الباب. 12 - وفي أخرى للنسائي (¬3): أنَّ أَعْرَابِياً أَتى بَابَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَالقَمَ عَيْنَيْهِ خُصَاصَةَ البَابِ فَبَصُرَ بِهِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَتَوَخَّاهُ بِجَرِيدَةٍ أَوْ عُودٍ لِيَفْقَأَ عَيْنَهُ فلمَّا أَنْ بَصُرَ انْقَمَعْ. فَقَالَ لَهُ: "أَمَا إِنَّكَ لَوْ ثبَتَّ لَفَقَأْتُ عَيْنَكَ". [صحيح] "المِشْقَصُ" (¬4) سهم له نصل طويل أو عريض. و"خَصَاصةُ البابِ" (¬5) الأَنْقَابُ والشُّقُوقُ التي تكون فيه. و"التَّوَخِّي" القصد. و"انْقَمَعَ" (¬6) تَغَيَّبَ. ¬

_ (¬1) انظر: "القاموس المحيط" (ص 1281). (¬2) انظر: "البيان" للعمراني (12/ 79 - 80). مدونة الفقه المالكي وأدلته (4/ 575 - 576). (¬3) في "السنن" رقم (4858)، وهو حديث صحيح. (¬4) تقدم معناها. (¬5) قال ابن الأثير في "النهاية" أي: خُرجته. وانظر: المجموع المغيث (1/ 584). (¬6) قال ابن الأثير في غريب "الجامع" (6/ 590)، الانقماع: الانزواء. =

الفصل التاسع: (في السلام وجوابه)

قوله: "وفي أخرى للنسائي" أي: عن أنس. "أنّ أعرابياً أتى باب النبي - صلى الله عليه وسلم - فألقم عينه خصاصة" بفتح الخاء المعجمة فصاد [151 ب] مهملة فمهملة بعد الألف. قال ابن الأثير (¬1): الخصاصة واحد، الخصاص وهي الثقب والشقوق التي تكون في الأبواب, وبه فسّره المصنف. "الباب فبصر النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فتوخّاه" بالخاء المعجمة، من توخيّت الشيء إذا قصدته. "بجريدة أو عود ليفقأ عينه" فقأت عينه إذا شقها. "فانقمع" الانقماع: الانزواء (¬2). "فقال له: أما إنّك لو ثبت لفقأت عينك". الفصل التاسع: (في السلام وجوابه) قول المصنف: (التاسع) أي: من فصول كتاب الصحبة. ذكر فيه ستة عشر حديثاً. الأول: حديث (أبي هريرة): 1 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا انْتَهَى أَحَدُكمْ إِلَى المَجْلِسِ فَلْيُسَلِّمْ. فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَقُومَ فَلْيُسَلِّمْ. فَلَيْسَتِ الأُولَى بِأَحَقَّ مِنَ الآخِرَةِ". ¬

_ = قال ابن السِّكِّيت: أقمعت الرجل عني إقماعاً إذا اطلع عليك فرددته، وكأن أصل الانقماع من القمع الذي على رأس الثمرة, كأن المردود أو الراجع قد دخل في قمعه، كما تدخل الثمرة في قمعها. (¬1) في "غريب الجامع" (6/ 590). (¬2) تقدم شرحها.

أخرجه أبو داود (¬1) والترمذي (¬2). [صحيح] قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا انتهى أحدكم إلى المجلس" الذي فيه جلوس ولو واحداً (فليسلم) على من فيه والأمر للوجوب. "فإن أراد أن يقوم" عن مجلسه (فليسلم) أيضاً. "فليست الأولى" عند دخوله. "بأحق من الآخرة" عند قيامه، بل هما سواء في المشروعية، ويلزم من في المجلس الجواب عليه. قوله: "أخرجه أبو داود والترمذي" وحسنه (¬3) وأخرجه النسائي (¬4). الثاني: 2 - وعن كَلَدَة بن الحنْبل قال: بَعَثَنِي صَفْوَانَ بْنُ أُمَيَّةَ إِلى رَسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - بِلَبَنٍ وَلِبَإٍ وَضَغَابِيسَ، وَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِأَعْلَى مَكَّةَ قَالَ: فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ وَلَمْ اسْتَأْذِنْ وَلَمْ أُسَلِّمْ. فَقَالَ: "ارْجِعْ فَقُلِ: السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ أَأَدْخُلُ؟ " فَفَعَلْ. أخرجه أبو داود (¬5) والترمذي (¬6). [صحيح] ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (5208). (¬2) في "السنن" رقم (2706). وأخرجه أحمد (2/ 230، 287، 439)، والبخاري في "الأدب المفرد" رقم (1008)، والنسائي في "عمل اليوم والليلة" رقم (369)، وهو حديث صحيح. (¬3) في "السنن" (5/ 63). (¬4) في "عمل اليوم والليلة" رقم (369)، وهو حديث صحيح. (¬5) في "السنن" رقم (5176). (¬6) في "السنن" رقم (2710). =

وعند أبي داود (¬1) "جَدايةٍ" بدل اللبأ. "الضَّغَابِيسُ" صِغَارُ القِثَّاءِ (¬2). حديث (كَلَدة) بفتح الكاف واللام فدال مهملة (ابن الحنبل) بفتح الحاء المهملة وسكون النون وفتح الباء الموحدة الأسلمي الغساني (¬3). "أنّ صفوان بن أمية بعثه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بلبن ولبأ وضغابيس" بالضاد والغين المعجمتين فموحدة بعد الألف فمثناة تحتية آخره سين مهملة، ويأتي أنها صغار القثاء. "ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الوادي" أي: وادي مكة كما دلت له الرواية الأخرى (¬4). "قال" كلدة "فدخلت عليه ولم أسلم فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ارجع فقل السلام عليكم آدخل؟ " فيه أنه لا يسقط شرعية الاستئذان بعد دخول منزل من يريد الدخول عليه. ¬

_ = وأخرجه أحمد (3/ 413)، والبخاري في "الأدب المفرد" رقم (1081)، والطبراني في "الكبير" (ج 19 رقم 421)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (8/ 339)، وفي "الشعب" رقم (8809)، وابن السني في "عمل اليوم والليلة" رقم (664). والنسائي في "الكبرى" رقم (6735)، وفي "عمل اليوم والليلة" رقم (315) من طرق وهو حديث صحيح، والله أعلم. (¬1) في "السنن" رقم (5176). (¬2) وقيل: هي نبتٌ ينبت في أصول الثُّمام يُشْبه الهليون يُسلَق بالخلِّ والزيت ويؤكل. ذكره ابن الأثير في "منال الطالب" (1/ 141)، وانظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 83). (¬3) انظر: "التقريب" (2/ 136 رقم 63). قال ابن الأثير في "تتمة جامع الأصول" (2/ 814 - 815) كلدة بن الحنبل الأسلمي الغساني, وهو أخو صفوان بن أمية الجمحي لأمه. (¬4) أخرجها أبو داود في "السنن" رقم (5176).

قوله: "ففعل" هذه اللفظة لم أجدها في "الجامع" (¬1) في الروايتين، ولا في الترمذي (¬2). قوله: "أخرجه الترمذي". قلت: قال الترمذي (¬3): بعد إخراجه: قال عمرو: وأخبرني بهذا [152 ب] الحديث أمية بن صفوان، ولم يقل: سمعته من كلدة. قال الترمذي (¬4): هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلاّ من حديث ابن جريج، ورواه أيضاً أبو عاصم عن ابن جريج مثل هذا. قوله: "وعند أبي داود (¬5) وجُداية (¬6) " بضم الجيم فدال مهملة فمثناة تحتية، جمع جدا (¬7) المراد هنا بالجداية من أولاد الظباء ما بلغ ستة أشهر أو سبعة، وهي بمنزل الجدي من المعز، ويقع على الذكر والأنثى. "بدل اللباء" الذي في رواية الترمذي. "واللباء" بكسر اللام مهموز مقصور هو اللبن أول النتاج. قوله: "صغار القثاء" وهو جمع ضغبوس ونبات يكون في أصل الثمام يسلق بالخل ويؤكل كما في "المصباح" (¬8). ¬

_ (¬1) (6/ 594 رقم 4836). (¬2) وهو كما قال الشارح. (¬3) في "السنن" (5/ 65). (¬4) في "السنن" (5/ 65). (¬5) في "السنن" رقم (5176). (¬6) انظر: "النهاية" (1/ 244)، وانظر: "الفائق" للزمخشري (2/ 341). (¬7) جدا، جدايا جمع جداية. (¬8) انظر: "المصباح المنير" (ص 187).

الثالث: حديث (أنس - رضي الله عنه -): 3 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قَالَ لي رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - "يَا بُنَيَّ إِذَا دَخَلْتَ عَلَى أَهْلِكَ فَسَلِّمْ يَكُنْ سَلَامُكَ بَرَكةً عَلَيْكَ وَعَلَى أَهْلِ بَيْتِكَ". أخرجه الترمذي (¬1) وصححه. [إسناده ضعيف] قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يا بني إذا دخلت على أهلك فسلّم" أي: عليهم، وهو مبين للآية في قوله تعالى: {لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ} (¬2) بأن ذلك في بيت غير بيت الداخل الوجوب، وأمّا في بيته فإنه قد أخرجه الله من ذلك الوجوب، فأفاد الحديث أنه يندب. وأيضاً في حق من دخل بيته, ولذا تقدم في حديث عطاء بن السائب (¬3) أمر الرجل السائل له - صلى الله عليه وسلم - أن يستأذن على أمه قال: نعم، فالاستئذان والسلام على الأهل مندوب، ولو كان واجباً لما علله بقوله: "يكن سلامك بركة عليك وعلى أهل بيتك". "أخرجه الترمذي وصححه" (¬4). الرابع: حديث (عمرو بن العاص): 4 - وعن ابن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال: سُئِلَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَيُّ الإِسْلاَم خَيْرٌ؟ قَالَ: "تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأُ السَّلاَمَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ، وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ". أخرجه أبو داود (¬5). [صحيح] ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (2698) بإسناد ضعيف. (¬2) سورة النور الآية (27). (¬3) تقدم، وهو حديث ضعيف. (¬4) في "السنن" (5/ 59 رقم 2698)، وقال: هذا حديث حسن غريب. (¬5) في "السنن" رقم (5194). =

قلت: وأخرجه البخاري في كتاب الإيمان من "صحيحه" (¬1) بهذا اللفظ، والله أعلم. "قال: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أي الإِسلام خير؟ " أي: أفضل أعماله إذ كل خلة من خلال الإيمان تسمى إسلاماً وإيماناً. "قال: تطعم الطعام" هو في تقدير المصدر، أي: أن تطعم من باب تسمع، بالمعيدي (¬2)، [ويدخل الضيافة ونحوها] (¬3). "وتقرأ" بلفظ مضارع القراءة بمعنى تقول. قال أبو حاتم السجستاني: تقول: اقرأ - عليه السلام - ولا تقول: أقْرِئْهُ السلام (¬4). "على من عرفت وعلى من لم تعرف" أي: لا تخص به أحداً تكبراً وتصنعاً، بل تفعله تعظيماً لشعائر [153 ب] الإِسلام ومراعاة لإخوة المسلم، فإنّ اللفظ عام، فيدخل الكافر والمنافق والفاسق، أجيب بأنه خصّ بأدلة أخرى أو أنّ النهي متأخر وكان عاماً لمصلحة التأليف، وأمّا من شك فيه فالأصل البقاء على العموم حتى يثبت الخصوص (¬5). قوله: "أخرجه أبو داود" هكذا اقتصر ابن الأثير (¬6) على نسبته إلى أبي داود. ¬

_ = وأخرجه البخاري رقم (12) وطرفاه (28، 6336)، ومسلم رقم (39)، وابن ماجه رقم (3253)، والنسائي رقم (5000). وهو حديث صحيح. (¬1) رقم (12) وطرفاه (28، 6336). (¬2) ذكره الحافظ في "الفتح" (1/ 56). (¬3) كذا العبارة في المخطوط (أ. ب) وصوابها: وذكر الإطعام ليدخل فيه الضيافة وغيرها، "فتح الباري" (1/ 56). (¬4) ثم قال: فإذا كان مكتوباً قلت: أقرئه السلام، أي: اجعله يقرأه. (¬5) ذكره الحافظ في "الفتح" (1/ 56). (¬6) في "الجامع" (6/ 596 رقم 4839).

وقول المصنف: "قلت: وأخرجه البخاري في كتاب الإيمان من "صحيحه" (¬1) بهذا اللفظ"، قولٌ صحيح فإنه كما قال المصنف. الخامس: حديث (أنس - رضي الله عنه -): 5 - وعن أنس - رضي الله عنه -: أَنَّهُ مَرَّ عَلَى صِبْيَانٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ: كَانَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَفْعَلُهُ. أخرجه الخمسة (¬2) إلا النسائي. [صحيح] "أنه" أي: أنساً "مرّ على صبيان فسلَّم عليهم" وقال أنس مستدلاً لتسليمه عليهم: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفعله" أي: يسلم على الصبيان إذا مرّ عليهم، وتقدم في "كتم السر" (¬3): "أنه - صلى الله عليه وسلم - أتى أنساً وهو يلعب مع الصبيان فسلم عليهم" الحديث، عن أنس أيضاً. قوله: "أخرجه الخمسة إلاّ النسائي". السادس: حديث (أسماء بنت يزيد - رضي الله عنها -): 6 - وعن أسماء بنت يزيد - رضي الله عنها - قالت: مَرَّ عَلَيْنَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - في نِسْوَةٍ فَسَلَّمَ عَلَيْنَا. أخرجه أبو داود (¬4) والترمذي (¬5). [حسن] وفي رواية للترمذي (¬6): فَالوَى يَدَهُ بِالتَّسْلِيمِ. ¬

_ (¬1) رقم (12) وطرفاه رقم (28، 6336). (¬2) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (6247)، ومسلم رقم (2168). وابن ماجه رقم (3700)، والترمذي رقم (2696)، وهو حديث صحيح. (¬3) تقدم، وهو حديث صحيح. (¬4) في "السنن" رقم (5204). (¬5) في "السنن" رقم (2697). وأخرجه ابن ماجه رقم (370) والبخاري في "الأدب المفرد" رقم (1047، 1048). وهو حديث حسن. (¬6) في "السنن" رقم (2697) صحيح إلا قوله: "فألوى يده بالتسليم".

"قالت: مرّ علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في نسوة" أي: ونحن في جماعة نساء. "فسلّم علينا". وفي "صحيح البخاري" (¬1): "أنَّ الصحابة كانوا ينصرفون من الجمعة فيمرون على عجوز في طريقهم فيسلمون عليها .. " الحديث. قال ابن القيم (¬2): الصواب في مسألة السلام على النساء يسلم على العجائز وذوات المحارم دون غيرهن. انتهى. قوله: "أخرجه أبو داود والترمذي". "وفي رواية للترمذي (¬3): فألوى بيده بالتسليم" لفظها في "الجامع" (¬4): "قالت: مرّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المسجد يومًا ونحن عصبة من النساء فألوى يده بالتسليم" وقال: هذا حديث حسن، انتهى. قال النووي (¬5): هذا محمول على أنه - صلى الله عليه وسلم - جمع بين اللفظ والإشارة، يدل على هذا أنّ أبا داود روى هذا الحديث فقال في روايته: "فسلم علينا" انتهى. السابع: 7 - وعن عبيد الله بن أبي رافع عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَفَعَهُ الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، أَيْ: عَنْ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "يُجْزِئُ عَنِ الَجَماعَةِ إِذَا مَرُّوا أَنْ يُسَلِّمَ أَحَدُهُمْ, وَيُجْزِئُ عَنِ الجُلُوسِ أَنْ يَرُدَّ أَحَدُهُمْ". ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (6248). (¬2) في "زاد المعاد" (2/ 376). وانظر: "فتح الباري" (11/ 34 - 35). (¬3) في "السنن" رقم (2697). (¬4) (6/ 597). (¬5) في "الأذكار" (ص 410 - 411).

أخرجه أبو داود (¬1). [حسن] حديث (عبيد الله بن [154 ب] أبي رافع) عبيد الله مصغر، هو ابن أبي رافع مولى النبي - صلى الله عليه وسلم - المدني، كان كاتب علي - عليه السلام - وهو ثقة (¬2). "عن علي بن أبي طالب - عليه السلام -، قال أبو داود في سننه" (¬3): رفعه الحسن بن علي، أي: عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -". قلت: تفسير من المصنف لقول أبي داود: "رفعه" وليس من لفظ أبي داود (¬4) لأنَّه لا حاجة له؛ لأنهم لا يطلقون المرفوع إلاّ على ما كان إليه - صلى الله عليه وسلم -. "قال: يجزئ عن الجماعة" أي: يسقط عنهم ندبية الابتداء بالسلام. "إذا مروا" بمن يسلمون عليه. "أن يسلم أحدهم" ويؤجروا كلهم. "ويجزي" في ردِّ من سلم عليهم وهم قوم جلوس. "أن يرد أحدهم" فيسقط وجوب الرد على من عداه ممن لم يرد، ويؤجرون جميعاً، فلو ردوا جميعاً في الابتداء والانتهاء لكان حسناً وأعظم أجراً. قوله: "أخرجه أبو داود": قلت: قال الحافظ المنذري (¬5): في إسناده سعيد بن خالد الخزاعي (¬6). ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (5210)، وهو حديث حسن. (¬2) قاله ابن الأثير في تتمة "جامع الأصول" (2/ 689 - قسم التراجم). (¬3) (5/ 387 رقم 5210). (¬4) بل هو في "سنن أبي داود" (5/ 387). (¬5) في مختصر "السنن" (8/ 79). (¬6) انظر: "تهذيب التهذيب" (2/ 14). "الميزان" (2/ 132 رقم 3161).

قال أبو زرعة: ضعيف, وكذا قال أبو حاتم، وقال البخاري: فيه نظر، وقال الدارقطني: ليس بالقوي. الثامن: حديث (أبي أمامة - رضي الله عنه -): 8 - وعن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال: قال رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِالله مَنْ بَدَأَهُمْ بِالسَّلَامِ". أخرجه أبو داود (¬1) والترمذي (¬2). [صحيح] "قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إنّ أولي الناس بالله" أي: بإثابته وأجره "من بدأهم بالسلام" فهو أحب إلى الله من المجيب، وإن كان البادئ فاعلاً لمندوب، والمجيب لواجب، فللبادئ مزية ليست للمجيب. قوله: "أخرجه أبو داود والترمذي". قلت: وكان الأحسن أن يقول: وهذا لفظ أبي داود؛ لأنّ لفظ الترمذي (¬3) عن أبي أمامة: "قيل: يا رسول الله! الرجلان يلتقيان أيهما يبدأ بالسلام؟ قال: أولاهما بالله". قال الترمذي (¬4): هذا حديث حسن. التاسع: حديث (أبي هريرة - رضي الله عنه -): 9 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "يُسَلِّمُ الرَّاكِبُ عَلَى المَاشِي، وَالمَاشِي عَلَى القَاعِدِ، وَالقَلِيلُ عَلَى الكَثِيرِ". أخرجه الخمسة (¬5) إلا النسائي. [صحيح] ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (5197). (¬2) في "السنن" رقم (2694). وهو حديث صحيح. (¬3) في "السنن" رقم (2694). (¬4) في "السنن" (5/ 56). (¬5) أخرجه البخاري رقم (6231، 6232، 6233، 6234 معلقاً)، ومسلم في "صحيحه" رقم (2160)، وأبو داود رقم (5198، 5199)، والترمذي (2704، 2705)، وهو حديث صحيح.

"قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: الراكب" ابتداءً. "على الماشي" إذا التقيا. "و" يسلم "الماشي على القاعد، والقليل على الكثير" فهذه السنة وقد تحمل الشراح (¬1) عللاً ووجوها [155 ب] لهذه السنن سردناها في شرحنا "سبل السلام (¬2) على بلوغ المرام". قوله: "أخرجه الخمسة إلا النسائي" قال الترمذي (¬3): وزاد ابن المثنى: "والصغير على الكبير". العاشر: 10 - وعنه - رضي الله عنه - قال: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لمَا خَلَقَ الله آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ، طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا، قَالَ: اذْهَبْ فَسَلِّمْ عَلَى أُولَئِكَ النَّفَرِ مِنَ المَلاَئِكَةِ جُلُوسٌ، فَاسْتَمِعْ مَا يُحَيُّونَكَ، فَإِنَّهَا تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ. فَقَالَ: السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ. فَقَالُوا: السَّلاَمُ عَلَيْكَ ورَحْمَةُ الله. فَكُلُّ مَنْ يَدْخُلُ الجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ آدَمَ، فَلَمْ يَزَلِ الخَلْقُ يَنْقُصُ حَتَّى الآنَ". أخرجه الشيخان (¬4). [صحيح] حديث (أبي هريرة) وجعله ابن الأثير (¬5) فرعاً ثانياً (¬6) في كيفية السلام. "قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لمّا خلق الله آدم على صورته" هذا اللفظ في بعض الروايات التي ساق ألفاظها ابن الأثير (¬7)، والضمير (¬8) لآدم، أي: على الصورة التي استمر عليها إلى أن ¬

_ (¬1) انظر تفصيل ذلك في "الفتح" (11/ 16 - 17). (¬2) (8/ 148 - بتحقيقي). (¬3) في "السنن" (5/ 61). (¬4) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (3326، 6227)، ومسلم رقم (28/ 2841). (¬5) في "الجامع" (6/ 600). (¬6) وفي النسخة التي بين أيدينا: الفرع الثالث. (¬7) في "الجامع" (6/ 601 - 602). (¬8) انظر: "فتح الباري" (11/ 5 - 6).

أهبط، وإلى أن مات دفعاً لمن يتوهم أنه كان في الجنة على صورة أخرى. وقيل: والمراد من الصورة: الصفة (¬1) من العلم والحياة والسمع والبصر، وإن كانت صفاته لا يشبهها شيء. وقيل (¬2): الضمير للعبد المحذوف من السياق، وأنّ سبب الحديث: أنّ رجلاً ضرب عبده فنهاه عن ذلك، وقال: إنّ الله خلق آدم على صورته. ¬

_ (¬1) قال الحافظ في "الفتح" (11/ 5): والمراد بالصورة الصفة, والمعنى أن الله خلقه على صفته من العلم والحياة والسمع والبصر وغير ذلك، وإن كانت صفات الله تعالى لا يشبهها شيء. (¬2) ونضع بين يديك خلاصة الكلام على حديث: "إنّ الله خلق آدم على صورته" فعليه تأويلات كثيرة منها: أن الضمير في قوله: (صورته) راجع إلى آدم، وبناءً على هذا التأويل أرادوا به تحقيق أهدافٍ منها: قيل: المرادُ الردُّ على الدهرية, أنه لم يكن إنسان إلا من نطفة, ولا تكون نطفة إنسان إلا من إنسان ولا أول لذلك. فبيّن أنه خلق من أول الأمر على هذه الصورة. - وقيل: المراد الردُّ على الطبائعيين الزاعمين أن الإنسان قد يكون من فعل الطبع وتأثيره. - وقيل: للرد على القدرية الزاعمين أن الإنسان يخلق نفسه. - وقيل: إن لهذا الحديث سبباً حذف من هذه الرواية, وأن أوله قصة الذي ضرب عبده فنهاه - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك، وقال له - الحديث أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (2559) - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا قاتل أحدُكم فليجتنب الوجه". وقد ذكر الحافظ أن مسلم ذكره في "صحيحه" - رقم (115/ 2612) - وزاد: فإن الله خلق آدم على صورته". وقال الحافظ في "الفتح" (5/ 183): واختلف في الضمير على من يعود؟ - فالأكثر على أنّه يعود على المضروب, لما تقدم من الأمر بإكرام وجهه ولولا أن المراد التعليل بذلك لم يكن لهذه الجملة ارتباط بما قبلها، وقد أنكر المازري ومن تبعه صحة هذه الزيادة، ثم قال: وعلى تقدير صحتها، فيحمل على ما يليق بالباري سبحانه وتعالى. - قلت - الحافظ في "الفتح" (5/ 183): الزيادة أخرجها ابن أبي عاصم في "السنة" - رقم (517). - والطبراني - في "الكبير" (13/ 430) - من حديث ابن عمر بإسناد رجاله ثقات, وأخرجها ابن أبي عاصم - =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = في "السنة" رقم (521) من طريق أبي يونس عن أبي هريرة بلفظ يرد التأويل الأول - أن الضمير في قوله: "على صورته" يعود على المضروب - قال: من قاتل فليجتنب الوجه فإنّ صورة وجه الإنسان على صورة وجه الرحمن". - قال القرطبي: أعاد بعضهم الضمير على الله متمسكاً بما ورد في بعض طرقه: "إن الله خلق آدم على صورة الرحمن". أخرجه ابن أبي عاصم في "السنة" رقم (517) بإسناد ضعيف, ورجاله ثقات غير ابن لهيعة, فإنه سيئ الحفظ. ولكن الحافظ ابن حجر والإمام أحمد وإسحاق بن راهويه صححوا هذه الرواية وضعفها ابن خزيمة والمازري والقرطبي والمحدث الألباني. - أخرج ابن أبي عاصم في "السنة" رقم (518) عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تقبِّحوا الوجوه, فإن الله عز وجل خلق آدم على صورته". وهو حديث صحيح. - وأخرج ابن أبي عاصم في "السنة" رقم (519) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يقولنّ أحدكم قبح الله وجهك، ولا وجه من أشبه وجهك، فإن الله خلق آدم على صورته". وإسناده حسن. وعلى ما تقدم نقول: بيان أن إعادة الضمير في حديث: "خلق الله آدم على صورته" على غير الله هو قول الجهمية كما قال الإِمام أحمد، وفي ذلك ردٌ على جميع التأويلات التي ذكرها الحافظ من أقوال الذين جعلوا الضمير عائداً على آدم، أو على المضروب أو على المقول له فإن هذه الأقوال مخالفة لما ذهب إليه جمهور السلف من أنَّ الضمير فيه عائد على الله عز وجل. - قال شيخ الإِسلام ابن تيمية - رحمه الله - "نقض التأسيس" (3/ 202) - وما بعدها": لم يكن بين السلف من القرون الثلاثة نزاع في أنّ الضمير في هذا الحديث عائد إلى الله تعالى، فإنه مستفيض من طرق متعددة، عن عدد من الصحابة وسياق الأحاديث كلها تدل على ذلك ... إلى أن قال: "ولكن لما انتشرت الجهمية في المائة الثالثة، جعل طائفة الضمير فيه عائداً إلى غير الله تعالى حتى نقل ذلك عن طائفة من العلماء المعروفين بالعلم والسنة في عامة أمورهم، كأبي ثور، وابن خزيمة وأبي الشيخ الأصبهاني وغيرهم، ولذلك أنكر عليهم أئمة الدين وغيرهم من علماء السنة.

"طوله سبعون ذراعاً" زاد أحمد "في عرض سبعة أذرع". قال ابن القيم (¬1): وفي هذا الطول والعرض من الحكمة ما لا يخفى، وأنه أبلغ وأكمل، ولا يخفى أنَّ التناسب الذي بين هذا الطول والعرض، وأنه لو زاد أحدهما على الآخر فات الاعتدال، وتناسب الخلقة ويصير طولاً مع دقة، وغلطاً مع قصر وكلاهما غير مناسب. "قال: اذهب فسلّم على أولئك نفرٍ" بالكسر بدل من أولئك (¬2). "من الملائكة" بيان للنفر. "جلوس فاستمع ما يحيونك فإنها تحيتك وتحية ذريتك فقال: السلام عليكم". كأنه قد كان علَّمه الله ذلك، وهو قبل تعليمه الأسماء كلها. "فقالوا: السلام عليك ورحمة الله، فزادوه ورحمة الله" فحيّوه بأحسن من تحيته، وفيه: أنهم لم يأتوا بالواو في الجواب، وأنه يجوز حذفها في الجواب. قال ابن القيم (¬3): إنه تكلم الناس في هذه المسألة: لو حذف الواو هل يكون إذاً صحيحاً؟ فقالت طائفة (¬4): لا يكون جواباً، ولا يسقط به فرض الرَدّ؛ لأنه مخالف لسنة الرد، فإنه لا يعلم هل ردَّ أو ابتدأ تحية, فإنّ صورته صالحة لهما. قال (¬5): وذهبت طائفة إلى أنّ ذلك ردٌّ صحيح كما لو كان [156 ب] بالواو، ونصّ عليه الشافعي في كتابه الكبير. ¬

_ (¬1) انظر: "زاد المعاد" (2/ 386). (¬2) انظر: "فتح الباري" (11/ 5). (¬3) في "زاد المعاد" (2/ 385). (¬4) منهم المتولي وغيره. (¬5) في "زاد المعاد" (2/ 386).

واحتج (¬1) بحديث أبي هريرة هذا، فإنه أخبر - صلى الله عليه وسلم -: أنّ الملائكة قالوا: "عليك" بدون واو. قلت: هذا هو القوي، وكيف يذهب الوهم من سامع الإجابة إلى أنه ابتدأه من سلَّم عليه. "فكل من يدخل الجنة من أولاده على صورة آدم" في طوله ستين ذراعاً، وقد اختلف هل ذراع نفسه أو يريد الذراع المتعارف في عصر المخاطبين؟ والأول أظهر؛ لأنّ ذراع كل واحد بقدر ربعه، فلو كان الذراع المعهود لكانت يده قصيرة في خبب طول جسده، قاله في "الفتح" (¬2). "فلم يزل الخلق (¬3) ينقص حتى الآن". "أخرجه الشيخان". الحادي عشر: 11 - وعن عمران بن حصين - رضي الله عنهما - قال: كُنَّا عِنْدَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فجَاءَ رَجُلٌ فَسَلَّمَ فقَالَ: السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ. فَرَدَّ عَلَيْهِ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - السَّلاَمَ، ثُمَّ جَلَسَ، وَقَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "عَشْرٌ". ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَقَالَ: السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ الله. ¬

_ (¬1) واحتج أيضاً بقوله تعالى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (24) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ} [الذاريات: 24، 25]. (¬2) (6/ 366 - 367). (¬3) قال الحافظ في "الفتح" (6/ 367) أي: أن كل قرن يكون نشأته في الطول أقصر من القرن الذي قبله، فانتهى تناقص الطول إلى هذه الأمة واستقر الأمر على ذلك.

فَرَدَّ عَلَيْهِ فَجَلَسَ فَقَالَ: "عِشْرُون". ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَقَالَ: السَّلاَمُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ الله وَبرَكَاتُهُ. فَرَدَّ عَلَيْهِ فَجَلَسَ فَقَالَ: ثَلاَثُونَ". أخرجه أبو داود (¬1) والترمذي (¬2). [صحيح] حديث (عمران بن حصين) قد قدّمناه في الشرح. "قال: كنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجاء رجل فقال: السلام عليكم فردّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: عشر" أي: حسنات. "ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله فردّ وقال: عشرون" أي: حسنة. "ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته فردّ وقال: ثلاثون" أي: حسنة. قوله: "أخرجه أبو داود والترمذي". قلت: وقال (¬3): حسن غريب. - ولأبي داود (¬4) عن معاذ بن أنس بمعناه، وزاد: ثُمَّ أَتَى آخَرُ فَقَالَ: السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ الله وَبرَكَاتُهُ وَمَغْفِرَتُهُ. فَردَّ عَلَيْهِ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وَقالَ: "أَرْبَعُونَ". ثُمَّ قَالَ: "هَكَذَا تَكُونُ الفَضَائِلُ". [إسناده ضعيف] "ولأبي داود عن معاذ بن أنس بمعناه وزاد ثم أتى آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ومغفرته فردّ عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: أربعون، ثم قال: هكذا تكون الفضائل". هذا رواه أبو داود كما قاله المصنف. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (5195). (¬2) في "السنن" رقم (2689). وهو حديث صحيح. (¬3) في "السنن" (5/ 53). (¬4) في "السنن" رقم (5196) بإسناد ضعيف.

لكن قال المنذري (¬1): في إسناده أبو مرحوم عبد الرحمن بن ميمون، وسهل بن معاذ لا يحتج بهما. الثاني عشر: 12 - وعن أبي تميمة الهُجيمي عن أبي جُريًّ عن أبيه - رضي الله عنه - قال: أَتَيْتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْتُ: عَلَيْكَ السَلاَمُ يَا رَسُولَ الله. فَقَالَ: "لاَ تَقُلْ: عَلَيْكَ السَّلاَمُ، فَإِنَّ عَلَيْكَ السَّلاَمُ تَحِيَّةُ المَوْتَى. إِذَا سَلَمْتَ فَقُلْ: السَّلَامُ عَلَيْكَ. فَيَقُوْلُ الرَّادُّ: وَعَلَيْكَ السَّلامُ". أخرجه أبو داود (¬2) والترمذي (¬3). [صحيح] حديث (أبي تميمة) بفتح المثناة الفوقية (ابن أبي جُري) بضم الجيم فراء فمثناة تحتية، وفي "التقريب" (¬4): طريف بن مجالد الهجيمي أبو تميمة بصري ثقة، يعرف بكنيته، انتهى. ابن أبي جري، كذا في نسخ التيسير. "عن أبيه" والذي في نسخ "الجامع" (¬5) لابن الأثير: أبو تميمة عن أبي جري، وهو بالجيم مصغر، وهكذا في "سنن الترمذي" و"سنن [157 ب] أبي داود" فالغلط وقع من المصنف. قال في "التقريب" (¬6): أبو جري بالتصغير الهجيمي بالتصغير أيضاً، اسمه جابر (¬7) صحابي معروف. انتهى. ¬

_ (¬1) في "مختصر السنن" (8/ 69). (¬2) في "السنن" رقم (4084). (¬3) في "السنن" رقم (2722)، وهو حديث صحيح. (¬4) (1/ 378 رقم 20). (¬5) (6/ 604) (¬6) (2/ 405 رقم 11). (¬7) جابر بن سليم ين جابر.

"قال" أي: أبو جري. "أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت: عليك السلام يا رسول الله، قال: لا تقل عليك السلام، فإنّ عليك السلام تحية الموتى" أي: يحيى بها أهل الجاهلية الموتى. "إذا سلمت فقل: السلام عليك فيقول الراد: عليك السلام"، قال ابن القيم في "زاد المعاد" (¬1): وقد أشكل هذا الحديث على طائفة، وظنوه معارضاً لما ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - من السلام في تحية الموتى بلفظ: "السلام عليكم" بتقديم السلام، وظنوا أنّ قوله: "فإنّ عليك السلام تحية الموتى" إخبار عن المشروع، وغلطوا في ذلك غلطاً [ظنوا به التعارض] (¬2) وليس كذلك. فإنّ معنى قوله: "فإنّ عليك السلام تحية الموتى" إخبار عن الواقع لا عن المشروع، أي: أنّ الشعراء وغيرهم يحيون الموتى بهذا اللفظ كقول قائلهم: عَليكَ سَلامُ الله قيسَ بنَ عَاصمٍ ... ورحمتهُ ما شاء أن يترحَّما فما كان قيسٌ هُلكُه هُلْكَ واحدٍ ... ولكنَّهُ بُنيانُ قومٍ تهدَّما فكره - صلى الله عليه وسلم - أن يُحيَّى بتحية الأموات، ومن كراهته لذلك لم يردَّ على المسلِّم بها، وهذا الحديث دليل على أنها لا تجب الواو في الرد، وأنه يكون الجواب بدونها صحيحاً؛ لأنه قال: "فيقول الراد: عليك السلام" (¬3). ¬

_ (¬1) (2/ 384). (¬2) كذا في (أ. ب) والذي في "زاد المعاد": أوجب لهم ظنَّ التعارض. (¬3) وقال ابن القيم في تهذيبه على "مختصر سنن أبي داود" للمنذري (6/ 49 - مختصر السنن): الدعاء بالسلام دعاء بخير، والأحسن في دعاء الخير أن يقدم الدعاء على المدعو له، كقوله تعالى: {رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ} [هود: 73]. وقوله: {وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ} [مريم: 15]. وقوله: {سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ} [الرعد: 24]. =

قوله: "أخرجه أبو داود". قلت: أي: تحية الموتى فقط. "والترمذي". قلت: بكماله، وله عنده ألفاظ، وقال (¬1): حسن صحيح. الثالث عشر: حديث (ابن عمر - رضي الله عنه -): 13 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمُ اليَهُودُ فَإِنَّما يَقُولُ أَحَدُهُمُ: السَّامُ عَلَيْكَ. فَقُلْ وَعَلَيْكَ". أخرجه الستة (¬2) إلا النسائي. [صحيح] "قال: قال رسول الله - رضي الله عنه -: إذا سلم عليكم اليهود يقول أحدهم: السَّام" وهو الموت. ¬

_ = وأما الدعاء بالشر فيقدم المدعو عليه على الدعاء غالباً، كقوله تعالى لإبليس: {وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ (78)} [ص: 78]، وقوله: {وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ} [الحجر: 35]، وقوله: {عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ} [التوبة: 98]، وقوله: {وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ (16)} [الشورى: 16]، وإنما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك إشارة إلى ما جرت منهم في تحية الأموات, إذ كانوا يقدمون اسم الميت على الدعاء، وهو مذكور في أشعارهم كقول الشماخ: عليك سلامٌ من أديمٍ وباركت ... يد الله في ذاك الأديم الممزق وليس مراده أن السنة في تحية الميت أن يقال له: عليك السلام، كيف وقد ثبت في الصحيح عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه دخل المقبرة فقال: "السلام عليكم أهلَ دار قومٍ مؤمنين"، فقدم الدعاء على اسم المدعو كهو في تحية الأحياء، فالسنة لا تختلف في تحية الأحياء والأموات. (¬1) في "السنن" (5/ 72). (¬2) أخرجه البخاري رقم (6257) و (7928)، ومسلم في "صحيحه" رقم (8/ 2164)، وأبو داود رقم (5206)، والترمذي رقم (1603)، ومالك في "الموطأ" (2/ 960)، وهو حديث ضعيف.

"عليك فقل: وعليك" في "التوشيح": أكثر الأحاديث بإثبات الواو، وفي بعض الأحاديث بحذفها، ورجّحه جماعة؛ لأنّ الواو (¬1) تقتضي تقريراً وتشريكاً. وقال العدوي: إثبات [158 ب] الواو لا تشريك فيه؛ لأنها للاستئناف لا للعطف أوله، والمعنى: علينا وعليكم، أي: نحن وأنتم فيه سواء كلنا نموت، انتهى. وقال ابن القيم في "زاد المعاد" (¬2): اختلف في لفظ الواو على ثلاثة أوجه: أحدها بالواو. قال أبو داود (¬3): وكذلك رواه مالك عن عبد الله بن دينار، ورواه الثوري عن عبد الله ابن دينار بإسقاط الواو، وفي لفظ مسلم (¬4) والنسائي (¬5): "فقل: عليك" بغير واو. وقال الخطابي (¬6): عامة المحدثين يروونه: "وعليكم" بالواو، وكان سفيان بن عيينة يرويه بحذف الواو وهو الصواب، وذلك أنه إذا حذف الواو صار قولهم الذي قالوه مردوداً عليهم بعينه، وبإدخال الواو يقع الاشتراك معهم والدخول فيما قالوه؛ لأنّ الواو حرف عطف للعطف والاجتماع بين الشيئين، انتهى. قال ابن القيم (¬7): وما ذكره من أمر الواو ليس بمشكل، فإنّ السام الأكثر على أنه الموت، والمسَلَّم والمسَلَّم عليه مشتركون فيه، فيكون بالإتيان بالواو بيان لعدم الاختصاص ¬

_ (¬1) انظر: "فتح الباري" (11/ 45 - 46). (¬2) (2/ 386 - 387). (¬3) في "السنن" (5/ 385). (¬4) في "صحيحه" رقم (2164). (¬5) في "السنن الكبرى" رقم (10138، 10139). (¬6) في "معالم السنن" (5/ 384 - مع السنن). (¬7) (2/ 387).

وإثبات المشاركة، وفي حذفها إشعار بأنّ المسلِّم أحق به وأولى من المسلَّم عليه، فعلى هذا يكون الإتيان بالواو وهو الصواب، وهو أحسن من حذفها كما رواه مالك (¬1) وغيره. انتهى. قوله: "أخرجه الستة إلاّ النسائي". قلت: لهم ألفاظ كثيرة ساقها ابن الأثير (¬2). الرابع عشر: حديث (أنس - رضي الله عنه - يرفعه": 14 - وعن أنس - رضي الله عنه - يرفعه: "إذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ أَهْلُ الكِتَابِ فَقُولُوا: وَعَلَيْكُمُ". أخرجه الشيخان (¬3) [صحيح] "إذا سلّم عليكم أهل الكتاب فقولوا: وعليكم". قوله: "أخرجه الشيخان". الخامس عشر: حديث (أبي هريرة - رضي الله عنه -): 15 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تَبْدَءُوا اليَهُودَ وَلَا النَّصَارَى بِالسَّلاَمِ، وَإذَا لَقِيتُمْ أَحَدَهُمْ فِي الطَّرِيقِ فَاضْطَرُّوهُمْ إِلَى أَضْيَقِهِ". أخرجه مسلم (¬4) وأبو داود (¬5) والترمذي (¬6) [صحيح] ¬

_ (¬1) في "الموطأ" (2/ 960). (¬2) في "الجامع" (6/ 609 - 611). (¬3) البخاري في "صحيحه" رقم (6258)، ومسلم رقم (2162). (¬4) في "صحيحه" رقم (2167). (¬5) في "السنن" رقم (5205). (¬6) في "السنن" رقم (2701). وأخرجه أحمد (1/ 263، 266)، والبخاري في "الأدب المفرد" رقم (103)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (4/ 341)، والبيهقي (9/ 204)، وهو حديث صحيح.

"قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا تبدءوا (¬1) اليهود ولا النصارى بالسلام"؛ لأنَّه إكرام وهم أحق بعدمه. "وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه" قال القرطبي (¬2): معناه: لا تتنحوا لهم عن الطريق الضيق إكراماً لهم واحتراماً، وليس المعنى: إذا لقيتموهم في طريق واسع فألجئوهم إلى حرفه حتى يضيق عليهم؛ لأنّ ذلك أذىً لهم، وقد نهينا عن أذاهم بغير [159 ب] سبب. قوله: "أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي". قلت: وقال (¬3): حسن صحيح. السادس عشر: حديث (ابن عمر - رضي الله عنه -): 16 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما -: أَنَّ رَجُلاً مَرَّ عَلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يَبُولُ فَسَلَّمَ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ. أخرجه الخمسة إلا البخاري (¬4). [صحيح] وزاد أبو داود (¬5): ثُمَّ اعْتَذَرَ إِلَيهِ وَقَالَ: "إِنِّي كرِهْتُ أَنْ أَذْكرَ الله إِلاَّ عَلَى طُهْرٍ". ¬

_ (¬1) حكى النووي في شرح "صحيح مسلم" (14/ 145) تحريم ابتداء اليهود والنصارى بالسلام، عن عامة السلف وأكثر العلماء. (¬2) في "المفهم" (5/ 490). (¬3) في "السنن" (5/ 60). (¬4) أخرجه مسلم رقم (370)، وأبو داود رقم (16)، والترمذي رقم (90)، وابن ماجه رقم (353)، والنسائي رقم (37). وهو حديث صحيح. (¬5) في "السنن" رقم (17). وأخرجه ابن ماجه رقم (350)، والنسائي رقم (38)، والدارمي (2/ 287)، وابن خزيمة في "صحيحه" رقم (206)، وعنه ابن حبان رقم (189 - موارد)، والحاكم (1/ 167)، وعنه البيهقي (1/ 90)، وأحمد (5/ 80) عن قتادة، عن الحسن، عن حُضَيْن بن المنذر أبي ساسان، عن المهاجر بن قنفذ، به. =

"أنّ رجلاً مرّ على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يبول فسلّم فلم يرد عليه" إمّا لكراهة الكلام حال البول، أو لأنه على غير طهارة. قوله: "أخرجه الخمسة إلاّ البخاري". قوله: "وفي رواية" أي: لابن عمر. "زاد أبو داود: ثم اعتذر إليه وقال: إني كرهت أن أذكر الله إلا على طهر". لفظه عند أبي داود (¬1): "قال نافع: انطلقت مع ابن عمر في حاجة إلى ابن عباس فقضى ابن عمر حاجته, وكان من حديثه يومئذٍ أن قال: مرّ رجل في سكة من السكك فلقي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد خرج من غائط أو بول، فسلَّم عليه الرجل، فلم يردَّ عليه، حتى إذا كاد الرجل أن يتوارى في السكة ضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيديه على الحائط ومسح بهما وجهه، ثم ضرب ¬

_ = وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي. كذا قال، مع أنه قال في "الميزان" (1/ 527 ت 1968): "كان الحسن البصري كثير التدليس، فإذا قال في حديث: "عن فلان" ضعف احتجاجه ولا سيما عمن قيل: إنه لم يسمع منهم كأبي هريرة ونحوه فعدوا ما كان له عن أبي هريرة في جملة المنقطع" اهـ. قال المحدث الألباني في "الصحيحة" (2/ 488): "لكن الظاهر أن المراد من تدليسه إنما هو ما كان من روايته عن الصحابة دون غيرهم؛ لأن الحافظ في "التهذيب" أكثر من ذكر النقول عن العلماء في روايته عمن لم يلقهم، وكلهم من الصحابة، فلم يذكروا ولا رجلاً واحداً من التابعين روى عنه الحسن ولم يلقه، ويشهد لذلك إطباق العلماء جميعاً برواية الحسن عن غيره من التابعين، بحيث إني لا أذكر أن أحداً أعلَّ حديثاً ما من روايته عن تابعي لم يصرح بسماعه منه، ولعلّ هذا هو وجه من صحح الحديث ممن ذكرنا، وأقرهم الحافظ في "الفتح" (11/ 13)، ولا سيما ابن حبان منهم، فإنه صرح في "الثقات" (4/ 123) بأنه كان يدلس. هذا ما ظهر لي في هذا القام. والله سبحانه وتعالى أعلم" اهـ وخلاصة القول: أن حديث المهاجر بن قنفذ صحيح، والله أعلم. (¬1) في "السنن" رقم (330) بإسناد ضعيف.

الفصل العاشر: في المصافحة

ضربة أخرى فمسح بها ذراعيه, ثم رد عليه، وقال: إنَّه لم يمنعني أن أرد عليك [أولاً] (¬1) إلاّ أني لم أكن على طهر" هذا لفظه في "الجامع" (¬2) في رواية ابن عمر. وأمّا اللفظ الذي ذكره المصنف فهو من رواية المهاجر بن قنفذ (¬3)، أخرجها النسائي (¬4) وأبو داود (¬5)، وفيها: "ثم اعتذر عليه وقال: إني كرهت أن أذكرهر الله إلاّ على طهر، أو طهارة". والمصنف جعل هذا اللفظ من رواية ابن عمر وليس كذلك، وجزم بأحد اللفظين اللذين وقع الشك فيهما، هذا وفيه دليل (¬6) أنه لا يحسن ردُّ السلام إلاّ على طهارة، وكذلك الابتداء به، وأنه ينبغي لمن علم أنه إذا خرج من منزله أو إذا دخل على من يسلم عليه أن يتطهر قبل ذلك. الفصل العاشر: في المصافحة (العاشر): أي: من فصول الصحبة. (في المصافحة) وقال ابن الأثير (¬7): الفصل العاشر، ذكر فيه المصنف حديثين: الأول: حديث (قتادة): 1 - عن قتادة: قُلْتُ لأَنَسٍ - رضي الله عنه -: أَكَانَتِ المُصَافَحَةُ فِي أَصْحَابِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قَالَ: نَعَمْ. ¬

_ (¬1) هذا اللفظ غير موجود في "سنن أبي داود"، وهو في "الجامع" (6/ 615). (¬2) (6/ 615). (¬3) وهو كما قال وقد تقدم تخريجه. (¬4) في "السنن" رقم (38). (¬5) في "السنن" رقم (17) وهو حديث صحيح. وقد تقدم تخريجه. (¬6) انظر: شرح "صحيح مسلم" للنووي (4/ 65). (¬7) في "الجامع" (6/ 617).

أخرجه البخاري (¬1) والترمذي (¬2). [صحيح] "قال: قلت لأنس: أكانت المصافحة في أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: نعم". المصافحة: الإمضاء بصفحة اليد إلى صفحة اليد، وأول من أظهر أهل [160 ب] اليمن. أخرجه البخاري في "الأدب" (¬3)، وابن وهب في "جامعه" (¬4) عن أنس، قاله في "التوشيح". قلت: بل هو في "سنن أبي داود" (¬5) عن أنس بن مالك قال: "لما جاء أهل اليمن، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: قد جاءكم أهل اليمن وهم أول من جاءكم بالمصافحة" انتهى. قوله: "أخرجه البخاري والترمذي". قلت: وقال (¬6): حسن صحيح. الثاني: 2 - وعن البراء - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا مِنْ مُسْلِمَيْنِ يَلْتَقِيَانِ فَيتصَافَحَانِ إِلاَّ غُفِرَ لَهُما قَبْلَ أَنْ يَفْتَرِقَا". أخرجه أبو داود (¬7) والترمذي (¬8). وهذا لفظه. [صحيح] ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (6263). (¬2) في "السنن" رقم (2729). وهو حديث صحيح. (¬3) رقم (967). (¬4) ذكره الحافظ في "الفتح" (11/ 46). وأخرجه أحمد (3/ 212، 251) من طرق عن حماد بن سلمة عن حميد عن أنس بن مالك. (¬5) في "السنن" رقم (5213)، وهو حديث صحيح، غير أنَّ قوله: "وهم أوّل .. " مدرج من قول أنس. (¬6) في "السنن" (5/ 75). (¬7) في "السنن" رقم (5212). (¬8) في "السنن" رقم (2727). =

حديث (البراء) هو إذا أطلق ابن عازب. "قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلاّ غفر لهما قبل أن يتفرقا" فيه الحث على المصافحة عند الالتقاء، وحمدا الله واستغفراه كما تأتي به رواية (¬1) أبي داود قريباً. قوله: "أخرجه أبو داود والترمذي وهذا لفظه". قلت: وقال (¬2): حسن غريب. قلت: ولفظ أبي داود (¬3): عن البراء قال: "قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إذا التقى المسلمان، وحمدا الله واستغفراه غفر لهما". إلاّ أنه قال المنذري (¬4): في إسناده اضطراب، وفيه: أبو بَلْج (¬5) بموحدة وسكون اللام بعدها جيم، وثّقه ابن معين وأبو حاتم، وقال البخاري: فيه نظر، وضعّفه أحمد. انتهى. - وفي أخرى للترمذي (¬6) عن ابن مسعود يرفعه قال: "مِنْ تَمَامِ التَّحِيَّةِ الأَخْذُ بِاليَدِ". قوله: "وفي رواية للترمذي عن ابن مسعود يرفعه قال" أي: رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من تمام التحية الأخذ باليد". ¬

_ = وأخرجه ابن ماجه رقم (3703)، وهو حديث صحيح. (¬1) في "السنن" رقم (5211)، وهو حديث ضعيف. (¬2) في "السنن" (5/ 75). (¬3) في "السنن" رقم (5211)، وهو حديث ضعيف. (¬4) في "مختصر السنن" (8/ 79 - 80). (¬5) أبو بلج الفزاري الواسطي، ويقال: الكوفي الكبير، واسمه يحيى بن سليم بن بلج. ويقال: ابن أبي سليم. انظر: "تهذيب التهذيب" (4/ 498 - 499). "الميزان" (4/ 507 رقم 10037). (¬6) في "السنن" رقم (2730)، وهو حديث ضعيف.

الفصل الحادي عشر: في العطاس والتثاؤب

قلت: وقال (¬1) الترمذي: غريب. الثالث: 3 - وعن عطاء الخراساني: أَنَّ رَسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "تَصَافَحُوا يَذْهَبِ الغِلُّ، وَتَهَادَوْا تَحَابُّوا، وَتَذْهَبِ الشَّحْنَاءُ". أخرجه مالك (¬2). [ضعيف] حديث (عطاء الخراساني) هو عطاء بن أبي مسلم الخراساني، واسم أبيه ميسرة. وقيل: عبد الله، صدوق يهم كثيراً ويرسل ويدلس، لم يصح أنّ البخاري أخرج له، قاله في "التقريب" (¬3). "أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: تصافحوا يذهب الغل" بكسر الغين المعجمة، الحقد "وتهادوا تحابوا، وتذهب الشحناء" العداوة (¬4). قوله: "أخرجه الموطأ". قلت: مرسلاً كما عرفت". الفصل الحادي عشر: في العطاس والتثاؤب (الحادي عشر): أي: من فصول الصحبة. (في العطاس والتثاؤب) أي: في آدابهما، ذكر فيه خمسة أحاديث: الأول: حديث (أنس - رضي الله عنه -): 1 - عن أنس - رضي الله عنه - قال: عَطَسَ رَجُلاَنِ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَشَمَّتَ أَحَدَهُمَا، وَلَمْ يُشَمِّتِ الآخَرَ. فَقِيلَ لَهُ في ذلِكَ. فَقَالَ: "هَذَا حَمِدَ الله تَعَالَى، وَهَذَا لَمْ يَحْمَدِ الله تَعَالَى". ¬

_ (¬1) في "السنن" (5/ 75). (¬2) في "الموطأ" (2/ 908 رقم 16). (¬3) (2/ 23 رقم 199). (¬4) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (6/ 619).

أخرجه الخمسة (¬1) إلا النسائي. [صحيح] "قال [161 ب]: عطس رجلان عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فشمت أحدهما" قال ابن الأثير (¬2): فشمت العاطس بالشين المعجمة والسين المهملة، والشين المعجمة أكثر وأفصح، إذا دعوت له، وهو في السنة أن تقول له: "يرحمك الله". اشتقاق التشميت بالشين المعجمة من الشوامت وهي القوائم، كأنَّه دعا للعاطس بالتثبيت على طاعة الله، واشتقاقه بالسين المهملة من السمت وهو الهدى كأنَّه دعا إلى سمته وهديه، قاله أبو علي الفارسي (¬3). وقال ثعلب (¬4): معنى التشميت: أبعدك الله عن الشماتة، وجنبّك ما يشمت به عليك، ومعنى التسميت: جعلك الله على سمت حسن، انتهى. "ولم يشمت الآخر فقيل له" أي: سئل - صلى الله عليه وسلم - عن ذاك، والسائل هو الذي لم يشمته - صلى الله عليه وسلم - كما في رواية في هذا الحديث عن أنس: "فقال له الذي لم يشمته يا رسول الله شمّت هذا ولم تشمتني". "قال: إنّ هذا حمد الله، وهذا لم يحمد الله" هذا صريح في أنّ الأمر (¬5) بالتشمتة هو لمن حمد الله، فإذا لم يحمد الله فلا يستحق تشميتاً ويكره تشميته, ولذا نهى عنه، والأصل فيه التحريم والنهي هو في الحديث الثاني. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في "صحيحه" (6225)، ومسلم رقم (53/ 2991)، وأبو داود رقم (5039)، والترمذي رقم (2742)، وابن ماجه رقم (3713). وهو حديث صحيح. (¬2) في "الجامع" (6/ 620). (¬3) انظر: "تهذيب اللغة" (11/ 329 - 330). (¬4) ذكره النووي في "شرح صحيح مسلم" (18/ 120). وانظر: "لسان العرب" (2/ 49). (¬5) انظر: "فتح الباري" (10/ 602 - 603).

قوله: "أخرجه الخمسة إلاّ النسائي". - وفي أُخرى لمسلم (¬1) عن أبي موسى: "إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَحَمِدَ الله تَعَالَى فَشَمِّتُوهُ، وَإِنْ لَمْ يَحْمَدِ الله فَلاَ تُشَمِّتُوهُ". [صحيح] قوله: "وفي أخرى لمسلم عن أبي موسى قال: قال: إذا عطس أحدكم فحمد الله فشمتوه، وإن لم يحمد الله فلا تشمتوه" وعبارة المصنف ليست صريحة في رفعه. والحديث له قصة عن أبي بردة قال: "دخلت على أبي موسى وهو في بيت أم الفضل ابن العباس فعطستُ فلم يشمتني، وعطستْ فشمّتها، فرجعت إلى أمي فأخبرتها، فلما جاء قالت: عطس عندك ابني فلم تشمته، وعطست فشمتها؟ فقال: إنّ ابنك عطس فلم يحمد الله فلم أشمته، وعطست فحمدت الله فشمتها" وذكر الحديث. قال ابن القيم (¬2): لما كان العاطس قد حصل له بالعطاس نعمة ومنفعة بخروج الأبخرة [162 ب] المتحقنة في دماغه التي لو بقيت فيه أحدثت أدواءً عسرة، شرع له حمد الله على هذه النعمة مع بقاء أعضاءه على التئامها وهيئتها بعد هذه الزلزلة التي هي للبدن كزلزلة الأرض لها. الثاني: حديث (أبي هريرة - رضي الله عنه -): 2 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "شَمِّتْ أَخَاكَ ثَلاَثَاً، فَمَا زَادَ فَهُوَ زُكَامٌ". أخرجه أبو داود (¬3). [حسن] ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (54/ 2992). (¬2) في "زاد المعاد" (2/ 400). (¬3) في "السنن" رقم (5034)، وهو حديث حسن.

"قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: شمت أخاك ثلاثاً" أي: ثلاث مرات إن تكرر معه العطاس. "فما زاد" على الثلاث. "فهو زكام" أي: العطاس عن زكام، وقد عارضه حديث مسلم (¬1): "أنه عطس عند - صلى الله عليه وسلم - رجل فقال له: يرحمك الله، ثم عطس أخرى فقال: الرجل مزكوم". هذا لفظ مسلم أنه قاله في المرة الثانية، ولكنه لا تعارض بين الفعل والقول إذ القول مقدم. قال ابن القيم (¬2): فإن قيل: إذا كان به زكام فهو أولى أن يُدعى له ممن لا علة به؟! قيل: يدعى له كما يُدعى للمريض ومن به داء ووجع، وأما سنة العطاس الذي يحبه الله وهو نعمة، ويدلُّ على خفة البدن، وخروج الأبخرة المحتقنة، فإنما يكون إلى تمام الثلاث، وما زاد عليها يُدعى لصاحبه بالعافية. وقوله في الحديث: "مزكوم" تنبيه على الدعاء له بالعافية؛ لأنّ الزكام علة، وفيه اعتذار عن ترك تشميته بعد الثلاث، وفيه التنبيه على هذه العلة ليتداركها، ولا يهملها [فيصتصعب] (¬3) أمرها، وكلامه - صلى الله عليه وسلم - كله علم وحكمة وهدى، انتهى (¬4). قوله: "أخرجه أبو داود". الثالث: حديث (أبي هريرة - رضي الله عنه -): ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (55/ 2993) عن ابن سلمة بن الأكوع أن أباه حدثه أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - وعطس رجل عنده فقاله له: "يرحمك الله، ثم عطس أخرى فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: الرجل مزكوم ... ". (¬2) في "زاد المعاد" (2/ 403). (¬3) في (ب). فيصستصعب. هكذا رسمت، والذي في "زاد المعاد": فيصعبُ. (¬4) انظره: في "زاد المعاد" (2/ 403).

3 - وعنه - رضي الله عنه - قال: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ الله يُحِبُّ العُطَاسَ وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ. فَإِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَحَمِدَ الله فَحَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ سَمِعَهُ أَنْ يَقُولَ لَهُ: يَرْحَمُكَ الله. وَأَمَّا التَّثَاؤُبُ فَإِنَّهُ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلاَةِ فَلْيَكْظِمْ مَا اسْتَطَاعَ، وَلاَ يَقُلْ: هَاهْ فَإِنَّ ذَلِكُمْ مِنَ الشَّيْطَانِ، يَضْحَكُ مِنْهُ". أخرجه الخمسة (¬1) إلا النسائي. [صحيح] قوله: "فليكظم" أي: لا يفتح فاه. "قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إنّ الله يحب العطاس". قال الخطابي (¬2): العطاس يكون عن خفة البدن، وانفتاح المسام، وعدم الغاية (¬3) في الشبع. انتهى. أي: فيحبه الله لذلك، والمراد: محبة العاطس لتفرع عطاسه عمّا يحبه الله، وقد أشرع له الحمد، ولسامعه التشميت له، وله جوابه على تشميته، وهو ذكر لله تعالى ودعاء تفرع عن العطاس. "ويكره التثاؤب" قال الخطابي (¬4): لأنه إنما يكون عن غلبة امتلاء البدن وثقله ممّا [163 ب] يكون ناشئاً عن كثرة الأكل والتخليط فيه وهو يستدعي (¬5) الكسل عن العبادة. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (3289، 6223، 6224)، ومسلم رقم (56/ 2994)، وأبو داود رقم (5028)، والترمذي رقم (370)، وابن ماجه رقم (968). وهو حديث صحيح. (¬2) في "معالم السنن" (5/ 287 - مع السنن). (¬3) وإليك نص كلام الخطابي: معنى حب العطاس وحمده وكراهة التثاؤب وذمه: أن العطاس إنما يكون مع انفتاح المسام، وخفة البدن، وتسيير الحركات، وسبب هذه الأمور تخفيف الغذاء، والإقلال من المطعم، والاجتزاء باليسير منه ...) سيأتي نص كلامه على التثاؤب. (¬4) في "معالم السنن" (5/ 287 - مع السنن). (¬5) قال الخطابي: والتثاؤب: إنما يكون مع ثقل البدن وامتلائه وعند استرخائه للنوم، وميله إلى الكسل. =

فائدة: أخرج البخاري في "التاريخ" (¬1) وابن أبي شيبة (¬2) من مرسل يزيد بن الأصم قال: "ما تثاءب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ". وقال مسلمة بن عبد الملك (¬3): "ما تثاءب نبي قط"، وإنه من أعلام النبوة قاله البرماوي (¬4). "فإذا عطس أحدكم فحمد الله" ورد في صفة لفظه روايتان: "فليقل: الحمد لله". وفي أخرى: "فليقل: الحمد لله على كل حال". "فحق على كل مسلم سمعه أن يقول: يرحمك الله" هذا واضح في الإيجاب على كل سامع، وليس كردّ السلام يجزئ واحد عن الجماعة ابتداءً ورداً. قال ابن القيم (¬5): وقد اختلف الناس في مسألتين: إحداهما: أنّ العاطس إذا حمد الله فسمعه بعض الحاضرين دون بعض، هل يُسنُّ لمن لم يسمعه تشميته؟ فيه قولان: [والظاهر] (¬6): أنه يشمته إذا تحقق أنه حمد الله، وليس المقصود سماع المشمت للحمد، وإنما المقصود نفس حمده، فمتى تحقق ترتب عليه التشميت، كما لو كان ¬

_ = فصار العطاس محموداً؛ لأنه يعين على الطاعات، والتثاؤب مذموماً؛ لأنه يثبطه عن الخيرات، وقضاء الواجبات. (¬1) ذكره الحافظ في "فتح الباري" (10/ 613) من مرسل يزيد بن الأصم. (¬2) في "مصنفه" (2/ 427). (¬3) قال الحافظ في "الفتح" (10/ 613) وأخرج الخطابي من طريق مسلمة بن عبد الملك بن مروان قال: (ما تثاءب نبي قط)، ومسلمة أدرك بعض الصحابة، وهو صدوق. (¬4) انظر: "فتح الباري" (10/ 612). (¬5) في "زاد المعاد" (2/ 403). (¬6) كذا في "المخطوط" (أ. ب) والذي في "زاد المعاد": والأظهر.

المشمت أخرس، ورأى حركة شفتيه بالحمد، والنبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "فإن حمد الله فشمتوه" هذا هو الصواب، انتهى. قلت: قوله: "على كل سامع" صريح أنه لا يتعين إلاّ على سامعه. ثم قال (¬1): والثانية إذا ترك الحمد فهل يستحب لمن حضره أن يُذكِّره الحمد؟ قال ابن العربي (¬2): لا يُذكِّره، قال: وهذا جهل من فاعله، وقال النووي (¬3): أخطأ من زعم ذلك بل يذكره وهو مروي عن إبراهيم النخعي، وهو من باب النصيحة، والأمر بالمعروف والتعاون على البر والتقوى، وظاهر السنة يقوي قول ابن العربي، فإنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يشمت الذي لم يحمد الله ولم يذكره، وهذا تعزير له وحرمان لبركة الدعاء لما حرم نفسه بركة الحمد، فنسي الله، فصرف قلوب المؤمنين وألسنتهم عن تشميته والدعاء له، ولو كان تذكيره سنة؛ لكان النَّبي - صلى الله عليه وسلم - بفعلها وتعليمها، والإعانة عليها. انتهى. قلت: والأولى التفصيل، فإن كان عالماً بمشروعية الحمد فكما قال ابن العربي: وإن كان جاهلاً لمشروعيته عُرِّف بها وذكر. "وأمّا التثاؤب فإنما هو من الشيطان" [164 ب] هو من نسبة المكروه إلى الشيطان لرضاه به (¬4) وإرادته له لا أنه منه حقيقة. ¬

_ (¬1) ابن القيم في "زاد المعاد" (2/ 403 - 404). (¬2) في "عارضة الأحوذي" (10/ 205 - 206). (¬3) في "شرحه لصحيح مسلم" (18/ 121 - 122). (¬4) قال ابن بطال في "شرحه لصحيح البخاري" (9/ 370): ومعنى إضافة التثاؤب إلى الشيطان، إضافة رضى، وإرادة, أي: أن الشيطان يحب أن يرى تثاؤب الإنسان؛ لأنها حال المثلة وتغيير لصورته فيضحك من جوفه؛ لأن الشيطان يفعل التثاؤب في الإنسان، لأنه لا خالق للخير والشر غير الله، وكذلك كل ما جاء من =

"فإذا تثاءب أحدكم في الصلاة فليكظم ما استطاع" أي: لا يفتح به فاه، فسّره المصنف، وفي رواية أبي سعيد عند مسلم (¬1) وأبي داود (¬2) زيادة: "فإنّ الشيطان يدخل منه" (¬3). "ولا يقل: هاه" فكأنه صوت المتثائب. "فإن ذلك من الشيطان يضحك منه". قوله: "أخرجه الخمسة إلاّ النسائي". وفي لفظ للترمذي (¬4): "إذا تثاءب أحدكم فليضع يده على فيه، وإذا قال: آه آه فإن الشيطان يضحك من جوفه". وفي رواية مسلم وأبي داود عن أبي سعيد بيان وجه الأمر بإمساك يده على فيه بقوله: "فإنّ الشيطان يدخل منه" (¬5). الرابع: حديث (أبي هريرة) أيضاً: 4 - وعنه - رضي الله عنه - قال: "كَانَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا عَطَسَ غَطَّى وَجْهَهُ بِيدهِ أَوْ بِثَوْبِهِ وَغَضَّ بِهَا صَوْتَهُ". أخرجه أبو داود (¬6) والترمذي (¬7). [حسن] ¬

_ = الأفعال المنسوبة إلى الشيطان، فإنها على معنيين: إمَّا إضافة رضى وإرادة, أو إضافة بمعنى الوسوسة في الصدر والتزيين. (¬1) في "صحيحه" رقم (57/ 2995). (¬2) في "السنن" رقم (5026). كذا في (أ. ب) والذي عند مسلم وأبي داود: "فإن الشيطان يدخل"، هكذا عندهما دون قوله: منه. (¬3) في "السنن" رقم (2746) بإسناد صحيح. (¬4) في "السنن" رقم (2746) بإسناد صحيح. (¬5) عندهما: "فإن الشيطان يدخل"، وليس عندهما: منه. فلينظر. (¬6) في "السنن" رقم (5029). (¬7) في "السنن" رقم (2745). وهو حديث حسن.

الفصل الثاني عشر: في عيادة المريض وفضلها

"قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا عطس غطى وجهه بيديه أو بثوبه وغض بها صوته" كما تقدم. قوله: "أخرجه أبو داود والترمذي". قلت: وقال (¬1): حسن صحيح. الخامس: حديث (أبي موسى): 5 - وعن أبي موسى - رضي الله عنه - قال: كَانَ اليَهُودُ يَتَعَاطَسُونَ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَرْجُونَ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ: يَرْحَمُكُمُ الله. فَيَقُولُ: "يَهْدِيكُمُ الله وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ". أخرجه أبو داود (¬2) والترمذي (¬3) وصححه. [صحيح] "قال: كان اليهود يتعاطسون عند النبي - صلى الله عليه وسلم - يرجون" كأنه عرفهم من قولهم. "أن يقول لهم: يرحمكم الله, فيقول: يهديكم الله ويصلح بالكم" أي: شأنكم، وهو نحو: والسلام على من اتبع الهدى، فالدعاء بالهداية وصلاح الشأن لأهل الكتاب جائز. قوله: "أخرجه أبو داود والترمذي وصححه". قلت: قال (¬4): حسن صحيح. الفصل الثاني عشر: في عيادة المريض وفضلها (الثاني عشر) من فصول كتاب الصحبة. (في عيادة المريض وفضلها) ذكر فيه عشرة أحاديث: الأول: حديث (علي - عليه السلام -): ¬

_ (¬1) في "السنن" (5/ 86). (¬2) في "السنن" رقم (5083). (¬3) في "السنن" رقم (2739)، وهو حديث صحيح. (¬4) في "السنن" (5/ 82).

1 - عن علي - رضي الله عنه - قال: قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَا مِنْ رَجُلٍ يَعُودُ مَرِيضًا مُمْسِيًا إِلاَّ خَرَجَ مَعَهُ سَبْعُونَ ألفَ مَلَكٍ يَسْتَغْفِرُونَ لَهُ حَتَّى يُصْبحَ، وَكَانَ لَهُ خَرِيفٌ فِي الجَنَّةِ, وَمَنْ أَتَاهُ مُصْبِحًا خَرَجَ مَعَهُ سَبْعُونَ ألفَ مَلَكٍ يَسْتَغْفِرُونَ لَهُ حَتَّى يُمْسيَ، وَكَانَ لَهُ خَرِيفٌ فِي الجَنَّةِ". أخرجه أبو داود (¬1) والترمذي (¬2). [صحيح] "الخريف" هنا الحائط من النخل. "قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ما من رجل يعود مريضاً ممسيًّا" داخلاً العائد في وقت المساء، وهو من بعد زوال الشمس إلى الليل. "إلاّ خرج معه" يحتمل من منزله أو من بعد خروجه من منزل من عاده. "سبعون ألف ملك يستغفرون له حتى يصبح، وكان له خريف في الجنة" وذلك أنّ عيادته المريض تأنيس له واتعاظ بما يراه عليه، وقد يقوده الاعتبار إلى التوبة، ويدعو له المريض وهو يدعو له. "ومن أتاه" أي: عائداً له. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (3099). (¬2) في "السنن" رقم (969). وأخرجه أحمد (1/ 97، 118)، وابن ماجه رقم (1442)، وابن حبان رقم (2958)، والحاكم (1/ 341 - 342)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (3/ 380)، وفي "الشعب" رقم (9173)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (3/ 234)، وهناد في "الزهد" رقم (372)، البزار رقم (620)، أبو يعلى رقم (262). قال الحاكم: هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه؛ لأن جماعة من الرواة أوقفوه عن الحكم بن عتبة ومنصور بن المعتمر، عن ابن أبي ليلى، عن علي - رضي الله عنه - من حديث شعبة، وأنا على أصلي في الحكم لراوي الزيادة, ووقفه الذهبي. وانظر: "العلل" للدارقطني (3/ 267)، و"الصحيحة" رقم (1367). وهو حديث صحيح.

"مصبحاً" داخلاً في الصباح. "خرج معه سبعون ألف [165 ب] ملك يستغفرون له حتى يمسي، وكان له خريف في الجنة". قوله: "أخرجه أبو داود والترمذي". قلت: لفظه فيه (¬1): "ما من مسلم يعود مسلماً غدوة، إلاّ صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي، وإن عاده عشية إلاّ صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح" الحديث. ثم قال (¬2): هذا حديث غريب حسن، وقد روي عن علي هذا الحديث من غير وجهٍ، ومنهم من وقفه ولم يرفعه. انتهى. قال الراوي (¬3): أخذ علي بيدي فقال: انطلق بنا إلى الحسن نعوده فوجدنا عنده أبا موسى، فقال علي: أعائداً جئت يا أبا موسى أم زائراً؟ فقال: بل عائداً، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... " وذكر الحديث. الثاني: حديث ثوبان: 2 - وعن ثوبان - رضي الله عنه - قال: قال رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ عَادَ مَرِيضًا لَمْ يَزَلْ فِي خُرْفَةِ الجَنَّةِ حَتَّى يَرْجِعَ". أخرجه مسلم (¬4) والترمذي (¬5). [صحيح] ¬

_ (¬1) في "سنن الترمذي" رقم (969)، وهو حديث صحيح. (¬2) في "السنن" (3/ 301). (¬3) ابن أبي فاختة عن أبيه قال: أخذ عليَّ ... وأبو فاختة: هو سعيد بن علاقة الهاشمي، مولاهم، الكوفي، مشهور بكنيته, ثقة، من الثالثة، مات في حدود السبعين. "التقريب" (1/ 303 رقم 238). (¬4) في "صحيحه" رقم (2568). (¬5) في "السنن" رقم (967). =

"قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من عاد مريضاً لم يزل في خُرفة" بضم الخاء المعجمة. "الجنة حتى يرجع" قال الأزهري (¬1): الخرفة: ما يخترف من النخل حين يدرك ثمره. قال ابن الأنباري: شبه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يحرزه عائد المريض من الثواب بما يحرزه المخترف من الثمر. قلت: فيه بعد عن لفظ الحديث لا يخفى. قوله: "أخرجه مسلم والترمذي". قلت: ولفظه فيه (¬2): "إنّ المسلم إذا أعاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة". قال الترمذي (¬3): حديث ثوبان حديث حسن، انتهى. الثالث: حديث (أنس - رضي الله عنه -): 3 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الوُضُوءَ، وَعَادَ أَخَاهُ المُسْلِمَ مُحْتَسِبًا بُوعِدَ مِنْ النَّارِ مَسِيرَةَ سَبْعِينَ خَرِيفًا". قال أنس: "الخَريفُ" العام. أخرجه أبو داود (¬4). [ضعيف] ¬

_ = وأخرجه أحمد في "مسنده" (5/ 283)، وهو حديث صحيح. (¬1) في "تهذيب اللغة" (7/ 21 - 22). (¬2) في "سنن الترمذي" رقم (967) وهو حديث صحيح. (¬3) في "السنن" (3/ 299). (¬4) في "السنن" رقم (3097)، وهو حديث ضعيف وفي إسناده الفضل بن دلهم الواسطي القصاب، قال يحيى بن معين: ضعيف الحديث. وقال أحمد: لا يحفظ. وقال مرة: ليس به بأس. وقال ابن حبان: كان ممن يخطئ فلا يفحش خطؤه حتى يبطل الاحتجاج به. انظر: "الميزان" (3/ 351)، "الجرح والتعديل" (7/ 61). "المغني" (2/ 511)، "تهذيب الكمال" (2/ 1098).

"قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من توضأ فأحسن الوضوء" أي: أسبغه. "وعاد أخاه المسلم محتسباً" أجر عيادته. "بُوعِدَ من النار سبعين خريفاً، قال أنس: الخريف العام" فيه أنه يشرع الوضوء لعيادة المريض، فإنه رتب الأجر على الأمرين: العيادة والوضوء، والثالث الاحتساب، وعقد أبو داود (¬1) له باباً فقال: باب في فضل العيادة على وضوء. قوله: "أخرجه أبو داود". الرابع: حديث (أبي هريرة - رضي الله عنه -). 4 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ عَادَ مَرِيضًا، أَوْ زَارَ أَخًا لَهُ في الله تَعَالَى، نَادَاهُ مُنَادٍ أَنْ طِبْتَ، وَطَابَ مَمْشَاكَ وَتَبَوَّأْتَ مِنَ الجَنَّةِ مَنْزِلاً". أخرجه الترمذي (¬2). [حسن] "تَبَوَّأْتَ" أي: اتخذت. "قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من عاد مريضاً" عامٌ لكل مريض، إلاّ أنه أخرج الطبراني (¬3) وابن عدي (¬4) عن أبي هريرة مرفوعاً: "ثلاث لا يعاد صاحبهن الرمد، وصاحب الضرس [166 ب] وصاحب الدُّمل". ¬

_ (¬1) في "السنن" (5/ 475 الباب رقم 7). (¬2) في "السنن" رقم (2008). وأخرجه ابن ماجه رقم (1443)، وابن حبان رقم (2961)، وفي سنده أبو سنان، عيسى بن سنان القسملي، وهو ضعيف. وهو حديث حسن. والله أعلم. (¬3) في "الأوسط" رقم (152). (¬4) في "الكامل" (7/ 2561). =

ذكره الأسيوطي في "الجامع الصغير" (¬1). "أو زار أخاً له" لا لمرض، فإنّ زيارة المريض تعرف بالعيادة وإن سميت أيضاً زيارة. "في الله" أي: لأجل أنّ الله يحب تزاور الإخوان. "ناداه منادٍ" أي: من الملائكة. "أن طبت، وطاب ممشاك، وتبوأت من الجنة منزلاً" قد أعد لك في الجنة منزلاً تنزله نحو {وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ} (¬2). قوله: "أخرجه الترمذي". قلت: في باب (¬3) ترجمة بباب: ما جاء في زيارة الإخوان، ثم قال (¬4) بعد إخراجه: هذا حديث غريب. الخامس: حديث (زيد بن أرقم - رضي الله عنه -): 5 - وعن زيد بن أرقم - رضي الله عنه - قال: عَادَنِي رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - مِنْ وَجَعٍ كانَ بِعَينَيَّ. أخرجه أبو داود (¬5). [حسن] ¬

_ = وأخرجه ابن الجوزي في "الموضوعات" (2/ 384)، والعقيلي فى "الضعفاء" (4/ 212). قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (2/ 300): فيه الهيثم بن جماز البكاء، وهو ضعيف. والهيثم بن جماز الحنفي البكاء، ضعفه ابن معين، وقال أحمد والنسائي: متروك الحديث. "الميزان" (4/ 319)، "اللسان" (6/ 204). وهو حديث موضوع. انظر: "الضعيفة" رقم (150). (¬1) رقم (3484)، ورمز السيوطي له بالضعف. (¬2) سورة يونس الآية: 93. (¬3) في "السنن" (4/ 365 الباب رقم 64). (¬4) أي: الترمذي في "السنن" (4/ 365). (¬5) في "السنن" رقم (3102)، وهو حديث حسن.

"قال: عادني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من وجع كان بعيني". إن صح حديث أبي هريرة الذي قدمناه "أنه لا يعاد من الرمد" فيحتمل أنّ هذا الوجع بعيني زيد كان غير رمد أو أنه رمد، وعاده لبيان الجواز. قوله: "أخرجه أبو داود" وبوّب (¬1) له: باب العيادة من الرمد، فذكره. السادس: حديث (عائشة - رضي الله عنها -): 6 - وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: لمَّا أُصِيْبَ سَعْدٌ بنُ مُعَاذٍ - رضي الله عنه - يَوْمَ الخَنْدَقِ فِي أَكْحَلِهِ. ضَرَبَ لَهُ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - خيْمَةً فِي المَسْجِدِ لِيَعُودَهُ مِنْ قَرِيبٍ. أخرجه أبو داود (¬2) والنسائي (¬3). [صحيح] "قالت: لما أصيب سعد" أي: ابن معاذ سيد الخزرج. "يوم الخندق" هو يوم الإضراب، يعرف بالاسمين. "في أكحله" متعلق بأصيب. "ضرب له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيمة" يمرض فيها. "في المسجد" مسجده - صلى الله عليه وسلم -. "ليعوده من قريب" وهو حديث طويل، أخرجه الشيخان (¬4) في غزوة الخندق، بوّب له أبو داود: باب الرجل يعاد مراراً. ¬

_ (¬1) في "السنن" (4/ 477 الباب رقم 9). (¬2) في "السنن" رقم (3101). (¬3) في "السنن" رقم (710). (¬4) البخاري في "صحيحه" رقم (463)، وأطرافه في (2813، 3901، 4117، 4122)، ومسلم رقم (1719).

قوله: "أخرجه أبو داود والنسائي" كأنه يريد أخرجا هذا القدر، وإلاّ فإنه أخرجه الشيخان (¬1). السابع: حديث (ابن عباس - رضي الله عنهما -): 7 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ عَادَ مَرِيضًا لَمْ يَحْضُرْ أَجَلُهُ فَقَالَ عِنْدَهُ سَبْع مرَّاتٍ أَسْأَلُ الله العَظِيمَ رَبَّ العَرْشِ العَظِيمِ أَنْ يَشْفِيَكَ، إِلاَّ عَافَاهُ الله مِنْ ذَلِكَ المَرَضِ". أخرجه أبو داود (¬2) والترمذي (¬3) [صحيح] "قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من عاد مريضاً لم يحضر" في علم الله. "أجله، فقال: عنده" داعياً له. "سبع مرات أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك إلاّ عافاه الله من ذلك المرض". قوله: "أخرجه أبو داود". قلت: في باب الدعاء (¬4) للمريض بالشفاء. قوله: "والترمذي" لم أجده فيه (¬5) في باب عيادة المريض. ¬

_ (¬1) وهو كما قال الشارح. انظر: "التعليقة المتقدمة". (¬2) في "السنن" رقم (3106). (¬3) في "السنن" رقم (2083). وأخرجه النسائي في "عمل اليوم والليلة" رقم (1043). وهو حديث صحيح. (¬4) في "السنن" (3/ 479 الباب رقم 12). (¬5) في "السنن" (4/ 410 رقم 2083 في كتاب الطب باب رقم 32).

وابن الأثير (¬1) نسبه إليه كما هنا إنما وجدت فيه (¬2) من حديث ثابت البناني [167 ب] "أنه دخل على أنس بن مالك، فقال ثابت: يا أبا حمزة! اشتكيتُ، قال أنس: أفلا أرقيك برقية رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: بلى، قال: قل: اللهم رب الناس، مذهب البأس، اشف أنت الشافي، لا شافي إلا أنت، شفاء لا يغادر سقماً". وأخرج (¬3) حديث أبي سعيد: "أنّ جبريل أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا محمد اشتكيتَ؟ قال: نعم، قال: باسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك, من شرِّ كل نفس وعين حاسد، باسم الله أرقيك، والله يشفيك"، انتهى. فائدة: قال في "الجواهر": اختلف السلف في المبتلى (¬4) بمرض أو مصيبة: هل الأفضل له الدعاء أو السكوت والرضا؟ قال الأكثرون: الدعاء أفضل، وقال آخرون: الأفضل أن يكون داعياً بلسانه, راضياً بقلبه. قلت: أمّا الرضا فإنه لا ينافي الدعاء، بل الدعاء من الرضا؛ لأنه ليس من الرضا أن لا تحب العافية، وزوال ما نزل به، بل القلب متسع للأمرين: للرضا بالقضاء، والدعاء والالتجاء إلى كاشف كل بلوى، والدعاء هو سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لنفسه وللناس، بل هذا جبريل يرقيه. الثامن: حديث (أبي سعيد - رضي الله عنه -): ¬

_ (¬1) في "الجامع" (6/ 628). (¬2) في "السنن" رقم (973)، وهو حديث صحيح. (¬3) أخرجه الترمذي في "السنن" رقم (972). وأخرجه مسلم في "صحيحه" رقم (2486)، وهو حديث صحيح. (¬4) تقدم في "كتاب الصبر".

8 - وعن أبي سعيد - رضي الله عنه - قال: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذَا دَخَلْتُمْ عَلَى مَرِيضٍ فَنَفَّسُوا لَهُ فِي أَجَلِهِ, فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَرُدُّ شَيْئاً يُطِيّبُ نَفْسَهُ". أخرجه الترمذي (¬1) [ضعيف] "قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إذا دخلتم على مريض فنفسوا له في أجله" بأن يقال: هذا الألم زائل، وقد اتفق مع فلان وعافاه الله منه، ونحو ذلك. "فإنّ ذلك يطيب نفسه" وتطييب نفسه [] (¬2) من العيادة. قوله: "أخرجه الترمذي". قلت (¬3): وضعّفه. التاسع: حديث (أنس - رضي الله عنه -): 9 - وعن أنس - رضي الله عنه -: أَنَّ غُلاَمًا مِنَ اليَهُودِ كَانَ يَخْدُمُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَمَرِضَ فَعَادَهُ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَقَالَ: "أَسْلِمْ"، فَنَظَرَ إِلَى أَبِيْهِ وَهُوَ عِنْدَهُ, فَقَالَ: أَطِعْ أَبَا القَاسِمِ فَأَسْلَم، فَخَرَجَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - وهُوَ يَقُولُ: "الحَمْدُ لله الَّذِي أَنْقَذَهُ بِي مِنَ النَّارِ". أخرجه البخاري (¬4) وأبو داود (¬5). [صحيح] "أنّ غلاماً من اليهود" قال القسطلاني: اسمه عبد القدوس. "كان يخدم النبي - صلى الله عليه وسلم -" فيه جواز الاستخدام بأهل الذمة من ذكر وأنثى. "فمرض فعاده النبي - صلى الله عليه وسلم - " فيه شرف أخلاقه - صلى الله عليه وسلم - وعيادته من له به اتصال وإن كان كافراً. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (2087)، وهو حديث ضعيف. (¬2) في (أ. ب) زيادة مراد. أسقطناها لأنها تخل معنى العبارة. (¬3) قال الترمذي في "السنن" (4/ 412): هذا حديث غريب. (¬4) في "صحيحه" (1356) وطرفه في (5657). (¬5) في "السنن" (3095)، وهو حديث صحيح.

"فقعد عند رأسه فقال له: أسلم فنظر إلى أبيه وهو عنده" ففهم من نظره إليه أنه يأخذ رأيه فيه. "فقال أبوه: أطع أبا القاسم" [168 ب] فيه أنّ أباه يعلم أنه رسول الله حقاً، يعرفونه (¬1) كما يعرفون أبناءهم. "فأسلم فخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يقول: الحمد لله الذي أنقذه بي من النار". قال الحافظ المنذري (¬2): قيل: يُعاد المشرك ليُدعى إلى الإسلام إذا رُجي إجابته، ألا ترى أنّ اليهودي أسلم لما عرض عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - الإسلام، فأمَّا إذا لم يُطمع في إسلام الكافر ولا تُرجى إجابته، فلا ينبغي عيادته، انتهى. قلت: قد عاد (¬3) النبي - صلى الله عليه وسلم - عمه أبا طالب في آخر مرضه، وعرض عليه الإسلام فامتنع، وما أظنه - صلى الله عليه وسلم - كان يطمع عند عيادته في إسلامه لطول امتناعه عن الإيمان به، وتكرر دعاؤه - صلى الله عليه وسلم - له إليه، ويحتمل أنه - صلى الله عليه وسلم - طمع حيث قد صار في سياق الموت أن يؤمن. قوله: "أخرجه البخاري وأبو داود". العاشر: حديث (ابن عباس - رضي الله عنهما -): 10 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "مِنْ السُّنّةِ تَخْفِيفُ الجُلُوسِ، وَقِلَّةُ الصَّخَبِ فِي عِيادَةِ المَريض". أخرجه رزين. ¬

_ (¬1) قال تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} [سورة البقرة الآية: 146، سورة الأنعام الآية: 20]. (¬2) انظر: "مختصر السنن" (4/ 275 - 276). (¬3) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (1360)، وأطرافه في (3884، 4675، 4772، 6681)، ومسلم في "صحيحه" رقم (34).

الفصل الثالث عشر: في الركوب والارتداف

"من السنة تخفيف الجلوس وقلة الصخب في عيادة المريض" الصخب بالمهملة وفتح الخاء المعجمة، اضطراب الأصوات، وذلك لأنه يؤذي المريض، ولذا قال (¬1) - صلى الله عليه وسلم - لما أراد أن يكتب كتاباً في مرض موته ودعا بدواة وقرطاس فكثر اللغط، قال: قوموا عني. قوله: "أخرجه رزين" أي: ذكره في كتابه ولم ينسبه إلى أحد الستة، وقد تقدم الكلام فيه، وهو موقوف على ابن عباس، إلاّ أنّ قوله: "من السنة" له حكم الرفع. الفصل الثالث عشر: في الركوب والارتداف " الثالث عشر" من فصول كتاب الصحبة. "في آداب الركوب" على الدابة. "والارتداف" عليها. الارتداف: إركاب راكب الدابة خلفه غيره، ذكر فيه خمسة أحاديث. الأول: حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -. 1 - عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: لمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مَكَّةَ اسْتَقْبَلَهُ أُغَيْلِمَةُ بَنِي عَبْدِ المُطَّلِبِ، فَحَمَلَ وَاحِدًا بَيْنَ يَدَيْهِ وَآخَرَ خَلْفَهُ. أخرجه البخاري (¬2) والنسائي (¬3). [صحيح] "قال: لما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة" يريد يوم الفتح (¬4)، وهو عام ثمان من الهجرة، وكان فتحها في شهر رمضان. "استقبله" تلقاه. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (114)، وأطرافه في (3053، 3168، 3431، 4431، 4422، 5669، 7366)، ومسلم في "صحيحه" رقم (1637). (¬2) في "صحيحه" رقم (1798)، وطرفاه في (5965، 5966). (¬3) في "السنن" (5/ 212). (¬4) انظر: "فتح الباري" (10/ 399).

"أغيلمة" جمع غلام مصغر أغلمة قياساً، وإن لم يجيء، والمستعمل غلمة، قاله ابن الأثير (¬1). قال ابن حجر (¬2): والقياس - أي: في تصغيره - غليمة. "بني (¬3) عبد المطلب" [169 ب] قرابته - صلى الله عليه وسلم -. "فحمل واحداً بين يديه وواحداً خلفه" وجاء تفسير الذين حملهما في رواية البخاري (¬4)، وقد حمل قُثَمَ بين يديه والفَضل خلفه وهما ولدا العباس بن عبد المطلب، وهذا الحديث بوب له البخاري (¬5): باب الثلاثة على الدابة، وساق أحاديث في الباب. وفيه جواز ارتداف الثلاثة على دابة إذا كانت تطيق (¬6). قوله: "أخرجه البخاري والنسائي". الثاني: حديث عبد الله بن جعفر - رضي الله عنه -. 2 - وعن عبد الله بن جعفر - رضي الله عنهما - أنه قال له ابن الزبير: أَتَذْكُرُ إِذْ تَلَقَّيْنَا رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - أَنَا وَأَنْتَ وَابْنُ عَبَّاسٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَحَمَلَنَا وَتَرَكَكَ. ¬

_ (¬1) في "غريب الجامع" (6/ 632). (¬2) قال الحافظ في "الفتح" (10/ 396)، وأغيلمة تصغير غلمة وهو جمع غلام على غير قياس، والقياس غليمة. وقال ابن التين: كأنهم صغروا أغلمة على القياس، وإن لم ينطقوا بأغلمة قال: ونظيره أصيبية. (¬3) وإضافتهم إلى عبد المطلب، لكونهم من ذريته. (¬4) في "صحيحه" رقم (5966). (¬5) في "صحيحه" (10/ 395 الباب رقم 99). (¬6) قال النووي: مذهبنا ومذهب العلماء كافة جواز ركوب ثلاثة على الدابة إذا كانت مطيقة. وانظر: "فتح الباري" (10/ 396).

أخرجه الشيخان (¬1) وهذا لفظهما، وأبو داود (¬2). [صحيح] "أنه قال له ابن الزبير: أتذكر إذ تلقينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنا وأنت وابن عباس" يريد به قثم بن العباس. "قال: نعم، فحملنا وتركك" ظاهره أن القائل: "فحملنا وتركك" هو عبد الله بن جعفر، وأن المتروك هو ابن الزبير. وأخرجه مسلم (¬3) من طريق ابن عُليّة وأبي أسامة كلاهما عن حبيب بن الشهيد مقلوباً، ولفظه: "قال عبد الله بن جعفر لابن الزبير" جعل المستفهم عبد الله لا ابن الزبير، فالقائل: "فحملنا" عبد الله بن الزبير، والذي في البخاري (¬4) أصح. وفيه جواز الافتخار بما يقع من إكرام النبي - صلى الله عليه وسلم -، وثبوت الصحبة له ولابن الزبير، وهما متقاربان في السن، وقد حفظا غير هذا. قوله: "أخرجه الشيخان وهذا لفظهما، وأبو داود". الثالث: حديث معاذ - رضي الله عنه -. 3 - وعن معاذ - رضي الله عنه - قال: كُنْتُ رَدْفَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - عَلَى حِمَارٍ يُقَالُ لَهُ عُفَيْرٌ. أخرجه أبو داود (¬5). [صحيح] ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (3082)، ومسلم رقم (65/ 2427). (¬2) في "السنن" رقم (2566). وهو حديث صحيح. (¬3) في "صحيحه" رقم (65/ 2427). (¬4) وهو كما قال. (¬5) في "السنن" رقم (2559). وأخرجه البخاري رقم (2856)، ومسلم رقم (49/ 30).

"قال: كنت ردف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " ردف: بكسر الراء ومثله الرديف وهو الراكب خلاف الراكب، وأصله من ركوبه على الردف وهو العجز. وقد ثبت إردافه - صلى الله عليه وسلم - الحسن والحسين أحدهما خلفه والآخر بين يديه على بغلته الشهباء، كما أخرجه مسلم (¬1). "على حمار" متعلق بردف. "يقال له عُفَيْر" بمهملة ففاء فمثناة تحتية فراء، بزنة زبير. قوله: "أخرجه أبو داود". الرابع: 4 - وعن أبي المُلَيح عن رجل قال: كُنْتُ رَدِيفَ رَسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فَعَثَرَتْ بِهِ الدَّابَّةُ، فَقُلْتُ: تَعِسَ الشَيْطَانُ. فَقَالَ: "لَا تَقُلْ ذلِكَ، فَإِنَّكَ إِذَا قُلْتَهُ تَعَاظَمَ حَتَّى يَكُونَ مِثْلَ البَيْتِ، وَيَقُولُ: صَرَعْتُهُ بِقُوَّتِي، وَلَكِنْ قُلْ: بِسْمِ الله, فَإِنّكَ إذَا قُلْتَ ذلِكَ تَصَاغَرَ حَتَّى يَكُونَ مِثْلَ الذُّبَاب" (¬2). [صحيح] حديث أبي المليح (¬3): اسمه عامر، وقيل: زيد وزياد، ثقة من الثالثة. ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (60/ 2423). وأخرجه الترمذي في "السنن" رقم (2775)، وهو حديث صحيح. (¬2) أخرجه أبو داود في "السنن" رقم (4982)، وهو حديث صحيح. وأخرجه أحمد في "المسند" (5/ 59)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (3384)، والضياء في "المختارة" رقم (1413)، والحاكم (4/ 292)، والنسائي في "عمل اليوم والليلة" رقم (554) و (555)، وابن السني في "عمل اليوم والليلة" رقم (509)، والطبراني في "الكبير" رقم (516) من طرق. (¬3) أبو المليح بن أسامة بن عمير، أو عامر بن حنيف بن ناجية الهذلي، ثقة من الثالثة. قاله ابن حجر في "التقريب" (2/ 476 رقم 129)

"عن رجل قال: كنت رديف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعثرت به الدابة، فقلت: تعس الشيطان" تعس (¬1) يتعس إذا عثر [170 ب] وأكب لوجهه تعساً، وقد تفتح العين وهو دعاء عليه بالهلاك، ومنه الحديث (¬2): "تعس عبد الدينار وعبد الدرهم". "فقال: لا تقل ذلك، فإنك إذا قلته تعاظم" أي: الشيطان. "حتى يكون مثل البيت ويقول: صرعته بقوتي" وليس كذلك؛ فإنه لو سلط عليه لقتله. "ولكن قل" إذا وقعت عن الدابة. "باسم الله، فإنك إذا قلت ذلك تصاغر" خشية من الله ومعرفته بقدر نفسه. "حتى يكون مثل الذباب" في حقارته. قوله: "أخرجه أبو داود" وهو مثل حديث: "إن الشيطان إذا لعن تعاظم، وإنما يستعاذ منه". الخامس: 5 - وعن عبد الله بن بريدة عن أبيه - رضي الله عنه - قال: جَاءَ رَجُلٌ مَعَهُ حِمَارٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله! ارْكَبْ، وَتَأَخَّرَ الرَّجُلُ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَأَنْتَ أَحَقُّ بِصَدْرِ دَابَّتِكَ مِنِّي إِلَّا أَنْ تَجْعَلَهُ لِي" قَالَ: قَدْ جَعَلْتُهُ لَكَ. فَرَكِبَ. أخرجه أبو داود (¬3) والترمذي (¬4). [صحيح] ¬

_ (¬1) تعِس يتعسُ: إذا عثر وانكبَّ لوجهه، وقد تفتح العين، وهو دعاء عليه بالهلاك. "النهاية في غريب الحديث" (2/ 190). (¬2) أخرجه البخاري رقم (2886، 6435)، وابن ماجه رقم (4135) وقد تقدم. (¬3) في "السنن" رقم (2572). (¬4) في "السنن" رقم (2773). وعلقه البخاري في "صحيحه" (10/ 396 الباب رقم 100 - مع الفتح) باب: حمل صاحب الدابة غيره بين يديه، وقال بعضهم: صاحب الدابة أحق بصدر الدابة إلا أن يأذن له. =

الفصل الرابع عشر: في حفظ الجار

حديث عبد الله بن بريدة عن أبيه - رضي الله عنه -: بريدة بن الحصيب، لفظه في "الجامع": سمعت أبي يقول: "بينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمشي ... ". "جاء رجل معه حمار" أي: راكب عليه. "قال: يا رسول الله! اركب، وتأخر الرجل" عن صدر دابته. "فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أنت أحق بصدر دابتك منِّي". قال ابن العربي (¬1): لأنه شرف، والشرف أحق به المالك. "إلا أن تجعله لي، قال: قد جعلته لك فركب" أي: في صدر الدابة. قوله: "أخرجه أبو داود والترمذي". قلت: وقال (¬2): حسن صحيح. الفصل الرابع عشر: في حفظ الجار الرابع عشر من فصول كتاب الصحبة. "في حفظ الجار" كذا ترجمه ابن الأثير (¬3)، وترجمه أبو داود (¬4) والترمذي (¬5) بلفظ: في حق الجوار، وهي أعم إلا أن يقدر في حفظ حق الجار، ثم ذكر المصنف فيه ثمانية أحاديث. ¬

_ = وأخرجه أحمد (5/ 353)، والبيهقي في "السنن" (5/ 258)، وفي "الآداب" رقم (812)، والحاكم (2/ 64)، والطبراني في "الأوسط" رقم (7444)، وابن أبي شيبة في "مصنفه" (8/ 561). وهو حديث صحيح. (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (10/ 397). (¬2) في "السنن" (5/ 99). (¬3) في "الجامع" (6/ 636). (¬4) في "السنن" (5/ 356 الباب رقم 132)، باب في حق الجار. (¬5) في "السنن" (4/ 332 الباب رقم 28)، ما جاء في حق الجوار.

الأول: حديث عائشة - رضي الله عنها - 1 - وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ". أخرجه الخمسة (¬1) إلا النسائي. [صحيح] "قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه" أي: يأمرني عن الله بتوريث الجار. قال في "فتح الباري" (¬2): ولم أرَ في شيء من طرقه بيان لفظ الوصية، ثم قال (¬3): واختلف في المراد بهذا التوريث، فقيل: يجعل له مشاركة في المال بفرض سهم يعطاه مع الأقارب. وقيل: المراد ينزله منزلة من يرث بالبر والصلة، والأول أظهر؛ فإن الثاني استمر، والحديث يشعر بأن [171 ب] التوريث لم يقع. قال ابن أبي جمرة (¬4): الميراث على قسمين: حسي ومعنوي، فالحسي المراد هنا، والمعنوي ميراث العلم، ويمكن أن يلحظ هنا أيضاً؛ فإن من حق الجار على الجار أن يعلمه. ووقع عند الطبراني (¬5) من حديث عبد الله بن عمرو: أن ذلك كان في حجة الوداع. وله (¬6) في لفظ: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه" فأفاد ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (6014، 6015)، ومسلم رقم (2624، 2625)، وأبو داود رقم (5151، 5152)، والترمذي رقم (1942، 1943)، وابن ماجه رقم (3673، 3674). وهو حديث صحيح. (¬2) (10/ 442). (¬3) الحافظ في "الفتح" (10/ 441). (¬4) ذكره الحافظ في "الفتح" (10/ 441). (¬5) كما في "مجمع الزوائد" (8/ 165)، وقال: رواه الطبراني وإسناده جيد. (¬6) أي: لعبد الله بن عمرو - رضي الله عنه -. =

أنه وقع لعبد الله بن عمرو نظير ما وقع لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -. انتهى. قوله: "أخرجه الخمسة إلا النسائي". الثاني: حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. 2 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: ذُبِحَتْ شَاةٌ لِابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - فَقَالَ لِأهْلِهِ: هَلْ أَهْدَيْتُمْ مِنْهَا لِجَارِنَا اليَهُودِيِّ؟ قالُوا: لاَ. قَالَ: ابْعَثُوا لَهُ مِنْهَا، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالجَارِ ... " وذكر الحديث. أخرجه أبو داود (¬1) والترمذي (¬2). [صحيح] "قال: ذبحت" بتغيير صيغته. "شاة لابن عمرو" أي: ابن العاص وهو عبد الله جد عمرو بن شعيب. "فقال لأهله" لفظ الجامع (¬3): "في أهله". "فقال: أهديتم منها" فأفاد أن الذبح في أهله، ثم قال لهم. وهو هكذا في الترمذي وفي أبي داود: "ذبح ابن عبد الله شاة فقال: أهديتم". "لجارنا اليهودي؟ قالوا: لا، قال: ابعثوا له" لفظ الجامع (¬4): "إليه منها" [وإن كان على غير الملة" (¬5)] وفيه دليل أنها لم تحرم ذبائح المسلمين على أهل الكتاب، وأنه كان أمراً معلوماً بين الصحابة وإلا لما بعث لهم بما يحرم عليهم. ¬

_ = أخرجه أبو داود رقم (5152)، والترمذي رقم (1943)، وهو حديث صحيح. (¬1) في "السنن" رقم (5152). (¬2) في "السنن" رقم (1943). (¬3) (6/ 637). (¬4) (6/ 637). (¬5) ما بين الحاصرتين ليست من لفظ الجامع، ولعلها من الشارح.

وقد ذكر ابن القيم - رحمه الله -: أنها لم تحرم عليهم ذبائح المسلمين، بل افتروا ذلك، ثم استدل ابن عمر لأمره بالإهداء لجيرانه بقوله: فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ما زال جبريل يوصيني بالجار ... " وذكر الحديث. هذا اختصار من المصنف، وإلا فلفظه عند الترمذي وأبي داود وفي الجامع (¬1): "حتى ظننت أنه سيورثه" وأخذ من عموم الجار كل جار. قال في "الفتح" (¬2): اسم الجار يشمل المسلم والكافر، والعابد والفاسق، والعدو والصديق، والغريب والبلدي، والنافع والضار، والقريب والأجنبي، والأقرب داراً والأبعد، وله مراتب بعضها أعلى من بعض، وإنّ من الوصية الهدية إليه، وفيه امتثال الصحابة للأحاديث النبوية والعمل بها. قوله [172 ب]: "أخرجه أبو داود والترمذي" وقال (¬3): حسن غريب من هذا الوجه. الثالث: حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -. 3 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَا يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَنْ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ". أخرجه الشيخان (¬4)، واللفظ لمسلم. [صحيح] "البَوائقُ" (¬5) الغوائل والشرور: جمع بائقة، وهي الداهية. "قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه" قد فسّرها المصنف (¬6) بالغوائل والشرور جمع بائقة وهي الداهية. ¬

_ (¬1) (6/ 637). (¬2) (10/ 441). (¬3) في "السنن" (4/ 333). (¬4) البخاري في "صحيحه" رقم (6016)، ومسلم رقم (46). (¬5) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (1/ 165). "الفائق" للزمخشري (1/ 132). (¬6) في "غريب الجامع" (6/ 638).

زاد ابن حجر (¬1): والشيء المهلك والأمر الشديد، والمراد: لا يدخل الجنة مع السابقين وإن كان يدخلها بعد عقابه على أذية جاره. قال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة (¬2): حفظ الجار من كمال الإيمان، وكان أهل الجاهلية يحافظن عليه، ويحصل امتثال الوصية - أي: وصية جبريل للرسول - صلى الله عليه وسلم - بإيصال ضروب الإحسان إليه بحسب الطاقة، كالهدية والسلام وطلاقة الوجه عند لقائه وبتفقد حاله ومعاونته فيما يحتاج إليه، إلى غير ذلك وكف الأذى عنه على اختلاف أنواعه حسية كانت أو معنوية، وقد نفي - صلى الله عليه وسلم - الإيمان عمن لا يأمن جاره بوائقه، وهي مبالغة تنبئ عن عظم حق الجوار، وأن إضراره من الكبائر. قال (¬3): ويفترق الحال في ذلك بالنسبة إلى الجار الصالح وغير الصالح، والذي يشمل الجميع: إرادة الخير له، وموعظته بالحسنى، والدعاء له بالهداية، وترك الإضرار به, إلا في الموضع الذي يجب الإضرار به بالقول أو بالفعل، والذي يخص الصالح هو جميع ما تقدم، وغير الصالح كفه عن الذي يرتكبه بالحسنى على حسب مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويعظ الكافر بعرض الإسلام عليه، وتبيين محاسنه، والترغيب فيه برفق، ويعظ الفاسق بما يناسبه بالرفق أيضاً ويستر عليه زلله عن غيره، وينهاه برفق، فإن أفاد فَبِه وإلا هجره قاصداً بذلك تأديبه مع إعلامه بالسبب [ليكف] (¬4). قوله: "أخرجه الشيخان واللفظ لمسلم". الرابع: حديث أبي هريرة أيضاً. ¬

_ (¬1) في "فتح الباري" (10/ 443). (¬2) ذكره الحافظ في "الفتح" (10/ 442). (¬3) الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة. "فتح الباري" (10/ 442). (¬4) سقطت من (أ. ب) وأثبتناها من "فتح الباري" (10/ 442).

4 - وعنه - رضي الله عنه - قال: قال رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِالله وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ, وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِالله وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُحْسِنْ إِلَى جَارِهِ، وَمَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِالله وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَسْكُتْ". أخرجه الشيخان (¬1)، وأبو داود (¬2) واللفظ له. [صحيح] "قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر" المراد: الإيمان الكامل، وخصّه بالله واليوم الآخر؛ إشارة إلى [173 ب] المبدأ والمعاد، أي: من آمن بالله الذي خلقه، وآمن أنه سيجازيه بعمله فليفعل الخصال المذكورة. "فليكرم ضيفه" زاد في رواية (¬3): "جائزته, قالوا: وما جائزته يا رسول الله؟ قال: يومه وليلته". "ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره" قال الحافظ ابن حجر (¬4): قد ورد في تفسير الإكرام والإحسان إلى الجار وترك أذاه في عدة أحاديث أخرج الطبراني (¬5) من حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده، والخرائطي في "مكارم الأخلاق" (¬6) عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وأبو الشيخ في "كتاب التوبيخ" عن معاذ بن جبل، قالوا: يا رسول الله! ما حق الجار على الجار؟ قال: "إن استقرضك أقرضته, وإن استعانك أعنته، وإن مرض عدته، وإن احتاج أعطيته، وإن افتقر عدت عليه وإذا أصابه خير هنأته، وإذا أصابته مصيبة ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (6136، 6138)، ومسلم رقم (2557). (¬2) في "السنن" رقم (5154). وهو حديث صحيح. (¬3) أخرجها البخاري في "صحيحه" رقم (6135). (¬4) في "فتح الباري" (10/ 446). (¬5) كما في "مجمع الزوائد" (8/ 165). (¬6) في "المنتقى من مكارم الأخلاق ومعاليها" رقم (104). وهو حديث ضعيف جداً.

عزّيته، وإذا مات اتبعت جنازته، ولا تستطيل عليه بالبناء فتحجب عنه الريح إلا بإذنه، ولا تؤذه بريح قدرك إلا أن تغرف له منها، وإن اشتريت فاكهة فاهد له، وإن لم تفعل فأدخلها سراً، ولا يخرج بها ولدك ليغض بها ولده". وألفاظهم متقاربة، والسياق أكثره لعمرو بن شعيب، وفي حديث بهز بن حكيم: "وإن أعوز سترته" وأسانيدها واهية، لكن اختلاف مخارجها يشعر بأن للحديث أصلاً. قال: ثم الأمر بالإكرام مختلف باختلاف الأشخاص والأحوال، فقد يكون فرض عين، وقد يكون فرض كفاية، وقد يكون مستحباً، ويجمع الجميع أنه من مكارم الأخلاق. "ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليسكت" لفظ البخاري (¬1): "أو ليصمت" وهذا من جوامع الكلم؛ لأن القول كله إما خير أو شر، وإما آيل إلى أحدهما، فدخل في الخير كل مطلوب من فرضها ونفلها وجميع أنواعه، ودخل فيه ما يؤول إليه وما عدا ذلك مما هو شر أو يؤول إلى الشر، فأمر عند إرادة الخوض فيه بالصمت. وفي معنى الأمر بالصمت أحاديث، منها: [174 ب] حديث أبي موسى (¬2) وعبد الله (¬3) ابن عمرو عند مسلم: "المسلم من سلم المسلمون من يده ولسانه". ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (6136، 6138). (¬2) أخرجه البخاري رقم (11)، ومسلم رقم (42)، والنسائي (8/ 107)، والترمذي رقم (2504). وهو حديث صحيح. (¬3) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (10)، ومسلم رقم (40)، عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه". وهو حديث صحيح.

وللطبراني (¬1) عن ابن مسعود قال: قلت: يا رسول الله! أي الأعمال أفضل؟ وذكر منها: أن يسلم المسلمون من لسانك". ولأحمد (¬2) وصححه ابن حبان (¬3) من حديث البراء رفعه في ذكر أنواع من البر، قال: "فإن لم تطق ذلك فكفّ لسانك إلا عن خير". وللترمذي (¬4) من حديث ابن عمر: "من صمت نجا" وفيه (¬5) من حديثه: "كثرة الكلام بغير ذكر الله تقسي القلب". وله (¬6) من حديث سفيان: قلت: يا رسول الله! ما أكثر ما تخاف عليّ؟ قال: "هذا" وأشار إلى لسانه. ¬

_ (¬1) كما في "مجمع الزوائد" (1/ 301). (¬2) في "المسند" (4/ 299). (¬3) في "صحيحه" رقم (4257). وأخرجه البيهقي في "الشعب" رقم (4335)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (2419)، والطحاوي في "مشكل الآثار" (4/ 2). وهو حديث صحيح. (¬4) في "السنن" رقم (2501)، وهو حديث صحيح. (¬5) أخرجه الترمذي في "السنن" (2411)، والبيهقي في "الشعب" رقم (4951)، وهو حديث ضعيف. عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله عز وجل، فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله قسوة للقلب، كان أبعد الناس من الله تعالى القلب القاسي". (¬6) أخرجه الترمذي في "السنن" رقم (2410)، وابن ماجه رقم (3972)، وابن أبي الدنيا في "الصمت" رقم (7)، وابن حبان في "صحيحه" رقم (5668، 5669، 5670) والحاكم (4/ 313). هو حديث صحيح.

وللترمذي (¬1) من حديث عقبة بن عامر: قلت: يا رسول الله! ما النجاة؟ قال: "أمسك عليك لسانك". وألّف الحافظ الأسيوطي - رحمه الله - رسالة سماها: "حسن السمت (¬2) في الصمت" وساق فيها أحاديث وحكماً وأشعاراً، منها: أنت من الصمت آمن الزلل ... ومن كثير الكلام في وجل لا تقل القول ثم تتبعه ... يا ليت ما قلت لم أكن أقل قوله: "أخرجه الشيخان وأبو داود واللفظ له". الخامس: حديث عائشة - رضي الله عنها -. 5 - وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قُلْتُ: يا رسولَ الله! إِنَّ لِي جَارَيْنِ، فَإِلَى أَيِّهِمَا أُهْدِي؟ قَالَ: "إِلَى أَقْرَبِهِمَا مِنْكِ بَابًا". أخرجه البخاري (¬3) وأبو داود (¬4). [صحيح] "قلت: يا رسول الله! إن لي جارين فإلى أيهما أهدي؟ قال: إلى أقربهما منكِ باباً" أي: أشدهما قرباً، قيل: الحكمة فيه أن الأقرب يرى ما يدخل بيت جاره من هدية ونحوها فهو متشوق بها، بخلاف الأبعد، ولأن الأقرب أسرع إجابة لما يقع بجاره في المهمات ولا سيما في أوقات الغفلة. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (2406). وأخرجه أحمد (5/ 259)، والبيهقي في "الشعب" (805)، وأبو نعيم في "الحلية" (2/ 9)، وابن أبي الدنيا في "الصمت" رقم (2). وهو حديث صحيح. (¬2) وقد أعاننا الله على تحقيقها. (¬3) في "صحيحه" رقم (2259) (6020). (¬4) في "السنن" رقم (5155). وهو حديث صحيح.

واختلف (¬1) في حد الجوار، فجاء عن علي - عليه السلام -: "من يسمع النداء فهو جار"، وقيل: "من صلَّى صلاة الصبح معك في المسجد فهو جار". وعن عائشة (¬2) - رضي الله عنها -: "حق الجوار أربعون داراً من كل جانب". وأخرج الطبراني (¬3) مثله عن كعب بن مالك مرفوعاً، قال الحافظ ابن حجر: بسند ضعيف. وأخرج ابن وهب (¬4) عن يونس عن ابن شهاب: "أربعون داراً عن يمينه [175 ب] وعن يساره ومن خلفه ومن بين يديه" وهذا يحتمل أن يريد به كالأول، ويحتمل أن يريد التوزيع، فيكون من كل جانب عشر. قوله: "أخرجه البخاري وأبو داود". وفي أخرى للشيخين (¬5) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قَالَ رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَا تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لجِارَتِهَا وَلَوْ فِرْسِنَ شَاةٍ". [صحيح] "الفِرسَنُ" (¬6): خُفُّ البعير، وقد استعير هنا للشاة فسمى ظِلفَها به. ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (10/ 447). (¬2) ذكره الحافظ في "الفتح" (10/ 447). (¬3) في "المعجم الكبير" (19/ 73 رقم 143). وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (8/ 169)، قال: وفيه يوسف بن السفر، وهو متروك. وهو حديث ضعيف. (¬4) ذكره الحافظ في "الفتح" (10/ 447). (¬5) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (2566، 6017)، ومسلم رقم (90/ 1030). (¬6) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 357). "المجموع المغيث" (2/ 605).

"وفي أخرى للشيخين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا تحقرن جارة لجارتها" أي: في الإهداء إليها. "ولو" أهدت. "فرسن" بكسر الفاء فراء مهملة فسين مهملة كذلك فنون. "شاة" فسّره المصنف بما تراه المراد: أنها لا تحقر جارة هدية لجارتها، ولو ما (¬1) لا ينتفع به في الغالب، ويحتمل أن يكون من باب النهي عن الشيء أمر بضده، وهو كناية عن التحابب والتوادد، فكأنه قيل: توادد الجارة جارتها بهدية ولو حقرت، فيتساوى في ذلك الغني والفقير، وخص النهي بالنساء؛ لأنهن موارد المودة والبغضاء، ولأنهن أسرع انفعالاً في كل منهما (¬2). السادس: حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -. 6 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يَمْنَعُ أَحَدُكُمْ جَارَهُ أنْ يَغْرِزَ خَشَبَةً في جِدَارِهِ" ثُمَّ قَالَ أبُو هُرَيرَةَ - رضي الله عنه -: مَالِي أرَاكُمْ عَنْهاَ مُعْرِضِينَ؟ وَالله لأَرْمِينَّ بِهاَ بَيْنَ أكْتَافِكُمْ". أخرجه الستة (¬3) إلا النسائي. [صحيح] "أَكتَافِكُمْ" يروى بالتاء، أي: على ظهوركم فلا تقدرون على الإعراض عنها، وبالنون جمع كَنَف وهو الناحية، يعني: أنه يجعلها بين أظهرهم كما مروا بأفنيتهم رأوها فلا ينسونها. "قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا يمنع أحدكم جاره أن يغرز خشبة" يروى بالجمع والإفراد. ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (10/ 445). (¬2) قاله الحافظ في "الفتح" (10/ 445). (¬3) أخرجه البخاري رقم (2463)، وطرفاه في (5627، 5628)، ومسلم رقم (136/ 1609)، وأبو داود رقم (3634)، والترمذي رقم (1353)، وابن ماجه رقم (2335). وأخرجه أحمد (2/ 230، 274، 447)، ومالك في "الموطأ" (2/ 745 رقم 32)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (6/ 68). وهو حديث صحيح.

"في جداره" في "فتح الباري" (¬1) استدل به على أن الجدار إذا كان لواحد وله جار فأراد أن يضع جذعه عليه جاز، سواء أذن المالك أم لا، فإن امتنع أجبر، وبه قال أحمد (¬2) وإسحاق وغيرهما من أصحاب الحديث، وابن حبيب من المالكية (¬3)، والشافعي (¬4) في القديم، وعنه في الحديث قولان أشهرهما: اشتراط إذن المالك، فإن امتنع لم يجبر، وهو قول أبي حنيفة. وحمل الأمر في الحديث على الندب والنهي على التنزيه جمعاً بينه وبين الأحاديث الدالة على تحريم مال المسلم إلا برضاه، وفيه نظر كما سيأتي (¬5). وجزم الترمذي (¬6) وابن عبد البر (¬7) بالقول القديم على الشافعي، وهو نصه في البويطي. قال البيهقي (¬8): لم نجد في السنن الصحيحة ما يعارض هذا الحكم إلا عمومات لا يستنكر أن يخصصها، وقد حمله الراوي على ظاهره وهو أعلم بالمراد بما حدث به. "ثم [قال] (¬9) أبو هريرة" في رواية لأحمد (¬10): "فلما حدثهم أبو هريرة [176 ب] بذلك طأطؤوا رؤوسهم". ¬

_ (¬1) (5/ 110). (¬2) انظر: "المغني" (7/ 35 - 36). (¬3) "بداية المجتهد ونهاية المقتصد" (4/ 132 - 133) بتحقيقي. (¬4) "البيان" للعمراني (6/ 258)، "الأم" (8/ 639 رقم 3804). (¬5) قاله الحافظ في "الفتح" (5/ 110). (¬6) ذكره الحافظ في "الفتح" (5/ 110). (¬7) "التمهيد" (13/ 151، 152) الفاروق. (¬8) في "السنن الكبرى" (6/ 69). (¬9) في الشرح يقول: وما أثبتناه من مصدر الحديث. (¬10) في "المسند" (2/ 264، 474).

وعند أبي داود (¬1): "نكسوا رؤوسهم". "مالي أراكم عنها" عن هذه السنة أو المقالة معرضين، استدل المهلب (¬2) من المالكية بقول أبي هريرة هذا على أن العمل كان في عصر أبي هريرة على خلاف ما ذهب إليه أبو هريرة. قال (¬3): لأنه لو كان على الوجوب لما جهل الصحابة تأويله، ولا أعرضوا عن أبي هريرة حين حديثهم - إلى قوله - فدل على أن الأمر بذلك على الاستحباب. وتعقبه الحافظ ابن حجر (¬4) فقال: وما أدري من أين له أن المعرضين كانوا صحابة، وأنهم كانوا عدداً لا يجهل مثلهم الحكم؟ ولمَ لا يجوز أن يكون الذين خاطبهم أبو هريرة بذلك كانوا غير فقهاء؟ بل هو المتعين، إذ لو كانوا صحابة أو فقهاء ما واجههم بذلك، وقد قوى الشافعي (¬5) في القديم القول بالوجوب بأن عمر قضى به ولم يخالفه أحد من أهل عصره، فكان اتفاقاً منهم على ذلك. انتهى. ودعوى الاتفاق هنا أولى من دعوة المهلب؛ لأن أكثر أهل عصر عمر كانوا صحابة، وأكثر أحكامه منتشرة لطول ولايته (¬6). قال الحافظ (¬7): ومحل الوجوب عند من قال به، أن يحتاج إليه الجار ولا يضع عليه ما يتضرر به المالك ولا يقدم على حاجة المالك، ولا فرق بين أن يحتاج في وضع الجذع إلى ثقب ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (3634) وفيه: فنكسوا. (¬2) ذكره الحافظ في "الفتح" (5/ 111). وانظر: "التمهيد" (13/ 152)، الفاروق. (¬3) أي: "المهلب". (¬4) في "الفتح" (5/ 111). (¬5) انظر: "البيان" للعمراني (6/ 258). (¬6) ذكره الحافظ في "الفتح" (5/ 111). (¬7) في "الفتح" (5/ 112).

الجدار أو لا؛ لأن رأس الجذع يسد المنفتح ويقوي الجدار. ومن أغرب ما نقل: أن من الناس من حمل الضمير في "جداره" على صاحب الجذع، أي: لا يمنعه الجار أن يضع جذعه على جدار (¬1) نفسه ولو تضرر به من جهة منع الضوء مثلاً ولا يخفى بعده. "والله لأرمين بها بين أكتافكم" قال ابن عبد البر (¬2): روايتان في الموطأ (¬3): بالمثناة والنون، والأكناف بالنون جمع كنف بفتحها وهو الجانب، ويأتي تفسير المصنف لها بهذا. وحمل (¬4) بعضهم العصا هنا على الخشية، أي: إن لم تقبلوا هذا الحكم وتعملوا به راضين؛ لأجعلن الخشبة على رقابكم كارهين. قوله: "أخرجه الستة إلا النسائي". السابع: حديث [177 ب] سمرة بن جندب - رضي الله عنه -. 7 - وعن سمُرة بن جُندَب - رضي الله عنه - قال: كَانَ لِي عَضُدٌ مِنْ نَخْلٍ فِي حَائِطِ رَجُلٍ مِنْ الأَنْصَارِ، وَمَعَ الرَّجُلِ أَهْلُهُ، فَكَانَ سَمُرَةُ يَدْخُلُ إِلَى نَخْلِهِ فَيَتَأَذَّى بِهِ الرَّجُلُ، فَطَلَبَ إِلَيْهِ أَنْ يُنَاقِلَهُ فَأَبَى. فَأَتَى الأنْصَارِيُّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ، فَطَلَبَ إِلَيْهِ رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَبِيعَهُ فَأَبَى، فَطَلَبَ أَنْ يُنَاقِلَهُ فَأَبَى، قَالَ: "فَهِبْهُ لِي، وَلَكَ كَذَا وَكَذَا أَجْراً رَغَّبَهُ فِيهِ" فَأَبَى؛ فَقَالَ: "أَنْتَ مُضَارٌّ" ثُمَّ قَالَ لِلْأَنْصَارِيِّ: "اذْهَبْ فَاقْلَعْ نَخْلَهُ". أخرجه أبو داود (¬5). [ضعيف] ¬

_ (¬1) وقع لأبي عوانة في "مسنده" رقم (5543) من طريق زياد بن سعد عن الزهري أنه يضع جذع على جدار نفسه، ولو تضرر به جاره. (¬2) في "التمهيد" (13/ 151 - 152). (¬3) (2/ 745 رقم 32)، والذي فيه: "بين أكتافكم" بالتاء. (¬4) ذكره الخطابي في "أعلام الحديث" (2/ 1228). (¬5) في "السنن" رقم (3636). =

"العَضُدُ" (¬1) هنا طريقة من النخل. "والمُضَارُّ" الذي يضر رفيقه وشريكه وجاره. "قال: كان لي عضد نخل" قال ابن الأثير (¬2): أراد بالعضد طريقة من النخل، وذلك أنه قد اتسع في العضد، فقيل: عضد الحوض وعضد الطريق لجانبه، ثم قالوا للطريقة من النخل عضد؛ لأنها متشاطرة في جهة، وقيل: إنما هو عضيد (¬3) من نخل؛ لأنه إذا صار للنخلة جذع يتناول منه فهو عضيد، وجمعه عضدان. انتهى. "في حائط رجل من الأنصار ومع الرجل أهله، فكان سمرة يدخل إلى نخله فيتأذى به الرجل، فطلب إليه أن يناقله فأبى" أي: امتنع سمرة من المناقلة. "فأتى الأنصاري رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكر له ذلك، فطلب إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يبيعه فأبى، فطلب أن يناقله فأبى، قال: فهبه لي ولك كذا وكذا أجراً رغبه فيه فأبى، فقال" أي: النبي - صلى الله عليه وسلم - لسمرة. ¬

_ = قال المنذري في "مختصر السنن" (5/ 240): في سماع الباقر من سمرة بن جندب نظر، وقد نقل من مولده ووفاه سمرة، ما يعتذر معه سماعه منه، وقيل: فيه ما يمكن معه السماع منه، والله عز وجل أعلم. اهـ. وهو حديث ضعيف، والله أعلم. (¬1) قال ابن الأثير في "النهاية" (2/ 219) وقيل: إنما هو عضيد من نخل، إذا صار للنخلة جذعٌ يتناول منه. فهو عضيد. وقال ابن الأثير: العضيد والعضد: ما قطع من الشجرة، أي: بضربونه ليسقط ورقه. فيتخذوه علفاً لإبلهم. وانظر: "غريب الحديث" للخطابي (1/ 181). (¬2) (2/ 218 - 219). (¬3) قاله الخطابي في "غريب الحديث" (1/ 181)، وفي "معالم السنن" (4/ 50 - مع السنن).

"أنت مضار". وقال للأنصاري: "اذهب فاقلع نخله" فيه دليل على أنه يجب على الشريك إن تضرر شريكه منه في مثل هذه الصورة أن يبيع أو يناقل أو يهب حصته، ولا يحل له مضارة جاره، فإن امتنع جاز لجاره قلع أشجاره. قال الخطابي (¬1): ليس في هذا الخبر أنه قلع نخله، فيشبه أنه إنما قال ليردعه عن الإضرار. انتهى. قلت: قد أمره - صلى الله عليه وسلم -، والحجة أمره - صلى الله عليه وسلم - في جواز ذلك لا فعل الصحابي. قوله: "أخرجه أبو داود". الثامن: 8 - وعن أبي صِرمَة - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ ضَارَّ ضَارَّ الله بِه وَمَنْ شَاقَّ شَقَّ الله عَلَيْهِ". أخرجه أبو داود (¬2). [حسن] حديث أبي صرمة: بكسر الصاد المهملة وسكون الراء، المازني الأنصاري، صحابي اسمه مالك بن قيس، وقيل: قيس بن صرمة، قاله في "التقريب" (¬3). "قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من ضار" أي: أنزل بغيره أي ضر، "ضار الله به" أي: قيّض له من يضارره، "ومن شاق" بغيره بغير وجه شرعي، "شقَّ عليه" بكل ما فيه مشقة عليه. قوله [178 ب]: "أخرجه أبو داود". ¬

_ (¬1) في "معالم السنن" (4/ 50 - مع السنن". (¬2) في "السنن" رقم (3635). وأخرجه الترمذي رقم (1940)، وابن ماجه رقم (2342). وهو حديث حسن. والله أعلم. (¬3) (2/ 437 رقم 31).

الفصل الخامس عشر: في الهجران والقطيعة

الفصل الخامس عشر: في الهجران والقطيعة " الخامس عشر" أي: من فصول كتاب الصحبة. "في الهجران" مصدر هجر يهجر هجراً وهجراناً. "والقطيعة" عطف تفسير، أتى فيه بخمسة أحاديث. الأول: حديث أبي أيوب - رضي الله عنه -. 1 - عن أبي أيوب - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَا يَحِلُّ لمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ, يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا، وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ". أخرجه الستة (¬1) إلا النسائي. [صحيح] "قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه" المسلم. "فوق ثلاث ليال" قال في "الفتح" (¬2) [الهجر] (¬3): ترك الرجل مكالمة الآخر إذا تلاقيا. قال النووي (¬4): قال العلماء: تحرم الهجرة بين المسلمين أكثر من ثلاث ليال بالنص وتباح في الثلاث بالمفهوم، وإنما عفى عنه في ذلك؛ لأن الآدمي مجبول على الغضب فسومح في ذلك القدر؛ ليرجع ويزول ذلك العارض، والمعنى: أن المرخص فيه ثلاثة أيام بلياليها (¬5). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (6077)، وطرفه في (6237)، ومسلم رقم (2560)، وأبو داود رقم (4911)، والترمذي رقم (1932)، ومالك في "الموطأ" (2/ 906، 907). وهو حديث صحيح. (¬2) (10/ 492). (¬3) كذا في "المخطوط" والذي في "الفتح" (10/ 492)، الهجرة، بكسر الهاء وسكون الجيم، أي: ترك الشخص مكالمة الآخر إما تلاقيا، وهي في الأصل الترك فعلاً كان أو قولاً، وليس المراد بها مفارقة الوطن، فإن تلك تقدم حكمها. (¬4) في "شرحه لصحيح مسلم" (16/ 117). (¬5) الشارح. اختصر فأخل بالمعنى، وإليك نص كلام النووي: قال العلماء في هذا الحديث تحريم الهجر بين المسلمين أكثر من ثلاث ليالٍ، وإباحتها في الثلاث: الأول: بنص الحديث، والثاني: بمفهومه. قالوا: وإنما =

"يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا" أي: يعرض كل واحد منهما عن الآخر فلا يسالمه ولا يكالمه. "وخيرهما" عند الله. "الذي يبدأ بالسلام" قال أكثر العلماء (¬1): تزول الهجرة بمجرد السلام وردّه، وقال أحمد (¬2): لا يبرأ من الهجرة إلا بعوده إلى الحال التي كان عليها أولاً. وقال المصنف: ترك الكلام إن كان يؤذيه، فلا تزول الهجرة بالسلام. وكذا قال ابن القيم (¬3)، وقال عياض (¬4): إذا اعتزل كلامه لا تقبل شهادته عليه عندنا ولو سلَّم عليه، واستدل بالحديث على أنّ من أعرض عن أخيه المسلم وامتنع من مكالمته، والسلام عليه آثم بذلك؛ لأن نفي الحل يفيد التحريم ومن ارتكب المحرم أثم. قال [ابن المنذر (¬5)]: (¬6) أجمعوا على أنه لا يجوز الهجران فوق ثلاث إلا لمن خاف من مكالمته أن يفسد عليه دينه، أو يدخل عليه في نفسه أو دنيا مضرة، فإن كان كذلك جاز، وربّ هجر جميل خير من مخالطة مؤذية، كما قيل (¬7): ¬

_ = عفى عنها في الثلاث؛ لأن الآدمي مجبول على الغضب وسوء الخلق ونحو ذلك، فعفي عن الهجرة في الثلاثة ليذهب ذلك العارض، وقيل: إن الحديث لا يقتضي إباحة الهجرة في الثلاثة, وهذا على مذهب من يقول لا يحتج بالمفهوم ودليل الخطاب. (¬1) ذكره النووي في "شرح صحيح مسلم" (16/ 117). "فتح الباري" (10/ 496). (¬2) انظر: "شرح منتهى الإرادات" (9/ 301). (¬3) ذكره الحافظ في "الفتح" (10/ 496). (¬4) في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (8/ 26 - 27). (¬5) انظر: "الإشراف على مذاهب العلماء" (4/ 280 - 281). وانظر: "فتح الباري" (10/ 496). (¬6) كذا في "المخطوط". وصوابه ابن عبد البر، كما في "فتح الباري" (10/ 496). وانظره: نصاً في "التمهيد" (15/ 79). (¬7) كذا في "المخطوط"، والذي استشهد به ابن عبد البر في "التمهيد" (15/ 79)، قول الشاعر: =

رُبَّ هجر يكون من خوف هجر ... وفراق يكون خوف فراق قوله: "أخرجه الستة إلا النسائي". الثاني: حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -. 2 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَا يَحِلُّ لمُؤْمِنٍ أَنْ يَهْجُرَ مُؤْمِنًا فَوْقَ ثَلَاثٍ, فَإِنْ مَرَّتْ بِهِ ثَلَاثٌ فَلْيَلْقَهُ وَلْيُسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَإِنْ رَدَّ عَلَيْهِ فَهُمَا شَرِيكانِ فِي الأَجْرِ، وَإِنْ لَمْ يَرُدَّ فَقَدْ بَاءَ بِالإِثْمِ" (¬1) [صحيح] وفي أخرى (¬2): "مَنْ هَجَرَ فَوْقَ ثَلَاثٍ فَماتَ دَخَلَ النَّارَ". أخرجه أبو داود. [صحيح] "قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا يحل لمؤمن أن يهجر مؤمناً فوق ثلاث" كما سلف، وقد بوّب البخاري (¬3) في صحيحه لجواز الهجران بقوله: باب ما يجوز من الهجران لمن عصى. أراد (¬4) بهذه الترجمة بيان [179 ب] الهجران الجائز؛ لأن عموم النهي مخصوص بمن لم يكن لهجرانه سبب مشروع (¬5). ¬

_ = إذا ما تقضى الود إلا تكاشراً ... فهجر جميل للفريقين صالح وانظر: "الاستذكار" (26/ 145 - 148). (¬1) أخرجه أبو داود في "السنن" رقم (4912)، وهو حديث حسن. (¬2) أخرجها أبو داود في "السنن" رقم (4914)، وهو حديث صحيح. (¬3) في "صحيحه" (10/ 497 باب رقم 63 - مع الفتح). (¬4) قاله الحافظ في "الفتح" (10/ 497). (¬5) وتمام العبارة: فتبين هنا السبب المسوغ للهجر، وهو لمن صدرت منه معصية، فيسوغ لمن اطلع عليها منه هجره عليها ليكفّ عنها.

كما في (¬1) قصة كعب بن مالك وصاحبيه والنهي عن كلامهم. قال الطبري (¬2): قصة كعب بن مالك أصل في هجران أهل المعاصي. قلت: ويأتي هجره - صلى الله عليه وسلم - لزينب شهراً. قال في "الفتح" (¬3): قد استشكل كون هجران الفاسق والمبتدع مشروعاً، ولا يشرع هجران الكافر، وهو أشد جرماً منهما لكونهما من أهل التوحيد في الجملة. وأجاب ابن بطال (¬4): بأن لله أحكاماً فيها مصالح للعباد، وهو أعلم بشأنها، وعليهم التسليم لأمره فيها، فجنح إلى أنه تعبد لا يعقل معناه. وأجاب غيره (¬5): بأن الهجران على مرتبتين: الهجران بالقلب، والهجران باللسان، فهجران الكافر بالقلب وبترك التودد والتناصر والتعاون، لا سيما إذا كان حربياً، وإنما لم يشرع هجرانه بالكلام لعدم ارتداعه بذلك عن كفره، بخلاف العاصي المسلم فإنه ينزجر بذلك غالباً، ويشترك كل من العاصي والكافر في مشروعية مكالمته بالدعاء إلى الطاعة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. انتهى. "فإن مرت به" أي: بالهاجر لأخيه. ¬

_ (¬1) قال المهلب: غرض البخاري في هذا الباب أن يبين صفة الهجران الجائز، وأنه يتنوع بقدر الجرم، فمن كان من أهل العصيان يستحق الهجران بترك المكالمة، كما في قصة كعب وصاحبيه، وما كان من المغاضبة بين الأهل والإخوان، فيجوز الهجر فيه بترك التسمية مثلاً أو بترك بسط الوجه مع عدم هجر السلام والكلام. "فتح الباري" (10/ 497). (¬2) ذكره الحافظ في "الفتح" (10/ 497)، وابن بطال في "شرحه لصحيح البخاري" (9/ 272). (¬3) (10/ 497). (¬4) في "شرحه لصحيح البخاري" (9/ 272 - 273). (¬5) ذكره الحافظ في "الفتح" (10/ 497).

"ثلاث فليلقه وليسلم عليه" ظاهره وجوباً ليزول ما ارتكبه من محرم الهجر، وهذا إذا كان قد هجره ظاهراً، وأما الأخوان اللذان لا تهاجر بينهما، لكن بمضي الأيام ذوات العدد لا يتفقان ولا يجتمعان؛ فهذا لا يعد تهاجراً. "فإن ردّ عليه" المهجور السلام. "فهما شريكان في الأجر" إذ كل منهما قد تاب عن محرم كان عليه، فأُجِرا أجر التوبة. "وإن لم يرد" أحدهما وهو المهجور وكل واحد منهما هاجر ومهجور. "فقد باء" رجع "بالإثم". قوله: "أخرجه أبو داود, وله" لأبي داود. "في" رواية "أخرى" أي: عن أبي هريرة، لفظها في "الجامع" (¬1): "لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث فمن هجر فوق ثلاث فمات دخل النار" (¬2) والمصنف اقتصر على بعضه، وفي رواية لأبي داود (¬3) عن عائشة مرفوعاً: "لا يكون لمسلم أن يهجر مسلماً فوق ثلاثة, فإذا لقيه سلَّم عليه ثلاث [مرات] (¬4) كل ذلك لا يردُّ عليه, فقد باء بإثمه" مقيدة بثلاث تسليمات، يتقيد به المطلق. الثالث: 3 - وعن أبي خراشٍ السُّلَميِّ - رضي الله عنه - قال: قال رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ هَجَرَ أَخَاهُ سنَةً فَهُوَ كَسَفْكِ دَمِهِ". أخرجه أبو داود (¬5). [صحيح] ¬

_ (¬1) (6/ 647 رقم 4934). (¬2) أخرجه أبو داود في "السنن" رقم (4914)، وهو حديث صحيح. (¬3) في "السنن" رقم (4913) بإسناد حسن. (¬4) كذا في "المخطوط"، وفي "الجامع" (6/ 647)، والذي في "سنن أبي داود": مرارٍ. (¬5) في "السنن" رقم (4915). =

حديث [180 ب] أبي خراش: بكسر الخاء المعجمة فراء بعد الألف شين معجمة، اسمه حدرد بن أبي حَدْرَدْ، كما في "التقريب" (¬1) وقال: صحابي ليس له إلا حديث واحد. "قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من هجر أخاه سنة فهو كسفك دمه" لفظ أبي داود (¬2): "كسفكه" وهذا تغليظ شديد في الهجر هذه المدة، والمراد أنهما سواء في أصل التحريم وإن كان البادئ بالفعل أغلظ. قوله: "أخرجه أبو داود" سكت عليه المنذري (¬3)، وجاء في نسخة من "جامع الأصول"، وسنده صحيح على شرط مسلم لم يتكلم على أحد من رجاله. الرابع: حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -. 4 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "تُعْرَضُ الأَعْمَالُ في كُلَّ خَمِيسٍ وَاثْنَيْنِ فَيَغْفِرُ الله - عز وجل - في ذلِكَ لِكُلِّ امْرِئ لاَ يُشْرِكُ بِالله شَيْئاً إلاَّ مَنْ كانَتْ بَيْنَهُ وَبيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ. فَيَقُولُ: اتُرْكُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا". أخرجه مسلم (¬4) ومالك (¬5) وأبو داود (¬6) والترمذي (¬7). [صحيح] ¬

_ = وأخرجه البخاري في "الأدب" (404، 405)، وأحمد في "المسند" (4/ 220)، والطبراني في "الكبير" (ج 22 رقم 779)، والحاكم في "المستدرك" (4/ 163)، والبيهقي في "الشعب" رقم (6631)، وفي "الآداب" رقم (302). وهو حديث صحيح. (¬1) (1/ 156 رقم 178). (¬2) في "السنن" رقم (4915) والذي فيه كسفك. (¬3) في "مختصر السنن" (7/ 232 - 233). (¬4) في "صحيحه" رقم (2565). (¬5) في "الموطأ" (2/ 908 - 909 رقم 17). (¬6) في "السنن" رقم (4916). (¬7) في "السنن" رقم (2023)، وهو حديث صحيح.

"الشَّحْنَاءُ" العداوة. "قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: تعرض الأعمال" أي: أعمال العباد على الله، كأنها تعرضها الكرام الكاتبون أو من يعلمه الله. "في كل خميس واثنين، فيغفر الله في ذلك اليوم لكل امرئ لا يشرك بالله شيئاً" {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (¬1). "إلا من كانت بينه وبن أخيه شحناء" عداوة، فإنه لا يغفر لهما، أو لا تعرض أعمالهما. "فيقول: اتركوا هذين حتى يصطلحا" لعظم شأن التعادي. قوله: "أخرجه مسلم ومالك وأبو داود". قلت: قال أبو داود (¬2) بعد إخراجه: إذا كانت الهجرة لله فليس من هذا في شيء، وإنَّ عمر بن عبد العزيز غطَّى وجهه من رجل. "والترمذي" قلت: وقال (¬3): حسن صحيح. الخامس: حديث عائشة - رضي الله عنها -. 5 - وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: اعْتَلَّ بَعِيرٌ لِصَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ، وَعِنْدَ زَيْنَبَ فَضْلُ ظَهْرٍ. فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - لِزَيْنَبَ: "أَعْطِيهَا بَعِيرًا". فَقَالَتْ: أَنَا أُعْطِي تِلْكَ اليَهُودِيَّةَ؟ فَغَضِبَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فَهَجَرَهَا ذَا الحِجَّةَ وَالمُحَرَّمَ وَبَعْضَ صَفَرٍ. أخرجه أبو داود (¬4). [ضعيف] "قالت: اعتل بعير لصفية بنت حيي" زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -، أي: أصاب بعيرها علة. "وعند زينب" بنت جحش، زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -. ¬

_ (¬1) سورة النساء الآية: 48. (¬2) في "السنن" (5/ 216). (¬3) في "السنن" (4/ 373). (¬4) في "السنن" رقم (4602)، وهو حديث ضعيف.

الفصل السادس عشر: في تتبع العورة وسترها

"فضل ظهر" أي: زيادة ظهر، عبارة عن البعير عن ما تحتاج إليه. "فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لزينب: أعطيها بعيراً، فقالت: أنا أعطي تلك اليهودية" أطلقت هذه اللفظة القبيحة عليها باعتبار أنها كانت من اليهود، ولها في قلوب الضرائر من البغضاء لبعضهن بعضاً. "فغضب - صلى الله عليه وسلم -" من إطلاقها تلك الكلمة عليها [181 ب] وعاقبها. "فهجرها ذا الحجة والمحرم وبعض صفر" وهذا الهجر عقوبة لها لذنبها، وقدمنا أن حديث النهي عن الهجر مخصص، وهذا من أدلته. "أخرجه أبو داود". الفصل السادس عشر: في تتبع العورة وسترها " السادس عشر" من فصول كتاب الصحبة "في تتبع العورات" أي: في النهي عنها، ذكر أربعة أحاديث الأول: حديث ابن عمر: 1 - عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: صَعِدَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - المِنْبَرَ، فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ: "يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ، وَلَمْ يُفْضِ الإِيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ، لَا تُؤْذُوا المُسْلِمِينَ، وَلَا تُعَيِّرُوهُمْ، وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهمْ، فَإِنَّهُ مَنْ تَتبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ المُسْلِمِ تَتَبَّعَ الله عَوْرَتَهُ، وَمَنْ تَتَبَّعَ الله عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِهِ". قَالَ: وَنَظَرَ ابْنُ عُمَرَ يَوْمًا إِلَى الكَعْبَةِ، فَقَالَ: مَا أَعْظَمَكِ وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ، وَالمُؤْمِنُ أَعْظَمُ حُرْمَةً عِنْدَ الله مِنْكِ. أخرجه الترمذي (¬1). [إسناده حسن] ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (2032). وأخرجه البغوي في "شرح السنة" رقم (3526)، وابن حبان في "صحيحه" رقم (5763) بإسناد حسن. وأخرجه أحمد في "المسند" (4/ 421)، وأبو داود رقم (4880)، وأبو يعلى رقم (7424)، وابن أبي الدنيا في "الصمت" رقم (168)، والبيهقي في "السنن" (10/ 247)، وفي "الشعب" رقم (6704)، وفي "الآداب" =

"قال: صعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المنبر فنادى بأعلى صوته: يا معشر من أسلم بلسانه ولم يفض" لم يصل. "الإيمان إلى قلبه" هذه صفات المنافقين يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم. "لا تؤذوا المسلمين" مأخوذ من قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (58)} (¬1). وقوله: "ولا تعيروهم" من عطف الخاص على العام، فإن التعيير من الأذية، ومثله: "ولا تتبعوا عوراتهم" جمع عورة، وهي كل ما يستحيا منه إذا ظهر، أي: لا تبحثوا عنها وتكشفوها. "فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم" ليكشفها للناس أو ليعلمها. "تتبع الله عورته" أي: عاقبه بإظهار عورته للناس التي يجب كتمها، عقوبة من جنس فعله. "ومن تتبع الله عورته يفضحه" ولو فعل ما لا يجب أن يظهر ويكشف من عوراته. "في جوف رحله" لفظ الجامع "قال نافع". "ونظر ابن عمر يوماً إلى الكعبة فقال: ما أعظمك وما أعظم حرمتك، والمؤمن أعظم حرمة عند الله منكِ". قوله: "أخرجه الترمذي". قلت: وقال (¬2): حسن غريب. ¬

_ = رقم (173) من طرق من حديث أبي برزة الأسلمي قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من يتبع عوراتهم يتبع الله عورته, ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته". وهو حديث صحيح لغيره. (¬1) سورة الأحزاب الآية: 58. (¬2) في "السنن" (4/ 378).

الثاني: حديث عقبة بن عامر - رضي الله عنه -. 2 - وعن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - قال: قال رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ رَأَى عَوْرَة فسَتَرَهَا كَانَ كمَنْ أَحْيَا مَوْءُودَةً". أخرجه أبو داود (¬1) [ضعيف] "قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من رأى عورة" أي: لمسلم. "فسترها كان كمن أحيا موؤودة" {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} (¬2). قوله: "أخرجه أبو داود" قال المنذري (¬3): وأخرجه النسائي (¬4). ولحديث عقبة سبب ذكره أبو داود (¬5) عن كاتب عقبة بن عامر قال: كان لنا جيران يشربون الخمر فنهيتهم، فلم ينتهوا، فقلت لعقبة بن عامر: إن جيراننا هؤلاء [182 ب] يشربون الخمر، وإني نهيتهم فلم ينتهوا، وأنا داعى لهم الشُّرَط، فقال: دعهم، ثم رجعت إلى عقبة مرة أخرى فقلت: إن جيراننا قد أبوا أن ينتهوا عن شربها، وإني داعى لهم الشُّرط، فقال له: ويحك دعهم، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... فذكر ذلك. قال أبو داود (¬6): قال هاشم بن القاسم عن ليث في هذا الحديث، قال: لا تفعل، ولكن عظهم وتهددهم. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (4891)، وهو حديث ضعيف. (¬2) سورة المائدة الآية: 32. (¬3) في "مختصر السنن" (7/ 219). (¬4) في "السنن الكبرى" رقم (7241، 7242). (¬5) في "السنن" رقم (4892). وأخرجه البخاري في "الأدب المفرد" رقم (758)، وأحمد (4/ 148)، والنسائي في "السنن الكبرى" رقم (7243)، وابن حبان رقم (517) بإسناد ضعيف. (¬6) في "السنن" (5/ 202).

الثالث: حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -. 3 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَا يَسْتُرُ عَبْدٌ عَبْدًا فِي الدُّنْيَا إِلَّا سَتَرَهُ الله تَعَالى يَوْمَ القِيَامَةِ". أخرجه مسلم (¬1). [صحيح] "قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا يستر عبدٌ عبداً في الدنيا" بأن يطّلع على قبيح منه وليس فيه [تعادن] (¬2) ولا فيه حق لمخلوق. "إلا ستره الله يوم القيامة" جزاءً وفاقاً. قوله: "أخرجه مسلم". الرابع: حديث زيد بن وهب. 4 - وعن زيد بن وهب قال: أُتِيَ ابْنُ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - فَقِيلَ لَهُ: هَذَا فُلَانٌ تَقْطُرُ لِحْيَتُهُ خَمْرًا. فَقَالَ عَبْدُ الله - رضي الله عنه -: إِنَّا قَدْ نُهِينَا عَنْ التَّجَسُّسِ، وَلَكِنْ إِنْ يَظْهَرْ لَنَا شَيْءٌ نَأْخُذْ بِهِ. أخرجه أبو داود (¬3). [إسناده صحيح] "قال: أتي ابن مسعود فقيل له: هذا فلان" في "الكشاف" (¬4): "هل لك في الوليد بن عقبة" فهو بيان لفلان. "تقطر لحيته خمراً، فقال عبد الله: أما إنا قد نهينا عن التجسس" يريد بقوله تعالى: {وَلَا تَجَسَّسُوا} (¬5) الآية. وهو التطلب للشيء والبحث عنه. ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (2590). وأخرجه أحمد (2/ 389)، وعبد الرزاق في "مصنفه" (18934). وهو حديث صحيح. (¬2) كذا في "المخطوط" (أ. ب) ولعلها تعدٍ. (¬3) في "السنن" رقم (4890) بإسناد صحيح. (¬4) (5/ 582 - 583). (¬5) سورة الحجرات الآية: 2. =

الفصل السابع عشر: في النظر إلى النساء

والمراد: النهي عن تتبع عورات المسلمين ومعائبهم، والاستكشاف عن ما ستروه، وعن مجاهد: "حدوا ما ظهر، ودعوا ما ستره الله". "ولكن إن ظهر لنا شيء" من غير بحث وتطلب. "نأخذ به" نعاقب بما ظهر لنا. إن قلت: هذا يخبره أن الخمر تقطر على لحيته فما بعد ذا حاجة للتجسس؟ قلتُ: لا بد من بحث هل شربه أو لا، إذا رأيته على لحيته قرينة لا تفيد يقيناً أنه شربه فلا بد من البحث عن كونه شربه، والشهادة على شربها وتطلبها، وهذا تجسس داخل تحت النهي، كما قاله ابن مسعود. قوله: "أخرجه أبو داود". الفصل السابع عشر: في النظر إلى النساء قوله: "السابع عشر" من فصول كتاب الصحبة. "في النظر إلى النساء" أي: في بيان حكمه، ولفظ ابن الأثير (¬1): "في الخلوة بالنساء والنظر إليهن". انتهى. وأحسن بزيادة الخلوة إذ [183 ب] أول حديث فيها. ¬

_ = قال الحافظ ابن حجر في "تخريج الكشاف": أخرجه أبو داود وابن أبي شيبة, وعبد الرزاق، والطبراني، والبيهقي في "الشعب" في الثاني والخمسين من طرق عن الأعمش، عن زيد بن وهب قال: أتى ابن مسعود قيل له: هذا فلان تقطر لحيته خمراً، لفظ أبي داود والباقين نحوه، ورواه الحاكم والبزار من رواية أسباط عن الأعمش فقال فيه: "إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهانا عن التجسس". قال البزار: تفرد به أسباط، وقال ابن أبي حاتم عن أبي زرعة والترمذي عن البخاري: أخطأ فيه أسباط، والصحيح من رواية أبي معاوية وغيره عن الأعمش أن الله نهانا. (¬1) في "الجامع" (6/ 656).

قلت: وكذلك نظر النساء إلى الرجال [منهي عنه] (¬1): {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} (¬2) الآية. وذكر فيه اثني عشر حديثاً. الأول: حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -. 1 - عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رَسولُ الله: "أَلا لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إلاّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ". أخرجه الشيخان (¬3). [صحيح] "قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا يخلون أحدكم" لفظه في "الجامع" (¬4): "رجل بامرأة أجنبية". "إلا مع ذي محرم" استثناء متصل، أي: إلاّ أن يكون محرماً لها، ويحتمل أنه منقطع، أي: إلا أن يدخل عليها وعندها ذو محرم منها، فإنها لا تكون خلوة بامرأة، وهذا النهي من باب سد (¬5) الذرائع، بل قد جاء في الحديث (¬6): "أن ثالثهما الشيطان" لأن الخلوة ذريعة إلى المحرم ¬

_ (¬1) في (أ. ب) نُهي ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬2) سورة النور الآية: 30. (¬3) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (3006)، ومسلم رقم (424/ 1341)، وأخرجه أحمد (1/ 222)، وهو حديث صحيح. (¬4) (6/ 658) والذي في نسختنا: "لا يخلون أحدكم بامرأة إلا مع ذي محرم". (¬5) انظر: "فتح الباري" (4/ 77)، "المغني" (5/ 33)، "المجموع" (8/ 306). (¬6) أخرجه أحمد (1/ 18، 26)، والترمذي رقم (2165)، وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب. وأخرجه ابن حبان رقم (7254)، والحاكم (1/ 113)، والبيهقي (7/ 91)، قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما -، وفيه: " ... ألا لا يخلون رجل بامرأةٍ إلا كان ثالثهما الشيطان ..... ". وهو حديث صحيح.

وهو مثل نهيه تعالى لنساء رسوله - صلى الله عليه وسلم - بأن لا يخضعن (¬1) بالقول، فيطمع الذي في قلبه مرض، والمرأة منهية أيضاً عن الخلوة بالأجنبي، كما أنه منهي عن ذلك إذ العلة واحدة وهما متلازمان. قوله: "أخرجه الشيخان" تمامه عندهما: "فقال رجل: يا رسول الله! إن امرأتي خرجت حاجة, وإنني انفضيت في غزاة كذا وكذا، فقال: ارجع فحج مع امرأتك". الثاني: حديث أنس - رضي الله عنه - 2 - وعن أنس - رضي الله عنه -: أَنَّ امْرَأَةً كَانَ فِي عَقْلِهَا شَيْءٌ, فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ الله! لِي إِلَيْكَ حَاجَةً. قَالَ: يَا أُمَّ فُلَانٍ! انْظُرِي إلى أَيَّ السِّكَكِ شِئْتِ حَتَّى أَقْضِيَ لَكِ حَاجَتَكِ، فَخَلَا مَعَهَا فِي بَعْضِ لطُّرُقِ حَتَّى فَرَغَتْ مِنْ حَاجَتِهَا. أخرجه مسلم (¬2) وأبو داود (¬3) [صحيح] "أن امرأة كان في عقلها شيء، فقالت: يا رسول الله! لي إليك حاجة" وفهم - صلى الله عليه وسلم - أنها سر. "فقال: يا أم فلان! انظري إلى أي السكك" أي: الطرق. "شئت حتى أقضي لك حاجتك، فخلا معها في بعض الطرق حتى فرغت من حاجتها" هذا لا ينافي حديث ابن عباس الأول؛ لأنها خلوة في الطرق مع معصوم على أن الطريق ليست محل خلوة إذ لا تنقطع عن المارّين. وإنما فيه (¬4) بيان خلقه - صلى الله عليه وسلم - وشفقته وإجابة كل ذي حاجة إلى قضاء حاجته. ¬

_ (¬1) قال تعالى: {فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} [الأحزاب:32]. (¬2) في "صحيحه" رقم (2326). (¬3) في "السنن" رقم (4818، 4819) وهو حديث صحيح. (¬4) قال النووي في "شرحه لصحيح مسلم" (15/ 82): =

قوله: "أخرجه مسلم وأبو داود". الثالث: حديث جرير. 3 - وعن جرير - رضي الله عنه - قال: سَالتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ نَظَرِ الفَجْأَةِ؟ فقَالَ: "اصْرِفْ بَصَرَكْ". أخرجه مسلم (¬1) وأبو داود (¬2) والترمذي (¬3). [صحيح] "قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن نظر الفجأة" في "النهاية" (¬4): فاجأه مُفاجأة إذا جاءه بغتة من غير تقدُّم سبب، والفُجأة بضم [184 ب] الفاء والمد، وبفتحها (¬5) وسكون الجيم [والقصر] (¬6) هي البغتة، أي: وقوع النظر [على] (¬7) أجنبية من غير قصد ولا إثم عليه في أول ذلك، ويجب عليه صرف بصره، فإن استدام أثم. قال القاضي (¬8): قال العلماء: فيه حجة لمن لا يوجب على المرأة ستر وجهها في الطرقات، وإنما هو سنة مستحبة، ويجب على الرجال غض البصر عنها في جميع الأحوال، إلا لغرض صحيح شرعي كشهادة ومداواة وإرادة خطبتها أو نحو شراء الجارية. ¬

_ = فيه بيان بروزه - صلى الله عليه وسلم - للناس وقربه منهم ليصل أهل الحقوق إلى حقوقهم، ويرشد مسترشدهم ليشاهدوا أفعاله وحركاته فيقتدى بها، وهكذا ينبغي لولاة الأمور، وفيها صبره - صلى الله عليه وسلم - على المشقة في نفسه لمصلحة المسلمين، وإجابته من سألة حاجة. (¬1) في "صحيحه" رقم (2159). (¬2) في "السنن" رقم (2148). (¬3) في "السنن" رقم (2777). وأخرجه أحمد في "المسند" (4/ 361). وهو حديث صحيح. (¬4) (2/ 343). (¬5) سقط من "المخطوط" قوله: وقيده بعضهم ... (¬6) كذا في "المخطوط" والذي في "النهاية" "من غير مد على المرة". (¬7) في (ب) مكررة. (¬8) القاضي عياض في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (7/ 37).

"فقال: اصرف بصرك" عن ما وقع على رؤيته بغير قصد فلا إثم في الأولى، فإن نظر ثانية كان آثماً كما يأتي في حديث بريدة. قوله: "أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي". الرابع: حديث بريدة - رضي الله عنه -. 4 - وعن بريدة - رضي الله عنه - قال: قال رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - لِعَليًّ: "يَا عَليُّ! لَا تُتْبِعْ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ، فَإِنَّ لَكَ الأُولَى، وَلَيْسَتْ لَكَ الثَّانِيَةُ". أخرجه أبو داود (¬1) والترمذي (¬2). [حسن] "قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يا علي! لا تتبع النظرة" أي: نظرة الفجأة. "النظرة" أي: نظرة العمد. "فإن لك الأولى" أي: لا حرج فيها. "وليست لك الثانية" بل هي عليك تأثم بها، وقيل: لا تتبع نظر عينيك نظر قلبك بالتفكر فيها، وتمنيها ونحوه. قوله: "أخرجه أبو داود والترمذي". قلت: وقال (¬3) حسن غريب. الخامس: حديث أنس - رضي الله عنه -. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (2149). (¬2) في "السنن" رقم (2777) وقال: حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث بريدة. وأخرجه أحمد (5/ 352)، والحاكم (2/ 194)، والبيهقي في "السنن" (7/ 90)، وفي "الشعب" رقم (5421، 5422)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (3/ 15)، وفي "شرح مشكل الآثار" رقم (1866، 1867) وهو حديث حسن. (¬3) في "السنن" (5/ 101).

5 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: أتَى رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فاطِمَةَ - رضي الله عنها - بِعَبْدٍ قَدْ وَهَبَهُ لَهَا وَعَلَيْهَا ثَوْبٌ إِذَا قَنَّعَتْ بِهِ رَأْسَهَا لَمْ يَبْلُغْ رِجْلَيْهَا، وَإِذَا غَطَّتْ بِهِ رِجْلَيْهَا لَمْ يَبْلُغْ رَأْسَهَا. فَلمَّا رَأَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مَا تَلْقَاهُ مِنَ التَّحَفُّظِ قَالَ: "لَيْسَ عَلَيْكِ بَأْسٌ، إِنَّمَا هُوَ أَبُوكِ وَغُلَامُكِ". أخرجه أبو داود (¬1). [صحيح] "قال: أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاطمة - رضي الله عنها - بعبد قد وهبه لها وعليها ثوب إذا قنعت به رأسها لم يبلغ رجليها، وإن غطت به رجليها لم يبلغ رأسها" كل ذلك لضيق الثوب. "فلما رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - ما تلقاه من التحفظ" أي: من مشقة تحفظها أن لا يُرى رأسها ولا رجليها. "قال: ليس عليك بأس، إنما هو أبوك وغلامك" استدل بالحديث على جواز (¬2) نظر العبد إلى سيدته، وهو ظاهر كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وقيّد البغوي الجواز بكون العبد عفيفاً، وقيل: لا يجوز، وتأولوا هذا الحديث بأن العبد كان صغيراً، وهو خلاف الظاهر؛ فإنه لو كان صغيراً لما تحفظت منه فاطمة - رضي الله عنها -[185 ب] ولقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه صغير، ولم يقل "غلامك" والآية في قوله تعالى: {وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} (¬3) نص في ذلك. قوله: "أخرجه أبو داود". السادس: حديث أم سلمة - رضي الله عنها -. 6 - وعن أم سلمة - رضي الله عنها -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ عِنْدَهَا وَفِي البَيْتِ مُخَنَّثٌ. فَقَالَ المُخَنَّثُ لِعَبْدِ الله بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ أَخِي أُمِّ سَلَمَةَ: يَا عَبْدَ الله! إِنْ فَتَحَ الله لَكُمْ غَدًا الطَّائِفَ، فَإنِّي أَدُلُّكَ عَلَى ابْنةِ ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (4106)، وهو حديث صحيح. (¬2) انظر: "المغني" لابن قدامة (9/ 495)، و"المهذب" (4/ 116)، "روضة الطالبين" (7/ 23). (¬3) سورة الأحزاب الآية: 55.

غَيْلَانَ فَإِنَّهَا تُقْبِلُ بِأَرْبَعٍ وَتُدْبِرُ بِثَمَانٍ. فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا يَدْخُلَنَّ هؤُلاَءِ عَلَيْكُمْ. يَعْنِي المُخَنَّثِينَ فَحَجَبُوهُ" قَالَ ابنُ جُرَيجٍ: "المُخَنَّثُ هِيْتٌ". أخرجه الثلاثة (¬1) وأبو داود (¬2) [صحيح] قوله: "تُقْبلُ بِأرْبَع" أي: بأربع عكن. "وَتُدْبِرُ بَثَمانٍ" أراد أطراف العكن (¬3) الأربع من الجانبين. "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان عندها وفي البيت مخنث" (¬4) بضم الميم فخاء معجمة ساكنة فنون مكسورة وتفتح فثاء مثلثة، فالأول من فيه تثن وتكسر وتشبه بالنساء، والثاني: من يؤتى، قاله في "التوشيح". "فقال لعبد الله بن أبي أمية أخي أم سلمة: يا عبد الله! إن فتح الله عليكم غداً الطائف" هذا قاله وهو محاصرون للطائف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والصحابة؛ وذلك لأن أم سلمة كانت معه - صلى الله عليه وسلم - حين خرج إلى الطائف. "فإني أدلّك على ابنة غيلان" بالغين المعجمة، وابنته تسمى بادية، بالباء الموحدة والياء المثناة من تحت، وقيل: بالنون. "فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان" قال مالك (¬5) والجمهور (¬6): معناه أن في بطنها عكن يتعطف بعضها على بعض، فإذا أدبرت كانت أطرافها عند منقطع جنبيها ثمانية، والحاصل أنه وصفها بامتلاء البدن. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (4324)، ومسلم رقم (32/ 2180)، ومالك في "الموطأ" (2/ 767). (¬2) في "السنن" رقم (4929)، وهو حديث صحيح. (¬3) انظر: "القاموس المحيط" (ص 1569). (¬4) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (1/ 535). (¬5) انظر: "المفهم" (5/ 515). (¬6) "فتح الباري" (9/ 335).

"فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: لا يدخلن هؤلاء عليكم" وفي رواية (¬1) عن عائشة - رضي الله عنها - بزيادة: فقال - صلى الله عليه وسلم -: "ألا لا أرى هذا يعرف ما هاهنا لا يدخُلنَّ عليكن". "فحجبوه. قال ابن جريج: المخنث هيت" بكسر الهاء وسكون المثناة التحتية فمثناة فوقية. قوله: "أخرجه الثلاثة وأبو داود". السابع: حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -. 7 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: لَعَنَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - المُخَنَّثِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالُمَتَرَجِّلَاتِ مِنْ النِّسَاءِ، وَقَالَ: "أَخْرِجُوهُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ". أخرجه البخاري (¬2)، وأبو داود (¬3) والترمذي (¬4). [صحيح] "أنه لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" أي: إنشاء منه، أو إخبار بأن الله لعنهم. "المخنثين من الرجال" الذين يتعلمون تكسر النساء ولين خطابهن وحركاتهن؛ لأن من كان ذلك في أصل خلقته. "والمترجلات من النساء" أي: المتشبهات بالرجال فيما يختصون به [186 ب] من هيئة وملبوس (¬5) وكلام. ¬

_ (¬1) أخرجها مسلم رقم (33/ 2181)، وأحمد (6/ 152)، أبو داود رقم (4107). وهو حديث صحيح. (¬2) في "صحيحه" رقم (5885)، وطرفاه في (5886، 6834). (¬3) في "السنن" رقم (4097). (¬4) في "السنن" رقم (2784). وأخرجه أحمد (1/ 339)، وابن ماجه رقم (1904)، والبغوي في "الجعديات" رقم (993)، والطبراني في "الكبير" رقم (11823)، والبيهقي في "شعب الإيمان" رقم (7799) من طرق وهو حديث صحيح. (¬5) انظر: "فتح الباري" (10/ 332).

"وقال: أخرجوهم" الظاهر أن الضمير للأول، وأما النساء (¬1)؛ فإنه منهي عن إخراجهن لعظم المفسدة التي تترتب عليه، ولما تقدم من الأمر بإخراج المخنثين. قوله: "أخرجه البخاري وأبو داود والترمذي". قلت: وقال (¬2): حسن صحيح. الثامن: حديث أم سلمة - رضي الله عنها -. 8 - وعن أم سلمة - رضي الله عنها - قالت: كُنْتُ عِنْدَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَعِنْدَهُ مَيْمُونَةُ بِنْتُ الحَارِثِ - رضي الله عنها -. فَأَقْبَلَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ أُمِرْنَا بِالِحجَابِ، فَدَخَلَ عَلَيْنَا، فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: "احْتَجِبَا مِنْهُ". فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ الله! أَليْسَ هَوَ أَعْمَى لاَ يُبْصِرُنَا وَلاَ يَعْرَفْنَا؟ فَقَالَ: "أَفَعَمْيَاوَانِ أَنْتُمَا؟ أَلسْتُمَا تُبْصرَانِهِ؟ ". أخرجه أبو داود (¬3) والترمذي (¬4) وصححه. [ضعيف] ¬

_ (¬1) انظر: "فتح الباري" (10/ 333 - 334). (¬2) في "السنن" (5/ 106). (¬3) في "السنن" رقم (4112). (¬4) في "السنن" رقم (2778) وقال: هذا حديث حسن صحيح. وأخرجه أحمد (6/ 296)، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" رقم (289)، وأبو يعلى رقم (6922)، وابن حبان رقم (575)، والطبراني في "المعجم الكبير" (ج 23 رقم 678)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (7/ 91 - 92)، والخطيب في "تاريخه" (3/ 17) من طرق. إسناده ضعيف، نبهان - وهو مولى أم سلمة ومكاتبها - لم يذكروا في الرواة سوى الزهري، ومحمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة. قال الدارقطني في رواية محمد بن عبد الرحمن: غير محفوظ، وقال ابن حزم في "المحلى" (11/ 3): (لا يوثق). وقال الإمام أحمد كما في "المغني" (9/ 507): نبهان روى حديثين عجيبين: الأول: حديث أم سلمة ولفظه: "إذا كان لإحداكن مكاتب, فكان عنده ما يؤدي فلتحتجب منه". والثاني: هذا الحديث. =

"قالت: كنت عند النبي - صلى الله عليه وسلم - وعنده ميمونة بنت الحارث" امرأته - صلى الله عليه وسلم -. "فأقبل ابن أم مكتوم" وهو الضرير المعروف. "وذلك بعد أن أمرنا بالحجاب فدخل علينا" أي: المنزل الذي هما فيه عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. "فقال: احتجبنا منه، فقلنا" كأنهما قالتا معاً. "يا رسول الله! أليس هو أعمىً لا يبصرنا" فلماذا نحتجب منه. "فقال: أفعمياوان أنتما" حتى لا تبصرانه، فإنه يحرم عليكما رؤيته كما يحرم عليه رؤيتكما، بنص قوله تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} (¬1) الآية. "ألستما تبصرانه" فاحتجابكما عنه واجب، وهو دليل على تحريم نظر المرأة إلى الأجنبي. قال النووي (¬2): وهو الصحيح الذي عليه الجمهور من العلماء. قوله: "أخرجه أبو داود والترمذي وصححه". قلت: قال (¬3): حسن صحيح. ¬

_ = ثم إن متن هذا الحديث معارض بأحاديث صحيحة: منها ما أخرجه أحمد (6/ 270)، والبخاري رقم (454)، ومسلم رقم (18/ 892) "عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يسترني بردائه وأنا أنظر إلى الحبشة، يلعبون في السجد حتى أكون أنا التي أسامُه, فاقدروا قدر الجارية الحديثة السَّن الحريصة على اللهو". وهو حديث صحيح، وحديث - فاطمة بنت قيس - وقد تقدم وهو حديث صحيح. وخلاصة القول: أن حديث أم سلمة حديث ضعيف، والله أعلم. (¬1) سورة النور الآية: (31). (¬2) "روضة الطالبين" (7/ 25). (¬3) في "السنن" (5/ 102).

وهو من حديث الزهري عن نبهان عن أم سلمة، ونبهان مقبول كما في "التقريب" (¬1). التاسع: 9 - وعن أبي أُسيْدٍ - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ خَارِجٌ مِنْ المَسْجِدِ، وَقَدْ اخْتَلَطَ الرِّجَالُ مَعَ النِّسَاءِ فِي الطَّرِيقِ. فَقَالَ: "اسْتَأْخِرْنَ فَلَيْسَ لَكُنَّ أَنْ تَحْقُقْنَ الطَّرِيقَ، عَلَيْكُنَّ بِحَافَّاتِ الطَّرِيقِ" فَكَانَتْ المَرْأَةُ تُلْصِقُ بِالجِدَارِ حَتَّى إِنَّ ثَوْبَهَا لَيَتَعَلَّقُ بِالجِدَارِ مِنْ لُصُوقِهَا بِهِ. أخرجه أبو داود (¬2). [حسن] "تحْقُقْنَ الطَّرِيقَ" أي: تَرْكبْنَ حُقّهَا، وَهُوَ وَسَطُهَا. حديث "أبي أسيد" (¬3) بضم المهمزة فسين مهملة فمثناة تحتية فدال مهملة. "قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو خارج من المسجد وقد اختلط الرجال مع النساء في الطريق فقال" للنساء. "استأخرن" عن مخالطة الرجال في الطريق. "فليس لكن أن تحققن" بضم المثناة الفوقية فحاء مهملة فقاف مشددة وأخرى مخففة، يأتي تفسيرها للمصنف. "عليكن بحافات الطريق" أيسرها وأيمنها فامتثلن. "فكانت المرأة" عند مرورها، ظاهره ولو كانت وحدها. "تلصق بالجدار" الذي في أحد الجانبين. ¬

_ (¬1) (2/ 297 رقم 36) نبهان، المخزومي مولاهم، أبو يحيى المدني، مكاتب أم سلمة مقبول، من الثالثة. (¬2) في "السنن" رقم (5272)، وهو حديث حسن. وأخرجه البيهقي في "الشعب" رقم (7822)، والطبراني في "الكبير" (ج 19 رقم 580). (¬3) انظر: "التقريب" (1/ 199 رقم 562)، وهو حمزة بن أبي أسيد الأنصاري الساعدي، أبو مالك المدني، صدوق، من الثالثة.

"حتى أن ثوبها ليلصق بالجدار من لصوقها به" فيه أن [187 ب] النساء لا يمشين في وسط الطريق (¬1)، بل في إحدى حافتيها، ولو كانت وحدها. قوله: "أخرجه أبو داود". العاشر: حديث ابن عمر - رضي الله عنه -. 10 - وعن ابنِ عُمَر - رضي الله عنهما - قال: "نَهَى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَمْشِيَ الرَّجُلَ بَيْنَ المَرْأتَيْنِ". أخرجه أبو داود (¬2). [موضوع] "قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يمشي الرجل بين المرأتين" أي: في طريق تجمعهم، بل يتقدم عليهما أو يتأخر؛ لأنه ذريعة للشر. قوله: "أخرجه أبو داود" قال المنذري (¬3): فيه داود بن أبي صالح (¬4) هو المدني، قال أبو حاتم: مجهول، وقال أبو زرعة: لا أعرفه إلا في حديث واحد يرويه عن نافع عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو حديث منكر. وذكر البخاري هذا الحديث في "تاريخه الكبير" (¬5) عن داود هذا وقال: لا يتابع عليه. ¬

_ (¬1) أخرج ابن حبان في "صحيحه" رقم (5572)، والبيهقي في "الشعب" رقم (7823)، وابن عدي في "الضعفاء" (4/ 1321) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال سول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ليس للنساء وسط الطريق". وهو حديث حسن. (¬2) في "السنن" رقم (5273)، وهو حديث موضوع. وأخرجه الحاكم (4/ 280)، والعقيلي في "الضعفاء" رقم (126)، والخلال في "الأمر بالمعروف" (2/ 22)، وابن عدي في "الكامل" (3/ 955). (¬3) في "مختصر السنن" (8/ 117 - 118). (¬4) انظر: "تهذيب التهذيب" (1/ 565)، "الجرح والتعديل" (3/ 416 رقم 1902). (¬5) (3/ 234 رقم 792).

وقال ابن حبان (¬1): يروي الموضوعات عن الثقات. انتهى. الحادي عشر: حديث ابن مسعود - رضي الله عنه -. 11 - وعن ابن مسعودٍ - رضي الله عنه - قال: قال رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "المَرْأَةُ عَوْرَةٌ، فَإِذا خَرَجَتْ اسْتَشْرَفَهَا الشَّيْطَانُ". أخرجه الترمذي (¬2). [صحيح] "قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: المرأة عورة" قال ابن الأثير (¬3): العورة كل ما يستحيا منه إذا ظهر، والمرأة إذا ظهرت يستحيا منها (¬4). "فإذا خرجت" من منزلها، ولذا قال - صلى الله عليه وسلم -: "استروا عوراتهن بالبيوت". "استشرفها الشيطان" قال ابن الأثير (¬5): استشرفت الشيء إذا تطلّعت عليه. قوله: "أخرجه الترمذي". قلت: وقال (¬6): حسن. الثاني عشر: حديث أنس - رضي الله عنه -. 12 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: كانَ رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - معَ إِحْدَى نِسَائه، فَمَرَّ بِهِ رَجُلٌ فَدَعَاهُ وقَالَ: هَذِهِ زَوْجَتِي. فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله! مَنْ كُنْتُ أَظُنُّ بِهِ فَلَمْ أَكُنْ أَظُنُّ بِكَ. فَقَالَ: "إنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنْ ابنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّم". ¬

_ (¬1) ذكره ابن حجر في "تهذيب التهذيب" (1/ 565). (¬2) في "السنن" رقم (1173)، وهو حديث صحيح. (¬3) في "غريب الجامع" (6/ 665). وقال في "النهاية" (2/ 270): لأنها إذا ظهرت يستحيا منها كما يُستحيا من العورة إذا ظهرت. (¬4) في "غريب الجامع" (6/ 665). وانظر: "النهاية في غريب الحديث" (1/ 858). (¬5) في "غريب الجامع" (6/ 665). وانظر: "النهاية في غريب الجامع" (1/ 858). (¬6) أي: الترمذي في "السنن" (3/ 476).

أخرجه مسلم (¬1). [صحيح] "قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع إحدى نسائه" الذي تقدم في الاعتكاف أنها صفية إذا كانت القصة، وتقدم الحديث هنالك عن علي بن الحسين عن صفية، إلا أنه هنا قال: فمر به رجل. وفي حديث صفية: أنهما رجلان من الأنصار، وأنهما لما رأياه - صلى الله عليه وسلم - مع صفية أسرعا فقال: "على رسلكما إنها صفية". "فدعاه فقال: هذه زوجتي، فقال الرجل: يا رسول الله! من كنت أظن به" أي سوءاً [188 ب]. "فلم أكن أظن بك" سوءاً لعلمي بحالك. "فقال: إن الشيطان يجري (¬2) من ابن آدم مجرى الدم" تقدم تمامه في الاعتكاف بلفظ: "وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شراً. أو قال: شيئاً". وتقدم الكلام على جري الشيطان مجرى الدم وأنه حقيقة، وفي الحديث (¬3) رفع الإنسان عن نفسه التهمة، والحرص على المؤمن أن لا يظن بأخيه سوءاً، وأن ظن السوء بالمؤمن من قذف الشيطان في القلوب. قوله: "أخرجه مسلم" وتقدم أن حديث صفية أخرجه الشيخان (¬4) وأبو داود (¬5). ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (2174). وأخرجه البخاري في "الأدب المفرد" رقم (1288)، وأبو داود رقم (4719)، وأبو يعلى رقم (3470)، وأبو عوانة (1/ 482)، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" رقم (108). (¬2) انظر: "فتح الباري" (4/ 280). (¬3) انظر: "فوائد الحديث في فتح الباري" (4/ 280). (¬4) "البخاري" رقم (2035، 2038، 2039، 3101، 3281، 6219)، ومسلم في "صحيحه" رقم (24/ 2175). (¬5) في "السنن" رقم (2471).

الفصل الثامن عشر: في أحاديث متفرقة

الفصل الثامن عشر: في أحاديث متفرقة قوله: "الثامن عشر" أي: من فصول كتاب الصحبة، وهو آخر فصولها "في أحاديث متفرقة" لها إلمام بأحوال الصحبة في الجملة، ذكر فيه سبعة أحاديث. الأول: حديث أبي ذر - رضي الله عنه -. 1 - عن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: قال لِي رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "يَا أَبَا ذَرّ". فَقُلْتُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ يَا رَسُولَ الله وَأنا فِدَاؤُكَ. أخرجه أبو داود (¬1). [إسناده حسن] "قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يا أبا ذر" أي: ناداه. "فقلت: لبيك وسعديك يا رسول الله! وأنا فداؤك" بوّب (¬2) له أبو داود فقال: باب في الرجل يقول: جعلني الله فداؤك، وذكر هذا الحديث. في "النهاية" (¬3) قد تكرر ذكر الفداء في الحديث بالكسر والمد والفتح مع القصر، فكاك الأسير، يقال: فداه يفديه فداءً وفدى وفاداه يفاديه مفاداة إذا أعطى فداه وأنقذه، وفداه بنفسه، وفداه إذا قال: جعلتُ فداك. انتهى. والمراد: أنه يريد أن يؤثر المخاطب على نفسه بتحمله عنه كل مكروه؛ وذلك لمحبته وعظمة قدره عنده. قوله: "أخرجه أبو داود" أي: هذا الحديث، وإلا فقد ثبت تفدية جماعة من الصحابة له - صلى الله عليه وسلم -، وهو يدل على جواز (¬4) أن يقول العبد لمن يخاطبه ممن له شأن ذلك. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (5226) بإسناد حسن. (¬2) في "السنن" (5/ 396). (¬3) (2/ 351) وانظر: "المجموع المغيث" (2/ 600). (¬4) وقد بوب البخاري في "صحيحه" (10/ 569 الباب رقم 104 - باب قول الرجل: جعلني الله فداك، وقال أبو بكر للنبي - صلى الله عليه وسلم -: فديناك بآبائنا وأمهاتنا. =

الثاني: حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -. 2 - وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَا تُصَاحِبْ إِلَّا مُؤْمِنًا، وَلَا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلَّا تَقِيٌّ". أخرجه أبو داود (¬1) والترمذي (¬2). [حسن] "قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا تصاحب إلا مؤمناً" لأن الصاحب عنوان من يصحبه ودليل عليه كما قال: [189 ب]. وكل قرين بالمقارن يقتدي. "ولا يأكل طعامك إلا تقي" لأنه يتقوى به على الإتيان بالطاعات، وعكسه الفاسق؛ فإنه يتقوى به على خلاف ذلك، وهذا حث على الأولى، والأرجح وإن جاز خلافه. قوله: "أخرجه أبو داود والترمذي" وتكلم عليه (¬3). الثالث: حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -. ¬

_ = قال الحافظ في "الفتح" (10/ 569) قوله: (باب قول الرجل جعلني الله فداك)، أي: هل يباح أو يكره؟ وقد استوعب الأخبار الدالة على الجواز أبو بكر بن أبي عاصم في أول كتابه: "آداب الحكماء" وجزم بجواز ذلك فقال: للمرء أن يقول ذلك لسلطانه ولكبيره ولذوي العلم، وعن أحب من إخوانه غير محظور عليه ذلك، بل يثاب عليه إذا قصد توقيره واستعطافه، ولو كان ذلك محظوراً لنهى النبي - صلى الله عليه وسلم - قائل ذلك، ولأعلمه أن ذلك غير جائز أن يقال لأحد غيره. (¬1) في "السنن" رقم (4832). (¬2) في "السنن" رقم (2395). وأخرجه أحمد (3/ 38)، وابن حبان رقم (560)، والحاكم (4/ 128)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (3484)، والدارمي (2/ 103)، وأبو يعلى رقم (1315)، والطيالسي رقم (2213)، والبيهقي في "الشعب" رقم (9383) من طرق. وهو حديث حسن. (¬3) في "السنن" (4/ 601) وقال: هذا حديث حسن، إنما نعرفه من هذا الوجه.

3 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "المَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ". أخرجه أبو داود (¬1) والترمذي (¬2). [حسن] "قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "المرء على دين خليله" أي: في الأغلب، فإن الطباع تسرق الطباع، والجليس يميل إلى جليسه ويبالغ فيما يحببه إليه، وإنما قلنا: في الأغلب؛ لأنه قد يصحب الإنسان لحاجة من هو من الأشرار، وإن لم يكن على دينه، كما قال الزمخشري (¬3) - رحمه الله -: وعن صحبة الأشرار لا تسألنني ... فصحبتهم منزوعة الحب من قلبي ولكنني أصطاد رزقي بأرضهم ... ولا بد للصياد من صحبة الكلب "فلينظر الإنسان من يخالل" أي: يختر لنفسه خليلاً يعينه على دينه, ويجذبه إلى ما يصلحه. قوله: "أخرجه أبو داود والترمذي". قلت: وقال (¬4): حسن غريب. الرابع: حديث أبي الدرداء - رضي الله عنه -. 4 - وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: قال رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَلا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ؟ قَالُوا: بَلَى. قَالَ: إِصْلَاحُ ذَاتِ البَيْنِ، فَإِنَّ فَسَادُ ذَاتِ البَيْنِ هِيَ الحَالِقَةُ". أخرجه أبو داود (¬5) والترمذي (¬6) وصححه. [صحيح] ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (4833). (¬2) في "السنن" رقم (2378). وهو حديث حسن. (¬3) لعله لغير الزمخشري، فلم نعرفه للزمخشري. (¬4) في "السنن" (4/ 589). (¬5) في "السنن" رقم (4919). (¬6) في "السنن" رقم (2509). =

وزاد (¬1): "لَا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَعرَ، وَلكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ". "قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة" في الأجر. "قالوا: بلى" إنما قدم لهم الاستفهام، ليكون ما يذكره أوقع في قلوبهم ويتشوقون إلى ما بعده، ويطلبونه الإخبار، فيكونون أشد إصغاءً إليه. "قال: صلاح ذات البين" في "الكشاف" (¬2) في تفسير قوله تعالى: {وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ} (¬3) فإن قلت: ما حقيقة قوله: (ذات بينكم) قلتُ: يعني ما بينكم من الأحوال، حتى تكون أحوال (أُلفة) ومحبة واتفاق، كقوله: {بِذَاتِ الصُّدُورِ (119)} (¬4) وهي مضمراتها، لما كانت الأحوال ملابسة للبين [190 ب] قيل لها ذات البين، كقولهم: اسقني ذا إناؤك، يريدون ما في الإناء من الشراب. انتهى. "فإن فساد ذات البين هي الحالقة" قال ابن الأثير (¬5): الخصلة التي من شأنها أنها تحلق، أراد أنها خصلة سوء، تذهب الدين كما يذهب الموسى الشعر. انتهى. ¬

_ = وأخرجه أحمد (6/ 445)، والبخاري في "الأدب المفرد" رقم (391)، وابن حبان رقم (5092)، والطبراني في "مكارم الأخلاق" (75)، والبيهقي في "شعب الإيمان" رقم (11088)، وفي "الآداب" رقم (117)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (3538). وهو حديث صحيح. (¬1) أي: الترمذي في "السنن" رقم (2510)، وهو حديث حسن. (¬2) (2/ 552) (¬3) سورة الأنفال الآية: (1). (¬4) سورة آل عمران الآية: (119). (¬5) في "غريب الجامع" (6/ 668).

وتأتي رواية الترمذي: أن المراد حلق الدين، ولا ريب أن التعادي والتباغض ينشأ عنه كل فساد في الدين والدنيا. قوله: "أخرجه أبو داود والترمذي وصححه". قوله: "وزاد (¬1): لا أقول تحلق الشعر" لفظ الجامع (¬2): "ويروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "هي الحالقة، لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين" انتهى. ولما كان المعروف إنما هو حلق الشعر بيّن - صلى الله عليه وسلم - أنه أراد غيره، وأنه استعارة من حلق الشعر الذي هو استئصاله إلى حلق الدين. الخامس: حديث ابن عمر. 5 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: خَطَبَنَا عُمَرُ - رضي الله عنه - بِالجَابِيَةِ، فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ! إِنِّي قُمْتُ فِيكُمْ كَقِيَامِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فِينَا، قَالَ: "أُوصِيكُمْ بِأَصْحَابِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَفْشُو الكَذِبُ حَتَّى يَحْلِفَ الرَّجُلُ وَلَا يُسْتَحْلَفُ، وَيَشْهَدَ الشَّاهِدُ وَلَا يُسْتَشْهَدُ. أَلا لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ، عَلَيْكُمْ بِالَجَماعَة، وَإِيَّاكُمْ وَالفُرْقَةَ؛ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الوَاحِدِ وَهُوَ مِنْ الِاثْنينِ أَبْعَدُ، مَنْ أَرَادَ بُحْبُوحَةَ الجَنَّةِ فَلْيَلْزَمْ الجَمَاعَةَ. مَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئتُهُ فَذَلِكُمْ المُؤْمِنُ". أخرجه الترمذي (¬3) وصححه. [صحيح] "قال: خطبنا عمر" أيام خلافته. "بالجابية" (¬4) بالجيم وموحدة بعد الألف فمثناة تحتية، موضع قريب دمشق، وفيها باب يسمى باب الجابية. ¬

_ (¬1) أي: الترمذي في "السنن" رقم (2510). (¬2) (6/ 669). (¬3) في "السنن" رقم (2165). وأخرجه أحمد (1/ 18)، والحاكم (1/ 114)، وهو حديث صحيح. (¬4) انظر: "معجم البلدان" (2/ 91).

"فقال: يا أيها الناس" كأن المراد بعد حمده لله كما هو عادة الرسول - صلى الله عليه وسلم - في خطبه. "قمت" أي: خطيباً. "فيكم كقيام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " خطيباً. "فينا". "قال" أي: رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. "أوصيكم بأصحابي" إن قلتَ: المخاطبون هم أصحابه الموصى بهم، قلتُ: نعم، فيكون المراد: أوصيكم في بعضكم البعض، ولأن خطابه وإن كان للسامعين فحكمه شامل للعالمين، أو المراد وصية خاصة وهي في قبول رواياتهم كما يدل له ما يأتي. "ثم الذين يلونهم" وهم التابعون. "ثم يفشو الكذب" يكثر، وإذا فشا الكذب، فلا تقبل رواية راوٍ إلا بعد معرفة شروط [191 ب] قبولها. "حتى يحلف الرجل ولا يستحلف" لا يطلب منه اليمين بل يتبرع بها، والمراد اليمين التي يقتطع بها حق، لا ما يجري في المحاورات ونحوها، يدل له قرنها بقوله: "ويشهد" يؤدي الشهادة قبل أن تطلب. "ولا يستشهد". "ألا لا يخلون رجل (¬1) بامرأة" أجنبية. "إلا كان ثالثهما الشيطان" يوسوس لكل منهما بالأمر المحظور، فربما أوقعها فيه، فنهى عن الخلوة سداً للذريعة (¬2). "عليكم بالجماعة" وهم أتباع الحق حيث كانوا. "وإياكم والفرقة" المخالفة للجماعة. "فإن الشيطان مع الواحد" يضله ويغويه ويَعِدُه ويُمنيه. "وهو من الاثنين أبعد" فكيف من كان مع الجماعة. ¬

_ (¬1) تقدم بيانه. (¬2) انظر: "تحفة المحتاج شرح المنهاج" (9/ 20 - 21)، "البناية في شرح الهداية" (11/ 146 - 147).

"من أراد بحبوحة الجنة" وسطها وخيارها. "فليلزم الجماعة" فإن الحق معهم. "من سرته حسنته" إذا فعلها لأجل أن الله أمر بها ويحبها. "وساءته سيئته" التي ارتكبها وندم على فعله لها. "فذلكم المؤمن" لأنه صدَّق الرسل، وعَلِمَ أن الحسنة حسنة فأحبها، وأن السيئة سيئة فكرهها، وندم على إتيانه لها. قوله: "أخرجه الترمذي وصححه". قلت: قال (¬1): حسن صحيح غريب. السادس: حديث أبي موسى - رضي الله عنه -. 6 - وعن أبي موسى - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا مَرَّ أَحَدُكُمْ في مَجْلِسٍ أَوْ سُوقٍ وَفي بِيَدهِ نَبْلٌ فَلْيَأْخُذْ بِنِصَالهِا لاَ يَخْدِشُ بِهَا مُسْلِماً. قَالَ أَبُو مُوسَى - رضي الله عنه -: وَالله مَا مُتْنَا حَتَّى سَدَّدْنَاهَا بَعْضُنَا فِي وُجُوهِ بَعْضٍ". أخرجه الشيخان (¬2) وأبو داود (¬3). [صحيح] "التسديد" التصويب. "قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إذا مر أحدكم في مجلس أو سوق وفي يده نبل" السهام. "فليأخذ بنصالها" التي يحفظها عن السقوط. "لا يخدش" (¬4) يصيب. "بها مسلماً" تسقط عليه عند مروره بها. "قال أبو موسى: والله ما متنا حتى سددناها" رميناها. ¬

_ (¬1) في "السنن" (4/ 466). (¬2) البخاري في "صحيحه" (452، 7075)، ومسلم رقم (123/ 2615). (¬3) في "السنن" رقم (2587). (¬4) انظر: "فتح الباري" (1/ 547).

"بعضنا في وجوه بعض" يشير إلى ما وقع بين المسلمين بعده - صلى الله عليه وسلم - من الفرقة والجراءة. قوله: "أخرجه الشيخان وأبو داود". السابع: حديث جابر - رضي الله عنه -. 7 - وعن جابر - رضي الله عنه - قال: "نَهَى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُتَعَاطَى السَّيْفُ مَسْلُولاً". أخرجه أبو داود (¬1) والترمذي (¬2). [صحيح] "التعاطي" (¬3) الأخذ والعطاء، والمراد عدم شهْره بين الناس. "قال: نهى [192 ب] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يتعاطى" يعطي بعضنا بعضاً. "السيف مسلولاً" لئلا يقع من اليد مسلولاً فيعقر أحداً. قوله: "أخرجه أبو داود والترمذي". قلت: أخرجه (¬4) من طريقين، قال في أحدهما حسن. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (2588). (¬2) في "السنن" رقم (2163)، وهو حديث صحيح. (¬3) انظر: "النهاية" (2/ 224). (¬4) أي: الترمذي في "السنن" رقم (2163)، وقال: وفي الباب عن أبي بكرة. وهذا حديث حسن غريب من حديث حمّاد بن سلمة. وروى ابن لهيعة الحديث عن أبي الزبير عن جابر عن بنَّةَ الجُهني عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وحديث حمّاد ابن سلمة عندي أصح.

كتاب الصداق

كتاب الصداق وفيه فصلان قوله: "كتاب الصِدَاق" هو بكسر الصاد المهملة وفتحها كما في "القاموس" (¬1) أنه ككتاب وسحاب، مهر المرأة ومنه قوله تعالى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ} (¬2). الفصل الأول: في مقداره قوله: "الأول في مقداره" ذكر فيه ثمانية أحاديث. الأول: حديث سهل بن سعد - رضي الله عنه -. 1 - عن سهل بن سعد - رضي الله عنه - قال: جَاءَتْ امْرَأَةً إلى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ الله! جِئْتُ أَهَبُ نَفْسِي لَكَ. فَنَظَرَ إِلَيْهَا فَصَعَّدَ النَّظَرَ فِيهَا وَصَوَّبَهُ وَطأْطأَ رَأْسَهُ. فَلمَّا رَأَتْ المَرْأَةُ أنَّهُ لَمْ يَقْضِ فِيهَا شَيْئًا جَلَسَتْ. فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله! إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكَ بِهَا حَاجَةٌ فزَوِّجْنِيهَا، فَقَالَ: "هَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ؟ " فَقَالَ: لَا وَالله يَا رَسُولَ الله. فَقَالَ: "اذْهَبْ إِلَى أَهْلِكَ فَانْظُرْ هَلْ تَجِدْ شَيْئًا؟ فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: لَا وَالله يَا رَسُولَ الله، مَا وَجَدْتُ شَيْئًا. فَقَالَ: "انْظُرْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ" فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: لَا وَالله يَا رَسُولَ الله وَلَا خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ. وَلَكِنْ هَذَا إِزَارِي. قَالَ سَهْلٌ: مَا لَهُ رِدَاءٌ, فَلَهَا نِصْفُهُ. فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: "مَا تَصْنَعُ بِإِزَارِكَ إِنْ لَبِسْتهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا مِنْهُ شَيءٌ، وَإِنْ لَبِسَتْهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ مِنْهُ شَيْءٌ. فَجَلَسَ الرَّجُلُ حَتَّى طَالَ مَجْلِسُهُ قَامَ فَرَآهُ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - مُوَلِّيًا فَأَمَرَ بِهِ فَدُعِيَ، فَقَالَ: "مَاذَا مَعَكَ مِنْ القُرْآنِ؟ " قَالَ: مَعِي سُورَةُ كَذَا وَكَذَا، عَدَّدَهَا. فَقَالَ: "تَقْرَؤُهُنَّ عَنْ ظَهْرِ قَلْبِكَ؟ " قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: "اذْهَبْ فَقَدْ مَلَّكْتُكَهَا". ¬

_ (¬1) "القاموس المحيط" (ص 1162). (¬2) سورة النساء الآية: 4.

وفي رواية: "أَنْكَحْتُكَهَا بِمَا مَعَك مِنْ القُرْآنِ". أخرجه الستة (¬1). [صحيح] "قال: جاءت امرأة" قال في "الفتح" (¬2): لم أقف على اسمها. "إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله! جئت أهب نفسي لك" أي: أمر نفسي؛ لأن الحر لا تملك رقبته. "فنظر إليها فصعّد النظر إليها وصوّبه" في "النهاية" (¬3) صعد في النظر وصوّبه أي: نظر إليّ أعلاي وأسفلي، وتأملني. وهو دليل على جواز النظر إلى من يراد نكاحها. وقال الحافظ ابن حجر (¬4) ما لفظه: تحرر عندي أنه كان لا يحرم عليه - صلى الله عليه وسلم - النظر إلى المؤمنات الأجنبيات بخلاف غيره. "فطأطأ رأسه، فلما رأت" المرأة "أنه" - صلى الله عليه وسلم -. "لم يقض فيها شيئاً جلست، فقام رجل" قال في "الفتح" (¬5): أيضاً لم أقف على اسمه. "فقال: يا رسول الله! إن لم يكن لك بها حاجة فزوجنيها، فقال: هل عندك من شيء؟ " تجعله صداقاً. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (2310)، (5135)، ومسلم رقم (77/ 1425)، وأبو داود رقم (2111)، والترمذي رقم (1114)، والنسائي (6/ 113)، ومالك في "الموطأ" (2/ 526). (¬2) (9/ 206). (¬3) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 31). وانظر: "المجموع المغيث" (2/ 270). (¬4) في "فتح الباري" (9/ 210). (¬5) (9/ 207) ووقع في رواية للطبراني في "المعجم الكبير" (ج 6 رقم 5561)، فقام رجل أحسبُه من الأنصار.

"قال: لا يا رسول الله! قال: اذهب إلى أهلك فانظر هل تجد شيئاً، فذهب ثم رجع فقال: لا والله يا رسول الله! ما وجدت شيئاً. قال: انظر ولو خاتماً (¬1) من حديد" أي: ولو نظرت خاتماً. "فذهب ثم رجع فقال: لا والله يا رسول الله! ولا نظرت خاتماً مَن حديد، ولكن هذا إزاري. قال سهل: ما له رداء فلها [193 ب] نصفه" ليس عليه غير إزاره. "فقال - صلى الله عليه وسلم -: ما تصنع" أي: المرأة. "بإزارك إن لَبِسْتَه" أي: أنت. "لم يكن عليها منه شيء، كان لَبِسَتْه" أي: المرأة "لم يكن عليك منه شيء" ولا يمكن قسمته بينهما. "فجلس الرجل، حتى إذا طال مجلسه قام" من مجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. "فلما رآه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مولياً فأمر به فدعي فقال: ماذا معك من القرآن؟ فقال: معي سورة كذا وكذا عدّدها" في رواية أبي داود (¬2): "سورة البقرة والتي تليها"، وللدارقطني (¬3): "سورة من البقرة وسورة من المفصل"، ولأبي الشيخ (¬4): "إنا أعطيناك الكوثر". ¬

_ (¬1) في رواية: ولو خاتم، بالرفع على تقدير ما حصل. أخرجها الطبراني في "الكبير" (ج 6 رقم 5951)، والدارقطني (3/ 250 رقم 24)، ولو في قوله: "ولو خاتماً" تقليلية. وانظر: "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (4/ 580)، "فتح الباري" (9/ 207). (¬2) في "السنن" رقم (2112). وأخرجها النسائي في "السنن الكبرى" رقم (5506 - العلمية). قال المنذري: وفي إسناده عسل بن سفيان، وهو ضعيف. وهو حديث ضعيف، والله أعلم. (¬3) في "السنن" (3/ 249 - 250 رقم 23)، من حديث ابن مسعود. (¬4) ذكره الحافظ في "الفتح" (9/ 209) من حديث جابر.

"فقال: تقرؤها عن ظهر قلبك. قال: نعم. قال: اذهب فقد ملكتكها". وفي رواية (¬1): "أنكحتكها بما معك من القرآن" أخرجه الستة. وفي رواية أبي داود (¬2) عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: "قُمْ فَعَلِّمْهَا عِشْرِينَ آيَةً وَهِيَ امْرَأَتُكَ". "وفي رواية لأبي داود (¬3): عن أبي هريرة" بلفظ: "قم فعلمها عشرين آية وهي امرأتك". - وفي أخرى له (¬4) عن جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَعْطَى في صَدَاقِ امْرَأَةٍ مِلْءَ كَفِّهِ سَوِيقًا أَوْ تَمْرًا فَقَدْ اسْتَحَلَّ". [ضعيف] "وفي رواية له" أي: أبي داود. "عن جابر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من أعطى في صداق امرأته ملء كفه سويقاً أو تمراً فقد استحل". الحديث جليل فيه عدة فوائد شرعية تتبعها ابن التين (¬5)، وقال: هذه إحدى وعشرون فائدة، بوّب البخاري (¬6) على أكثرها. قلت: قد أتينا بالكثير منها في شرحنا "سبل السلام (¬7) على بلوغ المرام"، ولنأت هنا بشيء من ذلك. ¬

_ (¬1) أخرجها البخاري في "صحيحه" رقم (5149). (¬2) أخرجه أبو داود في "السنن" رقم (2112)، والنسائي في "الكبرى" رقم (5506) وقد تقدم. (¬3) في "السنن" رقم (2111)، وهو حديث ضعيف. وقد تقدم. (¬4) أي: لأبي داود في "السنن" رقم (2110)، وهو حديث ضعيف. (¬5) ذكره الحافظ في "الفتح" (9/ 216). (¬6) قال الحافظ في "الفتح" (9/ 216)، وقد فصلت ما ترجم به البخاري من غيره، ومن تأمل ما جمعته هنا علم أنه يزيد على ما ذكره مقدار ما ذكر أو أكثر. (¬7) (6/ 103 - وما بعدها).

منها: جواز عرض المرأة نفسها على أهل الصلاح. ومنها: جواز النظر من الرجل إلى الأجنبية يريد التزوج بها وإن لم يكن خاطباً. ومنها: ولاية الإمام على إنكاح المرأة التي لا ولي لها إذا أتت، إلا أن في بعض ألفاظ الحديث: "أنها فوضت أمرها إليه" وذلك توكيل (¬1). ومنها: أنه يعقد للمرأة من غير سؤال عن وليها هل موجود أو لا؟ حاضر أو لا؟ ولا سؤالها: هل هي في عصمة زوج أو لا؟ وإلى هذا ذهب جماعهَ حملاً على ظاهر الرواية، وذهبت الهادوية (¬2) إلى تحليف الغريبة احتياطاً. [194 ب]. ومنها: أن الهبة لا تثبت إلا بالقبول. ومنها: أنه لا بد من الصداق (¬3) في النكاح، وأنه يصح أن يكون شيئاً يسيراً، فإن قوله: "ولو خاتماً من حديد" مبالغة في تقليله فيصح بكل ما تراضى عليه الزوجان، أو من إليه ولاية العقد فيما فيه منفعة، وضابطه: أن كل ما يصح أن يكون قيمة وثمناً لشيء صح أن يكون مهراً. ونقل القاضي عياض (¬4) الإجماع على أنه لا يصح أن يكون من ما لا قيمة له. وقال ابن حزم (¬5): يصح بكل ما يسمى شيئاً ولو حبة شعير، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "هل تجد شيئاً". ¬

_ (¬1) انظر: "الفتح" (9/ 212). (¬2) انظر: "البحر الزخار" (3/ 120 - 121). (¬3) انظر: "بدائع الصنائع" (2/ 276، 277). "مدونة الفقه المالكي وأدلته" (2/ 590 - 591)، "البيان" للعمراني (9/ 374). (¬4) في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (4/ 580، 584). (¬5) في "المحلى" (9/ 494 - 495).

ورُدَّ (¬1) بأن قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ولو خاتماً من حديد" ورد مبالغة في التقليل وله قيمة، ولأن قوله - صلى الله عليه وسلم -: "من استطاع منكم الباءة، ومن لم يستطع ... " الحديث (¬2)، دليل على أنه لا يستطيعه كل أحد، وحبة الشعير مستطاعة لكل أحد، وكذلك قوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا} (¬3) وقوله: {أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} (¬4) دال على اعتبار المالية في الصداق. والحق أنه يصح بكل ما له قيمة وإن تحقرت، والأحاديث والآية يحتمل أنها خرجت مخرج الغالب، وأنه لا يقع الرضا من الزوجة إلا بما له قيمة وصورة. ومنها: أنه ينبغي ذكر الصداق في العقد؛ لأنه أقطع للنزاع وأنفع للمرأة ولو لم يذكر صح العقد، ولزم بالدخول للمرأة صداق مثلها. ومنها: أنه يجوز الحلف وإن لم يكن عليه يمين. ومنها: أنها لا تجب الخطبة في العقد، والظاهرية (¬5) تقول بوجوبها. ومنها: أنه يصح أن يكون المهر منفعة؛ كالتعليم، فإنه منفعة ويقاس عليه غيره. ¬

_ (¬1) انظر: "فتح الباري" (9/ 209). (¬2) وهو حديث صحيح. أخرجه أحمد (1/ 425، 424، 432)، والبخاري رقم (5066)، ومسلم رقم (1/ 1400)، وأبو داود رقم (2046)، والترمذي رقم (1081)، والنسائي رقم (3209)، وابن ماجه رقم (1845) من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه -. (¬3) سورة النساء الآية: 25. (¬4) سورة النساء الآية: 24. (¬5) في "المحلى" (9/ 500 - 501).

ومنها: قوله: "بما معك من القرآن" يحتمل وجهين كما قاله القاضي عياض (¬1)، أظهرهما أن يعلمها القرآن أو قدراً معيناً منه، كما في رواية (¬2): "عشرين آية" وأن الفاء للتعليل، أي: لأجل ما معك من القرآن إكراماً له، وهذا بعيد. ومنها: أن النكاح ينعقد بلفظ [195 ب] التمليك، وهو مذهب الهادوية (¬3) والحنفية (¬4) إلا أنها قد اختلفت الألفاظ، في رواية بالتمكين، وفي أخرى بالتزويج. قال ابن دقيق العيد (¬5): هذه لفظة واحدة في قصة واحدة، اختلفت مع اتحاد مخرج الحديث، والظاهر أن الواقع منه - صلى الله عليه وسلم - لفظ واحد، فالمرجع في هذا إلى الترجيح، وقد روى (¬6) عن الدارقطني: أن الصواب رواية من روى: "قد زوجتكها" فإنهم أكثر وأحفظ. قيل: ويؤيده أنه على وفق قول الخاطب: "زوجنيها" وقد أطلنا الكلام على الحديث في "سبل السلام" (¬7). وقوله: "وفي رواية له" أي: لأبي داود (¬8). "عن جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من أعطى في صداق امرأتهُ ملء كف سويقاً أو تمر فقد استحل" أي: صار فرجها له حلالاً، وهو من أدلة جواز حقارة الصداق. ¬

_ (¬1) في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (4/ 584). (¬2) تقدم وهو حديث ضعيف. (¬3) انظر: "البحر الزخار" (3/ 109 - 110). (¬4) "البناية في شرح الهداية" (3/ 682)، و"بدائع الصنائع" (2/ 277). (¬5) في "إحكام الأحكام" (ص 787). (¬6) قاله القاضي عياض في "إكمال المعلم" (4/ 583)، والقرطبي في "المفهم" (4/ 132). (¬7) (6/ 103 - 117). (¬8) في "السنن" رقم (2110)، وهو حديث ضعيف.

الثاني: حديث عبد الله بن عامر عن أبيه. 2 - وعن عبد الله بن عامر عن أبيه: أَنَّ امْرَأَةً مِنْ بَنِي فزَارَةَ تَزَوَّجَتْ عَلَى نَعْلَيْنِ. فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَرَضِيتِ مِنْ نَفْسِكِ وَمَالِكِ بِنَعْلَيْنِ؟ " قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: فَأَجَازَهُ النَّبي - صلى الله عليه وسلم -. أخرجه الترمذي (¬1) وصححه. [ضعيف] "أن امرأة من فزارة تزوجت على نعلين" صداقاً لنكاحها، وكأنه بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. "فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لها: أرضيت من نفسك ومالك بنعلين؟ قالت: نعم. فأجازه" أي: نكاحها "النبي - صلى الله عليه وسلم - ". ذكر المال دليل على أن المرأة لا تنفق من مالها إلا بإذن زوجها (¬2)، كما ورد في حديث آخر، لا أنه يملك الزوج مالها بزواجها. قوله: "أخرجه الترمذي وصححه". قلت: قال (¬3): حسن صحيح، قال: واختلف أهل العلم في المهر، فقال بعضهم: المهر على ما تراضوا عليه، وهو قول سفيان الثوري وأحمد (¬4) والشافعي (¬5) وإسحاق. انتهى. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (1113) وقال: حديث حسن صحيح. وأخرجه أحمد (3/ 445)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (4/ 186 - 187)، وأبو يعلى رقم (7197)، وابن عدي في "الكامل" (5/ 1868)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (7/ 238 - 239)، وقال ابن أبي حاتم في "العلل" (1/ 424): سألت أبي عن عاصم بن عبيد الله، فقال: منكر الحديث. يقال: إنه ليس له حديث يعتمد عليه قلت: ما أنكروا عليه؟ قال: روى عن عبد الله بن عامر بن ربيعة، عن أبيه أن رجلاً تزوج امرأة على نعلين، فأجازه النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو منكر. وهو حديث ضعيف. والله أعلم. (¬2) تقدم تفصيله. (¬3) في "السنن" (3/ 421). (¬4) انظر: "المغني" (10/ 99 - 101). (¬5) "البيان" للعمراني (9/ 369).

الثالث: حديث أنس - رضي الله عنه -. 3 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: "تَزَوَّجَ أَبُو طَلْحَةَ أُمَّ سُلَيْمٍ - رضي الله عنها - كَانَ صِدَاقُ مَا بَيْنَهُمَا الإِسْلَامَ. أَسْلَمَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ قَبْلَ أَبِي طَلْحَةَ فَخَطَبَهَا، فَقَالَتْ: إِنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ، فَإِنْ أَسْلَمْتَ نَكَحْتُكَ. فَأَسْلَمَ، فكَانَ صِدَاقَ مَا بَيْنَهُمَا الإِسْلَامَ". أخرجه النسائي (¬1). [صحيح] "قال: تزوج أبو طلحة" اسمه زيد بن سهل صحابي جليل. "أم سليم" بالمهملة مصغر، واسمها سهلة أو مليكة، وقيل غيرهما، وتسمى (¬2) الغميصاء والرميصاء [196 ب] اشتهرت بكنيتها، وكانت من الصحابيات الفاضلات وهي أم أنس بن مالك فكان صداق ما بينهما الإسلام، بيّن ذلك بقوله: "أسلمت أم سليم قبل أبي طلحة فخطبها فقالت: إني قد أسلمت، فإن أسلمت نكحتك، فأسلم فكان صداق ما بينهما الإسلام" فيه دليل على صحة الصداق بما تراضى عليه الزوجان، وتقدم فيه الكلام. قوله: "أخرجه النسائي". الرابع: 4 - وعن أبي العَجْفَاءِ السُّلميِّ قال: خَطَبَ عُمَرُ - رضي الله عنه - يَوْمَاً فَقَالَ: ألاَ لَا تُغَالُوا في صَدُقَاتِ النِّسَاءِ، فَإِنَّ ذلِكَ لَوْ كَانَ مَكْرُمَةً فِي الدُّنْيَا وَتَقْوًى عِنْدَ الله في الآخِرَةِ كَانَ أَوْلَاكُمْ به رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، مَا أَصْدَقَ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِ وَلَا أُصْدِقَتْ امْرَأَةٌ مِنْ بَنَاتِهِ أَكْثَرَ مِنْ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً. أخرجه أصحاب السنن (¬3). [صحيح] ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (3340)، (3341)، وهو حديث صحيح. (¬2) قاله ابن الأثير في "تتمة جامع الأصول" (1/ 489 - 490 - قسم التراجم). (¬3) أخرجه أبو داود رقم (2106)، والترمذي رقم (1114)، والنسائي رقم (3349)، وابن ماجه رقم (1887). =

حديث "أبي العَجْفاء" (¬1) هو بفتح المهملة فجيم ساكنة ففاء، السلمي البصري، قيل: اسمه هرم بن نسيب بفتح النون، وكسر المهملة تم مثناة تحتية، وقيل: هو اسمه [واسم أبي هرم] (¬2) "قال: خطب عمر - رضي الله عنه - يوماً فقال: ألا لا تغالوا في صدقات النساء، فإن ذلك لو كان مكرمة في الدنيا وتقوى عند الله في الآخرة كان أولاكم به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" ثم بين لهم القدر الذي لا يعد مغالاة: "ما أصدق امرأة من نسائه ولا أُصدقت امرأة من بناته أكثر من اثني عشر أوقية". قلت: ولكن الأوقية (¬3) كانت أربعين درهماً، كما صرّح به حديث الصدقة، وأنها تلزم من ملك خمس أواقي، وفي لفظ: "من ملك مائتي درهم" ويأتي في الحديث التالي زيادة: النَّش. ¬

_ = وأخرجه أحمد (1/ 40، 41)، وابن حبان رقم (1259 - موارد)، والدارمي (2/ 141)، والحاكم (2/ 175) والبيهقي (7/ 234)، والحميدي رقم (23)، من طرق. وهو حديث صحيح، والله أعلم. (¬1) وثقه ابن معين وابن حبان، وقال البخاري: في حديثه نظر: وقال أبو أحمد الكرابيسي: حديث ليس بالقائم. انظر: "الثقات" لابن حبان (5/ 514) و"الميزان" (4/ 550). "تهذيب الكمال" للمزي (34/ 78 رقم الترجمة 7510). (¬2) كذا في "المخطوط" هذه العبارة لم أجدها في "تتمة جامع الأصول" (2/ 744 - قسم التراجم). (¬3) انظر: "المغني" (10/ 100)، "البيان" للعمراني (9/ 371). الأوقية = 40 درهماً بالإجماع. مع العلم أن الدرهم = 48 حبة. والحبة = 486. و. غرام. إذاً الدرهم = 3328. 2 غراماً فالوقية = 93.312 غراماً. =

قوله: "أخرجه أصحاب السنن". الخامس: حديث عائشة - رضي الله عنها -. 5 - وعن عائشة - رضي الله عنها - وسئلت: كم كان صداقُ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - لِأزْوَاجِهِ؟ قالَتْ: ثِنْتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّة وَنَشًّا، أَتَدْرِي مَا النَّشُّ؟ قُلْتُ: لَا. قَالَتْ: نِصْفُ أُوقِيَّةٍ، فَذلِكَ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ. أخرجه مسلم (¬1) وأبو داود (¬2) والنسائي (¬3). [صحيح] قوله: "وسئلت" لم يذكر السائل لها (¬4). "كم كان صداق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأزواجه؟ قالت: ثنتي عشرة أوقية ونشاً" بفتح النون فشين معجمة مشددة. "قالت: أتدري ما النش" كأنه لغة قليلة ما كل أحد يعرفها. "قالت: نصف أوقية فذلك" أي: مجموع الصداق. "خمسمائة درهم" لما عرفت من أنَّ كل أوقية أربعين درهماً. قوله: "أخرجه مسلم وأبو داود [197 ب] والنسائي". السادس: حديث أنس - رضي الله عنه -. 6 - وعن أنس - رضي الله عنه -: "أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - أَعْتَقَ صَفِيَّةَ - رضي الله عنها - وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا". ¬

_ = انظر: "الإيضاحات العصرية" (ص 155). (¬1) في "صحيحه" رقم (78/ 1426). (¬2) في "السنن" رقم (2105). (¬3) في "السنن" رقم (3348). وأخرجه أحمد (6/ 94)، ابن ماجه رقم (1886)، وهو حديث صحيح. (¬4) هو أبو سلمة.

أخرجه الخمسة (¬1). [صحيح] قوله: "أعتق صفية" هي بنت حيي بن أخطب اصطفاها - صلى الله عليه وسلم - من سبي خيبر، فكانت مملوكة له فأعتقها. "وجعل عتقها صداقها" اختلف العلماء (¬2) في ذلك، فقيل: أنه - صلى الله عليه وسلم - أعتقها تبرعاً بلا عوض ولا شرط، ثم تزوجها برضاها بلا صداق، ونُسب هذا إلى المحققين من الجمهور (¬3). قالوا (¬4): وهذا من خصائصه - صلى الله عليه وسلم - أنه يجوز له النكاح بلا صداق حالاً ومالاً بخلاف غيره، وقيل: معناه شرط عليها أن يعتقها ويتزوجها فقبلت فلزمها الوفاء به، وقيل: أعتقها وتزوجها على قيمتها وكانت مملوكة له. قالوا: ولا يجوز هذا ولا الذي قبله لغيره - صلى الله عليه وسلم -. قلت: ظاهر قول أنس أنه جعل - صلى الله عليه وسلم - العتق نفس الصداق، وأي مانع عنه، فإنها مملوكة فهي مال له ولذا يبيعها، فجعل هذا المال لها إلى مقابل نكاحها، وبسطنا القول فيه في حواشي "ضوء النهار" (¬5). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (5169، 5086)، ومسلم رقم (84/ 1365)، وأبو داود رقم (2054)، والنسائي رقم (3343)، وابن ماجه رقم (1957). وهو حديث صحيح. (¬2) قال النووي في "شرح صحيح مسلم" (9/ 221 - 222): (... وأصحها وبه قال جمهور أصحابنا - أي الشافعية - ولا يصح الصداق بل يصح النكاح، ويجب لها مهر المثل. وقال سعيد بن المسيب، والحسن، والنخغي، والزهري، والثوري، والأوزاعي، وأبو يونس، وأحمد، وإسحاق: يجوز أن يعتقها على أن تتزوج به ويكون عتقها صداقها، ويلزمها ذلك ويصح الصداق على ظاهر لفظ هذا الحديث). اهـ. (¬3) انظر "فتح الباري" (9/ 229)، "عيون المجالس" (3/ 1054 رقم 748)، "بدائع الصنائع" (2/ 242). (¬4) انظر: "فتح الباري" (9/ 129). (¬5) (4/ 169 - 170 - مع الضوء) بتحقيقي.

قوله: "أخرجه الخمسة". السابع: حديث أنس أيضاً. 7 - وعنه - رضي الله عنه - قال: لمَّا قَدِمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ - رضي الله عنه - آخَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ الأَنْصَارِيِّ، وَعِنْدَ الأَنْصَارِيِّ امْرَأَتَانِ فَعَرَضَ عَلَيْهِ أَنْ يُنَاصِفَهُ أَهْلَهُ وَمَالَهُ. فَقَالَ لَهُ: بَارَكَ الله لَكَ فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ، دُلُّونِي عَلَى السُّوقِ. فَأَتَى السُّوقَ فَرَبِحَ شَيْئًا مِنْ أَقِطٍ وَسَمْنٍ. فَرَآهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بَعْدَ أَيَّامٍ وَعَلَيْهِ وَضرٌ مِنْ صُفْرةٍ, فَقَالَ: "مَهْيَمْ يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ؟ " فَقَالَ: تَزَوَّجْتُ أَنْصَارِيَّةً. قَالَ: "فَمَا سُقْتَ إِلَيْهَا؟ " قَالَ: وَزْنَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ، قَالَ: أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ". أخرجه الستة (¬1). وزاد في رواية: بعد قوله: "منْ ذَهَبٍ قَالَ: فَبَارَكَ الله لَكَ". "الوَضَرُ" (¬2) هنا أثر من خُلوف أو طِيب. "وَمَهْيَمْ" (¬3) كلمة يمانية بمعنى ما أمرك وما شأنك. "وَالنَّوَاةُ" (¬4) اسم لما وزنُهُ خمسةُ دَرَاهِمَ كَمَا سموا الأربعين أوقية والعشرين نشاً. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (5153)، ومسلم رقم (79/ 1437)، وأبو داود رقم (2109)، والترمذي رقم (1094)، والنسائي رقم (3351)، وابن ماجه رقم (1907). وهو حديث صحيح. (¬2) قال ابن الأثير في "النهاية" (2/ 857) أي: لطخاً من خلوق، أو طيب له لون، وذلك من فعل العروس إذا دخل على زوجته. والوضَر: الأثر من غير الطيب. انظر: "الفائق" للزمخشري (4/ 65). (¬3) انظر: "النهاية" (2/ 693). "غريب الحديث" للخطابي (1/ 206). (¬4) انظر: "الإيضاحات العصرية" (ص 184). "مقاييس اللغة" (ص 966)، "تهذيب اللغة" (15/ 557).

قوله: "لما قدم عبد الرحمن بن عوف" أحد العشرة، والمراد: قدم من مكة. "المدينة" مهاجراً. "آخى" من المؤاخاة، وهو جعل كل واحد أخاً للآخر. "النبي - صلى الله عليه وسلم - بينه وبين سعد بن الربيع الأنصاري" فإنه - صلى الله عليه وسلم - آخى بين المهاجرين والأنصار، وآخى أيضاً بين المهاجرين بعضهم مع بعض. "وعند الأنصاري امرأتان" زوجتان. "فعرض الأنصاري عليه" على عبد الرحمن. "أن يناصفه أهله وماله" أي: يجعل له نصف ما لديه من كل شيء. "فقال" عبد الرحمن. "له: بارك الله لك في أهلك ومالك" ولم يقبل منه ذلك. ثم قال ابن عوف. [198 ب]. "دلوني على السوق" يريد التجارة فيه. "فأتى السوق فربح فيه شيئاً من أقط" في "القاموس" (¬1): الأقط مثلثة وتحرك وككتف ورجلٍ وإبلٍ: شيء يتخذ من المخيض. "فرآه النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد أيام وعليه وضرٌ" في "القاموس" (¬2): الوضر محركة وذكر له معانياً، منها: من زعفران (¬3)، وهو المراد هنا كما دل له "من صفرة" وكأنه ذلك علق به من المرأة ولم يكن في جسده. والكراهة لمن تزعفر في بدنه أشد من الكراهة لمن تزعفر بدنه. "فقال مهيم" (¬4) بفتح الميم وسكون الهاء وفتح المثناة، كلمة استفهام، أي: ما حالك وما ¬

_ (¬1) "القاموس المحيط" (ص 850). (¬2) "القاموس المحيط" (ص 634). (¬3) قال الفيروز أبادي: واللطخ من الزعفران ونحوه. (¬4) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 693). "غريب الحديث" للخطابي (1/ 206).

شأنك، أو ما وراءك؟ أو: أحدث لك شيء. "يا عبد الرحمن! قال: تزوجت امرأة أنصارية، قال: فما سقت إليها" أي: من صداق. "قال: وزن نواة من ذهب" قيل: المراد نواة التمر (¬1)، وقيل: النواة من الذهب عبارة عن ما قيمته خمسة (¬2) دراهم من الورق. وجزم به الخطابي (¬3)، واختاره الأزهري (¬4)، ونقله القاضي (¬5) عياض وأكثر العلماء (¬6). "قال: أولم" الوليمة (¬7): طعام العرس أو كل طعام صنع لدعوة وغيرها، وأولم صنعها. "ولو بشاة" دليل على أنها تستحب الوليمة ولا تنقص من شاة، ولا حد لقدرها المجزي، بل على أي شيء أولم به من الطعام حصلت الوليمة، وأما وقتها؛ فقال القاضي عياض (¬8) عند مالك (¬9) وغيره استحبابها عند الدخول، واستحبها جماعة من المالكية عند ¬

_ (¬1) ورد بأن نوى التمر يختلف في الوزن فكيف يجعل معياراً لما يوزن به, "فتح الباري" (9/ 234). (¬2) قال الشافعي: النواة: ربع النشَّ، والنشّ: نصف أوقية, والأوقية, أربعون درهماً، فتكون النواة: خمسة دراهم. (¬3) في "معالم السنن" (2/ 584 - مع السنن). (¬4) في "تهذيب اللغة" (15/ 557). (¬5) في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (4/ 587). (¬6) انظر: "فتح الباري" (9/ 234). (¬7) قال الأزهري في "تهذيب اللغة" (15/ 406) الوليمة مشتقة من الولم وهو الجمع؛ لأنه الزوجين يجتمعان. وقال ابن الأعرابي: أصلها: تمام الشيء واجتماعه، وتقع على كل طعام يتخذ لسرور، وتستعمل في وليمة الأعراس بلا تقييد، وفي غيرها مع التقييد فيقال مثلاً: وليمة مأدبة. "لسان العرب" (12/ 643)، "فتح الباري" (9/ 241). (¬8) في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (4/ 588). (¬9) انظر: "التمهيد" (11/ 140 - 142) الفاروق.

العقد، وبعضهم عنده وعند الدخول، واختلف (¬1) السلف في تكريرها أكثر من يومين فكرهه طائفة دون طائفة. قوله: "أخرجه الستة". "وزاد في رواية بعد قوله: "من ذهب" قال: فبارك الله لك" وذكر المصنف (¬2) من تفسير ألفاظٍ فيه ما ذكرناه. الثامن: 8 - وعن أم حبيبة - رضي الله عنها -: أَنَّهَا كَانَتْ تَحْتَ عُبَيْدِ الله بْنِ جَحْشٍ، فَمَاتَ بِأَرْضِ الحَبَشَةِ، فزَوَّجَهَا النَّجَاشِيُّ - رحمه الله - النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَمْهَرَهَا عَنْهُ أَرْبَعَةَ آلَافٍ دِرْهَمٍ، وَبَعَثَ بِهَا إِلَيْهِ مَعَ شُرَحْبِيلَ ابْنِ حَسَنَةَ, وكَتَبَ بِذلِكَ إلى رسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَبِلَ. أخرجه أبو داود (¬3) والنسائي (¬4). [صحيح] حديث "أم حبيبة - رضي الله عنها -: أنها كانت تحت عبيد الله بن جحش" أي: زوجة له. "فمات بأرض الحبشة" لأنه هاجر مع المهاجرين إليها ولكنه تنصر هنالك. "فزوّجها النجاشي النَّبي - صلى الله عليه وسلم - " معناه: ساق النجاشي إليها المهر فأضيف التزويج إليه لوجود سببه منه، والذي عقد لها عقد النكاح خالد بن سعيد بن العاص، وهو ابن عم أبي ¬

_ (¬1) انظر: "فتح الباري" (9/ 230 - 231)، "المغني" (10/ 194 - 196)، "روضة الطالبين" (7/ 333). (¬2) انظر: "جامع الأصول" (7/ 13 - 14). (¬3) في "السنن" رقم (2107). (¬4) في "السنن" رقم (3350)، وفي "السنن الكبرى" رقم (5551 - العلمية). وأخرجه أحمد (7/ 427)، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" رقم (5061)، والطبراني في "الكبير" (ج 23 رقم 402)، والدارقطني (3/ 246)، والحاكم (2/ 181)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (7/ 139، 232)، وفي "الدلائل" (3/ 460). وهو حديث صحيح.

الفصل الثاني: في أحكامه

سفيان، وأبو سفيان إذ ذاك [199 ب] مشرك، وقيل: أنكحها عمرو بن أمية الضمري, لأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذلك، وقيل: الذي عقد لها عثمان بن عفان وكان بأرض الحبشة. "وأمهرها" أي: النجاشي. "عنه" عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. "أربعة آلاف درهم وبعث بها إليه مع شرحبيل بن حسنة" هي أمه على ما جزم به غير واحد، أسلم قديماً، وهاجر إلى الحبشة ثم إلى المدينة. "وكتب" النجاشي. "بذاك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقبل" أي: ما أصدق عنه النجاشي. "قوله: "أخرجه النسائي". الفصل الثاني: في أحكامه " الفصل الثاني" من فصلي كتاب الصداق، وفيه ثمانية أحاديث: الأول: حديث عقبة بن عامر - رضي الله عنه -: 1 - عن عقبة بن عامر - رضي الله عنه -: أَنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لِرَجُلٍ: "أَتَرْضَى أَنْ أُزَوِّجَكَ مِنْ فُلَانَةَ؟ " قَالَ: نَعَمْ، وَقَالَ لِلْمَرْأَةِ: أَتَرْضَيْنَ أَنْ أُزَوِّجَكِ مِنْ فُلاَنٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ. فزَوَّجَ أَحَدَهُمَا مِنْ صَاحِبَهُ. فَدَخَلَ بِهَا الرَّجُلُ وَلَمْ يَفْرِضْ لَهَا صَدَاقًا وَلَمْ يُعْطِهَا شَيْئًا، وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ الحُدَيْبِيَةَ، وَكَانَ لَهُ سَهْمٌ بِخَيْبَرَ. فَلمَّا حَضَرَتْهُ الوَفَاةُ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - زَوَّجَنِي فُلَانَةَ وَلَمْ أَفْرِضْ لَهَا صَدَاقًا وَلَمْ أُعْطِهَا شَيْئًا، وَإِنِّي أُشْهِدُكُمْ أَنَّي أَعْطَيْتُهَا مِنْ صَدَاقِهَا سَهْمِي بِخَيْبَرَ. فَأَخَذَتهُ فَبَاعَتْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ بِمائَةِ الفٍ. زاد أحد الرواة في أول هذا الحديث: قَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "خَيْرُ النِّكاحِ أيْسَرُهُ". أخرجه أبو داود (¬1). [صحيح] ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (2117). وأخرجه الحاكم (2/ 182)، وقال: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي. وهو حديث صحيح.

"أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لرجل" لم يسمه أحد فيما أعلم. "أترضى أن أزوجك من فلانة" لفظ أبي داود (¬1): "فلانة" من دون كلمة "من"، ولفظ ابن الأثير (¬2): لفظ المصنف في الإتيان بها، وفي "القاموس" (¬3): وتزوجت امرأة أو بها، وهذه قليلة. انتهى. "وقال للمرأة: أترضين أن أزوجك من فلان" لفظ السنن (¬4): "فلاناً" بدون "من" أيضاً، وكذلك لفظ "الجامع" (¬5) بدون "من". قوله: "فزوّج أحدهما من صاحبه" ليس كلمة (¬6) "من" في أبي داود ولا في "الجامع". قوله: "فدخل بها ولم يفرض صداقاً" أي: لم قد فرض كما يأتي. "ولم يعطها شيئاً" فيه أنه لا بد من رضا الرجل بالمرأة ورضاها به, وأنه يصح الدخول قبل فرض المهر. قوله: "وكان ممن شهد الحديبية" بالتخفيف وشُدِّد، وبعد هذا في "سنن أبي داود" (¬7) و"الجامع" (¬8): "وكان ممن شهد الحديبية له سهم بخيبر" فسقط من كلام المصنف. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (2117). (¬2) في "جامع الأصول" (7/ 15). (¬3) "القاموس المحيط" (ص 246). (¬4) في "السنن" رقم (2117). (¬5) في "الجامع" (7/ 15). (¬6) وهو كما قال الشارح. (¬7) في "السنن" رقم (2117). (¬8) (7/ 15).

قوله: "وكان له سهم بخيبر" لأن غنائم (¬1) خيبر كانت لمن شهد الحديبية إلا نفراً قليلاً أسهم لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يشهدوها. قوله: "فلما حضرته الوفاة قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زوجني فلانة, ولم أفرض لها صداقاً، ولم أعطها شيئاً، وإني أشهدكم" لفظ أبي داود (¬2): "فإني" "إني قد أعطيتها من صداقها سهمي بخيبر فأخذته" لفظ السنن (¬3) [200 ب]: "فأخذت سهماً". قوله: "فباعته بعد موته" لفظ: "بعد موته" لم يكن في "سنن أبي داود" (¬4) وهي في "الجامع" (¬5). قوله: "بمائة ألف" لم يذكر له مميز هل درهم أو دينار. قوله: "زاد أحد رواته" عيّنه أبو داود (¬6) فقال: زاد عمر بن الخطاب، والمراد به السجستاني شيخ أبي داود. "في أول هذا الحديث قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: خير النكاح أيسره" زاد أبو داود (¬7) وهو في "الجامع" (¬8) أيضاً بعد "أيسره" وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للرجل. وساق معناه. ¬

_ (¬1) تقدم تفصيله. (¬2) في "السنن" رقم (2117)، والذي فيه، (وإِنِّي). (¬3) في "السنن" رقم (2117) والذي فيه: (وإني). (¬4) وهو كما قال الشارح. (¬5) (7/ 15). (¬6) في "السنن عقب الحديث" رقم (2117). (¬7) في "السنن عقب الحديث" رقم (2117). (¬8) (7/ 15).

قوله: "أخرجه أبو داود". قلت: لكن في السنن في رواية أبي عيسى الرملي، قال أبو داود (¬1): نخاف أن يكون هذا الحديث ملزماً؛ لأن الأمر على خلاف هذا. انتهى. الثاني: حديث ابن مسعود - رضي الله عنه -. 2 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه -: وَسُئِلَ عَنِ امْرَأةٍ مَاتَ عَنْهَا زَوْجُهَا وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَلَمْ يَفْرِضْ لَها صَدَاقاً؟ فقَالَ: لَهَا الصَّدَاقُ كَامِلًا، وَعَلَيْهَا العِدَّةُ وَلَهَا المِيرَاثُ. فَقَالَ مَعْقِلُ بْنُ سِنَانٍ: سَمِعْتُ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قَضَى فِي بِرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ بِمِثْلِهِ. ففرح بها ابنُ مسعود. أخرجه أصحاب السنن (¬2)، وهذا لفظ الترمذي. [صحيح] قوله: "وسئل ابن مسعود" لفظ أبي داود (¬3): "أتى ابن مسعود" وهو لفظ "الجامع" (¬4)، والمصنف قد قال أن اللفظ للترمذي، ونعم لفظه: أنه سئل ابن مسعود. ¬

_ (¬1) في "السنن" (2/ 591). (¬2) أخرجه أبو داود رقم (2115)، والترمذي رقم (1145)، والنسائي رقم (3355)، وابن ماجه رقم (1891). وأخرجه أحمد (4/ 279 - 280)، والدارمي (2/ 78)، وعبد الرزاق رقم (10898)، وابن حبان رقم (1260، 1263 - موارد)، وسعيد بن منصور رقم (929)، والحاكم (2/ 180)، والبيهقي (7/ 245)، من طريق علقمة، عن ابن مسعود وصححه الحاكم والذهبي، وابن حزم وابن مهدي كما في "التلخيص" (3/ 388)، وقال الشافعي - رحمه الله - , لم يحفظ بعد من وجه يثبت مثله. قال الحاكم: (سمعت شيخنا أبا عبد الله يقول: لو حضرت الشافعي لقمت على روءس الناس وقلت: قد صح الحديث فقل به).!!. وهو حديث صحيح، والله أعلم. (¬3) في "السنن" (2115). (¬4) (7/ 16).

قوله: "عن امرأة مات عنها زوجها" لفظه في الترمذي (¬1): أنه سئل عن رجل تزوج امرأة. ومثله في "الجامع" (¬2). قوله: "ولم يفرض لها صداقاً ولم يدخل بها، فقال: لها الصداق كاملاً" لفظ الترمذي (¬3): "لها صداق نسائها لا وكس ولا شطط". "وعليها العدة ولها الميراث" الوكس (¬4) بفتح الواو وسكون الكاف فسين مهملة وهو النقصان، والشطط (¬5) الزيادة، فقول المصنف: "كاملاً" ليس في لفظ الترمذي بل في بعض ألفاظ أبي داود (¬6). وقوله: "وعليها العدة" عدة الوفاة. "ولها الميراث" وفي "سنن أبي داود" (¬7) و"الجامع" (¬8) رواية أخرى: أنهم اختلفوا إلى ابن مسعود شهراً، أو قال: مرات فذكر قوله، ثم قال: فإن يكن صواباً فمن الله، وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان، والله ورسوله بريئان منه. قوله: "فقال معقل" بفتح الميم وسكون العين المهملة وكسر القاف. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (1145). (¬2) (7/ 16 - 17). (¬3) في "السنن" رقم (1145). (¬4) قال ابن الأثير في "النهاية" (2/ 875): الوكس: النقص والشطط: الجور. (¬5) قال ابن الأثير في "غريب الحديث" (7/ 19): الشطط: الزيادة على الواجب المعتاد (¬6) في "السنن" رقم (2114). (¬7) في "السنن" رقم (2115). (¬8) (7/ 19).

"ابن سنان" في رواية (¬1) أبي داود وهي في "الجامع" (¬2): فقام ناس من أشجع فيهم الجراح وأبو سنان، فقالوا: يا ابن مسعود! نحن نشهد أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قضاها فينا ... الحديث. والذي في "التيسير" أحد ألفاظه. قوله: "سمعت رسول [201 ب] الله - صلى الله عليه وسلم - قضى في بروع" بموحدة مكسورة ثم راء مهملة ساكنة ثم واو مفتوحة ثم عين مهملة. قال الجوهري (¬3): أصحاب الحديث يقولونه بكسر الباء، والصواب الفتح. قلت: وفي "القاموس" (¬4): بروع كجرول ولا تكسر (¬5). "بنت (¬6) واشق" صحابية. "بنت واشق" بفتح الواو وشين معجمة مكسورة. "قوله: بمثله، ففرح ابن مسعود" في أبي داود (¬7): فرحاً شديداً حين وافق قضاؤه قضاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قوله: "أخرجه أصحاب السنن، وهذا لفظ الترمذي" قدمنا لك أن في لفظ المصنف نقصاً عمّا في الترمذي. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (2115). (¬2) (7/ 16). (¬3) في "الصحاح" (3/ 1184). (¬4) "القاموس المحيط" (ص 907). (¬5) قال صاحب المغني في "ضبط أسماء الرجال" (ص 36) بفتح الباء عند أهل اللغة وكسرها عند أهل الحديث. (¬6) انظر: ترجمتها في "الإصابة" رقم (10931)، و"الاستيعاب" رقم (3300). (¬7) في "السنن" رقم (2115).

قلت: وقال (¬1): حديث ابن مسعود حسن صحيح، وقد رُوي عنه من غير وجه، والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيرهم. وبه يقول الثوري وأحمد (¬2) وإسحاق. وقال (¬3) بعض أهل العلم من أصحاب (¬4) النبي - صلى الله عليه وسلم - منهم علي بن أبي طالب [- عليه السلام -] (¬5) وزيد بن ثابت وابن عباس وابن عمر: إذا تزوج الرجل امرأة ولم يدخل بها ولم يفرض لها صداقاً حتى مات؛ قالوا: لها الميراث، ولا صداق لها وعليها العدة. وهو قول الشافعي (¬6). قالوا: لو ثبت حديث بروع بنت واشق لكان (¬7) الحجة فيما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - , وروي عن الشافعي أنه رجع عن هذا القول وقال بحديث بروع بنت واشق. انتهى. وفي "معالم التنزيل" (¬8) للبغوي: أنه كان علي - عليه السلام - يقول: لا يقبل أعرابي من أشجع على كتاب الله وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، يعني قوله تعالى: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (3/ 451). (¬2) أي: الترمذي في "السنن" (3/ 451). (¬3) انظر: "المغني" (10/ 149). (¬4) ذكره عنهم: ابن قدامة في "المغني" (10/ 149)، والعمراني في "البيان" (9/ 447 - 448). (¬5) كذا في (أ. ب) وليست في "سنن الترمذي". (¬6) "البيان" للعمراني (9/ 446 - 448)، "مغني المحتاج" للخطيب (3/ 331). (¬7) تقدم ذكره وانظر: "الأم" (6/ 176). (¬8) (1/ 285).

تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} (¬1) نزلت في رجل من الأنصار تزوج امرأة من بني حنيفة، ولم يسم لها مهراً ثُم طلقها قبل أن يمسها، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "متعها ولو بقلنسوتك". قلت: وهذا في المطلقة، ومسألة ابن مسعود في المتوفى عنها زوجها، فوقع الخلاف هل الموت كالدخول كما أفاده حديث ابن مسعود؛ فإنه جعل الموت كالدخول في تقرير المسمى [202 ب] كذلك في إيجاب مهر المثل إذا لم يكن في العقد مسمى. وقال (¬2) من لا يوجب المهر: أنه كما لو طلقها قبل الفرض والدخول، والأولى عندي العمل بحديث بروع بنت واشق، ومعقل بن سنان صحابي، ففي "التقريب" (¬3): معقل بن سنان بن [مطهر] الأشجعي صحابي نزل المدينة ثم الكوفة، واستشهد بالحرة. انتهى. الثالث: حديث نافع. 3 - وعن نافع: أَنَّ ابْنَةَ كانَتْ لِعُبَيْدِ الله بْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - وَأُمُّهَا بِنْتُ زَيْدِ بْنِ الخَطَّابِ، وَكَانَتْ تَحْتَ ابْنٍ لِعَبْدِ الله بْنِ عُمَرَ، فَمَاتَ وَلَمْ يَقْرَبْهَا وَلَمْ يُسَمِّ لَهَا صَدَاقًا. فَجَاءَتْ أُمُّهَا تَبْغِي مِنْ عَبْدِ الله صَدَاقَهَا. فقَالَ لَهَا ابنُ عُمَرَ: لا صَدَاقَ لَهَا وَلَوْ كان لَهَا صَدَاقٌ لَمْ أُمْسِكْهُ وَلَمْ أظْلِمُهَا. فَأَبَتْ أَنْ تَقْبَلَ مِنْهُ، فَجَعَلُوا بَيْنَهُمْ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ - رضي الله عنه -، فَقَضَى أَنْ لَا صَدَاقَ لَهَا وَلَهَا المِيرَاثُ. أخرجه مالك (¬4). [موقوف صحيح] قوله: "أن ابنة كانت لعبيد الله بن عمر، وأمها بنت زيد بن الخطاب" فهي ابنة لعمه. ¬

_ (¬1) سورة البقرة الآية: 236. (¬2) انظر: "المغني" (10/ 495 - 497)، "روضة الطالبين" (8/ 77، 82)، "شرح فتح القدير" (4/ 49). (¬3) (2/ 264 رقم 1271). وانظر: "التاريخ الكبير" (39117)، "أسد الغابة" رقم (5033)، "الإصابة" رقم (8154). (¬4) في "الموطأ" (2/ 527 رقم 10)، وهو أثر موقوف صحيح.

"وكانت تحت ابن لعبد الله بن عمر فمات عنها ولم يقربها ولم يسم لها صداقاً، فجاءت أمها تبغي من عبد الله صداقها" أي: صداق ابنتها من عبد الله. "فقال ابن عمر: لا صداق لها" لأنه لم يدخل بها ولم يسم لها. "ولو كان لها صداق" تستحقه شرعاً، "لم أمسكه ولم أظلمها فأبت" الأم أن تقبل منه. "فجعلوا بينهم زيد بن ثابت" أي: حكماً بينهما. "فقضى أن لا صداق لها ولها الميراث" وهذا خلاف ما أفتى به ابن مسعود، وخلاف حديث بروع، وقد قدّمنا الكلام في ذلك قريباً. قوله: "أخرجه مالك". الرابع: حديث ابن عمر. 4 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - أنه قال: لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ مُتْعَةٌ، إِلَّا الَّتِي تُطَلَّقُ وَقَدْ فُرِضَ لَهَا صَدَاقٌ وَلَمْ تُمْسَسْ؛ فَحَسْبُهَا نِصْفُ مَا فُرِضَ لَهَا. أخرجه مالك (¬1). [موقوف صحيح] "أنه قال: لكل مطلقة متعة" وهي غير معينة، بل كما قال الله تعالى: {وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} (¬2). "إلا التي تطلق وقد فرض لها صداقاً ولم يمس" لم يقربها زوجها. "فحسبها نصف ما فرض لها" كما قال تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} (¬3). ¬

_ (¬1) في "الموطأ" (2/ 573)، وهو أثر موقوف صحيح. (¬2) سورة البقرة الآية: 236. (¬3) سورة البقرة الآية: 237.

وهذا رأي من ابن عمر، أو فيه خلاف أوضحناه في حواشي "ضوء النهار" (¬1). قوله: "أخرجه مالك". الخامس: حديث ابن المسيب. 5 - وعن ابن المسيب قال: قَضَى عُمَرَ - رضي الله عنه -: أَنَّهُ إِذَا أُرْخِيَتْ السُّتُورُ في النَّكَاحِ وَجَبَ الصَّدَاقُ. أخرجه مالك (¬2). [موقوف صحيح] قوله: "قال: قضى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أن إذا أرخيت الستور" على الزوج وامرأته. "في النكاح وجب الصداق" للمرأة كاملاً، وهو مذهب عمر أنه جعل الخلوة كالمسيس في إيجاب الصداق، وفيه خلاف قررنا في حواشي ضوء النهار (¬3): أن الحق أنه لا يوجب الصداق كاملاً إلا (¬4) المسيس بأدلة هنالك. قوله: "أخرجه مالك". السادس: 6 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: لمَّا تَزَوَّجَ عَلَيٌّ فَاطِمَةَ - رضي الله عنها - أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا، فَمَنَعَهُ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى يُعْطِيَهَا شَيْئًا. فَقَالَ: لَيْسَ لِي شَيْءٌ. فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: "أَعْطِهَا دِرْعَكَ" فَأَعْطَاهَا دِرْعَهُ، ثُمَّ دَخَلَ بِهَا. أخرجه أبو داود (¬5) والنسائي (¬6). [صحيح] ¬

_ (¬1) (4/ 167 - 168 - مع الضوء). بتحقيقي. (¬2) في "الموطأ" (2/ 528 رقم 12)، وهو أثر موقوف صحيح. (¬3) (4/ 181). (¬4) انظر: "المغني" (10/ 528 رقم 12) (9/ 447 - 448). (¬5) في "السنن" رقم (2125). (¬6) في "السنن" رقم (3375)، وهو حديث صحيح.

قوله: "وعن ابن عباس" [203 ب] جعل هذا في "الجامع" (¬1) فرعاً ثانياً فقال: الفرع الثاني: في ما تعطى المرأة قبل الدخول، فقال: وعن ابن عباس: قال: لما تزوج علي فاطمة - رضي الله عنها - أراد أن يدخل بها فمنعه النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى يعطيها شيئاً؛ كأنه - صلى الله عليه وسلم - أراد بذلك زيادة الترغيب وحسن العشرة وإلا فقد تقدم (¬2) تزويجه - صلى الله عليه وسلم - للصحابي الذي لم يعط زوجته شيئاً، وإنما أوصى لها بسهمه في خيبر. قوله: "فقال: ليس لي شيء فقال: أعطها درعك" في إحدى روايات "الجامع" (¬3): أنه - صلى الله عليه وسلم - قال له: "أين درعك الحطمية؟ " بضم الحاء المهملة، وطاء مهملة، قال ابن الأثير (¬4): هي التي تكسر السيوف، وقيل: هي العريضة الثقيلة، وقيل: إنها منسوبة إلى بطن من عبد القيس يقال لهم حطمة، كانوا يعملون الدروع. قوله: "فأعطاها درعه ثم دخل بها". قوله: "أخرجه أبو داود والنسائي". السابع: حديث عائشة - رضي الله عنها -. 7 - وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: أَمَرَنِي رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أَنْ أُدْخِلَ امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا قَبْلَ أَنْ يُعْطيَهَا شَيْئًا. أخرجه أبو داود (¬5). [ضعيف] ¬

_ (¬1) (7/ 20). (¬2) انظر: "المغني" (10/ 146 - 148) "مدونة الفقه المالكي وأدلته" (2/ 594)، "البناية في شرح الهداية" (4/ 719 - 720). (¬3) (7/ 20 - 21 رقم 4994). (¬4) "في غريب الجامع" (7/ 21). وانظر: "غريب الحديث" للخطابي (1/ 102). "الفائق" للزمخشري (1/ 291). (¬5) في "السنن" رقم (2128). =

"قالت: أمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أدخل امرأة على زوجها قبل أن يعطيها شيئاً" فيه دليل على جواز دخول الزوج بامرأته قبل أن يعطيها شيئاً من الصداق، وقد تقدم حديث عقبة بن عامر عند أبي داود (¬1)، وأنه دليل على جواز الدخول بالمرأة قبل الفرض لها، فجوازه بعد الفرض قبل التسليم من باب الأولى. وقوله في حديث ابن عباس المتقدم في تزويج علي [عليه] (¬2) السلام فاطمة - رضي الله عنها - "فمنعه النبي - صلى الله عليه وسلم -" أي: عن الدخول بها. "حتى يعطيها شيئاً" إنما أراد بذلك الترغيب وحسن العشرة, وقد تقدم الكلام في ذلك. قوله: "أخرجه أبو داود". الثامن: حديث عقبة بن عامر. 8 - وعن عُقبة بن عامر - رضي الله عنه - قال: قال رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَحَقُّ مَا أَوْفَيْتُمْ بِهِ مِنْ الشُّرُوطِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الفُرُوجَ". ¬

_ = وأخرجه ابن ماجه رقم (1992). قال أبو داود وخيثمة لم يسمع من عائشة. وقد رد الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على "مختصر السنن" للمنذري (2/ 59) رقم التعليقة (1). بأنه سمع علياً عند البخاري في "التاريخ" فلا يبعد سماعة من عائشة، والمعاصرة في هذا كافية، ووافقه على ذلك الألباني في ضعيف "سنن أبي داود" (10/ 217) إلا أنه قال: (كان عليه أن يذكر العلة القادحة فيه، وهي مخالفة الثقات لشريك مع سوء حفظه، فقال البيهقي (7/ 253) عقبه: وصله شريك وأرسله غيره ...). وهو حديث ضعيف، والله أعلم. (¬1) تقدم وهو حديث صحيح. (¬2) في (ب) مكررة.

أخرجه الخمسة (¬1). [صحيح] "قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أحق ما أوفيتم من الشروط ما استحللتم به الفروج" فيه وجوب الوفاء بالشروط التي تكون في النكاح، كلو شرط لها أن لا يخرجها من بيتها أو قريتها، وجب الوفاء (¬2) به، وفيه خلاف [204 ب] أوضحناه في شرحنا "سبل السلام (¬3) على بلوغ المرام" وقررنا العمل بهذا الحديث. قوله: "أخرجه الخمسة". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (5151)، ومسلم رقم (63/ 1418)، وأبو داود رقم (2139)، والترمذي رقم (1127)، والنسائي رقم (3282)، وابن ماجه رقم (1954). وأخرجه أحمد (4/ 144). وهو حديث صحيح. (¬2) قال الخطابي في أعلام الحديث (3/ 1979): الشروط في النكاح مختلفة: (فمنها): ما يجب الوفاء به اتفاقاً، وهو ما أمر الله به من إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، وعليه حمل بعضهم هذا الحديث. (ومنها): ما لا يوفي به اتفاقاً، كسؤال المرأة طلاق أختها. (ومنها): ما اختلف فيه، اشتراط أن لا يتزوج عليها أو يتسرى أو لا ينقلها من منزلها إلى منزله، وعند الشافعية: الشروط في النكاح على ضرفين: منها ما يرجع إلى الصداق, فيجب الوفاء به, وما يكون خارجاً عنه فيختلف الحكم فيه. انظر: "المغني" (9/ 483 - 486)، "البيان" للعمراني (9/ 390)، "إحكام الأحكام" (2/ 33) (¬3) (6/ 46 - 48) بتحقيقي.

التَّحبير لإيضَاح مَعَاني التَّيسير (*) تَأليف العَلاّمَة محمَّد بن إسمَاعيل الأمير حَقّقه وعَلقّ عَليه وَخَرّجَ أحَاديثَه وَضبَط نصَّه محَمَّد صُبْحي بن حَسَن حَلّاق أبو مصعب الجُزء السابع مَكتَبَةُ الرُّشد ناشرون

_ (*) العنوان في (أ): التحبير حاشية التيسير. وفي (ج): التحبير شرح التيسير. والمثبت من المخطوط (ب).

جميع الحقوق محفوظة الطبعة الأولى 1433 هـ - 2012 م مَكتَبَةُ الرُّشد - ناشرون المملكة الْعَرَبيَّة السعودية - الرياض الإدارة: مركز البستان - طريق الملك فهد هاتف 4604818 ص. ب. 17522 الرياض 11494 - فاكس 4602497 E-mail:[email protected] Website:www.rushd.com.sa فروع المكتبة داخل المملكة - الرياض: المركز الرئيسي: الدائري الغربي، بين مخرجي 27 و28 هاتف: 4329332 - الرياض: فرع طريق عثمان بن عفان، هاتف: 2690444 - 2051500 - فرع مكة المكرمة: شارع الطائف هاتف: 5585401 فاكس: 5583506 - فرع المدينة المنورة: شارع أبي ذر الغفاري هاتف: 8340600 فاكس: 8383427 - فرع جدة: مقابل ميدان الطائرة هاتف: 6776331 فاكس: 6776354 - فرع القصيم: بريدة - طريق المدينة هاتف: 3242214 فاكس: 3241358 - فرع أبها: شارع الملك فيصل: هاتف: 2317307 فاكس: 2242402 - فرع الدمام: شارع الخزان هاتف: 8150566 فاكس: 8418473 - فرع حائل: هاتف: 5322246 فاكس: 5662246 - فرع الإحساء: هاتف: 5813028 فاكس: 5813115 - فرع تبوك: هاتف: 4241640 فاكس: 4238927 - فرع القاهرة: شارع إبراهيم أبو النجا - مدينه نصر: هاتف: 22728911 - فاكس: 22712625 مكاتبنا بالخارج - القاهرة: مدينة نصر هاتف: 2744605 - موبايل: 01001622653 - بيروت: بئر حسن موبايل: 554353/ 03 - تلفاكس: 462895/ 05

التَّحبير لإيضَاح مَعَاني التَّيسير - 7 - الجُزء السابع

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

كتاب الصيد

(كِتَابُ الصَّيْدِ) هو يطلق على الاصطياد والمصيد. وفيه ثلاثة فصول قوله: (وفيه ثلاثة فصول) مثله في "الجامع" (¬1). الفصل الأول: في صيد البرّ (الفصل الأول: في صيد البَر). الأول: حديث (عدي بن حاتم - رضي الله عنه -). 1 - عن عدي بن حاتم - رضي الله عنه - قال: قلت يا رسول الله: إِنَّا قَوْمٌ نَتَصَيَّدُ بِهَذهِ الكِلاَبِ. فَما يَحِلُّ لَنَا مِنْهَا؟ فَقَالَ: "إِذَا أَرْسَلْتَ كِلاَبَكَ المُعَلَّمَةَ وَذَكَرْتَ اسْمَ الله فَكُلْ مَا أَمْسَكْنَ عَلَيْكَ إِلاَّ أَنْ يَأْكُلَ الكَلْبُ فَلاَ تَأْكُلْ، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ إِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ، وَإِنْ خَالَطَهَا كَلْبٌ مِنْ غَيْرِهَا فَلَا تَأْكُلْ". أخرجه الخمسة (¬2). [صحيح] "قال: قلت يا رسول الله إنا قوم نصيد بهذه الكلاب" أي: المعلمة كما دل له قوله: "إذا أرسلت كلابك المعلمة" اشترط كونها معلمة لقول الله تعالى: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} (¬3). ¬

_ (¬1) (7/ 24). (¬2) أخرجه البخاري رقم (5475، 5476، 5477، 5483، 5484, 5485، 5487، 7397)، ومسلم رقم (1/ 1929)، وأبو داود رقم (2847، 2828، 2849، 2850، 2851، 2852)، والترمذي رقم (1465، 1467، 1468، 1469، 1470، 1471)، والنسائي (7/ 179 - 184). وهو حديث صحيح. (¬3) سورة المائدة الآية: 4.

إلاَّ أنه قال في "الكشاف" (¬1): الجوارح الكواسب من سباع البهائم، كالطير، والكلب، والنمر، والفهد، والعقاب، والصقر، والبازي والشاهين، والمكلب مؤدب الجوارح، ومضربها على الصيد لصاحبها ورائضها لذلك بما علم من الحيل، وطرق التأديب والتثقيف، واشتقاقه من الكلب؛ لأن التأديب أكثر ما يكون في الكلاب، فاشتق من لفظه، لكثرته في جنسه أو لأن السبع يسمى كلباً. انتهى. وفي فتح الباري (¬2): المراد بالمعلمة التي إذا أغراها صحابها على الصيد طلبته، وإذا زجرها انزجرت، وإذا أخذت الصيد حسبته على صاحبها، وهذا الثالث مختلف في اشتراطه واختلف متى يعلم ذلك منها؟ فقال البغوي في "التهذيب" (¬3) أقله ثلاث مرات، وعن أبي حنيفة (¬4) وأحمد (¬5)، يكفي مرتين، وقال الرافعي (¬6): المرجع إلى العرف، لاختلاف طباع السباع في ذلك. قوله: "وذكرت اسم الله" أي: عند إرسالها. ¬

_ (¬1) (2/ 197). (¬2) (9/ 600). (¬3) ذكره الحافظ في "الفتح" (9/ 600). التهذيب للبغوي أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء (ت: 516 هـ) كتابه في المذهب الشافعي، وهو محَّرر مهذب مجرد من الأدلة غالباً، فحصه من التعليقة الكبرى، لشيخه القاضي: حسين بن محمد بن أحمد الخراساني أبو علي (ت: 462 هـ) وله نسخة خطية في أربع مجلدات ضخام، المجلد الرابع في الظاهرية بدمشق، تحت رقم (292 - فقه شافعي) يرجع تاريخ نسخة إلى سنة (599 هـ). [معجم المصنفات (ص 143 رقم (35) وص 17 رقم 268)]. (¬4) "بدائع الصنائع" (5/ 53) و"المحيط البرهاني" (10/ 441). (¬5) "المغني" (13/ 262)، و"الإنصاف للمرداوي" (10/ 427). (¬6) في "الشرح الكبير" (21112).

"فكل ما أمسكن عليك"، وهو ظاهر أنه إذا لم يذكر اسم الله عند إرساله. فلا يأكل منه وهو كما قال تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} (¬1). قوله: "إلا أن يأكل الكلب" من الصيد. "فلا تأكل" قد عارضه حديث أبو داود (¬2) بإسناد حسن عن أبي ثعلبة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: "كل وإن أكل الكلب منه". واختلف [205 ب] العلماء فيه، فقال الشافعي (¬3) في أصح قوليه: أنه إذا أكل منه فهو حرام عملاً. بحديث (¬4) عدي بن حاتم، وهو قول كثر العلماء (¬5)، وبه قال ابن عباس وأكثر التابعين، وقال مالك (¬6): يحل وهو قول ضعيف للشافعي (¬7)، واحتج بحديث أبي ثعلبة (¬8)، وحمل النهي في حديث عدي على التنزيه. جمعاً بين الحديثين، ورجح الآخرون حديث عدي، وهو في الصحيحين (¬9). ¬

_ (¬1) سورة الأنعام الآية: 121. (¬2) في "السنن" رقم (2852) إسنادة ضعيف، رجالة ثقات غير داود بن عمرو، وهو ممن اختلف فيه. قال الحافظ: صدوق سيئ الحفظ، وقد حكى الذهبي في "الميزان" أقوال أئمة الجرح والتعديل، ثم ذكر أنه انفرد بحديثين، هذا أحدهما. وقال: وهذا حديث منكر ضعيف وهو كما قال، والله أعلم. (¬3) "المجموع شرح المهذب" (9/ 118 - 121) "روضة الطالبين" (3/ 247). (¬4) أخرجه أحمد (4/ 279)، والبخاري رقم (5483)، ومسلم رقم (3/ 1929). (¬5) انظر: "المغني" (13/ 282). (¬6) "عيون المجالس" (2/ 966). (¬7) انظر: "البيان للعمراني" (4/ 538). (¬8) تقدم تخريجه وهو حديث منكر. (¬9) البخاري رقم (5483)، ومسلم رقم (3/ 1929) وقد تقدم.

وبقوله تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} (¬1)، وهذا لم يمسك علينا بل على نفسه , وقدموا هذا على حديث أبي ثعلبة؛ لأنه أصح، وعلل - صلى الله عليه وسلم - النهي بقوله: "فإني أخاف" إذا أكل منه. "إنما أمسك على نفسه"، فيحرم لقوله تعالى: {مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ}. قوله: "وإن خالطها" أي: كلاب من أرسل مسمياً. "كلب من غيرها فلا تأكل"؛ لأنه يمكن أنه لم يسم صاحبه عليه أو أنه ليس بمعلم، وجاء التصريح (¬2) بعلة النهي بقوله في آخر الحديث. "فإنما سميت على كلبك" ولم تسم على غيره, وهذا عمل بالأحوط في الظن. قوله: "أخرجه الخمسة". الثاني: 2 - وعن أبي ثعلبة الخشني - رضي الله عنه - قال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، إِنَّا بِأَرْضِ قَوْمٍ أَهْلِ كِتَابٍ. أَفَنَأْكُلُ فِي آنِيَتِهِمْ؟ وَبِأَرْضِ صَيْدٍ، أَصِيدُ بِكَلْبِي المُعَلَّمِ وَبِقَوْسِي، وبِكَلْبِي الَّذِي لَيْسَ بِمُعَلَّمٍ، فَماَ يَصْلُحْ لي؟ قَالَ "أَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ آنِيَةْ أَهْلِ الكِتَابِ فَإْنْ وَجَدْتُمْ غَيْرَهاَ فَلاَ تَأْكُلُوا فِيهاَ، وَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مِنْهَا بُدًّا فَاغْسِلُوهَا وَكُلُوا فِيهَا، وَماَ صِدْتَ بِقَوْسِكَ وَذْكُرِتَ اسْمَ الله عَلَيِهْ فَكُلْ. وَمَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ المُعَلَّمِ فَذْكُرِتَ اسْمَ الله علَيهْ فَكُلْ، وَمَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ غَيْرَ مُعَلَّمٍ فَأَدْرَكْتَ ذَكَاتَهُ فَكُلْ". أخرجه الخمسة (¬3). [صحيح] ¬

_ (¬1) سورة المائدة الآية: 4. (¬2) انظر: "المغني" (13/ 267) "فتح الباري" (9/ 601). (¬3) أخرجه البخاري رقم (5478)، ومسلم رقم (8/ 1930)، وأبو داود رقم (2850، 2855، 2856، 2857)، والترمذي رقم (1464)، والنسائي (7/ 181)، وأخرجه أحمد (4/ 193). وهو حديث صحيح.

حديث (أبي ثعلبة) (¬1)، بالمثلثة وعين مهملة. (الخشني)، بضم الخاء المعجمة، وفتح الشين المعجمة بعدها نون، منسوب إلى خشن، بضم الخاء، بطن من قضاعة، وفي اسم أبي ثعلبة واسم أبيه خلاف. قوله: "قال: قلت: يا رسول الله! إنا بأرض قوم أهل كتاب"، كأنهم من النصارى أو اليهود. "أفنأكل في آنيتهم، وبأرض صيد أصيد بكلبي المعلم، وبقوسي، وبكلبي الذي ليس بمعلم فما يصلح لي؟ "، هذه أربعة سؤالات أجابه - صلى الله عليه وسلم - عنها. "فقال: أما ما ذكرت من آنية أهل الكتاب" أي: من الآنية. "فإن وجدتم غيرها فلا تأكلوا فيها"؛ لأنه لا حاجة لكم إليها. "فإن لم تجدوا غيرها فاغسلوها" لجواز أنه كان فيها ما يحرم عليكم من الخمر والخنزير، لا لأجل نجاسة رطوبة أهل الكتاب، وقيل: بل لنجاستها، وطولنا البحث في حواشي ضوء النهار (¬2). قوله: "وما [206 ب] صدت بقوسك وذكرت اسم الله عليه"، أي: عند إرسال السهم (فكل) سواء أصابه بعرضه أو بغيره. قوله: "وما صدت بكلبك المعلم، وذكرت اسم الله عليه" أي: عند إرساله، كما هو ظاهر حديث عدي (¬3). "فكل" فقد حصل فيه الشرطان كونه معلماً، وكونه ذكر اسم الله عند إرساله، وظاهره: وإن أكل منه، لكن قد قيّده حديث عدي. ¬

_ (¬1) انظر: "التقريب" (2/ 404 رقم 3). (¬2) (1/ 157, 253). (¬3) وهو حديث صحيح وقد تقدم.

قوله: "وما صدت بكلبك" الذي هو غير معلم. "فأدركت ذكاته فكل"؛ لأنه ليس للكلب فيه إلاّ إمساكه, فهو كما لو أمسكه إنسان وأعطاه إياه فذكَّاه. قوله: "أخرجه الخمسة". الثالث: حديث (أبي ثعلبة) أيضاً. 3 - وعنه - رضي الله عنه - قال: قال رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذاَ رَمَيتَ بِسَهْمِكَ فَغَابَ عَنْك فَأَدْرَكْتَهُ فَكُلهُ مَا لَمْ يُنْتِنْ". أخرج مسلم (¬1) وأبو داود (¬2) والنسائي (¬3). [صحيح] قوله: "قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إذا رَمَيْتَ بسهمك فغاب عنك" أي: المرمى. "فأدركت" بعد غيبته عنك. "فكله ما لم ينتن" بتغير بجيافة ونحوها، قيل: أن النهي عن أكل المنتن للتنزيه (¬4)، لا للتحريم، وكذا سائر اللحوم والأطعمة المنتنة يكره أكلها، ولا تحرم إلاّ أن يخاف منها الضرر. قلت: لعلَّ قرينه حمل النهي على التنزيه. حديث أنه - صلى الله عليه وسلم - "أكل إهالة سنخة" (¬5) أي: منتنة. ¬

_ (¬1) في صحيحه رقم (9/ 1931). (¬2) في "السنن" رقم (2861). (¬3) في "السنن" (4303) وأخرجه أحمد (4/ 194) وهو حديث صحيح. (¬4) قاله النووي في "شرحه لصحيح مسلم" (13/ 81). (¬5) يشير إلى الحديث الذي أخرجه البخاري رقم (2069) والترمذي رقم (1215)، والنسائي رقم (4624) وأحمد (3/ 133، 180) عن أنس - رضي الله عنه - أنه مشى إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بخبر شعير، وإهالة سنخة ... ". • كل شيء من الأوهان، مما يؤتدم به إهالة، وقيل: هو ما أذيب من الألية والشحم، وقيل: الدَّسم الجامد، والشخنة المتغيرة الريح. "النهاية" (1/ 92) "الفائق" للزمخشري (1/ 67).

قوله: "أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي". الرابع: حديث (سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه -). 4 - وعن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الكْلَبِ المعَلَّمِ إذَا قَتَلَ الصَّيْدَ؟ فقَالَ: كُلْ وإنْ لَمْ يُبْقِ مِنْهُ إلاّ بَضعَةً وَاحِدَةّ. أخرجه مالك (¬1) بلاغاً. [موقوف حسن] "أنه سئل عن الكلب المعلم إذا قتل الصيد" أي: وأكل منه كما يدل له: قوله: "فقال: كل وإن لم يبق منه إلاّ بضعة واحدة" قوله: "أخرجه مالك بلاغاً" هذه الفتوى من سعد، يعارضها حديث عدي (¬2) الذي تقدم، وهي رواية رأي ببلاع أيضاً، فلا اعتداد بها. ¬

_ (¬1) في "الموطأ" (2/ 493 رقم 7) وهو أثر موقوف حسن. (¬2) وهو حديث صحيح. أخرج أحمد (4/ 377) والبخاري رقم (175)، ومسلم رقم 2/ 1929) عن عدي بن حاتم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا أرسلت كلابك المعلَّمة وذكرت اسم الله، فكل مما أمسكن عليك إلا أن يأكل الكلب فلا تأكل، فإني أخاف أن يكون إنما أمسك على نفسه". وأخرج أحمد (1/ 231) عن إبراهيم عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أرسلت الكلب فأكل من الصيد فلا تأكل، فإنما أمسكه على نفسه، فإذا أرسلته فقتل ولم يأكل فإنما أمسكه على صاحبه". وهو حديث صحيح لغيره. في قوله: (ولم يأكل منه) دليل عن تخريج ما أكل منه الكلب من الصيد ولو كان الكلب معلماً. وقد علل ذلك بالخوف من أنه إنما أمسك على نفسه, وهذا قول الجمهور. ["المغني" (13/ 263) مختصر اختلاف العلماء (3/ 201). وقال مالك: وهو قول الشافعي في القديم، ونقل عن بعض الصحابة أنه يحل. انظر: "البيان" للعمراني، "المجموع شرح المهذب" (8/ 118 - 121) "وعيون المجالس" (2/ 966).

وليت المصنف أتى بالأحاديث (¬1) الصحيحة التي في الباب، ساقها ابن الأثير في "الجامع" (¬2) بعدة ألفاظ. ويترك هذا الذي هو رأي وبلاغ، فمن أراد إستيفاء الوارد في الصيد بالكلب ونحوه، والقوس، فعليه بروايات الجامع (¬3). [207 ب]. الحديث الخامس: حديث (عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده). 5 - وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جده أَنَّ رَجُلاً قَالَ يَا رَسُولَ الله إِنَّ لِي كِلاَبًا مُكَلَّبَةً فَأَفْتِنِي فِيهَا. فقَالَ: "مَا أَمْسَكَ عَلَيْكَ كِلبِكَ فَكُلْ". قَالَ: وَإِنْ قَتَلَ. قَالَ: وَإِنْ قَتَلَ قَالَ: أَفْتِنِي فِي قَوْسِي؟ قَالَ: مَا رَدَّ عَلَيْكَ سَهْمُكَ فَكُلْ. قَلْتُ: وَإِنْ تَغَيَّبَ عَلَيَّ؟ قَالَ: وَإِنْ تَغَيَّبَ عَلَيْكَ، مَا لَمْ تَجِدْ فِيهِ أثَرَ سَهْمٍ غَيْرَ سَهْمِكَ أَوْ تَجِدْهُ قَدْ صَلَّ: أَي أَنتنَ". أخرجه النسائي (¬4). [إسناده صحيح] "أن رجلاً قال: يا رسول الله إنّ لي كلاباً مكلبة" أي: معلمة. قوله: "ما أمسك عليك كلبك فكل"، إذا أرسله وقد سُمِّي عليه كما تقدم. "قال وإن قتل" أي: بظفره أو نابه. "قال وإن قتل" هذا الإطلاق قيدته روايته في "الجامع" (¬5) بلفظ: "إذا قتله ولم يأكل منه شيئاً فإنما أمسكه عليك". ¬

_ (¬1) انظر: "التعليقة المتقدمة". (¬2) (7/ 35 - 38). (¬3) (7/ 8 - 41). (¬4) في "السنن" رقم (4296) بإسناد صحيح. (¬5) (7/ 36).

قوله: "ما ردّ عليك سهمك فكل" تقدم "وما صدت بقوسك وذكرت اسم الله عليه فكل" فالمراد هنا مع التسمية. قوله: "أو تجده قد صلَّ" بالصاد المهملة. "أي: أنتن" وتقدم التقيد أيضاً. بما لم ينتن. قوله: "أخرجه النسائي". السادس: حديث (عبد الله بن مغفل). 6 - وعن عبد الله بن مغفل - رضي الله عنه -: "نَهَىَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الخَذَف، وقالَ: إنَّهُ لاَ يَقْتُلُ الصَّيْدَ، وَلاَ يَنْكَأَ العدوَّ. وإنَّهُ يَفْقَاُ العَيْنَ وَيَكْسِرُ السِّنَّ". أخرجه الخمسة (¬1) إلا الترمذي. [صحيح] "الخذف" (¬2) بالخاء المعجمة: رميك حصاة أو نواة تأخذها بين سبابتيك، أو تأخذ خشبة فترمى بها بين إبهامك والسبابة. "ونكأتُ العودَ" إذَا قشرْتَهُ, وَالنَّكْ (¬3) في الجُرْحِ مُسْتَعاَرُ مِنْهُ. "وفقأتُ العْينَ (¬4) " إذَا شققْتَهاَ وَبَخصتْهَاَ. قوله: "عن الخذف" (¬5) بالخاء والذال المعجمتين، تقدم حقيقته, ويأتي للمصنف. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (6220)، ومسلم رقم (55/ 1954)، وأبو داود رقم (5270)، والنسائي (8/ 47). وهو حديث صحيح. (¬2) ذكره ابن الأثير في "غريب الجامع" (7/ 38). (¬3) قال ابن سيده في "المحكم" و"المحيط الأعظم" (9117): نكى العدوُ نكاية: أصاب منه، ثم قال: نكأت العدو أنكؤهم: لغة في نكيتهم. انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 12)، "كتاب العين" للخليل الفراهيدي (ص 987). (¬4) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 384). "المجموع المغيث" (2/ 629). (¬5) تقدم معناها.

الفصل الثاني: في صيد البحر

وعللّ - صلى الله عليه وسلم - النهي بقوله: "إنه لا يقتل الصيد ولا ينكأ العدوُّ"، فلا ينفع في دنيا ولا دين، فهذا نفي لمصلحته, ثم أخبر بمضرته فقال: "وإنَّه بفقأ العين ويكسر السن"، إن قلت: هذه نكاية! إن وقعت في العدو. قلتُ: نعم، لكن لا يكاد أنّ العدو يمكن من عينيه وسنه, وإن اتفق نادراً. قوله: "أخرجه الخمسة إلاّ الترمذي". السابع: حديث (جابر - رضي الله عنه -). 7 - وعن جابر - رضي الله عنه - قال: "نَهَىَ رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنْ أكْلِ صَيْدِ كَلْبِ [المَجْوسيِ] (¬1) ". أخرجه الترمذي (¬2). [ضعيف] "قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أكل صيد كلب المجوس"، لعله؛ لأنه لا يسمَّى عليه. قوله: "أخرجه الترمذي". قلت: وقال (¬3): هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه, والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم، لا يرخصون في صيد كلب المجوس. انتهى. الفصل الثاني: في صيد البحر (الفصل الثاني: في صيد البحر). الأول: حديث (جابر - رضي الله عنه -). 1 - عن جابر - رضي الله عنه - قال: بَعَثَنَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وَنَحْنُ ثَلاَثُمِائَةِ رَاكِبٍ وَأَمِيرُنَا أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الجَرَّاحِ نَرْصُدُ عِيِرًا لِقُرَيْشٍ وَزَوَّدْنَا جِرَاباً فِيهِ تمَرٌ لَمْ يَجَد لَناَ غَيْرَهُ، وَكانَ أَبُو عُبَيْدةَ يُعْطِناَ تَمْرَةً تمرة. ¬

_ (¬1) كذا في "المخطوط" و"الجامع"، والذي في "السنن" (المجوسِ). (¬2) في "السنن" رقم (1466) وهو حديث ضعيف. (¬3) في "السنن" (4/ 65 - 66).

قِيلَ كَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ بِهاَ؟ قَالَ: كُناَّ نَمُصُّها كَماَ يَمَصُّ الصَّبيُّ، ثُمَّ نَشْرَبُ عَلَيْهاَ المَاءِ، فَتَكفِيْناَ يَوْمَنَا إلى اللَّيْلِ. فَلماَّ فَنِيَ وَجَدْناَ فَقْدَهُ، فَأَقْمناَ بِالِّساحِلِ نِصْفَ شَهْرِ فَأصاَبَناَ جُوعٌ شَديِدٌ حَتَّى أكَلْناَ الخَبَطَ فَسُمِّىَ جَيْشَ الَخَبَطَ. فَألَقى لَنَا البَحْرُ دَابَّةً يُقَالُ لَهَا العَنْبَرُ فقَالَ أَبُو عُبيْدةَ - رضي الله عنه -: مَيتةٌ، ثُمّ قال: لاَ. بَلْ نَحْنُ رُسُلُ رَسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، وَفي سَبيلِ الله وَقَدِ اضطُرِرْناَ. فَأَكَلْناَ مِنْهاَ نِصْفَ شَهْرٍ، وَادَّهَنَّا مِنْ وَدَكِهَا حَتَّى ثَابَتْ أَجْسَامُنَا، فَأَخَذَ أَبُو عُبَيْدَةَ ضِلَعًا مِنْ أَضْلاَعِهِ فَنَصَبَهُ ثُمَّ نَظَرَ إِلَى أَطْوَلِ رَجُلٍ وَأَطْوَلِ جَمَلٍ فَحَمَلَهُ عَلَيْهِ فَمَرَّ تَحْتَهُ وَجَلَسَ فِي حِجَاجِ عَيْنِهِ نَفَرٌ. وَأَخْرَجْنَا مِنْ عَيْنِهِ كَذَا وَكَذَا قُلَّةَ وَدَكٍ وَتَزَوَّدْناَ منْ لحَمهِ فلمَّا قدِمْناَ المَدِيِنَةَ ذَكَرْناَ ذلِكَ لِرَسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فقَالَ، هُوَ رِزْقٌ أخْرَجهُ الله تعالى لَكُمْ! فَهَلْ مَعَكُمْ مِنْ لَحْمه؟ فأرْسَلْناَ إلَيهْ مِنْهُ فَأكَلَ". أخرجه الستة (¬1). [صحيح] "الخَبَطْ" (¬2) وَرقُ شَجرٍ يُخبطُ بِعَصاً أوْ نَحْوِهاَ فينتثرُ فَتأْكلُهُ الإِبلُ. "وَالوَدَكُ" (¬3) دَسَمُ اللَّحُمِ وَدُهْنُهُ. "وَحِجَاجُ العَينِ" (¬4) العظمُ المستديرُ حولها الذيِ فيه الحدقةُ وهُوَ وَقْب العَيْن. "وَالقُلَّةُ (¬5) " هيَ الحبٌّ العظيمُ معروفةٌ بالحجاز تأخذ القلة منها مزادةً من الماء. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (2983، 2983، 4360، 4366، 5494)، ومسلم رقم (1935)، وأبو داود رقم (3840)، والترمذي رقم (2477)، والنسائي في "السنن" (7/ 207، 209)، ومالك في "الموطأ" (2/ 930). وهو حديث صحيح. (¬2) "النهاية في غريب الأحاديث" (1/ 469). (¬3) "النهاية في غريب الأحاديث" (2/ 836). (¬4) "المجموع المغيث" (1/ 400) "النهاية" (1/ 334). (¬5) انظر: "الفائق" للزمخشري (3/ 184) "غريب الحديث" للهروي (2/ 236).

قوله: "بعثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" هذه تسمى غزوة سيف [208 ب] البحر في كتب المغازي، ويسمى جيش الخبط لما يأتي. قوله: "وزوّدنا جراباً فيه تمر لم نجد لنا غيره". قوله: "حتى أكلنا الخبط" بالمعجمة والموحدة مفتوحتين، يأتي تفسير المصنف له. وفي لفظ في روايته في "الجامع" (¬1) "حتى إن كنا لنخبط الخبط بقسينا ونسفُّهُ". قوله: "فقال أبو عبيدة ميته" يدل أنه لم يكن قد عرف قوله - صلى الله عليه وسلم - في البحر "هو الحل ميتته" (¬2). قوله: "في حجاج عينها" هو بحاء مهملة ثم جيم مخففة, ويأتي تفسيره للمصنف. قوله: "فأرسلنا إليه منه فأكل" هذا دليل أنه حلال مطلقاً، وإلا فأكل الصحابة منه في حال المجاعة، قد يقال أنه للاضطرار، ولا سيما وقد قال أبو عبيدة ميتة، وقد تبين من قوله - صلى الله عليه وسلم - في آخر الحديث، "هو رزق" أنه حلالا مطلقاً، وبالغ - صلى الله عليه وسلم - في بيان حله بأكله منه؛ لأنه لم يكن مضطراً، فيستفاد منه حل ميتة البحر، سواءً مات حتف أنفه أو بالاصطياد، وهو قول الجمهور، ولا خلاف بين العلماء في حل السمك على اختلاف أنواعه، وإنما اختلف فيما كان على صورة حيوان البر، كالآدمي، والكلب، والخنزير، والثعبان، فعند الحنفية (¬3) وهو قول للشافعية (¬4) يحرم. ¬

_ (¬1) (7/ 44). (¬2) أخرجه مالك في "الموطأ" (1/ 22 رقم 12)، وأبو داود رقم (83)، والترمذي رقم (69)، والنسائي رقم (59) , وابن ماجه رقم (386)، وابن خزيمة رقم (111)، وابن حبان رقم (1243). وهو حديث صحيح. (¬3) "بدائع الصنائع" (5/ 35) "الأختيار" (5/ 490). (¬4) "المجموع شرح المهذب" (9/ 32).

ولهم قول أنه يحل مطلقاً على الأصح المنصوص، وهو مذهب المالكية (¬1) , إلاّ الخنزير في رواية، وحجة المجيز مطلقاً قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} (¬2). وحديث: "هو الطهور ماؤه الحل ميتته" أخرجه مالك (¬3) وأصحاب السنن (¬4)، وصححه ابن خزيمة (¬5) وغيره (¬6). قوله: "أخرجه الستة". الثاني: حديث (جابر - رضي الله عنه -). 2 - وعنه - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "ماَ ألقَاهُ البَحْرُ أَوْ جَزَرَ عنْهُ فكُلُوهُ, وَمَا مَاتَ فِيهِ وَطُفا فَلاَ تَأْكُلُوهُ" أخرجه أبو داود (¬7). [ضعيف] ورُوي موقوفا (¬8) على جابرٍ قال: "لاَ بَأْسَ بِمِاَ لَفَظَهُ البَحْرُ". "جزرَ" البحرُ عن السمك بالجيم: إذا نقص عنه وبقي على الأرض. ¬

_ (¬1) "التسهيل" (3/ 1015) "عيون المجالس" (2/ 976). (¬2) سورة المائدة الآية: 96. (¬3) في "الموطأ" (1/ 22 رقم 12) وقد تقدم. (¬4) أبو داود رقم (83)، والترمذي رقم (69)، والنسائي رقم (59)، وابن ماجه رقم (386). (¬5) في صحيحه رقم (111). (¬6) كإبن حبان في صحيحه رقم (1243) وهو حديث صحيح. (¬7) في "السنن" رقم (3815) وهو حديث ضعيف. وقال أبو داود في "السنن" (4/ 166) روى هذا الحديث سفيان الثوري، وأيوب, وحمَّاد عن أبي الزبير، أوقفوه على جابر. وقال المنذري في "مختصر السنن" (5/ 325) وقد أسند هذا الحديث من وجه ضعيف. (¬8) انظر "التعليقة المتقدمة". وأخرجه ابن ماجه رقم (3247) وهو حديث ضعيف.

الفصل الثالث: في ذكر الكلاب

"ولَفظَ البحرُ السمَكَ" بفتح الفاء إذا ألقاه على جانبه". قوله: "أو جزر عنه" بالجيم مفتوحة فزاي مثلها، فراء، يأتي تفسيره للمصنف. وَ"ألقاه" و"لَفظَه" بمعنى واحد. قوله: "أخرجه أبو داود" أي: عن جابر (مرفوعاً) (¬1). قوله: "وروي" هكذا مغير صيغة غير مذكور من رواه، ومثله في "الجامع". قوله: "موقوفاً على [209 ب] " جابر. قلت: وله حكم المرفوع. الفصل الثالث: في ذكر الكلاب (الفَصْلُ الثَّالِثْ: فِيِ ذِكْرِ الكلاب). زاد في "الجامع" (¬2): واقتناؤها. الأول: حديث (ابن عمر). 1 - عن ابن عمر - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَن اقْتَنى كَلْباً إِلاَّ كَلْبَ صيْدٍ أوْ مَاشِيَةٍ انْتقُصَ مِنْ أَجْرِهِ في كُلَّ يَوْمٍ قيراطَانِ، وَكانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقُولُ: أوْ كَلْبَ حَرْثٍ". أخرجه الستة (¬3) إلا أبا داود. [صحيح] قوله: "قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من اقتنى" أي: ارتبط. "كلباً إلاّ كلب صيد أو ماشية". ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (3815) وهو حديث ضعيف. (¬2) (7/ 48). (¬3) أخرجه البخاري رقم (5480، 5481، 5482)، ومسلم رقم (1574)، ومالك في "الموطأ" (2/ 969)، والترمذي رقم (1487)، والنسائي (7/ 187). وهو حديث صحيح.

في رواية (¬1): "إلاّ كلب زرع أو غنم". وهو تفسير الماشية، وفي لفظ (¬2) جمع الثلاثة: "إلا كلب ماشية أو زرع أو ضرع". فالماشية المراد بها الضرع من غنم أو بقر، وألحقوا بذلك ما أشبهه في جلب المنافع ودفع المضار، فيخص كراهة اتخاذها لغير حاجة. وذلك لما فيه من ترويع الناس، وامتناع دخول الملائكة البيت الذي هي فيه (¬3). قوله: "انتقص" بضم الهمزة مبني للمفعول. "من أجره كل يوم قيراطان" أي: من ثوابه. قيل: فيه دليل على أن اتخاذه غير محرم؛ لأن ما كان محرماً فلا يباح اتخاذه بكل حال، لا أنه ينقص من أجره, وقد ينازع في ذلك؛ لأن انتقاص ثواب الأعمال لا يكون إلاّ لفعل محرم، هذا وفي رواية للبخاري (¬4) "قيراط" بالإفراد وتأتي الرواية بذلك. قوله: "وكان أبو هريرة يقول" زيادة في الرواية. "أو كلب حرث" قال ابن الأثير (¬5): قال الزهري: فذكر لابن عمر راوي الرواية التي ليس فيها " ... أو كلب حرث" قول أبي هريرة - أي إتيانه بالزيادة - فقال: "يرحم الله أبا هريرة كان صاحب زرع". يريد: فحفظ الزيادة لعنايته بها لكونه من أهلها. قوله: "أخرجه الستة" بألفاظ مختلفة، "إلا أبا داود" فلم يخرجه. ¬

_ (¬1) أخرجها مسلم في صحيحه رقم (56/ 1574). (¬2) أخرجها مسلم في صحيحه رقم (58/ 1574). (¬3) قاله ابن عبد البر في "التمهيد" (16/ 165 - الفاروق). (¬4) في صحيحه رقم (3324) من حديث أبي هريرة وسيأتي. (¬5) في "الجامع" (7/ 50).

الثاني: حديث (أبي هريرة). 2 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَن اْتّخَذّ كَلْباً إِلاَّ كَلْبَ مَاشِيَةٍ أوْ صَيْدٍ أوْ زَرْعٍ نَقَصَ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيراط". أخرجه الخمسة (¬1). [صحيح] "قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من اتخذ كلباً" وفي لفظ له (¬2): "من أمسك" وتقدم "من اقتنى" والكل بمعنى. "إلا كلب ماشية أو صيد أو زرع نقص من أجره" أي: من أجر أعماله الصالحة. "كل يوم قيراط" وتقدم "قيراطان" فقيل: أنه أعلم - صلى الله عليه وسلم - أولاً بالقيراط ثم أعلم بالقيراطين. واختلف (¬3): هل القيراط المذكور في الجنازة؟ فقيل: نعم، وقيل: لا؛ لأن باب الفضل أوسع من باب العقوبة. قوله: "أخرجه الخمسة". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (3324)، ومسلم رقم (60/ 1575)، وأبو داود رقم (2844)، والترمذي رقم (1490)، والنسائي رقم (4289)، وابن ماجه رقم (3204). وهو حديث صحيح. (¬2) أخرجه البخاري رقم (2322)، ومسلم رقم (1575). (¬3) انظر: "فتح الباري" (5/ 7 - 8).

كتاب الصفات

كتاب الصفات (كِتَابُ الصفات) [210 ب]. جمع صفة, في التعريفات (¬1): الصفة لغة: النعت، وعرفاً: الاسم الدال على بعض أحوال الذات نحو: طويل وقصير أحمق. انتهى. والمراد هنا صفات الله - عز وجل -. الأول: حديث (أبي موسى). 1 - عن أبي موسى - رضي الله عنه - قال: قامَ فِيناَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ. فَقَالَ: "إِنَّ الله تَعَاَلى لاَ يَنَامُ وَلاَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ. يَخْفْضُ القِسْطْ وَيَرْفْعُهُ وَيُرْفعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ وَعَمِلَ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ الَّليْلِ. حِجاَبُهُ النُّورُ. لَوْ كَشَفَهُ لَأحْرَقَتْ سُبْحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ". أخرجه مسلم (¬2). [صحيح] ¬

_ (¬1) (ص 458). (¬2) في صحيحه رقم (179). وأخرجه أحمد (4/ 395، 405)، وابن ماجه رقم (195، 196). وهو حديث صحيح. حجابه النَّور: أهل السنة والجماعة يثبتون الحجاب على الحقيقة كما جاءت به النصوص، وأنه يحجب بصر العباد وإدراكهم لا الخالق عز وجل. "مجموع فتاوى" (6/ 8 - 11، 387، 416). "مختصر الصواعق المرسلة" (2/ 190). النُّور: صفة ذاتية لله عز وجل ثابتة بالكتاب والسنة، وقد عدَّ بعضهم (النور) من أسماء الله تعالى، وقد تقدم مفصلاً. وانظر: "مجموع فتاوى" (5/ 73)، (6، 386). "مختصر الصواعق المرسلة" (2/ 192 - 206).

"سُبُحَاتُ (¬1) وَجْهِ الله (¬2) " أنوارهُ: أي لو انكشف من أنوار الله التي تَحجُبُ العبادَ عنهُ شيءٌ لأهلك كُلَّ من وقع عليهِ ذلك النوُرُ كما خرَّ موسى - عليه السلام - صَعِقاً، وتقطعَ الجبلُ دكا لما تجلى الله - سبحانه وتعالى -. قوله: "بخمس كلمات" أي: جُمل. ¬

_ (¬1) السبحات: النور والجلال والبهاء. قال الهروي في "الغريبين" (3/ 855): "سُبُحَات وجهه نور وجهه". وقال الفراهيدي في كتاب العين (ص 405) سُبحتةُ وجهه هي نور وجهه وجلاله. انظر: "غريب الحديث" للخطابي (1/ 685). مجموع فتاوى (5/ 74) "المجموع المغيث" (2/ 49). (¬2) (وجهه) الوجه صفة ذاتية خبرية لله عز وجل ثابتة بالكتاب والسنة: الدليل من الكتاب: قوله تعالى: {وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ} [البقرة الآية: 272]. وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ} [الرعد الآية: 22]. الدليل من السنة: • ما أخرجه البخاري رقم (3150)، ومسلم رقم (1062) من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - لما قسم النبي - صلى الله عليه وسلم -، الغنائم يوم حنين، وقال رجل: والله إن هذه قسمة ما عدل فيها، وما أريد فيها وجه الله ... ". • وما أخرجه البخاري رقم (6733)، ومسلم رقم (1628) من حديث سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه -: " ... إنك لن تخلَّف فتعمل عملاً تبتغي به وجه الله، إلا ازددت به درجة ورفعة ... ". قال ابن خزيمة في كتاب التوحيد (1/ 25) بعد أن أورد جملة من الآيات تثبت صفة الوجه لله تعالى: "فنحن وجميع علمائنا من أهل الحجاز وتهامة واليمن والعراق والشام ومصر، مذهبنا: أنا نثبت لله ما أثبته الله لنفسه، نقر بذلك بألسنتنا، ونصدق ذلك بقلوبنا، من غير أن نشبه وجه خالقنا بوجه أحد من المخلوقين، عز ربنا عن أن يشبه المخلوقين، وجلَّ ربنا عن مقاله المعطلين. انظر: "الحجة" (1/ 199) "كتاب التوحيد" لابن منده (3/ 36) مما تقدم تعلم أن عود الضمير في وجهه إلى الله عز وجل.

الأولى: قوله: "إن الله لا ينام" قال تعالى: {لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ} (¬1). والثانية: "ولا ينبغي له" أي: لا يصح ولا يتصور أن ينام، قالوا: النوم استراحة القوى والحواس، ومن كان بريئاً من ذلك، ولا يشغله شأن عن شأن لا ينبغي له أن ينام. الثالثة: "يخفض القسط" أي: الميزان سمي بذلك؛ لأن القسط العدل، وبالميزان يقع العدل، والمراد يخفض الميزان. "ويرفعه" بما يوزن من أعمال العباد المرتفعة ويوزن من أرزاقهم النازلة إليهم. وقيل: المراد بالقسط الرزق الذي قُسط لكل مخلوق، يخفض فيقتره ويرفع فيوسعه. الرابعة: "يُرفع إليه عمل الليل" أي: أعمال عباده. "قبل عمل النهار" وذلك لأن الليل خلق قبل النهار، ولذا يقدمه الله في الآيات: {وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَار} (¬2)، {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَة} (¬3). "وعمل النهار" الذي بعد ذلك الليل، "قبل عمل الليل". الخامسة: قوله: "حجابه النور" وفي رواية "النار" الحجاب (¬4): المنع والستر وحقيقته إنما تكون للأجسام، والله منزه عن ذلك، والمراد هنا: المانع عن رؤيته، ويسمى ذلك المانع ناراً ونوراً؛ لأنهما يمنعان من الإدراك بشعاعهما. قوله: "لو كشفه لأحرقت سُبُحات" (¬5) بضمتين، هي نور، (وجهه) وجلاله وبهائه. ¬

_ (¬1) سورة البقرة الآية: 255. (¬2) سورة البقرة الآية: 164، آل عمران الآية: 190، يونس الآية: 6. (¬3) سورة الفرقان الآية: 62. (¬4) تقدم معناها. (¬5) تقدم معناها.

والمراد بوجهه ذاته (¬1). "ما انتهى إليه بصره من خلقه" أي: جميع خلقه؛ لأنّ بصره (¬2) محيط بكل الكائنات، فـ "من" لبيان الجنس لا للتبعيض، والتقدير لو زال المانع من رؤيته، وهو الحجاب المسمى بالنور أو النار، وتجلى لمخلوقاته لأحرق نور وجهه جميع مخلوقاته، والمصنف قد أتى بتفسير بعض الحديث. قوله: "أخرجه مسلم" ولم يخرجه البخاري. الثاني: حديث (أبي هريرة). 2 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذَا قاتَلَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيَجْتَنِبِ الوَجْهَ". أخرجه الشيخان (¬3). [صحيح] وزاد مسلم (¬4): "فَإنَّ الله خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتهِ". ¬

_ (¬1) تقدم أن الوجه صفة ذاتية خبرية لله عز وجل ثابتة بالكتاب والسنة وقد تقدم تفصيله. (¬2) قال البيهقي والدارمي وابن تيمية وغيرهم أن الهاء في "بصره" عائدة على الله عز وجل، أي: لو كشفها لا أحرق نور وجه الله كل ما أدركه بصره, أي جميع الخلق؛ لأن بصره تعالى مدرك كل شيء، غير أنه يصيب ما يشاء ويصرفه عمن يشاء. قال ابن تيمية فالبصر يدرك الخلق كلهم، وأما السبحات فهي محجوبة بحجابه النور، أو النار، وهذا في الدنيا لأن الله كتب عليها الفناء، فإذا كان يوم القيامة ركبت الابصار والجوارح للبقاء فاحتملت النظر إلى وجهه تعالى وإلى سبحاته ونور وجهه من غير أن يحرق أحداً. انظر: "مختصر الصواعق المرسلة" (2/ 190). "الأسماء والصفات" للبيهقي (ص 392). "مجموع فتاوى" (6/ 10 - 387، 396). (¬3) أخرجه البخاري رقم (2559)، ومسلم في صحيحه رقم (2612) وهو حديث صحيح. (¬4) في صحيحه رقم (115/ 2612).

"قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[211 ب] إذا قاتل أحدكم أخاه فليجتنب الوجه" أي: ضربه فيه ولعله المراد: أخاه المسلم، وأما قتال الكافر في الجهاد فيجوز تعمد وجهه. قوله: "أخرجه الشيخان وزاد مسلم" من رواية أبي هريرة, بيان وجه النهي بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "فإن الله خلق آدم على صورته" أي: على صورة الأخ فالضارب لوجه أخيه ضارب لوجه أبيه آدم (¬1) الذي هو مأمور بإكرامه، حتى إكرام ما كان على خلقته. والوجه من كل حيوان منهي عن إهانته حتى "لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من وسم بهيمة في وجهها" (¬2). واعتمد جُهَّال معالمة الكتاب صفع الصبي في وجهه وغيرهم من المربين للصبيان. الثالث: حديث (أنس - رضي الله عنه -). 3 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: كانَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يُكْثُرِ أَنْ يَقُولَ: "يَا مُقَلَّبَ القُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِيِنكَ". فَقُلْتُ: يَا رسولَ الله قَدْ آمَنَّا بِكَ وَبِماَ جِئْتَ بِهِ فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْناَ؟ قَالَ: "نَعَمْ. إِنِّ القُلُوبَ بينَ إِصْبَعيْنِ مِنْ أَصاَبعِ الرَّحْمنِ يُقَّلبُهاَ كَيْفَ يَشَاءُ". أخرجه الترمذي (¬3). [صحيح] ¬

_ (¬1) قال ابن تيمية في نقض التأسيس (3/ 202): لم يكن بين السلف من القرون الثلاثة نزاع في أن الضمير في هدا الحديث عائد إلى الله تعالى، فإنه مستفيض من طرق متعددة, عن عدد من الصحابة وسياق الأحاديث كلها تدل على ذلك ... إلى أن قال: ولكن لما انتشرت الجهمية في المائة الثالثة، جعل طائفة الضمير فيه عائداً إلى غير الله تعالى ... وقد تقدم ذلك مفصلاً. (¬2) أخرجه مسلم في صحيحه رقم (106/ 2116) عن جابر قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الضرب في الوجه، وعن الوسم في الوجه. وأخرج مسلم في صحيحه رقم (108/ 2117) عن جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حرَّ عليه حمار قد وسم في وجهه فقال: "لعن الله الذي وسمه". (¬3) في "السنن" رقم (2140) وهو حديث صحيح.

قوله: "يكثر أن يقول" في دعائه. "يا مقلب القلوب" (¬1) أي: صفاتها واعتقاداتها، وكان من إقسامه "لا ومقلب القلوب" فالله سبحانه مالك القلوب يقلبها كيف يشاء، كما قال: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ} (¬2)، {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ} (¬3). "ثبت قلبي على دينك" وقال الراسخون في العلم: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} (¬4) الآية، وقال تعالى: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} (¬5). "فقلت يا رسول الله! قد آمنا بك، وبما جئت به فهل تخاف علينا" لما سمع أنس دعاه, انتقل إلى نفسه وإلى العباد، فإنه إذا كان - صلى الله عليه وسلم - يخاف تقليب قلبه فكيف بالعباد. "فقال نعم" أي: أخاف عليكم وذكر علته بقوله: "إنّ القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء"، والمراد (¬6): أن الله هو المتمكن من قلوب العباد، والمتسلط عليها والمتصرف فيها كيف يشاء. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (6628). واعلم أن منهج أهل السنة والجماعة في أسماء الله تعالى توقيفية، وأن الله تعالى لا يسمَّى إلا بما ثبت تسميته به نصاً من كتابٍ أو سنةٍ. انظر: "مجموع فتاوى" (5/ 26) "بدائع الفوائد" (1/ 183). (¬2) سورة الأنفال الآية: 63. (¬3) سورة الأنعام الآية: 110. (¬4) سورة آل عمران الآية: 8. (¬5) سورة الصف الآية: 5. (¬6) بل الأصابع هي من صفات الله الذاتية الخبرية الثابتة في السنة الصحيحة. (منها): ما أخرجه مسلم رقم (2654) عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما -، أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن ... ". =

وإنما قال: "من أصابع الرحمن" إشارة إلى أن الله تعالى تولى بنفسه أمر قلوبهم، ولم يكلها إلى أحد من ملائكته رحمة منه وفضلاً؛ لئلا يطلع على أسرارهم. قلت: ولذا قال تعالى في صفة الحفظة الكرام الكاتبين: {يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (12)} (¬1). مفهومه: لا ما تعتقدون وتنوون، وقال: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ [212 ب] فَاحْذَرُوهُ} (¬2). قوله: "أخرجه الترمذي". قلت: وقال (¬3) حسن. الرابع: حديث (أبي هريرة - رضي الله عنه -). 4 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سَمِعْتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأَ هذِهِ الآيَةِ {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} إلى قَوْلهِ {إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58)} (¬4) فَرَأَيْتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَضَعُ ¬

_ = ومنها: ما أخرجه البخاري رقم (7415)، ومسلم رقم (2786) من حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: "جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - من أهل الكتاب، فقال: يا أبا القاسم! إن الله يمسك السماوات على إصبع، والأرضين على إصبع ... إلى أن قال: فرأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - ضحك حتى بدت نواجذه, ثم قرأ: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ}. قال البغوي في "شرح السنة" (1/ 168) بعد ذكر الحديث المتقدم: "والإصبع المذكورة في الحديث صفة من صفات الله عز وجل، وكذلك كل ما جاء في الكتاب أو السنة من هذا القبيل من صفات الله تعالى، كالنفس، والوجه، والعين، واليد، والرجل والإتيان، والمجيء، والنزول إلى السماء الدنيا، والاستواء على العرش، والضحك والفرح". انظر: "تأويل مختلف الحديث" (ص 245). "كتاب التوحيد" لابن خزيمة (1/ 187). فلا نقول إصبع كأصابعنا، ولا يد كأيدينا، ولا قبضة كقبضاتنا؛ لأن كل شيء منه عز وجل لا يشبه شيئاً منا، فأهل السنة والجماعة يثبتون لله تعالى أصابع تليق به، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)}. (¬1) سورة الأنفطار الآية: 12. (¬2) سورة البقرة الآية: 235. (¬3) في "السنن" (4/ 449). (¬4) سورة النساء الآية: 58.

إِبْهاَمَهُ عَلَى أُذُنِهِ وَالَّتيِ تَلِيهاَ عَلَى عَيْنِهِ. أخرجه أبو داود (¬1). [صحيح] "قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ هذه الآية {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} (¬2) " سبب نزول الآية كما أخرجه ابن جرير (¬3) وابن المنذر (¬4) وابن عساكر (¬5)، [عن ابن جريج] (¬6) قال: "نزلت في عثمان بن طلحة, قبض منه النبي - صلى الله عليه وسلم - مفتاح الكعبة, ودخل به البيت يوم الفتح"، فخرج وهو يتلو هذه الآية , فدعا عثمان فدفع إليه المفتاح (¬7). وقال (¬8): "خذوها يا بني طلحة بأمانة الله لا ينزعها منكم إلاّ ظالم". وأخرج الطبراني (¬9) عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خذوها يا بني طلحة خالدة تالدة لا ينزعها منكم إلاّ ظالم". يعني: حجابة الكعبة. ¬

_ (¬1) في "السنن" (4728) وهو حديث صحيح. (¬2) سورة النساء الآية: 58. (¬3) في "جامع البيان" (7/ 170 - 171). (¬4) عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" (2/ 570 - 571). (¬5) لم يعزه السيوطي لابن عساكر في "الدر المنثور" (2/ 570). (¬6) في "المخطوط" (أ. ب) (عن ابن جريج، عن مجاهد) وهو خطأ بيّن، وما أثبتناه من مصادر التخريج. (¬7) وتمام العبارة كما في مصادر التخريج: قال: وقال عمر بن الخطاب لما خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الكعبة وهو يتلو هذه الآية: فداه أبي وأمي ما سمعته يتلوها قبل ذلك. (¬8) من حديث ابن عباس كما في "الدر المنثور" (2/ 571) حيث قال: وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خذوها يا بني طلحة خالدة تالدة, لا ينزعها منكم إلا ظالم" يعني حجابة الكعبة. (¬9) في "المعجم الكبير" (ج 11 رقم 11234). وأورده الهيثمي في المجمع (3/ 285)، وقال: روى الطبراني في الكبير والأوسط, وفيه عبد الله بن مؤمل وثقه ابن حبان وقال يخطئ، ووثقه ابن معين في رواية, وضعفه جماعة.

قوله: "إلى قوله: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58)} فرأيت رسول الله يضع إبهامه على أذنه، والذي تليها على عينه". قال البيهقي (¬1) - رحمه الله -: المراد بالإشارة المروية في هذا الحديث تحقيق الوصف لله بالسمع والبصر، فأشار إلى محلي السمع والبصر، فإثبات صفة السمع والبصر لله كما قال: قبض فلان على مال فلان وأشار باليد على معنى أنه حاز ماله. وأفاد هذا الحديث أنه سميع بصير (¬2) على معنى له سمع وبصر لا على معنى أنه عليم، إذ لو كان بمعنى العلم لأشار إلى القلب؛ لأنه محل العلوم منا، وليس في الخبر إثبات الجارحة لله تعالى الله عن شبه المخلوقين علواً كبيراً. قوله: "أخرجه أبو داود". انتهى حرف الصاد المهملة ويتبعها. ¬

_ (¬1) في "الأسماء والصفات" (2/ 168 - 169). (¬2) فأهل السنة والجماعة يقولون: إن الله سميع يسمع بسمع يليق بجلاله وعظمته, كما أنه بصير يبصر، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)}. وتقدم تفصيله في أسماء الله الحسنى. وقال الحافظ ابن كثير في رسالته "العقائد": "فإذا نطق الكتاب العزيز ووردت الأخبار الصحيحة بإثبات السمع والبصر والعين والوجه والعلم والقوة والقدرة والعظمة والمشيئة والإرادة والقول والكلام والرضى والسخط والحب والبغض والفرح والضحك؛ وجب أعتقاد حقيقته؛ من غير تشبيه بشيء من ذلك بصفات المربوبين المخلوقين، والانتهاء إلى ما قاله الله سبحانه وتعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم -؛ من غير إضافة, ولا زيادة عليه، ولا تكييف له، ولا تشبيه، ولا تحريف، ولا تبديل، ولا تغيير، وإزالة لفظ عما تعرفه العرب وتصرفه عليه, والإمساك عما سوى ذلك". وانظر: "رسالة إلى أهل الثغر" لأبي الحسن الأشعري (ص 225). و"علاقة الإثبات والتفويض" (ص 51).

حرف الضاد

حرف الضاد (حَرفُ الضَّاد) المعجمة. (وفيه كتابان: الضيافة والضمان) كتاب الضيافة الأول (كتاب الضيافة) في التعريفات (¬1): الضيافة: الميل، يقال: ضافة الشمس للغروب، مالت، والضيف: من مالَ بك نزولاً، وصارت الضِّيافة متعارفة في القرى. الأول: 1 - وعن أبي كريمةً - رضي الله عنه - قال: قال رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَيْلَةُ الضَّيْفِ حَقٌّ عَلَى كُلِ مُسْلمٌ، فَمَنْ أَصْبَح بِفِنَائهِ فَهُو عَلَيْهِ دَيْنٌ إِنْ شاَءَ اقْتَضَى، وَإِنْ شاَءَ تَرَكَ". أخرجه أبو داود (¬2). [صحيح] حديث (أبي كريمة) وهو بفتح [213 ب] الكاف وهو المقدام (¬3) بن معدي كرب. "قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة الضيف" خصّ الليلة لأنّ غالب الأضياف تأتي آخر النهار وأضافها إليه؛ لأنها زمان إثبات الحق له. "حق على كل مسلم" أي: قَراه فيها حق على من نزل إليه من المسلمين، فجعل الليلة حق؛ لأنه يلزم حق الضيف فيها، وهو دليل على وجوب إقراه ليلته، والضيافة من آداب الإسلام وخلق الأنبياء - عليهم السلام - والصالحين. ¬

_ (¬1) (ص 476) وانظر: "المصباح المنير" (ص 433). (¬2) في "السنن" رقم (3750). وأخرجه أحمد (4/ 130)، والبخاري في "الأدب المفرد" رقم (744)، وابن ماجه رقم (3677)، والطحاوي في شرح "معاني الأثار" (4/ 242)، وفي شرح "مشكل الأثار" رقم (1839) وهو حديث صحيح. (¬3) انظر: "التقريب" (2/ 272 رقم 1350).

وقال: بوجوبها الليث، ليلة واحدة للحديث هذا، وقال عامة الفقهاء (¬1): أنها غير واجبة لكنها من مكارم الأخلاق، وتأولوا الأحاديث، بأنها كانت في أول الإسلام إذ كانت المواساة واجبة, ثم مذهب الشافعي (¬2) أنها على الحاضر والباديء، وخصّها مالك (¬3) وسحنون بأهل البوادي؛ لأنّ المسافر يجد في الحضر المنازل والأسواق. ولحديث: "الضيافة على أهل الوبر، وليست على أهل المدر" لكنه حديث موضوع (¬4). قلت: أخرجه القضاعي في "الشهاب" (¬5) عن ابن عمر وصرح بوضعه الأئمة. قالوا: وقد تجب الضيافة على من اجتاز محتاجاً وخيف عليه، هذا كلام القاضي عياض (¬6). قلت: والأحاديث دالة على الوجوب. وفي قوله - صلى الله عليه وسلم - "فمن أصبح" أي: الضيف. "بفناءه" أي: بفناء من نزل به. "فهو" أي: القرى، الدال عليه السياق على ذي الفناء (دين)؛ لأنه حق لازم فرط في أدائه فصار ديناً. ¬

_ (¬1) ذكره النووي في "شرحه لصحيح مسلم" (12/ 32). (¬2) "المجموع شرح المهذب" (9/ 52) "البيان" للعمراني (4/ 520/ 521). (¬3) مدونة الفقه المالكي وأولته (2/ 296 - 297). (¬4) وهو كما قال. (¬5) في "مسنده" (1/ 19) وهو حديث موضوع. وأخرجه ابن عدي في "الكامل" (1/ 7) عن إبراهيم بن عبد الله بن أخي عبد الرزاق عن عبد الرزاق عن سفيان عن عبيد الله عن رافع عن ابن عمر مرفوعاً ساقه ابن عدي في ترجمة إبراهيم هذا مع أحاديث أخرى له، ثم قال ابن عدي: وهذه الأحاديث مناكير، مع سائر ما يروي ابن أخي عبد الرزاق هذا. (¬6) في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (6/ 22).

"إن شاء" الضيف النازل به "اقتضى" دينه وهو قدر قراه. "وإن شاء ترك" كما هي صفة الدين، والحديث دليل ظاهر على وجوب الضيافة ليلة، والتأويل بأنه كان في أول الإسلام لا دليل عليه. قوله: "أخرجه أبو داود". وفي رواية (¬1) له قال: "أَيُّماَ رَجُلٍ ضَافَ قَوْماً فَأصْبَحَ الضَّيْفُ مَحْروماً فَإِنَّ نُصْرَتَهُ حَقٌّ عَلَى كُلَّ مُسْلِمٍ حَتَّى يَأْخُذَ بِقِرَى لَيْلَتَه مِنْ زَرْعِهِ وَماَلِهِ". [ضعيف] "القِرَى" نْزُلُ الضيفِ وهُو ما يُعدُّ له ويحضرُ إليه من طعامٍ وشرابٍ ونحوهِ. قوله: "وفي رواية له" أي: لأبي كريمة عنه - صلى الله عليه وسلم -. "قال أيما رجل" أو امرأة. "ضاف قوماً" في "القاموس" (¬2): ضفته أُضِيفه ضيفاً، وضِيافةً بالكسر: نزلت عليه (¬3). فالمراد: ضاف قوماً نزل بهم. "فاصبح الضيف [214 ب] محروماً" عمّا يجب من قراه. "فإنّ نصرته" في طلبه حقه. "حق على كل مسلم حتى يأخذ" أي: الضيف. "بقرى ليلته من زرعه وماله" أي: زرع الذي نزل عليه، و"ماله" وفيه دليل أنه يأخذ بنفسه، فإن منعه صاحب الزرع والمال، وجب على المسلمين نصرته حتى يأخذ حقه، والمراد: إذا شاء أخذ حقه كما تقدم قريباً، وهذا زيادة في الدلالة على الإيجاب ويزيده دلالة. الثاني: وهو حديث (عقبة بن عامر). ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود في "السنن" رقم (3751) وهو حديث ضعيف. (¬2) "القاموس المحيط" (ص 1073). (¬3) كذا في "المخطوط" والذي في "القاموس": نزلت عليه ضيفا.

2 - وعن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - قال: قُلْتُ لِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - إِنكَ تَبْعَثناَ فَنَنْزِلُ بِقَوْمٍ لاَ يُقِروُّنَناَ. فَماَ تَّرىَ؟ فقاَلَ: "إِذا نَزَلْتُمْ بِقَوْمٍ فَإِنْ أَمَروُا لَكُمْ بِمَا يَنْبَغِي لِلضَّيْفِ فاقْبَلُوا وإِلاَّ فَخُذُوا مِنْهُمْ حَقَّ الضَّيْفِ الَّذِي يَنْبَغِي لهُمْ". أخرجه الخمسة إلا النسائي (¬1). [صحيح] "قال: قلت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنك تبعثنا" أي: للجهاد أو لأي أمر. "فننزل بقوم لا يقروننا فماذا ترى" فهذا سؤال استفتاء عن الحكم. "فقال: إذا نزلتم بقوم فإن أمروا لكم بما ينبغي للضيف" من القرى طعاماً وشراباً. "فأقبلوا" والمراد: كفايتهم و"إلا" يأمروا لكم أي: بما ذكر. "فخذوا منهم" بأيديكم. "حق الضيف الذي ينبغي" فقد صار ديناً لكم عليهم كما تقدم، وحديث عقبة هذا بوب له البخاري (¬2). باب: قصاص المظلوم إذا وجد مال ظالمه. وهو إشارة إلى المسألة المعروفة بمسألة الظفر. وجنح البخاري إلى اختيار ذلك، وهو ظاهر قوله - صلى الله عليه وسلم -: "فإن أبوا فخذوا منهم حق الضيف" أي: خذوا من مالهم، وهو أوضح في إيجاب الضيافة، وللناس فيها ثلاثة أقوال. الأول: لليث (¬3) بن سعد أنها واجبة مطلقاً. الثاني: لأحمد (¬4) بن حنبل أنها تجب على أهل البوادي دون القرى. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (2461، 6137)، ومسلم رقم (17/ 1727)، وأبو داود رقم (3752)، والترمذي رقم (1589)، وابن ماجه رقم (3676). وأخرجه أحمد (4/ 149)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (9/ 197) وهو حديث صحيح. (¬2) في صحيحه (5/ 107 الباب رقم (18). (¬3) انظر: "مدونة الفقه المالكي وأدلته" (2/ 296). (¬4) "المغني" (13/ 354).

الثالث: - للأكثر - أنها سنة مؤكدة (¬1)، وحملوا حديث عقبة على المضطر. قلت: ولا يخفى بعده، فإن المضطر له حق آخر واجب يوجبه الاضطرار، وهذا حق توجبه الضيافة، وقيل (¬2): أنه منسوخ، وهو دعوى لا دليل عليها، وثمة أجوبه أخر لا دليل عليها. وقوله: "أنه يؤخذ من زروعهم" ونحوها، وذلك إذا منعوا من إعطائهم، وهو دليل على مسألة الظفر، وبها قال الشافعي (¬3)، فجزم بجواز الأخذ إذا لم يكن تحصيل الحق بغير ذلك، ويجهد في تقويم ماله في حق الضيافة ولا يحيف، فإن أمكن [215 ب] تحصيل الحق بالقاضي فهل يتعين أخذه بواسطته أم يجوز له الأخذ بنفسه؟ فيه خلاف (¬4). قوله: "أخرجه الخمسة إلاّ النسائي". الثالث: حديث (عوف بن مالك). 3 - وعن عوف بن مالك - رضي الله عنه - قال: قُلْتُ: يَا رسولَ الله، الرَّجُلُ أَمُرُّ بِهِ فَلاَ يُقْرِيني ثُمَّ يَمُرُّ بِي أَفَأُجَازِيهِ قَالَ: "بَلْ أَقْرِهِ، وَرَآنِي رَثَّ الثَّيابِ فقَالَ: هَلْ لَكَ مِنْ مَالٍ؟ " قُلْتُ: مِنْ كُلِّ المَالِ قَدْ أَعْطَانِي الله تَعَالى مِنْ الإْبِلِ وَالغَنَمِ قال "فَلْيُرَ عَلَيْكَ". أخرجه الترمذي وصححه (¬5). [صحيح] ¬

_ (¬1) قال الحافظ في "الفتح" (5/ 108) وقال الجمهور: الضيافة سنة مؤكدة. (¬2) انظر: "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (6/ 22 - 23)، "فتح الباري" (5/ 108). (¬3) ذكره الحافظ في "الفتح" (5/ 109). (¬4) قال الحافظ في "الفتح" (5/ 109): "واستدل به على مسألة الظفر وبها قال الشافعي، فجزم بجواز الأخذ فيما إذا لم يمكن تحصيل الحق بالقاضي، كأن يقول غريمه منكراً، ولا بينة له عند وجود الجنس، فيجوز عنده أخذه إن ظفر به، وأخذ غيره بقدرة إن لم يجده, ويجتهد في التقويم ولا يحيف فإن أمكن تحصيل الحق بالقاضي فالأصح عند أكثر الشافعية الجواز أيضاً، وعند المالكية الخلاف، وجوزه الحنفية في "المثلى" دون المتقوم لما يخشى فيه الحيف، واتفقوا على أن محل الجواز في الأموال لا في العقوبات البدنية لكثرة الفوائد في ذلك، ومحل الجواز في الأموال أيضاً ما إذا أمن الغائلة كنسبته بلى السرقة ونحو ذلك. (¬5) في "السنن" رقم (200). =

"الثِّيابُ الرَّثّةُ" (¬1) الخلقة الرديئة. "قال: قلت: يا رسول الله الرجل أمُّر به في طريقي فلا يُقْرِيني ثم يمر بي" مجتازاً كما مررت به. "أفأجازيه" بأن لا أُقريه. "قال: بل أقْرِهِ" فيه دليل أنه لا يجازي المسيء بالإساءة. بمثل ما أساء به، وأنه يخص من قوله تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} (¬2) ومثل، {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} (¬3) ويحتمل أنه - صلى الله عليه وسلم - حثه على الإحسان إلى من أساء إليه، دلالة على مكارم الأخلاق، وإن كان جائزاً له مجازاته. قوله: "ورآني رث الثياب" في "القاموس" (¬4): الرث البالي، ويأتي تفسير المصنف لها. "فقال: هل لك من مال" كأنه حين رآه رث الثياب ظنَّ أنه لفقره، فسأله. "فقال: من كل المال قد أعطاني الله من الإبل والغنم" وكانا أعز المال عند العرب. ¬

_ = وأخرجه أحمد في "المسند" (3/ 473، 474)، وأبو داود رقم (4063)، والنسائي في "السنن" رقم (5223, 5224، 5294)، والطبراني في "الكبير" رقم (610، 612، 613، 615 - 621)، والبيهقي في "الشعب" رقم (6199) في "السنن الكبرى" (10/ 10)، وعبد الرزاق في "مصنفه" (20513)، والطحاوي في "شرح مشكل الأثار" رقم (3043)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (3118) من طرق وهو حديث صحيح. (¬1) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (1/ 634). (¬2) سورة الشورى الآية: 40. (¬3) سورة النحل الآية: 126. (¬4) "القاموس المحيط" (ص 217).

"فقال: فَلْيُرَ عليك" أي: ينظر الناس عليك أثر إنعام الله عليك بحسن ثيابك، فإنه من شكر نعم الله على عبده، أن يلبس من الثياب ما يدل على غنائه، فإنه بذلك يكون لله شاكراً بلسان الحال، ويطمع فيه السائل فينال من صدقته وغير ذلك، وقد قدّمنا ذلك. قوله: "أخرجه الترمذي وصححه". الرابع: حديث (أبي هريرة - رضي الله عنه -). 4 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "الضِّيَافَةُ ثَلاَثَةُ أَيَامٍ. فَمَا سِوّى ذَلِكَ فَهُوَ صَدَقَةٌ". أخرجه أبو داود (¬1). [حسن] "قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: الضيافة ثلاثة أيام" قال أبو عُبيد (¬2): يتكلف له في اليوم الأول بالبر والألطاف، وفي الثاني والثالث: يقدم له ما حضره ولا يزيد على عادته، ثم يعطيه ما يجوز به مسافة يوم وليلة، ومثله قال الخطابي (¬3): ويأتي عن مالك (¬4) إلاّ أنه لم يذكر "ثم يعطيه .... " إلى آخره كما ذكره أبو عبيد. ودليل أبي عبيد على ذلك ما عند أحمد (¬5) ومسلم (¬6) من قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث أبي شريح "الضيافة ثلاثة أيام وجائزته يوم وليلة" ويأتي حديث أبي شريح. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (3749). وأخرجه أحمد (2/ 288)، والبخاري في "الأدب المفرد" رقم (742)، والحاكم (4/ 164)، والطيالسي رقم (5260)، والبزار في مسنده رقم (1930 - كشف)، وابن حبان رقم (5284)، وأبو يعلى رقم (6590). وهو حديث حسن. (¬2) ذكره الحافظ في "الفتح" (10/ 533). (¬3) في "معالم السنن" (4/ 128). (¬4) انظر: "التمهيد" (15/ 284 - 285). (¬5) في "المسند" (4/ 31). (¬6) في صحيحه (14/ 48).

قوله صلى الله عليه [216 ب] وآله وسلم: "وما سوى ذلك فهو صدقة" استدل به على أنّ الذي قبلها واجب كما تقدم. "أخرجه أبو داود". الخامس: 5 - وعن أبي شريح العدوي - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِالله وَاليَوْمِ الأُخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيفَهُ" جاَئِزَتَهُ. قالُوا: وَماَ جاَئزَتُهُ ياَ رسولَ الله؟ قال: يَوْمُهُ وَلَيْلَتُهُ، وَالضَّياَفَةُ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ، وَماَ وَرَاءَ ذلِكَ فَهُوَ صَدَقَةٌ، وَلاَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُقِيِمَ عِنْدَهُ حَتَّى يُؤْثِمَهُ. قالُوا: كَيْفَ يُؤْثِمُهُ؟ قَالَ: يُقيِمُ عِنْدَهُ وَلَيْسَ لَهُ شَيْء يُقْرِيِهِ بِهِ". أخرجه الستة إلاّ النسائي (¬1). [صحيح] "الجائْزةُ" العطية. قال الإمام مالك (¬2): يكرمه ويتحفه ويحفظه يوماً وليلة ويضيفه ثلاثة أيام. ومعنى "يؤثمه" يوقعه في الإثم. حديث: (أبي شريح العدوي - رضي الله عنه -) ويقال له الكعبي الخزاعي (¬3). "قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته". جائزته بالنصب، أي: أعطوه جائزته، وإن صحت الرواية (¬4) بالرفع، كان تقدير المتوجه عليهم جائزته. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (6019) و (6135)، (6476)، ومسلم رقم (14/ 48)، ومالك في "الموطأ" (2/ 929 رقم 22)، وأبو داود رقم (3748)، والترمذي رقم (1967، 1968)، وابن ماجه رقم (3675). وأخرجه أحمد (4/ 31)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (9/ 197). وهو حديث صحيح. (¬2) انظر: "التمهيد" (15/ 285 - 286)، "مدونة الفقه المالكي وأدلته" (2/ 295 - 296). (¬3) انظر: "التقريب" (2/ 434 رقم 3). (¬4) قال الحافظ في "الفتح" (10/ 533) "جائزته يوم وليلة" قال السهيلي: روى جائزته بالرفع على الابتداء وهو واضح، وبالنصب على بدل الاشتمال أي يكرم جائزته يوماً وليلة.

"قالوا: وما جائزته يا رسول الله" كأنه كان شيئاً غير معروف لهم. "قال: يومه وليلته" قيل: هو بيان لحالة أخرى، وهي أنّ المسافر تارة يقيم عند مَنْ ينزل عليه، فهذا لا يزاد على الثلاث، وتارة لا يقيم فهذا يُعطى ما يجوز به قدر كفايته يوماً وليلة. قال الحافظ ابن حجر (¬1): أنه أعدل الأوجه بعد ذكره وجوهاً في تأويله. "قوله: "والضيافة ثلاثة أيام، وما وراء ذلك فهو صدقة" تقدم. قوله: "ولا يحل له" أي: للضيف. "أن يقيم عنده" عند المضيف. "حتى يؤثمه" قال الخطابي (¬2): معناه، لا يحل للضيف أن يقيم عنده بعد الثلاث من غير استدعاء منه, حتى يضيق صدره فيبطل أجره. قوله: "كيف يؤثمه, قال: يقيم عنده وليس له شيء يُقرِيه به" فيحوجه إلى ارتكاب الدين أو إلى سوء مخالفته أو نحو ذلك (¬3). قوله: "أخرجه الستة". ¬

_ (¬1) في "فتح الباري" (10/ 533). (¬2) في "السنن" (4/ 128). (¬3) انظر: "فتح الباري" (10/ 533 - 534)، "التمهيد" (15/ 283 - 285).

كتاب الضمان

كتاب الضمان (كتاب الضمان) هو الالتزام (¬1)، ويتعدى بالتضعيف فيقال: ضمَّنته المال ألزَمته إياه. الأول: حديث (ابن عباس - رضي الله عنهما -). 1 - عن ابن عباس - رضي الله عنهما -: أَنَّ رَجُلاً لَزِمَ غَريماً لَهُ بِعَشْرَةِ دَنَانِيرَ. فقَالَ: ماَ أُفَارِقَك حَتَّى تَقْضَيِنِي أَوْ تَأْتَيِ بِحَمِيلٍ. فَتَحَّملَ بِهاَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فَأَتَاهُ بِهاَ مِنْ وَجْهٍ غَيْرِ مَرْضيًّ فَقَضَاَهاَ عَنْهُ وقال: "الحَمِيلَ غَارِمٌ" (¬2). [حسن] أخرجه رزين. "الحميل" (¬3) الكفيل والضامن. "أنّ رجلاً لزم غريماً له بعشرة دنانير" بين معنى قوله: "لزم" بقوله: "ما أفارقك حتى تقضيني أو تأتيني بحميل، فتحمل بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأتاه" أي: من عليه الدين. "بها من وجه غير مرضي" بينته في الرواية (¬4) الأخرى، "قال: فأتاه بها فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من أين أصبت هذا الذهب؟ قال: من معدن، قال: لا حاجة لنا فيه ليس فيه خير". "فقضاها" أي: رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. "عنه وقال الحميل غارم" أي: يغرم ما تحمل (¬5) به، ففيه إثبات [217 ب] الحمالة والضمان، ¬

_ (¬1) انظر: "التوقيف على مهمات التعاريف" (ص 474 - 475)، "معجم لغة الفقهاء" (ص285). (¬2) أخرجه أبو داود في "السنن" رقم (3328)، وابن ماجه رقم (2406) وهو حديث حسن، عن ابن عباس قال: أن رجلاً لزم غريماً له بعشرة دنانير فقال: والله لا أفارقك حتى تقضيني أو تأتيني بحميل، قال: فتحمل بها النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأتاه بقدر ما وعده، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من أين أصبت هذا الذهب؟ قال: من معدن، قال: لا حاجة لنا فيها، وليس فيها خير" فقضاها عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (¬3) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (1/ 433)، "المجموع المغيث" (1/ 499). (¬4) وهو حديث حسن وقد تقدم. (¬5) وإليك شروط الحوالة كما ذكرها القرطبي في "المفهم" (4/ 439 - 440): =

وملازمة الغريم ومنعه من التصرفات، حتى يخرج من الحق الذي عليه قوله: "أخرجه رزين". الأولى: ذكره كما قدمنا ذلك مراراً. ¬

_ = (فمنها): أن تكون بدينٍ، فإن لم تكن بدينٍ لم تكن حوالة، لاستحالة حقيقتها إذ ذاك، وإنما تكون حمالة. (ومنها): رضا المحيل والمحال دون المحال عليه, وهو قول الجمهور، خلافاً للإصطخري؛ فإنه اعتبره. وإطلاق الحديث حجة عليه، وقد اعتبره مالك إن قصد المحيل بذلك الإضرار بالمحال عليه, وهذا من باب دفع الضرر. (ومنها): أن يكون الدين المحال به حالاً، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "مطل الغني ظلم"، ولا يصح المطل، ولا يصدق الظلم إلا في حق من وجب عليه الأداء، فيمطل، ثم قال بعده: "فإذا أتبع أحدكم فليتبع"، فأفاد ذلك: أن الدين المحال به لا بد أن يكون حالاً؛ لأنه إن لم يكن حالاً كثر الغرر بتأجيل الدينين. (ومنها): أن يكون الدين المحال عليه من جنس المحال به؛ لأنه إن خالفه في نوعه خرج من باب المعروف إلى باب المبايعة, والمكايسة، فيكون بيع الدين بالدين المنهي عنه. فإذا كملت شروطها برئت ذمة المحيل بانتقال الحق الذي كان عليه إلى ذمة المحال عليه, فلا يكون للمحال الرجوع على المحيل، وإن أفلس المحال عليه, أو مات. وهذا قول الجمهور. وقد ذهب أبو حنيفة إلى رجوعه عليه، إن تعذر أخذه الدين من المحال عليه. والأول الصحيح؛ لأن الحوالة عقد معاوضة، فلا يرجع بطلب أحد العوضين بعد التسليم، كسائر عقود المعاوضات، ولأن ذمة المحيل قد برئت من الحق المحال به بنفس الحوالة، فلا تعود مشتغلة به إلا بعقد آخر، ولا عقد، فلا شغل. غير أن مالكاً قال: إن غرَّ المحيل المحال بذمة المحال عليه كان له الرجوع على المحيل. وهذا لا ينبغي أن يختلف فيه، لوضوحه" اهـ.

حرف الطاء

حرف الطاء وفيه خمسة كتب: الطهارة، الطعام، الطب، الطلاق، الطيرة. (حَرفُ الطاء). (وفيه خمسة كتب: الطهارة، الطعام، الطب، الطلاق، الطيرة). الأول منها: كتاب الطهارة. (كِتَابُ الطَهَارَةِ) لغة: النظافة (¬1) حسية كانت أو معنوية. وشرعاً: صفة حكيمة توجب أي: تُصحّح لموصُوفها صحَّة صلاته به أو فيه أو معه. وفيه تسعة أبواب. (وفيه تسعة أبواب). (الأول من أبوبه:). الباب الأول: في أحكام المياه (في أحكام المياه)، فإنها منقسمة شرعاً إلى طاهر مطهر، وطاهر غير مطهر، وإلى متنجس. الأول: حديث (أبي هريرة - رضي الله عنه -). 1 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: جَاءَ رَجُلٌ إِلى رَسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: إِنَّا نَرْكَبُ البَحْرَ وَنَحْملُ مَعَناَ القلِيلَ مِنَ المَاءِ. فَإِنْ تَوَضَّأَنَا بِهِ عَطِشْنَا أَفَنَتَوَضَّاُ بِماَءِ البَحْرِ؟ فقَالَ: "هُوَ الطَّهُور ماَؤُهُ الحِلٌّ مَيْتَتُهُ". ¬

_ (¬1) ذكره المناوي في "التوقيف على مهمات التعاريف" (ص 486) ثم قال: وعُرّفت أيضاً بأنها صفة حكميّة توجب من قامت به رفع حدثٍ أو إزالة خبث في الماء نيةً واستباحة كل مفتقرٍ إلى طهر في البدلية. وانظر: "التعريفات" للجرجاني (ص 146)، "مفردات ألفاظ القرآن" (ص 459).

أخرجه الأربعة (¬1). [صحيح] "قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه آله وسلم فقال: إنا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء". الحلو. "فإن توضأنا به عطشنا" لقلته، يستغرقه الوضوء. "أفنتوضأ بماء البحر" البحر الماء الكثير أو المالح فقط كما في "القاموس" (¬2)، كأنه لما سمع: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا (48)} (¬3)، وقوله: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} (¬4)، حمل ذلك على ماء السماء والباقي منه ينابيع في الأرض، فسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. "فقال: هو الطهور" (¬5) بفتح الطاء، المصدر واسم لما يتطهر به, والآية تحتملها فهو هنا مصدر فاعله. "ماؤه" وضمير ماؤه يقتضي أنه أريد بالبحر مكانه وإلاّ لما احتيج إلى قوله: "ماؤه" فأفاد - صلى الله عليه وسلم - أنه طهور، أي: طاهر مطهر، لا يخرج عن ذلك إلاّ بما يأتي، ولم يقتصر - صلى الله عليه وسلم - في جوابه ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود رقم (83)، والترمذي رقم (69)، وقال: حديث حسن صحيح، والنسائي رقم (59، 332، 4350)، وابن ماجه رقم (386). وأخرجه أحمد (2/ 237، 361، 378، 392)، وابن خزيمة في صحيحه رقم (111)، وابن حبان رقم (1243)، وابن الجارود في "المنتفى" رقم (43)، والحاكم في "المستدرك" (1/ 140)، وفي "علوم الحديث" (ص 87)، والدارقطني في "السنن" (1/ 36 رقم 13)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (1/ 3)، وابن أبي شيبة (1/ 131). وهو حديث صحيح. (¬2) "القاموس المحيط" (ص 441). (¬3) سورة الفرقان الآية: 48. (¬4) سورة النساء الآية: 43. (¬5) انظر: "القاموس المحيط" (ص 554, 555)، و"لسان العرب" (8/ 210 - 212)، و"تهذيب اللغة" (6/ 170 - 174).

بقوله: نعم مع إفادتها الغرض بل أجاب بهذا اللفظ ليعرف الحكم بعليته, وهي الطهورية المتناهية في بابها، ثم زاده - صلى الله عليه وسلم - إفادة لم يسأل عنها، فقال: "والحل" مصدر حل الشيء حق حرم، ولفظ الدارقطني (¬1) "والحلال". "ميتته" فاعل المصدر أيضاً فزاده حكم حل ميتته. قال الرافعي (¬2): لما عرف - صلى الله عليه وسلم - اشتباه الأمر على السائل في ماء البحر أشفق أن يشبه عليه حكم ميتته، وقد يبتلى بها راكب [218 ب] البحر فعقب الجواب عن سؤاله ببيان حكم الميتة. قال ابن العربي (¬3): وذلك من محاسن الفتوى، إجابة السائل بأكثر مما سأل عنه تتميماً للفائدة. وإفادةً لعلم آخر غير مسئول عنه, ويتأكد ذلك عند ظهور الحاجة إلى الحكم كما هنا؛ لأن من توقف عن طَهُوريَّة ماء البحر فهو من العلم بحلِّ ميتته مع تقديم تحريم الميتة أشد توقفاً، وفيه دليل على حلِّ ميتة البحر مطلقاً، ما لم يأتِ نص يخصص عمومه. قوله: "أخرجه الأربعة" زاد في "بلوغ المرام" (¬4): وابن أبي شيبة (¬5) وابن خزيمة (¬6). قال: وقال (¬7) الترمذي عقب ذكره، وهذا حديث حسن صحيح، وسألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث فقال: حسن صحيح. انتهى. الثاني: حديث (أبي سعيد - رضي الله عنه -). ¬

_ (¬1) في "السنن" (1/ 36 رقم 13). (¬2) انظر: "التخليص" (1/ 13). (¬3) في "عارضة الأحوذي" (1/ 89). (¬4) (1/ 98 الحديث رقم (1/ 1) بتحقيقي. (¬5) في "مصنفه" (1/ 131). (¬6) في صحيحه رقم (111). (¬7) في "السنن" (1/ 100).

2 - وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قِيلَ ياَ رَسُولَ الله إِنَّا نَسْتقِي لَكَ المَاءَ مِنَ بِئْرِ بُضَاعَةَ, وَتُلْقَى فِيهَا لُحُومُ الكِلاَبِ وَخِرَقُ المَحاَئِضِ، وَعِذَرُ النَّاسِ؟ فقَالَ: "إِنَّ المَاءَ طَهُورُ لاَ يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ". أخرجه أصحاب السنن (¬1). [صحيح] وهذا لفظ أبي داود (¬2)، وقال: "سَمِعْتُ قُتَيْبَةَ بْن سَعِيدٍ قَالَ: سَأَلتُ قَيِّمَ بِئْرِ بُضاَعَةَ عَنْ عُمْقِهاَ. قال: أَكْثَرُ ماَ يَكُونُ المَاءَ فِيهاَ إِلى العاَنَةِ. قُلْتُ. فَإذَا نَقَصَ؟ قَالَ: دُونَ العَوْرَةِ. قال: أبو داود: قَدَّرْتُ أَنَا بِئْرَ بُضَاعُةَ بِردَائِى، مَدَدْتُهُ عَلَيْهاَ ثُمْ ذَرَعْتُهُ فَإذَا عُرْضُهاَ سِتَّةُ أَذْرُع؛ وَسَالتُ الَّذِي فَتَحَ لِي بَابَ البُسْتانِ, هَلْ غُيَّرَ بِنَاءُهاَ عَمَّا كانَتْ عَلَيْهِ؟ قال: لاَ وَرَأَيْتُ فيهاَ ماَء مُتَغِّيرَ اللَّوْنِ". "قال: قيل يا رسول الله إنا نستسقي لك الماء من بئر بضاعة" (¬3) بضم الموحدة فضاد معجمة، وعين مهملة، وبضاعة أرض بني ساعدة وإليها تنسب البئر. قوله: "وتلقى" (¬4) الواو للحال. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود رقم (67)، والترمذي رقم (66)، والنسائي رقم (1/ 174). وأخرجه أحمد (3/ 15، 31، 86)، والشافعي في "الأم" (1/ 23)، وفي "ترتيب المسند" (1/ 21 رقم 35)، والطيالسي رقم (2199)، وابن الجارود رقم (47)، والطحاوي في "شرح معاني الأثار" (1/ 11)، والدارقطني (1/ 29 رقم 10)، والبيهقي في "السنن" (1/ 4، 257)، والبغوي في "شرح السنة" (2/ 61)، وابن أبي شيبة في (1/ 142) , (14/ 160). وهو حديث صحيح. (¬2) في "السنن" بإثر الحديث رقم (67). (¬3) قال باقوت الحموي في "معجم البلدان" (1/ 442): "بُضاعة: بالضم وقد كسرةُ بعضهم والأول أكثر، وهي دار بني ساعدة بالمدينة وبئرها معروفة". (¬4) قال السندي في حاشيته على النسائي (1/ 174): "قيل: عادة الناس دائماً في الإسلام والجاهلية تنزيه المياه وصونها عن النجاسات فلا يتوهم أن الصحابة وهم أطهر الناس وأنزههم، كانوا يفعلون ذلك عمداً مع عزة =

"فيها لحوم الكلاب" أي: ما مات منها. "وخِوق المحائض وعذر الناس" قال ابن الأثير (¬1): العذرة الغائط، والعُذَرُ جنسٌ لها وجمعها العَذَرات. قال الخطابي (¬2): قد يتوهم كثير من الناس، إذا سمع هذا الحديث أنّ هذا كان منهم عمداً، وأنهم كانوا ينقلون ذلك قصداً، وهذا لا يجوز أن يظن بذمي فضلاً عن مسلم، فلم تزل عادة الناس قديماً وحديثاً، صيانة المياه وتنزيهها عن النجاسة (¬3)، وإنما السيول كانت تكسح هذه الأقذار إليها؛ لأنها كانت في حدور من الأرض فتدفعه السيول إليها. ¬

_ = الماء فيهم، وإنما ذلك من أجل أن هذه البئر كانت في الأرض المنخفضة, وكانت السيول تحمل الأقذار من الطرق وتلقيها فيها، وقيل: كانت الريح تلقي ذلك، ويجوز أن يكون السيل والريح تلقيان جميعاً ... ". (¬1) في "غريب الجامع" (7/ 64). (¬2) في "معالم السنن" (1/ 54 - مع السنن". (¬3) كذا ذكره الشارح مختصراً، وإليك نص كلام الخطابي: قد يتوهم كثير من الناس إذا سمع هذا الحديث أن هذا كان منهم عادة وأنهم كانوا يأتون هذا الفعل قصداً وتعمداً، وهذا ما لا يجوز أن يظن بذمي بل بوثني فضلاً عن مسلم ولم يزل من عادة الناس قديماً وحديثاً مسلمهم وكافرهم تنزيه المياه وصونها عن النجاسات فكيف يظن بأهل ذلك الزمان وهم أعلا طبقات أهل الدين وأفضل جماعة المسلمين، والماء في بلادهم أعز والحاجة إليه أمس أن يكون هذا صنيعهم بالماء وامتهانهم له، وقد لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من تغوط في موارد الماء ومشارعه, فكيف من اتخذ عيون الماء ومنابعه رصداً للأنجاس ومطرحاً للأقذار، هذا ما لا يليق بحالهم، وإنما كان هذا من أجل أنَّ هذه البئر موضعها في حدور من الأرض وأن السيول كانت تكسح هذه الأقذار من الطرق والأقنية وتحملها فتلقيها فيها، وكان الماء لكثرته لا يؤثر فيه وقوع هذه الأشياء ولا يغيره فسألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن شأنها ليعلموا حكمها في الطهارة والنجاسة, فكان من جوابه لهم أن الماء لا ينجسه شيء، يريد الكثير فيه الذي صفته صفة ماء هذه البئر في غزارته وكثرة إجمامه (أي اجتماعه) =

قوله: "فقال: إنّ الماء طهور لا ينجسه شيء" قد ثبت هذا الحديث من روايات، وقد ثبت أنّ الحق هو هذا العموم، إلا أنه خصصه الإجماع بنجاسة ما تغير لونه أو ريحه أو طعمه، وطولت البحث، وذكر مذاهب الناس في الماء والجمع بينه وبين ما عارضه في شرح "بلوغ المرام المسمى سبل السلام" (¬1)، وفي الجزء الأول من العدة (¬2)، حاشية العمدة وحققته بحمد الله تحقيقاً شافياً، وبينت من ذهب إليه من الصحابة والتابعين وأئمة علماء الدين. قوله: "أخرجه أصحاب [219 ب] السنن" قال ابن حجر في "بلوغ المرام" (¬3): وصحّحه أحمد (¬4) وحكى عن الإمام أحمد أنه قال (¬5): حديث بئر بضاعة صحيح. قوله: "وهذا لفظ أبي داود وقال سمعت قتيبة بن سعيد قال: سألت قّيم بئر بضاعة عن عمقها" بيان لكيفية سؤاله. "قال: أكثر ما يكون الماء فيها قال: إلى العانة قال: وإذا نقص قال: دون العورة" فهذا قدر عمقها كثرة ونقصانا، وأمّا عرضها فأفاده قوله: "قال أبو داود قدّرت بئر بضاعة بردائي مددته عليها، ثم ذرعته, فإذا عرضها ستة أذرع"، فهو أطول من عمقها، وكأنَّ أبو داود جعل ذلك مقداراً للماء الذي لا يتغير. ¬

_ = لأن السؤال إنما وقع عنها بعينها فخرج الجواب عليها، وهذا لا يخالف حديث القلتين، إذ كان معلوماً أن الماء في بئر بضاعة يبلغ القلتين، فأحد الحديثين يوافق الآخر ولا يناقضه والخاص يقضي على العام ويبينه ولا يَنسخهُ. (¬1) (1/ 98 - 104). (¬2) (1/ 52 - 54). (¬3) الحديث رقم (2/ 2). (¬4) كما في "التخليص" (1/ 13). (¬5) ذكره الحافظ في "التخليص" (1/ 13). وصححه النووي في "المجموع" (1/ 82)، والألباني في "الإرواء" رقم (24).

قوله: "وسألت الذي فتح لي باب البستان، هل غير بناؤها عمّا كانت عليه"، في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. "قال: لا ورأيت فيها ماء متغير اللون" تغيّر لون الماء لا يلزم أن يكون عن نجاسة، فقد يتغير بغيرها، والحديث شرط تغير أيّ الثلاثة (¬1) الأوصاف بنجاسة تحدث فيه هذا، والمقدر هو قتيبة بن سعيد شيخ أبي داود. الثالث: حديث (ابن عمر - رضي الله عنه -). 3 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: سَمِعْتُ رَسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - وَهوَ يَسْأَلُ عَنِ المَاءِ يَكُونُ فِي الفَلاَةِ مِنَ الأَرْضِ وَماَ يَنُوبُه مِنَ الدَّوَابِّ وَالسِّباَعِ. فَقَالَ: "إِذَا كَانَ المَاءَ قُلَتَيْن لَمْ يَحْمِلِ الخَبَثَ". أخرجه أصحاب السنن (¬2). [صحيح] ¬

_ (¬1) عن أبي أمامة الباهلي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الماء لا ينجسه شيء، إلا ما غلب على ريحه وطعمه ولونه". أخرجه ابن ماجه رقم (59)، وقال البوصيري في "مصباح الزجاجة" (1/ 131 رقم 217): "هذا إسناد فيه رشدين وهو ضعيف، واختلف عليه مع ضعفه ... ". وقال الزيلعني في "نصب الراية" (1/ 94): "وهذا الحديث ضعيف, فإن رشدين بن سعد جرحه النسائي وابن حبان, وأبو حاتم، ومعاوية بن صالح. قال أبو حاتم: لا يحتج به. ورواه الطبراني في "الكبير" رقم (7503)، و"الأوسط" رقم (744) وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (1/ 214)، والبيهقي في "السنن" (1/ 259)، والدارقطني في "السنن" (1/ 28 رقم 3)، وهو حديث ضعيف، والله أعلم. (¬2) أخرجه أبو داود رقم (63)، والترمذي رقم (67)، والنسائي (1/ 175)، وابن ماجه رقم (517). وأخرجه أحمد (2/ 12، 27، 38)، والشافعي في "الأم" (1/ 11 - 12 رقم 24)، وابن خزيمة رقم (92)، وابن حبان رقم (1249)، والحاكم (1/ 132)، والدارقطني في "السنن" (1/ 13 رقم 1)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (1/ 260، 261، 262)، وهو حديث صحيح.

"يَنُوبهُ" يتردّد إِليه من دابة وسبع. قوله: "وما ينوبه من السباع" استدل به على أن سؤر السباع نجس؛ لأنه لو لم يكن نجساً لم يسألوا عنه, ولا يكون لجوابه - صلى الله عليه وسلم - بهذا معنى. قالوا: ويحتمل أن يكون ذلك لأجل أنّ السباع إذا وردت المياه خاضتها وبالت فيها، وذلك كالمعتاد من طباعها، وقلّ ما تخلو أعضاؤها من تلوث أبوالها، ورجيعها فلا يكون فيه دليل على نجاسة أسوارها. قوله: "إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث" بالخاء المعجمة فموحدة مفتوحتين ومثلثة، هو النجس أي: أنه إذا كان كذلك فإنه يدفعه عن نفسه كما يقال: فلان لا يحمل الضيم إذا كان يأباه ويدفعه عن نفسه, وقد تكلمنا على مقدار القُلتين، وما عارضه من الحديث الأول عن أبي سعيد وغيره، ووسعنا فيه البحث في سبيل السلام (¬1) بحمد الله فليطالعه من أراد تحقيق البحث. قوله: "أخرجه أصحاب السنن" وللمحدثين فيه أبحاث [220 ب] قد جمعها الحافظ ابن حجر في "تلخيص الحبير" (¬2) في خمسة أبحاث من أحبْ فلينظر فيه. قوله: "من سبع أو دابه". قلت: السبع هو المفترس، والدابة: أعم من ذلك فكأنه أقاسها عليه، وإلاّ فليس من مسماها. الرابع: حديث (أبي هريرة - رضي الله عنه -). 4 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يَبُولَنَّ أَحَدُكمْ في الماءِ الدَّائمِ الذي لاَ يَجْرِي ثُمَّ يَغْتَسِلُ فِيهِ". أخرجه الخمسة (¬3) وهذا لفظ الشيخين. [صحيح] ¬

_ (¬1) (1/ 102 - 104) بتحقيقي. (¬2) (1/ 17 - 18). وانظر: "التمهيد" (1/ 329)، "الاستذكار" (2/ 102). (¬3) أخرجه البخاري رقم (239)، ومسلم رقم (282)، وأبو داود رقم (70)، والنسائي (1/ 49)، والترمذي رقم (68)، وقال: حسن صحيح. وابن ماجه رقم (344) وهو حديث صحيح.

- ولمسلم (¬1) في أخرى: "لاَ يَغْتَسِلُ أَحَدُكُمْ في المَاءِ الدَّائْم وِهُوَ جُنُبٌ. [صحيح] قالُوا: كَيْفَ يَفْعَلُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ قَالَ يَتَنَاوَلُهُ تْنَاوُلاً". "قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا يبولن أحدكم في الماء الدائم". فسّره بقوله: "الذي لا يجرى"؛ لأنه بعدم جريه دام في موضعه، وقيل: احتزر به عن دائم يجري بعضه (¬2). وقال ابن الأنباري (¬3): الدائم من حروف الأضداد، يقال للساكن وللدائر، فالذي لا يجري صفة مخصصة لأحد معنيي المشترك. انتهى. قلت: الذي في "القاموس" (¬4) دام سكن، ولم يجعله من الأضداد. قوله: "ثم يغتسل" الرواية في "يغتسل" بسكون اللام، وفي صحيح مسلم (¬5) بضمها (¬6)، فعلى الأول أنه عطف على "يبولن" المجزوم، وعلى الثاني خبر محذوف، أي: ثم هو يغتسل، وحققناه في "سبل السلام" (¬7). ¬

_ (¬1) في صحيحه رقم (97/ 283). (¬2) قال الحافظ في "الفتح" (1/ 347): قيل: هو تفسير للدائم وإيضاح لمعناه, وقيل احتراز به عن راكد يجري بعضه كالبرك، وقيل: احترز به عن الماء الدائم؛ لأنه جار من حيث الصورة ساكن من حيث المعنى، وبهذا لم يذكر - البخاري - هذا القيد في رواية أبي عثمان عن أبي هريرة التي تقدمت الإشارة إليها، حيث جاء فيها بلفظ: (الراكد) بدل (الدائم)، وكذا أخرجه مسلم من حديث جابر. (¬3) ذكره الحافظ في "الفتح" (1/ 347). (¬4) "القاموس المحيط" (ص 1432). (¬5) في صحيحه رقم (97/ 283). (¬6) ضبطه النووي في "شرح مسلم" بضم اللام (ثم يغتسل فيه). قال الحافظ في "الفتح" (1/ 347) وهو المشهور. انظر: "المفهم" (1/ 542)، "معاني القرآن وإعرابه" للزجاج (1/ 124 - 125). (¬7) (1/ 100 - 112) بتحقيقي.

قوله: "فيه" يفيد جواز "منه" بمفهومه فيفيد اختصاص النهي بالانغماس، ولمسلم "منه" فيفيد منع التناول. والبول في الماء الذي لا يجري مكروه (¬1)، إن كان كثيراً، وحرام إذا كان قليلاً لفساد الماء بالنجاسة, وللظاهرية (¬2) بحث استوفيناه في حواشي شرح العمدة (¬3)، وبسطنا تحقيقه، وإيراد الناس عليهم، ودفعه وهو بحث نفيس. قوله: "أخرجه الخمسة وهذا لفظ الشيخين". قوله: "ولمسلم" (¬4) والنسائي (¬5) أيضاً. "في" رواية (¬6). "أخرى" عن أبي هريرة مرفوعاً. "لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب قالوا: كيف نفعل يا أبا هريرة" أي: إذا أردنا أن نغتسل من جنابة. "فقال: يتناوله تناولاً" وجوابه دال أنّ رواية "منه" بمعنى "فيه". الخامس: 5 - وعن يحيى بن عبد الرحمن. أَنَّ عُمَرَ - رضي الله عنه - خَرَجَ في رَكْبٍ فِيْهِم عَمْرُو بنُ العَاَصِ حَتَّى وَرَدَا حَوْضاً. فَقاَلَ عَمْرُو بنُ العاَصِ: يَا صَاحِبَ الحَوضِ، هَلْ تَرِدُ حَوْضَكَ السَّبَاعُ؟ فقاَلَ عُمَرُ بنُ الخَطّابِ: يَا صَاحِبَ الحَوْضِ لاَ تُخْبِرْنَا فَإِنَّا نَرِدُ عَلَى السِّباعَ وَترِدُ عَلَيْناَ، وَإِنِّي سَمِعْتُ رسُولَ الله ¬

_ (¬1) انظر: "شرح صحيح مسلم" للنووي (3/ 187 - 188). (¬2) "المحلى" (1/ 210 - 211 رقم المسألة (150). (¬3) (1/ 94 - 101). (¬4) في صحيحه رقم (95/ 282). (¬5) في "السنن" (1/ 49) وقد تقدم. (¬6) أخرجها مسلم في صحيحه رقم (97/ 283).

- صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "لهَا مَا أَخَذَت في بُطُونِهَا وَماَ بَقيَ فَهُوَ لَناَ طَهورٌ وَشَرَابٌ". أخرجه مالك (¬1) إلى قوله: وترد علينا، وأخرج باقية رزين. [موقوف ضعيف] حديث "يحيى (¬2) بن عبد الرحمن" هو ابن حاطب بن أبي بلتعة المدني ثقة. قوله: "إن عمر خرج في ركب فيهم عمرو بن العاص حتى وردوا حوضاً فقال عمرو بن العاص:" كأنه أراد أن يأخذ من الحوض لشرب ونحوه. "يا صاحب الحوض هل ترد حوضك [221 ب] السباع" كأنه يريد فلا نأخذ منه. "فقال عمر بن الخطاب يا صاحب الحوض لا تخبرنا فإنّا نرد على السباع" الماء الذي تشرب منه. "وترد" السباع الماء الذي نشرب نحن منه. "علينا" ثم استدل عمر على طهارة سؤر السباع بقوله: "وإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لها ما أخذت في بطونها وما بقي" ممَّا أخذت منه. "فهو لنا طهور وشراب" فدل على حل أسْآرها، وكأن عمرو بن العاص كان جاهلاً لهذا الحكم. قوله: "أخرجه مالك إلى قوله وترد علينا وأخرج رزين باقية". قلت: عبارة ابن الأثير (¬3): وزاد رزين قال: زاد بعض الرواة في قول عمر (وإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ...) إلخ، فلم يحرر المصنف الكلام كما ينبغي. ¬

_ (¬1) في "الموطأ" (1/ 23 - 24 رقم 14). (¬2) انظر: "التقريب" (2/ 352 رقم 117). (¬3) في "الجامع" (7/ 68 - 69).

السادس: 6 - وعن حميد الحميري قال: لَقِيتُ رَجُلاً صَحِبَ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَرْبَعَ سِنِينَ كَمَا صَحِبِهُ أَبُو هُرَيْرَةَ. قَالَ: "نَهَىَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أَنْ تَغْتَسِلَ الَمَرْأَةُ بِفَضْلِ الرَّجُلِ أَوْ يَغْتَسِلَ الرَّجُلُ بِفَضْلِ المَرْأَةِ"، زاد في رواية: "وَلْيَغْتَرِفَا جَمِيعاً". أخرجه أبو داود (¬1)، واللفظ له، والنسائي (¬2). [صحيح] حديث (حميد الحميري (¬3)) بالحاء المهملة نسبة إلى حمير وهو ابن عبد الرحمن، ثقة، فقيه. "قال: لقيت رجلاً صحب النبي - صلى الله عليه وسلم - أربع سنين كما صحبه أبو هريرة"، تشبيه بقدر المدة فهو رجل صحابي ولا يضر جهالة عينه. "قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تغتسل المرأة بفضل الرجل" أي: بما فضل من ماء غسله أو وضوءه لصدق أنه فضل الرجل. "أو يغتسل الرجل بفضل المرأة" أي: نهى عنه. "زاد في رواية" الزيادة لمسدد أحد الرواة، كما في "الجامع" (¬4). "وليغترفا جميعاً" من الإناء الذي يغتسلان منه. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (81). (¬2) في "السنن" رقم (238). وأخرجه أحمد (4/ 111) و (5/ 369) بسند صحيح. قال الحافظ في "الفتح" (1/ 300): "رجاله ثقات, ولم أقف لمن أعلَّه على حجة قوية, ودعوى البيهقي أنه في معنى المرسل مردودة، لأن إبهام الصحابي لا يضر، وقد صرّح التابعي بأنه لقيه، ودعوى ابن حزم أن داود الذي رواه عن حميد بن عبد الرحمن الحميري - هو ابن يزيد الأودي - وهو ضعيف, مردودة, فإنه ابن عبد الله الأودي وهو ثقة، وقد صرّح باسم أبيه أبو داود وغيره ... " وقال الحافظ في "بلوغ المرام" (6/ 6) بتحقيقي: إسناده صحيح. (¬3) انظر: "التقريب" (1/ 203 رقم 605). (¬4) (7/ 69).

قوله: "أخرجه أبو داود والنسائي" قال في "الجامع" (¬1): إلاّ أنه زاد في أوله: "نهى أن يمتشط أحدنا كل يوم أو يبول في مغتسله" وقد أخرجها أبو داود (¬2) وحدها. قال الخطابي (¬3): أهل الحديث لم يرفعوا حديث النهي عن الاغتسال بفضل المرأة ولا بفضل الرجل، ولو ثبت فهو منسوخ، والجمهور (¬4) على جواز تطهر الرجل بفضل المرأة وعكسه. السابع: حديث (ابن عباس - رضي الله عنهما -). 7 - وعن ابن عباس- رضي الله عنهما - قال: اغْتَسَلَ بَعْضُ أَزْوَاجِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في جَفْنَةٍ فَجَاءَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ليَغْتَسِلَ مِنْهاَ أَو يَتَوَضَأ. فقَالَتْ: إِنِّي كُنْتُ جُنُباً. فقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ المَاءَ لاَ يَجْنبُ". أخرجه الترمذي (¬5) وصححه. [صحيح] "قال: اغتسل بعض أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - في جفنة فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليغتسل منها أو يتوضأ فقالت إني كنت جنباً" أي: وقد اغتسلت منه. "فقال: إنّ [222 ب] الماء لا يجنب" ضبط بكسر النون وضمها، أي: لا يضره الجنابة إن اغتسل منه عليها. قوله: "أخرجه الترمذي وصحّحه". ¬

_ (¬1) (7/ 69 - 70). (¬2) بل أخرجها النسائي في "السنن" رقم 238) وهو حديث صحيح. (¬3) انظر: "معالم السنن" (1/ 62 - 63). (¬4) انظر: "فتح الباري" (1/ 299 - 300)، "الاستذكار" (3/ 132 - 133). (¬5) في "السنن" رقم (65) وقال: هذا حديث حسن صحيح، وأخرجه أحمد (1/ 23)، وأبو داود رقم (68)، والنسائي رقم (325)، وابن ماجه رقم (370، 371)، وابن خزيمة رقم (109)، والحاكم (1/ 159). وهو حديث صحيح.

قلت: قال (¬1): هذا حديث حسن صحيح. ولعلّه الناسخ الذي أشار إليه الخطابي (¬2). الثامن: 8 - وعن أبي جحيفة قال. خَرَجَ عَلَيْنَا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - في الهَاجِرَةِ فَأُتَيِ بِوَضُوءِ فَتَوَضَّأَ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَأْخَذُونَ مِنْ فَضْلِ وُضُوئِه، مَنْ أَصَابَ مِنْهُ شَيْئاً تمسَّح بِهِ، وَمَنْ لَمْ يُصَبْ مِنْهُ أخْذ مِنْ بَلَلِ يدِ صاَحِبهِ. أخرجهُ الخمسة (¬3) إلا الترمذي، واللفظ للشيخين. [صحيح] حديث (أبي جُحيفة) اسمه وهب (¬4) بن عبد الله. "قال: خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الهاجرة" قريب الزوال. "فأُتي بوضوء" بفتح الواو، أي: بما يتوضأ منه أي: فتوضأ. "فجعل الناس يأخذون من فضل وضوئه" هو الماء الذي يبقى في الأطراف بعد الفراغ. "من أصاب منه شيئاً تمسَّح به" تبركاً بآثاره - صلى الله عليه وسلم -. "ومن لم يصب منه أخذ من بلل يد صاحبه" وهو دليل على التبرك بما اتصل بجسده - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) في "السنن" (1/ 94). (¬2) انظر "معالم السنن" (1/ 62 - 63). (¬3) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (187)، وطرفه رقم (376، 495، 499، 501، 633، 634، 3552، 3566، 6786، 5859)، ومسلم رقم (503)، وأبو داود رقم (688)، والنسائي رقم (137). وهو حديث صحيح. (¬4) وهب بن عبد الله السُّوائي، بضم المهملة والمد، ويقال اسم أبيه وهب أيضاً، أبو جحيفة، مشهور بكنيته، ويقال له وهب الخير، صحابي معروف وصحب علياَّ، ومات سنة أربع وسبعين. "التقريب" (2/ 338 رقم 119).

وأن الفضل عن طهور طاهر (¬1). قوله: "أخرجه الخمسة إلاّ الترمذي واللفظ للشيخين" وفيه زيادة على ما ساقه المصنف مسرودة في "الجامع" (¬2) منها قول أبي جُحيفة "فأخذت بيده فوضعتها على وجهي فإذا هي أبرد من الثلج وأطيب رائحة من المسك" (¬3). التاسع: حديث (نافع عن ابن عمر). 9 - وعن نافع: أن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: لاَ بَأْسَ أَنْ يُغْتَسَلَ بِفَضْلِ المَرْأَةِ ماَ لَمْ تَكُنْ حَائِضاً أَوْ جُنُباً. أخرجه مالك (¬4). [موقوف صحيح] "أنه قال: لا بأس أن يُغْتَسَل" مبني للمجهول. "بفضل المرأة" أي: أو يتوضأ بالأولى. "ما لم تكن حائضاً" سواء كان غسلها للحيض عند طهورها أو لغيره. "أو جنباً" هذا رأي منه (¬5). قوله: "أخرجه مالك". [العاشر] (¬6): حديث (عائشة - رضي الله عنها -). ¬

_ (¬1) انظر: "فتح الباري" (1/ 485)، "بداية المجتهد ونهاية المقتصد" (1/ 79). (¬2) (7/ 71). (¬3) أخرجها البخاري في صحيحه رقم (3553). (¬4) في "الموطأ" (1/ 52 رقم 86)، وهو أثر موقوف صحيح. (¬5) انظر: "المغني" (1/ 31)، "التمهيد" (4/ 43)، "المجموع شرح المهذب" (1/ 205) "بشرح فتح القدير" (1/ 90 - 92). (¬6) في "المخطوط" (أ. ب) التاسع. وهو خطأ.

10 - عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كُنْتُ أَغُتَسِلُ أَناَ وَالنَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ تَختَلِفُ أَيْدِيِنَا فِيهِ مِنَ الجَناَبَةِ (¬1). [صحيح] وفي رواية (¬2): "مِنْ قَدَحٍ يُقَالُ لَهُ الفَرَقُ. قَالَ سُفَيانُ: وَالفَرَقُ ثَلاَنَةُ آصُعٍ". [صحيح] أخرجه الخمسة إلا الترمذي، وهذا لفظ الشيخين. "الفَرَقُ": بفتح الراء وسكونها: قدح يسع عشر رطلاً. "وَالصَّاعُ": مكيال يسع أربعة أمداد. "وَالمُدُّ": رطل وثلث بالعراقي. "قالت: كنت أغتسل أنا والنَّبي - صلى الله عليه وسلم - من إناءٍ واحدٍ تختلف أيدينا فيه من الجنابة" متعلق بـ أغتسل. "وفي رواية يقال له" أي: الإناء. "الفرق" بفتح الفاء (¬3) والراء وسكونها. "قال سفيان: والفرق ثلاثة (¬4) آصع، جمع صاع، أي: يتسع لها وإلا فهو اسم للإناء نفسه". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (250) وأطرافه في (261، 263، 273، 299، 5956، 7339)، ومسلم رقم (319)، (321)، وأبو داود رقم (77)، (238، 257)، والنسائي (1/ 127). (¬2) أخرجها البخاري رقم (250)، ومسلم رقم (40، 41/ 319). (¬3) وانظر: "فتح الباري" (1/ 364)، و"مشارق الأنوار" (2/ 155). قاله أبو عبيد في "الأموال" بإثر الرقم (1611). الفرق = 3 آصع. الفرق = 3 × 2175 = 6525 غراماً. الفرق = 3/ 2.175 = 6.525 كيلو غراماً. الفرق = 8.25 لتراً. انظر: كتابنا "الإيضاحات العصرية" (ص 93 - 95). (¬4) ذكره الحافظ في "الفتح" (1/ 364).

فائدة: استدل الداودي بهذا الحديث على جواز نظر الرجل إلى عورة امرأته وعكسه. قال الحافظ ابن حجر (¬1): ويؤيده ما رواه ابن حبان (¬2)، عن سليمان بن موسى أنه سئل عن الرجل ينظر إلى فرج امرأته؟ قال: سألت عطاء قال: سألت عائشة فذكرت هذا الحديث، وهو نص في المسألة. انتهى. قلت: في كونه نصاً فيها فيه تأمل، لاحتمال أنّ الإناء الذي بينهما يغترفان منه، يحول بين رؤية العورتين، ويؤيد هذا حديث عائشة (¬3) إخبارٌ عن [223 ب] نفسها وعنه - صلى الله عليه وسلم - قالت: "ما رأى مني ولا رأيت منه" أي: العورتين. قوله: "أخرجه الخمسة, وهذا لفظ الشيخين". [الحادي عشر] (¬4): حديث (ابن عمر - رضي الله عنهما -). 11 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: كانَ الرَّجَالُ وَالنسِّاءُ يَتَوَضؤُنَ فِي زَمَانِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - جَمِيْعاً مِنْ إِنَاءِ وَاحِدٍ. أخرجه البخاري (¬5) ومالك (¬6)، وأبو داود (¬7) والنسائي (¬8). [صحيح] قوله: "كان الرجال والنساء يتوضؤون في زمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جميعاً من إناء واحد"، ¬

_ (¬1) في "الفتح" (1/ 364). (¬2) ذكره الحافظ في "الفتح" (1/ 364). (¬3) أخرجه أحمد في المسند (6/ 63) بسند ضعيف. (¬4) في (أ. ب) العاشر وهو خطأ. (¬5) في صحيحه رقم (193) دون ذكر الإناء الواحد. (¬6) في "الموطأ" (1/ 24 رقم 15) دون ذكر الإناء الوحد. (¬7) في "السنن" رقم (79، 80). (¬8) في "السنن" رقم (71)، وأخرجه ابن ماجه رقم (380)، وهو حديث صحيح.

قيل: (¬1) هو محمول على التعاقب وأنّ الرجال كانوا يتوضؤون، ثم تجيء النساء فيتوضأن بعدهم، وردَّ هذا بأنَّ قوله: "جميعاً" يأبى ذلك، فإن معناها الاجتماع في الفعل وقيل: لعلّ هذا كان قبل نزول الحجاب. وقال الرافعي (¬2): يريد كل رجل مع امرأته، وأنهما كانا يأخذان من إناء واحد. قوله: "أخرجه البخاري ومالك وأبو داود والنسائي". الثاني عشر: حديث (ابن مسعود). 12 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قَالَ ليِ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - لَيْلَةَ الجِنِّ مَا فِي "إِدَّاوَتكَ؟ " قُلْتُ: نَبِيذٌ. قال: "تَمَرَةٌ طَيِّبَةٌ وَمَاءٌ طَهُورٌ، فَتَوَضَّأَ مِنْهُ" أخرجه أبو داود (¬3)، واللفظ له والترمذي (¬4). [ضعيف] "الإِدَاوَةُ": المطهرة، وهي إناء من جلد كالسَّطيحَة ونحوها (¬5). "قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة الجن ما في أداوتك" فسّرها المصنف. "قلت: نبيذ قال: تمرة طيبة وماء طهور" فهو حقيقة النبيذ. "فتوضأ منه" قال في "فتح الباري" (¬6): قد أطبق علماء (¬7) السلف على تضعيفه، وعلى تقدير ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (1/ 300) عن سحنون. (¬2) انظر: "العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير" (1/ 10 - 12). (¬3) في "السنن" رقم (84). (¬4) في "السنن" رقم (88). وهو حديث ضعيف. (¬5) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (7/ 79). (¬6) (1/ 354). (¬7) قال النووي في "المجموع شرح المهذب" (1/ 139 - 141): أما النبيذ فلا يجوز الطهارة به عندنا، - أي عند الشافعية - على أي صفة كان من عسل أو تمر أو زبيب أو غيرها مطبوخاً كان أو غير، فإن نش وأسكر فهو نجس =

صحته قيل: هو منسوخ؛ لأن ذلك كان بمكة, ونزول: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً}، كان بالمدينة بلا خلاف، أو هو محمول على ما ألقيت فيه تمرات يابسة لم تغير له وصفاً. وإنما كانوا يفعلون ذلك؛ لأن غالب مياههم لم تكن حلوة. قوله: "أخرجه أبو داود واللفظ له". قلت: ليس في لفظ أبي داود "فتوضأ منه" بل هو في رواية الترمذي، فالعجب من المصنف، والحال أن لفظ "الجامع" (¬1): أخرجه الترمذي (¬2)، وأخرجه أبو داود (¬3)، ولم يذكر "فتوضأ منه"، ¬

_ = يحرم شربه, وعلى شاربه الحد، وإن لم ينش فطاهر لا يحرم شربه، ولكن لا تجوز الطهارة به, هذا تفصيل مذهبنا وبه قال مالك وأحمد وأبو يوسف والجمهور. وعن أبي حيفة أربع روايات إحداهن: يجوز الوضوء بنبيذ التمر المطبوخ إذا كان في سفر وعدم الماء. والثانية: يجوز الجمع بينه وبين التيمم، وبه قال صاحبه محمد بن الحسن. والثالثة: يستحب الجمع بينهما. والرابعة: أنه رجع عن جواز الوضوء به, وقال: يتيمم وهو الذي استقر عليه مذهبه كذا قاله العبدري، قال: وروي عنه أنه قال: الوضوء بنبيذ التمر منسوخ، ثم حكى النووي إجماع المحدثين على تضعيف حديث ابن مسعود. ثم ذكر النووي أيضاً أن الإمام الطحاوي إمام الحنفية في الحديث والمنتصر لهم. أنصف حيث قال في أول كتابه معاني الآثار: إنما ذهب أبو حنيفة ومحمد إلى الوضوء نبيذ اعتماداً على حديث ابن مسعود ولا أصل له. ثم ذكر النووي أيضاً أن حجة الجمهور الآية: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} الآية [النساء: 43 و6 من سورة المائدة] اهـ باختصار. انظر: "عارضة الأحوذي" (1/ 138)، "فتح الباري" (1/ 323 - 324). (¬1) (7/ 79). (¬2) في "السنن" رقم (84). (¬3) في "السنن" رقم (88).

الباب الثاني: في إزالة النجاسة

فتبيّن أنّ لفظ: "فتوضأ منه" خاصة بالترمذي، وكان الأولى أن يقول المصنف: "واللفظ للترمذي". وقال الترمذي بعد إخراجه: أبو زيد رجل مجهول عند أهل العلم، لا تعرف له رواية غير هذا الحديث. قلت: وهو في رواية الترمذي وأبي داود (¬1). وقال المنذري (¬2): قال أبو زرعة: ليس هذا الحديث بصحيح، وقال أبو أحمد [224 ب] الكرابيسي: ولا ثبت في هذا الباب من هذه الرواية حديث، بل الأخبار الصحيحة عن عبد الله بن مسعود ناطقة بخلاف هذا (¬3). الباب الثاني: في إزالة النجاسة (البَابُ الثَّانِي: فِي إِزَالَةِ النَّجَاسةِ). يريد في بيانها وإزالتها. وفيه: خمسة فصول. (وفيه خمسةَ فصول) ومثله عبارة "الجامع" (¬4). ¬

_ (¬1) هو في رواية الترمذي وابن ماجه، وليس في رواية أبي داود. (¬2) في "مختصر السنن" (1/ 82 - 83). (¬3) يشير إلى ما أخرجه مسلم في صحيحه رقم (150/ 450) عن عامر قال: سألت علقمة: هل كان ابن مسعود شهد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة الجن؟ قال: فقال علقمة: أنا سألت ابن مسعودٍ فقلت: هل شهد أحد منكم مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة الجن؟ قال: لا ... . وأخرج مسلم في صحيحه رقم (152/ 450): عن عبد الله قال: لم أكن ليلة الجن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ووددت أني كنت معه. (¬4) (7/ 80).

الفصل الأول: في البول والغائط وما يتعلق بهما

الفصل الأول: في البول والغائط وما يتعلق بهما (الفصل الأول: في البول والغائط) وهو كناية (¬1) عن خارج دبر الإنسان، (وما يتعلق بهما) من الأحكام الشرعية. الأول: 1 - عن أم قيس بنت محصن - رضي الله عنها -: أَنَّهَا أَتَتْ بِابْنٍ لَهَا صَغِيرٍ، لَمْ يَأْكُلِ الطَّعَامَ إِلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَأَجْلَسَهُ فِي حِجْرِهِ، فَبَالَ عَلَى ثَوْبِهِ، فَدَعَا بِمَاءٍ فَنَضَحَهُ وَلَمْ يَغْسِلْهُ. وفي رواية: "فَرَّشَهُ". أخرجه الستة (¬2)، وهذا لفظ الشيخين. [صحيح] "النَّضْحُ" (¬3): رش الماء على الشيء، ولا يبلغ الغسل. حديث (أم قيس بنت محصن) بكسر الميم، وسكون الحاء المهملة فصاد مهملة مفتوحة فنون، واسم أم قيس يقال إنَّ اسمها: آمنة, وهي أخت عكاشة، صحابية لها أحاديث كذا في "التقريب" (¬4) وفي "فتح الباري" (¬5) أم قيس بنت محصن اسمها. كما قال ابن عبد البر (¬6): جذامة بالجيم، والذال المعجمة. ¬

_ (¬1) سيأتي توضيحه. (¬2) أخرجه البخاري رقم (223)، ومسلم رقم (287)، وأبو داود رقم (374)، والترمذي رقم (71)، والنسائي (1/ 157)، وابن ماجه رقم (524)، وأخرجه أحمد (6/ 355). وهو حديث صحيح (¬3) "القاموس المحيط" (ص 313)، "النهاية في غريب الحديث" (2/ 754). (¬4) (2/ 623 رقم 70). (¬5) (1/ 326). (¬6) في "الاستيعاب" رقم (3244).

وقال السهيلي (¬1): اسمها آمنة، وهي أخت عكاشة بن محصن الأسدي، كذا في "فتح الباري" (¬2). قوله: "لم يأكل الطعام" في "الفتح" (¬3): المراد بالطعام ما عدا اللبن الذي يرتضعه، والتمر الذي يُحنك به، والعسل الذي يلعقه للمداواة وغيرها، وكأن المراد لم يحصل له الإغتذاء بغير اللبن على الاستقلال، هكذا مقتضى كلام النووي في "شرح مسلم" (¬4) و"شرح المهذب" (¬5). "إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأجلسه" لفظ "الجامع" (¬6) بزيادة "رسول الله". "في حجره" بفتح الحاء المهملة وكسرها. "فبال على ثوبه" ثوب النبي - صلى الله عليه وسلم -. "فدعا بماء فنضحه" يأتي أنه رش الماء على الشيء، ولا يبلغ الغسل، ولذا قال: "ولم يغسله". "وفي رواية أي (¬7): لأم قيس "فَرَشَّهْ". قلت: وفي رواية (¬8): "فلم يزد على أن ينضح بالماء" وهي في "الجامع" (¬9). ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (1/ 326). (¬2) (1/ 326). (¬3) (1/ 326). (¬4) (3/ 195). (¬5) (2/ 607) (¬6) (7/ 80 رقم 5048). (¬7) أخرجها مسلم في صحيحه رقم (287). (¬8) أخرجها البخاري في صحيحه رقم (223، 5693)، ومسلم رقم (103/ 287). (¬9) (7/ 80).

والحديث دليل على تخصيص بول الصغير، بأنه يكفي في رفع نجاسته بالنضح، وأنه لا دليل على أنه غير نجس، كما قيل، وأمّا اشتراط كونه لم يطعم الطعام، فإنه من كلام الرواة، لا يوجب اشتراط ذلك ولا قالته بحضرته - صلى الله عليه وسلم - حتى يكون سكوته تقريراً [225 ب] فمن اشترطه فلا بُدَّ له من دليل (¬1). قوله: "أخرجه الستة". الثاني: 2 - وعن لبابة بنت الحارث قالت: كَانَ الحُسَيْنُ بْنُ عَلِيًّ - رضي الله عنهما - فِي حِجْرِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فَبَالَ عَلَىَ ثَوَبِهِ، فَقُلْتُ يَا رسُولَ الله: البَسْ ثَوْبًا، وَأَعْطِنِي إِزَارَكَ حَتَّى أَغْسِلَهُ. قَالَ: "إِنَّمَا يُغْسَلُ مِنْ بَوْلِ الأُنْثَى وَيُنْضَحُ مِنْ بَوْلِ الذَّكَرِ". أخرجه أبو داود (¬2). [حسن] حديث: "لبابة بنت (¬3) الحارث" بن حزن بفتح المهملة وسكون الزاي، الهلالية أم الفضل زوج العباس بن عبد المطلب، وأخت ميمونة زوج النَّبي - صلى الله عليه وسلم -. قوله: "إنما يغسل من بول الأنثى" لحكمة لا تعرف، وقيل: لأنه ألزج من بول الذكر وقيل: لأن الذكر يكثر حمله فيرفع الغسل عن بوله للحرج. ¬

_ (¬1) انظر: "فتح الباري" (1/ 327)، "المجموع شرح المهذب" (2/ 109). (¬2) في "السنن" رقم (375). وأخرجه أحمد (6/ 339 - 440)، وابن ماجه رقم (522)، وابن خزيمة رقم (282)، والحاكم في "المستدرك" (1/ 166)، وصححه، ووافقه الذهبي. وهو حديث حسن، والله أعلم. (¬3) انظر: "التقريب" (2/ 613 رقم 1).

"وينضح من بول الذكر" لم يأت نص بتحديد إلى متى ينضح (¬1) من بوله، ولا تقييد بأنه إذا لم يأكل الطعام، وما ذكره العلماء من ذلك، فاجتهاد ورأي. قوله: "أخرجه أبو داود". الثالث: حديث (أنس - رضي الله عنه -). 3 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: بَيْنَمَا نَحْنُ فِي المَسْجِدِ مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - إِذْ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ، فَقَامَ يَبُولُ فِي المَسْجِدِ، فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -: مَهْ مَهْ. فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تُزْرِمُوهُ دَعُوهُ". فَتَرَكُوهُ حَتَّى بَالَ، ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - دَعَاهُ، فَقَالَ لَهُ: "إِنَّ هَذِهِ المَسَاجِدَ لاَ تَصْلُحُ لِشَيْءٍ مِنْ هَذَا البَوْلِ والقَذَرِ: إِنَّمَا هِيَ لِذِكْرِ الله تَعَالى، وَالصَّلاَةِ وَقِرَاءَةِ القُرْآنِ". وَأَمَرَ رَجُلاً مِنَ القَوْمِ فَجَاءَ بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ فَشَنَّهُ عَلَيْهِ". أخرجه الشيخان (¬2)، وهذا لفظهما، والنسائي (¬3). [صحيح] "لاَ تُزْرِمُوهُ" (¬4) بتقديم الزاي على الراء: لا تقطعوا عليه بوله. ¬

_ (¬1) قال الحافظ في "الفتح" (1/ 327) واختلف العلماء في ذلك على ثلاثة مذاهب هي أوجه للشافعية, أصحها الاكتفاء بالنضح في بول الصبي لا الجارية، وهو قول علي، وعطاء، والحسن، والزهري، وأحمد، وإسحاق، وابن وهب وغيرهم، ورواه الوليد بن مسلم عن مالك، وقال أصحابه هي رواية شاذة. الثاني: يكفي النضج فيهما، وهو مذهب الأوزاعي وحكى عن مالك والشافعي وخصص ابن العربي النقل في هذا، بما إذا كانا لم يدخل أجوافهما شيء أصلاً. الثالث: هما سواء في وجوب الغسل، وبه قالت الحنفية والمالكية. انظر: هذه الأثار في مصنف عبد الرزاق (1/ 381 - 383)، وابن أبي شيبة (1/ 121)، "الاستذكار" (3/ 254)، "المجموع شرح المهذب" (2/ 609 - 610). (¬2) البخاري في صحيحه رقم (219، 221، 6025)، ومسلم رقم (100/ 285). (¬3) في "السنن" رقم (53، 54, 55). وهو حديث صحيح. (¬4) انظر: "غريب الحديث" لأبي عبيد (1/ 104)، "النهاية في غريب الحديث" (1/ 722).

وقوله: "فَشَنَّهُ عَلَيْهِ" بالمهملة: أي صبه عليه, وبالمعجمة: فرّقه عليه من جميع جهاته, ورشه عليه. قوله: "إذ جاء أعرابي" منسوب إلى الأعراب وهم سكان البوادي (¬1)، وقعت النسبة فيه إلى الجمع دون الواحد؛ لأنه جرى مجرى القبيلة, فقيل: أنه ذو الخويصرة (¬2) اليماني، وقيل: الأقرع بن حابس (¬3)، وقيل: عيينه بن حصن (¬4). "فقام يبول في المسجد" كانت عادة أهل ذلك العصر أن يبول البائل وإن كان قريباً من الناس، إنما كانوا يبعدون في الغائط. قوله: "مَهْ مَهْ" كلمة زجر (¬5) ويقال أيضاً: به بالموحدة, وتستعمل مفردة ومكررة، وزجروه مبادرة لإنكار المنكر عند اعتقادهم أنه منكر. وقوله - صلى الله عليه وسلم - "لا تزرموه" بضم المثناة الفوقية وسكون الزاي، وكسر الراء بعدها ميم مضمومة، فسّره "المصنف" بـ: لا تقطعوا عليه بوله. قال العلماء (¬6): لتركه يبول معانٍ: أحدها: إرادة الرفق به. الثاني: أنه لا يؤمن أن يلوث ثيابه. الثالث: إذا قطع عليه بوله ربما أذاه وأحصره. ¬

_ (¬1) قاله الحافظ في "الفتح" (1/ 323). (¬2) ذكره الحافظ في "الفتح" (1/ 323). (¬3) قاله التاريخي: ونقل عن أبي الحسين أنه عيينة بن الحصين، "فتح الباري" (1/ 324). (¬4) انظر: "التعليقة المتقدمة". (¬5) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 692)، "الفائق" للزمخشري (3/ 359). (¬6) ذكره النووي في "شرحه لصحيح مسلم" (3/ 191).

الرابع: ربما قطر على مواضع أخرى لا تعرف، فيتنجس المسجد. وفي الحديث: دليل على جميل آدابه ولطفه [226 ب] ورفقه بالجاهل. قوله: "إنّ هذه المساجد" أتى بالجمع لإفادة أنّ ذلك ليس خاصاً بمسجده - صلى الله عليه وسلم - بل هذا حكم كل مسجد. "لا تصلح" في حكم الشريعة. "لشيء من هذا البول والقذر" إبانة أن سائر الأقذار كالبول، ولهذا نهى - صلى الله عليه وسلم - عن البصاق (¬1) في المسجد، ثم أبان - صلى الله عليه وسلم - الذي يصلح له فقال: "إنما هي لذكر الله" عام لكل ذكر، وعَطَفَ "والصلاة وقراءة القرآن" عليه من عطف الخاص على العام إبانة لشرفهما، ودخل في ذكر كل طاعة من قراءة العلم. "وأمر رجلاً من القوم فجاء بدلوٍ من ماء" أي: فيها ماء، وفي لفظ: قال: "صبّوا عليه ذنوباً"، وفي رواية: "سجلاً من ماء". "فشنَّه" يأتي "للمصنف" أنه بالمهملة أي: صبّه وهو الموافق لرواية (¬2): "صبّوا عليه ذنوباً من ماء" وفي لفظ: مسلم (¬3) "فأهريق عليه"، وهو بمعناه. قوله: "أخرجه الشيخان وهذا لفظهما والنسائي". الرابع: حديث (أبي هريرة - رضي الله عنه -). 4 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أَنَّ أَعْرَابِيًّا دَخَلَ المَسْجِدَ. وَرَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - جَالِسٌ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: اللهمَّ ارْحَمْنِي وَمُحَمَّدًا، وَلاَ تَرْحَمْ مَعَنَا أَحَدًا. فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَقَدْ تَحَجَّرْتَ ¬

_ (¬1) عن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "البصاق في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها". أخرجه البخاري رقم (415)، ومسلم رقم (552)، وأبو داود رقم (475)، والترمذي رقم (572)، والنسائي رقم (723)، وغيرهم. وهو حديث صحيح. (¬2) أخرجها البخاري في صحيحه رقم (221). (¬3) بل أخرجها البخاري رقم (219، 221).

وَاسِعًا". ثُمَّ لَمْ يَلْبَثْ أَنْ بَالَ فِي المَسْجِدِ، فَأَسْرَعَ إِلَيْهِ النَّاسُ، فَنَهَاهُمُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَقَالَ: "إِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ، صُبُّوا عَلَيْهِ سَجْلاً مِنْ مَاءٍ". أَوْ قَالَ: "ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ". أخرجه الخمسة (¬1) إلا مسلماً، وهذا لفظ أبي داود والترمذي رحمهما الله. [صحيح] "أنّ أعرابياً دخل المسجد ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس يصلى ركعتين" لعلها تحية المسجد. "ثم قال: اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً" كأنه لجهله بسعة رحمة الله. "فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: لقد تحجّرت واسعاً" وهي رحمة الله التي وسعت كل شيء كما قال تعالى (¬2). (ثم لم يلبث) أي: الأعرابي. "أن بال في المسجد" على عادة العرب في عدم الإبعاد عند البول. "فأسرع إليه الناس" أي: بالزجر، والنهي بقولهم: مَهْ مَه كما سلف. "فنهاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" تقدم بقوله: "لا تزرموه". "وقال: إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين" نسب - صلى الله عليه وسلم - البعث إليهم مجازاً؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - هو المبعوث إليهم، وإنما ذكرهم؛ لأنهم المبلغون عنه في حضوره وغيبته, أو لأنهم مبعوثون من قِبَلِهِ إلينا. "صبّوا عليه سجلاً" (¬3) بفتح السين المهملة [227 ب] وسكون الجيم وهو الذَنوب. أيضاً. قوله: (أخرجه الخمسة إلاّ مسلماً وهذا لفظ أبي داود والترمذي". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (220، 6128)، وأبو داود رقم (380)، والترمذي رقم (147)، والنسائي رقم (51). وهو حديث صحيح. (¬2) قال تعالى: {قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف: 156]. (¬3) السَّجْل: الدَّلو الملأى ماءً ويجمع على سجال. "النهاية في غريب الحديث" (1/ 756)، "غريب الحديث" للخطابي (2/ 189).

- ولأبي داود (¬1) في أخرى: "خُذُوا مَا بَالَ عَلَيْهِ مِنَ التُّرَابِ، فَالقُوهُ وَأَهْرِيقُوا عَلَى مَكَانِهِ المَاءَ". قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَهُذِهِ الرِّوِايَة مُرْسَلَةٌ لأِنَّ ابْنُ مَعْقِلٍ لَمْ يُدْرِكِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -. "تَحَجَّرتَ وَاسِعاً" أي: ضيقت السعة. و"الَّذنُوبُ" الدلو العظيمة. وكذلك "السَّجْلُ" ولا يسمى سجلاً إلا إذا كان فيه ماء. "ولأبي داود في أخرى: خذوا ما بال عليه من التراب فألقوه وأهريقوا على مكانه الماء". قال الحافظ ابن حجر في "تلخيص الحبير" (¬2) بعد ذكر هذا الحديث: له طريقان موصولان. أحدهما: عن ابن مسعود (¬3). والثانية: عن واثلة بن الأسقع (¬4) وفيهما مقال. انتهى. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (381) مرسلاً رجاله ثقات. (¬2) (1/ 60). (¬3) أخرجه الدارمي كما في "التخليص" (1/ 60)، والدارقطني في "السنن" (1/ 131، 132)، ولفظه: "فأمر بمكانه فاحتفر، وصبَّ عليه دلو من ماء" وفيه سمعان بن مالك، وليس بالقوي، قاله أبو زرعة وقال أبو حاتم في "العلل" (1/ 24) عن أبي زرعة: هو حديث منكر. وكذا قال أحمد، وقال أبو حاتم: لا أصل له. انظر: "الجرح والتعديل" (4/ 316). (¬4) أخرجه أحمد كما في "التخليص" (1/ 60)، والطبراني في "الكبير" (ج 22 رقم 192)، وفيه عبيد الله بن أبي حميد الهذلي، وهو منكر الحديث، قاله البخاري في "الضعفاء الصغير" (ص 73)، وأبو حاتم في "الجرح والتعديل" (5/ 312).

ونقل المصنف عن أبي داود (¬1) ما ترى من أنه مرسلاً، وفي الحديث دلالة على نجاسة بول الآدمي، وهو إجماع، وعلى أن الأرض إذا تنجست طهرت بالماء، كغيرها من المتنجسات، وعلى أنه لا يجزي في تطهيرها الشمس والريح كما قيل. وحديث: "ذكاة الأرض يبسها" أخرجه ابن أبي شيبة (¬2) موقوفاً، ودليل على أنه لا يجوز القذر في المساجد. قوله: "ولا يسمى سجلاً إلا إذا كان فيه الماء" وقيل: هي الدلو مطلقاً، سواء كان فيها ماء أولاً، وفي "القاموس" (¬3): الدلو العظيمة مملوءة. الخامس: 5 - وعن أبي عبد الله الجشمي قال: حدثنا جندب - رضي الله عنه - قال: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَأَنَاخَ رَاحِلَتَهُ ثُمَّ عَقَلَهَا، ثُمَّ دَخَلَ المَسْجِدَ فَصَلَّى خَلْفَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَلمَّا سَلَّمَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - أَتَى الأَعْرَابِيُّ رَاحِلَتَهُ فَأَطْلَقَهَا، ثُمَّ رَكِبَ، ثُمَّ نَادَى: اللهمَّ ارْحَمْنِي وَمُحَمَّدًا، وَلَا تُشْرِكْ مَعَناَ فِي رَحْمَتِنَا أَحَدًا، فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ تَرَوُنَ أَضَلُّ هَذا أَوْ بَعِيرُهُ؟ أَلمْ تَسْمَعُوا إِلَى مَا قَالَ: قَالُوا: بَلَى". أخرجه أبو داود (¬4). [إسناده ضعيف] حديث: "أبي عبد الله الجشمي" بضم الجيم فشين معجمة مفتوحة, نسبة إلى جشم قبيلة. (قال: حدثنا جندب) هو ابن عبد الله. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (381). (¬2) في "مصنفه" (1/ 59 رقم 624). (¬3) "القاموس المحيط" (ص 1309). (¬4) في "السنن" رقم (4885) بإسناد ضعيف.

"قال: جاء أعرابي فأناخ راحلته ثم عقلها، ثم دخل المسجد فصلَّى خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" هذا يخالف رواية (¬1): "أنه صلى ركعتين" فيحمل أنه دخل فصلى خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم صلى ركعتين ودعا بما دعا إلا أنَّ قوله: "فلما سلّم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتى الأعرابي راحلته" فإنه ظاهر في أنه لم يفعل شيئاً بعد صلاته معه - صلى الله عليه وسلم - فيحتمل أنه دخل المسجد، وهو - صلى الله عليه وسلم - في صلاة رباعية، قد فعل ركعتين فدخل معه الأعرابي ثم أتمْ صلاته. "فأطلقها ثم ركب فنادى: اللهم (¬2) ارحمني ومحمداً، ولا تشرك معنا في رحمتنا أحداً فقال رسول - صلى الله عليه وسلم -[228 ب] من ترون" تظنون، بضم المثناة الفوقية. "أضل؟ هذا أو بعيره" يعني: أن من بلغ هذا الحد في الجهل لسعة رحمة الله قد بلغ غاية الضلالة في هذا الحكم، حتى أنه يفاضل بينه وبين بعيره. "ألم تسمعوا إلى ما قال" ممَّا دلّ على ضلاله. "قالوا بلى". قوله: "أخرجه أبو داود" وذكره هنا دال على أنها قصة واحدة ويدل له ما أورده رزين بعد قوله: "فدخل المسجد" قال: "فجعل يبول فيه فانتهره بعض أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "دعوه واهريقوا عليه ذنوباً من ماء, قال: ثم توضأ وصلى خلف النَّبي - صلى الله عليه وسلم - ... " الحديث. قال ابن الأثير (¬3): الفرع الثالث: في النجاسة تكون في الطريق، ثم قال: ¬

_ (¬1) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، أخرجه البخاري رقم (220، 6128)، وأبو داود رقم (380)، والترمذي رقم (147)، والنسائي رقم (56)، وابن ماجه رقم (529)، وأحمد (12/ 244) وقد تقدم. (¬2) انظر: "فتح الباري" (1/ 323). (¬3) في "الجامع" (7/ 88).

(وعن أم سلمة - رضي الله عنها -) وهو الحديث السادس. 6 - وعن أم سلمة - رضي الله عنها -: أَنَّهَا قالَتْ لها امْرَأَةٌ إِنِّي أُطِيلُ ذَيْلِي، وَأَمْشِي فِي المَكَان القَذِرِ، فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "يُطَهِّرُهُ مَا بَعْدَهُ". أخرجه الأربعة (¬1) إلا النسائي. [صحيح] "أنها قالت لها امرأة: إني أطيل ذيلي" في "القاموس" (¬2): الذيل آخر كل شيء، ومن الإزار والثوب ما جُرَّ. انتهى. ويأتي أنه أذن للنساء في إطالة أذيالهن ذراعاً إذا مشين. "وأمشي في المكان القذر فقالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يطهره ما بعده". قال ابن الأثير في "غريب الجامع" (¬3): هذا وقوله في الحديث الآخر: "فهذه بهذه" معناه عند الشافعي (¬4) فيما كان يابساً لا يعلق بالثوب منه شيء، فأما إذا كان رطباً فلا يطهَّر إلاّ بالغسل. وقال مالك (¬5): هو أن يطأ الأرض القذرة, ثم يطأ الأرض النظيفة اليابسة، فإنّ بعضها يطِّهر بعضاً، فأماّ النجاسة مثل البول ونحوه, يصيب الثوب أو بعض الجسد، فإنَّ ذلك لا يطهره إلاّ الماء إجماعاً. قال (¬6): وفي إسناد الحديثين مقال. انتهى. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود رقم (383)، والترمذي رقم (143)، وابن ماجه رقم (531)، ومالك في "الموطأ" (1/ 24) وهو حديث صحيح. (¬2) "القاموس المحيط" (ص 1295). (¬3) (7/ 88). (¬4) انظر: "المجموع شرح المهذب" (2/ 199 - 209). (¬5) "مدونة الفقه المالكي وأدلته" (1/ 120 - 122). (¬6) ابن الأثير في "غريب الجامع" (7/ 89).

قوله: "أخرجه الأربعة إلاّ النسائي". - ولأبي داود (¬1) في أخرى: "أَنَّ امْرَأَةٍ منْ بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ قَالَتْ: قُلْتُ يَا رَسُولَ الله: إِنَّ لَنَا طَرِيقًا إِلَى المَسْجدِ مُنْتِنَةً, فَكَيْفَ نَفْعَلُ إِذَا مُطِرْنَا؟ فَقَالَ: أَليْسَ بَعْدَهَا طَرِيقٌ هِيَ أَطْيَبُ مِنْهَا؟ قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: فَهَذِهِ بِهَذِهِ". [صحيح] قوله: "ولأبي داود في أخرى: أن امرأة من بني عبد الأشهل" بفتح الهمزة وشين معجمة ساكنة وهاء مفتوحة، بطن من الأنصار. "قالت: يا رسول الله إنّ لنا طريقاً إلى المسجد منتنة" أي: ذات نتن وهو القذر ونحوه. "فكيف نفعل إذا مطرنا، قالت: فقال: أليس بعدها طريق هي أطيب منها [229 ب] قالت: بلى، قال: فهذه بهذه" تقدم الكلام فيه. - وله (¬2) في أخرى عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: "قال رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: إذا وَطىِء أَحَدُكُمْ بِنَعْلهِ الأذَى، فَإِنَّ التُّرَابَ لَهُ طَهُورٌ". [صحيح لغيره] قوله: "وله" أي: أبي داود. "في أخرى (¬3) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إذا وطىء أحدكم بنعله الأذى فإنّ التراب له طهور" وهو نص في تطهير النعل بالتراب، زاد في "الجامع" (¬4): وفي رواية: "إذا وطئ الأذى بخفَّيه فطهورهما التراب". ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (384). وأخرجه ابن ماجه رقم (533) وهو حديث صحيح. (¬2) في "السنن" رقم (385) وهو صحيح لغيره. (¬3) في "السنن" رقم (386) وهو صحيح لغيره. (¬4) (7/ 89).

الفصل الثاني: في المني

فهذه الأحاديث متعاضدة على تطهير التراب لذيل المرأة وللنعال، وتأويل الشافعي في أنه في غير البول، كأنه يريد أنّ هذه عامة, فتخص بأحاديث نجاسة البول، وأنه لا يطهره إلاّ الماء. السابع: حديث (ابن عباس - رضي الله عنهما -). 7 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "إذَا مَرَّ ثَوْبُكَ، أَوْ وَطِئْتَ قَذَراً رطباً فَاغْسِلْهُ, وَإِنْ كاَنَ يَابِساً فَلاَ عَلَيْكَ". أخرجه رزين. "قال: إذا مرّ ثوبك" أي: على قذر كما يدل. "أو وطئت قذراً رطباً فاغسله" ظاهره تعيين الماء، ولا يكفي التراب. "وإن كان يابساً" أي: القذر. "فلا عليك" أي: لا يجب (¬1) عليك غسله، وهذا موقوف. قوله: "أخرجه رزين" كما مرَّ مراراً. الفصل الثاني: في المني (الفصل الثاني) من الفصول الخمسة التي في إزالة النجاسة. في المنيِّ. (في المني) في حكمه, وقد أدخله في النجاسة مع الخلاف في ذلك. الأول: حديث (عائشة - رضي الله عنها -): 1 - عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كُنْتُ أَغْسِلُ الجَنَابَةَ مِنْ ثَوْبِ رَسولِ الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَخْرُجُ إِلَى الصَّلَاةِ, وَإِنَّ بُقَعَ المَاءِ فِي ثَوْبِهِ. أخرجه الخمسة (¬2)، وهذا لفظ الشيخين. [صحيح] ¬

_ (¬1) انظر: "الأوسط" لابن المنذر (2/ 167 - 170)، "المحلى" (1/ 94). (¬2) أخرجه البخاري رقم (229، 230، 231، 232)، ومسلم رقم (289)، وأبو داود رقم (371، 372، 373)، والترمذي رقم (117، 118)، والنسائي (1/ 156) وهو حديث صحيح.

"قالت: كنت أغسل الجنابة" المني، وأطلقتها عليه مجازاً، والمراد غسل أثرها. "من ثوب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" ليس فيه دليل أنه عن أمره. "فيخرج إلى الصلاة, وإن بقع الماء" بضم الموحدة، وفتح القاف والعين المهملة, جمع البقعة وهي القطعة من الأرض. "وفي ثوبه" واعلم أن العلماء اختلفوا في طهارة المني؛ فذهبت الشافعية (¬1) إلى طهارته، وقالوا: الغسل ليس للتنجس؛ لأنه قد ثبت أنها كانت تفركه كما يأتي، ولو كان نجساً لما أجزأ فركه، وذهبت الحنفية (¬2) إلى أنه نجس، والفرك مطهر، ووافقتهم الهادوية (¬3) على نجاسته، وقالوا: لا يطهره إلاّ الماء، كسائر النجاسات. وقد بسطنا المقاولات في ذلك بين المطهرين وغيرهم في حاشيتنا على "شرح العمدة" (¬4) وهي مناظرة وجدال وردٌّ واستدلال [230 ب] بسطناها هنالك بحمد الله. قوله: "أخرجه الخمسة". - ولمسلم (¬5) في أخرى: أَنَّ رَجُلاً نَزَلَ بِعَائِشَةَ - رضي الله عنها -، فَأَصْبَحَ يَغْسِلُ ثَوْبَهُ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: إِنَّمَا كَانَ يُجْزِئُكَ - إِنْ رَأَيْتَهُ - أَنْ تَغْسِلَ مَكَانَهُ، فَإِنْ لَمْ تَرَهُ نَضَحْتَ حَوْلَه، لَقَدْ رَأَيْتُنِي أَفْرُكُهُ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فَرْكًا فَيُصَلِّى فِيهِ. [صحيح] ¬

_ (¬1) في "الأم" (1/ 219)، "المجموع شرح المهذب" (2/ 573). (¬2) "البناية في شرح الهداية" (1/ 291 - 292). (¬3) "المحلى" (1/ 126). (¬4) (1/ 323 - 324). (¬5) في صحيحه رقم (109/ 290) عن عبد الله بن شهاب الخولاني قال: كنت نازلاً على عائشة، فاحتلمت في ثوبي، فغمستهما في الماء فرأتني جارية لعائشة، فأخبرتها، فبعثت إليَّ عائشة فقالت: ما حملك على ما صنعت =

"ولمسلم" أي: عن عائشة في رواية: "أخرى". "أن رجلاً نزل" أي: ضيفاً. "بعائشة فأصبح يغسل ثوبه فقالت عائشة: إنما كان يجزئك"، قال النووي (¬1): بالياء وبالهمزة. "أن تغسل مكانه" لا الثوب كله. "فإن لم تره" أي: المني، "في الثوب نضحت ما حوله"، مما تظنه محله، والمراد نضحته وما حوله. "ولقد رأيتني أفركه" أي: أدلكه. "حتى يذهب" أثره من ثوب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وفي أخرى (¬2): "وَلَقَدْ رَأَيْتُنِي، وَإِنِّي لَأَحُكُّهُ مِنْ ثَوْبِ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - يَابِسًا بِظُفُرِي". "وفي رواية أخرى: لقد رأيتني وأنا أحكه من ثوب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يابساً بظفري". وفي الأحاديث كلها ما يدل على أنه كالنخامة (¬3)، يراد إذهاب لونه من الثوب، لا أنه نجس يغسل منه الثوب حتماً. ¬

_ = بثوبيك؟ قال: قلت: رأيت ما يرى النائم في منامه, قالت: هل رأيت فيهما شيئاً؟ قال: لا. قالت: فلو رأيت شيئاً غسلته، لقد رأيتني وإني لأحكه من ثوب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يابساً بظفري (¬1) في "شرح صحيح مسلم" (3/ 196). (¬2) أخرجها مسلم في صحيحه رقم (290). (¬3) يشير إلى حديث ابن عباس قال: سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن المنيِّ يصيب الثوب, فقال: "إنما هو بمنزلة المُخاط والبُصاق، وإنما يكفيك أن تمسحه بخرقة أو بإذخرة". أخرجه الدارقطني (1/ 124 رقم 1)، وهو حديث منكر مرفوعاً، وصحيح موقوفاً.

الثاني: حديث (يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب). 2 - وَعن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب: أَنَّهُ اعْتَمَرَ مَعَ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ - رضي الله عنه - فِي رَكْبٍ فِيهِمْ عَمْرُو بْنُ العَاصِ، وَأَنَّ عُمَرَ عَرَّسَ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ قَرِيبًا مِنْ بَعْضِ المِيَاهِ, فَاحْتَلَمَ عُمَرُ بْنِ الخَطَّابِ، وَقَدْ كَادَ أَنْ يُصْبحَ فَلَمْ يَجِدْ مَعَ الرَّكْبِ مَاءً فَرَكِبَ حَتَّى جَاءَ المَاءَ، فَجَعَلَ يَغْسِلُ مَا رَأَى مِنْ ذَلِكَ الاحْتِلَامِ حَتَّى أَسْفَرَ، فَقَالَ لَهُ عَمْرُو بْنُ العَاصِ: أَصبَحْتَ، وَمَعَنَا ثِيَابٌ، فَدَعْ ثَوْبَكَ يُغْسَلُ، فَقَالَ عُمَرُ وَاعَجَبًا لَكَ يَا ابْنَ العَاصِ! لَئِنْ كُنْتَ تَجِدُ ثِيَابًا أَفكُلُّ النَّاسِ يَجِدُ ثِيَابًا؟ وَالله لَوْ فَعَلْتُهَا لَكَانَتْ سُنَّةً، بَلْ أَغْسِلُ مَا رَأَيْتُ وَأَنْضِحُ مَا لَمْ أَرَهُ. أخرجه مالك (¬1). [موقوف صحيح] "أنه اعتمر" أي: خرج إلى العمرة. "مع عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في ركب" جماعة، والركب جمع ركاب، وهي الرواحل من الإبل. "فيهم عمرو بن العاص وأنّ عمر عرَّس" نزل لينام، والتعريس (¬2) نزول المسافر آخر الليل للنوم والاستراحة. "ببعض الطريق قريباً من بعض المياه, فاحتلم عمر بن الخطاب، وقد كاد يصبح، فلم يجد مع الركب ماءً، فركب حتى جاء الماء" الذي عرَّس قريباً منه. "فجعل يغسل ما رأى من ذلك الاحتلام" أي: من ماءه. "حتى أسفر" أي: اتضح ضوء الفجر. "فقال عمرو بن العاص لعمر بن الخطاب: أصبحت ومعنا ثياب فدع ثوبك يغسل" أي: والبس ثوباً من ثيابنا. ¬

_ (¬1) في "الموطأ" (1/ 50 رقم 83) وهو أثر موقوف صحيح. (¬2) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 181)، "الفائق في غريب الحديث" (2/ 409).

"فقال عمر: واعجباً لك يا ابن العاص؛ لأن كنت تجد ثياباً، أفكل الناس يجد ثياباً؟ والله لو فعلتها" أي: أخذت ثوباً غير الذي احتلمت فيه. "لكانت" هذه القضية. "سنة" أي: طريقة يسلكها الناس، فلا يغسل محتلم ثوبه الذي احتلم فيه بل يأخذ ثوباً غيره. "بل أغسل ما رأيت وأنضح ما لم أره" فيه ما كان عليه عمر - رضي الله عنه - من التقلل من الدنيا، وأنه ليس له إلا ثوبه [231 ب] الذي ينام فيه, ويصلي فيه، وشفقته على العباد، لئلا يستنوا به لو أخذ ثوباً آخر. قوله: "أخرجه مالك". الثالث: حديث (ابن عباس - رضي الله عنهما -). 3 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "إِنَّما المَنِيُّ بِمَنْزِلَةِ المُخَاطِ فَأَمِطْهُ عَنْكَ وَلَوْ بِإِذْخِرَة". أخرجه الترمذي (¬1) بغير إسناد. [منكر مرفوعاً صحيح موقوفاً] "قال: إنما المني بمنزلة المخاط" أي: فضلة من فضلات (¬2) البدن ظاهرة. "فأمطه" أزله "عنك" عن بدنك أو ثوبك. "ولو بإذخرة" في النهاية (¬3): الإذخر بكسر الهمزة، حشيشة طيبة الرائحة، تُسَقَّفُ بها البيوت فوق الخشب. انتهى. والمراد هنا إزالة المني بأي شيء، ولو بما ذكر من مفرد الإذخر. ¬

_ (¬1) في "السنن" بإثر الحديث رقم (117) وقد أخرجه الدارقطني (1/ 124 رقم 1)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (2/ 418) وهو حديث منكر مرفوعاً صحيح موقوفاً، وقد تقدم. (¬2) انظر: "فتح الباري" (1/ 333). (¬3) (1/ 46).

الفصل الثالث: في دم الحيض

قوله: "أخرجه الترمذي بغير إسناد" عرّفناك أنّ الأولى أن يقال: ذكره الترمذي (¬1) حيث لا إسناد له. الفصل الثالث: في دم الحيض (الفصل الثالث) من الخمسة التي ذكرت في باب إزالة النجاسة. في دم الحيض. (في دم الحيض) أي: في حكم إزالته. والحيض (¬2): أصله السيلان، وفي العرف (¬3): جريان دم المرأة من موضع مخصوص في أوقات مخصوصة. الأول: حديث (أسماء بنت أبي بكر - رضي الله عنها -). 1 - عن أسماء بنت أبي بكر - رضي الله عنها - قالت: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ: إِحْدَانَا يُصيبُ ثَوْبَهَا مِنْ دَمِ الحَيْضَةِ، كَيْفَ تَصْنَعُ بِهِ؟ قَالَ: "تَحُتُّهُ, ثُمَّ تَقْرُصُهُ بِالمَاءِ, ثُمَّ تَنْضَحُهُ, ثُمَّ تُصَلِّى فِيهِ". أخرجه الستة (¬4). [صحيح] "قالت: جاءت امرأة" هي أسماء الراوية نفسها كما في رواية الشافعي (¬5) بإسناد صحيح، ولا يستنكر إبهام الراوي نفسه، كما في حديث أبي سعيد في قصة الرقية بالفاتحة (¬6). ¬

_ (¬1) وهو كما قال. (¬2) "القاموس المحيط" (ص 826). (¬3) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 460)، "غريب الجامع" للخطابي (3/ 279)، "المصباح المنير" (ص 192). (¬4) أخرجه البخاري رقم (227)، ومسلم رقم (110/ 291)، وأبو داود رقم (360)، والنسائي رقم (293)، والترمذي رقم (138)، وابن ماجه رقم (629)، وأخرجه أحمد (6/ 345، 353)، وهو حديث صحيح. (¬5) في "الأم" (2/ 146 رقم 130، 131)، وفي "المسند" (رقم 46 - ترتيب)، وهو حديث صحيح. (¬6) تقدم نصه وتخريجه.

"إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: إحدانا يصيب ثوبها من دم الحيضة" بكسر الحاء المهملة، وهي اسم دم الحيض، والجمع حيض، والحيضة بالفتح المرة من الحيض. "كيف تصنع به قال تَحُتَّهُ" بالفتح وضم المهملة، وضم المثناة الفوقية، أي: تحكه. "ثم تَقْرُصُهُ" بالفتح وسكون القاف, وضم الراء والصاد المهملتين، وحكى عياض (¬1) وغيره: الضم وفتح القاف، وتشديد الراء المكسورة، أي: تدلك موضع الدم بأطراف أصابعها لينحلّ بذلك ويخرج ما شربه الثوب. "ثم تنضحه" بفتح الضاد المعجمة، أي: تغسله، قاله الخطابي (¬2). وقال القرطبي (¬3): المراد به الرش؛ لأن غسل الدم استفيد من قوله: "تقرصه بالماء" وأمّا النضح فهو فيما تشك فيه من الثوب. "ثم تصلي فيه" أخذ منه أنه لا بدَّ من طهارة ثوب المصلي. قوله: "أخرجه الستة". قلت: بألفاظ (¬4) عدة [232 ب]. الثاني: حديث (عائشة - رضي الله عنها -). 2 - وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: مَا كَانَ لإِحْدَانَا إِلاَّ ثَوْبٌ وَاحِدٌ تَحِيضُ فِيهِ, فَإِذَا أَصَابَهُ شَيْءٌ مِنْ دَمٍ قالَتْ بِرِيقِهَا [فَقصَعَتْهُ] (¬5) بِظُفْرِهَا". أخرجه البخاري (¬6)، وهذا لفظه، وأبو داود (¬7). ¬

_ (¬1) في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (2/ 117). (¬2) في "معالم السنن" (1/ 255). (¬3) في "المفهم" (1/ 551). (¬4) انظرها في: "جامع الأصول" (7/ 94 - 96). (¬5) كذا في البخاري والذي في المخطوط والجامع (فَمصَعَتْه). (¬6) في صحيحه رقم (312). (¬7) في "السنن" رقم (358).

وله (¬1) في أخرى: "فَتَقْصعُهُ بِرِيقِهاَ". [صحيح] - وفي أخرى للبخاري (¬2) قالت: "كَانَتْ إِحْدَانَا تَحِيضُ، ثُمَّ تَقْرُصُ الدَّمَ مِنْ ثَوْبِهَا عِنْدَ طُهْرِهَا، فَتَغْسِلُهُ, وَتَنْضَحُ سَائِرِهِ ثُمَّ تُصَلِّى فِيهِ". [صحيح] "المَصْعُ" (¬3) التحريك والفرك، وهو المراد بالقصّ كما في رواية أبي داود (¬4). [صحيح] "قالت: ما كان لإحدانا" تريد أمهات المؤمنين، وهو محمول على أنهن كن يصنعن ذلك في زمنه - صلى الله عليه وسلم -، ولهذا فيلحق الحديث بحكم المرفوع. "إلاّ ثوب واحد تحيض فيه, فإذا أصابه شيء من دم قالت بريقها" من إطلاق القول على الفعل. "فمصعته" (¬5) بالصاد والعين المهملتين المفتوحتين، أي: حرّكته وفركته بظفرها، ورواه أبو داود (¬6) بالقاف بدل الميم، والقصع: الدلك وإنما أزالت الدم بريقها ليذهب أثره, ولم تقصد تطهيره, وليس في الحديث أنها صلّت فيه, فلا يكون فيه حجة لمن أجاز إزالة النجاسة بغير الماء. قوله: "أخرجه البخاري وهذا لفظه وأبو داود". "وله" أي: لأبي داود. ¬

_ (¬1) أخرجها أبو داود في "السنن" رقم (364). (¬2) في صحيحه رقم (308)، والذي فيه ثم تقترص الدم. (¬3) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 663). (¬4) في "السنن" رقم (358)، (364). (¬5) تقدم معناه. (¬6) في "السنن" رقم (358، 364).

الفصل الرابع: في حكم الكلب وغيره من الحيوان

"في أخرى: فتقصه" بالمثناة الفوقية مفتوحة, والقاف وصاد مهملة، في النهاية (¬1): فتقصه بريقها، أي: فتقص موضعة من الثوب بأسنانها و"بريقها"، لتذهب أثره كأنه من القص القطع أو تتبع الأثر، يقال قصّ الأثر، واقتصَّه أن أتتبعه. انتهى. والمصنف قد فسّره بالفرك. قوله: "وفي أخرى للبخاري: قالت: كانت إحدانا تحيض، ثم تقرص الدم" بالقاف والصاد المهملة، إلاّ أنه في لفظ البخاري (¬2): "تقترص". قال ابن حجر (¬3): بوزن تفتعل، أي: تغسله بأطراف أصابعها. "من ثوبها عند طهرها فتغسله وتنضح سائره (¬4) " فيه دليل على جواز ترك النجاسة في الثوب، عند عدم الحاجة إلى تطهيره. الفصل الرابع: في حكم الكلب وغيره من الحيوان (الفصل الرابع) من فصول الباب الثاني في إزالة النجاسة في الكلب وغيره من الحيوان (في حكم الكلب وغيره من الحيوان) الأول: حديث (أبي هريرة - رضي الله عنه -): 1 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "طُهُورُ إِنَاءِ أَحَدِكُمْ إِذَا وَلَغَ فِيهِ الكَلْبُ أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ". أخرجه الستة (¬5)، واللفظ لمسلم. [صحيح] ¬

_ (¬1) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 462). (¬2) في صحيحه رقم (308)، وقد تقدم، وفيه كما قال الشارح. (¬3) في "فتح الباري" (1/ 410). (¬4) قاله الحافظ في "الفتح" (1/ 411). (¬5) أخرجه البخاري رقم (172)، ومسلم رقم (89/ 279)، وأبو داود رقم (77، 72، 73)، والترمذي رقم (91)، والنسائي (335)، ومالك في "الموطأ" (1/ 34)، وهو حديث صحيح.

"قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طهور" أي: تطهير. "إناء أحدكم" أيها المسلمون. "إذا ولغ" أي: شرب بطرف لسانه، قال ثعلب (¬1): هو أن يدخل لسانه في الماء وغيره من كل مائع فيحركه, وفي رواية عند مالك (¬2) وغيره: "إذا شرب". "فيه الكلب" من الماء الذي فيه. "أن يغسله" أي: الإناء، وفي رواية: "الأمر بإراقة الماء الذي فيه". "سبع مرات" سبع غسلات. "أولاهن [233 ب] بالتراب" وفي رواية (¬3): "أخراهن" وفي أخرى: "إحداهن" (¬4) وتكلّمنا على ذلك في شرحنا: "سبل السلام" (¬5) وبسطنا القول في شرح الحديث في حاشيتنا "العدة (¬6) على شرح العمدة" بسطاً شافياً. وذكرنا الخلاف في طهارة الكلب ونجاسته, وغير ذلك وفي حاشيتنا على "ضوء النهار" (¬7) كذلك، فلم نُطّوّل هنا واكتفينا بالإشارة إلى محل تحقيقه. ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (1/ 274). (¬2) في "الموطأ" (1/ 34). (¬3) أخرجه الترمذي رقم (91)، والبزار كما في "البدر المنير" (2/ 327)، وعندهما "أولاهن أو أخراهن". وعند أبي داود في "السنن" رقم (73): السابعة بالتراب, وفي رواية للشافعي في "الأم" (1/ 31 - 32 رقم 88): "أولاهن بالتراب أو أخراهن" وهو رواية صحيحة. (¬4) في رواية لأبي عبيد القاسم بن سلام في "كتاب الطهور" (ص 159 رقم 193)، وفيه: " ... سبع مرات أولاهن أو إحداهن بالتراب" وعند الدارقطني في "السنن" (1/ 65 رقم 12) بلفظ: "إحداهن" بإسناد ضعيف. (¬5) (1/ 115) بتحقيقي. (¬6) (1/ 111 - 115). (¬7) (1/ 175) بتحقيقي.

قوله: "أخرجه الستة واللفظ" هذا "لمسلم". قلت: إلاّ أن في "الجامع" (¬1) أنّ لفظ مسلم: "طهر إناء أحدكم" بدل "طهور". الثاني: حديث (ابن عمر - رضي الله عنه -): 2 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: كَانَتْ الكِلَابُ تُقْبِلُ وَتُدْبِرُ فِي المَسْجِدِ فِي زَمَان رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمْ يَكُونُوا يَرُشُّونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ". أخرجه البخاري (¬2)، وهذا لفظه، وأبو داود (¬3). [صحيح] والمراد بقوله: "تُقْبِلُ وَتُدْبِرُ" عبورها في المسجد، حيث لم يكن أبواب من غير تلويث ببول ونحوه. "قال: كانت الكلاب تقبل وتدبر" زاد أبو نعيم (¬4) قبل "تقبل" - "تبول" وهي عند البيهقي (¬5)، وكذا أخرجها أبو داود (¬6)، وليس فيه: "أن البول كان في المسجد" إنما هو ظرف للإقبال والإدبار. "في زمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" المراد: ويعلم ذلك ليكون تقريره حجة. "فلم يكونوا يُرشُّون شيئاً من ذلك" أي: يغسلونه, يدل أنها كانت تبول في المسجد إذا هو المحتاج إلى تطهيره, وهذا يبعد قول المنذري (¬7): المراد أنه كانت تبول خارج المسجد في مواطنها، ¬

_ (¬1) (7/ 99 - 102). (¬2) في صحيحه (1/ 272 الباب رقم 33) تعليقاً. (¬3) في "السنن" رقم (382) وهو حديث صحيح. (¬4) ذكره الحافظ في "الفتح" (1/ 278). (¬5) في "السنن الكبرى" (1/ 241) وفي المعرفة (2/ 60). (¬6) في "السنن" رقم (382) وهو حديث صحيح. (¬7) في "مختصر السنن" (1/ 226).

ثم تقبل وتدبر في المسجد، إذ لم يكن عليه في ذلك الوقت غلق إذ من البعيد أن تترك الكلاب تنتاب المسجد حتى تمتهنه بالتبول فيه. وتعقب بأنه إذا قيل [بطهارتها] (¬1) لم يمتنع ذلك كما في الهرة, والأقرب أن يقال أن ذلك كان في ابتداء الأمر على أصل الإباحة، ثم ورد الأمر بتكريم المساجد وتطهيرها، وجعل الأبواب عليها، قاله في "فتح الباري" (¬2). قلت: إلاّ أنّي لا أعلم رواية دالة على أنه كان لمسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في عصره أبواب. قوله: "أخرجه البخاري وهذا لفظه وأبو داود". قوله: "من غير تلويث ببول ونحوه". قلت: يَرُدُّه قول ابن عمر: "فلم يكونوا يرشون شيئاً من ذلك" فإنه ظاهر أنها تبول في المسجد، فإنه لا يرش من بولها في الأمكنة إلا فيما يراد تطهيره، وهو المسجد، لا أنه يرش من بولها في مواطنها. الثالث: 3 - وعن كبشة بنت كعب بن مالك، وكانت تحت ابن أبي قتادة: أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ - رضي الله عنه - , دَخَلَ عَلَيْهَا فَسَكَبَتْ لَهُ وَضُوءًا، فَجَاءَتْ هِرَّةٌ تَشْرَبُ مِنْهُ, فَأَصْغَى لَهَا الإِنَاءَ حَتَّى شَرِبَتْ. قَالَتْ: فَرَآنِي أَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: أَتَعْجَبِينَ يَا ابْنَةَ أَخِي؟ قَالَتْ: فَقُلْتُ: نَعَمْ. فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجَسٍ، هِيَ إِنَّما الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ وَالطَّوَّافَاتِ". أخرجه الأربعة (¬3). [صحيح] ¬

_ (¬1) في (أ. ب) بطهارته, وما أثبتناه من "فتح الباري". (¬2) (1/ 279). (¬3) أخرجه أبو داود رقم (75)، والترمذي رقم (92)، والنسائي (1/ 55، 178)، وابن ماجه رقم (367). وأخرجه أحمد (5/ 303، 309)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (1/ 245)، ومالك في "الموطأ" (1/ 22 - 23)، والشافعي في "ترتيب المسند" (1/ 21 - 22)، والدارمي (1/ 187 - 188)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" =

حديث "كبشة بنت كعب بن مالك" وهي صحابية. "وكانت تحت ابن أبي قتادة" زوجة له. "أن أبا قتادة - رضي الله عنه - دخل [234 ب] عليها، فسكبت له وضوءاً" بفتح الواو، وهو ما يتوضأ به. "فجاءت هرة تشرب منه، فأصغى (¬1) لها الإناء، حتى شربت، قالت: فرآني أنظر إليه" متعجبة من إصغاءه للهرة الإناء، وفهم ذلك. "فقال: أتعجبين يا ابنة أخي" أي: من صنعي. "قالت: فقلت: نعم، فقال: إنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال إنها" أي: الهرة. "ليست بنجس" حتى تحققت. "إنما هي من الطوافين عليكم والطوافات". الأول: جمع طواف، وهو الذكر. الثاني: جمع طوافة وهي الأنثى، والحديث مأخوذ من قوله تعالى: {بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ} (¬2)، أي: أنها كالصبيان، ونحوهم من الخدم، وهو دليل على طهارة الهرة. ¬

_ = (1/ 18)، وابن الجارود في "المنتقى" رقم (60)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (286)، والحاكم (1/ 160)، وابن خزيمة رقم (104)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (1/ 31)، وعبد الرزاق في "مصنفه" رقم (353) وهو حديث صحيح. (¬1) "القاموس المحيط" (ص 1680). (¬2) قال تعالى: {ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ} [سورة النور الآية: 58].

وقد ورد حديث: "أنه يغسل من ولوغها في الإناء مرة واحدة" (¬1) وإليه ذهب جماعة (¬2) من العلماء. قوله: "أخرجه الأربعة". الرابع: 4 - وعن داود بن صالح بن دينار التمَّار عن أمه: أَنَّ مَوْلَاتَهَا أَرْسَلَتْهَا بِهَرِيسَةٍ إِلَى عَائِشَةَ - رضي الله عنها -. قَالتْ: فَوَجَدَتْهَا تُصَلِّي فَأَشَارَتْ إِلَيَّ أَنْ ضَعِيهَا، فَجَاءَتْ هِرَّةٌ فَأَكَلَتْ مِنْهَا، فَلمَّا انْصَرَفَتْ عَائِشَةَ مِنْ صَلاَتِهاَ أَكَلَتْ مِنْ حَيْثُ أَكَلَتْ الِهرَّةُ، وَقَالَتْ: إِنَّ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجَسٍ إِنَّمَا هِيَ مِنْ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ"، وَإِنِّي رَأَيْتُ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - يَتَوَضَّأُ بِفَضْلِهَا. أخرجه أبو داود (¬3). [حسن] حديث: "داود (¬4) بن صالح التّمار" بالمثناة الفوقية، وتشديد الميم، نسبة إلى التمر. "عن أمه أنّ مولاتها أرسلتها بهريسة". قوله: "فجاءت هرة فأكلت منها" من الهريسة. "فلما انصرفت عائشة من صلاتها، أكلت من حيث أكلت الهرة" والحديث كالأول في إفادة طهارة الهرة (¬5). قوله: "أخرجه أبو داود". ¬

_ (¬1) انظر: "المجموع شرح المهذب" (1/ 222). (¬2) انظر: "شرح فتح القدير" (1/ 115). (¬3) في "السنن" رقم (76). وأخرجه ابن ماجه رقم (368) وهو حديث حسن. (¬4) داود بن صالح بن دينار التَّمار المدني، مولى الأنصار، صدوق من الخامسة، "التقريب" (1/ 232 رقم 17). (¬5) انظر: "المجموع شرح المهذب" (1/ 222).

الخامس: حديث (ميمونة - رضي الله عنها -). 5 - وعن ميمونة - رضي الله عنها - قالت: سُئِلَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنْ فَأْرَةٍ سَقَطَتْ فِي سَمْنٍ؟ فَقَالَ: "القُوهاَ وَمَا حَوْلهَا، وَكُلُوا سَمْنَكُمْ". أخرجه الستة إلا مسلماً، وهذا لفظ البخاري (¬1). [صحيح] "قالت: سُئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" السائلة: ميمونة كما في رواية الدارقطني وغيره، وهي ميمونة بنت الحارث، زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -. "عن فأرة" بالهمزة الساكنة. "سقطت في سمن فقال: ألقوها وما حولها" من السمن الذي تلوثت به. "وكلوا سمنكم" هذه رواية مجملة فصّلتها رواية أبي هريرة الآتية. قوله: "أخرجه الستة إلاّ مسلماً وهذا لفظ البخاري". والرواية المفصلة هي قوله: - وفي رواية لأبي داود (¬2) عن أبي هريرة: "فَإِنْ كَانَ جَامِدًا فَالقُوهَا وَمَا حَوْلهَا وَإِنْ كَانَ مَائِعًا فَلا تَقْرَبُوهُ". [شاذ] قوله: "وفي رواية لأبي داود، عن أبي هريرة: فإن كان جامداً فألقوها وما حولها، وإن كان مائعاً فلا تقربوه"؛ لأنها تجول فيه كله. والمراد: إذا مات الفأر في السمن؛ لأن ميتته نجسة، وأما لو وقع في السمن وخرج منه حياً فإنه لا يضره, إذ لا دليل على نجاسة ذاته، إلاّ أن في "الجامع" (¬3) لابن الأثير من حديث ابن ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (235)، وأبو داود رقم (3841)، والترمذي رقم (1798)، والنسائي رقم (4258، 4259). وهو حديث صحيح. (¬2) في "السنن" رقم (3842). وأخرجه أحمد (2/ 265) وهو حديث شاذ. (¬3) (7/ 104).

عباس (¬1): "سُئل عن الدابة تموتُ في الزَّيت أو السَّمن وهو جامدٌ أو غير جامد: الفأرة [235 ب] وغيرها؟ قال: بلغنا: أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر بفأرةٍ ماتت في سَمنٍ فأمر بما قَرُب منها فَطُرح ثم أُكل". السادس: حديث (أبي سعيد): 6 - وفي أخرى له (¬2) عن أبي سعيد - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - مَرَّ بِغُلاَمٍ يَسْلُخُ شَاةً، وَمَا يُحسن فَقَالَ لَهُ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "تَنَحَّ حَتَّى أُرِيَكَ"، فَأَدْخَلَ يَدَهُ بينَ الجِلْدِ وَاللَّحْمِ، فَدَخَسَ بِهَا حَتَّى دَخَلَتْ إِلَى الإِبْطِ، ثُمَّ مَضَى فَصَلَّى لِلنَّاسِ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ. [حسن] زاد في رواية (¬3): "يَعْنِي لَمْ يَمَسَّ مَاءً". [حسن] "الدَّخَسُ" (¬4) بخاء معجمة: الدس. قال المصنف "وفي أخرى له" أي: لأبي داود. "عن أبي سعيد" هذا حديث في حكم آخر غير ما سلف من حكم الهرة، فكان صوابه أن يقول: وعن أبي سعيد، ويحذف لفظ: وفي أخرى، كما لا يخفى. "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرّ بغلام يسلخ شاة" أي: يكشط جلدها عنها. "ولا يحسن سلخها، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تنحّ حتى أريك" كيفية السلخ. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود رقم (3843)، والنسائي رقم (4260) وهو حديث شاذ. (¬2) أي: لأبي داود في "السنن" رقم (185)، وهو حديث حسن. وأخرجه ابن ماجه رقم (3179). (¬3) لأبي داود في "السنن" (1/ 130) قال أبو داود: زاد عمرو في حديثه: "يعني لم يمس ماء" وقال: عن هلال ابن ميمون الزملي. (¬4) أي أدخلها بين اللحم والجلد، ويروى بالحاء، دحس، أي: دسَّها بين الجلد واللحم، كما يفعل السَّلاخ. "النهاية في غريب الحديث" (1/ 556، 559)، "الفائق" للزمخشري (1/ 414).

الفصل الخامس: في الجلود

"فأدخل يده بين الجلد واللحم فدخس" بالدال المهملة, والخاء المعجمة, والسين المهملة يأتي أنه الدَّس. "حتى دخلت" أي: يده هو. "إلى الإبط" فيه حسن خلقه وتعليمه الجاهل أمر دنياه, وبيان إحسان العمل وإتقانه وتواضعه. "ثم مضى فصلَّى للناس" دلّ على طهارة المذكى لحمه ودمه وجلده, ولذا قال: "ولم يتوضأ" وفسّرها بقوله: "زاد في رواية: لم يمس ماء" وهو أوضح في أنه لم يغسل من البلة التي تكون بين الجلد واللحم. الفصل الخامس: في الجلود (الفصل الخامس) من الباب الثاني: وهو آخر فصوله في الجلود (في الجلود) في حكمها. الأول: 1 - عن مرثد بن عبد الله اليزني قال: رَأَيْتُ عَلَى ابْنِ وَعْلَةَ السَّبَائِيِّ فَرْوًا فَمَسِسْتُهُ، فَقَالَ: مَا لَكَ تَمَسُّهُ, قَدْ سَالتُ ابْنَ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -؟ فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّا نكونُ بِالمَغْرِبِ وَمَعَنَا البَرْبَرُ وَالمَجُوسُ، نُؤْتَى بِالكَبْشِ وَقَدْ ذْبَحُوهُ، وَنَحْنُ لاَ نَأْكُلُ ذَبَائِحَهُمْ، وَيَأتُوناَ بِالسِّقَاءِ يَجْعَلُون فِيهِ الوَدَكُ؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَدْ سَالناَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنْ ذلِكَ فَقَالَ: "دِبَاغُهُ طَهُورُهُ". أخرجه الستة (¬1) إلا البخاري، وهذا لفظ مسلم. [صحيح] ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم رقم (366)، وأبو داود رقم (4123)، والترمذي رقم (1728)، والنسائي (7/ 173). وأخرجه أحمد (1/ 219)، وابن الجارود في "المنتقى" رقم (874)، والطحاوي في شرح "معاني الآثار" (1/ 469)، والدارقطني (1/ 46 رقم 17)، والبيهقي (1/ 20)، ومالك في "الموطأ" (2/ 498 رقم 17)، =

وفي رواية للنسائي (¬1): "وَلهُمْ قِرَبٌ يَكُون فِيهَا اللَّبَنُ وَالمَاءُ وَذَكَرَ نَحْوَهُ". [إسناده صحيح] "الوَدَكُ" (¬2): دسم اللحم. حديث "مرثد بن عبد الله (¬3) اليزني" بالمثناة التحتية مفتوحة فزاي فنون، في "القاموس" (¬4) يزن محركة وادٍ، وبطن من حمير. "قال: رأيت عَلَى (¬5) ابن وعلة" بفتح الواو، وسكون العين المهملة, وفتح اللام، اسمه: عبد الرحمن، صدوق. "السبائي" بفتح السين المهملة فهمزة، نسبة إلى أرض سبأ، فيما أحسب. "فمسسته" وكأنه فهم من مسه إياه أنه استنكر لمسه له. "فقال: مالك تمسه قد سألت ابن عباس فقلت له: إنّا نكون بالمغرب ومعنا البربر بفتح الموحدة، فراء ساكنة بعدهما مثلهما، في "القاموس" (¬6): البربر جيل جمعه برابرة, وهم بالمغرب. "والمجوس" في "القاموس" (¬7): مجوس كصبور، رجل صغير الأذنين وضع ديناً (¬8). ¬

_ = والطبراني في "الكبير" (ج 12 رقم 12979)، والشافعي في "ترتيب المسند" (1/ 26 رقم 28)، والدارمي (2/ 86) من طرق وهو حديث صحيح. (¬1) في "السنن" رقم (4242) بسند صحيح. (¬2) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 836). (¬3) انظر: "التقريب" (2/ 236 رقم 992). (¬4) "القاموس المحيط" (ص 1235). (¬5) هو عبد الرحمن بن وَعْلة، المصري، صدوق من الرابعة، "التقريب" (1/ 502 رقم 1150). (¬6) "القاموس المحيط" (ص 445). (¬7) "القاموس المحيط" (ص 740). (¬8) وتمام العبارة: وضع ديناً ودعا إليه، معرَّب منج كوش، رجل مجوسيِّ.

"نؤتى بالكبش وقد ذبحوه, ونحن لا نأكل ذبائحهم، ويأتوننا بالسِّقاء" أي: الذي من ذبائحهم. "فيه الودك" هو بفتح الواو والدال المهملة [236 ب] الدسم (¬1). "فقال ابن عباس - رضي الله عنهما -، قد سألنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك فقال: "دباغه طهوره" وذلك لأن ذبائحهم ميتة فيتنجس جلدها، فإذا دبغوه فقد طهر، وإن كان الدابغ كافراً، وهو دليل على تطهير الدباغ (¬2). قوله: "أخرجه الستة إلاّ البخاري، وهذا لفظ مسلم" فهو من أفراده. "وفي رواية للنسائي: ولهم قِرَبٌ يكون فيها اللَّبنُ والماءُ وذَكرَ نحوه" وفيه دليل على طهارة رطوبة الكفار من كتابِيٍّ وغيره. قوله: "دسم اللحم" تقدم لفظ "القاموس" (¬3) أنه الدسم بغير قيد اللحم، وعبارة ابن الأثير (¬4)، كعبارة المصنف. وفي "النهاية" (¬5) له، الودك: هو [اسم] (¬6) دسم اللحم ودهنه الذي يستخرج منه. ¬

_ (¬1) تقدم شرحها. (¬2) انظر: "شرح صحيح مسلم" للنووي (4/ 54)، "فتح الباري" (9/ 659). (¬3) "القاموس المحيط" (ص 1235). (¬4) في "غريب الجامع" (7/ 107). (¬5) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 836). (¬6) زيادة من الشارح، غير موجودة في "النهاية".

الثاني: حديث (ابن عباس - رضي الله عنهما -): 2 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما -: أَنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مَرَّ بِشَاةٍ مَيْتَةٍ فَقَالَ: "هَلاَّ انْتَفَعْتُمْ بِإِهَابَهَا؟ " قَالُوا: إِنَّهَا مَيْتَةٌ. قَالَ: "إنَّمَا حَرُمَ أَكْلُهَا" (¬1). [صحيح] وفي أخرى (¬2): "هَلَّا أَخَذْتُمْ إِهَابَهَا فَدَبَغْتُمُوهُ فَانْتَفَعْتُمْ بِهِ". [صحيح] أخرجه الستة إلا أبا داود، وهذا لفظ الشيخين. "الإِهَابُ" (¬3): الجلد قبل الدباغ. "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرّ بشاة ميتة فقال: "هلاّ انتفعتم بإهابها". رأى - صلى الله عليه وسلم - إنّ ذلك إضاعة مال لا يحل. "قالوا: إنها ميتة" أي: وقد علموا من الآية تحريم الميتة ظناً منهم أنه تحريم لكل انتفاع. "فقال: إنما حرم أكلها" ففهمهم مبني على أن حرم منها كل انتفاع، وهو رأي من قال من الأصوليين أنه مجمل، فبيّن لهم أن المحرم منها آكلها, ولم يبين في هذا اللفظ، أنه يحل بعد الدباغ، فبينته الراوية الأخرى. "وفي أخرى: "هلاّ أخذتم إهابها فدبغتموه فانتفعتم به" فهذا مقيد للرواية. الأولى ومبين لها. قوله: "أخرجه الستة إلاّ أبا داود". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (1492)، وأطرافه رقم (2221، 5531، 5532)، ومسلم رقم (100/ 363)، والنسائي (7/ 172)، ومالك في "الموطأ" (2/ 498)، والترمذي أحمد (1727). وهو حديث صحيح. وأخرجه أحمد (1/ 327)، والشافعي في "مسنده" (1/ 23 - بدائع المنن)، وأبو عوانة (1/ 210). (¬2) أخرجها مسلم في "صحيحه" رقم (102/ 363). (¬3) "القاموس المحيط" (ص 77).

"والإهاب: الجلد قبل الدباغ" هو أحد الأقوال، في "القاموس" (¬1): الإهاب ككتاب، الجلد، أو ما لم يُدبغ. وأوضحنا الأقوال، وهي سبعة في الطهارة بالدباغ أو عدمها في "سبل السلام" (¬2)، وبيّنا الأقوال في ذلك. الثالث: حديث (عائشة - رضي الله عنها -): 3 - وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: سُئِلَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - عَنْ ذَكَاةِ الِمَيتَةِ فَقَالَ: "ذَكَاةُ المَيْتَةِ دِبَاغُهَا". أخرجه الأربعة (¬3) إلا الترمذي، وهذا لفظ النسائي. [صحيح] جعل الدباغ بمنزلة الذبح؛ لأن المذبوح طاهر. "قالت: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذكاة الميتة" لفظ ابن الأثير (¬4): "سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن جلود الميتة" وهذا لفظه عند النسائي (¬5). ¬

_ (¬1) "القاموس المحيط" (ص 77)، وانظر: "النهاية في غريب الحديث" (1/ 90). (¬2) (1/ 139 - 144) بتحقيقي. وانظرها في "شرح صحيح مسلم" للنووي (4/ 54)، "المدونة" (1/ 91 - 92). "الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار" (ص 174 - 175). (¬3) أخرجه أبو داود رقم (4124)، والنسائي (7/ 176)، وابن ماجه رقم (3612). وأخرجه مالك في "الموطأ" (2/ 498 رقم 18)، وابن الجارود رقم (874)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/ 469)، والدارقطني (1/ 46 رقم 17)، والطبراني في "الكبير" (ج 12 رقم 12979)، والشافعي في "ترتيب المسند" (1/ 26 رقم 28)، والدارمي (2/ 86) من طرق وهو حديث صحيح. (¬4) في "الجامع" (7/ 111). (¬5) وأخرجه النسائي في "السنن" رقم (4244) عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن جلود الميتة فقال: "دباغها طهورها" وهو حديث صحيح. وأخرجه النسائي في "السنن" رقم (4245) عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن جلود الميتة فقال: "دباغها ذكاتها" وهو حديث صحيح. =

وأما لفظ المصنف فإنَّه غير (¬1) صحيح، فإنه لا معنى للسؤال عن ذكاة الميتة فإن [237 ب] التذكية الذبح كما في "القاموس" (¬2) ولا معنى للسؤال عن ذبح الميتة, ومثل ما في "القاموس" في "النهاية" (¬3). "فقال: ذكاة الميتة دباغها" قال ابن الأثير (¬4): التذكية الذبح، جعل دباغ الأديم بمنزلة الذبح، فإن جلد المذبوح طاهر. انتهى. قوله: "أخرجه الأربعة, إلا الترمذي، وهذا لفظ النسائي". قلت: بل لفظه كما قدمناه عن ابن الأثير (¬5). الرابع: 4 - وعن سودة بنت زمعة - رضي الله عنها - قالت: مَاتَتْ لَنَا شَاةٌ فَدَبَغْنَا مَسْكَهَا ثُمَّ مَا زِلْنَا نَنْبِذُ فِيهِ حَتَّى صَارَ شَنًّا. أخرجه البخاري (¬6) والنسائي (¬7). [صحيح] "المَسْكُ" (¬8) بفتح الميم: الجلد. "وَالشَّنُّ" (¬9): القربة البالية. ¬

_ = وأخرجه النسائي في "السنن" رقم (4246)، (4247) عن عائشة - رضي الله عنها - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ذكاةُ الميتة دباغها" وهو حديث صحيح. (¬1) انظر: "التعليقة المتقدمة" بل هو حديث صحيح. (¬2) "القاموس المحيط" (ص 1658). (¬3) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 608). (¬4) في "غريب الجامع" (7/ 110 - 111). (¬5) في "الجامع" (7/ 110 - 111) وقد ذكر اللفظين كلايهما. (¬6) في صحيحه رقم (6686). (¬7) في "السنن" (7/ 173)، وأخرجه أحمد (6/ 429) وهو حديث صحيح. (¬8) "المصباح المنير" (2/ 573). (¬9) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 895)، "غريب الحديث" للهروي (2/ 40).

حديث: "سودة بنت زمعة" أم المؤمنين - رضي الله عنها -. "قالت: ماتت لنا شاة" هي الواحدة من الغنم، يطلق على الذكر والأنثى. "فدبغنا مسكها" بفتح الميم وسكون السين, الجلد. "ثم ما زلنا ننبذ فيه" أي: نجعل فيه النبيذ، في "النهاية" (¬1): قد تكرر ذكر النبيذ، وهو ما يُعملُ من الأشربة، من التَّمر والزَّبيب، والعَسَل، والحِنطَة، والشَّعير، يقال: نبذت التَّمر والعِنَب، إذا تركتَ عليه الماء ليَصيرَ نبيذاً. انتهى. "حتى صار شَنًّا" أي: خلقاً، كما قاله المصنف، وهو مبني على أنه - صلى الله عليه وسلم - علم ذلك، وكونه في بيته، ومن أهله قرينة قوية على علمه. قوله: "أخرجه البخاري والنسائي". الخامس: 5 - وعن عبد الله بن عُكَيْم - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - كتَبَ إِلَى جُهَيْنَةَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِشَهْرٍ، "أَنْ لَا تَنْتَفِعُوا مِنْ المَيْتَةِ بِإِهَابٍ وَلَا عَصَبٍ". أخرجه أصحاب السنن (¬2)، وفي رواية الترمذي (¬3): "قَبْلَ مَوْتِهِ بِشَهرَينِ". [صحيح] حديث "عبد الله بن عكيم" وهو أبو معبد سكن الكوفة, أدرك النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يره, قاله أبو نعيم. ¬

_ (¬1) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 702). (¬2) أخرجه أبو داود رقم (4128)، والترمذي رقم (1729)، وابن ماجه رقم (3113)، والنسائي رقم (4249)، وهو حديث صحيح. وأخرجه أحمد (4/ 310، 311)، والبيهقي في "السنن" (1/ 15)، وابن حبان في صحيحه رقم (1277، 1278). (¬3) في "السنن" رقم (1729).

وقال ابن عبد البر. اختلف (¬1) في سماعه، قاله الكاشغري. "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتب إلى جهينة قبل موته بشهر أن لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب". "أخرجه أصحاب السنن". قلت: وأخرجه الشافعي (¬2)، والبخاري في "التاريخ" (¬3) وأحمد (¬4)، والبيهقي (¬5) , والدارقطني (¬6)، وابن حبان (¬7). قوله: "وفي رواية الترمذي (¬8): قبل موته بشهرين، وفي رواية: شهراً (¬9) أو شهرين (¬10) ". ¬

_ (¬1) قال البخاري: أدرك زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا يعرف له سماع صحيح، وكذا قال أبو نعيم، وقال ابن حبان في الصحابة: أدرك زمنه ولم يسمع منه شيئاً، وكذا قال أبو زرعة. وقال ابن منده وأبو نعيم: أدركه ولم يره، وقال البغوي: يشك في سماعه, وقال أبو حاتم: له سماع من النبي - صلى الله عليه وسلم - من ساء أدخله في المسند على المجاز. وقال ابن سعد: كان إمام مسجد جهينة. انظر: "تهذيب التهذيب" (5/ 283)، "الجرح والتعديل" (5/ 121)، "طبقات ابن سعد" (6/ 113)، "والجمع بين رجال الصحيحين" (1/ 246). (¬2) في "سنن حرملة كما في التخليص" (1/ 76)، وانظر: "معرفة السنن والآثار" (1/ 145). (¬3) (7/ 167 ت 793). (¬4) (4/ 310/ 311). (¬5) في "السنن الكبرى" (1/ 18). (¬6) عزاه إليه ابن الملقن في "البدر المنير" (1/ 587). (¬7) في صحيحه رقم (1277، 1278، 1279). (¬8) في "السنن" رقم (1729). (¬9) أخرجه أحمد في "المسند" (4/ 419)، وأبو داود رقم (4128). (¬10) أخرجه أحمد في "المسند" (4/ 420) بإسناد رجاله ثقات.

وفيه معارضة للأحاديث المتقدمة، فاستدل به الهادوية (¬1) وجماعة من الصحابة (¬2) على عدم تطهر الدباغ للجلود، وأجيب عن هذا الحديث بأجوبة. الأول: أنه حديث مضطرب (¬3) في سنده, فإنه روي تارة عن كتاب النَّبي - صلى الله عليه وسلم -، وعن مشائخ جهينة تارة، وعن قُرّاء [238 ب] كتاب النبي - صلى الله عليه وسلم - تارة. ومضطرب أيضاً في متنه فروي من غير تقييد، وهي رواية الأكثر ورُوِيَ مقيداً بشهر أو شهرين (¬4) أو أربعين (¬5) يوماً، أو ثلاثة أيام. ثم إنه أُعلِّ بالإرسال، فإنَّه لم يسمعه عبد الله بن عكيم عنه - صلى الله عليه وسلم -. وبالإنقطاع فإنه لم يسمعه عبد الرحمن بن أبي ليلى من ابن عكيم، وبذلك ترك أحمد ابن حنبل القول به آخراً، وقد كان يذهب إليه أولاً، كما قاله عنه الترمذي (¬6). وثانياً: بأنه لا يقوى على نسخ أحاديث (¬7) التطهير بالدباغ؛ لأنها أقوى وأصح، فإنه أخرج مسلم من طرق متعددة، في معناه عدة أحاديث عن جماعة من الصحابة، قد ذكرناها في "سبل السلام" (¬8)؟ ¬

_ (¬1) انظر: "البحر الزخار" (1/ 27 - 28). (¬2) انظر: "التمهيد" (9/ 52)، "فتح الباري" (9/ 659). (¬3) انظر: "إرواء الغليل" (1/ 76 - 79 رقم 38)، وقد رد الألباني على جميع العلل المدعاه على هذا الحديث. (¬4) تقدم تخريجه. (¬5) أشار إليه البيهقي في "السنن الكبرى" (1/ 14) إلى رواية الأربعين بقوله: وقد قيل في هذا الحديث من وجه آخر: "قبل وفاته بأربعين يوماً". (¬6) في "السنن" (4/ 222). (¬7) انظر: "المعرفة" للبيهقي (1/ 248)، "التمهيد" (9/ 52)، "فتح الباري" (9/ 659 - 660). (¬8) (1/ 139 - 144) بتحقيقي.

وثالثاً: بأنّ التقييد بشهر أو شهرين ونحوهما في حديث ابن عكيم معلّة بالاضطراب، فلا يقوم بها حجة على النسخ (¬1). ورابعاً: بأنّ الإهاب: اسم للجلد ما لم يدبغ (¬2)، فإذا دُبغ قيل له: شن، وقربة، وبه جزم الجوهري (¬3)، وقد أوضحنا في "سبل السلام" (¬4) قوة الأدلة بتطهير الدباغ. السادس: حديث (أسامة - رضي الله عنه -). 6 - وعن أسامة - رضي الله عنه -: "أَنَّ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - نَهىَ عَنْ جُلُودِ السِّبَاعِ". أخرجه أبو داود (¬5). [صحيح] ¬

_ (¬1) "الاعتبار في الناسخ والمنسوخ" للحازمي (ص 177 - 178). "الناسخ والمنسوخ" لابن شاهين رقم (157). (¬2) قال الحازمي في "الناسخ والمنسوخ" (ص 178): " ... وطريق الإنصاف فيه أن يقال: إن حديث ابن عكيم ظاهر الدلالة في النسخ - لو صح - ولكنه كثير الاضطراب، ثم لا يقاوم حديث ميمونة في الصحة، ثم قال: "فالمصير إلى حديث ابن عباس أولى، لوجوه من الترجيح، ويحمل حديث ابن عكيم على منع الانتفاع به قبل الدباغ، وحينئذ يسمى إهاباً، وبعد الدباغ يسمى جلداً، ولا يسمى إهاباً وهذا معروف عند أهل اللغة ويكون جمعاً بين الحكمين، وهذا هو الطريق في نفي التضاد". وانظر: "تهذيب السنن" (1/ 67 - 68 - مختصر السنن). و"نصب الراية" للزيلعي (1/ 120 - 222). وقال ابن تيمية الجد في "المنتقى" (1/ 39): وأكثر أهل العلم على أن الدباغ مطهر في الجملة لصحة النصوص به, وخبر ابن عكيم لا يقاربها في الصحة والقوة لينسخها. (¬3) في "الصحاح" (1/ 89). (¬4) (1/ 139 - 141) بتحقيقي. (¬5) في "السنن" رقم (4132). وأخرجه أحمد (5/ 74)، والنسائي (7/ 176)، والترمذي رقم (1170)، والحاكم (1/ 144)، وهو حديث صحيح.

الباب الثالث: في الاستنجاء

"أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم - نهى عن جلود السِّبَاع" قال الخطابي (¬1): إما لكون الدباغ لا يعمل إلاّ في جلد ما يؤكل لحمه وعليه الأوزاعي (¬2)، [أو يعمل في الجلد به، في الشعر (¬3)] وعليه الشافعي (¬4)، أو لأجل أنها مراكيب أهل السرف والخيلاء. انتهى. الباب الثالث: في الاستنجاء (البَابُ الثَّالِث) من التسعة الأبواب التي في كتاب الطهارة في الاستنجاء (في الاستنجاء)، هو لغة: إزالة النجو، في "القاموس" (¬5): النجو ما يخرج من البطن من ريح أوغائط, واستنجى: اغتسل بالماء منه أو تمسح بالحجر. انتهى. وفيه: فصلان قوله: (وفيه فصلان) ¬

_ (¬1) في "معالم السنن" (4/ 374 - مع السنن). (¬2) انظر: "المغني" (1/ 93 - 94). (¬3) كذا العبارة في "المخطوط"، وإليك نصها من "معالم السنن". " ... وتأوله أصحاب الشافعي ومن ذهب مذهبه في أن الدباغ يطهر جلود السباع ولا يطهر شعورها، على أنه إنما نهى عن استعمالها من أجل شعرها؛ لأن جلود النمور والحمر ونحوهما إنما تستعمل مع بقاء الشعر عليها، وشعر الميتة نجس عندهم". (¬4) انظر: "البيان" للعمراني (1/ 72 - 74). (¬5) "القاموس المحيط" (ص 1723).

الفصل الأول: في آدابه

الفصل الأول: في آدابه (الفَصلُ الأَوَّلُ: فِي آدابه) قد أراد بالاستنجاء معنى يعم جميع مقدماته، وقال ابن الأثير (¬1): الفصل الأول في آداب الاستنجاء [239 ب] وفيه أربعة فروع: الفرع الأول: في موضع قضاء الحاجة, وفيه أربعة أقسام: القسم الأول: اختيار الموضع، ثم ذكر. الأول: حديث (أبي موسى - رضي الله عنه -). 1 - عن أبي موسى - رضي الله عنه - قال: كُنْتُ مَعَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ يَوْمٍ فَأَرَادَ أَنْ يَبُولَ، فَأَتَى دَمِثًا فِي أَصْلِ جِدَارٍ فَبَالَ، ثُمَّ قَالَ: "إِذَا أَرَادَ أَحَدُكمْ أَنْ يَبُولَ فَليرْتَدْ لِبَوْلِهِ". أخرجه أبو داود (¬2). [ضعيف] "الدَّمِثُ" (¬3): الموضع اللين الذي فيه رمل. "وَالِارْتيَادُ" (¬4): التطلب، واختيار الموضع. ¬

_ (¬1) في "الجامع" (7/ 114). (¬2) في "السنن" رقم (3). وأخرجه الطيالسي في "المسند" رقم (519)، والحاكم (3/ 465 - 466)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (1/ 93)، وأحمد (4/ 396). قال المنذري في "المختصر" (1/ 15): فيه مجهول. وقال النووي في "المجموع" (1/ 98): حديث أبي موسى ضعيف رواه أحمد وأبو داود عن رجل عن أبي موسى. اهـ. وهو حديث ضعيف. (¬3) انظر: "القاموس المحيط" (ص 217)، "المصباح المنير" (ص 76). (¬4) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (7/ 115).

"قال: كنت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم فأراد أن يبول، فأتى دَمَثا"، بفتح الدال المهملة والميم، فمُثلثة يأتي تفسيره بأنَّه الموضع اللين الذي فيه رمل، وفي "القاموس" (¬1)، دمث المكان، كفرح سهل. "في أصل جدار فبال". أي: في أسفله، والمراد ما قابله، فإنَّه لا يمكن البول في أسفله حقيقة مع بقائه. قال الخطابي (¬2): يشبه أن يكون ذلك الجدار عادياً غير مملوك لأحد، فإنَّ البول يصير بأصل البناء، ويوهي أساسه، وهو - صلى الله عليه وسلم - لا يفعل ذلك في ملك أحد، إلَّا بإذنه، أو يكون قعوده متراخياً عنه، بحيث لا يصيبه البول، زاد النووي (¬3): أو يكون علم برضى صاحب الجدار. قوله: "إذا أراد أحدكم أن يبول فليرتد لبوله"، فيه حذفٌ بُيَّن عند البيهقي (¬4) لفظه: "فقال: إن بني إسرائيل كانوا إذا بال أحدهم، فأصاب جسده البول، قرضه بالمقاريض، فإذا أراد أحدكم أن يبول فليرتد لبوله". قال في "النهاية" (¬5): أي: يطلب مكاناً ليناً؛ لئلا يرجع عليه رَشَاش بوله. يقال: راد، وارتاد، واستراد، ومنه الرائد الذي يبعثه القوم ليطلب لهم الماء، والكلأ. ¬

_ (¬1) "القاموس المحيط" (ص 217). (¬2) قال في "معالم السنن" (1/ 15): فليرتد: أي ليطلب وليتحر، ومنه المثل: إن الرائد لا يكذب أهله، وهو الرجل يبعثه القوم يطلب لهم الماء والكلأ، يقال رادهم يرددهم رياداً وارتاد لهم ارتياداً، وفيه دليل على أن المستحب للبائل إذا كانت الأرض التي يريد القعود عليها صلبة أن يأخذ حجراً أو عوداً فيعالجها به، ويثير ترابها ليصير دمثاً سهلاً فلا يرتد بوله عليه. (¬3) في "شرحه لصحيح مسلم" (3/ 165 - 166)، "المجموع شرح المهذب" (2/ 98). (¬4) في "السنن الكبرى" (1/ 98 - 99). (¬5) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 701).

وقال الشيخ ولي الدين: المراد "فليرتد لبوله" مكاناً ليناً مثل ما فعلت، فحذف المفعول للفهم به. قلت: زاد أبو داود (¬1) "موضعاً" بعد يرتد لبوله، وحذفه المصنف وابن الأثير (¬2)، أيضاً. قوله: "أخرجه أبو داود". قلت: قال ابن الأثير (¬3): بعد نسبته إلى أبي داود، إنه أخرجه عن أبي التَّيَّاح، عن شيخ، ولم يسمه. انتهى. يريد أنَّ فيه مجهولاً، ثم ذكر الفرع الثاني في الإبعاد، وذكر حديث المغيرة وغيره. الثاني: حديث (المغيرة بن شعبة). 2 - وعن المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - قال: كانَ رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إذَا أَتَى لِحَاجَتِهِ أَبْعَدَ في المَذْهَبِ. أخرجه أصحاب السنن (¬4)، وصححه الترمذي (¬5). [صحيح لغيره] "قال: كان [240 ب] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أتى لحاجته أبعد في المذهب". المراد "بحاجته" الغائط إذ قد بال قريباً، كما تقدم، وورد أنه بال مستتراً (¬6) برحل، ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (3). (¬2) في "الجامع" (7/ 114). (¬3) في "الجامع" (7/ 114). (¬4) أخرجه أبو داود رقم (11)، والترمذي رقم (20)، وقال: هذا حديث حسن صحيح، والنسائي رقم (17)، وابن ماجه رقم (321)، وهو حديث صحيح لغيره. (¬5) في "السنن" (1/ 32). (¬6) عن عبد الله بن جعفر قال: "كان أحب ما استتر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحاجته هدف أو حايش نخل". أخرجه أحمد (1/ 204)، ومسلم رقم (79/ 342)، وابن ماجه رقم (340) وهو حديث صحيح.

و"المذهب" (¬1) مصدر ميمي أي: أبعد ذهابه، وأجمله هنا، أي: مقدار الإبعاد. وفي سنن أبي داود (¬2) من حديث جابر: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أراد البراز انطلق حتى لا يراه أحد". قوله: "أخرجه أصحاب السنن, وصححه الترمذي". الثالث: حديث (أبي هريرة): 3 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اتَّقُوا اللاَّعِنَيْنِ". قَالُوا: وَمَا اللاعِنَانِ؟ قَالَ: "الَّذِي يَتَخَلَّى فِي طَرِيقِ النَّاسِ أوْ ظِلِّهِمْ". أخرجه مسلم (¬3)، وهذا لفظه، وأبو داود (¬4). [صحيح] جعل ابن الأثير (¬5) هذا ثالث الفروع، وقال في الأماكن المنهي عنها. ¬

_ (¬1) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 616)، "غريب الحديث" للهروي (3/ 143). (¬2) في "السنن" رقم (2). وأخرجه ابن ماجه رقم (335) وهو حديث صحيح. الحديث رجاله عند ابن ماجه رجال الصحيح، إلا إسماعيل بن عبد الملك الكوفي فقال البخاري: يكتب حديثه، وقال أبو حاتم: ليس بالقوي. وقال البخاري في "التقريب" رقم (465): صدوق كثير الوهم. انظر: "التاريخ الكبير" (1/ 367 رقم 1162). "الضعفاء الصغير" (ص 33 رقم 17). "الجرح والتعديل" (2/ 186 رقم 629). (¬3) في صحيحه رقم (269). (¬4) في "السنن" رقم (25). وأخرجه أحمد (2/ 372)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (1/ 97)، وابن خزيمة في صحيحه رقم (67)، والبغوي في "شرح السنة" (1/ 388 رقم 191) وهو حديث صحيح. (¬5) في "الجامع" (7/ 116).

وذكر حديث (¬1) أبي هريرة هذا. قوله: "اللاعنين" بصيغة التثنية، ولذا "قالوا: وما اللاعنان؟ قال: الذي يتخلى في طريق الناس"، هذا الأول. "أو ظلهم"، قال الخطابي (¬2) وغيره من العلماء: المراد بالظل هنا ما اتخذه الناس مقيلاً، ومناخاً ينزلونه, ويقعدون فيه، وليس كلُّ ظلٍّ يحرم (¬3) القعود فيه, فقد "قعد - صلى الله عليه وسلم - تحت حايش نخل، لحاجته" (¬4). وسمَّي الطريق والظل لاعنين؛ لأنهما الأمران الجالبان لِلَعن الناس لمن تخلىّ فيهما، والتخلي جعلهما، كالخلاء لحاجته، وهو إرشاد إلى كف الأذية عن العباد، وعن عدم تعرضه للعن، وليس فيه دليل على جواز لعنه (¬5)، بل إخبار أنَّه يفعل الناس ذلك ويعتادونه، وقد ورد في حديث آخر ما يدل على جواز لعنه، ويلحق بهما كل ما فيه أذية العباد، كأبواب المساجد، وأبواب الحوانيت ونحوها. قوله: "أخرجه مسلم، وهذا لفظه وأبو داود". وبوب له (¬6) باب المواضع التي نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن البول فيها. ¬

_ (¬1) رقم (5091). (¬2) في "معالم السنن" (1/ 3 - مع السنن). (¬3) كذا في "المخطوط" (أ. ب) والذي في "معالم السنن": وليس كل ظل يحرم القعود للحاجة تحته. (¬4) تقدم نصه وتخريجه وهو حديث صحيح. (¬5) يشير إلى الحديث الذي أخرجه الحاكم (1/ 186) بلفظ: "من سلَّ سخيمته على طريق عامرة من طرق المسلمين فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين". قال الحافظ في "التخليص" (1/ 105) إسناده ضعيف. (¬6) أي: أبو داود في "السنن" (1/ 28 الباب رقم 14).

4 - وله (¬1) في أخرى عن معاذ: "اتَّقُوا المَلاَعِنَ الثَّلاَثَ: الَبرَازَ في المَوَارِدِ وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ وَالظِّلِّ". [حسن بشواهده] "البَرَازُ" بفتح الباء: موضع قضاء الحاجة. قوله: "وله" أي: أبي داود. "في رواية أخرى"، وهو الحديث الرابع. "عن معاذ - رضي الله عنه -: اتقوا الملاعن"، جمع ملعنة، وهي المفعلة التي يلعن بها فاعلها، فإنَّها مظنَّة اللَّعنِ، ومحلة له [241 ب]. "الثلاث" وفي رواية: "الثلاثة" والأُولَى أَولى؛ لأن المعدود مؤنث. "البراز" قال الخطابي (¬2): هو هنا مفتوح الباء، وهو اسم للفضاء الواسع من الأرض، كنّوا به عن حاجة الإنسان، كما كنّوا عنها بالخلاء. قال: وأكثر الرواة يقولون: الِبراز بكسر الباء، وهو غلط فإنه مصدر بارزت الرجل في الحرب مبارزة وبرازاً. انتهى كلامه. ولكنه قال الجوهري (¬3): البراز بالكسر كناية عن ثقل الغذاء، وهو الغائط وأكثر الرواة عليه فتعين المصير إليه، أفاده النووي في "التهذيب" (¬4). ¬

_ (¬1) أي: لأبي داود في "السنن" (26). وأخرجه ابن ماجه رقم (328)، والحاكم في "المستدرك" (1/ 167). وقال الحاكم: صحيح ووافقه الذهبي. وهو حديث حسن بشواهده. (¬2) في "معالم السنن" (1/ 14 - 15). (¬3) في "الصحاح" (3/ 864). (¬4) (ص 32 - 33) قسم اللغات، ط: النفائس.

قوله: "في الموارد" محلات ورود الناس إلى الماء. "وقارعة الطريق" وسطه التي تقرعه الأرجل. "والظل" كل ذلك لما فيه من أذية العباد. قوله: "أخرجه أبو داود". قلت: إلاّ أنه أخرجه عن معاذ مرفوعاً فقال: عن معاذ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: والمصنف رواه موقوفاً وما كان يحسن ذلك وابن الأثير (¬1) رواه مرفوعاً، كما في سنن أبي داود (¬2). الخامس: - وعن عبد الله بن سرجس - رضي الله عنه - قال: "نَهَىَ رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنْ أَن يُبَالَ في الجُحْرِ. قِيلَ لِقَتَادةَ: وَمَا يُكْرَهُ مِنْ البَوْلِ في الجُحْرِ؟ قَالَ: كانَ يُقَالُ إِنَّه مَسَاكِنُ الجِنِّ". أخرجه أبو داود (¬3) والنسائي (¬4). [ضعيف] حديث: "عبد الله (¬5) بن سرجس" بسين مهملة مفتوحة، فراء ساكنة فجيم مكسورة، فسين مهملة، بزنة نرجس. "قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أن يبال في الجُحْر (¬6) " بضم الجيم، وسكون الحاء المهملة، الثقب. ¬

_ (¬1) في "الجامع" (7/ 116 رقم 5092). (¬2) في "السنن" رقم (26) وهو حديث حسن بشواهده, وقد تقدم. (¬3) في "السنن" رقم (29). (¬4) في "السنن" رقم (34). وأخرجه أحمد (5/ 82)، الحاكم في "المستدرك" (1/ 186)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (1/ 99). وهو حديث ضعيف. (¬5) انظر: "التقريب" (1/ 418 رقم 332)، "الاستيعاب" رقم (1497) ط الأعلام. (¬6) الجُحْر: كل شيء يحتفره الهوام والسَّباع لأنفسها. "القاموس المحيط" (ص 461).

"قيل لقتادة" راوي الحديث، ولفظ أبي داود (¬1): "قالوا" وهكذا لفظه في "الجامع" (¬2). "قال: كان يقال: إنَّها مساكن الجن" فالبول في مساكنهم أذية لهم، لا يحل، وقد يخرج عليه ما يؤذيه منها. قوله: "أخرجه النسائي". السادس: حديث (عبد الله بن مغفل - رضي الله عنه -): 6 - وعن عبد الله بن مغفل - رضي الله عنه - قال: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي مُسْتَحَمِّهِ؛ فَإِنَّ عَامَّةَ الوَسْوَاسِ مِنْهُ". أخرجه أصحاب السنن (¬3). [ضعيف] وزاد أبو داود: "ثُمَّ يَغْتَسِلُ فِيهِ". "قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا يبولنّ أحدكم في مستحمه"، بضم الميم، وسكون السين المهملة، فمثناة فوقية، فحاء مهملة مفتوحة, مأخوذ من الحميم، وهو الماء الحار الذي يغتسل به. "فإنّ عامة الوَسْوَاسِ" بفتح الواو. "منه" قال الخطابي (¬4): إنما نهى عن ذلك، إذا لم يكن المكان حدراً مستوياً لا تراب عليه، صلباً أو مبلطاً أو لم يكن له مسلك ينفذ منه البول ويسيل [242 ب] منه الماء، فيتوهم المغتسل أنه ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (29). (¬2) (7/ 117 رقم 5093). (¬3) أخرجه أبو داود رقم (27)، والترمذي رقم (21)، وابن ماجه رقم (304)، والنسائي (1/ 34)، وأخرجه أحمد (5/ 56)، وهو حديث ضعيف؛ لأنه من رواية الحسن عن عبد الله بن مغفل، والحسن، مدلس، وقد عنعنه. وفي النهي عن البول في المغتسل حديث صحيح، أخرجه أبو داود رقم (28)، والنسائي رقم (238)، عن حميد الحميري - وهو ابن عبد الرحمن - قال: لقيت رجلاً صحب النبي - صلى الله عليه وسلم - كما صحبه أبو هريرة قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يمتشط أحدنا كل يوم، أو يبول في مغتسله" وهو حديث صحيح. (¬4) في "معالم السنن" (1/ 29 - مع السنن).

أصابه شيء من قطره ورشاشه، فيورثه الوسواس، والوسواس ممَّا يستعاذ منه، فكيف يتعرض له، والوَسْوَاس هو ما يحصل في النفس من الأفكار، والأحاديث التي تزعجه ولا تدعه يستقر على حاله. قوله: "أخرجه أصحاب السنن, وزاد أبو داود (¬1): ثم يغتسل فيه". قلت: وقد سقطت هذه الجملة من رواية الترمذي والنسائي وابن ماجه. وذكر ابن الأثير (¬2): الفرع الرابع، البول في الإناء، وذكر فيه. الحديث السابع: 7 - وعن أميمة بنت رُقَيْقَةَ - رضي الله عنها - قالت: كَانَ لِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - قَدَحٌ مِنْ عَيْدَانٍ تَحتَ سَرِيرِهِ، يَبُولُ فِيهِ مِن اللَّيْلِ. أخرجه أبو داود (¬3) والنسائي (¬4). [حسن لغيره] حديث "أميمة (¬5) بنت رقيقة" كلاهما بالتصغير، وفي أبي داود (¬6): عن حكيمة بنت أميمة بنت رقيقة، والكل بالتصغير، ورقيقة بقافين. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (27). (¬2) في "الجامع" (7/ 119). (¬3) في "السنن" رقم (24). (¬4) في "السنن" رقم (32). وأخرجه ابن حبان رقم (1426)، والحاكم (1/ 167)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (194)، والبيهقي (1/ 99)، والطبراني في "الكبير" (ج 24/ رقم 477) وهو حديث حسن لغيره. (¬5) وحكيمة بنت أميمة بنت رقيقة عن أمها، وعنها ابن جريج، قال الحافظ في "التقريب" رقم (8565): لا تعرف، وابن جريج مدلس وقد صرح بالتحديث في رواية النسائي. وللحديث شاهد عن عائشة - رضي الله عنها -، أخرجه ابن خزيمة رقم (65)، والنسائي رقم (33)، بسند صحيح، عنها قالت: كنت مسندة النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى صدري فدعا بطست فبال فيها. (¬6) في "السنن" رقم (24).

"قالت: كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - قدح من عَيْدان" بفتح العين المهملة، وسكون المثناة التحتية ودال مهملة. قال في "الصحاح" (¬1): العَيْدَانُ: الطوال من النخل الوحداة عيدانه: "تحت سريره يبول فيه من الليل". قوله: "أخرجه أبو داود والنسائي". وذكر ابن الأثير (¬2) هنا فرعاً في استقبال القبلة واستدبارها، فذكر حديث أبي أيوب وهو: الثامن: حديث (أبي أيوب - رضي الله عنه -): 8 - وعن أبي أيوب - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِذَا أَتَيْتُمْ الغَائِطَ فَلَا تَسْتَقْبِلُوا القِبْلَةَ وَلَا تَسْتَدْبِرُوهَا، وَلكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرَّبُوا". قال أبو أيوب: فَلمَّا قَدِمْنَا الشَّامَ وَجَدْنَا مَرَاحِيضَ قَدْ بُنِيَتْ قِبَلَ القِبْلَةِ فَنَنْحَرِفُ عَنْهَا وَنَستَغْفِرُ الله. أخرجه الستة (¬3)، وهذا لفظ الشيخين. [صحيح] "قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها" تعظيماً لها عن استقبالها بالفروج واستدبارها بها. "ولكن شرقوا أو غربوا"، قال في "النهاية" (¬4): هذا الأمر لأهل المدينة، ومن كانت قِبلتهُ على ذلك السَّمت ممَّن هو في جهتَي الجنوب والشمال، أمّا من كانت قبلته في جهة الشرق أو الغرب فلا يشرق ولا يغرب (¬5). ¬

_ (¬1) للجوهري (6/ 2162)، وانظر: "القاموس المحيط" (ص 386). (¬2) في "الجامع" (7/ 120). (¬3) البخاري رقم (394)، ومسلم رقم (264)، وأبو داود رقم (9)، والترمذي رقم (8)، وابن ماجه رقم (318)، والنسائي (1/ 23)، وأخرجه أحمد (5/ 415) وهو حديث صحيح. (¬4) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 861). (¬5) ثم قال: إنما يجتنب أو يشتمل.

"قال أبو أيوب: فلما قدمنا الشام" في فتوحهم لها. "وجدنا مراحيض" (¬1) بفتح الميم وحاء مهملة وضاد معجمة، جمع مرحاض وهو المغتسل وموضع قضاء الحاجة، من الرحض وهو الغسل. "قد بنيت قبل القبلة فننحرف عنها" نميل عنها. "ونستغفر الله" لبانيها أو لَناَ إذ قعدنا [قبل تأملها] (¬2) فاستقبلنا [243 ب] القبلة، وحديث أبي أيوب: دالٌّ على تحريم استقبال القبلة واستدبارها ببول أو غائط؛ لأن التحريم أصل النهي، ولا يحمل على خلافه إلاّ بدليل، وللعلماء خلاف في ذلك، وأقوال أوضحناها في "سبل السلام" (¬3) وفي "العدة حاشية شرح العمدة" (¬4). قوله: "أخرجه الستة، وهذا لفظ الشيخين". - وفي رواية لمالك (¬5): أَنَ أَبَا أَيُّوبَ قَالَ وَهُوَ بِمِصْرَ: وَالله مَا أَدْرِي كَيْفَ أَصْنَعُ بِهَذِهِ الكَرَايِيسِ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا ذهبَ أَحَدُكمْ لِغَائِطَ، أَوْ بَوْلَ فَلَا يَسْتَقْبِلِ القِبْلَةَ، وَلَا يَسْتَدْبِرْهَا بِفَرْجِهِ". [صحيح] قوله "شَرِّقُوا أَوْ غَرَّبُوا": أمر لأهل (¬6) المدينة، ولمن قبلته على ذلك السَّمت، فأما من كانت قبلته إلى الشرق، أو الغرب فلا يستقبلهما. ¬

_ (¬1) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 644)، "غريب الحديث" للهروي (3/ 143). (¬2) كذا رسمت في "المخطوط". (¬3) (1/ 301 - 305) بتحقيقي. (¬4) (1/ 173 - 176). (¬5) في "الموطأ" (1/ 193) وقد تقدم. (¬6) قاله ابن الأثير في "النهاية" (1/ 861).

"وَالمَرَاحِيضُ" (¬1): جمع مرحاض: وهو المغتسل، وموضع قضاء الحاجة. "وَالكَرَايِيسُ" (¬2): بياءين معجمتين بنقطتين من تحت جمع كرياس، وهو الكنيف المشرف على سطح بقناة إلى الأرض، فإذا كان أسفل فليس بكرياس. قوله: "وفي رواية لمالك (¬3) أنّ أبا أيوب قال وهو بمصر: والله ما أدري كيف أصنع بهذه الكراييس؟ " قال ابن الأثير (¬4): بيائين معجمتين بنقطتين، نقطتين من تحت، جمع كرياس (¬5) وهو الكنيف المشرف على سطح بقناة إلى الأرض، فإذا كان أسفل فليس بكرياس. انتهى. يريد بلا مسقط، وقد نقله المصنف. "وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إذا ذهب أحدكم لغائط أو بول فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها بفرجه". التاسع: 9 - وعن مروان الأصفر قال: رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ - رضي الله عنهما - أناخَ رَاحِلَتَهُ مُسْتَقْبِلَ القِبْلَةِ، ثُمَّ جَلَسَ يَبُولُ إِلَيْهَا، فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَليْسَ قَدْ نُهِيَ عَنْ هَذَا؟ قَالَ: بَلَى، إِنَّمَا نُهِيَ عَنْ ذَلِكَ في الفَضَاءِ، فَإِذَا كَانَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ القِبْلَةِ شَيْءٌ يَسْتُرُكَ فَلا بَأْسَ. أخرجه أبو داود (¬6). [حسن] ¬

_ (¬1) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 644)، "غريب الحديث" للهروي (3/ 143). (¬2) سيأتي شرحها. (¬3) في "الموطأ" (1/ 193). (¬4) في "غريب الجامع" (7/ 121) (¬5) انظر: "غريب الحديث" للهروي (3/ 143)، "الفائق" للزمخشري (3/ 258). (¬6) في "السنن" رقم (11). قلت: في سنده الحسن بن ذكوان البصري، أبو سلمة. =

قوله: "وعن مروان (¬1) الأصفر" هو أبو خليفة البصري، قيل: اسم أبيه خاقان؟ وقيل: سالم، ثقة من الرابعة. "قال: رأيت ابن عمر - رضي الله عنهما - أناخ راحلته مستقبل القبلة, ثم جلس يبول إليها، فقلت له: أبا عبد الرحمن أما قد نهى عن هذا؟ قال: بلى، إنما نُهي عن ذلك في الفضاء"، بالمد: الأرض الواسعة. "فإذا كان بينك وبين القبلة شيء يسترك فلا بأس"، قال في المحكم (¬2): البأس الحرب ثم كثر حتى قيل: لا بأس عليك، أي: لا خوف عليك. قال الشيخ ولي الدين: فقوله: فلا بأس أي: فلا خوف عليك من ارتكاب ذلك، فإنه جائز (¬3). قال الخطابي (¬4): هذا أولى ما يذهب إليه؛ لأن فيه جمعاً بين الأخبار المختلفة واستعمالها على وجوهها كلها، وفي قول أبي أيوب: تعطيل لبعض الأخبار وإسقاط له، قال: والمعنى في ذلك أنّ ¬

_ = قال ابن حجر في "التقريب" رقم (1240): "صدوق يخطئ، ورمي بالقدر وكان يُدلس"، وفي هذا الحديث قد عنعن، فيكون هذا الإسناد ضعيف. وأخرجه الحاكم (1/ 154)، وقال: صحيح على شرط البخاري، ووافقه الذهبي، قلت: الحسن بن ذكوان إنما أخرج له البخاري متابعة, وقد صرح الحسن بن ذكوان هنا بالتحديث فانتفت علة التدليس. وقد حسنه النووي في "الخلاصة" (1/ 154). وهو حديث حسن. (¬1) انظر: "التقريب" رقم (1240). (¬2) "المحكم والمحيط الأعظم" لابن سيده (ت: 458 هـ) (8/ 561). (¬3) انظر: "فتح الباري" (1/ 245). (¬4) في "معالم السنن" (1/ 19 - مع السنن).

الفضاء من الأرض موضع للصلاة، ومتعبد للملائكة والإنس والجن، والقاعد فيه هدف للأبصار، وهذا المعنى مأمون في الأبنية. قلت: وقد روي هذا المعنى عن الشعبي، فأخرج البيهقي (¬1) عن عيسى (¬2) الخياط قال: قلت للشعبي: أنا أعجب من خلاف أبي هريرة وابن عمر، فإنّ ابن عمر قال: دخلت بيت حفصة فحانت مني التفاته، فرأيت كنيف [244 ب] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مستقبل القبلة، وقال أبو هريرة: إذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها،! قال الشعبي: صدَقا جميعاً، أما قول أبي هريرة فهو في الصحراء، إن لله عباداً ملائكة وجناً يصلون، فلا يستقبلهم أحد ببول ولا غائط ولا يستدبرهم، وأمّا كُنفهم تبنى لا قبلة فيها" (¬3). انتهى. قوله: "أخرجه أبو داود". العاشر: حديث (ابن عمر): 10 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: ارْتَقَيْتُ فَوْقَ بَيْتِ حَفْصةَ - رضي الله عنها - لِبَعْضِ حَاجَتِي، فَرَأَيْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقْضِي حَاجَتَهُ مُسْتَقْبِلَ الشَّأْمِ مُسْتَدْبِرَ القِبْلَةِ. أخرجه الستة (¬4)، وهذا لفظ الشيخين. [صحيح] ¬

_ (¬1) في "السنن الكبرى" (1/ 93). قال البيهقي. وهكذا رواه موسى بن داود وغيره، عن حاتم بن إسماعيل، إلا أن عيسى بن أبي عيسى الخيّاط هذا هو عيسى بن ميسرة, ضعيف. (¬2) قال الحافظ في "التقريب" رقم (5317): عيسى بن أبي عيسى الحنَّاط الغفاري، أبو موسى المدني، أصله من الكوفة, واسم أبيه ميسرة, ويقال فيه: الخيّاط، بالمعجمة والتخافية, وبالموحدة, وبالمهملة والنون، كان قد عالج الصنائع الثلاث، وهو متروك. (¬3) أخرجه ابن ماجه رقم (323) مختصراً، وهو حديث ضعيف جداً. (¬4) أخرجه البخاري رقم (145)، ومسلم رقم (266)، وأبو داود رقم (12)، والترمذي رقم (11)، وابن ماجه رقم (322)، والنسائي رقم (23)، وأخرجه أحمد (2/ 12)، وابن أبي شيبة (1/ 151)، والدارمي =

- ولمسلم (¬1) في أخرى: قَالَ عَبْدُ الله يَقُولُ نَاسٌ: إِذَا قَعَدْتَ لِحَاجَتِكَ، فَلَا تَقْعُدْ مُسْتَقْبِلَ القِبْلَةِ، وَلَا بَيْتِ المَقْدِسِ، لَقَدْ رَقِيتُ عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ حَفْصَةَ - رضي الله عنها - وَذَكَرَ الحَدِيثَ. [صحيح] "قال: ارتقيت فوق بيت حفصة" في أبي داود (¬2): "ولقد ارتقيت على ظهر البيت" وليس فيه "لبعض حاجتي". "فرأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقضي حاجته مستقبل الشام، مستدبر القبلة" قال الحافظ (¬3): إنه لم يقصد ابن عمر الإشراف على النبي - صلى الله عليه وسلم - في تلك الحالة، وإنما صعد السطح لحاجته فحانت منه إلتفاتة، نعم، لما اتفقت له رؤيته في تلك الحالة من غير قصد، أحب أن لا يخلي ذلك عن فائدة, فحفظ هذا الحكم الشرعي وكأنه إنما راه من جهة ظهره حتى ساغ له تأمل الكيفية المذكورة من غير محذور، ودلّ ذلك على شدة حرص هذا الصحابي على تتبع أحوال النبي - صلى الله عليه وسلم - ليتبعها، وكذا كان - رضي الله عنه -. انتهى. قوله: "أخرجه الستة". قلت: بألفاظ عدة. "وهذا لفظ الشيخين". قلت: لفظ مسلم (¬4): "ولقد رقيت على ظهر بيت فرأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاعداً على لبنتين مستقبلاً بيت المقدس لحاجته". ¬

_ = (1/ 171)، وأبو عوانة (1/ 201)، والدارقطني في "السنن" (1/ 61)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (177)، والبيهقي (1/ 92). وهو حديث صحيح. (¬1) في صحيحه رقم (61/ 266). (¬2) في "السنن" رقم (12). (¬3) في "فتح الباري" (1/ 247 - 248). (¬4) في صحيحه رقم (61/ 266).

وفي لفظ (¬1): "رقيت على بيت أختي حفصة [فرأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -] (¬2) قاعداً لحاجته مستقبل الشام مستدبر القبلة. ولفظ البخاري (¬3): "ارتقيت فوق ظهر بيت حفصة لبعض حاجتي، فرأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقضي حاجته مستدبر القبلة مستقبل الشام". انتهى. قوله: "ولمسلم". قلت: لفظه (¬4): عن واسع بن حبان قال: كنت أُصلِّي في المسجد [الحرام] (¬5) وعبد الله ابن عمر مسند ظهره إلى القبلة، فلما قضيتُ صلاتي انصرفت إليه من شِقِّي. فقال عبد الله قوله: "وذكر الحديث" أي: الماضي، لكن لفظه عند مسلم (¬6): "فرأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاعداً على لبنتين مستقبلاً بيت المقدس [245 ب] لحاجته". انتهى. هذا لفظه في الرواية التي فيها: "قال عبد الله" وليس إلاّ استقباله بيت المقدس فقط، وهي إحدى روايات البخاري (¬7)، وفيها زيادة. ¬

_ (¬1) في صحيحه رقم (62/ 266). (¬2) ما بين الحاصرتين سقطت من "المخطوط" (أ. ب) وأثبتناها من صحيح مسلم. (¬3) في صحيحه رقم (148). (¬4) أي: في "صحيح مسلم" رقم (61/ 266). (¬5) ليست في "صحيح مسلم". (¬6) في صحيحه رقم (61/ 266) وقد تقدم. (¬7) في صحيحه رقم (145).

الحادي عشر: حديث (حذيفة - رضي الله عنه -): 11 - وعن حذيفة (¬1) - رضي الله عنه - قال: كُنْتُ مَعَ النّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَانْتَهىَ إِلى سُبَاطَةِ قَوْمٍ فَبَالَ قائماً. [صحيح] قوله: "فانتهى إلى سباطة (¬2) قوم" بضم السين المهملة، فموحدة خفيفة، فطاء مهملة، فسّرها المصنف بالكناسة، وهي أيضاً المزبلة وتكون بفناء الدار، مرفقاً لأهلها، وتكون في الغالب سهلة لا يرتد منها البول على البائل، وإضافتها إلى القوم إضافة اختصاص لا ملك؛ لأنها لا تخلوا عن النجاسة، وبهذا يندفع إيراد من استشكله لكون البول يوهي الجدار وفيه أضرار، فقول: إنما بال فوق السباطة، لا في أصل الجدار، وهو صريح في رواية أبي عوانة في صحيحه (¬3). - وفي رواية عن أبي وائل قال: "كَانَ أَبُو مُوسَى - رضي الله عنه - يُشَدِّدُ في البَوْلِ، وَيَبُولُ فِي قَارُورَةٍ وَيَقُولُ: إِنَّ بَني إِسْرَائِيلَ كَانَ إِذَا أَصَابَ جِلْدَ أَحَدِهِمْ بَوْلٌ قَرَضَهُ بِالمَقَارِيضِ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: وَدِدْتُ أَنَّ صَاحِبَكُمْ لَا يُشَدِّدُ هَذَا التَّشْدِيدَ لَقَدْ رَأَيْتُنِي أنَّا وَرَسُوُل الله - صلى الله عليه وسلم - نَتَمَاشَى، فَأتى سُبَاطَةَ قَوْمٍ خَلْفَ حَائِطٍ، فَقَامَ كما يَقُومُ أَحَدُكمْ فَبَالَ، فَانْتَبَذْتُ مِنْهُ، فَأَشَارَ إِلَيّ فَجئْتُ فَقُمْتُ عِنْدَ عَقِبِهِ حَتَّى فَرَغَ". أخرجه الخمسة (¬4): وهذا لفظ الشيخين. [صحيح] ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد (5/ 382/ 402)، والبخاري رقم (224) وأطرافه: (225، 226، 2471)، ومسلم رقم (73/ 273)، وأبو داود رقم (23)، والنسائي رقم (18، 26، 27، 28)، والترمذي رقم (13)، وابن ماجه رقم (305)، والدارمي (1/ 171)، وأبو عوانة (1/ 198)، وابن خزيمة رقم (61)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (1/ 100، 270، 274). وهو حديث صحيح. (¬2) انظر: "فتح الباري" (1/ 328)، "النهاية في غريب الحديث" (1/ 749). (¬3) (1/ 198). (¬4) انظر: "التعليقة" رقم (1).

"السُّبَاطَة" (¬1): الكناسة والزبالة. قال الخطابي (¬2): وسبب بوله - صلى الله عليه وسلم - قائماً مرض اضطره إليه. "وَالانْتِبَاذُ": الانفراد والاعتزال ناحية (¬3): وإدناؤه (¬4) إليه ليستتر به عن المارَّة. قوله: "وفي رواية عن أبي وائل (¬5) " هو شقيق بن سلمة الأسدي، أبو وائل الكوفي، ثقة، مخضرم، مات في خلافة عمر بن عبد العزيز. "قال: كان أبو موسى" أي: الأشعري الصحابي. (يشدد في البول ويبول قاعداً في قارورة) قوله: "قال حذيفة" أي: ابن اليمان. (وددت أن صاحبكم) يعني: أبا موسى، والخطاب لأبي وائل. "لا يشدد" في البول. "هذا التشديد" بحيث يبول قاعداً في قارورة يريد، فإنه خلاف السنة، واستدل له بقوله: "لقد رأيتني" رأيت نفسي. "أنا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - نتماشى، فأتى سُبَاطة قوم خلف حائط فقام كما يقوم أحدكم فبال" أي: قائماً، والقائم يتعرض لرشاش البول، فلم يلتفت - صلى الله عليه وسلم - إلى هذا الاحتمال، ولم يتكلف البول في قارورة، واختلف العلماء فيما يتطاير إلى البائل مثل رؤوس الإبر من البول، فقال مالك (¬6): ¬

_ (¬1) تقدم شرحها. (¬2) في "معالم السنن" (1/ 27 - مع السنن". (¬3) ذكره ابن الأثير في "غريب الجامع" (7/ 127). (¬4) انظر: "فتح الباري" (1/ 329). (¬5) انظر: "التقريب" (1/ 354 رقم 96). (¬6) انظر: "التقريب" (1/ 354 رقم 96).

يغسله استحباباً، وقال الشافعي (¬1): يغسله وجوباً، وسهل أبو حنيفة (¬2) كما في سائر النجاسات، وقال النووي (¬3): كانوا يرخصون في القليل من البول. قال ابن حبان: إنما بال قائماً؛ لأنه لم يجد مكاناً يصلح للقعود، فقام لكون الطرف الذي يليه من السُباطة رخوة يتخللها [246 ب] البول، فلا يرتد إلى البائل منه شيء. وقيل: إنما بال قائماً؛ لأنها حالة يؤمن معها خروج الريح بصوت، فقبل ذلك لكونه قريباً من الديار (¬4). وقيل: إنما فعل ذلك لجرح كان بمأبطه، ففي بعض الروايات عند الحاكم (¬5) وغيره (¬6): "من وجع كان بمأبطه" (¬7) وهو بهمزة ساكنة، فموحدة ومعجمة، عرق في باطن الركبة. ولو (¬8) صحَّ هذا لكان يغني عن جميع ما تقدم، لكن ضعفه (¬9) الدارقطني والبيهقي. والأظهر أنه جعل ذلك لبيان (¬10) الجواز، وكان أكثر أحواله البول من قعود. ¬

_ (¬1) انظر: "مدونة الفقه المالكي وأدلته" (1/ 87). (¬2) انظر: "البيان" للعمراني (1/ 213)، "المجموع شرح المهذب" (2/ 100)، انظر: "البناية في شرح الهداية" (1/ 757). (¬3) انظر: "البناية في شرح الهداية" (1/ 757). (¬4) انظر: "فتح الباري" (1/ 330). (¬5) في "المستدرك" (1/ 182) وقال: هذا حديث صحيح تفرد به حمَّاد بن غسان، ورواته كلهم ثقات، وتعقبه الذهبي بقوله: حمَّاد ضعفه الدارقطني. (¬6) كالبيهقي في "السنن الكبرى" (1/ 101) وهو حديث ضعيف. (¬7) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (1/ 31). (¬8) قاله الحافظ في "الفتح" (1/ 330). (¬9) وهو حديث ضعيف. (¬10) انظر: "شرح السنة" (1/ 387)، "فتح الباري" (1/ 330).

قوله: "فقمت عن يمينه حتى فرغ" فيه أنه لا يشرع الإبعاد في الذهاب، إلاّ عند إرادة الغائط. قوله: "أخرجه الخمسة وهذا لفظ الشيخين". وعن نافع قال: رَأيْتُ ابنُ عُمَرَ - رضي الله عنهما - يَبُولُ قَائْماً. أخرجه مالك (¬1). الثاني عشر: حديث (عمر). 12 - وعن عمر - رضي الله عنه - قال: رَآنِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَنَا أَبُولُ قَائِمًا فَقَالَ "يَا عُمَرُ لَا تَبُلْ قَائِمًا فَمَا بُلْتُ قَائِمًا بَعْدُ" (¬2). [ضعيف] - وروى عبيد الله عن نافع، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قَالَ عُمَرُ: مَا بُلْتُ قَائِمًا مُنْذُ أَسْلَمْتُ. أخرجه الترمذي (¬3)، وقال (¬4) هذا أصح عن عمر، وضعف الرواية الأولى. قال: ومعنى النهي عن البول قائماً على التأديب لا على التحريم. قال (¬5): وقد روي عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: "إِنَّ مِنْ الجَفَاءِ أَنْ يَبُولَ الرَّجُلُ قائِماً". ¬

_ (¬1) في "الموطأ" (1/ 65 رقم 112) وهو أثر موقوف صحيح. (¬2) أخرجه الترمذي في "السنن" (1/ 17) معلقاً، وابن ماجه رقم (308، والبيهقي رقم (1/ 102). قال البوصيري في "مصباح الزجاجة" (1/ 93 رقم 122): "هذا إسناد ضعيف، عبد الكريم متفق على تضعيفه، وقد تفرد بهذا الخبر ... " اهـ. وهو حديث ضعيف. (¬3) في "السنن" (1/ 17 - 18). وأخرجه البزار في "مسنده" (رقم (244 - كشف) عن عبد الله بن عمر عن عمر به، وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (1/ 206) وقال: رواه البزار ورجاله ثقات. (¬4) الترمذي في "السنن" (1/ 17 - 18). (¬5) الترمذي في "السنن" (1/ 18) معلقاً. قال الألباني في الإرواء (1/ 97): وقد وقفنا والحمد لله على من وصله موقوفاً ومرفوعاً. =

"الجَفاَء": خلاف البر واللطف. قوله: "وضعف الرواية الأولى" أي: التي فيها قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تبل قائماً"؛ قال أبو عيسى (¬1): وإنما وقع هذا الحديث من رواية عبد الكريم (¬2) بن أبي المخارق، وهو ضعيف عند أهل الحديث، ضعَّفه أيوب السختياني وتكلم فيه. قوله: "قال الترمذي" وهذا كلامه إلى قوله: قائماً، وتفسير الجفاء من كلام المصنف. قلت: وكأن حمل الترمذي على ذلك؛ لثبوت أنه - صلى الله عليه وسلم - بال قائماً. قوله: "أخرجه الترمذي". الثالث عشر: حديث (عائشة - رضي الله عنها -). 13 - وعن عائشة - رضي الله عنها -: أنَّها كانَتْ تَقُولُ: مَنْ حَدَّثَكمْ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كانَ يَبُولُ قَائِمًا فَلَا تُصَدِّقُوهُ مَا كَانَ يَبُولُ إِلَّا قَاعِدًا. أخرجه الترمذي (¬3) والنسائي (¬4). [صحيح] ¬

_ = أمَّا الموقوف: فأخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (2/ 285) عن قتادة عن ابن بريدة عن ابن مسعود أنه كان يقول: "أربع من الجفاء: أن يبول قائماً، وصلاة الرجل والناس يمرون بين يديه, وليس بين يديه شيء يستره، ومسح الرجل التراب على وجهه وهو في صلاته، وأن يسمع المؤذي فلا يجيبه في قوله". وقال: "وكذلك رواه الجريري عن ابن بريدة عن ابن مسعود". قلت: فهو عنه صحيح موقوفاً. وأمَّا المرفوع: فقد أخرجه البزار في "مسنده" رقم (547 - كشف)، والبخاري في "تاريخه" (2/ 1/ 56)، والطبراني في "الأوسط" رقم (5998)، وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (2/ 83)، وقال رواه البزار والطبراني في "الأوسط"، ورجاله البزار رجال الصحيح اهـ. وهو حديث ضعيف, والله أعلم. (¬1) في "السنن" (1/ 17). (¬2) انظر: "تهذيب التهذيب" (2/ 603 - 604). (¬3) في "السنن" رقم (12). (¬4) في "السنن" رقم (29). =

قوله: "فلا تصدقوه, ما كان يبول إلا قاعداً" وكان يفعل يفيد الاستمرار، وهو صحيح، لا تنافيه رواية بوله قائماً، كما في رواية حذيفة (¬1)؛ لأنها حالة نادرة، لا تنافي الاستمرار. قوله: "أخرجه الترمذي". قلت: وقال (¬2) حديث عائشة أحسن شيء في هذا الباب وأصح. انتهى. "والنسائي". الرابع عشر: حديث (عبد الله بن جعفر - رضي الله عنهما -). 14 - وعن عبد الله بن جعفر - رضي الله عنهما - قال: أَرْدَفَنِي رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ يَوْمٍ خَلْفَهُ، فَأَسَرَّ إِلَيَّ حَدِيثاً لاَ أُحَدِّثُ بِهِ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ، وَكَانَ أَحَبَّ مَا اسْتَتَرَ بِهِ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - لِحَاجَتِهِ هَدَفٌ، أَوْ حَائِشٌ نَخْلٍ. أخرجه مسلم (¬3). [صحيح] "الهَدَفُ" (¬4): هنا المرتفع. "وَالحَائِشُ" (¬5): الحائط من النخل. ¬

_ = وأخرجه ابن ماجه رقم (307)، وفيه شريك بن عبد الله القاضي وهو سيئ الحفظ, لكن تابعه سفيان عند أحمد في "المسند" (6/ 136/ 192)، وأبو عوانة (1/ 198)، والحاكم (1/ 181)، والبيهقي (1/ 101)، وسنده صحيح. عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "ما بال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائماً منذ أنزل عليه القرآن". وهو حديث صحيح. (¬1) تقدم تخريجه وهو حديث صحيح. (¬2) أي: الترمذي في "السنن" (1/ 17). (¬3) في صحيحه رقم (79/ 342). وأخرجه أحمد (1/ 304)، وابن ماجه رقم (342) وهو حديث صحيح. (¬4) قال الفيروزآبادي في "القاموس المحيط" (ص 1114): الهدفُ كلُّ مرتفع من بناءٍ أو كثبِ رجل أو جبلٍ. (¬5) "القاموس المحيط" (ص 761).

قوله: "وكان أحبّ ما استتر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحاجته هدف" بفتحتين، يأتي تفسيره للمصنف. "أو حائش نخل" بالحاء المهملة، والهمزة بعد الألف ثم شيخ معجمة، فسّره المصنف وابن الأثير (¬1) بالحائط من النخل، وهو البستان، ويقال فيه حش، بفتح الحاء وضمها. قوله: "أخرجه مسلم". الخامس عشر: 15 - وعن عبد الرحمن بن حسنة - رضي الله عنه - قال: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، وَفِي يَده كَهَيْئَةِ الدَّرَقَةِ فَوَضَعَهَا، ثُمَّ جَلَسَ خَلْفَهَا، فَبَالَ إِلَيْهَا، فَقَالَ بَعْضُ القَوْمِ: انْظُرُوا يَبُولُ كَمَا تَبُولُ المَرْأَةُ، فَسَمِعَهُ, فَقَالَ: "أَوَ مَا عَلِمْتَ مَا أَصَابَ صَاحِبُ بَني إِسْرَائِيلَ؟ كَانُوا إِذَا أَصَابَهُمْ شَيْءٌ مِنْ البَوْلِ قَرَضُوهُ بِالمَقَارِيضِ فَنَهَاهُمْ صَاحِبُهُمْ فَعُذِّبَ فِي قَبْرِهِ". أخرجه أبو داود (¬2) والنسائي (¬3). [صحيح] حديث: "عبد الرحمن (¬4) بن حسنة" بفتح المهملتين ثم نون، أخو شرحبيل [247 ب]، فيما قيل: صحابي له حديث عن أبي موسى. لفظ أبي داود (¬5): "انطلقت أنا وعمرو بن العاص إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ". قوله: "كما تبول المرأة" كأنه يريد من قعود. "فسمعه" أي: النَّبي - صلى الله عليه وسلم -. "فقال" كأن المراد بعد فراغه من بوله. ¬

_ (¬1) في "غريب الجامع" (7/ 129). (¬2) في "السنن" رقم (22). (¬3) في "السنن" رقم (301) وأخرجه ابن ماجه رقم (346)، وهو حديث صحيح. (¬4) انظر: "الاستيعاب" رقم (1546). (¬5) في "السنن" رقم (22) وهو كما قال الشارح.

"أوَما علمت ما أصاب صاحب بني إسرائيل" لفظ أبي داود (¬1): "ألم تعلموا ما لقي صاحب بني إسرائيل" ثم ذكر لهم القصة. "كانوا إذا أصابهم شيء من البول" لفظ أبي داود (¬2) في حديث أبي موسى "جلد أحدهم" وفي رواية (¬3): "جسد أحدهم". "قرضوه بالمقاريض فنهاهم" أي: عن قرضهم ما أصابهم. "صاحبهم فعذب في قبره" ظاهره أنه عذب لأجل نهيهم، ولفظ أبي داود (¬4): "قطعوا ما أصابه البول منهم" والحديث يدل على التنزه من البول، فإن الظاهر أنهم استنكروا بوله - صلى الله عليه وسلم - قاعداً، فأخبرهم أنه لأجل التنزه عن البول، فإن البائل قائماً قد لا يسلم من رشاش بوله، ثم أخبرهم بقصة بني إسرائيل ومن هنا استنبط أبو موسى (¬5) التشديد في التنزه عن البول، وأنه كان يبول قاعداً في قارورة كما سلف قريباً، وحذيفة (¬6) عارضه برواية بوله - صلى الله عليه وسلم - قائماً، ولا ريب أنها حالة نادرة مرة واحدة، كما أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (¬7) عن مجاهد قال: "ما بال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائماً إلا مرة في كثيب أعجبه". ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (22). (¬2) في "السنن" بإثر الحديث رقم (22)، وهذا في رواية جرير بن عبد الحميد عن منصور، كما في "صحيح مسلم" رقم (74/ 273). وخالفه شعبة عن منصور عند البخاري رقم (226) فقال فيه: ثوب أحدهم. (¬3) انظر ما تقدم. (¬4) في "السنن" رقم (22) وهو حديث صحيح. (¬5) تقدم تخريجه. (¬6) تقدم تخريجه. (¬7) (1/ 122 - 123).

وقال النووي (¬1): المراد أنهم كرهوا ذلك، وزعموا أن شهامة الرجال لا تقتضي التستر على ما كانوا عليه في الجاهلية، ويؤيده ما في رواية البغوي في معجمه، فإن في لفظه: "كما تبول المرأة وهو قاعد" وفي معجم الطبراني: "وهو جالس كما تبول المرأة". قوله: "أخرجه أبو داود والنسائي" وكان عليه أن يقول: واللفظ له؛ لأنّ في ألفاظ (¬2) أبي داود مخالفة كما قدمنا. السادس عشر: حديث (أبي سعيد - رضي الله عنه -): 16 - وعن أبي سعيد - رضي الله عنه - قال: سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "لاَ يَخْرُجِ الرَّجُلانِ يَضْرِبَانِ الغَائِطَ كَاشِفَيْنِ عَنْ عَوْرَتِهِمَا يَتَحَدَّثَانِ، فَإِنَّ الله تَعَالَى يَمْقُتُ عَلَى ذَلِكَ". أخرجه أبو داود (¬3). [ضعيف] "يَضْرِبَانِ" أي: يقصدان الخلاء. ¬

_ (¬1) في "شرح صحيح مسلم" (3/ 166 - 167). (¬2) انظر: "جامع الأصول" (7/ 129 - 132). (¬3) في "السنن" رقم (15). وأخرجه أحمد (3/ 36)، وابن ماجه رقم (342)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (190)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (1/ 99 - 100)، والحاكم في "المستدرك" (1/ 157 - 158)، وابن خزيمة في صحيحه رقم (71) وأبو نعيم في "الحلية" (9/ 46). قال أبو داود: هذا لم يسنده إلا عكرمة بن عمَّار. وقال الألباني في "تمام المنة": الحديث ضعيف لا يصح إسناده وله علتان. الأولى: طعن العلماء في رواية عكرمة بن عمَّار عن يحيى بن أبي كثير. الثانية: أن هلال بن عياض في عداد المجهولين. اهـ. وهو حديث ضعيف, والله أعلم.

ومعنى "يَمْقُتُ" (¬1) يبغض. قوله: "لا يخرج الرجلان" مثلاً أو أكثر أو المرأتان. "يضربان الغائط" أريد به هنا الخلاء، والضرب: القصد أي: يقصدان. "كاشفين عن عورتهما يتحدثان" وفي رواية جابر عند ابن السكن (¬2): "إذا تغوط [248 ب] الرجلان فليتوارى كل واحد منهما عن صاحبه, ولا يتحدثا وإن كانا متواريين". "فإن الله يمقت على ذلك" والمقت أشد البغض، والحديث دليل على منع التحدث عند التغوط وهو للتحريم (¬3)، وادعّى أنه لا يحرم إجماعاً وأنه للتنزيه (¬4). قوله: "أخرجه أبو داود". قلت: وأخرجه ابن ماجه (¬5) وابن خزيمة في صحيحه (¬6)، إلاّ أنّهم رووه كلهم من رواية هلال بن عياض، أو عياض بن هلال، قال المنذري (¬7): لا أعرفه بجرح ولا عدالة، وهو من أعداد المجهولين. انتهى. السابع عشر: حديث (أنس - رضي الله عنه -). 17 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا أَرَادَ الحَاجَةَ لَمْ يَرْفَعْ ثَوْبَهُ حَتَّى يَدْنُوَ مِنْ الأَرْضِ. أخرجه أبو داود (¬8) والترمذي (¬9)، وهذا لفظه. [صحيح] ¬

_ (¬1) انظر: "القاموس المحيط" (205). (¬2) في صحيحه كم في "بلوغ المرام" لابن حجر (9/ 85) بتحقيقي. (¬3) انظر: "المجموع شرح المهذب" (2/ 103). (¬4) ذكره الإمام المهدي في "الغيث المدرار المفتح للكمائم الأزهار". (¬5) في "السنن" (342). (¬6) في "صحيحه" رقم (71). (¬7) في "مختصر السنن" (1/ 24). (¬8) في "السنن" رقم (14) عن ابن عمر، وهو حديث صحيح. (¬9) في "السنن" رقم (14) من حديث أنس وهو حديث صحيح.

"كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد الحاجة" أي قضاء حاجة التغوط. "لا يرفع ثوبه حتى يدنوا من الأرض". قوله: "أخرجه أبو داود". قلت: بوّب له (¬1): باب كيف التكشُّف عند الحاجة، وساقه من حديث ابن عمر (¬2) ثم قال: قال أبو داود (¬3): رواه عبد السلام بن حرب، عن الأعمش، عن أنس بن مالك وهو ضعيف. قوله: "والترمذي واللفظ له" أي: للترمذي (¬4)، ولفظ أبي داود (¬5) إلا أنه رواه عن ابن عمر، لاَ عَنْ أنس. وقال الترمذي (¬6) بعد سياقه والتبويب (¬7) له بقوله: باب في الاستتار عند الحاجة, ما لفظه: هكذا روى محمَّد بن ربيعة عن الأعمش، عن أنس (¬8) بن مالك هذا الحديث. وروى وكيع، وأبو يحيى الحمَّانيُّ عن الأعمش قال: قال ابن عمر: كان النَّبي - صلى الله عليه وسلم -، وساق لفظ الحديث بلفظه في التيسير، وروي الحديثين مرسلين. ويقال: لم يسمع الأعمش من أنس بن مالك، ولا من أحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد ¬

_ (¬1) أي: أبو داود في "السنن" (1/ 21 الباب رقم 6). (¬2) في "السنن" رقم (14) وهو حديث صحيح. (¬3) في "السنن" (1/ 22). (¬4) في "السنن" (1/ 22). (¬5) في "السنن" (1/ 21). (¬6) في "السنن" (1/ 21). (¬7) في "السنن" (1/ 21 الباب رقم 10). (¬8) أخرجه الترمذي في "السنن" (14).

نظر أنس بن مالك قال: ورأيته يصلى وذكر حكاية في الصلاة. انتهى (¬1) كلامه. الثامن عشر: حديث (أبي هريرة - رضي الله عنه -): 18 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ أكتَحَلَ فَلْيُوتِرْ، مَنْ فَعَلَ فَقْدَ أَحْسَنَ وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ، وَمَنْ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ، مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ، وَمَنْ أَكَلَ فَمَا تَخَلَّلَ فَلْيَلْفِظْ، وَمَا لَاكَ بِلِسَانِهِ فَلْيَبْتَلِعْ مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ، وَمَنْ أَتَى الغَائِطَ فَلْيَسْتَتِرْ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إِلَّا أَنْ يَجْمَعَ كثِيبًا مِنْ رَمْلٍ فَلْيَسْتَدْبِرْهُ, فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَلْعَبُ بِمَقَاعِدِ بَنِي آدَمَ، مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ". أخرجه أبو داود (¬2). [ضعيف] "الِاسْتِجْماَرُ" الاستنجاء بالجمار، وهي الحجارة الصغار. "وَالوِتْرُ" الفرد، وقوله. "فَلْيَلْفِظْ" أي: فليرمه من فيه. و"لاَكَ" الشيء يلوكه: إذا أداره في فيه. و"الكَثِيبُ" ما اجتمع من الرمل مرتفعاً. قوله: "من اكتحل فليوتر" أريد بالإيتار التثليث، وإن كان مطلقاً يصدق على غيره, لكنه قد جاء مصرحاً به, والمراد في كل عين، وإن كان المجموع شفعاً، إلاّ أنه أخرج أبو يعلى (¬3) والطبراني (¬4): "أنه - صلى الله عليه وسلم - كان إذا اكتحل جعل في عين اثنتين وواحدة [249 ب] بينهما" إلا أنه رمز السيوطي لضعفه (¬5)، وعلى صحته يراد بالإيتار خمس مرات. ¬

_ (¬1) الترمذي في "السنن" (1/ 22). (¬2) في "السنن" رقم (35). وأخرجه أحمد (2/ 371)، وابن ماجه رقم (337)، و (3498) مختصراً، وابن حبان رقم (1410)، والحاكم (1/ 158)، والبيهقي (1/ 94)، وهو حديث ضعيف. (¬3) في "مسنده" رقم (2611) بإسناد ضعيف جداً. (¬4) قال الهيثمي في "مجمع الزائد" (5/ 171): رواه الطبراني وفيه عمرو بن الحصين العقيلي، وهو متروك. (¬5) وهو كما قال.

"من فعل فقد أحسن" وأتى بما أمر به ندباً بدليل قوله: "وإلاّ فلا حرج". "ومن استجمر فليوتر" اختلف في المراد بالاستجمار في هذا الحديث، فذهب الجمهور من أهل اللغة (¬1) والحديث والفقه، إلا أنه الاستنجاء بالأحجار مأخوذ من الجمار، وهي الأحجار الصغار. وقيل: سُمي بذلك؛ لأنه يطيب الريح كما يطيب الاستجمار بالبخور. وقيل: المراد به في البخور أن يأخذ ثلاث قطع، أو يأخذ منه ثلاث مرات يستعمل واحدة بعد أخرى، وهو على هذا مأخوذ من الجمر الذي يوقد. قال القاضي عياض في "المشارق" (¬2): وقد كان مالك يقوله ثم رجع عنه. وقال الشيخ ولي الدين: يمكن حمل هذا المشترك على معنييه, وهو الاستجمار، والتبخر وقد كان عمر يفعل ذلك نقله عنه ابن عبد البر (¬3)، فكان يستجمر بالأحجار، ويجمر ثيابه وتراً. "ومن لا" يوتر "فلا حرج" عليه، استدل به المالكية (¬4) والحنفية (¬5) على أن الاستجمار يتقيد بعدد، وقالت الشافعية (¬6): نفي الحرج راجع إلى الزيادة على الثلاث جمعاً بينه وبين الأحاديث المصرحة بالجمع، لأمره - صلى الله عليه وسلم - بالثلاث والنهي عن النقص عنها، وإنما نبّه على ذلك؛ لأن حكم الزيادة على الثلاث في الوضوء الكراهة. ¬

_ (¬1) انظر: "القاموس المحيط" (ص 469)، "النهاية في غريب الحديث" (1/ 285)، "فتح الباري" (1/ 257). (¬2) (1/ 238)، وانظر: "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (2/ 30). (¬3) "التمهيد" (1/ 27 - 28). (¬4) "مدونة الفقه المالكي وأدلته" (1/ 88 - 89). (¬5) انظر: "تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق" (1/ 78). (¬6) "المهذب" (1/ 113 - 114).

وقيل: التحريم فبيّن أنّ الأحجار ليست كذلك، فإنه إذا أراد الإستنجاء بحجر آخر صارت شفعاً، فإنه لا يمنع من ذلك، ذكره الخطابي (¬1) والبيهقي (¬2) وغيرهما (¬3). "ومن أكل فليلفظ" بكسر الفاء، ما تخلل بين أسنانه، واللفظ: الرمي، في الصحاح (¬4): لفظت الشيء، ألفظه لفِظاً رميته. "وما لاك (¬5) بلسانه فليبتلع" اللوك: إدارة الشيء في الفم، يقال: لاك يلوك لوكاً. قال الشيخ ولي الدين: فيه أنه يستحب للآكل إذا بقي في فيه وأسنانه شيء من الطعام، وأخرجه بعود يتخلل به أن يلفظه ولا يبتلعه، لما فيه من الاستقذار، وإن أخرجه بلسانه وهو في معنى لاكه فليبتلعه ولا [250 ب] يلفظه فإنه لا يستقذر، كذا ذكره النووي (¬6) وغيره في معنى الحديث. ويحتمل أن يكون معناه: إنما أخرجه من بين أسنانه يرميه مطلقاً سواءً أخرجه بخلال أو بلسانه، وما بقي من آثار الطعام على لحم الأسنان سقف الحلق إن أدار عليه لسانه، ينبغي أن يبتلعه ولا يلقيه. والفرق بينه وبين الذي استقر بين الأسنان أنّ ذاك يحصل له التغير غالباً باستقراره بينها، بخلاف ما هو على ظاهرها. ¬

_ (¬1) في "معالم السنن" (1/ 34). (¬2) في "السنن الكبرى" (1/ 94). (¬3) انظر: "الفتح" (1/ 257). (¬4) للجوهري (3/ 1179). (¬5) ذكره ابن الأثير في "غريب الجامع" (7/ 133). (¬6) انظر: "المجموع" (2/ 111، 120 - 124).

"من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج، ومن أتى الغائط فليستتر، وإن لم يجد إلا كثيباً" بالمثلثة "من رمل (¬1) " قال في "الصحاح" (¬2): هو التل، وفي "النهاية" (¬3) هو الرمل المستطيل المحدودب. "فليستدبره" بالموحدة أي: فليوله دبره, أي: ظهره. "فإنّ الشيطان يلعب بمقاعد بني آدم" قال الشيخ ولي الدين: جمع مقعدة: وهي تطلق على شيئين، ذكرهما في "الصحاح" (¬4). أحدهما: السافلة أي: أسفل البدن. والثاني: موضع القعود، وكل من المعنيين إرادته هنا محتملة، أي: أنّ الشيطان يلعب بأسافل بني آدم، أو بمواضع قعودهم لقضاء الحاجة, فعلى الأول: الباء للإلصاق، وعلى الثاني: للظرفية نحو: {نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ (34)} (¬5)، أي: في سحر. قال: وكلام الخطابي (¬6) يوافق الثاني، فإنه قال: معناه أنّ الشيطان يحضر تلك الأمكنة ويرصدها؛ لأنها مواضع يهجر فيها ذكر الله، وتكشف فيها العورات، وهو معنى قوله: "إن هذه الحشوش محتضرة" فأمر - صلى الله عليه وسلم - بالتستر ما أمكن، وأن لا يكون قعود الإنسان في براح من الأرض ¬

_ (¬1) انظر نص العبارة كما هي في "الصحاح". (¬2) للجوهري (1/ 209) حيث قال: "الكثب الرمل" أي: اجتمع، وكل شيء ما انصب في شيء فقد أنكثب فيه, ومنه سمّي الكثيب من الرمل؛ لأنه انصب في مكان فاجتمع فيه, والجمع الكثبان، وهي تلال الرمل. (¬3) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 524). (¬4) للجوهري (2/ 525). (¬5) سورة القمر الآية: 34. (¬6) في "معالم السنن" (1/ 33 - مع السنن).

تقع عليه أبصار الناظرين، فيتعرض لإنتهاك الستر، أو تهب الريح عليه, فيصيبه البول، فيلوث ثيابه أو بدنه، فكل ذلك من لعب الشيطان، وقصده إياه بالأذى والفساد. "ومن فعل فقد أحسن، ومن لا فلا حرج". قوله: "أخرجه أبو داود". قلت: وقال (¬1) رواه أبو عاصم، عن ثور، قال حصين الحميري: يريد عن أبي سعيد [251 ب] عن أبي هريرة. قال (¬2): ورواه عبد الملك بن الصباح، عن ثور فقال أبو سعيد الخير، قال أبو داود (¬3): أبو سعيد الخير من أصحاب النَّبي - صلى الله عليه وسلم -. انتهى. ولكن الذي في أصل أبي داود في سياق أول الحديث، عن الحصين الحبراني بضم الحاء المهملة، وسكون الموحدة وراء، نسبة إلى خيران بطن من حمير، فقوله: في الطريق الآخر الحميري صحيح، وأبو الخير ذكره ابن حبان من ثقات (¬4) التابعين. وقال النووي (¬5): المشهور أنه تابعي. التاسع عشر: حديث (جابر - رضي الله عنه -). 19 - وعن جابر - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كانَ إِذَا أَرَادَ البَرَازَ انْطَلَقَ حَتَّى لَا يرَاه أَحَدٌ. أخرجه أبو داود (¬6). [صحيح] ¬

_ (¬1) أبو داود في "السنن" (1/ 34). (¬2) في "السنن" (1/ 34). (¬3) في "السنن" (1/ 34). (¬4) (5/ 568) وانظر: "تهذيب التهذيب" (2/ 393). (¬5) انظر: "المجموع شرح المهذب" (2/ 120 - 121). (¬6) في "السنن" رقم (2). =

"أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أتى البراز" بفتح الموحدة الفضاء، وبالكسر نفس الخارج، كذا في التوشيح. "انطلق حتى لا يراه أحد" هو كحديث المغيرة (¬1): "كان إذا ذهب أبعد". قوله: "أخرجه أبو داود". العشرون: حديث (سلمان - رضي الله عنه -). 20 - وعن سلمان - رضي الله عنه -: وَقَالَ لَهُ المُشْرِكُونَ: إِنَّا نَرَى صَاحِبَكُمْ يُعَلِّمُكُمْ حَتَّى الخِرَاءَةَ. قَالَ: أَجَلْ، لَقَدْ نَهَانَا أَنْ يَسْتَنْجِىَ أَحَدُنَا بِيَمِينِهِ، أَوْ يَسْتَقْبِلَ القِبْلَةَ بِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ، وَنَهَى عَنِ الرَّوْثَة وَالعِظَامِ، وَقَالَ: لاَ يَسْتَنْجِى أَحَدُكُمْ بِدُونِ ثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ. أخرجه الخمسة (¬2) إلا البخاري، واللفظ لمسلم. [صحيح] "وقال له المشركون" أي: واحد منهم وجمع لكون باقيهم يوافقونه. "إنا نرى صاحبكم يعلمكم حتى الخراءة" الخراءة (¬3) بكسر الخاء المعجمة، والمد لهيئة الحدث، وأما نفس الحدث فبفتح الخاء (¬4) وكسرها، وحذف الهاء جمع المد. "قال: أجل" أي: نعم، ومراد سلمان أنه علمنا ما نحتاج إليه في ديننا. "لقد نهانا أن يستنجي أحدنا بيمينه" تقدم. ¬

_ = وأخرجه ابن ماجه رقم (335) وهو حديث صحيح. (¬1) تقدم تخريجه وهو حديث صحيح لغيره وقد تقدم. (¬2) أخرجه مسلم رقم (57/ 262)، وأبو داود رقم (7)، والترمذي رقم (16)، وابن ماجه قم (316)، والنسائي رقم (41) وهو حديث صحيح. (¬3) انظر: "الصحاح" (1/ 46 - 47). (¬4) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 477).

"أو يستقبل القبلة بغائط أو بول" وكذا فهي عن استدبارها كما تقدم، ونهى في الاستجمار "عن الروثة, والعظام" فلا يجوز الاستجمار بهما، وعلل في الحديث: "أن الروثة ركس"، وفي آخر: "إنها طعام دواب الجن، وإنّ العظام قوتهم"، واستوفينا ذلك في "سُبل السلام" (¬1). "وقال: لا يستنجي أحدكم بدون (¬2) ثلاثة أحجار" هو نص في استيفاء ثلاث مسحات، فلا بد من إزالة النجاسة, واستيفاء ثلاث مسحات قالوا: ولو بحجر واحد له ثلاثة أحرف. قلت: الحديث يقتضي ثلاث أحجار بنصه, وإلحاق غيرها بها من باب القياس بملاحظة المعنى المراد، وهو إزالة النجاسة. قوله: "أخرجه الخمسة إلاّ البخاري [252 ب] واللفظ لمسلم". - وله (¬3) في رواية عن جابر - رضي الله عنه - قال: "قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: إِذَا اسْتَجْمَرَ أَحَدُكُمْ فَلْيُوتِرْ". [صحيح] قال الخطابي (¬4) "الخِرَاءَة" مكسورة الخاء ممدودة الألف: التخلي والقعود للحاجة. قال (¬5): وأكثر الرواة يفتحون الخاء، ولا يمدون الألف، وقال الجوهري في "الصحاح" (¬6): الخراءة بالفتح والمد. ¬

_ (¬1) (1/ 294 - 298). (¬2) انظر: "شرح صحيح مسلم" للنووي (3/ 156). "مدونة الفقه المالكي وأدلته" (1/ 88 - 90). (¬3) أي: لمسلم في صحيحه رقم (24/ 239). وأخرجه أحمد (3/ 336) (3/ 294)، وأبو عوانة (1/ 219)، وهو حديث صحيح. (¬4) في "معالم السنن" (1/ 17 - مع السنن). (¬5) أي: الخطابي في "معالم السنن" (1/ 17 - مع السنن). (¬6) (1/ 46 - 47).

قوله: "وفي رواية عن جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إذا استجمر أحدكم فليوتر"، فذكر الثلاث في غيره تمثيل، فإن لم يفِ فخمس فما فوقها وتر، ثم ذكر المصنف ضبط الخراءة وقد قدَّمناه. الحادي والعشرون: حديث (أبي قتادة). 21 - وعن أبي قتادة - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِذَا بَالَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَأْخُذْ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ, وَلاَ يَسْتَنْجِ بِيَمِينِهِ وَلاَ يَتَنَفَّسْ في الإِنَاءِ". أخرجه الخمسة (¬1)، واللفظ للبخاري. [صحيح] "أنّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إذا بال أحدكم فلا يأخذ ذكره بيمينه". قيل: وجهه أنّ ما جاور الشيء يعطى حكمه، فلما منع من الاستنجاء باليمين، منع من مس اليد حال خروج الخارج منها حسماً للمادة. والمس (¬2): وإن كان الحديث في مس الذكر، لكن يلحق به الدبر قياساً، والتنصيص على الذكر لا مفهوم له بل فرج المرأة كذلك، وإنما خصّ الذِكر بالذّكر، لكون الرجال في الغالب هم الذين يخاطَبون، والنساء شقائق الرجال في الأحكام إلاّ ما خصّ. "ولا يستنج بيمينه" قيل: المعنى فيها أنها معدة للأكل، فلو تعاطاه بها تذكره عند الأكل، فيتأذى بذلك (¬3). "ولا يتنفس في الإناء" الذي يشرب فيه, وقد تقدم؛ لأنه يقذره على غيره، قالوا: والنهي فيه للتأديب لإرادة (¬4) المبالغة في النظافة؛ إذ قد يخرج مع النفس مخاط أو بصاق أو بخار رديء، ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (153، 154، 5630)، ومسلم رقم (121/ 267)، وأبو داود رقم (31)، والترمذي رقم (15)، والنسائي (1/ 25)، وأخرجه أحمد (4/ 383)، وهو حديث صحيح. (¬2) ذكره الحافظ في "الفتح" (1/ 254). (¬3) ذكره الحافظ في "الفتح" (1/ 254). (¬4) ذكره الحافظ في "الفتح" (1/ 253).

فيكسبه رائحة كريهة فيقتذر بها هو أو غيره عن شربه. قوله: "أخرجه الخمسة واللفظ للبخاري". الثاني والعشرون: حديث (عائشة - رضي الله عنها -). 22 - وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كَانَتْ يَدُ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - اليُمْنَى لِطُهُورِهَ وَطَعَامِهِ، وَكانَتِ يَدَهُ اليُسْرَى لِخَلاَئِهِ، وَمَا كَانَ مِنْ أَذًى. أخرجه أبو داود (¬1). [صحيح] "قالت: كانت يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اليمنى لطهوره" يتطهر بها عند تطهره. "وطعام" يأكل، وهو عام لكل ما يطعم بلا مرية، وللإخبار بأن الشيطان يأكل بيساره. "وكانت يده اليسرى لخلائه" يستنجي بها. "وما كان من أذى" عامّ لكل أذى في بدنه وغيره. قوله: "أخرجه أبو داود" في باب (¬2): كراهية مس الذكر في الاستبراء باليمين وهذا فعل، وقد أخرج (¬3) أيضاً حديث: "إذا بال أحدكم فلا يمس ذكره بيمينه [253 ب] ". الثالث والعشرون: حديث (ابن مسعود - رضي الله عنه -): 23 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: سَمِعْتُ عُثْمَانَ - رضي الله عنه - يَقُولُ: مَا مَسَسْتُ ذَكَرِي بِيَمِينيِ مُنْذُ بَايَعْتُ بِهاَ رَسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - وَأَسْلمْتُ (¬4). [ضعيف جداً] ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (33) وهو حديث صحيح. (¬2) في "السنن" (1/ 31 الباب رقم 31). (¬3) أي: أبو داود في "السنن" رقم (31). (¬4) أخرجه ابن ماجه في "السنن" رقم (311)، وهو حديث ضعيف جداً. قال البوصيري: قلت: هكذا وقع موقوفاً عند ابن ماجه, رواه محمَّد بن يحيى بن أبي عمر في "مسنده" عن وكيع نذكره بإسناده ومتنه سواء، وقد رواه الأئمة الستة والإمام أحمد في "مسنده" من حديث أبي قتادة بلفظ: "نهى أن يمس الرجل ذكره بيمينه". وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. =

فسر ذلك بأنه لم يستنج بها. أخرجه رزين. قوله: "ما مسست ذكري بيميني منذ بايعت بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " هو كلام عثمان، وهو من حسن التأدب والرعاية لشأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قوله: "فسّر ذلك أنه لم يستنج بها". قلت: بل إخباره عام أنه ما مسها قط لشيء من الأشياء، وأما عدم الاستنجاء بها فقد ثبت عنه النهي. قوله: "أخرجه رزين" وابن الأثير (¬1) بيّض له على مادته. الرابع والعشرون: حديث (أنس - رضي الله عنه -): 24 - وعن أنس - رضي الله عنه -: "أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كان إِذَا دَخَلَ الخَلاَءَ وَضَعَ خَاتَمَهُ". أخرجه أبو داود (¬2). [منكر] "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا دخل الخلاء وضع خاتمه". بوّب له (¬3) أبو داود باب الخاتم يكون فيه ذكر الله يدخل به الخلا، ثم ذكره. قوله: "أخرجه أبو داود". ¬

_ = قال: وفي الباب عن عائشة وسلمان، وأبو هريرة, وسهل بن حنيف، والعمل على هذا عند عامة أهل العلم كرهوا الاستنجاء باليمين. (¬1) في "جامع الأصول" (7/ 137). (¬2) في "السنن" رقم (19). وأخرجه الترمذي في "السنن" رقم (1746)، وفي "الشمائل" رقم (88)، والنسائي (8/ 178)، وابن ماجه رقم (303)، وابن حبان رقم (1413)، والحاكم (1/ 187)، وهو حديث منكر. (¬3) في "السنن" (1/ 25 الباب رقم 10).

قلت: وقال (¬1): وهذا حديث منكر. انتهى. وقال النسائي (¬2): غير محفوظ. وقال الترمذي (¬3): حسن غريب. انتهى. وقدح أبي داود فيه؛ لأنه رواه عن همام، عن ابن جريج، عن الزهري، عن أنس، وقال (¬4): إن الوهم فيه من همام، ولم يروه إلاّ همام. انتهى. قلت: بل أخرجه البيهقي (¬5) من طريق يحيى بن المتوكل البصري عن ابن جريج، عن الزهري، عن أنس، "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لبس خاتماً نقشه محمَّد رسول الله، فكان إذا دخل الخلاء وضعه". انتهى. قال الحافظ ابن حجر (¬6): قد نوزع أبو داود في حكمه على هذا الحديث بالنكارة، مع أن رجاله رجال الصحيح، والجواب: أنه حكم بذلك؛ لأن هماماً تفرد به عن ابن جريج، وهما وإن كانا من رجال الصحيح، فإن الشيخين لم يخرجا من رواية همام عن ابن جريج شيئاً؛ لأنه أخذ عنه لمّا كان بالبصرة، والذين سمعوا من ابن جريج في البصرة في حديثهم خلل من قبله، والخلل في هذا الحديث من ابن جريج فإنه دلّسه على الزهري بإسقاط الواسطة, وهو زياد بن سعد، ووهم همام (¬7) في لفظه على ما أخرجه أبو داود [254 ب] وغيره، فهذا وجه حكمه عليه بكونه منكراً. ¬

_ (¬1) في "السنن" (1/ 25). (¬2) في "السنن" (8/ 178). (¬3) في "السنن" (4/ 229). (¬4) أبو داود في "السنن" (1/ 25). (¬5) في "السنن الكبرى" (1/ 94، 95)، وقال: هذا شاهد ضعيف. (¬6) في "التخليص" (1/ 190). (¬7) قال ابن القيم في "تهذيب السنن" (1/ 31 - المختصر) بعد أن أورد جميع الروايات: "هذه الروايات كلها تدل على غلط همام، فإنها مجمعة على أن الحديث إنما هو في اتخاذ الخاتم ولبسه، وليس في شيء منها نزعه إذا دخل =

قال (¬1): وحكم النسائي (¬2) عليه بأنه غير محفوظ أصوب، فإنه شاذ في الحقيقة إذ الذي تفرد به من شرط الصحيح، لكنه بالمخالفة صار حديثه شاذاً. ثم قال: إنّ مُتَابِعَهُ يحيى بن المتوكل عن ابن جريج، قال ابن معين: أنه لا يعرفه، أي: أنه مجهول العدالة، وذكره ابن حبان في "الثقات" (¬3). وأطال ابن حجر في الكلام، ذكره في نكته (¬4) على ابن الصلاح. الخامس والعشرون: 25 - وعنه - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - كانَ إِذَا دَخَلَ الخَلاَءَ قَالَ: "اللهمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الخُبْثِ وَالخَبَائِثِ". أخرجه أبو داود (¬5). [صحيح] ¬

_ = الخلاء، فهذا هو الذي حكم لأجله هؤلاء الحفاظ بنكارة الحديث وشذوذه والمصحح له لما لم يمكنه دفع هذه العلة حكم بغرابتها لأجلها، فلو لم يكن مخالفاً لرواية من ذكر فما وجه غرابته؟ ولعل الترمذي موافق للجماعة فإنه صححه من جهة السند لثقة الرواة واستغرابه لهذه العلة، وهي التي منعت أبا داود من تصحيح متنه، فلا يكون بينهما اختلاف، بل هو صحيح السند لكنه معلول، والله أعلم. (¬1) ابن حجر في "التلخيص" (1/ 190). (¬2) في "السنن" (8/ 178). (¬3) (7/ 612). (¬4) (2/ 617 - 618). (¬5) في "السنن" رقم (4، 5). وأخرجه أحمد (3/ 99، 101، 282)، والبخاري رقم (142، 6322)، ومسلم رقم (122/ 375)، والترمذي رقم (5، 6)، والنسائي في "المجتبى" رقم (19)، وفي "عمل اليوم والليلة" رقم (74)، وابن ماجه رقم (298)، وابن حبان رقم (1407)، وابن الجارود في "المنتقى" رقم (28)، وأبو عوانة (1/ 216)، وابن أبي شيبة (1/ 1)، والبغوي في "شرح السنة" (1/ 376 رقم 186)، والبخاري في "الأدب" رقم (692)، والدارمي (1/ 171)، والبيهقي (1/ 95)، من طرق وهو حديث صحيح.

قوله: "وعنه" أي: عن أنس - رضي الله عنه -. "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا دخل الخلاء" أىِ: أراد دخوله وهو المكان الذي أُعدَّ لقضاء الحاجة كما يدل له "دخل". "قال: اللهم إني أعوذ بك" هذا أحد لفظي (¬1) أبي داود، والآخر (¬2) فيه "بالله". "من الخبث" (¬3) بضم الخاء المعجمة, ويجوز في الموحدة الضم والإسكان، وهو جمع خبيث، وهو ذكور الشياطين. "والخبائث" (¬4) جمع خبيثة وهي إناثهم. قوله: "أخرجه أبو داود" قال الحافظ المنذري في "مختصر السنن" (¬5): وأخرجه البخاري (¬6) ومسلم (¬7)، والترمذي (¬8) والنسائي (¬9) وابن ماجه (¬10). انتهى. - وزاد (¬11) في رواية: "إِنَّ هَذِهِ الحُشُوشَ مُحْتَضَرَةٌ، فَإِذَا أَتَى أَحَدُكُمُ الخَلاَءَ فَلْيَقُلْ: أَعُوذُ بِالله مِنَ الخُبُثِ وَالخَبَائِثِ". [صحيح] ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (4). (¬2) في "السنن" رقم (5). (¬3) انظر: "غريب الحديث" لأبي عبيد (2/ 192)، "معالم السنن" (1/ 18 - مع السنن). (¬4) انظر: "فتح الباري" (1/ 244). (¬5) (1/ 15 - 16). (¬6) في صحيحه رقم (142، 6322). (¬7) في صحيحه رقم (122/ 375). (¬8) في "السنن" رقم (5، 6). (¬9) في "السنن" رقم (19). (¬10) في "السنن" رقم (298). (¬11) في "السنن" رقم (6) من حديث زيد بن أرقم. وهو حديث صحيح.

الفصل الثاني: فيما يستنجي به

قوله: "وزاد" أي: أبو داود. "في رواية" ظاهره في رواية أنس وليس كذلك، بل أخرجها عن النضر بن أنس، عن زيد بن أرقم، فكان الأَولى أن يقول: وزاد في رواية عن زيد ابن أرقم (¬1). "محتضرة" (¬2) اسم مفعول أي: يحضرها الشياطين، ولذا أمر بعد الإخبار عنها بالاستعاذة. وفي "بلوغ المرام" (¬3) من حديث أنس بلفظ: "اللهم إنّي أعوذ بك ... " الحديث. ونسبه إلى السبعة، إلاّ أنِّي راجعت سنن أبي داود (¬4) فلم أجد فيها كلمة: "اللهم" ووجدتها في النسائي (¬5). الفصل الثاني: فيما يستنجي به (الفصل الثاني) من الباب الثالث: في الاستنجاء فيما يستنجي به (في: ما يستنجي به) أي: في الشيء الذي يقع به الامتثال لذلك. ¬

_ (¬1) وهو كما قال الشارح. (¬2) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (1/ 391). (¬3) الحديث رقم (2/ 79). (¬4) بل هي عند أبي داود في "السنن" رقم (6) عن أنس بن مالك، قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل الخلاء، قال: عن حمّاد: "قال: اللهم إني أعوذ بك" وقال: عن عبد الوارث: "قال: أعوذ بالله من الخبث والخبائث". وقال أبو داود: رواه شعبة عن عبد العزيز: "اللهم إني أعوذ بك". وقال مرة: "أعوذ بالله" وقال وهيب: "فليتعوذ بالله". (¬5) في "السنن" رقم (19).

الأول: حديث (أنس - رضي الله عنه -): 1 - عن أنس - رضي الله عنه - قال: كَانَ رَسوُلَ الله - صلى الله عليه وسلم - إِذَا خَرَجَ لِحَاجَتِهِ, تَبِعْتُهُ أَنَا وَغُلَامٌ مِنَّا مَعَنَا إِدَاوَةٌ مِنْ مَاءٍ يَعْنِي يَسْتَنْجِي بِهِ. أخرجه الخمسة (¬1)، إلا الترمذي، وهذا لفظ الشيخين. [صحيح] "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ خرج لحاجته تبعته أنا وغلام [255 ب] "، لفظ البخاري (¬2): "أجيء أنا" وفي لفظ له (¬3): "من الأنصار" ولمسلم (¬4) "نحوي" أي: مقارب لي في السن. قال في المحكم (¬5): الغلام من لدن الفطام إلى سبع سنين. وقال الزمخشري في "أساس البلاغة" (¬6): هو الصغير إلى حد الإلتحاء، فإن قيل له: بعد الإلتحاء غلام فهو مجاز. "معناه (¬7) إداوة" هي بكسر الهمزة, إناء صغير من جلد. "من ماء" أي: مملوءة ماءً. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (150، 151، 152، 217، 500)، ومسلم رقم (70/ 271)، وأبو داود رقم (43، والنسائي رقم (45) وهو حديث صحيح. (¬2) في صحيحه رقم (150). (¬3) انظر: رقم (151، 157، 217، 500). (¬4) في صحيحه رقم (70/ 271). (¬5) "المحكم والمحيط الأعظم" (5/ 537، 538)، والذي فيه: الغلام: الطار الشارب: وقيل: هو من حين يولد إلى أن يشيب. (¬6) (2/ 171) ولم أجده كما ذكره الشارح. (¬7) الإداوة: بالكسر، إناء من جلد يتخذ للماء كالسَّطيحة ونحوها، وجمعها أداوى. "النهاية في غريب الحديث" (1/ 46).

"يعني: يستنجي به" قال ابن حجر (¬1): قائلُ "يعني" هو هشام، - يعني ابن عبد الملك الطيالسي - وساق روايات دالة أن قوله: "يستنجي به" من كلام أنس، واستدل بالحديث على جواز الاستنجاء بالماء، وقد ترجم البخاري (¬2) للحديث بقوله: باب الاستنجاء بالماء. قال في "الفتح" (¬3): أراد بهذه الترجمة الردّ على من كرهه, وعلى من نفى وقوعه من النَّبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد روى ابن أبي شيبة (¬4) بأسانيد صحيحة عن حذيفة بن اليمان: "أنه سئل عن الاستنجاء بالماء فقال: إذاً لا يزال في يدي نتن". وعن نافع (¬5): "أن ابن عمر كان لا يستنجي بالماء"، وعن ابن الزبير (¬6) قال: "ما كنّا نفعله". وعن مالك (¬7): "أنه أنكر كون النبي - صلى الله عليه وسلم - استنجى بالماء". انتهى. قوله: "أخرجه الخمسة, إلاّ الترمذي، وهذا لفظ الشيخين". ¬

_ (¬1) في "الفتح" (1/ 251). (¬2) في صحيحه (1/ 250 الباب رقم 15 - مع الفتح). (¬3) (1/ 251). (¬4) في "مصنفه" (1/ 154) بسند صحيح. (¬5) أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (1/ 155). (¬6) أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (1/ 154). (¬7) والذي في "المدونة" (1/ 7 - 8): "قال مالك: لا يستنجي من الريح ولكن إذا بال أو تغوَّط فليغسل مخرج الأذى وحده فقط، وإن بال فمخرج البول الإحليل" وإن تغوَّط فمخرج الأذى فقط ... ". وانظر: "حاشية الدسوقي على الشرح الكبير" (1/ 184).

الثاني: حديث (جرير - رضي الله عنه -). 2 - وعن جرير - رضي الله عنه - قال: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَأتى الخَلَاءَ فَقَضَى حَاجَةُ، ثُمَّ قَالَ يَا جَرِيرُ: هَاتِ طَهُورًا، فَأَتَيْتُهُ بِالمَاءِ فَاسْتَنْجَى، وَقَالَ بِيَدِهِ فَدَلَكَ بِهَا الأَرْضَ. أخرجه النسائي (¬1). [حسن] "قال: كنت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فأتى الخلاء فقضى حاجته, ثم قال: يا جرير! هات طهوراً، فأتيته بالماء فاستنجى وقال بيده" أي: فعل. "فدلك بها الأرض" كأن المراد في خلال الاستنجاء ليزيل ما لعله يبقى من الرائحة، وهو مثل الأول في الحكم. قوله: "أخرجه النسائي". الثالث: 3 - وعن سفيان بن الحكم أو الحكم بن سفيان الثقفي قال: "كَانَ النَبيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا بَالَ يتَوَضَّأَ". أخرجه أبو داود (¬2)، وهذا لفظه والنسائي (¬3). [صحيح] حديث "سفيان بن الحكم أو الحكم بن سفيان الثقفي" هكذا في سنن أبي داود (¬4) بالشك، وقال بعضهم: الحكم أو ابن الحكم، كذا في سنن أبي داود. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (51) وهو حديث حسن. وأخرجه ابن ماجه (356). وقال النسائي: هذا أشبه بالصواب من حديث شريك والله سبحانه وتعالى أعلم. (¬2) في "السنن" رقم (166، 167، 168). (¬3) في "السنن" رقم (134، 135)، وأخرجه ابن ماجه رقم (461) وهو حديث صحيح. (¬4) في "السنن" (1/ 117) قال أبو داود: وافق سفيان جماعة على هذا الإسناد، وقال بعضهم: الحكم أو ابن الحكم.

"قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا بال يتوضأ وينضح" وفي لفظ (¬1) لأبي داود: "بال ثم نضح فرجه". قوله: "أخرجه أبو داود وهذا لفظه والنسائي" [256 ب]. قلت: إلاّ أنّه حديث مضطرب، وقد روى له الترمذي (¬2) شاهداً غريباً من غير هذه الطريق، ولكنه من طريق الحسن بن علي الهاشمي وهو ضعيف. وقد اختلف أيضاً في سماع الثقفي راوي الحديث، الذي في المتن، فمنهم من قال: لم يسمع من النبي - صلى الله عليه وسلم -. قال الحافظ المنذري (¬3): واختلف في سماع الثقفي هذا من النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال النَّمري (¬4): له حديث واحد في الوضوء، وهو مضطرب الإسناد. انتهى. قلت: وفي "الإصابة" (¬5): قال أبو زرعة وإبراهيم (¬6) الحربي له صحبة، وروى حديثه أصحاب السنن في النضح بعد الوضوء، وقال البخاري (¬7) وأحمد: ليست للحَكم صحبة، ثم نقل أقوالاً أفادت الاضطراب في اسمه وفي صحبته. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (167). (¬2) في "السنن" رقم (50) وسيأتي. (¬3) في "مختصر السنن" (1/ 126). (¬4) هو أبو عمر يوسف بن عبد البر النَّمري حافظ المغرب. (¬5) (2/ 89 - 90 رقم 1783). (¬6) ذكره ابن حجر في "الإصابة" (2/ 90). (¬7) انظر: "التقريب" (1/ 190 رقم 482).

قلت: واختلف في تفسير الانتضاح (¬1)، قيل: هو الاستنجاء بالماء، كان من عادة أكثرهم أن يستنجوا بالحجارة ولا يمسون الماء، وقيل: هذا رش للفرج بالماء بعد الاستنجاء، ليدفع بذلك وسوسة الشيطان ويأتي بلفظه. الرابع: حديث (أبي هريرة - رضي الله عنه -). 4 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "جَاءَنْيِ جِبْرِيلُ - عليه السلام -، فقَالَ: يَا مُحَمِّدُ إذَا تَوَضَّأْتَ فَانْتَضِحْ". أخرجه الترمذي (¬2). [ضعيف] "الِانْتِضَاحُ" (¬3) رشّ الماء على الثوب بعد الوضوء، لئلا يعرض للمتوضئ أنه قد خرج من ذكره بلل، وقيل: المراد به الاستنجاء بالماء، وكانوا يستنجون بالحجارة غالباً. "أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: جاءني جبريل فقال: يا محمد! إذا توضأت فأنضح". قوله: "أخرجه الترمذي". قلت: وقال (¬4): هذا حديث حسن غريب، وسمعت محمداً يقول: الحسن (¬5) بن علي الهاشمي منكر الحديث. قال المنذري (¬6): والهاشمي هذا ضعفه غير واحد من الأئمة وذلك أنه رواه الترمذي، عن الحسن بن علي الهاشمي، عن عبد الرحمن الأعرج، عن أبي هريرة. ¬

_ (¬1) انظر: "الفائق" للزمخشري" (3/ 441)، "النهاية في غريب الحديث" (2/ 754 - 755). (¬2) في "السنن" رقم (50) وهو حديث ضعيف. (¬3) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (7/ 141 - 142). (¬4) في "السنن" (1/ 71). (¬5) انظر: "المجروحين" (1/ 234). (¬6) في "مختصر السنن" (1/ 126).

وهذا هو الشاهد (¬1) الذي أشرنا إليه آنفاً. الخامس: حديث (عائشة - رضي الله عنها -). 5 - وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: بَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَامَ عُمَرُ خَلْفَهُ بِكُوزٍ مِنْ مَاءٍ, فَقَالَ: "مَا هَذَا يَا عُمَرُ؟ " فَقَالَ: مَاءَ تَتَوَضَّأ بِهِ. قَالَ: "مَا أُمرت كُلَّمَا بُلْتُ أَنْ أَتَوَضَّأَ، وَلَوْ فَعَلْتُ لَكَانَتْ سُنَّةً". أخرجه أبو داود (¬2). [ضعيف] "قالت: بال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقام عمر خلفه بكوز من ماء, فقال: ما هذا يا عمر؟ فقال: ماء تتوضأ به، قال: ما أمرت كلما بلت أن أتوضأ"، المراد: الوضوء الشرعي لا غسل الفرج إذ لا بد منه أو من الحجارة. "ولو فعلت" أي: توضأت كلما بلت. "لكانت سنة" قال النووي (¬3): [257 ب] أي: طريقة واجبة لازمة، ومعناه لو واضبت على الوضوء بعد الحدث لوجب على الأمة اتباعي فيه. قوله: "أخرجه أبو داود" قال المنذري (¬4): وأخرجه النسائي (¬5). السادس: حديث (أنس - رضي الله عنه -). 6 - وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه -: أَنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لِأَهْلِ قُبَاء: "إِنَّ الله قَدْ أَحْسَنَ الثَّنَاءَ عَلَيْكُمْ في الطَّهُور، فَماَ ذَاكَ؟ قَالُوا: نَجْمَعُ في الِاُسْتِنْجَاءِ بَيْنَ الأْحْجَارَ وَالمَاءِ" (¬6). أخرجه رزين. ¬

_ (¬1) وهو حديث ضعيف. (¬2) في "السنن" رقم (42)، وأخرجه ابن ماجه رقم (327). وهو حديث ضعيف. (¬3) انظر: "المجموع شرح المهذب" (2/ 10 - 11). (¬4) في "مختصر السنن" (1/ 38). (¬5) بل قال: أخرجه ابن ماجه، كا تقدم وهو الصواب. (¬6) انظر ما يأتي.

"أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لأهل قباء: إنّ الله قد أحسن الثناء عليكم في الطهور" يريد قوله تعالى: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا} (¬1). "فما ذاك؟ " الأمر الذي وقع به حسن الثناء. "قالوا: نجمع في الاستنجاء بين الأحجار والماء"، زيادة في التطهر وإلا فإن أحدهما كافٍ. قوله: "أخرجه رزين". قلت: وابن الأثير (¬2) بيض له على قاعدته، وفي "بلوغ المرام" (¬3) نسب إخراجه إلى البزار (¬4) بسند ضعيف أخرجه عن ابن عباس، لا عن أنس ولفظه: "أنه - صلى الله عليه وسلم - سأل أهل قباء، فقالوا: إنا نتبع الحجارة بالماء". ووجه ضعفه أنه قال مخرجه البزار (¬5): لا نعلم أحداً رواه عن الزهري إلا محمد بن عبد العزيز، ولا عنه إلا ابنه، ومحمد ضعيف، وراويه عبد الله بن شعيب (¬6) ضعيف. قال ابن حجر (¬7): وأصله في أبي داود (¬8). ¬

_ (¬1) سورة التوبة الآية: 108. (¬2) في "الجامع" (7/ 143). (¬3) (1/ 319 رقم 21/ 98 - مع السبل) بتحقيقي. (¬4) في "مسنده" رقم (247 - كشف). وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (1/ 212): وقال: (رواه البزار وفيه محمد بن عبد العزيز بن عمرو الزهري، ضعفه البخاري، والنسائي، وغيرهما، وهو الذي أشار بجلد مالك) اهـ وهو حديث ضعيف. (¬5) في "مسنده" (1/ 131 - كشف). (¬6) انظر: "التخليص" (1/ 112). (¬7) في "بلوغ المرام" بإثر الحديث رقم (21/ 98). (¬8) في "السنن" رقم (44). =

قلت: الذي في عن أبي هريرة نزلت هذه الآية في أهل قباء: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا} (¬1). قال: كانوا يستنجون بالماء، فنزلت فيهم هذه الآية. قال ابن حجر (¬2): وصححه ابن خزيمة من حديث أبي هريرة بدون ذكر الحجارة. انتهى. وفي شرح المهذب (¬3) للنووي: المعروف في طرق الحديث أنهم كانوا يستنجون بالماء وليس فيه: "أنهم كانوا يجمعون بين الماء والأحجار"، وتبعه ابن الرفعة (¬4) وقال: لا يوجد هذا في كتب الحديث، وكذا قال المحب (¬5) الطبري نحوه. قال ابن حجر (¬6): ورواية البزار واردة عليهم، وإن كانت ضعيفة. انتهى. قلت: لعلهم يريدون: لا يوجد في كتب الحديث بسند صحيح، هكذا نقلناه في "سبل السلام" (¬7). السابع: حديث (عائشة - رضي الله عنها -). 7 - وعن عائشة - رضي الله عنها -: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِذَا ذَهبَ أَحَدُكُمْ إِلَى الغَائِطِ، فَلْيَذْهَبْ مَعَهُ بِثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ يَسْتَطِيبُ بِهِنَّ، فَإِنَّهَا تُجْزِئُهُ". ¬

_ = وأخرجه الترمذي رقم (3100)، وقال: هذا حديث غريب من هذا الوجه, وابن ماجه رقم (357) وهو حديث صحيح لغيره. (¬1) سورة التوبة الآية: 108. (¬2) في "بلوغ المرام" بإثر الحديث رقم (21/ 98). (¬3) "المجموع شرح المهذب" (1/ 116) وانظر: "خلاصة الأحكام" (1/ 164). (¬4) ذكره الحافظ في "التلخيص" (1/ 112). (¬5) ذكره الحافظ في "التلخيص" (1/ 112). (¬6) في "التلخيص" (1/ 112). (¬7) (1/ 320) بتحقيقي.

أخرجه أبو داود (¬1) والنسائي (¬2). [حسن] "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليذهب معه بثلاثة أحجار" ليس الشرط أن يذهب بهن معه, بل المراد حصولها عند الاستطابة، بدليل أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يذهب بهن معه، كما في حديث ابن مسعود (¬3) الآتي [258 ب] ولا دليل فيه على أنه لا بد من الثلاث عملاً بمفهوم العدد، بل بحديث [سلمان] (¬4): أنه قال - صلى الله عليه وسلم -: "ولا يستنج أحدكم بأقل من ثلاثة أحجار" رواه مسلم (¬5). ففيه النهي عن دون الثلاث، وأخذ بهذا أحمد (¬6) والشافعي (¬7)، وجماعة من أئمة الحديث فقالوا: لا يجزي أقل من ثلاثة أحجار، مع مراعاة الإنقاء، فإذا لم يحصل بها زاد حتى ينقى، ويستحب أن يكون وتراً لقوله: "ومن استجمر فليوتر" وهو وإن كان ظاهره الإيجاب، إلاّ أنها قامت قرينة الاستحباب بقوله في حديث أبي داود (¬8): "من فعل فقد أحسن، ومن لا فلا حرج". ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (40). (¬2) في "السنن" رقم (44). وأخرجه أحمد (6/ 108)، والدارقطني في "السنن" (1/ 54 رقم 4)، وقال: إسناده حسن صحيح. وقد حسنه النووي في "الخلاصة" (1/ 161)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود. (¬3) وهو حديث صحيح. (¬4) في "المخطوط" (ب) سليمان, والصواب ما أثبتناه من (أ) ومصادر الحديث. (¬5) في صحيحه رقم (262). وأخرجه أبو داود رقم (7)، والترمذي رقم (16)، وقال: حديث حسن صحيح، والنسائي رقم (41)، وابن ماجه رقم (316) وهو حديث صحيح. (¬6) "المغني" لابن قدامة (1/ 210 - 211). (¬7) انظر: "المهذب" (1/ 113 - 114). (¬8) في "السنن" رقم (35) وهو حديث ضعيف وقد تقدم.

قال الحافظ ابن حجر (¬1): إنه حسن الإسناد، وبهذا يحصل الجمع بين الروايات في هذا الباب. قال الخطابي (¬2): لو كان القصد الإنقاء فقط، لخلا اشتراط العدد عن الفائدة، فلما اشترط العدد لفظاً وعلم الإنقاء فيه معنى دل على اشتراط الأمرين، ونظيره الأعداد بالإقران، فإن العدد مشترط فيه، ولو تحققت براءة الرحم. "يستطيب بهن" لم يجزم على أنه جواب الأمر، بل رفع على الاستئناف. "فإنها تجزئه" في الاستطابة ويصير طاهراً، وتحل له الصلاة من غير غسل المحل. قوله: "أخرجه أبو داود والنسائي". الثامن: حديث (ابن مسعود - رضي الله عنه -): 8 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: أَتَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الغَائِطَ، فَأَمَرَنِي أَنْ آتِيَهُ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ، فَوَجَدْتُ حَجَرَيْنِ وَالتَمَسْتُ الثَّالِثَ فَلَمْ أَجِدْهُ، فَأَخَذْتُ رَوْثَةً فَأَتَيْتُهُ بِهَا، فَأَخَذَ الحَجَرَيْنِ، وَالقَى الرَّوْثَةَ, وَقالَ: "إِنَّهاَ رِكْسٌ". أخرجه البخاري (¬3)، وهذا لفظه، والترمذي (¬4) والنسائي (¬5). [صحيح] وقال: الركس: طعام الجن. ¬

_ (¬1) في "التلخيص" (1/ 110 - 111). (¬2) في "معالم السنن" (1/ 19 - 20 - مع السنن). (¬3) في صحيحه رقم (156). (¬4) في "السنن" رقم (17). (¬5) في "السنن" رقم (42). وأخرجه (6/ 146)، والدارقطني (1/ 55 رقم 5)، وابن ماجه رقم (314)، والبيهقي (1/ 108)، والطيالسي رقم (287)، والطبراني في "الكبير" رقم (9951) وهو حديث صحيح.

الرَّكْسُ" (¬1) شبيه بالرجيع. "قال: أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - الغائط" الأرض المطمئنة لقضاء حاجته. "فأمرني أن آتيه بثلاثة أحجار، فوجدت حجرين والتمست الثالث فلم أجده, فوجدت روثة" زاد ابن خزيمة (¬2): "روثة حمار" ونقل التيميُّ أن الروثَ مختصٌّ بما يكونُ من الخيل والبغال والحمير. "فأخذ الحجرين وألقى الروثة, وقال: إنها ركس" استدل (¬3) به على عدم اشتراط الثلاث؛ لأنه لو كان مشترطاً لطلب ثالثاً، وردّ بأنه قد ثبت طلبه للثالثة بلفظ: "فألقى الروثة، وقال: إنها ركس ائتني بحجر" أخرجه أحمد (¬4) [259 ب] في مسنده. قال الحافظ ابن حجر (¬5): ورجاله ثقات أثبات. ¬

_ (¬1) هو شبيه المعنى بالرَّجيع، يقال: رَكست الشيء، وأركسته، إذا رددته ورجعته، "النهاية في غريب الحديث" (1/ 686). (¬2) في صحيحه (1/ 39 رقم 70). (¬3) الطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/ 122). (¬4) (6/ 146) من طريق معمر، عن أبي إسحاق، عن علقمة بن قيس عن ابن مسعود - رضي الله عنه -، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذهب لحاجته فأمر ابن مسعود أن يأتيه بثلاثة أحجار، فجاءه بحجرين وروثة، فألقى الروثة، وقال: "إنها ركس، ائتني بحجر". قال الحافظ في "الفتح" (1/ 257): "ورجاله ثقات أثبات ... وقد قيل إن أبا إسحاق لم يسمع من علقمة، لكن أثبت سماعة لهدا الحديث منه الكاربيسي ... ". قلت: لكن قال ابن المديني: لم يلق أبو إسحاق علقمة, كما في "جامع التحصيل" (ص 300). وقال أبو حاتم وأبو زرعة: لم يسمع أبو إسحاق من علقمة حرفاً، كما في "المراسيل" (ص 145). والخلاصة: أن أبا إسحاق لم يسمع من علقمة, والزيادة المذكورة في طريقه غير صحيحة, والله أعلم. (¬5) في "الفتح" (1/ 257).

وقوله: "ركس" بكسر الراء وإسكان الكاف، قيل: هي لغة في: رجس، ويدل له رواية ابن ماجه (¬1) وابن خزيمة (¬2) في هذا الحديث، فإنها عندهما بالجيم. وقيل: الركس الرجيع، رُدُ من حالة الطهارة إلى حالة النجاسة, قاله الخطابي (¬3) وغيره. وقال ابن حجر (¬4): الأولى أن يقال: رُدُ من حالة الطعام إلى حالة الروث، وفي رواية الترمذي (¬5): "هذا ركس يعني نجساً". قوله: "أخرجه البخاري، وهذا لفظه والترمذي، والنسائي (¬6) وقال: الركس طعام الجن". قلت: قال الحافظ ابن حجر (¬7): وأغرب النسائي فقال عقب هذا الحديث: "الركس طعام الجن" قال: وهذا إن ثبت في اللغة (¬8) مزيج للإشكال. قوله: "الركس شبيه الرجيع". التاسع: 9 - وعنه - رضي الله عنه - قال: لمَّا قَدِمَ وَفْدُ الجِنِّ عَلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالُوا: يَا رَسُولَ الله! انْهَ أُمَّتَكَ أَنْ يَسْتَنْجُوا بِعَظْمٍ، أَوْ رَوْثٍ أَوْ حُمَمَةٍ, فَإِنَّ الله جَعَلَ لَنَا فِيهَا رِزْقًا، فَنَهَاناَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنْ ذَلِكَ. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (314). (¬2) في صحيحه رقم (70). (¬3) في "غريب الحديث" (2/ 116)، وانظر: "القاموس المحيط" (ص 708). (¬4) في "الفتح" (1/ 258). (¬5) في "السنن" رقم (17). (¬6) في "السنن" (1/ 41). (¬7) في "الفتح" (1/ 258). (¬8) انظر: "القاموس المحيط" (ص 708).

أخرجه أصحاب السنن (¬1)، وهذا لفظ أبي داود. [صحيح] و"الحَمَمةُ" الفحمة. قوله: "وعنه" أي: ابن مسعود. "قال: لما قدم وفد الجن على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" وهم جن نصيبين كما ورد في رواية (¬2)، وكان وفودهم في مكة قبل الهجرة، كما أخرجه الطبراني (¬3). "قالوا: يا رسول الله انْهَ أُمتك أن يستنجوا بعظم أو روث أو حممة" بضم الحاء المهملة، وفتح الميمين، قال الخطابي (¬4): هو الفحم أو ما احترق من الخشب والعظام ونحوها، وفسّره المصنف (¬5) بالفحمة. "فإن الله جعل لنا فيها رزقاً" قد ورد أنَّهم لا يجدون عظماً إلاّ وجدوا ما كان عليه من لحم، وأن الروث علف لدوابهم، وفيه أنّهم لا يأكلون متنجساً. ¬

_ (¬1) أبو داود في في "السنن" رقم (39)، والنسائي رقم (39)، والترمذي رقم (18). وأخرجه أحمد (1/ 436، 457)، ومسلم رقم (150/ 450) عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أتاني داعي الجن فذهبت معه فقرأت عليهم القرآن" قال: فانطلق بنا فأرانا آثارهم وآثار نيراهم، وسألوه الزاد، فقال: "لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع في أيديكم أوفر ما يكون لحماً، وكل بعرة علف لدوابكم" فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فلا تستنجوا بهما فإنهما طعام إخوانكم" وهو حديث صحيح. (¬2) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (3860) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -. (¬3) في "المعجم الكبير" رقم (6623). (¬4) في "معالم السنن" (1/ 36 - 37 - معالم السنن). (¬5) في "غريب الجامع" (7/ 146).

"فنهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك" وكأن هذا شبهة (¬1) من فسر الركس، وهي الروثة بطعام الجن. قوله: "أخرجه أصحاب السنن وهذا لفظ أبي داود". العاشر: 10 - وعن رويفع - رضي الله عنه - قال: قَالَ لِي رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "يَا رُوَيْفِعُ، لَعَلَّ الحَيَاةَ سَتَطُولُ بِكَ بَعْدِى، فَأَخْبِرِ النَّاسَ أَنَّهُ مَنْ عَقَدَ لْحِيَتَهُ، أَوْ تَقَلَّدَ وَتَرًا، أَوِ اسْتَنْجَى بِرَجِيعِ دَابَّةٍ أَوْ عَظْمٍ، فَإِنَّ مُحَمَّدًا مِنْهُ بَرِىءٌ". أخرجه أبو داود (¬2) والنسائي (¬3) واللفظ له. [صحيح] (عقد لحيته) أي: عالجها حتى تتعقد وتتجعد، ومن قولهم جاء فلان عاقداً عنقه إذا لواها كِبْراً، وقيل إن الأعاجم كانت تفعل ذلك فنهوا عن التشبه بهم (¬4). "تَقَلَّدَ وَتَرًا" كانوا يفعلون ذلك ويزعمون أنها ترد العين، وتدفع عنهم المكاره فنهوا عنه. و"الرَّجِيعُ" الروث والعذرة. حديث: "رويفع" مصغر رافع وهو ابن ثابت بن السكن بن عدي بن حارثة من بني مالك بن النجار. "قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يا رويفع لعل الحياة ستطول [260 ب] بك بعدي" صدق - صلى الله عليه وسلم - فقد طالت به الحياة بعده - صلى الله عليه وسلم -، ففي "الإصابة (¬5) " أنه ولاّه معاوية طرابلس سنة ست ¬

_ (¬1) انظر: "القاموس المحيط" (ص 708)، "فتح الباري" (1/ 258). (¬2) في "السنن" رقم (36). (¬3) في "السنن" رقم (5067) وهو حديث صحيح. (¬4) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (7/ 148). (¬5) (2/ 416 رقم 2705).

وأربعين بعد أفريقية, وقال ابن عبد البر (¬1): توفي بيرقة وهو أمير عليها، وقال ابن يونس: مات سنة ست وخمسين وهو أمير عليها من قبل مسلمة بن مخلد. انتهى. قلت: في سند حديثه هذا في أبي داود: أنه استعمله مسلمة بن مخلد على أسفل الأرض، أي: أسفل ديار مصر؛ لأن فيه: أنه سار من كوم (¬2) شريك إلى علقماء (¬3)، وكوم شريك هي أرض مصر، وعلقماء بفتح العين، وسكون اللام، وقاف ومد، موضع في أسفل مصر. "فأخبر الناس أنّ من عقد لحيته" قيل: المراد به ما كانوا يفعلونه في الجاهلية من عقد اللحى في الحروب وفتلها، وذلك من زي الأعاجم. وقيل: معالجة الشعر ليتعقد ويتجعد، وذلك من فعل الوضعاء. "أو تقلد وَتَراً" قيل: المراد ما كانوا يفعلوه من العوذ والتمائم التي ينشدونها بتلك الأوتار، ويرون أنها تعصم من الآفات وتدفع المكاره. وقيل: من فتل الأجراس التي يعلقونها، وقيل: لئلا تختنق الخيل بها عند شدة الركض. "أو يستنجي برجيع دابة" عام لكل دابة لغة أو عرفاً، وذكر الروث في غيره تنصيص على بعض الأفراد. "أو عظم فإن محمداً منه بريء". قول المصنف: "والرجيع الروث والعذرة" تقدم لك أنّ الروث مختصُ برجيع البغال والخيل والحمير، والحديث هذا عام لرجيع كل دابة, فهو تفسير من المصنف للأعم بالأخص، والبرآءة منه - صلى الله عليه وسلم - دالة على تحريم ما ذكر جميعاً. قوله: "أخرجه أبو داود". ¬

_ (¬1) في "الاستيعاب" (2/ 83 رقم 790). (¬2) انظر: "معجم ما استعجم" (4/ 143). "الروض المعطار في خبر الأقطار" (ص 501). (¬3) انظر: "معجم البلدان" (4/ 147).

الباب الرابع: في الوضوء

قال المنذري: وأخرجه النسائي. الباب الرابع: في الوضوء (البَابُ الرَابِعُ: في الوُضُوء) من التسعة الأبواب في الطهارة وفيه: ثلاثة فصول. (وفيه ثَلاَثَةُ فُصُول) [261 ب] في فضله، في صفته، في سننه الفصل الأول: في فضله (الفصل الأول: في فضله) أي: في الثواب الذي ينال بفعله. الأول: حديث (أبي هريرة - رضي الله عنه -): 1 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أنَّ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "أَلا أَدُلُكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو الله بِهِ الخَطَايَا، وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسولُ الله، قَالَ: إِسْبَاغُ الوُضُوءِ عَلَى المَكَارِهِ, وَكَثْرَةُ الخُطَا إِلَى المَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلاةِ, فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ, فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ, فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ". أخرجه مسلم (¬1)، ومالك (¬2)، والترمذي (¬3)، والنسائي (¬4). [صحيح] ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (251). (¬2) في "الموطأ" (1/ 161). (¬3) في "السنن" رقم (51). (¬4) في "السنن" (1/ 89). وأخرجه ابن ماجه رقم (428)، وهو حديث صحيح.

قوله: "عَلَى المَكَارِهِ" معناه أن يتوضأ مع البرد الشديد، والعلل التي يتأذى معها بمس الماء، وما أشبه ذلك من الأسباب الشاقة. وقوله: "فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ" (¬1) شبه الأعمال المذكورة بمرابطة المجاهدين، ونزَّلها منزلتها. "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ألا" بالتخفيف، حرف تنبيه, يؤتى به ليصغي السامع إلى ما يأتي بعده. "أدلكم على ما يمحوا الله به الخطايا"، لفظة الخطيئة تطلق على الصغائر والكبائر، في النهاية: الخطأ الذنب والإثم، أي: يمحوا الله ما كتبه ملك الشمال من الخطايا. "ويرفع به الدرجات" في الجنة إذ هي درجات بعضها فوق بعض. "قالوا: بلى" أي: دُلَّنا. "يا رسول الله قال: إسباغ الوضوء" مضاف إلى مفعوله، أي: إسباغكم، والإسباغ: الإتمام، أي: إبلاغ كل عضو إلى حيث شرعه الله، وليس من مسماه التكرير. "على المكاره" على ما تكرهه النفوس، لبرد الماء ونحوه (¬2). "وكثرة الخطى إلى المساجد" لبعد المسجد أو للتردد عليه، فإنه ورد في غيره، أنه لا يرفع قدماً إلا حطّت عنه خطيئة ورفعت له بها درجة. "وانتظار الصلاة" أي: الفريضة. ¬

_ (¬1) قال القاضي عياض في "إكمال المعلم" (2/ 55 - 56) يعني المرغّبُ فيه, وأصله الحبس على الشيء، كأنه حبسَ نفسه على هذه الطاعة. قيل: ويحتمل أنّه أفضل الرباط كما قيل: الجهاد جهاد النفس، ويحتمل أنّه الرباط المتيسر الممكن، أي: أنّه من أنواع الرباط. (¬2) ذكره النووي في شرحه لصحيح مسلم (3/ 141).

"بعد الصلاة" أي: انتظاركم بعد الصلاة للصلاة الثانية، فقد ثبت أنه لا يزال العبد في صلاة ما انتظر الصلاة. "فذلكم الرباط" الرباط (¬1) في الأصل، الإقامة على جهاد العدو بالحرب، وارتباط الخيل إعداؤها، فشبّه ما ذكر من الأفعال الصالحة، من إسباغ الوضوء على المكاره, وكثرة الخطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، وكرر ذلك بقوله: "فذلكم الرباط فذلكم الرباط" ثلاثاً تأكيداً لذلك، وإشارة إلى كل واحدة من الثلاث بمرابطة المجاهدين، ونزلها منزلتها فسمّاها رباطاً، وقد ألّم بتفسيره المصنف، كما فسّر المكاره أيضاً. قوله: "أخرجه مسلم، ومالك، والترمذي، والنسائي". الثاني: حديث (عقبة بن عامر): 2 - وعن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - قال: كَانَتْ عَلَيْنَا رِعَايَةُ الإِبِلِ، فَجَاءَتْ نَوْبَتِي أَرْعَاهاَ فَرَوَّحْتُهَا بِعَشِيٍّ، فَأَدْرَكْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَائِمًا يُحَدِّثُ النَّاسَ، وَأَدْرَكْتُ مِنْ قَوْلِهِ: "مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهُ، ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ مُقْبِلٌ عَلَيْهِمَا بِقَلْبِهِ وَوَجْهِهِ, إِلَّا وَجَبَتْ لَهُ الجَنَّةُ, فَقُلْتُ: مَا أَجْوَدَ هَذِاَ، فَإِذَا قَائِلٌ يَقُولُ بينَ يَدَيَّ: الَّتِي قَبْلَهَا أَجْوَدُ, فَنَظَرْتُ فَإِذَا هُوَ عُمَرُ ابنُ الخَطَّابِ, فقَالَ: إِنِّي قَدْ رَأَيْتُكَ جِئْتَ آنِفًا، قَالَ: مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُبْلِغُ أَوْ فَيُسْبغُ الوَضُوءَ, ثُمَّ يَقُولُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ الله وَرَسُولُهُ إِلَّا فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ". أخرجه الخمسة (¬2)، إلا البخاري، وهذا لفظ مسلم. [صحيح] ¬

_ (¬1) قاله ابن الأثير في "جامع الأصول" (9/ 420 - 411). (¬2) أخرجه مسلم في "صحيحه" رقم (234)، وأبو داود رقم (169)، وابن ماجه رقم (470)، والترمذي رقم (55)، وهو حديث صحيح، والنسائي رقم (148، 151).

وفي رواية أبي داود (¬1): "فَيُحْسِنُ الوُضُوءَ". [صحيح] وعند الترمذي (¬2) بعد قوله ورسوله: "اللهمَّ اجْعَلْنِي مِنَ التَّوَّابِينَ، وَاجْعَلْنِي مِنَ المُتَطَهِّرِينَ". [صحيح] "كانت علينا رعاية الإبل" [262 ب] يريد أنهم كانوا يتناوبون على رعيهم، فيجتمع الجماعة، ويضمُّون إبلهم فيرعاها كل واحد منهم يوماً ليكون أرفق بهم، وينصرف الباقون في مصالحهم، والرعاية بالكسر الرعي. "فجاءت نوبتي أرعاها فروّحتها بعشي" أي: رددتها إلى مراحها في آخر النهار، وفرغت من أمرها، ثم جئت مجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، "فأدركت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائماً يحدّث الناس، فأدركت من قوله: "ما من مسلم يتوضأ فيحسن وضوءه, ثم يقوم فيصلي ركعتين يقبل عليهما بقلبه ووجهه" جمع - صلى الله عليه وسلم - بهاتين اللفظتين أنواع الخضوع والخشوع؛ لأنّ الخضوع في الأعضاء والخشوع في القلب (¬3). قال: "فقلت: مما أجود هذا! " وفي لفظه (¬4): "هذه" أي: الكلمة أو الفائدة، أو البشارة، أو العبادة، وجودتها من جهات (¬5) منها: أنها سهلة متيسرة، يقدر عليها كل أحد بلا مشقة، ومنها: أنّ أجرها كبير، ومنها: أنَّها عامة لكل مسلم. "فإذا قائل يقول بين يدي: التي قبلها أجود، فنظرت فإذا عمر بن الخطاب؟ فقال: إني قد رأيتك جئت آنفاً" أي: قريباً. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (169)، وهو حديث صحيح. (¬2) في "السنن" رقم (55)، وهو حديث صحيح. (¬3) ذكره النووي في شرحه لـ "صحيح مسلم" (3/ 221). (¬4) أخرجها مسلم في "صحيحه" رقم (17/ 234). (¬5) انظرها نصاً في شرح "صحيح مسلم" للنووي (3/ 121).

"قال: ما منكم من أحد يتوضأ فيسبغ الوضوء" أي: يتمه كما قدمنا. "ثم يقول" بعد تمامه. "أشهد أنّ لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية" أي: ستفتح له، لكنه عبّر عمّا سيقع لتحققه بالواقع. "يدخل من أيها شاء" وإنما قال عمر: إنها أجود مما سمعه بنفسه؛ لأن هذا أجر عظيم على مجرد الوضوء، والقول بعده وأجر الصلاة غيره. قوله: "أخرجه الخمسة, إلا البخاري، وهذا لفظ مسلم". "وفي رواية أبي داود (¬1): فيحسن الوضوء" وإحسانه: إسباغه. "وعند الترمذي (¬2) - بعد قوله ورسوله -: اللهم اجعلني من التوابين" عن المعاصي. "واجعلني من المتطهرين" مأخوذ من الآية: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222)} (¬3). والجمع بين التوبة والتطهر في نهاية المناسبة؛ لأن التوبة تطهير القلب، والوضوء تطهير الجوارح، ومحبة الله ثابتة لمن جمع بينهما [263 ب]. الثالث: حديث (أبي هريرة - رضي الله عنه -). 3 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أَنّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إذَا تَوَضَّأَ العَبْدُ المُسْلِمُ، أَوِ المُؤْمِنُ، فَغَسَلَ وَجْهَهُ, خَرَجَ مِنْ وَجْهِهِ كُلُّ خَطِيئةٍ نَظَرَ إِلَيْهَا بِعَيْنِهِ مَعَ المَاءِ, أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ المَاءِ، وَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ, خَرَجَ مِنْ يَدَيْهِ كُلُّ خَطِيئةٍ بَطَشَتْهَا يَدَاهُ مَعَ المَاءِ، أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ المَاءِ، فَإِذَا غَسَلَ ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (169). (¬2) في "السنن" رقم (55). (¬3) سورة البقرة الآية (222).

رِجْلَيْهِ خَرَجَ كُلُّ خَطِيئَةٍ مَشَتْهَا رِجْلاهُ مَعَ المَاءِ, أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ المَاءِ, حَتَّى يَخْرُجَ نَقِيًّا مِنَ الذُّنُوبِ". أخرجه مسلم (¬1)، وهذا لفظه، ومالك (¬2) والترمذي (¬3). [صحيح] "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: إذا توضأ العبد المسلم، أو المؤمن"، شك من الراوي وكذا قوله: "مع الماء، أو مع آخر قطر الماء". "فغسل وجهه خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينه مع الماء, أو مع آخر قطر الماء" المراد بخروجها المجاز والاستعارة في غفرانها؛ لأنها ليست بأجسام فتخرج حقيقة، قاله القاضي عياض (¬4). قالوا: والمراد بها الصغائر دون الكبائر (¬5). "وإذا غسل يديه خرج من يده كل خطيئة بطشتها يداه مع الماء أو مع آخر قطر الماء"، أي: آخر قطر ماء يديه، ومثله ما قبله وبعده، والمراد: مع الماء أول قطرة منه. "فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة مشتها رجلاه مع الماء، أو مع آخر قطر الماء، حتى يخرج نقياً من الذنوب". "أخرجه مسلم، وهذا لفظه ومالك والترمذي" ويأتي من حديث ابن عبسة: ما هو أعم من هذا. ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (244). (¬2) في "الموطأ" (1/ 32). (¬3) في "السنن" رقم (2). وهو حديث صحيح. (¬4) في إكمال المعلم بفوائد مسلم (2/ 41). (¬5) ذكره النووي في شرحه لـ "صحيح مسلم" (3/ 133).

الرابع: 4 - وعن عثمان - رضي الله عنه -: أنَّ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الوُضُوءَ خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ جَسَدِهِ, حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَظْفَارِهِ" (¬1). [صحيح] 5 - وفي رواية: أنَّ عُثْمَانَ - رضي الله عنه - تَوَضَّأ، ثمَّ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا، ثُمَّ قَالَ: "مَنْ تَوَضَّأَ هَكَذَا غُفِرَ لَهُ مَا تَقدّمَ مِنْ ذَنْبِهِ, وَكَانِتْ صَلاَتُهُ وَمَشْيُهُ إِلَى المَسْجِدِ نَافِلَةً". أخرجه الشيخان (¬2). [صحيح] حديث: "عثمان" هو ابن عفان - رضي الله عنه -". "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: من توضأ فأحسن الوضوء" أي: أسبغه. "خرجت خطاياه من جسده" هذا أعم من الأول. "حتى تخرج من تحت أظفاره". "وفي رواية" عن عثمان. "توضأ ثم قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توضأ نحو وضوئي" أي: مثله أو شبهه لا هو بعينه, كذا قيل. قال في "فتح الباري" (¬3): إنّ للبخاري (¬4) رواية بلفظ: "نحو وضوئي هذا" ولمسلم (¬5): "مثل وضوئي هذا" ثم قال: إنّ التعبير بـ (نحو) من تصرف الرواة؛ لأنها تطلق على المثلية مجازاً؛ ولأنّ ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم في "صحيحه" رقم (245)، والنسائي (1/ 91)، وابن ماجه رقم (285)، وأحمد (1/ 66)، وهو حديث صحيح. (¬2) البخاري رقم (159، 160، 164، 1934، 6433)، ومسلم رقم (3/ 226). (¬3) (1/ 260). (¬4) في "صحيحه" رقم (159). (¬5) في "صحيحه" رقم (121).

(مثل) وإن كانت تقتضي المساواة من كل وجه ظاهراً، لكنها تطلق على الغالب، فهذا تلتئم الروايتان، ويكون المتروك، بحيث لا يخل بالمقصود. "هذا ثم قال: من توضأ هكذا غفر له ما تقدم من ذنبه" ظاهره العموم لكل ذنب. "وكانت صلاته ومشيه إلى المسجد" الذي تقدم فضله. "نافلة" أي: زيادة في أجره لا يكفرّ ذنباً، وذكر الحافظ ابن حجر (¬1) أنه وقع في رواية المصنف - أي: البخاري - في الرقاق (¬2)، في آخر هذا الحديث: "ولا تفتروا" [264 ب] أي: فتستكثروا من الأعمال السيئة، بناءً على أنّ الصلاة تكفرها، فإنّ الصلاة التي تكفر بها الخطايا، هي التي يقبلها الله، وأنّ للعبد الإطلاع على ذلك (¬3). انتهى. قوله: "أخرجه الشيخان". الخامس: 5 - وعن عمرو بن عبسة السلمي - رضي الله عنه - قال: قَالَ رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا مِنْكُمْ مِنْ رَجُلٍ يَقْرَبُ وَضُوءَهُ، فَيَتَمَضْمِضُ، وَيَسْتَنْشِقُ، فَيَسْتَنْثِرُ، إِلاَّ خَرَّتْ خَطَايَا مِنْ وَجْهِهِ وَفيِه وَخَيَاشِمِهِ، ثُمَّ إِذَا غَسِلُ وَجْهَهُ كَمَا أَمَرَهُ الله، إِلاَّ خَرَّتْ خَطَايَا وَجْهِهِ مِنْ أَطْرَافِ لْحِيَتِهِ مَعَ المَاءِ، ثُمَّ يَغْسِلُ يَدَيْهِ إِلَى المِرْفَقَيْنِ، إِلاَّ خَرَّتْ خَطَايَا يَدَيْهِ مِنْ أَنَامِلِهِ مَعَ المَاءِ، ثُمَّ يَمْسَحُ رَأْسِهِ إِلاَّ خَرَّت خَطَايَا رَأْسِهِ مِنْ أَطْرَافِ شَعْرِهِ مَعَ المَاءِ، ثُمَّ يَغْسِلُ رِجْلَيهْ إِلَى الكَعْبَيْنِ، إِلاَّ خَرَّتْ خَطَايَا رِجْلَيْهِ مِنْ أَنَامِلِهِ مَعَ المَاءِ، ¬

_ (¬1) في "فتح الباري" (1/ 260). (¬2) في "صحيحه" رقم (6433). (¬3) ثم قال الحافظ في "الفتح" (11/ 251): هو أن المكفر بالصلاة هي الصغائر فلا تغتروا فتعملوا الكبيرة بناء على تكفير الذنوب بالصلاة، فإنه خاص بالصغائر، أو لا تستكثروا من الصغائر فإنَّها بالإصرار تعطى حكم الكبيرة فلا يكفرها ما يكفر الصغيرة, أو أن ذلك خاص بأهل الطاعة فلا يناله من هو مرتبك في المعصية, والله أعلم.

فَإِنْ هُوَ قَامَ فَصَلَّى فَحَمِدَ الله وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَمَجَّدَهُ بِالَّذِي هُوَ لَهُ أَهْلٌ، وَفَرَّغَ قَلْبَهُ لله إِلاَّ انْصَرَفَ مِنْ خَطِيئَتِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ". أخرجه مسلم (¬1). [صحيح] حديث: "عمرو بن عبسة (¬2) - رضي الله عنه -" بفتح العين المهملة، وفتح الموحدة, فسين مهملة. "قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما منكم من رجل يقرب وضوءه"، بفتح الواو. "فيتمضمض ويستنشق فينثر" هو إخراج الماء (¬3) بعد الاستنشاق مع ما في الأنف من مخاط ونحوه. "إلا خرجت خطاياه من وجهه، وفيه وخياشيمه" وهي الأنف، وخطيئتها استنشاق ما يحرم استنشاقه. "ثم إذا غسل وجهه خرجت خطاياه من وجهه من أطراف لحيته مع الماء" أي: مع خروجه من يديه. "ثم إذا غسل يديه مع المرفقين، خرجت خطايا يديه من أنامله مع الماء، ثم إذا مسح رأسه خرجت خطايا رأسه من أطراف شعره" وخطايا الرأس هي أن تعرض به عن الخير، وأن تأخذ شعره للمشائخ كما تفعله الصوفية، ودهنه وتسريحه لغير ما يشرعان له، بل للتزين للأجانب ونحوه. "ثم إذا غسل رجليه مع الكعبين، خرجت خطايا رجليه من أنامله مع الماء"، هذا أعمّ من حديث أبي هريرة، وفيه تفصيلُ ما أجمَلَهُ حديث عثمان، من قوله: "من جسده" وخروج الخطايا ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (294/ 832)، وهو حديث صحيح. وأخرجه النسائي (1/ 91، 92). (¬2) انظر: "التقريب" (2/ 74 رقم 729). (¬3) وهو قول جمهور أهل اللغة والفقهاء والمحدثون. وانظر: "القاموس المحيط" (ص 616) تهذيب اللغة (15/ 73 - 75).

تكون مع الغسلة الأولى الواجبة، فإذا أثنى أو ثلث غسل أعضاءه كان زيادة في ثوابه, ولم يكن لإخراج شيء من الخطايا (¬1). وقد استدل بالحديث من قال: بنجاسة الماء (¬2) المستعمل بأنه قد صار غسالة الخطايا، فهو نجس؛ لأن الخطايا نجسة, وأجيب عليه أن نجاسة الخطايا ليست هي النجاسة الشرعية التي لها الأحكام المعروفة. "فإن هو قام يصلي فحمد الله، وأثنى عليه, ومجّده بالذي هو أهله وفرّغ قلبه لله، إلاّ انصرف من خطيئته كيوم ولدته أمه" لا ذنب عليه كبير ولا صغير، إلاّ حقوق العباد، لأدلّةٍ خصّتها، وفيه دليل أنّ الوضوء يكفر الذنوب وإن لم يصل به المتوضيء. قوله: "أخرجه مسلم". السادس: 6 - وعن عبد الله الصُّنابحي - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِذَا تَوَضَّأَ العَبْدُ المُؤْمِنُ، فَتَمَضْمَضَ، خَرَجَتْ الخَطَايَا مِنْ فِيهِ, فَإِذَا اسْتَنْثَرَ، خَرَجَتْ الخَطَايَا مِنْ أَنْفِهِ, فَإِذَا غَسَلَ وَجْهَهُ, خَرَجْتِ الخَطَايَا مِنْ وَجْهِهِ, حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَشْفَارِ عَيْنَيْهِ, فَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ, خَرَجَتْ الخَطَايَا مِنْ يَدَيْهِ، حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَظْفَارِ يَدَيْهِ، فَإِذَا مَسَحَ بِرَأسِهِ، خَرَجَتْ الخَطَايَا مِنْ رَأْسِهِ, حَتَّى ¬

_ (¬1) انظر: الإنصاف (1/ 152 - 153)، "المجموع شرح المهذب" (1/ 393). (¬2) بعض الحنفية وأبو العباس. "شرح فتح القدير" (1/ 92 - 93). وقال ابن رشد في "بداية المجتهد ونهاية المقتصد" (1/ 79) بتحقيقي: "وأما من زعم أنّه - أي الماء المستعمل - نجس فلا دليل معه".

تَخْرُجَ مِنْ أُذُنَيْهِ، فَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ, خَرَجَتْ الخَطَايَا مِنْ رِجْلَيْهِ, حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَظْفَارِ رِجْلَيْهِ، ثُمَّ كَانَ مَشْيُهُ إِلَى المَسْجِدِ وَصَلَاتُهُ نَافِلَةً لَهُ". أخرجه مالك (¬1)، والنسائي (¬2). [صحيح] حديث: "عبد الله الصُّنابحيِّ" تقدم ضبطه. "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: إذا توضأ العبد المؤمن، فتمضمض خرجت الخطايا من فيه [265 ب]، فإذا استنثر خرجت الخطايا من أنفه, فإذا غسل وجهه, خرجت الخطايا من وجهه, حتى تخرج من تحت أشفار عينيه". الأشفار (¬3): حروف الأجفان التي ينبت عليها الشعر، الواحد شفر بالضم والشعر النابت عليها هو الهدب. "فإذا غسل يديه, خرجت الخطايا من يديه, حتى تخرج من تحت أظفار يديه, فإذا مسح رأسه, خرجت الخطايا من رأسه, حتى تخرج من أذنيه" فيه دليل على أنّ الأذنين (¬4) من الرأس. "فإذا غسل رجليه, خرجت الخطايا من رجليه, حتى تخرج من تحت أظفار رجليه", في هذه الأحاديث كلها دلالة على أن الخطايا أي ذنوبها تحل بكل عضو لابسها وكأن التصرف له في حصولها، وأن لكل عضو عقوبة, وإن كان البدن كله يعاقب، وقد جعل الله هذا في الأحكام الشرعية والقدرية، فجعل عقوبة السارق (¬5) قطع يده التي باشر بها السرقة، وجعل عقوبة المتطلع ¬

_ (¬1) في "الموطأ" (1/ 31 رقم 30). (¬2) في "السنن" رقم (103). وأخرجه ابن ماجه رقم (282)، وهو حديث صحيح، والله أعلم. (¬3) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (1/ 877). (¬4) سيأتي توضيحه. (¬5) تقدم ذكره.

إلى رؤية ما يحرم عليه من نظره (¬1) إلى بيت غيره فقؤ عينه، وجعل تقليب الأفئدة والأبصار عن إدراك الحق والقبول له أول مرة، كما نص عليه: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ} (¬2) الآية، وجعل جلد (¬3) البدن كله عقوبة الزنا؛ لأنه يباشر اللذة البدن كله، ومن تتبع هذا وجد كثيراً طيباً. "ثم كان مشيه وصلاته نافلة له" لا يكفر ذنباً بل يكون أجرها موفوراً له زيادة في أجره. قوله: "أخرجه مالك والنسائي" زاد المنذري (¬4): وأخرجه ابن ماجه (¬5) والحاكم (¬6)، وقال: صحيح على شرطهما ولا علة فيه، والصُّنابحيِّ صحابي مشهور. السابع: حديث (أبي أمامة الباهلي). 7 - وعن أبي أمامة الباهلي - رضي الله عنه - قال: سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ عَبَسَةَ - رضي الله عنه - يَقُولُ: قُلْتُ لِرَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كَيْفَ الوُضُوءُ؟ قَالَ: "أَمَّا الوُضُوءُ فَإِنَّكَ إِذَا تَوَضَّأْتَ فَغَسَلْتَ كَفَّيْكَ فَأَنْقَيْتَهُمَا، وَغَسَلْتَ وَجْهَكَ وَيَدَيْكَ إِلَى المِرْفَقيْنِ، وَمَسَحْتَ رَأْسَكَ، وَغَسَلْتَ رِجْلَيْكَ إِلَى الكَعْبَيْنِ، اغْتَسَلْتَ مِنْ عَامَّةِ خَطَايَاكَ فَإِنْ أَنْتَ وَضَعْتَ وَجْهَكَ لله - عز وجل -، خَرَجْتَ مِنْ خَطَايَاكَ كَيَوْمَ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ"، قَالَ أَبُو أُمَامَةَ: فَقُلْتُ يَا عَمْرَو بْنَ عَبَسَةَ: انْظُرْ مَا تَقُولُ: أَكُلُّ هَذَا يُعْطَى فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ؟ فَقَالَ: أَمَا وَالله ¬

_ (¬1) تقدم نص الحديث وتخريجه. (¬2) سورة الأنعام الآية (110). (¬3) تقدم مفصلاً. (¬4) في "الترغيب والترهيب" (1/ 213 رقم 297). (¬5) في "السنن" رقم (282). (¬6) في "المستدرك" (1/ 129).

لَقَدْ كَبِرَتْ سِنِّي، وَدَنَا أَجَلِي، وَمَا بِي مِنْ فَقْرٍ فَأَكْذِبَ عَلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - ولَقَدْ سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ وَوَعَاهُ قَلْبِي مِنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -. أخرجه مسلم (¬1)، والنسائي (¬2). [صحيح] وهذا لفظ النسائي، وهو طرف حديث طويل، يتضمن إسلام عمرو بن عبسة، وسيجيء إن شاء الله تعالى في "كتاب الفضائل" من حرف الفاء. "قال: سمعت عمرو بن عبسة يقول: قلت: لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - كيف الوضوء؟ " سؤال عن كيفية أجره، لا عن كيفية فعله، وفيه أيضاً بيان كيفية فعله، ويحتمل أنه سألة عنها وأنه زاد - صلى الله عليه وسلم - بيان أجره. "أما الوضوء: فإنك إذا غسلت كفيك فأنقيتهما"، هذا هو غسلهما (¬3) أول شيء عند إرادة الوضوء، وقد تكرر ذكر ذلك في صفة وضوء - صلى الله عليه وسلم -، وأنه يغسلهما ثلاثاً، ولا يبعد بوجوبه، والأكثر [266 ب] أنّه سنّه (¬4). "وغسلت وجهك، لم يذكر المضمضة (¬5) والاستنشاق هنا، وقد ذكرا في غيره من الأحاديث الماضية. ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (294/ 832). (¬2) في "السنن" (1/ 91، 92)، في "الكبرى" (1/ 103 - 104 رقم 177/ 3). وهو حديث صحيح. (¬3) انظر: "روضة الطالبين" (1/ 58). "حلية العلماء" (1/ 136)، "الإنصاف" (1/ 130). (¬4) قاله النووي في شرحه لـ "صحيح مسلم" (3/ 105) ثم قال: وهو كذلك باتفاق العلماء. (¬5) المضمضة هي أن يجعل الماء في فيه ثم يديره ثم يمجُّهُ, قال النووي في شرحه لـ "صحيح مسلم" (3/ 105): وأقلُّها أن يجعل الماء في فيه, ولا يشترط إدارته على المشهور عند الجمهور، وعند جماعة من أصحاب الشافعي وغيرهم: أنّ الإدارة شرط، والمعوّل عليه في مثل هذا الرجوع إلى مفهوم المضمضة لغةً، وعلى ذلك تنبني معرفة الحقُ، والذي في "القاموس" (ص 844) وغيره أن المضمضة: تحريك الماء في الفمِّ.

"ويديك إلى المرفقين" كما في الآية. "ومسحت رأسك وغسلت رجليك، اغتسلت من عامة خطاياك" من كلّها، أي: خرجت منها عبّر عنه بالغسل، مشاكلةً فيكون من الخلوص منها. "كيوم ولدتك أمك" لا خطيئة عليك صغيرة ولا كبيرة. "قال أبو أمامة" استعظاماً لهذا الأجر. "قلت: يا عمرو بن عبسة انظر ما تقول: أكُلُّ هذا يعطى في مجلس واحد؟ فقال عمرو" جواباً على أبي أمامة. "أما" بالتخفيف حرف تنبيه. "والله لقد كبرت سني، ودنا أجلي، وما بي فقر أن أكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولقد سمعته أذناي، ووعاه قلبي من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -". قوله: "أخرجه مسلم، والنسائي وهذا لفظ النسائي (¬1)، وهو من حديث طويل يتضمن إسلام عمرو بن عبسة, وسيجيء في "كتاب الفضائل" من حرف الفاء". الثامن: حديث (ابن عمر - رضي الله عنه -). 8 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما -: أنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ تَوَضَّأَ عَلَى طُهْرٍ كتَبَ الله لَهُ بِهِ عَشْرَ حَسَنَاتٍ". أخرجه الترمذي (¬2). [ضعيف] "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: من توضأ على طهر كتب الله له به عشر حسنات" وأما إذا كان الوضوء على غير طهر، فتقدمت فضائله وهذا مقيد لتلك الفضائل، وأنها تختص الوضوء على غير طهر. ¬

_ (¬1) في "السنن" (1/ 91، 92)، وفي "الكبرى" (1/ 103 - 104 رقم 177/ 3). (¬2) في "السنن" رقم (59). وأخرجه أبو داود في "السنن" رقم (62). وهو حديث ضعيف، والله أعلم.

قوله: "أخرجه الترمذي". قلت: وقال (¬1): روى هذا الحديث الإفريقي، عن أبي غطيف، عن ابن عمر، عن النَّبي - صلى الله عليه وسلم -. انتهى. قلت: في "تقريب التهذيب" (¬2) في الغين المعجمة: أبو غطيف بالتصغير، الهذلي مجهول من الثالثة، وفيه (¬3) الإفريقي هو عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، بفتح الهمزة وسكون النون، وضم العين المهملة الإفريقي، قاضيها، ضعيف في حفظه. قال المنذري (¬4): وأما الحديث الذي يُروى عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "الوُضوءُ على الوضوءِ نورٌ على نور" فلا يحضرني له أصل من كلام النَّبي - صلى الله عليه وسلم -، ولعله من كلام بعض السلف. انتهى. التاسع: حديث (أبي سعيد - رضي الله عنه -): 9 - وعن أبي سعيد - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ تَوَضَّأ فَقَالَ: سُبْحَانَكَ اللهمَّ وَبِحَمْدِكَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ، كُتِبَ في رَقًّ، ثُمّ طُبعَ بِطَابعٍ، ثمَّ رُفِعَ تَحْتَ العَرْشِ، فَلَمْ يُكْسِرْ إِلىَ يَوْمِ القِيَامَةِ" (¬5). [صحيح] أخرجه رزين. ¬

_ (¬1) في "السنن" (1/ 87). (¬2) (2/ 46 رقم 19). (¬3) في "التقريب" (2/ 480 رقم 938). (¬4) في "الترغيب والترهيب" (1/ 223). (¬5) أخرجه الطبراني في "الأوسط" كما في "مجمع الزوائد" (1/ 244). وأخرجه النسائي في "عمل اليوم والليلة" رقم (81)، ثم قال: هذا خطأ، والصواب موقوف، خالفه محمد بن جعفر فوقفه. وأخرجه النسائي في "عمل اليوم والليلة" رقم (82) موقوفاً. وأخرجه ابن السني في "عمل اليوم والليلة" رقم (30) مرفوعاً. والطبراني في "الأوسط" كما في "مجمع الزوائد" (1/ 244)، وقال الهيثمي: رواه الطبراني في "الأوسط"، ورجاله رجال الصحيح. =

الفصل الثاني: في صفة الوضوء

"أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: من توضأ فقال" بعد [267 ب] فراغه من الوضوء. "سبحانك اللهم وبحمدك، استغفرك وأتوب إليك كتب في رق" أي: ورقة. "ثم طبع بطابع" أي: ختم عليه. "ثم رفع تحت العرش، فلم يكسر إلى يوم القيامة". قوله: "أخرجه رزين" على قاعدة المصنف، وبيض له ابن الأثير (¬1). قلت: وذكره المنذري في "الترغيب والترهيب" (¬2) من حديث أبي أمامة، إلا أنه حديث طويل وفي آخره هذه الألفاظ التي ذكرها المصنف هنا بلفظها. وقال: رواه الطبراني في "الأوسط" (¬3) ورواته (¬4) رواة الصحيح، واللفظ له، ورواه النسائي، وقال في آخره (¬5): "ختم عليها بخاتم، فوضعت تحت العرش، فلم تكسر إلى يوم القيامة" وصّوب (¬6) وقفه على أبي سعيد. انتهى. الفصل الثاني: في صفة الوضوء (الفَصلُ الثَّانِيْ) من الثلاثة: في صفة الوضوء (في صفة الوضوء) أي: كيفيته في الأعضاء ¬

_ = وهو حديث صحيح مرفوعاً، وموقوفاً. (¬1) والذي في "الجامع" (9/ 377 رقم 7023)، أخرجه الترمذي. (¬2) (1/ 37 رقم 349)، وهو من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -، وليس كما قال الشارح. (¬3) كما في "مجمع الزوائد" (1/ 244). (¬4) قاله الهيثمي في "مجمع الزوائد" (1/ 244). (¬5) أي: النسائي في "عمل اليوم والليلة" رقم (81). (¬6) أي: النسائي في "عمل اليوم والليلة" (ص 173) بإثر الحديث رقم (81).

الأول: 1 - عن حمران مولى عثمان: أَنَّ عُثْمَانَ - رضي الله عنه -، دَعَا بِمَاءٍ فَأَفْرَغَ عَلَى كَفَّيْهِ ثَلَاثَ مَرّاتٍ فَغَسَلَهُمَا، ثُمَّ أَدْخَلَ يَمِينَهُ فِي الإِنَاءِ، فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، وَيَدَيْهِ إِلَى المِرْفَقيْنِ ثَلَاثَ مَرَاتْ، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ, ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ ثَلَاثَ مَرّات إِلَى الكَعْبَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: رَأيْتُ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا، ثُمَّ قَالَ "مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئيِ هذَا، ثمَّ صَلَّى رَكعَتيْنِ لَا يُحَدِّثُ فِيهَمَا نَفْسَهُ, غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ". أخرجه الخمسة (¬1)، إلا الترمذي، وهذا لفظ الشيخين. [صحيح] حديث "حمران" هو بضم الحاء المهملة، هو ابن أبان, مولى لعثمان. "أن عثمان - رضي الله عنه - دعا بماء فأفرغ" صبّ "على كفَّيه ثلاث مرات"، هذا ليس من واجبات الوضوء عند الأكثر، وقد قدمنا أن استمراره - صلى الله عليه وسلم - على فعله فيما يقوي القول بوجوبه (¬2). "فغسلهما" أي: كل مرة غسلة، وهذا قبل إدخاله يده الإناء، فلذا قال: "أفرغ" ثم قال: "ثم أدخل يمينه في الإناء فمضمض واستنثر" بعد استنشاقه، إذ الاستنثار فرعه. "ثم غسل وجهه ثلاثاً، ويديه إلى المرفقين ثلاث مرات, ثم مسح برأسه, ثم غسل رجليه ثلاث مرات إلى الكعبين"، فيه ترتيب (¬3) الوضوء على سياق الآية. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (1934)، ومسلم رقم (226)، وأبو داود رقم (106, 107, 108, 109, 110) , والنسائي في "السنن" رقم (84 , 85, 116)، وابن ماجه رقم (2085)، وأخرجه أحمد في "المسند" (1/ 59، 60). (¬2) انظر: "روضة الطالبين" (1/ 58)، "الإنصاف" (1/ 130)، "حلية العلماء" (1/ 136). (¬3) انظر: "المجموع شرح المهذب" (1/ 471). "المدونة" (1/ 15) "شرح فتح القدير" (1/ 35).

"ثم قال عثمان: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توضأ نحو وضوئي هذا"، قالوا: لم يقل مثل؛ لأن حقيقة مماثلة وضوءه - صلى الله عليه وسلم - لا يقدر عليها غيره، وتقدم الكلام على هذا. "ثم صلى ركعتين، لا يحدث فيهما نفسه" المراد (¬1): لا يحدثها بشيء من أمور الدنيا، وما لا يتعلق بالصلاة، ولو عرض له حديث، فأعرض عنه بمجرد عروضه [267 ب] عفي عن ذلك، وحصلت له هذه الفضيلة إن شاء الله؛ لأن هذا ليس من فعله، وقد عفي عن هذه الأمة العوارض التي لا تستقر، وفيه استحباب صلاة ركعتين فأكثر بعد كل وضوء، وهو سنة مؤكدة، قاله جماعة من الشافعية (¬2). فلو صلَّى به فريضة أو نافلة مقصودة, حصلت له هذه الفضيلة، وهي قوله: "غفر له ما تقدم من ذنبه" تقدم أنهم قيدوا ذلك بغفران الصغائر دون الكبائر، والله أعلم. قوله: "أخرجه الخمسة, إلا الترمذي, وهذا لفظ الشيخين" قال ابن شهاب (¬3): وكان علماؤنا يقولون: هذا الوضوء أسبغ ما يتوضأ به أحد للصلاة. ذكره مسلم في "صحيحه". - ولمسلم (¬4) في أخرى عن ابن أبي مليكة قال: "سُئِل عُثْمَانَ - رضي الله عنه -، عَنْ الوُضُوءِ، فدَعَا بِمَاءٍ فَأُتِيَ بِمِيضَأَةٍ, فَأَصْغَى عَلَى يَدِهِ اليُمْنَى، ثُمَّ أَدْخَلَهَا فِي الإِنَاءِ فَتَمَضْمَضَ ثَلَاثًا، وَاسْتَنْثَرَ ثَلَاثًا، وَذَكَرُ ¬

_ (¬1) قاله النووي في شرحه لـ "صحيح مسلم" (1/ 235). وانظر: المعلم بفوائد مسلم (3/ 108). "إحكام الأحكام" (1/ 39 - 40). (¬2) انظر: "روضة الطالبين" (1/ 60 - 62). "المجموع شرح المهذب" (1/ 479 - 481). (¬3) أخرجه مسلم في "صحيحه" رقم (3/ 226). وذكره الحافظ في "الفتح" (1/ 267). (¬4) بل لأبي داود في "السنن" رقم (108)، وهو حديث صحيح.

نَحْو مَاَ تَقَدَّمَ، وَفِيهِ: ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فَأَخَذَ مَاءً فَمَسَحَ بِرَأْسِهِ وَأُذُنَيْهِ فَغَسَلَ بُطُونَهُمَا وَظُهُورَهُمَا مَرَّةً وَاحِدَةً". [صحيح] "ولمسلم (¬1) في" رواية. "في أُخرى عن أبي مليكة" بالتصغير، واسمه عبد الله بن عبيد الله. "سئل عثمان - رضي الله عنه - عن الوضوء, فدعا بماء فأتي بميضأة (¬2) " بكسر الميم، إناء يوضع فيه الماء للوضوء. "فأصغى (¬3) على يده اليمنى" كما تقدم: أي: أمال الإناء عليها، وهو يدل أنه لم يكن عندهم وعاء يغترفون به، وتقدم أنه: "أفرغ على كفيه ثلاث مرات" فهنا كذلك إنما اختصره الراوي. "ثم أدخلها" أي: اليمنى. "فمضمض ثلاثاً واستنثر" بعد الاستنشاق. "ثلاثاً وذكر نحو ما تقدم وفيه: ثم أدخل يده فمسح رأسه وأذنيه"؛ لأنهما من الرأس. "فغسل بطونهما وظهورهما مرة واحدة" هذا خالف غيره من أحاديث عثمان، فإن الذي فيها أنه مسح أذنيه لا غسلهما، ثم ذكر غسل باطنهما، ولم يأت في غيره. ورواية الخمسة مطلقة غير مقيدة بمرة واحدة، وقد عارضتها الرواية الأخرى، حيث قال: - وله في أخرى (¬4): "فَأَفْرَغَ بِيَدِهِ اليُمْنَى عَلَى اليُسْرَى، ثُمَّ غَسَلَهُما إِلَى الكُوعَيْنِ". ¬

_ (¬1) بل لأبي داود وليست لمسلم. (¬2) هي بالقصر وكسر الميم وقد تمدُّ: مطهرةٌ كبيرة يُتوضأ منها، وزنها مِفعلة ومفعالة، والميم زائدة. "النهاية في غريب الحديث" (2/ 695). (¬3) "غريب الحديث" للخطابي (2/ 89). "النهاية في غريب الحديث" (2/ 34). (¬4) أي: لأبي داود في "السنن" رقم (112).

وله في أخرى (¬1): "وَمَسَحَ رَأْسَهُ ثَلاَثاً". "وله" (¬2) أي: مسلم من حديث عثمان. "في أخرى: فأفرغ بيده اليمنى على اليسرى، ثم غسلهما إلى الكوعين"، الكوع: رأس اليد مما يلي الإبهام، والكرسوع رأسها من ما يلي الخنصر، كما في "النهاية" (¬3). "وله" أي: مسلم "في" رواية "أخرى" عن عثمان. "ومسح رأسه ثلاثاً" هكذا في "الجامع" (¬4) [269 ب] لابن الأثير، وبحثت مسلماً، فلم أجد في رواية عثمان "ثلاثاً" في مسح الرأس، ثم راجعت "تلخيص الحبير" (¬5)، فإذا فيه ثم ذكر أنه روى البزار (¬6) عن خارجة بن زيد، عن أبيه: "أن عثمان توضأ ثلاثاً ثلاثاً"، وإسناده (¬7) حسن وهو عند مسلم (¬8) والبيهقي (¬9) من وجه آخر، هكذا من دون التعرض للمسح، وقد قال أبو داود (¬10): أحاديث عثمان الصحاح كلها تدل على مسح الرأس أنه مرة، فإنهم ذكروا الوضوء ثلاثاً، وقالوا فيها: "ومسح برأسه" ولم يذكروا عدداً كما ذكروا في غيره. ¬

_ (¬1) لأبي داود في "السنن" رقم (110). (¬2) بل لأبي داود. (¬3) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 569). (¬4) (7/ 156)، وفيه: وله في أخرى: أي: لأبي داود. (¬5) (1/ 146). (¬6) في "مسنده" (2/ 7 رقم 343). (¬7) قاله الحافظ في "التلخيص" (1/ 146). (¬8) في "صحيحه" رقم (230). (¬9) في "السنن الكبرى" (1/ 78). (¬10) في "السنن" (1/ 80).

وقال البيهقي (¬1): روي من أوجه غريبة عن عثمان، وفيها مسح الرأس ثلاثاً، إلاّ أنها مع خلاف الحفاظ الثقات ليست بحجة عند أهل المعرفة, وإن كان بعض أصحابنا يحتج بها. ومال ابن الجوزي في "كشف المشكل" (¬2) إلى تصحيح التكرير، وقد ورد تكرير المسح في حديث علي - عليه السلام - من طرق وساقها. قلت: واخترناه في "منحة الغفار" (¬3) حاشية ضوء النهار، وبينا وجه ذلك. قال الحافظ ابن حجر (¬4): وقد رواه - أي: تكرير مسح الرأس - ابن أبي شيبة (¬5) عن سعيد ابن جبير، وعطاء، وزاذان وميسرة، وأورده المصنف من طريق أبي العلاء، عن قتادة، عن أنس. انتهى. الثاني: 2 - وعن عبد خير قال: أَتَانَا عَلِيٌّ - رضي الله عنه -، وَقَدْ صَلَّى فَدَعَا بِطَهُورٍ، فَقُلْنَا: مَا يَصْنَعُ بِالطَّهُورِ، وَقَدْ صَلَّى؟ مَا يُرِيدُ إِلاَّ لِيُعَلِّمَنَا، فَأُتِىَ بِإِنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ وَطَسْتٍ، فَأَفْرَغَ مِنَ الإِنَاءِ عَلَى يَمِينِهِ، فَغَسَلَ يَدَيْهِ ثَلاَثًا، ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ ثَلاَثًا، فَمَضْمَضَ وَنَثَرَ مِنَ الكَفِّ الَّذِي يَأْخُذُ فِيهِ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاَثًا، وَغَسَلَ يَدَهُ اليُمْنَى ثَلاَثًا، وَغَسَلَ يَدَهُ الشِّمَالَ ثَلاَثًا، ثُمَّ جَعَلَ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ، فَمَسَحَ بِرَأْسِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً, ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَهُ اليُمْنَى ثَلاَثًا، وَرِجْلَهُ اليُسرَى ثَلاَثًا، ثُمَّ قَالَ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَعْلَمَ ¬

_ (¬1) في "السنن الكبرى" (1/ 78). (¬2) (1/ 160). (¬3) (1/ 620 - 625 - مع الضوء) بتحقيقي. (¬4) في "التلخيص" (1/ 147). (¬5) في "مصنفه" (1/ 16).

وُضُوءَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَهُوَ هَذَا. أخرجه أصحاب السنن (¬1)، واللفظ لأبي داود والنسائي. [صحيح] حديث: "وعن عبد خير" (¬2) بالخاء المعجمة, فمثناة تحتية, فراء مهملة, وبإضافة عبد إليه، هو ابن يزيد الهمداني، أبو عمارة الكوفي مخضرم، ثقة لم تصح له صحبة. "قال: أتانا علي - رضي الله عنه -، وقد صلَّى، فدعا بطهور فقلنا: وما يصنع بالطهور وقد صلَّى" بيّن في رواية (¬3) أخرى الصَّلاة فقال: "صلَّى علي الغداة بالرحبة" والرحبة هي رحبة مسجد الكوفة. انتهى. "ما يريد إلاّ ليعلَّمنا فأتي" في الرواية (¬4) الأخرى "أتاه غلام". "بإناء فيه ماء وطست" بفتح الطاء وكسرها. "فأفرغ من الإناء على يمينه" ثم ساق الحديث كحديث عثمان ثم قال: "فمسح برأسه مرة" ثم قال: "من سَّره أن يعلم وضوء [270 ب] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهو هذا"، فذكر علي - عليه السلام - أنه إنما أراد أن يعلمهم وضوء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قوله: "أخرجه أصحاب السنن واللفظ" الذي ساقه المصنف" لأبي داود والنسائي". - وفي أخرى للنسائي (¬5): "فَمَسَحَ بِرَأْسِهِ وَأَشَارَ شُعْبَةُ مَرَّةً مِنْ نَاصِيَتِهِ إِلَى مُؤَخَّرِ رَأْسِهِ ثُمَّ قَالَ لَا أَدْرِي أَرَدَّهُمَا أَمْ لَا". [صحيح] ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود رقم (111)، وابن ماجه رقم (404)، والنسائي رقم (92 - 94)، والترمذي رقم (48 , 49) وهو حديث صحيح. (¬2) "التقريب" (1/ 470 رقم 841). (¬3) أخرجها أبو داود في "السنن" رقم (112). (¬4) أخرجها أبو داود في "السنن" رقم (112). (¬5) في "السنن" رقم (93)، وهو حديث صحيح.

قوله: "وفي أخرى للنسائي: فمسح برأسه، وأشار شعبة مرة من ناصيته إلى مؤخر رأسه, ثم قال: لا أدري أردّهما" أي: اليدين على ناصيته من مؤخر رأسه, هذا شك من شعبة في تكرير مسح الرأس. - ولأبي داود (¬1) في أخرى عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: دَخَلَ عَلَىَّ عَلِيٌّ - رضي الله عنه -، وَقَدْ أَهْرَاقَ المَاءَ فَدَعَا بِوَضُوءٍ، فَأَتَيْنَاهُ بِتَوْرٍ فِيهِ مَاءٌ, فَقَالَ: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ! أَلاَ أُرِيكَ كَيْفَ كَانَ يَتَوَضَّأُ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قَلْتُ: بَلَى. قَالَ: فَأَصْغَى الإِنَاءَ عَلَى يَدَيْهِ فَغَسَلَهُمَا، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ اليُمْنَى فَأَفْرَغَ بِهَا عَلَى الأُخْرَى، ثُمَّ غَسَلَ كَفَّيْهِ ثُمَّ تَمضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَيْهِ فِي الإِنَاءِ جَمِيعًا، فَأَخَذَ بِهِما حَفْنَةً مِنْ مَاءٍ فَضَرَبَ بِهَا عَلَى وَجْهِهِ, ثُمَّ القَمَ إِبْهَامَيْهِ مَا أَقْبَلَ مِنْ أُذُنَيْهِ، ثُمَّ الثَّانِيَةَ, ثُمَّ الثَّالِثَةَ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدهِ اليُمْنَى قَبْضَةً مِنْ مَاءٍ فَصَبَّهَا عَلَى نَاصِيَتِهِ، فَتَرَكَهَا تَسِيْلُ عَلَى وَجْهِهِ, ثُمَّ غَسَلَ ذِرَاعَيْهِ إِلَى المِرْفَقَيْنِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ وَظُهُورَ أُذُنَيْهِ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَيْهِ جَمِيعًا في الإِنَاءَ، فَأَخَذَ حَفْنَةً مِنْ مَاءٍ فَضَرَبَ بِهَا عَلَى رِجْلِهِ, وَفِيهَا النَّعْلُ فَغَسَلَهَا بِهَا، ثُمَّ الأُخْرَى مِثْلَ ذَلِكَ. قَالَ: قُلْتُ: وَفي النَّعْلَيْنِ؟ قَالَ: وَفي النَّعْلَيْنِ. [إسناده حسن] وللنسائي (¬2) في أخرى: "ثُمَّ تمضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ بِكَفٍّ وَاحِدٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ". [إسناده صحيح] قوله: "وفي أخرى عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: دخل عليَّ" بتشديد المثناة التحتية بياء المتكلم. "عليٌّ - رضي الله عنه - وقد إهراق الماء فدعا بوضوء فأتيناه بتور" بموحدة مكسورة فمثناة فوقية ساكنة فواو فراء، إناء من حجارة أو نحوها. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (117) بإسناد حسن. (¬2) في "السنن" رقم (94) بإسناد صحيح.

"فيه ماء فقال: يا ابن عباس! ألا أريك كيف كان يتوضأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قلت: بلى" أي: أرني. "قال" ابن عباس. "فأصغى" أي: علي - عليه السلام -. "الإناء" أماله "على يديه" ليسكب منه الماء. "فغسلهما" هذا هو الذي قدمنا أنهم يجعلونه سنة، وبقية الحديث كما مضى إلا أنه يزاد هنا قوله: "ثم أخذ بيده اليمنى قبضة من ماء، فصبها على ناصيته, فتركها تسيل على وجهه" فهذا لم يرد إلاّ في هذه الرواية. قوله: "فغسلها بها" أي: غسل رجله في نعله، وليس المراد أنه مسح على نعليه. واعلم أن هذه الرواية قال الحافظ المنذري (¬1): فيها مقال، قال الترمذي: سألت محمد بن إسماعيل عنه، فضعفه وقال: ما أدري ما هذا. انتهى. وقال الخطابي في "المعالم" (¬2): قد روي في غير هذه الرواية: "أنه توضأ ومسح على نعليه وقال: هذا وضوء من لم يحدث" وإذا احتمل الحديث وجهاً من التأويل، يوافق قول الأئمة، فهو أولى من قولٍ يكون فيه مفارقتهم والخروج عن مذهبهم. انتهى. [271 ب] قلت: وفي "مرقاة الصعود" أن المراد من هذا هو ما يسن فعله بعد غسل الوجه، من أخذ كف من ماء وإسالته على الجبهة. قال: وفي المعجم الطبراني الكبير (¬3) بسند حسن، عن الحسن بن عليّ - عليه السلام -: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا توضأ يأخذ ماء حتى يسيل على موضع سجوده". ¬

_ (¬1) في "مختصر السنن" (1/ 95). (¬2) في "معالم السنن" (1/ 86 - مع السنن). (¬3) في "المعجم الكبير" (ج 3 رقم 2739، 3176)

قوله: "وللنسائي في أخرى: ثم تمضمض واستنشق بكف واحد ثلاث مرات"، يحتمل بثلاث غرفات، وهو الظاهر إذ لا تتسع الغرفة بكف واحد لثلاث مرات. الثالث: 3 - وعن عبد الله بن زيد بن عاصم الأنصاري - رضي الله عنه -: وَقِيلَ لَهُ تَوَضَّأَ لَنَا وُضُوءَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَدَعَا بِإِناَءِ فَفَعَلَ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ، وَفِيهِ: فَمَسَحَ بِرَأْسِهِ، فَأَقْبَلَ بِيَدَيْهِ وَأَدْبَرَ، بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسَهُ، ثُمَّ ذَهَبَ بِهِمَا إِلَى قَفَاهُ, ثُمَّ رَدَّهُمَا حَتَّى رَجَعَ إِلَى المَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ, ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ. أخرجه الستة (¬1). [صحيح] وفي رواية لمسلم (¬2): "وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ ثَلاَثاً". [صحيح] - وللبخاري (¬3) - رحمه الله -: "أنَّ النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - توَضَّأ مَرَّتَيْنِ مَرَّتيْنِ". [صحيح] حديث: "عبد الله بن زيد بن عاصم" هو غير عبد الله بن زيد بن عبد ربه صاحب رواية الأذان، كذا قاله الحُفاظ من المتقدمين والمتأخرين، وغلّطوا سفيان بن عيينه في قوله هُوَ هُوَ. وقد قيل: إن صاحب الأذان لا يعرف له غير حديث الأذان. قوله: "فمسح رأسه" ثم بيَّن كيفية مسحه بقوله: "أقبل بيديه وأدبر" ثم بيّن أيضاً ذلك فقال: بدأ بمقدم رأسه" أي: بمسحه وهو من الناصية. "ثم ذهب بهما" أي: اليدين، أو ذهب ماسحاً بهما. "إلى قفاه" أي: مؤخر رأسه من حيث القدال. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (185)، وأطرافه رقم (186) و (191) و (192) و (197) و (199)، ومسلم رقم (18/ 235)، وأبو داود رقم (100، 118، 119)، والترمذي رقم (28، 32، 47)، والنسائي (1/ 71 - 72)، وابن ماجه رقم (409، 434، 471)، وأخرجه أحمد (4/ 38)، وهو حديث صحيح. (¬2) لم أجده في "صحيح مسلم". (¬3) في "صحيحه" رقم (158).

"ثم ردّهما" هذا يذهب تشكك شعبة. "حتى رجع إلى المكان الذي بدأ منه" قد ذكر ابن دقيق العيد احتمالات في بيان هذه الكيفية، في شرحه "لعمدة الأحكام" (¬1) وأوضحنا ذلك في حاشيتنا عليه المسمّاة "بالعدة"، واكتفينا هنا بما ذكرنا. قوله: "أخرجه الستة". قوله: "وفي رواية لمسلم" أي: عن عبد الله بن زيد. "فمسح برأسه ثلاثاً". قلت: لم أجد في مسلم (¬2) في رواية عبد الله بن زيد لفظ: "مسح برأسه ثلاثاً" فلينظر وليس أيضاً في "الجامع" (¬3) لابن الأثير. قوله: "وللبخاري: توضأ مرتين مرتين" بّوب له البخاري (¬4): باب الوضوء مرتين مرتين، قال ابن حجر (¬5): أي: لكل عضو. ثم ذكر البخاري (¬6) حديث عبد الله [272 ب] بن زيد مختصراً. قال الحافظ ابن حجر (¬7): ليس فيه الغسل مرتين، إلا في اليدين إلى المرفقين. ¬

_ (¬1) (1/ 152 - 158). (¬2) لم أجده في "صحيح مسلم". (¬3) (7/ 156 - 158)، وهو كما قال الشارح. (¬4) في "صحيحه" (1/ 258 الباب رقم 22 و23 - مع الفتح). (¬5) في "الفتح" (1/ 259). (¬6) في "صحيحه" رقم (157، 158). (¬7) في "الفتح" (1/ 259).

نعم، وكلام ابن الأثير (¬1) مثل كلام المصنف عن البخاري، نعم في سنن أبي داود (¬2) من حديث أبي هريرة، رواية "أنه - صلى الله عليه وسلم - توضأ مرتين مرتين". وفي رواية لأبي داود (¬3) عن المقدام "ابن معدي كرب": "ثْمّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ وَأْذنَيْهِ ظاَهِرِهَماَ وَبَاطِنِهِماَ". وفي أخرى (¬4): "وَمَسَحَ بِأُذُنَيْهِ ظَاهِرِهِمَا وَبَاطِنِهَما، وَأَدْخَلَ أَصَابِعَهُ فِي صِمَاخَيْ أُذُنَيْهِ". "وَالِّصَماَخُ" (¬5): ثقب الأذن. قوله: "ولأبي داود عن المقدام". قلت: هو كما قال: إلا أن فيه: "غسل كفيه ثلاثاً، ووجهه ثلاثاً ثم تمضمض واستنشق"، فاستشكل تأخير المضمضة والاستنشاق، عن غسل الوجه، واليدين، واستدل به من لا يوجب الترتيب في الوضوء؛ لأنه عطف عليهما بـ (ثم). وقال النووي (¬6): إنَّهم تأولوا لفظة (ثم) على أنها ليست للترتيب بل لعطف جملة على جملة؛ لأن المراد ذكر الجملة لا صفة الترتيب، ولذا لم يذكر غسل الرجلين. انتهى. قلت: والَأولى أن يقال روايات الترتيب مقدمة لكثرتها. ¬

_ (¬1) في "الجامع" (7/ 257). (¬2) في "السنن" رقم (106)، وهو حديث صحيح. (¬3) في "السنن" رقم (121)، وهو حديث صحيح. (¬4) في "السنن" رقم (123)، وهو حديث صحيح. (¬5) الصّماخ: ثقبُ الأذن ويقال بالسين. "النهاية في غريب الحديث" (2/ 51). "الفائق للزمخشري" (2/ 100). (¬6) انظر: "المجموع شرح المهذب" (1/ 475 - 478).

وقوله: في روايته هنا: "ثم مسح رأسه وأذنيه باطنهما وظاهرهما" هي روايتان (¬1) في أبي داود من طريقين. وقوله: "وأدخل أصابعه" أي: بعضها وأظنها السَّبابة. "في صماخي أذنه" زادها هشام (¬2) بن خالد في إحدى الروايتين، ونبّه ابن الأثير (¬3) على ذلك فقال: وزاد هشام: "وأدخل أصابعه في صماخ أذنيه". انتهى. فبين أنها زيادة، وأفرد الصماخ وهو الذي رأيته في نسخ أبي داود (¬4) بالإفراد، والمصنف ثناه. الرابع: حديث (ابن عمرو (¬5) - رضي الله عنهما -). 4 - وعن ابن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى رَسُوْلَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَسْأَلُ عَنْ الوُضُوءِ, فَأَرَاهُ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: "هَكَذَا الوُضُوءُ, فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا فَقَدْ أَسَاءَ وَتَعَدَّى وَظَلَمَ". أخرجه أبو داود (¬6) والنسائي (¬7)، وهذا لفظه. [صحيح] ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (121 و123). (¬2) أخرجه أبو داود في "السنن" رقم (123)، وهو حديث صحيح. (¬3) في "الجامع" (7/ 160). (¬4) في "السنن" رقم (123)، وفيه: وأدخل أصابعه في صماخ أُذنيه. (¬5) في (ب) ابن عمر، وما أثبتناه من (أ) ومصادر الحديث. (¬6) في "السنن" رقم (135). (¬7) في "السنن" رقم (140). وأخرجه أحمد (2/ 180)، وابن ماجه رقم (422)، وابن خزيمة في "صحيحه" رقم (174). وهو حديث صحيح.

"جاء أعرابي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسأله عن الوضوء, فأراه ثلاثاً ثلاثاً" أي: غسل أعضاءه - صلى الله عليه وسلم - ثلاثاً كل عضو منها، وهو يعم مسح [الرأس] (¬1) فإنه داخل في مسمى الوضوء، وكأنه مسألة عن أكمل الوضوء، لا عن مجرد ما يجزئ. قوله: "فمن زاد" أي: على الثلاث. "فقد أساء وتعدّى وظلم" وقد أخرج ابن أبي شيبة (¬2)، عن ابن مسعود قال: "ليس بعد الثلاث شيء" وقال أحمد وإسحاق (¬3) وغيرهما: لا تجوز الزيادة على الثلاث. قلت: ودليلهما وصفه بالإساءة والتعدي والظلم. وقال الشافعي (¬4): لا أُحبّ أن يزيد المتوضيء على الثلاث, فإن زاد لم أكره, أي: لم أحرمه؛ لأن قوله: "لا أحب" يقتضي الكراهة، كذا قال ابن (¬5) [273 ب] حجر. وهذا الأصح عند الشافعية (¬6)، أنه مكروه كراهة تنزيه. قلت: والحديث ظاهر في تحريم الزيادة, وهل يبطل بها الوضوء، حكي الدارمي (¬7) عن قوم: أن الزيادة على الثلاث تحرم وتبطل الوضوء، كالزيادة في الصلاة. قال الحافظ (¬8): وهو قياس فاسد، ولم يبين وجه فساده. ¬

_ (¬1) في (ب) مكررة. (¬2) في "مصنفه" (1/ 9 - 10). (¬3) انظر: "المغني" لابن قدامة (1/ 192 - 194). (¬4) انظر: "المجموع شرح المهذب" (1/ 461). (¬5) في "فتح الباري" (1/ 233 - 234). (¬6) انظر: "المجموع شرح المهذب" (1/ 462)، "الأوسط" لابن المنذر (1/ 422). (¬7) قاله الحافظ في "فتح الباري" (1/ 234). (¬8) في "الفتح" (1/ 234).

قلت: بل النص قد دلَّ على التحريم، فإن الإساءة والتعدي والظلم، دليل التحريم، وإذا كان محرماً أبطل الوضوء؛ لأن الوضوء بالزيادة ليس هو الوضوء المأمور به شرعاً، بل منهي عنه، والنهي يقتضي الفساد. فمن قال بالتحريم والبطلان أسعد بالإتباع، ثم أورد إلزام للقائل بالتحريم والكراهة؛ بأنه لا يندب تجديد الوضوء على الإطلاق. وأقول: إن ثبت دليل التجديد، فإنه دال على أن التجديد ليس بزيادة, بل فعل مستقل ابتدأ به فاعله لدليله. وأما حديث (¬1): "الطهور على الطهور نور على نور" فإن صح فالمراد به الغسلتان بعد الأولى في التثليث؛ لأن الغسلة الأولى للأعضاء طهور شرعي تجزيء بالاتفاق، وزيادة الغسلة الثانية لها طهور أيضاً، والثالثة كذلك. قوله: "أخرجه أبو داود والنسائي". - وفي رواية أبي داود (¬2): "ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ، وَأَدْخَلَ إَصْبَعَيْهِ السَّبَّاحَتيْنِ فِي أُذُنَيْهِ، وَمَسَحَ بِإِبْهَامَيْهِ عَلَى ظَاهِرِ أُذُنَيْهِ, وَبِالسَّبَّاحَتَيْنِ بَاطِنَ أُذُنَيْهِ, وَفِيهاَ: هَكَذَا الوُضُوءُ، مَنْ زَادَ عَلَى هَذَا أَوْ نَقَصَ فَقَدْ أَسَاءَ وَظَلَمَ، أَوْ ظَلَمَ وَأَسَاءَ". [صحيح دون قوله: "أو نقص" فهو شاذ] قوله: "وفيها: من زاد على هذا أو نقص فقد أساء وظلم، أو ظلم وأساء" قال ابن المواق: إن لم يكن هذا اللفظ شكاً من الراوي، فهو من الأوهام البينة التي لا خفاء بها، إذ الوضوء مرتين ¬

_ (¬1) تقدم. قال الحافظ في "الفتح" (1/ 234)، وهو حديث ضعيف. (¬2) في "السنن" رقم (135)، وانظر ما تقدم.

مرتين (¬1)، ومرة مرة (¬2)، لا خلاف في إجزائه، والآثار بذلك صحيحة. وقال الشيخ ولي الدين: يحتمل أن يكون معناه نقص الأعضاء، فلم يغسلها بالكلية، أو زاد أعضاءً لم يشرع غسلها، وقوَّاه السيوطي. الخامس: حديث (ابن عباس - رضي الله عنه -): 5 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: تَوَضَّأ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - مَرّة مَرّةً. أخرجه البخاري (¬3)، وهذا لفظه، وأبو داود (¬4) والنسائي (¬5). [صحيح] "قال: توضأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرة مرة" أي: غسل كل عضو مرة مرة". قوله: "أخرجه البخاري". قلت: بوّب (¬6) له بقوله: باب الوضوء مرة مرة. ¬

_ (¬1) منها ما أخرجه أحمد (4/ 41)، والبخاري رقم (158) عن عبد الله بن زيد - رضي الله عنه -: "أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - توضأ مرتين مرتين". وهو حديث صحيح. (¬2) (منها) ما أخرجه البخاري رقم (140، 157)، وأبو داود رقم (138) , والترمذي رقم (42) وابن ماجه رقم (411) والنسائي (1/ 62 رقم 102)، وأحمد (2/ 38، 39) عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "توضّأ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - مرَّةً مرَّة"، وهو حديث صحيح. وفي الباب أحاديث عن عمر، وجابر، وبريدة, وأبي رافع، وابن الفاكه, وعبد الله بن عمر، وعكراش بن ذؤيب المرَّي. انظر تخريجها في "نيل الأوطار" (2/ 137 - 140) بتحقيقي. (¬3) في "صحيحه" رقم (140) , (157). (¬4) في "السنن" رقم (138). (¬5) في "السنن" (1/ 62)، وهو حديث صحيح وقد تقدم. (¬6) في "صحيحه" (1/ 258 الباب رقم 22).

- في رواية أبي داود (¬1) عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: أَتُحِبُّونَ أَنْ أُرِيَكُمْ كَيْفَ كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَتَوَضَّأُ، فَدَعَا بِإِنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ، فَاغْتَرَفَ غَرْفَةً بِيَدِهِ اليُمْنَى فَتَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ، ثُمَّ أَخَذَ أُخْرَى فَجَمَعَ بِهَا يَدَيْهِ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ, ثُمَّ أَخَذَ أُخْرَى فَغَسَلَ بِهَا يَدَهُ اليُمْنَى، ثُمَّ أَخَذَ أُخْرَى فَغَسَلَ بِهَا يَدَهُ اليُسْرَى، ثُمَّ قَبَضَ قَبْضَةً مِنْ المَاءِ، ثُمَّ نَفَضَ يَدَهُ، ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ وَأُذُنَيْهِ، ثُمَّ قَبَضَ قَبْضَةً أُخْرَى مِنْ المَاءِ، فَرَشَّ عَلَى رِجْلِهِ اليُمْنَى وَفِيهَا النَّعْلُ، ثُمَّ مَسَحَهَا بِيَدَيْهِ، يَدٍ فَوْقَ القَدَمِ، وَيَدٍ تَحتَ النَّعْلِ، ثُمَّ صَنَعَ بِاليُسْرَى مِثْلَ ذَلِكَ. [صحيح] قوله: "وفي رواية أبي داود عن ابن عباس" إلى آخره، هو كما سلف في عده، إلا قوله: "فرّش على رجله اليمنى وفيها النعل" [274 ب] ثم مسح بيديه يدٌ فوق القدمين، ويد تحت النعل، ثم صنع باليسرى مثل ذلك". قال الحافظ المنذري في "مختصر السنن" (¬2) ما لفظه: أنه أخرجه البخاري (¬3) مختصراً ومطولاً (¬4). قال: وفي لفظ البخاري (¬5): "ثم أخذ غرفة من ماء فرش على رجله اليمنى حتى غسلها، ثم أخذ غرفة أخرى، فغسل بها رجله, يعني اليسرى". ولفظ النسائي (¬6): "ثم غرف غرفة فغسل رجله اليمنى، ثم غرف غرفة فغسل رجله اليسرى". ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (137) صحيح دون ذكر (النَّعل). (¬2) (1/ 103). (¬3) في "صحيحه" رقم (157). (¬4) في "صحيحه" رقم (140). (¬5) في "صحيحه" رقم (140). (¬6) في "السنن" (1/ 62 رقم 102).

قال (¬1): وذلك يوضح ما أبهم في رواية أبي داود. قال: وترجم البخاري (¬2) والترمذي (¬3) والنسائي (¬4) على طرف من هذا الحديث الوضوء مرة مرة" إلى خلاف ما في هذه الترجمة (¬5)، انتهى. يريد خلاف ما ترجم أبو داود (¬6) لهذا الحديث، فإنه ذكره في باب: قوله: الوضوء مرتين مرتين. قلت: إلا أنه ذكر ما يوافق الترجمة، وهو حديث أبي هريرة (¬7): "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - توضأ مرتين مرتين". ثم ذكر حديث (¬8) ابن عباس بعده. - وفي أخرى لأبي داود (¬9)، والترمذي (¬10) عن الربيع بنت معوذ بن عفراء - رضي الله عنها - قالت: فَغَسَلَ كَفَّيْهِ ثَلَاثًا، وَوَضَّأَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، وَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ مَرَّةً، وَوَضَّأَ يَدَيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ مَرَّتَيْنِ بَدَأَ بِمُؤَخَّرِ رَأْسِهِ، ثُمَّ بِمُقَدَّمِهِ، وَبِأُذُنَيْهِ كِلْتَيْهِمَا، ظُهُورِهِمَا وَبُطُونِهِمَا، وَوَضَّأَ رِجْلَيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا. [حسن] ¬

_ (¬1) أي: المنذري في مختصر "السنن" (1/ 103). (¬2) في "صحيحه" (1/ 240 الباب رقم (7) باب: غسل الوجه باليدين من غرفةٍ واحدة الحديث رقم (140). وفي "صحيحه" (1/ 258) الباب (22) باب الوضوء مرةً مرةً الحديث رقم (157). (¬3) في "السنن" (1/ 60) الباب رقم (32) باب ما جاء في الوضوء مرةً مرةً. (¬4) في "السنن" (1/ 76 الباب رقم 85). (¬5) وتمام العبارة كما في "مختصر السنن": وكذلك فعل أبو داود في الباب الذي بعده. (¬6) في "السنن" (1/ 95 الباب رقم 53). (¬7) أخرجه أبو داود في "السنن" رقم (136). (¬8) أخرجه أبو داود في "السنن" رقم (137). (¬9) في "السنن" رقم (126). (¬10) في "السنن" رقم (33)، وقال: هذا حديث حسن، وهو كما قال.

- وفي أخرى (¬1): "فَمَسَحَ الرَّأْسَ كُلَّهُ، مِنْ قَرْنِ الشَّعْرِ كُلِّ نَاحِيَةٍ لِمُنْصَبِّ الشَّعْرِ، لَا يُحَرِّكُ الشَّعْرَ عَنْ هَيْئَتِهِ". [شاذ] - وفي أخرى (¬2): "فَمَسَحَ رَأْسَهُ وَمَسَحَ مَا أَقْبَلَ مِنْهُ وَمَا أَدْبَرَ وَصُدْغَيْهِ وَأُذُنَيْهِ مَرَّةً وَاحِدَةً". [حسن] وفي أخرى (¬3): "مَسَحَ بِرَأْسهِ مِنْ فَضْلِ مَاءٍ كَانَ فِي يَدِهِ". [ضعيف] قوله: "وفي رواية أخرى لأبي داود والترمذي، عن الرُبَيع بنت مُعّوذ" تقدم ضبطهما مراراً، ولا يخفى أن هذا الحديث آخر غير حديث ابن عباس، والقاعدة أن لا يقال: وفي أخرى، إلا إذا كانت الأولى والأخرى عن صحابي واحد، فكان الصواب أن يقول: وعن الربيع بنت معوذ كما صنع ابن الأثير في "الجامع" (¬4). قوله: "ومضمض واستنشق مرة" فيه مثل ما تقدم، عدم الترتيب (¬5) بين الوجه والمضمضة والاستنشاق، ولعله يقال هنا: ليس المراد بيان الترتيب، بل بيان عدد الغسلات. قوله: "ومسح برأسه مرتين" بينتها بقولها: "بدأ بمقدم رأسه ثم بمؤخره" جعلت ذلك مرتين وهو مرة واحدة؛ لأنه أمر يديه من مقدم رأسه إلى مؤخره. "ثم ردّهما من مؤخره إلى مقدمه" هذه مسحة واحدة وصورة الإمرار مرتين، والعبارات كلها تفيد معنى واحد، لكن اختلف الرواة في الألفاظ (¬6). ¬

_ (¬1) لأبي داود في "السنن" (128)، وهو حديث شاذ مخالف لما في الرواية الآتية. (¬2) أخرجها أبو داود في "السنن" رقم (129)، وهو حديث حسن. وأخرجه الترمذي في "السنن" رقم (34). (¬3) أخرجها أبو داود في "السنن" رقم (130)، وهو حديث ضعيف. (¬4) (7/ 163). (¬5) تقدم ذكره. (¬6) انظر: "روضة الطالبين" (1/ 61). "المغني" (1/ 183).

قوله: "من فضل ماء كان بيده" (¬1) يدل على أنهما جزآن من الرأس، فإن بقي في اليدين ماء مسحهما به، وإن لم يبق أخذ لهما ماء آخر، وهو وجه ما، ورد أنه أخذ لهما ماء غير ما مسح به رأسه. قوله: "وصُدْغَيه" بضم الصاد [275 ب] المهملة فدال مهملة أيضاً، فغين معجمة تثنية صدغ، وفي "القاموس" (¬2): الصدغ بالضم ما بين الأذن والعين، والشعر المتدلِّي على هذا الموضع. انتهى. ولكنه على هذا من الوجه فيغسل معه، فينظر. السادس: حديث (أبي أمامة): 6 - وعن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال: تَوَضَّأَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاثًا، وَيَدَيْهِ ثَلاَثًا، وَمَسَحَ رَأْسَهُ ثَلَاثًا وَقَالَ: الإُّذُنَانِ مِنَ الرَّأْسِ. قال حماد: لا أدري الإذنان من الرأس، من قول أبي أمامة أم من قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ أخرجه أبو داود (¬3) والترمذي (¬4) وضعفه، وهذا لفظه. [حسن دون مسح المأقين] ¬

_ (¬1) انظر: "المجموع شرح المهذب" (1/ 444)، "المغني" (1/ 181)، "التمهيد" (3/ 209). (¬2) "القاموس المحيط" (ص 1014). (¬3) في "السنن" رقم (134). (¬4) في "السنن" رقم (37)، وقال: هذا حديث حسن، ليس إسناده بذاك القائم. وأخرجه ابن ماجه رقم (444)، والدارقطني رقم (37)، والبيهقي (1/ 66)، والطبراني في "الكبير" (8/ 142 - 143)، وأحمد (5/ 268)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/ 33)، كلهم عن حمّاد بن زيد عن سنان به. وهذا سند حسن بها الشواهد. قال ابن دقيق العيد في "الإمام": وهذا حديث معلول بوجهين: أحدهما: الكلام في شهر بن حوشب. =

وعند أبي داود (¬1) قال: "وَكانَ يَمْسَحُ المَأْقَيْنِ: يَعْني الخُفَّيْنِ، وَقالَ فِيهِ أَيْضاً: الإُّذُنَانِ مِنَ الرَّأْسِ". [حسن دون مسح المأقين] هو مثل غيره إلاَّ قوله: "الإذنان من الرأس" فلم يأت فيما مضى، وفيه: أنهما ليسا من الوجه، كما ذهب إليه الزهري، ولا أن باطنهما من الوجه، وظاهرهما من الرأس، كما قاله الشعبي (¬2). وذهب جماعة من السلف، إلى أنهما من الرأس، وهو مذهب أبي حنيفة (¬3)، وذهب الشافعي (¬4) إلى أنهما عضوان على حيالهما ليسا من الوجه ولا من الرأس، وتأول أصحابه الحديث بأن المراد أنهما يمسحان مع الرأس تبعاً له، أو أنهما يمسحان كما يمسح، ولا يغسلان كما يغسل الوجه، قاله الخطابي (¬5). قوله: "قال حماد: لا أدري" قد أطال ابن حجر القول في هذه اللفظة في "التلخيص" (¬6)، وفي كلامه على ابن الصلاح (¬7)، في "أصول الحديث". قوله: "أخرجه أبو داود والترمذي وضعفه، وهذا لفظه". ¬

_ = الثاني: الشك في رفعه، ولكن شهر وثقه أحمد، ويحيى، والعجلي، ويعقوب بن شيبة، وسنان بن ربيعة، أخرج له البخاري، وهو وإن كان قد لين فقال ابن عدي: أرجو أنّه لا بأس به. وقال ابن معين: ليس بالقوي، فالحديث عندنا حسن، والله أعلم. (¬1) في "السنن" رقم (134)، وهو حديث حسن دون "مسح المأقين". (¬2) انظر: "المغني" (1/ 183 - 186). (¬3) انظر: "البناية في شرح الهداية" (1/ 188). (¬4) "المجموع شرح المهذب" (1/ 445). (¬5) في "معالم السنن" (1/ 93 - مع السنن). (¬6) (1/ 160 - 161). (¬7) في النكت على ابن الصلاح لابن حجر (1/ 412).

قوله: "المأقين يعني الخفين" كذا قاله المصنف، وفي غيره: الماقان بالهمزة, تثنية المأق أو الماق مقدم العين، جمعه مآقي [وموجره] (¬1) مؤق بالهمز، وقد يسهلان. وقال الخطابي (¬2): الماق طرف العين الذي يلي الأنف، وفيه ثلاث لغات: ماق، ومأق مهموز، وموق. انتهى. فتفسير المصنف غير صحيح، ولم يفسره ابن الأثير هنا. وقال في "النهاية" (¬3): كان يمسح المأقيين هي تثنية المآقي، وذكر حديث (¬4): "كان يكتحل من قبل مُؤقه مرة، ومن قبل ماقه مرة" مؤق العين: مؤخَّرُها وماقها: مُقدَّمُها، ثم ذكر أن الأفصح الأكثر المآقي، وأفاد كلامه أن الحديث بلفظ: "المأقيين" بياءين، والذي في "التيسير" و"الجامع" لابن الأثير: "المأقين" بياء واحدة ورأيت في "حواشي السنن" الماقان الخُفان (¬5) فارسي معرب. انتهى. ولم ينسبه لأحد، ولم أجده في "القاموس" (¬6) ثم ظاهر عبارة التيسير أن التفسير، للماقين بالخفين مدرج من كلام الراوي، وليس كذلك. ثم لا يخفى بُعد هذا أن الماقين على الصحيح من التفاسير من الوجه، فهما يغسلان [276 ب] معه فكيف يقال: مسحهما مع أنه لم يذكر أحد من العلماء هذا المسح. ¬

_ (¬1) كذا رسمت في المخطوط. غير مقروءة. وفي "النهاية" (2/ 629): المؤق بالهمز والضم، وجمع المُؤقِ آماق وأمآق، وجمع المَأقي: مآقي. (¬2) في معالم "السنن" (1/ 93 - مع السنن). (¬3) (2/ 629). (¬4) ابن الأثير في "النهاية" (2/ 628 - 629). (¬5) انظر: "المصباح المنير" (ص 224). (¬6) "القاموس المحيط" (ص 1193 - 1194)، وماق العين، وخفّ غليظ يلبس فوق الخُفِّ.

وقد قال المصنف: أنه ضعفه الترمذي، قال الحافظ المنذري (¬1): أخرجه الترمذي (¬2) وابن ماجه (¬3)، وقال الترمذي (¬4): هذا حديث ليس إسناده بذاك القائم، وقال الدارقطني (¬5): رفعه وهم والصواب أنه موقوف. انتهى. السابع: حديث (جابر - رضي الله عنه -): 7 - وعن جابر - رضي الله عنه - قال: أَخَبَرَنِي عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ - رضي الله عنه -، أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وَقَدْ تَوَضَّأَ وَتَرَكَ عَلَى قَدَمِيْهِ مِثْلَ مَوْضِعَ الظُفُر، فَقَالَ لَهُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: "ارْجِعْ فَأَحْسِنْ الوُضُوءَ"، قَالَ: فَرَجَعَ فتوَضَّأَ، ثُمَّ صَلَّى. أخرجه مسلم (¬6) وأبو داود (¬7). [صحيح] "أخبرني عمر". قوله: "وقد توضأ وترك على قدميه" لعل المراد على أحدهما "مثل الظفر" أي: لم يمسه الماء. "فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ارجع فأحسن وضوءك، قال: فرجع فتوضأ ثم صلَّى" يحتمل قوله: "فأحسن وضوءك" الاستئناف للوضوء ويحتمل تقييم ما قصر فيه فلا يدل على وجوب الموالاة في الوضوء، كما قاله القاضي عياض (¬8): إذ مع الإحتمال لا يتم الاستدلال؛ لأنه عمل ¬

_ (¬1) في "مختصر السنن" (1/ 102). (¬2) في "السنن" رقم (37). (¬3) في "السنن" (444). (¬4) في "السنن" (1/ 53). (¬5) في "السنن" (1/ 103 رقم 37). (¬6) في "صحيحه" رقم (243). (¬7) في "السنن" رقم (173)، وأخرجه ابن ماجه رقم (665)، وهو حديث صحيح. (¬8) في إكمال المعلم بفوائد مسلم (2/ 40).

بأحد الاحتمالين بلا مرجح، وهو دليل على أن من ترك جزءاً يسيراً مما يجب تطهيره فإنها (¬1) لا تصح طهارته، وهو متفق عليه، ومثله التيمم. قوله: "أخرجه مسلم وأبو داود". - ولأبي داود (¬2) في أخرى، عن بعض أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - رَأَى رَجُلاً يُصَلِّي فِي ظَهْرِ قَدَمِهِ لُمعَةٌ قَدْرَ الدِّرْهَمِ لَمْ يُصِبْهَا المَاءُ، فَأَمَرَهُ أَنْ يُعِيدَ الوُضُوءَ وَالصَّلاَةَ. [صحيح] "وفي رواية لأبي داود". قوله: "فأمره أن يعيد الوضوء والصلاة" لما عرفت قريباً أنه لا يكون متطهراً حتى يغسل جميع أجزاء الأعضاء. وَ"اللمعة" بالضم ما يلمع، وهنا لمعت لعدم إصابة الماء لها. الثامن: حديث (ابن عمرو بن العاص). 8 - وعن ابن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال: تَخَلَّفَ عَنَّا النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي سَفْرَةٍ سَافَرْنَاهَا فَأَدْرَكَنَا، وَقَدْ أَرْهَقَتْنَا الصَلاةُ وَنَحْنُ نَتوَضَّأُ، فَجَعَلْنَا نَمْسَحُ عَلَى أَرْجُلِنَا، فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ: "وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ، مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا". أخرجه الخمسة (¬3) إلا الترمذي، وهذا لفظ الشيخين. [صحيح] ¬

_ (¬1) انظر: "المغني" (1/ 192)، "الإنصاف" (1/ 139). روضة الطالبين (1/ 64)، المبسوط (1/ 56). (¬2) في "السنن" رقم (175) وهو حديث صحيح. (¬3) أخرجه البخاري رقم (60، 96، 163)، ومسلم رقم (27/ 241)، وأبو داود رقم (97)، وابن ماجه رقم (450)، والنسائي رقم (111)، وأخرجه أحمد (2/ 193، 205، 211، 226)، والدارمي (1/ 179)، وهو حديث صحيح.

"قال: تخلف عنَّا النَّبي - صلى الله عليه وسلم - في سفرة سافرناها" بيّنها مسلم (¬1) في رواية بلفظ: "سافرناها من مكة إلى المدينة". "فأدركنا وقد أرهقتنا" بفتح الهاء وسكون القاف. "الصلاة" مفعول أرهقتنا، ولفظ البخاري (¬2): "العصر" وفي الجامع (¬3): وللبخاري (¬4): "وقد أرهقتنا العصر" وفي أخرى (¬5): "وقد حضرت صلاة العصر" فلفظ المصنف وهو: "أرهقتنا الصلاة" ليس هو لفظ البخاري ولا لفظ مسلم. والإرهاق: الإدراك والغشيان، قاله الحافظ (¬6). "فجعلنا نمسح على أرجلنا" قابل الجمع بالجمع، فالأرجل موزعة على الرجال. فلا يلزم أن يكون لكل رجل أرجل. قال الحافظ في "الفتح" (¬7): انتزع منه البخاري أن الإنكار عليهم كان بسبب المسح، لا بسبب الاقتصار على غسل بعض الرجل، فلهذا [277 ب] قال (¬8): ولا يمسح على القدمين، وهذا ظاهر الرواية المتفق عليها. ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (26/ 241). (¬2) في "صحيحه" رقم (96). (¬3) (7/ 168). (¬4) في "صحيحه" رقم (163). (¬5) أخرجها مسلم في "صحيحه" رقم (27/ 241). (¬6) في "فتح الباري" (1/ 265). وقال ابن الأثير في "غريب الجامع" (7/ 169): "أرهقتنا": أرهقَه يُرهِقُه، أي: أغشاه، ورهقه الأمر يَرْهَقُه: إما غشيَه أراد: أن الصلاة أدركنا وقتها وغشينا. (¬7) (1/ 265). (¬8) أي: البخاري في "صحيحه" (1/ 265 الباب رقم (27) باب غسل الرجلين، ولا يمسحُ على القدمين - مع الفتح).

"فنادى بأعلى صوته ويل للأعقاب من النار" اختلف في معنى "ويل" على أقوال أظهرها ما رواه ابن حبان في صحيحه (¬1) عن أبي سعيد مرفوعاً: "ويل واد في جهنم". قال ابن خزيمة (¬2): لو كان الماسح مؤدياً للغرض لما توعد بالنار. قال الحافظ (¬3): أشار بذلك إلى ما في كتب الخلاف عن الشيعة (¬4) من أن الواجب، هو المسح أخذاً بظاهر قراءة (أرجلِكم) بالخفض (¬5). ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (7467) بسند ضعيف لضعف رواية دراج عن أبي الهيثم. وأخرجه عبد بن حميد في المنتخب رقم (924)، والترمذي رقم (2579)، (3164)، (3323) مفرقاً في المواضع الثلاث. وأبو يعلى في "مسنده" رقم (409/ 1383)، والبيهقي في "البعث" رقم (465، 487)، والطبري في "تفسيره" (1/ 378)، والحاكم (4/ 596)، وصححه ووافقه الذهبي، ونعيم بن حمّاد في "زوائد الزهد" رقم (334)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (4409) من طرق. قال الترمذي: هذا حديث غريب، لا نعرفه مرفوعاً إلا من حديث ابن لهيعة. قلت: لم ينفرد برفعه ابن لهيعة كما قال الترمذي بل تابعه عمرو بن الحارث كما عند نعيم بن حمَّاد والبغوي. وقال ابن كثير في "تفسيره" (1/ 312): "لم ينفرد به ابن لهيعة كما ترى، ولكن الآفة ممن بعده. وهذا الحديث بهذا الإسناد مرفوعاً منكر، والله أعلم. - وقد جاء مرفوعاً، أخرجه الحاكم (2/ 534)، والبيهقي في "البعث" رقم (464). وقال الحاكم: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي. وهو حديث ضعيف، والله أعلم. (¬2) في "صحيحه" (1/ 89). (¬3) في "فتح الباري" (1/ 266). (¬4) انظر: "اللمعة الدمشقية" (1/ 76). (¬5) في قوله تعالى: {وَأَرْجُلَكُمْ} ثلاث قراءات: - الشاذة وهي قراءة الرفع، وهي قراءة الحسن.

قال: وقد تواترت الأخبار عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في صفة وضوءه: "أنه غسل رجليه" وهو المبين لأمر الله، وقد قال في حديث عمرو بن عبسة الذي رواه ابن خزيمة (¬1)، وغيره (¬2) مطولاً في فصل: ثم يغسل قدميه كما أمر الله، ولم يثبت (¬3) عن أحد من الصحابة، خلاف ذلك إلا عن علي وابن عباس وأنس، وقد ثبت عنهم الرجوع عن ذلك. قلت: قد بينت في "سبل السلام" (¬4) ما فيه مقنع عن الجدال والخصام. قوله: "أخرجه الخمسة، إلا الترمذي، وهذا لفظ الشيخين". قلت: لفظهما (¬5) فيه: "صلاة العصر" أو "العصر" وليس فيهما، "أرهقتنا الصلاة". - ولمسلم (¬6) في أخرى: تَعَجَّلَ قَوْمٌ عِنْدَ العَصْرِ، فَتَوَضَّئُوا وَهُمْ عِجَالٌ، فَانْتَهَيْنَا إِلَيْهِمْ، وَأَعْقَابُهُمْ تَلُوحُ لَمْ يَمَسَّهَا المَاءُ، فَقَالَ النَبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنْ النَّارِ، أَسْبِغُوا الوُضُوءَ". [صحيح] ¬

_ - وأمّا المتواترتان فقراءة النصب وهي قراءة نافع، وابن عامر، والكسائي وعاصم في رواية حفص عن السبعة، ويعقوب من الثلاثة. - وأما قراءة الجر: فهي قراءة ابن كثير، وحمزة، وأبي عمرو وعاصم في رواية أبي بكر. انظر: "زاد المسير" (2/ 301) "أضواء البيان" (2/ 8). "الجامع لأحكام القرآن" (6/ 91 - 96). "جامع البيان" (10/ 52 - شاكر). (¬1) في "صحيحه" رقم (165). (¬2) أخرجه أحمد (4/ 111)، ومسلم رقم (294/ 832)، والنسائي رقم (147)، والدارقطني في "سننه" (1/ 107 - 108 رقم 2) بسند صحيح من الطريقين، وهو حديث صحيح. (¬3) قاله الحافظ في "الفتح" (1/ 266). (¬4) (1/ 229 - 228) بتحقيقي. (¬5) تقدم ذكره. (¬6) في "صحيحه" رقم (26/ 241).

قوله: "ولمسلم في أخرى". قوله: "فانتهينا إليهم، وأعقابهم تلوح، لم يمسها الماء"، تمسك بهذا الرواية من يقول بإجزاء المسح (¬1)، ويحمل الإنكار على ترك التعميم. قال الحافظ (¬2): لكن الرواية المتفق عليها أرجح، فتحمل هذه الرواية عليها بالتأويل، فيحمل قوله: "لم يمسها الماء" أي: بالغسل، جمعاً بين الروايتين. قال (¬3): وأصرح من ذلك رواية مسلم (¬4) "عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم -، رأى رجلاً لم يغسل عقبه فقال ذلك". وأيضاً من قال بالمسح لم يوجب مسح العقب، والحديث حجة عليه (¬5). قوله: "أسبغوا الوضوء" أي: أتموه بغسل الأعقاب. - قال الترمذي (¬6): وَقَدْ رُوِىَ عَنِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -: "وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ وَبُطُونِ الأقدَامِ مِنَ النَّارِ" (¬7). ¬

_ (¬1) انظر: "شرح معاني الآثار" (1/ 39). "المحلى" (2/ 57)، "الاعتبار في الناسخ والمنسوخ" للحازمي (ص 185). (¬2) في "فتح الباري" (1/ 266). (¬3) الحافظ في "الفتح" (1/ 266). (¬4) في "صحيحه" رقم (28، 29, 30/ 242). وأخرجه البخاري رقم (165)، وأحمد (2/ 228، 284، 389، 406، 482)، والترمذي رقم (41)، والنسائي رقم (110)، وابن ماجه رقم (453)، والدارمي (1/ 179). (¬5) انظر: "فتح الباري" (1/ 266)، شرح "صحيح مسلم" للنووي (3/ 129 - 130). (¬6) في "السنن" (1/ 59). (¬7) أخرجه أحمد (4/ 191)، وفي إسناده ابن لهيعة، وقد توبع من عبد الله بن وهب عند أحمد (4/ 190). =

التاسع: حديث (جابر - رضي الله عنه -): 9 - وعن جابر - رضي الله عنه -: أنَّهُ سُئِلَ عَنِ المَسْحِ عَلَى العِمَامَةِ، فَقَالَ: لاَ، حَتّى يُمسَحَ الشَّعَرُ بالمَاءَ. أخرجه مالك (¬1). [موقوف ضعيف] "أنه سئل عن المسح على العمامة، فقال: لا حتى يُمْسَحَ الشَّعْرُ بالماءِ". كأنه يريد أنه يكمل على العمامة لا أن يمسحها وحدها وهذا موقوف، وقد ثبت: أنه - صلى الله عليه وسلم - مسح على العمامة (¬2) فقط، وعلى الناصية وكمل على العمامة" (¬3). قوله: "أخرجه مالك". العاشر: حديث [278 ب] (ثوبان): ¬

_ = وأخرجه الدارقطني في "السنن" (1/ 95 رقم 1)، والبيهقي (1/ 70)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/ 38)، والحاكم (1/ 162)، وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (1/ 240)، وقال: "ورجال أحمد والطبراني ثقات". قال الحاكم: "هذا حديث صحيح. ولم يخرجا ذكر بطون الأقدام". عن عبد الله بن الحارث - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ويلٌ للأعقاب وبطون الأقدام من النّار" وهو حديث صحيح. (¬1) في "الموطأ" (1/ 35 رقم 38)، وهو موقوف ضعيف. (¬2) عن عمرو بن أُمية الضمري قال: رأيتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يَمْسحُ على عمامته وخفيه". [أخرجه أحمد (4/ 139) (5/ 287)، والبخاري رقم (204، 205)، وابن ماجه رقم (562)، وهو حديث صحيح. (¬3) عن المغيرة بن شعبة: أنّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - توضأ فمسحَ بناصيته وعلى العمامة والخفين". [أخرجه مسلم رقم (81/ 274) و (83/ 274)، وأحمد (4/ 255)]. وهو حديث صحيح.

10 - وعن ثوبان - رضي الله عنه - قال: بَعَثَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - سَرِيَّةً فَأَصَابَهُمُ البَرْدُ، فَلمَّا قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - أمَرَهُمْ أَنْ يَمْسَحُوا عَلَى العَصَائِبِ وَالتَّسَاخِينِ. أخرجه أبو داود (¬1). [صحيح] "العَصَائِبِ" (¬2): العمائم؛ لأن الرأس يعصب بها. و"التَّسَاخِينِ" (¬3): الخفاف لا واحد لها. "بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سرية، فأصبهم البرد، فلما قدموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرهم أن يمسحوا على العصائب" العمائم. فيه المسح على العمائم للعذر. "والتساخين" فسّرها المصنف (¬4) بالخفاف، وأنه لا واحد لها، وفي "النهاية" (¬5): قيل واحدها تَسْخَان وتَسْخين وسخن، والتاء فيها زائدة. وقال حمزة الأصبهاني (¬6): أما التَّسخَان فهو معرب يسكن، وهو اسم غطاء من أغطية الرأس، كان العلماء والموَابذةُ، يأخذونه على رءوسهم خاصَّة (¬7)، وجاء في الحديث ذكر العمائم ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (146). وأخرجه أحمد (5/ 277)، والحاكم (1/ 169)، وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ... وفي سنده راشد ابن سعد، ثقة، إلا أنه لم يسمع من ثوبان، كما قال الإمام أحمد فيما نقله عنه العلائي "جامع التحصيل 174). وقال البخاري في "التاريخ الكبير" (2/ 1/ 292) عكس قول الإمام أحمد: سمع ثوبان ويعلى بن مُرّة. وقد صحح الألباني الحديث في صحيح أبي داود. وهو حديث صحيح، والله أعلم. (¬2) قاله أبو عبيد في غريب الحديث (1/ 188). وانظر: "القاموس المحيط" (ص 495). (¬3) انظر: "تهذيب اللغة" للأزهري (7/ 178). "غريب الحديث" لأبي عبيد (1/ 187). (¬4) في "غريب الجامع" (7/ 171). (¬5) (1/ 763 - 764). (¬6) ذكره ابن الأثير في "النهاية" (1/ 764) حيث قال: وقال حمزة الأصبهاني في كتاب الموازنة ... ". (¬7) وتمام العبارة من "النهاية" دون غيرهم.

والتساخين فقال من تعاطى تفسيره: هو الخُف، حيث لم يعرف فارسيته. انتهى. وهذا التفسير يوافق قرنها بالعمائم؛ ولأن المسح على الخفاف ليس يختص من له عذر. قوله: "أخرجه أبو داود". الحادي عشر: حديث (أنس - رضي الله عنه -): 11 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: رَأَيْت رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - يتَوَضَّأ وَعَلِيهِ عِمَامَة قطريَّةٌ، فَأدْخل يَده من تَحت العِمَامَة، فَمسح مقدَّم رَأسه وَلم ينْقض العِمَامَة. أخرجه أبو داود (¬1). [ضعيف] "القِطْرِيُّ" (¬2): ثوب أحمر له أعلام، وفيه بعض الخشونة، وقيل: البرود القطرية، حلل جياد تحمل من قبل البحرين. قال الأزهري (¬3): وفي البحرين قرية يقال لها قطرٌ. "قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتوضأ وعليه عمامة قطريَّة" يأتي تفسيرها. "فأدخل يده تحت العمامة، فمسح بمقدم رأسه، ولم ينقض العمامة" وفيه: عدم استكمال مسح الرأس والاكتفاء بمسح مقدمه من دون تكميل على العمامة. إلا أنه بوب الترمذي (¬4) للمسح عليها فقال: باب المسح على العمامة، ثم ساق بإسناده إلى المغيرة بن شعبة (¬5) قال: "توضأ النبي - صلى الله عليه وسلم - ومسح على الخفين والعمامة". ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (147)، وهو حديث ضعيف. (¬2) قاله ابن الأثير في غريب "الجامع" (7/ 171). (¬3) في تهذيب اللغة (16/ 216) حيث قال: في أعراض البحرين على سيف البحر بين عُمان والعقير مدينة يقال لها قَطَر، وأحسبهم نسبوا هذه الثياب إليها، فخفَّفوا، وقالوا: مِطْريٌّ والأصل: قَطَرِيّ. (¬4) في "السنن" (1/ 170 الباب رقم 75). (¬5) في "السنن" رقم (100).

ثم ذكر رواية أخرى (¬1): "أنه - صلى الله عليه وسلم - مسح على الناصية والعمامة" ولم يذكر بعضهم الناصية. ثم قال (¬2): حديث المغيرة بن شعبة، حديث حسن صحيح، وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - منهم أبو بكر وعمر، وأنس، وبه يقول الأوزاعي وأحمد (¬3) وإسحاق (¬4)، قالوا: يمسح على العمامة. ثم قال (¬5): وقال غير واحد من أهل العلم، من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، والتابعين: لا يمسح على العمامة إلا أن يمسح برأسه مع العمامة، وهو قول سفيان الثوري (¬6) ومالك (¬7) بن أنس وابن المبارك والشافعي. ساق هذا بعد روايته لحديث جابر الذي تقدم قريباً، وهو موقوف كما عرفت. قوله: "أخرجه أبو داود". الثاني عشر: 12 - وعن ثابت بن أبي صفية قال: قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ وَهُوَ مُحَمَّدَ البَاقِرُ: حَدَّثَكَ جَابِرٌ - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً وَمَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ، وَثَلَاثًا ثَلَاثًا؟ قَالَ: نَعَمْ (¬8). [ضعيف] ¬

_ (¬1) في "السنن" (1/ 171). (¬2) أي: الترمذي في "السنن" (1/ 171). (¬3) انظر: مسائل أحمد لأبي داود (ص 8)، ومسائل أحمد لعبد الله (ص 35). (¬4) مسائل أحمد وإسحاق (1/ 5) مسائل أحمد لأبي هانئ (1/ 18). (¬5) الترمذي في "السنن" (1/ 171). (¬6) انظر: "فتح الباري" (1/ 309). (¬7) انظر: "الموطأ" (1/ 35). (¬8) أخرجه الترمذي في "السنن" رقم (45)، وهو حديث ضعيف.

وفي رواية: "مَرَّةً مَرَّةً". قال: "نَعَمْ". أخرجه الترمذي (¬1). [صحيح] حديث: [279 ب] "ثابت بن أبي صفية" (¬2) هو أبو حمزة الثُّمالي. قوله: "أخرجه الترمذي". قلت: وقال (¬3): قال أبو عيسى: وروى هذا الحديث وكيع عن ثابت بن أبي صفية، قال: قلت: لأبي جعفر حدثك جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - توضأ مرة مرة؟ قال: نعم، حدثنا بذلك هناد وقتيبة قالا: حدثنا وكيع، عن ثابت، وهذا أصح من حديث شريك؛ لأنه قد روى من غير وجهٍ، هذا عن ثابت نحو رواية وكيع، وشريك كثير الغلط. انتهى. ورواية شريك هي التي ساق لفظها المصنف. الثالث عشر: حديث (عبد الله بن زيد - رضي الله عنه -). 13 - وعن عبد الله بن زيد - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - تَوَضَّأَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ (¬4). [صحيح] وَقَالَ: [هُوَ نُورٌ عَلَى نُورٍ] (¬5) لا أصل له "أن النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - توضأ مرتين مرتين" أي: لكل عضو. "وقال: هو" أي الوضوء الثاني بعد الأول "نور على نور" فالأول نور، والثاني نور عليه، وهذا الذي قدمناه في معنى الحديث، موضحاً لا أن المراد لتجديد كما يقوله كثيرون. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (46)، وهو حديث صحيح. (¬2) انظر: "التقريب" (1/ 119 رقم 9). (¬3) أي الترمذي في "السنن" (1/ 65). (¬4) أخرجه أحمد (4/ 41)، والبخاري رقم (158)، وهو حديث صحيح. (¬5) لم نقف على هذه الزيادة بهذا اللفظ. وتقدم بلفظ: "الوضوء على الوضوء نور على نور" قال المنذري في "الترغيب والترهيب" (1/ 223)، فلا يحضرني له أصل من حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - ولعله من كلام بعض السلف، والله أعلم.

الفصل الثالث: في سنن الوضوء

الرابع عشر: حديث (عثمان - رضي الله عنه -): 14 - وعن عثمان (¬1) - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - تَوَضَّأَ ثَلاثًا ثَلاثًا، وَقَالَ: "هَذَا وُضُوئِي وَوُضُوءُ الأَنْبِيَاءِ مِنْ قَيْلِي، وَوُضُوءُ إِبْرَاهِيمَ - عليه السلام -" (¬2). أخرجهما رزين. "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توضأ ثلاثًا ثلاثًا وقال: هذا وضوءي" قد تقدم أنه توضأ مرة ومرتين. "ووضوء الأنبياء من قبلي، ووضوء إبراهيم" تخصيص بعد التعميم. قوله: "أخرجهما رزين" قد قدمنا لك فيه كلاماً وكررناه. الفصل الثالث: في سنن الوضوء (الفصل الثالث) من فصول باب الوضوء، وهو آخرها في سنن الوضوء (في سنن الوضوء) التي لا تجب، قال: وهي تسع. (وهي تسع سنن). ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد (1/ 68)، ومسلم في "صحيحه" رقم (230)، وهو حديث صحيح. (¬2) أخرجه ابن ماجه في "السنن" رقم (420)، عن أبي بن كعب: "أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعا بماء فتوضأ مرةً مرةً فقال: هذا وظيفة الوضوء، أو قال: وضوء من لم يتوضأه لم يقبل الله له صلاة، ثم توضأ مرتين مرتين، ثم قال: هذا وضوء من توضأه أعطاه الله كفلين من الأجر، ثم توضأ ثلاثاً ثلاثاً، فقال: هذا وضوئي ووضوء المرسلين من قبلي". قال البوصيري: هذا إسناد ضعيف، زيد أبو الجواري: هو العَميِّ ضعيف، وكذا الراوي عنه، رواه الدارقطني في "سننه" من هذا الوجه. وهو حديث ضعيف جداً. وأخرجه أحمد (2/ 98)، وابن ماجه رقم (419) عن ابن عمر قال: توضأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واحدة واحدة فقال: هذا وضوء من لا يقبل الله منه صلاة إلا به، ثم توضأ ثنتين ثنتين فقال: هذا وضوء القَدْر من الوضوء، وتوضأ ثلاثاً ثلاثاً وقال: هذا أسبغ الوضوء، وهو وضوئي ووضوء خليل الله إبراهيم ... ". وهو حديث ضعيف جداً.

الأولى: السواك

الأولى: السواك (الأولى: السِواك) (¬1) هو بكسر السين على الأفصح، يطلق على الآلة وعلى الفعل، وهو ما يدلك به الأسنان من العيدان. يقال: ساك فوه يسوكه، أي: دلكه بالسواك ولفظه مأخوذ من ذلك، وقيل: من التساوك وهو التمايل (¬2)، قال الحكيم الترمذي: يكره أن يزيد عود السواك على شبر. الأول: حديث (أبي هريرة - رضي الله عنه -). 1 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قَالَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلاَةٍ". أخرجه الستة (¬3)، وهذا لفظ الشيخين. [صحيح] وفي رواية مالك (¬4): "مَعَ كُلِّ وُضُوءٍ". "قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك" أي: أمر إيجاب؛ لأنه ورد بلفظ: "لفرضت عليهم السواك". "عند كل صلاة" وفي بعض الروايات: "لفرضت عليهم السواك مع كل وضوء" ويأتي فيه: شفقته صلى الله عليه وآله [280 ب] وسلم على أمته أن لا يشق عليها، وفيه: أنه كان مفوضاً، وفيه حث على السواك بليغ، وقد قال بوجوبه الظاهرية (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: "القاموس المحيط " (1219)، "اللسان" (6/ 438). "تهذيب اللغة" (10/ 316 - 317). (¬2) انظر: شرح "صحيح مسلم" للنووي (3/ 142). (¬3) أخرجه البخاري رقم (887)، ومسلم رقم (42/ 252)، وأبو داود رقم (46)، والترمذي رقم (22)، والنسائي (1/ 12)، وابن ماجه رقم (287)، وأخرجه أحمد (1/ 120)، وهو حديث صحيح. (¬4) في "الموطأ" (1/ 66 رقم 114). (¬5) السواك ليوم الجمعة أوجبه ابن حزم كما في "المحلى" (2/ 178). =

قوله: "أخرجه الستة، وهذا لفظ الشيخين". "وفي رواية مالك" (¬1) لحديث أبي هريرة. "مع كل وضوء" عوضاً عن قوله: "عند كل صلاة" فيحتمل أن قوله: "مع كل وضوء"، وضوء الصلاة، ويحتمل سنيته عند الوضوء وعند الصلاة، وظاهر فعل زيد بن خالد الآتي سنيته عند كل صلاة، وإن لم يتوضأ لها. - ولأبي داود (¬2) والترمذي (¬3)، عن زيد بن خالد الجهني - رضي الله عنه - قال: سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ، وَلَأَخَّرْتُ صَلاَة العِشَاءَ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ". [صحيح] - زاد الترمذي (¬4) قال: فَكَانَ زَيْدُ بْنُ خَالِدٍ يَشْهَدُ الصَّلاةَ وَسِوَاكُهُ عَلَى أُذُنِهِ مَوْضِعَ القَلَمِ، مِنْ أُذُنِ الكَاتِبِ لَا يَقُومُ إِلَى الصَّلَاةِ، إِلَّا أُسْتَنَّ ثُمَّ يَرَدَّهُ إِلَى مَوْضِعِهِ. [صحيح] قوله: "ولأبي داود والترمذي" تقدم نظير هذا للمصنف، وهذه العبارة إنما تقال عند اختلاف ألفاظ الراوي الواحد عند المخرجين له، وأما هنا فإنه حديث آخر عن صحابي آخر، وابن الأثير ساقه حديثاً منفرداً. قوله: "ولأَخّرتَ صلاة العشاء إلى ثلث الليل" أي الأول، أي: إلى آخره إذ أوله غروب الشفق (¬5). ¬

_ = وقال ابن حزم في "المحلى" (2/ 270)، السواك مستحب، ولو أمكن لكل صلاة لكان أفضل. (¬1) في "الموطأ" (1/ 66 رقم 114). (¬2) في "السنن" رقم (47). (¬3) في "السنن" رقم (23)، وقال: هذا حديث حسن صحيح. وهو حديث صحيح. (¬4) في "السنن" رقم (23) وهو حديث صحيح. (¬5) تقدم في مواقيت الصلاة.

قوله: "زاد الترمذي". قلت: هذه الزيادة في رواية أبي داود (¬1) بلفظ: قال أبو سلمة - هو ابن عبد الرحمن -: "فرأيت زيداً يجلس في المسجد وإن السواك من أذنه موضع القلم من أذن الكاتب، فكلما قام إلى الصلاة استاك". انتهى من رواية أبي داود. فلم تكن زيادة من الترمذي انفرد بها، فلو سرد الزيادة بأي لفظ ونسبها إليهما، وقال: واللفظ لفلان لكان صواباً، ثم هذا الذي كان يفعله زيد، فاعلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يفعله. وقال الترمذي (¬2) بعد إخراجه: وحديث أبي سلمة عن أبي هريرة، وزيد بن خالد عن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - عندي صحيح، وحديث أبي هريرة إنما صح؛ لأنه قد روي من غير وجه عن أبي هريرة، عن النَّبي - صلى الله عليه وسلم -، وأما محمد - يريد البخاري - فزعم أن حديث أبي سلمة، عن زيد بن خالد أصح. انتهى. قلت: والحديثان يرويهما أبو سلمة ابن عبد الرحمن بن عوف، وسرد الترمذي (¬3) من روى حديث السواك من الصحابة سبعة عشر صحابياً. الثاني: حديث (حذيفة - رضي الله عنه -): 2 - وعن حذيفة - رضي الله عنه - قال: كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ يَشُوصُ فَاهُ بِالسِّوَاكِ. أخرجه الخمسة (¬4) إلا الترمذي. [صحيح] ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (47)، وهو حديث صحيح. (¬2) في "السنن" (1/ 34 بإثر الحديث 22). (¬3) في "السنن" (1/ 35). (¬4) أخرجه البخاري رقم (245)، وطرفاه (رقم 889، 1136)، ومسلم رقم (47/ 255)، وأبو داود رقم (55)، والنسائي رقم (2)، وابن ماجه رقم (286)، وأخرجه أحمد (5/ 390، 332، 397، 402، 407).

وهذا لفظ الشيخين "يَشُوصُ" (¬1): أي يدلك. "قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قام من الليل يشوص فاه" يدلكه بالسواك، هذا [281 ب] تعيين لبعض أوقات تسوكه - صلى الله عليه وسلم -، والمراد إذا قام إلى تهجده، ولفظ مسلم (¬2): "إذا قام ليتهجد". وفي "الفتح" (¬3) يشوص بضم المعجمة وسكون بعدها مهملة الواو، والشوص بالفتح: الغسل والتنظيف، كذا في "الصحاح" (¬4). وفي المحكم (¬5): الغسل عن كراع، والتنقية عن أبي عبيد (¬6)، والدلك عن ابن الأنباري (¬7)، وقيل: الإمرار على [الأسنان] (¬8) من أسفل إلى فوق. قال ابن دقيق العيد (¬9): فيه استحباب السواك عند القيام من النوم. وعند النسائي (¬10) من حديث حذيفة: "كنا نؤمر بالسواك إذا قمنا من الليل" أي: نشوص أفواهنا بالسواك. ¬

_ (¬1) قال ابن الأثير في "النهاية" يشوص: يدلك أسنانه وينقِّيها، وقيل: هو أن يستاك من سفل إلى عُلو، وأصل الشَّوص: الغَسْل. انظر: "الفائق" للزمخشري (2/ 269). (¬2) في "صحيحه" رقم (46/ 255). (¬3) (1/ 356). (¬4) (4/ 1593). (¬5) (7/ 125). (¬6) ذكره الحافظ في "الفتح" (1/ 356). (¬7) ذكره الحافظ في "الفتح" (1/ 356). (¬8) وكأنَّ هناك سقط وتقديره (أسنانه) فتصبح العبارة كالتالي: (الإمرار على أسنانه من أسفل ...) والله أعلم. انظر: "فتح الباري" (356). (¬9) في "إحكام الأحكام" (1/ 67). (¬10) في "السنن" رقم (1624)، وهو صحيح.

قوله: "أخرجه الخمسة، إلا الترمذي، وهذا لفظ الشيخين". الثالث: حديث (عائشة - رضي الله عنها -): 3 - وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كَانَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - يُوضَعُ لَهُ وَضُوءُهُ وَسِوَاكُهُ فَإِذَا قَامَ مِنْ اللَّيْلِ تَخَلَّى ثُمَّ اسْتَاكَ (¬1). [صحيح] - وفي أخرى (¬2): "كَانَ لاَ يَرْقُدُ مِنْ لَيْلٍ وَلاَ نَهَارٍ فَيَسْتَيْقِظُ، إِلاَّ تَسَوَّكَ قَبْلَ أَنْ يَتَوَضَّأَ". [حسن دون قوله: "ولا نهار"] أخرجه مسلم (¬3) وأبو داود، واللفظ له والنسائي. "قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوضع له وضوءه وسواكه" أي: يضعه له أهله في الحضر. "فإذا قام من الليل" أي: لتهجده. "تخلَّى" دخل الخلاء إن كان في منزله، أو المراد قضاء حاجته. "ثم استاك". "وفي" رواية: "أخرى" عنها لأبي داود (¬4). "كان لا يرقد من ليل أو نهار فيستيقظ" من اليقظة خلاف النوم. "إلا تسوك قبل أن يتوضأ". ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود رقم (56)، وابن ماجه رقم (1191)، والنسائي رقم (1720، 1721)، وهو حديث صحيح. (¬2) أخرجها أبو داود في "السنن" رقم (57)، وأحمد في "المسند" (6/ 121)، وهو حديث حسن دون قوله: "ولأنهار". (¬3) أخرجه مسلم في "صحيحه" رقم (43/ 253) عن المقدام بن شريح، عن أبيه قال: سألت عائشة قلت: بأي شيء كان يبدأ النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل بيته؟ قالت: بالسواك. (¬4) في "السنن" رقم (57)، وهو حديث حسن دون قوله: "ولا نهار".

قوله: "أخرجه مسلم وأبو داود، واللفظ له والنسائي" وفي "الجامع" (¬1) نسب الرواية إلى أبي داود فقط، ثم قال (¬2): وفي مسلم (¬3) عن شريج بن هاني قال: "سألت عائشة بأي شيء كان يبدأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل بيته؟ قالت: بالسواك". وأخرج أبو داود والنسائي رواية مسلم. انتهى بلفظه. فعرفت أن أبا داود وحده روى الحديث بلفظيه، وأن مسلماً والنسائي رويا حديث استياكه عند دخول منزله، وليس فيه ذكر للنوم، بل فيه أن دخوله - صلى الله عليه وسلم - منزله سبب مستقل لتسوكه فهو مغاير لحديث أبي داود، لا مماثل له، فما كان له أن يجمعهما ويقول: واللفظ له، أي: لأبي داود، بل اللفظ والمعنى (¬4). الرابع: 4 - وعنها - رضي الله عنها - قالت: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ تَعَالَى". أخرجه النسائي (¬5). [صحيح] قوله: "وعنها" أي: عائشة - رضي الله عنها -. "قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: السواك مطهرة [282 ب] للفم" بكسر الميم، أي: آلة لتنظيفه من الرائحة الكريهة، وقيل: إنه بكسر الميم وفتحها. ¬

_ (¬1) (7/ 177 رقم 5175). (¬2) ابن الأثير في "الجامع" (7/ 177). (¬3) في "صحيحه" رقم (43/ 253). (¬4) انظر ما تقدم. (¬5) في "السنن" رقم (5). وأخرجه أحمد (6/ 47، 62، 124، 146)، والبخاري في "صحيحه" (4/ 158 رقم الباب 27) تعليقاً، وابن حبان رقم (1067)، وهو حديث صحيح.

"مرضاة للرب" أي: يرضاه ويحبه، فإنه يحب النظافة كما ورد: "إن الله نظيف يحب النظافة" (¬1). قوله: "أخرجه النسائي". الخامس: حديث (أبي موسى): 5 - وعن أبي موسى - رضي الله عنه - قال: أَتَيْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، وَهُوَ يَسْتَنُّ بِسِوَاكٍ فِيِ يَدهِ يَقُولُ: "أُعْ أُعْ"، وَالسِّوَاكُ فِي فِيهِ كَأنَّه يَتَهَوَّعُ. أخرجه الخمسة (¬2) إلا الترمذي، وهذا لفظ البخاري. [صحيح] "التَّهَوُّعُ" (¬3): التقيؤ. قوله: "يستن" بفتح أوله وسكون المهملة، وفتح المثناة الفوقية وتشديد النون، من السن بالكسر والفتح، إما لأن السواك يمر على الأسنان، أو أنه يسنها يحدها، قاله في "الفتح" (¬4). "بسواك في يده يقول: أُعْ أُعْ" بضم الهمز وسكون المهملة، كذا في رواية أبي ذر، وأشار ابن التين (¬5) إلا أن غيره رواه بفتح الهمزة، ورواه النسائي (¬6) وابن خزيمة (¬7)، عن أحمد بن عبدة عن ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي في "السنن" رقم (2799)، وهو حديث ضعيف إلا قوله: "إن الله جواد ... ". (¬2) أخرجه البخاري في "صحيحه" (244)، ومسلم رقم (255)، وأبو داود رقم (49)، والنسائي رقم (3)، وهو حديث صحيح. (¬3) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 918)، "المجموع المغيث" (3/ 516). (¬4) (1/ 356). (¬5) ذكره الحافظ في "الفتح" (1/ 356). (¬6) في "السنن" رقم (3). (¬7) في "صحيحه" رقم (141).

حمّاد، بتقديم العين على الهمزة، وكذا أخرجه البيهقي (¬1)، ولأبي داود (¬2) بهمزة مكسورة ثم هاء، وللجوزقي (¬3) بخاء معجمة بدل الهاء. والرواية الأولى أشهر، وإنما اختلف الرواة لتقارب مخارج هذه الحروف وكلها ترجع إلى حكاية صوته إذا جعل السواك على طرف لسانه كما عند مسلم. والمراد: طرفه الداخل كما عند أحمد (¬4): "يشير إلى فوق" ولذا قال هنا: "كأنه يتهوع" والتهوع: التقيؤ، أي: له صوت كصوت المتقي على سبيل المبالغة، ويستفاد منه مشروعية السواك على اللسان طولاً، أما الأسنان فالمستحب فيها أن يكون عرضاً (¬5). قوله: "أخرجه الخمسة, إلا الترمذي، وهذا لفظ البخاري". السادس: حديث (ابن عمر - رضي الله عنهما -). 6 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما -: أَنَّ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "أُرَانِي في المِنَامِ أَسْتَاكُ بِسِوَاكَ, فَجَاءَنِي رَجُلاَنِ، أَحَدُهُمَا أَكْبَرُ مِنَ الآخَرِ، فَنَاوَلْتُ الأَصْغَرَ مِنْهُمَا، فَقِيلَ لِي: كَبِّرْ. فَدَفَعْتُهُ إِلَى الأَكْبَرِ مِنْهُماَ". أخرجه الشيخان (¬6). [صحيح] ¬

_ (¬1) في "السنن الكبرى" (1/ 40 - 41). (¬2) في "السنن" رقم (49)، وفيه: "إهْ إه". (¬3) ذكره الحافظ في "الفتح" (1/ 356). (¬4) في "المسند" (4/ 417). (¬5) ذكره الحافظ في "الفتح" (1/ 356). (¬6) أخرجه البخاري رقم (246). قال الحافظ في "الفتح" (1/ 356)، وصله أبو عوانة في "صحيحه" عن محمد بن إسحاق الصغاني وغيره عن عفان، وكذا أخرجه أبو نعيم والبيهقي من طريقه. وأخرجه مسلم في "صحيحه" رقم (2271). وهو حديث صحيح.

"أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: أراني" بفتح الهمزة ووهم من ضمها (¬1)، وحكي البيضاوي الوجهين، وقال: معناه أرى نفسي في المنام. "في المنام أستاك بسواك، فجاءني رجلان أحدهما أكبر من الآخر فناولت" أي: السواك. "الأصغر منهما فقيل لي" قائل ذلك جبريل كما في رواية (¬2) أخرى. "كبّر" أي: قدم الأكبر في السن، قال ابن بطال (¬3): فيه [283 ب] تقديم ذي السن في السواك، ويلحق به الطعام والشراب، والمشي والكلام. وقال [المهلب] (¬4): هذا ما لم يترتب القوم في الجلوس، فإن ترتبوا فالسنة حينئذ تقديم الأيمن، وفيه أن استعمال سواك الغير ليس بمكروه، إلا أن المستحب أن يغسله، تم يستعمله كما يدل له حديث عائشة الآتي. "فدفعته إلى الأكبر منهما". قوله: "أخرجه الشيخان". السابع: حديث (عائشة - رضي الله عنها -). 7 - وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كَانَ رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يُعْطِينِي السِّوَاكَ لأِغْسِلَهُ فَأبْدَاُ بِهِ فَأسْتَاكَ، ثُمَّ أْغْسِلَهُ فَأدْفَعُهُ إِلَيْهِ. أخرجه أبو داود (¬5). [حسن] "قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعطيني السواك لأغسله، فأبدأ به فأستاك" تبركاً بأثره - صلى الله عليه وسلم -. ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (1/ 357). (¬2) أخرجها أبو داود في "السنن" رقم (50) من حديث عائشة - رضي الله عنها -. (¬3) في شرحه لـ "صحيح البخاري" (1/ 364) نقلاً عن المهلب. (¬4) في المخطوط الخطيب. وما أثبتناه من "فتح الباري" (1/ 357). وشرح "صحيح البخاري" لابن بطال (1/ 364). (¬5) في "السنن" رقم (52)، وهو حديث حسن.

الثانية: غسل اليدين

"ثم أغسله فأدفعه إليه" قال الحافظ (¬1): وهذا دال على عظم أدبها وكثير فطنتها؛ لأنها لم تغسله ابتداءً حتى لا يفوتها الاستشفاء بريقه، ثم غسلته تأدباً وامتثالاً، ويحتمل أن يكون أمره بغسله تطييبه وتليينه بالماء قبل أن يستعمله. انتهى. قوله: "أخرجه أبو داود". الثانية: غسل اليدين (الثانية) من التسع السنن. غسل اليدين. (غسل اليدين) وقال ابن الأثير (¬2): غسل اليد، موافقة للفظ الحديث، فإنه ورد بالإفراد، وذكر المصنف حديثاً واحداً وهو قوله: 1 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَنَامِهِ، فَلاَ يَغْمِسْ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلاَثًا، فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِى أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ". أخرجه الستة (¬3)، وهذا لفظ مسلم. [صحيح] ¬

_ (¬1) في "فتح الباري" (1/ 357). (¬2) في "الجامع" (7/ 180)، والذي في النسخة التي بين أيدينا. قوله: غسل اليدين. (¬3) أخرجه البخاري رقم (162)، ومسلم رقم (87/ 278)، والترمذي رقم (24)، والنسائي رقم (1، 161)، وأبو داود رقم (103، 104، 105)، وابن ماجه رقم (393). وأخرجه أحمد (2/ 241، 265، 284، 382، 455)، وأبو عوانة (1/ 263 - 264)، والشافعي في "الأم" (1/ 39)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (1/ 98)، والدارمي (1/ 196)، والخطيب في "تاريخ بغداد" (11/ 300)، وابن الجارود في "المنتقى" رقم (9)، والدارقطني (1/ 49 رقم 1، 4)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (1/ 46)، والبغوي في "شرح السنة" رقم 208). وهو حديث صحيح.

وفي رواية لأبي داود (¬1): "فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ كَانَتْ تَطُوفُ يَدُهُ". "عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إذا استيقظ (¬2) أحدكم من منامه" عام للنوم الليل والنهار، وخصّه (¬3) البعض بنوم الليل لقرينة قوله: "أين باتت يده" والبيتوتة لا تكون إلا ليلاً، وأجاب من عمَّمه بأن ذكر البيتوتة خرج على الغالب؛ إذ الغالب نوم الليل، وإذا خرج على الغالب فلا مفهوم له. "فلا يغمس يده" والمراد بيده كفه, أراد الجنس. "في الإناء" الذي فيه الماء، سواء أراد الوضوء أولا، بل مجرد اليقظة من النوم سبب للأمر بقوله: "حتى يغسلها ثلاثًا" وفي رواية للترمذي (¬4): "مرتين أو ثلاثاً" وقال (¬5): حسن صحيح، وفي روادة لأبي داود (¬6) وكذلك. ثم ذكر علة الأمر "فإنه" أي: المستيقظ. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (103، 104، 105)، ولم نجدها بهذا اللفظ. (¬2) أخذ بعمومه الشافعي والجمهور فاستحبوه عقب كل نوم، وخصه أحمد وداود بنوم الليل لقوله في آخر الحديث: "باتت يده"؛ لأن حقيقة المبيت تكون بالليل. انظر: "المجموع شرح المهذب" (1/ 389). "المغني" (1/ 140)، "المبدع" (1/ 108). (¬3) انظر: "المغني" (1/ 140)، "الإنصاف" (1/ 130). (¬4) في "السنن" رقم (24). (¬5) في "السنن" (1/ 36). (¬6) في "السنن" رقم (104). وأخرجه ابن ماجه رقم (393)، والنسائي رقم (441). وهو حديث صحيح.

"لا يدري أين باتت يده" فعدم علمه بمكان مبيتها علة [284 ب] الأمر بغسلها زاد ابن خزيمة (¬1) (فيه)، وقد وسع ابن دقيق العيد في "شرح العمدة" (¬2) الكلام في شرح الحديث وزدناه توسعياً في حاشية (¬3) العدة. قوله: "أخرجه الستة، وهذا لفظ مسلم". "وفي رواية لأبي داود (¬4): فإنه لا يدري أين كانت تطوف يده" لفظه في "جامع ابن الأثير" (¬5): ولأبي داود: "فإنه لا يدري أين باتت، أو أين كانت تطوف يده" (¬6). انتهى. وهكذا رأيته في سنن أبي داود وعقد له باباً فقال: باب تحريك يده في الإناء، وبوّب للأولى (¬7): باب في الرجل يدخل يده الإناء قبل أن يغسلها، وساق فيه حديث أبي هريرة (¬8) المذكور، إلا أنه بلفظ: "إذا قام أحدكم من الليل .... " إلى آخره. واعلم أنه جعل المصنف وابن الأثير حديث أبي هريرة هذا دليلاً على سببية غسل اليد أول الوضوء، والحديث في غسلها عند القيام من النوم، وأنه سبب مستقل موجب لغسلها، إلا أنه ¬

_ (¬1) في "صحيحه" (1/ 75 - 76). (¬2) (1/ 128). (¬3) (1/ 124 - 126). (¬4) تقدم. ولم نجده بهذا اللفظ. (¬5) (7/ 181). (¬6) أخرجه الدارقطني في "السنن" (1/ 49 - 50 رقم 3)، وقال: إسناده حسن، وابن ماجه رقم (394)، وابن خزيمة في "صحيحه" رقم (146)، والبيهقي (1/ 46)، وهو حديث صحيح. (¬7) في "السنن" (1/ 76). (¬8) في "السنن" رقم (104).

الثالثة: الاستنثار والاستنشاق والمضمضة

ورد في رواية ذكرها ابن الأثير، ونسبها للبخاري (¬1) وفيه: "فليغسل يده قبل أن يدخلها في وضوءه". ثم قال (¬2): قد أخرجها مسلم مفردة هو والبخاري، إلا أنه لا يخفى أن موجب غسلها هو القيام من النوم، سيما وقد علله بقوله: "لا يدري". ثم هو في الوجوب أوضح (¬3) منه في السنيّة، وإنما الذي ينبغي أن يستدل به لسنيّة غسل اليدين أول الوضوء، الأحاديث التي مرت في تعليم الصحابة للوضوء، علي وعثمان وغيرهما، وأحاديث صفة وضوءه - صلى الله عليه وسلم -، فإن في كلها أنه بدأ بغسل يديه ثلاثاً حتى لو قيل بوجوبه لما بعد؛ لأنه لم يود حديث في صفة وضوءه - صلى الله عليه وسلم - ولا في تعليم الصحابة إلاّ به. الثالثة: الاستنثار والاستنشاق والمضمضة (الثَالِثَة) من التسع السنن الاستنثار والاستنشاق والمضمضة (الاستنثار) (¬4) من النثر بالنون والمثلثة، هو إخراج الماء الذي يستنشق به فهو فرع عن الاستنشاق (والاستنشاق [285 ب] والمضمضة) في "القاموس" (¬5): إنها تحريك الماء في الفم. ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (163). (¬2) ابن الأثير في "الجامع" (7/ 181). (¬3) انظر: "المغني" (1/ 140)، "المجموع شرح المهذب" (1/ 389)، "الإنصاف" (1/ 130 - 132). (¬4) انظر: "تهذيب اللغة" (15/ 73 - 75)، "القاموس المحيط" (ص 616). (¬5) "القاموس المحيط" (ص 844).

الأول: حديث (أبي هريرة - رضي الله عنه -). 1 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ تَوَضَّأَ فَلْيَسْتَنْثِرْ، وَمَنِ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ". أخرجه الستة (¬1)، إلا الترمذي، وهذا لفظ البخاري. [صحيح] "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: من توضأ فليستنثر" أي: يدفع الماء الذي استنشق به بأنفه، والأمر ظاهر في الإيجاب، وأكده أنه ما روى في صفة وضوءه - صلى الله عليه وسلم - أنه تركه. قال الجمهور (¬2): إنَّه للندب مستدلين بحديث: "توضأ كما أمرك الله" (¬3). "ومن استجمر" استعمل الحجار في الاستنجاء. "فليوتر" تقدم الكلام فيه. قوله: "أخرجه الستة إلا الترمذي، وهذا لفظ البخاري". - وفي رواية مسلم (¬4): "إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلِيَجْعَلْ فِي أَنْفِهِ مَاءً، ثُمَّ لِيَنْتَثِرْ". [صحيح] وفي أخرى (¬5): "فَلْيَسْتَنْشِقْ بِمَنْخِرَيْهِ مِنْ المَاءِ، ثُمَّ لِيَنْتَثِرْ". [صحيح] "وفي رواية مسلم: إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماءً، ثم ليستنثر"، يدفعه بأنفه بعد إدخال أنفه ليغسل ما فيها. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (162)، ومسلم رقم (20/ 237)، وأبو داود رقم (140)، والنسائي (1/ 66، 67)، ومالك في "الموطأ" (1/ 190)، وهو حديث صحيح. (¬2) انظر: "المجموع شرح المهذب" (1/ 393). "الإنصاف" (1/ 152 - 153). (¬3) تقدم وهو حديث صحيح. (¬4) في "صحيحه" رقم (20/ 237). (¬5) أخرجها مسلم في "صحيحه" رقم (21/ 237).

- وفي أخرى لهما (¬1) والنسائي (¬2): "إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَنَامِهِ فَلْيَسْتَنْثِرْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَبِيتُ عَلَى خَيَاشِيمِهِ". [صحيح] قوله: "وفي أخرى لهما" أي: الشيخين. "وللنسائي: إذا استيقظ أحدكم من منامه فليستنثر ثلاث مرات" أي: بعد استنشاقه؛ لأنه فرع عنه كما عرفت. "فإن الشيطان يبيت على خياشيمه" التعليل دال على وجوب هذا الاستنثار عند القيام من النوم، سواء توضأ أم لا. إلا في رواية النسائي (¬3): "إذا استيقظ أحدكم من منامه، فلتوضأ وليستنثر، فإن الشيطان ... " الحديث، قال القاضي عياض (¬4): يحتمل أنه يبيت فيها على الحقيقة، فإن الأنف أحد منافذه في الجسم التي يتوصل بها إلى القلب، وليس من منافذ الجسم ما ليس عليه غلق سواه وسوى الأذنين. قلت: وهذا الاحتمال هو المتعين، لا حملة على المجاز، وهذا التعليل دال على وجوب (¬5) الانتثار ثلاثاً. الثاني: حديث (عبد الله بن زيد - رضي الله عنه -): 2 - وعن عبد الله بن زيد - رضي الله عنه - قال: رَأَيْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - مضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ مِنْ كَفٍّ وَاحِدٍ فَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثًا. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (3295)، ومسلم رقم (23/ 238). (¬2) في "السنن" رقم (90). (¬3) في "السنن" رقم (90). (¬4) في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (2/ 31). (¬5) انظر: "فتح الباري" (6/ 343).

أخرجه الترمذي (¬1). [صحيح] "قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مضمض واستنشق من كف واحد" يحتمل من غرفة واحدة أو من غرفات. "فعل ذلك ثلاثاً" الأقرب أنها غرفات ثلاث لبعد اتساع الكف الواحد لذلك. قوله: [286 ب] "أخرجه الترمذي". قلت: وقال (¬2) حسن غريب. الثالث: 3 - وعن طلحة بن مصرَّف عن أبيه، عن جده - رضي الله عنه - قال: دَخَلْتُ عَلىَ رَسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يَتَوَضَّأُ، وَالمَاءُ يَسِيلُ مِنْ وَجْهِهِ وَلِحْيَتِهِ عَلَى صَدْرِهِ، فَرَأَيْتُهُ يَفْصِلُ بَيْنَ المَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ. أخرجه أبو داود (¬3). [ضعيف] حديث: "طلحة بن مصرف عن أبيه، عن جده"، واسم جده كعب فهو: طلحة بن مصرَّف بن كعب اليامي بالتحتانية، الكوفي ثقة قارئ فاضل، قاله في "التقريب" (¬4). "قال: دخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يتوضأ والماء يسيل من وجهه ولحيته على صدره، فرأيته يفصل بين المضمضة والاستنشاق"، يحتمل أنه يفصل بينهما في الاغتراف، فيغترف لكل وحدة غرفة، أو أنه بغرفة واحدة بفصل بينهما فعلاً، أو أنه يكمل أحدهما ثم يفعل الآخر. قوله: "أخرجه أبو داود". ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (28)، وهو حديث صحيح. (¬2) في "السنن" رقم (1/ 43). (¬3) في "السنن" رقم (139) وهو حديث ضعيف. (¬4) (1/ 379 رقم 41) والذي فيه: طلحة بن مصرف بن عمرو بن كعب اليامي، الكوفي.

الرابعة: تخليل اللحية والأصابع

قلت: وسكت عليه المنذري في "مختصره" (¬1). الرابع: حديث (علي - رضي الله عنه -): - وعن علي - رضي الله عنه -: أَنَّهُ دَعَا بِوَضُوءٍ، فَتَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَنَثَرَ بِيَدِه اليُسْرَى، ثُمَّ قَالَ: هَذَا طُهُورُ نَبِيَّ الله - صلى الله عليه وسلم -. أخرجه النسائي (¬2). [صحيح] "أنه دعا بوضوء فمضمض واستنشق ونثر" أي: ماء أنفه. "بيده اليسرى" يحتمل تعلقه بالثلاثة، أو بالأخير، إلا أنه يبعده أن النثر طرح ما الأنف بها. قوله: "أخرجه النسائي". الرابعة: تخليل اللحية والأصابع (الرابعة) من السنن التسع في: تخليل اللحية والأصابع (تَخلِيْلِ اللِّحْيَةَ وَالأصَابعُ) الأول: حديث (عثمان - رضي الله عنه -): 1 - عن عثمان بن عفان - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُخَلِّلُ لِحْيَتَهُ. (¬3) أخرجه الترمذي وصححه. [صحيح] ¬

_ (¬1) (1/ 104). (¬2) في "السنن" رقم (91). وأخرجه أحمد في "المسند" (1/ 113، 141، 154). وهو حديث صحيح. (¬3) في "السنن" رقم (31) وقال: هذا حديث حسن صحيح. قلت: وأخرجه ابن خزيمة رقم (151)، (152)، والحاكم في "المستدرك" (1/ 148 - 149)، والدارقطني (1/ 86 رقم 12)، وابن حبان في صحيحه (3/ 362 - 363 رقم 1081)، والترمذي في "العلل الكبير" رقم (19). =

"أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يخلل لحيته" أي: يدخل أصابعه عند غسل وجهه في أصول شعر لحيته. قوله: "أخرجه الترمذي وصححه". قلت: قال (¬1) حديث حسن صحيح، قال: وقال بهذا أكثر أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومن بعدهم زاد تخليل اللحية وبه يقول الشافعي (¬2). ¬

_ = قال الترمذي: "قال محمد - يعني البخاري -: أصح شيء عندي في التخليل حديث عثمان، قلت: إنهم يتكلمون في هذا الحديث. فقال: هو حسن، اهـ. وقال الحاكم: هذا إسناد صحيح قد احتجا بجميع رواته غير عامر بن شقيق، ولا أعلم في عامر بن شقيق طعناً بوجه من الوجوه. اهـ. وللحديث شواهد: (الأول): من حديث أنس عند أبي داود رقم (145)، والبيهقي (1/ 54)، وسنده حسن. وهو حديث صحيح. وله طريق أخرى صححها الحاكم (1/ 149) ووافقه الذهبي. (الثاني): من حديث عمار بن ياسر عند الترمذي رقم (29)، وابن ماجه رقم (429)، والحاكم (1/ 149). وهو حديث صحيح. (الثالث): من حديث عائشة عند الحاكم (1/ 150). وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (1/ 235) وقال: رواه أحمد (6/ 234)، ورجاله موثقون، وهو حديث صحيح لغيره. (الرابع): من حديث ابن عمر عند ابن ماجه رقم (432). وهو حديث ضعيف. (الخامس): من حديث أبي أيوب الأنصاري عند ابن ماجه رقم (433) وهو حديث صحيح لغيره، وفي الباب حديث أبي رافع وأبي هريرة وعائشة. انظر: تخريجها في "نيل الأوطار" (/ 54 - 55) بتحقيقي. وخلاصة القول: أن حديث عثمان صحيح بهذه الشواهد، والله أعلم. (¬1) الترمذي في "السنن" (1/ 46). (¬2) انظر: "الأم" (1/ 107 - 109).

وقال أحمد (¬1): إن نسيها عن التخليل فهو جائز، وقال إسحاق: إن تركه ناسياً أو متأولاً أجزأه، وإن تركه عامداً أعاد (¬2). الثاني: حديث (أنس - رضي الله عنه -): 2 - وعن أنس - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا تَوَضَّأَ أَخَذَ كَفًّا مِنْ مَاءٍ فَأَدْخَلَهُ تَحْتَ حَنَكِهِ، فَخَلَّلَ بِهِ لِحْيَتَهُ وَيَقَولَ: هَكَذَا أَمَرَنِي رَبِّي - عز وجل -. أخرجه أبو داود (¬3). [صحيح لغيره] "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا توضأ أخذ كفاً من ماء فأدخله تحت حنكه" في "القاموس" (¬4): الحنك محرك، باطن أعلى الفم من داخل، أو الأسفل من طرف مقدم اللحيين [287 ب]. انتهى. والمراد الآخر هنا. "ويقول: هكذا أمرني ربي" يحتمل أنه أمر خاص، أو داخل تحت عموم: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} (¬5). قوله: "أخرجه أبو داود". قلت: ترجمه بقوله: باب (¬6) تخليل اللحية. ¬

_ (¬1) "المغني" (1/ 105)، وانظر: "الاستذكار" (2/ 16 - 17). (¬2) قاله الخطابي في "معالم السنن" (1/ 101 - مع السنن". (¬3) في "السنن" رقم (145). وأخرجه البيهقي (1/ 54)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (215). وهو حديث صحيح لغيره. (¬4) "القاموس المحيط" (ص 1210). (¬5) سورة المائدة الآية: 6. (¬6) أبو داود في "السنن" (1/ 101 الباب رقم 56).

الثالث: حديث (المستورد بن شداد - رضي الله عنه -). 3 - وعن المستورد بن شداد - رضي الله عنه - قال: رَأَيْتُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا تَوَضَّأَ يَدْلُكُ أَصَابِعَ رِجْلَيْهِ بِخِنْصَرِهِ. أخرجه أبو داود (¬1) والترمذي (¬2). [صحيح] "رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا توضأ يدلك أصابع رجليه بخنصره". ليس صريحاً في التخليل لها. قوله: "أخرجه أبو داود". قلت: وترجمه (¬3) باب غسل الرجل. "والترمذي". قلت: وقال (¬4): هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن لهيعة. انتهى. الرابع: حديث (لقيط بن صبرة). 4 - وعن لقيط بن صبرة - رضي الله عنه - قال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، أَخْبِرْنِي عَنِ الوُضُوءِ، قَالَ: "أَسْبغِ الوُضُوءَ، وَخَلِّلْ بَيْنَ الأَصَابِعِ، وَبَالِغْ فِي الاسْتِنْشَاقِ، إِلاَّ أَنْ تَكُونَ صَائِمًا". ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (148). (¬2) في "السنن" رقم (40) وقال: هذا حديث حسن غريب. وأخرجه ابن ماجه رقم (446)، وأخرجه أحمد (4/ 229) بثلاثة أسانيد، كلهم من طريق ابن لهيعة، وقد صرح الترمذي بانفراده، ولكنه ليس كذلك، فقد قال الحافظ في "التخليص" (1/ 94): تابعه الليث بن سعد وعمرو ابن الحارث، أخرجه البيهقي في "السنن" (1/ 77)، وأبو بشر الدولابي، والدارقطني في "غرائب مالك" من طريق ابن وهب عن الثلاثة، وصححه ابن القطان. وهو حديث صحيح. (¬3) أبو داود في "السنن" (1/ 103 الباب رقم 58). (¬4) الترمذي في "السنن" (1/ 57).

أخرجه أصحاب السنن (¬1). [صحيح] "إِسْبَاغُ الوُضُوءَ": إتمامه، وإفاضة الماء على الأعضاء تاماً كاملاً، وزيادة على مقدار الواجب. "قوله: "وخلل (¬2) بين الأصابع" هذا عام لأصابع الكفين والقدمين، وتقدم الكلام على ألفاظه. قوله: "أخرجه أصحاب السنن". قلت: أخرجه الترمذي (¬3) في الطهارة وفي الصوم مختصراً، وقال: هذا حديث حسن صحيح. قوله: في تفسير الإسباغ: "وزيادة على مقدار الواجب". قلت: في "القاموس" (¬4): أسبغ الوضوء وفّى كل عضو حقَّهُ. انتهى. بلا زيادة. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود رقم (142، 143، 144)، والترمذي رقم (38) ورقم (788)، والنسائي رقم (87)، وابن ماجه رقم (407). وأخرجه أحمد (4/ 32 - 33)، والشافعي في مسند (1/ 32 رقم 80)، وابن الجارود في "المنتقى" رقم (80)، وابن خزيمة رقم (168)، وابن حبان رقم (159 - موارد)، والحاكم (1/ 147 - 148)، والبيهقي (1/ 50)، (7/ 303)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (203)، والدارمي (1/ 179)، والطيالسي رقم (1341)، والطبراني في "الكبير" (9/ 216 - 217). وهو حديث صحيح. والله أعلم. (¬2) انظر: "المجموع شرح المهذب" (1/ 393)، "فتح الباري" (1/ 262). (¬3) في "السنن" رقم (38) ورقم (788). (¬4) "القاموس المحيط" (ص 1012) حيث أسبغَ الوضوءَ: أبلغهُ مواضعهُ، ووفّى كُلَّ عُضوٍ حقَّهُ.

الخامسة: مسح الأذنين

الخامسة: مسح الأذنين (الخامسة) من السنن التسع مسح الأذنين (مَسْحُ الأُذُنَيْنْ) الأول: حديث (الرُبيع بنت معوذ - رضي الله عنها -): 1 - عن الرُبيع بنت معوذ - رضي الله عنها - قالت: تَوَضّأَ رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَأدْخَلَ إِصْبَعَهُ فِي جُحْرَيْ أُذُنَيْهِ. أخرجه أبو داود (¬1). [حسن] "قالت: توضأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأدخل أصبعيه" لم تبّين المراد بهما، والمراد السبابتان كل واحدة في أذن. "في جُحْري" خزقي. "أذنيه" لا أن كل من الأصبعين أدخل في الأذن، والمقام دال على المراد، وفيه سنية ذلك. قوله: "أخرجه أبو داود". وسكت عليه المنذري. الثاني: حديث (نافع): 2 - وعن نافع قال: كانَ ابنُ عُمَرَ يَأْخُذُ المَاءَ بأصْبُعَيْهِ لأِذُنَيْهِ. أخرجه مالك (¬2). [موقوف صحيح] "أن ابن عمر - رضي الله عنهما - كان يأخذ الماء (¬3) بإصبعيه لأذنيه" يحتمل أنهما الإبهام والسبابة، يمسح بالإبهام ظاهرهما، وبالسبابة باطنهما، ويحتمل أنهما السبابتان، يأخذ بأناملهما ماءً يمسح به باطن ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (131)، وأخرجه ابن ماجه رقم (441) وهو حديث حسن. (¬2) في "الموطأ" (1/ 34 رقم 37) وهو أثر موقوف صحيح. (¬3) انظر: "التمهيد" (3/ 209)، "المغني" (1/ 181)، "المجموع شرح المهذب" (1/ 444).

السادسة: إسباغ الوضوء

أذنيه، والحديث موقوف. قوله: "أخرجه مالك". السادسة: إسباغ الوضوء (السادسة) [288 ب] من التسع السنن إسباغ الوضوء (إسباغ الوضوء) كذا ترجمه ابن الأثير (¬1)، ولا يخفى أن إسباغ الوضوء إتمامه وإفاضته الماء على الأعضاء تاماً كاملاً كما سلف قريباً، فليس من السنن، بل هو واجب لا يتم الوضوء إلا به، ولقد أحسن البخاري (¬2) فقال في ترجمة الحديث باب: فضل الوضوء، والغرُّ المحجلون،، وترجم (¬3) لإسباغ الوضوء، ترجمة مستقلة، وذكر فيها حديثاً (¬4) آخر فيه التصريح بالإسباغ. وكأن ابن الأثير نظر إلى أنه وقع في أحد ألفاظ حديث أبي هريرة, قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إنهم الغرُّ المحجلون يوم القيامة من إسباغ الوضوء ..... " الحديث. ¬

_ (¬1) في "الجامع" (7/ 187). (¬2) في صحيحه (1/ 235 الباب رقم 3 - مع الفتح) وأخرج البخاري في هذا الباب الحديث رقم (136) عن نُعيم المجمر قال: رقيتُ مع أبي هريرة على ظهر المسجد فتوضأ فقال: إني سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن أمتي يدُعون يوم القيامة غرّاً محُجلين من آثار الوضوء، فمن استطاع منكم، أن يطيل غُرَّته فليفعل". (¬3) البخاري في صحيحه (1/ 239 الباب رقم 6 - مع الفتح). (¬4) رقم (139) عن كريب مولى ابن عباس عن أسامة بن زيد أنه سمعهُ يقول: دفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من عرفه حتى إذا كان بالشعب نزل فَبال، ثم توضأ ولم يُسبغ الوضوء، فقلت: الصلاة يا رسول الله! فقال: الصلاة أمَامَك. فركب. فلما جاء المزدلفة نزل فتوضأ فاسبغ الوضوء. ثم أقيمت الصلاة فصلَّى المغرب ثم أناخ كلُّ إنسان بعيره في منزله، ثم أقيمت العشاء فصلّى، ولم يصلِّ بينهما.

ولفظ الرواية الثانية: "من آثار الوضوء" وهو دال على أن الغرة والتحجيل يحملان من الوضوء نفسه، ويزدادان من الغرة والتحجيل. الأول: حديث (أبي هريرة - رضي الله عنه -): 1 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّ أُمَّتِي تَأْتِي يَوْمَ القِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الوُضُوءِ، فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنكمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ" (¬1). [صحيح] "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [إنَّ] (¬2) أُمتي يدعون" ينادون أو يُسّمون. "يوم القيامة غراً" بضم المعجمة وتشديد الراء، جم أغر دون غرة, وأصل الغرة (¬3) لمعة بيضاء تكون في جبهة الفرس، تم استعملت في البهاء والشهرة، وطيب الذكر والمراد بها هنا: النور الكائن في وجوه أمة محمد - صلى الله عليه وسلم -، وانتصب "غراً" على المفعولية (¬4) لـ "يدعون" أو على الحال، أي: إنهم إذا دعوا على رؤوس الأشهاد، نودوا بهذا الوصف، وكانوا على هذه الصفة. "محجلين" (¬5) بالمهملة والجيم من التحجيل، وهو بياض يكون في ثلاث قوائم من قوائم الفرس، وأصله من الحجل بكسر الحاء المهملة، وهو (¬6) الخلخال، والمراد به هنا أيضاً النور. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (136)، ومسلم رقم (35/ 246)، والنسائي رقم (1/ 91، 95)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (218)، وأبو عوانة (1/ 224)، وأحمد في "المسند" (2/ 400) وهو حديث صحيح. (¬2) سقطت من (ب). (¬3) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 296)، "المجموع المغيث" (2/ 551). (¬4) انظر: "فتح الباري" (1/ 235). (¬5) قال ابن الأثير في "النهاية" (1/ 339) أي: بيضُ مواضع الوضوء من الأيدي والوجه والأقدام، استعار أثر الوضوء في الوجه واليدين والرجلين للإنسان من البياض الذي يكون في وجه الفرس، ويديه، ورجليه. (¬6) المحجل: هو الذي يرتفع البياض في قوائمه إلى موأضع القيد، ويجاوز الأرساغ، ولا يجاوز الركبتين؛ لأنهما مواضع الأحجال وهي الخلاخيل والقيود، ولا يكون التحجيل باليد واليدين ما لم يكن معها رجل، أو رجلان. =

"من آثار الوضوء" بضم الواو، ويجوز فتحهما على أنه الماء، قاله ابن دقيق العيد (¬1). "فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل" أي: يطيل الغرة والتحجيل، واقتصر على إحداهما لدلالتها على الأخرى، وخَصّ الغرة وهي مؤنثة لشرف محلها، ولأنها أول ما يقع عليه النظر من الإنسان (¬2). وفي مسلم (¬3): "فليطل غرته وتحجيله" والإطالة في الوجه أن يغسل إلى صفحة العنق، والتحجيل إلى المنكب في اليدين وإلى الركبة وقيل: إلى نصف العضد والساق. ثم ظاهر سياق الحديث أنه كله من كلامه صلى الله عليه [289 ب] وآله وسلم، لكن رواه أحمد (¬4) من طريق فليح عن نعيم، وفي آخره قال نعيم: لا أدري قوله: "من استطاع" من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - أو من قول أبي هريرة ولم أر هذه الجملة في رواية أحد ممن روى هذا الحديث من الصحابة وهم عشرة، ولا ممن رواه عن أبي هريرة غير رواية نعيم هذه (¬5). - وفي أخرى: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - تَوَضَّأُ فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ حَتَّى كَادَ يَبْلُغُ المَنْكِبَيْنِ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ حَتَّى رَفَعَ إِلَى السَّاقَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: إِنَّ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ غُرًّا، فَذَكَرَ الحَدِيثَ. ¬

_ = "غريب الحديث" للخطابي (1/ 143)، "القاموس المحيط" (ص 1270). "النهاية في غريب الحديث" (1/ 339). (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (1/ 236). (¬2) ذكره الحافظ في "الفتح" (1/ 236). (¬3) في صحيحه رقم (34/ 246). (¬4) في "المسند" (2/ 400). (¬5) قاله الحافظ في "الفتح" (1/ 236).

أخرجه الشيخان (¬1) والنسائي (¬2)، وهذا (¬3) لفظ الشيخين. [صحيح] قوله: "وفي" رواية "أخرى" أي: عن أبي هريرة. "أن أبا هريرة توضأ فغسل وجهه" لم يذكر الراوي أنه جاوز المعتاد من غسله، فيعرف أنَّه يغسل الغرة. "ويديه حتى كاد يبلغ المنكبين" دلَّ أنه دونهما. "ثم غسل رجليه حتى رفع إلى الساقين، ثم قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: إن أمتي يأتون يوم القيامة غراً .... الحديث". قوله: "أخرجه الشيخان، والنسائي واللفظ للشيخين". - ولمسلم (¬4) في أخرى قال: سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "تَبْلُغُ حِلْيَةُ المُؤْمِنِ حَيْثُ يَبْلُغُ الوُضُوءُ". [صحيح] "الغُرَّةُ وَالتَّحجِيلُ" (¬5): بياض في وجه الفرس وقوائمه، وذلك مما يحسنه ويزينه، فاستعاره للإنسان، وجعل أثر الوضوء في الوجه واليدين والرجلين، كالبياض الذي هو للفرس. "ولمسلم" عن أبي هريرة. "سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: تبلغ الحلية" المرادة من قول الله تعالى: {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ} (¬6) الآية. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (136)، ومسلم رقم (34، 246). (¬2) في "السنن" (1/ 94، 95). (¬3) بل هو لفظ مسلم. (¬4) في صحيحه رقم (250) وأخرجه النسائي في "السنن" رقم (149). (¬5) انظر: ما تقدم. (¬6) سورة الكهف الآية: 31، الحج الآية: 23.

السابعة: في مقدار الماء

"حيث يبلغ الوضوء" ظاهره أنها تحلى الأرجل لأجل التحجيل، وظاهر الحديث أنهم يحلون، وإن لم يفعلوا الغرة والتحجيل. وقد قالت طائفة من المالكية (¬1): لا يستحب الزيادة على الكعب، ولا المرفق لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "من زاد على هذا فقد أساء وظلم" (¬2)، وقد (¬3) رُدَّ ما قالته هذه الطائفة بأن رواية مسلم مصرحة في الاستحباب، فلا تعارض بالاحتمال. وقولهم: أنه اتفق (¬4) العلماء على خلاف مذهب أبي هريرة باطل، فإنه مذهب ابن عمر، وقال به من السلف جماعة وقال به: أكثر الشافعية (¬5) والحنفية (¬6). السابعة: في مقدار الماء (السابعة) من التسع السنن في مقدار الماء (في مقدار الماء) الذي يتوضأ به أو يكون منه ¬

_ (¬1) انظر: "مدونة الفقه المالكي وأدلته" (1/ 142 - 143). (¬2) تقدم تخريجه. (¬3) قاله الحافظ في "الفتح" (1/ 236). (¬4) قاله الحافظ في "الفتح" (1/ 236). (¬5) "البيان" للعمراني (1/ 130 - 132). (¬6) "البناية في شرح الهداية" (1/ 100 - 109).

الأول: حديث (أنس - رضي الله عنه -): 1 - عن أنس - رضي الله عنه - قال: "كان رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ إِلَى خَمْسَةِ أَمْدَادٍ وَيَتَوَضَّأُ بِالمُدَّ" (¬1). [صحيح] وفي رواية (¬2): "بِخَمْسَةِ مَكَاكيكَ، وَيَتَوَضَّأُ بِمَكُّوكٍ". [صحيح] وفي أخرى (¬3): "بِخَمْسَةِ مَكَاكِيَ". أخرجه الخمسة, وهذا لفظ الشيخين. وفي رواية الترمذي (¬4): "أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: يُجْزِئُ فِي الوُضُوءِ، رِطْلَانِ مِنْ مَاءٍ". [صحيح] وعند أبي داود (¬5): "وَكَانَ يَتَوَضَّأُ بِإِنَاءٍ يَسَعُ رَطْلَيْنِ، وَيَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ". [ضعيف] "المَكُّوُكُ" (¬6): المدّ. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (201)، ومسلم رقم (51/ 325)، وأبو داود رقم (95)، والترمذي رقم (609)، والنسائي (1/ 57، 58). (¬2) أخرجها مسلم في صحيحه رقم (49/ 324). (¬3) أخرجها مسلم في صحيحه رقم (50/ 325). (¬4) في "السنن" رقم (609) وهو حديث صحيح. (¬5) في "السنن" رقم (95)، وأخرجه أحمد (3/ 179) وهو حديث ضعيف. (¬6) المكوك: طاس يشرب به، وفي المحكم: طاس يشرب فيه، أعلاه ضعيف ووسطه واسع. [لسان العرب (10/ 461] ط: صادر. المكوك = صاع ونصف، والمكوك = 3264 غراماً. والمكوك = 3.264 كيلو غراماً. والمكوك = 2.024 لتراً. والصاع = 2176 غراماً، والصاع = 2.176 كيلو غراماً، وقد تقدم مفصلاً. والمد = 1/ 4 صاع، والمد = 1.333 رطل، والمد = 398.03 غرام. =

"كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يغتسل بالصاع" وهو أربعة أمداد. "إلى خمسة أمداد" فهذه الخمسة أكثر ما كان يبلغ غسله بها. "ويتوضأ بالمد" وهو مليء كفي الرجل المعتدل. "وفي أخرى بخمسة مكاكيك" ويأتي أن المكوك هو المد، وهو كالذي قبله. قوله: "أخرجه الخمسة، وهذا لفظ الشيخين"، وهما [290 ب] أي: لفظ "مكاكيك ومكاكي" متفقتان. قوله: "وفي رواية الترمذي" أي: عن أنس. "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: يجزيء في الوضوء رطلان من ماء" هو تقريب. "وعند أبي داود: كان يتوضأ بإناء" أي: منه. "يسع رطلين بالصاع"، وقال الشافعي (¬1) وأحمد (¬2) وإسحاق: ليس معنى هذا الحديث على التوقيت، وأنه لا يجوز أكثر منه ولا أقل منه. الثاني: 2 - وعن سفينة - رضي الله عنه - قال: "كَانَ رَسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يُغَسِّلهُ الصّاعُ مِنَ المَاءِ مِنَ الجَنَابِة، وَيُوَضِّيهِ المُدُّ". أخرجه مسلم (¬3) والترمذي (¬4). [صحيح] ¬

_ = وانظر: ذلك مفصلاً في كتابنا "الإيضاحات العصرية للمقاييس والمكاييل والأوزان والنقود الشرعية" (ص 90، 114، 120). (¬1) انظر: "البيان" للعمراني (1/ 256 - 257). (¬2) انظر: "المغني" (1/ 293 - 295). (¬3) في صحيحه رقم (326). (¬4) في "السنن" رقم (56). وأخرجه أحمد (5/ 222)، وابن ماجه رقم (267). وهو حديث صحيح.

حديث "سفينَة" مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. "قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يغسّله الصاع من الماء من الجنابة" أي: ومن غيرها. (ويوضيه المد) أي: يكفيه للوضوء. "قوله: "أخرجه الترمذي". قلت: وقال (¬1): حديث سفينة حديث حسن صحيح. الثالث 3 - وعن أم عمارة - رضي الله عنها -: أَنّ النّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - تَوَضَّأُ فَأُتَيِ بِإِناَ فِيهِ مَاءِ قَدْرُ ثُلُثَيِ المُدِّ. أخرجه أبو داود (¬2) والنسائي (¬3). [صحيح] وزاد (¬4): "قَالَ شُعْبَةُ: فَأَحْفَظُ أنَّهُ غَسَلَ ذِرَاعَيْهِ، وَجَعَلَ يَدْلُكُهُمَا، وَجَعلَ يَمْسَحُ أُذُنَيْهِ بَاطِنَهُمَا، وَلَا أَحْفَظُ أَنَّهُ مَسَحَ ظَاهِرَهُمَا". [صحيح] حديث: "أم عمارة" (¬5) بضم العين المهملة، وتخفيف الميم الأنصارية، قيل: اسمها نسيبة بنت كعب بن عمرو، والدة عبد الله بن زيد، صحابية مشهورة. "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - توضأ" أراد الوضوء. "فأتي بإناء فيه قدر ثلثي مد" هذا أقل ما ورد في قدر قلة ماء الوضوء. قوله: "أخرجه أبو داود". ¬

_ (¬1) في "السنن" (1/ 84). (¬2) في "السنن" رقم (94). (¬3) في "السنن" رقم (74)، وهو حديث صحيح. (¬4) أي: النسائي في "السنن" رقم (74). (¬5) تقدمت ترجمتها.

قلت: ترجمه باب (¬1): ما يجزي من الماء في الوضوء. "والنسائي، وزاد، قال شعبة" فإنه رواه عنه أبو داود والنسائي. "فأحفظ" أي: في حديثها هذا. "أنه غسل ذراعيه" أي: إلى المرفقين. "وجعل يدلكهما" فيه دليل لمن قال بالدلك. "وجعل يمسح أذنيه باطنهما ولا أحفظ" أي: في هذا الحديث. "أنه مسح (¬2) ظاهرهما". الرابع: حديث (عبد الله بن زيد - رضي الله عنه -) 4 - وعن عبد الله بن زيد - رضي الله عنه - قال: جَاءَنَا رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَأَخْرَجْنَا لَهُ مَاءً فِي تَوْرٍ مِنْ صُفْرٍ فَتَوَضَّأَ. أخرجه أبو داود (¬3). [صحيح] "قال: جاءنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأخرجنا له ماء" أي: لوضوءه. "في تور" بفتح المثناة الفوقية وسكون الواو، في "النهاية" (¬4): هو إناء من صفر، أو حجارة كالأجَّانة وقد يُتَوضأ منه. انتهى. "من صفر" (¬5) هو الشبه معروف، وهو بلفظ: "الشبه" في إحدى روايات أبي داود (¬6)، وهو بضم الصاد المهملة، وسكون الفاء "فتوضأ". قوله: "أخرجه أبو داود". ¬

_ (¬1) أبو داود في "السنن" (1/ 71 الباب رقم 44). (¬2) تقدم مفصلاً. (¬3) في "السنن" رقم (99). وأخرجه البخاري في صحيحه رقم (197)، وابن ماجه قم (471). وهو حديث صحيح. (¬4) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 198). (¬5) أي إنا من نحاس. (¬6) في "السنن" رقم (98) وهو حديث صحيح.

قلت: ترجمه (¬1): باب الوضوء في آنية الصُّفْر. الخامس: حديث (أُبَيّ بن كعب - رضي الله عنه -): 5 - وعن أُبيّ بن كعب - رضي الله عنه - قال: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ لِلْوُضُوءِ شَيْطَانًا يُقَالُ لَهُ الوَلْهَانُ، فَاتَّقُوا وَسْوَاسَ المَاءِ". أخرجه الترمذي (¬2). [ضعيف جداً] "قال: قال رسول الله [291 ب]- صلى الله عليه وسلم -: إن للوضوء" أي: للتشكيك على المتوضئ. "شيطاناً يقال له الولهان" بتحريك حروفه كلها بالفتح، في اسمه دلالة على فعله، وهو توليه العبد، وشغلته والوله ذهاب العقل وشدة التحير، ومنه الحديث: "لا توله والدة عن ولدها" (¬3) أي: لا يفرق بينهما في البيع، وكل أنثى فارقت ولدها فهي واله ووالهة، ولقد يعجب الإنسان ممن يبتلى بوساوس الوضوء، فإنه كأنه غير عاقل، ولذا قال - صلى الله عليه وسلم -: "فاتقوا وسواس الماء" أي: وساوسكم في الوضوء بالماء. قوله: "أخرجه الترمذي". قلت: ترجمه (¬4) باب كراهية الإسراف في الوضوء، ثم قال (¬5): وفي الباب عن عبد الله ابن عمر، وعبد الله بن مغفل. ¬

_ (¬1) أبو داود في "السنن" (1/ 74 الباب رقم 47). (¬2) في "السنن" رقم (57) وهو حديث ضعيف جداً. (¬3) أخرجه الطبراني في "الكبير" من حديث قتادة في حديث طويل. وقد ذكره ابن الصلاح في "مشكل الوسيط" أنه يروى عن أبي سعيد، وهو غير معروف، وفي ثبوته نظر، كذا قال. وقال في موضع آخر: إنه ثابت. وقال ابن حجر في "التلخيص" (3/ 36) عزاه صاحب مسند الفردوس للطبراني من حديث أبي سعيد. وعزاه الجبلي في "شرح التنبيه" لرزين، وأخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (5/ 8) من حديث أبي بكر بسند ضعيف. (¬4) الترمذي في "السنن" (1/ 84 الباب رقم 43). (¬5) في "السنن" (1/ 85).

الثامنة: المنديل

قال (¬1) أبو عيسى: حديث أبي بن كعب، حديث غريب وليس إسناده بالقوي عند أهل الحديث، ولأنَّا لا نعلم أحداً أسنده غير خارجه، وقد روي هذا من غير وجهٍ عن الحسن قوله (¬2): ولا يصح في هذا الباب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - شيء وخارجه (¬3) ليس بالقوي عند أصحابنا، وضعفه ابن المبارك. انتهى بلفظه. الثامنة: المنديل (الثامنة) من التسع السنن المنديل (المِندِيْلُ) في "القاموس" (¬4): المنديل بالفتح والكسر وكمنبر، الذي يتمسح به ويتمندل به، وتمندل تمسح. الأول: حديث (عائشة - رضي الله عنها -): 1 - عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كَانَ لِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - خِرْقَةُ يُنَشِّفُ بِهَا بَعْدَ الوُضُوءِ. أخرجه الترمذي (¬5). [إسناده ضعيف] ¬

_ (¬1) في "السنن" (1/ 85). (¬2) أي: موقوفاً من كلام الحسن البصري. (¬3) في حاشية المخطوط ما نصه: [هو خارجة بن مصعب بن خارجة الضبعي، أبو الحجاج السرخسي ضعفه غير واحد ووهاه أحمد، وتركه ابن المبارك انتهى الخلاصة]. وقال ابن حجر في "التقريب" (1/ 210 رقم - 211 رقم 7)، متروك وكان يدلس عن الكذابين، ويقال إن ابن معين كذبه. (¬4) "القاموس المحيط" (ص 1372). (¬5) في "السنن" رقم (53) بإسناد ضعيف. وأخرجه البيهقي (1/ 185) وقال: أبو معاذ هذا هو سليمان بن أرقم وهو متروك، اهـ. =

"قالت: كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرقة يُنَشِّف بها بعد الوضوء" أي: يزيل بها آثار الماء. قوله: "أخرجه الترمذي". قلت: ترجمه (¬1) بباب: التَّمنْدُل بعد الوضوء، ثم بعد إخراجه قال (¬2): حديث عائشة ليس بالقائم ولا يصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الباب شيء. انتهى. 2 - وعن معاذ - رضي الله عنه - قال: رَأَيْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - إِذَا تَوَضَّأَ مَسَحَ وَجْهَهُ بِطَرَفِ ثَوْبِهِ. أخرجه الترمذي (¬3). [إسناده ضعيف] وقوله في حديث معاذ: "أخرجه الترمذي". قلت: وقال (¬4): هذا إسناد غريب، وإسناده ضعيف، وأبان (¬5) وجه ضعفه. ثم قال (¬6): وقد رخص (¬7) قوم من أهل العلم، من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن بعدهم في التمندل بعد الوضوء، ومن كرهه إنمَّا كرهه مِنْ قِبَلِ أَنَّه قد قيل: إِنَّ الوضوءَ يُوزن، وروي ذلك عن سعيد بن المسيب والزهري. ¬

_ = وأخرجه الدارقطني (1/ 110 رقم 1)، وقال: وأبو معاذ هو سليمان بن أرقم وهو متروك. (¬1) في "السنن" (1/ 74 الباب رقم 40). (¬2) الترمذي في "السنن" (1/ 74 - 75). (¬3) في "السنن" رقم (54) بإسناد ضعيف. (¬4) الترمذي في "السنن" (1/ 75 - 76). (¬5) أي: الترمذي في "السنن" (1/ 76) ورشدين بن سعد وعبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي يضعّفان في الحديث. وانظر: "التقريب" رقم (1942) و (3862). (¬6) الترمذي في "السنن" (1/ 76). (¬7) انظر: "المجموع شرح المهذب" (1/ 486)، "المدونة" (1/ 17).

التاسعة: الدعاء والتسمية

ثم (¬1) ساق كلامه الزهري بسنده إليه، قال: إنما كره [292 ب] المنديل بعد الوضوء؛ لأن الوضوء يوزن. انتهى. التاسعة: الدعاء والتسمية (التاسعة) من السنن الدعاء والتسمية (الدُّعَاءُ وَالتّسْمِيَة) الأول: حديث (أبي هريرة - رضي الله عنه -): 1 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ صَلاَةَ لِمَنْ لاَ وُضُوءَ لَهُ، وَلاَ وُضوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرِ اسْمَ الله عَلَيْهِ". أخرجه أبو داود (¬2). [حسن لغيره] ¬

_ (¬1) أي: الترمذي في "السنن" (1/ 76). (¬2) في "السنن" رقم (101). وأخرجه أحمد (2/ 418)، وابن ماجه رقم (399)، والترمذي في "العلل الكبير" حيث قال: "فسألت الترمذي عن هذا الحديث فقال: محمد بن موسى المخزومي لا بأس به مقارب الحديث، ويعقوب بن سلمة مدني لا يُعرف له سماع من أبيه، ولا يعرف لأبيه سماعٌ من أبي هريرة. قال أبو عيسى: سمعت إسحاق بن منصور يقول: سمعت أحمد بن حنبل يقول: لا أعلم في هذا الباب حديثاً له إسناد جيد. والحاكم في "المستدرك" (1/ 146) وقال: صحيح الإسناد, فقد احتج مسلم بيعقوب بن أبي سلمة الماجشون, واسم أبي سلمة: دينار. ولم يوافقه الذهبي بل قال: صوابه ثنا يعقوب بن مسلمة لليثي عن أبيه عن أبي هريرة وإسناده فيه لين. قلت: وهم الحاكم بقوله يعقوب بن أبي سلمة الماجشون, الصواب: الليثي. انظر: "التقريب" (2/ 375)، و"الميزان" (4/ 452).

"قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا صلاة لمن لا وضوء له" هذا اتفاق، "ولا وضوء" صحيح "لمن لم يذكر اسم الله عليه" هذا ظاهر في عدم (¬1) صحة الوضوء بدون ذكر اسم الله عليه, لولا أن الحديث فيه ما تسمع. قوله: "أخرجه أبو داود". قلت: ثم أخرج أبو داود (¬2) عقبة عن ربيعة (¬3): أن تفسير حديث النَّبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله" أن الذي يتوضأ ويغتسل [ولا ينوي وضوءه للصلاة, واغتساله للجنابة] (¬4). انتهى. فأوّله بأن المراد من ذكر الله النَّية للأمرين. قال المنذري (¬5): وأخرجه الترمذي (¬6) وابن ماجه (¬7)، من حديث سعيد بن زيد عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وفي هذا الباب أحاديث ليست أسانيدها بمستقيم وحكى الأثرم عن الإمام أحمد أنه قال: ليس في هذا الباب حديث يثبت، وقال: أرجوا أنه يجزئه الوضوء؛ لأنَّهُ ليس في هذا الباب حديث أحكم به، وقال أيضاً: لا أعلم في هذا الباب حديثاً له إسناد جيد. انتهى. ¬

_ (¬1) انظر: "المغني" (1/ 145 - 146)، "المجموع شرح المهذب" (1/ 386 - 317)، "حلية العلماء" (1/ 136). (¬2) في "السنن" إثر الحديث رقم (101). (¬3) في "السنن" رقم (102). (¬4) كذا في "المخطوط" (أ، ب) والذي في السنن: ولا ينوي وضوءاً للصلاة, ولا غسلاً للجنابة. (¬5) في "مختصر السنن" (1/ 88). (¬6) في "السنن" رقم (25). (¬7) في "السنن" رقم (398) وهو حديث ضعيف جداً.

الثاني: 2 - وعن رباح بن عبد الرحمن بن أبي سفيان بن حويطب، عن جدته، عن أبيها قال: سَمِعْتُ رَسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "لاَ وُضُوءَ لمَنْ لَمْ يَذْكُرِ اسْمَ الله عَلَيْهِ". أخرجه الترمذي (¬1). [ضعيف جداً] حديث: "رباح بن عبد الرحمن بن أبي سفيان بن حويطب عن جدته" هي بنت (¬2) سعيد بن زيد "عن أبيها" سعيد بن زيد الصحابي المعروف. "قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه". قوله: "أخرجه الترمذي". قلت: وقال (¬3): قال أحمد: لا أعلم في هذا الباب حديثاً له إسناد جيد، ثم قال إنه قال محمد بن إسماعيل: أحسن شيء في هذا الباب حديث رباح بن عبد الرحمن. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (25). وأخرجه أحمد (4/ 70)، والدارقطني في "السنن" (1/ 72 رقم 10)، والعقيلي في "الضعفاء" (1/ 177)، والحاكم (4/ 60)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (1/ 3)، والطيالسي في "مسنده" رقم (243)، والطحاوي في "مشكل الآثار" (1/ 26)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (1/ 43)، وابن الجوزي في "العلل المتناهية" (1/ 336)، من طريق أبي ثفال المري، عن رباح بن عبد الرحمن بن أبي سفيان بن حويطب عن جدته عن أبيها سعيد بن زيد مرفوعاً: "لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه" وهو حديث ضعيف جداً. أبو ثفال: اسمه ثمامة بن وائل بن معين، وقد ينسب لجده, وقيل: اسمه وائل بن هاشم بن حصين، مشهور بكنيته. مقبول من الخامسة. "التقريب" (1/ 120). جدته: أسماء بنت سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل العدوية، ويقال أن لها صحبة. "التقريب" (2/ 589). (¬2) في "حاشية المخطوط" [سمّاها البيهقي في "السنن الكبرى" (1/ 43) أسماء. انتهى. وهو كما قال: انظر: "التقريب" (2/ 589). (¬3) الترمذي في "السنن" (1/ 38).

الثالث: حديث (أبي هريرة). 3 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سَمِعْتُ رَسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مَنْ ذَكَرَ الله تَعَالى أَوّلَ وُضوئهِ طَهُرَ كُلَّهُ, وَإذَا لَمْ يَذْكُرِ اسْمَ الله لَمْ يَطْهُرْ مِنْهُ إلاَ مَوْضِعُ الوُضوءِ" (¬1). أخرجه زرين. [ضعيف] ساقه المصنف، ونسب إلى تخريج رزين ومقدم ما فيه, ولو ثبت دل على صحة الوضوء من دون (¬2) تسمية. ¬

_ (¬1) أخرجه الدارقطني في "السنن" (1/ 74، 75)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (1/ 44)، وقال: وهذا أيضاً ضعيف أبو بكر الداهري غير ثقة عند أهل العلم بالحديث. أبو بكر الداهري عبد الله بن الحكم. قال يعقوب بن شيبة: متروك الحديث. وقال إبراهيم بن أبي طالب: متروك يتكلمون فيه. انظر: "لسان الميزان" (3/ 759 - 762)، و"الميزان" (2/ 410)، و"الكامل" لابن عدي (4/ 138)، و"الضعفاء الكبير" للعقيلي (2/ 241). وأخرجه الدارقطني في "السنن" (1/ 74)، والبيهقي في "السنن" (1/ 45)، وقال البيهقي: وروي من وجه آخر ضعيف عن أبي هريرة مرفوعاً. وأخرجه الدارقطني في "السنن" (1/ 73 رقم 11)، وقال: يحيى بن هاشم ضعيف. والبيهقي في "السنن الكبرى" (1/ 44) كلاهما من حديث ابن مسعود: وقال البيهقي هذا حديث ضعيف لا أعلم رواه عن الأعمش إلا يحيى بن هاشم ويحيى متروك الحديث. يحيى بن هاشم السمار، كذبه ابن معين، وقال النسائي وغيره: متروك، وقال ابن عدي: كان ببغداد يضع الحديث ويسرقه. انظر: "الميزان" (4/ 412)، و"اللسان" (6/ 279)، "الجرح والتعديل" (9/ 195). (¬2) قال الشافعي وأصحابه: تسن التسمية، فيصح الوضوء مع تركها ولو عمداً. "حلية العلماء" (1/ 136)، "مغني المحتاج" رقم (1/ 57)، "المجموع شرح المهذب" (1/ 386 - 387)، "الأم" (1/ 99).

الباب الخامس: في الأحداث الناقضة للوضوء

الرابع: حديث (أبي موسى): 4 - وعن أبي موسى - رضي الله عنه - قال: "أَتَيْتُ رَسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يَتَوَضّأَ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: اللهمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، وَوَسِّعْ لِي فِي دَارِي، وَبَارِكْ لِي فِيمَا رَزَقْتَنِي" (¬1). أخرجه رزين. [صحيح] وظاهره أنه سمعه - صلى الله عليه وسلم - يقول: ذلك في حال وضوءه ولم نجده إلاّ في هذا الحديث الذي ذكره رزين، وقد ثبت بعد الوضوء أدعيه صحيحة متفق عليها [293 ب] ذكرناها في "سبل السلام" (¬2). الباب الخامس: في الأحداث الناقضة للوضوء (البَابُ الخاَمِسُ) (في: الأحداث الناقضة للوضوء) تسمية النواقض أحداثاً اصطلاحاً لا لغة ¬

_ (¬1) أخرجه النسائي في "عمل اليوم والليلة" رقم (80)، وأحمد في "المسند" (4/ 399)، وابن السني في "عمل اليوم والليلة" رقم (28) من طريق المعتمر بن سليمان، والحديث يصرح بأن الدعاء في الصلاة لا في الوضوء. والحديث أخرجه أحمد (5/ 367)، والطبراني في "الصغير" (2/ 91)، ولم يفيد الذكر بوقت مخصوص. وأورده الهيثمي في "المجمع" (10/ 112)، وقال رواه أحمد وأبو يعلى، ورجالهما رجال الصحيح إلا عباد وهو ثقة. (¬2) (1/ 229 - 231) بتحقيقي. منها ما أخرجه مسلم في صحيحه رقم (234)، وأحمد (4/ 145 - 146، 153)، وأبو عوانة (1/ 225)، وأبو داود رقم (169)، والنسائي رقم (148)، وابن ماجه رقم (470)، والبيهقي (1/ 78)، (2/ 180) عن عمر - رضي الله عنه - قال: قال رسول - صلى الله عليه وسلم -: "ما منكم من أحد يتوضأ، فيسبغ الوضوء، ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، إلا فتحت له أبواب الجنة". وزاد الترمذي: "اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين". وهو حديث صحيح.

الأول: في الخارج من السبيلين وغيرهما

وفيه: ستة فروع. الأول: في الخارج من السبيلين وغيرهما (وفيه ستة فروع: الأول) منها. (في الخارج من السبيلين وغيرهما: وهو القيء والدم) وهو: أربعة أنواع. "وهو" أي: الفرع الأول. "أربعة أنواع" والنوع الأول: أربعة أشياء. الأول: الريح (الأول: الريح) أي: الخارج من الدبر، وفيه ثلاثة أحاديث. الأول: حديث (أبي هريرة - رضي الله عنه -): 1 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لاَ وُضُوءَ إِلاَّ مِنْ صَوْتٍ, أَوْ رِيحٍ" (¬1). [صحيح] وفي رواية (¬2): "إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ فِي المَسْجِدِ فَوَجَدَ رِيحًا بَيْنَ اليَتَيْهِ، فَلَا يَخْرُجْ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا، أَوْ يَجِدَ رِيحًا". أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي، وهذا لفظ الترمذي. [صحيح] ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم في صحيحه رقم (362)، وأبو داود رقم (177)، وابن ماجه رقم (515)، والترمذي رقم (74، 75)، وهو حديث صحيح. (¬2) عند الترمذي في "السنن" رقم (75)، وهو حديث صحيح. قال البيهقي في "السنن الكبرى" (1/ 117)، هذا حديث ثابت، وقد اتفق الشيخان على إخراج معناه من حديث عبد الله بن زيد. =

"أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: لا وضوء" واجب. "إلا من ريح أو صوت" يسمع من المخرج، والريح ما تدرك بحاسة الشم، لقوله: "أو يجد ريحاً". "وفي رواية" عن أبي هريرة. "إذا كان أحدكم في المسجد" مثلاً. "فوجد ريحاً بين إليته فلا يخرج" من صلاته أو من المسجد ليحدث وضوءاً. "حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً" قال محيى السنة: المراد حتى يتيقن الحدث، لا أن سماع الصوت، أو وجدان الريح شرط. قلت: هو خلاف ظاهر الحديث. قوله: "أخرجه مسلم، وأبو داود والترمذي". - ولمسلم (¬1): "إِذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ فِي بَطْنِهِ شَيْئًا فَأَشْكَلَ عَلَيْهِ أَخَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ أَمْ لاَ؟ فَلاَ يَخْرُجْ مِنَ المَسْجِدِ، حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا، أَوْ يَجِدَ رِيحًا". [صحيح] "ولمسلم" عن أبي هريرة: "إذا وجد أحدكم في بطنه شيئاً" المراد به هو الحركة التي يظن بها أنه حدث، والحديث أصل في إعمال الأصل (¬2) وإخراج الشك. ¬

_ = [البخاري رقم (137)، ومسلم رقم (98/ 361)، وأبو داود رقم (176)، وابن ماجه رقم (513)، والنسائي (1/ 98 - 99)، وابن الجارود رقم (3)، والحميدي في "مسنده" رقم (413)، وابن المنذر في "الأوسط" (1/ 137 رقم 513). وهو حديث صحيح. (¬1) في صحيحه رقم (99/ 362). وأخرجه البخاري رقم (176، 445، 477، 647، 2119، 3229). (¬2) قال النووي في "شرحه لصحيح مسلم" (4/ 49) وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً" معناه يعلم وجود أحدهما ولا يشترط السماع والشم بإجماع المسلمين، وهذا الحديث أصل من أصول الإسلام وقاعدة =

"فأُشكل عليه ذلك الشيء" أو قعد في إشكال "أخرج منه أم لا؟ فلا يخرج من المسجد" أو من صلاته. "حتى يسمع صوتاً، أو يجد ريحاً". - وعند أبي داود (¬1): "إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلاَةِ, فَوَجَدَ حَرَكَةً فِي دُبُرِهِ, أَحْدَثَ أَوْ لَمْ يُحْدِثْ، فَأَشْكَلَ عَلَيْهِ فَلاَ يَنْصَرِفُ, حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا، أَوْ يَجِدَ رِيحًا". [صحيح] "وعند أبي داود" أي: عن أبي هريرة مرفوعاً. "إذا كان أحدكم في الصلاة فوجد حركة في دبره" يوجب تشككه. "أحدث أوْ لمَ يحدث فأُشكل عليه, فلا ينصرف من صلاته حتى يسمع صوتاً، أو يجد ريحاً" ألفاظ الحديث كلها دالة على أنه لا حكم للشك في الخروج عن الطهارة، حتى يحصل اليقين بريح أو صوت، وهذه قاعدة عظيمة من قواعد الشريعة أن كل (¬2) يقين في أي شيء لا يرفعه شك. الثاني: 2 - وعن عبد الله بن زيد - رضي الله عنه - قال: شُكِيَ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - الرَّجُلُ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَهُ يَجِدُ الشَّيْءَ فِي صَّلاَتِهِ قَالَ: "لاَ يَنْصَرِفُ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا، أَوْ يَجِدَ رِيحًا". أخرجه الخمسة (¬3)، إلا الترمذي. ¬

_ = عظيمة من قواعد الفقه، وهي أن الأشياء يحكم ببقائها على أصولها حتى يتيقن خلاف ذلك، ولا يضر الشك الطارئ عليها فمن ذلك مسألة الباب التي ورد فيها الحديث وهي أن من تيقن الطهارة وشك في الحدث حكم ببقائه على الطهارة ولا فرق بين حصول هذا الشك في نفس الصلاة وحصوله خارج الصلاة، هذا مذهبنا ومذهب جماهير العلماء من السلف والخلف. (¬1) في "السنن" رقم (177) وهو حديث صحيح. (¬2) انظر: "شرح صحيح مسلم" للنووي (4/ 49)، و"فتح الباري" (1/ 238). (¬3) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (137)، ومسلم رقم (98/ 361)، وأبو داود رقم (176)، والنسائي (1/ 98 - 99)، وابن ماجه رقم (513). وهو حديث صحيح وقد تقدم.

- وزاد أبو داود (¬1) في رواية: "إذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ المَسْجِدَ فَوَجَدَ شَيْئاً بَيْنَ اليَتَيْهِ فَلاَ يَخْرُجْ حَتَّىَ يَسْمَعَ فَشِيشَهاَ أَوْ طَنِينَهاَ" (¬2). [صحيح] "الفَشِيشُ" (¬3) خروج ريح من نحو السقاء (¬4)، أراد صوت الريح التي تخرج من الإنسان. حديث: "عبد الله بن زيد - رضي الله عنه -" وهو ابن عاصم المازني. "قال: شكي" يروي بالبناء على الفاعل، وأنه هو الشاكي، ويؤيده رواية ابن خزيمة (¬5): "سألت" ويروي بالبناء للمفعول. "إلى النَّبي - صلى الله عليه وسلم - الرجل" لفظه في أبي داود (¬6): "الرجل يجد [294 ب] الشيء". "حتى يخيّل" أي: يظن (¬7) إليه. "أنه يجد الشيء" أي: الناقض لطهارته. "في صلاته قال: لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً" إن قلت: إن كان أصم أو فاقد حاسة الشم؟ قلتُ: فلا يعمل بتخيله بل يبقى على تيقنه. قوله: "أخرجه الخمسة إلا الترمذي". ¬

_ (¬1) لم نجدها في "سنن أبي داود". (¬2) قال ابن الأثير في "الجامع" (7/ 195): وفي رواية ذكرها رزين ثم ذكر هذه الرواية. (¬3) قال ابن الأثير في "غريب الجامع" (7/ 195)، الفشيش: صوت خروج ريح من زق ونحوه، أراد: صوت الريح التي تخرج من الإنسان. وانظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 372). (¬4) كذا في "المخطوط" والذي في "النهاية" نحو فش السقاء. (¬5) ذكره الحافظ في "الفتح" (1/ 237). (¬6) في "السنن" رقم (176). (¬7) انظر: "فتح الباري" (1/ 237).

"وزاد أبو داود" في روايته عن عبد الله بن زيد. "إذا دخل أحدكم المسجد" أي: لأداء الصلاة. "فوجد شيئاً" من حركة. "بين إليتيه فلا يخرج حتى يسمع فشيشها" فسره المصنف بأنه صوت الريح. "أو طنينها" كأنه شك من الراوي في أحد اللفظين. واعلم أن هذه الرواية التي نسبها المصنف إلى أبي داود، لم أجدها (¬1) في سنن أبي داود، ثم رأيتُ ابن الأثير ذكرها في "الجامع" (¬2) فقال: وفي رواية ذكرها رزين. الثالث: حديث (علي بن طلق). 3 - وعن علي بن طلق - رضي الله عنه - قال: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا فَسَا أَحَدُكُمْ فِي الصَّلاةِ فَلْيَنْصَرِفْ، فَلْيَتوَضَّأْ، وَلْيُعِدْ صَلاتَهُ". أخرجه أبو داود (¬3)، وهذا لفظه. [ضعيف] - والترمذي (¬4) ولفظه: "أَتَى أَعْرَابِيٌّ, فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله! الرَّجُلُ مِنَّا يَكُونُ فِي الفَلَاةِ, فَتَكُونُ مِنْهُ الرُّوَيْحَةُ, وَيَكُونُ فِي المَاءِ قِلَّةٌ, فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: إِذَا فَسَا أَحَدُكُمْ فَلْيَتَوَضَّأْ، وَلَا تَأْتُوا النِّسَاءَ فِي أَعْجَازِهِنَّ، فَإِنَّ الله لَا يَسْتَحْيِي مِنْ الحَقِّ". [حسن] "قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إذا فسا أحدكم في الصلاة" أي: تيقَّن ذلك. "فلينصرف" يخرج من صلاته. ¬

_ (¬1) وهو كما قال الشارح. (¬2) (7/ 195). (¬3) في "السنن" رقم (205) وهو حدث ضعيف. (¬4) في "السنن" رقم (1166)، وهو حديث حسن.

"وليتوضأ وليعد الصلاة" ولا يبني على ما قد صلَّى، وقد ورد حديث أنه يبني وفيه مقال: ذكرناه في "سبل السلام" (¬1). قوله: "أخرجه أبو داود وهذا لفظه". قوله: "والترمذي" أي: أخرجه عن علي بن طلق. "ولفظه: أتى أعرابي فقال: يا رسول الله! الرجل يكون في الفلاة، فتكون منه الرُّويحة تصغير الريح، أي: الخارج من الدبر. "ويكون في الماء قلة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إذا فسا أحدكم فليتوضأ ولا تؤتوا النساء في أعجازهن" في الدبر نفسه، لا في القبل من الدبر. قلت: إلى هنا رواية الترمذي ولفظه. وأما قوله: "فإن الله لا يستحي من الحق" فليس (¬2) من لفظ الترمذي، بل من لفظ رواية ساقها ابن الأثير (¬3)، عن أنس (¬4)، وبيض لها؛ لأنها مما وجده في كتاب رزين، غير منسوب إلى أحد فالتبس على المصنف وضمَّه إلى حديث علي بن طلق، وليس منه، قلت: وقال الترمذي (¬5): ¬

_ (¬1) (1/ 268 رقم (8/ 68) بتحقيقي. عن عائشة - رضي الله عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أصابه فيْ، أو رعافُ، أو قلسُ، أو مذي، فلينصرف فليتوضأ، ثم ليبن على صلاته, وهو في ذلك لا يتكلم" وهو حديث ضعيف. أخرجه ابن ماجه رقم (1221)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (2/ 255) وسيأتي. (¬2) بل أخرجها الترمذي في "السنن" رقم (1164) من حديث علي بن طلق. (¬3) في "الجامع" (7/ 196 رقم 2516) من رواية علي بن طلق - رضي الله عنه -. (¬4) برقم (5217) من رواية أنس بن مالك - رضي الله عنه -. (¬5) في "السنن" (3/ 468).

الثاني: المذي

حديث علي بن طلق حديث حسن، وسمعت محمداً - يعني البخاري - يقول: لا أعرف لعلي بن طلق عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غير هذا الحديث الواحد [295 ب]. الثاني: المذي قوله: (الثاني) أي: من الأنواع الأربعة. (المذي) (¬1) بفتح الميم وسكون الذال المعجمة, مخفف الياء, هذا هو المشهور، وفيه لغة (¬2) أخرى، وهي كسر الذال وتشديد الياء. الأول: 1 - عن محمد بن الحنفية قال: قَالَ عِليٍّ - رضي الله عنه -: كُنْتُ رَجُلاً مَذَّاءً فَاسْتَحْييتُ أَنْ أَسْأَلَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - لمِكَانِ ابْنَتِهِ، فَأَمَرْتُ المِقْدَادَ بْنَ الأَسْوَدِ - رضي الله عنه - فَسَأَلهُ فَقَالَ: "يَغْسِلُ ذَكَرَهُ وَيَتَوَضَّأُ". أخرجه الستة (¬3)، وهذا لفظ الشيخين. [صحيح] حديث: "محمد بن الحنفية - رضي الله عنه -" هو محمد بن (¬4) علي بن أبي طالب الهاشمي أبو القاسم، المعروف بابن الحنفية وهي أمه، واسمها خولة بنت جعفر الحنفي اليمامي، وهي من سبي بني حنيفة (¬5)، وينبني محمد بالتنوين. ¬

_ (¬1) انظر: "النهاية" (2/ 646)، "الفائق" للزمخشري (3/ 354). (¬2) انظر: "فتح الباري" (1/ 379)، "غريب الحديث" للهروي (2/ 263). (¬3) أخرجه البخاري رقم (178)، ومسلم رقم (303)، ومالك في "الموطأ" (1/ 40)، وأبو داود رقم (206، 207، 208، 209)، والترمذي رقم (114)، والنسائي (1/ 96، 97). وهو حديث صحيح. (¬4) انظر: "التقريب" (2/ 192 رقم 549). (¬5) قاله ابن الأثير في "تتمة جامع الأصول" (2/ 876 - قسم التراجم).

"قال: قال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - كنت رجلاً مذاءً" بصيغة المبالغة على فعال مثل: ضرّاب، من المذي، والفعل مذي كمضى، وأمذى كأعطى. يقال: مذى يَمذي، وأمذى يُمذي، وهو نجس يجب غسل ما أصاب البدن أو الثياب منه، وهو ماء أبيض رقيق، يخرج عند الملاعبة والنظر لشهوة، وهو من النساء أكثر منه من الرجل. "فاستحييت أن أسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمكان ابنته" الحياء تغيرُ وانكسار، يعرض للإنسان من تخوف ما يعاتب عليه أو يذم به. "فأمرت المقداد بن الأسود - رضي الله عنه -" أي: أن يسأله - صلى الله عليه وسلم - عن حكم المذي, فقد روي: "أن علياً - عليه السلام - كان يغتسل منه حتى تشقق ظهره". "فسأله فقال: يغسل ذكره" أخذ مالك (¬1) وأحمد (¬2) في رواية عنهما أنه يجب غسل جميع الذكر لإطلاقه في الحديث، وذهب الجمهور (¬3) إلى أنه لا يغسل منه إلا ما أصابه المذي، فالأولون حملوا الذكر على الحقيقة, وحمله الآخرون على المجاز نظراً إلى المعنى؛ لأنه لا يوجب الغسل إلا خروج الخارج، وذلك يقتضي الاقتصار على محله. "ويتوضأ" لأنه ناقص كسائر ما يخرج من السبيلين. قوله: "أخرجه الستة وهذا لفظ الشيخين". - وفي رواية مالك (¬4) وأبي داود (¬5)، عن المقداد: أَنَّ عَلِيًّا - رضي الله عنه -، أَمَرَهُ أَنْ يَسْأَل لَهُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنْ الرَّجُلِ إِذَا دَنَا مِنْ اْمرَأتِهِ فَخَرَجَ مِنْهُ المَذْيُ مَاذَا عَلَيْهِ؟ قَالَ عَلْيٌّ: فَإِنَّ عِنْدِي ابْنَةْ رَسُولَ الله ¬

_ (¬1) في "الموطأ" (1/ 40 - 41). (¬2) في "المسند" (1/ 80، 82, 87, 107, 111, 121). (¬3) انظر: "المغني" (2/ 497)، "المجموع شرح المهذب" (2/ 571). (¬4) في "الموطأ" (1/ 40 رقم 53). (¬5) في "السنن" رقم (207). =

- صلى الله عليه وسلم -، وَأَنَا أَسْتَحِي أَنْ أَسْأَلهُ, قَالَ المِقْدادُ: فَسَالتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: "إِذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ ذَلِكَ، فَلْيَنْضَحْ فَرْجَهُ بِالمَاءِ، وَيَتَوَضَّأْ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ". [صحيح] زاد أبو داود (¬1) في أخرى: "لِيَغْسِلْ ذَكَرَهُ وَأُنثَيَيْهِ". وفي رواية مالك وأبي داود عن المقداد: أن علياً - رضي الله عنه - أمره أن يسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الرجل إذا دنا من امرأته فخرج من المذي، ماذا عليه"، هذا لا ينافي الرواية الأولى، بل فيها بيان زمن الإمذاء. "فإنّ عندي ابنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[296 ب] وأنا استحيي أن أسأله"؛ لأنه يستحي الإنسان من ذكر ذلك عند قرابة امرأته. قوله: "فلينضح فرجه بالماء" هذه زيادة على ما سلف، إلا أنه حمل النضح هنا على الغسل، لوروده بلفظه في رواية البخاري (¬2)، وإنما حمل عليه؛ لأن غسل النجاسة لا بد منه، ولا يكتفي فيه بالرش الذي هو دون الغسل. قال الأئمة (¬3): النضح هنا بالحاء المهملة لا يعرف غيره، ولو روي بالمعجمة كان أقرب إلى معنى الغسل، فإنه بالمعجمة أكثر منه بالمهملة. قوله: "زاد أبو داود في رواية: ليغسل ذكره وأنثييه" قال الخطابي (¬4): أمر بغسل الأنثيين استظهاراً بزيادة التطهير؛ لأن المذي ربما انتشر فأصاب الأنثيين، ويقال: إن الماء البارد إذا أصاب الأنثيين رد المذي وكسر من غربه, ولذلك أمره بغسلهما. انتهى. ¬

_ = وأخرجه ابن ماجه رقم (505)، والنسائي رقم (156). وهو حديث صحيح. (¬1) في "السنن" رقم (208) وهو حديث صحيح. (¬2) في صحيحه رقم (269). (¬3) ذكره النووي في "شرحه لصحيح مسلم" (3/ 213). (¬4) في "معالم السنن" (1/ 143).

وزيادة "الأنثيين" قال الحافظ في "التلخيص" (¬1): أنه رواها أبو عوانة (¬2) عن عبيدة، عن علي - عليه السلام - بإسناد لا مطعن فيه. قلت: فيتعين غسلهما (¬3) لثبوت الأمر بذلك، فقوله في الرواية الأخرى: "فاغسل ذكرك" مقيد برواية: "الأنثيين". - وله (¬4) في أخرى قال علي - رضي الله عنه -: "كُنْتُ رَجُلاً مَذَّاءً، فَجَعَلْتُ أَغْتَسِلُ حَتَّى تَشَقَّقَ ظَهْرِي، قَالَ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَوْ ذُكِرَ لَهُ، فَقَالَ: لاَ تَفْعَلْ، إِذَا رَأَيْتَ المَذْيَ فَاغْسِلْ ذَكَرَكَ وَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلاَةِ, فَإِذَا فَضَختَ المَاءَ فَاغْتَسِلْ". [صحيح] وقوله: "فضخْت" (¬5) بالفاء فمعجمة فخاء معجمة أيضاً، أي: دفقته، والمراد بالماء: المني. الثاني: حديث (سهل بن حنيف - رضي الله عنه -). 2 - وعن سهل بن حنيف - رضي الله عنه - قال: كُنْتُ القَى مِنْ المَذْيِ شِدَّةً وَعَنَاءَ، وَكُنْتُ أُكْثِرُ مِنْ الِاغْتِسَالِ، فَسَالتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "إِنَّمَا يُجْزِيكَ مِنْ ذَلِكَ الوُضُوءُ"، فَقُلْتُ يَا رَسُولَ الله! فَكَيْفَ بِمَا يُصِيبُ الثَّوْبَ مِنْهُ؟ فَقَالَ: "يَكْفِيكَ بِأَنْ تَأْخُذَ كَفًّا مِنْ مَاءٍ, فَتَنْضَحَ بِهَا مِنْ ثَوْبِكَ حَيْثُ ¬

_ (¬1) (1/ 117). (¬2) في "مسنده" (1/ 273). (¬3) انظر: "فتح الباري" (1/ 379)، "المجموع شرح المهذب" (2/ 571 - 572). (¬4) لأبي داود في "السنن" رقم (206). وأخرجه ابن ماجه رقم (504)، والترمذي رقم (114)، والنسائي رقم (193، 194)، بنحوه وهو حديث صحيح. (¬5) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 376)، "الفائق" للزمخشري (3/ 124).

تَرَى أَنَّهُ أَصَابَهُ". أخرجه أبو داود (¬1) والترمذي من قوله: "إنما يجزئك من ذلك الوضوء" هو مثل الحديث الأول، إنما زاد هنا. قوله: "كيف بما يصيب الثوب منه". وقوله: "فتنتضح به" المراد يغسل به لما علم من أنه لا بد من غسل النجاسة. وقال الترمذي (¬2): قد اختلف أهل العلم في المذي يصيب الثوب، فقال بعضهم: لا يجزئ إلا الغسل، وهو قول الشافعي (¬3) وإسحاق، وقال بعضهم: يجزئه النضح، وقال أحمد (¬4): أرجو أنه يجزئه النَّضحُ بالماء. قوله: "أخرجه أبو داود والترمذي" وبّوب له (¬5): باب في المذي يصيب الثوب, وقال (¬6) بعد إخراجه: حسن صحيح، ولا نعرفه إلاّ من حديث محمد بن إسحاق. انتهى. الثالث: حديث (عبد الله بن سعد الأنصاري - رضي الله عنه -) [297 ب]. 3 - وعن عبد الله بن سعد الأنصاري - رضي الله عنه - قال: سَالتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عَمَّا يُوجِبُ الغُسْلَ، وَعَنْ المَاءِ يَكُونَ بَعْدَ المَاءِ، فَقَالَ: "ذَاكَ المَذْيُ، وَكُلُّ فَحْلٍ يَمْذِي فَتَغْسِلُ مِنْ ذَلِكَ فَرْجَكَ وَأُنْثَيَيْكَ، وَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلَاةِ". ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود رقم (210)، وابن ماجه رقم (506)، والترمذي رقم (115). وقال: هذا حديث حسن صحيح، والدارمي (1/ 184)، والطحاوي في "شرح معاني الأثار" (1/ 47)، وابن حبان رقم (1103). وهو حديث حسن. (¬2) في "السنن" (1/ 198). (¬3) انظر: "المجموع شرح المهذب" (2/ 571 - 572). (¬4) "المغني" (2/ 497). (¬5) أي: الترمذي في "السنن" (1/ 197 الباب رقم 84). (¬6) في "السنن" (1/ 198).

أخرجه أبو داود (¬1). [صحيح] "قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ما يوجب الغسل، وعن الماء يكون بعد الماء" يريد ما يخرج بعد المني. "فقال: ذلك" أي: الخارج بعد الماء. "المذي" تقدم ضبطه. "وكلُّ فحل يُمذي" رأوه فائدة على جواب سؤاله. "فتغسل من ذلك فرجك" أي: ذكرك كما تقدم في حديث علي - عليه السلام -. "وأنثييك وتوضأ وضوءك للصلاة" ولم يجبه عمّا يوجب الغسل؛ لأنه قد عرفهم - صلى الله عليه وسلم - ما يوجبه. قوله: "أخرجه أبو داود". قلت: قال المنذري (¬2): وأخرج الترمذي طرفاً في الشمائل (¬3)، وطرفاً في "الجامع" (¬4) وقال (¬5): حسن غريب، وأخرجه ابن ماجه (¬6) في موضعين مختصراً. انتهى. الرابع: حديث (عمر - رضي الله عنه -): 4 - وعن عمر - رضي الله عنه - قال: إِنِّي لأَجِدُهُ يَتَحَدّرُ مِنِّي مِثْلَ الخَزِيِرَةِ، فَإذّا وَجَدَ أَحَدُكُمْ ذلِكَ فَلْيَغْسِلْ ذَكَرَهُ وَلْتَوَضّأْ وُضُوءهُ للِصَّلاَةِ، يَعْنيِ المَذْيَ. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (211)، وهو حديث صحيح. (¬2) في "مختصر السنن" (1/ 148). (¬3) (ص 95). (¬4) رقم (115). (¬5) في "السنن" (1/ 198). (¬6) في "السنن" (505, 506).

الثالث: القيء

أخرجه مالك (¬1). [موقوف صحيح] "قال: إني لأجده" فسّر المصنف الضمير بالمذي. "يتحدّر مني مثل الخزيرة" بالخاء المعجمة فزاي، فمثناة تحتية فراء فتاء التأنيث الحساء م الدسم قاله في "القاموس" (¬2). وفي "النهاية" (¬3) الخزيرة لحم يقطع صغارً ويصب عليه ماء كثير، فإذا نضج ذر عليه الدقيق، فإن لم يكن فيها لحم فهي العصيدة، وقيل: هي حَساً من دقيق ودسم، وهذا الثاني أقرب. "فإذا وجد أحدكم ذلك فليغسل ذكره" كما في الأحاديث المرفوعة وكأنه ما بلغه الخبر الذي فيه زيادة (¬4): "الأنثيين". "وليتوضأ وضوءه للصلاة". قوله: "أخرجه الموطأ" (¬5) موقوفاً على عمر - رضي الله عنه -. الثالث: القيء (الثالث) من الأنواع الأربعة "القيء" فيه حديث واحد حديث: (أبي الدرداء - رضي الله عنه -): ¬

_ (¬1) في "الموطأ" (1/ 41 رقم 54)، وهو أثر موقوف صحيح. (¬2) "القاموس المحيط" (ص 491). (¬3) (1/ 487). (¬4) تقدم ذكره. (¬5) (1/ 41 رقم 54)، وهو أثر موقوف صحيح.

1 - عن أبي الدرداء - رضي الله عنه -: "أنّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قاءَ فَتَوَضَّأ، قَالَ مَعْدَانُ: وَلَقَيِتُ ثَوْبَانَ مَوْلَى رسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - رضي الله عنه - في مَسْجِدِ دِمِشْقَ فَذَكَرْتُ لَهُ ذلِكَ فَسَألتُهُ, فَقاَلَ: صَدَقَ وَأنَا صَبَبْتُ لَهُ وَضُوءَهُ". أخرجه أبو داود (¬1) والترمذي (¬2). [صحيح] "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قاء [وكان صائماً] (¬3) فتوضأ" فالإتيان بالفاء دليل على أنّ سبب الوضوء القيء. "قال معدان" بن أبي طلحة ويقال ابن طلحة، والأول أصح كما قال الترمذي (¬4). "فلقيت ثوبان" أي: مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. "في مسجد دمشق فسألته" عن حديث أبي الدرداء. "فقال: صدق أنا صببت له وضوءه". قوله: "أخرجه أبو داود والترمذي". قلت: وقال: قدْ رأى غير واحد من أهل [298 ب] العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيرهم من التابعين: الوضوء من القيء والرعاف، وهو قول سفيان الثوري وابن المبارك وأحمد (¬5) وإسحاق. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (2381). (¬2) في "السنن" (87). وأخرجه أحمد (5/ 195، 277 - 278)، (6/ 449)، والنسائي في "الكبرى" (2/ 213، رقم 3120/ 1)، وابن الجارود في "المنتقى" رقم (8)، وابن حبان رقم (1097)، والدارقطني في "السنن" (1/ 158 - 159)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (1/ 144)، (4/ 220)، وهو حديث صحيح. (¬3) ليست في نص الحديث المذكور. (¬4) في "السنن" (1/ 145). (¬5) انظر: "المغني" (1/ 247 - 250).

الرابع: الدم

وقال بعض أهل العلم: ليس في القيء والرعاف وضوء، وهو قول مالك (¬1) والشافعي (¬2). قال (¬3): وقد جوّد حسين المعلمي هذا الحديث عن يحيى بن أبي كثير، وحديث حسين أصح شيء في هذا الباب. انتهى. وقال ابن منده (¬4): إسناده صحيح متصل. وأجاب من لم يرَ الوضوء (¬5) من القيء بأنّ المراد بالوضوء في الحديث غسل اليدين. قلت: وهو بعيد جداً، فإنه لا يهتم الراوي، ويسأل ويستثبت في الرواية، والمراد ذلك، إذا غسل اليدين من القيء له باعث طبيعي لما فيه من الاستقذار. الرابع: الدم (الرابع) من الأنواع الأربعة (الدَّم) فإنه من الأحداث الأول: حديث (المِسْور بن مخَرمة): ¬

_ (¬1) "مدونة الفقه المالكي وأدلته" (1/ 174). (¬2) انظر: "روضة الطالبين" (1/ 72). (¬3) الترمذي في "السنن" (1/ 146). (¬4) ذكره الحافظ في "التخليص" (1/ 884). (¬5) قال ابن المنذر في "الأوسط" (1/ 189 - 190) فإن ثبت الحديث لم يوجب فرضاً؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يأمر به فيما نعلم، والله أعلم. اهـ. وقال الألباني في "إرواء الغليل" الحديث لا يدل على نقض الوضوء بالقيء؛ لأنه مجرد فعل منه - صلى الله عليه وسلم -، والأصل أن الفعل لا يدل على الوجوب، وغايته أن يدل على مشروعية التأسي به في ذلك، وأمَّا الوجوب فلا بد له من دليل خاص، وهذا ما لا وجود له هنا ... وقد ذهب كثير من المحققين إلى أن القيء لا ينقض الوضوء، منهم ابن تيمية في "الفتاوى" له وغيرها.

1 - عن المسور بن مخرمة: "أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ - رضي الله عنه - مِنَ اللَّيْلَةِ الَّتِي طُعِنَ فِيهَا، فَأُيقِظَ عُمَرُ لَصَلاَةِ الصُّبْحَ. فَقَالَ عُمَرُ: نَعَمْ, وَلاَ حَظَّ فِي الإِسْلاَمِ، لِمَنْ ترَكَ الصَّلاَةَ، فَصَلَّى عُمَرُ وَجُرْحُهُ يَثْعَبُ دَمًا". أخرجه مالك (¬1). [موقوف صحيح] "يَثْعَبُ" (¬2): يسيل. "أنه دخل على عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - من الليلة التي طعن فيها" أي: من آخرها عند حضور صلاة الصبح. قوله: "فصلى عمر وجرحه" الكائن عن الطعنة. "يثعب" بالمثلثة فعين معجمة فموحدة, فسّره المصنف بـ (يسيل) ومثله في "القاموس" (¬3)، أي: صلّى لنفسه لا أنَّه أمُّ الناس. وذلك أنه طعنه أبو لؤلؤة في صلاة الفجر، فانصرف وقدم عبد الرحمن بن عوف يتم الصلاة بالناس، وكأنه انضم إليهم وجرحه يسيل، فدل أن خروج الدم ليس بناقض للطهارة، وإن كان فعل صحابي لكنه بحضور أعيان الصحابة, ودل على أن الدّم ليس بنجس؛ لأنه لم يرد أنه غسله أو بدّل ثوبه بل استمر في صلاته على ما كان عليه قبل جراحته. قوله: "أخرجه مالك". الثاني: حديث (جابر - رضي الله عنه -): 2 - وعن جابر - رضي الله عنه - قال: "خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ، فَأَصَابَ رَجُلٌ امْرَأَةَ رَجُلٍ مِنَ المُشْرِكِينَ، فَحَلَفَ أَنْ لاَ أَنْتَهِي حَتَّى أُهَرِيقُ دَماً مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ، فَخَرَجَ يَتْبَعُ أَثَرَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَنَزَلَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - منْزِلاً فَقَالَ: مَنْ رَجُلٌ يَكْلَؤُنَا؟ فَانْتَدَبَ رَجُلٌ مِنَ المُهَاجِرِينَ، وَرَجُلٌ مِنَ ¬

_ (¬1) في "الموطأ" (1/ 39 - 40 رقم 51)، وهو أثر موقوف صحيح. (¬2) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (1/ 209). (¬3) "القاموس المحيط" (ص 80 - 81).

الأَنْصَارِ، فَقَالَ: كُونَا بِفَمِ الشِّعْبِ، فَلمَّا أَنْ خَرَجَ الرَّجُلاَنِ إِلَى فَمِ الشِّعْبِ اضْطَجَعَ المُهَاجِرِيُّ، وَقَامَ الأَنْصَارِيُّ يُصَلِّى، فَأَتَى الرَّجُلُ، فَلَّما رَأَى شَخْصِهِ عَرَفَ أَنَّهُ رَبِيئَةُ فَرَمَىَ بِسَهْمٍ، فَوَضَعَهُ فِيهِ فَنَزَعَهُ حَتَّى رَماهُ بِثَلاَثةِ أَسْهُمٍ، ثُمَّ رَكَعَ وَسَجَدَ، ثُمَّ انْتبَهَ صَاحِبَهُ، فَلمَّا عَرَفَ أَنَّهُ قَدْ نَذَرُوا بِهِ هَرَبَ, فَلمَّا رَأَى المُهَاجِرِيُّ مَا بِالأَنْصَارِيِّ مِنَ الدِّمَاءِ, قَالَ: سَبْحَانَ الله! أَلاَ أَنْبَهْتْنِي أَوَّلَ مَا رَمَاكَ؟ قَالَ: كُنْتُ فِي سُورَةٍ أَقْرَأُهَا، فَلَمْ أُحِبَّ أَنْ أَقْطَعَهَا". أخرجه أبو داود (¬1). [حسن] ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (198). أخرجها البخاري في صحيحه (1/ 280) تعليقاً. قال الحافظ في "الفتح" (1/ 281)، وصله ابن إسحاق في "المغازي حدثني صدقة .... قلت: وهو في "سيرة ابن هشام" (3/ 290 - 291). ثم قال ابن حجر: "وعقيل لا أعرف راوياً عن غير صدقة, ولهذا لم يجزم به المصنف، إما لكونه اختصره، أو للخلاف في ابن إسحاق" وقال: "صححه ابن خزيمة, وابن حبان، والحاكم. أخرجه ابن خزيمة في صحيحه (1/ 24 رقم 36). والحاكم في "المستدرك" (1/ 156 - 157)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (1/ 140) و (9/ 150)، "والصغرى" (1/ 31 رقم 40)، والدارقطني في "السنن" (1/ 223 - 224 رقم 1)، وأحمد في "المسند" (3/ 343 - 344، 359)، وابن حبان في صحيحه (3/ 375 - 376 رقم 1096). في إسناده عقيل بن جابر لم يوثقه غير ابن حبان في "الثقات" (5/ 272)، ولم يرو عنه غير صدقة بن يسار. قلت: وصدقة وثقه ابن معين وأحمد وأبو داود وابن سعد وغيرهم وروى له مسلم في "الصحيح" ["تهذيب التهذيب" (2/ 209)] وكذلك باقي رجال الحديث ثقات. وفي طريق أبي داود وغيره تصريح ابن إسحاق بالسماع له من صدقة وقد حسن الألباني الحديث صحيح أبي داود. هو حديث حسن. قلت: الراجح في هذه المسألة أن (القيء، والرَعاف، والدمَ) من غير مخرج الحدث ليس بناقض للوضوء، إذ الأحاديث التي توجب لم تصح، والأصل البراءة, والآثار الصحيحة عن الصحابة تدل على ذلك، وهذا مذهب الفقهاء السبعة من أهل المدينة، وهو اختيار المحققين من العلماء. والله أعلم.

"الِانْتِدَابُ": الإجابة إلى ما يؤمر به الإنسان. و"الرَّبِيَئةُ": الذي يحفظ القوم، ويأتيهم يخبر العدوّ لئلا يهجم عليهم (¬1). قوله: "ذات الرقاع" جمع رقعة، في "القاموس" (¬2): وذات الرقاع جبل فيه بقع حُمرة وبياض وسواد، ومنه غزوة ذات الرقاع، أو لأنهم لفوا على أرجلهم [299 ب] الخرق لما نقبت أرجلهم. انتهى. قوله: "يكلؤنا" (¬3) أي: يحرسنا. "فانتدب" مضارع ندب, كنصر، يقال: ندبه إلى الأمر، أي: دعاه. "فانتدب رجل من المهاجرين" هو عمار بن ياسر. "ورجل من الأنصار" هو عبّاد بن بشر". قوله: "فأتى الرجل" أي: المشرك الذي أُصيبت امرأته. "فلما رأى شخصه" أي: شخص الأنصار الذي قام يصلى. "عرف أنه ربيئة" بالباء الموحدة من ربأ، يقال: ربأت القوم وارتبأتهم، إذا كنت طليعة فوق شرف، والربي والربيئة الطليعة. وفي "النهاية" (¬4) الطليعة الذي ينظر القوم لئلا يدهمهم عدو، ولا يكون إلاّ على جبل أو شرف ينظر منه, وارْتَبأتُ الجبل صعدته. "في سورة أقرؤها فلم أحب أن أقطعها" هي سورة الكهف كما في رواية. ¬

_ (¬1) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (7/ 204). (¬2) "القاموس المحيط" (ص 933). (¬3) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 557). (¬4) (2/ 118).

الفرع الثاني: في لمس المرأة والفرج

احتج بهذا الحديث من لا يرى خروج الدم وسيلانه من غير السبيلين ناقضاً، وهذا مذهب الشافعي. قال الخطابي (¬1): ولست أدري كيف يصح الاستدلال بهذا الحديث، والدم إذا سال أصاب بدنه وثوبه، ومع إصابة شيء من ذلك لا تصح الصلاة عند الشافعي إلا أن يقال: أن الدم كان يخرج من الجراحة على سبيل الدفن، حتى لا يصيب شيئاً من ظاهر بدنه، وَلَإِن كان كذلك، فهو أمر عجيب! انتهى. وفيه بعد ويحتمل أنَّه أصاب الثوب فقط. فنزعه، أو لم يتصل بجسمه إلاّ قدر معفوٌ عنه, قاله في "الفتح" (¬2). قلت: أولاً: لا يتم الاستدلال إلاّ بأنّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - علم ذلك وقرّره وهو الظاهر، وفيه دليل على عدم نجاسة الدم. قوله: "أخرجه أبو داود". الفرع الثاني: في لمس المرأة والفرج (الفرع الثاني) من الستة الفروع في الأحداث في لمس المرأة والفرج، وفيه: نوعان (فِيْ: لمَسِ المرأَة وَلَمسِ الفَرِجْ) قلت: الأولى الذَكَر؛ لأن لفظ الأحاديث المرفوعة بلفظ (الذكر) والفرج أعم، وقد أتى به على الصواب في النوع الثاني. ¬

_ (¬1) في "معالم السنن" (1/ 136 - 137 - مع السنن). (¬2) (1/ 281).

الأول: في لمس المرأة

الأول: في لمس المرأة قوله: (الأول) أي: من النوعين: (في لمس) الرجل (المرأة) أي: الزوجة، فالأحاديث [300 ب] التي ساقها فيها. الأول: حديث (عائشة - رضي الله عنها -): 1 - عن عائشة - رضي الله عنها -: "أَنَّ رَسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَبَّلَ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِ, ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ، قَالَ عُرْوَةُ: فَقُلْتُ لهَا: وَمَنْ هِيَ إِلَّا أَنْتِ فَضَحِكَتْ". أخرجه أصحاب السنن (¬1). [صحيح لغيره] "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبّل امرأة من نساءه, ثم خرج إلى الصلاة" أي: ولم يحدث وضوءاً، فدل أنه لا يوجب الوضوء. "قال عروة" أي: ابن الزبير ابن أختها أسماء. "قلت لها: ومن هي إلاّ أنتِ؟ فضحكت" تقريراً لكلامه. قوله: "أخرجه أصحاب السنن" وكذا أخرجه ابن ماجه (¬2) بإسناد صحيح. قلت: لكن قال أبو داود (¬3): أنه مرسل؛ لأنه من رواية إبراهيم التيمي عن عائشة، قال أبو داود: وإبراهيم لم يسمع من عائشة شيئاً. انتهى. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود رقم (178)، والنسائي (170)، والترمذي رقم (861)، وابن ماجه رقم (502). وأخرجها أحمد (6/ 210)، وهو حديث صحيح لغيره. قال أبو داود: هو مرسل، إبراهيم التيمي لم يسمع من عائشة. وقال النسائي: ليس في الباب أحسن من هذا الحديث وإن كان مرسلاً. (¬2) في "السنن" رقم (502). (¬3) في "السنن" (1/ 123).

وقال النسائي (¬1): ليس في الباب حديث أحسن من هذا، وإن كان مرسلاً. وقال فيه يحيى (¬2) القطان وفي حديث: "يصلي الرجل والدم يقطر على الحصير"، لا شيء. الثاني: حديث (ابن عمر - رضي الله عنهما -): 2 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما -: "أَنَّهُ كانَ يَقُولُ: قُبْلَةُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ, وَجَسُّهاَ بِيَدِ مِنَ المُلاَمَسَةِ, فَمَنْ قَبَّلَ امْرَأَتَهُ أَوْ جَسَّهاَ بِيَدِهِ، فَعَلَيْهِ الوُضُوءِ" (¬3). ومثله عن ابن مسعود (¬4). أخرجه مالك. [صحيح] "أنه كان يقول: قُبلةُ الرجل امرأته وجسّها بيده من الملامسة" التي ذكرها الله في موجبات الوضوء بقوله: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} (¬5). ¬

_ (¬1) في "السنن" (1/ 104). (¬2) ذكره أبو داود في "سننه"، والترمذي في "سننه". انظر ما تقدم. (¬3) أخرجه مالك في "الموطأ" (1/ 50)، والدارقطني في "السنن" (1/ 144)، وابن المنذر في "الأوسط" (1/ 117 ث 10) وهو أثر صحيح. (¬4) أخرجه ابن المنذر في "الأوسط" (1/ 117 ث 11)، والدارقطني في "السنن" (1/ 145)، وقال: صحيح، وعبد الرزاق في "المصنف" (1/ 133 رقم 50)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (1/ 45، 166)، والطبراني في "الكبير" (9/ 285 رقم 9227). وهو أثر صحيح. (¬5) سورة النساء الآية: 43، سورة المائدة الآية: 6. وأمَّا اللمس الوارد في الآية فهو على أصح قولي العلماء - الجماع. وقد بين ابن رشد ذلك، فقال في "بداية المجتهد ونهاية المقتصد" بتحقيقي (1/ 102 - 104): "وسبب اختلافهم في هذه المسألة اشتراك اسم اللمس في كلام العرب، فإن العرب تطلقه مرة على اللمس الذي هو باليد، ومرة تكني به على الجماع، فذهب قوم إلى أن اللمس الموجب للطهارة في آية الوضوء هو الجماع في قوله تعالى: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء: 43]. =

"فمن قبّل امرأته أو جسّها بيده" لا بسائر أعضاءه "فعليه الوضوء". ¬

_ = وذهب آخرون إلى أنه اللمس باليد، ومن هؤلاء من رآه من باب العام أريد به الخاص فاشترط فيه اللذة, ومنهم من رآه من باب العام أريد به العام، فلم يشترط اللذة فيه, ومن اشترط اللذة فإنما دعاه إلى ذلك ما عارض عموم الآية من أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يلمس عائشة عند سجوده بيده, وربما لمسته، وخرج أهل الحديث حديث حبيب بن أبي ثابت عن عروة عن عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أنه قبَّلَ بعض نسائه، ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ". فقلتُ: من هي إلا أنتِ؟ فضحكت. قال أبو عمر: هذا الحديث وهنه الحجازيون، وصححه الكوفيون، وإلى تصحيحه مال أبو عمر بن عبد البر قال: وروي هذا الحديث أيضاً من طريق معبد بن نباتة. وقال الشافعي: إن ثبت حديث معبد بن نباتة في القبلة لم أر فيها ولا في اللمس وضوءاً. وقد احتج من أوجب الوضوء من اللمس باليد بأن اللمس ينطلق حقيقة على اللمس باليد وينطلق مجازاً على الجماع، وأنه إذا تردد اللفظ بين الحقيقة والمجاز؛ فالأصلى أن يحمل على الحقيقة, حتى يدل الدليل على المجاز، ولأولئك أن يقولوا إن المجاز إذا كثر استعماله كان أدل على المجاز منه على الحقيقة, كالحال في اسم الغائط الذي هو أدل على الحديث الذي هو فيه مجاز منه على المطمئن من الأرض الذي هو فيه حقيقة. والذي أعتقده أن اللمس وإن كانت دلالته على المعنيين بالسواء أو قريباً من السواء أنه أظهر عندي في الجماع وإن كان مجازاً؛ لأن الله تبارك وتعالى قد كنى بالمباشرة والمس عن الجماع وهما في معنى اللمس، وعلى هذا التأويل في الآية يحتج بها في إجازة التيمم للجنب دون تقدير تقديم فيها ولا تأخير على ما سيأتي بعد، وترتفع المعارضة التي بين الآثار والآية على التأويل الآخر. وأمَّا من فهم الآية اللمسين معاً فضعيف، فإن العرب إذا خاطبت بالاسم المشترك إنما تقصد به معنى واحداً من المعاني التي يدل عليها الاسم لا جميع المعاني التي يدل عليها وهذا بين بنفسه في كلامهم" اهـ. وقال الطبري في "جامع البيان" (4/ ج 5/ 105): "وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: عنى الله بقوله: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} الجماع دون غيره من معاني اللمس لصحة الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قبَّل بعض نسائه ثم صلى ولم يتوضأ" اهـ. وانظر: "سبل السلام" (1/ 332 - 335) بتحقيقي.

الثاني: لمس الذكر

"ومثله عن ابن مسعود" وهذا نبأ على تفسير الملامسة باللمس، والحق أنه أريد بها الجماع، كما قرّرناه في "سبل السلام" (¬1) وغيره, وهذا قول صحابيين موقوف عليهما، وقد عارضهما الأول المرفوع، وإن كان فيه كلام. الثالث: حديث (أُبَيّ بن كعب - رضي الله عنه -): 3 - وعن أُبَيّ بن كعب - رضي الله عنه -: أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ الله! إِذَا جَامَعَ الرَّجُلُ إمَرَأَته فَلَمْ يُنْزِلْ؟ قَالَ: "يَغْسِلُ مَا مَسَّ المَرْأَةَ مِنْهُ, ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّى". أخرجه الشيخان (¬2). [صحيح] "قال: يا رسول الله! إذا جامع الرجل امرأته فلم ينزل" هذه زيادة على المس، ففيه الإيلاج ولا بد من خروج المذي غالباً. قوله: "يغسل ما مس المرأة منه" وهو فرجه الذي أولجه، ويدل له لفظه في مسلم (¬3): "يغسل ذكره وما مسه من رطوبة فرجها". "ثم يتوضأ ويصلي" هذا الحديث ليس من المترجم له، إذْ الترجمة للمس فقط. قوله: "أخرجه الشيخان". الثاني: لمس الذكر النوع (الثاني) من نوعي اللمس [301 ب]. (لمس الذكر) أحسن بهذا؛ لأنه الوارد فيما ساقه. الأول: حديث (طلق بن علي - رضي الله عنه -): ¬

_ (¬1) (1/ 260) بتحقيقي. (¬2) أخرجه البخاري رقم (292)، ومسلم رقم (346). (¬3) في صحيحه رقم (84/ 346)، وفيه: "يغسل ما أصابه من المرأة, ثم يتوضأ ويُصلي".

1 - عن طلق بن علي - رضي الله عنه - قال: "قَدِمْنَا عَلَى رَسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَجَاءَ رَجُلٌ كَأَنَّهُ بَدَوِيٌّ، فَقَالَ يَا رَسَولَ الله: مَا تَرَى فِي مَسِّ الرَّجُلِ ذَكَرَهُ بَعْدَ مَا يَتَوَضَّأُ، فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: وَهَلْ هُوَ إِلَّا مُضْغَةٌ مِنْهُ, أَوْ قَالَ بَضْعَةٌ مِنْهُ". أخرجه أصحاب السنن (¬1)، واللفظ لغير الترمذي. [حسن] "قال: قدمنا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" قد بيّن في رواية أنه كان قدومه في أول الهجرة ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعمّر مسجده. "فجاء رجل كأنه بدوي فقال: يا رسول الله! ما ترى في مس الرجل ذكره بعد ما يتوضأ" أي: أينقض أم لا؟. "فقال: وهل هو إلاّ مضغة منه أو قال: بضعة منه" شك من الراوي، أي: اللفظين، قاله - صلى الله عليه وسلم - وهما بمعنى، فدل على أنه لا يوجب الوضوء. قوله: "أخرجه أصحاب السنن" لفظ ابن الأثير (¬2)، أخرجه أبو داود (¬3)، وأمّا الترمذي (¬4) فإنه لم يخرج من الحديث إلاّ قوله: "وهل هو إلا مضغة منه أو بضعة" إلاّ أنه أخرجه (¬5) في باب: ترك الوضوء من مس الذكر، وقال (¬6): هذا الحديث أحسن شيء في هذا الباب. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود رقم (182، 183)، والترمذي رقم (85)، والنسائي (1/ 101 رقم 163، 164)، وابن ماجه رقم (483)، وهو حديث حسن. (¬2) (7/ 207). (¬3) في "السنن" رقم (182). (¬4) في "السنن" رقم (85). (¬5) الترمذي في "السنن" (1/ 131 رقم 85). (¬6) الترمذي في "السنن" (1/ 132).

وأمّا النسائي (¬1) فإنه قال: "قدمنا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبايعناه وصلينا معه, فلما قضى الصلاة جاءه رجل ... " الحديث. انتهى. الثاني: 2 - وعن بسرة بنت صفوان - رضي الله عنها -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلَا يُصَلِّي، حَتَّى يَتَوَضَّأَ". أخرجه الأربعة (¬2)، وهذا لفظ الترمذي. [صحيح] حديث: "بُسرة" بضم الموحدة وسكون السين المهملة، بزنة واحدة البسر. "بنت صفوان" (¬3) وهي جدة مروان بن الحكم، والد عبد الملك، أمّ أمه، قاله في "المبهمات" أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: من مس ذكره فلا يصلِّي حتى يتوضأ" وفي رواية "الجامع الصغير" (¬4): "إذا أفضى أحدكم بيده إلا فرجه، وليس بينه وبينها حجاب ولا ستر، فقد وجب عليه الوضوء" ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (164). (¬2) أخرجه أبو داود رقم (181)، والترمذي رقم (82)، والنسائي رقم (163)، وابن ماجه رقم (479). وأخرجه أحمد (6/ 407)، ومالك في "الموطأ" (1/ 42 رقم 58)، والشافعي في "المسند" (1/ 34 رقم 87 - ترتيب"، وابن خزيمة في "صحيحه" رقم (33)، وابن حبان رقم (1112)، والحاكم (1/ 136)، والطيالسي رقم (1657)، وعبد الرزاق في "المصنف" (1/ 113 رقم 412)، والدارمي (1/ 185)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/ 71)، والدارقطني (1/ 146 - 147 رقم 1، 2، 3، 4)، والحازمي في "الاعتبار" (ص 143 - 144)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (1/ 128 - 130)، والخطيب في "تاريخ بغداد" (9/ 332) , والطبراني في "الصغير" (2/ 250 رقم 1113 - الروض الداني)، وابن حزم في "المحلى" (1/ 235 رقم المسألة 163) وهو حديث صحيح. (¬3) انظر: "التقريب" (2/ 591 رقم 3). (¬4) انظر: "صحيح الجامع الصغير وزيادته" (1/ 126 رقم 362/ 150)، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.

ونسبه إلى إخراج الشافعي (¬1) له وابن حبان (¬2)، والدارقطني (¬3) والحاكم (¬4). فدل على أن مس الذكر من دون حائل يوجب الوضوء. والقول بنقضه قول سعد (¬5) وابن (¬6) عمر، وابن عباس (¬7)، وهو مذهب الشافعي (¬8) والأوزاعي (¬9) وأحمد (¬10) والمزني (¬11)، والمشهور عن مالك (¬12). ¬

_ (¬1) في "مسنده" (1/ 34 رقم 8 - 8 ترتيب). (¬2) في صحيحه رقم (1118). (¬3) في "السنن" (1/ 47 رقم 6). (¬4) في "المستدرك" (1/ 138)، وهو حديث حسن لغيره. (¬5) ذكره ابن المنذر في "الأوسط" (1/ 193). (¬6) أخرجه ابن المنذر في "الأوسط" (1/ 194 رقم 84) ومالك في "الموطأ" (1/ 150) وعبد الرزاق في "المصنف" (1/ 115 رقم 419)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (1/ 131). (¬7) أخرجه ابن المنذر في "الأوسط" (1/ 194 - 195 رقم 88). (¬8) "المجموع شرح المهذب" (2/ 34)، "حلية العلماء" (1/ 190). (¬9) انظر: "المغني" (1/ 242 - 243). (¬10) انظر: "المغني" (1/ 243)، "المبدع" (1/ 162). (¬11) انظر: "روضة الطالبين" (1/ 76)، "المجموع شرح المهذب" (2/ 31). (¬12) انظر: "بلغه السالك لأقرب المسالك على الشرح الصغير" (1/ 100 - 101).

وروي خلافه عن علي (¬1) وابن مسعود (¬2) وعمار (¬3) وحذيفة (¬4)، وعمران (¬5) بن حصين، وهو مذهب أبي حنيفة (¬6)، وأصحابه معتمدين على، حديث [302 ب] قيس بن طلق بن علي، عن أبيه أنه قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "وهل هو إلا بضعة منك" ولكنه قد قدح في قيس (¬7) بن طلق، وأوضحنا الكلام في "سبل السلام" وبينا قوة الدليل على أنه ناقض. قوله: "أخرجه الأربعة, وهذا لفظ الترمذي". قلت: وقال (¬8) بعد إخراجه: حسن صحيح، ولفظ الموطأ (¬9)، عن محمد بن عمرو بن حزم قال: سمعت عروة بن الزبير يقول: دخلت على مروان بن الحكم، فتذاكرنا ما يكون منه ¬

_ (¬1) أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" (1/ 117 رقم 428). (¬2) أخرجه الطبراني في "الكبير" (9/ 213)، وعبد الرزاق في "مصنفه" (1/ 118 رقم 430)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (1/ 164). (¬3) أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (1/ 164). (¬4) أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" (1/ 118 رقم 428)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (1/ 164)، والدارقطني في "سننه" (1/ 150)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/ 78). (¬5) أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" (1/ 119 رقم 433)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (1/ 164)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/ 79). (¬6) قال الطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/ 79): "فبهذا نأخذ، وهو قول أبي حنيفة, وأبي يوسف ومحمد بن الحسن، رحمهم الله تعالى". (¬7) قيس بن طلق بن علي الحنفي اليماني، صدوق من الثالثة، وهم من عدّه من الصحابة. "التقريب" (2/ 129 رقم 149). (¬8) في "السنن" (1/ 129). (¬9) (1/ 42 رقم 58) وهو حديث صحيح.

الوضوء، فقال مروان: من مسَّ الذكر الوضوء، قال عروة: ما علمت هذا، قال مروان: أخبرتني بسرة بنت صفوان أنها سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إذا مس أحدكم ذكره فليتوضأ". وللنسائي (¬1) نحوه وفيه: "فلم أزل أماري مروان حتى أخلى من حرسه, فأرسل إلى بُسرة يسألها عمّا حدثت من ذلك، فأرسلت إليه بُسرة بمثل الذي حدثني عنها مروان". انتهى. وفي رواية: أنه ذهب عروة إلى بسرة فسألها فأخبرته، فزال القدح بأن من أرسله مروان مجهول، وقد وسعت الكلام في "سبل السلام" (¬2). الثالث: حديث (مصعب بن سعد بن أبي وقاص): 3 - وعن مصعب بن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - قال: "كُنْتُ أُمْسِكُ المُصْحَفَ عَلَى سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فَاحْتَكَكْتُ, فَقَالَ سَعْدٌ: لَعَلَّكَ مَسِسْتَ ذَكَرَكَ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: قُمْ فَتَوَضَّأْ. فَقُمْتُ فَتَوَضَّأْتُ ثُمَّ رَجَعْتُ". أخرجه مالك (¬3). [موقوف صحيح] "قال: كنت أمسك المِصَحف" مثلث الميم، وأول من سماه مصحفاً عتبة بن مسعود، أخو عبد الله بن مسعود، وجدّ عبد الله بن عنبسة الفقيه. "على سعد بن أبي وقاص" كأنه يقرأ سعد من حفظه، وولده يستمع لقراءته في المصحف. "فاحتككت فقال سعد: لعلك مَسَسْتَ ذكرك؟ قلت: نعم، قال: قم فتوضأ"؛ لأن سعداً (¬4) يرى مسّه ناقضاً للوضوء. قوله: "أخرجه مالك" موقوفاً (¬5) على سعد. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (164، 165). (¬2) (1/ 265 - 267) بتحقيقي. (¬3) في "الموطأ" (1/ 42 رقم 59)، وهو أثر موقوف صحيح، وأخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (1/ 131). (¬4) ذكره ابن المنذر في "الأوسط" (1/ 193). (¬5) وهو موقوف صحيح.

الفرع الثالث: في النوم والإغماء والغشي

كما أخرج الرابع: 4 - وعن نافع قال: "كُنْتُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - فِي سَفَرٍ فَرَأَيْتُهُ بَعْدَ أَنْ طَلَعَتِ الشَّمْسُ تَوَضَّأَ ثُمَّ صَلَّى، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ هَذِهِ لَصَلاَةٌ مَا كُنْتَ تُصَلِّيهَا. فَقَالَ: إِنِّي بَعْدَ أَنْ تَوَضَّأْتُ لِصَلاَةِ الصُّبْحِ مَسِسْتُ فَرْجِي، ثُمَّ نَسِيتُ أَنْ أَتَوَضَّأَ، فَتَوَضَّأْتُ وَعُدْتُ لِصَلاَتِي". أخرجه مالك (¬1). [موقوف صحيح] وهو حديث: (ابن عمر - رضي الله عنهما -) موقوفاً عليه، وهو بمعناه لا زيادة فيه حتى نتكلم عليه. الفرع الثالث: في النوم والإغماء والغشي (الفرع الثالث) من فروع الباب الخامس في النوم والإغماء والغشي (في) حكم (النوم والإغماء والغَشي) بفتح الغين، وسكون الشين المعجمتين، مرض يعرض من طول (¬2) القيام [303 ب] قاله في "فتح الباري" (¬3). الأول: حديث (أنس - رضي الله عنه -): 1 - عن أنس - رضي الله عنه - قال: "كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَنَامُونَ، ثُمَّ يُصَلُّونَ وَلَا يَتَوَضَّئُونَ، قِيلَ: لِقَتَادَةَ: سَمِعْتَهُ مِنْ أنَسٍ؟ قَالَ: إِي وَالله". ¬

_ (¬1) في "الموطأ" (1/ 43 رقم 63)، وهو أثر موقوف صحيح. (¬2) كذا في "المخطوط" والذي في "فتح الباري" (1/ 389): قال ابن بطال - في "شرحه لصحيح البخاري" (1/ 281) نقلاً عن عبد الواحد - الغشي: مرض يعرض من طول التعب والوقوف، يقال فيه: غشي عليه، وهو ضرب من الإغماء، وإلا أنه أخف منه إذا كان خفيفاً ولا ينقض الوضوء، ولا الصلاة. (¬3) في "فتح الباري" (1/ 289).

أخرجه مسلم (¬1)، وهذا لفظه، وأبو داود (¬2) والترمذي (¬3). [صحيح بطرقه] "كأن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينامون، ثم يصلون ولا يتوضئون". فدلَّ أنهم لا يرون النوم ناقضاً. "قيل لقتادة رواية عن أنس. "سمعته من أنس؟ قال: إي والله" استثبته السامع كأنه استنكر كونهم ينامون ولا يتوضئون، وفي كون النوم ناقضاً، خلاف كثير، بلغ أقوالاً (¬4) قد سردناها في "سبل السلام" (¬5)، وبينا أن أقرب الأقوال نقضه إن استغرق (¬6) النائم النوم، بحيث لو خرج منه ما ينقض مما عليه كان ناقضاً. قوله: "أخرجه مسلم، وهذا لفظه، وأبو داود والترمذي". قلت: أخرجاه بألفاظ، وقال الترمذي (¬7): حسن صحيح. ¬

_ (¬1) في صحيحه رقم (125/ 376). (¬2) في "السنن" رقم (200). (¬3) في "السنن" رقم (78)، وقال: هذا حديث حسن صحيح. وأخرجه الشافعي في "الأم" (1/ 71 رقم 256)، والبيهقي في "السنن" (1/ 119)، وعبد الرزاق في "المصنف" (1/ 130 رقم 483)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (1/ 132)، وأحمد (3/ 268)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (163). وهو حديث صحيح بطرقه. (¬4) ذكرها النووي في "شرح صحيح مسلم" (4/ 73 - 74). (¬5) (1/ 250 - 253) بتحقيقي. (¬6) "الأوسط" (1/ 148) "بداية المجتهد" (1/ 98) بتحقيقي. (¬7) في "السنن" (1/ 113).

قال (¬1): واختلف العلماء في الوضوء من النوم، فرأى أكثرهم أنه لا يجب عليه الوضوء إذا نام قاعداً أو قائماً حتى ينام مضطجعاً، وبه يقول الثوري (¬2) وابن المبارك وأحمد (¬3)، وقال بعضهم: إذا نام حتى غلب على عقله وجب عليه الوضوء، وبه يقول إسحاق (¬4). وقال الشافعي (¬5): من نام قاعداً فرأى رؤيا أو زالت مقعدته لوسن النوم، فعليه الوضوء. انتهى. قلت: والقولان الآخران متقاربان، وهما قريب مما قررناه في "سبل السلام" (¬6). الثاني: حديث (ابن عمر - رضي الله عنه -). 2 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما -: "أَنَّهُ كَانَ يَنَامُ جَالِساً، ثُمَّ يُصَلِّى وَلاَ يَتَوَضَّأُ". أخرجه مالك (¬7). [موقوف صحيح] "أنه كان ينام جالساً، ثم يصلي ولا يتوضأ" هو موقوف عليه, ويدل أن مذهبه (¬8) عدم نقض نوم الجالس. قوله: "أخرجه مالك". ¬

_ (¬1) الترمذي في "السنن" (1/ 113 - 114). (¬2) انظر: "المغني" (1/ 233 - 234). (¬3) "المغني" (1/ 237 - 238)، "مسائل أحمد وبن عبد الله" (ص 22). (¬4) "المغني" (1/ 238)، و"مسائل أحمد لابن هانئ" (1/ 8). (¬5) انظر: "البيان" للعمراني (1/ 175 - 178). (¬6) (1/ 252 - 253) بتحقيقي. (¬7) في "الموطأ" (1/ 22 رقم 11)، وهو أثر موقوف صحيح. (¬8) انظر: "المغني" (1/ 234) "شرح صحيح مسلم" للنووي (4/ 73).

الثالث: حديث (علي - رضي الله عنه -): 3 - وعن علي - رضي الله عنه - قال: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "العَيْنَانِ وِكاء السَّهِ، فَمَنْ نَامَ فَلْيَتَوْضّأَ". أخرجه أبو داود (¬1). [حسن] "الوِكاءِ" (¬2): ما يشد به رأس القربة ونحوه. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (203). وأخرجه أحمد (1/ 111)، وابن ماجه رقم (477)، والحاكم في "معرفة علوم الحديث" (ص 123)، وأبو عبيد في "غريب الحديث" (3/ 81)، وابن المنذر في "الأوسط" (1/ 144 رقم 36)، وابن عدي في "الكامل" (7/ 2551). والدارقطني في "السنن" (1/ 161 رقم 5)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (1/ 118) من طرق. قال المنذري في "مختصر السنن" (1/ 145): "وفي إسناده بقية بن الوليد والوضين، وفيهما مقال" اهـ. قلت: بقية بن الوليد الحمصي: اختلف فيه كثيراً، والحق أنه ثقة مأمون إذا حدث عن ثقة وصرح بالتحديث، وقد روى عنه شعبة, وهو لا يروي إلا عن ثقة. وقد ترجمه البخاري في "التاريخ الكبير" (2/ 150 رقم 2012) فلم يذكر فيه جرحاً، وقد صرح عند أحمد بالسماع من شيخه الوضين بن عطاء الخزاعي وهو ثقة. وانظر: كلام الشيخ أحمد شاكر في "تخريج المسند" (2/ 166 - 167). و"تلخيص الحبير" (1/ 118). ولحديث علي شاهد من حديث معاوية سيأتي في الحديث الآتي. وقد حسن الحديث ابن الصلاح والنووي والذكي كما في "خلاصة البدر المنير" (1/ 52 رقم 154). وكذلك حسنه الألباني في "الإرواء" (1/ 148 - 149 رقم 113). وخلاصة القول: أن حديث على بن أبي طالب حديث حسن والله أعلم. (¬2) "غريب الحديث" لأبي عبيد (3/ 82)، "الفائق" للزمخشري (4/ 77) وقال ابن الأثير في "النهاية في غريب الحديث" (2/ 877): جعل الوكاء للاست كالوكاء للقربة, كما أن الوكاء يمنع ما في القربة أن يخرج، كذلك اليقظة تمنع الاست أن تحدث إلا باختيار، والسَّه: حلقة الدبر، وكنى بالعين عن اليقظة؛ لأن النائم لا عين له تبصر.

"وَالسَّهِ" (¬1): الاست، وقيل: حلقة الدبر. "قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: العينان وكاء" بكسر الواو والمد، فسّره المصنف. "السَّهِ" بفتح السين المهملة وكسر الهاء اسم للدبر. "فمن نام فليتوضأ" فيه أنّ النوم نفسه غير ناقض، وإنما هو مع الاستغراق مظنة خروج ناقض. قوله: "أخرجه أبو داود". قلت: قال المنذري (¬2): وأخرجه ابن ماجه (¬3)، وفي إسناده بقية بن الوليد، والوضين ابن عطاء وفيهما مقال. الرابع: [304 ب] حديث (ابن عباس - رضي الله عنهما -): 4 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما -: "أَنَّهُ رَأَى رَسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - نَامَ وَهُوَ سَاجِدٌ حَتى غَطَّ وَنَفَخَ، ثُمّ قَامَ يُصَلِّي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله: إِنَّكَ قَدْ نِمْتَ قَالَ: إِنَّ الوُضُوءّ لاَ يَجِبُ إِلاَّ عَلَى مَنْ نَامَ مُضْطَجِعاً، فَإِنَّهُ إِذا اضْطَجَعَ اسْتَرْخَتْ مَفَاصِلُهُ". أخرجه أصحاب السنن (¬4)، وهذا لفظ الترمذي. [ضعيف] ¬

_ (¬1) انظر: "النهاية في "غريب الحديث" (1/ 830). (¬2) في "مختصر السنن" (1/ 145). (¬3) في "السنن" رقم (477) وقد تقدم، وهو حديث حسن. (¬4) أخرجه أبو داود رقم (202)، والترمذي رقم (77)، والنسائي (2/ 30)، وأخرجه أحمد (1/ 256)، والبيهقي في "معرفة السنن والآثار" (1/ 361 رقم 911، 912)، والطبراني في "الكبير" (12/ 157 رقم (12748)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (1/ 133)، والدارقطني (1/ 159 - 160 رقم 1)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (1/ 121)، وابن شاهين في "الناسخ والمنسوخ" رقم (195)، وابن عدي في "الكامل" (7/ 2730 - 2731). =

"أنه رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نام وهو ساجد حتى غط ونفخ، ثم قام يصلي: فقلت: يا رسول الله قد نمت" فيه دليل أن ابن عباس كان قد عرف أن النوم ناقض. "قال: إن الوضوء لا يجب إلاّ على من نام مضطجعاً" وبيَّن علة ذلك بقوله: (فإنه إذا نام مضطجعاً استرخت مفاصله) فربما خرج منه الناقض. قوله: "أخرجه أصحاب السنن وهذا لفظ الترمذي". قلت: قال المنذري (¬1): وذكر الترمذي (¬2) أن قتادة رواه عن ابن عباس، ولم يذكر فيه أبا العالية ولم يرفعه. قلت: لأنه في أبي داود والترمذي: عن قتادة، عن أبي العالية، عن ابن عباس، وذكر أبو داود (¬3) ما يدل على أن قتادة لم يسمع هذا الحديث من أبي العالية، فيكون منقطعاً، وذكر أن فيه الدالاني وفيه كلام كثير ساقه عن الأئمة. ثم قال: ولو فرض استقامة حال الدالاني، كان فيما تقدم من الانقطاع في إسناده (¬4)، والاضطراب ومخالفة الثقات، ما يعضد قول من ضعفه من الأئمة. ¬

_ = قال الدارقطني: تفرد به أبو خالد عن قتادة, ولا يصح. اهـ. وقال ابن عدي: "وهذا بهذا الإسناد عن قتادة لا أعلم من يرويه عنه غير أبي خالد، وعن أبي خالد غير عبد السلام" اهـ. وقال ابن شاهين: "تفرد بهذا الحديث عبد السلام بن حرب عن أبي خالد الدالاني، لا أعلم رواه غيره" اهـ. وهو حديث ضعيف, والله أعلم. (¬1) في "مختصر السنن" (1/ 144). (¬2) في "السنن" (1/ 111 رقم 77). (¬3) في "السنن" (1/ 139 رقم 202). (¬4) وهو حديث ضعيف.

الخامس: حديث (عبيد الله بن عبد الله بن عتبة). 5 - وعن عبيد الله بن عتبة قال: "دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ - رضي الله عنها -، فَقُلْتُ لهَاَ: أَلاَ تُحَدِّثِينِي عَنْ مَرَضِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فَقَالَتْ: بَلَى، ثَقُلَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: أَصَلَّى النَّاسُ؟ قُلْنَا: لاَ، وَهُمْ يَنْتَظِرُونَكَ يَا رَسولَ الله. قَالَ: ضَعُوا لِي مَاءً فِي المِخْضَبِ. قَالتْ فَفَعَلْنَا فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ ذَهَبَ لِيَنُوءَ فَأُغْمِىَ عَلَيْهِ, ثُمَّ أَفَاقَ، فَقَالَ: أَصَلَّى النَّاسُ؟ فَقُلْنَا: لاَ، وهُمْ يَنَتْظِرُونَكَ يَا رَسُولَ الله. قَالَ: ضَعُوا لِي مَاءً فِي المِخْضَبِ. فَفَعَلْنَا فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ ذَهَبَ لِيَنُوءَ فَأُغْمِىَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ: أَصَلَّى النَّاسُ؟. فَقُلْنَا: لاَ، وَهُمْ يَنْتَظِرُونَكَ يَا رَسُولَ الله. قَالَتْ: وَالنَّاسُ عُكُوفٌ يَنْتَظِرُونَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - لِصَلاَةِ عِشَاءِ الآخِرَةِ". أخرجه الشيخان (¬1). [صحيح] وهو طرف من حديث طويل أخرجاه، وسيجيء في حرف الميم في ذكر وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من كتاب الموت. "المِخْضَبُ" (¬2): المركن والإِجَّانة. وقوله: "لِيَنُوءَ" (¬3): أي: لينهض ليقوم. "قال: دخلت على عائشة فقلت: ألا تحدِّثيني عن مرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالت: بلى، ثقل" بالمثلثة وضم القاف، أي: في مرضه. "النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: أصلى الناس؟ قلنا: لا، وهم ينتظرونك يا رسول الله، قال: ضعوا لي ماء في المخضب" بكسر الميم، وسكون الخاء المعجمة، وفتح الضاد المعجمة بعدها موحدة، إناء تغسل فيه الثياب من أي جنس كان، وقد يطلق على الإناء صغيراً كان أو كبيراً. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (687)، ومسلم رقم (418). (¬2) "القاموس المحيط" (ص 1257). (¬3) "النهاية غريب الحديث" (2/ 800)، "الفائق" للزمخشري (1/ 253).

"قالت: ففعلنا فاغتسل ثم ذهب لينوء" أي: ليتقدم (¬1). "فأغمي عليه" فيه دليل على جواز (¬2) الإغماء على الأنبياء، ولا كلام في جوازه؛ لأنه (¬3) مرض من الأمراض، يجوز عليهم بخلاف الجنون، فإنه لا يجوز عليهم؛ لأنه نقص، والحكمة في جواز المرض عليهم، ومصائب الدنيا [305 ب] تكثير أجورهم وتسلية الناس بهم، ولئلا يغتر الناس بهم، فيعبدونهم لما يظهرونه من المعجزات والآيات البينات، ثم ذكرت أنه تكرر (¬4) ذلك منه - صلى الله عليه وسلم -: "قالت: والناس عكوف ينتظرون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لصلاة عشاء الآخرة" الحديث يأتي بطوله كما قال المصنف: والمراد منه هنا بيان أن الإغماء ناقض، فإنه تكرر وتكرر الاغتسال، وهو وضوء وزيادة، وكأنه - صلى الله عليه وسلم - كان يغتسل لتحصيل النشاط لخروجه. قوله: "أخرجه الشيخان". السادس: حديث (أسماء بنت أبي بكر - رضي الله عنها -). 6 - وعن أسماء بنت أبي بكر - رضي الله عنها -: أَنَّهَا قَالَتْ: فَي صَلاَةِ الكُسُوفِ قُمْتُ حَتَّى تجَلَّانِي الغَشْيُ، وَجَعَلْتُ أَصُبُّ فَوْقَ رَأْسِي مَاءً. قَالَ عُرْوَةُ - رحمه الله -: وَلَمْ تَتَوَضَّأْ. أخرجه الشيخان (¬5). [صحيح] ¬

_ (¬1) قال الحافظ في "الفتح" (2/ 174): لينوء: بضم النون بعدها مدة أي: لينهض بجهد. (¬2) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 174). (¬3) قاله النووي في "شرحه لصحيح مسلم" (4/ 136). (¬4) انظر: "فتح الباري" (2/ 175). (¬5) أخرجه البخاري رقم (86، 184، 922، 1053، 1054، 1061، 2519، 2520، 6235، 8287)، ومسلم في صحيحه رقم (11/ 905).

الفرع الرابع: في أكل ما مسته النار

"أنها قالت: في صلاة الكسوف قمت حتى تجلاني (¬1) " بالجيم وتشديد اللام، أي: غطّى. "الغَشي" (¬2) تقدم قريباً ضبطه وبيانه. "وجعلت أصب فوق رأسي الماء" أي: تبرد به من شدة الحر. "قال عروة - رحمه الله -: ولم تتوضأ" فدلَّ أن الغشي غير ناقض بخلاف الإغماء، إلا أن فعل أسماء ليس بدليل، حتى يقرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قوله: "أخرجه الشيخان". الفرع الرابع: في أكل ما مسته النار (الفرع الرابع) من فروع الباب الخامس في أكل ما مسته النار، وهو: نوعان (في) حكم (أكل ما مسته النار، وهو نوعان): الأول: في الوضوء (الأول) من نوعيه (في الوضوء) منه الأول: حديث (أبي هريرة - رضي الله عنه -): 1 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أَنَّهُ وَجَدَهُ عَبْدُ الله بِنُ قَارظِ يَتَوَضَّأُ عَلَى المَسْجِدِ، فَقَالَ: إِنَّمَا أَتَوَضَّأُ مِنْ أَثْوَارِ أَقِطٍ أَكَلْتُهَا، لأَنَّي سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقَولُ: "تَوَضَّئُوا مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ". ¬

_ (¬1) قال ابن الأثير في "النهاية" (1/ 284): أي: غطَّاني وغشّاني، وأصله: تجلَّلني، فأبدلت إحدى اللامات ألفاً، مثل: تظنَّي وتمطي في تظنن، وتمطط، ويجوز أن يكون معنى تجلاّني: الغَشْى، ذهب بقوتي وصبري، من الجلاء، أو ظهر بي وبان عليّ. وانظر: "فتح الباري" (1/ 183). (¬2) قال الحافظ في "الفتح" (1/ 183): هو طرف من الإغماء، والمراد به هنا الحالة القريبة منه فأطلقته مجازاً. وقد تقدم.

أخرجه الخمسة (¬1) إلا البخاري، وهذا لفظ مسلم [صحيح] وله (¬2) عن عائشة مثله. [صحيح] "الأثْوَارُ" (¬3): جمع ثور، وهي: قطعة من الأقط, وهو لبن جامد مستحجر. "أنه وجده عبد الله بن قارظ" بقاف فظاء معجمة, سّماه في "التقريب" (¬4): إبراهيم ابن عبد الله بن قارظ، وقال: صدوق. "يتوضأ على المسجد (¬5) فقال: إنما أتوضأ من أثوار أقط" بفتح الهمزة وكسر القاف وبضمها أيضاً، وبكسر الهمزة، والقاف معاً، وبفتحهما، فسّره المصنف. وقال المنذري: هو شيء يتخذ من مخيض اللبن الغنمي. "أكلتها؛ لأني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: توضئوا مما مست النار" وكان هذا أوّل الأمر، ثم نسخ كما يأتي. قوله: "أخرجه الخمسة, إلا البخاري وهذا [306 ب] لفظ مسلم (¬6) وله عن عائشة مثله". ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم في صحيحه رقم (90/ 352)، وأبو داود رقم (194)، والترمذي رقم (79)، وابن ماجه رقم (485)، وأخرجه أحمد (2/ 265، 271)، والطيالسي رقم (2376) وأبو نعيم في الحلية (5، 362 - 363 رقم 324) وهو حديث صحيح. (¬2) أخرجه مسلم في صحيحه رقم (90/ 353). وأخرجه أحمد (6/ 89)، وابن ماجه رقم (486)، وهو حديث صحيح. (¬3) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 225). (¬4) (1/ 37 رقم 223). (¬5) نقل ابن المنذر إجماع العلماء على جواز الوضوء في المسجد ما لم يؤذ أحداً، كما ذكره النووي في "شرحه لصحيح مسلم" (4/ 44). (¬6) في صحيحه رقم (90/ 353) انظر ما تقدم.

الثاني: في ترك الوضوء

الثاني: في ترك الوضوء النوع (الثاني) أي: من نوعي الفرع الرابع في ترك الوضوء (في ترك الوضوء) أي: مما مست النار الأول: حديث (ابن عباس - رضي الله عنه -): 1 - عن ابن عباس - رضي الله عنهما -: "أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَكلَ كَتْفَ شَاةٍ وَصَلَّى، وَلَمْ يَتَوضَأْ". أخرجه الستة (¬1) إلا الترمذي، وهذا لفظ الشيخين. [صحيح] وللبخاري (¬2) أخرى: أَنَّهُ انْتَشَلَ عَرْقاً مِنْ قَدِرِ". [صحيح] ولمسلم (¬3): "أَنَّهُ انْتَهشَ مِنْ كَتِفٍ, ثُمّ صَلّى وَلَمْ يَتَوَضّأْ". [صحيح] "انْتَشَل (¬4) الُعَرْقَ": أخذه بيده من القدر. و"العَرْقُ" (¬5): العظم إذا كان عليه لحم. و"انْتَهَشَ (¬6) اللحَمَ": بشين معجمة وغير معجمة: أخذه بمقدم أسنانه. "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أكل كتف شاة" أي: مطبوخة. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (207)، ومسلم رقم (354)، وأبو داود رقم (187)، ومالك في "الموطأ" (1/ 25)، والنسائي (1/ 108) وهو حديث صحيح. (¬2) في صحيحه رقم (5405). (¬3) في صحيحه رقم (355). (¬4) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (7/ 220). (¬5) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 192). (¬6) النَّهس: أخذ اللحم بأطراف الأسنان، والنَّهش: الأخذ بجميعها، "غريب الحديث" للخطابي (1/ 15)، "المجموع المغيث" (3/ 369).

"وصلَّى ولم يتوضأ" وهذا دليل على أنه لا وضوء (¬1) مما مست النار. قوله: "أخرجه الستة إلا الترمذي، وهذا لفظ الشيخين". "وللبخاري في" رواية "أخرى: أنه انتشل" بالشين المعجمة, فسّره المصنف. "عرقاً" بالفتح العظم بلحمه، فإذا أكل لحمه فعراق، كما في "القاموس" (¬2). "من قدر" الإناء الذي يطبخ فيه. "ولمسلم" في رواية "أنه" - صلى الله عليه وسلم -. "انتهش" النهس بالمهملة الأكل بمقدم الأسنان، وبالمعجمة الأكل بالأضراس. "من كتف ثم صلى ولم يتوضأ" والكل دليل أنه لا وضوء مما مست النار. قول المصنف: "أخذه بمقدم أسنانه" قدّمنا لك الفرق بين المعجمة والمهملة, وسوى المصنف بينهما، وفي "القاموس" (¬3): في حرف الشين: أخذه بأضراسه، وبالسين أخذه بأطراف الأسنان. انتهى، وهو كما نقلناه قريباً. قلت: وينبغي قراءة الحديث بالسين المهملة؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - لا يأخذ بأضراسه، إنما يأخذ بها النَّهِم، وقد كان - صلى الله عليه وسلم - أحسن الناس أكلة. الثاني: حديث (عمرو بن أمية): 2 - وعن عمرو بن أمية الضمري - رضي الله عنه -: "أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم يَحْتَزُّ مِنْ كَتِفِ شاةٍ بِيَدهِ، فَدُعِيَ إِلَى الصَّلاَةِ، فَالقَى السِّكِّينَ الَّتي كَانَ يَحْتَزُّ بِهَا، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ". أخرجه الشيخان (¬4) والترمذي (¬5)، وهذا لفظ الشيخين. [صحيح] ¬

_ (¬1) انظر: "المجموع" (2/ 66 - 69)، "الاستذكار" (2/ 150). (¬2) "القاموس المحيط" (ص 1172). (¬3) "القاموس المحيط" (ص 780). (¬4) أخرجه البخاري رقم (208)، ومسلم رقم (92/ 355). (¬5) في "السنن" (1837) وهو حديث صحيح.

"أنه رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحتز" بالحاء المهملة فمثناة فوقية فزاي، في "القاموس" (¬1): الحز القطع كالاحتزار. "من كتف شاة بيده" أي: بالسكين، كما دل له قوله: "فدعي إلى الصلاة فألقى السكين" سميت بذلك لتسكينها حركة المذبوح، وفيه جواز (¬2) قطع اللحم بالسكين، حيث دعت إليه حاجة، قالوا: ويكره لغير حاجة, ولا أدري ما وجه الكراهة؟. "ثم قام يصلي ولم يتوضأ" هو كما سلف في الدلالة. قوله: "أخرجه الشيخان والترمذي [307 ب] وهذا لفظ الشيخين". الثالث: حديث (جابر - رضي الله عنه -): 3 - وعن جابر - رضي الله عنه - قال: "خَرَجَ رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وَأَناَ مَعَهُ فَدَخلَ عَلىَ امْرَأَةٍ مَنْ الأَنْصَار، فَذَبَحَتْ لَهُ شَاةَ، وَأَتَتْ بِقِنَاعٍ مِنْ رُطْبٍ فَأَكَلَ مِنْهُ ثُمّ تَوَضّأ للِظُهْرِ وَصَلَّى، ثُمّ انْصَرَفَ فَأتَتهُ بِعُلاَلَةٍ مِنْ عُلاَلَةِ الشّاَةٍ فَأكَلَ، ثُمّ صَلّىَ العَصْرَ وَلَمْ يَتَوَضّأ". أخرجه الأربعة (¬3)، وهذا لفظ الترمذي. [صحيح] ولأبي داود (¬4) والنسائي (¬5) قال: "كَانَ آخِرُ الأمَرَينِ مِنْ رَسولِ الله تَرْكٌ الوُضُوءِ مِمّا غَيَّرَتِ النَّارُ". [صحيح] ¬

_ (¬1) "القاموس المحيط" (ص 653). (¬2) انظر: "فتح الباري" (1/ 312). (¬3) أخرجه أبو داود رقم (191، 192)، والترمذي رقم (80)، وابن ماجه رقم (489)، ومالك في "الموطأ" (1/ 27)، وهو حديث صحيح، والنسائي (1/ 108). (¬4) في "السنن" رقم (192). (¬5) في "السنن" (1/ 108).

"القِناَعُ" (¬1): الطبق. "والعلالة" (¬2): بقية الشيء. قوله: "ثم انصرف" أي: من صلاته. "فأتته بعلالة" بضم العين المهملة, ما يتعلل به وبقية اللبن (¬3) وغيره، والمراد هنا بقية اللَّحم. "من علالة الشاة" من بقيتها، والحديث كغيره في الدلالة على عدم الوضوء مما مست النار. قوله: "أخرجه الأربعة, وهذا لفظ الترمذي". قلت: وقال (¬4) بعد إخراجه: قال أبو عيسى: والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب (¬5) النَّبي - صلى الله عليه وسلم - والتابعين، ومن بعدهم مثل: سفيان (¬6) وابن المبارك (¬7)، والشافعي (¬8) وأحمد (¬9) وإسحاق، رأوا ترك الوضوء مما مست النار، وهو آخر الأمرين من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكأن هذا الحديث ناسخ للحديث الأول، حديث: "الوضوء مما مست النار". انتهى. ¬

_ (¬1) قال ابن الأثير "في النهاية" (2/ 495) القناع: الطبق الذي يؤكل عليه، ويقال له: القُنعْ بالكسر والضم، وقيل: القِناع جمعه. وانظر: "الفائق" للزمخشري (3/ 227). (¬2) بقية اللحم، ويقال لبقيَّة اللبن في الضرع، وبقية قوة الشيخ، وبقيّة جَرْي الفرس: عُلالة. "النهاية في غريب الحديث" (2/ 248)، "غريب الحديث" للخطابي (1/ 14). (¬3) انظر: ما تقدم. (¬4) في "السنن" (1/ 119). (¬5) انظر: "شرح معاني الآثار" (1/ 67 - 68)، "شرح صحيح مسلم" للنووي (4/ 44). (¬6) ذكره الترمذي في "السنن" (1/ 119)، وانظر: "المغني" (1/ 250). (¬7) ذكره ابن قدامة في "المغني" (1/ 250 - 251). (¬8) انظر: "المجموع شرح المهذب" (2/ 66 - 69). (¬9) "مسائل أحمد" لأبي داود (ص 15). =

قوله: "ولأبي داود والنسائي قال" أي: جابر بن عبد الله راوي الحديث الأول، وهو إخبار من جابر أنه: "كان آخر الأمرين من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ترك الوضوء مما غيرت النار" وهو يدل أنه - صلى الله عليه وسلم -، كان أولاً يتوضأ مما مست النار، ولم أجد حديثاً أنه - صلى الله عليه وسلم - توضأ مما مست النار، وإنما أتى في الأمر به حديث أبي هريرة (¬1) أول حديث ساقه المصنف في هذا النوع. الرابع: 4 - وعن عبيد بن ثمامة المرادي قال: "قَدِمَ عَلَيْنَا مِصْرَ عَبْدُ الله بْنُ الحَارِثِ بْنِ جَزْءٍ - رضي الله عنه - مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَسَمِعْتُهُ يُحَدِّثُ فِي مَسْجدِ مِصْرَ، قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُنِي سَابعَ سَبْعَةٍ, أَوْ سَادِسَ سِتَّةٍ مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي دَارِ رَجُلٍ، فَمَرَّ بِلَالٌ - رضي الله عنه -، فَنَادَاهُ بِالصَّلَاةِ, فَخَرَجْنَا، فَمَرَرْنَا بِرَجُلٍ وَبُرْمَتُهُ عَلَى النَّارِ، فَقَالَ لَهُ النّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: أَطَابَتْ بُرْمَتُكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، فَتَنَاوَلَ مِنْهَا بَضْعَةً, فَلَمْ يَزَلْ يَعْلُكُهَا حَتَّى أَحْرَمَ بِالصَّلَاةِ, وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ". أخرجه أبو داود (¬2). [ضعيف] حديث: "عبيد (¬3) بن ثمامة" بالمثلثة مضمومة "المرادي". "قال: قدم علينا مصر عبد الله (¬4) بن الحارث بن جزء" بفتح الجيم، فزاي، فهمزة من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -. "فسمعته يحدث في المسجد بمصر". قوله: "فتناول منها بضعة" بفتح الموحدة قطعة منها. "فلم يزل يعلكها" يمضغها يقال: علكه مضغه. ¬

_ = "مسائل أحمد" لأبي هانئ (1/ 9)، "مسائل أحمد" لعبد الله (ص 19). (¬1) تقدم تخريجه ونصه, وهو حديث صحيح. (¬2) في "السنن" رقم (193) وهو حديث ضعيف. (¬3) انظر: "التقريب" (2/ 542 رقم 1536). (¬4) انظر: "الاستيعاب" رقم (1338)، "التقريب" (2/ 407 رقم 240).

"حتى أحرم بالصلاة وأنا أنظر إليه" وكأنه - صلى الله عليه وسلم - ازدردها قبل إحرامه بصلاته. قوله: "أخرجه أبو داود". الخامس: حديث (سويد بن النعمان): 5 - وعن سويد بن النعمان - رضي الله عنه - قال: "خَرَجَناَ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - عَامَ خَيْبَرَ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالصَّهْبَاءِ، وَهِيَ مِنْ أَدْنَى خَيْبَرَ صَلَّى رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - العَصْر، فَلَمَّا صَلّى دَعاَ بِالأطْعِمَةِ, فَلَمْ يُؤْتَ إِلَّا بِالسَّوِيقِ فَأَمَرَ بِهِ فَثُرِّيَ، فَأَكلَ وَأَكَلْنَا، ثُمَّ قَامَ إِلَى المَغْرِبِ فَمَضْمَضَ وَمَضْمَضْنَا، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ". أخرجه البخاري (¬1)، ومالك (¬2) والنسائي (¬3). [صحيح] "ثُرِّيَ" (¬4): أي بلّ بالماء. فيه أنه - صلى الله عليه وسلم - أمر بثرية السّويق، وهو مما مست النار. والتثرية: البلُّ، وأنَّه أكل منه وصلّى ولم يتوضأ، وهو كغيره مما سلف. قوله: "أخرجه البخاري، ومالك والنسائي". 6 - وعن أنس - رضي الله عنه -: "أَنَّ رَسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - شَرِبَ لَبَناً فَلَمْ يَتَمَضْمَضْ، ولَمْ يَتَوَضَّأ وَصَلّى". أخرجه أبو داود (¬5). [حسن] ¬

_ (¬1) في صحيحه رقم (209، 4195). (¬2) في "الموطأ" (1/ 26 رقم 20). (¬3) في "السنن" (1/ 108، 109) وهو حديث صحيح. (¬4) "النهاية" (1/ 208)، "الفائق" للزمخشري (1/ 65). (¬5) في "السنن" رقم (197)، وهو حديث حسن.

الفرع الخامس: في لحوم الإبل

الفرع الخامس: في لحوم الإبل (الفرع الخامس) من فروع الباب الخامس في لحوم الإبل (في) حكم (لُحُومِ الإِبِلْ) الأول: حديث (جابر بن سمرة - رضي الله عنه -): 1 - عن جابر بن سمرة - رضي الله عنه -: "أَنَّ رَجُلا، سَأَلَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، أَتَوَضَّأُ مِنْ لحُومِ الغَنَمِ؟ قَالَ: إِنْ شِئْتَ فَتوَضَّأْ، وَإِنْ شِئْتَ فَلا تَتَوَضَّأْ، قَالَ: أَتَوَضَّأُ مِنْ لحُومِ الإِبِلِ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَتَوَضَّأْ مِنْ لحُومِ الإِبِلِ، قَالَ: أُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الغَنَمِ؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: أُصَلِّي فِي مَبَارِكِ الإِبِلِ؟ قَالَ: لاَ". أخرجه مسلم (¬1). [صحيح] "أنّ رجلاً سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" أي: فقال: "أتوضأ من لحوم الغنم" من أكلها. "قال: إن شئت فتوضأ" في إرجاعه - صلى الله عليه وسلم - الوضوء إلى مشيئته دليل أنه لا ينقض، ودليل على جواز الوضوء على الوضوء؛ لأنه بعد أكله على وضوءه الأول، وقد أذن له أن يتوضأ إذا شاء. "وإن شئت فلا تتوضأ، قال: أتوضأ من لحوم الإبل، قال: نعم، فتوضأ من لحوم الإبل" فدل أنه ناقض سواء مسته نار أو لا. "قال: أصلي في مرابض الغنم قال: نعم" أي: صلي فيها، وفيه دليل على طهارة أبوالها وأبعارها. "قال: أصلي في مبارك الإبل قال: لا". قوله: "أخرجه مسلم". ¬

_ (¬1) في صحيحه رقم (97/ 360) وهو حديث صحيح.

2 - ولأبي داود (¬1) والترمذي (¬2)، عن البراء - رضي الله عنه -: "لاَ تُصَلُّوا فِي مَبَارِكِ الإِبِلِ، فَإِنَّهاَ مِنَ الشّيَاطِينِ، وَسْئِلَ عَنْ مَرَابِضِ الغَنَمِ، فَقَالَ: صَلُّوا فِيِهاَ فَإِنّهاَ بَرَكَةٌ". [صحيح] قوله: "ولأبي داود والترمذي عن البراء: لا تصلوا في مبارك الإبل، فإنها من الشياطين" هو بيان لعلة النهي. "وسئل عن مرابض الغنم" أي: عن الصلاة فيها. "فقال: صلوا فيها فإنها بركة" في "الجامع" (¬3) أنه أخرجه أبو داود والترمذي إلى قوله: "لا تتوضئوا منها" وظاهر صنيع المصنف أنه موقوف على جابر، وليس كذلك، فلفظه في "الجامع" (¬4): "سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الوضوء من لحوم الإبل ... " الحديث. قلت: قال (¬5) الترمذي: صح في هذا الباب حديثان عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، حديث البراء (¬6)، وحديث جابر بن سمرة (¬7). ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (184). (¬2) في "السنن" رقم (81). وأخرجه ابن ماجه رقم (494)، وابن خزيمة رقم (32)، وأحمد (4/ 288 - 303)، والبيهقي (1/ 159)، والطيالسي في "المسند" رقم (734, 735)، وابن الجارود في "المنتقى" رقم (26)، وابن حبان رقم (1128)، وابن الجارود رقم (26) وهو حديث صحيح. (¬3) (7/ 227). (¬4) (7/ 226 - 227 رقم 5266). (¬5) في "السنن" (1/ 123). (¬6) تقدم وهو حديث صحيح. (¬7) تقدم وهو حديث صحيح.

الفرع السادس: في أحاديث متفرقة

قال (¬1): وقد روي عن بعض أهل العلم من التابعين وغيرهم، أنهم لم يروا (¬2) الوضوء من لحوم الإبل، وهو قول سفيان الثوري، وأهل [309 ب] الكوفة. الفرع السادس: في أحاديث متفرقة (الفرع السادس) من فروع الباب الخامس في أحاديث متفرقة (في أحاديث متفرقة) وذكر حديثين الأول: حديث (ابن مسعود): 1 - عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: "كُنَّا لاَ نَتَوَضّأَ مِنْ مَوْطىءِ، وَلاَ نَكُفُّ شَعْراً وَلاَ ثوْباً". أخرجه أبو داود (¬3). [صحيح] "الموطىء" ما يوطأ في الطريق من الأذى (¬4). "كنا لا نتوضأ من مَوْطِئّ" بفتح الميم وسكون الواو، وكسر الطاء، وتشديد المثناة التحتية، ويأتي تفسيره للمصنف. "ولا نكف شعراً ولا ثوباً". قوله: "أخرجه أبو داود". قلت: موقوفاً على ابن مسعود. ¬

_ (¬1) الترمذي في "السنن" (1/ 125). (¬2) انظر: "المغني" (1/ 250)، "التمهيد" (3/ 348)، "الأوسط" (1/ 138 - 139). (¬3) في "السنن" رقم (204) وأخرجه ابن ماجه رقم (1041) وهو حديث صحيح. (¬4) قال ابن الأثير في "غريب الجامع" (7/ 228) أنهم كانوا لا يعيدون الوضوء من الأذى الذي يصيب أرجلهم، ولا كانوا يغسلونها منه.

الثاني: حديث (أبي هريرة): 2 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: بَيْنَمَا رَجُلٌ يُصَلِّى مُسْبِلٌ إِزَارَهُ إذ قَالَ لَه رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "اذْهَبْ فَتَوَضَّأْ، فَذَهَبَ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ جَاءَ ثُمَّ قَالَ: اذْهَبْ فَتَوَضَّأْ، فَذَهَبَ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسولَ الله مَالَكَ، أَمَرْتَهُ أَنْ يَتَوَضَّأُ؟ فَقَالَ: إِنَّهُ كَانَ يُصَلِّى وَهُوَ مُسْبِلٌ إِزَارَهُ، وَإِنَّ الله لاَ يَقْبَلُ صَلاَةَ رَجُلٍ مُسْبِلٌ إِزَارَهُ". أخرجه أبو داود (¬1). [ضعيف] "أنه قال: بينما رجل يصلي مسبلاً إزاره" الإسبال (¬2) ما جاوز الكعبين. "قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: اذهب فتوضأ، فذهب فتوضأ، ثم جاء، فقال رجل: يا رسول الله! مالك أمرته أن يتوضأ" في لفظ أبي داود (¬3): "ثم سكت عنه" فسقط على المصنف. "فقال: إنه كان يصلي وهو مسبل إزاره، وإن الله لا يقبل صلاة رجل مسبل إزاره" فيه دليل على تحريم إسبال الإزار، وألفنا فيه رسالة (¬4) نافعة. وفيه: أنه ينتقض وضوء من صلّى مسبلاً إزاره، وأنه يجب عليه استئناف الوضوء. قوله: "أخرجه أبو داود". قلت: قال المنذري (¬5): فيه أبو جعفر، وهو رجل من أهل المدينة لا يعرف؟ اسمه. انتهى. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (4086)، وهو حديث ضعيف. (¬2) المسبل: هو الذي يطوّل ثوبه ويرسله إلى الأرض إذا مشى، وإنما يفعل ذلك كثيراً واختيالاً، "النهاية في غريب الحديث" (1/ 752). (¬3) في "السنن" رقم (638) وهو حديث ضعيف. (¬4) وهي الرسالة رقم (118) من "عون القدير من فتاوى ورسائل ابن الأمير" بتحقيقي، ط: ابن كثير. وهي بعنوان: إستيفاء الاستدلال في بيان تحريم إسبال الثياب عن الرجال. (¬5) في "مختصر السنن" (1/ 324).

الباب السادس: في المسح على الخفين

وقال ابن رسلان في "شرح سنن أبي داود": اسمه كثير بن جهمان، أو راشد بن كيسان. انتهى. قلت: وقد حققنا اسمه وثقته في "الرسالة في الإسبال" (¬1). الباب السادس: في المسح على الخفين (البَابُ السَادِسُ) في المسح على الخفين (في: المَسْحِ عَلَى الخُفَّين) أي: في بيان شرعية مسح المتوضي على خفيه عوضاً عن غسل رجليه. في "فتح الباري" (¬2) نقل ابن المنذر (¬3) عن ابن المبارك قال: ليس في المسح على الخفين بين الصحابة اختلاف؛ لأن كل من روي عنه منهم إنكاره، فقد روي عنه إثباته. وقال ابن عبد البر (¬4): لا أعلم روى عن أحد من فقهاء السلف إنكاره، إلا عن مالك مع أن الروايات الصحيحة عنه مصرحة بإثباته. وقد أشار الشافعي في الأم (¬5) [310 ب] إلى إنكار ذلك على المالكية، والمعروف المستقر عندهم الآن، قولان: الجواز مطلقاً، ثانيهما: للمسافر دون المقيم. ¬

_ (¬1) تقدم ذكره آنفاً. (¬2) (1/ 305). (¬3) في "الأوسط" (1/ 434). (¬4) في "التمهيد" (11/ 141) حيث قال: وكذلك لا أعلم في التابعين أحداً ينكر ذلك ولا في فقهاء المسلمين إلا رواية جابر عن مالك. والروايات الصحاح عنه بخلافه، وهي منكرة يدفعها موطاؤه وأصول مذهبه، وانظر: "الاستذكار" (2/ 237 رقم 2182). (¬5) (2/ 70 - 72)، وانظر: "المجموع شرح المهذب" (1/ 500 - 501).

وقال ابن المنذر (¬1): واختلف أيهما أفضل؟ المسح على الخفين، أو نزعهما وغسل القدمين؟ قال: والذي أختاره أن المسح أفضل، لأجل من طعن فيه من أهل البدع من الخوارج والروافض. قال: وإحياء ما طعن فيه المخالف من السنن أفضل من تركه. انتهى. وقال النووي (¬2): صرّح جمع من الأصحاب بأن الغسل أفضل، بشرط أن لا يترك المسح رغبة عن السنة. انتهى. قلت: قد ثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأمران: غسل رجليه تارة وهو الأكثر، ومسح على الخفين، ولم يبين الأفضل منهما، فالتعرض للتفضيل فضول إذ لا يعرف إلا توقيفاً. واعلم أن المسح على الخفين متواتر (¬3) وجمع بعضهم رواته، فجاوزوا الثمانين، منهم العشرة. وذكر ابن أبي شيبة (¬4) وغيره: عن الحسن البصري قال: حدَّثني سبعون من الصحابة بالمسح على الخفين، وذكر المصنف أحاديث. الأول: حديث (المغيرة بن شعبة): 1 - عن المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - قال: "كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا مُغِيرَةُ خُذِ الإِدَاوَةَ، فَأَخَذْتُهَا. فَانْطَلَقَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى تَوَارَى عَنِّىَ، فَقَضَى حَاجَتَهُ، وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ شَامِيَّةٌ، فَذَهَبَ ¬

_ (¬1) في "الأوسط" (1/ 439 - 440). (¬2) في "شرحه لصحيح مسلم" (3/ 164 - 165). (¬3) ذكره الحافظ في "الفتح" (1/ 306). (¬4) ذكره الحافظ في "الفتح" (1/ 306)، وابن عبد البر في "التمهيد" (11/ 137)، و"الاستذكار" (1/ 430)، وابن المنذر في "الأوسط" (1/ 430).

لِيُخْرِجَ يَدَهُ مِنْ كُمِّهَا فَضَاقَتْ، فَأَخْرَجَ يَدَهُ مِنْ أَسْفَلِهَا، فَصَبَبْتُ عَلَيْهِ فَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلاَةِ، ثُمَّ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ, ثُمَّ صَلَّى". أخرجه الستة (¬1). [صحيح] "قال: كنت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - " زاد في رواية في البخاري (¬2): "في سفر" وفي المغازي (¬3): "أنه كان في غزوة تبوك" وأنه كان: "عند صلاة الفجر". "فقال: يا مغيرة خذ الإداوة" بكسر الهمزة، تقدم ذكرها وأنها إناء فيه ماء. "فأخذتها فانطلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى توارى عني، فقضى حاجته وعليه جبة شامية" لأبي داود (¬4): "من صوف من جباب الروم". "فذهب ليخرج يده من كمها" لأجل يغسلها، يحتمل أنه غسلها أول الوضوء؛ لأن في رواية أحمد (¬5): "أنه غسل كفيه" وله (¬6) في أخرى: "فغسلها فأحسن غسلها". وللبخاري (¬7) في الجهاد: "أنه تمضمض واستنشق وغسل وجهه"، زاد أحمد (¬8): "ثلاث مرات". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (182)، وأطرافه في [203، 206، 363، 388، 2918، 4421، 5798، 5799)، ومسلم رقم (274)، ومالك في "الموطأ" (1/ 36)، وأبو داود رقم (149، 150، 151)، والترمذي رقم (97، 98، 99، 100)، والنسائي (1/ 82). وهو حديث صحيح. (¬2) في صحيحه رقم (182). (¬3) في صحيحه رقم (4421). (¬4) في "السنن" رقم (151). (¬5) في "المسند" (4/ 248). (¬6) لأحمد في "المسند" (4/ 244). (¬7) في صحيحه رقم (2918). (¬8) في "المسند" (4/ 244).

"فضاقت" أي: الجبة, والمراد: كمّها، وفي رواية أحمد (¬1): "فذهب يخرج يديه من كميه, فكانا ضيقين فأخرجهما من [311 ب] تحت الجبة" ولمسلم (¬2): "ومسح بناصيته وعمامته"، وللبخاري (¬3): "أي: بناصيته". "فأخرج يده من أسفلها، فصببت عليه, فتوضأ وضوءه للصلاة ومسح على خفيه". قوله: "أخرجه الستة" وذكر البزار (¬4) أنه رواه عن المغيرة ستون رجلاً. - وفي أخرى قال: "فَأَهْوَيْتُ لِأَنْزِعَ خُفَّيْهِ, فَقَالَ: دَعْهُمَا فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ فَمَسَحَ عَلَيْهِمَا". هذا لفظ الشيخين (¬5). [صحيح] "وفي أخرى: فأهويت" أي: مددت يدي. "لأنزع خفيه" كأنه لم يكن عرف المغيرة مشروعية المسح، أو أنه ظن أنه - صلى الله عليه وسلم - سيعدل إلى المسح. "فقال: دعهما فإني أدخلتهما" أي: القدمين. "طاهرتين" بوّب البخاري (¬6) لهذا الحكم فقال: باب إذا أدخل رجليه وهما طاهرتان. وحمل الجمهور (¬7) الطهارة على الشرعية في الوضوء. ¬

_ (¬1) في "المسند" (4/ 247). (¬2) في صحيحه رقم (81/ 274). (¬3) في صحيحه رقم (182). (¬4) ذكره الحافظ في "الفتح" (1/ 307). (¬5) أخرجه البخاري رقم (206، 5799)، ومسلم في صحيحه رقم (80/ 274). (¬6) في صحيحه (1/ 309 الباب رقم 49 - مع الفتح). (¬7) انظر: "فتح الباري" (1/ 310)، "المغني" (1/ 361)، "المجموع شرح المهذب" (1/ 540 - 541).

وخالفهم داود (¬1) وقال: إذا لم يكن على رجليه نجاسة عند اللبس جاز له المسح. "فمسح عليهما، هذا لفظ الشيخين" ولم يبين في الرواية كمية المسح، ولا كيفيته وأتى في غيرها كما يأتي. - ولمسلم (¬2) - رحمه الله - في أخرى: "أَنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - مَسَحَ عَلَى الخُفّيْنَ وَمُقَدّمِ رِأْسِهِ وَعَلىَ عِماَمِتِهِ". [صحيح] قوله: "ولمسلم" من رواية المغيرة. "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مسح على الخفين، ومقدم رأسه وعلى عمامته" أي: كمل مسح رأسه على العمامة. - ولأبي داود (¬3) في أخرى: "أَنَّ النّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - مَسَحَ عَلَى الخُفَّيْنِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله! أنَسِيتَ؟ قَالَ: بَلْ أَنْتَ نَسِيتَ، بِهَذَا أَمَرَنِي رَبِّي - عز وجل - ". [ضعيف] "ولأبي داود في أخرى: ومسح على الخفين، فقلت: يا رسول الله! نسيت" أي: غسل الرجلين. ¬

_ (¬1) في "المحلى" (2/ 100 مسألة 215). (¬2) في صحيحه رقم (83/ 274). (¬3) في "السنن" رقم (156). وأخرجه أحمد (4/ 246)، والحاكم (1/ 170) كلهم من طريق بُكير بن عامر البجلي، وقال الحاكم: قد اتفق الشيخان على إخراج حديث المغيرة بن شعبة في المسح، ولم يخرجا قوله - صلى الله عليه وسلم -: "بهذا أمرني ربي" وإسناده صحيح، ووافقه الذهبي. قلت: بُكير بن عامر البجلي، أبو إسماعيل الكوفي، ضعيف، قاله الحافظ في "التقريب" رقم (759)، وهو حديث ضعيف. والله أعلم.

"فقال: بل أنت نسيت" أن هذا قد شرعه الله، والمراد بنسبة النسيان إلى المغيرة الجهل، عبرّ عنه بالنسيان مشاكلة لكلامه، ثم أخبره بشرعيته، "فقال: بهذا" المسح الذي شاهدته. "أمرني ربي" كل هذه الألفاظ في حديث المغيرة، وألفاظه كثيرة سردها ابن الأثير (¬1). قال الحافظ ابن حجر (¬2): فيه من الفوائد الإبعاد عند قضاء الحاجة، والتواري عن الأعين، و [استحباب (¬3)] الدوام على الطهارة، لأمره - صلى الله عليه وسلم - المغيرة أن يتبعه بالماء مع أنه لم يستنج به، وإنما توضأ به حين رجع، وفيه جواز الاستعانة كما شرح في بابه (¬4). قلت: لأنه بوّب البخاري لجواز الاستعانة في الوضوء، وذكر حديث (¬5) المغيرة هذا، ثم أطال في فوائده (¬6) بعد سرد المختلف من ألفاظه وليست [312 ب] هنا حتى نستوفي كلامه. الثاني: حديث (بلال - رضي الله عنه -): 2 - وعن بلال - رضي الله عنه -: "أَنَّ رَسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: مَسَحَ الخُفَّيْنِ وَالخِمارِ". أخرجه الخمسة (¬7) إلا البخاري. [صحيح] وفيه: "أنه - صلى الله عليه وسلم - مسح على الخفين والخمار" في "النهاية" (¬8) أراد به العمامة؛ لأن الرجل ¬

_ (¬1) في "الجامع" (7/ 228 - 233). (¬2) في "فتح الباري" (1/ 307). (¬3) في (أ. ب) الاستمرار، وما أثبتناه من "الفتح". (¬4) في صحيحه (1/ 286 الباب رقم 35 - مع الفتح). (¬5) رقم (182). (¬6) انظرها في "فتح الباري" (2/ 307). (¬7) أخرجه مسلم في صحيحه رقم (84/ 275)، وأبو داود رقم (153)، والترمذي رقم (101)، والنسائي رقم (104)، وابن ماجه رقم (561)، وأخرجه أحمد (6/ 12). (¬8) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 532).

يُغَطِّي بها رأسه، كما أنّ المرأة تغطِّيه بخمارها، وذلك إذا كان قد اعتمَّ عِمَّة العرب، فأدارها تحت الحَنَك، ولا يستطيع نزعها في كل وقت فتصير كالخفَّين، غير أنه يحتاج إلى مسح القليل من الرأس، ثم يمسح على العمامة، بدل الاستيعاب. انتهى. قلت: في كلامه نظر من وجهين؛ الأولى: شرطية أن يكون قد اعتمَّ عمَّة العرب، فهذا شرط لم يأت به النص، وأما قوله: فتصير - أي العمامة - كالخفَّين، في أنه لا يستطيع نزعها، فالخفان لم يشرع المسح عليهما لعدم استطاعة نزعهما (¬1). الثاني: قوله: غير أنه يحتاج إلى مسح القليل من الرأس، فإنه ليس في حديث بلال دليل عليه، وإنما ذلك في حديث المغيرة عند مسلم (¬2)، وحديث بلال دال على أنه لا يمسح إلا على العمامة. وتقييده بحديث المغيرة لا وجه له، بل كل حديث دلَّ على حكم الأول على التكميل على العمامة، والثاني: عليها نفسها ويدل له حديثه الآتي. قوله: "أخرجه الخمسة إلا البخاري". - وفي أخرى لأبي داود (¬3): "كَانَ - صلى الله عليه وسلم - يَخْرُجُ لحَاجَتَهُ، فَآتِيهِ بِالمَاءِ فَيَتَوَضَّأُ، وَيَمْسَحُ عَلَى عِمَامَتِهِ وَمُوقَيْهِ". [صحيح] ¬

_ (¬1) انظر: "المحلى" (2/ 65)، "فتح الباري" (1/ 309)، "المغني" (1/ 379). (¬2) في صحيحه رقم (83/ 274). (¬3) في "السنن" رقم (153). وأخرجه بهذا اللفظ الحاكم (1/ 170)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (1/ 289). قال الحاكم: هذا حديث صحيح، فإن أبا عبد الله مولى بني تيم معروف بالصحة والقبول، وأمَّا الشيخان فإنهما لم يخرجا ذكر المسح على المُوقين. =

"وفي" رواية "أخرى لأبي داود" عن بلال أيضاً. "كان - صلى الله عليه وسلم - يخرج لحاجته" في سفر أو حضر. "فأتيه بالماء فيتوضأ، ويمسح على عمامته" أي: من دون مسح بعض الرأس. "وموقيه" (¬1) أي: خفيّه، فالموق نوع من الخفاف معروف، وهو بالتثنية في لفظ "الجامع" (¬2) وفي "التيسير" بإفراد. الثالث: 3 - وعن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر قال: "سَألتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ الله - رضي الله عنهما -، عَنِ المَسْحِ عَلَى الخُفَّيْنِ، فَقَالَ: السُّنَّةُ يَا ابْنَ أَخِي؛ وَسَالتُهُ عَنِ المَسْحِ عَلَى العِمَامَةِ، فَقَالَ: أَمِسَّ الشَّعَرَ". أخرجه الترمذي (¬3). [إسناده صحيح] حديث: "أبي عبيدة" يذكر اسمه في "التقريب" (¬4)، بل قال: أبو عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر، أخو سلمة، وقيل: هو مقبول من الرابعة. "قال: سألت جابر بن عبد الله، عن المسح على الخفين، فقال: السنة يا ابن أخي، وسألته عن المسح على العمامة فقال: أمِس الشعر" ظاهره أنه لا يرى المسح على العمامة، ويحتمل أنه يريد مسح بعض الرأس، كما في حديث المغيرة. ¬

_ = وأخرجه ابن خزيمة في صحيحه رقم (189)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (1/ 178) عنه بلفظ: "أنه - صلى الله عليه وسلم - مسح على المُوقين والخمار". وهو حديث صحيح. (¬1) قال ابن الأثير في "النهاية" (2/ 689): الموق: الخف فارسي معرب. وانظر: "غريب الحديث" للخطابي (2/ 23). (¬2) (7/ 236 رقم 5272). (¬3) في "السنن" رقم (102) بإسناد صحيح. (¬4) (2/ 448 رقم 90).

قوله: "أخرجه الترمذي". قلت: وسكت عليه، لم يصححه، ولم يُغرِّبه ولا حسنه، إلا أنه قال بعده (¬1): وقال (¬2) غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه [313 ب] وآله وسلم والتابعين: لا يمسح على العمامة إلا أن يمسح برأسه مع العمامة, وهو قول سفيان (¬3) الثوري، ومالك (¬4) بن أنس، وابن المبارك (¬5)، والشافعي (¬6). انتهى. وذكر (¬7) قبل ذلك عن جماعة (¬8)، إجزاء المسح على العمامة وحدها. الرابع: 4 - وعن جرير بن عبد الله البجلي - رضي الله عنه -: "أَنَّهُ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ فَقِيلَ: تَفْعَلُ هَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ، رَأَيْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - بَالَ ثُمَّ تَوَضَّأَ، وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ". قال الأعمش: قال إبراهيم النخعي: فكان أصحاب عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - يُعجبهم هذا الحديث؛ لأن إسلام جرير - رضي الله عنه - كان بعد نزول المائدة، هذا لفظ الشيخين. ¬

_ (¬1) بل بعد حديث المغيرة رقم (100). (¬2) في "السنن" (1/ 171). (¬3) انظر: "المغني" (1/ 378 - 379). (¬4) انظر: "الموطأ" (1/ 35) وقد تقدم نصه. (¬5) انظر: "المغني" (1/ 379). (¬6) "الأم" (1/ 113)، حيث قال: " ... وإن مسح على العمامة دون الرأس، لم يجزئه ذلك، وكذلك لو مسح على برقع أو قفازين دون الوجه والذراعين لم يجزئه ذلك ... ". (¬7) أي: الترمذي في "السنن" (1/ 171). (¬8) انظر: "المغني" (1/ 379)، "المحلى" (1/ 61)، "مسائل أحمد" لأبي داود (ص 8).

أخرجه الخمسة (¬1). [صحيح] - وفي رواية أبي داود (¬2) قال: "فَمَا يَمْنَعُنِي أَنْ أَمْسَحَ؟ وَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَمْسَحَ؟ قًالُوا: إنَّمَا كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ نُزُولِ المَائِدَةِ. قَالَ: مَا أَسْلَمْتُ إِلاَّ بًعْدَ نُزُولِ المَائِدَةِ". [صحيح] حديث: "جرير" أي: ابن عبد الله " - رضي الله عنه - ". "أنه توضأ ومسح على خفيه، فقيل: تفعل هذا؟ قال: نعم رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بال ثم توضأ، ومسح على خفيه، أخرجه الخمسة". قوله: "قال الأعمش" إلى آخره. قلت: كلام الترمذي هنا أوفى، فإنه قال (¬3): وكان يعجبهم حديث جرير؛ لأن إسلامه كان بعد نزول المائدة. ثم قال (¬4): ويُروي عن شهر بن حَوشَب أنه قال: "رأيت جرير بن عبد الله توضأ ومسح على خفيه، فقلت له في ذلك: فقال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توضأ، ومسح على خفيه، فقلت: أقبل المائدة أم بعد المائدة؟ فقال: ما أسلمت إلاّ بعد المائدة". ثم ذكر سنده وقال (¬5): هذا حديث مفسر؛ لأن بعض من أنكر المسح على الخفين، تأول أن مسح النبي - صلى الله عليه وسلم - كان قبل نزول المائدة، وذكر جرير في حديثه أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - مسح على ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (387)، ومسلم رقم (72/ 272)، وأبو داود رقم (154)، والترمذي رقم (93)، وابن ماجه رقم (543)، والنسائي (1/ 81)، وأخرجه أحمد (4/ 358)، والحميدي في "مسنده" رقم (797)، وابن خزيمة رقم (186). وهو حديث صحيح. (¬2) في "السنن" رقم (154) وهو حديث صحيح. (¬3) في "السنن" (1/ 155). (¬4) في "السنن" (1/ 156 - 157 رقم 94). (¬5) الترمذي في "السنن" (1/ 157).

الخفين بعد نزول المائدة. انتهى كلامه. وقال (¬1): إنّ حديث جرير حسن صحيح. وقال الحافظ ابن حجر (¬2) في شرح حديث المغيرة: وفيه ردٌ على من زعم أن المسح على الخفين منسوخ بآية الوضوء التي في المائدة؛ لأنها نزلت في غزوة المريسيع (¬3)، وكانت هذه القصة - يريد قصة حديث المغيرة - بعدها باتفاق. انتهى. قلت: ويظهر لي أن المسح على الخفين دلت عليه آية المائدة أيضاً؛ لأنه ثبت فيها قراءة النصب في: {أَرْجُلَكُمْ} (¬4) عطفاً على المغسول، وثبتت قراءة الجر لها عطفاً على الممسوح وهو الرأس، وثبتت السنة، وهو فعله - صلى الله عليه وسلم - بالمسح على الخفين، ولم يمسح على القدمين، إلا وهما في الخفين، فكان فعله بياناً لمحل المسح، فكان المسح بالكتاب والسنة، وقد ذكرت هذا في "سبل السلام" (¬5) ولم أجد أحداً ذكره. الخامس: حديث (بريدة [314 ب]- رضي الله عنه -). 5 - وعن بريدة - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى الصَّلَوَاتِ يَوْمَ الفَتْحِ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ، وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ، فَقَالَ: عُمَرُ - رضي الله عنه -: "لَقَدْ صَنَعْتَ اليَوْمَ شَيْئًا لَمْ تَكُنْ تَصْنَعُهُ، فَقَالَ عَمْدًا صَنَعْتُهُ يَا عُمَرُ". ¬

_ (¬1) الترمذي في "السنن" (1/ 156). (¬2) في "فتح الباري" (1/ 307 - 308). (¬3) المُرَيسيع: ماء لبني المصطلق يقال له: المُريسيع، من ناحية قُديد إلى الساحل، لقيهم النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه واقتتلوا، فهزم الله بني المصطلق، وكانت هذه الغزوة في شعبان سنة ست. "السيرة النبوية" لابن هشام (3/ 401). (¬4) سورة المائدة الآية: 6. (¬5) (1/ 233 - 237) بتحقيقي.

أخرجه الخمسة (¬1)، إلا البخاري. [صحيح] وليس في رواية الترمذي والنسائي ذكر المسح. "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى الصلوات" الخمس. "يوم الفتح بوضوء واحد" لم يحدث لكل صلاة وضوءاً كما كان عادته - صلى الله عليه وسلم - كما دلّ له كلام عمر. "ومسح على خفيه" في هذا الوضوء الذي كرر به الصلاة. "فقال عمر - رضي الله عنه - " يخاطب النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم -. "لقد صنعت اليوم شيئاً لم تكن تصنعه" يريد فعله الصلوات بوضوء واحد، لا المسح على الخفين، فإنه يعلم عمر أنه قد صنعه. "فقال: عمداً صنعته يا عمر" أي: لا خطأً ولا نسياناً، بل بيان للتشريع. قوله: "أخرجه الخمسة، إلا البخاري، ليس في رواية الترمذي (¬2) والنسائي (¬3) ذكر المسح". السادس: حديث (المغيرة): 6 - وعن المغيرة - رضي الله عنه - قال: "تَوَضَّأَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - وَمَسَحَ عَلَى الجَوْرَبيْنِ وَالنَّعْلَيْنِ". أخرجه أبو داود (¬4) والترمذي (¬5) وصححه. [صحيح] ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم رقم (277)، وأبو داود رقم (172)، والترمذي رقم (61)، وابن ماجه رقم (510)، والنسائي (1/ 86)، وهو حديث صحيح. (¬2) في "السنن" رقم (61). (¬3) في "السنن" (1/ 86). (¬4) في "السنن" رقم (159). (¬5) في "السنن" رقم (99). =

وقال أبو داود (¬1): وكان ابن مهدي لا يحدث بهذا الحديث؛ لأن المعروف عن المغيرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مسح على الخفين. قال (¬2): وروي هذا عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، أنه مسح على الجوربين، وليس (¬3) بالمتصل ولا بالقوي. قال أبو داود (¬4): ومسح على الجوربين علي بن أبي طالب (¬5)، وابن مسعود (¬6)، والبراء (¬7) بن ¬

_ = وأخرجه أحمد (4/ 252)، والنسائي في "الكبرى" (1/ 92 رقم 130)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (1/ 283 - 284). (¬1) في "السنن" (1/ 113). (¬2) أبو داود في "السنن" (1/ 113). (¬3) وأخرجه ابن ماجه رقم (560) وهو حديث صحيح، وإنما قال أبو داود: إنه ليس بمتصل؛ لأنه رواه الضحاك بن عبد الرحمن بن أبي موسى، قال: روى عن أبي موسى. قال البيهقي في "السنن الكبرى" (1/ 284 - 285)، لم يثبت سماعة من أبي موسى وإنما قال: ليس بالقوي لأن في إسناده عيسى بن سنان ضعيف لا يحتج به، وقد ضعفه يحيى بن معين. الضحاك بن عبد الرحمن بن عرزب، ويقال: ابن عرزم، وعرزب أصح. روى عن أبي موسى الأشعري مرسل ... سمعت أبي يقول ذلك. "الجرح والتعديل" (4/ 459 رقم 2027). عيسى بن سنان الحنفي، أبو سنان القَسمْلي الفلسطني، نزيل بالبصرة: لين الحديث. قاله الحافظ في "التقريب" رقم (5295). (¬4) في "السنن" (1/ 113). (¬5) أخرجه ابن المنذر في "الأوسط" (1/ 462)، وهو أثر صحيح. (¬6) كذا في "سنن أبي داود" (1/ 113) بل الصحيح عن أبي مسعود. أخرجه ابن المنذر في "الأوسط" (1/ 462) وهو أثر صحيح. (¬7) أخرجه ابن المنذر في "الأوسط" (1/ 462) بسند صحيح.

عازب، وأنس (¬1) بن مالك، وأبو أمامة (¬2)، وسهل بن سعد (¬3)، وعمرو (¬4) بن حريث. وروي ذلك عن عمر بن الخطاب، وابن عباس - رضي الله عنهم -. "قال: توضأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومسح على الجوربين" قال ابن العربي (¬5): الجورب غشاء للقدم من صوف يتخذ للدفاء (¬6) والنعلين. قوله: "أخرجه أبو داود". وقوله: "وقال أبو داود" بعد إخراجه. "كان عبد الرحمن بن مهدي لا يحدث بهذا الحديث؛ لأن المعروف عن المغيرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - توضأ ومسح على الخفين". "قال" أبو داود (¬7) "وروي هذا الحديث عن أبي موسى الأشعري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مسح على الجوربين، وليس بالمتصل (¬8) ولا بالقوي". انتهى. قلت: وقال الحافظ المنذري (¬9): وذكر أبو بكر البيهقي (¬10) حديث المغيرة هذا. ¬

_ (¬1) أخرجه ابن المنذر في "الأوسط" (1/ 462) بسند صحيح. (¬2) أخرجه ابن المنذر في "الأوسط" (1/ 463) بسند حسن. (¬3) أخرجه ابن المنذر في "الأوسط" (1/ 463) بسند حسن. (¬4) أخرجه ابن المنذر في "الأوسط" (1/ 462) بسند صحيح. (¬5) في "عارضة الأحوذي" (1/ 149). (¬6) كذا في "المخطوط " (أ. ب) والعبارة كما في المعارضة: الجورب غشاء للقدم من صوف يتخذ للدفاء وهو التسخان أو أحد معانية، والنعل: معلومة. (¬7) في "السنن" (1/ 113). (¬8) في "السنن" (1/ 113). (¬9) في "مختصرالسنن" (1/ 121). (¬10) في "السنن الكبرى" (1/ 283 - 284). =

وقال: وذلك حديث منكر ضعفه (¬1) سفيان الثوري، وعبد الرحمن بن مهدي، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وعلي ابن المديني، ومسلم بن الحجاج، والمعروف عن المغيرة حديث المسح على الخفين، ويروى عن جماعة أنهم فعلوه، والله أعلم بالصواب. انتهى. قلت: وقوله: ويروي عن جماعة أنهم فعلوا ذلك، أي: المسح على الجوربين، فإنه رواه أبو داود (¬2) عمن ذكرهم المصنف من الصحابة. السابع: 7 - وعن أوس بن أوس الثقفي - رضي الله عنه - قال: "رَأَيْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - أَتَى كِظَامَةَ قَوْمٍ، يَعْنِي المِيضَأَ، فَتَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى نَعْلَيْهِ وَقَدَمَيْهِ". أخرجه أبو داود (¬3). [إسناده ضعيف] ¬

_ = وقد ردَّ الألباني في "الإرواء" (1/ 138) على من أعله بقوله: "وهذا ليس بشيء؛ لأن السند صحيح ورجاله ثقات - رجال البخاري في صحيحه محتجاً بهم - كما ذكرنا، وليس فيه مخالفة لحديث المغيرة المعروف في المسح على الخفين فقط، وقد سبق تخريجه. بل فيه زيادة عليه، والزيادة من الثقة مقبولة، كما هو مقرر في "المصطلح" فالحق أن ما فيه حادثة أخرى غير الحادثة التي فيها المسح على الخفين. وقد أشار لهذا العلامة ابن دقيق العيد، وقد ذكر قوله في ذلك الزيلعي في "نصب الراية" (1/ 184 - 185) ونقلته في "صحيح أبي داود" (147) فراجعه) ". وقد صححه الألباني في "الإرواء" رقم (101). وقال الزيلعي في "نصب الراية" (1/ 185): " ... ومن يصححه يعتمد بعد تعديل أبي قيس على كونه ليس مخالفاً لرواية الجمهور مخالفة معارضة، بل هو أمر زائد على ما رووه، ولا يعارضه، ولا سيما وهو طريق مستقل برواية هذيل عن المغيرة لم يشارك المشهورات في سنده" اهـ. وخلاصة القول: أن حديث المغيرة حديث صحيح والله أعلم. (¬1) انظر: "التعليقة المتقدمة". (¬2) في "السنن" (1/ 113) وقد تقدم ذكرهم. (¬3) في "السنن" رقم (160) بإسناد ضعيف.

"الكظامة" (¬1): آبار متقاربة بعضها مفجور في بعض. "والميضأة" الإناء الذي يتوضأ منه كالأداوة. حديث: "أوس (¬2) بن أوس الثقفي" صحابي سكن دمشق. "قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتى كظامة" بكسر الكاف، في "القاموس" (¬3): الكظامة بالكسر: فم الوادي، وبئر جنب بئر بينهما مجرى في بطن الأرض. "قوم" فقول الراوي "يعني [315 ب] الميضأة" ليس تفسيراً لها، وفيه: الميضأة الموضع يتوضأ فيه أو منه. انتهى. فيحمل أن قول الراوي: "يعني الميضأة" ما يتضوأ منه، فم الوادي أو غيره. "ومسح على نعليه وقدميه" كأن المراد به مسح على خفيه وقدميه، أو ما ظهر من بين سيور النعل. قوله: "أخرجه أبو داود". قوله: "آبار متقاربة بعضها مفجور في بعض". قلت: قدّمنا كلام "القاموس" (¬4)، وقال ابن الأثير (¬5): الكظامة آبار تحفر ويباعد بينها، ثم يخزق ما بين كل بئرين بقناة تؤدي الماء من الأولى إلى التي تليها، حتى يجمع الماء إلى آخرهن، ¬

_ (¬1) سيأتي شرحها. (¬2) انظر: "الاستيعاب" رقم (61)، "التقريب" (1/ 85 رقم 651). (¬3) "القاموس المحيط" (ص 1490). (¬4) "القاموس المحيط" (ص 1490). (¬5) في "غريب الجامع" (7/ 241).

ويبقى في كل بئر ما يحتاج إليه أهلها، هكذا شرحه الأزهري (¬1)، وقد جاء في لفظ الحديث أنها الميضأة. انتهى كلام ابن الأثير. الثامن: حديث (المغيرة): 8 - وعن المغيرة - رضي الله عنه -: "أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كانَ يَمْسَحُ عَلىَ أَعْلَى الخُفِّ وَأَسْفَلِهِ". أخرجه أصحاب السنن (¬2)، وهذا لفظ الترمذي. [ضعيف] "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يمسح أعلى الخف" وهو ما فوق القدم. "وأسفله" وهو ما تحت القدم. قوله: "أخرجه أصحاب السنن، وهذا لفظ الترمذي". قلت: وقال (¬3) هذا حديث معلول لم يسنده عن ثور بن يزيد غير الوليد بن مسلم، وسألت أبا زرعة ومحمداً عن هذا الحديث، فقالا: ليس بصحيح؛ لأن ابن المبارك روى هذا عن ثور، عن رجال، قال: حُدِّثت عن كاتب المغيرة، مرسلاً، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولم يذكر فيه المغيرة. انتهى. ¬

_ (¬1) في "تهذيب اللغة" (10/ 161). (¬2) أخرجه أبو داود رقم (165)، والترمذي رقم (97)، وابن ماجه رقم (550)، والنسائي (1/ 62)، وأخرجه أحمد (4/ 251)، والدارقطني في "السنن" (1/ 195)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (1/ 290)، وابن الجارود في "المنتقى" رقم (84). قلت: وفي إسناد هذا الحديث علل. * في سنده مبهم لم يسم، وهو كاتب المغيرة، ولكنه ورد مفسراً في رواية ابن ماجه رقم (550) فقال: وزاد كاتب المغيرة، وهو مشهور وحديثه في الصحيحين. * وفي سنده: الوليد بن مسلم، وهو ثقة كثير التدليس والتسوية كما قاله الحافظ في "التقريب" رقم (7456)، وهو وإن صرح بالتحديث فيما بينه وبين شيخه إلا أنه قد عنعن إسناده. وفي سنده انقطاع. وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف، والله أعلم. (¬3) الترمذي في "السنن" (1/ 163).

- وعند أبي داود (¬1): "أن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - مَسَحَ عَلىَ ظَهْرِ الخُفَّيْنِ". وفي أخرى للترمذي (¬2) مثله. قوله: "وعند أبي داود: فإن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - مسح على ظهر الخف" هذا أحد ألفاظه، والآخر: "مسح على الخفين". قوله: "وفي أخرى للترمذي مثله" أي: من حديث المغيرة ولفظه: "رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يمسح على الخفين ظاهرهما". التاسع: حديث (علي - رضي الله عنه -): 9 - وعن علي - رضي الله عنه - قال: "لَوْ كانَ الدِّينُ بِالرَّأْيِ لكاَنَ أَسْفَلُ الخُفِّ أَوْلَى بِالمَسْحِ مِنْ أَعْلاَهُ، وَلكِنْ رَأَيْتُ رَسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَمْسَحُ أَعْلاَهُ". أخرجه أبو داود (¬3). [حسن] "قال: لو كان الدين بالرأي" أي: بما يراه الإنسان، مما يرجحه فكره بقرائن. "لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه"؛ لأن أسفله يباشر به المشي، بخلاف أعلاه. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (161). وأخرجه أحمد (4/ 254) وهو حديث حسن لغيره. (¬2) في "السنن" رقم (98) وقال: حديث حسن. وفي سنده عبد الرحمن بن أبي الزناد: ثقة صدوق، ما حدّث بالمدينة أصح، وما حدّث بالعراق مضطرب، لذا قال ابن عدي في "الكامل" (4/ 1587): بعض ما يرويه لا يتابع عليه، يعني: حديثه ببغداد، "تهذيب التهذيب" (2/ 54 - 55) وخلاصة القول: أن حديثه حسن لغيره والله أعلم. (¬3) في "السنن" رقم (162). وأخرجه الدارقطني في "السنن" (1/ 199 رقم 23)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (1/ 292)، والدارمي (1/ 181)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (1/ 181). وهو حديث حسن.

"ولكن رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمسح أعلاه" فلم يكن الدين إلا بالسنة (¬1) الثابتة، لا بالرأي. قوله: "أخرجه أبو داود". قلت: بألفاظ هذا أحدها، والآخر قوله: - وفي رواية (¬2) قال: "رَأَيْتُ عَلِيًّا - رضي الله عنه -، تَوَضَّأَ فَغَسَلَ ظَاهِرَ قَدَمَيْهِ، وَقَالَ: لَوْلَا أَنَّي رَأَيْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَفْعَلُهُ، وَسَاقَ الحَدِيثَ". [صحيح] "وفي رواية [316 ب] قال" لم يذكر له فاعلاً وهو في أبي داود، عن عبد خير قال: "رأيت علياً - عليه السلام - ... " الحديث. - وفي أخرى (¬3): "مَا كُنْتُ أُرَى بَاطِنَ القَدَمَيْنِ، إِلاَّ أَحَقَّ بِالغُسْلِ، حَتَّى رَأَيْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَمْسَحُ عَلَى ظَهْرِ خُفَّيْهِ". وقوله: "وفي أخرى" أي: لأبي داود، وهي أيضاً عن عبد خير. الحديث العاشر: 10 - وعن شريح بن هانئ قال: "أَتَيْتُ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - أَسْأَلُها عَنْ المَسْحِ عَلَى الخُفَّيْنِ، فَقَالَتْ: عَلَيْكَ بِابْنِ أَبِي طَالِبٍ - رضي الله عنه - فَاسَلْهُ، فَإِنَّهُ كَانَ يُسَافِرُ مَعَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم -، فَسَالنَاهُ فَقَالَ: جَعَلَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ثَلَاَثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ لِلْمُسَافِرِ، وَيَوْمًا وَلَيْلَةً لِلْمُقِيمِ". أخرجه مسلم (¬4) والنسائي (¬5). [صحيح] ¬

_ (¬1) انظر "المغني" (1/ 376) "روضة الطالبين" (1/ 130). (¬2) أخرجها أبو داود في "السنن" رقم (162). وهو حديث صحيح. (¬3) أخرجها أبو داود في "السنن" رقم (164)، وهو حديث صحيح. (¬4) في "صحيحه" رقم (85/ 276). (¬5) في "السنن" (1/ 84). =

حديث: "شريح" بالشين المعجمة، فراء فحاء مهملة، مصغر هو "ابن هانيء" بن يزيد الحارثي، أبو المقدام (¬1) الكوفي ثقة مخضرم. "قال: أتيت عائشة - رضي الله عنها - أسألها عن المسح على الخفين، فقالت: عليك بابن أبي طالب، فاسأله فإنه كان يسافر مع النَّبي - صلى الله عليه وسلم - " فيه أنه سألها عن مسح المسافر، وكمية أيام مسحه. "فسألناه فقال جعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر" أي: جعل مدة مسحه هذه. "وجعل يوماً وليلة للمقيم" في وطنه، قال النووي في "شرح مسلم" (¬2): فيه الحجة البيّنة والدلالة الظاهرة لمذهب الجمهور أن المسح على الخفين موقت بثلاثة أيام في السفر، ويوم وليلة في الحضر، وهو مذهب أبي حنيفة (¬3)، والشافعي (¬4)، وأحمد (¬5)، وجماهير (¬6) العلماء من الصحابة فمن بعدهم. ¬

_ = وأخرجه أحمد (1/ 96)، وابن ماجه رقم (552)، والطيالسي رقم (92)، والحميدي (1/ 25 رقم 46)، وعبد الرزاق في "مصنفه" (1/ 202 - 203 رقم 788)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (1/ 177)، والدارمي (1/ 181)، وابن خزيمة (1/ 97 - 98 رقم 194)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/ 81). وأبو عوانة (1/ 261)، وأبو نعيم في "الحلية" (6/ 83 رقم 331)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (1/ 275)، وأبو يعلى في "مسنده" (1/ 229 رقم 4/ 264)، وابن حبان رقم (1327)، وهو حديث صحيح. (¬1) انظر: "التقريب" (1/ 350 رقم 55). (¬2) (3/ 176). (¬3) انظر: "كتاب الحجة" (1/ 23) "شرح معاني الآثار" (1/ 83). (¬4) "المجموع شرح المهذب" (1/ 508). (¬5) "المغني" (1/ 365). (¬6) انظر: "الاستذكار" (2/ 251 - 252)، "المغني" (1/ 365).

وقال مالك (¬1) في المشهور عنه: بلا توقيت، وهو قول ضعيف قديم عن الشافعي، واحتجوا بحديث أُبي بن عمارة، - بكسر العين - الآتي قريباً في ترك التوقيت، رواه أبو داود (¬2) وغيره، وهو حديث ضعيف باتفاق أهل الحديث. ووجه الدلالة من الحديث على مذهب من يقول بالمفهوم ظاهره، وعلى مذهب من لا يقول به أنه يقال: الأصل منع المسح على الخف فيما زاد. ومذهب الشافعي (¬3) وكثيرين: أنّ ابتداء المدة من حين الحدث بعد لبس الخفين، لا من حين اللبس، ولا من حين المسح. قوله: "أخرجه مسلم". قلت: وهو مخصصّ بالحديث الحادي عشر وهو قوله: 11 - وعن صفوان بن عسال - رضي الله عنه - قال: "كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَأْمُرُنَا إِذَا كُنَّا مُساَفِرِيِنَ أَنْ لَا نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلَاَثةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ، إِلَّا مِنْ جَنَابَةٍ، وَلَكِنْ مِنْ بَوْلٍ وَغَائِطٍ وَنَوْمٍ". أخرجه الترمذي (¬4)، وصححه والنسائي (¬5) واللفظ للنسائي. [حسن] وعند الترمذي (¬6): "إِذَا كُنَّا سَفَرًا". [حسن] ¬

_ (¬1) "الاستذكار" (2/ 252). (¬2) في "السنن" رقم (158)، وهو حديث ضعيف وسيأتي تخريجه. (¬3) انظر: "المجموع شرح المهذب" (1/ 508). (¬4) في "السنن" رقم (96) وقال: هذا حديث حسن صحيح. (¬5) في "السنن" رقم (126، 127). (¬6) في "السنن" (96)، وهو حديث حسن. =

"وعن صفوان بن عسّال - رضي الله عنه - قال: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كنا مسافرين أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن [317 ب] إلاّ من جنابة" فيجب النزع. "ولكن" لا ننزعها "من بول وغائط ونوم" أي: بل نمسح عليها من هذه الثلاثة الأحداث ونحوها. قوله: "أخرجه الترمذي، وصححه النسائي، واللفظ للنسائي، وعند الترمذي إذا كنا سفراً" عوضاً عن قوله: "إذا كنا مسافرين" والسفر جمع سافر، كصاحب وصحب، وقال ابن العربي (¬1): هي كلمة تقال للواحد والجمع، والذكر والأنثى، قاله في "النهاية" (¬2): الثاني عشر: 12 - وعن أُبي بن عمارة - رضي الله عنه -: وَكَانَ قَدْ صَلَّى مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - إِلىَ القِبْلَتَيْنِ، أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ الله! أَمْسَحُ عَلَى الخفَّيْنِ؟ قَالَ: "نَعَمْ"، قَالَ: يَوْمًا؟ قَالَ: "وَيَوْمَيْنِ"، قَالَ: وَثَلَاثَةً؟ قَالَ: "نَعَمْ، وَمَا شِئْتَ". أخرجه أبو داود (¬3). [ضعيف] ¬

_ = وأخرجه أحمد (4/ 239)، وابن خزيمة في "صحيحه" رقم (17)، والشافعي في "مسنده" (1/ 41 رقم 122 - ترتيب)، وابن ماجه رقم (478)، وابن حبان رقم 179 - موارد)، والدارقطني (1/ 196 رقم 15)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (1/ 276)، وهو حديث حسن. (¬1) في "عارضة الأحوذي" (1/ 143). (¬2) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 781). (¬3) في "السنن" رقم (158). وأخرجه ابن ماجه رقم (557)، والحاكم في "المستدرك" (1/ 170)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (1/ 278 - 279)، والذهبي في "الميزان" (1/ 292 رقم 1096)، وتكلم عليه أبو الحسن بن القطان في "الوهم والإيهام" رقم (1070، 1504، 1515). قال النووي في "المجموع" (1/ 506): "أمّا حديث أبي بن عمارة ... اتفقوا على أنّه ضعيف مضطرب لا يحتج به" اهـ. =

- وفي رواية قال: "حَتَّى بَلَغَ سَبْعًا، قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: نَعَمْ وَمَا بَدَا لَكَ، وَقَدْ (¬1) اخْتُلِفَ فِي إِسْنَادِهِ وَلَيْسَ بِالقَوِيِّ". حديث: "أُبي بن عمارة" في "التقريب" (¬2) بكسر العين على الأصح، مدني سكن مصر له صحبة في إسناد حديثه اضطراب. انتهى. قوله: "وكان قد صلَّى مع النَّبي - صلى الله عليه وسلم - إلى القبلتين" بيت المقدس قبل نسخها والكعبة، وهذا مدرج من كلام الراوي، وهو يحيى بن أيوب، كما في سنن أبي داود (¬3). "أنه قال: يا رسول الله! أمسح على الخفين؟ قال: نعم، قال: يوماً، قال: ويومين، قال: وثلاثة، قال: نعم، وما شئت". ¬

_ = وأخرجه الدارقطني (1/ 198 رقم 19)، وقال: هذا إسناد لا يثبت، وفي إسناده ثلاثة مجاهيل: - - عبد الرحمن بن رزين، قال الدارقطني: "مجهول" "الميزان" (2/ 560 رقم 4862). - ومحمد بن يزيد بن أبي الزناد: "مجهول". وقال البخاري: محمد بن يزيد بن أبي الزناد، روى عنه إسماعيل بن رافع حديث الصور، ولم يصح. "الميزان" (4/ 67 رقم 8322). - وأيوب بن قطن، قال الدارقطني: "مجهول" "الميزان" (1/ 292 رقم 1096). وقال ابن حبان: لست أعتمد على إسناد خبره. وقال ابن عبد البر في "الاستذكار" (2/ 248 رقم 2236): "لا يثبت وليس له إسناد قائم". وبالغ الجوزقاني فذكره في "الأباطيل والمناكير والصحاح والمشاهير" للجوزقاني (1/ 384 - 385 رقم 371)، وقال: هذا حديث منكر ... وهو حديث ضعيف، والله أعلم. (¬1) قاله أبو داود في "السنن" (1/ 111). (¬2) (1/ 48 رقم 320). (¬3) في "السنن" (1/ 111).

قوله: "أخرجه أبو داود والترمذي". قلت: وقال أبو داود (¬1): رواه ابن أبي مريم، عن يحيى بن أيوب، عن عبد الرحمن بن رزين، عن محمد بن يزيد بن أبي زياد، عن عبادة بن نُسِّي، عن أُبّي بن عمارة قال فيه: "حتى بلغ سبعاً قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نعم وما بدا لك". قال أبو داود (¬2): وقد اختلف في إسناده وليس بالقوي. انتهى. وقد أشار الحافظ في "التقريب" (¬3) إلى اضطراب إسناده. الثالث عشر: حديث (خزيمة بن ثابت - رضي الله عنه -). 13 - وعن خزيمة بن ثابت - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "المَسْحِ عَلَى الخُفَّيْنِ، لِلْمُسَافِرِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ وَلِلْمُقِيمِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، وَلَوِ اسْتَزَدْنَاهُ لَزَادَنَا". أخرجه أبو داود (¬4) والترمذي (¬5). [صحيح] "أنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قال: المسح للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن" كما تقدم. "وللمقيم يوم وليلة، ولو استزدناه" في المدّتين. ¬

_ (¬1) في "السنن" (1/ 111) بإثر الحديث رقم (158). (¬2) في "السنن" (1/ 111 - 112). (¬3) (1/ 48 الترجمة رقم 320). (¬4) في "السنن" رقم (157). (¬5) في "السنن" رقم (95). وأخرجه أحمد في "المسند" (5/ 213)، والطيالسي رقم (1218، 1219)، وعبد الرزاق في "المصنف" (1/ 203 رقم 790)، وابن ماجه رقم (554)، وابن حبان رقم (181، 182، 183 - موارد)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/ 81)، وابن الجارود في "المنتقى" رقم (86)، وأبو عوانة (1/ 262)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (1/ 276)، وهو حديث صحيح.

"لزادنا" إلا أنه أخرج هذه الجملة منفردة عن طريق منصور بن المعتمر. قوله: "أخرجه أبو داود". قلت: وقال عليه المنذري (¬1): وفي لفظ لابن ماجه (¬2): "ولو مضى السائل على مسألته لجعلها خمساً"، وذكر الخطابي (¬3): أن الحكم وحماداً روياه عن إبراهيم، فلم يذكرا فيه هذا الكلام، ولو ثبت [318 ب] لم يكن فيه حجة؛ لأنه ظن وحسبان، والحجة إنما تقوم بقول صاحب الشريعة، لا بظن الراوي. قال البيهقي (¬4): وحديث خزيمة بن ثابت، إسناده مضطرب، ومع ذلك فما لم يرد لا يصير سنة. قوله: "والترمذي" قال (¬5): وذكر عن يحيى بن معين، أنه صحح حديث خزيمة بن ثابت، وقال: في محل آخر: إنَّه غير صحيح. ¬

_ (¬1) في مختصر "السنن" (1/ 116 - 117). (¬2) في "السنن" رقم (554). (¬3) في معالم "السنن" (1/ 110 - مع السنن). (¬4) في "السنن الكبرى" (1/ 276 - 277). (¬5) وأخرجه الترمذي في "العلل الكبير" رقم (64) بزيادة لفظها: "ولو استزدناه لزادنا". وأخرجه الترمذي في "العلل الكبير" رقم (65) بدون الزيادة. وهو حديث صحيح كما تقدم.

الباب السابع: في التيمم

الباب السابع: في التيمم (البَابُ السَابع: فِي التَّيَمُمْ) هو لغة (¬1): القصد، وشرعاً: القصد إلى الصعيد، لمسح الوجه واليدين بنيَّة إستباحة الصلاة ونحوها، واختلف (¬2) في التيمم هل هو رخصة أو عزيمة، وقال بعضهم: هو لعدم الماء عزيمة، وللعذر رخصة. الأول: حديث (عائشة - رضي الله عنها -): 1 - عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي بَعْضِ أَسْفَارهِ، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالبَيْدَاءِ، أَوْ بِذَاتِ الجَيْشِ، انْقَطَعَ عِقْدٌ لِي، فَأَقَامَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَلَى التِمَاسِهِ، وَأَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ، وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ، وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ، فَأَتَى النَّاسُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ - رضي الله عنه -: أَلاَ تَرَى إِلَى مَا صَنَعَتْ عَائِشَةُ؟ أَقَامَتْ بِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وَالنَّاسِ مَعَهُ، وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ، فَجَاءَ أبُو بَكْرٍ وَرَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وَاضِعٌ رَأْسَهُ عَلَى فَخِذِي، قَدْ نَامَ. فَقَالَ: حَبَسْتِ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - وَالنَّاسَ، وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ، وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ؟ قَالَتْ: فَعَاتَبَنِي أَبُو بَكْرٍ وَقَالَ: مَا شَاءَ الله أَنْ يَقُولَ، وَجَعَلَ يَطْعَنُنيِ بِيَدِهِ فِي خَاصِرَتِي، فَمَا يَمْنَعُنِى مِنَ التَّحَرُّكِ إِلاَّ مَكَانُ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - عَلَى فَخِذِي، فَنَامَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى أَصْبَحَ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ، فَأَنْزَلَ الله تَعاَلىَ آيَةَ التَّيَمُّمِ، فَتَيَمَّمُوا". قَالَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرِ، وَهُوَ أَحَدُ النُّقَبَاءِ: مَا هِيَ بِأَوَّلِ بَرَكَتِكُمْ يَا آلَ أَبِي بَكْرٍ. قَالَ: فَبَعَثْنَا البَعِيرَ الَّذِي كُنْتَ عَلَيْهِ فَوَجَدْنَا العِقْدَ تَحْتَهُ". ¬

_ (¬1) انظر: "المصباح المنير" (ص 261). "الصحاح" (5/ 2064). (¬2) انظر: "فتح الباري" (1/ 432).

أخرجه الستة (¬1) إلا الترمذي، وهذا لفظ الشيخين. [صحيح] "قالت: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعض أسفاره" قال ابن عبد البر (¬2): أن ذلك كان في غزوة بني المصطلق، وسبقه إلى ذلك ابن سعد (¬3) وابن حبان (¬4). وغزوة بني المصطلق، هي غزوة المريسيع، وفيها وقعت قصة الإفك، وكان ابتداء ذلك بسبب وقوع عقدها أيضاً. قال الحافظ بن حجر (¬5): إن كان ما جزموا به ثابتاً حمل على أنه سقط منها في تلك الغزوة مرتين لاختلاف القصتين، كما هو بين في سياقهما، واستبعد بعض شيوخنا ذلك، قال: لأن المريسيع من ناحية مكة بين قديد والساحل، وهذه القصة كانت من ناحية خيبر لقولها. "حتى إذا كنا بالبيداء أو بذات الجيش" وهما بين المدينة وخيبر، كما جزم به النووي (¬6)، ثم تعقبه بما يقتضي أن البيداء في طريق مكة، وأن ذات الجيش من المدينة على بريد منها، وبينها وبين العقيق سبعة أميال، والعقيق من طريق مكة، لا من طريق خيبر، ورجح ابن حجر (¬7) هذا القول. "انقطع عقد" بكسر المهملة، كل ما يعقد ويعلّق في العنق ويسمى قلادة، وفي رواية للبخاري (¬8): "قلادة". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (334)، وأطرافه في [336، 3672، 3773، 4583، 4607، 4608، 5164, 5250، 5882، 6844، 6845)، ومسلم رقم (367)، ومالك في "الموطأ" (1/ 53، 54). وأبو داود رقم (317)، والنسائي (1/ 163، 164). وهو حديث صحيح. (¬2) في "التمهيد" (3/ 144 - 146). (¬3) في "الطبقات الكبرى" (2/ 63 - 64). (¬4) في "صحيحه" (4/ 117). (¬5) في "فتح الباري" (1/ 432). (¬6) في شرحه لـ "صحيح مسلم" (3/ 58 - 59). (¬7) في "الفتح" (1/ 432). (¬8) في "صحيحه" رقم (336).

"فأقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على التماسه" أي: لأجل طلبه، وفيه أنه يبحث (¬1) عمَّا ضاع من الأموال، فإنه نهي عن إضاعة المال وهذا منه. "وأقام [319 ب] الناس معه, وليسوا على ماء" في محل الإقامة. "وليس معهم ماء" كأنّ المراد للوضوء، وأمّا ما يحتاجون إليه للشرب ونحوه, فهو معهم. "فأتى الناس إلى أبي بكر فقالوا: ألا ترى إلى ما صنعت عائشة؟ " فيه شكوى المرأة إلى أبيها، وإن كان معها زوج. وقولها: "فعاتبني أبو بكر وقال: ما شاء الله أن يقول" قال الطبراني (¬2): من جملة ما عاتبها به قوله: "في كل مرة تكونين عناءً". قيل: والنكتة (¬3) في قولها: "أبو بكر" ولم تقل "أبي"؛ لأن قضية الأبوة الحنو، وما وقع من العتاب بالقول، والتأديب بالفعل، مغاير لذلك في الظاهر، فلذلك نزلته منزلة الأجنبي، فلم تقل أبي. "وجعل يطعُن" بضم العين المهملة، وكذا في كل ما هو حسِّي، وأما المعنوي فالفتح هذا هو المشهور. "بيده في خاصرتي، فما يمنعني من التحرك إلاَّ مكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من فخذي" وإلاّ فقد حصل مقتضى التحرك، لكنه عارضه المانع. "فنام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أصبح على غير ماء" استدل به (¬4) على أنه لا يجب طلب الماء إلا بعد دخول الوقت. ¬

_ (¬1) انظر: "فتح الباري" (1/ 433). (¬2) ذكره الحافظ في "الفتح" (1/ 433). (¬3) ذكره الحافظ في "الفتح" (1/ 433). (¬4) انظره نصاً في "فتح الباري" (1/ 433 - 434).

لقوله في رواية: "وحضرت الصلاة والتمس الماء، فلم يوجد" وعلى أن الوضوء كان واجباً عليهم قبل نزول آية التيمم، ولذا استعظموا نزولهم على غير ماء. قال ابن عبد البر (¬1): معلوم عند جميع أهل المغازي أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يصلِ منذ افترضت عليه الصلاة، إلا بالوضوء، ولا يدفع ذلك إلاّ جاهل أو معاند. قال (¬2): وفي قوله في هذا الحديث، آية التيمم، إشارة إلى أن الذي طرأ عليهم من العلم حينئذ حكم التيمم، لا حكم الوضوء. قال (¬3): والحكمة في نزول آية الوضوء مع تقدم العمل به، ليكون فرضه متلواً بالتنزيل. وقال غيره (¬4): يحتمل أن يكون أول آية الوضوء نزل قديماً فعملوا به, ثم نزل بقيتها، وهو حكم التيمم في هذه القصة. وإطلاق آية التيمم على هذا من تسمية الكل باسم البعض، والظاهر ما قاله ابن عبد البر، لرواية البخاري (¬5) في التفسير عن عمرو بن الحارث [320 ب] لفظها: "ثم إن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - استيقظ وحضرت الصبح"، كذا قال الحافظ ابن حجر (¬6)، في معنى تعقبه ولم يتضح لي ذلك. "فأنزل الله آية التيمم" قال ابن العربي (¬7): هذه معضلة ما وجدت لدائها من دواء؛ لأنّا لا نعلم أي الآيتين عنت عائشة. ¬

_ (¬1) في "التمهيد" (2/ 352). (¬2) ابن عبد البر في "التمهيد" (2/ 352). (¬3) أي: ابن عبد البر في "التمهيد" (2/ 352). (¬4) ذكره الحافظ في "الفتح" (1/ 434). (¬5) في "صحيحه" رقم (4608). (¬6) في "فتح الباري" (1/ 434). (¬7) في "عارضة الأحوذي" (1/ 239).

وقال ابن بطال (¬1): هي آية النساء أو آية المائدة, وقال القرطبي (¬2): هي آية النساء، وجهه بأن آية المائدة تسمى آية الوضوء، وآية النساء لا ذكر فيها للوضوء، فيتجه تخصيصها بآية التيمم. قال الحافظ (¬3): وخفي على الجميع ما ظهر للبخاري (¬4) من أنّ المراد آية المائدة بغير تردد، لرواية عمرو بن الحارث إذ صرّح فيها بقوله: "فنزلت: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} إلى قوله: {تَشْكُرُونَ (52)} (¬5). "فتيمموا" يحتمل (¬6) أنه خبر منها عن فعل الصحابة، أي: فتيمم الناس بعد نزول الآية، ويحتمل أن يكون حكاية لبعض الآية, وهو الأمر في قوله: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} بيان لقوله: "آية التيمم" أو بدلاً منها. واستدل به على وجوب النية في التيمم؛ لأن معنى: "تيمموا" اقصدوا، اقصدوا التيمم كما تقدم، وهو قول فقهاء الأمصار، إلا الأوزاعي، وتعيين الصعيد الطيب. "فقال أسيد" بالتصغير "ابن الحضير" بالمهملة, ثم معجمة مصغراً أيضاً، وهو من كبار الأنصار [وإنما] (¬7) قال ذلك؛ لأنه كان رأس من بعث لطلب العقد (¬8). "وهو أحد النقباء" الذين بايعوا في العقبة. ¬

_ (¬1) في شرحه لـ "صحيح البخاري" (1/ 468 - 469). (¬2) في "المفهم". (¬3) في "فتح الباري" (1/ 434). (¬4) في "صحيحه" رقم (4608). (¬5) سورة المائدة الآية (6). (¬6) انظره: نصاً في "فتح الباري" (1/ 434). (¬7) في "المخطوط" مكررة. (¬8) انظره نصاً في "الفتح" (1/ 434).

"ما هي بأوّل بركتكم يا آل أبي بكر" أي: بل هي مسبوقة بغيرها من البركات، وأراد بآل أبي بكر نفسه وأتباعه من أهله، وهذا يشعر بأنّ هذه القصة كانت بعد قصة الإفك، ويؤيد قول من قال بتعدد ضياع العقد، وجزم بذلك محمد بن حبيب (¬1) فقال: سقط عقد عائشة في ذات الرقاع، وفي غزوة بني المصطلق. قالت: "فبعثنا" أي: أثرنا. "البعير الذي كنت عليه, فوجدنا العقد تحته" ظاهره أن الذين توجهوا في طلبه لم يجدوه، وفي رواية عروة في صحيح البخاري (¬2): "فبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلاً فوجدها" أي: القلادة، وفيه (¬3) في رواية وهي في مسلم (¬4): "فبعث ناساً من أصحابه في طلبها" ولأبي داود (¬5): "فبعث أسيد بن حضير وناساً معه". قال [321 ب] الحافظ ابن حجر (¬6): وطريق الجمع بين هذه الروايات: أن أسيداً كان رأس من بعث لذلك: فلذا سمي في بعض الروايات دون غيره، وكذا أسند الفعل إلى واحد مُبهم وهو المراد به، وكأنهم لم يجدوا العقد أولاً، فلما رجعوا ونزلت آية التيمم، وأرادوا الرحيل، وأثاروا البعير وجده أسيد بن حضير. قوله: "أخرجه الستة" بألفاظ عدة "إلاّ الترمذي"، فلم يخرجه. "وهذا لفظ الشيخين". ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (1/ 434). (¬2) في "صحيحه" رقم (336). (¬3) في "صحيحه" رقم (336, 3773, 4583, 5164, 5882). (¬4) في "صحيحه" رقم (109/ 367). (¬5) في "السنن" رقم (317). (¬6) في "فتح الباري" (1/ 435).

- وفي رواية أبي داود (¬1) قال: "بَعَثَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم -، أُسَيْدَ بْنَ حُضَيْرٍ وَأُنَاسًا مَعَهُ, فِي طَلَبِ قِلَادَةٍ أَضَلَّتْهَا عَائِشَةُ - رضي الله عنها -، فَحَضَرَتْ الصَّلَاةُ، فَصَلَّوْا بِغَيْر وُضُوءٍ، فَأَتَوْا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرُوا لَهُ ذَلِكَ، فَأُنْزِلَتْ آيَةُ التَّيَمُّمِ". [صحيح] زَادَ في رواية (¬2): فَقَالَ لَهَا أُسَيْدُ يَرْحَمُكِ الله، مَا نَزَلَ بِكِ أَمْرٌ تَكْرَهِينَهُ، إِلَّا جَعَلَ الله لِلْمُسْلِمِينَ وَلَكِ فِيهِ فَرَجًا". [صحيح] ["النّقُباَء" جمع نقيب، وهو المقدم على جماعة يكون أمرهم مردوداً إليه، كالعريف، وهو أكبر منه، والمراد بالنقباء هنا: سُبَّاق الأنصار إلى الإسلام في العقبة، جعلهم النَّبي - صلى الله عليه وسلم - نقباء على قومهم، وكان أسيد منهم] (¬3). "وفي رواية لأبي داود قالت" أي: عائشة - رضي الله عنها -. "بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - أسيد بن حضير وأناساً معه في طلب زيادة أضلتها عائشة" من وضع الظاهر موضع المضمر؛ لأنها هي الرواية. "فحضرت الصلاة" لم تعيّنها. "فصلوا" أي: أسيد ومن معه. "بغير وضوء" لعدم الماء، فاجتهدوا وصلوا كذلك. "فأتوا النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكروا له ذلك، فأنزلت آية التيمم". "زاد أبو داود في رواية" عن عائشة. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (317)، وهو حديث صحيح. (¬2) في "السنن" رقم (317)، وهو حديث صحيح. (¬3) ما بين الحاصرتين زيادة من (أ) وحقه التقديم.

"فقال لها أسيد: يرحمك الله، ما نزل بك أمر تكرهينه إلا جعل الله [فيه للمسلمين ولك فرجاً"] (¬1) وفيه دليل على أنّ من فقد الماء والتراب يصلي على حاله، وهي مسألة اختلف فيها العلماء السلف والخلف. والأصح عند الشافعية (¬2) أنه يجب عليه الصلاة والإعادة؛ لأنه عذر نادر، وقيل: لا تجب عليه الصلاة، لكن تستحب ويجب القضاء صلَّى أم لم يصلِ. قوله (¬3): في الرواية: "فذكروا ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -" ظاهره أن صلاتهم بغير ماء مما ذكروه, بل هو المقصود بالذكر، وأنه - صلى الله عليه وسلم - أقّرهم، ولو كان ما أتوه باطلاً لبيّن لهم ذلك؛ لأنه مقام البيان. وترجم له البخاري (¬4): باب إذا لم يجد ماءً ولا تراباً، وذكر (¬5) صلاة أُسيد ومن معه، وأنه أقّرهم على ذلك. هذا خلاصة ما ذكره ابن حجر في شرح هذا الباب في البخاري، ولا دليل مع من قال: يصلي ويقضي (¬6) بل هي صلاة صحيحة لا تُقضى. الثاني: حديث (عَمارُ بن ياسِر - رضي الله عنه -): ¬

_ (¬1) كذا في الشرح. والذي في نص الحديث: للمسلمين ولك فيه فرجاً. (¬2) انظر: "المجموع شرح المهذب" (2/ 244 - 246). (¬3) انظر: "فتح الباري" (1/ 440). (¬4) في "صحيحه" (1/ 440 الباب رقم 2 - مع الفتح). (¬5) الحديث رقم (336). (¬6) قال الحافظ في "الفتح" (1/ 440): " ... وعلى هذا فلا بد من دليل على وجوب الإعادة. وقال مالك وأبو حنيفة في المشهور عنهما: لا يصلي، لكن قال أبو حنيفة وأصحابه: يجب عليه القضاء، وبه قال الثوري والأوزاعي. وقال مالك فيما حكاه عنه المدنيون: لا يجب عليه القضاء، وهذه الأقوال الأربعة هي المشهورة في المسألة، وحكى النووي في شرح المهذب عن القديم: تستحب الصلاة, وتجب الإعادة, وبهذا تصير الأقوال خمسة, والله أعلم ..

2 - وعن عمار بن ياسر - رضي الله عنه -: "أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عَرَّسَ بِأُولاَتِ الجَيْشِ، وَمَعَهُ عَائِشَةُ - رضي الله عنها -، فَانْقَطَعَ عِقْدٌ لهَا مِنْ جَزْعِ ظِفَارٍ، فَحُبِسَ النَّاسُ ابْتِغَاءَ عِقْدِهَا ذَلِكَ، حَتَّى أَضَاءَ الفَجْرُ وَلَيْسَ مَعَ النَّاسِ مَاءٌ، فَتَغَيَّظَ أَبُو بَكْرٍ - رضي الله عنه - عَلَيْهَا وَقَالَ: حَبَسْتِ النَّاسَ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ، فَأَنْزَلَ الله عَلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - رُخْصَةَ التَّطَهُّرِ بِالصَّعِيدِ الطَّيِّبِ, فَقَامَ المُسْلِمُونَ مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فَضَرَبُوا بِأَيْدِيهِمُ إِلىَ الأَرْضَ، ثُمَّ رَفَعُوا أَيْدِيَهُمْ وَلَمْ يَقْبِضُوا مِنَ التُّرَابِ شَيْئًا، فَمَسَحُوا وُجُوهَهُمْ وَأَيْدِيَهُمْ إِلَى المَنَاكِبِ، وَمِنْ بُطُونِ أَيْدِيهِمْ إِلَى الآبَاطِ". أخرجه أبو داود (¬1) النسائي (¬2). [صحيح] زاد أبو داود (¬3) قال ابن شهاب في حديث: "ولا يعتبر بهذا الناس"، قال أبو داود (¬4): وكذلك رواه ابن إسحاق، قال فيه عن ابن عباس - رضي الله عنهما -، وذكر ضربتين. وفي رواية للنسائي (¬5): "وَلَمْ يَنفُضُوا مِنْ التُّرَابِ شَيْئًا". "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عرّس" التعريس (¬6): نزول المسافر آخر الليل للنوم. "بأولات الجيش" اسم محل بقرب المدينة من طريق مكة. "ومعه [322 ب] عائشة, فانقطع عقد لها من جزع ظفار" بيان للعقد، وهو بالإضافة، وهو جزع معروف. قال في "القاموس" (¬7): والجزع ويكسر الخرَز اليماني الصيني فيه سواد وبياض. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (318، 319، 320). (¬2) في "السنن" رقم (314)، وهو حديث صحيح. (¬3) في "السنن" (1/ 226 رقم 320). (¬4) في "السنن" (1/ 227). (¬5) في "السنن" رقم (314). (¬6) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 181). (¬7) "القاموس المحيط" (ص 915).

ثم قال (¬1): وظفار كقطام بلد باليمن قرب صنعاء، إليه ينسب الجزع. انتهى. "فحبس الناس" منعهم عن السَّفر. "ابتغاء عقدها" فيه الاعتناء بحفظ حقوق الناس (¬2) وأموالهم، وإن قلت: ولذا أقام - صلى الله عليه وسلم - على التماس العقد، وجواز الإقامة بموضع لا ماء فيه. "حتى إذا أضاء الفجر وليس مع الناس ماء، قال" أي: عَمّار. "فتغيظ عليها أبو بكر وقال: حبست الناس وليس معهم ماء، فأنزل الله على رسوله - صلى الله عليه وسلم - رخصة التطهر بالصعيد الطيّب" الطاهر. "فقام المسلمون مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فضربوا بأيديهم الأرض، ثم رفعوا أيديهم، ولم يقبضوا من التراب شيئاً"؛ لأنه الذي فهم من الآية: (فامسحوا). "فمسحوا وجوههم" كما أفادته الآية. "وأيديهم إلى المناكب" أي: من ظهورها. "ومن بطون أيديهم" أي: ومسحوا من بطون أيديهم "إلى الآباط" لمّا ذكر الله الأمر بمسح الأيدي، ولم يبين القدر المسموح، حملوه على حقيقة اليد، وهي ما ذكر، وكان هذا بمحضره - صلى الله عليه وسلم -. قوله: "أخرجه أبو داود والنسائي". "وزاد أبو داود (¬3): قال ابن شهاب" أي: محمد بن شهاب الزهري، وهو الذي رواه عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود. "في حديث: ولا يعتبر بهذا الناس". ¬

_ (¬1) الفيروزآبادي في "القاموس المحيط" (556). (¬2) قال الحافظ في "الفتح" (1/ 433): وفيه اعتناء الإمام بحفظ حقوق المسلمين، وإن قلَّت, فقد نقل ابن بطال في شرحه لـ "صحيح البخاري" (1/ 468): أن ثمن العقد المذكور كان اثني عشر درهماً. (¬3) في "السنن" (1/ 226).

قلت: لما نُبَيّنهُ قريباً. "قال أبو داود (¬1): وكذلك رواه بن إسحاق، عن ابن عباس، وذكر ضربتين" ولم يبيّن فيها كيفية مسح الأيدي، قال المنذري (¬2): وأخرجه - يريد حديث ابن عباس - ولم يذكر ضربتين. "وفي رواية للنسائي (¬3): ولم ينفضوا" من النفض بالنون والفاء, وليس في النسائي إلا هذا اللفظ، وعبارة المصنف تقتضي أن له رواية بالقاف، كرواية (¬4) أبي داود. - وفي أخرى لأبي داود (¬5): "أَنَّهُمْ تَمَسَّحُوا وَهُمْ مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - بِالصَّعِيدِ لِصَلَاةِ الفَجْرِ، فَضَرَبُوا أَكُفّهمْ الصَّعِيدَ ثُمَّ مَسَحُوا بِوُجُوهَهُمْ مَسْحَةً وَاحِدَةً، ثُمَّ عَادُوا فَضَرَبُوا أَكُفِّهِمْ بِالصَّعِيدَ مَرَّةً أُخْرَى، فَمَسَحُوا بِأَيْدِيهِمْ كلِّهَا إِلَى الَمنَاكِبِ وَالآبَاطِ مِنْ بُطُونِ أَيْدِيهِمْ". [صحيح] - وله (¬6) في أخرى. قال ابن الليث: "إِلَىَ مَا فَوْقَ المِرْفَقَيْنِ". [صحيح] "جَزْعُ ظفاَر، وجزعُ أَظفاَرِ" فأما ظفار (¬7) بوزن قطام، فهو مدينة باليمن، ينسب الجزع إليها، وأما أظفار فهو اسم لنوع من الجزع يعرفونه. و"الصَّعيدُ" التراب، وقيل وجه الأرض. والمراد: "بِالطِّيبِ" الطاهر منه. ¬

_ (¬1) في "السنن" (1/ 227). (¬2) في مختصر "السنن" (1/ 201). (¬3) في "السنن" رقم (314). (¬4) في "المخطوط": كراوية. وهو خطأ. (¬5) في "السنن" رقم (218)، وهو حديث صحيح. (¬6) لأبي داود في "السنن" رقم (319)، وهو حديث صحيح. وأخرجه ابن ماجه رقم (571). (¬7) انظر: ما تقدم.

"وفي أخرى لأبي داود" أي: من رواية عمّار. "أنهم تمسّحوا وهم مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالصعيد لصلاة الفجر [323 ب] وضربوا أكفهم بالصعيد، ثم مسحوا [بوجوههم] (¬1) مسحة واحدة ثم عادوا فضربوا أكفهم بالصعيد مرة أخرى، فمسحوا بأيديهم كلها إلى المناكب والآباط من بطون أيديهم" أي: ومسحوا الآباط من بطون أيديهم كما سلف. "وله" أي: أبي داود. "قال ابن الليث: إلى ما فوق المرفقين". قلت: قال الحافظ المنذري (¬2) بعد سرد هذا الكلام: حديث عمار لا يخلو إما أن يكون عن أمر النَّبي - صلى الله عليه وسلم - أَوْلا. فإن لم يكن عن أمر النَّبي - صلى الله عليه وسلم -، فقد صحّ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - خلاف هذا، ولا حجة لأحد مع كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والحقُّ أحقُّ أن يتبع. وإن كان عن أمر النَّبي - صلى الله عليه وسلم - فهو منسوخ، وناسخه حديث عمّار أيضاً، وقال الإمام الشافعي (¬3) - رحمه الله -: ولا يجوز على عمار إذ ذكر تيممهم مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند نزول الآية إلى المناكب، إن كان عن أمر النبي - صلى الله عليه وسلم -، إلا أنه منسوخ عنده, إذ روى: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بالتيمم على الوجه والكفين" أو يكون لم يرو عنه إلا تيمماً واحداً، أو اختلفت روايته عنه, فتكون رواية ابن الصمة التي لم تختلف أثبت، وإذ لم تختلف فأولى أن يؤخذ بها؛ لأنها أوفق بكتاب الله من الروايتين اللتين رويتا مختلفتين. ¬

_ (¬1) كذا في الشرح وفي نص الحديث وجوههم. (¬2) في مختصر "السنن" (1/ 201 - 202). (¬3) ذكره الحازمي في "الاعتبار" (ص 184). وانظر: شرح "صحيح مسلم" للنووي (4/ 56).

أو يكونوا لما سمعوا آية التيمم عند حضور صلاة، فتيمموا فاحتاطوا، وقعوا على غاية ما يقع عليه اسم اليد؛ لأنه لا يضرهم، كما لا يضرهم لو فعلوه في الوضوء، فلمّا صاروا إلى مسألة النَّبي - صلى الله عليه وسلم - أخبرهم أنه يجزئهم من التيمم أقل مما فعلوا، وهذا أولى المعاني عندي. انتهى (¬1). وقال المنذري (¬2) في هذه الرواية: أنه أخرجها ابن ماجه (¬3) ثم قال: وهو منقطع، فعبيد الله بن عبد الله بن عتبة لم يدرك عمار بن ياسر. انتهى. قلت: والروايات كلها التي أتى بها صاحب التيسير، وصاحب "الجامع" (¬4)، هي من رواية عبيد الله المذكور، فهي كلها منقطعة. وقال الخطابي (¬5): لم يختلف أحد من العلماء أنه لا يلزم المتيمم أن يمسح ما وراء المرفقين بالتراب. قال المنذري (¬6): وفيما قاله نظر، فقد ذكر [324 ب] ابن المنذر والطحاوي وغيرهما عن الزهري (¬7) أنه كان يرى التيمم إلى الآباط. انتهى. وكأنه ما بلغه ما صح من تعليمه - صلى الله عليه وسلم - لكيفية التيمم، فهو معذور (¬8). ¬

_ (¬1) من "مختصر السنن" (1/ 201 - 202). (¬2) في "مختصر السنن" (1/ 200). (¬3) في "السنن" رقم (571). (¬4) (7/ 255 - 258). (¬5) في "معالم السنن" (1/ 224 - مع السنن). (¬6) في "مختصر السنن" (1/ 202). (¬7) انظر: "البحر الزخار" (1/ 127)، "فتح الباري" (1/ 456 - 457). (¬8) انظر: "التمهيد" (3/ 545)، "المحلى" (2/ 212). مسائل أحمد لأبي داود (ص 15)، "فتح الباري" (1/ 456).

الثالث: 3 - وعن شقيق قال: "كُنْتُ بَيْنَ عَبْدِ الله بِنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي مُوسَى - رضي الله عنهما -، فَقَالَ أَبُو مُوسَى: أَرَأَيْتَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَجْنَبَ, فَلَمْ يَجِدْ المَاءَ شَهْرًا، كَيفَ يَصْنَعُ بِالصَّلَاةِ؟ فَقَالَ: لَا يَتيَمَّمُ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ المَاءَ شَهْرًا، فَقَالَ أَبُو مُوسَى: فَكَيْفَ بِهَذِهِ الآيَةِ فِي سُورَةِ المَائِدَةِ, {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} (¬1). قَالَ عَبْدُ الله: لَوْ رُخِّصَ لهُمْ فِي هَذِهِ الآَيَةَ لَأَوْشَكَ، إِذَا بَرَدَ عَلَيْهِمْ المَاءُ أَنْ يَتَيَمَّمُوا بِالصَّعِيدِ، فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى: وَإِنَّمَا كَرِهْتُمْ هَذَا لِذَا؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ أَبُو مُوسَى لَعَبْدِ الله: أَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَ عَمَّارٍ لِعُمَرَ - رضي الله عنهما -: بَعَثَني رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فَأَجْنَبْتُ, فَلَمْ أَجِدَ المَاءَ، فَتَمَرَّغْتُ فِي الصَّعِيدِ كَمَا تَتَمَرَّغُ الدَّابَّةُ. ثُمَّ أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرْتُ لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَصْنَعَ هَكَذَا، وَضَرَبَ بِكَفّيْهِ ضَرْبَةً عَلَى الأَرْضِ، ثُمَّ نَفَضَهَا، ثُمَّ مَسَحَ بِهَا ظَهْرَ كَفِّهِ بِشِمَالِهِ، أَوْ ظَهْرَ شِمالِهِ بِكَفِّهِ, ثُمَّ مَسَحَ بِهَا وَجْهَهُ". أخرجه الخمسة (¬2) إلا الترمذي. [صحيح] - وعند مسلم (¬3): "إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَقُولَ بِيَدَيْكَ هَكَذَا، ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدَيْهِ الأَرْضَ ضَرْبَةً وَاحِدَةً, ثُمَّ مَسَحَ الشِّمَالَ عَلَى اليَمِينِ، وَظَاهِرَ كَفِّه وَوَجْهَهُ". [صحيح] قَالَ عَبْدُ الله: أَوَلَمْ تَرَ عُمَرَ لَمْ يَقْنَعْ بِقَوْلِ عَمَّارٍ - رضي الله عنهما -. - وفي أخرى: "أَنَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: إِنَّمَا يَكْفِيكَ أَنْ تَقُولَ هَكَذَا، وَضَرَبَ بِيَدَيْهِ الأَرْضَ، فَنَفَضَ يَديه, فَمَسَحَ وَجْهَهُ وَكفَّيْهِ". وهذا لفظ الشيخين (¬4). [صحيح] ¬

_ (¬1) سورة المائدة الآية (6). (¬2) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (338، 341، 346، 347، 397)، ومسلم رقم (368)، وأبو داود رقم (321)، والنسائي (1/ 170). (¬3) في "صحيحه" رقم (111/ 368). (¬4) أخرجه البخاري رقم (347)، ومسلم رقم (368)، وأخرجه أحمد (4/ 265).

حديث: "شقيق" (¬1) هو ابن سلمة الأسدي، أبو عبد الله الكوفي ثقة مخضرم، مات في خلافة عمر بن عبد العزيز. "قال: كنت عند عبد الله" يريد ابن مسعود. "وأبي موسى، فقال أبو موسى: أرأيت" أي: أخبرني. "يا أبا عبد الرحمن! لو أن رجلاً أجنب فلم يجد الماء شهراً، كيف يصنع بالصلاة, قال: لا يتيمم وإن لم يجد الماء شهراً" بناءً من ابن مسعود أنه لا يرفع الجنابة إلا الماء، ويأتي تعلله لما قال بعلة من نظره. "فقال أبو موسى: كيف بهذه الآية في سورة المائدة، {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} (¬2) فإنه تعالى أمر غير الواحد، بالتيمم بعد ذكره أسباب موجباته من المرض، أو السفر، والمجيء من الغائط، ولمساس النساء، وهو جماعهن على ما هو الحق، وقرّرناه في "سبل السلام" (¬3) وغيره، وإذا كان تعالى قد أمر غير الواحد بالتيمم فكيف يقال أنه لا يتيمم من أجنب، إذا عدم الماء، ولو بقي شهراً؟. "فقال عبد الله" جواباً على دليل أبي موسى. "لو رخص لهم في هذه الآية لأوشك" أي: قرب. ¬

_ (¬1) "التقريب" (1/ 354 رقم 96). (¬2) سورة المائدة الآية (6). (¬3) (1/ 359 - 360 - بتحقيقي): حيث قال الشارح: والحقُّ أنَّ التيمم يقوم مقام الماء، ويرفع الجنابة رفعاً مؤقتاً إلى حال وجدان الماء. أمّا أنه قائمٌ مقام الماء, فلأنه تعالى جعله عوضاً عنه عند عدمه, والأصل أنَّه قائم مقامه في جميع أحكامه، فلا يخرج عن ذلك إلا بدليل.

"إذا برد عليهم الماء أن يتيمموا بالصعيد" وهذا استدلال من نظر عبد الله ويقال له: قد رخص الله لهم في الآية, فما معنى: "لو رخص لهم" ولا يخفى أنّ هذه العلة التي ذكرها تجري في التيمم من الحدث غير الجنابة، وأنه يرفع شرعية التيمم. ثم قال أبو موسى: "قلت له: إنما كرهتم" أي: قلتم بالحضر، "لذا" الدليل. "قال نعم" ظاهر الكلام أن القائل "قلت" أبو موسى والقائل "نعم" عبد الله، لكن قال في "الفتح" (¬1): أن القائل: "قلت" هو الأعمش، والمقول له شقيق، فروى له أبو موسى حديث عمَّار، لما لم يأت عبد الله بدليل ناهض على ذلك، وأخبره أنه لا دليل له إلا ما أخبره به. "فقال أبو موسى لعبد الله: ألم تسمع قول عمار لعمر - رضي الله عنهما -، بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأجنبت, فلم أجد الماء، فتمرغت في الصعيد كما تتمرغ الدابة" كأنه أقاس جملة البدن على [325 ب] أعضاء التيمم، والتراب على الماء في عموم البدن به، وأخذ رفع الجنابة بالتراب من الآية، كما قررناه. "ثم أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكرت ذلك له" فأقره - صلى الله عليه وسلم - على ما فهمه من رفع الجنابة بالتراب، لكنه عليه كيفية التيمم منها. "فقال: إنما كان يكفيك أن تصنع هكذا، وضرب بكفيه ضربة على الأرض، ثم نفضها، ثم مسح بها ظهر كفه بشماله، أو ظهر شماله بكفه" شك من أحد الرواة، قال في "الفتح" (¬2): كذا بالشك، بجميع الروايات، وفي رواية أبي داود (¬3) تحرير ذلك من طريق أبي معاوية، ولفظه: "ثم ضرب بشماله على يمينه, وبيمينه على شماله على الكفين، ثم مسح وجهه"، وفيه الاكتفاء بضربة واحدة. ¬

_ (¬1) (1/ 456). (¬2) (1/ 456). (¬3) في "السنن" رقم (321)، وهو حديث صحيح.

قلت: وعليه ترجم البخاري (¬1) الحديث فقال: "باب التيمم ضربة". ونقل (¬2) ذلك ابن المنذر، عن جمهور العلماء واختاره، وفيه أن الترتيب غير مشترط في التيمم. "ثم مسح بهما وجهه" وهذه هي الكيفية الذي تقدم أنها أقوى الروايات. قوله: "أخرجه الخمسة، إلاّ الترمذي" وفي ألفاظهم اختلاف. "وعند مسلم، إنما كان يكفيك أن تقول بيدك" من إطلاق القول على الفعل. "هكذا ثم ضرب بيده الأرض ضربة واحدة, ثم مسح الشمال على اليمين، وظاهر كفيه ووجهه" فلما فرغ أبو موسى من رواية حديث عمار لعبد الله. "قال" له "عبد الله أو لم تر عمر لم يقنع بقول عمار" قال في "فتح الباري" (¬3): إنما لم يقنع عمر بقول عمار، لكونه أخبره أنه كان معه في تلك الحال، وحضر معه تلك القصة، ولم يتذكر ذلك عمر أصلاً، ولذ قال: اتق الله يا عمار، قال: إن شئت لم أحدث به, ثم قال عمر: "نوليك ما توليت" رواه مسلم (¬4). قال [المنذري] (¬5): معنى قول عمر: "اتق الله يا عمار" أي: فيما ترويه, وتثبت فيه, فلعلّك نسيت أو اشتبه عليك، وإني كنت معك، ولا أتذكر شيئاً من هذا، ومعنى قول عمار: "إن رأيت" المصلحة في الإمساك (¬6) عن التحديث به على التحديث، راجحه: وافقتك، وأمسكت فإني قد ¬

_ (¬1) في "صحيحه" (1/ 455 الباب رقم 8 - مع الفتح). (¬2) ذكره الحافظ في "الفتح" (1/ 456 - 457). (¬3) (1/ 457). (¬4) في "صحيحه" رقم (368). (¬5) كذا في "المخطوط"، وهو خطأ. بل القائل النووي في "شرح مسلم" (4/ 62). وانظر: "فتح الباري" (1/ 457). (¬6) انظر: "شرح صحيح مسلم" للنووي (4/ 62 - 63). =

بلغته، فلم يبق عليَّ فيه [326 ب] حرج، فقال له عمر: "نوليك ما توليت" أي: لا يلزم من كوني لا أتذكره أن لا يكون حقاً في نفس الأمر، فليس لي منعك من التحديث به. انتهى. قلت: ولا يخفى أن قول عبد الله لأبي موسى أنه: "لم يقنع عمر بحديث عمار" قدح في رواية عمار، إلا أنه لا قدح فيها بنسيان عمر، ولذا أمر عمر عمار بأن يحدث بذلك، ولو كان قدحاً فيها لما أذن له، فالحق مع أبي موسى في مناظرة عبد الله بن مسعود، وقد قيل: أن ابن مسعود رجع عن ذلك. واستفيد من الحديث أن مسح ما زاد على الكفين ليس بفرض، وإليه ذهب أحمد (¬1) وإسحاق (¬2)، وابن جرير (¬3)، وابن المنذر (¬4)، وابن خزيمة (¬5)، ونقله الخطابي (¬6) عن أصحاب الحديث. قلت: وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "يكفيك" صريح في ذلك، كما في الرواية الأخرى: "إنما كان يكفيك أن تقول هكذا، وضرب بيده الأرض، فنفض يديه فمسح وجهه وكفيه" هذا لفظ الشيخين. الرابع: حديث (عبد الرحمن بن أبزى): 4 - وعن عبد الرحمن بن أبزى: "أَنَّ رَجُلًا أَتَى عُمَرَ - رضي الله عنه - فَقَالَ: إِنِّي أَجْنَبْتُ فَلَمْ أَجِدْ مَاءً؟ فَقَالَ لَهُ: لاَ تُصَلِّ، فَقَالَ عَمَّارٌ: أَمَا تَذْكُرُ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ إِذْ أَنَا وَأَنْتَ فِي سَرِيَّةٍ فَاَصَابَتْنَا جَنَابَة, فَلَمْ ¬

_ = "فتح الباري" (1/ 457). (¬1) انظر: "المغني" (1/ 331). (¬2) مسائل أحمد وإسحاق (1/ 19). (¬3) في "جامع البيان" (8/ 214 - 215). (¬4) انظر: "المغني" (1/ 332). (¬5) ذكره الحافظ في "الفتح" (1/ 457). (¬6) في معالم "السنن" (1/ 232 - 333).

نَجِدْ المَاءً, فَأَمَّا أَنْتَ فَلَمْ تُصَلِّ، وَأَمَّا أنَّا فَتَمَعَّكْتُ فِي التُّرَابِ وَصَلَّيْتُ؛ فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَضْرِبَ بِيَدَيْكَ الأَرْضَ، ثُمَّ تَنْفُخَ، ثُمَّ تَمْسَحَ بِهِمَا وَجْهَكَ وَكفَّيْكَ، فَقَالَ عُمَرُ: اتَقِ الله يَا عَمَّارُ، فَقَالَ: إِنْ شِئْتَ لَمْ أُحَدِّثْ بِهِ, فَقَالَ عُمَرُ: نُوَلِّيكَ مَا تَوَلَّيْتَ". أخرجه الخمسة (¬1) إلا الترمذي، وهذا لفظ الشيخين. [صحيح] - وعند أبي داود (¬2): "إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَقُولَ هَكَذَا، وَضَرَبَ بِيَدَيْهِ إِلَى الأَرْضِ، ثُمَّ نَفَخَهُمَا، ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ إِلَى نِصْفِ الذِّرَاعِ". [صحيح دون قوله: "إلى نصف الذراع" فشاذٌ] وفي أخرى له (¬3): "وَلَمْ يَبْلُغْ المِرْفَقَيْنِ ضَربَةً وَاحِدَةً". [صحيح] وفي أخرى له (¬4): "إِلىَ المِرْفَقَيْنِ". [منكر] - وأخرج الترمذي (¬5) من هذا الحديث: "أَنَّ رَسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَهُ بِالتَيَمُّمِ لِلْوَجْهِ وَالكَفَّيْنِ. قَالَ: وَقَدْ رُوِىَ عَنْهُ أَنّهُ قَالَ: تَيَمَّمْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى المَنَاكِبِ وَالآبَاطِ". "السَّرّيَهُ" (¬6) قطعة من الجيش، تبلغ أربعمائة. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (338، 339، 340، 341)، ومسلم رقم (368)، وأبو داود رقم (326)، والنسائي (1/ 165 - 170). وهو حديث صحيح. (¬2) في "السنن" رقم (322)، وهو حديث صحيح دون قوله: "إلى نصف الذراع فشاذٌّ". (¬3) أخرجها أبو داود في "السنن" رقم (323) وهو حديث صحيح. (¬4) أخرجها أبو داود في "السنن" رقم (328) وهو حديث منكر. (¬5) في "السنن" بإثر الحديث رقم (144). (¬6) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 773). "غريب الحديث" للخطابي (1/ 206).

وقوله: "نولِّيكَ ما توليتَ" أي: نكلك إلى ما قلت، ونرد إليك ما وليته نفسك, ورضيت لها به. "أن رجلاً أتى عمر فقال: إني أجنبت, فلم أجد ماء، فقال له عمر: لا تُصلِّ" هذا كان رأي عمر، وكأنه كان يرى الملامسة, في الآية مراد بها غير الجماع، وهو أحد الأقوال فيها، وتقدم أنا اخترنا أنه الجماع، ثم ذكر المصنف قصة عمّار، وقد تقدم الكلام فيها. قوله: "وكفيك" هي توافق رواية الشيخين. وفي الراوية الأخرى: "إلى نصف الذراع" قال الحافظ ابن حجر (¬1): فيها مقال. وفي الأخرى: "ولم يبلغ المرفقين" يحمل على اقتصاره على الكفين. وفي أخرى له: "إلى المرفقين". قلت: ترجم البخاري (¬2) بقوله: باب التيمم للوجه والكفين. قال ابن حجر (¬3): أي هو الواجب المجزيء، وأتى بذلك بصيغة الجزم مع شهرة الخلاف فيه، لقوة دليله، فإن الأحاديث ¬

_ (¬1) في "الفتح" (1/ 445). قال الحازمي في "الاعتبار" (ص 184) قال الشافعي: "ولا يجوز على عمَّار إذا كان ذكر تيممهم مع النبي - صلى الله عليه وسلم - عند نزول الآية إلى المناكب إن كان عن أمر النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - إلا أنه منسوخ عنده إذ روي أَن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أمر بالتيمم على الوجه والكفين. قال الحافظ في "الفتح" (1/ 445)، ومما يقوي رواية الصحيحين في الاقتصار على الوجه والكفين، كون عمّار كان يفتي بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك، وراوي الحديث أعرف بالمراد به من غيره, ولا سيما الصحابي المجتهد. (¬2) في "صحيحه" (1/ 444 الباب رقم 5 - الفتح). (¬3) في "فتح الباري" (1/ 444).

الواردة في صفة التيمم، لم يصح منها سوى حديث [أبي] (¬1) جهيم (¬2) وعمار (¬3) , وما عداهما فضعيف أو مختلف في رفعه ووقفه. انتهى. الخامس: حديث (عمران بن حصين - رضي الله عنه -): 5 - وعن عمران بن حصين - رضي الله عنهما - قال: "رَأَى رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - رَجُلًا مُعْتَزِلًا لَمْ يُصَلِّ مَعَ القَوْمِ، فَقَالَ يَا فُلَانُ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تُصَلِّيَ مَعَ القَوْمِ؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله! أَصَابَتْني جَنَابَةٌ وَلَا مَاءَ, قَالَ: عَلَيْكَ بِالصَّعِيدِ فَإِنَّهُ يَكْفِيكَ". أخرجه الشيخان (¬4) والنسائي (¬5)، وهذا لفظهم. [صحيح] "قال: رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلاً معتزلاً" قيل: هو خلاد بن رافع (¬6)، أخو رفاعة بن رافع. "لم يصل [327 ب] مع القوم" هو بيان اعتزاله. "فقال يا فلان: ما منعك أن تصلي مع القوم" أي: الذين صلوا خلفه - صلى الله عليه وسلم - ففي البخاري (¬7): "فصلَّى أي: النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - بالناس، إذ هو برجل ... " وذكر الحديث، وهذه القضية في ¬

_ (¬1) لم تظهر في التصوير، وأثبتناها من "فتح الباري" (1/ 444). (¬2) أخرجه البخاري رقم (337) ومسلم رقم (114/ 369) عن الأعرج، قال: سمعت عُميراً مولى ابن عباس قال: أقبلت أنا وعبد الله بن يسار حتى دخلنا على أبي الجُهيم بن الحارث بن الصّمَّة الأنصاري فقال: أقبل النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - منْ نحو بئر حَمَلٍ فلقيه رجلٌ فسلَّم عليه فلم يردَّ عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى أقبل على الجدار فمسحَ بوجهه ويديه ثم ردّ عليه السلام". (¬3) وهو حديث وقد تقدم. (¬4) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (344، 348، 3571)، ومسلم رقم (312/ 682). (¬5) في "السنن" (1/ 171)، وهو حديث صحيح. (¬6) قال الحافظ في "الفتح" (1/ 451) لم أقف على تسميته، ووقع في شرح العمدة للشيخ سراج الدين ابن الملقن ما نصه: هذا الرجل هو خلاد بن رافع بن مالك الأنصاري أخو رفاعة, شهد بدراً. (¬7) في "صحيحه" رقم (344).

نومهم عن الصلاة، وهي صلاة الفجر، وترجم البخاري (¬1) للحديث بقوله: باب الصعيد الطيب، وضوء المسلم (¬2). "فقال: [يا رسول] (¬3) الله أصابتني جنابة ولا ماء" بفتح الهمزة وحذف خبر: "لا" أي: موجود (¬4). "قال: عليك بالصعيد فإنه يكفيك" أي: لرفع الجنابة، حيث لا ماء، وهو دليل على تيمم الجنب وأنه يرفع الجنابة، وكأن الذي اعتزل الصلاة كان جاهلاً لذلك، وأنه حمل الآية: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} (¬5) على بعض الملامسة، وهي المس الحدث الأصغر، والحق ما قدمناه من أنه أريد بها الجماع، أو لعلّه لم يستحضر الآية، أو ما كان يقرأ القرآن، فما كل الصحابة قرأوا القرآن. وتقدم الكلام قريباً في رفع التراب للجنابة. قال في "الفتح" (¬6): كأنه يريد أنه ترك الصلاة بناءً على عدم رفع التراب للجنابة، وهو عن اجتهاد لحمله الملامسة على نقضها الحدث الأصغر، وفيه أن العالم إذا رأى فعلاً محتملاً أن يسأل فاعله عن الحال، ليوضح له وجه الصواب. قوله: "أخرجه الشيخان والنسائي وهذا لفظهم" أي: من ألفاظهم، وإلاّ ففي لفظ البخاري (¬7) زيادة. ¬

_ (¬1) في "صحيحه" (1/ 446 الباب رقم 6 - مع الفتح). (¬2) كذا في "المخطوط"، والذي في "الفتح": الصَّعيدُ الطَّيبُ وَضوءُ المسلم يكفيه من الماء. (¬3) في (أ. ب): مكررة. (¬4) قال الحافظ في "الفتح" (1/ 451): بفتح الهمزة أي: معي أو موجود وهو أبلغ في إقامة عذره. (¬5) سورة المائدة الآية (6). (¬6) (1/ 451) (¬7) وهو كما قال الشارح.

السادس: حديث (أبي ذر - رضي الله عنه -): 6 - وعن أبي ذر - رضي الله عنه -: أنَّ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّ الصَّعِيدُ الطَّيَّبُ وَضُوءُ المُسْلِمِ، وَإِنْ لَمْ يَجِدِ المَاءَ عَشْرَ سِنِينَ، فَإِذَا وَجَدَ المَاءَ فَلْيُمسَّهُ بَشَرَتَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ". أخرجه أصحاب السنن (¬1)، وهذا لفظ الترمذي. [حسن] "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: الصعيد الطيب" الطاهر. "وضوء المسلم" فيه تسمية التيمم وضوءاً، وفي "التخليص" (¬2) لابن حجر: أنّ لفظ الترمذي (¬3): "طهور المسلم". "وإن لم يجد الماء عشر سنين" أي: وما فوقها، وهو إخبار بكفاية التراب مطلقاً، ولو العمر، لو فرض فقد الماء. "فإذا وجد الماء فليمسه بشرته" في رواية أبي هريرة عند البزار (¬4) وغيره (¬5). ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود رقم (332، 333)، والترمذي رقم (124)، والنسائي رقم (322)، ولم يخرجه ابن ماجه، وأخرجه أحمد (5/ 146 - 147، 155)، وهو حديث حسن، والله أعلم. (¬2) (1/ 271). (¬3) في "السنن" رقم (124)، وهو كما قال ابن حجر. (¬4) مختصر زوائد البزار (1/ 175 رقم 193)، وفي "مسنده" رقم (300 - كشف). (¬5) كالطبراني في "الأوسط" رقم (1333). وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (1/ 261)، وقال: "رواه البزار وقال: لا نعلمه يروى عن أبي هريرة إلا من هذا الوجه. قلت: ورجاله رجال الصحيح. وقال ابن القطان في "الوهم والإيهام" (5/ 266): إسناده صحيح، وتعقبه الزيلعي في "نصب الراية" (1/ 150) بقوله: "وهو غريب من حديث أبي هريرة وله علة، والمشهور حديث أبي ذر الذي صححه الترمذي وغيره" اهـ.

"فليتقِ الله وليمسَّه بشرته" والأمر للإيجاب وأنه يمسه بشرته [328 ب] لما مضى من الجنابة، وأما ما يستقبله فهو معلوم، وجوب استعماله الماء. وفيه دليل أن التراب يرفع الحدث رفعاً مؤقتاً بوجدان الماء؛ فإن وجده عاد عليه حكم الجنابة. "فإن ذلك" أي: إمساس الماء بشرته. "خير" وهو أيضاً يدل على الإيجاب؛ لأن نقيضه شر، وهو منهي عنه. قوله: "أخرجه أصحاب السنن، وهذا لفظ الترمذي وصححه". قلت: لم أجده في الترمذي (¬1)، في باب ما جاء في التيمم فينظر، وهو في "الجامع" (¬2). السابع: حديث (ابن عباس - رضي الله عنه -): 7 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال: وقد سئل عن التيمم: "إِنَّ الله قَالَ فِي كِتَابِهِ حِينَ ذكَرَ الوُضُوءَ: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} (¬3) وَقَالَ فِي التَّيَمُّمِ: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ} (¬4) وَقَالَ: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} (¬5) وَكَانَتْ السُّنَّةُ فِي القَطع الكَفَّيْنِ، إنَّمَا هُوَ الوَجْهُ وَالكَفَيْنِ، يَعْنِي التَّيَمُّمَ". أخرجه الترمذي. [إسناده ضعيف] "أنه قال: وقد سئل عن التيمم" كأن المراد عن مبلغه في اليدين، كما يشعر به جوابه. ¬

_ (¬1) بل هو عند الترمذي في "السنن" (1/ 211 - 212 باب رقم 92). باب ما جاء في التيمم للجنب إذا لم يجد الماء. (¬2) (7/ 259 - 261). (¬3) سورة المائدة الآية (6). (¬4) سورة المائدة الآية (6). (¬5) سورة المائدة الآية (37).

"إن الله تعالى قال في كتابه حين ذكر الوضوء: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} (¬1) " فبيّن منتهي الغسل. "وقال في التيمم: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ} (¬2) " ولم يبين الغاية. "وقال: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} (¬3) " فأجمله كما أجمله في التيمم. "وكانت السُّنة في القطع" للسارق. "الكفين" كما سلف في الحدود. "إنما هو" أي: التيمم. "للوجه والكفن" كأن الظاهر الكفان، وكأنه بتقدير مضاف، أي: يمسح الوجه والكفين. وقوله: "يعني التيمم" مدرج ويحتمل أنه من قول ابن عباس. إن قلت: قد ورد مبيناً في آية الوضوء، ومجملاً في آية التيمم والقطع، ووقع البيان النبوي، فكيف حملها ابن عباس على المجمل الذي بينته السنة النبوية ولم يحملها على الآية المُبيِّنة، والوضوء أقرب إلى التيمم من القطع؟. قلت: كأنه أراد أنه أيضاً ثبت بالسنة بيان الكتاب، لكنه تأيد بإلحاق بالآية، وإلا فلو لم يثبت بالسنة لكان إلحاقه بالوضوء أولى أو متعين. قوله: "أخرجه الترمذي". قلت: وقال (¬4): هذا حديث حسن صحيح غريب. ¬

_ (¬1) سورة المائدة الآية (6). (¬2) سورة المائدة الآية (6). (¬3) سورة المائدة الآية (38). (¬4) في "السنن" (1/ 273).

الثامن: حديث (طارق): 8 - وعن طارق: "أَنْ رَجُلًا أَجْنَبَ فَلَمْ يُصَلِّ، فَأتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرَ له ذَلِكَ فَقَالَ: أَصبْتَ. فَأَجْنَبَ آخَرُ، فَتَيَمَّمَ وَصلَّى، فَأتَاهُ فَقَالَ: نَحْوَ مَا قَالَ لِلآخَرِ، يَعْني أَصَبْتَ". أخرجه النسائي (¬1). [صحيح] "أن رجلاً أجنب فلم يُصلِّي" كأنه لعدم علمه بأن التراب يرفع الجنابة. "فأتى النَّبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر له ذلك، فقال: أصبت" كأنه صوّبه لجهله بأن التراب يرفع الجنابة. "فأجنب آخر فتيمم وصلَّى فأتاه" أي: أتى النَّبي - صلى الله عليه وسلم -، وذكر له ما فعل. "فقال له: نحو ما قال للآخر، يعني أصبت"؛ لأنه فعل ما أمر الله به. قوله: "أخرج النسائي". التاسع [329 ب]: حديث (ابن عباس - رضي الله عنه -): 9 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "أَصابَ رَجُلاً جُرْحٌ عَلىَ عَهْدِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ احْتِلمَ، فَأُمِرَ بِالِاغْتِسَالِ، فَاغْتَسَلَ فَمَاتَ, فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: قَتَلُوهُ, قَتَلَهُمُ الله، أَلاَ سَألوا إِذْ لَمْ يَعْلَمُوا، فَإِنَّما شِفَاءُ العِيِّ السُّؤَالَ؟ إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يَتيَمَّمَ، وَأَنْ يَعْصِبَ عَلَى جُرْحِهِ خِرْقَةً, ثُمَّ يَمْسَحَ عَلَيْهَا، وَيَغْسِلَ سَائِرَ جَسَدِهِ". أخرجه أبو داود (¬2). [حسن] "قال: أصاب رجلاً جرح على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم احتلم، فأمر بالاغتسال" في رواية في "الجامع" (¬3) منسوبة إلى رزين: "فسأل من لا علم له بالسنة: هل له رخصة في التيمم؟ فقالوا له: لا". ¬

_ (¬1) في "السنن" (1/ 172). وهو حديث صحيح. (¬2) في "السنن" رقم (337). وأخرجه الحاكم (1/ 178)، وابن خزيمة رقم (273)، وابن حبان رقم (1314). وهو حديث حسن. (¬3) (7/ 263 رقم 5295).

قوله: "فاغتسل فمات فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: قتلوه قتلهم الله ألم يكن شفعاء العي" بكسر العين المهملة. "السؤال" زاد أبو داود (¬1) في روايته عن جابر: "ألا سألوا إذا لم يعلموا فإنما شفاء العين السؤال؟ جعل العي داء شفاؤه السؤال" إلى هنا انتهت رواية ابن عباس عند أبي داود. وزاد أبو داود من رواية جابر: "إنما كان يكفيك أن يتيمم وأن يعصب" في أبي داود: "يعصب أو يعصر" قال: شك موسى. "على جرحه خرقة، ثم يمسح عليها ويغسل سائر جسده" اعلم أن المصنف - رحمه الله - خلط رواية ابن عباس برواية جابر، كما بيناه، وجعل الكل من رواية ابن عباس، وهما روايتان في "الجامع" (¬2) ظاهرتان، فما كان له ذلك، بل كان الواجب أن يذكر بعد لفظ رواية ابن عباس، التي انتهت إلى قوله: "السؤال" ثم يقول: زاد أبو داود عن جابر: "إنما يكفيه ... " إلى آخره، وقد استوفينا الكلام على فوائد الحديث، في "سبل السلام" (¬3). قوله: "أخرجه أبو داود" قال الحافظ ابن حجر (¬4): وصححه ابن السكن، وقال ابن أبي داود: تفرّد به الزبير بن خريق، وكذا قال الدارقطني (¬5)، وليس بالقوي. انتهى. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (336). وأخرجه الدارقطني في "السنن" (1/ 189 رقم 3). وهو حديث حسن بدون بلاغ عطاء. (¬2) (7/ 262 - 264). (¬3) (1/ 233 - 238). (¬4) في "التلخيص" (1/ 147). (¬5) في "السنن" (1/ 189). في "السنن" رقم (337)، وهو حديث حسن.

ولفظ أبي داود: بلغني عن عطاء، عن ابن عباس، وبلفظ: أخبرني الأوزاعي أنه بلغه عن عطاء بن أبي رباح، وساق حديث ابن عباس بالبلاغ. ورواية جابر التي ذكرناها فيها الزبير بن خريق، بضم الخاء المعجمة فراء، فمثناة تحتية فقاف، وفيه ما ذكرنا، وذكره ابن حبان في "الثقات" (¬1). العاشر: حديث (عمرو بن العاص): 10 - وعن عمرو بن العاص - رضي الله عنه - قال: "احْتَلَمْتُ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ السُّلَاسِلِ، فَأَشْفَقْتُ إِنْ اغْتَسَلْتُ أَنْ أَهْلِكَ, فَتيَمَّمْتُ ثُمَّ صَلَّيْتُ بِأَصْحَابِي الصُّبْحَ، فَذَكرُوا ذلِكَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا عَمْرُو! صَلَّيْتَ بِأَصْحَابِكَ وَأَنْتَ جُنُبٌ؟ فَأَخْبَرْتُهُ بِالَّذِي مَنَعَنِي عَنْ الِاغْتِسَالِ، وَقُلْتُ: إِنِّي سَمِعْتُ الله يَقُولُ: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29)} (¬2) فَضَحِكَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا". أخرجه أبو داود (¬3). [صحيح] "قال: احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل" بمهملتين، وفتح الأولى وقد تضم، اسم ماء بأرض بني عذرة من جذام، وهي وراء وادي القرى، وقيل: سميت بذلك لأنَّ المشركين ¬

_ (¬1) (4/ 262). (¬2) سورة النساء الآية (29). (¬3) في "السنن" رقم (334، 335). وأخرجه أحمد (4/ 203)، والدارقطني (1/ 178 رقم 12)، والبخاري في "صحيحه" (1/ 454 - مع الفتح) تعليقاً. وقال الحافظ: "هذا المعلق وصله أبو داود والحاكم ... " وإسناده قوي. وأخرجه ابن حبان رقم (202 - موارد)، والحاكم في "المستدرك" (1/ 177)، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.

ارتبط بعضهم ببعض، خشية أن يفروا، وكان بعثه في السابعة، وقيل: [330 ب] في الثامنة، وكان عمرو هو أمير السرية (¬1). "فأشفقت إن اغتسلت" خفت أن أهلك لشدة البرد. "فتيممت، ثم صليت بأصحابي الصبح"؛ لأنه كان أميرهم، فهو أحق بالإمامة. "فذكروا ذلك للنَّبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنت" فيه دليل على أنه لا يرفع التراب الجنابة، ولكنه قد عارض حديث أبي ذر (¬2) - رضي الله عنه - وغيره، فكأنه - صلى الله عليه وسلم - حكي له ما قال له أصحابه، وإن كان تقريره - صلى الله عليه وسلم - لهم في تسمية جنباً، يشعر بأنها لم ترتفع الجنابة عنه. "فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال" وهو خوفه الهلاك. "وقلت: إني سمعت الله - عز وجل - يقول: ولا تقتلوا أنفسكم" عبّر بالمضارع، والقول قد سبق، والسماع؛ لأن الخطاب بالقرآن شامل للأوقات كلها. "إن الله كان بكم رحيماً" فأخذ العموم من الآية، وإلاّ فسياق الآية في النهي عن ارتكابا المنهيات، فإنه يؤدي إلى هلاكها، ففي الجلالين: ولا تقتلوا أنفسكم بارتكاب ما يؤدي إلى هلاكها، إمّا في الدنيا وإمّا في الآخرة (¬3) "فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يقل له شيئاً" فقرّره على اجتهاده ودل أن مخافة ضر الماء، تبيح العدول إلى التراب مع وجود الماء. ¬

_ (¬1) انظر: "طبقات ابن سعد" (2/ 131). (¬2) تقدم تخريجه وهو حديث حسن. (¬3) قال ابن كثير في "تفسيره" (3/ 445) أي بارتكاب محارم الله، وتعاطي معاصيه, وأكل أموالكم بينكم بالباطل: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29)} أي: فيما أمركم به ونهاكم عنه.

وأنّ التقييد في الآية بقوله: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} (¬1) خرج على الأغلب، لا أنه لا يباح التراب (¬2) إلاّ مع عدم الماء. قوله: "أخرجه أبو داود" قال المنذري في "مختصر السنن" (¬3): أنه حسن، وفيه كلام في "التلخيص" (¬4). وفي رواية لأبي داود (¬5): "أنه غسل مغابنه وتوضأ" ولم يقل: "تيمم"، قال البيهقي (¬6): الجمع بينهما أنه توضأ ثم تيمم عن الباقي، قال النووي (¬7): وهو متعين. الحادي عشر: حديث (أبي سعيد - رضي الله عنه -): 11 - وعن أبي سعيد - رضي الله عنه - قال: "خَرَجَ رَجُلاَنِ فِي سَفَرٍ، فَحَضَرَتِ الصَّلاةُ ولَيْسَ مَعَهُمَا مَاءٌ، فَتيَمَّمَا صَعِيدًا طَيِّبًا فَصَلَّيَا، ثُمَّ وَجَدَا المَاءَ فِي الوَقْتِ فَأَعَادَ أَحَدُهُمَا الصَّلاَةَ وَالوُضُوءَ وَلَمْ يُعِدِ الآخَرُ، ثُمَّ أَتَيَا رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرَا ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ لِلَّذِي لَمْ يُعِدْ: أَصَبْتَ السُّنّةَ وَأَجْزَأَتْكَ صَلاَتُكَ، وَقَالَ لِلَّذِي تَوَضَّأَ وَأَعَادَ: "لَكَ الأَجْرُ مَرَّتَيْنِ". أخرجه أبو داود (¬8) والنسائي (¬9). [حسن] ¬

_ (¬1) سورة المائدة (6). (¬2) انظر: "المغني" (1/ 339)، "الأوسط" لابن المنذر (2/ 26)، "المبسوط" (1/ 122). (¬3) (1/ 207 - 208)، ولم أقف على كلام المنذري كما قال الشارح. (¬4) (1/ 265) (¬5) في "السنن" رقم (335)، وهو حديث صحيح. (¬6) في "السنن الكبرى" (1/ 226). (¬7) في "المجموع شرح المهذب" (2/ 366). (¬8) في "السنن" رقم (338). (¬9) في "السنن" رقم (433). قال أبو داود في "السنن" (1/ 242)، والمنذري في مختصر "السنن" (1/ 210): أخرجه النسائي مسنداً ومرسلاً. =

"قال: خرج رجلان" لم يذكر أحدٌ اسمهما. "في سفر فحضرت الصلاة" أي: حضر وقتها. "وليس معهما ماء, فتيمما صعيداً طيباً" وفيه أنهما لم يلتمسا الماء، ولا سألا عنه ولا طلباه، ولا انتظرا إلى آخر الوقت، وهو خلاف ما تقوله الهادوية (¬1). "ثم وجد الماء في الوقت" أي: وقت تلك الصلاة. "فأعاد أحدهما الصلاة والوضوء" سمّاه إعادة؛ لأن التيمم [331 ب] يسمى وضوءاً. "ولم يعد الآخر" صلاته. "ثم أتيا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكرا له ذلك فقال للذي لم يُعدْ: أصبت السنة" بعدم الإعادة؛ لأنه قد أتى بالصلاة في وقتها، وتيمم لعدم الماء. "وأجزأتك صلاتك" لحصول شرطها. "وقال للذي توضأ وأعاد: لك الأجر مرتين" بصلاته الأولى، وهي الفرض، وبالثانية وهي نفل، ولو كانت الأولى باطلة لم يكن له أجر، ولا أجزأت فاعلها، وفيه دليل على الاجتهاد في عصره - صلى الله عليه وسلم -، كما في حديث عمرو ابن العاص، وأن المراد من قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} أي: حاضراً عندكم. "قوله: "أخرجه أبو داود والنسائي" أخرجه والنسائي مسنداً ومرسلاً، وقال أبو داود (¬2) بعد إخراجه: وَذِكْر أبي سعيد في هذا الحديث ليس بمحفوظ (¬3) وهو مرسل، ثنا عبد الله بن ¬

_ = وأخرجه الدارمي في "السنن" (1/ 190)، والحاكم (1/ 178)، وقال: "صحيح على شرط الشيخين"، ووافقه الذهبي. والدارقطني (1/ 188 - 189 رقم 1)، وهو حديث حسن. (¬1) انظر: "البحر الزخار" (1/ 129). (¬2) في "السنن" (1/ 242). (¬3) قال ابن القطان في "الوهم والإيهام" (2/ 433) مبيناً كلام أبي داود: "نفي هذا من كلام أبي داود بيان أمرين: =

مسلمة، ثنا ابن لهيعة، عن بكر بن سَوَادَة، عن أبي عبد الله مولى إسماعيل بن عبيد، عن عطاء بن يسار: "أن رجلين من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ... " بمعناه. انتهى. إلاّ أنه قرر ابن حجر في "التخليص" (¬1) صحة رفعه بعد تطويله الكلام، وذكر عن أبي داود ألفاظاً، أحدهما ما ذكرناه، وكأنها تعددت نسخ أبي داود من رواية من ذكر. الثاني عشر: حديث (ابن عمر - رضي الله عنه -): 12 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما -: "أَنَّهُ أَقْبَلَ مِنَ أَرْضِهِ بِالجُرْفِ، فَحَضَرَتْ الصَّلَاةُ بِمَرْبدِ النَّعَمِ [فَتَيَمَّمَ] (¬2) وَصَلَّى، ثُمَّ دَخَلَ المَدِينَةِ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ فَلَمْ يُعِدِ" (¬3). [صحيح] "أنه أقبل إلى المدينة من أرضه بالجرف" بضم الجيم والراء بعدهما فاء، موضع ظاهر المدينة، كانوا يعسكرون به إذا أرادوا الغزو، قال ابن إسحاق (¬4): هو على فرسخ من المدينة. "فحضرت الصلاة" أي: وقتها، ولفظ "الجامع" (¬5): "فحضرت العصر". ¬

_ = أحدهما: أن ذكر أبي سعيد وهم، فهو إذاً مرسل من مراسيل عطاء. والآخر: أن بين الليث وبين بكر بن سوادة وعميرة بن أبي ناجية, فلم يذكر أبو محمد - أي الأشبيلي في الأحكام الوسطى - هذا الانقطاع الذي بين الليث وبين بكير ... " اهـ. (¬1) (1/ 273). (¬2) لم يذكرها البخاري في "صحيحه". (¬3) أخرجه البخاري في "صحيحه" (1/ 441 الباب رقم 3 - مع الفتح) معلقاً. قال الحافظ في "الفتح" (441) قال الشافعي: "أخبرنا ابن عيينة عن ابن عجلان عن نافع عن ابن عمر: أنَّه أقبل من الجرف، حتى إذا كان بالمربد تيمم فمسح وجهه ويديه وصلّى العصر". وذكر بقية الخبر كما علقه المصنف. قال الحافظ: ولم يظهر لي سبب حذفه منه ذكر التيمم مع أنَّه مقصود الباب. (¬4) ذكره الحافظ في "الفتح" (1/ 441). (¬5) (7/ 266 - 267).

"بمريد" بكسر الميم وفتح الراء بعدها، فموحدة مفتوحة، وروي بفتح الميم على ميل من المدينة (¬1). "النَّعم" بفتح النون والعين المهملة. "فتيمم وصلَّى، ثم دخل المدينة والشمس مرتفعة" دلَّ أنها صلاة العصر. "فلم يعد" ففيه دليل على أن عدم حضور الماء (¬2) بعد حضور وقت الصلاة يبيح التيمم، ولا ينتظر حتى يدرك الماء، وإن كان يدركه قبل خروج الوقت، وهو تفسير لقوله: {فَلَمْ تَجِدُوا} بحضوره، وإن كان فعل صحابي، لكنه قد دلَّ لصحته ما سلف من صلاة الرجلين، في حديث أبي سعيد. وقال في "فتح الباري" (¬3) - بعد سياقه -: وهذا يدل على أن ابن عمر يرى جواز التيمم للحاضر؛ لأن مثل [332 ب] هذا لا يسمى سفراً. وهذه الراوية ذكر في "الجامع" (¬4) أنه أخرجها رزين ولم يجدها ابن الأثير. - وفي رواية عن نافع: "أنَّهُ أَقْبَلَ هُوَ وَعَبْدُ الله بْنُ عُمَرَ - رضي الله عنهما - مِنْ الجُرُفِ، حَتَّى إِذَا كَانَا بِالمِرْبَدِ نَزَلَ عَبْدُ الله، فَتيَمَّمَ صَعِيدًا طَيَّبًا، فَمَسَحَ بِوَجْهَهُ وَيَدَيْهِ إِلَى المِرْفَقَيْنِ ثُمَّ صَلَّى". أخرجه مالك (¬5). [موقوف صحيح] قلمت: وأخرجه البخاري (¬6) في ترجمة، والله أعلم. ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (1/ 441). (¬2) انظر: "المجموع شرح المهذب" (2/ 350 - 353). "الاختيار لتعليل المختار" (1/ 30). (¬3) (1/ 442). (¬4) (7/ 267). (¬5) في "الموطأ" (1/ 56 رقم 90)، وهو أثر موقوف صحيح. (¬6) انظر ما تقدم.

وقوله: "وفي رواية نافع أنه أقبل هو وابن عمر من الجرف حتى إذا كانا بالمربد نزل عبد الله فتيمم صعيداً طيباً، فمسح بوجهه ويديه إلى المرفقين ثم صلى". قلت: هذا لفظ رواية مالك (¬1)، تمامه في "الجامع" (¬2): "وفي أخرى: وكان عبد الله بن عمر يتيمم إلى المرفقين". قلت: وهو في "الموطأ" (¬3) بلفظ: "عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يتيمم إلى المرفقين". قوله: "أخرجه مالك". قلت: الأولى أخرجها رزين، ولم يجدها ابن الأثير كما قدمنا كلامه. قال: والباقي - يريد رواية نافع عنه - أخرجها مالك (¬4). قلت: ورأيناه في "الموطأ" كما قاله ابن الأثير: ولم يذكر مالك رواية (¬5): "أقبل من أرضه بالجرف" بل لم يجدها ابن الأثير لأحد كما تقدم، وإذا عرفت هذا عرفت تخليط المصنف، ونسبة ما هو لرزين إلى "الموطأ" وهو غير صحيح. قوله: "قلت: وأخرجه البخاري (¬6) في ترجمة" انتهى. ¬

_ (¬1) في "الموطأ" (1/ 56 رقم 90، 91)، وهو أثر موقوف صحيح. (¬2) (7/ 267). (¬3) في "الموطأ" (1/ 56 رقم 91)، وهو أثر موقوف صحيح. (¬4) في "الموطأ" (1/ 56 رقم 91)، وهو أثر صحيح. (¬5) بل أخرجها في "الموطأ" (1/ 56 رقم 90)، عن نافع: أنّه أقبل هو وعبد الله بن عمر، من الجرف حتى إذا كان بالمربد نزل عبد الله فتيمم صعيداً طيباً، فمسح وجهه ويديَّه إلى المرفقين، ثم صلَّى. وهو أثر موقوف صحيح. (¬6) في "صحيحه" (1/ 441 الباب رقم 3 - مع الفتح)، وقد تقدم لفظه: "وأقبل ابن عمر من أرضه بالجرف فحضرت العصر بمربد النَّعَم فصلَّى، ثم دخل المدينة والشمس مرتفعة فلم يعد". وسيأتي لفظه للشارح.

الباب الثامن: في الغسل

قلت: نسبته إلى نفسه يشعر بأنه لم يذكره ابن الأثير، وابن الأثير قد ذكره على الصواب، وأخرج البخاري الأولى في ترجمة باب. انتهى. فأوضح أنه أخرج البخاري، الأولى فقط التي لفظها: "أقبل ابن عمر من الجرف ... " إلى آخره، وأمّا رواية نافع: "أنه أقبل هو وابن عمر من الجرف ... " إلى آخره فلم يذكرها فكيف تنسب إليه، ولفظ البخاري في باب التيمم في الحضر: "وأقبل ابن عمر من أرضه بالجرف فحضرت العصر بمربد النَّعم، فصلَّى ثم دخل المدينة والشمس مرتفعة فلم يعد". انتهى بلفظه. فهذا الذي فيه، فكيف يقال: وأخرجه بعد سياق ما لم يجده ابن الأثير، إلا في رزين. ثم إنّه لم يخرجه البخاري بل علّقه مقطوعاً كما رأيت، ولكن ابن الأثير قد قال: أخرجه البخاري (¬1)، وهو تساهل منه نبهت عليه مراراً. قال الحافظ في "الفتح" (¬2): أنه قال الشافعي: أخبرنا ابن عيينة عن ابن عجلان، عن نافع، عن عمر أنه أقبل .... " إلى آخره فبيّن طريقه التي لم يذكرها البخاري. الباب الثامن: في الغسل (البَابُ الثَامِنْ) من التسعة الأبواب في الطهارة. في الغسل (فِيْ الغُسْلِ) قال النووي (¬3): إذا أريد به [333 ب] الماء فهو مضموم، وأمّا المصدر فيجوز فيه الضم والفتح لغتان مشهورتان، وقيل: إن كان مصدراً فهو بالفتح، وإن كان بمعنى الاغتسال فهو بالضم، أمّا ما يغسل به الرأس من سدر وغيره، فإنَّه بالكسر. ¬

_ (¬1) قال ابن الأثير في "الجامع" (7/ 267): وأخرج الأولى البخاري في ترجمة باب .. (¬2) (1/ 441). (¬3) في شرح لصحيح مسلم (3/ 2).

الفصل الأول: في غسل الجنابة

وفيه: ستة فصول الفصل الأول: في غسل الجنابة (وَفِيهِ سِتَّةُ فُصْولِ) (الأَولُ: فِيْ غَسْلِ الجَنَابَةِ) زاد في "الجامع" (¬1): وفيه ثلاثة أنواع. الأول: إلتقاء الختانين، في "النهاية" (¬2): الجنابة هي في الأصل البعد، وسمي الإنسان جنباً؛ لأنه نهي أن يقرب مواضع الصلاة حتى يتطهر، وقيل: لمجانبته الناس ما لم يغتسل. انتهى. الأول: حديث (أبي هريرة - رضي الله عنه -): 1 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الأَرْبَعِ، ثُمَّ جَهَدَهَا، فَقَدْ وَجَبَ الغُسْلُ" (¬3). أخرجه الخمسة إلا الترمذي، وهذا لفظ الشيخين. [صحيح] زاد في رواية (¬4): "وإِنْ لَمْ يُنْزِلْ". [صحيح]. وعند أبي داود (¬5)، بَعْدَ قَوْلِهِ الأَرْبَعِ: "فالزَقَ الخِتَانُ بَالخِتَانَ فَقَدْ وَجَبَ الغُسْلُ". [صحيح] ¬

_ (¬1) (7/ 268). (¬2) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 295). (¬3) أخرجه البخاري رقم (291)، ومسلم رقم (87/ 348)، وأبو داود رقم (216)، والنسائي رقم (191)، وابن ماجه رقم (610)، وأحمد (2/ 393)، والدارقطني رقم (7)، والدارمي (1/ 194)، وأبو نعيم في "الحلية" (6/ 275)، والبغوي في "شرح السنة" (2/ 4 - 5)، والخطيب في "تاريخ بغداد" (2/ 74)، وابن عدي في "الكامل" (1/ 365)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (1/ 163)، وهو حديث صحيح. (¬4) أخرجه مسلم في "صحيحه" رقم (87/ 348)، وأحمد (2/ 347). (¬5) في "السنن" رقم (216)، وهو حديث صحيح.

"أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: إذا جلس" أي: الرجل حذف للعلم به أو أنه تقدم ذكره في سؤال السائل فأضمر. "بين شعبها الأربع" ضميره وضيمر: "جهدها" للمرأة للعلم بها يأتي تفسير الشعب في كلام المصنف. "ثم جهدها" (¬1) بفتحات، أي: بلغ المشقة بها، وكدها بحركته وهو كناية عن معالجة الإيلاج. "وقال ابن الأعرابي (¬2): الجهد بالفتح من أسماء النكاح، ولعله كناية مأخوذة من الجهد بمعنى المبالغة. "فقد وجب الغسل" أي: على الرجل والمرأة وفي صدر الحديث في "الجامع" (¬3): "أنهم - أي الصحابة - كانوا جلوساً فذكروا ما يوجب الغسل فاختلف في ذلك رهط من المهاجرين والأنصار، فقال الأنصاريون: لا يجب الغسل إلا من الدَّفق، وقال المهاجرون: إذا خالط فقد وجب الغسل، فقال أبو موسى: أنا أشفيكم من ذلك، قال: فقمت فاستأذنت على عائشة فأذن لي، فقلت: يا أمتاه، أو يا أم المؤمنين إني أريد أن أسالك عن شيء وأنا استحييك، فقالت: لا تستحي أن تسألني عمّا كنت سائلاً عنه أمك ولدتك, فسلني. قلت: ما يوجب الغسل؟ قالت: على الخبير سقطتَ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إذا .... " الحديث. والذي نقله المصنف هو حديث أبي هريرة. وقوله: "وفي رواية" أي: عن أبي هريرة. ¬

_ (¬1) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 314). "المجموع المغيث" (1/ 380). (¬2) انظر: الصحاح (2/ 460 - 461). (¬3) (7/ 269 رقم 5300)، وهو من حديث أبي موسى الأشعري.

"وإن لم ينزل" قال ابن الأثير (¬1): أخرجه البخاري (¬2) ومسلم (¬3). "فهذا لفظهما" [334 ب] كما قاله المصنف وهو كما في "الجامع" (¬4). "فألزق الختان بالختان" أي: محل ختان الرجل بختان المرأة، "فقد وجب الغسل". - وفي رواية مالك (¬5)، عن عائشة: "إِذَا جَاوَزَ الخِتَانُ الخِتَانَ فَقَدْ وَجَبَ الغُسْلُ، فَعَلْتُهُ أَنَا ورَسُول الله - صلى الله عليه وسلم -، فَاغْتَسَلْنَا". [موقوف صحيح] قيل: "شُعَبِهَا الأَرْبَعِ" رجلاها وشَفْرَاها، وقيل ساقاها ويداها. ومعنى: "جَهدَها" باشرها. قوله: "وفي رواية مالك عن عائشة: إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل" ذكرها (¬6) من حديث أبي موسى عنها. وأما زيادة: "فعلته أنا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاغتسلنا" فهذا ليس من رواية مالك، بل هو من رواية الترمذي (¬7). قال في "الجامع" (¬8): وفي رواية الترمذي مختصراً: "إذا جاوز الختان الختان، وجب الغسل، ¬

_ (¬1) في "الجامع" (7/ 271 رقم 5304). (¬2) في "صحيحه" رقم (291). (¬3) في "صحيحه" رقم (87/ 348). (¬4) (7/ 271). (¬5) في "الموطأ" (1/ 46 رقم 72)، وهو أثر موقوف صحيح. (¬6) مالك في "الموطأ" (1/ 46 رقم 73)، وأخرجه مسلم متصلاً رقم (349). (¬7) في "السنن" رقم (108، 109). (¬8) (7/ 269 - 270).

فعلته أنا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاغتسلنا" والمصنف خلط روايته برواية مالك ونسبها له، وكان الأولى أن يقول: وفي رواية للترمذي. واعلم أنه ورد بلفظ: "جاوز" وبلفظ: "الزق" والمجاوزة تدل على الإيلاج والإلزاق على مجرد المس، ومثله الجلوس بين شعبها. إلا أن في "النهاية" (¬1) أنه كنّى بذلك عن الإيلاج، وإذا كان كذلك فمجرد الإلزاق لا يوجب الغسل، وبهذا اللفظ بوّب البخاري (¬2)، إلا أنه قال في "فتح الباري" (¬3): أن المراد بالمس والالتقاء المحاذاة. قال (¬4): ويدل عليه رواية الترمذي (¬5): "إذا جاوز". قال (¬6): وليس المراد بالمس حقيقته؛ لأنه لا يتصور عند غيبة الحشفة ولو حصل المس قبل الإيلاج، لم يجب الغسل بالإجماع. انتهى. وقد فسر المصنف الشعب بما ترى، وقيل: هي شعب الفرج الأربع، واختاره عياض (¬7)، وتكون الشعب النواحي. الثاني: حديث (أبي سعيد - رضي الله عنه -): 2 - وعن أبي سعيد - رضي الله عنه -: "أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - أَرْسَلَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ الأَنْصَارِ فَجَاءَ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ، فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: لَعَلَّنَا أَعْجَلْنَاكَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ يَا رَسُولُ الله، قَالَ: فَإِذَا أُعْجلْتَ أَوْ ¬

_ (¬1) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 612). (¬2) في "صحيحه" (1/ 395 الباب رقم 28 - مع الفتح). (¬3) (1/ 395). (¬4) الحافظ في "الفتح" (1/ 395). (¬5) في "السنن" رقم (108)، وهو حديث صحيح. (¬6) الحافظ في "الفتح" (1/ 395). (¬7) في إكمال المعلم بفوائد مسلم (2/ 198).

أَقُحِطْتَ فَلاَ غُسْلَ عَلَيك وَعَلَيْكَ الوُضُوءُ". أخرجه الشيخان (¬1)، وأبو داود (¬2)، وهذا لفظ الشيخين. [صحيح، ولكنه منسوخ] جعل ابن الأثير في "الجامع" (¬3) نوعاً ثانياً، فقال: الثاني: الإنزال، وذكر حديث أبي سعيد. "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أرسل إلى رجل من الأنصار" هو عتبان، كما دلّ له أول حديث أبي سعيد قال: "خرجت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الإثنين إلى قباء، حتى إذا كنا في بني سالم وقف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على باب عتبان فصرخ به، فخرج يجر إزاره"، وفي رواية (¬4): "إلى رجل من الأنصار". "فجاء ورأسه يقطر" ولا ينافي: "يجر إزاره" ولا إهماله في الرواية الأخرى، فإنه فسّره ما قبله، إلاّ أنه قد أخرج أحمد [335 ب] عن رافع بن خديج (¬5) قال: ناداني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا على بطن امرأتي، فقمت ولم أنزل، فاغتسلت وخرجت فأخبرته، قال: "لا عليك إنما الماء من الماء". وقوله: "لعلنا أعجلناك" كأنه فهم - صلى الله عليه وسلم - إعجال من خروجه، ورأسه يقطر، وإن كان يحتمل أن اغتسل بعد تمام العمل، لكن فهم - صلى الله عليه وسلم - الأول، ولم يجزم به، بل أتى بكلمة "لعل". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (180)، ومسلم رقم (345). (¬2) في "السنن" رقم (217)، وهو حديث منسوخ. (¬3) (7/ 271). (¬4) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (180)، ومسلم رقم (345). (¬5) أخرجه أحمد (4/ 143)، والحازمي في الاعتبار (ص 125 - 126)، وابن شاهين، وفي "ناسخ الحديث ومنسوخه" رقم (27). وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (1/ 264 - 265)، وقال: "رواه أحمد والطبراني في "الكبير" وفيه رشدين بن سعد وهو ضعيف". وهو حديث حسن لغيره.

"فقال: نعم يا رسول الله، قال: فإذا أعجلت" مغيّر صيغه، وكذا "أو أقحطت" في "النهاية" (¬1). ومنه "من جامع فأقحط فلا غسل عليه" أي: فتر فلم يُنزل وهو من أقحط الناس إذا لم يُمْطروا. "فلا غسل عليك، وعليك الوضوء" كأنه من المذي الخارج عند ملاقاة الختانين. قوله: "أخرجه الشيخان، وأبو داود، وهذا لفظ الشيخين". - وفي أخرى لمسلم (¬2): "أَنَّ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: إِنَّمَا المَاءُ مِنْ المَاءِ". "وفي" رواية "أخرى لمسلم" عن أبي سعيد. "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إنما الماء" أي: إفاضته للاغتسال. "من الماء" من خروج المني، ومفهوم الحصر أنه لا يحب من التقاء الختانين الذي هو منطوق حديث أبي هريرة الماضي. - وللنسائي (¬3)، عن أبي أيوب - رضي الله عنه - مرفوعاً: "المَاءُ مِنَ المَاءِ". "الإِقحاطُ" عدم الإنزال. "وللنسائي (¬4) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعاً: الماء من الماء" إلاّ أنه قد ورد ما دلَّ على أن هذا كان رخصة، ثم نسخ (¬5) وأوجب الغسل من التقاء الختانين، وإن لم ينزل الماء. ¬

_ (¬1) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 418). (¬2) في "صحيحه" رقم (345). (¬3) في "السنن" (1/ 115)، وهو حديث صحيح منسوخ. (¬4) في "السنن" (1/ 115). (¬5) انظر: "الاعتبار" (ص 123 - 125)، "فتح الباري" (1/ 397)، ناسخ الحديث ومنسوخه رقم (18).

ففي حديث رافع بن خديج (¬1) الذي ذكرناه، قال رافع: "ثم أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك بالغسل"، ودلَّ له أيضاً. الحديث الثالث: وهو حديث (أُبّيُ بن كعب - رضي الله عنه -): 3 - وعن أُبّي بن كعب - رضي الله عنه - قال: "إِنَّمَا كان المَاءُ مِنْ المَاءِ رُخْصَةُ فِي الإِسْلاَمِ، ثَمَّ نُهِيَ عَنْهاَ، وَقَالَ: إِنَّما المَاءُ مِنْ المَاءِ فِي الِاحْتِلَامِ". أخرجه أبو داود (¬2) والترمذي (¬3)، وهذا لفظه وصححه. [صحيح] "إنما كان الماء من الماء رخصة في أول الإسلام" وقد بينت رواية أبي داود (¬4) عن أبي أيوب، وجه الرخص فقال: "لقلة الثياب". "ثم أمرنا بالغسل، ونهي عن ذلك" قال أبو داود (¬5): يعني الماء من الماء، وفي أخرى (¬6) له قال: "إن الفتيا التي كانوا يفتون بها إن الماء من الماء, إنما كانت رخصة، رخّصها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بدء الإسلام، ثم أمر بالاغتسال بَعدُ". ¬

_ (¬1) تقدم تخريجه وهو حديث حسن لغيره. (¬2) في "السنن" رقم (215). (¬3) في "السنن" رقم (110). وأخرجه أحمد (5/ 115)، والدارمي (1/ 194)، وابن أبي شيبة في المصنف (1/ 89)، وابن ماجه رقم (609)، وابن الجارود في "المنتقى" رقم (91)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/ 57)، والدارقطني (1/ 126 رقم 1)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (1/ 165)، والحازمي في الاعتبار (125)، وابن خزيمة رقم (225). وهو حديث صحيح. (¬4) في "السنن" رقم (110). (¬5) في "السنن" رقم (214)، وهو حديث صحيح دون قوله: لقلة الثياب. (¬6) في "السنن" (1/ 146).

قوله: "وقال: إنما الماء من الماء في الاحتلام" [336 ب] حديث أُبّيُ بن كعب آخره: "ونهي عن ذلك بَعدُ" وهذا اللفظ حديث آخر عن ابن عباس، موقوفاً عليه: "إنما الماء من الماء في الاحتلام" أخرجه الترمذي (¬1)، كما في "الجامع" والمصنف جعله من حديث أُبّيُ بن كعب، ونسبه إلى أبي داود والترمذي، وهو للترمذي فقط، عن ابن عباس. وقال بعده (¬2): قال أبو عيسى: سمعت الجارود يقول: سمعت وكيعاً يقول: لم نجد هذا الحديث إلا عند شريك. انتهى. قوله: "أخرجه أبو داود والترمذي، وهذا لفظه وصححه". قلت: أخرجا حديث أُبّيُ بن كعب إلى قوله: "ثم نهي عن ذلك"، وقال الترمذي (¬3): حسن صحيح. وأما لفظ: "إنما الماء من الماء في الاحتلام" فأخرجه الترمذي (¬4) وحده عن ابن عباس، بعد أن راجعنا سنن الترمذي، وكذلك هو في "الجامع" (¬5) حديث أُبي بن كعب وحده، وحديث ابن عباس وحده، وكلاهما غير مرفوعين، والمرفوع هو اللفظ الذي نقلناه عن أبي داود (¬6)، في إحدى ألفاظ حديث أُبي بن كعب. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (215). (¬2) في "السنن" رقم (112) عن ابن عباس. وهو حديث صحيح دون قوله: في الاحتلام. (¬3) في "السنن" (1/ 185). (¬4) في "السنن" رقم (112). (¬5) (7/ 173). (¬6) في "السنن" رقم (215)، وهو حديث صحيح.

[الرابع] (¬1): وهذا هو النوع الثالث في "الجامع" (¬2)، قال: الثالث الاحتلام. حديث (عائشة - رضي الله عنها -): 4 - وعن عائشة - رضي الله عنها -: "أَنَّ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم -: سُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يَجِدُ البَلَلَ وَلَا يَذْكُرُ احْتِلَامًا، قَالَ: يَغْتَسِلُ؛ وَعَنْ الرَّجُلِ يَرَى أَنَّهُ قَدْ احْتَلَمَ، وَلَا يَجِدُ البَلَلَ، قَالَ: لَا غُسْلَ عَلَيه فَقَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ: وَالمَرْأَةُ تَرَى ذَلِكَ، أَعَلَيْهَا غُسْلٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، إِنَّما النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ". أخرجه أبو داود (¬3) والترمذي (¬4). [صحيح] "الشّقِيقُ" المثل والنظير. "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل عن الرجل يجد بللاً" في فراشه أو ثيابه. "ولم يذكر احتلاماً" يكون سبباً لخروج الماء منه. الاحتلام: افتعال من الحلم، بضم الحاء، وسكون اللام، وهو ما يراه النائم في نومه، يقال منه حلم، بفتح اللام، واحتلم واحتلمت به, واحتلمته وأما في الاستعمال والعرف العام، فإنه قد خصّ هذا الوضع اللغوي ببعض ما يراه النائم، وهو ما يصحبه إنزال الماء، فلو رأى غير ذلك يصح أن يقال: احتلم وضعاً ولم يصح عرفاً، قاله ابن دقيق العيد، في "شرح العمدة" (¬5). ¬

_ (¬1) في "المخطوط": الثالث وهو خطأ، والصواب ما أثبتناه. (¬2) (7/ 274). (¬3) في "السنن" رقم (236). (¬4) في "السنن" رقم (113). وأخرجه أحمد (6/ 256)، وابن ماجه رقم (612). (¬5) (1/ 319 - 321).

"قال: اغتسل" لوجود الماء؛ إما لأن وجود الماء وحده يوجب الغسل، أو لأنه لا يخرج إلاّ عن شهوة، وعدم ذكره لها لا يمنع وجوب الغسل. "وسئل عن الرجل يرى أنه احتلم" أي: جامع. "ولم يجد بللاً قال: لا غسل عليه" ويوافقه حديث: "إنما الماء من الماء". "قالت أم سلمة" زوج النَّبي - صلى الله عليه وسلم -. "والمرأة ترى ذلك" أي: الماء. "عليها غسل، قال: نعم، النساء شقائق الرجال" في "النهاية" (¬1) أي: نظرائهم وأمثالهم في الأخلاق والطباع، [337 ب] كأنهن شققن منهم؛ ولأن حواء خلقت من شق آدم، وشقيق الرجل أخوه لأبيه وأمه. انتهى. قوله: "أخرجه أبو داود والترمذي". قلت: ثم قال أبو عيسى (¬2): إنما روى هذا الحديث عبد الله بن عمر (¬3)، عن عُبيد الله بن عمر، وعبد الله بن عمر ضعفه يحيى من قبل حفظه، ثم قال: وهو قول غير واحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - والتابعين: إذا استيقظ الرجل فرأى بلة أنه يغتسل، وهو قول سفيان وأحمد. ¬

_ (¬1) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 883 - 884). (¬2) (1/ 192). (¬3) انظر: "التاريخ الكبير" (5/ 145)، و"المجروحين" (2/ 6)، "المغني" (1/ 348)، "الميزان" (2/ 465) • قال أبو الأشبال في شرحه للترمذي (1/ 190): "أما عبد الله, وعبيد الله فهما ابنا عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب. وكلاهما من علماء المدينة، عبيد الله اسمه: مصغر، وهو الأكبر في العلم والسنّ، وهو أحد الفقهاء السبعة، مات سنهَ (147 هـ). وعبد الله اسمه: مكبر، وهو أصغر من أخيه سناً، وشاركه في كثير من شيوخه، وروى عنه أيضاً. قال أحمد: "يروي عبد الله عن أخيه عبيد الله ولم يرو عبيد الله عن أخيه عبد الله شيئاً. =

وقال بعض أهل العلم من التابعين: إنما يجب عليه الغسل، إذا كانت البلة بلة نطفة، وهو قول الشافعي وإسحاق، وإذا رأى احتلاماً ولم يرَ بلة فلا غسل عليه، عند عامة أهل العلم (¬1). [الخامس] (¬2): 5 - وعنها - رضي الله عنه -: "أَنَّ أُمُّ سُلَيْمٍ - رضي الله عنها -، سَأَلَتْ رَسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنِ المَرْأَةِ تَرىَ فِيِ مَنَامِهاَ مَا يَرَى الرَّجُلُ، هَلْ عَلَيْهاَ مَنْ غُسْلِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، إِذَا رَأَتْ المَاءَ, قَالَتْ عَائِشَةُ - رضي الله عنها -: فَقُلتُ لهَا: تَرِبَتْ يَدَاكِ. فَقَالَ رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: دَعِيهَا، يَا عَائِشَةُ، وَهَلْ يَكُونُ الشَّبَهُ إِلاَّ مِنْ قِبَلِ ذلِكَ، إِذَا عَلاَ مَاؤُهَا مَاءَ الرَّجُلِ أَشْبَهَ الوَلَدُ أَخْوَالَهُ، وإِذَا عَلاَ مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَهَا أَشْبَهَ الوَلَدُ أَعْمَامَهُ". أخرجه مسلم (¬3)، وهذا لفظه، ومالك (¬4)، وأبو داود (¬5)، والنسائي (¬6). [صحيح] ¬

_ = كان عبد الله يسأل عن الحديث في حياة أخيه فيقول: أما وأبوه عثمان حيّ فلا". ومات عبد الله سنة (171 هـ) أو سنة (172 هـ) والحق أنه ثقة، وإن كان في حفظه شيء. روى عثمان الدارمي عن ابن معين أنه قال فيه: "صالح ثقة" فهذا إسناد صحيح، اهـ. وخلاصة القول: أن الحديث صحيح، والله أعلم. الترمذي في "السنن" (1/ 192). (¬1) انظر: "التمهيد" (8/ 337)، "مراتب الإجماع" لابن حزم (1/ 21). "المغني" (1/ 266)، "المجموع شرح المهذب" (2/ 149، 158). (¬2) كذا، وصوابه الخامس. (¬3) في "صحيحه" رقم (314). (¬4) في "الموطأ" رقم (1/ 51). (¬5) في "السنن" رقم (237). (¬6) في "السنن" رقم (196)، وهو حديث صحيح.

قوله: "وعنها" أي: عن عائشة؛ لأنها الذي تقدم ذكرها، ولكن الذي في "الجامع" (¬1) وفي البخاري (¬2) والترمذي (¬3)، وفي "عمدة الأحكام" (¬4): وعن أم سلمة، لا عن عائشة، إلا أنّ الروايتين جاءت عنهما هذه إحداهما. "أن أم سليم" هي امرأة أبي طلحة، والدة أنس بن مالك. "سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل، هل عليها من غسل؟ قال: نعم، إذا رأت الماء" هو كما تقدم. "قالت عائشة - رضي الله عنها -: فقلت لها" لأم سليم. "تربت يداك" في "النهاية" (¬5): ترب الرجل إذا افتقر أي: لصق بالتراب، وأترب إذا استغنى، وهذه الكلمة جارية على ألسنة العرب لا يريدون بها الدعاء على المخاطب، ولا وقوع الأمر به كما يقولون قاتله الله. وقال بعضهم: هو دعاء على الحقيقة؛ لأنه قال لعائشة: تربت يمينك؛ لأنَّه رأى الحاجة خيراً لها والأولى أوجه. "فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعيها يا عائشة" وفي رواية لمسلم (¬6) أنه قال - صلى الله عليه وسلم -: "بل أنت تربت يمينك" وإنما قالت لها عائشة ذلك لكراهة ذكر ما يتعلق بالفرج، ولذا قالت أم سليم في ابتداء ¬

_ (¬1) (7/ 276). (¬2) في "صحيحه" رقم (282، 3328، 6091، 6121). (¬3) في "السنن" رقم (122). (¬4) (1/ 319). (¬5) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 185). (¬6) في "صحيحه" رقم (33/ 314).

سؤالها: "إن الله لا يستحي من الحق"، وفي رواية (¬1): قالت أم سلمة لأم سليم: "فضحتِ النساء"، وفي أخرى: "فغطت أم سلمة وجهها" كلها في روايات "الجامع" (¬2). ثم استدل - صلى الله عليه وسلم - على أن للمرأة (ماء) مني. بقوله: "وهل يكون الشبه" (¬3) يقال: شبه بكسر الشين وإسكان [338 ب] الباء، ويقال بفتحهما لغتان مشهورتان، أي: شبه الأولاد بالأعمام والأخوال. "إلا من قبل ذلك" ثم بين وجه شبهه لأحد الطرفين بقوله: "إذا علا ماؤها" أي: في الرحم. "ماء الرجل أشبه" الرجل (أخواله، وإذا على ماء الرجل ماؤها أشبه) الرجل (أعمامه) وهذا من أعلام النبوة؛ لأنه إخبار بما لا يطلع عليه إلاّ الله. قوله: "أخرجه مسلم وهذا لفظه". قلت: هو أحد ألفاظ رواياته. "ومالك وأبو داود والنسائي". - ولمسلم (¬4) في أخرى: "إِنَّ مَاءَ الرَّجُلِ غَلِيظٌ أَبْيَضُ، وَمَاءَ المَرْأَةِ رَقِيقٌ أَصْفَرُ، فَمِنْ أَيِّهِمَا عَلاَ أَوْ سَبَقَ، يَكُونُ الشَّبَهُ". [صحيح] ومعنى قولها: "تَرِبَتِ يَدَاك" التعجب والإنكار عليها دون الدعاء. "ولمسلم في" رواية "أخرى". ¬

_ (¬1) أخرجها مسلم في "صحيحه" رقم (29/ 310). (¬2) (7/ 276 - 278). (¬3) انظر: "القاموس المحيط" (ص 1610). (¬4) صحيحه رقم (30/ 311).

"إن ماء الرجل غليظ أبيض، وماء المرأة رقيق أصفر" قال النووي (¬1): هذا أصل عظيم في بيان صفة المني، وهذه صفته في حال السلامة، وفي الغالب. قال العلماء (¬2): مني الرجل في حالة الصحة أبيض ثخين، يدفق في خروجه دفقه بعد دفعه ويخرج بشهوة، ويتلذذ بخروجه، وإذا خرج أعقب خروجه فتوراً ورائحته كرائحة طلع النخل، وريح الطلع قريب من رائحة العجين، وطوّل في هذا. وأخرج الطبراني (¬3) عن ابن مسعود مرفوعاً: "إنّ نطفة الرجل بيضاء غليظة، فمنها يكون العظام والعصب، وإنّ نطفة المرأة صفراء رقيقة فمنها يكون اللحم والدم". [السادس] (¬4): حديث (أبي هريرة - رضي الله عنه -): 6 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "تَحْتَ كُلِّ شَعَرَةٍ جَنَابَةٌ, فَاغسِلُوا الشَّعَرَ وَأَنْقُوا البَشَرَ". أخرجه أبو داود (¬5) والترمذي (¬6). [ضعيف] "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: إن تحت كل شعرة" من الرجل والمرأة. "جنابة" أي: موجب للغسل. "فاغسلوا الشعر" لزوال جنابته. ¬

_ (¬1) في شرحه لـ "صحيح مسلم" (3/ 223). (¬2) ذكره النووي في شرحه لـ "صحيح مسلم" (3/ 223). (¬3) في المعجم "الكبير" رقم (10359). وأخرجه أحمد رقم (3690)، وابن ماجه رقم (2248)، وفي إسناده جابر الجعفي وهو ضعيف. (¬4) في "المخطوط": الخامس، وهو خطأ. (¬5) في "السنن" رقم (248). (¬6) في "السنن" رقم (106). وأخرجه ابن ماجه رقم (597)، وهو حديث ضعيف.

"وأنقوا البشر" وفي التعبير بالإنقاء إشارة إلى زيادة على غسل الشعر. قوله: "أخرجه أبو داود". قلت: قال الحافظ ابن حجر (¬1): مداره على الحارث بن وجيه، ضبط في حواشي السنن: وجيه الجيم ومثناة تحتية، بزنة عظيم، وبالباء الموحدة وسكون الجيم، وهو ضعيف جداً. قال أبو داود (¬2): الحارث هذا حديثه منكر، وهو ضعيف. قوله: "والترمذي". قلت: وقال (¬3): غريب لا نعرفه إلاّ من حديث الحارث وهو شيخ ليس بذاك. وقال الشافعي (¬4): هذا الحديث ليس بثابت. وقال البيهقي (¬5): أنكره أهل العلم بالحديث: البخاري وأبو داود وغيرهما. [السابع] (¬6): حديث (علي - رضي الله عنه -) [339 ب]. 7 - وعن علي - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ تَرَكَ مَوْضِعَ شَعْرَةٍ مِنْ جَسَدِهِ مِنْ جَنَابَةٍ لَمْ يَغْسِلْهَا فُعِلَ بِهِ كذَا وَكذَا مِنَ النَّارِ. قَالَ عَلِيٌّ - رضي الله عنه -: فَمِنْ ثَمَّ عَادَيْتُ رَأْسِي، فَمِنْ ثَمَّ عَاديْتُ رَأْسِي، فَمِنْ ثَمَّ عَادَيْتُ رَأْسِي ثَلاَثاً، وَكانَ يَجُزُّ شَعْرَهُ". أخرجه أبو داود (¬7). [ضعيف] ¬

_ (¬1) في "التلخيص" (1/ 248). (¬2) في "السنن" (1/ 173). (¬3) الترمذي في "السنن" (1/ 178). (¬4) انظر: "معرفة السنن والآثار" (1/ 432). (¬5) في معرفة "السنن والآثار" (1/ 432). (¬6) هكذا، وصوابه: السابع. (¬7) في "السنن" رقم (249). وأخرجه أحمد (1/ 94، 101)، وابن ماجه رقم (599)، وهو حديث ضعيف. =

"أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: من ترك موضع شعرة من جنابة لم يغسلها فعل به كذا وكذا من النار" لم يأت تفصيل هذا الإبهام. "قال علي - رضي الله عنه - فمن ثمة عاديت رأسي فمن ثمة عاديت رأسي" لفظ أبي داود: "فمن ثم عاديت رأسي ثلاثاً" من غير تكرير. انتهى. "وهذه زيادة منه - رضي الله عنه - في التحري، وإلا فقد كان رسول - صلى الله عليه وسلم - له شعر. ثمَّ بيّن العداوة بقوله: "وكان يجز شعره" وهو مدرج في الحديث. قوله: "أخرجه أبو داود" قال الحافظ ابن حجر (¬1): إسناده صحيح؛ لأنه من رواية عطاء السائب قبل الاختلاط، لكن قد قيل أنّ الصواب وقفه. ¬

_ = قال الألباني في "الإرواء" (1/ 266 - 167 رقم 133): قلت: وهذا إسناد ضعيف عطاء بن السائب كان اختلط، وقد روى حمّاد عنه بعد الاختلاط، كما شهد بذلك جماعة من الحفاظ، فسماعه منه قبل ذلك كما قال آخرون لا يجعل حديثه عنه صحيحاً، بل ضعيفاً لعدم تميز ما رواه قبل الاختلاط، عمّا رواه بعد الاختلاط ... هذه خلاصة التحقيق في هذه الرواية. اهـ. وسئل الدارقطني في "العلل" (3/ 207 - 208، 365) عنه فذكر الاختلاف فيه قال: والمحفوظ عن عفان عن حماد بن سلمة - قال سمعته يذكر عن عطاء بن السائب فصحفه الراوي فقال: شعبة. اهـ. وأخرجه أحمد (1/ 101) عن عفان بن سليم - وهو شيخه فيه - فلم يذكر شعبة فيه. وأخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (1/ 175) من طريق أخرى عن عفان. والدارمي (1/ 192)، وأحمد (1/ 94)، وابنه عبد الله في زوائد "المسند" (1/ 133) عن غير عفان وهم جماعة عن حمّاد وحده. فدلَّ ذلك على أن ذكر شعبة في سند المقدسي - حني المختارة رقم 453 - تصحيف كما قال الدارقطني في علله. وخلاصة القول: أن الذي فرح بهذه المتابعة قدوهم، والله أعلم. (¬1) في "التلخيص" (1/ 249).

[الثامن] (¬1): حديث (ثوبان - رضي الله عنه -): 8 - وعن ثوبان - رضي الله عنه - قال: "اسْتَفْتَيَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ الغُسْلِ مِنْ الجَنَابَةِ, قَالَ: أَمَّا الرَّجُلُ فَلْيَنْشُرْ رَأْسَهُ فَلْيَغْسِلْهُ حَتَّى يَبْلُغَ أُصُولَ الشَّعْرِ، وَأَمَّا المَرْأَةُ فَلَا عَلَيْهَا أَنْ لَا تَنْقُضَهُ لِتَغْرِفْ عَلَى رَأْسِهَا ثَلَاثَ غَرَفَاتٍ بِكَفَّيْهَا". أخرجه أبو داود (¬2). [صحيح] "قال: استفتي" مغيّر صيّغه ولفظ أبي داود: "أنهم استفتوا". "النَّبي - صلى الله عليه وسلم - عن الغسل من الجنابة" كأنه عن غسل الرأس، بخصوصه كما يشعر به فتواه - صلى الله عليه وسلم -. "فقال: أما الرجل فلينشر رأسه" أي: ينقضه. "فليغسله حتى يبلغ أصول الشعر" أي: يغسل شعره إلى أصوله أي: منابته. "وأما المرأة فلا عليها أن لا تنقضه" بل تبقيه على عصبه. "لتغرف على رأسها ثلاث غرفات بكفيها" (¬3) ضبط بمثناة تحتية من الكفاية، وبموحدة تثنية الكف ويؤيده قول عائشة: "كانت إحدانا إذا أصابتها جنابة أخذت ثلاث حفنات" تعني بكفيها جميعاً. والمراد بالأول: عن نقضه وغسل أصوله، وأخرج أبو داود (¬4) عن أم سلمة: "أن امرأة من المسلمين قالت: يا رسول الله إني امرأة أشد ظفر رأسي ... " الحديث يأتي قريباً. قوله: "أخرجه أبو داود". ¬

_ (¬1) في "المخطوط": السابع، وهو خطأ. (¬2) في "السنن" رقم (255) وهو حديث صحيح. (¬3) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 553). (¬4) في "السنن" رقم (251)، وسيأتي تخريجه.

[التاسع] (¬1): 9 - وعن عائشة - رضي الله عنها -: "أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا اغْتَسَلَ مِنْ الجَنَابَةِ بَدَأَ فَغَسَلَ يَدَيْهِ, ثُمَّ يَتَوَضَّأَ كَمَا يَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ, ثُمَّ يُدْخِلُ أَصَابِعَهُ المَاءَ فَيُخَلِّلُ بِهَا أُصُولَ الشَّعْرِ، حَتَّى إِذَا ظَنَّ أنَهُ قَدْ أَرْوَى بَشَرَتَهُ أَفَاضَ عَلَيْهِ المَاءَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ, ثُمَّ غَسَلَ سَائِرَ جَسَدهِ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ". أخرجه الستة (¬2). [صحيح] حديث: "عائشة - رضي الله عنها - ". وابن الأثير (¬3): جعل هذا فرعاً ثانياً في فرائض الغسل. "أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا اغتسل من الجنابة بدأ بغسل يديه"، قال النووي (¬4) رواية عن أصحابه: أنهما يغسلان ثلاثاً، وهذا ثابت في رواية لمسلم (¬5)، وفي رواية (¬6) [340 ب] له: "قبل أن يدخل يديه في الإناء"، ويأتي في الحديث الثاني: "أن ذلك بعد غسله الأذى". "ثم يتوضأ كما يتوضأ للصلاة" ظاهره أنه يستكمل وضوءه، إلا أنه يأتي أنه: "أَخرَ غسل رجليه". ¬

_ (¬1) في "المخطوط": الثامن، وهو خطأ. (¬2) أخرجه البخاري رقم (248) و (272)، ومسلم رقم (235، 36/ 316)، وأبو داود رقم (242)، والترمذي رقم (104)، وأحمد (6/ 52)، ومالك (1/ 44 رقم 67)، وابن ماجه رقم (574)، والدارمي (1/ 191)، والنسائي (10/ 205). وهو حديث صحيح. (¬3) في "الجامع" (7/ 279). (¬4) في شرحه لـ "صحيح مسلم" (3/ 228 - 229). (¬5) في "صحيحه" رقم (36/ 316). (¬6) في "صحيحه" رقم (37/ 317).

"ثم يدخل أصابعه" ظاهره أصابع اليدين معاً. "في الماء فيخلل بها أصول الشعر" منابت شعر رأسه. "حتى إذا ظن" باعتبار فهم الراوي وإلاّ فإنه يحتمل أنه علم وتيقين. "أنه قد أروى البشرة" بشرة رأسه, والمراد أنه قد كمل بللها بالماء، ولفظ أبي داود (¬1): "قد أصاب البشرة، أو أنقى البشرة" ولفظ: "ليشرب شعره الماء". إلا أن لفظ مسلم (¬2): "حتى إذا رأى بأنه قد استبرأ". "أفاض الماء عليه" أي: على رأسه، لرواية: "صبّ الماء على رأسه". "ثلاث مرات" وفي لفظ: "ثلاث غرفات بيديه". "ثم غسل سائر جسده" باقية بعد الإفاضة على الرأس. "ثم غسل رجليه" قال النووي (¬3): هذا تصريح بتأخير غسل القدمين وللشافعي - رحمه الله - قولان: أصحهما وأشهرهما والمختار منهما: أنه يكمل وضوءه بغسل القدمين، والثاني: أنه يؤخر غسل القدمين. قال (¬4): إنه عمل بظاهر الروايات المشهورة المتستفيضة عن عائشة وميمونة جميعاً في تقديم وضوء الصلاة، فإن الظاهر كمال الوضوء، فهذا كان الغالب في العادة المعروفة له - صلى الله عليه وسلم -، وكان يعيد غسل القدمين بعد الفراغ لإزالة الطين لا لأجل الجنابة، وتكون الرجل مغسولة مرتين، ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (242). وهو حديث صحيح. (¬2) في "صحيحه" رقم (35/ 316)، وهو حديث صحيح. (¬3) في شرحه لـ "صحيح مسلم" (3/ 229). (¬4) النووي في شرحه لـ "صحيح مسلم" (3/ 229 - 230).

وهذا هو الأكمل الأفضل، وكان - صلى الله عليه وسلم - يواظب عليه وأما رواية البخاري (¬1) عن ميمونة فجرى ذلك مرة أو نحوها لبيان الجواز. انتهى كلامه ببعض نقص. قلت: ولو قيل أنه مخير عملاً بالروايتين لما بعد. قوله: "أخرجه الستة". قلت: بألفاظ مختلفة. - وفي أخرى: "بَدَأَ فَغَسَلَ يَدَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهُمَا فِي الإِنَاءِ". "وفي" رواية "أخرى". "بدأ فغسل يديه قبل أن يدخلهما الإناء" وهذه الرواية لمسلم (¬2). والثانية وهي قوله [341 ب]: - وفي أخرى: "بَدَأَ بِيَمِينِهِ فَصَبَّ عَلَيْهَا مِنَ المَاءِ، فَغَسَلَهَا ثُمَّ صَبَّ المَاءَ عَلَى الأذَى الَّذِي بِهِ بِيَمِينِهِ، وَغَسَلَ عَنْهُ بِشِمالِهِ". هذا لفظ الشيخين (¬3). "بدأ بيمينه فصب عليها من الماء" هي لمسلم. "ثم صب الماء على الأذى الذي به" كأن المراد المني. "بيمينه وغسل عنه بشماله". "هذا لفظ الشيخين" أي: مجموعاً لهما. ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (265). وأخرجه مسلم في "صحيحه" رقم (317)، وأبو داود رقم (245)، والترمذي رقم (103)، والنسائي (1/ 200)، وابن ماجه رقم (573)، وهو حديث صحيح. (¬2) في "صحيحه" رقم (316). (¬3) البخاري في "صحيحه" رقم (249، 257، 259، 260، 265، 266، 274، 276، 281)، ومسلم رقم (37/ 317).

- وفي رواية أبي داود (¬1)، قالت عائشة - رضي الله عنها -: "كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يُفيضُ عَلَى رَأْسِهِ ثَلاَثَ مِرَارٍ، وَنَحْنُ نُفِيضُ خَمْسًا مِنْ أَجْلِ الضُّفُرِ". "وفي رواية أبي داود: قالت عائشة - رضي الله عنها -: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفيض الماء على رأسه ثلاث مرات ونحن" معشر النساء "نفيض خمساً من أجل الضفر" بفتح الضاد وسكون الفاء. في "النهاية" (¬2): أي: تعمل شعرها ضفائر وهي الذوائب المذكورة، وضفر الشعر فتله وإدخال بعضه في بعض، فإنه لا يشرب الماء في ثلاث، إلاّ أنّ الذي تقدم في حديث ثوبان (¬3) أنه قال - صلى الله عليه وسلم -: "وأما المرأة فلا عليها أن لا تنقضه لتغرف على رأسها ثلاث غرفات تكفيها" وكأن عائشة زادت الكفين احتياطاً. - وفي رواية للشيخين (¬4) قالت: "كَانَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - إِذَا اغْتَسَلَ مِنْ الجَنَابَةِ, دَعَا بشَيْءٍ مِنْ نَحْوِ الحِلَابِ، فَأَخَذَ بِكَفَّهِ, فَبَدَأَ بِشِقِّ رَأْسِهِ الأيْمَنِ، ثُمَّ الأَيْسَرِ، ثُمَّ أَخَذَ بِكَفَّيْهِ، فَقَالَ: بِهِما عَلَى رَأْسه". [صحيح] "وفي رواية للشيخين: قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا اغتسل من الجنابة" أي: أراده ذلك. "دعا بشيء نحو الحلاب" بالحاء المهملة مكسورة وتخفيف اللام. قال الخطابي (¬5): هو إناء يسع قدر حلب ناقة، وقيل: إناء قريب من الإناء الذي يسمى الحلاب، وقد وصفه أبو عاصم أنه أقل من شبر في شبر، أخرجه أبو عوانة (¬6). ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (43/ 321). (¬2) في "السنن" رقم (240)، وأخرجه ابن ماجه رقم (574) بإسناد ضعيف. (¬3) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 86). (¬4) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (258)، ومسلم رقم (39/ 318). (¬5) في معالم "السنن" (1/ 196 - مع السنن). (¬6) ذكره الحافظ في "الفتح" (1/ 371).

وفي رواية للبيهقي: "كوزيع ثمانية أرطال". فأخذ بكفه, فبدأ بشق رأسه الأيمن، ثم الأيسر، ثم أخذ بكفيه فقال: بهما على رأسه" هذا إجمال سلف تفصيله. - وفي أخرى للبخاري، قالت (¬1): "كُنَّا إِذَا أَصَابَتْ إِحْدَانَا جَنَابَةٌ، أَخَذَتْ بِيَدَيْهَا اليُمْنَى عَلَى شِقِّهَا الأَيْمَنِ، وَبِيَدِهَا الأُخْرَى عَلَى شِقِّهَا الأَيْسَرِ". [صحيح] "الحِلابُ" المحلب، وهو الإناء الذي يحلب فيه. "وفي" رواية "أخرى للبخاري". "قالت: كانت إحدانا إذا أصابت إحدانا جنابة أخذت بيدها ثلاثاً". أي: غرفات. "فوق رأسها، ثم تأخذ بيدها اليمنى على شقها الأيمن، وبيدها الأخرى على شقها الأيسر" قد فصله ما قبله أيضاً. هذا الحديث أخرجه الحميدي (¬2)، عن عائشة في أفراد البخاري، ولم يجعله في جملة الحديث الذي قبله، وذلك بخلاف عادته، إلاّ أن يكون لأجل أنه موقوف [342 ب] على عائشة أفرده. [العاشر] (¬3): 10 - وعن ميمونة - رضي الله عنها - قالت: "سَتَرْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يَغْتَسِلُ مِنَ الجَنَابَةِ, فَغَسَلَ يَدَيْهِ ثُمَّ صَبَّ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ، فَغَسَلَ فَرْجَهُ وَمَا أَصَابَهُ، ثُمَّ مَسَحَ بِيَدَيْهِ عَلَى الحَائِطِ أَوِ الأَرْضِ، ثُمَّ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلاَةِ غيرَ رِجْلَيْهِ, ثُمَّ أَفَاضَ عَلَيْهِ المَاءَ, ثُمَّ نَحَّى رِجْلَيْهِ فَغَسَلَهُماَ، هَذَا غُسْلُه مِنَ الجَنَابَةِ". ¬

_ (¬1) في "صحيحه" رقم (277). (¬2) ذكره الحافظ في "الفتح" (1/ 371). (¬3) في "المخطوط": التاسع، وهو خطأ.

أخرجه الخمسة (¬1). [صحيح] حديث: "ميمونة - رضي الله عنها - " زوج النَّبي - صلى الله عليه وسلم -. "قالت: سترت النَّبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يغتسل من الجنابة فغسل يديه" لم يقيده بثلاث، ولا بقبل إدخالهما الإناء كما سلف فيحتمل أنه أحد الجائزين. "ثم صب بيمنه على شماله، فغسل فرجه وما أصابه ثم مسح بيده". ورواية: "يديه على الحائط أو الأرض" شك من الراوي. "ثم توضأ وضوءه للصلاة غير رجليه" صريح في تأخيرهما. "ثم أفاض على جسده الماء، ثم تنحى" عن محل الوضوء. "فغسل قدميه" وفي بعض ألفاظه لمسلم (¬2): "ثم أُتي النَّبي - صلى الله عليه وسلم - بمنديل فلم يمسه, وجعل يقول بيده هكذا، يعني ينفضه" وله ألفاظ عديدة ساقها ابن الأثير في "الجامع" (¬3). "هذا غسله من الجنابة". قوله: أخرجه الخمسة" بألفاظ متقاربة. [الحادي عشر] (¬4): حديث (ابن عمر - رضي الله عنه -): 11 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما -: "أَنَّ عُمَرَ سَأَلَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - عَنْ الغُسْلِ مِنْ الجَنَابَةِ، فَقَالَ: يَبْدَأُ فَيُفْرِغُ عَلَى يدهِ اليُمْنَى مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، ثُمَّ يُدْخِلُ يَدَهُ اليُمْنَى فِي الإِنَاءِ, ثُمّ فَيَصُبُّ بِهَا عَلى ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (265)، ومسلم رقم (317)، وأبو داود رقم (245)، والترمذي رقم (103)، والنسائي (1/ 200)، وابن ماجه رقم (573). قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وهو حديث صحيح، والله أعلم. (¬2) في "صحيحه" رقم (38/ 317). (¬3) (7/ 285 - 289). (¬4) في "المخطوط": العاشر، وهو خطأ.

فَرْجِهِ، وَيَدُهُ اليُسْرَى عَلَى فَرْجِهِ فَيَغْسِلُ مَا هُنَالِكَ حَتَّى يُنْقِيَهُ, ثُمَّ يَضَعُ يَدَهُ اليُسْرَى عَلَى التُّرَابِ إِنْ شَاءَ، ثُمَّ يَصُبُّ عَلَى يَدهِ اليُسْرَى حَتَى يُنْقِيَهَا، ثُمَّ يَغْسِلُ يَدَيْهِ ثَلَاثًا، وَيَسْتَنْشِقُ، وَيُتمَضْمِضُ، وَيَغْسِلُ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، حَتَّى إِذَا بَلَغَ رَأْسَهُ لَمْ يَمْسَحْ وَأَفْرَغَ عَلَيْهِاَ المَاءَ". أخرجه النسائي (¬1). [إسناده صحيح] "أن عمر - رضي الله عنه - سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: عن الغسل من الجنابة فقال - صلى الله عليه وسلم - يبدأ فيفرغ" أي: الماء. "على يده اليمنى مرتين أو ثلاثاً" دل على أنه مخير. قال ابن العربي (¬2): إما لأجل نجاسة حلت فيها فأراد تطهيرها فيكون واجباً. الثاني: ظنّ نجاستها للقيام من النوم، أو بعد العهد بالغسل، فيعلق بها الأوصاف المستخبثة فيكون مستحباً. "ثم يدخل اليمنى في الإناء، ثم يصب بها على فرجه" قال أيضاً العارضة (¬3): فيه دليل على جواز ذكر الفرج، عند دعاء الحاجة إلى ذلك كما يجوز النظر إليه عند الحاجة إلى ذلك، ويكون مستثنى من الرفث. "ويده اليسرى على فرجه، فيغسل ما هنالك حتى ينقيه" البدأة بغسل الفرج، لبيان أن تطهير البدن من النجاسة، مقدم ليرد الغسل على محل طاهر فلا ينجس الماء بملاقاة النجاسة، فلا يطهر حينئذ من الجنابة. "ثم يضع يده اليسرى" التي باشرت ذلك النجاسة. "على التراب" ليذهب به ما لعله علق بها من اللزوجة. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (422) بإسناد صحيح. (¬2) في "عارضة الأحوذي" (1/ 155). (¬3) (1/ 155).

وقوله: "إن شاء" دال على عدم إيجاب ذلك، وفيه دليل على أنّ الجدار الذي مسح - صلى الله عليه وسلم - يده عليه [343 ب] بعد الغسل لفرجه أنه من تراب. وفي حديث ميمونة: "ثم ضرب بشماله الأرض ودلكها دلكاً شديداً". "ثم يصب على يده اليسرى حتى ينقيها، ثم يغسل يديه ثلاثاً" هذا أول الوضوء. "ويستنشق ويتمضمض، ويغسل وجهه وذراعيه ثلاثاً ثلاثاً"، هو للندب. أعني: التثليث لما علم من أحاديث الوضوء، أنها تكفي مرة ومرتين. "حتى إذا بلغ رأسه لم يمسح، وأفرغ عليه الماء" فيه دليل على أنّ مسح الرأس قد كفى عنه إفراغ الماء عليه. قوله: "أخرجه النسائي". [الثاني عشر] (¬1): حديث (أم سلمة - رضي الله عنها -): 12 - وعن أم سلمة - رضي الله عنها - قالت: قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله؟ إِنِّي امْرَأَةٌ أَشُدُّ ضَفْرَ رَأْسِي، أَفَأَنْقُضُهُ لْلِحَيْضَةُ وَالجَنَابَةِ؟ قَالَ: "لَا، إنَّمَا يَكْفِيكِ أَنْ تَحْثِيَ عَلَى رَأْسِكِ ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ، ثُمَّ تُفِيضِي عَلَيْكِ المَاءَ فَتَطْهُرِينَ". أخرجه الخمسة (¬2) إلا البخاري، وهذا لفظ مسلم. [صحيح] "الحَثُى" (¬3) أخذ الماء بالكفين، ورميه على الجسد. "قالت: يا رسول الله! إني امرأة أشد ضفر رأسي" تقدم ضبطه وتفسيره. "أفأنقضه للحيضة والجنابة" أي: لغسلها. ¬

_ (¬1) في "المخطوط": الحادي عشر، وهو خطأ. (¬2) أخرجه مسلم رقم (330)، وأبو داود رقم (251)، والترمذي رقم (105)، وقال: هذا حديث حسن صحيح. والنسائي (1/ 131)، وابن ماجه رقم (603)، وهو حديث صحيح. (¬3) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (1/ 333). "المجموع المغيث" (1/ 399).

"قال: لا، إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات" ظاهر فتياه - صلى الله عليه وسلم - لها أنه يكفيها ذلك من دون نقض مطلقاً، واختلف العلماء (¬1) في ذلك، فقال جمهور (¬2): لا تنقضه إلاّ أن يكون ملبداً ملتفاً، لا يصل الماء إلى أصوله، فيجب نقضه حينئذ. وقال النخعي (¬3): تنقضه بكل حال، وقال أحمد (¬4): تنقضه في الحيض دون الجنابة. ووجه قول أحمد (¬5): أنّ الأصل نقضه؛ لأن عموم الغسل يجب في جميع الأعضاء من شعر وضفر، في أي موضع، كان وعلى أي صفة كان، فوجب غسلها وسقط اعتبار ذلك في الجنابة، لتردده وكثرة الحاجة إليه، وبقي في غسل الحيض، على أصل الوجوب عملاً بالعموم. ووجه قول النخعي حينئذ أخذه بأدلة عموم الغسل، وكأن ما بلغه الحديث، ولو رآه ما تعداه. ووجه قول الجمهور وهو الصحيح: أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - لما أسقطه في الجنابة دل على عدم اعتباره التعميم في كل طهارة، ولا سيما ولم يكن أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - يفرقن بين الغسلين، أفاده ابن العربي (¬6) في "شرح الترمذي". قلت: إلاّ أن قوله عن الجمهور بعدم نقضه، إلاّ إذا كان ملبداً ملتفاً تقييد لإطلاق الحديث ولو أراده - صلى الله عليه وسلم - لكان وقت البيان، فلا يجوز إهماله؛ لأنه جواب فتوى، إلا أن يثبت حديث آخر [344 ب] يقيّده. ¬

_ (¬1) ذكره ابن العربي في "عارضة الأحوذي" (1/ 160). (¬2) انظر: "المغني" لابن قدامة (1/ 298). (¬3) في موسوعة فقه إبراهيم النخعي (1/ 763). (¬4) في "المغني" (1/ 298). (¬5) انظر: "قوانين الأحكام الشرعية" لابن جزيء (ص 40 - 41). (¬6) في "عارضة الأحوذي" (1/ 160).

وقد ذكرنا في شرحنا "سبل السلام (¬1) شرح بلوغ المرام" المراد الدليل على التخصيص، وقد وهم من استدل على نقض المرأة شعرها للغسل، بحديث عائشة حين أمرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تخرج من عمرتها إلى الحج لما حاضت، وأمرها أن تنقض شعرها وتغتسل، فإنَّ ذلك غُسل لا لحيض ولا جنابة بل للخروج من العمرة والدخول في الحج (¬2). "ثم تفيضين عليك الماء" للاغتسال. "فتطهرين". قوله: "أخرجه الخمسة إلاّ البخاري واللفظ" الذي ساقه "لمسلم". [الثالث عشر] (¬3): 13 - وعن عبيد بن عمير الليثي قال: "بَلَغَ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - أَنَّ عَبْدَ الله بْنَ عَمْرٍو يَأْمُرُ النِّسَاءَ إِذَا اغْتَسَلْنَ أَنْ يَنْقُضْنَ رَءُوسَهُنَّ، فَقَالَتْ: يَا عَجَبًا لِابْنِ عَمْرٍو وَهُوَ يَأْمُرُ النِّسَاءَ أَنْ يَنْقُضْنَ رُءُوسَهُنَّ؟ اَفَلاَ يَأْمُرُهُنَّ أَنْ يَحْلِقْنَ، لَقَدْ كُنْتُ اغتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ، وَمَا أَزِيدُ أَنْ أُفْرِغَ عَلَى رَأْسِي ثَلاَثَ إِفْرَاغَاتٍ". أخرجه مسلم (¬4). [صحيح] "أفرغتُ ثَلاثُ إِفْرَاغاَتِ" إذا قلبت ما فيه من الماء. حديث "عبيد بن عمير الليثي" في "التقريب" (¬5): أنه أبو عاصم المكي، ولد على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قاله مسلم وغيره من كبار التابعين. وكان قاصّ أهل مكة مجمع على ثقته. ¬

_ (¬1) (1/ 346 - 346). (¬2) تقدم نصه وتخريجه. (¬3) في "المخطوط": الثاني عشر، وهو خطأ. (¬4) في "صحيحه" رقم (59/ 331)، وأخرجه أحمد (6/ 43)، وهو حديث صحيح. (¬5) (1/ 544 رقم 1561).

"قال: بلغ عائشة - رضي الله عنها - أن عبد الله بن عمرو يأمر النساء إذا اغتسلن من جناب أو حيض، أن ينقضن رؤوسهن، فقالت: يا عجباً لابن عمرو وهو يأمر النساء أن ينقضن رؤوسهن، أفلا يأمرهن أن يحلقن؟! " فإنه أروح لهن من تكرار النفض ثم الربط، ثم أخبرت بدليل تعجبها فقالت: "لقد كنت اغتسل أنا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - من إناء واحد، ولا أزيد أن أفرغ على رأسي ثلاث إفراغات" وهذا إقرار منه - صلى الله عليه وسلم -، دال على كفاية ذلك، وتقدم الكلام، ولعل ابن عمرو لم يبلغه السنة. قوله: "أخرجه مسلم". [الرابع عشر] (¬1): 14 - وعن قتادة - رضي الله عنه -: أَنَّ أَنسٍ بِنَ مَالِكٍ - رضي الله عنه - حَدّثَهُمْ: "أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - طَافَ عَلَى نِسَائِهِ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ". أخرجه الخمسة (¬2) إلا مسلماً. [صحيح] حديث: "قتادة" (¬3) هو ابن دعامة بن قتادة السدوسي، أبو الخطاب البصري ثقة ثبت، يقال: ولد أكمه وهو الذي ولد أعمى. "أنّ أنس بن مالك حدّثهم أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طاف على نساءه" طواف مباضعه، قالوا: وطوافه عليهن يحتمل أنه استطاب قلوبهن وأنه لم يكن يجب عليه القسم، كما قاله جماعة، أو أنه عند قدومه من سفر قبل أن يقسم لهن. ¬

_ (¬1) في "المخطوط": الثالث عشر، وهو خطأ. (¬2) أخرجه البخاري رقم (268)، وأبو داود رقم (218). والترمذي رقم (140)، والنسائي (1/ 143 - 144 رقم 264)، وابن ماجه رقم (588)، وأخرجه أحمد (3/ 189)، وهو حديث صحيح. - وأخرجه مسلم في "صحيحه" رقم (28/ 309) عن هشام بن زيد، عن أنس. (¬3) "التقريب" (2/ 123 رقم 81).

"بغسل واحد" وهن إحدى عشرة امرأة, وفي رواية (¬1): "تسع نسوة" وجمع بانضمام سريتيه ريحانة ومارية إلى [345 ب] التسع، وهذا حسن. وروي: "أنه - صلى الله عليه وسلم - أعطي قوة ثلاثين رجلاً" (¬2) وقيل: أربعين وعن مجاهد: "أعطي قوة أربعين رجلاً من رجال أهل الجنة". وفي سنن الترمذي وصححه: "إن قوة الرجل من أهل الجنة بمئة رجل". وقيل: كل من كان أتقى لله فشهوته أشد؛ لأن من لا يتقي يتفرق بالنظر ونحوه، ويأتي اغتساله - صلى الله عليه وسلم - عند كل واحدة. قوله: "أخرجه الخمسة إلاّ مسلماً". [الخامس عشر] (¬3): حديث (أبي رافع): 15 - وعن أبي رافع - رضي الله عنه -: "أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - طَافَ ذَاتَ يَوْمٍ عَلَى نِسَائِهِ، يَغْتَسِلُ عِنْدَ هَذِهِ وَعِنْدَ هَذِهِ، قَالَ: فَقُلْتُ لَه: يَا رَسُولَ الله! أَلاَ تَجْعَلُهُ غُسْلاً وَاحِدًا آخِراً؟ قَالَ: هَذَا أَزْكَى وَأَطْيَبُ وَأَطْهَرُ". أخرجه أبو داود (¬4) [حسن] "الزَّكاء" الطهارة والنَّماءُ. ¬

_ (¬1) أخرجها البخاري رقم (268). (¬2) انظر: "فتح الباري" (1/ 378). (¬3) في "المخطوط": الرابع عشر، وهو خطأ. (¬4) في "السنن" رقم (219). وأخرجه أحمد (6/ 8)، والنسائي في "عشرة النساء" رقم (149)، وفي "السنن الكبرى" رقم (9035)، وابن ماجه رقم (590). وهو حديث حسن.

"أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: طاف ذات يوم على نساءه، فغتسل عند هذه وعند هذه, قال: فقلت: يا رسول الله! ألا تجعله" أي: الاغتسال. "غسلاً واحداً آخراً" كأنه يريد أنه أخف عليه - صلى الله عليه وسلم -. "فقال: هذا أزكى" فسّره المصنف بالطهارة والنماء. "وأطيب وأطهر" وقد أفادت أن الغسل الواحد بعد الطواف على الكل، فيه الثلاثة المعاني، لكن هذا أكمل فيها. قوله: "أخرجه أبو داود". قلت: قال المنذري (¬1): وأخرجه الترمذي (¬2) والنسائي (¬3) وابن ماجه (¬4)، وقال الترمذي (¬5): حديث حسن صحيح. انتهى. [السادس عشر] (¬6): حديث (أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -): 16 - وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -: "أنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: إِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ، ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يُعَاوِدَ, فَلْيَتَوَضَّأْ بَيْنَهُمَا". أخرجه الخمسة (¬7). إلا البخاري. [صحيح] ¬

_ (¬1) في مختصر "السنن" (1/ 151). (¬2) في "السنن" رقم (140). (¬3) في "السنن" (264). (¬4) في "السنن" رقم (588)، وهو حديث صحيح وقد تقدم. (¬5) في "السنن" (2/ 51). (¬6) في "المخطوط": الخامس عشر، وهو خطأ. (¬7) أخرجه مسلم رقم (308)، وأبو داود رقم (220)، والترمذي رقم (141)، والنسائي رقم (262)، وفي "عشرة النساء" رقم (152)، وابن ماجه رقم (587). =

"قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إذا أتى أحدكم أهله" كناية عن الجماع. "ثم بدا له أن يعاود فليتوضأ بينهما وضوءاً" قد علل في رواية (¬1) بأنه أنشط, وهذا الأمر للندب؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - طاف بغسل واحد، ولم يرد أنه توضأ بين كل معاودة. قوله: "أخرجه الخمسة إلا البخاري". [السابع عشر] (¬2): حديث (عائشة - رضي الله عنها -): جعله ابن الأثير (¬3) النوع الثالث من الفرع الثاني، في فرائض الغسل. 17 - وعن عائشة - رضي الله عنها -: "أَنَّ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَغْتَسِلُ وَيُصَلِّي الرَّكْعَتَيْنِ بِصَلَاةَ الغَدَاةِ, وَلَا أَرَاهُ يُحْدِثُ وُضُوءًا بَعْدَ الغُسْلِ". أخرجه أصحاب السنن (¬4). [صحيح] "وعن عائشة - رضي الله عنها -، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: كان يغتسل" أي: من الجنابة. "ويصلي الركعتين" أي: ركعتي سنة الفجر. "ويصلي صلاة الغداة" فريضة الفجر. ¬

_ = وأخرجه أحمد (3/ 21)، وابن خزيمة في "صحيحه" رقم (221)، وابن حبان في "صحيحه" رقم (1211)، والحاكم (1/ 152)، وقال: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه بهذا اللفظ ... " والبيهقي (1/ 204). وهو حديث صحيح. (¬1) أخرجها ابن خزيمة رقم (221)، وابن حبان رقم (1211)، والحاكم (1/ 152)، وزادوا: "فإنّه أنشط للقوْد". (¬2) في "المخطوط": السادس عشر، وهو خطأ. (¬3) في "الجامع" (7/ 297). (¬4) أخرجه أبو داود رقم (250)، والترمذي رقم (107)، وابن ماجه رقم (579)، والنسائي رقم (430)، وهو حديث صحيح.

"ولا أرَاه" بفتح الهمزة. "يحدث وضوءاً بعد الغسل" قال ابن العربي في "العارضة" (¬1): لم يختلف [346 ب] العلماء في أن الوضوء داخل في الغسل، وأن نية طهارة الجنابة تأتي على طهارة الحدث، وتقتضي عليها، ويطهر البدن بالغسل من الجنابة طهارة عامة، وذلك لأن موانع الجنابة أكثر من موانع البول، فدخل الأقل في نية الأكثر وأجزأت نية الأكثر عنه. ولذا (¬2) قال سحنون: إنّ نية الجنابة لا تغني عن نية الحيض في طهارة الحائض الجنب؛ لأن موانع الحيض أكثر، ولو نوت الحيض طهرت من الجنابة؛ لأنها الأقل. والصحيح أن ذلك يجزئها كما قال عامة العلماء؛ لأن المعنى في الحدث والجنابة أن محل الحدث دون محل الجنابة، ومحل الجنابة أكثر، فلذلك تضمنه. قلت: يؤيده أن محل الجنابة جميع البدن، فلذلك وجب غسله، بخلاف الحدث، فمحله أعضاء الوضوء. قال (¬3): ليس لأن موانعه أكثر، بخلاف محل الجنابة والحيض، فإنه واحد، فطهارة أحدهما تجزي عن الآخر. انتهى. قلت: يريد أن البدن كله محل حدث الجنابة والحيض، إلا أنه لا يخفى أنه علل في ما سلف قريباً أن موانع الجنابة أكثر من موانع البول فدخل الأقل في نية الأكثر. وسحنون بين كلامه على هذه العلة، فإن موانع الحيض أكثر، يمنع الجماع وقراءة القرآن زيادة على موانع الجنابة، ولكنه عدل ابن العربي عما علل به أولاً إلى علة أخرى، وهي اتحاد محلية الغسل، وهو البدن بخلاف محلية البول والجنابة، فلو علل بهذه في دخول الطهارة عن الحدث ¬

_ (¬1) (1/ 162). (¬2) ذكره ابن العربي في "عارضة الأحوذي" (1/ 163). (¬3) ابن العربي في "العارضة" (1/ 163).

الأصغر، تحت الحدث الأكبر، لم يتم؛ لاختلاف المحلين إلاَّ أنَّهُ يقال له: قد انتقضت علة دخول الأقل تحت الأكثر وكأنه لا يشترط إطراد العلة. قوله: "أخرجه الخمسة إلا البخاري". [الثامن عشر] (¬1): حديث (عائشة - رضي الله عنها -). أيضاً. وابن الأثير (¬2) جعل هذا نوعاً رابعاً فقال: الرابع: في مقدار الماء والإناء. 18 - وعنها - رضي الله عنها - قالت: "كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ مِنْ قَدَحٍ، يُقَالُ لَهُ الفَرَقُ" (¬3). [صحيح] قال سفيان - رحمه الله -: "الفَرقُ" ثلاثةُ آصع (¬4). وقوله: "وعنها كنت اغتسل أنا والنبي - صلى الله عليه وسلم - من إناء واحد" بينته بقولها: "يقال له الفرق" بفتح الفاء (¬5) [347 ب] والراء وسكونها، قدح يسع ستة عشر رطلاً، قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (¬6). ولكنه خلاف قوله: "قال سفيان والفرق ثلاثة آصع" (¬7). ¬

_ (¬1) في "المخطوط": السابع عشر، وهو خطأ. (¬2) في "جامع الأصول" (7/ 298). (¬3) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (250)، ومسلم رقم (319)، وأحمد (6/ 199). (¬4) الفرق = 3 آصع. والفرق = 6525 غراماً. والفرق = 6.525 كيلو غراماً. والفرق = 8.25 لتراً. انظر: "الأموال" رقم (1612، 1613، 1575). "الإيضاحات العصرية" (ص 95). (¬5) انظر: "تهذيب اللغة" (9/ 108)، "الأموال" لأبي عبيد رقم (1611). (¬6) (7/ 299). (¬7) انظر: "فتح الباري" (1/ 364).

قلت: في "النهاية" (¬1): الفرق بالتحريك مكيال يسع ستة عشر رطلاً، وهي اثني عشر مداً أو ثلاثة آصع عند أهل الحجاز. وفيه: الفرق خمسة أقساط (¬2)، والقسط نصف صاع، وأما الفرق بالسكون فمائة وعشرون رطلاً. انتهى. فاختلف كلامه في "غريب الجامع" (¬3) و"النهاية" (¬4) فتأمل. - وفي أخرى عن أبي سلمة قال: "دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ - رضي الله عنها -. أَنَا وَأَخُوهَا مِنْ الرَّضَاعَةِ، فَسَالنَاهَا عَنْ غُسْلِ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - مِنْ الجَنَابَةِ, فَدَعَتْ بِإِنَاءٍ قَدْرِ الصَّاعِ فَاغْتَسَلَتْ، وَبَيْنَنَا وَبَيْنَهَا سِتْرٌ، وَأَفْرَغَتْ عَلَى رَأْسِهَا ثَلَاثًا، قَالَتْ: وَكَانَ أَزْوَاجُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَأْخُذْنَ مِنْ رُءُوسِهِنَّ حَتَّى تَكُونَ كَالوَفْرَةِ". أخرجه الخمسة (¬5) إلا الترمذي، وهذا لفظ الشيخين. [صحيح] "الوَفْرَةُ" (¬6) أن يبلغ شعر الرأس إلى شحمة الأذن، والجمة أطول من ذلك. "وفي رواية أخرى عن أبي سلمة" هو ابن عبد الرحمن بن عوف، قيل: اسمه عبد الله، وقيل: إسماعيل. ¬

_ (¬1) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 363). (¬2) وانظر: "الإيضاحات العصرية" (ص 99). (¬3) (7/ 299). (¬4) (2/ 363). (¬5) أخرجه البخاري رقم (251، 263، 273، 299، 5956، 7339)، ومسلم رقم (319)، ومالك في "الموطأ" (1/ 44، 45)، وأبو داود رقم (238)، والنسائي (1/ 127)، وهو حديث صحيح. (¬6) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 868). وانظر: "الفائق" للزمخشري (2/ 228).

"قال: دخلت على عائشة أنا وأخوها من الرضاعة" قيل هو عبد الله بن يزيد، قال ابن حجر في "الفتح" (¬1): ولم يتعين عندي أنه المراد هنا؛ لأن لها أخاً آخر من الرضاعة، وهو كثير بن عبد، فيحتمل أن يكون أحدهما أو غيرهما. "فسألناها عن غسل رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - من الجنابة, فدعت بإناء قدر الصاع، فاغتسلت وبيننا وبينها ستر". قال القاضي (¬2): ظاهره أنهما رأيا عملها في رأسها وأعالي جسدها، مما يحل نظره للمحرم؛ لأنها خالة أبي سلمة من الرضاع، أرضعته أختها أم كلثوم بنت أبي بكر، وإنما سترت أسافل بدنها مما لا يحل للمحرم نظره إليه، وإلا لم يكن لاغتسالها بحضرتهما معنىً. وفي فعل عائشة دلالة على استحباب التعليم بالفعل؛ لأنه أوقع في النفس. انتهى. "فأفرغت على رأسها ثلاثاً، قالت: وكان أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - يأخذن من شعر رؤوسهن حتى يكون الباقي منه كالوفرة" يأتي تفسير المصنف لها. قوله: "أخرجه الخمسة، إلا الترمذي، وهذا لفظ الشيخين". قوله: "الوفرة أن يبلغ شعر الرأس إلى شحمة الأذن، والجمة (¬3) أطول من ذلك". وفي شرح مسلم (¬4): الوفرة أسبغ وأكثر من اللمة، واللمة ما يلم بالمنكبين من الشعر، قاله الأصمعي. وقال غيره: الوفرة أقل من اللمة [348 ب] وهي ما لا يجاوز الأذنين. وقال أبو حاتم (¬5): الوفرة ما غطى الأذنين من الشعر. ¬

_ (¬1) (1/ 365). (¬2) "في إكمال المعلم بفوائد مسلم" (2/ 163). (¬3) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (1/ 293). (¬4) (4/ 4 - 5). (¬5) ذكره النووي في شرحه لـ "صحيح مسلم" (4/ 5).

قال القاضي عياض (¬1) رحمه لله: المعروف أن نساء العرب كن يتخذن القرون والذوائب، ولعل أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - فعلن هذا بعد وفاته, لتركهن التزين واستغناءً عن تطويل الشعر، وتخفيفاً لمؤنة رؤوسهن. قال النووي (¬2): وهذا الذي ذكره القاضي عياض، وكونهن فعلن ذلك بعد وفاته، كذا قاله غيره أيضاً، وهو متعين، ولا يظن بهن أنهن يفعلنه في حياته - صلى الله عليه وسلم -، وفيه دليل على جواز تخفيف الشعور للنساء. انتهى. [التاسع عشر] (¬3): حديث (محمد الباقر - رضي الله عنه -): 19 - وعن محمد الباقر قال: "كُنَّا عِنْدَ جَابِرٍ - رضي الله عنه -، وَعِنْدَهُ قَوْمٌ فَسَأَلُوهُ عَنِ الغُسْلِ؟ فَقَالَ: يَكْفِيكَ صَاعٌ. فَقَالَ رَجُلٌ: مَا يَكْفِينِي، فَقَالَ جَابِرٌ: كَانَ يَكْفِى مَنْ هُوَ أَوْفَى مِنْكَ شَعَرًا، وَخَيْرًا مِنْكَ يَعْنِي النّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - ". أخرجه الشيخان (¬4) والنسائي (¬5). [صحيح] "قال: كنا عند جابر بن عبد الله وعنده قوم، فسألوه عن الغسل" أي: عن مقدار الذي يكفي منه من الماء. "فقال: يكفيك صاع، فقال رجل" قيل: هو محمد بن الحنفية. "ما يكفيني، فقال جابر: قد كان يكفي من هو أوفى منك شعراً وخير منك، النبي - صلى الله عليه وسلم - " وكأنه يريد جابر بزجره عن عدم كفاية ما كان يكفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأنه ابتداع ورغبة عن السنة. ¬

_ (¬1) في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (2/ 163 - 164). (¬2) في شرحه لـ "صحيح مسلم" (4/ 5). (¬3) في "المخطوط": الثامن عشر، وهو خطأ. (¬4) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (252)، وطرفاه رقم (255، 256) , ولم يخرجه مسلم. قال الحافظ في "الفتح" (1/ 366)، وليست هذه الرواية في مسلم أصلاً. (¬5) في "السنن" (1/ 128)، وهو حديث صحيح.

قوله: "أخرجه الشيخان والنسائي". [العشرون] (¬1): حديث (عائشة - رضي الله عنها -): 20 - وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "كنْتَ أَغْتَسِلُ أَناَ وَالنَبيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ تَوْرٍ مِنْ شَبَهٍ". أخرجه أبو داود (¬2). [صحيح] "كنتُ أغتسل أنا والنَّبي - صلى الله عليه وسلم - من تور" بالمثناة الفوقية مفتوحة وسكون الواو، فراء. في "النهاية" (¬3): هو إناء من صفر أو حجارة كالإجَّانة، وقد يُتَوضأ منه. "من شبه" بيان للتور والشبه بالمعجمة, وموحدة مفتوحتين. قوله: "أخرجه أبو داود". [الحادي والعشرون] (¬4): 21 - وعن يعلى بن أُمية - رضي الله عنه - قال: "كانَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - رَأَى رَجُلاً يَغْتَسِلُ بِالبَرَازِ، فَصَعِدَ المِنْبَرَ فَحَمِدَ الله وَأثنَى عَلَيه ثُمَّ قَالَ: إِنَّ الله حَيِيٌّ سِتِّيرٌ يُحِبُّ الحَيَاءَ وَالسَّتْرَ، فَإِذَا اغْتَسَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَتِرْ". أخرجه أبو داود (¬5) والنسائي (¬6). [صحيح] ¬

_ (¬1) في "المخطوط": التاسع عشر، وهو خطأ. (¬2) في "السنن" رقم (98، 99)، وهو حديث صحيح، وقد تقدم. (¬3) (1/ 198). (¬4) في "المخطوط": العشرون، وهو خطأ. (¬5) في "السنن" رقم (4012). (¬6) في "السنن" رقم (406). قلت: وأخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (1/ 198). كلهم من طريق زهير عن عبد الملك بن أبي سليمان العرزمي عن عطاء بن يعلى، به. =

حديث: "يعلى" كأن المراد به ابن أمية صحابي، وفي الصحابة غيره، يسمى يعلى. "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى رجلاً يغتسل بالبراز" بفتح الموحدة، في "النهاية" (¬1): يريد الموضع المنكشف بغير سترة. "فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه" فيه شرعيه ذلك، عند إنكار منكر. "ثم قال: إن الله [349 ب] حيّ ستِّير" كلاهما صفة مبالغة من الحياء والستر، [وهو تعالى من العباد الاتصاف بما اتصف به ما لم ينه] (¬2)، ومثله: "إن الله وتر يحب الوتر فأوتروا". ¬

_ = وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات رجال مسلم، وفي العرزمي هذا كلام لا يضر، وزهيى هو ابن معاوية بن خديج أبو خيثمة، ثقة ثبت. وللحديث شاهد من طريق بهز بن حكيم عن أبيه عن جده: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى رجلاً يغتسل في صحن الدار، فقال: إن الله حيي حليم ستير، فإذا اغتسل أحدكم فليستتر ولو بجذم حائط". أخرجه السهمي في "تاريخ جرجان". وأورده السيوطي في "الجامع الكبير" (1/ 144/ 2). ثم ذكر له شاهداً آخر (1/ 145/ 1) من رواية عبد الرزاق عن عطاء مرسلاً. كما في "الإرواء" للألباني (7/ 367 - 368) رقم (2335). وخلاصة القول: أن الحديث صحيح، والله أعلم. (¬1) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 125). (¬2) كذا العبارة في "المخطوط" مضطربة المعنى مختلة التركيب.

"يحب الحياء (¬1) والستر (¬2) " أي: يحب اتصاف عباده بهما. ¬

_ (¬1) الحياء: صفة ثابتة لله عز وجل بالكتاب والسنة، و (الحيي) من أسمائه تعالى. - الدليل من الكتاب: 1 - قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} [البقرة: 26]. 2 - وقوله: {وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ} [الأحزاب: 53]. - الدليل من السنة: 1 - حديث أبي واقد الليثي - رضي الله عنه - مرفوعاً: " ... وأما الآخر فاستحيا، فاستحيا الله منه وأما الآخر فأعرض، فأعرض الله عنه". رواه البخاري رقم (66)، ومسلم رقم (2176). 2 - حديث سلمان - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن ربكم حيي كريم، يستحي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما صفراً خائبتين". رواه الترمذي، واللفظ له، وأبو داود، وأحمد، والحاكم. انظر: "جامع الأصول" (2118)، و"صحيح الجامع" (1757). وممَّن أثبت صفة الاستحياء من السلف الإمام أبو الحسن محمد بن عبد الملك الكرجي، فيما نقله عنه شيخ الإسلام في "الفتاوى" (4/ 181) موافقاً له. وقال ابن القيم في "النونية" (2/ 80): "وَهُوَ الحَيِيُّ فَلَيْسَ يفْضَحُ عَبْدَهُ ... عِنْدَ التَّجَاهُر مِنْهُ بِالعِصْيَانِ لَكِنَّهُ يُلْقِي عَلَيْهِ سِتْرَهُ ... فَهُوَ السِّتِّيرُ وصَاحِبُ الغُفْرَانِ" قال الهراس: "وحياؤه تعالى وصف يليق به، ليس كحياء المخلوقين الذي هو تغير وانكسار يعتري الشخص عند خوف ما يعاب أو يذم، بل هو ترك ما ليس يتناسب مع سعة رحمته وكمال جوده وكرمه وعظيم عفوه وحلمه، فالعبد يجاهره بالمعصية مع أنه أفقر شيء إليه وأضعفه لديه ويستعين بنعمه على معصيته, ولكن الرب سبحانه مع كمال غناه وتمام قدرته عليه يستحي من هتك ستره وفضيحته, فيستره بما يهيئه له من أسباب الستر، ثم بعد ذلك يعفو عنه ويغفر" اهـ. (¬2) السَّتر: صفة فعلية لله عز وجل ثابتة بالسنة الصحيحة. والسَّتِيْر: من أسمائه تعالى. =

"فإذا اغتسل أحدكم فليستتر" والاستتار جمع بين الصفتين؛ لأن من لا يستحي لا يستتر، أي: عن الناس بأي ساتر كما يأتي، وقد كان - صلى الله عليه وسلم - يبعد إذا أراد قضاء حاجته كما سلف. قوله: "أخرجه أبو داود، والنسائي" ولفظه: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله ستير فإذا أراد أحدكم أن يغتسل فليتوارى بشيء". [الثاني والعشرون] (¬1): 22 - وعن أبي السمح - رضي الله عنه - قال: "كُنْتُ أَخْدُمُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَكَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَغْتَسِلَ قَالَ: وَلِّنِي قَفَاكَ". فَأُوَلِّيهِ قَفَايَ فَاَسْتُرُهُ بِهِ. أخرجه النسائي (¬2). [صحيح] حديث: "أبي السمح" تقدم ضبطه، وأنه من موالي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. "قال: كنت أخدم النَّبي - صلى الله عليه وسلم -، فإذا أراد أن يغتسل، قال: ولِّني قَفَاك، فأُوليَّه قفاي فأستره"، عن الناس وعن نفسه. قوله: "أخرجه النسائي". ¬

_ = الدليل: حديث يعلى بن أمية الصحيح التقدم، وحديث أبي هريرة عند مسلم رقم (2590) مرفوعاً بلفظ: "لا يستُرُ الله على عبدٍ في الدنيا، إلاَّ سترَهُ الله يوم القيامة". قال ابن القيم في "النونية" (2/ 80): وَهُوَ الحَيِيُّ فَلَيْسَ يفْضَحُ عَبْدَهُ ... عِنْدَ التَّجَاهُر مِنْهُ بِالعِصْيَانِ لَكِنَّهُ يُلْقِي عَلَيْهِ سِتْرَهُ ... فَهُوَ السَّتَّيرُ وصَاحِبُ الغُفْرَانِ تنبيه: اعلم أن (السَّتَّار) ليس من أسمائه تعالى، ولم يرد ما يدل على ذلك، خلاف ما هو شائع عند عوام الناس. (¬1) في "المخطوط": الحادي والعشرون، وهو خطأ. (¬2) في "السنن" رقم (224). وأخرجه ابن ماجه رقم (613)، وهو حديث صحيح.

[الثالث والعشرون] (¬1): 23 - وعن أم هانيء بنت أبي طالب - رضي الله عنها - قالت: "ذهبْتُ إِلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - عَامَ الفَتْحِ، فَوَجَدَتْهُ يَغْتَسِلُ، وَفَاطِمَةُ ابِنْتُهُ تَسْتُرُهُ بِثَوْبٍ". أخرجه مسلم (¬2). [صحيح] حديث: "أم هانيء بنت أبي طالب - رضي الله عنها -" كنِّيت باسم ابنها، واسمها فاختة، وقيل: عاتكة وقيل: فاطمة, وقيل: هند، وهي أخت علي - رضي الله عنها -، خطبها النَّبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: والله إني لأحبك في الجاهلية، فكيف في الإسلام، لكني امرأة مصيبية، أي: ذات صبيان، فسكت عنها. "قالت: ذهبت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الفتح" فتح مكة، وهو العام الثامن من الهجرة، وذهابها إليه كان في يوم الفتح نفسه، كما في كتب السيرة. "فوجدته يغتسل، وفاطمة ابنته تستره" عن نفسها، وعن غيرها. "بثوب" والحديث فيه قصة. قوله: "أخرجه مسلم" [الرابع والعشرون] (¬3): حديث (ابن عباس - رضي الله عنهما -): 24 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما -: "أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - اغْتَسَلَ فَأُتِيَ بِمِنْدِيلٍ فَلَمْ يَمَسَّهُ, وَجَعَلَ يَقُولُ بِالمَاءِ هَكَذَا". أخرجه النسائي (¬4). [صحيح] "أن النّبي - صلى الله عليه وسلم - اغتسل فأتي بمنديل" يمسح به الماء. "فلم يمسه وجعل يقول" أي: يفعل. ¬

_ (¬1) في "المخطوط": "الثاني والعشرون"، وهو خطأ. (¬2) في "صحيحه" رقم (336). وأخرجه البخاري رقم (280، 357، 3171، 6158). (¬3) في "المخطوط": الثالث والعشرون، وهو خطأ. (¬4) في "السنن" رقم (254)، وهو حديث صحيح.

"بالماء هكذا" أي: يذهبه وينفض [350 ب] يديه وقد تقدم في حديث ميمونة. قوله: "أخرج النسائي". [الخامس والعشرون] (¬1): حديث (ابن عمر - رضي الله عنهما) -: 25 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: "كَانَتِ الصَّلاَةُ خَمْسِينَ، وَالغُسْلُ مِنَ الجَنَابَةِ سَبْعَ مِرَارٍ، وَغَسْلُ الثَّوْبِ مِنَ البَوْلِ سَبع مِرَارٍ، فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَسْأَلُ، حَتَّى جُعِلَتْ الصَّلاةُ خَمْسًا، وَغُسْلُ الجَنَابَةِ مرَّةً، وَغَسْلُ البَوْلِ مِنَ الثَّوْبِ مَرَّةً". أخرجه أبو داود (¬2). [ضعيف] "قال: كانت الصلاة" الخمس المفروضة. "خمسين" في أول أمر الله بها. "والغسل من الجنابة سبع مرارٍ" يفيض على بدنه مرة بعد أخرى. "وكان غسل الثوب" من إصابة. "البول سبع مرارٍ" أما الصلاة، فقد ثبت ذلك في حديث الإسراء (¬3)، وأما الجنابة والثوب، فمن هذا الحديث عرف أنها كانت كما قال. "فلم يزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسأل" من الله التخفيف. "حتى جعلت الصلاة خمساً، وغسل الجنابة مرة" فالإفاضة ثلاث مرارٍ، ندب لا واجب لرواية: "لا يتم تعميم البدن إلا بها" فهي مرة. "وغسل البول من الثوب مرة" فالتكرار ثلاثاً، خلاف السنة. ¬

_ (¬1) في "المخطوط": الرابع والعشرون، وهو خطأ. (¬2) في "السنن" رقم (247)، وهو حديث ضعيف. (¬3) تقدم ذكره في الصلاة.

قوله: "أخرجه أبو داود" وهذا الحديث جعله ابن الأثير (¬1): الفرع السادس في أحاديث متفرقة. [السادس والعشرون] (¬2): حديث (عائشة - رضي الله عنها -): 26 - وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "رُبَّماَ اغْتسَلَ رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - مِنَ الجَنَابَةِ, ثُمَّ جاءَ فَاسْتدْفَأَ بيِ، فَضَمَمْتُهُ إِليَّ وَأَناَ لَمْ أَغْتَسِلْ". أخرجه الترمذي (¬3). [ضعيف] "قالت: ربما اغتسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الجنابة" والمراد: فبرد بدنه من الماء. "فاستدفأ" طلب الدفاء. "بي" أي: بالتصاق بدنه ببدني. "فضممته إليّ وأنا لم أغتسل" قال ابن العربي (¬4): هذا حديث لا يصح، ولم يستقم، فلا نثبت به شيئاً، ولا يعلم، ويحتمل أن ذلك من دون حائل، والملامسة عندنا لغير شهوة لا تنقض الوضوء. انتهى. قلت: هذا منه مبني على أن الملامسة المس، والحق أنها الجماع، كما بيناه في "سبل السلام" (¬5) وغيره، وهذا الحديث من أدلتنا على ذلك، وأما أنه يرد لأجل خلاف مالك فلا يفوه به عالم. قوله: "أخرجه الترمذي". قلت: وقال (¬6) هذا حديث ليس بإسناده بأس. ¬

_ (¬1) في "الجامع" (7/ 302). (¬2) في "المخطوط": الخامس والعشرون، وهو خطأ. (¬3) في "السنن" رقم (123)، وهو حديث ضعيف. (¬4) في "عارضة الأحوذي" (1/ 191). (¬5) (1/ 324). (¬6) الترمذي في "السنن" (1/ 211).

[السابع والعشرون] (¬1): حديث [351 ب] (عائشة) أيضاً: 27 - وعنها - رضي الله عنها - قالت: "كَانَ رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: يَغْسِلُ رَأْسَهُ بِالخِطْمِيِّ وَهُوَ جُنُبٌ، يَجْتَزِئ بِذَلِكَ، وَلاَ يَصُبُّ عَلَيْهِ المَاءَ". أخرجه أبو داود (¬2). [ضعيف] ومعناه أنه كان يكتفي بالماء الذي يغسل به الخطمي فقط. "قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يغسل رأسه بالخطمي" بكسر الخاء المعجمة وتفتح، نبات محلِّلٌ للأورام، مُنضِّج مُلَيِّن نافع لعسر البول، والحصا والنَّسا وقرحة الأمعاء وينضج الجراحات، قاله في "القاموس" (¬3). "وهو جنب فيجتزئ بذلك" أي: بالماء الذي خلط به الخطميِّ (ولا يصب عليه الماء) وقد بينه المصنف. قوله: "أخرجه أبو داود". قلت: عن رجل من بني سوادة قال (¬4): إنه مجهول. [الثامن والعشرون] (¬5): 28 - وعنها - رضي الله عنها - قالت: "كُنَّا نَغْتَسِلُ وَعَلَيْنَا الضِّمَادُ, وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - مُحِلاَّتٍ وَمُحْرِمَاتٍ". أخرجه أبو داود (¬6). [صحيح] قوله: "وعنها" أي: عائشة - رضي الله عنها -. ¬

_ (¬1) في "المخطوط": السادس والعشرون، وهو خطأ. (¬2) في "السنن" رقم (256)، وهو حديث ضعيف. (¬3) "القاموس المحيط" (ص 1426). (¬4) المنذري في "مختصر السنن" (1/ 169). (¬5) في "المخطوط": السابع والعشرون وهو خطأ. (¬6) في "السنن" رقم (254)، وهو حديث صحيح.

"قالت: كنا نغتسل وعلينا الضماد" بكسر الضاد المعجمة وقال مهملة، في "النهاية" (¬1): الضّماد خرقة يشد بها العضو المَؤوف ثم قيل: لوضع الدواء على الجرح وغيره، وإنْ لم يشدَّ. وقال المنذري (¬2) وغيره: المراد به هنا ما يلطخ به الشعر مما يلبده ويسكنه من طيب وغيره. "ونحن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - محلات ومحرمات" في الاغتسال التي ليست لجنابة. قوله: "أخرجه أبو داود". [التاسع والعشرون] (¬3): (وعن علي - رضي الله عنه -): 29 - وعن علي - رضي الله عنه - قال: "كَان رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يُقْرِئُناَ القُرآنَ علىَ كلِّ حَالٍ مَا لَمْ يَكُنْ جُنُباً". أخرجه أصحاب السنن (¬4)، واللفظ للترمذي وصححه. [حسن] "قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرئنا القرآن على كل حال ما لم يكن جنباً" فإنه لا يقرئهم القرآن. وعدم إقرائهم إياه حال جنابته يدل على أنه لا يقرأه الجنب، دلالة خفية؛ لأنه لا يعلم أنه ترك ذلك لأجل الجنابة بل يحتمل غير ذلك، وهي مسألة خلاف. قوله: "أخرجه أصحاب السنن، واللفظ للترمذي وصححه". ¬

_ (¬1) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 91). (¬2) انظر: "مختصر السنن" (1/ 169). (¬3) في "المخطوط": الثامن والعشرون، وهو خطأ. (¬4) أخرجه أبو داود رقم (229)، والنسائي رقم (265، 266)، وابن ماجه رقم (594)، والترمذي رقم (146)، وقال: حديث حسن صحيح. وأخرجه أحمد (1/ 83، 84، 107، 224، 134)، وابن خزيمة (208)، وابن حبان رقم (799)، والحاكم (4/ 107)، وصححه ووافقه الذهبي، والبزار في "مسنده" (1/ 162 رقم 321 - كشف)، والدارقطني في "السنن" (1/ 119 رقم 10)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (1/ 88 - 89). وهو حديث حسن.

قلت: وقال (¬1): حديث علي حديث حسن صحيح، وبه قال غير واحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - والتابعين، قالوا: يقرأ الرجل القرآن على غير وضوء ولا يقرأ في المصحف إلاّ وهو طاهر. وقال الترمذي (¬2) أيضاً: إنّ القول بأنه لا يقرأ الجنب والحائض شيئاً من القرآن، قول أكثر أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - والتابعين ومن بعدهم [352 ب] مثل سفيان الثوري، وابن المبارك، والشافعي (¬3)، وأحمد (¬4) وإسحاق إلى آخر كلامه. - وفي أخرى للنسائي (¬5): "كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: يَخْرُجُ مِنَ الخَلاَءِ، وَيَقْرَأُ القُرْآنَ، وَيَأْكُلُ اللَّحْمَ، وَلَمْ يَكُنْ يَحْجُبُهُ مِنَ القُرآنِ شَيْءٌ لَيْسَ الجَنَابَةَ". [حسن] "وفي" رواية "أخرى للنسائي" أي: عن علي. "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخرج من الخلاء، ويقرأ القرآن، ويأكل اللحم" لفظ "الجامع" (¬6): "يأكل معنا". "ولم يكن يحجبه من القرآن شيء سوى الجنابة" هو كما سلف، ولا أدري ما وجه ذكر أكل اللحم بخصوصه. ¬

_ (¬1) الترمذي في "السنن" (1/ 273). (¬2) الترمذي في "السنن" (1/ 275). (¬3) انظر: "المجموع شرح المهذب" (2/ 387). (¬4) انظر: "المغني" (1/ 199 - 202). (¬5) في "السنن" رقم (265)، وهو حديث حسن. (¬6) (7/ 304).

[الثلاثون] (¬1): (وعن ابن عباس - رضي الله عنه -): 30 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما -: "أَنَّهُ لَمْ يَرَ بِالقِرَاءَةِ للْجُنُبِ بَأْساً". أخرجه رزين، قلت: وعلقه البخاري (¬2)، والله أعلم. "أنه لم ير بالقراءة للجنب بأساً" وهو رأي ولغيره لضعف أدلة المنع، والأصل الجواز. قوله: "أخرجه رزين" أي: ذكره غير مخرج وبيض له ابن الأثير. "قلت: وعلّقه البخاري" أحسن بهذه العبارة, فإنها صحيحة بخلاف تعبيره. في مواضع بقوله: أخرجه البخاري تعليقاً؛ لأنها متناقضة إذ المعلق ليس بمخرج، إلا أنه لم يذكر ابن الأثير (¬3) أنه علقه البخاري، ولا رأيت في أبواب الجنب من البخاري (¬4) فينظر. [الحادي والثلاثون] (¬5): حديث (عائشة - رضي الله عنها -): 31 - وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "كَانَ رَسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - إِذاَ أَرَادَ أَنْ يَنَامَ وَهُوَ جُنُبٌ غَسَلَ فَرْجَهُ وَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ للِصَّلاَةِ". أخرجه الستة (¬6)، وهذا لفظ البخاري. [صحيح] (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أن ينام وهو جنب غسل فرجه وتوضأ وضوءه للصلاة). ¬

_ (¬1) في "المخطوط": التاسع والعشرون، وهو خطأ. (¬2) في "صحيحه" (1/ 407 رقم الباب 7) معلقاً. وانظر: "فتح الباري" (1/ 408). (¬3) في "الجامع" (7/ 305). (¬4) في "صحيحه" (1/ 407 رقم الباب 7) معلقاً. (¬5) في "المخطوط": الثلاثون، وهو خطأ. (¬6) أخرجه البخاري رقم (288)، ومسلم رقم (305)، وأبو داود رقم (222)، والترمذي رقم (119)، والنسائي (1/ 139)، وابن ماجه رقم (584)، وأخرجه أحمد (6/ 102، 119، 200). وهو حديث صحيح.

أي: كوضوءه للصلاة، وهذا فعل منه - صلى الله عليه وسلم - لا يدل على الإيجاب ولا ورد أنه أمر أحداً من نسائه إذا جامعها بذلك، إلا أنه أخرج البخاري حديث أمره - صلى الله عليه وسلم - لعمر بأنه يتوضأ إذا أراد النوم وهو مجنب، وسيأتي (أخرجه الستة وهذا لفظ البخاري). - وفي أخرى لمسلم (¬1): كان إذا أراد أن يأكل أو ينام توضأ وضوءه للصلاة) [صحيح]. "وفي" رواية "أخرى لمسلم" أي: عن عائشة. "كان إذا أراد أن يأكل" أي: وهو جنب. "أو ينام" كذلك. "توضأ" قال ابن حجر الهيتمي في "التحفة": ويحصل أصل السنة بغسل الفرج إن أراد نحو جماع، أو أكل أو شرب أو نوم، وإلاّ كره. قلت: هذا حمل للوضوء على معناه اللغوي، ولكن تخصيصه بالفرج لا دليل عليه، وكأنه يريد أنه أولى ما يغسل. ثم قال: وينبغي أن يلحق بهذه الأربعة إرادة الذكر أخذاً من تيممه صلى الله [353 ب] عليه وآله وسلم من الجدار لرد السلام (¬2). انتهى. قلت: في البخاري (¬3) من حديث عمر: "أنه - صلى الله عليه وسلم - قال له: حين استفتاه عن النوم وهو جنب: "توضأ واغسل ذكرك". ¬

_ (¬1) في صحيحه رقم (22، 305)، وأخرجه أحمد (6/ 91). وهو حديث صحيح. (¬2) تقدم وهو حديث صحيح. (¬3) في صحيحه رقم (290)، وأخرجه مسلم رقم (25/ 306).

وفي رواية (¬1): "اغسل ذكرك ثم توضأ"، فدل على أنه أريد الوضوء الشرعي، فلا تتم السنة بغسل الفرج فقط. كما قال بن حجر. واختلف في الوضوء، وغسل الذكر هل يجب أو يستحب؟. قال ابن عبد البر (¬2): ذهب الجمهور أن للاستحباب، وقالت الظاهرية (¬3) إنه للإيجاب، وبّوب عليه أبو عوانة في صحيحه (¬4) فقال: باب إيجاب الوضوء على الجنب إذا أراد النوم، وقيل: لا يستحب؟ نقله الطحاوي (¬5) عن أبي يوسف، واستدل بحديث عائشة: "كان يجنب ثم ينام ولا يمس ماء" أخرجه أبو داود (¬6) وغيره (¬7)؛ لكنه قال (¬8) الترمذي: يرون أنّ هذا غلط من أبي إسحاق. وقال البيهقي (¬9): طعن الحفاظ في هذه اللفظة. ¬

_ (¬1) قال الحافظ في "الفتح" (1/ 394) وفي رواية أبي نوح: "اغسل ذكرك ثم توضأ ثم نم ... وهو يرد على من حمله على ظاهره فقال: يجوز تقديم الوضوء على غسل الذكر؛ لأنه ليس بوضوء يرفع الحدث، وإنما هو للتعبد، إذ الجنابة أشد من مس الذكر، فتبين من رواية أبي نوح أن غسله مقدم على الوضوء". (¬2) انظر: "فتح الباري" (1/ 394). (¬3) بل قال ابن حزم في "المحلى" (1/ 85 المسألة 118): "ويستحب الوضوء للجنب إذا أراد الأكل أو النوم، ولردَّ السلام، ولذكر الله تعالى، وليس ذلك بواجب ... ". (¬4) (1/ 35). (¬5) في "شرح معاني الآثار" (1/ 128). (¬6) في "السنن" رقم (228). (¬7) كأحمد (6/ 109) والترمذي رقم (118) وقال: هذا الحديث وهم، وهو حديث صحيح. (¬8) في "السنن" (1/ 203). (¬9) في "السنن الكبرى" (7/ 191 - 192).

وقال أبو داود (¬1) عن يزيد بن هارون وهم أبو إسحاق (¬2) في هذا المعنى في قوله: "ولم يمس ماء". ثم على تقدير ثبوتها فالمراد لم يمس ماءً للاغتسال جمعاً بينه وبين أدلة الأمر بالوضوء، ثم المراد بالوضوء، وضوء الصلاة لما رواه مالك عن نافع، عن ابن عمر. قيل: ويجزئه ذلك الوضوء إذا استيقظ من منامه، وأراد الاغتسال عن وضوء الاغتسال على القول بجواز تفريق غسل الجنابة في الأعضاء، فينويه ويرتفع الحدث عن تلك الأعضاء المخصوصة على الصحيح. قال الحافظ (¬3): ويؤيده ما رواه ابن أبي شيبة (¬4)، بسند رجاله ثقات، عن شداد بن أوس الصحابي قال: "إذ أجنب أحدكم من الليل، ثم أراد أن ينام فليتوضأ فإنه نصف غسل الجنابة". وفي الحديث دليل على أنه غسل الجنابة ليس على الفور، وإنما يتضيق عند القيام إلى الصلاة. ¬

_ (¬1) في "السنن" (1/ 154 - 155). (¬2) أبو إسحاق: عمرو بن عبد الله السبيعي ثقة عابد اختلط بأخرة، "التقريب" رقم (5065). وتعقب المحرران: "اختلط بأخرة" ليس بجيد، فإنه لم يختلط، لكنه شاخ ونسي. كما قال الإمام الذهبي - وسمع منه سفيان بن عيينة في حال شيخوخته, فروايته عنه غير جيدة، ولذلك لم يخرج الشيخان من طريقه شيئاً عنه. ولم يصفه المؤلف هنا بالتدليس مع أنه أورده في كتابه: "المدلسين في الطبقة الثالثة" وهم الذين لا تقبل رواياتهم إلا إذا صرحوا بالتحديث من طبقات المدلسين، (ص 101) وقال: مشهور بالتدليس، وصفه النسائي وغيره بذلك. (¬3) في "فتح الباري" (1/ 394). (¬4) في "مصنفه" (1/ 60) بسند رجاله ثقات.

- وله (¬1) في أخرى عن عبد الله بن أبي قيس قال: "سَالتُ عَائِشَةَ - رضي الله عنها -، عَنْ وِتْرِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، وَذَكَرَ الحَدِيِثَ، وَفَيهَ قُلْتُ: كَيْفَ كَانَ يَصْنَعُ فِي الجَنَابَةِ، أَكانَ يَغْتَسِلُ قَبْلَ أَنْ يَنَامَ، أَوْ يَنَامَ قَبْلَ أَنْ يَغْتَسِلَ؟ قَالَتْ: كُلَّ ذَلِكَ قَدْ كَانَ يَفْعَلُ، رُبَّمَا اغْتَسَلَ وَنَاَمَ، وَرَبَّماَ تَوَضَّأَ فَنَامَ. قُلْتُ: الحَمْدُ للهَّ الَّذِي جَعَلَ فِي الأَمْرِ سَعَةً". [صحيح] قوله: "وفي أخرى عن عبد الله بن أبي قيس" في "التقريب" (¬2): يقال ابن أبي قيس، ويقال: ابن أبي موسى النصري بالنون، الحمصي، ثقة مخضرم. "سألت عائشة - رضي الله عنها - عن وتر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذكر الحديث [354 ب] وفيه قلت: كيف كان يصنع في الجنابة" أي: في غسلها أو فيه كما يدل عليه قوله: "أكان يغتسل قبل أن ينام؟ أو ينام قبل أن يغتسل؟ قالت: كل ذلك قد كان يفعل، فربما اغتسل فنام، وربما توضأ فنام، قلت: الحمد الله الذي جعل في الأمر سعةٍ". - وفي رواية أبي داود (¬3) عن غضيف بن الحارث قال: "قُلْتُ لِعَائِشَةَ - رضي الله عنها -: أَرَأَيْتِ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَغْتَسِلُ مِنَ الجَنَابَةِ فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ، أَمْ فِي آخِرَهُ؟ قَالَتْ: رُبَّمَا اغْتَسَلَ فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ، وَرُبَّمَا اغْتَسَلَ فِي آخِرهِ. قُلْتُ: الله أَكْبَرُ، الحَمْدُ للهَّ الَّذِي جَعَلَ فِي الأَمْرِ سَعةً. قُلْتُ: أَرَأَيْتِ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُوتِرُ أَوَّلَ اللَّيْلِ أَمْ آخِرِهِ، قَالَتْ: رُبَّمَا أوْتَرَ أَوّلِ اللَّيْلِ، ورُبَّمَا أَوْترَ آخِرِهِ, قُلْتُ: الله أَكْبَرُ، الحَمْدُ للهَّ الَّذِي جَعَلَ فِي الأَمْرِ سَعَةً. قُلْتُ: أَرَأَيْتِ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - كانَ يَجْهَرُ بِالقُرْآنِ أَمْ يَخْفُتُ بِهِ، قَالَتْ: رُبَّمَا جَهَرَ بِهِ، وَرُبَّمَا خَفَتَ بِهِ، قُلْتُ: الله أَكْبَرُ، الحَمْدُ للهِّ الَّذِي جَعَلَ فِي الأَمْرِ سَعَةً". [صحيح] ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم في صحيحه رقم (26/ 307)، وأبو داود رقم (226)، والترمذي رقم (2924)، والنسائي رقم (222، 223، 404، 405) وهو حديث صحيح. (¬2) (1/ 442 رقم 557). (¬3) في "السنن" رقم (226) وهو حديث صحيح.

قوله: "وفي رواية أبي داود، عن غضيف" بالغين المعجمة، فضاد معجمة أيضاً مصغر، ويقال بالظاء ابن الحارث السَّكوني ويقال: الثُّمالي، يكنى أبا أسماء، حمصي، مختلف (¬1) في صحبته. "قال قلت لعائشة - رضي الله عنها -: أرأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يغتسل من الجنابة أول الليل" إن أجنب فيه. "أم في آخره". أي: يؤخره إن أجنب في أوله. "قالت: ربما اغتسل في أول الليل، وربما اغتسل في آخره، قلت: الله أكبر، الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة" ولم يضيق على الجنب في الاغتسال أول الليل. "أرأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يوتر" يصلي الوتر. "أول الليل أو آخره، قالت: ربما أوتر أول الليل (¬2)، وربما أوتر آخره" والمراد من سؤاله ليقتدي بما كان - صلى الله عليه وسلم - يفعله. "قلت: الله أكبر، والحمد لله الذي جعل في الأمر سعة" ليوتر العبد متى شاء من الليل. "قلت: أرأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يجهر بالقرآن أم يخفت به" أي: يُسِر، والمراد في صلاة الليل، أو المراد في جميع أحواله من صلاة وتلاوة. "قالت: ربما جهر به، وربما خفت، قلت: الله أكبر، والحمد لله الذي جعل في الأمر سعة". - وفي رواية الترمذي (¬3) وأبي داود (¬4) أيضاً: "كَانَ رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَنَامُ وَهُوَ جُنُبٌ، وَلاَ يَمَسُّ مَاءً". ¬

_ (¬1) "التقريب" (2/ 105 رقم 18). (¬2) تقدم مفصلاً. (¬3) في "السنن" (118). (¬4) في "السنن" رقم (228). وقد تقدم.

قال (¬1) الترمذي: "وَقَدْ رُوِىَ عَنْها (¬2) أَنّهُ كانَ يَتَوَضَّأُ قَبْلَ أَنْ يَنَامَ، وَهُوَ أصَحُّ". قوله: "وفي رواية الترمذي، وأبي داود أيضاً" أي عن عائشة - رضي الله عنها -. "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينام وهو جنب ولا يمس ماء" تقدم كلام العلماء في ضعف هذه الرواية وتأويلها لو صحت. ولذا "قال الترمذي (¬3): وقد رُوِيَ عنها أنه كان يتوضأ قبل أن [355 ب] ينام إذا كان جنباً وهو أصح". - وفي رواية للنسائي (¬4): "كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ أَوْ يَشْرَبَ، غَسَلَ يَدَيْهِ، ثُمَ يَأْكُلُ أَوْ يَشْرَبُ". "وفي رواية للنسائي: كان إذا أراد" أي: وهو جنب. "أن يأكل أو يشرب غسل يديه" والأحاديث دالة على أنه كان يفعل هذا تارة وهذا تارة، فإن الأوقات كثيرة متعددة، فيجوز (¬5) كل ما صح من ذلك. ¬

_ (¬1) في "السنن" (1/ 203). (¬2) تقدم نصه وتخريجه وهو حديث صحيح. (¬3) في "السنن" (1/ 203). (¬4) في "السنن" رقم (255) وهو حديث صحيح. (¬5) وفي "تأويل مختلف الحديث" (ص 241): قال أبو محمد: ونحن نقول: إن هذا كله جائز، فمن شاء أن يتوضأ وضوءه للصلاة، بعد الجماع ثم ينام. ومن شاء غسل يده وذكره ونام. ومن شاء نام من غير أن يمس ماء، غير أن الوضوء أفضل. وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفعل هذا مرة، ليدل على الفضيلة، وهذا مرة ليدل على الرخصة, ويستعمل الناس ذلك. فمن أحب أن يأخذ بالأفضل أخذ، ومن أحب أن يأخذ بالرخصة أخذ. وانظر: "المجموع" (2/ 180).

- وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: ذَكَرَ عُمَرُ بْنُ الخطَّابِ - رضي الله عنه - لِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ تُصِيبُهُ الجَنَابَةُ مِنَ اللَّيْلِ، فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "تَوَضَّأْ وَاغْسِلْ ذَكَرَكَ ثُمَّ نَمْ". أخرجه الستة (¬1)، وهذا لفظ الشيخين. [صحيح] [الثاني والثلاثون]: 32 - وعن نافع قال: كَانَ ابْنَ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ أَوْ يَطْعَمَ وَهُوَ جُنُبٌ، غَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ إِلَى المِرْفَقَيْنِ، وَمَسَحَ رَأْسِهِ ثُمَّ طَعِمَ أَوْ نَامَ. أخرجه مالك (¬2). [موقوف صحيح] وأما حديث نافع، عن ابن عمر فإنه موقوف عليه، وهو الحديث [الثاني والثلاثون] (¬3). [الثالث والثلاثون (¬4)] حديث (أبي هريرة): 33 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أَنَّ النّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - لقِيَهُ في بَعْضِ طُرُقِ المَدِيِنَةِ وَهُوَ جُنُبٌ، فَانْخَنَسَ مِنْهُ فَذَهَبُ فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ لَهُ: "أَيْنَ كنْتَ يَا أباَ هُرَيْرَةَ؟ " فَقَالَ: كُنْتُ جُنُبًا فَكَرِهْتُ أَنْ أُجَالِسَكَ وَأَنَ عَلَىَ غَير طَهَارَةٍ. قَالَ: "سُبْحَانَ الله! إِنَّ المُؤْمِنَ لاَ يَنْجُسُ". أخرجه الخمسة (¬5)، وهذا لفظ البخاري. [صحيح] ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (290)، ومسلم رقم (206)، وأبو داود رقم (221)، وابن ماجه رقم (585)، والنسائي رقم (259، 260)، ومالك في "الموطأ" (1/ 47) وهو حديث صحيح. (¬2) في "الموطأ" (1/ 48 رقم 78) وهو أثر موقوف صحيح. (¬3) في "المخطوط" الحادي والثلاثون وهو خطأ. (¬4) في "المخطوط" الثاني والثلاثون وهو خطأ. (¬5) أخرجه البخاري رقم (283، 285)، ومسلم رقم (371)، وأبو داود رقم (231)، والترمذي رقم (121)، والنسائي (1/ 145)، وابن ماجه رقم (534)، وأخرجه أحمد (2/ 235، 382، 471)، وابن الجارود في "المنتقى" رقم (96)، وأبو عوانة (1/ 275)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (1/ 173)، والبيهقي في "السنن =

"انْخَنَسَ" (¬1) أي: استتر واختفى. وجعل ابن الأثير هذا (¬2) فرعاً ثالثاً من فروع الجنب، وأحكامه وعدّها أربعة. الأول: في قراءة القرآن. الثاني: في مؤاكلته ونومه. الثالث: في مجالسه ومحادثته وذكر حديث (¬3) أبي هريرة. "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لقيه في بعض طرق المدينة وهو" أي: أبو هريرة. "جنب فانخنس منه" لفظه في "الجامع" (¬4) "فانخنست منه" فسره المصنف باستتر واختفى، وفي رواية الترمذي: "فانتجشت" بالنون والمثناة الفوقية، والجيم، والشين المعجمة، أي: تنحيت، وفي رواية أبي داود (¬5): "فاختنست"، وفي رواية النسائي (¬6): "فانسلّ عنه". "فذهب فاغتسل ثم جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " وفي رواية للبخاري (¬7): "لقيني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا جنب, فأخذ بيدي فمشيت معه حتى قعد، فانسللت فأتيت الرحل فاغتسلت, ثم جئت وهو قاعد". ¬

_ = الكبرى" (1/ 189)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/ 13)، وابن حبان في صحيحه رقم (1259)، وهو حديث صحيح. (¬1) انظر: "لسان العرب" (2/ 374)، "النهاية في غريب الحديث" (1/ 536). (¬2) في "الجامع" (7/ 304). (¬3) في "الجامع" (7/ 310 رقم 5352) تقدم نصه وتخريجه وهو حديث صحيح. (¬4) (7/ 310 رقم 5353). (¬5) في "السنن" رقم (230) وهو حديث صحيح. (¬6) في "السنن" رقم (269) وهو حديث صحيح. (¬7) في صحيحه رقم (285).

"فقال له: أين كنت يا أبا هريرة؟ قال: كنت جنباً فكرهت أن أجالسك على غير طهارة، قال: سبحان الله" تعجباً من ظنّ أبي هريرة، أنه نجس لكونه على غير طهارة. ولذا قال - صلى الله عليه وسلم -: "إن المؤمن لا ينجس" بضم الجيم وفتحها، أي: ذاته وإنما ينجس منه محل النجاسة لا غيره. قوله: "أخرجه الخمسة" واللفظ للبخاري" أي: هو أحد ألفاظه. [الرابع والثلاثون (¬1):] حديث (حذيفة - رضي الله عنه -): 34 - وعن حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه -: أَنَّ النّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - لَقِيَهُ وَهُوَ جُنُبٌ، فَحَادَ عَنْهُ فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ: كُنْتُ جُنُبًا. قَالَ: "إِنَّ المُسْلِمَ لاَ يَنْجُسُ". أخرجه مسلم (¬2)، واللفظ له، وأبو داود (¬3) والنسائي (¬4). [صحيح] "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لقيه وهو جنب" في رواية أبي داود، النسائي. "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لقيه فأهوي إليه، فقال: إني جنب" وفي رواية النسائي (¬5): "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا لقي الرجل من أصحابه [356 ب] مسحه ودعا له، قال: فرأيته يوماً بكرة فحدت عنه". "فحاد عنه" أي: مال عنه وتنحى. ¬

_ (¬1) في "المخطوط": الثالث والثلاثون وهو خطأ. (¬2) في صحيحه رقم (372). (¬3) في "السنن" رقم (230). (¬4) في "السنن" رقم (267، 268). وأخرجه أحمد (5/ 384، 402)، وابن ماجه رقم (535)، وأبو عوانة (1/ 275)، وأبو نعيم في "أخبار أصبهان" (2/ 73)، وابن أبي شيبة (1/ 173)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (1/ 189)، وابن خزيمة رقم (1359)، وابن حبان رقم (1369) وهو حديث صحيح. (¬5) في "السنن" رقم (267). وهو حديث صحيح.

"فاغتسل ثم جاء فقال: كنت جنباً" وفي رواية النسائي (¬1): "ثم أتيته حين ارتفع النهار، فقال: إني رأيتك فحدت عني قال: إني كنت جنباً، فخشيت أن تمسني". "قال: إن المسلم لا ينجس" قد طهره الإسلام، فلا ينجس حياً ولا ميتاً. ومفهومه أن الكافر (¬2) نجس، فهو من أدلة من يقول بنجاسة ذوات الكفار إلا أنه لا يقاوم ما يعارضه من أدلة طهارة ذواتهم. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (267) وهو حديث صحيح. (¬2) تمسك بمفهومه بعض أهل الظاهر، وحكاه في "البحر الزخار" (1/ 12 - 13) عن الهادي والقاسم، والناصر ومالك فقالوا: "إن الكافر نجس عين، وافقوا ذلك بقوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: 28] وأجاب عن ذلك الجمهور بأن المراد منه أن المسلم طاهر الأعضاء لاعتياده مجانبة النجاسة بخلاف المشرك لعدم تحفظه عن النجاسة, وعن الآية بأن المراد أنهم نجس في الاعتقاد والاستقذار، وحجتهم على صحة هذا التأويل أن الله أباح نساء الكتاب في قوله تعالى: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ} [سورة المائدة الآية: 5] ومعلوم أن عرقهن لا يسلم منه من يضاجعهن، ومع ذلك فلا يجب من غسل الكتابية إلا مثل ما يجب من غسل عليهم من غسل المسلمة. ومن جُملة ما استدل به القائلون بنجاسة الكافر حديث إنزاله - صلى الله عليه وسلم - وفد ثقيف المسجد، وتقريره لقول الصحابة: "قوم أنجاس" لما رأوه أنزلهم. وقوله لأبي ثعلبة لما قال له: "يا رسول الله إنا بأرض قوم أهل كتاب أفنأكل في آنيتهم قال: "إن وجدتم غيرها فلا تأكلوا فيها وإن لم تجدوا فاغسلوها وكلوا فيها، وسيأتي في باب آنية الكفار. وأجاب الجمهور عن حديث إنزال وفد ثقيف بأنه حجة عليهم لا لهم؛ لأن قوله: "ليس على الأرض من أنجاس القوم شيء إنما أنجاس القوم على أنفسهم" بعد قول الصحابة: قوم أنجاس. صريح في نفي النجاسة الحسية التي هي محل النزاع، ودليل على أن المراد نجاسة الاعتقاد والاستقذار. وعن حديث أبي ثعلبة بأن الأمر بغسل الآنية ليس لتلوثها برطوباتهم، بل لطبخهم الخنزير وشربهم الخمر فيها، يدل على ذلك ما عند أحمد وأبي داود من حديث أبي ثعلبة أيضاً بلفظ: إن أرضنا أرض أهل كتاب, وإنهم يأكلون لحم الخنزير ويشربون الخمر فكيف =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = نصنع بآنيتهم وقدورهم؟ فقال - صلى الله عليه وسلم -: "إن لم تجدوا غيرها فأرخصوها بالماء واطبخوا فيها واشربوا". [أخرجه أحمد (4/ 194)، وأبو داود رقم (3839) وهو حديث صحيح. ومن أجوبة الجمهور عن الآية ومفهوم حديث الباب بأن ذلك تنفير عن الكفار وإهانة لهم، وهذا وإن كان مجازاً فقرينته ما ثبت في الصحيحين (أ) من أنه - صلى الله عليه وسلم - "توضأ من مزادة مشركة"، وربط ثمامة بن أثال وهو مشرك بسارية من سواري المسجد (ب) , وأكل من الشاة التي أهدتها له يهودية (جـ) من خيبر، وأكل من الجبن المجلوب من بلاد النصارى كما أخرجه أحمد (د) وأبو داود (هـ) من حديث ابن عمر، وأكل من خبز الشعير والإهالة لما دعاه إلى ذلك يهودي. وما سلف من مباشرة الكتابيات، والإجماع على جواز مباشرة المسبية قبل إسلامها، وتحليل طعام أهل الكتاب ونسائهم بآية المائدة (و) وهي آخر ما نزل. وإطعامه - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه للوفد من الكفار من دون غسل للآنية، ولا أمر به، ولم ينقل توقي رطوبات الكفار عن السلف الصالح ولو توقوها لشاع. قال ابن عبد السلام: ليس من التقشف أن يقول: أشتري من سمن المسلم لا من سمن الكافر؛ لأن الصحابة لم يلتفتوا إلى ذلك. وقد زعم المقبلي في "المنار" "أن الاستدلال بالآية المذكورة على نجاسة الكافر وهم لأنه حمل لكلام الله ورسوله على اصطلاح حادث. وبين النجس في اللغة، والنجس في عرف المتشرعة: عموم، وخصوص من وجه، فالأعمال السيئة نجسة لغة، لا عُرفاً، والخمر نجس عرفاً، وهو أحد الأطيبين عند أهل اللغة، والعذرة نجس في العرفين فلا دليل في الآية" انتهى. ولا يخفاك أن مجرد تخالف اللغة والاصطلاح في هذه الأفراد لا يستلزم عدم صحة الاستدلال بالآية على المطلوب، والذي في كتب اللغة أن النجس ضد الطاهر، قال في "القاموس" (ص 743): النجس بالفتح وبالكسر وبالتحريك وككتف وعضد ضد الطاهر، انتهى. فالذي ينبغي التعويل عليه في عدم صحة الاحتجاج بها هو ما عرفناك. =

قوله: "أخرجه مسلم، واللفظ له وأبو داود والنسائي". أي: أخرجاه, وقدمنا لفظهما. - وفي رواية للنسائي (¬1): كانَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إذَا لَقَيِ الرَّجُلَ مِنْ أَصْحَابِهِ مَسَحَهُ وَدَعَا لَهُ، قَالَ: فَرَأَيْتُهُ يَوْماً بُكْرَةُ، فَحُدْتُ عَنْهُ, ثُمَّ أَتَيْتَهُ حِينَ ارْتَفَعَ النَّهَارَ، فقَالَ: إِنِّيِ رَأَيْتُكَ فَحُدْتَ عَنِّي، فَقُلْتُ: لأِنِّي كُنْتُ جُنُباً، فَخَشِيتُ أَنْ تَمَسَّنيِ، فقَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ المُؤْمِنَ لاَ يَنْجُسُ". [صحيح] "حَادَ" أي: تنحى. [الخامس والثلاثون (¬2):] حديث (أبي هريرة - رضي الله عنه -): 35 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ وَعُدِّلَتْ الصُّفُوفُ قِيَامًا، فَخَرَجَ إِلَيْنَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَلمَّا قَامَ فِي مُصَلَّاهُ ذَكَرَ أَنَّهُ جُنُبٌ، فَقَالَ لَنَا: "مَكَانَكُمْ"، ثُمَّ رَجَعَ فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ === = انظر: "شرح معاني الآثار" (1/ 13)، "الطبقات لابن سعد" (1/ 312)، "زاد المعاد" (3/ 499)، "فتح الباري" (1/ 390). قال الحافظ في "الفتح" (1/ 391). وفي الحديث من الفوائد مشروعية الطهارة عند ملابسة الأمور العظيمة، واحترام أهل الفضل وتوقيرهم ومصاحبتهم على أكمل الهيئات، وإنما حاد حذيفة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وانخنس أبو هريرة لأنه - صلى الله عليه وسلم - كان يعتاد مماسحة أصحابه إذا لقيهم والدعاء لهم، هكذا رواه النسائي (أ) وابن حبان (ب) من حديث حذيفة، فلما ظنا أن الجنب يتنجس بالحدث خشياً أن يماسحهما كعادته فبادراً إلى الاغتسال، وإنما ذكر المصيف رحمه هذا الحديث في باب طهارة الماء المتوضأ به لقصد تكميل الاستدلال على عدم نجاسة الماء المتوضأ به؛ لأنه إذا ثبت أن المسلم لا ينجس فلا وجه لجعل الماء نجساً بمجرد مماسته له.

_ (أ) في "السن" رقم (267، 268). (ب) في صحيحه رقم (1369) وهو حديث صحيح. ¬

خَرَجَ إِلَيْنَا وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ، فكَبَّرَ وَصَلّى فَصَلَّيْنَا مَعَهُ. أخرجه الستة (¬1)، إلا الترمذي، وهذا لفظ البخاري. [صحيح] جعل ابن الأثير (¬2) هذا فرعاً رابعاً ولفظه: الرابع في صلاته، ناسياً عن أبي هريرة. "قال: أقيمت الصلاة وعُدلت الصفوف" سوّيت. "قياماً" حال من الصفوف، أي: حال كون الصفوف قائماً أهلها. "فخرج إلينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " أي: من بيته ليصلى بهم. "فلما قام في مصلاه" محل صلاته. "ذكر أنه جنب، فقال لنا مكانكم" أي: الزموا مكانكم. "ثم رجع" إلى بيته. "فاغتسل، ثم خرج إلينا ورأسه يقطر" من ماء غسله. "فكبر وصلَّى، فصلينا معه". قوله: "أخرجه الستة، إلا الترمذي، وهذا لفظ البخاري". قلت: إلا أنه ليس في لفظه: "فصلّى" بل لفظه: "فكبر فصلّينا معه" هكذا لفظه في "الجامع" (¬3)، ولم يبين في هذه الرواية آية الصلاة. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (275)، ومسلم رقم (157/ 605)، وأبو داود رقم (235)، والنسائي رقم (809)، وأخرجه أحمد (2/ 237). وهو حديث صحيح. (¬2) في "الجامع" (7/ 314). (¬3) (7/ 314 رقم 5355).

[السادس والثلاثون (¬1)] حديث (أبي بكرة - رضي الله عنه -): 36 - وعن أبي بكرة - رضي الله عنه -: "أَنّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ فِي صَلاةِ الفَجْرِ، فَأَوْمَأَ بِيَدهِ أَنْ مَكَانكُمْ، ثُمَّ جَاءَ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ فَصَلَّى بِهِم" (¬2). [صحيح] "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الفجر" عيّن ما أجمل في الأولى، ويحتمل أن هذه قصة أخرى. وقوله: "دخل" يحتمل أنه أحرم بتكبيرة الإحرام، ويدل له ما في رواية في حديث أبي هريرة (¬3) السابق: "فكبر ثم أومى إلى القوم أن اجلسوا"، وكذلك في رواية مالك (¬4): "كبر في صلاته"، وفيه روايات بلفظ (¬5): "أنه كبر" ساقها ابن الأثير (¬6). وترجم أبو داود (¬7) لحديث أبي هريرة: باب الجنب يصلي بالقوم وهو ناس. وترجم البخاري (¬8): باب إذا ذكر في المسجد أنه جنب يخرج كما هو ولا يتيمم. فكُلٌ من الإئمة استنبط من الحديث ما جعله ترجمة. وقول أبي داود: وصلَّى، أي: دخل [357 ب] في صلاته. ¬

_ (¬1) في "المخطوط" الخامس والثلاثون، وهو خطأ. (¬2) أخرجه أبو داود رقم (233)، وابن حبان رقم (2235)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (2/ 397)، (3/ 94)، وابن خزيمة رقم (1629). وهو حديث صحيح. (¬3) تقدم نصه وتخريجه. (¬4) في "الموطأ" (1/ 48 رقم 79) وهو حديث صحيح لغيره. (¬5) أخرجه أبو داود في "السنن" رقم (234) وهو حديث صحيح. (¬6) في "الجامع" (7/ 314 - 316). (¬7) في "السنن" (1/ 159 الباب رقم 94). (¬8) في صحيحه (1/ 383 الباب رقم 17 - مع الفتح).

- وفي رواية: فَلمَّا قَضَى الصَّلاةَ قَالَ: "إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وإِنِّي كُنْتُ جُنُبًا". أخرجه أبو داود (¬1). [صحيح] "وفي رواية" أي: لأبي بكرة. قال في أولها: "فكبر" ثم قال في آخرها: "فلما قضى الصلاة قال: إنما أنا بشر، وإني كنت جنباً" فعلى هذه الرواية قوله: "فصلى" ظاهر أنه أتى بالصلاة كلها ومثله عبارة ابن الأثير (¬2). "فأومى بيده أن مكانكم، ثم جاء من بيته ورأسه" أي: شعر رأسه. "يقطر" بضم الطاء، يسيل من ماء غسله. قوله: "أخرجه أبو داود". قلت: وبين رجال كل رواية في سننه. [السابع والثلاثون] (¬3): حديث (سليمان بن يسار): 37 - وعن سليمان بن يسار: أَنَّ عُمَرَ - رضي الله عنه - صَلَّى بِالنَّاسِ الصُّبْحَ، ثُمَّ غَدَا إِلَى أَرْضِهِ بِالجُرْفِ، فَوَجَدَ فِي ثَوْبِهِ احْتَلاَماً. فَقَالَ: إِنَّا لمَّا أَصَبْنَا الوَدَكَ لانَتِ العُرُوقُ. فَاغْتَسَلَ وَغَسَلَ الاحْتِلَامَ مِنْ ثَوْبِهِ، وَعَادَ لِصَلاَتِهِ (¬4). [موقوف ضعيف] "أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - صلى بالناس الصبح، ثم غدا" بعد صلاته. "إلى أرضه بالجُرف" تقدم ضبطها، وبيان مكانها من المدينة. "فوجد في ثوبه احتلاماً" أي: منيّاً. ¬

_ (¬1) في "السنن" (234) وهو حديث صحيح. (¬2) في "الجامع" (7/ 316). (¬3) في "المخطوط" السادس والثلاثون، وهو خطأ. (¬4) أخرجه مالك في "الموطأ" (1/ 49 رقم 82) وهو أثر موقوف ضعيف.

"فقال: إنا لما أصابنا الودك" في "القاموس" (¬1): الودك محركة الاسم. انتهى. كأنه يريد عمر أنه وسع الله عليهم، فأكثروا من الدسم. "لانت العروق" وبسبب لينها يخرج المني من غير معرفة الخارج منه به. "فاغتسل" للجنابة. "وغسل الاحتلام من ثوبه" إمّا لأنه يرى نجاسته أو لأنه للتنظيف. "وعاد لصلاته" قال ابن الأثير (¬2): وفي رواية (¬3) بعد قوله: "احتلاماً" فقال: لقد ابتليت بالاحتلام مذ وليت أمر الناس" كأنه شغل بأعمال الخلافة عن جماع أهله، فتوفر المني، فخرج في النوم: "فاغتسل وغسل ما رأى في ثوبه من الاحتلام، ثم صلى بعد أن طلعت الشمس". انتهى. وهذه كلها رواية سليمان بن يسار. - وفي رواية بعد قوله احتلاماً فقال: لَقَدْ ابْتُلِيتُ بِالاحْتِلَامِ مُنْذُ وُلِّيتُ أَمْرَ النَّاسِ، فَاغْتَسَلَ وَغَسَلَ مَا رَأَى فِي ثَوْبِهِ مِنْ الاحْتِلَامِ، ثُمَّ صَلَّى بَعْدَ ارْتفَاعِ الضُّحَى مُتَمَكِّناً. أخرجه مالك (¬4). [موقوف صحيح] وقوله: "وفي رواية بعد قوله احتلاماً فقال: لقد ابتليت بالاحتلام منذ وليت أمر الناس، فاغتسل وغسل ما رأى في ثوبه من الاحتلام، ثم صلى بعد ارتفاع الضحى متمكناً" يفهم منه أنها من رواية سليمان بن يسار، وليس كذلك، فرواية سليمان (¬5) انتهت حيث ذكرنا. ¬

_ (¬1) "القاموس المحيط" (ص 1235). (¬2) في "الجامع" (7/ 317). (¬3) أخرجها مالك في "الموطأ" (1/ 49 رقم 81) وهو أثر موقوف ضعيف. (¬4) في "الموطأ" (1/ 49 رقم 80 من رواية زبيد بن الصلت. وهو أثر موقوف صحيح. (¬5) انظر: ما تقدم.

الفصل الثاني: في غسل الحائض والنفساء

ثم قال ابن الأثير (¬1): وفي رواية زبيد بن الصلت: خرجت مع عمر بن الخطاب إلى الجرف، فنظر فإذا هو قد احتلم وصلَّى ولم يغتسل، قال: والله ما أراني إلاّ قد احتلمت وصليت وما اغتسلت، قال: فاغتسل وغسل ما رأى في ثوبه (¬2). فإن قوله: "لقد ابتليت" إنما هي في رواية سليمان (¬3)، وقوله: "بعد الضحى متمكناً" من رواية زبيد (¬4) بن الصلت. وأما عمر فلم يأمر من صلَّى [358 ب] خلفه بالإعادة؛ لأن صلاتهم صحيحة خلفه مع نسيانه. قوله: "أخرجه مالك". الفصل الثاني: في غسل الحائض والنفساء (الفَصْلُ الثَّانِي) من الستة الفصول التي في الباب الثامن: في غسل الحائض والنفساء "في" بيان "غسل الحائض" في "القاموس" (¬5): حاضت المرأة حيضاً ومحيضاً، ومحاضاً فهي حائض وحائضة سال دمها. ¬

_ (¬1) في "الجامع" (7/ 317). (¬2) وتمامة: ونضح ما لم يَرَ، وأذن أر أقام، ثم صلَّى بعد ارتفاع الضحى متمكناً. (¬3) في "الموطأ" رقم (81) وفيه عن يسار بن يسار، أن عمر بن الخطاب غدا إلى أرضه بالجرف، فوجد في ثوبه احتلاماً، فقال: لقد ابتليت بالاحتلام منذ وُليت أمرَ الناس، فاغتسل، وغسل ما رأى في ثوبه من الاحتلام، ثم صلَّى بعد أن طلعت الشمس. وهو أثر موقوف ضعيف. (¬4) في "الموطأ" (80) تقدم نصه. وهو أثر موقوف صحيح. (¬5) "القاموس المحيط" (ص 826).

وغسل "النفساء" في "القاموس" (¬1): النِفاس بالكسر ولادة المرأة فإذا وضعت فهي نُفَساءُ. الأول: حديث (عائشة - رضي الله عنها -): 1 - عن عائشة - رضي الله عنها -: أَنَّ امْرَأةً مِنَ الأَنْصَارِ، سَألتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ غُسْلِهَا مِنَ الحَيْضِ، فَأَمَرَهَا كَيْفَ تَغْتَسِلُ، ثُمّ قَالَ: "خُذِي فِرْصَةً مِنْ مِسْكٍ فَتَطَهَّرِي بِهَا"، قَالَتْ: كَيْفَ أَتَطَهَّرُ بِهَا؟ قَالَ: "تَطَهَّرِي بِهَا"، قَالَتْ: كَيْفَ؟ قَالَ: "سُبْحَانَ الله! تَطَهَّرِي بِهَا" فَاجْتَذَبْتُهَا إِلَيَّ، فقلت: تَتَّبِعِي بِهَا أثَرَ الدَّمِ. أخرجه الخمسة (¬2)، إلا الترمذي. [صحيح] "أن امرأة من الأنصار" سمّاها مسلم كما يأتي. "سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن غسلها" أي: عن كيفيته. "من الحيض، فأمرها كيف تغتسل، ثم قال: "خذي فرصة" بالفاء المكسورة فراء ساكنة، فصاد مهملة. "من مسك" وحكى ابن قتيبة (¬3) أنه بالقاف والضاد المعجمة أي: قطعة مأخوذ من القرض، وهو القطع. وفي التوشيح: فِرصة بكسر الفاء، وحكى ابن سيده (¬4) تثليثها، قطعة من صوف، أو قطن أو جلدة عليها صوف. ¬

_ (¬1) "القاموس المحيط" (ص 745). (¬2) أخرجه البخاري رقم (314)، ومسلم رقم 332)، وأبو داود رقم (314)، (315)، والنسائي (1/ 136 - 137)، وابن ماجه رقم (642). وأخرجه أحمد (6/ 222)، والشافعي في "مسنده" رقم (143 - ترتيب). وهو حديث صحيح. (¬3) ذكره الحافظ في "الفتح" (1/ 415). (¬4) في "المحكم" (8/ 311).

والمسك بكسر الميم، وقيل بفتحها أي: قطعة منه، قاله ابن قتيبة (¬1) واحتج بأنهم كانوا في ضيق يمتنع معه أن يتهنوا المسك مع غلاءه, وتبعه ابن بطال (¬2)، وفي "المشارق" (¬3) أن أكثر الروايات بالفتح. ورجح النووي (¬4) الكسر وقال: إن قوله في الرواية الأخرى: "ممسكة" تدل عليه. قال ابن حجر (¬5): فيه نظر؛ لأن الخطابي (¬6) قال: يحتمل أن يكون قوله: "ممسكة" مأخوذة باليد، لكن يبقى (¬7) الكلام ظاهر الركاكة؛ لأنه يصير هكذا: خذي قطعة مأخوذة. ويقوي رواية الكسر أن المقصود الطيب لما في رواية عبد الرزاق (¬8) من ذريرة، واستبعاد ابن قتيبة امتهان المسك، ليس ببعيد لما عرف من شأن أهل الحجاز من كثرة استعمال الطيب. "فتطهري بها، قالت: كيف أتطهر بها"؛ لأن المعروف عنده التطهر بالماء. "قال: تطهري بها، قالت: كيف؟ قال: سبحان الله، تطهري: فاجتذبتها إلي، فقلت: تتبعي بها أثر الدم" فإن قيل: كيف يكون الجواب بـ "خذي قطعة" بياناً للاغتسال، والاغتسال صب الماء لا أخذ الفرصة؟. ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (1/ 415). (¬2) في "شرحه لصحيح البخاري" (1/ 439 - 440). (¬3) (1/ 632 - 633). (¬4) في شرحه لـ "صحيح مسلم" (4/ 13)، وانظر "المشارق" (1/ 633). (¬5) في "فتح الباري" (1/ 415 - 416). (¬6) في "معالم السنن" (1/ 221). (¬7) ذكره الحافظ في "الفتح" (1/ 416). (¬8) في "مصنفه" (1/ 314 رقم 1207) عن عائشة: أنها كانت تأمر النساء إذا طهرن من الحيض أن يتبَّعن أثر الدم بالصفرة، يعني: بالخلوق أو الذريرة الصفراء.

وأجيب بأنه لم يكن السؤال عن نفس الاغتسال؛ لأنه معروف لكل أحد، بل [359 ب] كان لقدر زائد على ذلك، والظاهر أن هذا اللفظ اقتصار من بعض الرواة، وسيأتي حديث مسلم بتفصيل جوابه - صلى الله عليه وسلم - لها. قوله: "أخرجه الخمسة، إلا الترمذي". - وفي أخرى (¬1): "خُذِي فِرْصَةً مُمَسَّكَةً فَتَوَضَّئِي ثَلَاثًا، ثُمَّ إِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - اسْتَحْيَا فَأَعْرَضَ بِوَجْهِهِ". وهذا لفظ الشيخين. [صحيح] "وفي" رواية: "أخرى": "خذي فرصةُ ممسَّكة فتوضئي ثلائاً، ثم إن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - استحيا وأعرض بوجه" هذا لفظ الشيخين. لكن بعد قوله: "بوجهه": أو قال: "توضئي بها، فأخذتها فجذبتها فأخبرتها بما يريد النَّبي - صلى الله عليه وسلم - " - ولمسلم (¬2) في أخرى: أَنَّ أَسْمَاءَ، وَهِيَ بِنْتَ شَكَلٍ - رضي الله عنها -: سَألتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ غُسْلِ المَحِيْضِ؟ فَقَالَ: "تَأْخُذُ إِحْدَاكنَّ مَاءَهَا وَسِدْرَهَا فَتَطّهَّرُ، فَتُحْسِنُ الطُّهُورَ، فَتَصُبُّ عَلَى رَأْسِهَا المَاءَ فَتَدْلكُهُ دلْكًا شَدِيدًا، حَتَّى تَبْلُغَ شُئُونَ رَأْسِهَا، ثُمَّ تَصُبُّ عَلَيْهَا المَاءَ، ثُمَّ تَأْخُذُ فِرْصَةً مُمَسَّكَةً فَتَطَّهَّرُ بِهَا". قَالَتْ أَسْماءُ: وَكَيْفَ أَتَطَهَّرُ بِهَا؟ قَالَ: "سُبْحَانَ الله تَطَهَّرِي بِهَا". قَالَتْ عَائِشَةُ - رضي الله عنها -: كَأَنَّهاَ تَخْفيِ ذَلِكْ: تَتَبَّعِي بِهَا أثَرَ الدَّمِ، وَسَأَلَتْهُ عَنِ غُسْلِ الجَنَابَةِ؟ فَقَالَ: "تَأْخُذُ مَاءَ فَتَطَهَّرِ، فتُحْسنُ الطُّهُورَ، أَوْ تَبْلُغُ الطَّهُورَ، ثُمَّ تَصُبِّ على رَأْسِهاَ، فَتَدْلُكُهُ حَتَّى يَبْلُغَ شُئُونَ رَأْسِهاَ، ثُمَّ تُفِيضَ عَلَيْهاَ المَاءَ". فَقَالَتْ عَائِشَةُ - رضي الله عنها -: نِعْمَ النِّسَاءُ نِسَاءُ الأَنْصَارِ، لَمْ يَكُنْ يَمْنَعُهُنَّ الحَيَاءُ أَنْ يَتَفَقَّهْنَ فِيِ الدِّينِ. [صحيح] ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (315)، ومسلم رقم (332). (¬2) في "صحيحه" رقم (61/ 332).

"الفِرصةُ" (¬1) بكسر الفاء: القطعة من صوف أو قطن أو غيره. و"شئونُ الرأسِ" (¬2) مواصل فتائل القرون وملتقاها، والمراد إيصال الماء إلى منابت الشعر مبالغة في الغسل (¬3). "ولمسلم في" رواية: "أخرى". "أن أسماء بنت شكل" بشين معجمة، وكاف مفتوحتين، وفي رواية أسماء، وهي التي في مسلم (¬4) في هذه الرواية، ولم يسم أباها. "سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن غسل المحيض، فقال: تأخذُ" أي: لتأخذ. "إحداكن ماءها وسدرها فتطهر فتحسن الطهور فتصب" ولفظ "الجامع" (¬5): "ثم تصب". "على رأسها، فتدلكه دلكاً شديداً حتى يبلغ" أي: الماء. "شئون رأسها" أصول شعره. "ثم تفيض عليها" على بدنها. "الماء ثم تأخذ فرصة ممسَّكة، فتطهر بها، قالت أسما: كيف أتطهر بها؟ قال: سبحان الله؟ تطهري بها، قالت عائشة - رضي الله عنها - كأنها" أي: عائشة. "تخفي ذلك" أي: تخفي قولها. "تتبعي بها أثر الدم، وسألته" أي: أسماء بنت شكل. ¬

_ (¬1) تقدم شرحها. (¬2) قال ابن الأثير في "النهاية": هي عظامه وطرائقهُ ومواصل قبائله، وهي: أربعة بعضها فوق بعض. (¬3) قاله ابن الأثير في غريب "الجامع" (7/ 321). (¬4) في "صحيحه" رقم (61/ 332). (¬5) (7/ 318).

"عن غسل الجنابة، فقال: تأخذ ماء فتطهر فتحسن الطهور أو" شك من الراوي. "تبلغ الطهور، ثم تصب على رأسها، فتدلكه حتى يبلغ شؤون رأسها، ثم تفيض عليها الماء". اعلم أن هذا اللفظ الذي ساقه المصنف، ونسب السائلة أنها أسماء بنت شكل، هو غير ما في "الجامع" (¬1) فإنه ساق اللفظ هذا في جواب أسماء غير مسمى فيه أبوها. ثم قال (¬2): وفي رواية: "دخلت أسماء بنت شكل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: كيف تغتسل إحدانا إذا طهرت من الحيض ... " وساق الحديث. ولم يذكر فيه غسل الجنابة. انتهى. فلو ترك المصنف نسبة أسماء إلى أبيها شكل لاستقام الكلام، لكنه خلط رواية براوية. قال الحافظ ابن حجر (¬3): [360 ب] أنه لم يسم أباها - أي: أسماء السائلة - في رواية. وقال: قال الخطيب في "المبهمات" (¬4) أنها أسماء بنت يزيد بن السكن بالمهملة والنون الأنصارية، التي يقال لها خطيبة النساء. وتبعه ابن الجوزي في "التنقيح" (¬5) و"الدمياطي" (¬6)، وزادا: أن الذي وقع في مسلم تصحيف؛ لأنه ليس في الأنصار، من يقال له شكل، وهو ردٌ للرواية الثانية بغير دليل، [وقد] (¬7) ¬

_ (¬1) (7/ 318). (¬2) في "الجامع" (7/ 319). (¬3) في "الفتح" (1/ 415). (¬4) ذكره الحافظ في "الفتح" (1/ 415)، وفي "التلخيص" (1/ 252). (¬5) ذكره الحافظ في "الفتح" (1/ 415). (¬6) ذكره الحافظ في "الفتح" (1/ 415). (¬7) في "المخطوط": ولا، وما أثبتناه من "فتح الباري" (1/ 415).

يحتمل أن يكون (شكل) لقباً لا اسماً، والمشهور في [الجوامع] (¬1) والمسانيد في هذا الحديث، أسماء بنت شكل، كما في مسلم (¬2)، أو أسماء بغير نسب، كما في أبي داود (¬3). انتهى كلام الحافظ. "قالت عائشة: نعم النساء نساء الأنصار، لم يكن يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين" وفي رواية: "أن عائشة ذكرت نساء الأنصار، فأثنت عليهن، وقالت لهن معروفاً". الثاني: 2 - وعن أمية [بنت] (¬4) أبي الصلت، عن امرأة من بني غفار قد سَّماها لي، قالت: فَأَرْدَفَنِي رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَلىَ حَقِيبَةَ رَحْلِه قَالَتَ: فَوَالله لَنَزَلَ رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إِلَى الصُّبْحِ فأَنَاخَ، وَنَزَلْتُ عَنْ حَقِيبَةِ رَحْلهِ، فَإِذا بِهاَ دَمٌ مِنِّى، فَكَانَتْ أَوَّلُ حَيْضَةٍ حِضْتُهَا، قَالَتْ فَتَقَبَّضْتُ إِلَى النَّاقَةِ وَاسْتَحْيَيْتُ، فَلمَّا رَأَى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - مَا بِي، وَرَأَى الدَّمَ. قَالَ: "مَالَكِ لَعَلَّكِ نُفِسْتِ؟ ". قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: "فَأَصْلِحِي مِنْ نَفْسِكِ, ثُمَّ خُذِي إِنَاءً مِنْ مَاءٍ فَاطْرَحِي فِيهِ مِلْحًا، ثُمَّ اغْسِلِي مَا أَصَابَ الحَقِيبةَ مِنَ الدَّمِ، ثُمَّ عُودِي لِمَرْكبِكِ". قَالَتْ: فَلَماْ فَتَحَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - خَيْبَرَ رَضَخَ لَناَ مَنَ الفَيْءِ، قَالَتْ: وَكَانَتْ لاَ تَطَّهَّرُ مِنْ حَيْضةٍ إِلاَّ جَعَلَتْ فِي طُهُورِهَا مِلْحًا، وَأَوْصَتْ بِهِ أَنْ يُجْعَلَ فِي غُسْلِهَا حِينَ مَاتَتْ. أخرجه أبو داود (¬5). [ضعيف] "نفستِ (¬6) المرأةُ" بضم النون وفتحها مع كسر الفاء: إذا ولدت، وبفتح النون فقط: إذا حاضت. ¬

_ (¬1) في "المخطوط": الجامع، وما أثبتناه من "الفتح" (1/ 415). (¬2) في "صحيحه" رقم (61/ 332) و (... / 332)، وهو حديث صحيح. (¬3) في "السنن" رقم (314)، وهو حديث صحيح. (¬4) في "المخطوط": بن، والصواب ما أثبتناه من "التقريب" (1/ 590 رقم 13)، وسنن أبي داود. (¬5) في "السنن" رقم (313)، وهو حديث ضعيف. (¬6) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 777). الفائق للزمخشري (4/ 11).

"وَالرَّضْخُ" (¬1) العطاء القليل. "وَالفَيْءِ" (¬2) ما يحصل للمسلمين من أموال الكفار وديارهم بغير قتال. حديث: "أمية [بنت] (¬3) أبي الصلت" وفي "الجامع" (¬4): بنت (¬5) أبي الصَّلت وهو الصواب. قال في "زوائد الجامع" (¬6): أنها تابعية، روت عن امرأة من بني غفار صحابية، ذكرها في غسل الحيض. قال: وهذا من الأسماء التي اشترك فيها الذكر والأنثى، وهي وأبوها يُشبهان بأمية بن أبي الصلت، الشاعر الذي جاء ذكره في بعض الأحاديث الذي قال فيه النبي - صلى الله عليه وسلم -: "كاد أن يسلم" (¬7). انتهى. قلت: في سنن أبي داود: روايتين، فلطرشوشي من طريق المكناسي بن أبي الصلت ولغيره (¬8) بنت. "عن امرأة من بني غفار قد سماها" ولا يضر جهالة اسمها؛ لأنها صحابية. ¬

_ (¬1) تقدم معناها. (¬2) تقدم معناها مفصلاً. (¬3) في "المخطوط": بن، والصواب ما أثبتناه من "التقريب" (1/ 590 رقم 13)، وسنن أبي داود. (¬4) (7/ 322 رقم 5359). (¬5) انظر: "التقريب" (2/ 590 رقم 13)، قال ابن حجر: أميَّة بنت أبي الصَّلت، ويقال: آمنة لا يعرف حالها، من الثالثة. (¬6) في "تتمة جامع الأصول" (1/ 190 - قسم التراجم). (¬7) تقدم تخريجه. (¬8) أخرجها أبو داود في "السنن" رقم (313) عن سليمان بن سُحيم عن أمية بنت أبي الصَّلت.

"قالت: أردفني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على حقيبة رحله" في "النهاية" (¬1): حقيبة الرحل، الزيادة التي تجعل في مؤخر القتب، والوعاء الذي [يجمع] (¬2) فيه الرجل زاده. "قال: فوالله لنزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الصبح فأناخ" أي: رحله. "فنزلت عن حقيبة رحله فإذا بها" أي: فيها. "دم مني، فكانت أول حيضة حضتها، قالت: فتقبَّضت إلى الناقة" كأن المراد استترت بها. "واستحييت، فلما رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما بي" من الحياء والتقبض. "قال: لعلك نفست [361 ب] بفتح النون وكسر الفاء، والنفاس يطلق على الحيض. "قلت: نعم، قال: فأصلحي من نفسك" كأن المراد بأخذ ما تأخذه النساء من خرق المحيض. "ثم خذي إناء من ماء، فاطرحي فيه ملحاً ثم اغسلي ما أصاب الحقيبة من الدم". قلت: فيه مأخذ لمن يقول أنه يستعمل في غسل النجاسة المرئية [الحواد] (¬3)؛ لأن الملح منها. قال الحافظ المنذري (¬4): قيل الملح مطعوم، وقد استعمل في تنقية الثوب، فيجوز على ذلك التدلك بالنخالة، ودقيق الباقلاء والبطيخ، ونحو ذلك ممَّا له قوة الجلاء. ¬

_ (¬1) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 402). وانظر: غريب الحديث للهروي (4/ 291). (¬2) في "المخطوط": يجعل. وما أثبتناه من "النهاية". (¬3) كذا رسمت في المخطوط. (¬4) بل القائل الخطابي في معالم "السنن" (1/ 220 - مع السنن). حيث قال: فيه من الفقه أنه استعمل الملح في غسل الثياب وتنقيته من الدم، والملح مطعوم، فعلى هذا يجوز غسل الثياب بالعسل إذا كان ثوباً من إبريم يفسده الصابون، وبالخل إذا أصابه الحبر ونحوه، ويجوز على هذا التدلك =

الفصل الثالث: في غسل الجمعة والعيدين

وروي عن موسى بن عبد الأعلى قال: دخلت الحمام بمصر؟ فرأيت الشافعي يتدلك بالنخالة. انتهى. "ثم عودي لمركبك" محل ركوبك. "قالت: فلما فتح خيبر رضخ لنا من الفيء"، أعطاهم من الغنيمة، وكأنّ هذا كان في سفره - صلى الله عليه وسلم - إلى خيبر، وكأن المرأة الغفارية ذات رحم منه، وأنه يجوز إرداف الأجنبية من خلف الراكب. "قالت" أي: أمية بنت أبي الصلت (¬1)، أو ابن. "وكانت" أي: المرأة الغفارية. "لا تطهر من حيضة إلاّ جعلت في طهورها" أي: في الماء الذي تطهر به. "ملحاً" امتثالاً لما أمرها به. "وأوصت به أن يجعل في غسلها" أي: في ماء غسلها. "حين ماتت". قوله: "أخرجه أبو داود". قلت: قال المنذري (¬2): فيه محمد بن إسحاق، وفيه اختلاف. الفصل الثالث: في غسل الجمعة والعيدين (الفَصْلُ الثَالِثْ) من الستة الفصول التي في الباب الثامن في غسل الجمعة والعيدين (فِيْ غُسُلِ الجُمُعَةِ وَالعِيْدَيْنِ) ¬

_ = بالنخالة وغسل الأيدي بدقيق الباقلي والبطيخ ونحو ذلك من الأشياء التي لها قوة الجلاء ... ، ثم ذكر قصة الشافعي. وانظر: "مختصر السنن" (1/ 197). (¬1) وهو الصواب، وانظر ما تقدم. (¬2) في "مختصر السنن" (1/ 197).

الأول: حديث (أبي سعيد - رضي الله عنه -): 1 - عن أبي سعيد - رضي الله عنه - قال: قَالَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: "غُسْلُ الجمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ، وَأَنْ يَسْتَنَّ، وَأَنْ يَمَسَّ طِيباً إِنْ وَجَدَ". أخرجه الستة (¬1) إلا الترمذي. [صحيح] "قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: غسل الجمعة" استدل به من قال الغسل لليوم، لإضافته إليه، وهو مذهب الظاهرية، حتى قال ابن حزم (¬2): لو اغتسل بعد صلاة الجمعة قبل غروب الشمس يوم الجمعة كان آتياً بالواجب، تعلقاً بإضافته إلى اليوم. وأطال أبو محمد بن حزم في "المحلّى" (¬3) القول في ذلك، وقد رددنا عليه في هوامش المحلى، بما يبين ضعف كلامه. قال ابن دقيق العيد (¬4): لقد أبعد الظاهرية إبعاداً يكاد [362 ب] أن يكون مجزوماً ببطلانه، حيث لم يشترط تقدم الغسل على صلاة الجمعة، حتى لو اغتسل قبل الغروب كفى عنده. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (880)، ومسلم رقم (7/ 846)، وأحمد (3/ 60). أمَّا قوله: "غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم". أخرجه أحمد (3/ 6)، والبخاري رقم (879)، ومسلم رقم (5/ 846)، وأبو داود رقم (341)، والنسائي (3/ 93)، وابن ماجه رقم (1089)، وأشار إليه الترمذي في "السنن" (1/ 364)، وابن الجارود في "المنتقى" رقم (284)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/ 116)، والبيهقي (3/ 188)، ومالك في "الموطأ" (1/ 102 رقم 4)، والشافعي (1/ 133 رقم 394 - ترتيب المسند)، والدارمي (1/ 361)، وأبو نعيم في "الحلية" (8/ 138)، والبغوي في "شرح السنة" (1/ 160)، وابن خزيمة رقم (1742)، والحميدي رقم (736)، وهو حديث صحيح. (¬2) في "المحلى" (2/ 22). (¬3) (2/ 22 - 24). (¬4) في "إحكام الأحكام" (2/ 110).

قال الحافظ ابن حجر (¬1): وقد حكى ابن عبد البر (¬2) الإجماع على أن من اغتسل بعد الصلاة لم يغتسل للجمعة، ولا فعل ما أمر به. واستدل القائل بأنّ الغسل للصلاة بما يأتي في الحديث السادس حديث ابن عباس وغيره. "واجب على كل محتلم" أي: بالغ، وإنما ذكر الاحتلام لكونه الغالب (¬3)، فمن قال: أنه يخرج بلفظ: "محتلم" النساء؛ لأن الفروض تجب عليهن بالحيض، لا بالاحتلام، قد تعقب بأن الحيض في حقهن علامة البلوغ كالاحتلام. وليس الاحتلام مختصاً بالرجال وإنما ذكر في الخبر لكونه الغالب، وفي وجوبه عليهن خلاف، واستدل بقوله: "واجب" على فريضة غسل الجمعة، وقد حكاه ابن المنذر (¬4) عن أبي هريرة، وعمار بن ياسر وغيرهما، وهو قول الظاهرية (¬5)، ورواية عن أحمد (¬6). وقد قال الشافعي في "الرسالة" (¬7): احتمل قوله: "واجب" متعين الظاهر منها أنه واجب فلا تجزي صلاة الجمعة إلا بالغسل، واحتمل أنه واجب في الاختيار وكرم الأخلاق والنظافة. واستدل لهذا الاحتمال الثاني: بقصة عثمان (¬8) مع عمر، قال: فلم يترك عثمان الصلاة ولم يأمره عمر بالخروج للغسل، دلّ على أنهما علما أن الأمر بالغسل للاختيار. ¬

_ (¬1) في "فتح الباري" (2/ 358). (¬2) "الاستذكار" (5/ 36 رقم 5738). "التمهيد" (14/ 251). (¬3) انظر: "فتح الباري" (1/ 361، 382). (¬4) في "الأوسط" (4/ 43 - 44). (¬5) "المحلى" (2/ 22). (¬6) "المغني" (3/ 224). (¬7) (1/ 136 - مع الأم). (¬8) سيأتي نصه وتخريجه.

وقال إسحاق بن راهويه (¬1): أن قصة عمر وعثمان تدل على وجوب الغسل، لا على عدم الوجوب من جهة ترك عمر للخطبة واشتغاله بمعاتبة عثمان، وتوبيخ مثله على رؤوس الناس، ولو كان ترك الغسل مباحاً لما فعل عمر ذلك، وإنما لم يرجع عثمان للغسل لضيق الوقت، إذ لو فعل لفاتته الجمعة، أو لكونه قد اغتسل؛ لأنه قد روي أنه كان لا يترك إضافة الماء على بدنه يوماً واحداً. قال ابن دقيق العيد (¬2): ذهب الأكثرون إلى استحباب غسل الجمعة، وهم محتاجون إلى الاعتذار عن مخالفة هذا الظاهر، وقد [363 ب] أوّلوا صيغة الأمر على الندب، وصيغة الوجوب على التأكيد كما يقال: إكرامك عليَّ واجب. وهو تأويل ضعيف، إنما يصار إليه إذا كان المعارض راجحاً على هذا الظاهر. وأقوى ما عارضوا به حديث: "من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل" ولا يعارض سنده سند هذه الأحاديث، فعول على المعارضة به كثير من المصنفين ووجه الدلالة فيه قوله: "فالغسل أفضل"، فإنه يقتضي اشتراك الغسل والوضوء في أصل الفضل فيستلزم إجزاء الوضوء. إلا أنه ذكر الحافظ ابن حجر (¬3): أن طرقه ضعيفة ولهم أدلة أخرى كلها مدخولة. "وأن يستن" يدلك أسنانه بالسواك. "وأن يمس طيباً إن وجد" قال القرطبي (¬4): ظاهره وجوب الاستنان والطيب، لذكرهما بالعطف وتقدير الغسل واجب، والاستنان والطيب قال: وليسا بواجبين اتفاقاً. ¬

_ (¬1) انظر: "المغني" (3/ 224 - 225). (¬2) في "إحكام الأحكام" (2/ 110 - 112). (¬3) (2/ 362). (¬4) في "المفهم" (2/ 479 - 480).

فدل على أن الغسل ليس بواجب إذ لا يصح تشريك ما ليس بواجب مع الواجب بلفظ واحد. انتهى. وتعقبه ابن الجوزي (¬1) بأنه لا يمتنع عطف ما ليس بواجب على الواجب لا سيما ولم يقع التصريح بحكم المعطوف، على أن دعوى القرطبي الإجماع مردودة. فقد روي سفيان بن عيينة في جامعه (¬2) عن أبي هريرة: "أنه كان يوجب الطيب يوم الجمعة" وإسناده صحيح، وقال بوجوبه بعض أهل الظاهر (¬3). وعقد البخاري (¬4) ترجمة للطيب فقال: باب الطيب للجمعة. قال في "الفتح" (¬5): لم يذكر حكمه لوقوع الاحتمال. وقوله: "إن وجد" متعلق بمس الطيب ويحتمل تعلقه به وبما قبله، ورواية مسلم (¬6): "ويمس من الطيب ما يقدر عليه" يؤيد الأول. وفي رواية (¬7): "ولو من طيب المرأة" ويؤخذ من اقتصاره على المس، الأخذ بالتخفيف في ذلك. وقوله: "ولو من طيب المرأة" وهو ما ظهر لونه وخفي ريحه، وهو يكره استعماله للرجل فأباحه هنا لأجل عدم غيره، وهو يدل على تأكد الأمر في ذلك. ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 362). (¬2) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 362). (¬3) انظر: "المحلى" (2/ 23). (¬4) في "صحيحه" (2/ 364 الباب رقم 3 - مع الفتح). (¬5) (2/ 364). (¬6) في "صحيحه" رقم (5/ 846). (¬7) أخرجها مسلم في "صحيحه" رقم (7/ 846).

قوله: "أخرجه الستة إلا الترمذي". الثاني: حديث (أبي هريرة - رضي الله عنه -): 2 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه كان يقول: "غُسْلُ الجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كلِّ مُحْتَلِمٍ كغُسْلِ الجَنَابَةِ". أخرجه مالك (¬1). [موقوف صحيح] "أنه كان يقول: غسل الجمعة واجب على كل محتلم كغسل الجنابة" أي: في صفاته وشرائطه ووجوبه. "أخرجه مالك" [364 ب] موقوفاً. الثالث: حديث (البراء - رضي الله عنه -): 3 - وعن البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "حَقاً عَلىَ المُسْلِمِينَ أَنْ يَغْتَسِلواَ يَوْمَ الجُمُعَةِ وَلْيمسَّ أَحَدُهُمْ مِنْ طِيِبِ أَهْلهِ, فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَالمَاءِ لَهُ طَيِبٌ". أخرجه الترمذي (¬2). [ضعيف] "قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: حقاً" أي: يحق حقاً. "على المسلمين أن يغتسلوا يوم الجمعة وليس أحدهم من طيب أهله" هذا من ما يدل على وجوب الأمرين والمراد: إن لم يجد من طيبه. "فإن لم يجد" طيباً. "فالماء له طيب" باغتساله به، فيكون باغتساله قد أحرز سنة الطيب وواجب الغسل. قوله: (أخرجه الترمذي). ¬

_ (¬1) في "الموطأ" (1/ 101 رقم 2)، وهو أثر موقوف صحيح. (¬2) في "السنن" رقم (528)، وهو حديث ضعيف.

قلت: وقال (¬1): حديث البراء حديث حسن. الرابع: 4 - وعن ابن السبَّاق: أَنَّ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: فِي جُمُعَةٍ مِنَ الجُمُعِ: "يَا مَعْشَرَ المُسْلِمِينَ؟ إِنَّ هَذَا يَوْمٌ جَعَلَهُ الله تَعَالَى عِيدًا فَاغْتَسِلُوا، وَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ طِيبٌ فَلاَ يَضُرَّهُ أَنْ يَمَسَّ مِنْهُ، وَعَلَيْكُمْ بِالسِّوَاكِ". أخرجه مالك (¬2). [ضعيف] حديث: "ابن السبَّاق" (¬3) بمهملة وموحدة مشددة، المدني الثقفي اسمه عبيد، أبو سعيد، ثقة. "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: في جمعة من الجمع يا معشر المسلمين إن هذا اليوم جعله الله عيداً" للأسبوع، كما جعل عيدي العام. "فاغتسلوا" ويؤخذ منه الاغتسال للعيد. "ومن كان عنده طيب فلا يضره أن يمس منه". قوله: "أخرجه مالك". قلت: وهو مرسل، لأن ابن السبَّاق تابعي. الخامس: حديث (أبي هريرة - رضي الله عنه - وابن عمر - رضي الله عنه -): 5 - وعن ابن عمر وأبي هريرة - رضي الله عنهما - قالا: بَيْناَ عُمَرُ - رضي الله عنه - يَخْطُبُ النَاسَ يَوْمَ الجُمُعَةَ إذْا دَخَلَ عُثْماَنُ بِنُ عَفَّانَ: فَنَاَدَاهُ عُمَرُ: أَيَّةُ سَاعَةٍ هَذِهِ؟ فَقَالَ: إِنْيِ شُغِلْتُ اليِوْمَ فَلَمْ أنْقَلِبْ إِلى أَهْلِي ¬

_ (¬1) في "السنن" (1/ 408). (¬2) في "الموطأ" (1/ 65 - 66 رقم 113)، وهو ضعيف. ووصله ابن ماجه رقم (1098). (¬3) هو عبيد بن السَّباق المدني الثقفي، أبو سعيد ثقة. "التقريب" (1/ 543 رقم 1547).

حتَّى سَمِعْتُ التَّأذِيِنَ، فَلَمْ أَزِدْ عَلىَ أَنْ تَوَضَّأتُ، فَقَالَ عُمَرُ - رضي الله عنه - الوُضُوءُ: أَيْضًا، وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَأْمُرُنَا بِالغُسْلِ". أخرجه الستة (¬1) إلا النسائي. [صحيح] "قالا: بينا" أصله بين فأشبعت الفتحة وقد تبقى بلا إشباع، وقد يزاد فيها (ما) بينما. "عمر يخطب الناس يوم الجمعة إذ دخل" أي: المسجد. "عثمان بن عفان" في رواية البخاري (¬2) عن ابن عمر: "إذ دخل رجل من أصحاب النَّبي - صلى الله عليه وسلم - من المهاجرين الأولين". قال ابن عبد البر (¬3): لا أعلم خلافاً أي: في أنه عثمان بن عفان، وقد سمّاه أبو هريرة في روايته لهذه القصة عند مسلم (¬4) وبهذا يعرف أنّ تسميته من رواية أبي هريرة لا من رواية ابن عمر. والمصنف قد جمع الروايتين، وابن الأثير ذكر (¬5) لفظ رواية ابن عمر فقال: "إذ دخل رجل من أصحاب النَّبي - صلى الله عليه وسلم - من المهاجرين الأولين". "فناداه عمر" أي: قال له: يا فلان. "أيَّةُ" بتشديد المثناة التحتية تأنيث أيّ [365 ب]. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (878)، ومسلم رقم (3/ 845) من حديث ابن عمر. وأخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (882)، ومسلم رقم (4/ 845) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -. وأخرجه أبو داود رقم (340)، والترمذي رقم (493) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -. (¬2) في "صحيحه" رقم (878)، وأخرجه مسلم رقم (3/ 845). (¬3) في "التمهيد" (5/ 243). (¬4) في "صحيحه" رقم (4/ 845). (¬5) في "الجامع" (7/ 325 - 326).

"ساعة هذه" وهذا هو استفهام (¬1) توبيخ وإنكار، كأنه يقول: لم تأخرت إلى هذه الساعة؟. وورد التصريح بالإنكار في رواية (¬2) أبي هريرة: "لم تحتبسون عن الصلاة". ومراد عمر التلميح إلى ساعات التبكير التي ورد الترغيب فيها، وأنها إذا أنقضت طوت الملائكة الصحف. "فقال عثمان: إني شُغلت اليوم" بضم أوله وقد بين شغله في رواية بقوله: "انقلبت من السوق". "فلم أنقلب إلى أهلي حتى سمعت التأذين" أي: الأذان بين يدي الخطيب. "فلم أزد على أن توضأت" أي: لم أشتغل بشيء بعد أن سمعت النداء إلا بالوضوء. "فقال عمر: والوضوء أيضاً" قال الحافظ (¬3): في روايتنا بالنصب، أي: والوضوء أيضاً اقتصرت عليه أو اخترته دون الغسل، وهو إنكار ثاني مضاف إلى الأول، والمعنى: ما اكتفيت بتأخير الوقت، وتفويت الفضيلة حتى تركت الغسل، واقتصرت على الوضوء. "وقد علمت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يأمرنا بالغسل. قوله: "أخرجه الستة، إلا النسائي". - وفي حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: أَلَمْ تَسْمَعْ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ "إذَا جَاء أَحَدُكُمُ الجُمْعُةَ فَلْيَغْتَسِلْ" (¬4). [صحيح] "وفي حديث أبي هريرة ألم تسمع" لفظ "الجامع" (¬5): "ألم تسمعوا". ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 359). (¬2) تقدم تخريجه. (¬3) في "فتح الباري" (2/ 360). (¬4) تقدم تخريجه. (¬5) (7/ 326) وكذلك أخرجها البخاري رقم (882)، ومسلم رقم (4/ 845).

"رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: إذا جاء أحدكم [الجمعة] (¬1) فليغتسل" ظاهره أن الغسل بعقب المجيء؛ لأن الفاء للتعقيب، وليس ذلك المراد، بل المعنى والتقدير: "إذا أراد أحدكم" وقد جاء مصرحاً به عند مسلم (¬2) بلفظ: "إذا أراد أحدكم أن يأتي الجمعة فليغتسل". ثم الظاهر (¬3) أن المراد: إذا جاء أحدكم صلاة الجمعة؛ لأنه الذي ينسب إليه المجيء، لا أن المراد: إذا جاء أحدكم يوم الجمعة كما قيل، وأنه يدل على أن الغسل لليوم، بل الأول هو الأظهر، وأن الغسل لمجيء الصلاة. قال ابن دقيق العيد (¬4): في الحديث دليل على تعليق الأمر بالغسل بالمجيء إلى الجمعة، واستدل به مالك (¬5) على أنه يعتبر أن يكون الغسل متصلاً بالذهاب، ووافقه الأوزاعي والليث والجمهور (¬6). قالوا: يجزيْ من بعد [366 ب] الفجر، ويدل له ما أخرجه بن أبي شيبة (¬7). قال الحافظ (¬8): بإسناد صحيح، عن عبد الرحمن أبزي وهو صحابي: "أنه كان يغتسل يوم الجمعة ثم يحدث فيتوضأ ولا يعيد الغسل". قلت: الغسل لا ينقضه إلاّ ما يوجبه. ¬

_ (¬1) سقطت من (ب). (¬2) في صحيحه رقم (844). (¬3) انظر: "فتح الباري" (2/ 357). (¬4) في "إحكام الأحكام" (2/ 109 - 110). (¬5) انظر: "بلغة السالك لأقرب المسالك على الشرح الصغير" (2/ 331). (¬6) "فتح الباري" (2/ 363). (¬7) في "مصنفه" (2/ 99). (¬8) في "فتح الباري" (2/ 358).

السادس: حديث (عكرمة). 6 - وعن عكرمة قال: جاَءَ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ العِرَاقِ إِلىَ ابْنَ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -، فَقَالُوا: أَتُرَى الغُسْلَ يَوْمَ الجُمُعَةِ وَاجِبًا؟ قَالَ: لاَ، وَلَكِنَّهُ أَطْهَرُ وَخَيْرٌ لِمَنِ اغْتَسَلَ، وَمَنْ لَمْ يَغْتَسِلْ فَلَيْسَ عَلَيْهِ بِوَاجِبٍ، وَسَأُخْبِرُكُمْ كَيْفَ بَدَأَ الغُسْلُ؟ كَانَ النَّاسُ مَجْهُودِينَ يَلْبَسُونَ الصُّوفَ وَيَعْمَلُونَ عَلَى ظُهُورِهِمْ، وَكَانَ مَسْجِدُهُمْ ضَيَّقًا مُقَارِبَ السَّقْفِ، إِنَّمَا هُوَ عَرِيشٌ، فَخَرَجَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي يَوْمٍ حَارًّ، وَعَرِقَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ الصُّوفِ، حَتَّى ثَارَتْ مِنْهُمْ رِيَاحٌ آذَى بِذَلِكَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فَلمَّا وَجَدَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - تِلْكَ الرِّيحَ قَالَ: "أَيُّهَا النَّاسُ؟ إِذَا كَانَ هَذَا اليَوْمَ فَاغْتَسِلُوا، وَلْيَمَسَّ أَحَدُكُمْ أَفْضَلَ مَا يَجِدُ مِنْ دُهْنِهِ وَطِيبِهِ". قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ثُمَّ جَاءَ الله تَعَالَى بِالخَيْرِ وَلَبِسُوا غَيْرَ الصُّوفِ، وَكُفُوُا العَمَلَ وَوُسَّعَ مَسْجِدُهُمْ، وَذَهَبَ بَعْضُ الَّذِي كَانَ يُؤْذِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا مِنَ العَرَقِ. أخرجه الشيخان (¬1) وأبو داود (¬2)، وهذا لفظه. [صحيح] "قال: جاء ناس" في "الجامع" (¬3): "من أهل العراق". "إلى ابن عباس - رضي الله عنه - فقالوا: أترى الغسل يوم الجمعة واجباً، قال: لا" أي: لا يجب. "لكنه أطهر وخير لمن اغتسل، ومن لم يغتسل فليس عليه بواجب" هذا رأيه. ثم استدل على عدم الوجوب بقوله: "وسأخبركم عن بدء الغسل" أي: عن بداية شرعيته ووجهها. "كان الناس" من الصحابة. "مجهودين" من الجهد الحاجة. "يلبسون الصوف ويعملون" حرفهم من زراعة وغيرها، وفي "الجامع": "على ظهورهم". ¬

_ (¬1) البخاري رقم (884)، (885)، ومسلم رقم (848). (¬2) في "السنن" رقم (340) وهو حديث صحيح. أخرجه مالك في "الموطأ" (1/ 101 - 102)، والترمذي رقم (494 - 495). (¬3) (7/ 326 رقم 5366).

"وكان مسجدهم" الذي هو مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. "ضيقاً مقارب السقف"، قريبه ولفظ "الجامع" (¬1): "متقارب". "إنما هو عريش فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في يوم حار وعرق الناس في ذلك الصوف، حتى ثارت منهم رياح كريهة آذى بعضهم بعضاً، فلما وجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تلك الريح قال: يا أيها الناس إذا كان هذا اليوم" أي: إذا وجد. "فاغتسلوا وليس أحدكم أفضل ما يجد من دهنه وطيبه" وهذا وَرد بصيغة الأمر الدالة على الوجوب، لكن ابن عباس جعل السبب قرينة على عدم الإيجاب فلذا قال: "ثم جاء الله بالخير" حين فتحت البلاد، واتسعت الغنائم. "ولبسوا غير الصوف وكفوا العمل" بأن تولاّها عبيدهم وأجراؤهم. "ووسع مسجدهم" بعد وفاته - صلى الله عليه وسلم -. "وذهب بعض الذي كان يؤذي بعضهم بعضاً من العرق" فالقول: بعدم الوجوب، رأي ابن عباس استنبطه مما [367 ب] ذكر. ورد كلامه بأنه لا يلزم من زوال السبب زوال المسبب، كما في الرمل في الحج عند الطواف ونحوه. قوله: "أخرجه أبو داود، وهذا لفظه". - ولفظ الشيخين (¬2) عن طاوس قال: قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: ذَكَرُوا أَنَّ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "اغْتَسِلُوا يَوْمَ الجُمُعَةِ, وَاغْسِلُوا رُءُوسَكُمْ، وإنْ لَمْ تَكُونُوا جُنُبًا، وَأَصِيبُوا مِنَ الطِّيبِ". فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَمَّا الغُسْلُ فَنَعَمْ، وَأَمَّا الطِّيبُ فَلاَ أَدْرِى. [صحيح] ¬

_ (¬1) (7/ 326) والذي في نسختنا مقارب. (¬2) البخاري في صحيحه رقم (884، 885)، ومسلم رقم (848).

"ولفظ الشيخين عن طاوس قال: قلت: لابن عباس: ذكروا أنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قال: واغتسلوا يوم الجمعة واغسلوا رؤوسكم" تخصيص بعد التعميم. "وإن لم تكونوا جنباً" قال في "الفتح" (¬1): معناه اغتسلوا يوم الجمعة، إن كنتم جنباً للجنابة ين لم تكونوا جنباً، فللجمعة وأخذ منه، أن الاغتسال يوم الجمعة للجنابة يجزي عن الجمعة سواء نواه عن الجمعة أم لا. قال (¬2): وفي الاستدلال به على ذلك بعد. "وأصيبوا من الطيب، قال ابن عباس أمّا الغسل فنعم" أي: أمر به. "وأمّا الطيب فلا أدري" هذا قد عارضه لفظ حديث أبي داود (¬3) عنه الذي تقدم: "وليمس أحدكم أفضل ما يجد من دهنه وطيبه". فقوله: "لا أدري" يحمل على أحد أمرين، إمّا أنه نسي أو أنه لم يكن قد روى له الحديث ثم عرفه. السابع: حديث (سمرة بن جندب): 7 - وعن سمرة بن جندب - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "منْ تَوَضأَ يَوم الجُمْعَة فَبِهَا وَنِعْمَتْ وَمَنِ اغْتَسَلَ يَوْمُ الجُمْعَةِ فَالغُسْلُ أَفْضَلُ". أخرجه أصحاب السنن (¬4). [حسن بمجموع طرقه] ¬

_ (¬1) (1/ 373). (¬2) الحافظ في "الفتح" (2/ 373). (¬3) من حديث عبيد بن السبّاق. وقد تقدم. (¬4) أخرجه أبو داود رقم (354)، والترمذي رقم (497)، والنسائي (3/ 94)، ولم يخرجه ابن ماجه من حديث سمرة بل أخرجه من حديث أنس رقم (1090)، وأخرجه أحمد (5/ 8، 11، 16، 22)، وابن خزيمة رقم (1757)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/ 119)، وابن الجارود في "المنتقى" رقم (285)، والبيهقي =

قوله: "فبها ونِعمتْ" (¬1) أي: فبهذه الخصلة، يعني الوضوء ينال الفضل. وقيل: فبالسنة أخذ ونعمت السنة هذه. "أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت" أي: فبالسنة أو بالرخصة أخذ، ونعمت تلك الخلة التي أخذ بها. "ومن اغتسل يوم الجمعة فالغسل أفضل" هو دليل من قال بعدم وجوب غسل الجمعة وتقدم الكلام، وأن إسناد هذا لا يقاوم إسناد حديث الإيجاب. قال الحافظ ابن حجر (¬2): لحديث سمرة هذا علتان؛ إحداهما: أنه من عنعنة الحسن والأخرى: أنه اختلف عليه فيه. قال: وأخرجه ابن ماجه (¬3) من حديث أنس. ¬

_ = (3/ 190)، والبغوي في "شرح السنة" (2/ 164)، والخطيب في "تاريخ بغداد" (2/ 352)، والطبراني في "الكبير" (7/ 199). وقال الترمذي: حديث حسن. قلت: فيه عنعنة الحسن، ولكن له شواهد تقويه من حديث أنس، وأبي سعيد الخدري، وأبي هريرة، وجابر، وعبد الرحمن بن سمرة، وابن عباس. انظرها في "نصب الراية" (1/ 91 - 93). وخلاصة القول: أن الحديث حسن بمجموع طرقه. (¬1) قال الأزهري: "فبها ونعمت" معناه فبالسنة أخذ ونعمت السنة، قاله الأصمعي، وحكاه الخطابي أيضاً، وقال: "إنها" ظهرت تاء التأنيث لإضمار السنة، وقال غيره: ونعمت الخصلة, وقال أبو حامد الشاركي: ونعمت الرخصة، قال: لأن السنة الغسل، وقال بعضهم: معناه فبالفريضة أخذ، ونعمت الفريضة. "التلخيص" (2/ 135)، و"معالم السنن" (1/ 251 - مع السنن). (¬2) في "الفتح" (2/ 362). (¬3) في "السنن" رقم (1091) بسند ضعيف.

والطبراني (¬1) من حديث عبد الرحمن بن سمرة, والبزار (¬2) من حديث أبي سعيد، وابن عدي (¬3) من حديث جابر، وكلها ضعيفة, انتهى. الثامن: حديث (يحيى بن سعيد): 8 - وعن يحيى بن سعيد: أنه بلغه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَا عَلَى أَحَدِكُمْ لَوْ اتّخّذَ ثَوْبَيْنِ لجُمُعَتِهِ سِوَى ثَوْبَيْ مِهْنَتِهِ". أخرجه مالك (¬4). [صحيح لغيره] "المهنة" بفتح الميم وسكون الهاء: العمل والخدمة. ورُويَ بكسر الميم. "أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه [368 ب] وآله وسلم قال: ما على أحدكم" أيها الحاضرون الجمعة. "لو اتخذ ثوبين لجمعته" لصلاتها. "غير ثوبي مهنته" فسّرها المصنف. وقوله: "ما عليه لو اتخذ" يدل على ندبية ذلك، وبّوب البخاري (¬5): باب يلبس أحسن ما يجد، وسرد في "الفتح" (¬6) أحاديث دالة على ذلك. ¬

_ (¬1) في "الأوسط" رقم (4525). (¬2) "مختصر زوائد البزار" (1/ 290 رقم 439). (¬3) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 362). (¬4) في "الموطأ" (1/ 110 رقم 17) وهو حديث حسن لغيره. ووصله أبو داود عن عبد الله بن سلام في "السنن" رقم (1078)، وابن ماجه رقم (1095). وهو حديث صحيح. ووصله ابن عبد البر في "التمهيد" (24/ 35) ط: ابن تيمية. وأخرجه ابن ماجه رقم (1096)، وابن خزيمة رقم (1765)، وابن حبان في صحيحه رقم (568 - موارد). وهو حديث صحيح. (¬5) في صحيحه (2/ 373 الباب رقم 7 - مع الفتح". (¬6) (2/ 374).

قوله: (أخرجه مالك). قلت: هو بلاغ ومنقطع. التاسع: حديث (نافع): 9 - وعن نافع أن ابن عمر - رضي الله عنهما -: كَانَ لَا يَرُوحُ إِلَى الجُمُعَةِ إِلَّا ادَّهَنَ وَتَطَيَّبَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ حَرَامًا (¬1). [موقوف صحيح] "أن ابن عمر - رضي الله عنه - كان لا يروح إلى الجمعة إلاّ أدّهن وتطيب" ترجم البخاري (¬2): باب الدهن للجمعة وذكر حديث (¬3): "يَدَّهن". قالوا: المراد إزالة شعث الشعر به, وفيه إشارة إلى التزين يوم الجمعة, وترجم (¬4) للطيب يوم الجمعة, فقال: باب الطيب للجمعة ثم ذكر حديث (¬5) أبي سعيد: "وأن يمس طيباً إن وجد"، وبه يعرف أنّ ابن عمر أخذ بالسنة. ¬

_ (¬1) أخرجه مالك في "الموطأ" (1/ 110) وهو أثر موقوف صحيح. (¬2) في صحيحه (2/ 370 الباب رقم 6 - مع الفتح). (¬3) رقم (883)، وطرفه رقم (910) عن سلمان الفارسي، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر ما استطاع من طهر ويدهن من دهنه أو يمس من طيب بيته, ثم يخرج لا يفرق بين اثنين، ثم يصلي ما كتب له، ثم ينصت إذا تكلم الإمام إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى. (¬4) أي: البخاري في صحيحه (2/ 364 الباب رقم 3 - مع الفتح). (¬5) رقم (880) عن أبي سعيد قال: "أشهدُ على رسول الله قال: الغُسلُ يوم الجمعة واجب على كل محتلم، وأن يستن، وأن يمس طيباً إن وجد".

العاشر: حديث (ابن عمر - رضي الله عنه -) 10 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما -: أَنَّهُ كَانَ يَغْتَسِلُ يَوْمَ الفِطْرِ قَبْلَ أَنْ يَغْدُوَ إِلىَ المُصَلِّى (¬1). [موقوف صحيح] "أنه كان يغتسل يوم الفطر" أي: يوم عيد الفطر. "قبل أن يغدو" للصلاة. "إلى المصلى" يأتي أنه أخرجه مالك (¬2) موقوفاً، ولم يرد (¬3) مرفوعاً في غسل العيدين، إلا ما ورد عن ابن عباس، والفاكه بن سعيد: "أن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - كان يغتسل للعيدين". ¬

_ (¬1) أخرجه مالك في "الموطأ" (1/ 177 رقم 2) وهو أثر موقوف صحيح. (¬2) في "الموطأ" (1/ 177 رقم 2) وهو أثر موقوف صحيح. (¬3) واعلم أنه لم يصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الباب حديث مرفوع. أما الأحاديث الواردة فهي أربعة ضعيفة، من حديث ابن عباس، والفاكه بن سعد، وأبي هريرة, وراو مجهول. 1 - أما حديث ابن عباس، فقد أخرجه ابن ماجه رقم (1315) عنه قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يغتسل يوم الفطر ويوم الأضحى. قال البوصيري في "مصباح الزجاجة" (1/ 431): "هذا إسناد ضعيف لضعف جبارة وكذلك حجاج ومع ضعفه, قال فيه العقيلي: روى عن ميمون بن مهران أحاديث لا يتابع عليها. ورواه البيهقي في "السنن الكبرى" (3/ 278) من طريق ابن ماجه. قال ابن عدي في "الكامل" (2/ 646): رواياته ليست بالمستقيمة" اهـ. وأخرج الطبراني في "المعجم الكبير" كما في "مجمع الزوائد" (2/ 198) من حديث ابن عباس، قال: "كنا نأكل ونشرب ونغتسل ثم نخرج إلى المصلى". وهو حديث ضعيف جداً. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = 2 - وأما حديث الفاكه بن سعد, فقد أخرجه ابن ماجه رقم (1316)، وأحمد (4/ 78)، والطبراني في "الكبير" (ج 18 رقم 828) عنه وكانت له صحبة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يغتسل يوم الفطر ويوم النحر ويوم عرفة وكان الفاكه يأمر أهله بالغسل في هذه الأيام. قال البوصيري في "مصباح الزجاجة" (1/ 431): هذا إسناد ضعيف, فيه يوسف بن خالد قال فيه ابن معين: كذاب خبيث زنديق، قلت: وكذبه غير واحد، وقال ابن حبان كان يضع الحديث" اهـ. وهو حديث موضوع. 3 - وأما حديث أبي هريرة فقد أخرجه الطبراني في "الأوسط" رقم (5784) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "من صام رمضان, وغدا بغسل إلى المصلى، وختمه بصدقه رجع مغفوراً له". وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (2/ 198) وقال: "وفيه نصر بن حماد وهو متروك". 4 - وأما حديث المجهول فهو من رواية محمد بن عبيد الله عن أبيه عن جده: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اغتسل للعيدين. أخرجه البزار في "مسنده" (رقم: 648 - كشف). وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (2/ 198) وقال: رواه البزار، ومندل فيه كلام، ومحمد هذا ومن فوقه لا أعرفهم، وهو حديث ضعيف جداً. ثالثاً: لم يرد في التهنئة في العيد سنة مرفوعة أو موقوفة ثابتة: أما الأحاديث الواردة فهي ضعيفة, من حديث واثلة بن الأسقع، وعبادة بن الصامت. 1 - أما حديث واثلة بن الأسقع، فقد أخرجه ابن عدي في "الكامل" (6/ 2274) ومن طريقه البيهقي في "السنن الكبرى" (3/ 319). من طريق محمد بن إبراهيم الشامي، حدثنا بقية, عن ثور عن خالد بن معدان عنه قال: لقيت النبي - صلى الله عليه وسلم - في يوم عيد فقلت: يا رسول الله، تقبل الله منا ومنك، قال: "نعم تقبل الله منا ومنك" قال ابن عدي: وهذا منكر لا أعلم يرويه عن بقية غير محمد بن إبراهيم هذا. وقال البيهقي: قد رأيته بإسناد آخر عن بقية موقوفاً غير مرفوع ولا أراه محفوظاً. وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف, والله أعلم.

أخرج حديث (¬1) ابن عباس ابن ماجه، وحديث الفاكه البزار والبغوي، وابن قانع وعبد الله بن أحمد في "زيادات المسند" وإسنادهما ضعيفان. وهو عند البزار (¬2) بإسناد ضعيف من حديث أبي رافع (¬3)، وقال البزار: لا أحفظ في اغتسال العيدين حديثاً صحيحاً. والمصنف وابن الأثير (¬4) لم ترجما له كما ترى. ¬

_ = 2 - وأما حديث عبادة بن الصامت, فقد أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (3/ 320) من طريق عبد الخالق بن زيد بن واقد الدمشقي، عن أبيه، عن مكحول، عنه, قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قول الناس في العيدين: "تقبل الله منا ومنكم" قال: "ذلك فعل أهل الكتابين، وكرهه". قال البيهقي: عبد الخالق بن زيد منكر الحديث قاله البخاري. وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف، والله أعلم. قال ابن التركماني في "الجوهر النقي" وهو بذيل "السنن الكبرى" (3/ 319 - 320): "في هذا الباب حديث جيد أغفله البيهقي، وهو حديث محمد بن زياد، قال: كنت مع أبي أمامة وغيره من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فكانوا إذا رجعوا يقول بعضهم لبعض: تقبل الله منا ومنكم. قال أحمد بن حنبل: "إسناده إسناد جيد" اهـ. (¬1) انظر: "التعليقة المتقدمة". (¬2) في "مختصر الزوائد" للبزار (1/ 298 - 299 رقم 456) وفيه مندل؛ ضعفه أحمد والدارقطني. وفيه محمد بن عبد الله منكر الحديث، وقال يحيى: ليس بشيء، وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث جداً. وقال ابن القطان: حال مندل أحسن من حال محمد هذا. (¬3) ذكره الحافظ في "التلخيص" (2/ 162). (¬4) في "جامع الأصول" (7/ 331)، ولم يترجم له في هذا الباب.

الفصل الرابع: في غسل الميت والغسل منه

الحادي عشر: حديث (جابر - رضي الله عنه -): 11 - وعن جابر - رضي الله عنه - قال: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "عَلَى كُلِّ رَجُلٍ مُسْلِمٍ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ غُسْلُ يَوْمٍ، وَهُوَ يَوْمُ الجُمُعَةِ" (¬1). أخرج الثلاثة مالك. [موقوف صحيح] "قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على كل رجل مسلم" يجب، وخرجت المرأة بالمفهوم. "في كل سبعة أيام غسل يوم" أطلقه ثم عينه بقوله: "يوم الجمعة" وهو بدل بعض من كل. قوله: "أخرج الثلاثة مالك". وهذا آخر [369 ب] الجزء الثامن عشر من ثلاثين جزءاً من التيسير. الفصل الرابع: في غسل الميت والغسل منه (الفَصْلُ الرَّابعُ) من فصول باب الغسل في غسل الميت والغسل منه (فِي) بيان "غُسلَ المَيِتِ وَالغُسلَ مِنْهُ" أي: من غسله. الأول: 1 - عن أم عطية الأنصارية - رضي الله عنها - قالت: دَخَلَ عَلَيْنَا رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، حِيْنَ تُوُفِّيتِ ابْنَتُهُ فَقَالَ: "اغْسِلْنَهَا ثَلاَثًا، أَوْ خَمْسًا، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، إِنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ، بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَاجْعَلْنَ فِي الآخِرَةِ كَافُورًا، فَإِذَا فَرَغْتُنَّ فَآذِنَّنِي". فَلمَّا فَرَغْنَا آذَنَّاهُ، فَأَعْطَاناَ حِقْوَهُ, فَقَالَ: "أَشْعِرْنَهَا إِيَّاهُ: يَعْنِيِ إِزَارَهُ" (¬2). [صحيح] ¬

_ (¬1) أخرجه مالك في "الموطأ" (1/ 177 رقم 2)، وهو أثر موقوف صحيح. (¬2) أخرجه أحمد (6/ 407)، والبخاري رقم (1254)، ومسلم رقم (36/ 939)، وأبو داود رقم (3142)، والترمذي رقم (990)، والنسائي رقم (1881)، وابن ماجه رقم (1459) وهو حديث صحيح.

وزعم ابن سيرين (¬1)، أن الإشعار، ألففنها فيه، وكذلك كان ابن سيرين يأمر المرأة أن تشعر ولا تؤزر. حديث: "أم عطية" (¬2) تقدم أن اسمها نسيبة, بضم النون وقيل: بفتحها، بزنة جهينة من فاضلات الصحابيات "الأنصارية". "قالت: دخل علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين توفيت ابنته" هي زينب على المشهور، وكانت وفاتها سنة ثمان، وقيل (¬3): هي هنا أم كلثوم. الأولة: زوجة أبي العاص بن الربيع، والثانية: زوجة عثمان، إلا أنه ثبت في صحيح البخاري أنها زينب. "فقال: اغسلنها ثلاثاً" أي: مرات. "أو خمساً" ليكون وتراً. أو أكثر من ذلك" ولا تفعلنه إلاّ وتراً. "إن رأيتن ذلك" ظاهره أنه عائد إلى رأيهن في كل ذلك المذكور، ويحتمل أنه قيد للأكثر من الخمس (¬4). ¬

_ (¬1) نظر: "فتح الباري" (3/ 133)، و"المفهم" (2/ 594). قال الحافظ في "الفتح" (3/ 133): والقائل في هذه الرواية: "وزعم" هو أيوب , وذكر ابن بطال - في "شرحه لصحيح البخاري" (3/ 255) - أنه ابن سرين، والأول أولى، وقد بينه عبد الرزاق في روايته عن ابن جريج قال: "قلت: لأيوب قوله أشعرنها تؤزر به، قال: ما أراه إلا قال: ألففنها فيه. (¬2) انظر: "الاستيعاب" (4/ 502). (¬3) قال الحافظ في "الفتح" (3/ 128): فيمكن ترجيح أنها أم كلثوم بمجيئه من طرق متعددة, ويمكن الجمع بأن تكون أم عطية حضرتهما جميعاً، فقد جزم ابن عبد البر في ترجمتها بأنها كانت غاسلة الميتات. وانظر: "المبهمات" لابن بشكوال (1/ 71 - 73 - رقم الجزء 6). (¬4) انظر: "المغني" (3/ 378 - 379)، "الأوسط" (5/ 333)، "التمهيد" (6/ 191).

"بماء" متعلق بـ "اغسلن". "وسدر" يخضب بالماء أو يذر على بدن الميت، فإنه يصدق عليه أنه غسل به. "واجعلن في الآخرة" من الغسلات. "كافوراً" عوض السدر أو معه. "فإذا فرغتن" من الغسل. "فأذنني" أعلمنني. "فلما فرغنا أذناه" أعلمناه. "فأعطانا حقوه" (¬1) بكسر الحاء المهملة وفتحها، تطلق على الإزار مجازاً، وأصله معقد الإزار. "فقال: أشعرنها إياه" أي: اجعلنه شعاراً، والشعار: الثوب الذي يلي الجسد، فلا يكون بينه وبين جسدها شيء، والظاهر أنه أراد تبركها به. قوله: "يعني إزاره" هو تفسير للحقوة. قوله: "وزعم ابن سيرين أن الأشعار معناه ألففنها فيه" كأنه يريد: ألففن بدنها فيه، فيكون شعاراً، أي: ثوباً على جسدها، فهو كتفسير غيره. إلاّ أن قوله: "ولذلك كان ابن سيرين يأمر المرأة أن تشعر ولا تؤزر" فهم أنه لم يرد ابن سيرين مجرد الشعار، بل نهى عن وزره المرأة. - وفي أخرى (¬2): "اغْسِلْنَهَا وِتْرًا ثَلَاثًا، أَوْ خَمْسًا، أَوْ سَبْعًا، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَابْدَأْنَ بِمَيَامِنِهَا وَمَوَاضِعِ الوُضُوءِ مِنْهَا"، وَفِيهاَ قَالَتْ أُمَّ عَطِيَّةَ إِنِّهُنَّ جَعَلْنَ رَأْسَ بِنْتِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ثَلَاثَةَ قُرُونٍ، نَقَضْنَهُ ثُمَّ غَسَلْنَهُ، ثُمَّ جَعَلْنَهُ ثَلَاثَةَ قُرُونٍ. [صحيح] قال سفيان: نَاصِيَتهاَ وَقَرْنَيْهاَ". ¬

_ (¬1) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (1/ 408)، "فتح الباري" (3/ 129). (¬2) أخرجها البخاري في صحيحه رقم (1259)، ومسلم في صحيحه رقم (939).

قوله [370 ب]: "وفي" رواية: "أخرى" هذه الرواية روتها حفصة عن أم عطية، والأولى من رواية محمد بن سيرين، صرّح به ابن الأثير (¬1). قوله: "اغسلنها وتراً ثلاثاً، أو خمساً، أو سبعاً، أو أكثر من ذلك"، زاد بن الأثير (¬2): "إن رأيتن ذلك" كما في الرواية الأولى. "وابدأن بميامنها" أيمن أعضائها، وكأن المراد بعد غسل ما هو من نجاسة في بدنها. "ومواضع الوضوء منها" وكأن المراد البداية بها، كما في غسل الجنابة ونحوها، ثم بميامن الأعضاء, والواو لا تقتضي الترتيب فيها، ولفظ: "منها" ليس في لفظ رواية "الجامع". "وفيها" أي: هذه الرواية. "قالت أم عطية: إنهنَّ" أي: الغاسلات. "جعلن رأس بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة قرون" وهذا ليس عن أمره - صلى الله عليه وسلم -، وكأنه كان ذلك أسلوب غسلهن الميتة من النساء أي: في صدر الإسلام، ولا أدري هل كان يغسل في الجاهلية من مات منهن؟. ثم بينت أن ذلك بعد نقضه وغسله، بقولها: "نقضنه ثم غسلنه ثم جعلنه ثلاثة قرون، قال سفيان" ابن عيينة، أو الثوري، مفسراً الثلاثة القرون بقوله: "ناصيتها" وهو الشعر المقبل على الجبهة. "وقرنيها" أي: أيمن شعر رأسها وأيسره. ¬

_ (¬1) في "الجامع" (7/ 332). (¬2) في "الجامع" (7/ 333). قال ابن عبد البر في "التمهيد" (6/ 191): لا أعلم أحداً قال بمجاوزة السبع، وصرّح بأنها مكروهة, أحمد في "المغني" (3/ 378 - 379)، والماوردي في "الحاوي" (3/ 11)، وابن المنذر في "الأوسط" (5/ 333).

وفي "النهاية" (¬1): كل ظفيرة من ظفائر الشعر قرن. - وفي أخرى: فَضَفَرْنَا شَعَرَهَا ثَلَاثَةَ قُرُونٍ، وَالقَيْنَاهَا خَلْفَهَا. أخرجه الستة (¬2)، وهذا لفظ الشيخين. [صحيح] "وفي" رواية: "أخرى" عن أم عطية. "فظفرنا شعرها ثلاثة قرون، وألقيناها" أي: الثلاثة. "خلفها" وكأنه - صلى الله عليه وسلم - عَلِم بذلك فأقرّه. قوله: "أخرجه الستة، وهذا لفظ الشيخين". الثاني: 2 - وعن أم قيس بنت محصن - رضي الله عنها - قالت: تُوُفِّيَ ابْنِي فَجَزِعْتُ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ لِلَّذِي يَغْسِلُهُ، لَا تَغْسِلْ ابْنِي بِالمَاءِ البَارِدِ فَتقْتُلُهُ، فَانْطَلَقَ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ إِلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فأَخبرَهُ بِقَوْلِهَا، فتبسَّمَ؟ ثُمَّ قَالَ: "مَا قَالَتْ، طَالَ عُمْرُهَا؟ فَلَا أَعْلَمُ امْرَأَةً عمِّرَتْ مَا عمِّرَتْ". أخرجه النسائي (¬3). [إسناده ضعيف] حديث: "أم قيس (¬4) بنت محصن" اسمها آمنة، هي أخت عكاشة بن محصن. "قالت: توفي ابني، فجزعت عليه, فقلت للذي يغسله، لا تغسل ابني بالماء البارد فيقتله" هذا من شدة جزعها وشفقتها. "فانطلق عكاشة بن محصن إلى [371 ب] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبره بقولها، فتبسم" من قولها: فيقتله. ¬

_ (¬1) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 140)، وانظر: "الفائق" للزمخشري (3/ 174). (¬2) تقدم تخريجه وهو حديث صحيح. (¬3) في "السنن" (4/ 29 رقم 1882) بإاسناد ضعيف. (¬4) انظر: "الاستيعاب" رقم (3562).

"ثم قال: ما قالت" كأنه أراد الاستفهام، أو تقرير ما قاله عكاشة. "طال عمرها" خبر مراد به الدعاء. "فلا نعلم" كأنه من قول عكاشة. "امرأة عَمَّرت" أي: طال عمرها. "ما عَمَّرت" وكأنه أخذ من تقريره - صلى الله عليه وسلم - أنه يحسن الغسل للميت بالماء غير البارد. قوله: "أخرجه النسائي". الثالث: حديث (أبي هريرة - رضي الله عنه -): 3 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ غَسَّلَ المَيِّتَ فَلْيَغْتَسِلْ". أخرجه أبو داود (¬1)، والترمذي (¬2). [صحيح] ¬

_ (¬1) في "السنن" (3161، 3162). (¬2) في "السنن" رقم (933). وأخرجه أحمد (2/ 280، 433، 454، 472)، وابن ماجه رقم (1463)، والبيهقي (1/ 301)، وفيه صالح مولى التوأمة وهو ضعيف. قال البيهقي: "مختلف في عدالته، كان مالك بن أنس يجرحه". "الجرح والتعديل" (2/ 1/ 418)، و"الكامل" (4/ 1373)، "الميزان" (2/ 302 - 304)، وأخرجه ابن حبان في صحيحه رقم (1161)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (1/ 301 - 303)، وقال: والصحيح أنه موقوف، وقال البخاري: الأشبه موقوف. وأخرجه البزار من ثلاث طرق عن أبي هريرة. قال الحافظ في "التخليص" (1/ 136): رواه البزار، من رواية العلاء، عن أبيه, ومن رواية محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، ومن رواية أبي بحر البكراوي، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، كلهم عن أبي هريرة. وقال علي بن المديني وأحمد بن حنبل: لا يصح في الباب شيء، وهكذا قال الذهبي فيما حكاه الحاكم في تاريخه: ليس فيما غسل ميتاً فليغتسل، حديث صحيح. وقال الذهلي: لا أعلم فيه حديثاً ثابتاً، ولو ثبت للزمنا استعماله. =

وزاد (¬1): "وَمَنْ حَمَلَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ" "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: من غسل الميت فليغتسل" ظاهره الإيجاب، وهو قول الشافعي (¬2) فيما قيل لهذا الأمر. وأجيب عنه بأنه صرفه عن الوجوب إلى الندب حديث: "إن ميتكم يموت طاهراً فحسبكم أن تغسلوا أيديكم" أخرجه البيهقي (¬3) من حديث ابن عباس، وهو وإن ضعفه البيهقي فقد حسن ابن حجر (¬4) إسناده. وفي حمله على الندب جمعاً بين الحديثين، أو يقال: أريد به غسل الأيدي، وأنه بين المراد من إيجاب الغسل، فيكون هو الواجب. قوله: "أخرجه أبو داود والترمذي". قلت: وصححه ابن حبان (¬5)، وحسنه الترمذي (¬6). ¬

_ = وقال المنذر: ليس في الباب حديث يثبت. انظر: "علل الترمذي الكبير" (ص 143)، "الأوسط" (5/ 351)، "التلخيص" (1/ 136 - 137). (¬1) في "السنن" رقم (933). (¬2) انظر: "المجموع شرح المهذب" (5/ 144). (¬3) في "السنن الكبرى" (3/ 398)، وقال البيهقي: هذا ضعيف، والحمل فيه على أبي شيبة. قال ابن حجر: أبو شيبة، هو إبراهيم بن أبي بكر بن أبي شيبة, احتج به النسائي، ووثقه الناس، ومن فوقه احتج بهم البخاري، وأبو العباس الهمداني هو ابن عقدة حافظ كبير، إنما تكلموا فيه بسبب المذهب والأمور أخرى، ولم يضعفه بسبب المتون أصلاً، فالإسناد حسن، "التلخيص" (1/ 138). (¬4) في "التخليص" رقم (1/ 138). (¬5) في صحيحه رقم (3/ 436). (¬6) في "السنن" (3/ 273).

"وزاد: ومن حمله فليتوضأ" الظاهر أن المراد من باشر حمل بدنه وهو مجرى لا من حمله على نعشه مشيعاً له. وفي المنتقى (¬1): قال أبو داود (¬2): هذا منسوخ، وقال بعضهم: معناه من أردا حمله ومتابعته فليتوضأ من أجل الصلاة عليه. انتهى. قال الترمذي (¬3): قد اختلف أهل العلم في الذي يغسل الميت، فقال بعض أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيرهم: إذا غسل الميت فعليه الغسل، وقال بعضهم: عليه الوضوء. وقال مالك (¬4) بن أنس: المستحب الغسل من غسل الميت، ولا أدري ذلك واجباً. وهكذا قال الشافعي (¬5). وقال أحمد (¬6): من غسل ميتاً أرجوا أن لا يجب عليه الغسل فاما الوضوء فأقل ما قيل فيه. وقال إسحاق (¬7): لا بد من الوضوء، وقد روي [372 ب] عن عبد الله بن المبارك أنه قال: لا يغتسل ولا يتوضأ. انتهى. ¬

_ (¬1) رقم (9/ 317) بتحقيقي. (¬2) في "السنن" (3/ 512 - 513) وتمام كلامه: (وسمعت أحمد بن حنبل - وسئل عن الغسل من غسل الميت - فقال: يجزيه الوضوء). (¬3) في "السنن" (3/ 273). (¬4) انظر: "مدونة الفقه المالكي وأدلته" (1/ 569). (¬5) انظر: "المجموع شرح المهذب" (5/ 144)، و"الأوسط" (5/ 351). (¬6) انظر: "المغني" (1/ 256). (¬7) انظر: "المغني" (1/ 256).

الرابع: 4 - وعن ناجية بن كعب: أَنَّ عَلِياًّ - رضي الله عنه - قَالَ: لمّا مَاتَ أَبُو طَالِبٍ أَتَيْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْتُ: إِنَّ عَمَّكَ الشَّيْخَ الضَّالَّ قَدْ مَاتَ, قَالَ: "اذْهَبْ فَوَارِ أَبَاكَ, ثُمَّ لَا تُحْدِثَنَّ شَيْئَاً حَتَّى تَأْتِيَنِيَ"، فَوَارَيْتُهُ فَأَتيْتُهُ فَأَمَرَني فَاغْتَسَلْتُ، فَدَعَا لِي. أخرجه أبو داود (¬1) والنسائي (¬2). [صحيح] "المُواراة" الستر، وأراد به الدفن. "ناجية" بالجيم والمثناة التحتية، "ابن كعب" تابعي. "أن علياً - رضي الله عنه - قال: لما مات أبو طالب، أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت: إن عمك الشيخ الضَّال قد مات, قال اذهب فوارِ أباك" أي: ادفنه. "ثم لا تحدث شيئاً حتى تأتيني، فواريته ثم أتيته فأمرني فاغتسلت" هذا في الغسل من مواراة الميت، ولم يتقدم الغسل إلا من غسله في "الترجمة". قلت: إلاّ أنه قد روي في الحديث زيادة أنه قال: "انطلق فاغسله, فواره" وهذه الزيادة قال الحافظ ابن حجر (¬3): أنها من الغيلانيات، فإن ثبتت الزيادة، وافق الإتيان به هنا، فمن ثم قيل بهذا الحديث زيد في "الترجمة"، ومن موارته. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (3214). (¬2) في "السنن" رقم (190). وأخرجه أحمد (1/ 97، 103، 130، 131)، وابن أبي شيبة (3/ 269)، وأبو يعلى في "مسنده" (1/ 33 رقم 424)، والبزار في "مسند البحر الزخار" (2/ 207 رقم 592)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (1/ 340) وهو حديث صحيح. (¬3) في "التلخيص" (2/ 234).

"فدعا لي" زاد البزار (¬1): "بدعوات ما أحب أن لي بها حمر النعم وسودها"، وعند الطيالسي (¬2): "ما أحب أن لي بها الدنيا" وعند البيهقي (¬3): "ما يسرني أن لي ما على الأرض من شيء". قوله: "أخرجه أبو داود والترمذي". قلت: وناجية بن كعب توقف فيه ابن حبان والدارقطني (¬4)، وفي "التقريب" (¬5) أنه ثقة. الخامس: حديث (عائشة - رضي الله عنها -): 5 - وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، يُغْتَسَلُ مِنْ أَرْبَعَةٍ: مِنَ الجَنَابَةِ, وَلِلْجُمُعَةِ، وَمَنَ الحِجَامَةِ، وَمِنْ غُسْلِ المَيِّتِ. أخرجه أبو داود (¬6). [ضعيف] ¬

_ (¬1) في "مسند البزار البحر الزخار" (2/ 207 رقم 592). (¬2) في "السنن الكبرى" (1/ 299). (¬3) في "سننه" (1/ 340). (¬4) ذكره الحافظ في "التلخيص" (2/ 234). (¬5) (2/ 294 رقم 6). (¬6) في "السنن" رقم (3160). وأخرجه أحمد (6/ 152)، والدارقطني في "السنن" (1/ 113 رقم 8) وقال مصعب بن شيبة: ليس بالقوي ولا الحافظ. وأخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (1/ 299)، وابن خزيمة رقم (256). قال الحافظ: في "النكت الظراف" (11/ 439): - بذيل تحفة الأشراف - عقب هذا الحديث ما يلي: قلت: نقل ابن أبي حاتم عن أبي زرعة أنه قال: لا يصح هذا. قلت له: يروى عن عائشة من غير حديث مصعب؟ قال: لا. اهـ. وهو حديث ضعيف. ومصعب بن شيبة بن جبير بن شيبة بن عثمان العبدري المكي الحجبي. =

"كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يغتسل من أربعة" أمور. "من الجنابة، والجمعة, ومن الحجامة" قد عارضه: "أنه - صلى الله عليه وسلم - احتجم فلم يزد على غسل محاجمه ولم يتوضأ" أخرجه الدارقطني (¬1). "ومن غسل الميت" أي: من غسله - صلى الله عليه وسلم - إياه, وهذا يشعر بأنه - صلى الله عليه وسلم - قد باشر غسل الميت، ولا أعرف ذكر ذلك أحد. قوله: "أخرجه أبو داود". قلت: قال الحافظ المنذري (¬2): قال الخطابي (¬3): في إسناده نظر. - وعن نافع: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: حَنَّطَ (¬4) ابْنًا لِسَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ - رضي الله عنه - وَحَمَلَهُ، ثُمَّ دَخَلَ المَسْجِدَ وَصَلَّى وَلَمْ يَتوَضَّأْ. أخرجه البخاري (¬5) في ترجمة, ومالك (¬6). [موقوف صحيح] السادس: ¬

_ = قال الأثرم عن أحمد: روى أحاديث مناكير. وقال إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين: ثقة. وقال أبو حاتم: لا يحمدونه، وليس بقوي. وقال بن سعد: كان قليل الحديث، وقال النسائي: منكر الحديث، وقال في موضع آخر: في حديثه شيء. "تهذيب التهذيب" (4/ 85). (¬1) في "السنن" (2/ 182) من حديث أنس. وفيه صالح بن مقاتل، وليس بالقوي. (¬2) في "مختصر السنن" (4/ 306) حيث قال: وقال الخطابي: وفي إسناد الحديث مقال. (¬3) في "معالم السنن" (3/ 512). (¬4) قال ابن الأثير في "غريب الجامع" (7/ 337): حنط، تحنيط الميت مباشرته بالحنوط، وهو ما يوضع في كفنه وعلى جسمه من الطِّيب. (¬5) في صحيحه (3/ 125 الباب رقم 8 - مع الفتح). (¬6) في "الموطأ" (1/ 25 رقم 18) وهو أثر موقوف صحيح.

6 - وعن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم: أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ امْرأَةَ أَبيِ بَكْرٍ - رضي الله عنه -: غَسَّلَتْ أَبَا بَكْرٍ حِينَ تُوُفِّيَ، ثُمَّ خَرَجَتْ فَسَأَلتْ: مَنْ حَضَرَهَا مِنْ المُهَاجِرِينَ، فَقَالَتْ: إِنِّي صَائِمَةٌ، وَإِنَّ هَذَا يَوْمٌ شَدِيدُ البَرْدِ، فَهَلْ عَلَيَّ مِنْ غُسْلٍ؟ فَقَالُوا: لَا. أخرجه مالك (¬1). [حسن] حديث: "عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن حزم" كان من فضلاء التابعين. "أن أسماء بنت عميس" بضم المهملة وآخرها مهملة. "امرأة أبي بكر" وهي أم ابنه محمد. "غسلت أبا بكر" زوجها. "حين توفي" فيه أن للزوجة غسل زوجها بعد وفاته، والأصل الجواز. "ثم خرجت" كأن المراد من بيتها. "فسألت من حضر [373 ب] من المهاجرين فقالت: إني صائمة وهذا اليوم شديد البرد، فهل على من غسل" سؤالها يدل على أنه كان عندها شرعية الغسل من غسل الميت. "فقالوا لها: لا" يحتمل أنه لأجل شدة البرد، رخَّصوا (¬2) لها في تركها الغسل، وأنه مندوب، إذ لو كان واجباً لأمروها بتسخين الماء. قوله: "أخرجه مالك". ¬

_ (¬1) في "الموطأ" (1/ 223 رقم 3) وهو أثر حسن. وأخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (3/ 397) وقال البيهقي: وهذا الحديث الموصول وإن كان رواية محمد بن عمر الواقدي. صاحب "التاريخ" و"المغازي" فليس بالقوي. وله شواهد مراسيل عن ابن أبي مليكة، وعن عطاء بن أبي رباح، عن سعد بن إبراهيم أن أسماء بنت عميس غسلت زوجها أبا بكر - رضي الله عنه -. وذكر بعضهم أن أبا بكر - رضي الله عنه - أوصى بذلك. اهـ. (¬2) انظر: "المجموع شرح المهذب" (5/ 145 - 146)، "الأوسط" (5/ 350 - 352).

الفصل الخامس: في غسل الإسلام

الفصل الخامس: في غسل الإسلام (الفصل الخامس) من فصول باب الغسل في غسل الإسلام في حكم: (غُسِلِ الإِسْلاَمِ) أي: الغسل لمن أراد الدخول فيه. الأول: 1 - عن قيس بن عاصم - رضي الله عنه - قال: أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أُرُيدُ الإِسْلَامَ، فَأَمَرَنِي أَنْ أَغْتَسِلَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ. أخرجه أصحاب السنن (¬1). [صحيح] وفي رواية الترمذي (¬2) والنسائي (¬3): أَنَّهُ أَسْلَمَ فَأَمَرَهُ. [صحيح] حديث: "قيس بن عاصم (¬4) " لعله ابن سنان النقري الذي وفد إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأسلم وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هذا قيس سيد أهل الوبر" (¬5)، كان عاقلاً حليماً مشهوراً بالحلم، قيل: للأحنف بن قيس: ممن تعلمت الحلم؟ قال: من قيس بن عاصم، وذكر قصته. "قال: أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أريد الإسلام، فأمرني أن أغتسل" أي: ليدخل في الإسلام بعد غسل لأجله. "بماء وسدر" الظاهر أنه للندب، فإنه لم يأمر - صلى الله عليه وسلم - من كان أسلم بالاغتسال سيما من أسلم في مواقف الجهاد ونحوه, والسدر كذلك. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود رقم (355)، والترمذي رقم (605)، والنسائي في "السنن" رقم (188) وهو حديث صحيح. (¬2) في "السنن" رقم (605). (¬3) في "السنن" رقم (188). (¬4) "التقريب" (2/ 129 رقم 150)، "الاستيعاب" رقم (2103). (¬5) تقدم تخريجه.

وظاهره أنه أمره قبل إسلامه، لكن رواية النسائي (¬1) دالة على أنه بعده. قوله: "أخرجه أصحاب السنن". "وفي رواية: الترمذي والنسائي أنه أسلم، فأمره" فيكون الغسل بعد الإسلام. قالت الشافعية (¬2): إذا أراد الكافر الإسلام يبادر به ولا يؤخره للاغتسال، ولا يحل لأحد أن يأذن له في تأخيره، بل يبادر به ثم يغتسل، ويجب عليه إن كان أجنب في حال كفره. قالوا: فإن كان قد اغتسل حال كفره, فلا يجب عليه، ولكنه يستحب له الاغتسال وأوجبه أحمد (¬3) وآخرون. الثاني: 2 - وعن عثيم بن كثير بن كليب، عن أبيه، عن جده: أَنَّهُ جَاءَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: قَدْ أَسْلَمْتُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "القِ عَنْكَ شَعْرَ الكُفْرِ"، يَقُولُ: احْلِقْ، قَالَ: فَأَخْبَرَنِي آخَرُ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ لآخَرَ مَعَهُ: "القِ عَنْكَ شَعْرَ الكُفْرِ وَاخْتَتِنْ ". أخرجه أبو داود (¬4). [حسن بشواهده] ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (188) عن قيس بن عاصم أنه أسلم فأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يغتسل بماء وسدر. وهو حديث صحيح. (¬2) "البيان" (1/ 245 - 247)، "المجموع شرح المهذب" (2/ 155). (¬3) انظر: "كشف القناع" (1/ 145)، "المغني" (1/ 152). (¬4) في "السنن" رقم (356). وأخرجه أحمد (3/ 415)، والطبراني في "الكبير" (22/ 395 رقم 982)، وابن عدي في "الكامل" (1/ 323)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (8/ 223 - 224). قلت: سنده ظاهر الضعف لجهالة المخبر لابن جريج، ولجهالة عثيم وابن كليب أيضاً؛ لكن للحديث شاهدان من حديث واثلة بن الأسقع، وقتادة, أبي هشام. =

حديث: "عثيم" (¬1) بعين مهملة فمثلثة، فمثناة تحتية بصيغة التصغير. "ابن كثير بن كليب" الحضرمي أو الجهني. "عن أبيه" كثير "عن جده" كليب، في كتاب "الكاشغري" في الصحابة: كليب (¬2) أبو كثير الهذلي له رواية، روى عنه ابنه عثيم. انتهى. يريد هذه الرواية، وكأنه ما روى عنه غيره. "أنه جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: إني قد أسلمت [374 ب] فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: الق عنك شعر الكفر، يقول: احلق" هذه اللفظة مدرجة "قال" أي: كليب. "وأخبرني آخر أن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قال لآخر معه: ألق عنك شعر الكفر واختتن" فأفادت الأحاديث ثلاثة أحكام: يلزم من دخل في الإسلام الاغتسال الحلق والاختتان، وهو محمول كله على الندب عند الكثير من العلماء (¬3). قوله: "أخرجه أبو داود". قلت: قال الحافظ في "التقريب" (¬4): إنّ عثيماً مجهول. ¬

_ = أمَّا حديث واثلة بن الأسقع فقد أخرجه الحاكم (3/ 570)، والطبراني في "الكبير" (22/ 82 رقم 199)، وفي "الصغير" (2/ 42 - 43)، وفي سنده منصور بن عمّار، ومعروف أبو الخطاب، وكلاهما من الضعفاء. وأمَّا حديث قتادة فقد أخرجه الطبراني في "الكبير" (19/ 14 رقم 20). وقال الهيثمي في "المجمع" (1/ 283): رجاله ثقات. قلت: وفي سنده هشام بن قتادة، مجهول كما في "الجرح والتعديل" (9/ 68). وخلاصة القول: أن الحديث حسن بشاهديه, والله أعلم. (¬1) انظر: "التقريب" (2/ 16 رقم 129). (¬2) انظر: "تتمة جامع الأصول" (2/ 699 - 700 - قسم التراجم). (¬3) انظر: "شرح صحيح مسلم" للنووي (3/ 148). (¬4) (2/ 16 رقم 129).

الفصل السادس: في الحمام

الفصل السادس: في الحمّام (الفَصْلُ السَّادِسُ) من فصول باب الغسل، وهو آخرها. في الحمام "في" حكم "الّحّمام" (¬1) بالتشديد، وهو مذكر وحكي فيه التأنيث، وأول من دخل الحمام ووضعت له فيه النورة سليمان - عليه السلام -، فلما وجد حّرّه قال: أوه من عذاب النار، كذا قيل. الأول: حديث (عائشة - رضي الله عنها -): 1 - عن عائشة - رضي الله عنها -: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - نَهَى الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ عَنْ دُخُولِ الحَمَّامَ قَالَتْ: ثُمَّ رَخَّصَ لِلرِّجَالِ أَنْ يَدْخُلُو فِي المَآزِرِ (¬2). [ضعيف] "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى الرجال والنساء عن دخول الحمام"؛ لأن قد ورد: "بئس البيت الحمام" (¬3) ولأنه محل كشف العورات، والمرأة عورة كلها، فلذا أذن للرجال، كما قالت: "ثم رخَّص للرجل أن يدخلوه في المآزر" دون النساء إلا أنه قد ورد الإذن للمريضة منهن والنفساء في حديث يأتي. قال ابن الأثير (¬4): "أخرجه أبو داود والترمذي" من حدث حماد بن سلمة بن دينار، عن عبد الله بن شداد، عن أبي عذرة (¬5) عنها، لكنه تابعي، أدرك النَّبي - صلى الله عليه وسلم -. ¬

_ (¬1) انظر: "القاموس المحيط" (ص 1418)، "والصحاح" (5/ 1904 - 1905). (¬2) أخرجه أبو داود رقم (4009)، والترمذي رقم (2802)، وابن ماجه رقم (3749)، وهو حديث ضعيف. (¬3) سيأتي نصه وتخريجه. (¬4) في "الجامع" (7/ 339). (¬5) قال الحافظ في "التقريب" (2/ 450 رقم 119) أبو عذرة بضم أوله وسكون المعجمة، له حديث في الحمام، وهو مجهول، من الثانية، ووهم من قال له صحبة.

قال الترمذي (¬1): غريب لا نعرفه إلاّ من حديث حماد بن سلمة، وإسناده ليس بذاك القائم. انتهى. - وفي رواية: أَنَّ عَائِشَةَ دَخَلَ عَلَيْهاَ نِسْوَةٌ مِنْ نِساَءِ أَهْلِ الشَّامِ، فَقَالَتْ: لَعَلَّكُنَّ مِنْ الكُورَةِ الَّتِي يَدْخُلُنَ نِسَاؤُهَا الحَمَّامَاتِ؟ قُلْنَ: نَعَمْ، قَالَتْ: أَمَا إِنِّي سَمِعْتُ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مَا مِنْ امْرَأَةٍ تَخْلَعُ ثِيَابَهَا فِي غَيْرِ بَيْتِهَا إِلَّا هَتكَتْ مَا بَيْنَهَا وَبيْنَ الله مَنْ حِجَابٍ". أخرجه أبو داود (¬2) والترمذي (¬3). [صحيح] "الكورة" (¬4) اسم يقع على جهة من الأرض، مخصوصة كالشام والعراق، وفلسطين ونحو ذلك. قوله: "وفي روية" لفظ "الجامع" (¬5): ولهما في رواية أبي المليح الهذلي. "قال: دخل على عائشة - رضي الله عنها - نسوة من نساء أهل الشام، فقالت: لعلكن من الكورة" في "القاموس" (¬6): الكُورة بالضم المدينة والصقع من الأرض، وفسّرها المصنف بما يأتي. "التي يدخل نساؤها الحمامات؟ قلن: نعم، فقال: أما إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ما من امرأة تخلع ثيابها في غير بيت زوجها إلاّ هتكت ما بينها وبين الله من حجاب". ¬

_ (¬1) في "السنن" (5/ 113). (¬2) في "السنن" (4010). (¬3) في "السنن" رقم (2803). وأخرجه ابن ماجه رقم (3750) , والحاكم (4/ 289) , وقال الحاكم: صحيح على شرطهما. وهو حديث صحيح، والله أعلم. (¬4) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (7/ 339)، وانظر: "لسان العرب" مادة كور. (¬5) (7/ 339). (¬6) "القاموس المحيط" (ص 607).

هذا حديث آخر عن شعبة عن منصور، عن سالم [375 ب] ابن أبي الجعد، عن أبي الميلح، عن عائشة كلهم رجال الصحاح، لكن رواه جرير، عن سالم عنها، وكان سالم يدلس ويرسل، وقال الترمذي (¬1): حديث حسن. قوله: "أخرجه أبو داود والترمذي". قلت: نعم هما أخرجا الرواية الأولى، وفيها مجهول، وأخرجا الرواية الثانية (¬2)، وقد حسن الترمذي (¬3) سندها. الثاني: حديث (ابن عمرو بن العاص): 2 - وعن ابن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما -: أَنَّ رَسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "سَتُفْتَحُ لَكُمْ أَرْضُ العَجَمِ، وَسَتَجِدُونَ فِيهَا بُيُوتًا يُقَالُ لهَا: الَحمَّامَاتُ، فَلاَ يَدْخُلَنّهَا الرِّجَالُ إِلاَّ بِالأُزُرِ، وَامْنَعُوا مِنْهَا النِّسَاءَ إِلاَّ مَرِيضَةً أَوْ نُفَسَاءَ". أخرجه أبو داود (¬4). [ضعيف] "أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ستفتح لكم أرض العجم" هذا من أعلام النبوة، فإنها فتحت في أيام عمر. "وستجدون فيها بيوتاً يقال لها: الحمامات، فلا يدخلنها الرجال إلاّ بأزر، وامنعوا منها النساء إلاّ مريضة أو نفساء" فتدخل مريدة الاغتسال من الحيض؛ لأنه سماه الشارع نفاساً. قوله: "أخرجه أبو داود". ¬

_ (¬1) في "السنن" (5/ 114). (¬2) وهي روية صحيح، والله أعلم. (¬3) في "السنن" (5/ 114). (¬4) في "السنن" رقم (4011). وأخرجه ابن ماجه رقم (3748) وهو حديث ضعيف.

قلت: فيه عبد الرحمن (¬1) بن زياد بن أنعم الأفريقي الرجل الصالح مختلف في حفظه. الثالث: حديث (جابر - رضي الله عنه -): 3 - وعن جابر - رضي الله عنه -: أَنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِالله وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلاَ يَدْخُلِ الحَمَّامَ بِغَيْرِ إِزَارٍ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِالله وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلاَ يُدْخِلْ حَلِيلَتَهُ الَحَمَّامَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِالله وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلاَ يَجْلِسْ عَلَى مَائِدَةٍ يُدَارُ عَلَيْهَا الخَمْرِ". أخرجه الترمذي (¬2) والنسائي (¬3). [حسن] "أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمام بغير إزار". هذا تخصيص من العموم، وهو تحريم كشف العورات، وربما خصّ الحمام؛ لأنه مظنة ذلك. "ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل حليلته" زوجته التي يحل له وطئها. "من غير عذر" وهو المرض والنفاس الذي سلف استثناؤه، ولكن لفظ "الجامع" (¬4): "إلاّ من عذر" قيل عليه: هذا الاستثناء لم يذكره الترمذي (¬5)، ولم يوجد هذا الحديث في النسائي (¬6)، ولعلّ ذلك في بعض النسخ فيطلب. ¬

_ (¬1) "التقريب" (1/ 480 رقم 938). (¬2) في "السنن" رقم (2801). (¬3) في "السنن" (1/ 198). وأخرجه أحمد (3/ 339)، والحاكم (4/ 288) من طريق ابن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر. وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي، وأبو الزبير مدلس وقد عنعنه لكن تابعه طاووس عند الترمذي رقم (2801). وهو حديث حسن، والله أعلم. (¬4) (7/ 340 رقم 5385). (¬5) في "السنن" رقم (2801) وهو كما قال الشارح. (¬6) بل هو في "السنن" (198 رقم 401) والذي فيه: عن جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمام إلا بمئزر". وهو حديث صحيح.

والظاهر أنه غلط، فإنه لم يذكره الشريف أبو المحاسن (¬1) في كتابه في "الحمام" (¬2) ولم يذكر الاستثناء في حديث جابر ولا عزاه إلى النسائي، وهو في "المنتقى" (¬3) عن أبي هريرة (¬4) وليس فيه هذا الاستثناء. "ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس على مائدة" هي ما يؤكل عليها الطعام. "يدار عليها الخمر". قوله: "أخرجه الترمذي". قلت: من طريق طاوس عن جابر، وقال (¬5): حديث حسن غريب لا نعرفه من حديث طاوس عن جابر إلاّ من هذه الطريق يعني: طريق ليث (¬6) بن أبي سليم، ثم ذكر الاختلاف فيه. لكن رواه أحمد (¬7) [376 ب] من طريق ثانية من طريق ابن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر. ¬

_ (¬1) أبو المحاسن: هو محمد بن علي بن الحسن الحسيني الدمشقي، من حفاظ الحديث, ومن العلماء بالتاريخ (715 - 765 هـ). (¬2) كتابه هذا بعنوان: "الإلمام بآداب دخول الحمَّام". (¬3) رقم (43/ 351 - مع النيل) بتحقيقي. (¬4) أخرجه أحمد (2/ 321). وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (1/ 277) وقال: رواه أحمد وفيه أبو خيرة قال الذهبي: لا يعرف. انظر: "الميزان" (4/ 521). (¬5) في "السنن" (5/ 113). (¬6) ليث بن أبي سُليم: ضعيف، كوفي. قال أحمد: مضطرب الحديث، وقال يحيى: ضعيف، وقال ابن معين: لا بأس به. "التاريخ الكبير" (7/ 246)، "الميزان" (3/ 420)، "الجرح والتعديل" (7/ 177 - 179). (¬7) في "المسند" (3/ 339) وهو حديث حسن.

قوله: "والنسائي" قدّمنا لك أنه لم يوجد في النسائي (¬1) وأنه غلط، وأما ابن الأثير (¬2) فإنه نسبه إليهما والمصنف ناقل منه. ¬

_ (¬1) انظر ما تقدم. (¬2) في "الجامع" (7/ 340) بل قال ابن الأثير: وفي رواية النسائي: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمَّام إلا بمئزر". وهو في "سنن النسائي" برقم (401) وهو حديث صحيح. وقد صحت أحاديث صحيحة في الحمَّام: منها: حديث أبي أيوب الأنصاري - رضي الله عنه -، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمَّام إلا بمئزر، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر من نسائكم فلا تدخل الحمَّامَ". أخرجه ابن حبان في صحيحه رقم (5597)، والحاكم (4/ 289)، وقال الحاكم إسناده صحيح ووافقه الذهبي. وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (1/ 278)، وقال: "رواه الطبراني في الكبير" - رقم (3873) - و"الأوسط" - رقم (8658) - وفيه عبد الله بن صالح، كاتب الليث؛ وقد ضعفه أحمد وغيره. وقال عبد الملك بن شعيب: ابن الليث: ثقة مأمون. انظر: "ميزان الاعتدال" (2/ 440). وخلاصة القول: أن الحديث صحيح، والله أعلم. ومنها: عن ابن عباس - رضي الله عنهما -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخلن الحمَّام إلا بمئزر، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل حليلته الحمَّام". أخرجه الطبراني في "الكبير" كما في "مجمع الزوائد" (1/ 278 - 279) وقال الهيثمي: وفيه يحيى بن أبي سليمان المدني؛ ضعفه البخاري وأبو حاتم، ووثقه ابن حبان، وهو حديث حسن، حسنه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" رقم (167). =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = ومنها: عن أم الدرداء قالت: خرجت من الحمَّام، فلقيني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "من أين يا أم الدرداء؟ " قالت: من الحمَّام. قال: "والذي نفسي بيده ما من امرأة تضع ثيابها في غير بيت أحد من أمهاتها إلا وهي هاتكة كل ستر بينها وبين الرحمن". أخرجه أحمد (6/ 361، 362)، والطبراني في "الكبير" (24/ 252، 253، 255 رقم 645، 646، 645، 652) من طرق عن أم الدرداء. وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (1/ 277) وقال: رواه أحمد والطبراني في "الكبير" بأسانيد ورجال أحدها رجال الصحيح. وخلاصة القول: أن حديث أم الدرداء حديث حسن، والله أعلم. ومنها: عن ابن عباس - رضي الله عنهما -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "احذروا بيتاً يُقال له الحمَّام" قالوا: يا رسول الله إنه ينقي الوسخ؟ قال: "فاستتروا". أخرجه البزار رقم (319) كما في "كشف الأستار"، والطبراني في "الكبير" رقم (10932). وقال البزار: وهذا رواه الناس عن طاووس مرسلاً. وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (1/ 277) وقال: رواه البزار والطبراني في "الكبير"، ورجاله عند البزار رجال الصحيح. وصححه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" رقم (161). ومنها: عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اتقوا بيتاً يقال له: الحمَّام"، قالوا: يا رسول الله إنه يذهب الدرن وينفع المريض، قال: "فمن دخله فليستتر". أخرجه الحاكم (4/ 288) وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم. وأخرجه الطبراني في "الكبير" رقم (10926) بنحو الحاكم، وقال في أوله: "شرُّ البيوتِ الحمَّامُ ترفع فيه الأصوات وتكشف العوارات". وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (1/ 278) وقال: "وفيه يحيى بن عثمان التيمي ضعفه البخاري والنسائي، ووثقه أبو حاتم وابن حبان وبقية رجاله رجال الصحيح" اهـ. وحسنه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" تحت رقم الحديث (161). وهناك أحاديث ضعيفة ضربت الصفح عنها ولم أثبتها؛ لأن في الصحيح غنية عن الضعيف.

الباب التاسع: في الحيض

الباب التاسع: في الحيض وفيه فصلان (الباب التاسع) من أبواب الطهارة، وهو آخر أبوابها، وقد تقدّم في السادس غسل الحائض والنفاس، وإنما هذا في أحكام ذلك. الفصل الأول: في الحائض وأحكامها (الفصل الأول: في الحائض وأحكامها) ما عدا الغسل فتقدّم. الأوّل: حديث (أنس - رضي الله عنه -): 1 - عن أنس - رضي الله عنه -: أَنَّ اليَهُودَ كَانُوا إِذَا حَاضَتِ المَرْأَةُ فِيهِمْ لَمْ يُؤَاكِلُوهَا، وَلَمْ يُجَامِعُوهَا فِي البُيُوتِ، فَسَأَل أَصحَابُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَنْزَلَ الله تَعَالَى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} (¬1) إِلَى آخِرِ الآيَةِ, فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلاَّ النِّكَاحَ". فَبَلَغَ ذَلِكَ اليَهُودَ. فَقَالُوا: مَا يُرِيدُ هَذَا الرَّجُلُ أَنْ يَدَعَ مِنْ أَمْرِنَا شَيْئًا إِلاَّ خَالَفَنَا فِيهِ. فَجَاءَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ وَعَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ - رضي الله عنهما - فَقَالاَ: يَا رَسُولَ الله إِنَّ اليَهُودَ تَقُولُ كَذَا وَكَذَا، أَفَلاَ نُجَامِعُهُنَّ؟ فَتَغَيَّرَ وَجْهُ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى ظَنَنَّا أَنْ قَدْ وَجَدَ عَلَيْهِمَا، فَخَرَجَا فَاسْتَقْبَلْتَهُمَا هَدِيَّةٌ مِنْ لَبَنٍ إِلَى رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَأَرْسَلَ فِي آثَارِهِمَا فَسَقَاهُمَا، فَعَرَفَا أَنّهُ لَمْ يَجِدْ عَلَيْهِمَا. أخرجه الخمسة (¬2) إلا البخاري، وهذا لفظ مسلم. [صحيح] ¬

_ (¬1) سورة البقرة الآية: 222. (¬2) أخرجه مسلم رقم (302)، وأبو داود رقم (258)، والترمذي رقم (2977)، والنسائي (1/ 152)، وابن ماجه رقم (644)، وهو حديث صحيح.

"وجدَ (¬1) عليهِ" يجد موجدة إذا غضب. "أنّ اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلوها ولم يجامعوها". أي: لم يساكنوها. "في البيوت" ولعلّ هذا من افترائهم لا من أحكام التوراة، ويحتمل أنها من الآصار التي كانت عليهم. "فسأل أصحابُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - عن الحكم الشرعي. "فأنزل الله - عز وجل -: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} (¬2) إلى آخر الآية، فقال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "اصنعوا كل شيء إلاّ النكاح"، فإنَّه الذي أراده الله بالأمر بالاعتزال، وأراد بالنكاح الوطء نفسه, ويأتي ما أبيح للرجل من الحائض. "فبلغ ذلك اليهود فقالوا: ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئاً إلاّ خالفنا فيه، فجاء أسيد" بضم الهمزة مصغر (ابن حضير) مثله. (وعبّاد بن بشر) من أعيان الصحابة والأنصار. "فقالا: يا رسول الله! إنّ اليهود تقول: كذا وكذا، أفلا نجامعهن؟ " أي: ننكحهن إغاظة لليهود. "فتغيّر وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -"؛ لأنّه قد بيَّن أنه يحرم جماعهن ولو كان يحل لبيّنه، فلذا تغيّر. "حتى ظننَّا" لفظ "الجامع" (¬3) "فخشيا"، أي: خافا. "أنه قد وجد عليهما" غضب عليهما لما قالا ذلك. "فخرجا فاستقبلتهما هدية من لبن إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأرسل" - صلى الله عليه وسلم -. "في آثارهما فسقاهما فعرفا أنه لم يجد" أي: يغضب. "عليهما". ¬

_ (¬1) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 826). (¬2) سورة البقرة الآية: 222. (¬3) (7/ 342) والذي في نسختنا: حتى ظننا أن قد وجَدَ عليهما، فخرجا.

قوله: "أخرجه الخمسة إلاّ البخاري" ولكن في [377 ب] ألفاظه اختلاف من زيادة، كما في أبي داود (¬1): "ويشاربوها"، ونقصان كما في النسائي (¬2) فإنه أخرجه إلى قوله: "إلاّ الجماع" وكذا قال المصنف: "وهذا لفظ مسلم" (¬3). الثاني: حديث (أبي هريرة - رضي الله عنه -): 2 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أنَّ رسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ أَتَى حَائِضًا فِي فَرْجهَا، أَوْ امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا، أَوْ كَاهِناً فَقَدْ بَرِئَ مِمَّا أنزِلَ عَلَى مُحمّدٍ - صلى الله عليه وسلم -". أخرجه الترمذي (¬4). [صحيح] "أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: من أتى حائضاً في فرجها، أو امرأة في دبرها، أو كاهناً" وصدّقه في كهانته كما في حديث آخر (¬5). "فقد برئ ممّا أُنزل على محمد". قوله: "أخرجه الترمذي". قلت: وقال (¬6): لا نعرف هذا الحديث إلاّ من حديث حكم الأثرم عن أبي تميمة الهُجيميِّ عن أبي هريرة. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (258). (¬2) في "السنن" (1/ 152). (¬3) في صحيحه رقم (302) وقد تقدم. وهو حديث صحيح. (¬4) في "السنن" رقم (135). وأخرجه أحمد (2/ 408)، وأبو داود رقم (3940)، والنسائي في "عشرة النساء" رقم (130)، وابن ماجه رقم (639)، وابن الجارود رقم (107)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (3/ 45) وفي "شرح مشكل الآثار" رقم (30/ 6)، والعقيلي في "الضعفاء الكبير" (1/ 318)، وابن عدي في "الكامل" (2/ 637)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (7/ 198). وهو حديث صحيح. (¬5) تقدم وهو حديث صحيح. (¬6) في "السنن" (1/ 243).

قال (¬1): وإنما معنى هذا عند أهل العلم على التغليظ، وقد روي عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "من أتى حائضاً فليتصدق بدينار" (¬2) فلو كان إتيان الحائض كفراً لم يؤمر فيه بالكفارة, وضعّف محمد هذا الحديث من قبل إسناده, وأبو تميمة الهجيمي اسمه طريف بن مجالد. انتهى كلامه. الثالث: حديث (عائشة - رضي الله عنها -): 3 - وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كَانَتْ إِحْدَانَا إِذَا كَانَتْ حَائِضًا وَأَرَادَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُبَاشِرَهَا، أَمَرَهَا أَنْ تَتَّزِرَ بِإِزَارٍ فِي فَوْرِ حَيْضَتِهَا، ثُمَّ يُبَاشِرُهَا، وَأَيُّكُمْ يَمْلِكُ إِرْبَهُ كَمَا كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَمْلِكُ إِرْبَهُ. أخرجه الستة (¬3)، وهذا لفظ الشيخين. [صحيح] وفي رواية أبي داود (¬4): "في فَوْحِ حَيْضَتِهَا". "قالت: كانت إحدانا" أي: من نسائه - صلى الله عليه وسلم -. "إذا كانت حائضاً وأراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يباشرها" يلصق بشرته ببشرتها (¬5). "أمرها أن تأزر" وفي نسخة: "تتزر". ¬

_ (¬1) الترمذي في "السنن" (1/ 243). (¬2) أخرجه أحمد (1/ 229، 230، 237، 286، 312، 325)، وأبو داود رقم (264)، والنسائي (1/ 153)، والترمذي رقم (136)، وابن ماجه رقم (640) عن ابن عباس وهو حديث صحيح. (¬3) أخرجه البخاري رقم (302)، ومسلم رقم (293)، وأبو داود رقم (268)، والترمذي رقم (132)، وابن ماجه رقم (635)، والنسائي (1/ 185). وأخرجه أحمد (6/ 235)، والدارمي (1/ 242). وهو حديث صحيح. (¬4) في "السنن" رقم (268). (¬5) انظر: "فتح الباري" (1/ 404).

"بإزار" قال ابن العربي (¬1): كل ثوب كان في الوسط فهو الإزار والمئزر، وما كان على المنكبين فهو رداء، وما كان على الرأس فهو عمامة وخمار. "في فور حيضتها" يأتي تفسير المصنف له. "ثمّ يباشرها وأيكم يملك إربه" الإرب بكسر الهمزة وسكون الراء بعدها موحدة، الحاجة وقيل: عضو الاستمتاع. "كما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يملك إربه" قال الحافظ في "الفتح" (¬2): المراد: أنه - صلى الله عليه وسلم - كان أملك الناس لأمره، فلا يخشى عليه ما يخشى على غيره ممن يحوم حول الحمى فيقع في الحمى، ومع ذلك فكان يباشر فوق الإزار تشريعاً لغيره ممن ليس بمعصوم، وبهذا قال أكثر العلماء، وهو الجاري على قاعدة المالكية (¬3) من باب سد الذرائع. وذهب كثير من السلف أنّ الذي يمتنع من [378 ب] الاستمتاع من الحائض الفرج فقط، واختاره ابن المنذر (¬4). وقال النووي (¬5): هو الأرجح دليلاً لحديث أنس: "اصنعوا كل شيء إلاّ الجماع" وحملوا هذا الحديث على الاستحباب جمعاً بين الأدلة. وقال ابن دقيق العيد (¬6): ليس في هذا الحديث ما يقتضي منع ما تحت الإزار؛ لأنه فعل، انتهى. ¬

_ (¬1) في "عارضة الأحوذي" (1/ 216). (¬2) (4/ 404). (¬3) انظر: "المفهم" (1/ 555). (¬4) في "الأوسط" (2/ 206). (¬5) "المجموع شرح المهذب" (2/ 394). (¬6) في "إحكام الأحكام" (ص 194) ط: ابن حزم.

قوله: "أخرجه الستة وهذا لفظ الشيخين". "وفي رواية أبي داود" عن عائشة. "في فوح" (¬1) يريد: فور إلاّ أنه بحاء مهملة عوض الراء يأتي تفسيره. - وفي رواية النسائي (¬2) عن جميع بن عمير قال: دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ - رضي الله عنها - مَعَ أُمِّي وَخَالَتِي، فَسَأَلَتَاهَا: كَيْفَ كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يصنَعُ إِذَا حَاضَتْ إِحْدَاكُنَّ؟ قَالَتْ: كَانَ يَأْمُرُنَا إِذَا حَاضَتْ إِحْدَانَا أَنْ تَأَتَزِرَ بِإِزَارٍ وَاسِعٍ، ثُمَّ يَلْتَزِمُ صَدْرَهَا وَثَدْيَيْهَا. "وفي رواية النسائي" عن عائشة. (عن جميع) بالجيم مصغر (ابن عمير) كذلك وهو التيمي أبو الأسود الكوفي، صدوق، يخطئ ويتشيع، قاله في "التقريب" (¬3). "قال: دخلت على عائشة - رضي الله عنها - مع أمي وخالتي فسألتاها: كيف كان النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يصنع إذا حاضت إحداكن؟ " وأراد - صلى الله عليه وسلم - الاستمتاع منها. "قالت: كان يأمرنا إذا حاضت إحدانا" أي: عند إرادته مباشرتها. "أن تأتزر بإزار واسع، ثم يلتزم صدرها وثدييها" تثنية ثدي وهو المعروف. - وعند مالك (¬4): أَنَّ عُبَيْدَ الله بْنَ عَبْدِ الله بْنِ عُمَرَ أَرْسَلَ إِلَى عَائِشَةَ يَسْأَلُهَا: هَلْ يُبَاشِرُ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ؟ فَقَالَتْ: لِتَشُدَّ إِزَارَهَا عَلَى أَسْفَلِهَا، ثُمَّ يُبَاشِرُهَا إِنْ شَاءَ. [موقوف صحيح] ¬

_ (¬1) انظر: "فتح الباري" (1/ 404)، "معالم السنن" (1/ 185 - مع السنن). (¬2) في "السنن" (1/ 185). (¬3) (1/ 133 رقم 111). (¬4) في "الموطأ" (1/ 58 رقم 95) وهو أثر موقوف صحيح.

"وعند مالك: أنّ عبيد الله بن عبد الله بن عمر أرسل إلى عائشة يسألها: هل يباشر الرجل امرأته وهي حائض؟ فقالت: لتشد إزارها على أسفلها ثمَّ يباشرها إن شاء". وهذه فتوى من عائشة موقوفة عليها، إلاّ أنّ ما رفعته من الأحاديث دليل فتواها. - وفي رواية لأبي داود (¬1) والنسائي (¬2): أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كانَ يُبَاشِرُ المَرْأَةَ مِنْ نِسَائِهِ وَهيَ حَائِضٌ إِذَا كَانَ عَلَيْهَا إِزَارٌ إِلَى أَنْصَافِ الفَخِذَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ مُحْتَجِزَةً. [صحيح] "فوْر (¬3) حيضتهَا، وفوحُ حيضتِها" بالراء والحاء المهملتين، أي: أوله ومعظمه. و"الِاحتجازُ" شد الإزار على العورة, ومنه حُجزة السراويل، والحاجز الحائل بين الشيئين (¬4). "وفي رواية لأبي داود والنسائي" عن عائشة. "أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يباشر المرأة من نساءه وهي حائض إذا كان عليها إزار إلى أنصاف الفخذين" وتارة قالت: "واسعاً" وهي حالات كثيرة كان يتفق فيها هذا وهذا. "والركبتين محتجزة" متّزرة, وقد فسّره المصنف. الرابع: 4 - وعن زيد بن أسلم - رضي الله عنه -: أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: مَا يَحِلُّ لِي مِنِ امْرَأَتِي وَهِيَ حَائِضٌ؟ فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لِتَشُدَّ عَلَيْهَا إِزَارَهَا ثُمَّ شَأْنَكَ بِأَعْلاَهَا". أخرجه مالك (¬5). [صحيح لغيره] ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (267). (¬2) في "السنن" رقم (289). (¬3) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 398، 399). (¬4) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (7/ 345). (¬5) في "الموطأ" (1/ 57 رقم 93) وحديث صحيح لغيره.

حديث (زيد (¬1) بن أسلم) هو العدوي مولى عمر، أبو عبد الله وأبو أسامة المدني فقيه عالم وكان يرسل. قلت: فهذا الحديث مرسل. "أنّ رجلاً سأل [379 ب] النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم -: ما يحل لي من امرأتي وهي حائض؟ فقال: لتشد عليها إزارها ثم شأنك بأعلاها" كأن المراد: ما عدا فرجها كما علم من غيره. قوله: "أخرجه مالك". قلت: مرسلاً كما عرفت. الخامس: حديث (معاذ - رضي الله عنه -): 5 - وعن معاذ - رضي الله عنه - قال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - مَا يَحِلُّ لِي مِنَ امْرَأَتِي وَهيَ حَائِضٌ؟ قَالَ: "مَا فَوْقَ الإِزَارِ، وَالتَّعَفُّفُ عَنْ ذَلِكَ أَفْضَلُ" (¬2). أخرجه رزين. [ضعيف] "قال: قلت: يا رسول الله! ما يحل لي من امرأتي وهي حائض؟ " أي: إذا أردت مباشرتها. "قال: ما فوق الإزار والتعفف عن ذلك أفضل" كأنه خشية الحوم حول الحمى. قوله: "أخرجه رزين" عرفت ما فيه وبيّض له ابن الأثير. السادس: 6 - وعن عكرمة عن بعض أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا أَرَادَ مِنَ الحَائِضِ شَيْئًا القَى عَلَى فَرْجِهَا ثَوْبًا. أخرجه أبو داود (¬3). [صحيح] حديث (عكرمة عن بعض أزواج النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لا يضرّ جهالة عينها فكلهنّ عدول. ¬

_ (¬1) "التقريب" (1/ 272 رقم 157). (¬2) أخرجه أبو داود رقم (213) وهو حديث ضعيف. (¬3) في "السنن" رقم (272) وهو حديث صحيح.

"أنّ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أراد من الحائض" من أزواجه. "شيئاً" مباشرة. "ألقى" هو - صلى الله عليه وسلم - "على فرجها ثوباً"؛ لأنّ محل التحريم الفرج لا غيره. قوله: "أخرجه أبو داود". السابع: حديث (ابن عباس - رضي الله عنه -): 7 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا وَقَعَ الرَجُلُ بِأَهْلِهِ وَهيَ حَائِضٌ فَلْيَتَصَدَّقْ بِنِصْفِ دِينَارٍ". أخرجه أصحاب السنن (¬1). [صحيح] "أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: إذا وقع الرجل بأهله وهي حائض" أي: جامعها في حال حيضتها. "فليتصدق بنصف دينار" كفارة لما فعله. قوله: "أخرجه أصحاب السنن". - وفي رواية (¬2) قال: إِذَا أَصَابَهَا فِي أَوَّلِ الدَّمُ وَالدَّمُ أَحْمَرُ فَدِينَارٌ، وإنْ أَصَابَهَا فِي انْقِطَاعِ الدَّمِ وَالدَّمُ أَصْفَرُ فَنِصْفُ دِينَارٍ. [إسناده ضعيف] قال الترمذي (¬3): قد روى هذا الحديث عن ابن عباس موقوفاً. "وفي رواية" هي لأبي داود (¬4) والترمذي (¬5)، وهي عن مقسم عن ابن عباس موقوفة. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود رقم (264)، والنسائي (1/ 153)، والترمذي رقم (136)، وابن ماجه رقم (640)، وهو حديث صحيح، وقد تقدم. (¬2) أخرجها أحمد في "المسند" (1/ 367). (¬3) في "السنن" (1/ 245). (¬4) في "السنن" رقم (265) وهو صحيح موقوف. (¬5) في "السنن" رقم (137).

"إذا أصابها في أول الدم". قوله: "والدم أحمر" هذه اللفظة للترمذي (¬1). "وإن أصابها في انقطاع الدم" قريب انقطاعه. "والدم أصفر" هو للترمذي (¬2) أيضاً. قوله: "قال الترمذي" عقيب إخراجه الحديث. "قد روى هذا الحديث عن ابن عباس موقوفاً". قلت: هي رواية أبي داود (¬3) عن مقسم قدمناها، وزاد في "الجامع" (¬4): في كلام الترمذي ومرفوعاً. - وفي رواية أبي داود (¬5): عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الَّذِي يَأْتِي أَهْلَهُ وَهِيَ حَائِضٌ. قَالَ: "يَتَصَدَّقُ بِدِينَارٍ أَوْ نِصْفِ دِينَارٍ". قَالَ أَبُو دَاوُدَ: هَكَذَا الرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ. قوله: "وفي رواية أبي داود" أي: عن ابن عباس. "عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في الذي يأتي أهله وهي حائض قال: يتصدق بدينار أو بنصف دينار، قال أبو داود (¬6): هكذا الرواية الصحيحة" [380 ب] يريد التخيير، أو أنه شك من الراوي. ثم قال أبو داود (¬7): وربما لم يرفعه شعبة. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (137). (¬2) في "السنن" رقم (137). (¬3) في "السنن" رقم (266). (¬4) في "الجامع" (7/ 347). (¬5) في "السنن" رقم (1/ 182). (¬6) في "السنن" (1/ 182). (¬7) في "السنن" (1/ 182).

- وفي رواية (¬1) قال: "إِذَا أَصَابَهَا فِي الدَّمِ فَدِينَارٌ، وَإِذَا أَصَابَهَا فِي انْقِطَاعِ الدَّمِ فَنِصْفُ دِينَارٍ. [صحيح موقوف] قوله: "وفي رواية" أي: عن ابن عباس. "إذا أصابها في الدم فدينار، وإذا أصابها في انقطاع الدم" أي: قرب انقطاعه. "فنصف دينار" وفي رواية ذكرها في "المنتقى" (¬2): "فإن أصابها وقد أدبر الدم ولم تغتسل فنصف دينار". قال: وفيه غنية على تحريم الوطء قبل الغسل ونسبها - أي: الرواية - لأحمد (¬3). قلت: فيراد بانقطاع الدم: انقطاعه حقيقة إلاّ أنها لم تغتسل، وهذه الآثار كما ترى، وقد أخرج حديث ابن عباس النسائي (¬4) مرفوعاً وموقوفاً ومرسلاً. قال الخطابي (¬5): وقال أكثر العلماء (¬6): يستغفر الله ولا شيء عليه, وزعموا أنّ هذا الحديث مرسل أو موقوف على ابن عباس، ولا يصح متصلاً مرفوعاً والذِّمَمُ بَريئةٌ إلاّ أن تقوم حجة تشغلها. هذا آخر كلامه. قال الحافظ المنذري (¬7): وهذا الحديث قد وقع الاضطراب في إسناده ومتنه فروي مرفوعاً وموقوفاً ومرسلاً ومعضلاً. ¬

_ (¬1) أخرجها أبو داود في "السنن" رقم (265) وهو حديث صحيح موقوف. (¬2) رقم (16/ 383 - نيل الأوطار). (¬3) في "المسند" (1/ 367). (¬4) في "السنن" (1/ 153). (¬5) في "معالم السنن" (1/ 181 - مع السنن). (¬6) انظر: "الأوسط" (2/ 211)، "المجموع شرح المهذب" (2/ 391)، "المغني" (1/ 419 - 420). (¬7) في "مختصر السنن" (1/ 175).

وقال عبد الرحمن بن مهدي لشعبة: إنّك كنت ترفعه، قال: كنت مجنوناً فصححت. وأمّا الاضطراب في متنه فروي: بدينار أو بنصف دينار على الشك. وروي: يتصدق بدينار، فإن لم يجد فبنصف دينار. وروي: التفرقة بين أن يصيبها في أوّل الدم أو في انقطاع الدم. وروي: يتصدق بخمسيّ دينار، وروي بنصف دينار. وروي: إن كان دماً أحمراً فبدينار، وإن كان دماً أصفر فبنصف دينار. وروي: إن كان الدم غليظاً فليتصدق بدينار، وإن كان صفرة فبنصف دينار، انتهى. وقال الحافظ ابن حجر في "بلوغ المرام" (¬1): إنّ رواية ابن عباس المرفوعة التي فيها: "يتصدق بدينار أو بنصف دينار" صححّها الحاكم (¬2) وابن القطان (¬3)، انتهى. ولم يتكلم في "التلخيص" (¬4) على ذلك بل ذكر صفته وسكت عليه. الثامن: حديث (عائشة - رضي الله عنها -): 8 - وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كُنْتُ أَغْسِلُ رَأْسَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وأَنَا حَائِضٌ. أخرجه الستة (¬5). [صحيح] ¬

_ (¬1) (1/ 381 رقم 8/ 135 - مع سبل السلام) بتحقيقي. (¬2) في "المستدرك" (1/ 117 - 172). (¬3) (1/ 166). (¬4) قال الحافظ في "التلخيص" (1/ 166): وقد أمعن ابن القطان القول في تصحيح هذا الحديث، والجواب عن طرق الطعن فيه بم يراجع منه، وأقّرّ ابن دقيق العيد تصحيح ابن القطان، وقواه في "الإلمام" وهو الصواب. اهـ. (¬5) أخرجه البخاري رقم (301، 1031)، ومسلم (297)، ومالك في "الموطأ" (1/ 60)، وأبو داود رقم (2467، 2468، 2469)، والترمذي رقم (804)، والنسائي (1/ 193). وهو حديث صحيح.

"كنت أغسل رأس النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنا حائض" قد صرّح صلى الله [381 ب] عليه وآله وسلم في حديثها (¬1) أنها ليست حيضتها في يدها، وأنها تباشر الحائض كل شيء فهي طاهر البدن. قوله: "أخرجه الستة". الحديث التاسع: 9 - وعنها - رضي الله عنها - قالت: كَانَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَتَّكئُ فِي حِجْرِي وَأَنَا حَائِضٌ فَيَقْرَأُ القُرْآنَ. أخرجه الخمسة (¬2) إلا الترمذي. [صحيح] قوله: "وعنها" أي: عائشة - رضي الله عنها -. "قالت: كان النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يتكئ في حجري" في "القاموس" (¬3): بالضم والكسر، حضن الإنسان. "وأنا حائض فيقرأ القرآن" هذا مقرر للأصل، فإنّ قراءة القرآن عند الحائض جائز وفي حجرها كذلك. قوله: "أخرجه الخمسة إلاّ الترمذي". العاشر: حديث (عائشة) أيضاً: 10 - وعنها - رضي الله عنها - قالت: قَالَ لِي رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "نَاوِلِينِي الخُمْرَةَ مِنَ المَسْجِدِ" فَقُلْتُ: إِنِّي حَائِضٌ. فَقَالَ: "إِنَّ حَيْضَتَكِ لَيْسَتْ فِي يَدِكِ". أخرجه الخمسة (¬4) إلا البخاري. [صحيح] ¬

_ (¬1) سيأتي نصه وتخريجه, وهو حديث صحيح. (¬2) أخرجه البخاري رقم (297، 5749)، ومسلم رقم (301)، وابن ماجه رقم (634)، والنسائي رقم (274، 381)، وهو حديث صحيح. (¬3) "القاموس المحيط" (ص 475)، وانظر: "النهاية" (1/ 336). (¬4) أخرجه مسلم رقم (2/ 244 - 245 رقم 298)، وأبو داود رقم (261)، والترمذي رقم (134) وقال الترمذي: حديث عائشة حديث حسن صحيح. =

"الخُمرة" (¬1) حصير صغير من ليف أو غيره بقدر الكف، وهو الذي يتخذه الآن الشيعة للسجود. "والحِيضةُ" بكسر الحاء (¬2): الحالة التي تلزمها الحائض، وبفتحها: الدفعة الواحدة من دفعات الحيض. "قالت: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ناوليني الخمرة" فسّرها المصنف. "من المسجد فقلت: إني حائض" أي: فلا يحل لي دخول المسجد، أو إمساك الخمرة وهي بضم الخاء المعجمة وسكون الميم فراء. وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "فقال: إنّ حيضك ليست في يدك" يدل على الثاني، وفيه دلالة على الأول؛ لأنها لا بد وأن تدخل المسجد لأخذ الخمرة إلاّ أنه قال القاضي عياض: معناه: أنّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قال لها: ذلك من المسجد، أي: وهو في المسجد، لتناوله إياها من خارج المسجد، لا أنّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - أمرها أن تخرجها له من المسجد؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - كان في المسجد معتكفاً وكانت عائشة في محرابها وهي حائض، ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إنّ حيضتك ليست في يدك" فإنما خافت من إدخال (¬3) يدها المسجد، ولو كان أمرها بدخول المسجد لم يكن لتخصيص اليد معنى. انتهى. ¬

_ = والنسائي رقم (217)، وابن ماجه رقم (632)، وهو حديث صحيح. (¬1) انظر: "غريب الحديث" للهروي (1/ 277). وقال الخطابي في "معالم السنن" (1/ 179 - مع السنن): هي السجادة يسجد عليها المصلي، ويقال: سمّت خمرة لأنها تخمر وجه المصلي عن الأرض، أي: تستره. (¬2) قال الخطابي في "إصلاح غلط المحدثين" (ص 21 رقم 4): الحيضة بكسر الحاء المهملة، يعني الحالة والهيئة، وقال المحدثون: يفتحون الحاء وهو خطأ. وانظر: "مشارق الأنوار على صحاح الآثار" للقاضي عياض (1/ 217). (¬3) انظر: "المجموع شرح المهذب" (2/ 389)، "المغني" (1/ 200)، "والمبدع" (1/ 206).

وكأنه محاماة على المذهب، وحديث ميمونة الآتي لا يوافق كلامه. قوله: "أخرجه الخمسة إلاّ البخاري". قوله: "حصير صغير من ليف" قال ابن الأثير (¬1): من ليف مظفور. قوله: "وهو الذي يتخذه الآن الشيعة للسجود". قلت: مراده بهم الرافضة الإمامية والذي رأيناهم يتخذونه ليسجدوا عليه حجرة صغيرة من تراب كربلاء، ورأيناهم إذا لم يجدوا ذلك سجدوا على بيت [382 ب] المبصرة، أو نحوه وسألتهم فقالوا: إنّ الأفضل السجود على ذلك، ولكن لم نجد ما ذكروه في كتبهم، فمن أجمعها كتاب "تحرير الأحكام الشرعية على مذهب الإمامية" لم يذكر هذا فيه مع أنه ذكر في السجود اثني عشر بحثاً. الحادي عشر: حديث (ميمونة - رضي الله عنها -): 11 - وعن ميمونة - رضي الله عنها - قالت: كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَضَعُ رَأْسَهُ فِي حِجْرِ إِحْدَانَا فَيَتْلُو القُرْآنَ وَهِىَ حَائِضٌ، وَتَقُومُ إِحْدَانَا بِخُمْرَتِهِ إِلَى المَسْجِدِ فَتَبْسُطُهَا وَهِيَ حَائِضٌ. أخرجه النسائي (¬2). [إسناده ضعيف] ¬

_ (¬1) في "الجامع" (7/ 315). (¬2) في "السنن" (1/ 147 رقم 273) بإسناد ضعيف. وأخرجه أحمد في "المسند" (6/ 331). وأخرجه بنحو هذا اللفظ عنها عبد الرزاق في "مصنفه" رقم (1249)، وأخرجه من طريقه، والطبراني في "الكبير" (ج 24 رقم 22)، وأحمد في "المسند" (4/ 344)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (1/ 202)، و"المرقوع" صحيح لغيره, والله أعلم.

"قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يضع رأسه في حجر إحدانا فيتلو القرآن وهي حائض، وتقوم إحدانا بخمرته إلى المسجد فتبسطها" هذا يراد ما قاله القاضي عياض (¬1) مما نقلناه عنه فإنه واضح في دخولها المسجد بنفسها لبسطها وهي حائض. قوله: "أخرجه النسائي". الثاني عشر: حديث (ابن عمر - رضي الله عنه -): 12 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما -: أَنَّ جَوَارِيَهُ كُنَّ يَغْسِلْنَ رِجْلَيْهِ وَيُعْطِينَهُ الخُمْرَةَ وَهُنَّ حُيَّضٌ. أخرجه مالك (¬2). [موقوف صحيح] "أنّ جواريه كنّ يغسلن رجليه ويعطينه الخمرة وهنّ حيض". قوله: "أخرجه مالك" موقوفاً من فعل جواري ابن عمر، والحجة (¬3) إقراره لهن لما عرف من حسن تأسيه. الثالث عشر: حديث (أم سلمة - رضي الله عنها -): 13 - وعن أم سلمة - رضي الله عنها - قالت: بَيْنَا أَنَا مُضْطَجِعَةٌ مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي الخَمِيلَةِ إِذْ حِضْتُ فَانْسَلَلْتُ فَأَخَذْتُ ثِيَابَ حَيْضَتِي فَلَبِسْتُهَا، فَقَالَ لِي رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَنُفِسْتِ؟ ". قُلْتُ: نَعَمْ. فَدَعَانِي فَاضطَجَعْتُ مَعَهُ فِي الخَمِيلَةِ. أخرجه الشيخان (¬4) والنسائي (¬5). [صحيح] "الخَمِيْلَةُ" كساء له خمل أو إزار (¬6). ¬

_ (¬1) في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (2/ 131 - 132). (¬2) في "الموطأ" (1/ 52 رقم 88) بسند صحيح، وهو أثر موقوف صحيح. (¬3) انظر: "الخرشي على مختصر خليل" (1/ 209). (¬4) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (298) وأطرافه رقم (322، 323، 1929)، ومسلم رقم (296). (¬5) في "السنن" (1/ 149، 150)، وهو حديث صحيح. (¬6) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (7/ 352).

"قالت: بينّا أنا مضطجعة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الخميلة" بالخاء المعجمة مفتوحة بزنة فعيلة، يأتي تفسيرها. "إذ حضت فانسللت فأخذت ثياب حيضتي فلبستها" كأنه كان لها لباس تخصّه لحيضتها، وإلاّ فقد ورد أنه لم يكن لهنّ إلاّ ثوب واحد. "فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أنفست؟ " بكسر الفاء كما مرّ أنه يسمى الحيض نفاساً. "قلت: نعم، فدعاني فاضطجعت معه في الخيلة" فيه جواز (¬1) مضاجعة الحائض، وتقدم مراراً ما هو أزيد من ذلك. قوله: "أخرجه الشيخان والنسائي". الرابع عشر: 14 - وعن عمارة بن غراب: أَنَّ عَمَّةً لَهُ حَدَّثَتْهُ: أَنَّهَا سَألَتْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - فَقَالَتْ: إِحْدَانَا تَحِيضُ وَلَيْسَ لَهَا وَلزَوْجِهَا إِلاَّ فِرَاشٌ وَاحِدٌ؟ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: أُخْبِرُكِ مَا صَنَعَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ لَيْلاً وَأَنَا حَائِضٌ، فَمَضَى إِلَى مَسْجِدِهِ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: يَعْنِي: مَسْجِدَ بَيْتِهِ، فَلَمْ يَنْصَرِفْ حَتَّى غَلَبَتْنِي عَيْنَايْ وَأَوْجَعَهُ البَرْدُ: فَقَالَ: "ادْنِي مِنِّي". فَقُلْتُ: إِنِّي حَائِضٌ. فَقَالَ: "وَإِنْ اكْشِفِي عَنْ فَخِذَيْكِ". فكَشَفْتُ فَخِذَيَّ، فَوَضَعَ خَدَّهُ وَصَدْرَهُ عَلَى فَخِذَيَّ، وَحَنَيْتُ عَلَيْهِ حَتَّى دَفِئَ فَنَامَ. أخرجه أبو داود (¬2). [ضعيف] "حَني عليهِ" يحني: إذا انثنى عليه مائلاً، وحنا عليه يحنو إذا عطف عليه وأشفق (¬3). ¬

_ (¬1) انظر: تفصيل ذلك في "المجموع شرح المهذب" (2/ 393 - 395)، "الاختيار لتعليل المختار" (1/ 39)، "الأوسط" (2/ 205 - 208). (¬2) في "السنن" رقم (270)، وهو حديث ضعيف. (¬3) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (7/ 354).

حديث (عمارة بن غراب) بلفظ الطائر المعروف، قال في "التقريب" (¬1): تابعي مجهول غلط مَنْ عدَّه من أصحابنا بل هو من السادسة. "أنّ عمة له" مجهولة أيضاً. "حدّثته أنها سألت عائشة - رضي الله عنها - فقالت: إحدانا تحيض وليس لها ولزوجها إلاّ فراش واحد؟ فقالت عائشة: أخبرك بما صنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل ليلاً وأنا حائض فمضى إلى مسجده" قال أبو داود (¬2): تعني مسجد بيته الذي يتنفل فيه. "فلم ينصرف حتى غلبتني عيناي، وأوجعه البرد فقال: اُدني مني [383 ب] " اقربي. "فقلت: إني حائض، قال: وإن اكشفي عن فخذيك فكشفت فخذي" بالتثنية. "فوضع خده وصدره على فخذي وحنيت عليه حتى دفئَ" (¬3) يقال: دفأ الرجل فهو دفأن إذا سخن وذهب برده. قوله: "أخرجه أبو داود". قلت: فيه كما قدمنا مجهولان. الخامس عشر: حديث (عائشة - رضي الله عنها -): 15 - وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "كُنْتُ أَشْرَبُ مِنَ الإِنَاءِ وَأَنَا حَائِضٌ، ثُمَّ أَناوِلُهُ النبيَّ فَيَضَعُ فَاهُ عَلَى مَوْضِعِ فيَّ" أخرجه مسلم (¬4) بهذا اللفظ. [صحيح] ¬

_ (¬1) (2/ 50 رقم 478). (¬2) في "السنن" (1/ 186). (¬3) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (1/ 574). (¬4) في صحيحه رقم (300). وأخرجه أحمد (6/ 62)، وأبو داود رقم (259)، والنسائي (1/ 148)، وابن ماجه رقم (643) وهو حديث صحيح.

"قالت: كنت أشرب من الإناء وأنا حائض ثم أناوله النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فيضع فاه" عند شربه. "عند موضع فيَّ" تلذذاً لمحبته لها؛ ولأنّ الحائض كالطاهر إلاّ في الجماع. قوله: "أخرجه مسلم بهذا اللفظ". - وأبو داود (¬1) والنسائي (¬2)، ولفظهما: كُنْتُ أَتَعَرَّقُ العَرْقَ وَأَنَا حَائِضٌ فَأُعْطِيهِ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فيَضَعُ فَمَهُ فِي المَوْضِعِ الَّذِي وَضَعْتُ فَمِي فِيهِ. [صحيح] وأخرجه (أبو داود والنسائي) عن عائشة. ولفظهما: "كنت أتعرق العرق" (¬3) بفتح المهملة وسكون الراء، يأتي تفسيره أنه العظم عليه بقية اللحم، وتعرقه أكل اللحم الباقي عليه. "وأنا حائض فأعطيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيضع فمه في الموضع الذي وضعت فمي فيه" هذا في المأكول والأول في المشروب. - وفي أخرى للنسائي (¬4): أَنّ شُرَيحَ ابْنُ هَانِئ سَأَلِ عَائِشَةَ: هَلْ تَأْكُلُ المَرْأَةُ مَعَ زَوْجِهَا وَهِيَ طَامِثٌ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يدْعُونِي فَآكُلُ مَعَهُ وَأَنَا عَارِكٌ, فَكَانَ يَأْخُذُ العَرْقَ فُيُقْسِمُ عَلَيَّ فِيهِ، فَآَخُذُهُ فَاتَعَرَّقُ مِنْهُ، وَيَضَعُ فَمَهُ حَيْثُ وَضَعْتُ فَمِي مِنَ العَرْقِ، وَيَدْعُو بِالشَّرَابِ فيقْسِمُ عَلَيَّ فِيهِ قَبْلَ أَنْ يَشْرَبَ مِنْهُ. فآخُدُهُ فَأَشْرَبُ مِنْهُ، ثُمَّ أَضَعُهُ فَيَأْخُدُهُ فَيَشْرَبُ مِنْهُ، فَيَضَعُ فَمَهُ حَيْثُ وَضَعْتُ فَمِي مِنَ القَدَحِ. [صحيح] "الطامِثُ" (¬5) المرأة الحائض، وهي العارك. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (259). (¬2) في "السنن" رقم (282) وهو حديث صحيح. (¬3) "القاموس المحيط" (ص 1172)، "النهاية في غريب الحديث" (2/ 192). (¬4) في "السنن" رقم (279) وهو حديث صحيح. (¬5) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 122).

و"العَرْق" العظم عليه بقية اللحم. و"تعرَّقه" أكل اللحم الباقي عليه. قوله: "وفي" رواية (أخرى للنسائي) وحده. "أنّ شريح" بالمعجمة أوله، والمهملة آخره مصغر. "ابن هانئ" (¬1) أي: ابن يزيد الحارثي المذحجي أبو المقدام الكوفي مخضرم ثقة، قتل مع ابن أبي بكرة بسجستان. "سأل عائشة - رضي الله عنها -: هل تأكل المرأة مع زوجها وهي طامث؟ " أي: حائض. "قالت: نعم، كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعوني وأنا عارك" (¬2). بعين مهملة، اسم فاعل، أي: حائض. "فكان يأخذ العرق فيقسم عليَّ" أي: أتعرقه قبله. "فآخذه فأتعرق منه فيضع فمه حيث وضعت فمي من العرق" أجابت عليه مستدلة بأبلغ مما سأل عنه, فإنه سأل: هل تأكل معه؟ فردّت أنه كان - صلى الله عليه وسلم - يباشر بأكله ما باشر فمها وكذا قولها: "ويدعو بالشراب فيقسم عليّ فيه" أي: أن أشرب. "قبل أن يشرب منه فآخذه فأشرب منه ثم أضعه فيأخذه فيشرب منه فيضع فمه حيث وضعت [384 ب] فمي من القدح". السادس عشر: حديث (عبد الله بن سعد الأنصاري - رضي الله عنه -): 16 - وعن عبد الله بن سعد الأنصاري - رضي الله عنه - قال: سَالتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ مُؤَاكَلَةِ الحَائِض فَقَالَ: "وَاكِلْهَا". أخرجه الترمذي (¬3). [صحيح] ¬

_ (¬1) "التقريب" (1/ 350 رقم 55). (¬2) انظر: "غريب الحديث" للخطابي (1/ 54)، "النهاية في غريب الحديث" (2/ 194). (¬3) في "السنن" رقم (133)، وقال: حديث حسن غريب. =

"قال: سألت النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - عن مؤاكلة الحائض قال: واكلها" أي: كل معها وتأكل معك كما تقتضيه صيغة فاعل. قوله: "أخرجه الترمذي". قلت: وقال (¬1): حسن غريب. السابع عشر: حديث (عائشة - رضي الله عنها -): 17 - وعن عائشة - رضي الله عنها -: أَنَّ امْرَأَةً قالتْ لَهَا: أَتُجْزِئُ إِحْدَانَا صَلاتَهَا إِذَا طَهُرَتْ؟ فَقَالَتْ: أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ؟ كُنَّا نَحِيضُ مَعَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَوْمِ، وَلاَ نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ. أخرجه الخمسة (¬2). [صحيح] "الحرُوريةُ" جماعة من الخوارج نزلوا قرية تسمى حروراء، وقولها: أحرورية أنت؟ تريد أنها خالفت (¬3) السنة وخرجت عن الجماعة كخروج أولئك عن جماعة المسلمين. "أنّ امرأة" هي معاذة العدوية كما صرحت به الروايات. "قالت لها: أتجزيء إحدانا صلاتها إذا طهرت؟ " تريد: أَوَ يجب عليها قضاء أيام حيضها؟ كما يدل عليه الجواب، وكما في رواية: "أنها سألت عائشة فقالت: ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ ". ¬

_ = وأخرجه أحمد (4/ 342)، وأبو داود رقم (211، 212) وهو حديث صحيح. (¬1) في "السنن" (1/ 240). (¬2) أخرجه البخاري رقم (321)، ومسلم رقم (69/ 335)، وأبو داود رقم (262)، والترمذي رقم (130)، والنسائي رقم (191)، وابن ماجه رقم (631)، وأخرجه أحمد (6/ 232) وهو حديث صحيح. (¬3) ابن عبد البر في "الاستذكار" (3/ 218 رقم 3524): "وهذا إجماع من علماء المسلمين، نقله الكافة، كما نقلته الآحاد العدول، ولا مخالف فيه إلا طوائف من الخوارج، يرون على الحائض الصلاة". وانظر: "كتاب الإجماع" (ص 37 رقم 29)، "المجموع شرح المهذب" (2/ 351، 355).

"فقالت" أي: عائشة. "أحرورية أنت؟ " بالحاء والراء المهملتين نسبة إلى حروراء موضع نزل به الخوارج، وكانوا (¬1) يرون أنّ الحائض تقضي صلاة أيام حيضها. "كنّا نحيض مع النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -" في عصره. "فنترك الصلاة والصوم فنؤمر" أي: يأمرنا (¬2) رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه الذي له الأمر بالأحكام الشرعية فهو مرفوع. "بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة" فلا قضاء على الحائض للصلاة أيام حيضها، والحديث دليل لمن قال من أئمة (¬3) الأصول: أنه لا بد للقضاء من أمر جديد. قوله: "أخرجه الخمسة" بألفاظ عدة. الثامن عشر: 18 - وعن أم بُسَّة واسمها مُسَّة الأزدية قالت: حَجَجْتُ فَدَخَلْتُ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ - رضي الله عنها -. فَقُلْتُ: يَا أُمَّ المُؤْمِنِينَ! إِنَّ سَمُرَةَ بْنَ جُنْدُبٍ - رضي الله عنه - يَأْمُرُ النِّسَاءَ أَنْ يَقْضِينَ صَلاَةَ المَحِيضِ. فَقَالَتْ: ¬

_ (¬1) قال ابن عبد البر في "الاستذكار" (3/ 221 رقم 3545، 3546): "وروينا أنه قال: ليكونن قوم في آخر هذه الأمة يكذبون أولاهم ويلعنونهم، ويقولون: جَلدوا في الخمر، وليس ذلك في كتاب الله، ورجموا، وليس ذلك في كتاب الله، ومنعوا الحائض الصلاة, وليس ذلك في كتاب الله، وهذا كله قد قال به قوم من غالية الخوارج، على أنهم اختلفوا فيه أيضاً، وكلهم أهل زيغ وضلال، أمّا أهل السنة والحق فلا يختلفون في شيء من ذلك والحمد لله" اهـ. (¬2) انظر: "روضة الناظر" (2/ 425)، "إرشاد الفحول" (ص 231 - 232) بتحقيقي. (¬3) انظر: "المحصول" (2/ 251 - 254)، "المسودة" (ص 27)، "البرهان" (1/ 265)، "الإحكام" للآمدي (2/ 199).

لاَ يَقْضِينَ. كَانَتِ المَرْأَةُ مِنْ نِسَاءِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - تَقْعُدُ فِي النِّفَاسِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً لاَ يَأْمُرُهَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِقَضَاءِ صَلاَةِ النِّفَاسِ. أخرجه أبو داود (¬1). [حسن] حديث (أم بسة) بضم الموحدة, ومهملة مشدّدة وتاء تأنيث الأزدية. قوله: "واسمها بسة" في نسخ التيسير بالباء الموحدة، وفي "جامع الأصول" (¬2) اسمها مَسَّة بالميم عوض الموحدة. وفي "التقريب" (¬3) في حرف الميم: مُسّة بضم أولها والتشديد، الأزدية، أم بُسَّة بضم الموحدة والتشديد أيضاً، مقبولة من الثالثة. انتهى. فالصواب أن يقال: وعن مُسَّة أم بُسَّة. وقوله: "الأسدية" صوابه الأزدية كما في "التقريب" (¬4) و"الجامع" (¬5). "قالت: حججت فدخلت على أم سلمة" زوج النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. "فقلت: يا أم المؤمنين [385 ب] إنّ سمرة بن جندب" الصحابي المعروف. "يأمر النساء أن يقضين صلاة المحيض فقالت: لا تقضين، كانت المرأة من نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - تقعد في النفاس أربعين ليلة لا تصلي" ومرادها بنسائه - صلى الله عليه وسلم - من هنّ من أهله كفاطمة وأخواتها وغيرهما لا أزواجه، فإنه لم تلد منهن أحد في المدينة إلاّ مارية القبطية، ويحتمل أنها أرادت مارية. "ولا يأمرها النَّبي - صلى الله عليه وسلم - بقضاء صلاة النفاس" هو كجواب عائشة على معاذة العدوية إنما خصّت الحيض، وهو وإن يسمى نفاساً لكن القعود أربعين إنما هو من أحكام الولادة. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (312) وهو حديث حسن. (¬2) (7/ 358 رقم 5406). (¬3) (2/ 614 رقم 4). (¬4) (2/ 614 رقم 4). (¬5) (7/ 358 رقم 5406).

قوله: "أخرجه أبو داود". قلت: لم أجده في باب الحائض لا تقضي الصلاة، وكأنه ساقه في غيره (¬1). التاسع عشر: حديث (عائشة - رضي الله عنها -): 19 - وعن عائشة - رضي الله عنها -: أَنَّهَا قَالَتْ في المَرْأَةِ الحَامِلِ تَرَى الدَّمَ: أَنَّهَا تَدَعُ الصَّلاَةَ. أخرجه مالك (¬2) بلاغاً. [موقوف حسن] "أنها قالت في المرأة الحامل: ترى الدم" أي: دم الحيض. "أنها تدع الصلاة"؛ لأنه حيض وإن كانت [حاملا] (*)، هذه فتيا من عائشة، وهذه المسألة اختلف فيها الفقهاء (¬3) فذهب عطاء والحسن وعكرمة ومكحول وجابر بن زيد ومحمد بن المنذر وجماعة كثيرة إلى أنّ ما تراه الحامل من الدم يكون دم فساد بمنزلة الاستحاضة تصلي معه، وتصوم، وتطوف بالبيت الحرام، وتقرأ القرآن، وليست بحيض. وقال قتادة ومالك والليث بن سعد وعبد الرحمن بن مهدي وإسحاق بن راهويه: أنه دم حيض. الاستحاضة تصلي معه، وتصوم، وتطوف بالبيت الحرام، وتقرأ القرآن، وليست بحيض. وقال قتادة ومالك (¬4) والليث بن سعد وعبد الرحمن بن مهدي وإسحاق بن راهويه: أنه دم حيض. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود في "السنن" (1/ 219 الباب رقم 121 باب ما جاء في وقت النفساء). (¬2) في "الموطأ" (1/ 60 رقم 100) وهو أثر موقوف حسن. (¬3) انظره مفصلاً في "المغني" (1/ 443 - 445)، و"البيان" للعمراني (1/ 348). (¬4) انظر: "مدونة الفقه المالكي وأدلته" (1/ 205 - 206). (*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: بالمطبوع [حائضا]، والسياق يقتضي ما أُثبت، والله أعلم

قال إسحاق: قال لي أحمد بن حنبل (¬1): ما تقول في الحامل ترى الدم؟ قلت: تصلي واحتججت بخبر عطاء عن عائشة, فقال لي أحمد: أين أنت عن خبر المدنيين؟ خبر أم علقمة مولاة عائشة, فإنه أصح؟ قال إسحاق: فرجعت إلى قول أحمد. قال ابن القيم (¬2): والخبر الذي أشار إليه أحمد هو ما رويناه من طريق البيهقي (¬3)، ثم ساقه بسنده إلى أم علقمة مولاة عائشة: "أنَّ عائشة سئلت عن الحامل [386 ب] ترى الدم فقالت: لا تصلي". قال البيهقي (¬4): ورويناه عن أنس بن مالك، وروي عن عمر بن الخطاب ما يدل على ذلك. ووجه تضعيف أحمد للرواية عن عائشة: أنها تصلي، أنه كان يحي القطان ينكر هذه الرواية, ويضعف رواية ابن أبي ليلى ومطر عن عطاء. وقد جمع (¬5) بين الروايتين عن عائشة بأنها كانت ترى أنها لا تحيض، ثم رأت أنها تحيض. قلت: واعلم أنه ليس في المسألة خبر نبوي يرجع إليه، وإنما وقعت مناظرات إجتهادية بين القائلين: بأنه دم علة وفساد، والقائلين: بأنه حيض. قال المانع (¬6) من كونه دم حيض: قد قسم النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - النساء قسمين: ¬

_ (¬1) انظر: "المغني" (1/ 443 - 444) وذكره البيهقي في "السنن الكبرى" (7/ 423). (¬2) في "زاد المعاد" (5/ 648 - 649). (¬3) في "معرفة السنن والآثار" رقم (15244)، "السنن الكبرى" (7/ 423). (¬4) في "معرفة السنن والآثار" رقم (15244)، "السنن الكبرى" (7/ 423). (¬5) البيهقي في "السنن الكبرى" (7/ 423). (¬6) ذكره ابن القيم في "زاد المعاد" (5/ 649 - 650).

حاملاً وجعل عدّتها وضع الحمل، وحائلاً وجعل عدتها حيضة, فكانت الحيضة علامة براءة رحمها، فلو كان الحيض يُجامع الحمل لما [كان الحيض] (¬1) علامة على علامة. قالوا: ولذا جعلت عدة المطلقة ثلاثة قروء ولو كان الحمل يجامع الحيض لما كان دليلاً على عدمه. قالوا: وقد روى أحمد في مسنده (¬2) عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لا يحل لأحد أن يسقي ماءه زرع غيره, ولا يقع على امرأة حتى تحيض أو يتبيّن حملها". فجعل المحيض علامة على براءة الرحم من الحمل. وقال (¬3): من جعله دم حيض: إنّه لا نزاع أنّ الحامل قد ترى الدم على عادتها, ولا سيما في أول حملها، إنما النزاع في حكم هذا الدم، لا في وجوده, وقد كان حيضاً قبل الحمل بالاتفاق، فنحن نستصحبُ حكمه حتى يأتي ما يرفعه (¬4). والأصل أن الحكم إذا ثبت في محل، فالأصل بقاؤه حتى يأتي ما يرفعه. قالوا: وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "إذا كان دم الحيض فإنه أسود يعرف" (¬5). وهذا أسودٌ يعرف. ¬

_ (¬1) كذا في "المخطوط" والذي في "زاد المعاد" (5/ 650): كانت الحيضة. (¬2) (4/ 108) وهو حديث صحيح. (¬3) ابن القيم في "زاد المعاد" (5/ 651). (¬4) كذا في "المخطوط" والذي في "زاد المعاد" (5/ 651): حتى يأتي ما يرفعه بيقين. (¬5) أخرجه أبو داود رقم (286)، والنسائي في "السنن" (1/ 185)، وابن حبان رقم (1348)، والحاكم في "المستدرك" (1/ 174)، والدارقطني في "السنن" (1/ 206 - 207)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (1/ 325). وهو حديث حسن، والله أعلم.

قالوا (¬1): ولأنّ الدم الخارج من الرحم الذي رتَّب عليه الشارع الأحكام قسمان: حيض أو استحاضة، ولم يجعل لهما ثالثاً، وهذا ليس باستحاضة, فإنّ الاستحاضة هو الدم المطبق [387 ب] أو الزائد على أكثر الحيض، أو الخارج عن العادة، وهذا ليس واحداً منها، يبطل كونه استحاضة فهو حيض، ولا يمكنكم إثبات قسم ثالث في هذا المحل وجعله دم فساد، فإنه لا يثبت إلاّ بنص أو [إجماع] (¬2) وهو منتفٍ. قالوا: وصحّ عن عائشة أنها لا تصلي، وهو أصح الروايتين عنها كما قاله أحمد ورجع إليه إسحاق. وقد أطال ابن القيم (¬3) في الكلام الاستدلال لهذا الفريق بما يظهر أنّه أقوم قليلاْ، وأوضح دليلاْ. قوله: "أخرجه مالك بلاغاً" فهو منقطع، لكن قد سقنا لك ما يدل على صحته عن عائشة. الحديث العشرون: حديث (ابن عمر - رضي الله عنه -): 20 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - أنهُ قَالَ: لَا تَقْرَأُ الحَائِضُ وَلَا الجُنُبُ شَيْئاً مِنَ القُرْآنِ. أخرجه الترمذي (¬4). [ضعيف] "لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئاً من القرآن". قوله: "أخرجه الترمذي". ¬

_ (¬1) ذكره ابن القيم في "زاد المعاد" (5/ 652). (¬2) في "المخطوط" جماع، والصواب ما أثبتناه من "زاد المعاد". (¬3) في "زاد المعاد" (5/ 651 - 656). (¬4) في "السنن" رقم (130). وأخرجه ابن ماجه رقم (595)، والبغوي في "شرح السنة" (2/ 42)، والعقيلي في "الضعفاء" (1/ 90)، والخطيب في "تاريخ بغداد" (2/ 145)، والبيهقي (1/ 89)، والدارقطني (1/ 117) وهو حديث ضعيف.

قلت: هذا موقوف على ابن عمر، وهكذا ذكره ابن الأثير (¬1). لكن الذي في الترمذي (¬2) عن نافع عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تقرأ ... " الحديث. ثم قال (¬3) الترمذي: حديث ابن عمر حديث لا نعرفه إلاّ من حديث إسماعيل بن عياش عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تقرأ الحائض ولا الجنب" وهو قول أكثر أهل العلم من أصحاب النَّبي - صلى الله عليه وسلم - والتابعين ومن بعدهم مثل: سفيان الثوري، وابن المبارك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، قالوا: لا تقرأ الحائض ولا الجنب من القرآن شيئاً. أي: طرف الآية والحرف ونحو ذلك. قال (¬4): وسمعت محمَّد بن إسماعيل يقول: إِنَّ إسماعيل (¬5) بن عيَّاش يروي عن أهل الحجاز والعراق أحاديث مناكير كأنه ضعّف روايته عنهم فيما تفرّد به. وقال: إنما حديث إسماعيل بن عياش عن أهل الشام، انتهى كلامه. ¬

_ (¬1) في "الجامع" (7/ 358 رقم 5408). (¬2) في "السنن" (1/ 236 رقم 131) وهو حديث ضعيف. (¬3) في "السنن" (1/ 236). (¬4) أي: الترمذي في "السنن" (1/ 237). (¬5) قال الفسوي: تكلم قوم في إسماعيل، وإسماعيل ثقة عدل، أعلمُ الناس بحديث الشابين، ولا يدفعه دافع، وأكثر ما تكلموا قالوا: بغرب عن ثقات المدنيين والمكبين. وقال الذهبي: حديث إسماعيل عن الحجاز بين العراقيين لا يحتج به, وحديثه عن الشابين صالح من قيل الحسن، ويُحتَجُ به إن لم يعارضه أقوى منه. "المعرفة والتاريخ" (2/ 423، 424)، و"تاريخ بغداد" (6/ 224)، "الميزان" (1/ 241).

الفصل الثاني: في المستحاضة والنفساء

الفصل الثاني: في المستحاضة والنفساء (الفصل الثاني) من فصلي باب الحيض. في المستحاضة والنفساء (في المستحاضة) والاستحاضة هي: جريان الدم من فرج المرأة في غير أوانه، ويخرج من عرق يقال له: العاذل كما يأتي. قال ابن العربي (¬1): في العارضة للحائض ثمانية أسماء هو الأول، الثاني: عارك، الثالث: فارك, الرابع: طامس، الخامس: دارس [388 ب] السادس: كائر، السابع: ضاحك، الثامن: طامث. "والنُّفساء" أي: دم الولادة. الأول: حديث (عائشة - رضي الله عنها -): 1 - عن عائشة - رضي الله عنها -: أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ جَحْشٍ - رضي الله عنها -: اسْتُحِيضَتْ سَبْعَ سِنِينَ، فَسَأَلتْ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فأَمَرَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ، وَقَالَ: "هَذا عِرْقٌ". فَكَانَتْ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلاَةٍ. أخرجه الخمسة (¬2)، وهذا لفظ البخاري. [صحيح] "أنّ أم حبيبة" قال الحربي (¬3): هي أم حبيب بغير هاء, واسمها: حبيبة بنت جحش، ومن قال فيها: أم حبيبة أو زينب فقد وهم. ¬

_ (¬1) في "عارضة الأحوذي" (1/ 203 - 204). (¬2) أخرجه البخاري رقم (327)، ومسلم رقم (334)، وأبو داود رقم (288، 289، 290، 291)، والترمذي رقم (129)، والنسائي (1/ 181، 182). وهو حديث صحيح. (¬3) ذكره الحافظ في "الفتح" (1/ 427) حيث قال: وقد قيل: اسمها حبيبة، وكنيتها أم حبيب بغير هاء، قاله الواقدي وتبعه الحربي ورجحه الدارقطني، والمشهور في الروايات الصحيحة أم حبيبة بإثبات الهاء.

"بنت جحش" بفتح الجيم وسكون الحاء المهملة فشين معجمة وهو ابن المطلب وهي زوج عبد الرحمن بن عوف. "استحيضت سبع سنين" استمر بها جريان الدم هذه المدة. "فسألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" عن الحكم في ذلك. "فأمرها أن تغتسل وقال: هذا" الدم. "عرق" يخرج منه وليس هو من الحيض، ويسمى هذا العرق العاذل بالعين المهملة والذال المعجمة. "فكانت تغتسل لكل صلاة" قال الطحاوي (¬1): هذا منسوخ بحديث فاطمة بنت أبي حبيش؛ لأنّ فيه الأمر بالوضوء لكل صلاة لا الغسل. وقال الحافظ ابن حجر (¬2): والجمع يحمل حديث أم حبيبة على الندب أولى، انتهى. قلت: لأن النسخ فرع معرفة التاريخ, ولا يعرف المتقدم، ثم إنه ليس في الحديث أنه أمرها النَّبي - صلى الله عليه وسلم - بالغسل لكل صلاة إلاّ في رواية لأبي داود (¬3): أنه قال لها النَّبي - صلى الله عليه وسلم -: "اغتسلي لكل صلاة" وفي أخرى (¬4): "توضئي لكل صلاة"، وزيادة: "توضئي" أسقطها مسلم (¬5) من روايته. قالوا: لأنها مما انفرد بها حمّاد. ¬

_ (¬1) في "شرح معاني الآثار" (1/ 102). (¬2) في "فتح الباري" (1/ 427). (¬3) في "السنن" رقم (291). (¬4) في "السنن" رقم (282). (¬5) في "صحيحه" رقم (333).

قال النسائي (¬1): لا نعلم قال: "وتوضئي" في الحديث غير حماد - يريد حماد بن زيد - وقد روى هذه الزيادة أبو داود (¬2) وقال: إنّها ضعيفة. لكن الحافظ ابن حجر تردد في ذلك كما في "فتح الباري" (¬3). وفي رواية للنسائي (¬4): "فلتغتسل لكل صلاة" وتأتي هذه الرواية, وهذا الحديث مروي بعدة ألفاظ كما ساقه ابن الأثير في "الجامع" (¬5)، ولذا قال المصنف: (أخرجه الخمسة وهذا لفظ البخاري). - ولمسلم (¬6): أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ - رضي الله عنها - الَّتِي كَانَتْ تَحْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ - رضي الله عنه -، شَكَتْ إِلَى رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - الدَّمَ، فَقَالَ لها: "أَمْكِثِي قَدْرَ مَا كَانَتْ تَحْبِسُكِ حَيْضَتُكِ، ثُمَّ اغْتَسِلِي"، فَكَانَتْ تَغْتَسِلُ عِنْدَ كُلِّ صَلاةٍ. [صحيح] "ولمسلم من حديث عائشة أن أم حبيبة - رضي الله عنها - التي كانت تحت عبد الرحمن بن عوف شكت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال لها: امكثي" أي: تحيَّضي. "قدر ما كانت تحبسك" من الأيام [389 ب]. "حيضتك" أي: عن الصلاة والصيام ونحوهما. "ثم اغتسلي" غسل الحيض. ¬

_ (¬1) في "السنن" (1/ 181، 185). (¬2) في "السنن" رقم (282). (¬3) (1/ 427 - 428). (¬4) في "السنن" (1/ 181، 185). (¬5) (7/ 359 - 363). (¬6) في "صحيحه" رقم (66/ 334).

"فكانت تغتسل لكل صلاة" قال النووي في شرح مسلم (¬1): واعلم أنه لا يجب على المستحاضة الغسل لشيء من الصلوات، ولا في وقت من الأوقات إلا مرة واحدة، وقت انقطاع حيضتها، وبهذا قال جمهور (¬2) العلماء من الخلف والسلف. وذكر من قال بذلك من الصحابة والتابعين، ثم ذكر من قال بخلافه. قال: ودليل الجمهور أن الأصل عدم الوجوب، فلا يجب إلا ما ورد الشرع بإيجابه، ولم يصح عن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أمرها بالغسل، إلا مرة واحدة عند انقطاع حيضها، هو قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة, وإذا أدبرت فاغتسلي" وليس في هذا ما يقتضي تكرار الغسل. قال (¬3): وأما الأحاديث الواردة في سنن أبي داود والبيهقي وغيرهما أن النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أمرها بالغسل، فليس فيها شيء ثابت. وقد بين البيهقي (¬4) ومن قبله ضعفها، ثم ذكر رواية الشيخين، وفيها ما سلف من أمره لها بالاغتسال، حيث قال: "إنما ذلك عرق، فاغتسلي وصلي" "وكانت تغتسل عند كل صلاة". قال الشافعي (¬5) - رحمه الله -: إنما أمرها - صلى الله عليه وسلم - أن تغتسل لكل صلاة. قال: ولا شك إن شاء الله أن غسلها كان تطوعاً، غير ما أمرت به, وذلك واسع لها، هذا كلام الشافعي بلفظه، وكذا قاله شيخه سفيان بن عيينة، والليث ابن سعد وغيرهما. ¬

_ (¬1) (4/ 19). (¬2) انظر: "فتح الباري" (1/ 427). (¬3) أي: النووي في "شرح صحيح مسلم" (4/ 20). (¬4) في "السنن الكبرى" (1/ 321). (¬5) في "الأم" (1/ 245 رقم 825)، وانظر "المجموع" (2/ 554)، "السنن الكبرى" (1/ 332 - 334).

- وله (¬1) في أخرى. قالت عائشة - رضي الله عنها -: كَانَتْ تَغْتَسِلُ في مِرْكَنٍ فِي حُجْرَةِ أُخْتِهَا زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ - رضي الله عنها -، حَتَّى تَعْلُوَ حُمْرَةُ الدَّمِ المَاءَ. [صحيح] "وله" أي: لمسلم. "في أخرى قالت عائشة - رضي الله عنها - كانت تغتسل في مركن" قال النووي (¬2) بسكر الميم وفتح الكاف، هو الإجَّانة التي يغسل فيها الثياب. "في حجرة أختها زينب بنت جحش، حتى تعلوا حمرة الدم الماء" معناه: أنها كانت تغتسل في المركن، فتجلس فيه, فتصب عليها الماء فيختلط الماء المتساقط عليها بالدم فيحمر الماء، ثم إنه لا بد أن تتنظف بعد تلك الغسلة المتغيرة, قاله النووي في "شرح مسلم" (¬3). - وعند النسائي (¬4): أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ اسْتُحِيضَتْ، لاَ تَطْهُرُ، فَذَكَرَ شَأْنَهَا لِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "لَيْسَتْ بِحَيْضَةٍ, وَلَكِنَّهَا رَكْضَةٌ مِنَ الرَّحِمِ، لِتَنْظُرْ قَدْرَ أَقْرَائِهَا الَّتِي كَانَتْ تَحِيضُ بِهاَ فَتترُكِ الصَّلاَةَ, ثُمّ تَنتَظِر بَعْدُ ذَلِكَ فَتَغْتَسِلُ عِنْدَ كُلِّ صَلاَةٍ". [صحيح] "وفي رواية" عن عائشة "عند النسائي". "أن [390 ب] أم حبيبة استحيضت لا تطهر، فذكر شأنها لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ليست بالحيضة" المعتادة, وهي بفتح الحاء كما نقله الخطابي (¬5) عن أكثر المحدثين أو كلهم. "وقال النووي (¬6): هو متعين أو قريب من المتعين. ¬

_ (¬1) أي: مسلم في صحيحه رقم (64/ 334). (¬2) في "شرحه لصحيح مسلم" (4/ 25)، وانظر: "النهاية" (1/ 687). (¬3) (4/ 25 - 26). (¬4) في "السنن" (1/ 184 - 185). (¬5) في "معالم السنن" (1/ 208). (¬6) في "شرحه لصحيح مسلم" (4/ 21).

"ولكنها ركضة من الرحم" ولابن عمر: "ركضة من الشيطان" وتقدم أنه عرق ولا منافاة، فإن العرق يركضة الشيطان في الرَّحم، فالنسبة صحيحة إلى كل واحد. "لتنظر قدر اقرائها التي كانت تحيض" قبل استمرار الدم، وهذا مبني على أنها كانت ذات عادة (¬1). "فتترك الصلاة، ثم تنتظر بعد ذلك" إلى أن تنقضي حيضتها بإتيان الدم الأسود الذي يعرف كما سلف. "فتغتسل عند كل صلاة" تقدم الكلام على هذه اللفظة. - وله (¬2) في أخرى: أَمَرَهاَ أَنْ تَتْرُكُ الصَّلاةَ قَدْرَ أَقْرَائِهَا وَحَيْضَتِهَا، وَتَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي، فَكَانَتْ تَغْتَسِلُ عِنْدَ كُلِّ صَلاةٍ. [صحيح] "وله" أي: النسائي، "في" رواية "أخرى". "أمرها أن تترك الصلاة قدر أقرائها وحيضتها" عطف تفسير. "وتغتسل" غسل الحيض. "وتصلي: فكانت تغتسل عند كل صلاة". الثاني: 2 - وعن حمنة بنت جحش - رضي الله عنها - قال: كُنْتُ أُسْتَحاَضُ فِي بَيْتِ أُخْتِي زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، - رضي الله عنها -، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، إِنِّي أُسْتَحَاضُ حَيْضَة كَثِيرَةً شَدِيدةً، فَمَا تَرَى فِيهَا؟ قَدْ مَنَعَتْنِي الصَّلاةَ وَالصَّوْمَ؟ قَالَ: "أَنْعَتُ لَكِ الكُرْسُفَ، فَإِنَّهُ يُذْهِبُ الدَّمَ"، قَالَتْ: هُوَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: "فَاتَّخِذِي ثَوْبًا" قَالَتْ: هُوَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، إِنَّمَا أَثُجُّ ثَجًّا، قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "سآمُرُكِ بِأَمْرَيْنِ، أيهما فَعَلْتِ ¬

_ (¬1) انظر: "شرح صحيح مسلم" للنووي (4/ 24 - 25). (¬2) أي: النسائي في "السنن" رقم (357).

أَجْزَأَ عَنْكِ مِنَ الآخَرِ، وَإِنْ قَوِيتِ عَلَيْهِمَا فَأَنْتِ أَعْلَمُ" فَقَالَ لَهَا: "إِنَّمَا هِيَ رَكْضَةٌ مِنْ رَكضَاتِ الشيْطانِ، فَتَحيَّضِي سِتَّةَ أَيَّامٍ، أَوْ سَبْعَةَ أَيَّامٍ فِي عِلْمِ الله، ثُمَّ اغتَسِلِي، حَتَّى إِذَا رَأَيْتِ أَنَّكَ قَدْ طهُرْتِ, وَاسْتَنْقَأْتٍ فَصَلِّي ثَلاثًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً, أَوْ أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً, وَأَيَّامَهَا وَصُومِي، فَإِنَّ ذَلِكَ يُجْزِئُكِ، وَكَذَلِكَ فَافْعَلِي كُلَّ شَهْرٍ كَمَا تحيض النِّسَاءَ، وَكَمَا يَطْهُرْنَ لمِيقَاتَ حَيْضِهِنَّ وَطُهْرِهِنَّ، وَإِنْ قَوِيتِ عَلَى أَنْ تُؤَخِّرِي الظُّهْرَ وَتُعَجِّلِي العَصْرَ، فَتَغْتَسِلِينَ فَتَجْمَعِينَ بَيْنَ الصَّلاَتَيْنِ الظُّهْرِ وَالعَصْرِ، وَتُؤَخِّرِينَ المَغْرِبَ وَتُعَجِّلِينَ العِشَاءَ, ثُمَّ تَغْتَسِلِينَ وَتَجْمَعِينَ بَيْنَ الصَّلاَتَيْنِ فَافْعَلِي، وَتَغْسِلِيْنَ مَعَ الفَجْرِ فَافْعَلِي، وَصُومِي إِنْ قَدَرْتِ عَلَى ذَلِكَ". قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "وَهَذَا أَعْجَبُ الأَمْرَيْنِ إِلىَّ". وبعض الرواة قال: قالت حمنة - رضي الله عنها -: هذا أعجب الأمرين إلي، ولم يجعله من قول النبي - صلى الله عليه وسلم -. أخرجه أبو داود (¬1) واللفظ له، والترمذي (¬2) بنحوه. [حسن] وعنده (¬3)، بدل قوله: "فاَتَخِذِي ثَوْباً، فَتَلَجَّمِي". "الثّجُّ" السيل، وأرادت أنه يجري كثيراً (¬4). و"الرَّكضةُ" الضربة والدفعة. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (287). (¬2) في "السنن" رقم (128) وقال: هذا حديث حسن صحيح. وأخرجه أحمد (6/ 439، 381، 382، 439، 440)، وأخرجه ابن ماجه رقم (625)، والدارقطني في "السنن" (1/ 214 رقم 48)، والحاكم في "المستدرك" (1/ 172 - 173)، والشافعي رقم (141 - ترتيب المسند)، والبيهقي (1/ 338)، والطحاوي في "مشكل الآثار" (3/ 299 - 300). وهو حديث حسن. (¬3) أي: الترمذي في "السنن" رقم (128) وهو حديث حسن. (¬4) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (7/ 369).

و"التلجم (¬1) " كالاستثفار وهو أن تشدَّ المرأة فرجها بخرقة عريضة توثق الدم. حديث: "حمنة بنت جحش" هي أخت أم حبيبة، ونقل في "فتح الباري" (¬2)، عن ابن عبد البر أن بنات جحش الثلاث كن مستحاضات، زينب أم المؤمنين، وحمنة زوج طلحة، وأم حبيبة زوج عبد الرحمن بن عوف، وهي المشهورة منهن بذلك. "قالت: كنت أستحاض في بيت أختي زينب بنت جحش، فقلت: يا رسول الله! إني أُستحاض حيضة شديدة, فما ترى فيها؟ قد منعتني الصلاة والصوم، قال: أنعتُ" أصف. "لك الكرسف" (¬3) بضم الكاف وسكون الراء، وضم السين المهملة، ففاء، هو القطن، وكأنه يريد أنها تحشو مخرج الدم. "فإنه يذهب الدم" به. "قالت: هو أكثر من ذلك، قال: فاتخذي ثوباً، قالت، هو أكثر من ذلك" لا يحجبه الثوب. "إنما أثجّ" بفتح الهمزة، فمثلثة، فجيم. "ثجّا" في "القاموس" (¬4): ثجّ الماء سال. "قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سآمرك بأمرين، أيها فعلت أجزأ عنك من الآخر" فهي مخيرة فيهما. "فإن قويت عليهما فأنت أعلم" ثم بينهما لها. "فقال: إنما هذه" الحالة [391 ب] التي شكيتها. "ركضة من ركضات الشيطان" الركضة: الضربة والدفعة. ¬

_ (¬1) انظر: "الصحاح" للجوهري (5/ 2027)، "القاموس المحيط" (ص 1493). (¬2) في "فتح الباري" (1/ 411 - 412). (¬3) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 533)، "الفائق" للزمخشري (2/ 159). (¬4) "القاموس المحيط" (ص 233).

وقال ابن العربي (¬1): الوضوء بالرجل واختلف فيه، فمنهم من جعله حقيقة, وأن الشيطان ضربها حتى فتق عرقها، ومنهم من جعله مجازاً. قلت: قال ابن الأثير (¬2): أي: أنّ الشيطان قد حرك هذا الدم، وليس بدم الحيض المعتاد. وقال الخطابي (¬3): معناه أن الشيطان قد وجد بذلك طريقاً إلى التَّلبيس عليها في أمرها، وشأن دينها ووقت طُهرها حتى أنساها ذلك، فصار التقدير كأنه ركضة [نالتها] (¬4) من ركضاته. انتهى. قلت: والحقيقة أولى. "فتحَّيضي" كوني في حكم الحائضة. "ستة أيام، أو سبعة في علم الله"؛ لأنه تعالى قدر المدَّتين في حق النساء في الشهر أو نحوه. "حتى إذا رأيت" ظننت. "أنك قد طهرت واستنقأت" برؤية الدم غير الأسود. "فصلي ثلاثاً وعشرين ليلة" على تقدير أنه سبعة أيام في الشهر. "أو أربعاً وعشرين ليلة" على تقدير أنه ستة أيام. "أو أيامها" أيام الليالي المذكورة. "وصومي" أيامها. "فإن ذلك يجزئك" بكسر الكافين. "وكذلك فافعلي في كل شهر، كما تحيض النساء ويطهرن، لميقات حيضهن وطهرهن" من أول الشهر، أو أثناءه على حكم حال النساء من قرابتها، وهذا هو الأمر الأول. ¬

_ (¬1) في "عارضة الأحوذي" (1/ 207). (¬2) في "غريب الجامع" (7/ 369). (¬3) في "معالم السنن" (1/ 200 - مع السنن). (¬4) سقطت من (أ. ب) وأثبتناها من "معالم السنن".

قال ابن حجر في "الفتح" (¬1): إنّ المرأة إذا ميزت دم الحيض من دم الاستحاضة, تعتبر دم الحيض، وتعمل على إقباله وإدباره, فإذا مضى قدره اغتسلت منه, ثم صار دم الاستحاضة كالحدث فتتوضأ لكل صلاة, لكن لا تصلي به إلا صلاة واحدة من فريضة أو نافلة, لظاهر قوله: "توضئي لكل صلاة"، وبهذا قال الجمهور (¬2). والثاني قوله: "وإن قويت على أن تؤخري الظهر" إلى قريب آخر وقتها. "وتعجلي العصر" في أول وقتها بحيث يخرج وقت الظهر عند دخول العصر. "ثم تغتسلين وتجمعين بين الصلاتين" جمعاً صورياً وإلا فإن كل صلاة في وقتها. وقوله: "الظهر والعصر" بيان للصلاتين [392 ب]. "وتؤخرين المغرب" كما ذكرنا. "وتعجلين العشاء, ثم تغتسلين وتجمعين بين الصلاتين فافعلي، وتغتسلين مع الفجر فافعلي" اغتسلي. "وصومي إن قدرت على ذلك" وهذا الأمر الثاني مبني على تقدير أنها جهلت عادتها وعددها وصفة الدم. "قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: وهذا أعجب الأمرين إليَّ" أحبهما إليه. "وبعض الرواة قال: قالت حمنة - رضي الله عنها - هذا أعجب الأمرين إليّ، ولم يجعله من قول النَّبي - صلى الله عليه وسلم - ". قال ابن العربي في "شرح الترمذي" (¬3) بعد سياق هذا الحديث ما لفظه: في أحاديث الحيض مسائل من معضلات الدين ومشكلات الفقه. ¬

_ (¬1) (1/ 409 - 410). (¬2) انظر: "شرح مشكل الآثار" (3/ 299 - 300)، "المجموع شرح المهذب" (2/ 399 - 400). (¬3) (1/ 199).

ثم قال: فتقول: المستحاضات على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خمس: الأولى: حمنة بنت جحش أخت زوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زينب بنت جحش، كانت تحت مصعب بن عمير، فلما قتل تزوجها طلحة بن عبيد الله. الثانية: أم حبيبة بنت جحش، أخت حمنة، زوج عبد الرحمن بن عوف. الثالثة: فاطمة بنت أبي حبيش. الرابعة: سهلة بنت سهيل، وكانت زوج أبي حذيفة بن عتبة. الخامسة: سودة بنت زمعة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -. ثم قال (¬1): وأحاديث المستحاضة كثيرة لكن الصحيح منها ثلاثة: الأول: حديث فاطمة (¬2) وقد تقدم. والثاني: حديث أم حبيبة (¬3) بنت جحش وتقدم. الثالث: حديث سودة، كما رواه البخاري (¬4) عن عائشة: "أن امرأة من أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - استحيضت". انتهى. ثم أطال في تفصيل أحوال المستحاضات وتقسيمهن إلى أقسام أربعة، كما هو معروف في "كتب فروع المذاهب". قوله: "أخرجه أبو داود، والترمذي وعنده" أي: الترمذي. "بدل قوله: "فاتخذي ثوباً" فتلجمي" بالجيم. ¬

_ (¬1) ابن العربي في "عارضة الأحوذي" (1/ 200). (¬2) تقدم وهو حديث حسن. (¬3) تقدم وهو حديث حسن. (¬4) في صحيحه رقم (314)، وطرفاه: 315، 7357).

قال ابن العربي (¬1): كلمة غريبة لم نقع على تفسيرها في كتاب، وإنما أخذتها استقراء. قال الخليل (¬2): اللجام معروف فإن أخذناه من [393 ب] هذا كان معناه: افعلي فعلاً يمنع سيلانه واسترساله. انتهى. وفي "النهاية" (¬3): أي: اجعلي موضع خروج الدم عصابة تمنع الدم تشبيهاً بوضع الّلجام في فم الدابة. قوله: "كالاستثفار" أي: الآتي في حديث سمي. قال الهروي (¬4): هو أن تشد فرجها بخرقة عريضة توثق طرفها في حقب تشده في وسطها بعد أن تحشي كرسفاً يمنع ذلك الدم. الثالث: حديث (أسماء بنت عميس - رضي الله عنها -). 3 - وعن أسماء بنت عميس - رضي الله عنها - قالت: قُلْتُ: يَا رَسُولُ الله! إِنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَبِي حُبَيْشٍ اسْتُحِيضَتْ مُنْذُ كَذَا وَكَذَا فَلَمْ تُصَلِّ. فَقَالَ: "سُبْحَانَ الله! هَذَا مِنَ الشَّيْطَانِ، لِتَجْلِسْ في مِرْكَنٍ". فَإِذاَ رَأْتْ صَّفَرَةً فَوْقَ المَاءِ. "فَلتَغْتَسِلُ لِلظُّهْرِ وَالعَصْرِ غُسْلاً وَاحِدًا، وَتَغْتَسِلُ لِلْمَغْرِبِ وَالعِشَاءِ غُسْلاً وَاحِدًا، وَتَغْتَسِلُ لِلْفَجْرِ غُسْلاً وَاحِدًا، وَتَتَوَضَّأُ فِيْمَا بَيْنَ ذَلِكَ". قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: لما اشتد عليها الغسل أمرها أن تجمع بين الصلاتين. أخرجه أبو داود (¬5). [شاذٌ] ¬

_ (¬1) في "عارضة الأحوذي" (1/ 205). (¬2) في "كتاب العين" (ص 867). (¬3) في "النهاية في غريب الحديث" (2/ 588). (¬4) في "غريب الحديث" (3/ 114). (¬5) في "السنن" رقم (296) وهو حديث شاذٌ وقد صححه الألباني رحمه الله.

"قالت: قلت: يا رسول الله! إن فاطمة بنت أبي (¬1) حبيش" أبو حبيش بضم الحاء المهملة وفتح الموحدة آخره معجمة، اسمه قيس بن عبد المطلب بن أسد، وهي غير فاطمة بنت قيس التي طلقت ثلاثاً. "استحيضت منذ كذا وكذا فلم تصلِ، فقال: سبحان الله" أُنزه الله أن يكون منه. "هذا من الشيطان" ثم ذكر الحكم فقال: "لتجلس في مركن، فإذا رأت صفارة" بفتح الصاد المهملة وكسرها. وقال الخطابي (¬2): في السماع صُفارة بالضم، وفي رواية لأبي داود (¬3): "صفرة". "فوق الماء" الذي في المركن. "فلتغتسل للظهر والعصر" لصلاتهما. "غسلاً واحداً" كما سلف. "وتغتسل للمغرب والعشاء غسلاً واحداً، وتغتسل للفجر غسلاً واحداً، وتتوضأ فيما بين ذلك" إن أرادت نافلة. قالوا: الظاهر أنها كانت متحيرة, إلا أنها عند الشافعية: تغتسل لكل صلاة. قالوا: لكنه لما طال الأمر عليها وشق عليها ذلك رخص لها في الجمع بين الصلاتين بغسل واحد، قاله الخطابي (¬4) والبغوي (¬5). قلت: قد أشار إليه ابن عباس. ¬

_ (¬1) ذكره ابن الأثير في "تتمة جامع الأصول" (2/ 776). (¬2) في "معالم السنن" (1/ 207 - مع السنن). (¬3) في "السنن" رقم (296). (¬4) في "معالم السنن" (1/ 207 - مع السنن). (¬5) في "شرح السنة" (2/ 146 - 148).

"قال" أبو داود (¬1): رواه مجاهد عن "ابن عباس - رضي الله عنهما -: لما اشتد عليها الغسل" كأنّ المراد لكل صلاة في وقتها. "أمرها أن تجمع بين الصلاتين" جمعاً صورياً كما عرفت. قوله: "أخرجه أبو داود". الرابع: حديث (أم سلمة - رضي الله عنها -): 4 - وعن أم سلمة - رضي الله عنها - قالت: أَنَّ امْرَأَةً كَانَتْ تُهَرَاقُ الدِّمَاءَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فاستفتت لها أم سلمة - رضي الله عنها - النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال: "لتنظر عدد الأيام والليالي التي كانت تحيض فيها من الشهر قبل أن يصيبها الذي أصابها، فلتترك الصلاة قدر ذلك من الشهر، فإذا خلَّفت ذلك فلتغتسل، ثم لتستثفر بثوب، ثم لتصلَّ" أخرجه الأربعة (¬2) إلا الترمذي. [صحيح] "قالت: إن امرأة كانت تُهراق الدِّماء على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[394 ب] فاستفتت لها أم سلمة النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فقال: لتنظر عدد الأيام والليالي التي كانت تحيض فيها من الشهر قبل أن يصيبها الذي أصابها، فلتترك الصلاة قدر ذلك من الشهر" في حينه وعدده. "فإذا اختلفت ذلك فلتغتسل" غسل الحيض. "ثم لتستثفر بثوب" بتقدم بيان ذلك. "ثم لتصلِّ" أصله: تصلين فجزم بحذف نونه, ثم يصير دم الاستحاضة حدثاً من الأحداث تتوضأ معه لكل صلاة. قوله: "أخرجه الأربعة, إلا الترمذي". ¬

_ (¬1) في "السنن" (1/ 208). (¬2) أخرجه أبو داود رقم (274، 275)، وابن ماجه رقم (623)، والنسائي رقم (208، 354، 355). وهو حديث صحيح.

الخامس: 5 - وعن سمي مولى بن أبي بكر بن عبد الرحمن: أَنَّ القَعْقَاعَ وَزَيْدَ بْنَ أَسْلَمَ أَرْسَلَاهُ إِلَى سَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ - رحمه الله - يَسْأَلُهُ: كَيْفَ تَغْتَسِلُ المُسْتَحَاضَةُ؟ قَالَ: تَغْتَسِلُ مِنْ ظُهْرٍ إِلَى ظُهْرٍ وَتَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ, فَإِنْ غَلَبَهَا الدَّمُ اسْتَثْفَرَتْ بِثَوْبٍ. أخرجه أبو داود (¬1). [إسناده صحيح] قال (¬2): وكذلك: روى عن ابن عمر وأنس - رضي الله عنهم -، وهو قول سالم بن عبد الله والحسن وعطاء رحمهم الله. وقال مالك (¬3): أظن حديث بن المسيب من طهر إلى طهر، إنما هو من ظهر إلى ظهر، ولكن الوهم دخل فيه. ورواه المسور بن عبد الملك فقال فيه: من طهر إلى طهر، فقلبها الناس من ظهر إلى ظهر قلت: ذكر القاضي عياض (¬4) أن رواية المعجمة صحيحة. والله أعلم. حديث: "سمّي (¬5) " بضم السين المهملة مصغر. "مولى أبي بكر بن عبد الرحمن" بن الحارث بن هشام، ثقة من السادسة. "أن القعقاع" بقاف مكررة بينهما عين مهملة, بن حكيم، كما في "الموطأ" (¬6) الكتاني. "وزيد بن أسلم" هو العدوي مولى عمر بن عبد الله وثقة عالم. "أرسلاه" أي: سمياً. "إلى سعيد بن المسيب - رحمه الله - يسأله" لهما. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (301) بإسناد صحيح. (¬2) أبو داود في "السنن" (1/ 211 - 212). (¬3) ذكره أبو داود في "السنن" (1/ 212). (¬4) في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (2/ 176). (¬5) قاله الحافظ في "التقريب" (1/ 333 رقم 530). (¬6) (1/ 63 رقم (107) وهو أثر مقطوع صحيح.

"كيف تغتسل المستحاضة قال: تغتسل من ظهر إلى ظهر" يريد غسل حيضها بناء على تمييز دمه من دم المستحاضة. "وتتوضأ لكل صلاة"؛ لأن دم الاستحاضة حدث مستمر لا يرتفع عنها إلا حال صلاتها. "فإن غلبها الدم استثفرت بثوب" كما سلف. قوله: "أخرجه أبو داود" مرسلاً. "وقال" أبو داود. "وكذلك روي عن ابن عمر وأنس - رضي الله عنهما - " من الصحابة. "وهو قول سالم بن عبد الله والحسن، وعطاء رحمهم الله" من التابعين. وكذلك رواه داود وعاصم، عن الشعبي، عن امرأته، عن قمير، عن عائشة، إلاّ أنّ داود قال: كل يوم. وفي حديث عاصم: "عند الظهر" وهو قوله سالم بن عبد الله، والحسن وعطاء. انتهى (¬1) بلفظه. وبوب له (¬2) باب: من قال أن المستحاضة تغتسل من ظهر إلى ظهر، ثم ذكر حديث سمِّي. وبوب باباً (¬3) ثالثاً ذكر فيه. قال أبو داود (¬4): "قال مالك: إني لا أظن حديث ابن المسيب من طهر إلى طهر، إنما هو من ظهر إلى ظهر" وقت الفريضة. ¬

_ (¬1) من "سنت أبي داود" (1/ 211 - 212). (¬2) أي: أبو داود في "السنن" (1/ 211 الباب رقم 114). (¬3) أبو داود في "السنن" (1/ 212 الباب رقم 115). (¬4) في "السنن" (1/ 212).

"إلى ظهر" فقلبها الناس "من طهر إلى طهر" هذا لفظ [395 ب] أبي داود (¬1) من غير زيادة، فالذي زاده المصنف لا أدري من أين هو؟! ولم يذكره ابن الأثير ثم رأيته في السنن. السادس: حديث (علي - رضي الله عنه -): 6 - وعن علي - رضي الله عنه - قال: المُسْتَحَاضَةُ إِذَا انْقَضَى حَيْضُهاَ اغْتَسَلَتْ كُلَّ يَوْمٍ وَاتَخَذَتْ صُوفَةً فِيهاَ سَمْنٌ أَوْ زَيْتٌ. أخرجه أبو داود (¬2). [ضعيف] "قال: المستحاضة إذا انقضى حيضها" حيث هي مميزة له. "اغتسلت كل يوم" هذا بوب له (¬3) أبو داود: باب من قال المستحاضة تغتسل كل يوم مرة مرة، ولم يقل: عند، ثم ساق حديث (¬4) علي - عليه السلام -. "واتخذت صوفةً" تحشو بها فرجها. "فيها سمن أو زيت" كأنه يقطع المادة أو يخففها. قوله: "أخرجه أبو داود". قلت: وهو موقوف. كما أن الحديث السابع موقوف وهو: 7 - وعن عبد الله بن سفيان قال: سَأَلتِ امْرَأَةٌ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - فَقَالَتْ: إِنِّي أَقْبَلْتُ أُرِيدُ أَنْ أَطُوفَ بِالبَيْتِ، حَتَّى إِذَا كُنْتُ عَنْدَ بَابِ المَسْجِدِ، هَرَقْتُ الدِّمَاءَ، فَرَجَعْتُ حَتَّى ذَهَبَ ذَلِكَ عَنِّي، ¬

_ (¬1) في "السنن" (1/ 211 - 212 رقم 301). (¬2) في "السنن" رقم (302) وهو حديث ضعيف. (¬3) أبو داود في "السنن" (1/ 212 الباب رقم 115). (¬4) وهو حديث ضعيف.

ثُمَّ اغْتَسَلْتُ حَتَّى إِذَا كُنْتُ عِنْدَ بَابِ المَسْجِدِ، هَرَقْتُ الدِّمَاءَ، ثُمَّ جِئْتُ فكَذلِكَ، فَقَالَ: إِنَّمَا ذَلِكِ رَكْضَةٌ مِنْ الشَّيْطَانِ فَاغْتَسِلِي، ثُمَّ اسْتَثْفِرِي بِثَوْبٍ، ثُمَّ طُوفِي. أخرجه مالك (¬1). [موقوف ضعيف] قوله: "وعن عبد الله بن سفيان" لفظه: قال: "كنت جالساً مع ابن عمر فجاءته امرأة تستفتيه فقالت: أقبلت .... " الحديث، هكذا في "الجامع" (¬2). "قال: سألت امرأة ابن عمر فقالت: إنِّي أقبلت" إلى المسجد الحرام. "أريد أن أطوف بالبيت، حتى إذا كنت عند باب المسجد هرقت الدماء" أي: حاضت. "فرجعت" عن دخول المسجد. "حتى ذهب ذلك" وهو خروج الدم. "ثم اغتسلت" أي: وجئت إلى المسجد. "حتى كنت عند باب المسجد هرقت الدماء فكذلك" أي: فاستمر خروج الدم. "فقال" ابن عمر. "إنما ذلك ركضة من الشيطان" كما قاله النَّبي - صلى الله عليه وسلم -. "فاغتسلي" للطواف. "ثم استثفري بثوب" كما تقدم. "ثم طوفي". قوله: "أخرجه مالك". قلت: لم يذكره في الاستحاضة لعله في كتاب الحج (¬3). الثامن: حديث (عكرمة): 8 - وعن عكرمة قال: كَانَتْ أُمُّ حَبِيْبَةَ - رضي الله عنها - تُسْتَحَاضُ وَكَانَ زَوْجُهَا يَغْشَاهَا، ومِثْلُه عَنْ حَمْنَةَ بنت جحش - رضي الله عنها -. أخرجه أبو داود (¬4). [صحيح] ¬

_ (¬1) في "الموطأ" (1/ 371 رقم 124) وهو أثر موقوف ضعيف. (¬2) (7/ 377 رقم 5426). (¬3) وهو كما قال الشارح، وهو في "الموطأ" (1/ 331 رقم 124). (¬4) في "السنن" رقم (309) وهو حديث صحيح، ورقم (310) وهو حديث صحيح.

هذا الحديث جعله ابن الأثير (¬1) فرعاً ثانياً من أحكام المستحاضة. "قال: كانت أم حبيبة تستحاض وكان زوجها" وهو عبد الرحمن بن عوف كما سلف. "يغشاها". قوله: "ومثله عن حمنة" هذا حديث (¬2) آخر عن عكرمة ساقه ابن الأثير (¬3) بلفظ: وعنه قال: عن حمنة بنت جحش: "أنها كانت تستحاض وكان زوجها يغشاها"، والمصنف [396 ب] لما رأى الراوي واحداً، ومعنى الحديثين واحداً، جعلهما حديثاً واحداً؛ لأنهما معاً أخرجهما. قوله: "أخرجه أبو داود". قلت: قال الحافظ (¬4): في سماع عكرمة من أم حبيبة وحمنة نظر، وليس فيه ما يدل على سماعه منها. انتهى. نعم وصله عبد الرزاق وغيره من طريق عكرمة عنه قال: المستحاضة لا بأس أن يأتيها زوجها. انتهى. قال البخاري (¬5): إذا صلت الصلاة فهي أعظم من الجماع. قال الحافظ في "الفتح" (¬6): الظاهر أن هذا بحث من البخاري، أراد به بيان الملازمة أي: إذا جازت الصلاة فجواز الوطء أولى؛ لأنَّ أمر الصلاة أعظم من أمر الجماع، وأشار إلى الرد على من ¬

_ (¬1) في "الجامع" (7/ 389). (¬2) أخرجه أبو داود رقم (310) وهو حديث صحيح. (¬3) في "الجامع" (7/ 378 رقم 5428). (¬4) في "الفتح" (1/ 429). (¬5) في صحيحه (1/ 428 الباب رقم 28 - مع الفتح). (¬6) في "فتح الباري" (1/ 429).

يمنع وطء المستحاضة, وقد نقله ابن المنذر، عن إبراهيم النخعي، والحكم والزهري وغيرهم. انتهى. قلت: ليس في الباب نص يرجع إليه كما ترى. التاسع: حديث (أم عطية - رضي الله عنها -): 9 - وعن أم عطية - رضي الله عنها - قالت: كُنَّا لاَ نَعُدُّ الكُدْرَةَ وَالصُّفْرَةَ بَعْدَ الطُّهْرِ شَيْئاً. أخرجه أبو داود (¬1) والنسائي (¬2). [صحيح] "قالت: كنا" معشر النساء، أي: في زمن النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - مع علمه بذلك، وهذا يعطي الحديث حكم الرفع. "لا نعد الكدرة والصفرة" أي: الماء الذي تراه المرأة كالصديد يعلوه اصفرار. "بعد الطهر شيئاً" قال الحافظ (¬3): قال البخاري (¬4): باب الكدرة والصفرة في غير أيام الحيض، يشير بذلك إلى الجمع بين حديث عائشة المتقدم (¬5) في قوله: "حتى ترين القصة البيضاء" وبين حديث أم عطية (¬6) المذكور بأن ذلك محمول على ما إذا رأت الكدرة والصفرة في أيام الحيض وأما في غيرها، فعلى ما قالته أم عطية. انتهى. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (307). (¬2) في "السنن" (368). وأخرجه البخاري رقم (326)، وابن ماجه رقم (647) دون قوله: (بعد الطهر)، والدارمي (1/ 215)، والحاكم (1/ 174) وهو حديث صحيح. (¬3) في "فتح الباري" (1/ 426). (¬4) في صحيحه (1/ 426 الباب رقم 25 - مع الفتح). (¬5) أخرجه البخاري في صحيحه (1/ 420 رقم الباب 19) تعليقاً، ومالك في "الموطأ" (1/ 59). (¬6) تقدم وهو حديث صحيح.

قوله: "أخرجه أبو داود والنسائي" موقوفاً على أم عطية، وله حكم الرفع، كما عرفت. العاشر: حديث (مرجانة مولاة عائشة - رضي الله عنها -): 10 - وعن مرجانة مولاة عائشة - رضي الله عنها - قالت: كَانَ النِّسَاءُ يَبْعَثْنَ إِلَى عَائِشَةَ بِالدُّرْجَةِ فِيهَا الكُرْسُفُ فِيهِ الصُّفْرَةُ مِنْ دَمِ الحَيْضِ يِسْألنها عَنْ الصّلاةِ، فَتَقُولُ: لاَ تَعَجَلْنَ حَتَّى تَرَيْنَ القَصَّةَ البَيْضَاءَ. تَعْنِي الطُّهْرَ. أخرجه البخاري (¬1) في ترجمته، ومالك (¬2). [موقوف صحيح لغيره] "القَصةُ" الجَصُّ، والمعنى أن تخرج الخرقة التي تحتشى بها المرأة بيضاء نقية، وقيل إن القصة كالخيط الأبيض، تخرج بعد انقطاع الدم كله. "قالت: كان النساء يبعثن إلى عائشة بالدرجة" في "فتح الباري" (¬3): بكسر أوله، وفتح الراء والجيم، جمع درج بالضم ثم السكون. قال ابن بطال (¬4): كذا يرويه أصحاب الحديث، وضبطه ابن عبد البر (¬5)، بالضم ثم السكون. وقال: إنه تأنيث درج، والمراد به: ما تحتشي [397 ب] به المرأة من قطنة وغيرها، لتعرف هل بقي من أثر الحيض شيء أم لا؟. انتهى. قلت: ظاهر قوله - صلى الله عليه وسلم -: "فيه الكرسف" أنه إناء فيه القطنة، فإنها الكرسف لا أنها القطنة، كما قاله ابن عبد البر (¬6). "فيه الصفرة من دم الحيض، يسألنها عن الصلاة" أي: عن انقضاء الحيض حتى يصلين. ¬

_ (¬1) في صحيحه (1/ 420 رقم الباب 19). (¬2) في "الموطأ" (1/ 59 رقم 97) وهو أثر موقوف صحيح لغيره. (¬3) (1/ 420). (¬4) في "شرحه لصحيح البخاري" (1/ 447). (¬5) في "الاستذكار" (3/ 192 رقم 3356). (¬6) في "الاستذكار" (3/ 193 رقم 3357).

"فتقول لا تعجلن" فإن بقاء الصفرة دليل عدم النقاء، وأنه لا يكون النقاء حتى "ترين القصة البيضاء" بفتح القاف, وتشديد الصاد المهملة هي النورة، أي: حتى تخرج القطنة بيضاء نقية. "تعني الطهر" هو مدرج من أحد الرواة، وفيه دلالة على أن الكدرة, والصفرة في أيام الحيض حيض كما سلف، وأن القصة البيضاء علامة انتهاء الحيض، وبه يتبين ابتداء الطهر (¬1). والقصة البيضاء ماء أبيض تدفعه الرحم، بعد انقطاع الحيض. قال مالك (¬2): سألت النساء فإذا هو معلوم عندهن، يعرفنه عند الطهر. قوله: "أخرجه البخاري في ترجمة". قلت: الأولى ذكره فإنه لم يخرجه، بل لفظه: "وكن نساء" وفيه الجمع بين فاعلين نحو: أكلوني البراغيث، "يبعثن ... " إلى آخره. ولكن ابن الأثير (¬3) قال: أخرجه وتبعه المصنف. قوله: "ومالك". قلت: أما مالك فأخرجه في "الموطأ (¬4) " بسند عن علقمة بن أبي علقمة المدني، عن أمه، واسمها مرجانة مولاة عائشة قالت: "كان النساء .... " الحديث. فكان الصواب أن يقول ابن الأثير والمصنف: ذكره البخاري في ترجمة باب، وأخرجه مالك. ¬

_ (¬1) انظر: "المجموع شرح المهذب" (2/ 416). (¬2) انظر: "الاستذكار" (3/ 195 - 196). (¬3) في "الجامع" (7/ 379). (¬4) (1/ 59 رقم 97) وهو أثر موقوف صحيح لغيره.

الحادي عشر: 11 - وعن ابنة زيد بن ثابت: أَنَّهُ بَلَغَهَا أَنَّ نِسَاءً كُنَّ يَدْعُونَ بِالمَصابِيحِ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ يَنْظُرْنَ إِلَى الطُّهْرِ، فَقاَلتْ: مَا كَانَ النِّساَءِ يَصْنَعْنَ هذَا، وَعَابَتْ عَلَيْهِنَّ. أخرجه البخاري (¬1) في ترجمة، ومالك (¬2). [مقطوع ضعيف] حديث: "ابنة زيد" في البخاري، ساقه مع ما قبله، سياقاً واحداً بلفظ: "وبلغ بنت زيد .. " إلى آخره. قال في "الفتح" (¬3): كذا وقعت مبهمة هنا، وكذا في "الموطأ (¬4) " حيث روى هذا الأثر عن عبد الله بن أبي بكر، أي: محمَّد بن عمرو بن حزم، عن عمته عنها. ثم ذكر أن لزيد خمس بنات لم تعلم من هي منهن هنا. "أن نساء يدعين" لفظ البخاري: "يدعون" وكذا في "الجامع" لأبن الأثير، ومثله في "الموطأ" الكل بلفظ: "يدعون" وفي دعيت لغة في دعوت. "بالمصابيح في جوف [398 ب] الليل ينظرن إلى الطهر" أي: إلى ما يدل عليه. زاد بن الأثير (¬5): "فكانت تعيب عليهن" وهو كذلك في "الموطأ" (¬6). "فقالت: ما كان النساء" أي: نساء الصحابة. ¬

_ (¬1) في صحيحه (1/ 420 الباب رقم 19 - مع الفتح). (¬2) في "الموطأ" (1/ 59 رقم 98) وهو أثر مقطوع ضعيف. (¬3) (1/ 420). (¬4) (1/ 59 رقم 98) وهو أثر مقطوع ضعيف. (¬5) في "الجامع" (7/ 389 رقم 5431). (¬6) (1/ 59 رقم 98) وقد تقدم.

"يصنعن هذا" تمامه في البخاري (¬1): "وعابت عليهن" وفي "الموطأ (¬2) " فكانت تعيب ذلك عليهن" وهو في "الجامع (¬3) " كما قدمناه عنهما. وأيضاً حذف المصنف اللفظين جميعاً من العيب. قوله: "أخرجه البخاري في ترجمة" قدّمنا لك أنه لم يخرجه, ولم يجعله حديثاً مستقلاً، بل ضمَّه إلى ما قبله. قوله: "ومالك". قلت: أخرجه (¬4) بسند فقال: عن عبد الله بن أبي بكر، عن عمته, عن ابنة زيد بن ثابت ... الحديث. فكان حق العبارة كما سلف: ذكره البخاري، وأخرجه مالك، إلاّ أنّ غاية ما أفاده أنّ فعل النساء بدعة. قال في "الفتح" (¬5): وإنما عابت عليهن؛ لأن ذلك الحرج والتنطع، وهو مذموم، قاله ابن بطال (¬6) وغيره. قلت: ثم هو عن مجهولة. ¬

_ (¬1) في صحيحه (1/ 420 الباب رقم 19 - مع الفتح). (¬2) (1/ 59 رقم 98). (¬3) (7/ 389 رقم 5431). (¬4) أي: مالك في "الموطأ" (1/ 59 رقم 98) وهو أثر مقطوع ضعيف. (¬5) (1/ 421). (¬6) في "شرحه لصحيح البخاري" (1/ 446 - 447).

الثاني عشر: حديث (أم سلمة - رضي الله عنها -): 12 - وعن أم سلمة - رضي الله عنها - قالت: كَانَتِ النُّفَسَاءُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - تَقْعُدُ بَعْدَ نِفَاسِهَا أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَوْ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، وَكُنَّا نَطْلِي عَلَى وُجُوهَنَا الوَرْسِ، تَعْنيِ مِنَ الكَلَفِ. أخرجه أبو داود (¬1) والترمذي (¬2). [إسناده حسن] "قالت: كانت النفساء على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" أي: وعلمه بذلك. "تقعد" لا تصلي ولا تصوم. "بعد نفاسها أربعين يوماً أو أربعين ليلة، وكنا نطلي وجوهنا بالورس" نبت معروف. "من الكلف" من أجله لا يحل بالوجه, وهو يحدث بالوجه لبعده عن الغسل بالماء. قوله: "أخرجه أبو داود والترمذي". قلت: قال المنذري (¬3): أنه عن مُسَّه الأزدية، وأخرجه الترمذي (¬4)، وابن ماجه (¬5)، وقال (¬6) الترمذي: لا نعرفه إلاّ من حديث أبي سهل، عن مُسَّة الأزدية. وقال (¬7) محمَّد بن إسماعيل علي بن عبد الأعلى ثقة، وأبو سهل ثقة، ولم يعرف محمَّد هذا الحديث إلا من حديث أبي سهل. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (311). (¬2) في "السنن" رقم (139). وأخرجه أحمد (6/ 300، 304)، وابن ماجه رقم (648)، والدارقطني في "السنن" (1/ 221 رقم 76)، والحاكم في "المستدرك" (1/ 175) بإسناد حسن. (¬3) في "مختصر السنن" (1/ 196). (¬4) في "السنن" رقم (311). (¬5) في "السنن" رقم (648). (¬6) أي: الترمذي في "السنن" (1/ 257). (¬7) ذكره الترمذي في "السنن" (1/ 257).

وقال الخطابي (¬1): حديث مُسَّة أثنى عليه محمَّد بن إسماعيل، وقال: مُسَّة هذه أزدية, واسم أبي سهل كثير بن زياد وهو ثقة، وعلي بن عبد الأعلى ثقة. انتهى. ¬

_ (¬1) في "معالم السنن" (1/ 219 - مع السنن). • وقد اختلف الناس في أكثر النفاس، فذهب علي، وعمر، وعثمان، وعائشة، وأم سلمة، وعطاء، والثوري، والشعبي، والمزني، وأحمد بن حنبل، وملك، والهادي, والقاسم، والناصر، والمؤيد بالله، وأبو طالب إلى أن أكثر النفاس أربعون يوماً، واستدلوا بحديث أم سلمة. انظر: "الأوسط" (2/ 249)، "السنن الكبرى" (1/ 342). "مسائل أحمد وإسحاق" (1/ 140)، "الفقه المالكي في ثوبه الجديد" (1/ 138)، "البحر الزخار" (1/ 146). وقال الشافعي في قول: وروى عن إسماعيل وموسى بني جعفر بن محمَّد الصادق بل سبعون، قالوا: إذ هو أكثر ما وجد، وفي قول للشافعي: وهو الذي في كتب الشافعية, وروى أيضاً عن مالك: بل ستون يوماً. "البحر الزخار" (1/ 146)، "الأوسط" (2/ 249)، "السنن الكبرى" (1/ 241)، "المجموع شرح المهذب" (2/ 539 - 540)، "الفقه المالكي في ثوبه الجديد" (1/ 138). وقال الحسن البصري: خمسون يوماً، أخرجه ابن المنذر في "الأوسط" (2/ 250)، وعبد الرزاق في "مصنفه" (1/ 313 رقم 120). وقالت الإمامية: نيف وعشرون, "البحر الزخار" (1/ 146). وقال الترمذي في "السنن" (1/ 258) وقد أجمع أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - والتابعون ومن بعدهم على أن النفساء تدع الصلاة أربعين يوماً إلا أن ترى الطُّهر قبل ذلك فإنها تغتسل وتصلي، وهو الراجح. انظر: "الأوسط" (2/ 253).

كتاب الطعام

كتاب الطعام وفيه خمسة أبواب (كِتَابُ الطَّعَامْ) (وَفِيْهِ خَمِسَةُ أَبْوَابٍ) [399 ب] ومثله في "الجامع" (¬1). الباب الأول: في آداب الأكل (البَابُ الأَوَلْ: فِي آدَابِ الأَكْلِ). قال ابن الأثير (¬2): وفيه ستة فصول، وجعل آلات الأكل الفصل الأول. آلات الطعام (آلاَتُ الطَّعَامِ) ما يؤكل فيه أو عليه أو يتعلق بهما. الأول: حديث (أنس - رضي الله عنه -): 1 - عن أنس - رضي الله عنه - قال: مَا عَلِمْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَكَلَ عَلَى سُكْرُجَةٍ قَطُّ، وَلَا خُبِزَ لَهُ مُرَقَّقٌ قَطُّ، وَلَا أَكَلَ عَلَى خِوَانٍ قَطُّ، قِيلَ لِقَتَادَةَ: فَعَلَامَ كَانُوا يَأْكُلُونَ؟ قَالَ: عَلَى السُّفَرِ. أخرجه البخاري (¬3) والترمذي (¬4). [صحيح] "السُكْرُجَةٍ" بضم أوله وثانيه وثالثه وتشديده: إناء صغير يجعل فيه القليل من الأدم والكواميخ، وهي فارسية (¬5). ¬

_ (¬1) (7/ 381). (¬2) في "الجامع" (7/ 381). (¬3) في صحيحه رقم (5386, 5415). (¬4) في "السنن" رقم (1788). (¬5) ذكره الحافظ في "الفتح" (9/ 532)، وانظر: "النهاية في غريب الحديث" (1/ 790).

"قال: ما علمت النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أكل على سُكرجة" قد ضبطها المصنف بضم أوله وهو: سين مهملة, وثانيه وثالثه، وهي راء وتشديدها، وأنها إناء صغير يجعل فيه القليل من الأدم والكواميخ. وفي "الفتح" (¬1): قال ابن مكي: وهي صحاف صغار يؤكل فيها، ومنها الكبير والصغير يحمل قدر ستة أواقي، وقيل: ما بين ثلثي أوقية إلى أوقية. ثم قال (¬2) فيه: قال شيخنا في "شرح الترمذي": تركه الأكل في السكرجة, إما لكونها لم تصنع عندهم إذ ذاك، أو استصغاراً لها؛ لأن عادتهم الاجتماع على الأكل، أو لأنها كانت تعد لوضع الأشياء التي تعين على الهضم، ولم يكونوا غالباً يشبعون، فلم يكن لهم حاجة بالهضم. انتهى. "قط" أبداً. "ولا خبز له مرقق" أي: خبز رقيق وهي الأرغفة الواسعة المرققة، كما يخبز للمترفين. "قط" وهذا ليس من الآلات التي بوب لها. "ولا أكل على خوان" بكسر الخاء المعجمة، وهو ما يوضع عليه الطعام عند أكل. قال ابن العربي (¬3): [أنه المائدة إذا لم يكن عليه طعام مطعوم، فإن كان عليه طعام، فإنه المائدة] (¬4). ¬

_ (¬1) (9/ 532). (¬2) أي: الحافظ في "الفتح" (1/ 532). (¬3) في "عارضة الأحوذي" (8/ 281 - 280). (¬4) كذا في "المخطوط" والذي في "العارضة": الخوان المائدة إذا لم يكن عليها طعام وإلا فهي المائدة والسكرجة مائدة صغيرة ذات جدار.

"قيل لقتادة: فعلى ما كانوا يأكلون؟ قال: على السفر" جمع سفرة وأصله الطعام الذي يتخذه المسافر، وأكثر ما يصنع في جلد، فنقل اسم الطعام إلى ما يوضع فيه (¬1). قلت: ولا يخفى أن مثل هذا الشيء ليس فيه حكم شرعي، إذ لا دلالة على ندب ولا كراهة إنما هو إخبار عما كان عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في آلات مأكله. قوله: "أخرجه البخاري". قلت: بوب له (¬2) باب [400 ب]: ما أكل النبي - صلى الله عليه وسلم - خبزاً مرققاً. "والترمذي". قلت: وقال (¬3): هذا حسن غريب. قال (¬4) محمَّد بن بشار: يونس هذا هو يونس الإسكاف. انتهى. قال الحافظ (¬5): ليس ليونس هذا في البخاري، إلاّ هذا الحديث الواحد، وهو بصري، وثقه أحمد وابن معين وغيرهما، وقال ابن عدي: ليس بالمشهور، وقال ابن سعد: كان معروفاً وله أحاديث، وقال ابن حبان: لا يجوز أن يحتج به كذا قال: ومن وثقه أعرف بحاله من ابن حبان. انتهى. ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (9/ 532). (¬2) الترمذي في "السنن" (4/ 250 الباب رقم 1) باب ما جاء علام كان يأكل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (¬3) في "السنن" (4/ 250). (¬4) ذكره الترمذي في "السنن" (4/ 250). (¬5) في "الفتح" (9/ 531).

قلت: بهذا تعرف نقادة الترمذي، حيث لم يصححه وغربه، وتعرف مخالفة الحافظ للقاعدة المعروفة في الأصول، أن الجارح أولى، إلاّ في المشاهير بالعدالة والثقة، وليس يونس (¬1) هذا من المشاهير. وتعرف بطلان (¬2) قولهم: من روى عنه البخاري فقد جاز القنطرة. نعم: ليس هنا قدح في يونس، إنما نفى عنه ابن حبان الحجة, وهي أمر أخص من مطلق الجرح. قال الترمذي (¬3): وقد روى عبد الوارث، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة عن أنس نحوه. انتهى. الثاني: 2 - وعن أبي حازم قال: سَالتُ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ - رضي الله عنه -: هَلْ أَكَلَ النّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - النَّقِيَّ؟ فَقَالَ: مَا رَأَى النّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - النَّقِيَّ مُنْذُ ابْتَعَثهُ الله تَعاَلىَ حَتَّى قَبَضَهُ، فَقلتُ: هَلْ كَانَتْ لَكُمْ مَنَاخِلُ؟ فَقاَلَ: مَا رَأَىَ النّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - مُنْخِلاً مِنْ حينِ ابْتَعَثهُ الله تَعاَلىَ حَتَّى قَبَضَهُ, قُلتُ: كَيْفَ كُنْتُمْ تَأْكُلُونَ الشَّعِيرِ غَيْرَ مَنْخُولٍ؟ قَالَ كُنَّا نَطْحَنُهُ وَنَنْفُخُه, فَيَطِيرُ مِنْهُ مَا طَارَ، وَمَا بَقِيَ ثَرَّيْنَاهُ فَأَكْلنَاهُ". أخرجه البخاري (¬4)، والترمذي (¬5). [صحيح] "النَّقُّيِ" الطعام الأبيض الحواري (¬6). ¬

_ (¬1) انظر: "تهذيب التهذيب" (4/ 472)، "الميزان" (4/ 483 رقم 9916). (¬2) ليس الأمر كما قال الشارح. انظر: "فتح الباري" (4/ 472)، "تهذيب التهذيب" (4/ 472). (¬3) في "السنن" (4/ 250). (¬4) في صحيحه رقم (5410)، (5413). (¬5) في "السنن" رقم (2364) وهو حديث صحيح. (¬6) وهو النظيف الأبيض. قاله الحافظ في "الفتح" (9/ 548).

حديث: "أبي حازم" هو الأشجعي. "قال: سألت سهل بن سعد: هل أكل النبي - صلى الله عليه وسلم - النَّقي؟ "، بفتح النون، وهو خبز الرقيق الحواري، وهو النظيف الأبيض، وفي الحديث: "يحشر الناس على أرض عفراء كقرصة النَّقي". "قال: ما رأى النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - النَّقي منذ بعثه الله حتى قبضه" الله. "قلت: هل كانت لكم مناخل؟ فقال: ما رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منخلاً من حين ابتعثه الله حتى قبضه". قال الحافظ ابن حجر (¬1): أظنه احترز عما قبل البعثة، لكونه - صلى الله عليه وسلم - كان يسافر في تلك المدة إلى الشام تاجراً، وكانت الشام إذ ذاك مع الروم، والخبر النَّقي كثير عندهم، وكذا المناخل وغيرها من آلات [الثروة] (¬2) فلا ريب أنه رأى ذلك عندهم، وأمّا بعد البعثة فلم يكن إلاّ بمكة والطائف، والمدينة, ووصل إلى تبوك، وهي من أطراف الشام، لكن لم يفتحها ولا طالت [401 ب] إقامته بها. انتهى. "قلت: كيف كنتم تأكلون الشعير غير منخول؟ قال: كنا نطحنه وننفخه، فيطير منه ما طار" من قشره، وكأنه نبه بهذا على أن النهي عن النفخ في الطعام خاص بالطعام المطبوخ. "وما بقي ثرَّيناه" بللناه وعجنّاه. "فأكلناه" بعد أن تنضجه النار. قوله: "أخرجه البخاري والترمذي" إلاّ أني (¬3) لم أجده في كتاب الأطعمة من "سنن الترمذي". ¬

_ (¬1) في "فتح الباري" (9/ 548). (¬2) كذا في "المخطوط" والذي في "الفتح" الترفه. (¬3) وهو كما قال الشارح، فهو في "سنن الترمذي" (4/ 579 الباب رقم 38 ما جاء في معيشة النبي - صلى الله عليه وسلم - الحديث رقم 2364).

التسمية

التسمية (التَّسْمِيَةُ) أي: على الطعام، جعله ابن الأثير (¬1) فصلاً ثانياً. الأول: حديث (حذيفة - رضي الله عنه -): 1 - عن حذيفة قال: كُنَّا إِذَا حَضَرْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - عَلىَ الطَعَامِ، لَمْ نَضَعْ أَيْدِيَنَا حَتَّى يَبْدَأَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فَيَضَعَ يَدَهُ، وَإِنَّا حَضَرْنَا مَعَهُ مَرَّةً طَعَامًا، فَجَاءَتْ جَارِيَةٌ كَأَنَّهَا تُدْفَعُ، فَذَهَبَتْ لِتَضَعَ يَدَهَا في الطَّعَامِ، فَأَخَذَ النّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِيَدِهَا، ثُمَّ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ، كَأَنَّمَا يُدْفَعُ فَذَهَبَ لِيَضَعَ يَدَهُ، فَأَخَذَ بِيَدِهِ, ثَمَّ قَالَ: "إِنَّ الشَّيْطَانَ لِيَسْتَحِلُّ الطَّعَامَ أَنْ لَا يُذْكرَ اسْمُ الله عَلَيْهِ"، وإنَّهُ جَاءَ بِهَذهِ الجَارِيَةِ لِيَسْتَحِلَّ بِهَا، فَأَخَذْتُ بِيَدِهَا، فَجَاءَ بِهَذَا الأَعْرَابِيِّ لِيَسْتَحِلَّ بِهِ، فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ, "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ يَدِهُ لمَعَ يَدَهُما فِي يَدِي". ثُمَّ ذَكَرَ اسْمَ الله تَعاَلىَ وَأَكَلَ. أخرجه مسلم (¬2)، وأبو داود (¬3). [صحيح] قوله: "كأنَّهاَ تُدفعُ" أي: كأن وراءها من يدفعها إلى قدامها. "قال: كنا إذا حضرنا عند النَّبي - صلى الله عليه وسلم - على الطعام لم نضع أيدينا" للأكل منه. "حتى يبدأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيضع يده" هذا من الآداب أن لا يبدأ الأصاغر قبل الأكابر. "وإنا حضرنا معه مرة طعاماً فجاءت جارية كأنها تدفع" لسرعتها في المجيء, أو في إلقاء يدها. "فذهبت لتضع يدها في الطعام، فأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيدها" لئلا تضعها في الطعام. "ثم جاء أعرابي كأنما يدفع، فذهب ليضع يده في الطعام، فأخذ بيده ثم قال: إن الشيطان ليستحل الطعام أن لا يذكر اسم الله عليه". ¬

_ (¬1) في "الجامع" (7/ 383). (¬2) في صحيحه رقم (2017). (¬3) في "السنن" رقم (3766) وهو حديث صحيح. وأخرجه النسائي في "السنن الكبرى" رقم (6753 - العلمية).

قال النووي (¬1): أجمع العلماء على أن استحباب التسمية على الطعام في أوله، وفي نقل (¬2) الإجماع على الاستحباب نظر، إلاّ أن أريد بالاستحباب، أنه راجح الفعل، وإلا فقد ذهب جماعة إلى وجوب ذلك، وهو قضية القول بإيجاب الأكل باليمين؛ لأن صيغة الأمر بالجميع واحدة. والمراد من التسمية قول: بسم الله في ابتداء الأكل، وأصرح ما ورد في صفة التسمية، ما أخرجه أبو داود (¬3) والترمذي (¬4) من طريق أم كلثوم، عن عائشة مرفوعاً: "إذا أكل أحدكم طعاماً فليقل بسم الله، فإن نسي في أوله فليقل بسم الله أوله وآخره". وأما قول النووي في آداب الأكل من "الأذكار" (¬5): صفة التسمية من أهم ما ينبغي معرفته، والأفضل أن يقول: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فإن قال بسم الله كفاه، وحصلت السنة [402 ب]، فلم أرّ لما ادّعاه من الأفضلية دليلاً خاصاً. وأما ما قاله الغزالي في "الإحياء" (¬6): أنه لو قال في كل لقمة بسم الله كان حسناً، وأنه يستحب أن يقول مع الأولى بسم الله، ومع الثانية: بسم الله الرحمن، ومع الثالثة بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فلم أرَ لاستحباب ذلك دليلاً. ومعنى استحلال الشيطان، أنه يتمكن من أكل الطعام، إذا شرع فيه إنساناً بغير ذكر الله وأما إذا لم يشرع فيه أحد وسمى بعضهم دون بعض، لم يتمكن منه. ¬

_ (¬1) في "شرحه لصحيح مسلم" (13/ 188 - 189). (¬2) قاله الحافظ في "الفتح" (9/ 522). (¬3) في "السنن" رقم (3767). (¬4) في "السنن" رقم (1858) وقال: هذا حديث حسن صحيح، وأخرجه أحمد (6/ 246)، 265، 297)، وابن ماجه رقم (3264). وهو حديث صحيح. (¬5) (2/ 584 - صحيح الأذكار). (¬6) (2/ 377 - 378).

قال النووي (¬1): ثم الصواب الذي عليه جماهير العلماء من الخلف والسلف، من المحدثين والفقهاء والمتكلمين أن هذا الحديث، وشبهه من الأحاديث الواردة في أكل الشيطان محمولة على ظواهرها، وأن الشيطان يأكل حقيقة إذ العقل لا يحيله، والشرع لم ينكره, بل أثبته فوجب قبوله واعتقاده. انتهى. قال ابن العربي (¬2): قالت المبتدعة: الشياطين لا تأكل ولا تشرب، وقالت طائفة: تأكل ولا تشرب، وقال قابلون أكلهم: شم، وردَّ هذه الأقوال كلها. "وإنه جاء بهذه الجارية" أي: وسوس لها الإتيان إلى الطعام بسرعة. "ليستحل بها" أي: لتأكل بغير تسمية فيمكن من الأكل. "فأخذت بيدها فجاء بهذا الأعرابي ليستحل به فأخذت بيده, والذي نفسي بيده, إن يده لمع يديهما في يدي ثم ذكر" أي: النَّبي - صلى الله عليه وسلم -. "اسم (¬3) الله وأكل" وهذا يدل على وجوب (¬4) التسمية للذاكر لئلا يخالطه الشيطان في مأكله، ولأنَّا مأمورون بمعاداته فكيف نؤاكله؟. وفيه دليل (¬5) على كفاية تسمية واحد من الآكلين؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يأمرهم بالتسمية، وفيه دليل على طهارة رطوبة الكافر؛ لأنه لم ينه عن كل الطعام الذي لم يسم عليه بل أخبر عن تمكن الشيطان من أكله. فإن قلت: هلاّ سمِّى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند إتيان الجارية؟. ¬

_ (¬1) في "شرحه لصحيح مسلم" (13/ 190). (¬2) في "عارضة الأحوذي" (7/ 304 - 305). (¬3) أي: ثم ذكر اسم الله وأكل. (¬4) انظر: "زاد المعاد" (2/ 362)، و"فتح الباري" (9/ 522) (¬5) انظر: "شرح صحيح مسلم" للنووي (13/ 189).

قلتُ: أراد أن يبين هذه الفائدة الجليلة. قوله: "أخرجه مسلم وأبو داود" [403 ب]. الثاني: حديث (عائشة - رضي الله عنها -): 2 - وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ طَعَامًا فَلْيَقُلْ بِسْمِ الله، فَإِنْ نَسِيَ في الأَوّلَ فَلْيَقُلْ فِيِ الآخِرِ، بِسْمِ الله في أَوَّلهِ وَآخِرِهِ". أخرجه أبو داود (¬1)، والترمذي (¬2). [صحيح] "قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أكل أحدكم طعاماً" أي: أراد أكله. "فليقل: باسم الله" في أول لقمة يريد أكلها. "فإن نسي في الأول، فليقل في الآخر" عند الذكر. "بسم الله في أوله وآخره" فإنه يتم بذلك الوفاء بسنة التسمية، وهذا من لطف الله ورحمته ويأتي: "أنه إذا قال ذلك، قال الشيطان: ما أكلت (¬3) معه. قوله: "أخرجه أبو داود والترمذي". قلت: وقال (¬4): إنه حسن. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (3767). (¬2) في "السنن" رقم (1858) وقال: هذا حديث حسن صحيح. وهو حديث صحيح وقد تقدم. (¬3) يشير إلى ما أخرجه مسلم في صحيحه رقم (103/ 2018)، وأبو داود رقم (3765)، وابن ماجه رقم (3887)، والنسائي في "السنن الكبرى" رقم (6757 - العلمية). عن جابر قال سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إذا دخل الرجل بيته, فذكر الله عند دخوله، وعند طعامه, قال الشيطان: لا مبيت لكم، ولا عشاء، وإذا دخل فلم يذكر الله عند دخوله، قال الشيطان: أدركتم المبيت، فإذا لم يذكر الله عند طعامه قال: أدركتم المبيت والعشاء". وهو حديث صحيح. (¬4) في "السنن" (4/ 289) وقال: هذا حديث حسن صحيح.

الثالث: 3 - وعنها - رضي الله عنها - قالت: كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَأْكُلُ طَعَامًا فِي سِتَّةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَأَكَلَهُ بِلُقْمَتَيْنِ، فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: "أَمَا إِنَّهُ لَوْ سَمَّى لَكَفَاكُمْ". أخرجه الترمذي (¬1). [صحيح] "وعنها" أي: عائشة - رضي الله عنها -. "قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأكل طعاماً في ستة من أصحابه, فجاء أعرابي، فأكله بلقمتين، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أما إنه لو سمّى" عند أكله. "لكفاكم" إن قلت: معلوم أنه - صلى الله عليه وسلم - قد سمى عند أول طعامه, ولا يشترط في منع الشيطان عن أكله، تسمية كل آكل. قلت: ليس فيه أنه أكل الشيطان معه، بل أنها فرغت البركة عن الطعام، بعدم تسمية بعض الآكلين. وأما ابن العربي (¬2) فقال: أخبر - صلى الله عليه وسلم - أنه لم يسم هذا الأعرابي فأكل الشيطان بيده منه، فارتفعت البركة عنه, فلم يكفيهم ولو سمّى لم يكن للشيطان مدخل ولا للبركة عنه مزحل. انتهى. قوله: "أخرجه الترمذي". قلت: وقال (¬3): حسن، فإنه ساقه بسند الذي قبله. ¬

_ (¬1) في "السنن" بأثر الحديث رقم (1858). وأخرجه أحمد (6/ 207 - 208)، وأبو داود رقم (3767)، وابن ماجه رقم (3264)، وهو حديث صحيح. (¬2) في "عارضة الأحوذي" (8/ 39). (¬3) الترمذي في "السنن" (4/ 289) وقال: هذا حديث حسن صحيح.

الرابع: 4 - وعن وحشي بن حرب، عن أبيه، عن جده وحشي بن حرب الحبشي: أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالُوا: يَا رَسُولَ الله! إِنَّا نَأْكُلُ وَلَا نَشْبَعُ، قَالَ: "فلَعَلَّكُمْ تَفْتَرِقُونَ؟ قَالُوا: نعَمْ، قَالَ: "فَاجْتَمِعُوا عَلَى طَعَامِكُمْ، وَاذْكُرُوا اسْمَ الله عَلَيْهِ يُبَارَكْ لَكُمْ فِيهِ". أخرجه أبو داود (¬1). [حسن] حديث: "وحشي بن حرب، عن أبيه, عن جده" بينه بقوله: "وحشي بن حرب الحبشي" قاتل الحمزة - رضي الله عنه -. "أنّ أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" كأن المراد جماعة منهم لا كلهم إذ يبعد اجتماعهم جميعاً على الطعام. "قالوا: يا رسول الله! إنا نأكل ولا نشبع، قال: لعلكم تفترقون" ويأكل كل واحد وحده. "قالوا: نعم، قال: فاجتمعوا على طعامكم، واذكروا اسم الله" عند الأكل. "يبارك لكم فيه" [404 ب] فبالاجتماع والتسمية تحصل البركة, ولذا ورد أن: "طعام الواحد يكفي الاثنين ... (¬2) " الحديث. قوله: "أخرجه أبو داود" إلا أنه قال المنذري (¬3): أن وحشي بن حرب الراوي، عن أبيه، عن جده, بصري مستور، ومثله في "التقريب" (¬4). ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (3764). وأخرجه أحمد (3/ 501)، وابن ماجه رقم (3286) وهو حديث حسن. (¬2) أخرجه الترمذي في "السنن" رقم (1820 م) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "طعام الواحد يكفي الاثنين، وطعام الاثنين يكفي الأربعة, وطعام الأربعة يكفي الثمانية" وهو حديث صحيح. وأخرجه البخاري رقم (5392)، ومسلم رقم (2058)، والترمذي رقم (1820) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "طعام الاثنين كافي الثلاثة, وطعام الثلاثة كافي الأربعة" وهو حديث صحيح. (¬3) في "مختصر السنن" (5/ 299). (¬4) (2/ 330 رقم 25).

الخامس: 5 - وعن أمية بن مخشي - رضي الله عنه - قال: كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - جَالِسًا وَرَجُل يَأْكُلُ فَلَمْ يُسَمِّ حَتَّى لَمْ يَبْقَ مِنْ طَعَامِهِ إِلَّا لُقْمَةٌ، فَلمَّا رَفَعَهَا إِلَى فِيهِ، قَالَ: بِسْمِ الله أَوَّلَهُ وَآخِرَه, فَضَحِكَ - صلى الله عليه وسلم -. ثُمَّ قَالَ: "مَا زَالَ الشَّيْطَانُ يَأْكُلُ مَعَهُ، فَلمَّا ذَكَرَ اسْمَ الله، اسْتَقَاءَ مَا في بَطْنِهِ". أخرجه أبو داود (¬1). [ضعيف] حديث: "أمية (¬2) بن مخشيِّ" بفتح الميم، فخاء معجمة ساكنة، فشين معجمة مكسورة, فمثناة تحتية، وزاد أبو داود (¬3): وكان من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. "قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالساً، ورجل يأكل فلم يسم". قال النووي (¬4): هذا محمول على أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يعلم تركه التسمية إلا في آخر أمره, إذ لو علم ذلك لم يسكت عن أمره بالتسمية. "حتى لم يبقى من الطعام إلا لقمة، فلما رفعها إلى فيه, قال: بسم الله أوله وآخره, فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم قال: ما زال الشيطان يأكل معه, فلما ذكر اسم الله آخراً استقاء ما في بطنه" هذا يدل أنه - صلى الله عليه وسلم - علم أنه لم يذكر اسم الله في أول طعامه؛ لأنه أخبر أنه ما زال الشيطان يأكل معه، فلا يتم توجيه النووي، وإنما الظاهر أنه - صلى الله عليه وسلم - ترك تنبهه على التسمية في أول طعامه، ذهولاً منه - صلى الله عليه وسلم -، وهو جائز عليه مثل هذا. وفيه دليل على أن التسمية في آخره إنما هي للإضرار بالشيطان، لِيَقي ما أكله. قوله: "أخرجه أبو داود". ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (3768) وهو حديث ضعيف. (¬2) انظر: "التقريب" (1/ 84 رقم 637). (¬3) في "السنن" رقم (3768). (¬4) في "الأذكار" (2/ 583).

السادس: حديث جابر - رضي الله عنه -: 6 - وعن جابر - رضي الله عنه - قال: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ مَنْزِله فَذَكرَ الله عِنْدَ دُخُولِهِ وَعِنْدَ طَعَامِهِ, قَالَ الشَّيْطَانُ: لَا مَبِيتَ لَكُمْ وَلَا عَشَاءَ، وإنْ ذَكَرَ الله عِنْدَ دُخُولِهِ وَلَمْ يَذْكرْهُ عِنْدَ عَشَائِهِ يَقَوُل: أَدرَكْتُمْ العَشَاءَ، وَلاَ مَبِيتَ لَكُم وَإِذَا لَمْ يَذْكُرْ الله عِنْدَ دُخُولِهِ وَلاَ عِنْدَ عَشَائِهِ, قَالَ أَدْرَكْتُمْ المَبِيتَ وَالعَشَاءَ". أخرجه مسلم (¬1)، وأبو داود (¬2). [صحيح] قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إذا دخل (¬3) الرجل منزله" أي: منزل من بيته، أو غيره من بيوت غير مسكونة. "فذكر الله عند دخوله" بأي ذكر من تسمية وغيرها. إلا أن قوله: "وعند طعامه" يرشد إلى أن المراد التسمية؛ لأنها المشروعة عنده. "قال الشيطان" لم يصحبه. "لا مبيت لكم ولا عشاء" والمتكلم داخل في خطاب نفسه, فلا مبيت [405 ب] له أيضاً ولا عشاء. "وإن ذكر الله عند دخوله" منزله. "ولم يذكره عند عشاءه, يقول: أدركتم العشاء ولا مبيت لكم، وإن لم يذكر اسم الله عند دخوله ولا عند عشاءه, قال: أدركتم (¬4) المبيت والعشاء". ¬

_ (¬1) في صحيحه رقم (103/ 2018). (¬2) في "السنن" رقم (3765). وأخرجه النسائي في "السنن الكبرى" رقم (6757 - العلمية)، وابن ماجه رقم (3887) وهو حديث صحيح وقد تقدم. (¬3) انظر: "زاد المعاد" (2/ 359 - 360). (¬4) قال النووي في "شرح صحيح مسلم" (13/ 190) معناه قال الشيطان لإخوانه وأعوانه ورفقته.

هيئة الأكل والآكل

لعدم المانع عنهما، وفي الحديث الحث على ذكر الله عند دخول المنزل. قوله: "أخرجه مسلم، وأبو داود". هيئة الأكل والآكل قوله: (هَيْئَةُ الأَكلِ وَالآَكِلْ) (¬1). الأكل: بفتح الهمزة، المأكول وبضمها القوت، وهذا جعله ابن الأثير (¬2) فصلاً ثالثاً. الأول: حديث (ابن عمر - رضي الله عنه -): 1 - عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَا يَأْكُلَنَّ أَحَدُكُمْ بِشِمَالِهِ، وَلَا يَشْرَبَنَّ بِهَا، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ، وَيَشْرَبُ بِهَا". أخرجه مسلم (¬3)، ومالك (¬4)، وأبو داود (¬5)، والترمذي (¬6). [صحيح] "قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا يأكلن أحدكم بشماله ولا يشربنَّ بها" عام في كل مأكول ومشروب. وعلة النهي قوله: "فإن الشيطان يأكل بشماله، ويشرب بها" فيحرم التشبه به، والتخلق بخلقه؛ لأن الأصل في النهي (¬7) التحريم. ¬

_ (¬1) انظر: "النهاية في غريب الحدث" (1/ 69). (¬2) في "الجامع" (7/ 386). (¬3) في صحيحه رقم (105/ 2020). (¬4) في "الموطأ" (2/ 922/ 923). (¬5) في "السنن" رقم (3776). (¬6) في "السنن" رقم (1799) وقال: هذا حديث حسن صحيح، وأخرجه أحمد في "المسند" (2/ 8، 33، 106، 109). وهو حديث صحيح. (¬7) انظر: "شرح الكوكب المنير" (3/ 81)، "إرشاد الفحول" (ص 384 بتحقيقي).

قال ابن العربي (¬1): أنه حرام لا يقال فيه مكروه, بل يأثم فاعله، فإن كل فعل ينسب إلى الشيطان فهو حرام، وشر لا خير فيه ولا جائز. انتهى. قوله: "أخرجه مسلم، ومالك وأبو داود، والترمذي". قلت: وقال (¬2): هذا حديث حسن صحيح. الثاني: حديث (سلمة بن الأكوع - رضي الله عنه -): 2 - وعن سلمة بن الأكوع - رضي الله عنه - قال: أَكَلَ رَجُلاً عِنْد النّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِشِمَالِهِ، فَقَالَ لَهُ: "كُلْ بِيَمِينِكَ"، فَقَالَ: لَا أَسْتَطِيعُ، مَا مَنَعَهُ إِلاَّ الكِبْرُ فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا اسْتَطَعْتَ"، فَمَا رَفَعَهاَ إِلَى فِيهِ بَعْدُ ذَلِكَ. أخرجه مسلم (¬3). [صحيح] "قال: أكل رجل" قال النووي (¬4): هو بسر بضم الباء، وبالسين المهملة، ابن راعي العير، بفتح العين، وبالمثناة التحتية، الأشجعي، كذا ذكره ابن منده وأبو نعيم الأصبهاني، وابن ماكولا وآخرون، وهو صحابي مشهور، عده هؤلاء في الصحابة. عند النبي - صلى الله عليه وسلم - بشماله، فقال له: كل بيمينك، فقال: لا أستطيع، ما منعه إلا الكبر" كأنه فهم ذلك من حاله. ¬

_ (¬1) في "عارضة الأحوذي" (7/ 306). (¬2) في "السنن" (4/ 257). (¬3) في صحيحه رقم (2021). (¬4) في "شرحه لصحيح مسلم" (13/ 192).

"فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا استطعت" دعاء عليه (¬1) وعقاب له لعدم امتثاله لأمره - صلى الله عليه وسلم -، ولأكله بالشمال، وهو دليل على تحريم الأكل بها. قال ابن [406 ب] العربي (¬2): فإن قيل: إنما عوقب بالكبر؟ قلنا: عوقب بالفعل الذي حمله على الكبر. انتهى. قلت: وكونه منعه الكبر، إنما فهمه الراوي لا أنه أخبره. "فما رفعها إلى فيه بعد ذلك" للدعوة النبوية. قوله: "أخرجه مسلم". الثالث: حديث (عمر بن أبي سلمة - رضي الله عنه -): 3 - وعن عمر بن أبي سلمة قال: كُنْتُ غُلَامًا فِي حَجْرِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ، فَقَالَ لِي رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "يَا غُلَامُ! سَمِّ الله، وَكُلْ بِيَمِينِكَ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ"، فَمَا زَالَتْ تِلْكَ طِعْمَتِي بَعْدُ. أخرجه الخمسة (¬3)، إلا النسائي. [صحيح] "قال: كنت غلاماً في حجر النَّبي - صلى الله عليه وسلم -، وكانت يدي تطيش في الصحفة" أي: تحرك وتميل ولا تقتصر على موضع واحد، والصحفة دون القصعة، وهي ما تشبع خمسة، والقصعة تشبع عشرة، كذا قاله الكسائي. ¬

_ (¬1) قال النووي في "شرحه لصحيح مسلم" (13/ 192): وفي هذا الحديث جواز الدعاء على من خالف الحكم الشرعي بلا عذر، وفيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، في كل حال حتى في حال الأكل، واستحباب تعليم الآكل آداب الأكل إذا خالفه. (¬2) في "عارضة الأحوذي" (7/ 306). (¬3) أخرجه البخاري رقم (5376، 5377، 5378)، ومسلم رقم (108/ 2022)، وأبو داود رقم (3777)، والترمذي رقم (1857)، وابن ماجه رقم (3267)، ومالك في "الموطأ" (2/ 934). وأخرجه أحمد (4/ 26)، والدارمي (2/ 100)، والبيهقي (7/ 277)، وهو حديث صحيح.

"فقال النَّبي - صلى الله عليه وسلم -: يا غلام! سم الله، وكل بيمينك" فيه التسمية في أثناء الطعام، وكأنه أراد بأمره بالأكل باليمين الاستمرار، وإلا فالظاهر أنه كان يأكل تلك الساعة بيمينه. "وكل مما يليك" هذا هو الذي كان الغلام على خلافه, لكنه - صلى الله عليه وسلم - علمه آداب الأكل كلها. "فما زالت تلك طعمتي" بكسر الطاء، أي: صفة أكلي، أي: لزمت (¬1) ذلك، وصار عادة لي. قال الكرماني (¬2): وفي بعض الروايات بالضم، يقال: طعم إذا أكل، والطعمة الأكلة، والمراد جميع ما تقدم من التسمية والأكل باليمين، والأكل مما يليه. "بعد" بالضم على قطعه عن الإضافة. قوله: "أخرجه الخمسة, إلا النسائي". الرابع: 4 - وعن عبد الله بن عكراش بن ذؤيب عن أبيه قال: بَعَثَنِي بَنُو مُرَّةَ بْنِ عُبَيْدٍ بِصَدَقَاتِ أَمْوَالهِمْ إِلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَقَدِمْتُ المَدِينَةَ, فَوَجَدْتُهُ جَالِسًا بَيْنَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ، فَأَخَذَ بِيَدِي فَانْطَلَقَ إِلَى بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ - رضي الله عنها -، فَقَالَ: "هَلْ مِنْ طَعَامٍ"؟ فَأُتِينَا بِجَفْنَةٍ كَثِيرَةِ الثَّرِيدِ وَالوَذْرِ، فَأَقْبَلْنَا نَأْكُلُ مِنْهَا فَخَبَطْتُ بِيَدِي في نَوَاحِيهَا، وَأَكَلَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ، فَقَبَضَ بِيَدِهِ اليُسْرَى عَلَى يَدِي اليُمْنَى ثُمَّ قَالَ: "يَا عِكْرَاشُ كُلْ مِنْ مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، فَإِنَّهُ طَعَامٌ وَاحِدٌ"، ثُمّ أُتِينَا بِطَبَقٍ فِيهِ الوَانُ التَّمْرِ وَالرُّطَبِ، فَجَعَلْتُ آكُلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ، وَجَالَتْ يَدُ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - في الطَّبَقِ، فَقَالَ: "يَا عِكْرَاشُ! كُلْ مِنْ حَيْثُ شِئْتَ, فَإِنَّهُ غَيْرُ لَوْنٍ وَاحِدٍ"، ثُمَّ أُتِينَا بِمَاءٍ، فَغَسَلَ يَدَيْهِ وَمَسَحَ بِبَلَلِ كَفَّيْهِ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ وَرَأْسَهُ, وَقَالَ: "يَا عِكْرَاشُ! هَذَا الوُضُوءُ مِمَّا غَيَّرَتْ النَّارُ". أخرجه الترمذي (¬3). [ضعيف] ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (9/ 523). (¬2) ذكره الحافظ في "الفتح" (9/ 523). (¬3) في "السنن" رقم (1848) وهو حديث ضعيف

"الوَذْرُ" جمع وذرة، بسكون الذال: وهي القطعة من اللحم. حديث: "عبد الله بن عكراش" بكسر العين المهملة، فكاف ساكنة، فراء، فألف، فشين معجمة. "ابن ذؤيب عن أبيه قال: بعثني قومي بنو مرة بن عبيد، بصدقات أموالهم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" فيه أنه يخيّر أرباب الزكاة بين صرفها في فقراءهم في بلدانهم، وبين أن يبعثوا بها إلى الإِمام، ويحتمل أن الذي بعثوا به السهم الذي لسبيل الله. "فقدمت المدينة, فوجدته جالساً بين المهاجرين والأنصار، فأخذ بيدي" أخذه بيده نوع من التأنيس والإكرام، كالمصافحة. "فانطلق بي إلى بيت أم سلمة" أم المؤمنين [407 ب]- رضي الله عنها -. "فقال: هل من طعام، فأتينا بجفنة" فيه سؤال الرجل أهل بيته عما حضر فيمكن أن يكون استدعى ما لم يعلم جنسه ولا قدره, وإنما سأل عن مطلق الطعام، أو عن طعام قد علم جنسه، وأنه قد أعدّه أهل منزله له. "فأتتنا بجفنة كثيرة الثريد" الثريد بفتح الثاء المثلثة وكسر الراء، معروف، هو أن يثرد الخبز بمرق اللحم وقد يكون معه اللحم (والوذر) (¬1) يأتي أنه بفتح الذال المعجمة, جمع وذرة، بسكونها، وهي القطعة من اللحم. "فأقبلنا نأكل منها فخبطت بيدي في نواحيها" أي: أكل من جهات الجفنة، ولم يقتصر على ما بين يديه منها. ¬

_ (¬1) الوذر: أي: كثيرة قطع اللحم، والوَذْرة: بالسكون القطعة من اللحم، والوَذْرٌ: بالسكون أيضاً: جمعها. "النهاية في غريب الحديث" (2/ 837).

"وأكل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من بين يديه فقبض بيده اليسرى على يدي اليمنى" قيل: كان على يسار النَّبي - صلى الله عليه وسلم -، فكانت يده اليسرى أقرب إليه، فتناوله بها، أو تكون اليمنى قد أخذها الدسم، فقبضها عنه. "ثم قال: يا عكراش! كل من موضع واحد، فإنه طعام واحد" إشارة إلى أنه إذا كان صنفاً واحداً لم يكن لجولان اليد معنى إلاّ الشره والمجاعة، وإذا كان ذا ألوان، كان جولان اليد لمعنى وهو اختيار ما يستطاب منه. "ثم أتتنا بطبق فيه ألوان التمر الرطب، فجعلت آكل من بين يدي" امتثالاً لأمره - صلى الله عليه وسلم - وما تنبه للعلة، وهي قوله - صلى الله عليه وسلم -: فإنه طعام واحد. "وجالت يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الطبق، فقال: يا عكراش! كل من حيث شئت, فإنه غير لون واحد" تصريح بعلة جولان اليد في الطبق. "ثم أتينا بماء فغسل يده" في الترمذي (¬1): "يديه" بالتثنية. "ومسح ببلل كفه وجهه وذراعيه ورأسه، وقال: يا عكراش! هذا الوضوء مما مسّت النار" قال ابن العربي (¬2): هو محمول على التنظيف، وإلاّ فقد تقدّم غسل اليد من الطعام. قوله: "أخرجه الترمذي". قلت: وقال (¬3): هذا حديث غريب، [تفرد به العلاء بن الفضل] (¬4)، وقد تفرد العلاء بهذا الحديث، ولا نعرف لعكراش عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - إلا هذا الحديث. الخامس: حديث (ابن عباس - رضي الله عنه -): ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (1848) وهو حديث ضعيف. (¬2) في "عارضة الأحوذي" (8/ 38). (¬3) في "السنن" (4/ 284). (¬4) كذا في "المخطوط" والذي في "سنن الترمذي": "لا نعرفه إلا من حديث العلاء بن الفضل ... ".

5 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "تَنْزِلُ الَبرَكَةُ وَسَطَ الطَّعَامِ، فَكُلُوا مِنْ حَافَتَيْهِ, وَلَا تَأْكُلُوا مِنْ وَسَطِهِ". أخرجه أبو داود (¬1) والترمذي (¬2). [صحيح] "قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تنزل البركة وسط الطعام، فكلوا من حافتيه ولا تأكلوا من وسطه" قال ابن العربي (¬3): معنى تكثير البركة للطعام [408 ب] يكون بمعاني كثيرة، منها استمراء الطعام، ومنها صيانته عن مرور الأيدي عليه، فتقزز النفوس منه. ومنها أن زبدة المرق هنالك، فهي إذا أخذ الطعام من الحواشي تسير عليه شيئاً فشيئاً، فإذا أخذ الطعام من أعلاه كان ما بقي بعده دونه في الطيب. ومنها ما يخلق الله في الأجزاء الزائدة فيه, وذلك يكون آية لنَّبيِّ، كمحمد - صلى الله عليه وسلم -، أو كرامة لولي، كأبي بكر في طعام الضيف، وعائشة في شعير الرق. انتهى. قوله: "أخرجه أبو داود، والترمذي". قلت: وقال (¬4): هذا حديث حسن صحيح، لا نعرفه إلاّ من حديث عطاء بن السائب. - ولفظ أبي داود (¬5): إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ طَعَامًا فَلَا يَأْكُلْ مِنْ أَعْلَى الصَّحْفَةِ، وَلِيَأْكُلْ مِنْ أَسْفَلِهَا، فَإِنَّ البَرَكَةَ تَنْزِلُ مِنْ أَعْلَاهَا. قوله: "ولفظ أبي داود" من حديث ابن عباس. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (3772). (¬2) في "السنن" رقم (1805) وقال: هذا حديث حسن صحيح. وأخرجه أحمد (1/ 270، 345)، وابن ماجه رقم (3277)، وهو حديث صحيح. (¬3) في "عارضة الأحوذي" (7/ 311). (¬4) في "السنن" (4/ 260). (¬5) في "السنن" رقم (3772) وهو حديث صحيح.

"إذا أكل أحدكم طعاماً فلا يأكل من أعلى الصفحة، وليأكل من أسفلها، فإن البركة تنزل من أعلاها" وبقاء البركة مراد لله تعالى وللأكلة. السادس: حديث (ابن عمر - رضي الله عنه -): 6 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: "نَهَى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، أَنْ يَقْرُنَ الرَّجُلُ بَيْنَ التَّمْرَتَيْنِ إِلاَّ أَنْ يَسْتَأذِنَ أَصْحَابَهُ". أخرجه الخمسة (¬1) إلا النسائي. [صحيح] "نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يقرن الرجل" ومثله المرأة. "بين التمرتين" إن أكل في جماعة. والقران أن يجمع بين تمرتين في أكلهما يدخلهما معاً في فيه، وإنما نهى عنه؛ لأن فيه شرهاً وذلك يزري بفاعله، أو لأن فيه غبناً لرفقته (¬2). وقيل (¬3): إنما نهى عنه لما كانوا عليه من شدة العيش، وقلة الطعام، وكانوا مع هذا يتواسون من القليل، وقد يكون فيهم من اشتد جوعه، فربما قرن بين التمرتين، أو عظم اللقمة فأرشدهم إلى الإذن فيه، لتطيب أنفس الباقين. "إلا أن يستأذن أصحابه" رفقته في الأكل، وأما إذا أكل وحده جاز له القرن. قال في "الفتح" (¬4): وفي معنى التمر الرطب، وكذا الزبيب والعنب، ونحوهما [لظهور] (¬5) العلة الجامعة. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (2455، 2489، 4290، 5446)، ومسلم رقم (151/ 2054)، وابن ماجه رقم (3331)، والترمذي رقم (1814) وهو حديث صحيح. (¬2) قاله ابن الأثير في "النهاية" (2/ 447)، انظر: "الفائق" (3/ 179). (¬3) قاله ابن الأثير في "النهاية" (2/ 447)، وانظر: "المجموع المغيث" (2/ 694). (¬4) (9/ 572). (¬5) كذا في "المخطوط" والذي في "الفتح": لوضوح.

قوله: "أخرجه الخمسة إلاّ النسائي". السابع: حديث (عائشة - رضي الله عنها -): 7 - وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تَقْطَعُوا اللَّحْمَ بِالسِّكِّينِ، فَإِنَّهُ مِنْ صُنعِ الأَعَاجِمِ، وَانْهشُوهُ نَهْشَاً، فَإِنَّهُ أَهْنَأُ وَأَمْرَأُ". أخرجه أبو داود (¬1). [ضعيف] "قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا تقطعوا اللحم" عند أكله. "بالسكين، فإنه من صنع الأعاجم" وليس النهي للتحريم، فقد بّوب البخاري (¬2) باب: [409 ب] قطع اللحم بالسكين، وذكر حديث (¬3) احترازه - صلى الله عليه وسلم - من الكتف. قوله: "وانهشوه نهشاً" النهش: بفتح النون، وسكون الهاء، بعدها شين معجمة أو مهملة، وهما بمعنى واحد عند الأصمعي (¬4)، وبه جزم الجوهري (¬5). وهو القبض على اللحم بالفم، وإزالته من العظم أو غيره. "فإنه أهنأ وأمرأ" قال الحافظ ابن حجر (¬6): قال شيخنا في "شرح الترمذي": الأمر فيه محمول على الإرشاد، فإنه علق بكونه أهنأ وأمرأ أي: أشد هناءً ومرآءة. يقال: هنئ صار هنيئاً ومرئ صار مريئاً، وهو أن لا يثقل على المعدة وينهضم عنها. انتهى. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (3778) وهو حديث ضعيف. (¬2) في صحيحه (9/ 547 الباب رقم 20 - مع الفتح). (¬3) رقم (5408) "عن عمرو بن أمية أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - يحَز من كتف شاة في يده، فدعي إلى الصلاة، فألقاها والسكين التي يحز بها، ثم قام فصلى ولم يتوضأ" وأخرجه أحمد (4/ 139)، و (5/ 288)، ومسلم رقم (92/ 355). (¬4) ذكره الحافظ في "الفتح" (9/ 545). (¬5) في "الصحاح" (3/ 1023). (¬6) في "فتح الباري" (9/ 545).

قوله: "أخرجه أبو داود". قلت: قال أبو داود (¬1): وهو حديث ليس بالقوي. قال الحافظ ابن حجر (¬2): قلت: له شاهد من حديثَ صفوان بن أمية، أخرجه الترمذي (¬3) بلفظ: "انهشوا اللحم نهشاً، فإنه أهنأ وأمرأ" وقال (¬4): لا نعرفه إلاّ من حديث عبد الكريم. انتهى. وعبد الكريم (¬5) هو أبو أمية ابن أبي المخارق، ضعيف. الثامن: حديث (أبي جحيفة - رضي الله عنه -): 8 - وعن أبي جُحيفة - رضي الله عنه - قال: قَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ آكُلُ مُتَكِئاً" (¬6). أخرجه أصحاب السنن. [صحيح] "المُتكَّئُ" المراد به ها هنا: المعتمد على الوطاء الذي تحته. "قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: لا آكل متكئاً" اختلف (¬7) في صفة الاتكاء، فقيل: أن يتمكن للجلوس في الأكل على أي صفة كان. ¬

_ (¬1) في "السنن" (4/ 145). (¬2) في "فتح الباري" (9/ 547). (¬3) في "السنن" رقم (1836) وهو حديث ضعيف. (¬4) أي: الترمذي في "السنن" (4/ 277). (¬5) انظر: "التقريب" (1/ 516 رقم 1285). (¬6) أخرجه البخاري رقم (5398، وطرفه 5399)، وأبو داود رقم (3769)، والترمذي رقم (1830)، وابن ماجه رقم (3262)، وأحمد (4/ 308، 309)، وهو حديث صحيح. (¬7) انظر: "معالم السنن" (4/ 141 - مع السنن)، "أعلام الحديث" (3/ 2048).

وقيل (¬1): أن يعتمد على يده اليسرى من الأرض، والأول: المعتمد وهو شامل للقولين. والحكمة في تركه أنه من فعل ملوك العجم والمتعظمين. وأنه ادعى إلى كثرة الأكل، وعظم البطن. وأحسن (¬2) الجلسات للأكل: الإقعاء على الوركين، ونصب الركبتين، ثم الجثي على الركبتين وظهور القدمين، ثم نصب الرجل اليمنى والجلوس على اليسرى. قوله: "أخرجه أصحاب السنن" وبّوب البخاري (¬3) له فقال: باب: الأكل متكئاً، ولم يجزم بأنه محرم؛ لأنه لم يأت فيه نهي (¬4) صريح. التاسع: حديث (أنس - رضي الله عنه -): 9 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: رَأَيْتُ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - جالِساً مُقْعِياً يَأْكُلُ تَمْراً. أخرجه مسلم (¬5)، وأبو داود (¬6). [صحيح] "قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مقعياً يأكل تمراً" تقدم تفسيره قريباً، ويأتي تفسير المصنف. قوله: [410 ب] "أخرجه مسلم". - ولأبي داود (¬7) في أخرى: أُتْيَ بِتَمْرٍ عَتَيِقٍ، فَجَعَلَ يُفَتِّشُهُ يُخْرِجُ مَنْهُ السُّوسَ. ¬

_ (¬1) انظر: "فتح الباري" (9/ 541)، "المجموع المغيث" (1/ 235). (¬2) ذكره الحافظ في "الفتح" (9/ 542). (¬3) في صحيحه (9/ 540 الباب رقم 13 - مع الفتح). (¬4) قاله الحافظ في "الفتح" (9/ 541). (¬5) في صحيحه رقم (2044). (¬6) في "السنن" رقم (3770) وهو حديث صحيح. (¬7) في "السنن" رقم (3832). وأخرجه ابن ماجه رقم (3333) وهو حديث صحيح.

"الإقْعاءِ": في الأكل أن يجلس الآكل على وركيه مستوفزاً غير متمكن. "ولأبي داود" عن أنس "في" رواية "أخرى". "أتي" أي: رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. "بتمر عتيق فجعل بفتشه, يخرج منه السوس" الذي يتولد فيه مع عفانته. العاشر: حديث (ابن عباس - رضي الله عنهما -): 10 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ طَعَامًا فَلاَ يَمْسَحْ يَدَهُ حَتَّى يَلْعَقَهَا أَوْ يُلْعِقَهَا". أخرجه الشيخان (¬1)، وأبو داود (¬2). [صحيح] "اللَّعْقُ" (¬3): اللحس. "قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إذا أكل أحدكم طعاماً فلا يمسح يده" قال الحافظ ابن حجر (¬4): في حديث كعب بن مالك عند مسلم (¬5): "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأكل بثلاث أصابع، فإذا فرغ لعقها" فيحتمل أن تكون اليد محمولة على الأصابع، ويحتمل (¬6) وهو الأولى أن يكون أراد باليد الكف كلها، فشمل الحكم من أكل بيده كلها، أو أصابعه فقط، أو ببعضها. "حتى يلعقها" بفتح أوله من الثلاثي، أي: يلعقها هو. "أو يلعقها" بضم أوله، من الرباعي أي: يلعقها غيره. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (5456)، ومسلم رقم (134/ 2033). (¬2) في "السنن" رقم (3847). وأخرجه أحمد (1/ 221) وهو حديث صحيح. (¬3) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 603). (¬4) في "فتح الباري" (9/ 578). (¬5) في صحيحه رقم (132/ 2032). (¬6) ذكره الحافظ في "الفتح" (9/ 578).

قال النووي (¬1): المراد إلعاق غيره ممن لا يتقذر ذلك من زوجة أو جارية أو خادم، أو ولد، وكذا من كان في معناهم كتلميذه يعتقد البركة بلعقها وكذا لو لعقها شاة ونحوها. قال ابن دقيق العيد (¬2): جاءت علة هذا مبيَّنة في بعض الروايات أنه لا يدري في أي طعامه البركة، وقد تعلَّل بأنَّ مسحها قبل ذلك فيه زيادة تلويث لما يمسح به مع الاستغناء عنه بالريق، لكن إذا صحّ فالتعليل لم يعدل عنه. قال الحافظ (¬3) بعد نقله: صحَّ. قلت: الحديث صحيح، أخرجه مسلم (¬4) في آخر حديث جابر ولفظ: "إذا سقطت لقمة أحدكم فليمط ما أصابها من أذى وليأكلها, ولا يمسح يده حتى يلعقها، أو يُلعقها، فإنه لا يدري في أي طعامه البركة". زاد النسائي (¬5) من هذا الوجه: "ولا يرفع الصحفة حتى يلعقها". قال النووي (¬6): معنى: "في أي طعامه البركة" أي: الطعام الذي تحضر الإنسان فيه بركة, لا يدري أن تلك البركة في ما أكل؟ أو في ما بقي على أصابعه؟ أو في ما بقي في أسفل القصعة؟ أو في اللقمة الساقطة؟ فينبغي أن يحافظ [411 ب] على هذا كله لتحصل البركة. انتهى. قوله: "أخرجه الشيخان، وأبو داود". ¬

_ (¬1) في "شرحه لصحيح مسلم" (13/ 206). (¬2) في "إحكام الأحكام" (ص 934). (¬3) في "فتح الباري" (9/ 578). (¬4) في صحيحه رقم (133/ 2033) وسيأتي نصه وتخريجه. (¬5) في "السنن". (¬6) في "شرحه لصحيح مسلم" (13/ 207).

- وعن جابر - رضي الله عنه - قال: أَمَرَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بِلَعْقِ الأَصَابِعِ وَالصَّحْفَةِ، وَقَالَ: "إِنَّكُمْ لَا تَدْرُونَ فِي أَيِّ طَعَامِكُمُ البَرَكَةُ، فَإِذَا وَقَعَتْ لُقْمَةٌ أَحَدِكُمْ فَلْيَأْخُذْهاَ، وَلْيُمِطْ مَا كَانَ بَهَا مِنَ أْذَى وَلْيَأْكُلْهَا، وَلا يَدَعْهَا لِلشَّيْطَانِ، وَلاَ يَمْسَحْ يَدَهُ بِالمنْدِيلِ حَتَّى يَلْعَقَ أَصَابِعَهُ، فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِى فِي أَيِّ طَعَامِهِ البَرَكَةُ". أخرجه مسلم (¬1)، والترمذي (¬2). [صحيح] الحادي عشر: 11 - وزاد رزين في رواية عن أنس (¬3): فَإِنَّ آنِيَةَ الطَّعَامِ تَسْتَغْفِرُ (¬4) لِلَّذِي يَلْعَقُهَا وَيُغْسِلُهاَ، وَتَقُولُ: أَعْتَقَكَ الله مِنَ النَّارِ، كَماَ أَعْتَقْتَنِي مِنَ الشَّيْطَانِ. حديث: "زاد رزين في رواية عن أنس: فإن آنية الطعام تستغفر للذي يلعقها ويغسلها، وتقول: أعتقك الله من النار، كما أعتقتني من الشيطان". وهذا لا بعد فيه إذا صحّ الخبر. ¬

_ (¬1) في صحيحه رقم (133/ 2033). (¬2) في "السنن" رقم (1802). وأخرجه أحمد (3/ 177، 301، 315، 331) وهو حديث صحيح. (¬3) أخرج رواية أنس مسلم في صحيحه رقم (2034)، والترمذي رقم (1803)، وأبو داود رقم (3845) عن أنس قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أكل طعاماً لعق أصابعه الثلاث، وقال: إذا سقطت لقمة أحدكم فليمط عنها الأذى، وليأكلها ولا يدعها للشيطان, وأمرنا أن نسلت القصعة، وقال: "فإنكم لا تدرون في أي: طعامكم البركة". قال ابن الأثير في "الجامع" (7/ 401): وزاد رزين: "إن آنية الطعام لتستغفر للذي يلعقها ويغسلها .. ". (¬4) أخرجه أحمد (5/ 76)، وابن ماجه رقم (3271)، والترمذي رقم (1804) عن نبيشة الخير أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أكل في قصعة, ثم لحسها استغفرت له القصعة" وهو حديث ضعيف

غسل اليد والفم

غسل اليد والفم (غُسْلُ اليّدِ وَالفَمْ) هذا جعله ابن الأثير (¬1) فصلاً رابعاً. الأول: حديث (سلمان الفارسي - رضي الله عنه -): 1 - عن سلمان - رضي الله عنه - قال: قَرَأْتُ في التَّوْرَاة, إِنَّ بَرَكَةَ الطَّعَامِ الوُضُوءُ بَعْدَهُ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "بَرَكةُ الطَّعَامِ الوُضُوءُ قَبْلَهُ وَالوُضُوءُ بَعْدَه". أخرجه أبو داود (¬2) والترمذي (¬3). [ضعيف] "قال: قرأت في التوراة أن بركة الطعام الوضوء قبله" أي: غسل اليد، فهو الوضوء لغة. "فذكرت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: بركة الطعام الوضوء قبله" تقرير لما في التوراة. "والوضوء بعده" زيادة على ما في التوراة. قوله: "أخرجه أبو داود والترمذي". قلت: وقال (¬4): وفي الباب عن أنس وأبي هريرة. قال (¬5): ولا يعرف هذا الحديث إلاّ من حديث قيس بن الربيع، وقيس بن الربيع يضعف في الحديث. ¬

_ (¬1) في "الجامع" (7/ 402). (¬2) في "السنن" رقم (3761). (¬3) في "السنن" رقم (1846) وهو حديث ضعيف. (¬4) الترمذي في "السنن" (4/ 282). (¬5) الترمذي في "السنن" (4/ 282).

قلت: قال المنذري في "الترغيب والترهيب" (¬1): قيس بن الربيع صدوق، وفيه كلام لسوء حفظه، ولا يخرج الإسناد عن حدِّ الحسن، وقد كان سفيان يكره الوضوء قبل الطعام، وكذلك مالك بن أنس والشافعي استحب تركه. الثاني: حديث (أبي هريرة - رضي الله عنه -): 2 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ الشَّيْطَان حَسَّاسٌ لَحاسٌ فَاحْذَرُوهُ عَلىَ أَنْفُسَكُمْ، مَنْ بَاتَ وَفي يَدِهِ غَمَرٌ فَأَصَابَهُ شَيْءٌ فَلاَ يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ". أخرجه أبو داود (¬2)، والترمذي (¬3). [صحيح] "حَسَّاسٌ": شديد الحس والإدراك. "لحَّاسٌ": كثير اللحس لما يصل إليه. "وَالغَمَرٌ" (¬4) بفتح الميم: ريح اللحم وزهومته. "قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن الشيطان حسّاس" صفة مبالغة أي: يدرك بحواسه الخمس من الحس. "لحّاس" مثله، من اللحس، في "القاموس" (¬5): اللَّحْسُ باللسان. "فاحذروا على أنفسكم" من حسّه ولحسه، ثم أبان المحذر منه بقوله: "من بات وفي يده غمر" بالغين المعجمة, والميم مفتوحتان فراء، فسّره المصنف بأنه ريح اللحم وزهومته. ¬

_ (¬1) (3/ 88). (¬2) في "السنن" رقم (3852). (¬3) في "السنن" رقم (1859). وأخرجه أحمد (2/ 263)، وابن ماجه رقم (3297) وهو حديث صحيح. (¬4) انظر: "النهاية" (2/ 320)، "المجموع المغيث" (2/ 576). (¬5) "القاموس المحيط" (ص 738).

وفي "القاموس" (¬1): زنخ اللحم، وما يَعلَق في اليد من دسمه. "فأصابه شيء" من ألم ونحوه. "فلا يلومن إلاّ نفسه"؛ لأنه فرّط بها أمر به, وهو [412 ب] إرشاد إلى إزالة الغمر بالغسل والإنقاء، وهو خاص بأكل اللحم. قوله: "أخرجه أبو داود والترمذي". قلت: وقال (¬2): هذا حديث غريب من هذا الوجه ثم ذكر إخراجه من طريق أخرى (¬3)، وقال (¬4): إنه حسن غريب. الثالث: حديث (ابن عباس - رضي الله عنه -): 3 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: خَرَجَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَوْماً مِنَ الخَلاَءِ فَقُدِّمَ إِلَيْهِ طَعَامٌ، فَقَالُوا: أَلاَ نَأَتِيكَ بِوَضُوءَ؟ فَقَالَ: "إِنَّما أُمِرْتُ بِالوُضُوءِ إِدا قُمْتُ إِلَى الصَّلاَة". أخرجه الخمسة (¬5)، إلا البخاري. [صحيح] "قال: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوماً من الخلاء" تقدم تفسيره. "فقدم إليه طعام" ليأكله. فقالوا" أي: الحاضرون. "ألا نأتيك بوضوء" أي: بماء يغسل به يده أو يتوضأ وضوءه للصلاة. ¬

_ (¬1) "القاموس المحيط" (ص 580). (¬2) في "السنن" (4/ 289). (¬3) في "السنن" رقم (1860). (¬4) في "السنن" (4/ 289). (¬5) أخرجه مسلم في صحيحه رقم (374)، وأبو داود رقم (3760)، والترمذي رقم (1848)، والنسائي رقم (132) وهو حديث صحيح.

ذم كثرة الأكل

"فقال: إنما أمرت بالوضوء إذا قمت إلى الصلاة" يحتمل أنهم أرادوا يتوضأ وضوءه للصلاة فأجاب بحصره على القيام إليها، ويحتمل أنهم أرادوا غسل يده، فأجاب بخلاف ما يترقبونه من باب الأسلوب الحكيم (¬1). قوله: "أخرجه الخمسة, إلاّ البخاري". قلت: بوّب له الترمذي (¬2): باب ترك الوضوء قبل الطعام، ثم ذكر هذا الحديث، وقال (¬3): إنه حسن صحيح. ذم كثرة الأكل (ذَمُّ كِثْرَة الأَكْلْ) جعله ابن الأثير (¬4) فصلا خامساً. الأول: حديث (أبي هريرة - رضي الله عنه -): ¬

_ (¬1) وهو تلقي المخاطب بغير ما يترتب، بحمل كلامه على خلاف مراده, تنبيهاً على أن الأولى بالقصر، أو السائل بغيى ما يتطلب، بتنزيل سؤاله منزلة غيره تنبيهاً على أنه الأولى بحاله أو المهم به. أمَّا الأول: فكقول القبعثري للحجاج لما قال له متوعداً بالقيد: لأحملنك على الأوهم، فقال القعبثري: "مثل الأمير يحمل على الأوهم والأشهب". فإنه أبرز وعيده في معرض الوعد، وأراه بالطف وجه أن من كان على صفته في السلطان وبسطة البد فجد ير أن يصفد لا أن يُصَفِّد. وأمَّا الثاني: فكقوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [البقرة: 215] سألوا عن بيان ما ينفقون، فأجيبوا ببيان المصْرِف. "معجم البلاغة العربية" (ص 280 - 281). (¬2) في "السنن" (4/ 282 الباب رقم 40). (¬3) الترمذي في "السنن" (4/ 282). (¬4) في "جامع الأصول" (7/ 405) الفصل الخامس: في ذم الشَّبَع وكثرة الأكل.

1 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: أَضَافَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ضَيْفَاً كَافِرٌ، فَأَمَرَ لَهُ بِشَاةٍ فَحُلِبَتْ، فَشَرِبَ حِلاَبَهاَ، ثُمَّ أُخْرَى فَشَرِبَ حِلاَبَهاَ، حَتَّى شَرِبَ حِلَابَ سَبْعِ شِيَاهٍ، ثُمَّ إِنَّه أَصْبَحَ فَأَسْلَمَ، فَأَمَرَ لَهُ بِشَاةٍ فَحُلِبَتْ، فَشَرِبَ حِلَابَهَا، ثُمَّ أُخْرَى، فَلَمْ يَسْتَتِمَّهَ، فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ المُؤْمِنُ لِيَشْرَبُ في مَعْيٍ وَاحِدٍ، وَالكَافِرُ يَشْرَبُ في سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ". أخرجه الثلاثة (¬1) والترمذي (¬2). [صحيح] قوله: "في سَبْعَةِ أَمْعاَءِ": تمثيل لرضا المؤمن باليسير من الدنيا، وحرص الكافر على الكثير منها. "قال: أضاف النبي - صلى الله عليه وسلم - ضيفاً كافراً" قال الحافظ ابن حجر (¬3): هذا الضيف، يشبه أن يكون جهجاه الغفاري، وفي رواية للطبراني أنه أبو غزوان، وقال ابن حجر (¬4): إنَّ سند رواية الطبراني جيد، ونقل أقوالاً أخرى في تعيينه. "فأمر له بشاة فحلبت فشرب حلابها" بكسر الحاء المهملة. في "القاموس" (¬5): المحلب والحلاب بكسرهما إناء يحلب فيه، والحلب محركة والحليب: اللبن المحلوب. انتهى. فأطلق الحلاب وهو الظرف على المظروف مجازاً بقرينة: "فشرب". "ثم أخرى فشرب حلابها حتى شرب حلاب سبع شياه، ثم إنه أصبح فأسلم، فأمر له بشاة فحلبت، فشرب حلابها، ثم أخرى فلم يستتمه، فقال صلَّى الله [413 ب] عليه وآله وسلم ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (5396، 5397)، ومسلم رقم (186/ 2063). (¬2) في "السنن" رقم (1809) وهو حديث صحيح. (¬3) في "فتح الباري" (9/ 538). (¬4) في "فتح الباري" (9/ 538). (¬5) "القاموس المحيط" (ص 98).

إن المؤمن ليشرب في معي" في "القاموس" (¬1): المعي بالفتح وكإلى من أعفاج البطن، وقد يؤنث، جمعه: أمعاء. وقال (¬2) في الجيم مع الفاء: العفج وبالكسر وبالتحريك، وككتف ما ينتقل الطعام إليه بعد المعدة جَمْعَهُ: أعفاج. انتهى. "واحد والكافر يشرب في سبعة أمعاء" قال الحافظ ابن حجر (¬3): اختلف في معنى الحديث فقيل: ليس المراد به ظاهره وإنما هو مثل ضرب للمؤمن، وزهده في الدنيا، والكافر وحرصه عليها، فكأن المؤمن لتقلله من الدنيا يأكل في معي واحد، والكافر لشدة رغبته فيها والاستكثار منها يأكل في سبعة، وليس المراد حقيقة الإمعاء ولا خصوص الأكل، وإنما المراد: التقلل من الدنيا وعدم الاستكثار منها، فكأنه عبّر عن تناول الدنيا بالأكل، وعن الاستكثار من ذلك بالأمعاء. ووجه العلاقة ظاهر وكلام المصنف قريب منه, ثم سرد عدة أقوال في معنى الحديث. وأما الأمعاء السبعة فذكر عياض (¬4) عن أهل التشريح أنّ أمعاء الإنسان سبعة: المعدة ثم ثلاثة أمعاء بعدها متصلة بها التواب، ثم الصايم، ثم الرقيق، [والثلاثة] (¬5) الأعور والقولون والمستقيم وكلها غلاظ، فيكون المعنى أن الكافر لكونه يأكل بشره لا يشبعه إلاّ ملء أمعاءه السبعة، والمؤمن يشبع ملء معاء واحداً. انتهى. قوله: "أخرجه الثلاثة والترمذي". ¬

_ (¬1) "القاموس المحيط" (ص 1721). (¬2) الفيروز آبادي في "القاموس المحيط" (ص 254). (¬3) في "فتح الباري" (9/ 538). (¬4) في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (6/ 557). (¬5) كذا في "المخطوط" والذي في "إكمال المعلم": وهي كلها رقائق، ثم ثلاثة غلاظ.

قلت: وقال (¬1) حسن صحيح غريب. قال العلماء (¬2): يؤخذ من الحديث الحض على التقلل من الدنيا، والحث على الزهد فيها والقناعة بما تيسر منها وقد كان العقلاء في الجاهلية والإِسلام يمدحون بقلة الأكل ويذمون كثرة الأكل. وقال حاتم (¬3) الطائي: فِإنَّك [مَهماَ] (¬4) أَعَطَيْتَ بَطْنَكَ سُؤُلَهُ وَفَرْجَكَ نَالاَ مُنْتَهَى الذَّمِ أَجْمَعَا. الثاني: حديث (أبي هريرة - رضي الله عنه -): 2 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قَالَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: "طَعَامُ الاثْنَيْنِ كَافِي الثَّلَاثَةِ وَطَعَامُ الثَّلاثَةِ كَافِي الأَرْبَعَةِ". أخرجه الثلاثة (¬5)، والترمذي (¬6). [صحيح] "قال: [414 ب] رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: طعام الاثنين" أي: الذي قدّر لهما من غير زيادة كاف الثلاثة؛ لأنه تعالى ينزل فيه البركة مع الاجتماع. "وطعام الثلاثة كافي الأربعة" فزيادة الواحد مع الاثنين، ومع الثلاثة يكفي الجميع. قوله: "أخرجه الثلاثة والترمذي". ¬

_ (¬1) في "السنن" (4/ 267). (¬2) قاله الحافظ في "الفتح" (9/ 540). (¬3) قاله الحافظ في "الفتح" (9/ 540). (¬4) كذا في "المخطوط" والذي في "الفتح" إن. (¬5) أخرجه البخاري رقم (5392)، ومسلم رقم (178/ 2058)، ومالك في "الموطأ" (2/ 928 رقم 20). (¬6) في "السنن" رقم (1820) وهو حديث صحيح.

قلت: وقال (¬1): حسن صحيح. - وفي أخرى لمسلم (¬2) والترمذي (¬3): عن جابر: "طَعَامُ الاثْنَيْنِ كافِي الأَرْبَعَةِ، وَطَعَامُ الأَرْبَعَةِ كَافِي الثَّماَنِيَة". [صحيح] "وفي" رواية: "أخرى لمسلم" أي: عن أبي هريرة (¬4). "والترمذي عن جابر: طعام الاثنين، يكفي الأربعة، وطعام الأربعة يكفي الثمانية" المراد: أن طعام الأقل يشبع معهم أكثر منهم ببركة يضعها الله في ذلك. وقال المهلب (¬5): المراد الحض على المكارم والتقنع بالكفاية. قال الغزالي في "الإحياء" (¬6): ذكر هذا الحديث لبعض الفلاسفة فقال: ما سمعت كلاماً في قلة الأكل أحكم من هذا. هذا ورواية الترمذي عن جابر بلفظ: "طعام الواحد يكفي الاثنين" وبه ترجم (¬7) الباب قال: باب طعام الواحد يكفي الاثنين، ثم ذكر لفظ الحديث كما هنا. الثالث: حديث (ابن عمر - رضي الله عنه -): 3 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: تجَشَّأَ رَجُلٌ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "كُفَّ عَنَّا جُشَاءَكَ فَإِنَّ أَكْثَرَهُمْ شِبَعًا فِي الدُّنْيَا أَطْوَلهُمْ جُوعًا يَوْمَ القِيَامَةِ". ¬

_ (¬1) في "السنن" (4/ 268). (¬2) في صحيحه رقم (179/ 2059). (¬3) في "السنن" بإثر الحديث رقم (1820). (¬4) بل هو من حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما -. (¬5) ذكره الحافظ في "الفتح" (9/ 535). (¬6) (2/ 375). (¬7) في "السنن" (4/ 267 الباب رقم 21).

أخرجه الترمذي (¬1). [حسن] "قال: تجشأ رجل عند النبي - صلى الله عليه وسلم - " التجشؤ (¬2): تنفس المعدة. "فقال: كف عنا جشاءك" لعله أراد بكفه الجشاء: إرشاده إلى تقليل الأكل، ويدل له قوله: "فإن أكثر الناس شبعاً في الدنيا أطولهم" أكثرهم. "جوعاً يوم القيامة". قوله: "أخرجه الترمذي" ومثله في "الجامع (¬3) " ولم أجده في كتاب الأطعمة (¬4) من سنن الترمذي فينظر. الرابع: حديث (المقدام بن معد يكرب - رضي الله عنه -): 4 - وعن المقدام بن معد كرب - رضي الله عنه - قال: قَالَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا مَلَأَ اَدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ، بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ لُيَقْماتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فَإِنْ كَانَ لَا مَحَالَةَ فَاعِلاً، فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ، وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ, وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ". أخرجه الترمذي (¬5). [صحيح] "قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما ملأ ابن آدم وعاءً شراً من بطن" ثم بين الذي ينبغي من القدر الذي يأكله بقوله: "بحسب ابن آدم" أي: يكفيه. "لقيمات" جمع لقمة مصغر. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (2478) وهو حديث حسن. (¬2) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (1/ 266)، "القاموس المحيط" (ص 45). (¬3) (7/ 409 رقم 5477). (¬4) في "السنن" (4/ 649 كتاب صفة القيامة الباب رقم 37). (¬5) في "السنن" رقم (2380). وأخرجه ابن ماجه رقم (3349)، وابن حبان في صحيحه رقم (5236)، والحاكم في "المستدرك" (4/ 121) وهو حديث صحيح.

آداب متفرقة

"يقمن صلبه" في "القاموس" (¬1): الصلب بالضم وبالتحريك، عظم من لدن الكاهل إلى العَجْبِ كالصَّالب. انتهى. "فإن كان لا محالة فاعلاً" زيادة على اللقمات. "فثلث" من بطنه. "لطعامه, وثلث لشرابه, وثلث لنفسه" بفتح الفاء، أي: تنفسه. قوله: "أخرجه الترمذي". قلت: وكذا في "الجامع" (¬2) لكن لم أجده في "كتاب الأطعمة" من سنن (¬3) الترمذي. فينظر أين أخرجه. آداب متفرقة (آدَابٌ مُتَفَرِّقِةُ) أي: من آداب [415 ب] الطعام، وجعله ابن الأثير (¬4): فصلاً سادساً. الأول: حديث (أنس - رضي الله عنه -): 1 - عن أنس - رضي الله عنه - قال: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "تَعَشَّوْا وَلَوْ بِكَفٍّ مِنْ حَشَفٍ, فَإِنْ تَرَكَ العَشاَءِ مَهْرَمةٌ". أخرجه الترمذي (¬5). [ضعيف جداً] ¬

_ (¬1) "القاموس المحيط" (ص 135). (¬2) (7/ 410 رقم 5480). (¬3) في "السنن" (4/ 590 في كتاب الزهد الباب رقم 47 الحديث رقم 2380). (¬4) في "الجامع" (7/ 411). (¬5) في "السنن" رقم (1856)، وهو حديث ضعيف جداً.

"قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تعشوا ولو بكف من حشف (¬1) " بالحاء المهملة وشين معجمة ففاء هو ردئ التمر. "فإن ترك العشاء مهرمة" سبب للوقوع في الهرم. قوله: "أخرجه الترمذي". قلت: وقال (¬2): إنه حديث منكر لا نعرفه, إلاّ من هذا الوجه، وعنبسة يضعف في الحديث وعبد الملك بن عَلاق مجهول. الثاني: حديث (أبي هريرة - رضي الله عنه -): 2 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: مَا عَابَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - طعَامًا قَطُّ، كَانَ إِذَا اشْتَهَاهُ أَكَلَهُ، وإنْ كرهَهُ تَرَكَهُ. أخرجه الخمسة (¬3) , إلا النسائي. [صحيح] "قال: ما عاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طعاماً قط، كان إذا اشتهاه أكله، وإن كرهه تركه" كما ترك أكل الضب (¬4) كما يأتي. قوله: "أخرجه الخمس إلاّ النسائي". ¬

_ (¬1) قال ابن الأثير في "النهاية" (1/ 383) الحشف: اليابس الفاسد من التمر، وقيل: الضعيف الذي لا نوى له، كالشبص. (¬2) أي: الترمذي في "السنن" (4/ 287). (¬3) أخرجه البخاري رقم (5409)، ومسلم رقم (187/ 2064)، وابن ماجه رقم (3259)، والترمذي رقم (2031) وهو حديث صحيح. (¬4) سيأتي نصه وتخريجه.

الثالث: 3 - وعنه - رضي الله عنه - قال: قَالَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا سَقَطَ الذُّبَابُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَامْقُلُوهُ، فَإِنَّ في أَحَدِ جَنَاحَيْهِ دَاءً, وفي الآخَرِ شِفَاءً، وَإِنَّهُ يَتَّقيِ بِجَناَحِهِ الَّذِي فِيهِ الدَّاءِ". أخرجه البخاري (¬1)، وأبو داود (¬2). [صحيح] "امْقُلُوهُ": أي اغمسوا. "حديثه" أي: أبي هريرة. "قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إذا سقط الذباب في إناء أحدكم" الذي يراد شربه مثلاً. "فامقلواه" اغمسوه في الماء الذي في الإناء. ثم ذكر علة الأمر بغمسه بقوله: "فإن في أحد جناحيه داء" فيخاف من ضره, فيدفعه بغمس الآخر. "وفي الآخر شفاء" عن داء جناحه الذي يقدمه كما قال - صلى الله عليه وسلم -. "وأنه يتَّقي" أي: هلاكه في الإناء. "بجناحه الذي فيه الداء" فيقدمه إلهاماً من الله تعالى. ¬

_ (¬1) في صحيحه رقم (3320، 5782). (¬2) في "السنن" رقم (3844). وأخرجه ابن ماجه رقم (3505)، وأحمد (2/ 229، 230)، والدارمي (2/ 98 - 99)، وابن خزيمة رقم (105)، والطبراني في "الأوسط" رقم (2419)، والطحاوي في "مشكل الآثار" (4/ 283)، وابن حبان في صحيحه (4/ 53 رقم 1246) من طرق وهو حديث صحيح.

وفي رواية (¬1): "أنه يقدم السم، ويؤخر الشفاء" ومثله في مخلوقات الله، كثير يجمع الداء والدواء، كالنخلة، يخرج من بطنها العسل فيه الشفاء، وفي إبرتها السم. وكذلك العقرب تهيج الداء بإبرتها ويداوي من ذلك بها. وكذلك الأفعى والترياق، ذكره في "المصباح" (¬2). قال ابن دقيق العيد (¬3): منطوقه قال على ما يقع وعلى ما يوقع فيه، فكل ما يسمى شراباً فهو داخل تحت اللفظ، وأما الواقع فلا يختص به، والنظر في بقية المائعات هل يطلق عليها اسم الشراب؟ وقد ورد في بعض الروايات (¬4): "في إناء أحدكم" وهو أعم وأكثر في الفائدة اللفظية من لفظ: "الشراب". قال: وما لا يسمى شراباً يؤخذ بالقياس في معنى الأصل، وهو ها هنا قوى المرتبة؛ لأن الحكم في لفظ الشارع أُدير على الواقع بسبب وصف فيه, لا على ما يقع فيه. فمهما كانت العلة موجودة ثبت [416 ب] الحكم فيها يقع فيه. ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد (3/ 67)، وابن ماجه رقم (3504)، والنسائي رقم (4262)، وابن حبان رقم (1247)، وفي "الثقات" (2/ 102)، والبيهقي (1/ 253)، والطيالسي رقم (2188)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (2815)، وأبو يعلى في "مسنده" رقم (13/ 986) كلهم من حديث أبي سعيد، وهو حديث صحيح. (¬2) "المصباح المنير" (ص 29). وقال الحافظ في "الفتح" (10/ 252)، وقال ابن الجوزي: فإن النخلة تعسل من أعلاها وتلقي السم من أسفلها، والحية القاتل سمها تدخل لحومها في الترباق الذي يعالج به السم، والذبابة تسحق مع الإثمد لجلاء البصر، وذكر بعض حذاق الأطباء أن في الذباب قوة سمية يدل عليها الورم والحكة العارضة عن لسعة، وهي بمنزلة السلاح له، فإذا سقط الذباب فيما يؤذيه تلقاه بسلاحه، فأمر الشارع أن يقاتل تلك السَّمية بما أودعه الله تعالى في الجناح الآخر من الشفاء، فتتقابل المادتان فيزول الضرر بإذن الله تعالى. (¬3) ذكره الحافظ في "الفتح" (10/ 251). (¬4) أخرجها البخاري في صحيحه رقم (5782).

قال (¬1): ويلحق غير الذباب بالذباب، فيما شاركه في أنه لا نفس له سائلة في معنى التخسيس وليس ذلك كالمرتبة التي قبلها؛ لأن الإلحاق هنا باعتبار علة استنبطها المستدل من الأصل وهو كونه لا نفس له سائله. قال (¬2): وقضية التعليل في الحديث أنه إذا وقع جناحاه أو أحدهما لا يغمس لانتفاء العلة المقتضية للغمس، واحتمال أنّ الجناح الباقي في الصورة الثانية هو الذي فيه الداء. انتهى. قلت: هذه الصورة الآخرة لا فائدة لغمسه؛ لأن إذا كان الذي فيه الداء وقد ذهب الجناح الذي فيه دواءه، فلم يبق ما يقام الداء، فالأولى ترك الشراب الذي وقع فيه؛ لأنه قد خلط الداء بنص الشارع، وهو يُحب تجنبه؛ لأن حفظ البدن واجب. قال الخطابي (¬3): تكلم على هذا الحديث من لا خلاق له، وقال: كيف يجتمع الداء والشفاء في جناحي الذباب؟ وكيف تعلم ذلك من نفسها حتى تقدم جناح الداء، وتؤخر جناح الشفاء وما أدّاها إلى ذلك؟. قال: وهذا سؤال جاهل أو متجاهل، فإن الذي نفسه ونفوس عامة الحيوان قد جمع بينهما، وبين الحرارة والبرودة، والرطوبة، واليبوسة, وهي أشياء متضادة, إذا تلاقت تفاسدت ثم يرى أنَّ الله سبحانه ألفّ بينها وقهرها على الاجتماع، وجعل منها قوى الحيوان الذي بها نماؤه وصلاحه، لجدير أن لا ينكر اجتماع الداء والدواء في جرابين من منوال واحد. وإن الذي ألهم النحل يتخذ البيت العجيب الصنعة وأنْ تعسل فيه, وألهم الذرة أن تكسب قوتها وتدّخره لأوان حاجتها إليه، هو الذي خلق الذبابة، وجعل لها الهداية إلى أن يقدم ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (10/ 251). (¬2) ذكره الحافظ في "الفتح" (10/ 251). (¬3) في "معالم السنن" (4/ 183).

جناحاً ويؤخر آخر من الابتلاء الذي هو مدرجة التعبد والامتحان الذي هو مضمار التكليف، وفي كل شيء له حكمة، وما يتذكر إلاّ أولوا الألباب. انتهى. واعلم أن الحديث يذكره المؤلون في باب النجاسات (¬1)؛ لأن يدل على أن وقوع الذباب في الماء لا ينجسه، وهنا ذكر في الأطعمة لذلك. قوله: "أخرجه البخاري، وأبو داود". الرابع: حديث (جابر - رضي الله عنه -): 4 - وعن جابر - رضي الله عنه - قال: أَخَذَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِيَدِ مَجْذُومِ فَوَضَعَهاَ مَعَهُ في القَصْعَةِ، وَقَالَ: "كُلْ ثَقَةً بِالله وَتَوَكُّلاً عَلَيْهِ". أخرجه أبو داود (¬2) والترمذي (¬3). [ضعيف] وزاد رزين فقال: وَفَعَلَ ذَلِكَ أَبُو بَكْرْ وَعُمَرُ - رضي الله عنهما -، وَقَالاَ مَثْلَ ذَلِكَ. "أنه - صلى الله عليه وسلم - أخذ بيد مجذوم [417 ب] فوضعها معه في القصعة" ليأكل معه. "وقال: كُل ثقة" منا "بالله" أن لا يضر الأكل معه. "وتوكلاً عليه" فمن كان له هذا التوكل والثقة جاز له مؤاكلة المجذوم. قالوا: وهذا المجذوم الذي أكل مع النَّبي - صلى الله عليه وسلم - هو معيقيب (¬4) ابن أبي فاطمة الأوسي، مولى سعيد بن العاص. قال ابن السكن (¬5): ولم يكن في الصحابة مجذوم غيره. ¬

_ (¬1) انظر: ذلك مفصلاً في "المجموع شرح المهذب" (1/ 178 - 183)، و"المغني" لابن قدامة (1/ 59 - 64). (¬2) في "السنن" رقم (3925). (¬3) في "السنن" رقم (1817). وأخرجه ابن ماجه في "السنن" رقم (3542)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (7/ 219) وهو حديث ضعيف. (¬4) انظر: "التقريب" (2/ 268 رقم 1302). (¬5) انظر: "فتح الباري" (10/ 160).

قال البيهقي في "شعب الإيمان" (¬1) في هذا الحديث (¬2): مع ما روي عنه: "فرِّ من المجذوم (¬3) " وأمره الذي (¬4) أتاه في وفد ثقيف، توكيد طريقة التوكل فيكون هذا الحديث فيمن يكون حاله الصبر على المكروه، وترك الاختيار في موارد القضاء. والحديث الآخر فيمن يخاف على نفسه العجز عن احتمال المكروه (¬5) والصبر عليه، فيحترز لما جاء في الشر من أنواع الاحترازات. انتهى. ¬

_ (¬1) (2/ 490 - 491) ط مكتبة الرشد ناشرون. (¬2) الحديث في "شعب الإيمان" برقم (1294). (¬3) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (5707) وأطرافه (5717، 5757، 5773, 5775)، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا عدوى ولا طيرة ولا هام ولا صفر، وفرّ من المجذوم كما تفرُ من الأسد". (¬4) أخرجه مسلم رقم (126/ 2231)، والنسائي رقم (4182)، وابن ماجه رقم (3544) وهو حديث صحيح. (¬5) قال ابن القيم في "زاد المعاد" (4/ 140 - 143): والعدوى جنسان: أحدهما: عدوى الجذام فإن المجذوم تشتّد رائحته حتى يسقم من أطال مجالسته ومحادثته, وكذلك المرأة تكون تحت المجذوم فتضاجعه في شعار واحد، فيوصل إليها الأذى وربما جذمت، وكذلك ولده ينزعون في الكبر إليه، وكذلك من كان به سِلِّ ودقِّ ونُقبٌ. والأطباء تأمر أن لا يجالس المسلول ولا المجذوم. ولا يريدون بذلك معنى العدوى وإنما يريدون به معنى تغيير الرائحة وأنها قد تسقم من أطال اشتمامها، والأطباء أبعد الناس عن الإيمان بيمن وشؤم، وكذلك النقبة تكون بالبعير - وهو جرب رطب - فإذا خالط الإبل أو حاكها، وأوى في مباركها، وصل إليها بالماء الذي يسيل منه, وبالنطف نحو ما به, فهذا هو المعنى الذي قال فيه النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا يورد ذو عاهة على مصح" كره أن يخالط المعيوه الصحيح، لئلا يناله من نطفة وحكته نحو ما به. قال: وأما الجنس الآخر من العدوى، فهو الطاعون ينزل ببلد، فيخرج منه خوف العدوى وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "إذا وقع ببلد وأنته به, تخرجون منه, وإذا كان ببلد، فلا تدخلوه" - أخرجه البخاري رقم (5729)، ومسلم رقم (2219) من حديث عبد الله بن عباس، يريد بقوله، لا تخرجوا من البلد إذا كان فيه كأنكم تظنون أن الفرار من قدر الله ينجيكم من الله، ويريد إذا كان ببلد، فلا تدخلوه, أي: مقامكم في الموضع الذي لا طاعون فيه أسكن =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = لقلوبكم، وأطيب لعيشكم، ومن ذلك المرأة تعرف بالشؤم أو الدار، فينال الرجل مكروه وجائحة, فيقول: أعدتني بشؤمها، فهذا هو العدوى الذي قال فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا عدوى". وقالت طائفة: بل الأمر باجتناب المجذوم والفرار منه على الاستحباب والاختيار، والإرشاد, وأما الأكل معه، ففعله لبيان الجواز وأن هذا ليس بحرام. وقالت فرقة أخرى: بل الخطاب بهذين الخطأ بين جزئي لا كلي، فكل واحد خاطبه النبي - صلى الله عليه وسلم - بما يليق بحاله، فبعض الناس يكون قوي الإيمان قوي التوكل تدفع قوة توكله قوة العدوى، كما تدفع قوة الطبيعة قوة العلة فتطلبها، وبعض الناس لا يقوى على ذلك، فخاطبه بالاحتياط والأخذ بالتحفظ، وكذلك هو - صلى الله عليه وسلم - فعل الحالتين معاً، لتقتدي به الأمة فيهما فيأخذ من قوي أمته بطريقة التوكل والقوة والثقة بالله. ويأخذ من ضعف منهم بطريقة التحفظ والاحتياط وهما طريقان صحيحان: أحدهما: للمؤمن القوي، والآخر للمؤمن الضعيف، فتكون لكل واحد من الطائفتين حُجة وقدرة بحسب حالهم وما يناسبهم، وهذا كما أنه - صلى الله عليه وسلم - كوى، وأثنى على تارك الكي، وقرن تركه بالتوكل، وترك الطيرة ولهذا نظائر كثيرة, وهذه طريقة لطيفة حسنة جداً من أعطاها حقها، ورزق فقه نفسه, أزالت عنه تعارضاً كثيراً يظنه بالسنة الصحيحة. وذهبت فرقة أخرى إلى أن الأمر بالفرار منه, ومجانبته لأمر طبيعي وهو انتقال الداء منه بواسطة الملامسة والمخالطة والرائحة إلى الصحيح. وهذا يكون مع تكرير المخالطة والملامسة له، وأما أكله معه مقداراً يسيراً من الزمان لمصلحة راجحة، فلا بأس به ولا تحصل العدوى من مرة ولحظةٍ واحدة فنهى سداً للذريعة, وحماية للصحة, وخالطه مخالطة ما للحاجة والمصلحة, فلا تعارض بين الأمرين. وقالت طائفة أخرى: يجوز أن يكون هذا المجذوم الذي أكل معه به من الجذام أمر يسير لا يُعدي مثله، وليس الجذمي كلهم سواء، ولا العدوى حاصلة من جميعهم، بل منهم من لا تضر مخالطته، ولا تعدي، وهو من أصابه من ذلك شيء يسير، ثم وقف واستمر على حاله، ولم يعد بقية جسمه. فهو أن لا يعدي غيره أولى وأحرى. وقالت فرقة أخرى: إن الجاهلية كانت تعتقد أن الأمراض المعدية تعدي بطبعها من غير إضافة إلى الله سبحانه، فأبطل النبي - صلى الله عليه وسلم - اعتقادهم ذلك، وأكل مع المجذوم ليبين لهم أن الله سبحانه هو الذي يمرض ويشفي، ونهى عن القرب منه ليتبين لهم أن هذا من الأسباب التي جعلها الله مفضية إلى مسبباتها، ففي نهيه إثبات الأسباب، وفي =

قوله: "أخرجه أبو داود والترمذي". قلت: وقال (¬1): هذا غريب لا نعرفه إلاّ من حديث يونس بن محمَّد، عن المفضل بن فضالة، والفضل بن فضالة هذا شيخ بصري، والفضل بن فضالة شيخ آخر مصري، أوثق من هذا. انتهى. وقال في "التقريب" (¬2): أنه ضعيف - أعني البصري الذي روى عنه الترمذي -. ¬

_ = فعله بيان أنها لا تستقل بشيء بل الرب سبحانه إن شاء سلبها قواها، فلا تؤثر شيئاً، وإن شاء أبقى عليها قواها فأثرت. وقالت فرقة أخرى: بل هذه الأحاديث فيها الناسخ والمنسوخ، فينظر في تاريخها، فإن علم المتأخر منها, حكم بأنه الناسخ، وإلا توقفنا فيها. وقالت فرقة أخرى: بل بعضها محفوظ, وبعضها غير محفوظ, وتكلمت في حديث: "لا عدوى". وقالت: قد كان أبو هريرة يرويه أولاً، ثم شك فيه فتركه وراجعوه فيه, وقالوا: سمعناك تحدث به. فأبى أن يحدث به. قال أبو سلمة: فلا أدري، أنسي أبو هريرة, أم نسخ أحدُ الحديثين الآخر؟ وأما حديث جابر: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخذ بيد مجذوم فأدخلها معه في القصعة فحديث لا يثبت ولا يصح، وغاية ما قال فيه الترمذي: إنه غريب لم يصححه ولم يحسنه، وقد قال شعبة وغيره: اتقوا هذه الغرائب. قال الترمذي: ويروي هذا من فعل عمر، وهو أثبت، فهذا شأن هذين الحديثين اللذين عورض بهما أحاديث النهي. أحدهما: رجع أبو هريرة عن التحديث به وأنكره. والثاني: لا يصح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والله أعلم - تقدم تخريجه وهو حديث ضعيف. وانظر: "مفتاح دار السعادة" (3/ 364 - 379)، "فتح الباري" (10/ 158 - 161). (¬1) الترمذي في "السنن" (4/ 266). (¬2) (2/ 271 رقم 1336) حيث قال: الفضل بن فضالة بن أبي أمية, أبو مالك البصري، أخو مبارك، ضعيف، من السابعة، وانظر: "الميزان" (4/ 169)، و"التاريخ الكبير" (7/ 405).

قوله: "زاد رزين، وفعل ذلك" أي: الأكل مع المجذوم. "أبو بكر، وعمر، وقالا مثل ذلك". قلت: أخرج ذلك الترمذي (¬1)، عن ابن عمر: "أنه أخذ بيد مجذوم". الخامس: حديث (الشريد بن سويد - رضي الله عنه -): 5 - وعن الشريد بن سويد - رضي الله عنه - قال: كَانَ فِي وَفْدِ ثَقِيْفِ رَجُلٌ مَجذُومٌ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، إِنَّا قَدْ بَايَعْنَاكَ فأرْجِعْ. أخرجه مسلم (¬2). [صحيح] "قال: كان في وفد ثقيف رجل" اسمه ربيعة بن الأحزم، قاله الكاشغري: "مجذوم فأرسل إليه النبي - صلى الله عليه وسلم -، أن قد بايعناك فارجع" تقدم وجه الجمع بينه وبين الذي قبله. قوله: "أخرجه مسلم". السادس: حديث (أبي هريرة - رضي الله عنه -): 6 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: كَانَ النّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا أُتِيَ بِأَوَّلِ الثَّمَرَةِ قَالَ: "اللهمَّ بَارِكْ لَنَا فِي مَدِينَتِنَا، وِفي ثِمَارِنَا، وَفِي مُدِّنَا، وفي صَاعِنَا برَكةً مَعَ برَكَةٍ, ثُمَّ يُعْطِيهِ أَصْغَرَ مَنْ يَحْضرُهُ مِنْ الوِلْدَانِ". أخرجه مسلم (¬3). [صحيح] "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أتي بأول الثمرة قال: اللهم بارك لنا في مدينتنا، وفي ثمارنا، وفي مدّنا، وصاعنا" أي: في ما يكال بهما، والبركة في المدينة بالأمانة، وجعل الطاعات فيها. "بركة مع بركة" بركة مضاعفة. ¬

_ (¬1) في "السنن" بإثر الحديث رقم (1817)، وانظر: "فتح الباري" (10/ 161). (¬2) في صحيحه رقم (126/ 2231) وقد تقدم، وهو حديث صحيح. (¬3) في صحيحه رقم (1373).

الباب الثاني: في المباح من الأطعمة والمكروه

"ثم يعطيه" أي: الذي أتي به من الثمرة. "أصغر الولدان" [418 ب] تلطفاً به وتأنياً؛ ولأن هذه أول الثمرة، وهو في أول العمر. قوله: "أخرجه مسلم". السابع: حديث (عائشة - رضي الله عنها -): 7 - وعن عائشة - رضي الله عنها -: أَنَّهُمْ ذَبَحُوا شَاةً قَالَتْ: فَجَاءَ سَائِلٌ فَأَعْطُوهُ, فَجَاءَ آخَرُ فَأَعْطُوهُ, فَبقِيَ مِنْهاَ، فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: "مَا بَقِيَ مِنْهَا"؟ قَالَوا: مَا بَقِيَ مِنْهَا إِلَّا كَتِفُهَا، قَالَ: "بَقِيَ كلُّهَا إلاَّ كَتِفِهَا". أخرجه الترمذي (¬1). [صحيح] "أنهم ذبحوا شاة قالت: فجاء سائل فأعطوه" أي: من لحمها. "فجاءآخر فأعطوه" منها. "فقال - صلى الله عليه وسلم -: ما بقي منها؟ فقالوا: ما بقي منها إلاّ كتفها، فقال: بقي كلّها" أي: بقي الأجر في الآخرة. "إلاّ كتفها" فإنَّه لم يبق للآخرة. قوله: "أخرجه الترمذي" (¬2). الباب الثاني: في المباح من الأطعمة والمكروه (البَابُ الثَّانِيْ): من كتاب الأطعمة. في المباح من الأطعمة والمكروه ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (2470) وهو حديث صحيح، وقد تقدم. (¬2) في "السنن" (4/ 644 الحديث رقم 2470) وقال: هذا حديث صحيح، وأبو ميسرة هو الهمداني في اسمه عمرو بن شرحبيل.

الفصل الأول: في الحيوان

وفيه: فصلان (فِيْ: المُبَاحِ مِنْ الأَطْعِمَةِ وَالمَكْرُوْهُ) (وَفِيْهِ: فَصْلاَنِ) الفصل الأول: في الحيوان (الفَصْلُ الأّوَّلْ: فِيْ الحَيَوَانْ) أي: في المباح منه. الضَّبُ (الضَّبُ) (¬1) بفتح المعجمة وتشديد الموحدة, دويبة لطيفة، ويقال للأنثى: ضبة وبه سميت القبيلة وبالخيف من منى جبل يقال له: ضب. وذكر ابن خالويه (¬2) أن الضب يعيش سبعمائة سنة, وأنه لا يشرب الماء، بل يكتفي بالنسيم، وبرد الهواء ويبول (¬3) في كل أربعين يوماً قطرة, ولا يسقط له سن، ويقال: أن أسنانه قطعة واحدة وأما خلقة الضب فكما قال شاعرهم: لَهُ كُفُ إِنْسَانٍ وَخَلقُ غَطَاءة ... وَكَالقِرْد وَالخِنْزِيْرَ في المَسْخِ وَالغَصبِ (¬4) ¬

_ (¬1) انظر: "فتح الباري" (9/ 663)، "النهاية" (1/ 442). (¬2) ذكره الحافظ في "الفتح" (9/ 663)، وانظر: "لسان العرب" (1/ 538 - 539). (¬3) انظر: "زهر الأكم في الأمثال والحكم" (2/ 50 - 51) (2/ 148). (¬4) في المخطوط: له كفُّ إنسانٍ وخلق عُضاة ... وكالكلب والخنزير في المسخ والغصب وما أثبتناه من "الاستذكار" (27/ 188)، و"التمهيد" (17/ 66).

وقد ورد أنه قدم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخذ عوداً فعدَّ به أصابعه، ذكره ابن عبد البر في "الاستذكار" (¬1). وأجمع (¬2) المسلمون أنه حلال ليس بمكروه. الأول: حديث (ابن عباس - رضي الله عنه -): 1 - عن ابن عباس - رضي الله عنهما -: أَنَّ خَالِدَ بْنَ الوَلِيدِ - رضي الله عنه -، أَخْبَرَهُ أَنَّهُ دَخَلَ مَعَ النّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَهِيَ خَالَتُهُ، وَخَالَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهم -، فَوَجَدَ عِنْدَهَا ضَبًّا مَحْنُوذًا، قَدِمَتْ بِهِ أُخْتُهَا حُفَيْدَةُ بِنْتُ الحَارِثِ مِنْ نَجْدٍ، فَقَدَّمَتُهُ إِلَيْهِ، وَكَانَ قَلَّمَا يُقَدَّمُ بينَ يَدَيْهِ طَعَامٌ حَتَّى يُحَدَّثَ بِهِ، وَيُسَمَّى لَه, فَأَهْوَى بِيَدَهُ إِلَيْهِ، فَقَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْ النِّسْوَةِ الحُضُورِ: أَخْبِرْنَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - بِمَا قَدَّمْتُنَّ لَهُ، فَقُلْنَ: هُوَ الضَّبُّ فَرَفَعَ يَدَه فَقَالَ خَالِدُ - رضي الله عنه -: أَحَرَامٌ هُوَ يَا رَسُولَ الله؟ قَالَ: "لَا، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِي، فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ"، قَالَ خَالِدٌ: فَاجْتَرَرْتُهُ فَأَكَلْتُهُ، وَرَسُولُ الله يَنْظُرُ، فَلَمْ يَنْهَنِي. أخرجه الستة (¬3)، إلاّ الترمذي. [صحيح] "أن خالد بن الوليد - رضي الله عنه - أخبره أنه دخل مع النَّبي - صلى الله عليه وسلم - على ميمونة" أي: بيتها. "زوج النَّبي - صلى الله عليه وسلم - وهي خالته" أي: خالة خالد. "وخالة ابن عباس، فوجد عندها ضباً محنوذاً" أي: مشوياً بالحجارة المحماة، ليأكل منه. "فقدَّمتُهُ إليه" إلى النَّبي - صلى الله عليه وسلم -. ¬

_ (¬1) (27/ 187 - 188). (¬2) انظر: "المجموع شرح المهذب" (9/ 13)، و"شرح صحيح مسلم" للنووي (13/ 97 - 98)، "الإشراف" لابن المنذر (2/ 338 - 339). (¬3) أخرجه البخاري رقم (5400)، ومسلم رقم (44/ 1946)، وأبو داود رقم (3794)، والنسائي رقم (4317)، وابن ماجه رقم (3241)، وأخرجه أحمد (4/ 88، 89). وهو حديث صحيح.

"وكان قلَّ ما يقدم بين يديه طعام حتى يحدث" أي: يخبر من أين هو. "ويسمى له، فأهوي بيده إليه" زيد في رواية: "قدمت به أختها حفيدة بنت الحارث من نجد". هذا واسم أم خالد لبابة الصغرى، واسم أم ابن عباس لبابة "الكبرى", وهما أختا ميمونة. "فقالت [419 ب] امرأة من النسوة" هي ميمونة كما في رواية الطبراني في "الأوسط" (¬1). "الحضور" أي: الحاضرات عنده. "أخبرن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما قدمتن له فقلن" مخبرات له - صلى الله عليه وسلم -. "هو الضب فرفع يده" عن الأكل منه. "فقال خالد: أحرام هو يا رسول الله! قال: لا ولكنه لم يكن بأرض قومي". المراد: قريشاً فقط فيختص ذلك بمكة وما حولها, ولا يمنع ذلك أن يكون موجوده بسائر بلاد الحجاز (¬2). "فأجدني أعافه" فترك أكله عيافة لا لتحريم ولا كراهة. "قال خالد: فاجتررته" بجيم وراءين وضبطه بعض الفقهاء بزاءي وراء، وغلطه النووي (¬3). "فأكلته ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينظر" وهذا تقرير منه - صلى الله عليه وسلم - بحلِّه. "فلم ينهني". ¬

_ (¬1) رقم (8754). (¬2) انظر: "فتح الباري" (9/ 665). (¬3) في "المجموع شرح المهذب" (9/ 13).

قوله: "أخرجه الستة، إلاّ الترمذي" إلاّ أنه (¬1) أخرج حديث ابن عمر - رضي الله عنه -: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه سئل عن الضب، فقال: لست بآكله ولا أحرِّمه" وقال (¬2): حسن صحيح. قال (¬3): وقد اختلف أهل العلم في أكل الضب، فرخص (¬4) فيه بعض أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيرهم، وكرهه (¬5) بعضهم. انتهى. الثاني: حديث (أبي سعيد - رضي الله عنه -): 2 - وعن أبي سعيد - رضي الله عنه -: أَنَّ أَعْرَابِيًّا أَتَى رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: إِنِّي في غَائِطٍ مُضَبَّةٍ، وإِنَّهُ عَامَّةُ طَعَامِ أَهلي، فَلَمْ يُجِبْهُ، فَقُلْنَا: عَاوِدهُ فَعَاوَدَهُ، فَلَمْ يُجِبْهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ نَادَاهُ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - في الثَّالِثَةِ، فَقَالَ يَا أَعْرَابِيُّ: "إِنَّ الله لَعَنَ، أَوْ غَضِبَ عَلَى سِبْطٍ مِنْ بَني إِسْرَائِيلَ، فَمَسَخَهُمْ دَوَابَّ يَدِبُّونَ فِي الأَرْضِ فَلَا أَدْرِي، لَعَلَّ هَذَا مِنْهَا، فَلَسْتُ آكُلُهَا وَلَا أَنْهَى عَنْهَا". أخرجه مسلم (¬6). [صحيح] "الغاَئِطُ (¬7) " المكان المطمئن من الأرض. و"المُضَّبِةُ" بضم الميم، وكسر الضاد المعجمة وتشديد الموحدة: الكثيرة الضباب. "قال: سأل أعرابي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: إني في غائط" هو المطمئن من الأرض. ¬

_ (¬1) الترمذي في "السنن" رقم (1790). وأخرجه البخاري رقم (5536)، ومسلم رقم (40/ 1943)، وأحمد (2/ 46) وهو حديث صحيح. (¬2) في "السنن" (4/ 252). (¬3) الترمذي في "السنن" (4/ 252). (¬4) انظر: "المجموع شرح المهذب" (9/ 13). (¬5) "مختصر اختلاف العلماء" (3/ 211 - 212). (¬6) في صحيحه رقم (50/ 1951). وأخرجه أحمد (3/ 5) وهو حديث صحيح. (¬7) "النهاية" (2/ 329)، "المجموع المغيث" (2/ 586).

"مضبة" بفتح الميم، وفتح المعجمة أفصح من ضم الميم وكسر المعجمة أي: ذات ضباب (¬1). "وأنه" أي: الضب الدال عليه السياق. "عامة طعام أهلي، فلم يجبه فقلنا: عاوده" في السؤال. "فعاوده فلم يجبه ثانياً" الله أعلم لماذا أخَّر الجواب عنه. "ثم ناداه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الثالثة" كأنه سأله ثالثاً. "فقال: يا أعرابي! إن الله غضب على سبط" أي: قبيلة. "من بني إسرائيل فمسخهم دواب يدبون في الأرض، فلا أدري لعل هذا" أي: [420 ب] الضب. "منها فلا آكلها ولا أنهى عنها" قال الطحاوي (¬2): ليس في هذا الحديث الجزم بأن الضب مما مسخ، وإنما خشي أن يكون منهم فتوقف عنه، وذلك قبل أن يُعلم الله نبيه أن الممسوخ لا يبقى. وبهذا أجاب الطحاوي (¬3)، ثم أخرج من حديث ابن مسعود أنه سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن القردة والخنازير، أهي من ما مسخ؟ فقال: إنّ الله لا يهلك قوماً - أو يمسخ قوماً - فيجعل لهم نسلاً ولا عاقبة". وأصله في مسلم (¬4). ¬

_ (¬1) قاله النووي في "شرحه لصحيح مسلم" (13/ 102)، وانظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 67)، "المجموع المغيث" (2/ 309). (¬2) انظر: "شرح معاني الآثار" (4/ 201). (¬3) في "شرح معاني الآثار" (4/ 201 - 202). (¬4) في صحيحه رقم (32/ 2663) وفيه: " ... إن الله لم يجعل لمسخ نسلاً ولا عقباً وقد كانت القردة والخنازير قبل ذلك ... ".

قال الحافظ ابن حجر (¬1): ويتعجب من ابن العربي (¬2) حيث قال: قولهم: "إن الممسوخ لا نسل له" دعوى، فإنه أمر لا يعرف بالعقل، وإنما طريقه النقل، وليس فيه أمر معول عليه، كذا قال: وكأنه لم يستحضره من "صحيح مسلم" (¬3). ثم قال ابن العربي (¬4): وعلى تقدير ثبوت كون الضب ممسوخاً فذلك لا يقتضي تحريم أكله؛ لأن كونه آدمياً قد زال حكمه, ولم يبق له أثر، وإنما كره - صلى الله عليه وسلم - الأكل منه، لما وقع عليه من سخط، كما أنه كره الشراب من مياه ثمود. انتهى. فإن قيل: قد ثبت الحديث بأنه - صلى الله عليه وسلم - كان لا يعيب طعاماً، وقد عاب الضب؟. قلت: ما عابه، إنما أخبر أنه يعافه وليس في هذا عيب له، وقال: إنه لا يأكله لذلك، وقال: إنه يخشى أن يكون من أمة ممسوخة, وزال هذا بإعلام الله له أنه لا يجعل نسلاً لما مسخه وكل هذا ليس بعيب. ومن أجاب (¬5) بأن المراد أنه لا يعيب طعاماً، إنما هو مما صنعه الآدمي، لئلا تنكسر نفسه وينسب إلى التقصير فيه، وأما الذي خلق كذلك، فليس نفور الطبع عنه ممتنعاً. قلت: لا يخفى أن هذا جواب غير صحيح؛ لأنه غير محل النزاع، فالجواب هو الأول، وقد أشار إليه المجيب بهذا في آخر كلامه، فقال: وفيه أن وقوع مثل ذلك ليس بعيب ممن يقع منه. قوله: "أخرجه مسلم". ¬

_ (¬1) في "فتح الباري" (9/ 666). (¬2) في "عارضة الأحوذي" (7/ 290). (¬3) (32/ 663) وقد تقدم نصه. (¬4) في "عارضة الأحوذي" (7/ 290). (¬5) انظر: "فتح الباري" (9/ 666 - 667).

الأرنب

الأرنب قوله: [421 ب] (الأَرْنَبْ) أي: حكمها شرعاً. الأول: (عن خالد بن الحويرث): 1 - عن خالد بن الحويرث قال: صَادَ رَجُلاً أَرْنَباً، فَجَاءَ بِهاَ إِلىِ عَبْدَ الله بْنَ عَمْرٍو - رضي الله عنهما - فَقَالَ: مَا تَقُولُ؟ فَقَالَ: قَدْ جِيءَ بِهَا إِلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وَأَنَا جَالِسٌ مَعَهُ، فَلَمْ يَأْكُلْهَا وَلَمْ يَنْهَ عَنْ أَكْلِهَا، وَزَعَمَ أَنَّهَا تَحِيضُ. أخرجه أبو داود (¬1). [إسناده ضعيف] "قال: صاد رجل أرنباً فجاء بها إلى عبد الله بن عمرو بن العاص فقال: قد جيء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلم يأكلها ولم ينه عن أكلها وزعم أنها تحيض" لم يدل كلامه على أكله - صلى الله عليه وسلم - منها بل نفى أكله لها. قوله: "أخرجه أبو داود". الثاني: حديث (أنس - رضي الله عنه -): 2 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: مَرَرْنَا فَأَنْفَجْنَا أَرْنَبًا بِمَرِّ الظَّهْرَانِ، فَسَعَى القَوْمُ فَلَغَبُوا. قَالَ: فَسَعَيْتُ حَتَّى أَدْرَكْتُهَا فَأَخَذْتَهاَ، وَأَتَيْتُ بِهَا أَبَا طَلْحَةَ - رضي الله عنه -، فَذَبَحَهَا بَمَرْوَةٍ, فَبَعَثَ مَعْيِ بِفَخِذِهَا إِلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فَأَكَلَهُ، قِيْلَ لَهُ: أَكَلَهُ؟ قَالَ: "قَبِلَهُ". أخرجه الخمسة (¬2). [صحيح] "أَنْفَجْناَ" (¬3): أثرنا. "قال: أنفجنا" بفتح الهمزة، وسكون النون، ففاء فجيم، أي: أثرنا. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (3792) بسند ضعيف. (¬2) أخرجه البخاري رقم (2572)، ومسلم رقم (53/ 1953)، وأبو داود رقم (3791)، والترمذي رقم (1789)، والنسائي رقم (4312)، وابن ماجه رقم (3243)، وأخرجه أحمد (3/ 118، 171) وهو حديث صحيح. (¬3) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 771)، "لسان العرب" (2/ 382).

"أرنباً بمرِّ الظهران" موضع قريب من مكة. "فأدركتها" كأن المراد: ففرت فأدركتها. "فأخذتها وأتيت بها أبا طلحة فذبحها" أبو طلحة. "بمروة" حجرة محددة. "فبعث معي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بفخذها" في رواية الترمذي (¬1): "أو بوركها". "فأكله قيل له" أي: لأنس ولفظ الترمذي: "قلت: أكله". "قال: قبله". قوله: "أخرجه الخمسة". قلت: وقال (¬2) الترمذي: حسن صحيح. قال (¬3): والعمل على هذا عند أهل العلم لا يرون بأكل الأرنب، بأساً (¬4) وقد كره (¬5) بعض أهل العلم أكل الأرنب، وقال: إنها تدمى. انتهى. قال الحافظ ابن حجر (¬6): إنّ هذا الترديد لهشام بن زيد بن أنس بن مالك، استثبت جده أنساً فوقف جده أنس على قوله: "أكله". ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (1789). (¬2) في "السنن" (4/ 251). (¬3) الترمذي في "السنن" (4/ 251). (¬4) انظر: "فتح الباري" (9/ 662)، "المغني" (13/ 325). (¬5) انظر: "الإشراف" (2/ 340)، "المغني" (13/ 325)، "المجموع شرح المهذب" (9/ 18). (¬6) في "فتح الباري" (9/ 662).

الضبع

وفي الحديث دليل على جواز أكل الأرنب وله أدلة، ساقها الحافظ (¬1)، وإن كان فيها ما لا يخلو عن مقال، فباجتماعها يقوي بعضها بعضاً. وقال النووي في "شرح مسلم" (¬2): الأرنب حلال على المذاهب الأربعة، ويحكي عن بعض السلف كراهة أكلها، ودليل الجمهور (¬3) هذا الحديث وغيره ولم يأت في النهي عنها شيء. الضبع (الضَّبُعْ) أي: حكمها. الأول: 1 - عن عبد الرحمن بن أبي عمار قال: قُلْتُ لِجَابِرَ - رضي الله عنه -: الضَّبُعِ، أَصَيْدٌ هُوَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: آكُلُهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قلْتُ: عَنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قَالَ: نَعَمْ. أخرجه أصحاب السنن (¬4)، وصححه الترمذي. [صحيح] حديث: "ابن أبي عمار" اسمه عبد الرحمن. "قال: قلت لجابر: الضبع أصيد هو؟ قال: نعم، [422 ب] قلت: آكلها؟ قال: نعم، قلت: عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: نعم" لفظ الترمذي (¬5): "قلت: أقاله رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: نعم". قوله: "أخرجه أصحاب السنن, وصححه الترمذي". ¬

_ (¬1) في "فتح الباري" (9/ 662). (¬2) (13/ 104 - 105). (¬3) انظر: "فتح الباري" (9/ 662)، "المغني" (13/ 342)، "الإشراف" (2/ 318 - 319). (¬4) أخرجه أبو داود رقم (3801)، والترمذي رقم (851، 1791)، والنسائي رقم (4323)، وابن ماجه رقم (3236)، وأخرجه أحمد (3/ 318، 322)، والشافعي "المسند" (ج 2 رقم 610 ترتيب)، والبيهقي (9/ 319)، وابن حبان رقم (3965)، وابن خزيمة في صحيحه (4/ 182) وهو حديث صحيح. (¬5) في "السنن" رقم (851).

قلت: قال (¬1): هذا حديث حسن صحيح، وقد ذهب بعض أهل العلم إلى هذا, ولم يروا بأساً بأكل الضبع، وهو قول أحمد وإسحاق، وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديث في كراهية أكل الضبع، وليس إسناده بالقوي. وقد كره بعض أهل العلم أكل الضبع، وهو قول ابن المبارك. قال يحيى (¬2) القطان: وروى جرير بن حازم هذا الحديث، عن عبد الله بن عبيد بن عمير، عن ابن أبي عمار، عن عمر قوله: وحديث ابن جريج أصح. انتهى. يريد أن رفعه أصح من رواية وقفه على عمر. - وعند أبي داود (¬3): قَالَ جَابِرُ - رضي الله عنه -: سَألتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنْ الضَّبُعِ، فَقَالَ: "هُوَ صَيْدٌ، وَيُجْعَلُ فِيهِ كَبْشٌ إِذَا صَادَهُ المُحْرِمُ". [صحيح] قوله: "وعند أبي داود، قال جابر - رضي الله عنه -: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الضبع، فقال: هو صيد، وجعل فيه الجزاء كبشاً إذا صاده المحرم"؛ لأن الله يقول: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} (¬4) فالكبش مثل للضبع. الثاني: 2 - وعن خزيمة بن جزء - رضي الله عنه - قال: سَألتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنْ الضَّبُعِ، فَقَالَ: أَوَ يَأْكُلُ الضَّبُعَ أَحَدٌ؟ وَسَألتُهُ عَنْ أَكْلِ الذِّئْبِ، فَقَالَ: "أَوَ يَأْكُلُ الذِّئْبَ أحدٌ فِيهِ خَيْرٌ". أخرجه الترمذي (¬5). [ضعيف] ¬

_ (¬1) الترمذي في "السنن" (4/ 252). (¬2) ذكره الترمذي في "السنن" (4/ 252 - 253). (¬3) في "السنن" رقم (3801) وهو حديث صحيح. (¬4) سورة المائدة الآية: 95. (¬5) في "السنن" رقم (1792) وهو حديث ضعيف.

القنفذ

حديث: "خزيمة بن جزء" (¬1) بفتح الجيم، يقال جزي بالمثناة عوض الهمز. "قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الضبع، فقال: أو يأكل الضبع أحد؟ وسألته عن الذئب" عن أكله. "فقال: أو يأكل الذئب أحد فيه خير؟ " فيه الإخبار بأنه لا يأكل الضبع ولا الذئب أحد، أي: بإباحة شرعية وأمَّا أنه يأكلهما بطبعه، فقد يكون. قوله: "أخرجه الترمذي". قلت: وقال (¬2): هذا حديث ليس إسناده بالقوي لا نعرفه إلاّ من حديث إسماعيل بن مسلم، عن عبد الكريم بن أبي أمية، وقد تكلم بعض أهل الحديث في إسماعيل، وعبد الكريم بن أبي أمية، وهو عبد الكريم بن قيس، هو ابن أبي المخارق. انتهى. القنفذ (القُنْفُذْ) بضم القاف وإسكان النون، وضم [423 ب] الفاء وفتحها آخره معجمة، الشيهم والفأر، قاله في "القاموس" (¬3). والشيهم كالضبع، ذكر القنافذ، قاله الدميري (¬4). 1 - عن نملة الأنصاري قال: سُئِلَ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - عَنْ أَكْلِ القُنْفُذِ، فَتَلاَ {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ} (¬5) الآيَةَ، فَقَالَ شَيْخٌ عِنْدَهُ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - يَقُولُ: ¬

_ (¬1) انظر: "التقريب" (1/ 223 رقم 119). (¬2) الترمذي في "السنن" (4/ 253). (¬3) "القاموس المحيط" (ص 399، 1456). (¬4) بل قال: الشَّيهم، كالضيغم، ذكر القنافذ حياة الحيوان الكبرى للدميري (ت: 808 هـ) (2/ 641). (¬5) سورة الأنعام الآية: 145).

ذُكِرَ عِنْدَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "خَبِيثَةٌ مِنَ الخَبَائِثِ". فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: إِنْ كَانَ قَالَ هَذَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فَهُوَ كَمَا قَالَ. مَا لَمْ نَذْرِ. أخرجه أبو داود (¬1). [إسناده ضعيف] "عن نميلة" مصغر نملة, الحيوان المعروف "الأنصاري" في "التقريب" (¬2): نميلة الفزاري، مجهول وليس فيه بهذا الاسم، سواه وعليه رمز أبي داود، والذي رأيته في سنن أبي داود عن عيسى بن نميلة عن أبيه, - أي نميلة - وقال في "التقريب" (¬3): إن عيسى مجهول أيضاً. "قال: سئل ابن عمر - رضي الله عنه - عن أكل القنفذ فتلا، {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ} (¬4) الآية، فقال شيخ عنده: سمعت أبا هريرة يقول: ذكر القنفذ عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "خبيثة من الخبائث" وقد قال الله: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} (¬5). فهو محرم. "فقال ابن عمر - رضي الله عنه -: إن كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد قال هذا فهو كما قال" قال الدميري (¬6): والصحيح (¬7) حلِّ أكل القنفذ، والجواب عن هذا الحديث أن فيه مجهولون. قوله: "أخرجه أبو داود". قلت: وفيه ما عرفت من جهالة نميلة، والشيخ الراوي عن أبي هريرة. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (3799). وأخرجه أحمد (2/ 381) بإسناد ضعيف. (¬2) (2/ 307 رقم 153). (¬3) (2/ 103 رقم 1027)، وانظر: "الميزان" (3/ 327 رقم 6622). (¬4) سورة الأنعام الآية: 145. (¬5) سورة الأنعام الآية: 157. (¬6) في "حياة الحيوان الكبرى" (3/ 547). (¬7) انظر: "حلية العلماء" (3/ 406)، "التهذيب في اختصار المدونة" (1912)، "بدائع الصنائع" (5/ 36)، "البيان" (4/ 503).

الحبارى

الحبارى (الحُبَارى) بضم الحاء المهملة آخره ألف مقصورة، في "القاموس" (¬1): الحبارى طائر، للذكر والأنثى، والواحد والجمع، وألفه للتأنيث. 1 - عن سفينة - رضي الله عنه - قال: أَكَلْتُ مَعَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - لحمَ حَبَارَى. أخرجه أبو داود (¬2). [ضعيف] "الحُبَارَى": هو الحبرج. "عن سفينة - رضي الله عنه - قال: أكلت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحم حبارى، أخرجه أبو داود". قول المصنف: "الحُبُرج" ضُبط بالقلم في نسخة صحيحة، بضم الجيم، وسكون الموحدة، وضم الراء آخره جيم، ولم أجده في "القاموس" (¬3): ولا في "غريب الجامع" (¬4). الجراد (الجَرَاد) أي: حكمه. الأول: حديث (ابن أبي أوفى): 1 - عن ابن أبي أوفى - رضي الله عنه - قال: غَزَوْناَ مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وكُنَّا نَأْكُلُ مَعَهُ الجَرَادَ. أخرجه الخمسة (¬5). [صحيح] ¬

_ (¬1) "القاموس المحيط" (ص 473). (¬2) في "السنن" رقم (3797). وأخرجه الترمذي رقم (1827) وهو حديث ضعيف. (¬3) قال الفيروزآبادي في "القاموس" (ص 234): الحُبرُج: بالضم، من طير الماء جمع حيارج وحَباريج، وكعلابط: ذكر الحُبارى. (¬4) وهو كما قال. (¬5) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (5495)، ومسلم رقم (1952)، والترمذي رقم (1822، 1823)، وأبو داود رقم (3812)، والنسائي (7/ 210) وهو حديث صحيح.

"غزونا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكنا نأكل معه الجراد" بفتح الجيم وتخفيف الراء، معروف الواحدة جرادة (¬1) الذكر والأنثى سواء كالحمامة، ويقال: أنه [424 ب] مشتق من الجرد؛ لأنه لا يأتي على شيء إلاّ جرده. واختلف في أصله، فقيل إنه نثرة حوت، فلذلك كان أكله بغير ذكاء. وقد ورد في حديث ضعيف، أخرجه ابن ماجه (¬2)، عن أنس رفعه: "إنّ الجراد نثرة حوت من البحر" وفي حديث أبي هريرة: "خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حج أو عمرة فاستقبلنا رجل من جراد فجعلنا نضرب بنعالنا وأسواطنا، فقال: كلوه فإنه من صيد البحر". أخرجه أبو داود (¬3)، والترمذي (¬4)، وابن ماجه (¬5)، وسنده ضعيف، ولو صح لكان فيه حجة لمن قال: إنه لا جزاء فيه إذا قتله المحرم، والجمهور من العلماء على خلافه. قال ابن المنذر (¬6): لم يقل لا جزاء فيه، غير أبي سعيد الخدري، وعروة بن الزبير. وقوله: "نأكل معه" قال الحافظ في "فتح الباري" (¬7): يحتمل أن يراد بالمعية مجرد الغزو دون ما تبعه من أكل الجراد، ويحتمل أن يريد معه أكله. ويدل على الثاني: أنه وقع في رواية أبي نعيم في الطب: "ويأكل معنا" وهذا إن صح يرد على الصيمري من الشافعية في زعمه أنه - صلى الله عليه وسلم - عافه كما عاف الضب. ¬

_ (¬1) انظر: "حياة الحيوان الكبرى" (1/ 608). (¬2) في "السنن" رقم (3221) وهو حديث موضوع. (¬3) في "السنن" رقم (1854). (¬4) في "السنن" رقم (850). (¬5) في "السنن" رقم (3222) وهو حديث ضعيف. (¬6) ذكره الحافظ في "الفتح" (9/ 621). (¬7) (9/ 621 - 622).

ثم (¬1) وقفت على مستند الصيمري، وهو ما أخرجه أبو داود (¬2)، من حديث سلمان: "سئل - صلى الله عليه وسلم - عن الجراد فقال: "لا آكله ولا أحرِّمه" والصواب مرسل. ولابن عدي (¬3) في ترجمة ثابت بن زهير، عن نافع، عن ابن عمر: "أنه - صلى الله عليه وسلم - سئل عن الضب، فقال: "لا آكله، ولا أحرمه وسئل عن الجراد، فقال مثل ذلك" وهذا ليس بثابت؛ لأن ثابتاً قال فيه النسائي: ليس بثقة، ونقل النووي (¬4): الإجماع على حل أكل الجراد. لكن فصّل ابن العربي (¬5) في "شرح الترمذي" بين جراد الحجاز وجراد الأندلس، فقال في جراد الأندلس: لا يؤكل؛ لأنه ضرر محض، وهو إن ثبت أنه يضر أكله بأن يكون فيه سمية تخصه دون غيره من جراد البلاد، تعين استثناؤه. انتهى. واعلم أن في لفظ البخاري (¬6): "غزونا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم - سبع غزوات أو ستاً". وعند أبي داود (¬7): "ست أو سبع"، وعند الترمذي (¬8): "ست" في رواية (¬9)، وفي أخرى فيه: "سبع" وسقط هذا من رواية "الجامع" (¬10) والمصنف [425 ب]. قوله: "أخرجه الخمسة". ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (9/ 622). (¬2) في "السنن" رقم (3813) وأخرجه ابن ماجه رقم (3219) وهو حديث ضعيف. (¬3) في "الكامل" (2/ 521). (¬4) في "شرحه لصحيح مسلم" (13/ 103). (¬5) في "عارضة الأحوذي" (8/ 16). (¬6) في صحيحه رقم (5495). (¬7) في "السنن" رقم (3812). (¬8) في "السنن" رقم (1822). (¬9) في "السنن" رقم (1823). (¬10) (7/ 430).

الثاني: حديث (سلمان - رضي الله عنه -): 2 - وعن سلمان - رضي الله عنه - قال: سُئِلَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الجَرَادِ، فَقَالَ: "أَكْثَرُ جُنُودِ الله، لاَ آكُلُهُ وَلاَ أُحَرِّمُهُ". أخرجه أبو داود (¬1). [ضعيف] "قال: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الجراد، فقال: أكثر جنود الله، لا آكله، ولا أحرِّمه" تقدم الكلام في هذا. قوله: "أخرجه أبو داود" تقدم أنه مرسل، وقد أشار إليه أبو داود (¬2): فقال: أوقفه المعتمر بن سليمان، عن أبيه، عن أبي عثمان، أو فيكون مرسلاً. - وفي رواية رزين - رحمه الله - عن جابر: دَعَا النّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى الجَرَادِ, فَقَالَ: "اللهمَّ أَهْلِكْ الجَرَادَ, اقْتُلْ كبَارَهُ, وَأَهِلكْ صِغَارَهُ, وَاقْطَعْ دَابِرَهُ, وَخُذْ بِأَفْوَاهِهَا عَنْ مَعَايِشِنَا وَأَرْزَاقِنَا، إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ"، فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ الله: كَيْفَ تَدْعُو عَلَى الجَرَادِ، وَهُوَ جُنْدٍ مِنْ جُنُودِ الله؟ قَالَ: "إِنَّهُ نَثْرَةُ حُوتِ في البَحْرِ" (¬3). [موضوع] قوله: "وفي رواية رزين - رحمه الله -، عن جابر - رضي الله عنه -: دعاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الجراد، فقال: اللهم أهلك الجراد، قتل كباره, وأهلك صغاره" زاد في رواية الترمذي (¬4): "وأفسد بيضه". "واقطع دابره, وخذ بأفواهها عن معايشنا وأرزاقنا إنك سميع الدعاء, فقال رجل: يا رسول الله! كيف تدعو على الجراد، وهو جند من جنود الله؟ فقال: إنه نثرة حوت في البحر". قلت: هذا الحديث أخرجه الترمذي (¬5) بلفظه، إلا الزيادة التي ذكرناها. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (3813) وهو حديث ضعيف, وقد تقدم. (¬2) في "السنن" (4/ 165). (¬3) أخرجه الترمذي رقم (1823)، وابن ماجه رقم (3221) وهو حديث موضوع، والله أعلم. (¬4) في "السنن" رقم (1823) وهو حديث موضوع. (¬5) في "السنن" رقم (1823).

الخيل

وفي قوله: "فقال رجل" زيادة, "كيف تدعو على جند من أجناد الله يقطع الله دابره". ثم قال الترمذي (¬1): هذا حديث غريب، لا نعرفه إلاّ من هذا الوجه, وموسى بن محمَّد بن إبراهيم التيمي، قد تكلم فيه، وهو كثير الغرائب والمناكير. انتهى. الخيل (الخَيْلُ) في "القاموس" (¬2): الخيل جماعة الأفراس لا واحد له، أو واحده خائل؛ لأنه يختال، جمعه: أخيال وخيول. انتهى. الأول: حديث (أسماء بنت أبي بكر - رضي الله عنها -): 1 - عن أسماء بنت أبي بكر - رضي الله عنها - قالت: نَحَرْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فَرَسًا، وَنَحْنُ بِالمَدِيَنةِ فَأَكَلْنَاهُ. أخرجه الشيخان (¬3)، والنسائي (¬4). [صحيح] "نحرنا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرساً، ونحن بالمدينة فأكلناه" دل على حل لحوم الخيل، وهو قول الصحابة، كما نقله بعض التابعين عنهم من غير إستثناء. قال: الطحاوي (¬5): ذهب أبو حنيفية (¬6) إلى كراهة أكل الخيل، وخالفه صاحباه، واحتجوا بالأخبار المتواترة في حلها. ¬

_ (¬1) في "السنن" (4/ 270). (¬2) "القاموس المحيط" (ص 1288). (¬3) البخاري في صحيحه رقم (5511)، ومسلم رقم (38/ 1942). (¬4) في "السنن" (7/ 230) في الضحايا باب نحر ما يذبح. (¬5) في "شرح معاني الآثار" (4/ 210)، و"مختصر اختلاف العلماء" (3/ 216). (¬6) انظر: "بدائع الصنائع" (5/ 39).

وأخرج بن أبي شيبة (¬1) بسند صحيح (¬2)، على شرط الشيخين، عن عطاء قال: لم يزل سلفك يأكلونه، قال ابن جريج: قلت له: أصحاب رسول الله صلى الله [426 ب] عليه وآله وسلم؟ قال: نعم". وأخرج الدارقطني (¬3): بسند قوي، عن ابن عباس مرفوعاً بلفظ: "نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الحمر الأهلية، وأمر بلحوم الخيل". وذكر ابن حجر في "فتح الباري" (¬4): أحاديث دالة على خلاف ما دل عليه حديث أسماء، لكنها ضعيفة، كما ساقها وساق ما قبل فيها. وأما استدلال القائلين بعدم حلها بقولها: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} (¬5). قال في "الفتح" (¬6): والجواب على سبيل الإجماع أن آية النحل مكية: والإذن في أكل الخيل بعد الهجرة من مكة بأكثر من ست سنين، فلو فهم - صلى الله عليه وسلم - المنع من الآية لما أذن في الأكل، والحديث صريح في جوازه. وبين عدم دلالة الآية على التحريم. ¬

_ (¬1) في "المصنف" (8/ 70). (¬2) قاله الحافظ في "الفتح" (9/ 650). (¬3) في "السنن" (4/ 290 رقم 73) وفيه محمَّد بن عبد الله بن سليمان، هو الخراساني ضعيف. (¬4) (9/ 649 - 650). (¬5) سورة النحل الآية: 8. (¬6) (9/ 652).

وقد سردنا الكلام عليها في حواشي "شرح العمدة" (¬1) وحواشي "ضوء النهار" (¬2) بما يعلم أنه لا دليل عليها فيها على ذلك ولا تعارض بها الأحاديث الصريحة. قوله: "أخرجه الشيخان، والنسائي". الثاني: حديث (جابر - رضي الله عنه -): 2 - وعن جابر - رضي الله عنه - قال: أَكَلْنَا زَمَنَ خَيْبَرَ الخَيْلَ، وَحُمُرَ الوَحْشِ، وَنَهَاناَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الحُمُر الأَهْلِيَّةِ، وَأَذِنَ فِيِ الخَيْلِ. أخرجه أصحاب السنن (¬3)، واللفظ لغير الترمذي، وصححه الترمذي. [صحيح] "قال: أكلنا زمن خيبر" أي: في غزوة خيبر وزمانها. "الخيل وحمر الوحش، ونهانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الحمر الأهلية" عن أكلها. "وأذن في الخيل" هو في الدلالة على حل لحوم (¬4) الخيل واضح. قوله: "أخرجه أصحاب السنن" واللفظ" الذي ساقه المصنف. "لغير الترمذي، وصححه الترمذي". قلت: لفظه عن جابر: "أطعمنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحوم الخيل، ونهانا عن لحوم الحمر" وقال (¬5): إنه حسن صحيح. ¬

_ (¬1) (4/ 366 - 367). (¬2) "منحة القفار" (65/ 587 - مع الضوء) بتحقيقي. (¬3) أبو داود رقم (3808)، الترمذي رقم (1793)، والنسائي رقم (4447)، وابن ماجه رقم (3191) وهو حديث صحيح. وانظر: "صحيح البخاري" رقم (4219)، ومسلم رقم (36/ 1941). (¬4) انظر: "فتح الباري" (9/ 650). (¬5) في "السنن" (4/ 254).

الجلالة

الجلاَّلة (الجَلاَّلةُ) بالجيم، وتشديد اللام صيغة مبالغة، في "النهاية" (¬1): الجلاَّلة من الحيوان التي تأكل العذرة. الأول: حديث (ابن عمر - رضي الله عنه -): 1 - عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: نَهَى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عنِ جَلاَّلةِ الإِبِلِ أَنْ يُرْكَبَ عَلَيْهَا، أَوْ يُشْرَبَ مِنْ ألبَانِهَا. أخرجه أبو داود (¬2)، والترمذي (¬3). [صحيح] "نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن جلالة الإبل" ومثلها البقر ونحوهما. "أن يركب عليها أو يشرب من ألبانها" وفي التعبير بهذه الصيغة دليل على أن النهي للتي تكثر (¬4) الجل وأن التي لا تكثره, لا نهي عنها ويأتي النهي عن أكلها. قال ابن العربي (¬5): [427 ب] إن النهي عن ركوبها لما يتعلق بالراكب من عرقها. ¬

_ (¬1) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 282). (¬2) في "السنن" رقم (3785). (¬3) في "السنن" رقم (1824) وقال: هذا حديث حسن غريب. وأخرجه أحمد (21912)، وابن ماجه رقم (3189)، وهو حديث صحيح. (¬4) قال ابن حزم في "المحلى" (7/ 410) إنَّها لا تقع إلا على ذات الأربع خاصة البقر، والغنم، والإبل وغيرها، ثم قيل: إن كان أكثر علفها النجاسة فهي جلالة، وإن كان أكثر علفها الطاهر فليست جلالة، وجزم به النووي في "تصحيح التنبيه" وقال النووي في "الروضة" (3/ 278) تبعاً للرافعي في "الشرح الكبير" (12/ 152): الصحيح أنه لا اعتداء بالكثرة بل بالرائحة والنتن، فإن تغير ريح مرقها أو لحمها أو طعمها أو لونها فهي جلالة. وانظر: "البيان" للعمراني (4/ 508 - 509)، "المغني" (13/ 328)، "المبسوط" (11/ 255). (¬5) في "عارضة الأحوذي" (8/ 19).

قال (¬1): وهو مبني على الخلاف في أن النهي للتحريم أو الكراهة (¬2). قلت: الأصل في النهي التحريم، وإليه ذهب ابن حزم (¬3) وقال: من وقف بعرفات راكباً جلّالة لا يصح وقوفه. قوله: "أخرجه أبو داود والترمذي". قلت: لفظه (¬4): "عن أكل الجلّالة وألبانها" وليس فيه ذكر الإبل ولا ركوبها، ثم قال (¬5): هذا حديث حسن غريب. الثاني: حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -: 2 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: نَهَى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنْ أَكْلِ المُجَثَّمَةِ: وَهِيَ المَصْبُورَةُ لِلْقَتْلِ، وَعَنْ أَكْلِ الجلاَّلَةِ، وَشُرْبِ لَبَنِهَا، وَعَنِ الشُّرْبِ مِنْ فِي السِّقَاءِ. أخرجه أصحاب السنن (¬6)، واللفظ للترمذي وصححه. [صحيح] "قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أكل المجثمة" (¬7) بالجيم فمثلثة مشددة. ¬

_ (¬1) ابن العربي في "العارضة" (8/ 19). (¬2) وقال أيضاً: وهو محمول على الخلاف المتقدم في الرطوبة المتولدة من النجاسة. (¬3) في "المحلى" (7/ 411). (¬4) في "السنن" رقم (1824). (¬5) الترمذي في "السنن" (4/ 270). (¬6) أخرجه أبو داود رقم (3786)، والترمذي رقم (1825)، والنسائي رقم (4448)، وأخرجه أحمد (1/ 226، 241)، وابن حبان في صحيحه رقم (5399)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (9/ 334) وهو حديث صحيح. (¬7) قال ابن الأثير في "غريب الجامع" (7/ 435): الجثوم في الأصل: أن يبرك الإنسان على ركبتيه، والمراد به ها هنا: هي التي تخلى بين يدي إنسان ليقتلها، فيرمي فيها شيئاً فيقتلها به, وصبرت القتيل: إما قتلته اعتباطاً في غير حرب ولا قتال، وكل من قتل من أي نوع من أنواع القتل، في غير حرب ولا قتال، فإنه قد قُتل صبراً.

فسّرها بقوله: "وهي المصبورة للقتل" وكأنه مدرج من الصحابي أو غيره. قال ابن العربي (¬1): المجثمة: الحيوان الذي يصبر ويحبس لاصقاً بالأرض ويرمى عليه حتى يموت. "وعن أكل الجلالة وشرب لبنها" سواء كان قد ظهر في لحمها ولبنها نتن ما حلبه أو لا. "وعن الشرب من في السقاء" قال ابن العربي (¬2): النهي عنه لثلاثة أوجه: أحدها: لئلا يرجع من فمه فيه. الثاني: لئلا تعلق روائح الأفواه به فيكره. الثالث: لئلا يكون فيه دواب يدخل في جوفه, فقد روي (¬3): أن رجلاً شرب من في السقاء فخرج جان فدخل في جوفه. قال: وقد روي (¬4): "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل داراً فشرب من في السقاء". ¬

_ (¬1) في "عارضة الأحوذي" (8/ 19). (¬2) في "العارضة" (8/ 19). (¬3) أخرجه البخاري رقم (5628)، وأحمد (2/ 230، 247، 327، 353) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يُشرب من فيَّ السِّقاء وزاد أيوب: فأثبت أن رجلاً شرب من في السقاء فخرجت حية، أخرج هذه الزيادة ابن أبي شيبة في "المصنف" (8/ 19). وانظر: "فتح الباري" (10/ 90). (¬4) منها: ما أخرجه ابن ماجه رقم (3423)، والترمذي رقم (1892) وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب. عن عبد الرحمن بن أبي عمرة عن جدته كبشة قالت: دخل عليَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فشرب من فيَّ قِربةٍ معلقة قائماً، فقمت إلى فيها فقطعته. وهو حديث صحيح. ومنها: ما أخرجه أحمد (6/ 376)، وابن شاهين في "الناسخ والمنسوخ" في الحديث رقم (585 - دار الوفاء)، والطحاوي في "معاني الآثار" (4/ 274)، والطبراني في "الأوسط" رقم (658)، وفي "الكبير" (ج 25 رقم =

قال: والنَّبي - صلى الله عليه وسلم - ليس كغيره لبركته وطهارته وعطريته وأمنه من الغوائل والحوادث. قوله: "أخرجه أصحاب السنن واللفظ للترمذي". قلت: لكن ليس في لفظ الترمذي (¬1): "وهي المصبورة للقتل". قوله: "وصحّحه". قلت: قال (¬2) أبو عيسى: وهو حسن صحيح. الثالث: 3 - وعن زهدم بن مضرب قال: أُتِيَ أَبُو مُوسَى - رضي الله عنه - بِدَجَاجَةٍ فَتَنَحَّى رَجُلٌ مِنْ القَوْمِ، فَقَالَ: مَا شَأْنُكَ؟ فَقَالَ: إِنِّي رَأَيْتُهُ يَأْكُلُ شَيْئًا قَذِرْتُهُ فَحَلَفْتُ أَنْ لَا آكُلَهُ, فَقَالَ أَبُو مُوسَى: ادْنُ فكُلْ، فَإِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَأْكُلهُ, وَأَمَرَهُ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْ يَمِينِهِ. أخرجه الشيخان (¬3) والنسائي (¬4). [صحيح] حديث "زهدم" (¬5) بفتح الزاي وسكون الهاء وفتح الدال المهملة، بزنة جعفر. ¬

_ = 307)، والترمذي في "الشمائل" رقم (215) عن أم سليم قالت: دخل عليَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي البيت قربة معلقة, فشرب منها وهو قائم، فقطعت فاها فإنه لعندي، وهو حديث صحيح لغيره. قال الحافظ في "الفتح" (10/ 91) لم أر في شيء من الأحاديث المرفوعة ما يدل على الجواز، إلا من فعله - صلى الله عليه وسلم -، وأحاديث النهي كلها من قوله، فهي أرجح. انظر: "المحلى" (7/ 520). (¬1) في "السنن" رقم (1825). (¬2) الترمذي في "السنن" (4/ 271). (¬3) البخاري في صحيحه رقم (3133)، وأطرافه في (4385، 4415، 5517، 5518، 6623، 6649، 6678، 6680، 6718، 6719، 6720، 7555)، ومسلم رقم (1649). (¬4) في "السنن" (7/ 206). (¬5) ذكره الحافظ في "الفتح" (9/ 646)، وانظر: "التقريب" (1/ 263 رقم 69).

"ابن مضرب" بضم وفتح الضاد المعجمة وتشديد الراء المكسورة، بعدها موحدة، الحربي، بصري ثقة (¬1). "قال: أتي أبو موسى - رضي الله عنه - بدجاجة" مثلثة الدال. "فتنحى رجل من القوم عن أكلها. "فقال" أي: أبو موسى. "ما شأنك" في التنحي. "قال: إني رأيته يأكل شيئاً فقذرته" بكسر الذال المعجمة. "فحلفت أن لا آكله" عيافة وتقذّراً. "قال أبو موسى [428 ب]: ادن فكل، فإني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأكله" وأراد أنه لا يعلم أنه أكل ما يتقذر منه. "وأمره أن يكفر عن يمينه" في الحديث أنه أخبره عن قصة لأبي موسى معه - صلى الله عليه وسلم -. وأما فتواه بالتكفير فمأخوذ من حديث: "من حلف على شيء فرأى غيره خيراً منه فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه". هذا وقد أطلق الشافعية (¬2) كراهة الجلالة إذا تغير لحمها بأكل النجاسة, وفي وجه إذا أكثرت من ذلك، ورجح أكثرهم أنها كراهة تنزيه. وذهب جماعة من الشافعية (¬3)، وهو قول الحنابلة (¬4) إلى أن النهي للتحريم. ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (9/ 646)، وانظر: "التقريب" (1/ 263 رقم 69). (¬2) تقدم مفصلاً انظر: "روضة الطالبين" (3/ 278)، "الشرح الكبير" (12/ 152). (¬3) "البيان" للعمراني (4/ 508 - 509). (¬4) "المبسوط" (11/ 255)، و"مختصر اختلاف العلماء" (3/ 217).

الحشرات

وبه جزم ابن دقيق (¬1) العيد من الفقهاء. قلت: وهو القوي دليلاً. قوله: "أخرجه الشيخان". الحشرات " الحَشَرَاتُ" وهي صغار دواب الأرض كالضب واليربوع، وقيل: هي هوام الأرض مما لا اسم له "نهاية" (¬2). 1 - عن الهلقام بن تلبّ عن أبيه قال: صَحِبْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَلَمْ أَسْمَعْ لِحشَرَةٍ مِنَ الأَرْضِ تَحْرِيمًا. أخرجه أبو داود (¬3). [إسناده ضعيف] "عن الهلقام" (¬4) بكسر الهاء وإسكان اللام ثم قاف، ويقال: بالميم بدل الهاء. "ابن تلب" بفتح المثناة الفوقية وكسر اللام وتشديد الموحدة. "التميمي" العنبري، مستور، وأبوه التِّلب (¬5) بن ثعلبة بن ربيعة العنبري، صحابي له حديث واحد. "عن أبيه: صحبت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم أسمع لحشرة من الأرض تحريماً" والأصل فيما لم ¬

_ (¬1) في "إحكام الأحكام" (ص 927 - 929). (¬2) قاله ابن الأثير في "النهاية في غريب الحديث" (1/ 380)، وانظر: "حياة الحيوان الكبرى" (2/ 37). (¬3) في "السنن" رقم (3798) بإسناد ضعيف. (¬4) انظر: "التقريب" (2/ 273 رقم 1358) حيث قال: الملقام. ويقال بالهاء. (¬5) انظر: "الاستيعاب" رقم (244)، "التقريب" (1/ 112 رقم 5).

المضطر

يحرم أنه حلال، إلا ما ورد النص بتحريمه مثل: كل ذي ناب من السباع (¬1)، ومخلب من الطير، والكلب، والخنزير (¬2)، ونحو ذلك. قوله: "أخرجه أبو داود". المضطر " المُضْطَرَ" قال ابن حزم (¬3): حدَّ المضطر أن يبقى يوماً وليلة لا يجد ما يأكل ولا ما يشرب. الأول: حديث جابر بن سمرة - رضي الله عنه -: 1 - عن جابر بن سمرة - رضي الله عنه -: أَنَّ رَجُلًا نَزَلَ الحَرَّةَ وَمَعَهُ أَهْلُهُ وَوَلَدُهُ, فَقَالَ رَجُلٌ: إِنَّ نَاقَةً لِي ضَلَّتْ، فَإِنْ وَجَدْتَهَا فَأَمْسِكْهَا، فَوَجَدَهَا وَلَمْ يَجِدْ صَاحِبَهَا فَمَرِضَتْ، فَقَالَتْ امْرَأَتُهُ: انْحَرْهَا فَأبَى، فَنَفَقَتْ، فَقَالَتْ: اسْلُخْهَا حَتَّى نُقَدِّدَ شَحْمَهَا وَلحمَهَا وَنَأْكُلَهُ، فَقَالَ: حَتَّى أَسْأَلَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فَأَتَاهُ فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: "هَلْ عِنْدَكَ غِنًى يُغْنِيكَ؟ " قَالَ: لَا. قَالَ: "فَكُلُوهَا". قَالَ: فَجَاءَ صَاحِبُهَا فَأَخْبَرَهُ الخَبَرَ، فَقَالَ: هَلَّا كُنْتَ نَحَرْتَهَا؟ قَالَ: اسْتَحْيَيْتُ مِنْكَ. أخرجه أبو داود (¬4). [إسناده حسن] ¬

_ (¬1) أخرج أحمد (4/ 193، 194)، والبخاري رقم (5530)، ومسلم رقم (12/ 1932)، وأبو داود رقم (3802)، والنسائي رقم (4325)، والترمذي رقم (1477)، وابن ماجه رقم (3232) عن أبي ثلعبة الخُشني، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن كل كل ذي ناب من السباع". وهو حديث صحيح. وأخرج أحمد (1/ 244، 289، 302)، ومسلم رقم (16/ 1934)، وأبو داود رقم (3803)، والنسائي رقم (4326)، وابن ماجه رقم (3234)، وابن الجارود رقم (892)، والبيهقي (9/ 315) عن ابن عباس قال: "نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن كل ذي ناب من السباع، وكل ذي مخلب من الطير .. " وهو حديث صحيح. (¬2) لقوله تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ} [البقرة: 173]. (¬3) في "المحلى" (7/ 426 - 428). (¬4) في "السنن" رقم (3816) بإسناد حسن.

"أن رجلاً نزل الحرة" (¬1) موضع قريب من المدينة. "ومعه أهله وولده، فقال له رجل: إن ناقة لي ضلت" ذهبت إلى غير محل معين. "فإن وجدتها فأمسكها، فوجدها ولم يجد صاحبها فمرضت، فقالت له امرأته: انحرها، فأبى فنفقت" أي: ماتت. "فقالت: فاسلخها" أي: اخلس عنها جلدها. "حتى نقدد لحمها وشحمها" نتخذه قديداً ننتفع به. "فقال: حتى أسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأتاه فسأله فقال: هل عندك [429 ب] غنىً يغنيك؟ قال: لا، قال: فكلوها" فهو دليل على إباحة الميتة لمن لا يجد ما يأكله، وقد أباح الله تعالى الميتة للمضطر، وأن له أن يأكل حتى يشبع ويتزود حتى يجد غيرها فتعود محرّمة. "فجاء صاحبها فأخبره الخبر" بمرضها ونفاقها. "فقال" مالكها. "هلاّ كنت نحرتها؟ قال: استحييت منك" هذا بيان للمضطر الذي أباح الله له ما حرمه من الميتة والكلب ولحم الخنزير، وأنه من لم يجد ما يغنيه (¬2). والمراد بغنائه: طعام يومه وليلته إلا أنه قال أبو محمَّد بن حزم (¬3): أن المضطر إذا وجد مال مسلم أو ذمي أخذ منه ولا تحل له الميتة. قال (¬4): لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "أطعموا الجائع" فهو إذا وجد مال مسلم أو ذمي فقد وجد مالاً قد أمر الله بإطعامه منه، فحقّه منه فهو غير مضطر إلى الميتة وسائر المحرمات، فإن منع من ذلك ظلماً فهو مضطر حينئذ. ¬

_ (¬1) انظر: "النهاية" (1/ 357)، و"المجموع المغيث" (1/ 426). (¬2) انظر: "فتح الباري" (9/ 674)، "المحلى" (7/ 427 - 428). (¬3) في "المحلى" (7/ 426). (¬4) ابن حزم في "المحلى" (7/ 426).

قال (¬1): وخصص قوم الخمر بأنه لا يشربها من اضطر إلى الشرب ولم يجد ما يرويه وهو خطأ؛ فإنه تخصيص للقرآن بغير برهان، واحتجوا بأنها لا تروي، وهو خطأ يدرك بالعيان. وقد صح عندنا أن كثيراً من المدمنين عليها من الكفار والخلاّع لا يشربون الماء أصلاّ مع شربهم الخمر، وقد سوغوا لمن غص بلقمة وخاف الاختناق أنه يسوغها بالخمر، ولا فرق بين الإساغة بها في ضرورة الاختناق وفي ضرورة العطش. وأطال البحث في هذا. قوله: "أخرجه أبو داود". الثاني: 2 - وعن الفجيع العامري - رضي الله عنه - قال: قُلْتُ: يَا رسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: مَا يحلُّ لَنَا مِنْ المَيْتةِ؟ قَالَ: "مَا طَعَامُكُمْ؟ " قُلْنَا: نَعْتَبِقُ وَنَصْطَبِحُ. قَالَ أبو نُعَيْمٍ مَوْلَى عُقْبَةُ: فَسَّرَهُ لِي عُقْبَةُ: قَدَح غُدْوَةً, وَقَدَحٌ عَشِيَّةً. قَالَ: ذَاكَ؛ وَأَبِي الجُوعُ، فَأَحَلَّ لَهُمْ المَيْتَةَ عَلَى هَذِهِ الحَالِ. أخرجه أبو داود (¬2). [إسناده ضعيف] حديث "الفُجَيع" (¬3) بالجيم مصغر. "ابن عبد الله العامري" وهو صحابي له حديث واحد. "قال: قلت: يا رسول الله! ما يحل لنا من الميتة؟ قال: ما طعامكم؟ قال: ما نغتبق" (¬4) الغبوق من آخر النهار. "ونصطبح" وهو من أول النهار. ¬

_ (¬1) ابن حزم في "المحلى" (7/ 426 - 427). (¬2) في "السنن" رقم (3817) بإسناد ضعيف. (¬3) انظر: "الاستيعاب" رقم (2084) ط الأعلام. "التقريب" (2/ 107 رقم 6). (¬4) قال أبو داود في "السنن" (4/ 168)، الطبوق من آخر النهار، والصبوح من أول النهار. وانظر: "النهاية" (2/ 287).

"قال أبو نعيم مولى عقبة" ليس هذا اللفظ في أبي داود (¬1) ولا في "الجامع" (¬2) بل لفظها: قال أبو نعيم: فسّره ... الخ. "فسّره لي عقبة, قال: قدح غدوة وقدح عشية" ومراده: قدح من اللبن. "قال: ذاك وأبي الجوع" لأن القدح غدوة عشية لا يشبع. "فأحل لهم الميتة". وأما قوله: "وأبي" فلم يرد بها القسم، بل جرت على ألسنة العرب نحو: قاتله الله، وتربت [430 ب] يداه ونحوه, وكان هذا قبل النهي عن القسم (¬3) بغير الله. قوله: "أخرجه أبو داود". نعم الصدقة والجزية "نَعَمْ الصَّدَقَةِ وَالجِزْيَةَ" أي: حكمهما. في "القاموس" (¬4): وقد تسكّن عَيْنُهُ: الإبلُ والشاءُ أو خاصٌ بالإبلِ، جمعه أنعامٌ. الأول: 1 - عن أسلم قال: قُلْتُ لِعُمَرَ - رضي الله عنه -: إِنَّ في الظَّهْرِ نَاقَةً عَمْيَاءَ، فَقَالَ: ادْفَعْهَا إِلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَنْتَفِعُونَ بِهَا. قُلْتُ: وَهِيَ عَمْيَاءُ؟ قَالَ: يَقْطُرُونَهَا بِالإِبِلِ. فَقُلْتُ: وَكَيْفَ تَأْكُلُ مِنْ الأَرْضِ؟ فقَالَ: أَمِنْ نَعَمِ الجِزْيَةِ أَمْ مِنْ نَعَمِ الصَّدَقَةِ؟ قُلْتُ: بَلْ مِنْ نَعَمِ الجِزْيَةِ. فَقَالَ: أَرَدْتُمْ وَالله أَكْلَهَا، فَقُلْتُ: إِنَّ عَلَيْهَا وَسْمَ نَعَمِ الجِزْيَةِ، فَأَمَرَ بِهَا عُمَرُ - رضي الله عنه - فَنُحِرَتْ، وَكَانَ عِنْدَهُ صِحَافٌ تسْعٌ، فَلاَ تَكُونُ فَاكِهَةٌ، وَلاَ طَرِيفَةٌ إِلاَّ جُعِلَ مِنْهَا في تِلْكَ الصِّحَافِ، فَيَبْعَثُ بِهَا إلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَيَكُونُ الَّذِي يَبْعَثُ ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (3817) وهو كما قال الشارح. (¬2) (7/ 437 رقم 5517) وهو كما قال الشارح. (¬3) تقدم نصه وتخريجه. (¬4) "القاموس المحيط" (ص 1501).

بِهِ إِلَى حَفْصَةَ ابْنَتِهِ مِنْ آخِرِ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ نُقْصَانٌ كَانَ مِنْ حَظِّهَا، فَجَعَلَ في تِلْكَ الصِّحَافِ مِنْ لَحْمِ تِلْكَ الجَزُورِ، فَبَعَثَ بِهَا إِلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَأَمَرَ بِمَا بَقِيَ مِنَ لَحْمِ تِلْكَ الجَزُورِ، فَصُنِعَ، فَدَعَا عَلَيْهِ المُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارَ. أخرجه مالك (¬1). [موقوف صحيح] الأول: حديث "أسلم" هو أسلم العدوي مولى عمر، ثقة مخضرم. "قال: قلت لعمر: إن في الظَّهر" في "القاموس" (¬2): أنه الرِّكاب، وقال (¬3): إن الرِّكاب ككتاب الإبل. "ناقة عمياء، قال: ادفعها إلى أهل بيت ينتفعون بها، قلت: وهي عمياء" فكيف الانتفاع بها. "قال: يقطرونها [مع الإبل] (¬4) " الصحيحة فتسير بسير الإبل. "فقلت: وكيف تأكل من الأرض" فإنها لا تدرك المرعى. "قال: أمن نعم الجزية أم نعم الصدقة؟ قلت: من نعم الجزية, فقال: أردتم والله" أي: أردتم بالسؤال عنها. "أكلها، قلت: إن عليها وسم إبل الجزية, فأمر بها عمر فنحرت وكان عنده" أي: عمر. "صحاف تسع" بعدة أزواج النَّبي - صلى الله عليه وسلم -. "فلا يكون فاكهة ولا طريفة إلا جعل منها في تلك الصحاف, فبعث بها إلى أزواج النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ويكون الذي بعث به إلى حفصة ابنته" زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -. ¬

_ (¬1) في "الموطأ" (1/ 279 رقم 44) وهو أثر موقوف صحيح. وقال مالك: لا أرى أن تؤخذ النعم من أهل الجزية إلا في جزيتهم. (¬2) "القاموس المحيط" (ص 557). (¬3) الفيروز آبادي في "القاموس المحيط" (ص 557). (¬4) كذا في الشرح والذي في نص الحديث: يقطرونها بالإبل.

اللحم

"من آخر ذلك فإن كان فيه" أي: في ما يبعث منه إليهن. "نقصان كان من حظها، فجعل في تلك الصحاف من لحم تلك الجزور فبعث إلى أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - " لأنه من مال الجزية يحلُّ لهنَّ. "وأمر بما بقي من لحم تلك الجزور فصنع" طبخ. "فدعا عليه" لأكله. "المهاجرون والأنصار" لأن الجزية يصح صرفها في كل واحد (¬1). قوله: "أخرجه مالك". اللحم الثاني: حديث عمر - رضي الله عنه -. 2 - عن عمر - رضي الله عنه - قال: إِيَّاكُمْ وَاللَّحْمَ فَإِنَّ لَهُ ضرَاوَةً كَضَرَاوَةِ الخَمْرِ، وَإنَّ الله يُبْغِضُ أَهْلَ البَيْتِ اللَّحْمِيِّينَ. أخرجه مالك (¬2). [موقوف حسن لغيره] "الضَّرَاوَةُ": العادة. "قال" يخاطب من لديه, وهو عام. "إياكم" أي: أحذركم. "اللحم" أي: اعتياده. "فإن له ضراوة" في "القاموس" (¬3): ضرى به كرضى، وضرىً وضراوة وضرياً وضراءة: لهج. انتهى. ¬

_ (¬1) قال أبو عبيد: حكم الفيء والخراج والجزية واحد، ويلتحق به ما يؤخذ من مال أهل الذمة من العشر إذا اتجروا في بلاد الإِسلام، وهو حق المسلمين يعم به الفقير والغني، وتصرف منه أعطية المقاتلة وأرزاق الذرية وما ينوب الإِمام في جميع ما فيه صلاح الإِسلام والمسلمين. "فتح الباري" (6/ 269). (¬2) في "الموطأ" (2/ 935 رقم 36) وهو أثر موقوف حسن لغيره. (¬3) "القاموس المحيط" (ص 1683).

"كضراوة الخمر" كاللهج بها. "وإن الله يبغض أهل البيت اللحميين" المكثرين من أكل اللحم. في "النهاية" (¬1) يقال: رجل لحم، وملحم، ولاحم، ولحيم: للحم الذي يكثر أكله، والملحم: الذي يكثر عنده اللحم ويطعمه, واللاحم: الذي يكون عنده [431 ب] , واللحيم: الكثير لحم الجسد. انتهى. وتحذير عمر - رضي الله عنه - من الإكثار واعتياده، وأن ذلك من الرفاهية التي يحذر عنها؛ لما تستلزمه من التوسع الذي يفضي إلى ما لا يحل. قوله: "أخرجه مالك" لفظه في "موطأ مالك" (¬2): عن يحيى بن سعيد أن عمر ... الخ. الثالث: حديث جابر - رضي الله عنه -: 3 - وعن جابر - رضي الله عنه - قال: أَدْرَكَنِي عُمَرَ - رضي الله عنه - وَأَنَا أَجِيءُ مِنَ السُّوقِ وَمَعِيَ حِمَالُ لَحْمٍ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فَقْلْتُ: قَرِمْنَا إِلَى اللَّحْمِ فَاشْتَرَيْتُ بِدِرْهَمٍ لَحْمًا. قَالَ: أَوَ كُلَّمَا اشْتَهَيْتَ شَيْئاً اشْتَرَيْتَهُ؟ حَسْبُ أَحَدِكُمْ مِنَ السّرَفِ أَنْ يَأكُلَ كُلَّ مَا اشْتَهَى. أخرجه مالك (¬3). [موقوف حسن لغيره] "قَرِمَ (¬4) إلَى الشَّيْءِ": اشتهاه ومالت نفسه إليه. "قال: أدركني عمر - رضي الله عنه - وأنا أجيء من السوق ومعي حمال لحم، فقال: ما هذا؟ فقلت: قرمنا إلى اللحم" أي: اشتهيناه ومالت إليه نفوسنا. "فاشتريت منه بدرهم لحماً، قال عمر" معاتباً له ومؤدباً. ¬

_ (¬1) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 592). (¬2) (2/ 935 رقم 36). (¬3) في "الموطأ" (2/ 936) وهو أثر موقوف حسن لغيره. (¬4) قال ابن الأثير في "غريب الجامع" قرمنا: قرمت إلى اللحم، أي: اشتهيته, ومالت نفسي إليه، وانظر: "النهاية" (2/ 444).

الفصل الثاني: فيما ليس بحيوان

"أو كلما اشتهيت شيئاً اشتريته؟ " استفهام إنكار. "حسب أحدكم من السوق" يكفيه منه. "أن يأكلَ كل ما اشتهى" عدَّ ذلك عمر سرفاً، والسرف منهي عنه, وهذا من عمر - رضي الله عنه - تزهيد فيما يشتهيه الإنسان، وأنه لا يعطي نفسه كل ما تريد، ونحوه قوله: وإنَّكَ مَهْمَا تُعْطِ بَطنَكَ سُؤلَهُ ... وَفَرجَكَ نَالاَ مُنْتَهَى الذَّمِ أَجْمَعَا قوله: "أخرجه مالك". ولما فرغ من الفصل الأول في الحيوان أخذ في (¬1) الثاني فقال: الفصل الثاني: فيما ليس بحيوان " الفَصْلُ الثَّانِي: فِيْ مَا لَيْسَ بَحَيَوَان" في المباح منه والمكروه. الأول: حديث جابر - رضي الله عنه -: 1 - عن جابر - رضي الله عنه - قال: قَالَ رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَكلَ ثُومًا أَوْ بَصَلًا فَلْيَعْتَزِلْنَا، أَوْ لِيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا، وَلْيَقْعُدْ في بَيْتِهِ" وَإنَّهُ أُتِيَ بِقِدْرٍ فِيهِ خَضِرَاتٌ مِنْ بُقُولٍ، فَوَجَدَ لَهَا رِيحًا فَسَأَلَ، فَأُخْبِرَ بِمَا فِيهَا مِنْ البقولِ، فَقَالَ: "قَرِّبُوهَا" إِلَى بَعْضِ أَصْحَابِهِ كَانَ مَعَهُ، فَلمَّا رَآهُ كَرِهَ أَكْلَهَا. قَالَ: "كُلْ فَإِنِّي أُنَاجِي مَنْ لَا تُنَاجِي". أخرجه الخمسة (¬2). [صحيح] "قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من أكل ثوماً أو بصلاً فليعتزلنا" أي: يعتزل مجالسنا والدُّنو منا لئلا يؤذينا برائحته. ¬

_ (¬1) في (ب) مكررة. (¬2) أخرجه البخاري رقم (854)، وأطرافه: (855، 5452، 7359)، ومسلم رقم (564)، وأبو داود رقم (3822)، والترمذي رقم (1807)، والنسائي (2/ 43) وهو حديث صحيح.

"أو ليعتزل مسجدنا" في رواية لأحمد (¬1): "المساجد" ونحوه لمسلم (¬2). والمراد بالمسجد الجنس والإضافة إلى المسلمين، أي: لا يقرب مسجد المسلمين، وهذا يراد على من خص النهي بمسجد النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - (¬3). وكأن قوله: "أو ليعتزل مسجدنا" شك من أحد الرواة وهو الزهري، كما قاله في "فتح الباري" (¬4). "وليقعد في بيته" هذا أخص من الاعتزال؛ لأنه أعم من أن يكون في البيت أو غيره (¬5). "وإنه أُتي بقدر" بكسر القاف: وهو ما يطبخ فيه، ويجوز فيه التذكير والتأنيث (¬6). "فيه" ضمير فيه يعود إلى الطعام الذي في القدر، والتقدير: أتي بقدر من طعام فيه. [432 ب]. "خَضِرَات" (¬7) بضم الخاء وفتح الضاد المعجمتين، وقيل: بفتح أوله وكسر ثانيه، وهو جمع خضرة، ويجوز ضم الضاد وتسكينها أيضاً. "من بقول فوجد لها ريحاً" أي: كريهة. "فسأل عنها فأخبر بما فيها من البقول" وكان فيها ثوم كما ورد في رواية. ¬

_ (¬1) في "المسند" (3/ 400). (¬2) في صحيحه رقم (69/ 561). (¬3) قاله القاضي عياض في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (2/ 497)، وانظر: "شرح صحيح مسلم" للنووي (5/ 47 - 48). (¬4) (2/ 341). (¬5) ذكره الحافظ في "فتح الباري" (2/ 341). (¬6) قال الحافظ في "الفتح" (2/ 341) والتأنيث أشهر. (¬7) "النهاية في غريب الحديث" (1/ 500)، "الفائق" للزمخشري (1/ 87)، و"فتح الباري" (2/ 342).

"فقال: قرِّبوها إلى بعض أصحابه" قال الكرماني (¬1): فيه النقل بالمعنى إذ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقله بهذا اللفظ، بل قال: قرِّبوها إلى فلان مثلاً، أو فيه حذف، أو قال: قرِّبوها مشيراً، أو أشار إلى بعض أصحابه. قال الحافظ ابن حجر (¬2): إن المراد بالبعض أبو أيوب الأنصاري. "فلما رآه كره أكلها، قال: كلٌ فإني أناجي من لا تناجي" وفي مسلم (¬3) أنه قال أبو أيوب: أحرام هو يا رسول الله؟ قال: "لا, ولكن أكرهه" والمراد: أنه - صلى الله عليه وسلم - يناجي الملائكة. قوله: "أخرجه مسلم". الثاني: حديث علي - رضي الله عنه -: 2 - وعن علي - رضي الله عنه - قال: نُهِينَا عَنْ أَكْلِ الثُّومِ إِلَّا مَطْبُوخًا. أخرجه أبو داود (¬4) والترمذي (¬5). [صحيح] "قال: نهينا عن أكل الثوم إلا مطبوخاً" وترجم البخاري (¬6) بقوله: باب ما جاء في الثوم النيّء. قال ابن حجر (¬7): تقييده بالنيئِ حمل منه للأحاديث المطلقة على غير (¬8) النّيء. انتهى. ¬

_ (¬1) في "شرحه لصحيح البخاري" (5/ 202). (¬2) في "فتح الباري" (2/ 342). (¬3) في صحيحه رقم (76/ 565). (¬4) في "السنن" رقم (3828). (¬5) في "السنن" رقم (1809) وهو حديث صحيح. (¬6) في صحيحه (2/ 339 الباب رقم 160 - باب ما جاء في الثوم النيّء والبصل والكرَّاث - مع الفتح). (¬7) في "فتح الباري" (2/ 339). (¬8) كذا في "المخطوط" والذي في "الفتح" (2/ 339): على غير النضيج منه.

ولما دل الحديث على عدم كراهة أكل المطبوخ زعم بعضهم أن لفظ "بقدر" في حديث جابر تصحيف؛ لأن القدر يؤذن بالطبخ، وأن المراد بطبق، وقد ورد بهذا في رواية لفظها: "أُتي بقدر والقدر الطبق" وهو ظاهر أن البقول كانت فيه نية. قال الحافظ ابن حجر (¬1): والذي يظهر لي أن رواية القدر أصح، فإن فيه في رواية التصريح بالطعام، ولا تعارض بين امتناعه - صلى الله عليه وسلم - من أكل الثوم مطبوخاً وبين إذنه لهم في أكل ذلك مطبوخاً؛ لأنه قد علل ذلك بقوله: "لست كأحدٍ منكم". وقال القرطبي (¬2): أن الذي كان في القدر لم ينضج حتى تضمحلَّ رائحته فبقي في حكم النيء. انتهى. وقد ألحق بالثوم البصل والكراث، فأما البصل فقد وقع في حديث جابر ووقع في رواية الكراث. وقد ألحق بالمسجد المجامع كمصلى العيد والجنازة ومكان الوليمة. قال ابن العربي (¬3): ذكر [433 ب] العلة يدل على تعليل الحكم بها وهي أذية الملائكة وأذى المسلمين. ومن ثمة ردَّ على المازري (¬4) حيث قال: لو أن جماعة مسجد أكلوا كلهم مَالَهُ رائحة كريهة لم يمنعوا منه بخلاف ما إذا أكل بعضهم؛ لأن المنع لهم يختص بهم، بل بهم وبالملائكة. وعلى هذا يتناول المنع من تناول شيئاً من ذلك ودخل المسجد مطلقاً ولو كان وحده. هذا واستدل بهذه الأحاديث على أن صلاة الجماعة ليست فرض عين. ¬

_ (¬1) في "فتح الباري" (2/ 342). (¬2) في "المفهم" (2/ 167). (¬3) في "العارضة" (7/ 303). (¬4) في "المعلم بفوائد مسلم" (1/ 278).

قال ابن دقيق العيد (¬1): لأن اللازم من منعه أحد أمرين: إما أن يكون أكل هذه الأمور مباحاً فتكون صلاة الجماعة ليست فرض عين، أو حراماً فتكون صلاة الجماعة فرضاً، وجمهور الأمة على إباحة أكلها، فلزم أن لا تكون الجماعة فرض عين. قال (¬2): ونقل عن أهل الظاهر أو بعضهم تحريمها بناءً على أن الجماعة فرض عين، وعن ابن حزم منهم: أن أكلها حلال مع قوله: إن الجماعة فرض عين، والفصل عن اللازم بأن المنع من أكلها يختص بمن علم بخروج الوقت قبل زوال الرائحة. وقال ابن دقيق العيد (¬3): قد يستدل بهذا الحديث على أن كل هذه الأمور من الأعذار المرخصة في حضور الجماعة. وقال الخطابي (¬4): توهم بعضهم أن أكل الثوم عذر عن التخلف عن الجماعة وإنما هو عقوبة لآكله على فعله، إذ حُرِم فضيلة الجماعة. انتهى. واختلف: هل كان ترك ذلك حراماً على النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ والراجح (¬5) الحِّل؛ لعموم قوله: "ليس بمحرم" كما أخرجه ابن خزيمة من حديث أبي أيوب. قيل: ويلحق بذلك من في فمه بخر ومن به جراحة لها رائحة، وألحق بعضهم أصحاب الصنائع؛ كالسّمان، وذوي العاهات كالمجذوم، ومن يؤذي الناس بلسانه. ¬

_ (¬1) في "إحكام الأحكام" (2/ 517). (¬2) ابن دقيق العيد في "إحكام الأحكام" (2/ 517). (¬3) في "إحكام الأحكام" (2/ 517 - 518). (¬4) في "معالم السنن" (4/ 170 - مع السنن). (¬5) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 344).

وأشار ابن دقيق العيد (¬1) أن ذلك توسع غير مرضي. قال الحافظ ابن حجر (¬2): تنبيه حكم رحبة المسجد وما يقرب منها حكمه، ولذلك كان - صلى الله عليه وسلم - إذا وجد ريحها في المسجد أمر بإخراج من وجدت فيه إلى البقيع، كما في مسلم (¬3) عن عمر. قوله: "أخرجه أبو داود والترمذي". قلت: [434 ب] قال (¬4): وقد روي هذا عن علي - عليه السلام - من قوله، ثم ساقه بسنده عن علي - عليه السلام -: أنه كره أكل الثوم. أي: مطبوخاً. وقال (¬5): هذا حديث ليس إسناده بذلك القوي. الثالث: 3 - وعن أبي زياد خيار بن سلمة قال: سَألتُ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - عَنِ البَصَلِ؟ فقَالَتْ: إِنَّ آخِرَ طَعَامٍ أَكَلَهُ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - كانَ فِيهِ بَصلٌ. أخرجه أبو داود (¬6). [منكر] حديث "أبي زياد خيار" بالخاء المعجمة مكسورة فمثناة تحتية خفيفة آخره راء، ابن سلمة شامي مقبول كما في "التقريب" (¬7). "قال: سألت عائشة - رضي الله عنها - عن البصل، فقالت: كان آخر طعام أكله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان فيه البصل" والمراد: مطبوخ فيه وقد عرف إذنه - صلى الله عليه وسلم - فيه مطبوخاً. ¬

_ (¬1) في "إحكام الأحكام" (2/ 518). (¬2) في "فتح الباري" (2/ 344). (¬3) في صحيحه رقم (78/ 567). (¬4) الترمذي في "السنن" رقم (4/ 262). (¬5) الترمذي في "السنن" رقم (4/ 262). (¬6) في "السنن" رقم (3829) وهو حديث منكر. (¬7) (1/ 230 رقم 183).

طعام الأجنبي

قوله: "أخرجه أبو داود". طعام الأجنبي " طَعَامُ الأَجْنبِي" أي: بيان حكمه. الأول: حديث ابن عمر - رضي الله عنه -: 1 - عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَا يَحْلِبَنَّ أَحَدُكمْ مَاشِيَةَ أَحَدٍ إلَّا بِإذْنِهِ، أَيُحِبُّ أَحَدُكمْ أَنْ تُؤْتَى مَشْرَبَتُهُ فَتُكْسَرَ خِزَانَتُهُ فَيُنْتَقَلَ طَعَامُهُ, إِنَّمَا تَخْزِنُ لهُمْ ضرُوعُ مَوَاشِيهِمْ أَطْعِمَتَهُمْ". أخرجه الثلاثة (¬1)، وأبو داود (¬2). [صحيح] "المَشْرُبَةُ" بضم الراء وفتحها: الغرفة (¬3). "قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا يحلبن أحدكم ماشية أحد" أي: ذات الدر فيخرجه منها. "إلا بإذنه" أي: أذن مالكها، ثم ضرب - صلى الله عليه وسلم - مثلاً فقال: "أيحبُّ أحدكم أن تُؤتى" أي: يأتي أحد. "مشربته" بضم الراء وفتحها، أي: غرفته. "فتكسر خِزانتهُ" التي فيها، وهي محل حفظه لما يريد خزنه. "فيُنتقل" من خزانته "طعامه"، ونسخ "التيسير": "تنتقل" بالقاف, والذي في "الجامع" (¬4): "ينتثل" بالمثلثة بدل القاف. ¬

_ (¬1) البخاري رقم (2435)، ومسلم رقم (13/ 1726)، ومالك في "الموطأ" (2/ 971 رقم 27). (¬2) في "السنن" رقم (2623)، وأخرجه أحمد (2/ 6)، وابن ماجه رقم (2302) وهو حديث صحيح. (¬3) وقال الفيروز آبادي في "القاموس" (ص 128): والمشرُبة بضم الراء: أرض لبنة دائمة النبات، والفرقة, والعلية، والصفة، والمشرئمة. (¬4) (7/ 448 رقم 5535).

وذكره في "النهاية" (¬1) بالمثلثة وقال (¬2): ومنه: "أيحب أحدكم أن تؤتى مشربته فينتثل ما فيها" أي: يستخرج، ذكره في النون مع الثاء المثلثة، وهذا لا يحبه أحد. "إنما تخزن لهم ضروع مواشيهم أطعمتهم" أي: مخازن حليبهم الذي هو طعامهم ضروع المواشي، ويأتي الإذن في الاحتلاب بشرطه في الحديث الثاني. قوله: "أخرجه الثلاثة وأبو داود". الثاني: حديث سمرة بن جندب - رضي الله عنه -: 2 - وعن سمرة بن جندب - رضي الله عنه - قال: قَالَ رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذا أَتَى أَحَدُكمْ عَلَى مَاشِيَةٍ, فَإِنْ كَانَ فِيهَا صَاحِبُهَا فَلْيَسْتَأْذِنْهُ, فَإِنْ أَذِنَ له فَلْيَحْلِبْ وَلْيَشْرَبْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا فَلْيُصَوِّتْ ثَلاَثًا، فَإِنْ أَجَابَهُ فَلْيَسْتَأْذِنْهُ، وَإِلاَّ فَلْيَحْلِبْ وَليَشْرَبْ". أخرجه أبو داود (¬3) والترمذي (¬4) وصححه. [صحيح] ¬

_ (¬1) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 709)، وانظر: "القاموس المحيط" (ص 1370). (¬2) ابن الأثير في "النهاية" (2/ 709). (¬3) في "السنن" رقم (2619). (¬4) في "السنن" رقم (1296) وقال: حديث حسن غريب. قلت: وأخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (9/ 359) وقال: "أحاديث الحسن عن سمرة لا يثبتها بعض الحفاظ، ويزعم أنها من كتاب، غير حديث العقيقة الذي قد ذكر فيه السماع". وللحديث شاهد من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعاً بلفظ: "إذا أتيت على راع، فناده ثلاث مرار، فإن أجابك وإلا فاشرب في غير أن تفسد، وذا أتيت على حائط بستان فناد صاحب البستان ثلاث مرات، فإن أجابك, وإلا فكل غير أن لا تفسد". أخرجه ابن ماجه رقم (2300)، وابن حبان رقم (5281)، والبيهقي (9/ 359 - 360)، وأبو نعيم (3/ 99) من طرق يزيد بن هارون أنبأنا الجريري عن أبي نضرة عنه. =

"قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إذا أتى أحدكم ماشية" أي: وأراد احتلابها. "فإن كان صاحبها معها فليستأذنه, فإن أذن له فليحتلب وليشرب وإن لم يكن" أي: صاحب الماشية. "معها [435 ب] فليصوّت" أي: يناديه: يا صاحب الماشية. "فإن أجابه فليستأذنه" في الحلب والشرب. "وإلا" لم يجبه وكان محتاجاً. "فليحتلب وليشرب" هذا المحتاج المضطر، وإلا فلا يباح له مال غيره، ولذا قال: "ولا يحمل" (¬1) لأنه إنما أذن له فيما يدفع ضرورته. قوله: "أخرجه أبو داود والترمذي وصححه". ¬

_ = قال البيهقي: "تفرد به سعيد بن إياس الجريري، وهو من الثقات, إلا أنه اختلط في آخر عمره, وسماع يزيد بن هارون عنه بعد اختلاطه؛ ورواه أيضاً حماد بن سلمة عن الجريري، وليس بالقوي". قال الألباني في "الإرواء" (8/ 161): "قلت: إن كان يعني أن السند إلى حماد بن سلمة بذلك ليس بالقوي، فممكن، وإن كان يعني أن حماداً نفسه ليس بالقوي أو أنه روي عنه في الاختلاط، فليس بصحيح؛ لأن حماداً ثقة, وفيه كلام لا يضره، وقد روى عن الجريري قبل الاختلاط". قال العجلي: "بصري ثقة, اختلط بأخرة, روى عنه في الاختلاط يزيد بن هارون, وابن المبارك، وابن أبي عدي، وكل ما روى عنه مثل هؤلاء الصغار فهو مختلط، إنما الصحيح عنه حماد بن سلمة والثوري وشعبة ... ". "علماً أن اختلاط الجريري لم يكن فاحشاً كما قال يحيى بن سعيد القطان" اهـ. والخلاصة: أن الحديث صحيح، والله أعلم. (¬1) وهي في "الجامع" (7/ 449 رقم 5536)، وفي "سنن أبي داود" رقم (2619)، و"سنن الترمذي" رقم (1296).

الثالث: حديث ابن عمر - رضي الله عنه -. 3 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قَالَ رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ دَخَلَ حَائِطًا فَلْيَأْكُلْ وَلاَ يَتَّخِذْ خُبْنَةً". أخرجه الترمذي (¬1). [صحيح لغيره] "الخُبْنَةُ" (¬2): ما يأخذه الإنسان في طرف ثوبه وأسفل إزاره. وهو في الثمار ترجم له ابن الأثير (¬3) بها. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (1287) وقال: حديث ابن عمر غريب لا نعرفه من هذا الوجه إلا من حديث يحيى بن سليم. قال الترمذي في "العلل الكبير" (1/ 516): سألت محمداً عن هذا الحديث، فقال: يحيى بن سليم يروي أحاديث عن عبيد الله - بن عمر - يهم فيها، وكأنه لم يعرف هذا إلا من حديث يحيى بن سليم. وقال أبو زرعة, كما في "العلل" لابن أبي حاتم (2/ 325 رقم 2495): هذا حديث منكر. قال المباركفوري في "تحفة الأحوذي" (4/ 424 - العلمية): قال في "التقريب": "يحيى بن سليم الطائفي صدوق سيئ الحفظ" اهـ. وقال في "مقدمة فتح الباري": وثقة ابن معين والعجلي وابن سعد، وقال أبو حاتم: محله الصدق ولم يكن بالحافظ. وقال النسائي: ليس به بأس وهو منكر الحديث عن عبيد الله بن عمرو. وقال الساجي: أخفأ في أحاديث رواها عن عبيد الله بن عمرو. قال يعقوب بن سفيان: "كان رجلاً صالحاً وكتابه لا بأس به، فإذا حدث من كتابه فحديثه حسن، وإذا حدث حفظاً فيعرف وينكر" اهـ. وخلاصة القول: أن حديث ابن عمر حديث صحيح لغيره. وفي الباب حديث عبد الله بن عمرو، أخرجه أبو داود رقم (1710)، والنسائي رقم (4957 - 4959)، وابن ماجه رقم (2596)، والترمذي رقم (1288)، وهو حديث حسن، ومن حديث عباد بن شرحبيل، أخرجه أبو داود رقم (2620)، والنسائي رقم (5409)، وابن ماجه رقم (2298) وهو حديث صحيح. (¬2) انظر: "القاموس المحيط" (ص 1539)، "النهاية" (1/ 470). (¬3) في "الجامع" (7/ 449) حيث قال النوع الثاني: الثمار.

"قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من دخل حائطاً" أي: وهو محتاج. "فليأكل من ثماره" حاجته. "ولا يتخذ خبنة" بضم الخاء المعجمة وسكون الموحدة فنون، فسّره المصنف بما يأخذه الإنسان في طرف ثوبه أو إزاره. وفي "النهاية" (¬1): الخبنة معطف الإزار وطرف الثوب، أي: لا يأخذ في ثوبه، يقال: أخبن الرجل إذا خبأ. قوله: "أخرجه أبو داود والترمذي". الرابع: حديث رافع بن عمرو - رضي الله عنه -: 4 - وعن رافع بن عمرو - رضي الله عنه - قال: كُنْتُ أَرْمِي نَخْلَ الأَنْصَارِ فَأَخَذُونِي وَذَهَبُوا بِي إِلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "يَا رَافِعُ! لِمَ تَرْمِي نَخْلَهُمْ؟ قُلْتُ: الجُوعُ يَا رَسُولَ الله. فَقَالَ: "لَا تَرْمِ وَكُلْ مَا وَقَعَ، أَشْبَعَكَ الله وَأَرْوَاكَ". أخرجه أبو داود (¬2) والترمذي (¬3) وصححه. [صحيح] "قال: كنت أرمي نخل الأنصار" أي: ليأخذ ما يسقطه الرمي من الثمر. "فأخذوني وذهبوا بي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " أي: فشكوه إليه. "فقال: يا رافع! لم ترم نخلهم؟ قلت: الجوع" أوجب رميه. "يا رسول الله" اختلف في حد الجوع على رأيين، ذكرهما في "الإحياء" (¬4). أحدهما: أن يشتهي الخبز وحده، فمتى طلب الإدام فليس بجائع. ¬

_ (¬1) (1/ 470). (¬2) في "السنن" رقم (2622). (¬3) في "السنن" رقم (1288) وقال: حسن غريب. أخرجه ابن ماجة رقم (2299) وهو حديث ضعيف. (¬4) (2/ 18 - 20).

ثانيهما: إذا وقع ريقه على الأرض لم يقع عليه الذباب. "لا ترمِ، وكل ما وقعَ منه في الأرض من دون رمي؛ لأنه ينتفع به من غير إضرار نخلهم. "أشبعك الله وأرواك" فيه دليل على أن الجائع يأخذ ما تساقط من الثمرة من الأشجار من مثل التمر والبرقوق، وأنه لا يمنعه مالك الأشجار. قوله: "أخرجه أبو داود والترمذي وصححه". الخامس: 5 - وعن عباد بن شرحبيل قال: أَصَابَتْنِي سَنَةٌ، فَدَخَلْتُ حَائِطًا مِنْ حِيطَانِ المَدِينَةِ فَفَرَكْتُ سُنْبُلاً فَأَكَلْتُ وَحَمَلْتُ فِي ثَوْبِي، فَجَاءَ صَاحِبُهُ فَضَرَبَنِي وَأَخَذَ ثَوْبِي، وَأَتى بِي إلى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرَ ذلِكَ لَه, فَقَالَ لَهُ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا عَلَّمْتَ إِذْ كَانَ جَاهِلاً، وَلاَ أَطْعَمْتَ إِذَا كَانَ جَائِعًا". فَأَمَرَهُ فَرَدَّ عَلَيَّ ثَوْبِي، وَأَعْطَانِي وَسْقًا أَوْ نِصفَ وَسْقٍ مِنْ طَعَامٍ. أخرجه أبو داود (¬1) والنسائي (¬2). [صحيح] "الوَسْقُ" (¬3): ستون صاعاً، والصاع أربعة أمداد، والمد رطل وثلث، أو رطلان على اختلاف المذهبين. "حديث عَبّاد" (¬4) بفتح المهملة وتشديد الموحدة. "ابن شرحبيل" صحابي نزل البصرة. "قال: أصابتني سنة" أي: قحط (¬5) [436 ب] وحاجة. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (2620). (¬2) في "السنن" رقم (5409)، وأخرجه ابن ماجه رقم (2298) وهو حديث صحيح. (¬3) تقدم مراراً. (¬4) انظر: "الاستيعاب" رقم (1688). (¬5) انظر: "النهاية" (2/ 418).

الباب الثالث: في الحرام من الأطعمة

"فدخلت حائطاً (¬1) من حيطان المدينة ففركت سنبلاً" ففركت: أخرجته من قشره. "فأكلت وحملت في ثوبي، فجاء صاحبه فضربني وأخذ ثوبي وأتى بي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكر ذلك له، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما علّمت إذ كان جاهلاً" فتعرفه بما يحل وما يحرم. "ولا أطعمت إذ كان جائعاً، وأمره فرد عليّ ثوبي" ولم يقتص - صلى الله عليه وسلم - له منه ضربه إياه، إما لأنه قد استوجبه بما حمله من السنبل؛ لأنه ليس له حق إلا فيما أكله، أو أنه - صلى الله عليه وسلم - استعفاه فعفا عنه. "وأعطاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسقاً أو نصف وسق" شك من الصحابي أو ممن روى عنه. "من طعام" تبيين لما أعطاه. قوله: "أخرجه أبو داود والنسائي" وفي "الجامع" (¬2) أخرجه أبو داود (¬3)، وللنسائي (¬4) قال: "قدمت مع عمومتي المدينة فدخلت حائطاً ... " وذكر الحديث، وفيه: "فأخذ كسائي". الباب الثالث: في الحرام من الأطعمة (البَابُ الثَّالِثُ: فِيْ الحَرَامِ مِنَ الأطْعِمَةَ) قال ابن الأثير (¬5): وفيه خمسة فصول؛ الفصل الأول: قولٌ كليٌّ في الحرام والحلال، وذكر حديث ابن عباس الآتي. ¬

_ (¬1) قال ابن الأثير في "النهاية" (1/ 453): الحائط: البستان من النخيل، إذا كان عليه حائط. (¬2) (7/ 451). (¬3) في "السنن" رقم (2620). (¬4) في "السنن" رقم (5409). (¬5) في "الجامع" (7/ 452).

الأول: حديث أبي ثعلبة الخُشني - رضي الله عنه -: 1 - عن أبي ثعلبة الخشني - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ. أخرجه الستة (¬1). [صحيح] زاد مسلم (¬2) وأبو داود (¬3) والنسائي (¬4) في رواية عن ابن عباس: "وَكُلُّ ذِي مِخْلَبٍ مِنَ الطَّيْرِ". [صحيح] "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن كل ذي ناب من السباع، أخرجه الستة". "زاد أبو داود والنسائي في رواية عن ابن عباس - رضي الله عنه -: وكل ذي مخلب" بكسر الميم وسكون المعجمة وفتح اللام بعدها موحدة. "من الطير" وهو للطير كالظفر لغيره، لكنه أشد منه وأغلظ واحد فهو له كالناب للسبع. قال الَترمذي (¬5): والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم، وعند بعضهم لا يحرم. وحكي عن مالك كالجمهور (¬6). وقال ابن العربي (¬7): المشهور عنه الكراهة. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (5530)، ومسلم رقم (12/ 1932)، وأبو داود رقم (3802)، والنسائي رقم (4325)، والترمذي رقم (1477)، وابن ماجه رقم (3232)، ومالك في "الموطأ" (2/ 496 رقم 13)، وأخرجه أحمد (4/ 193، 194). (¬2) في صحيحه رقم (16/ 1934). (¬3) في "السنن" رقم (3803). (¬4) في "السنن" رقم (4326). وأخرجه أحمد (1/ 244، 289، 302)، وابن ماجه رقم (3234)، وابن الجارود رقم (892)، والبيهقي (9/ 315) وهو حديث صحيح. (¬5) في "السنن" (4/ 74). (¬6) انظر: "المغني" لابن قدامة (13/ 319). (¬7) في "أحكام القرآن" (2/ 766).

وقال ابن عبد البر (¬1): اختلف فيه عن ابن عباس (¬2) [437 ب] وعائشة (¬3)، وجاء عن ابن عمر من وجه ضعيف، وهو قول الشعبي وسعيد بن جبير، واحتجوا بعموم: {قُلْ لَا أَجِدُ} (¬4) والجواب: أنها مكية، وحديث التحريم بعد الهجرة، وبأن نص الآية على تحريم غير ما ذكر إذ ذاك، فليس فيها نفي ما سيأتي. وعن بعضهم: أن آية المائدة خاصة ببهيمة الأنعام؛ لأنه مقدم قبلها حكاية عن الجاهلية؛ لأنهم كانوا يحرمون أشياء من الأزواج الثمانية بآرائهم، فنزلت الآية: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} (¬5) أي: من المذكورات إلا الميتة منها أو الدم المسفوح، ولا يُردَّ كون لحم الخنزير ذكر معها؛ لأنها قرنت به علة تحريمه وهو كونه رجساً، فهذا بعض أدلة الفريقين. ثم اختلف القائلون بالتحريم في المراد ما له ناب، فقيل: إنه ما يتقوى به ويصول على غيره ويصطاد ويعدو بطبعه غالباً؛ كالأسد والفهد والصقر والعقاب، وأما ما لا يعدو كالضبع والثعلب فلا وإلى هذا ذهب الشافعي (¬6) والليث (¬7) ومن تبعهما. ¬

_ (¬1) في "التمهيد" (10/ 350 - الفاروق). (¬2) أخرج عبد الرزاق في "مصنفه" رقم (8709) عن الضحاك قال: تلا ابن عباس هذه الآية: {قُلْ لَا أَجِدُ} [الأنعام: 145] فقال: "ما خلا هذا فهو حلال". (¬3) أخرج عبد الرزاق في "مصنفه" رقم (8708) عن القاسم بن محمَّد قال: سئلت عائشة عن أكل ذي ناب من السباع فقلت: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ} إلى قوله: {دَمًا مَسْفُوحًا} [الأنعام الآية 145]. فقالت: قد ترى في القدرة صفرة الدم. وهو أثر صحيح. (¬4) سورة الأنعام الآية: 145. (¬5) سورة الأنعام الآية: 145. (¬6) انظر: "حلية العلماء" (3/ 405)، "البيان" (4/ 502). (¬7) انظر: "عيون المجالس" (2/ 979 رقم 685)، "بدائع الصنائع" (5/ 39).

وقد ورد في حلِّ الضبع (¬1) أحاديث، وأما الثعلب فورد في تحريمه حديث أخرجه الترمذي (¬2) وابن ماجه (¬3) ولكن سنده ضعيف، قاله الحافظ ابن حجر (¬4). الثاني: حديث ابن عباس - رضي الله عنه -: 2 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: كَانَ أَهْلُ الجَاهِلِيَّةِ يَأْكُلُونَ أَشْيَاءَ وَيَتْرُكُونَ أَشْيَاءَ تَقَذُّرًا، فَبَعَثَ الله تَعَالَى نَبِيَّهُ - صلى الله عليه وسلم -، وَأَنْزَلَ كِتَابَهُ، وَأَحَلَّ حَلَالَهُ، وَحَرَّمَ حَرَامَهُ، فَما أَحَلَّ فَهُوَ حَلَالٌ، وَمَا حَرَّمَ فَهُوَ حَرَامٌ، وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ عَفْوٌ، وَتَلَا قَوْلَهُ تَعَالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً} (¬5) الآية. أخرجه أبو داود (¬6). [إسناده صحيح] "قال: كان أهل الجاهلية يأكلون أشياء ويتركون أشياء تقذراً" المراد: أن أكلهم وتركه يدور على أهوائهم وطبائعهم لا على شريعة نبوية. "فبعث الله نبيه" - صلى الله عليه وسلم -. "وأنزل كتابه، وأحلّ حلاله، وحرّم حرامه، فما أحل" أي: الكتاب. "فهو حلال، وما حرّم فهو حرام" لكنه قد ثبت أحاديث: "إني أوتيت الكتاب ومثله معه" (¬7) وأن ما حرم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما حرّمه الله. ¬

_ (¬1) تقدم ذكره. (¬2) في "السنن" رقم (1792، 3237). (¬3) ذكره الحافظ في "الفتح" (2/ 658). (¬4) في "الفتح" (2/ 658). (¬5) سورة الأنعام الآية: 145. (¬6) في "السنن" رقم (3800) بإسناد صحيح. (¬7) أخرجه أحمد (4/ 130 - 131)، وأبو داود رقم (4604)، والترمذي رقم (2664)، وابن ماجه رقم (12، 3193)، والطبراني في "مسند الشاميين" رقم (1061)، والحاكم (1/ 109) وهو حديث صحيح.

"وما سكت عنه فهو عفو" أي: حلال. "وتلا ابن عباس قوله تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً} (¬1) الآية" تقدم الكلام في ذلك، وفي مذهب ابن عباس [438 ب] ومن معه ومذهب من خالفهم. وقد أخرج الترمذي (¬2) وأبو داود (¬3) من حديث المقدام بن معد يكرب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ألا هل عسى رجل يبلغه الحديث عني وهو متكئ على أريكته فيقول: بيني وبينكم كتاب الله، فما وجدنا فيه حلالاً استحللناه، وما وجدنا فيه حراماً حرّمناه, وإن ما حرم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما حرّم الله" هذه رواية الترمذي (¬4). ورواية أبي داود (¬5): قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَلا وإني أوتيت الكتاب ومثله معه, ألاَ يوشك رجل شبعان على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن، فما وجدتم فيه من حلال فأحلّوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرِّموه". ولهما (¬6) من حديث أبي رافع: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا أعرفن الرجل منكم يأتيه الأمر من أمري أنا أمرت به أو نهيت عنه وهو متكئ على أريكته فيقول: لا ندري ما هذا، عندنا كتاب الله وليس هذا فيه, وما لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يخالف القرآن وبالقرآن هداه الله". انتهى. ¬

_ (¬1) سورة الأنعام الآية: 145. (¬2) في "السنن" رقم (2664). (¬3) في "السنن" رقم (4604) وهو حديث صحيح. (¬4) في "السنن" رقم (2664). (¬5) في "السنن" رقم (4604). (¬6) أخرجه أبو داود رقم (4605)، والترمذي رقم (2663)، وأخرجه ابن ماجه رقم (13) وهو حديث صحيح.

ولعل ابن عباس - رضي الله عنه - لم تبلغه هذه الأحاديث. قوله: "أخرجه أبو داود". الثالث: 3 - وعن قبيصة بن هلب الطائي عن أبيه قال: سَأَلَ رَجُلُ النّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: إِنَّ مِنْ الطَّعَامِ طَعَامًا أَتَحَرَّجُ مِنْهُ؟ فَقَالَ: "لَا يَتَخَلَّجَنَّ في صَدْرِكَ شَيْءٌ ضَارَعْتَ فِيهِ النَّصْرَانِيَّة". أخرجه أبو داود (¬1) والترمذي (¬2). [حسن] "التَّحَرُّجُ": التأثم. وقوله: "لَا يَتَخَلَّجَنَّ" (¬3): يروى بالمعجمة وغير المعجمة، ومعناهما متقارب، ومعناه: لا يدخل في قلبك منه ريبة، أو لا يتحرك فيه شيء من الشك، والاختلاج الحركة. وقوله: "ضَارَعْتَ" (¬4) أي: شابهت وماثلت. "وعن قبيصة بن هلب" بضم الهاء وسكون اللام بعدها موحدة. "الطائي" الكوفي، واسم المهلب: يزيد بن قيافة وهو صحابي، وقبيصة قال في "التقريب" (¬5): مقبول. ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (3784). (¬2) في "السنن" رقم (1565)، وأخرجه ابن ماجه رقم (2830)، وهو حديث حسن. (¬3) انظر: "معالم السنن" للخطابي (4/ 148 - مع السنن)، "النهاية في غريب الحديث" (1/ 516). (¬4) قال ابن الأثير في "النهاية" (2/ 80) المضارعة: المشابهة والمقاربة, وذلك أنه مسألة عن طعام النصارى, فكأنه أراد: لا يتحركن في قلبك شك أن ما شابهت فيه النصارى حرام أو خبيث أو مكروه. وانظر: "المجموع المغيث" (2/ 322). (¬5) (2/ 123 رقم 79).

"عن أبيه قال: سأل رجل النبي - صلى الله عليه وسلم -: إن من الطعام طعاماً أتحرج منه فقال: لا يتخلجن في صدرك شيء ضارعت فيه النصرانية". وقد شرح المصنف معنى الحديث بما فيه كفاية، وفيه: أن النصارى يتركون ما تختلج فيه صدورهم من الطعام. قوله: "أخرجه أبو داود والترمذي". الرابع: حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: 4 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قَالَ رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "كُلُّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ فَأَكلُهُ حَرَامٌ". أخرجه مسلم (¬1) ومالك (¬2) وأبو داود (¬3) والنسائي (¬4). [صحيح] "قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: كل ذي ناب من السباع فأكله حرام" تقدم [439 ب] فيه الكلام. قوله: "أخرجه مسلم ومالك وأبو داود والنسائي". ولأبي داود (¬5) في أخرى: "نَهَى عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ، وَكُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطَّيْرِ". "ولأبي داود في أخرى: نهى عن كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير". ¬

_ (¬1) في صحيحه رقم (1933). (¬2) في "الموطأ" (2/ 496). (¬3) لم يخرجه أبو داود من حديث أبي هريرة، ولم يعزه ابن الأثير في "الجامع" (7/ 454) لأبي داود. (¬4) في "السنن" (7/ 200) وهو حديث صحيح. (¬5) في "السنن" رقم (3803، 3805) من حديث ابن عباس.

الخامس: حديث خالد بن الوليد - رضي الله عنه -: 5 - وعن خالد بن الوليد - رضي الله عنه - قال: نَهَى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عنْ أَكْلِ لُحُومِ الخَيْلِ وَالبِغَالِ وَالحَمِيرِ. أخرجه أبو داود (¬1) والنسائي (¬2). [ضعيف] "قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أكل لحوم الخيل والحمير" تقدمت الأدلة على حل (¬3) أكل الخيل، وأن أحاديثه (¬4) أرجح من حديث خالد. وأما "البغال والحمير" الإنسية؛ فالأدلة متوافقة على تحريمها. قوله: "أخرجه أبو داود والنسائي". ولأبي داود (¬5) في أخرى: غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - يوْمَ خَيْبَرَ، فَأَتَتِ اليَهُودُ إلى رِسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فَشَكَوْا أَنَّ النَّاسَ قَدْ أَسْرَعُوا إِلَى حَظَائِرِهِمْ، فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تَحِلُّ أَمْوَالُ المُعَاهِدِينَ إِلاَّ بِحَقِّهَا، ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (3790) وقال أبو داود: هذا منسوخ، قد أكل لحوم الخيل جماعة من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬2) في "السنن" رقم (4331). وأخرجه ابن ماجه رقم (3198)، وأحمد (4/ 89)، والدارقطني في "السنن" (4/ 287 رقم 61) بإسناد ضعيف لضعف صالح بن يحيى بن المقدام. قال البخاري: فيه نظر: والراوي عنه, وهو أبوه لم يوثقه إلا ابن حبان, وهو حديث ضعيف، والله أعلم. (¬3) انظر: "فتح الباري" (9/ 650)، "مدونة الفقه المالكي وأدلته" (2/ 251 - 252). (¬4) (منها): ما أخرجه أحمد (3/ 356)، والبخاري رقم (5520)، ومسلم رقم (36/ 1941)، والنسائي رقم (4447)، وأبو داود رقم (3808)، والترمذي رقم (1793) عن جابر: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى يوم خيبر عن لحوم الحُمُر الأهلية وأذن في لحوم الخيل" وهو حديث صحيح. ومنها: ما أخرجه أحمد (6/ 345)، والبخاري رقم (5511)، ومسلم رقم (38/ 1942) عن أسماء بنت أبي بكر قالت: ذبحنا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرساً ونحن بالمدينة فأكلناه. وهو حديث صحيح. (¬5) في "السنن" رقم (3806) وهو حديث ضعيف.

وَحَرَامٌ عَلَيْكُمْ حُمُرُ الأَهْلِيَّةِ وَخَيْلُهَا وَبِغَالُها، وَكُلُّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ، وَكُلُّ ذِي مِخْلَبٍ مِنَ الطَّيْرِ". [ضعيف] المراد بالمعاهدين هنا: أهل الذمة. قوله: "ولأبي داود في أخرى" أي: عن خالد. "غزوت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم خيبر" قال الأئمة (¬1): هذا خطأ؛ لأنه لم يسلم خالد إلا بعد خيبر على الصحيح، والذي جزم به الأكثر أن إسلامه كان سنة الفتح. "فأتت اليهود إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فشكوا أن الناس قد أسرعوا إلى حظائرهم، فقال - صلى الله عليه وسلم -: لا تحل أموال المعاهدين إلا بحقها" أي: بما يوجبها، وهذا من موجبات نكارة الحديث، فإن أهل خيبر لم يكونوا حينئذ قد عوهدوا. "وحرام عليكم حمر الأهلية وخيلها وبغالها" ادّعى أبو داود (¬2) أنه منسوخ، ولم يبين ناسخه. قال النسائي (¬3): الأحاديث في الإباحة أصح، وهذا إن صح كان منسوخاً، نقله الحافظ (¬4) وقال: وكأنه - أي: النسائي - لما تعارض عنده الخبران ورأى في حديث خالد النهي وفي حديث جابر الإذن؛ حمل الإذن على نسخ التحريم. ¬

_ (¬1) قال الحافظ في "الفتح" (9/ 651): وتعقب بأنه شاذ منكر؛ لأن في سياقه أنه شهِدَ خيبر، وهو خطأ فإنه لم يسلم إلا بعدها على الصحيح، والذي جزم به الأكثر أن إسلامه كان سنة الفتح. (¬2) في "السنن" (4/ 152). (¬3) في "السنن" (7/ 204). (¬4) في "فتح الباري" (9/ 651).

قال (¬1): وفيه نظر؛ لأنه لا يلزم من كون النهي سابقاً على الإذن أن يكون إسلام خالد سابقاً على فتح خيبر، والأكثرون على خلافه. وقال الحازمي في كتاب "الناسخ والمنسوخ" (¬2): أنه ذهب قوم إلى نسخ التحريم للخيل، وتمسكوا بما ورد عن جابر (¬3) قال: "رخّص لنا في أكل الخيل على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونهينا عن أكل لحوم الحمر"، وفي لفظ: "وأذن في الخيل" (¬4). قالوا (¬5) [440 ب]: والرخصة تستدعي سابقية منع، وكذلك لفظ الإذن، وإذا ورد لفظ الإذن تبين أن الخطر متقدم والرخصة متأخرة فيتعين المصير إليها. وقال (¬6) آخرون ممن ذهب إلى جواز الأكل، والاعتماد على الأحاديث التي تدل على جواز الأكل لثبوتها وكثرة رواتها. وقد أطال الحازمي (¬7)، فمن أراد فلينظر فيه. "وكل ذي ناب من السباع، وكل ذي مخلب من الطير" تقدم ما يبيّنه. ¬

_ (¬1) قاله الحافظ في "الفتح" (9/ 651). (¬2) (ص 398 - 399). (¬3) تقدم وهو حديث صحيح. (¬4) تقدم وهو حديث صحيح. (¬5) ذكره الحازمي في "الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار" (ص 399). (¬6) ذكره الحازمي في "الاعتبار" (ص 399). (¬7) في "الاعتبار" (ص 398 - 301).

الباب الرابع: من الخمسة الأبواب في كتاب الأطعمة

الباب الرابع: من الخمسة الأبواب في كتاب الأطعمة (البَابُ الرَّابِعُ) من الخمسة الأبواب في كتاب الأطعمة فيما أكله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه من الأطعمة ومدحه "فِيْمَا أكَلَهُ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وَأَصْحَابِهِ مِنَ الأَطْعِمَةِ وَمَدْحِهِ". الأول: حديث جابر - رضي الله عنه -: 1 - عن جابر - رضي الله عنه -: أَنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - سَأَلَ أَهْلَهُ الأُدُمَ، فَقَالُوا: مَا عِنْدَنَا إِلَّا الخَلُّ فَدَعَا بِهِ، فَجَعَلَ يَأْكُلُ وَيَقُولُ: نِعْمَ الإِدَامُ الخَلُّ، نِعْمَ الإِدَامُ الخَلُّ، نِعْمَ الإِدَامُ الخَلُّ". أخرجه الخمسة (¬1) إلا البخاري. [صحيح] "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سأل أهله الأدم" جمع إدام. "فقالوا: ما عندنا إلا الخل" دل أنه يسمى إداماً. "فدعا به وجعل يأكل ويقول: نعم الإدام الخل، نعم الإدام الخل، نعم الإدام الخل" قال ابن القيم (¬2): أنه ينفع المعدة الملتهبة ويقطع العطش ويقمع الصفراء ويعين علي الهضم ويلطف الأغذية الغليظة. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم رقم (166/ 2052)، وأبو داود رقم (3820)، والترمذي رقم (1839)، والنسائي رقم (3796)، وابن ماجه رقم (3317). وأخرجه أحمد (3/ 301) وهو حديث صحيح. (¬2) في "زاد المعاد" (4/ 280 - 281) حيث قال: الخل: مركب من الحرارة، والبرودة, أغلبُ عليه, وهو يابس في الثالثة قويٌ التجفيف، يمنع من انصباب المواد، ويلطف الطبيعة, وخل الخمر ينفع المعدة الملتهبة ويعمعُ الصفراء، ويدفع ضرر الأدوية القتالة، ويُحلل اللبن والدم إذا جموا في الجوف, وينفع الطحال، ويدبغ المعدة, =

وتمام الحديث: قال جابر: فما إنَّه زلت أحب الخل مُذ سمعتها من نبي الله - صلى الله عليه وسلم -. قال طلحة بن نافع: فما زلت أحب الخل مذ سمعتها من جابر. قوله: "أخرجه الخمسة إلا البخاري". الثاني: 2 - وعن عمر وأبي أسيد - رضي الله عنهما - قالا: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "كُلُوا الزَّيْتَ وَادَّهِنُوا بِهِ، فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ". أخرجه الترمذي (¬1). [حسن] ¬

_ = ويعقلُ البطن، ويتقع العطش، ويمنع الورم حيث يُريد أن يحدث، ويعين على الهضم، ويضاد البلغم ويلطف الأغذية الغليظة ويُرق الدم. (¬1) في "السنن" رقم (1851). قال الترمذي: "لا نعرفه إلا من حديث عبد الرزاق عن معمر، وكان عبد الرزاق يضطرب في رواية هذا الحديث، فربما ذكر فيه: عن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وربما رواه على الشك، فقال: أحسبه عن عمر (الأصل: معمر) عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وربما قال: عن زيد بن أسلم، عن أبيه, عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحوه، ولم يذكر فيه: عن عمر". قلت: المحدث الألباني في "الصحيحة" (1/ القسم الثاني/ 725) -: ونحوه في "العلل" لابن أبي حاتم (2/ 15 - 16) عن أبيه, وهو أدق في بيان مراحل اضطراب عبد الرزاق فيه, قال: "حدث مرة عن زيد بن أسلم عن أبيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم -. هكذا رواه دهراً، ثم قال بعد: زيد بن أسلم عن أبيه أحسبه عن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ ثم لم يمت حتى جعله: عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بلا شك". قلت - المحدث الألباني -: وفيه إشعار بأن الصواب فيه مرسل، وهو ما صرح به ابن معين فيما روى عنه عباس الدوري في كتاب "التاريخ والعلل" ليحيى بن معين. قال: (23/ 2): "سمعت يحيى بن معين يقول: حديث معمر عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... (فذكره)، ليس هو بشيء إنما هو عن زيد مرسلاً". وأما الحاكم، فقال: صحيح على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي. وفي الباب من حديث أبي أسيد عند أحمد (3/ 497)، والحاكم (2/ 397 - 398)، والترمذي رقم (1852) وقال: هذا حديث غريب. =

حديث "عمر" بن الخطاب. "وأبي أسيد" بضم الهمزة, وهما صحابيان يسميان بأبي أسيد، أحدهما: أبو أسيد بن ثابت (¬1) الأنصاري، قيل: اسمه عبد الله، إلا أنه قال الدارقطني (¬2): الصحيح فيه فتح الهمزة. والثاني: أبو أسيد الساعدي بضم أوله مالك (¬3) بن ربيعة، ولعله المراد في الحديث. "قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: كلوا الزيت وادّهنوا به, فإنه من شجرة مباركة" كما وصفها الله بالبركة في سورة النور بقوله: {مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ} (¬4). قال الزمخشري (¬5): كثيرة المنافع [441 ب]، أو لأنها تنبت في الأرض التي بارك فيها للعالمين، وقيل: بارك فيها سبعون نبياً منهم إبراهيم - عليه السلام -. وعن النَّبي - صلى الله عليه وسلم -: "عليكم بهذه الشجرة زيت الزيتون فتداووا به, فإنه مصحّة من الناسور" (¬6). انتهى. ¬

_ = ومن حديث أبي هريرة عند ابن ماجه رقم (3320). وقال الألباني في "الصحيحة" (1/ القسم الثاني/ 727): "وجملة القول أن الحديث بمجموع طريقي عمر، وطريق أبي سعيد المقبري يرتقي إلى درجة الحسن لغيره, على أقل الأحول، والله أعلم". (¬1) ذكره الحافظ في "التقريب" (2/ 391 رقم 58). (¬2) ذكره الحافظ في "التقريب" (2/ 391 رقم 58). (¬3) انظر: "التقريب" (2/ 225 رقم 872). (¬4) سورة النور الآية: 35. (¬5) في "الكشاف" (4/ 306). (¬6) أخرجه الطبراني في "الكبير" (17/ 281 رقم 774)، وابن أبي حاتم في "العلل" (2/ 279 رقم 2338) وقال: "قال أبي: هذا حديث كذب" اهـ. وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (5/ 103): رواه الطبراني وفيه ابن لهيعة وحديث حسن وبقية رجاله رجال الصحيح، ولكن ذكر الذهبي هذا الحديث في ترجمة عثمان عن أبي صالح، ونقل عن أبي حاتم أنه كذاب

قوله: "أخرجه الترمذي". قلت: أخرج حديث عمر - رضي الله عنه - وقال (¬1): هذا حديث لا نعرفه إلا من حديث عبد الرزاق، وكان عبد الرزاق يضطرب في رواية هذا الحديث، فربما ذكر فيه عن عمر عن النَّبي - صلى الله عليه وسلم -، وربما رواه على الشك وقال (¬2): أُحبُّه عن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وربما قال: عن زيد بن أسلم عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلاً. ثم أخرج (¬3) حديث أبي أسيد مرفوعاً بلفظ: "كلوا من الزيت ... " الخ. ثم قال (¬4): هذا حديث غريب من هذا الوجه. قلت: وذلك أنه رواه عن عبد الله بن عيسى عن رجل يقال له عطاء من أهل الشام. انتهى. وهذا مجهول. الثالث: حديث أنس - رضي الله عنه -. 3 - وعن أنس - رضي الله عنه -: أَنَّ خَيَّاطًا دَعَا رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - لِطَعَامٍ صَنَعَهُ لَهُ، فَذَهَبْتُ مَعَهُ، فَقَرَّبَ خُبْزًا مِنْ شَعِيرٍ وَمَرَقًا فِيهِ دُبَّاءٌ وَقَدِيدٌ، فَرَأَيْتُهُ - صلى الله عليه وسلم - يَتَتَبَّعُ الدُّبَّاءَ مِنْ حَوَالَيِ القَصْعَةِ، فَلَمْ أَزَلْ أُحِبُّ الدُّبَّاءَ مِنْ يَوْمَئِذٍ. أخرجه الستة (¬5) إلا النسائي. [صحيح] ¬

_ (¬1) في "السنن" (4/ 285). (¬2) الترمذي في "السنن" (4/ 285). (¬3) الترمذي في "السنن" رقم (1852). (¬4) الترمذي في "السنن" (4/ 286). (¬5) البخاري في صحيحه رقم (2092)، وأطرافه: (5379, 5420، 5433, 5435، 5436، 5437، 5439)، ومسلم رقم (2041)، وأبو داود رقم (3782)، والترمذي رقم (1850، 1851)، ومالك في "الموطأ" (2/ 546 - 547) وهو حديث صحيح.

"القَدِيدُ": اللحم (¬1) المطبوخ الميبس. عقد له البخاري (¬2) ترجمة: باب من تتبع حوالي القصعة مع صاحبه إذا لم يعرف منه كراهيةً. قال الحافظ ابن حجر (¬3): أشار بهذه الترَجمة إلى الجمع بين حديث الأمر من أكل الآكل من ما يليه وأنه إذا كان يكره ذلك من يأكل معه. والترجمة الثانية (¬4): باب من أضاف رجلاً طعامٍ وأقبل هو على عمله. قال الحافظ (¬5): أشار بهذه الترجمة إلى أنه لا يتحتم على الداعي أن يأكل مع المدعو. "أنّ خيَّاطاً" قال الحافظ (¬6): لم أقف على اسمه، لكن في رواية ثمامة (¬7) عن أنس: "كان غلام النَّبي - صلى الله عليه وسلم - "، وفي لفظ (¬8): "أن مولى له خياطاً". "دعاه لطعام صنعه له" هو ثريد كما يأتي. "فذهبت معه فقرب خبزاً من شعير ومرقاً فيه دباء" بضم الدال المهملة وتشديد الموحدة ممدود ويجوز (¬9) القصر، وهو القرع اليابس (¬10) وهو اليقطين أيضاً، واحده دُبَّاءةٌ ودبَّة. ¬

_ (¬1) قال ابن الأثير في "غريب الجامع" (7/ 476) القديد: اللحم المملح اليابس. (¬2) في صحيحه (9/ 524 الباب رقم 4 - مع الفتح). (¬3) في "فتح الباري" (9/ 524). (¬4) في صحيحه (9/ 562 الباب رقم 35 - مع الفتح). (¬5) في "فتح الباري" (9/ 562). (¬6) في "فتح الباري" (9/ 525). (¬7) أخرجها البخاري في صحيحه رقم (5420). (¬8) أخرجها البخاري في صحيحه رقم (5433). (¬9) حكاه القزاز، كما في "فتح الباري" (9/ 525). (¬10) "انظر: "النهاية" (1/ 549)، "غريب الحديث" للهروي (2/ 180).

"وقديد" القديد [442 ب] اللحم المملوح المجفف في الشمس، فعيل بمعنى مفعول، قاله في "النهاية" (¬1). "فرأيته - صلى الله عليه وسلم - يتتبع الدباء من حوالي الصفحة" بفتح اللام وسكون التحتية، أي: جوانبها، يقال: رأيت الناس حوله وحواليه، واللام مفتوحة في الجميع ولا يجوز كسرها. ولفظ البخاري (¬2): "من حوالي القصعة". "فلم أزل أحب الدباء من يومئذ" وفي الحديث (¬3) جواز أكل الشريف من طعام من دونه من محترف وغيره، وإجابة دعوته, ومؤاكلة الخادم، وبيان ما كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - من التواضع واللطف بأصحابه ومعاهدتهم بالمجيء إلى منازلهم. وفيه (¬4): الإجابة إلى الطعام ولو كان قليلاً، وجواز ترك المضيف الأكل مع الضيف؛ لأن في رواية (¬5) عن أنس: "أن الخياط قدم لهم الطعام ثم أقبل على عمله". وجواز مناولة بعضهم بعضاً مما وضع بين أيديهم؛ لأن بها رواية مسلم (¬6) عن أنس: "فجعلت ألقيه - أي: الدباء - إليه ولا أطعمه". قوله: "أخرجه الستة إلا النسائي". ¬

_ (¬1) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 422). (¬2) في صحيحه رقم (5379). (¬3) ذكره الحافظ في "الفتح" (9/ 525)، والنووي في "شرح صحيح مسلم" (13/ 224). (¬4) ذكره الحافظ في "الفتح" (9/ 525 - 526). (¬5) أخرجها البخاري في صحيحه رقم (5420). (¬6) في صحيحه رقم (145/ 2041).

الرابع: حديث ابن عمر - رضي الله عنه -: 4 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: أُتِيَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بِجُبْنَةٍ فِي تَبُوكَ مِنْ عَمَلِ النَّصَارَى، فَدَعَا بِسِكِّينٍ فَسَمَّى وَقَطَعَ وَأَكَلَ. أخرجه أبو داود (¬1). [إسناده حسن] "قال: أتي" مغيّر صيغة. "رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بجبنة" واحده الجبن، وقال ابن الأثير (¬2): الجبنة أخص من الجبن، وهو الذي يؤكل. "في تبوك" متعلق بأتي. "من عمل النصارى" بيان للجبنة. "فدعا بسكين فسمى وقطع وأكل" دلَّ على حل أكل طعام أهل الكتاب، كما دل له قوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} (¬3). قوله: "أخرجه أبو داود" قال ابن الأثير (¬4): أخرجه أبو داود (¬5) إلى قوله: "وقطع". الخامس: 5 - وعن يوسف بن عبد الله بن سلام - رضي الله عنه - قال: أَخَذَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - كِسْرَةً مِنْ شَعِيرٍ، فَوَضَعَ عَلَيْهَا تَمْرَةً، وَقَالَ: "هَذِهِ إِدَامُ هَذِهِ". أخرجه أبو داود (¬6). [ضعيف] ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (3819) بإسناد حسن. (¬2) في "غريب الجامع" (7/ 477). (¬3) سورة المائدة الآية: 5. (¬4) في "الجامع" (7/ 477). (¬5) وهو كما قال ابن الأثير. (¬6) في "السنن" رقم (3259، 3830) وهو حديث ضعيف.

حديث "يوسف بن عبد الله بن سلام" الإسرائيلي المدني، أبو يعقوب صحابي صغير، قاله في "التقريب" (¬1). "قال: أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كسرة من شعير" أي: من خبزه. "فوضع عليها تمرة" كأن المراد: يأكلها بها. "وقال: هذه" أي: التمرة. "إدام هذه" أي: الكسرة. وفيه [443 ب] أنها تقاوم برد الشعير ويبسه؛ لأنه بارد يابس، والتمر حار رطب. قوله: "أخرجه أبو داود". السادس: حديث عائشة - رضي الله عنها -: 6 - وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَأْكُلُ البِطِّيخَ بِالرُّطَبِ وَيَقُولُ: "نَكْسِرُ حَرَّ هَذَا بِبَرْدِ هَذَا، وَبَرْدَ هَذَا بِحَرِّ هَذَا". أخرجه أبو داود (¬2) وهذا لفظه، والترمذي (¬3). [صحيح] "أنه كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأكل البطيخ" فاكهة معروفة. "بالرطب" مصحوباً أكله به. "ويقول: يكسر حر هذا" أي: الرطب. "برد هذا" أي: البطيخ، وفيه بيان للتداوي. قوله: "أخرجه أبو داود وهذا لفظه، والترمذي". قلت: وقال (¬4): هذا حديث حسن غريب. ¬

_ (¬1) (2/ 381 رقم 439). (¬2) في "السنن" رقم (3836). (¬3) في "السنن" رقم (1842) وهو حديث صحيح. (¬4) في "السنن" (4/ 280).

السابع: حديث عبد الله بن جعفر - رضي الله عنه -: 7 - وللشيخين (¬1) وأبي داود (¬2) عن عبد الله بن جعفر - رضي الله عنهما - قال: رَأَيْتُ رَسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَأْكُلُ القِثَّاءَ بِالرُّطَبِ. [صحيح] "قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأكل القثاء بالرطب" في لفظ البخاري (¬3): "يأكل الرطب بالقثاء". ووقع في الطبراني كيفية أكله لهما، فأخرج في "الأوسط" (¬4) عن عبد الله بن جعفر قال: "رأيت في يمين النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قثاء، وفي شماله رطباً وهو يأكل من ذا مرةً ومن ذا مرة" وفي إسناده ضعف. قال النووي (¬5): في الحديث جواز أكل الشيئين من الفاكهة وغيرها معاً. ويؤخذ منه جواز التوسع في المطاعم، ولا خلاف بين العلماء في جواز ذلك. وقال القرطبي (¬6): يؤخذ منه جواز مراعاة صفات الأطعمة وطبائعها واستعمالها على الوجه اللائق بها على قاعدة الطب؛ لأن في الرطب حرارة وفي القثاء برودة، فإذا أكلا معاً اعتدلا. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (5440)، وأطرافه رقم (5447، 5449)، ومسلم رقم (2043). (¬2) في "السنن" رقم (3835). وأخرجه الترمذي رقم (1844)، وابن ماجه رقم (3325) وهو حديث صحيح. (¬3) في صحيحه رقم (5440). (¬4) رقم (7907) وقال الحافظ في "الفتح" (9/ 573) وفي سنده ضعف. (¬5) في "شرحه لصحيح مسلم" (13/ 227). (¬6) في "المفهم" (5/ 317).

وهذا أصل كبير في المركبات من الأدوية، وترجم أبو نعيم في "الطب" (¬1) لهذا الحديث: باب الأشياء التي تؤكل مع الرطب ليذهب ضرره، [وهذا هو الذي أخرجه الشيخان والنسائي] (¬2). الثامن: حديث عائشة: 8 - ولأبي داود (¬3) عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: أَرَادَتْ أُمِّي أَنْ تُسَمِّنَنِي لِدُخُولِي عَلَى رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمْ أَقْبَلْ عَلَيْهَا بِشيءٍ مِما تُرِيدُ، حَتَّى أَطْعَمَتْنِي القِثَّاءَ بِالرُّطَبِ، فَسَمِنْتُ عَلَيْهِ كَأَحْسَنِ السَّمْنِ. [صحيح] وهو قوله: "ولأبي داود عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: أرادت أمي أن تُسمِّنني" أي: تصيرني سمينة. "لدخولي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم أقبل عليها [444 ب] بشيء مما تريد" كأنها عافت كل ما أرادت أمها أن تستعمله. "حتى أطعمتني القثاء بالرطب" وهو بارد رطب في [التانية] (¬4)، يسكن العطش واللهيب وحرارة المعدة والكبد، وفيه منافع واسع. "فسمنت" سمن كسمع سمانة بالفتح، وسِمَنا كعنب فهو سامن وسمين، "قاموس" (¬5). ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (9/ 573). (¬2) كذا في "المخطوط" والذي في "الفتح": فساق هذا الحديث لكن لم يذكر الزيادة التي ترجم بها، وهي عند أبي داود في حديث عائشة بلفظ: "كان يأكل البطيخ بالرطب فيقول حر هذا ببرد هذا وبرد هذا بحر هذا" - وقد تقدم. (¬3) في "السنن" (3903)، وأخرجه ابن ماجه رقم (3324) وهو حديث صحيح. (¬4) كذا رسمت في "المخطوط" غير مقروءة. (¬5) "القاموس المحيط" (ص 1557).

"كأحسن السمن". التاسع: 9 - وعن ابني بسر السُّلميِّينَ - رضي الله عنهما - قالا: دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فقَدَّمْنَا إِلَيْهِ زُبْدًا وَتَمْرًا، وَكَانَ يُحِبُّ الزُّبْدَ وَالتَّمْرَ. أخرجه أبو داود (¬1). [صحيح] حديث "ابني بسر" تثنية ابن، وهما عبد الله (¬2) وعطية (¬3) "السُّلميين". "قالا: دخل علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقدّمنا إليه زبداً وتمراً، وكان يحب الزبد والتمر" فيأكل التمر بالزبد، والزبد هو المأخوذ من اللبن بالمخض الكثير، وأجوده الطري المأخوذ من لبن الضأن، ويليه البقر ولم يمس بملح ولم يطل زمانه وهو حار في الأولى إجماعاً، رطب يسمن تسميناً عظيماً، طلاءً وحده وأكلاً بالسكر والخشخاش واللوز وفوائده واسعة. قوله: "أخرجه أبو داود". العاشر: حديث عائشة - رضي الله عنها -: 10 - وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كَانَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - يُحِبُّ الحَلْوَى وَالعَسَلَ. أخرجه الترمذي (¬4). [صحيح] "قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحب الحلوى والعسل". ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (383) وهو حديث صحيح. (¬2) انظر: "التقريب" (1/ 404 رقم 204). (¬3) "التقريب" (2/ 24 رقم 213). (¬4) في "السنن" رقم (1831). وأخرجه البخاري في صحيحه رقم (4912، 5268)، ومسلم رقم (1474)، وأبو داود رقم (3715)، وابن ماجه رقم (3323) وهو حديث صحيح.

الحلوى مقصور وممدود لغتان، عند الأصمعي (¬1) بالقصر فتكتب بالياء، وعند الفراء (¬2) بالمد فتكتب بالألف. قال ابن بطال (¬3): الحلوى والعسل من جملة الطيبات المذكورة في قوله تعالى: {كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ} (¬4) وفيه تقوية لقول من قال: المراد بها المستلذة من المباحات، ودخل في معنى الحديث كل ما يشابه الحلوى والعسل من أنواع المآكل اللذيذة كما تقدم. وقال ابن العربي (¬5): الحلاوة محبوبة لملائمتها للنفس والبدن، ويختلف الناس في أنواع المحبوب منها، وكان عبد الله بن عمر يتصدق بالسكر ويقول: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} (¬6)، وإنِّي أحبُّه. قوله: "أخرجه الترمذي". قلت: وقال (¬7): حسن صحيح غريب. الحادي عشر: حديث ابن عباس - رضي الله عنه -. 11 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: كَانَ أَحَبُّ الطَّعَامِ إِلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - الثَّرِيدَ مِنَ الخُبْزِ، وَالثَّرِيدَ مِنَ الحَيْسِ. أخرجه أبو داود (¬8). [ضعيف] ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (9/ 557). (¬2) ذكره الحافظ في "الفتح" (9/ 557). (¬3) في "شرحه لصحيح البخاري" (9/ 494). (¬4) سورة المؤمنون الآية: 51. (¬5) في "عارضة الأحوذي" (8/ 27). (¬6) سورة آل عمران الآية: 92. (¬7) في "السنن" (4/ 274). (¬8) في "السنن" رقم (3783) وهو حديث ضعيف، والله أعلم.

"الحَيْسُ" (¬1): طعام يخلط من سمن وتمر وأقط، وقد يجعل عوض الأقط دقيق أو فتيت. "كان أحب الطعام [445 ب] إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الثريد من الخبز" هو الذي أراده من قال: إِذَا مَا الخُبْزُ تَأدُمهِ بِلَحْمٍ ... فَذَاكَ أَمَانَةُ الله الثَّرِيْدِ "والثريد من الحيس" بالمهملتين أوله وآخره بينهما مثناة تحتية. في "القاموس" (¬2): أنه تمر يخلط بسمن وأقطٍ، فيعجن شديداً، ثم يُنْدَرُ منه نواه, وربما جُعل فيه سويق. انتهى. وقد ألمَّ به المصنف. قوله: "أخرجه أبو داود". الثاني عشر: حديث عبد الله المزني - رضي الله عنه -: 12 - وعن عبد الله المزني - رضي الله عنه - قال: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا اشْتَرَى أَحَدُكُمْ لَحمًا فَلْيُكْثِرْ مَرَقَتَهُ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ لَحمًا أَصَابَ مَرَقَاً وَهُوَ أَحَدُ اللَّحْمَيْنِ". أخرجه الترمذي (¬3). [ضعيف] "قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إذا اشترى أحدكم لحماً فليكثر مرقته فإن لم يجد لحماً أصاب مرقاً" لفظه في الترمذي (¬4): "مرقه". ¬

_ (¬1) قاله ابن الأثير في "غريب الجامع" (7/ 481). (¬2) "القاموس المحيط" (ص 696). (¬3) في "السنن" رقم (1832) وهو حديث ضعيف. ويغني عن الضعيف، حديث أبي ذر - رضي الله عنه - وسيأتي. (¬4) في "السنن" رقم (1832).

"وهو أحد اللحمين" سمّى المرق لحماً مجازاً؛ لأنه مجاور للحم ومعتصرٌ منه مثل تسمية العصير خمراً في الآية وان كان هذا من باب مجاز الأول، وفيه: الإرشاد إلى التنويع والاكتفاء بأدنى الأشياء مما يكون إداماً. قوله: "أخرجه الترمذي". قلت: وقال (¬1): هذا غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث محمَّد بن فضاء. انتهى. وفي "التقريب" (¬2): محمَّد بن فضاء بفتح الفاء والضاد المعجمة من المد، الأزدي أبو بحر البصري ضعيف. انتهى. ثم ذكر أبو عيسى (¬3) حديث أبي ذر وفيه: "إذا اشتريت لحماً أو طبخت قدراً فأكثر مرقته واغرف لجارك" وقال (¬4): إنه حسن صحيح. الثالث عشر: حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: 13 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: أُتِيَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - بِلَحْمٍ، فَرُفِعَ إِلَيْهِ الذَّرَاعُ وَكَانَتْ تُعْجِبُهُ، فَنَهَسَ مِنْهَا. أخرجه الترمذي (¬5). [صحيح] "النَّهْسُ" (¬6) بمهملة ومعجمة: الأكل بمقدم الأسنان، وقيل: إنه بالمعجمة: الأكل بالأضراس. ¬

_ (¬1) في "السنن" (4/ 274). (¬2) (2/ 200 رقم 624). (¬3) في "السنن" (4/ 274 رقم 1833). وأخرجه مسلم في صحيحه رقم (2625، 2626) وهو حديث صحيح. (¬4) الترمذي في "السنن" (4/ 275). (¬5) في "السنن" رقم (1837) وهو حديث صحيح. (¬6) "النهاية في غريب الحديث" (2/ 801) وقال النَّهْشُ: الأخذ بجميعها. =

"قال: أُتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلحم فرفع إليه الذراع وكان يعجبه" الذراع. "فنهس منه" ذكر المصنف أنه بالمهملة والمعجمة, وقد تقدم ضبطه. قوله: "أخرجه الترمذي". قلت: وقال (¬1): حسن صحيح. الرابع عشر: حديث ابن مسعود - رضي الله عنه -: 14 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - تُعْجِبُهُ الذِّرَاعُ، وَسُمَّ في الذِّرَاعِ، وَكَانَ يَرَى أَنَّ اليَهُودَ سَمُّوهُ. أخرجه أبو داود (¬2). [صحيح] "قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعجبه الذراع، وسُمَّ في الذراع، وكان يرى" بفتح حرف المضارعة، أي: ينعت. "أن اليهود سمّوه" [446 ب] إشارة إلى القصة المعروفة والمعجزة النبوية، وملخصها (¬3): أنه خرج - صلى الله عليه وسلم - في سنة سبع من الهجرة إلى خيبر، وأن زينب بنت الحارث امرأة سلام بن مشكم اليهودية جعلت في شاة طبختها سماً قاتلاً لوقته؛ لأنها سألت اليهود في سموم فأجمعوا لها على هذا السم بعينه، فسمت الشاة جميعها وأكثرت منه في الذراع لما قيل أنه - صلى الله عليه وسلم - يحبه. ¬

_ = وانظر: "المجموع المغيث" (3/ 368). (¬1) في "السنن" (4/ 278). (¬2) في "السنن" رقم (3781) وهو حديث صحيح. وأخرج البخاري في صحيحه رقم (3340)، ومسلم رقم (194)، والترمذي رقم (1837، 2434) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، وفيه: "أتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلحم فرفع إليه الذراع فأكله وكانت تعجبه، فنهس منا نهسة ... " وهو حديث صحيح. (¬3) وانظر: "السيرة النبوية" (3/ 470 - 471).

وفي "صحيح البخاري" (¬1): أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما علم أن فيها سماً قال: "اجمعوا إليَّ من ها هنا من اليهود" فجمعوا، فسألهم عن أشياء ثم قال لهم: "هل جعلتم في هذه الشاة سماً؟ " قالوا: نعم. قال: "ما حملكم عليه؟ " قالوا: إن كنت كذاباً استرحنا منك، أو نبياً لم يضرك. وروى أبو داود (¬2): أنها سمّت شاة مصلية ثم أهدتها إليه - صلى الله عليه وسلم - فأكل منها وأكل رهط من أصحابه، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "ارفعوا أيديكم" فأرسل إلى اليهودية فقال: "سممتِ هذه الشاة؟ " قالت: من أخبرك؟ قال: "أخبرتني هذه الذراع". والقصة مستوفاة في كتب السيرة (¬3)، وإليها أشار في الهمزية قائلها بقوله: ثمَّ سمّت له اليهودية الشا ... ة وكم سام القوة الأشقياء فأذاع الذراع ما فيه من شـ ... ـرٍ بنطق إبداؤه إخفاء قوله: "أخرجه أبو داود". الخامس عشر: حديث سهل بن سعد - رضي الله عنه -: 15 - وعن سهل بن سعد - رضي الله عنه - قال: كُنَّا نَفْرَحُ بِيَوْمِ الجُمُعَةِ، كَانَتْ لَنَا عَجُوزٌ تَأْخُذُ أُصُولِ السَّلْقِ فَتَطْرَحُهُ في القِدْرِ، وَتُكَرْكِرُ عَلَيْهِ حَبَّاتٍ مِنْ شَعِيرٍ، وَالله مَا فِيهِ شَحْمٌ وَلاَ وَدَكٌ، فَإِذَا صَلَّيْنَا الجُمُعَةَ انْصَرَفْنَا، فَنُسَلِّمُ عَلَيْهَا فَتُقَدِّمُهُ لَنَا، وَكُنَّا نَفْرَحُ بِيَوْمِ الجُمُعَةِ مِنْ أَجْلِهِ. أخرجه الشيخان (¬4). [صحيح] "تُكَرْكِرُ": أي تطحن. ¬

_ (¬1) في صحيحه رقم (3169) وطرفاه (4249، 5777). (¬2) في "السنن" رقم (4512) بإسناد حسن. (¬3) "السيرة النبوية" (3/ 470 - 471). (¬4) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (938) وأطرافه (939، 941، 2349، 5403، 6248، 6279)، ومسلم رقم (859، 860).

"قال: كنا نفرح بيوم الجمعة" ثم بين وجه الفرح بقوله: "قال: كانت لنا عجوز تأخذ أصول السلق" في "القاموس" (¬1): سلق بالكسر وكعنب [وكأميرٍ] (¬2) ما تحاتَّ من صغار الشجر. "فتطرحه في القدر" آلة الطبخ. "وتكركر عليه حبات من الشعير" أي: تطحنه. "والله ما فيه شحم ولا ودَك" أي: ليس فيه شيء من الدسومة. "فإذا صلينا الجمعة انصرفنا فنسلم عليها فتقدمه لنا، وكنَّا نفرح بيوم الجمعة من أجله" لأنهم كانوا في أول الأمر في شدة وحاجة يفرحون باليسير من مأكول ومشروب. قوله: "أخرجه الشيخان". السادس عشر: حديث جابر - رضي الله عنه -: 16 - وعن جابر - رضي الله عنه - قال: لَقَدْ رَأَيْتُنَا مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - بِمَرِّ الظَّهْرَانِ نَجْنِي الكَبَاثَ، وَهُوَ ثَمَرُ الأرَاكِ. وَيَقُولُ: عَلَيْكُمْ بِالأَسْوَدِ مِنْهُ، فَإِنَّهُ أَطْيَبُ، فَقُلْتُ: أَكُنْتَ تَرْعَى الغَنَمَ؟ فَقَالَ: "وَهَلْ مِنْ نَبِيًّ إِلَّا رَعَاهَا". أخرجه الشيخان (¬3). [صحيح] "قال: لقد رأيتنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمر" بفتح الميم وتشديد الراء اسم قرية. و"الظهران" تثنية ظهر (¬4)، اسم وادٍ بين عسفان ومكة، أضيفت القرية [447 ب] إليه. ¬

_ (¬1) "القاموس المحيط" (ص 1155). (¬2) قال ابن الأثير في "غريب الجامع" (7/ 485) كركرت الشعير ونحوه: إذا طحنته، سُميَ بذلك لترديد الرَّحى على الطحق، والتكرير: الترديد. وانظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 534). (¬3) أخرجه البخاري رقم (3406، 5453)، ومسلم رقم (163/ 2050). (¬4) ذكره الحافظ في "الفتح" (9/ 576).

"نجني" نقتطف. "الكَبَاث" بفتح الكاف وتخفيف الموحدة وهو ثمر الأراك. وقال ابن التين (¬1): ليس بصحيح، والذي في كتب اللغة (¬2): ثمر الأراك وهي أحد ألفاظ رواة البخاري (¬3). "ويقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: عليكم بالأسود منه فإنه أطيب". وقع في البخاري (¬4): "أيطبُ" قال ابن حجر (¬5): كذا وقع هنا وهو لغة بمعنى أطيب، وهو مقلوبه كما يقال: جذب وجبذ. انتهى. قال ابن القيم (¬6): الكَبَاث حار يابس ومنافعة كمنافع الأراك: يقوي المعدة، ويجيد الهضم، ويحلل البلغم، وينفع من أوجاع الظهر، وكثير من الأدواء. انتهى. "فقيل: أكنت ترعى الغنم" في السؤال اختصار، والتقدير: أكنت ترعى الغنم حتى عرفت أطيب الكباث؟ لأن راعي الغنم يكثر تردده تحت الأشجار، ولطلب المرعى منها والاستظلال تحتها. ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (9/ 576). (¬2) قال الفيروز آبادي في "القاموس المحيط" (ص 223): الكَباث كسحاب، النضيح من تمر الآراك. (¬3) ذكره الحافظ في "الفتح" (9/ 576) حيث قال: قال شيخنا ابن الملقن: والذي رأيناه من "نسخ الباري": "وهو تمر الأراك" على الصواب. (¬4) في صحيحه رقم (5453). (¬5) في "الفتح" (9/ 576). (¬6) في "زاد المعاد" (4/ 335).

الباب الخامس: في أطعمة مضافة إلى أسبابها

"فقال: وهل من نبي إلا رعاها" قال موسى لربه: {وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي} (¬1) وحكى الله استئجار (¬2) شعيب - عليه السلام - له بمرعى غنمه. قالوا: والحكمة في أن الأنبياء - عليهم السلام - ترعى الغنم أنها تعلم سياسة الأمة التي يبعث إليها فترفق بها، وتدلها على منافعها، وتأتي برضاها، وتجري بها كل ما فيه رفق. قوله: "أخرجه الشيخان". الباب الخامس: في أطعمة مضافة إلى أسبابها (البَابُ الخَامِس) (فيْ أَطْعِمَةٍ مَضَافَةٍ إِلَى أسْبَابِهَا) أي: أضافها الشارع إلى ما جعله سبباً لها. طعام الدعوة " طَعَامُ الدَّعوَةِ" هي بفتح المهملة وبضم الحلفة، وفي "الصحاح" (¬3): الدعوة بالضم ما يدعى إليه من الطعام وغيره، وذكره قطرب في مثلثته. الأول: حديث ابن عمر - رضي الله عنه -. 1 - عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَجِيبُوا هَذِهِ الدَّعْوَةَ إِذَا دُعِيتُمْ" وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَأْتِي الدَّعْوَةَ فِي العُرْسِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ صَائِمٌ. أخرجه الخمسة (¬4) إلا النسائي. [صحيح] "قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أجيبوا هذه الدعوة" إشارة إلى جنس الدعوة. ¬

_ (¬1) سورة طه الآية: 18. (¬2) انظر: سورة القصص الآيات: [25 - 28]. (¬3) للجوهري (6/ 2336). (¬4) أخرجه البخاري رقم (5179)، ومسلم رقم (103/ 1429)، وأبو داود رقم (3736، 3737، 3738، 3739)، والترمذي رقم (1098) وهو حديث صحيح.

وقال الحافظ ابن حجر (¬1): يحتمل أن تكون للعهد، والمراد: وليمة العرس، ويؤيده رواية ابن عمر الأخرى: "إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها" (¬2) وقد تقرر أن الحديث الواحد إذا تعددت ألفاظه وأمكن حمل بعضها على بعض تعيّن ذلك. انتهى. قلت: وابن عمر حمله على الأول كما دلَّ له قوله: "فكان" القائل، وكان هو نافع. "ابن عمر يأتي الدعوة في العرس وغيره" ويؤيده حديث [448 ب] مسلم (¬3) وأبي داود (¬4) عن نافع عن ابن عمر: "إذا دعا أحدكم أخاه فليجب عرساً أو نحوه" وقد أخذ بعض الشافعية (¬5) منه وجوب الإجابة إلى الدعوة مطلقاً شرطه، وزعم ابن حزم (¬6) أنه قول جمهور الصحابة والسابقين، وجزم بعدم الوجوب في غير وليمة النكاح المالكية (¬7) والحنفية (¬8) والحنابلة (¬9) وجمهور الشافعية (¬10). ¬

_ (¬1) في "فتح الباري" (9/ 246). (¬2) أخرجها البخاري رقم (5173). (¬3) في صحيحه رقم (98/ 1429). (¬4) في "السنن" رقم (3736) وهو حديث صحيح. (¬5) "روضة الطالبين" (7/ 333)، "البيان" للعمراني (9/ 482). (¬6) "المحلى" (9/ 450). (¬7) "عيون المجالس" (3/ 1180)، "التمهيد" (11/ 145 - الفاروق). (¬8) "مختصر الطحاوي" (ص 189). (¬9) "المغني" (10/ 193)، "الإنصاف" (8/ 316 - 318). (¬10) "البيان" (9/ 482).

ولفظ الشافعي (¬1): إتيان دعوة الوليمة حق والوليمة التي تعرف وليمة العرس، وكل دعوة دعي إليها رجل وليمة فلا أرخص لأحد في تركها، ولو تركها لم يتبين لي أنه عاصٍ في تركها كما تبين لي في وليمة العرس. انتهى. "وهو صائم" عملاً بآخر حديثه هذا عند أبي داود فلفظه: "فإن كان مفطراً فليطعم، وإن كان صائماً فليدع". قالوا: وعرف من قوله: "فليدعُ" حصول المقصود من الإجابة بذلك، وأن المدعو لا يجب عليه الأكل. وفي الحضور (¬2) فوائد أخرى مقصودة كالتبرك بالمدعو والتجمل به والانتفاع بإشارته والصيانة عما لا يحصل به الصيانة لو لم يحضر، وأخذ من ذلك أن الصوم ليس بعذر في ترك الإجابة. قوله: "أخرجه الخمسة إلا النسائي". ومن أدلة الوجوب: وفي أخرى لأبي داود (¬3): "مَنْ دُعِيَ وَلَمْ يُجِبْ فَقَدْ عَصَى الله وَرَسُولَهُ، وَمَنْ دَخَلَ عَلَى غَيْرِ دَعْوَةٍ دَخَلَ سَارِقًا وَخَرَجَ مُغِيِّراً". [ضعيف] "المُغَيَّرُ" (¬4): الناهب. "رواية أبي داود" عن ابن عمر. ¬

_ (¬1) انظر: "المهذب" (4/ 224). (¬2) انظر: "فتح الباري" (9/ 247). (¬3) في "السنن" رقم (3741) وهو حديث ضعيف. (¬4) قال ابن الأثير في "غريب الجامع" (7/ 487) المُغيرُ: الذي ينهبُ الناس، شبه خروج هذا الأكل من طعام لم يدع إليه، كمن أغار على قوم ونهبهم، وكذلك شبه في دخوله عليهم بالسارق.

"من دعي ولم يجب فقد عصى الله ورسوله" وظاهره عموم كل دعوة. "ومن دخل على [غير] (¬1) دعوة دخل سارقاً" لما يأكله آثماً إثم السارق. "وخرج مغيراً" لتغييره الطعام الذي لم يدع إليه وتغييره بقلب صاحب البيت، وهذا هو الذي يسمى الطفيلي. قال الخطيب (¬2): أنه نسبة إلى رجل كان يقال له طفيل من بني عبد الله بن غطفان كثر منه الإتيان إلى الولائم بغيره دعوة فسمِّي "طفيل العرائس"، ثم سمِّي من اتصف بصفته طفيلياً، وكانت العرب تسميه الوراش بشين معجمة، ويقال لمن يتبع المدعو من بغير دعوة "ضيفن" بزيادة نون، واستدل به على أن الطفيلي يأكل حراماً. قوله: "أخرجه أبو داود" قال الحافظ ابن حجر (¬3): إنه حديث ضعيف. الثاني: 2 - وعن حميد بن عبد الرحمن الحميري عن رجل من أصحاب رَسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: قَالَ رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا اجْتَمَعَ دَاعِيَان فَأَجِبْ أَقْرَبَهُمَا بَابًا، فَإِنَّ أَقْرَبُهُمَا بَابًا أَقْرَبُهُمَا جِوَارًا، وَإِنْ سَبَقَ أَحَدُهُمَا فَأَجِبْ الَّذِي سَبَقَ". أخرجه أبو داود (¬4). [حسن] حديث "حميد بن عبد الرحمن الحميري" في "التقريب" (¬5): ثقة فقيه. ¬

_ (¬1) سقطت من (أ). (¬2) ذكره الحافظ في "الفتح" (9/ 560). (¬3) انظر: "فتح الباري" (9/ 244 - 245). (¬4) في "السنن" رقم (3756). وأخرجه أحمد (5/ 408)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (7/ 275) وهو حديث حسن. (¬5) (1/ 203 رقم 605).

"عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: قال رسول الله [449 ب]: إذا اجتمع داعيان" في حين. "فأجب أقربهما باباً، فإن أقربهما باباً أقربهما جواراً، وإن سبق أحدهما" ولم يجتمعا. "فأجب الذي سبق" بالدعوة ولو كانا في حين واحد. قوله: "أخرجه أبو داود". قلت: ولا يضر جهالة الرجل بعد علم كونه صحابياً؛ لما يقرره المحدثون أن الأصل في الصحابة أنهم كلهم عدول. الثالث: حديث أبي مسعود الأنصاري - رضي الله عنه -: 3 - وعن أبي مسعود الأنصاري - رضي الله عنه - قال: كَانَ رَجُلٌ مِنْ الأْنصَارِ يُقَالُ لَهُ أَبُو شُعَيْبٍ، وَكَانَ لَهُ غُلَامٌ لَحَّامٌ، فَرَأَى النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَعَرَفَ في وَجْهِهِ الجُوْعَ، فَقَالَ لِغُلاَمِهِ: وَيْحَكَ! اصْنَعْ لَنَا طَعَامًا لِخمْسَةِ نَفَرٍ، فَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَدْعُوَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - خَامِسَ خَمْسَةٍ, فَدَعَا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - خَامِسَ خَمْسَةٍ, فَاتَّبَعَهُمْ رَجُلٌ، فَلمَّا بَلَغَ البَابَ قَالَ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ هَذَا اتَّبَعَنَا، فَإِنْ شِئْتَ تَأْذَنَ لَهُ وَإِنْ شِئْتَ رَجَعَ" قَالَ: بَلْ آذَنُ لَهُ يَا رَسُولَ الله. أخرجه الشيخان (¬1) والترمذي (¬2). [صحيح] بوب البخاري لهذا الحديث: باب الرجل يتكلف الطعام لإخوانه. "قال: كان في الأنصار رجل يقال له: أبو شعيب" قال ابن حجر: لم أقف على اسمه. "وكان له غلام لحام"، وفي رواية: "قصاب". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (2081، 2456، 5434، 5461)، ومسلم رقم (138/ 2036). (¬2) في "السنن" رقم (1099). وهو حديث صحيح.

"فقال له: اصنع لنا طعاماً أدعو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خامس خمسة" يقال: خامس خمسة وخامس أربعة بمعنى، أي: أحدهم، والأجود (¬1) نصب خامس على الحال، ويجوز الرفع على تقدير حذف وهو خامس خمسة, والمراد: فصنع الطعام. "فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خامس خمسة فأتبعهم رجل" أي: لم يدعه صاحب الطعام. "فلما بلغ الباب" باب صاحب الطعام. "قال - صلى الله عليه وسلم -: إن هذا اتبعنا، فإن شئت" يا صاحب الطعام. "تأذن له، وإن شئت رجع، قال: بل آذن له يا رسول الله" في الحديث (¬2): جواز الاكتساب بصنعة الجزارة، واستعمال العبد فيما يطيق له من الصنائع، وانتفاعه بكسبه منها. وفيه: مشروعية الضياف، وتأكيد استحبابها لمن غلبت حاجته لذلك؛ لأن في الحديث: "إني عرفت الجوع في وجهه" (¬3) وأنه - صلى الله عليه وسلم - كان يجوع أحياناً. وفيه: إجابة الإمام والشريف الكبير [دعوة] (¬4). وفيه: أن من تطفّل كان لصاحب الدعوة الاختيار في حرمانه، فإن دخل بغير إذنه كان له حرمانه، ومن قصد التطفل لا يمنع ابتداء؛ لأن الرجل تبع النَّبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يرده لاحتمال أن تطيب نفس صاحب الدعوة بالإذن له. قال الحافظ ابن حجر (¬5): وينبغي أن يكون هذا الحديث أصلاً في جواز التطفل. ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (9/ 560). (¬2) انظر: "فوائد الحديث في فتح الباري" (9/ 560). (¬3) انظر: "فتح الباري" (9/ 583). (¬4) كذا في "المخطوط" والذي في "الفتح": دعوة من دونهم وأكلهم طعام ذي الحرفة غير الرفيعة كالجزار. (¬5) في "الفتح" (9/ 560).

الرابع: حديث أنس - رضي الله عنه -. [450 ب]: 5 - وعن أنس - رضي الله عنه -: أَنَّ جَارًا لِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فَارِسِيًّا كَانَ طَيِّبَ الَمَرقِ، فَصَنَعَ لِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - طَعَاماً، ثُمَّ جَاءَ يَدْعُوهُ، فَقَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "وَهَذِهِ؟ " لِعَائِشَةَ. فَقَالَ: لاَ. فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - "لاَ" فَعَادَ يَدْعُوهُ، فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "وَهَذِه؟ " فَقَالَ: لاَ. فَقَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - "لاَ" ثُمَّ عَادَ يَدْعُوهُ، فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "وَهَذِه؟ " قَالَ: نعم. فَقَامَا يَتَدَافَعَانِ حَتَّى أَتَيَا مَنْزِلَهُ. أخرجه مسلم (¬1) والنسائي (¬2). [صحيح] "أن جاراً لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فارسياً" نسبة إلى فارس، ولم يعرف اسمه. "وكان طيب المرق" يحسن صنعه. "فصنع لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - طعاماً ثم جاء يدعوه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: وهذه" أي: ادعه معي. "يعني: عائشة. قال: لا" أي: لا أدعوها. "قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا" أي: لا أجيب الدعوة. "ثم جاء يدعوه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: وهذه؟ قال: لا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا، ثم عاد في الثالثة" أي: يدعوه. "فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: وهذه؟ قال: نعم، فقاما" أي: رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعائشة. "يتدافعان إلى منزله" كأن المراد: مستدفعان إليه. ¬

_ (¬1) في صحيحه رقم (2037). (¬2) في "السنن" (6/ 158).

أخذ من الحديث (¬1) الأول من قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إن شئت أذنت له ... " إلخ أنه لا يمتنع المدعو إذا امتنع الداعي من الإذن لبعض من صحبه، وهذا الحديث عارضه، فإنه لما لم يأذن الفارسي لعائشة لم يجبه - صلى الله عليه وسلم -. وأجيب (¬2) عنه: بأن الدعوة لم تكن لوليمة، وإنما صنع الفارسي طعاماً بقدر ما يكفي الواحد، فخشي إن أذن لعائشة أن لا يكفي النَّبي - صلى الله عليه وسلم -. ويحتمل أن يكون الفرق: أن عائشة كانت حاضرة عند الدعوة، بخلاف الرجل الذي أتبع النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الأول. وأيضاً (¬3): فالمستحب للداعي أن يدعو خواص المدعو معه كما فعل صاحب الغلام اللحام، بخلاف الفارسي، فلذلك امتنع من الإجابة إلا أن يدعوها، وخيّر الداعي في الرجل الذي طرأ. أو علم حاجة عائشة، أو أحبَّ أن تأكل معه منه؛ لأنه كان موصوفاً بالجودة، ولم يعمل مثله في قصة اللَّحام (¬4). ¬

_ (¬1) انظر: "شرح صحيح مسلم" للنووي (13/ 208)، "فتح الباري" (9/ 561). (¬2) ذكره الحافظ في "الفتح" (9/ 561). (¬3) ذكره الحافظ في "الفتح" (9/ 561). وقال النووي في "شرحه لصحيح مسلم" (13/ 209) وهي قضية أخرى فمحمول على أنه كان هناك عذر يمنع وجوب إجابة الدعوة, فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - مخيراً بين إجابته وتركها، فاختار أحد الجائزين وهو تركها إلا أن يأذن لعائشة معه لما كان من الجوع أو نحو، فكره - صلى الله عليه وسلم - الاختصاص بالطعام دونها، وهذا من جميل الماشرة وحقوق المصاحبة وآداب المجالسة المؤكدة، فلما أذن لها اختار النبي - صلى الله عليه وسلم - الجائز الآخر لتجدد المصلحة وحصول ما كان يريده من إكرام جليسة وإيفاء حق معاشرته فيما يحصل. (¬4) ذكره الحافظ في "الفتح" (9/ 561).

الوليمة

وأورد عليه قصة ضيافة أبي طلحة، حيث دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال لمن معه: "قوموا". ومثله قصة ضيافة جابر يوم الخندق، فأجاب المازردي (¬1): بأنه يحتمل أن يكون - صلى الله عليه وسلم - علم رضا أبي طلحة فلم يستأذنه، بخلاف قصة صاحب اللحام فلم يعلم رضاه فاستأذنه، وكان الذي أكله القوم [451 ب] عند أبي طلحة كان مما خرق الله فيه العادة لرسوله - صلى الله عليه وسلم -، فكان أكثر ما أكلوه من البركة التي لا صنيع لأبي طلحة فيها، فلم يفتقر إلى استئذانه. أو لأن أبا طلحة صنع الطعام لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيتصرف فيه كيف أراد، وصاحب اللحام صنعه له - صلى الله عليه وسلم - ولمن عيّنه معه من الخمسة (¬2). قوله: "أخرجه مسلم والنسائي". الوليمة " الوَلِيْمَةُ" في "القاموس" (¬3): الوليمة طعام العرس، أو كل طعام صنع لدعوة وغيرها، وأولم: صنعها. الأول: حديث أنس - رضي الله عنه -: 1 - عن أنس - رضي الله عنه - قال: رَأَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - علَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَثَرَ صُفْرَةٍ، فَقَالَ: "مَا هَذَا؟ " قَالَ: تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً عَلَى وَزْنِ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ: "بَارَكَ الله لَكَ، أَوْلِمْ بِشَاةٍ". أخرجه الستة (¬4)، وتقدم في كتاب الصداق مطولاً. [صحيح] ¬

_ (¬1) في "المعلم بفوائد مسلم" (3/ 69 - 70). (¬2) انظر: "فتح الباري" (9/ 561). (¬3) "القاموس المحيط" (ص 1507). (¬4) أخرجه البخاري رقم (249) وأطرافه (2293، 3781، 3937، 5073، 5148، 5153، 5155، 5167، 6082، 6386)، ومسلم رقم (1427)، وأبو داود رقم (2109)، والترمذي رقم (1094)، والنسائي (6/ 119/ 120)، ومالك (2/ 545) وهو حديث صحيح.

بوب (¬1) له البخاري: باب الوليمة ولو بشاة. "قال: رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - على عبد الرحمن بن عوف أثر صفرة" المراد بها: أثر الخلوق، والخلوق: طيب يصنع من زعفران وغيره. وللطبراني في "الأوسط" (¬2) بسند فيه ضعف كما قال ابن حجر (¬3): أن عبد الرحمن أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد خضب بالصفرة، فقال: "ما هذا الخضاب أعرست؟ " قال: نعم ... الحديث. "قال: تزوجت امرأة على وزن نواة من ذهب" اختلف في المراد بقوله: "نواة"؛ فقيل: نوى التمر كان يوزن به، وقيل: لفظ نواة من ذهب عبارة عما قيمته خمسة دراهم من الورق. وجزم به الخطابي (¬4)، ونقله عياض (¬5) عن أكثر العلماء. وقال بعض المالكية (¬6): النواة عند أهل المدينة ربع دينار. وقال الشافعي (¬7): النواة ربع النش، والنش نصف أوقية، الأوقية: أربعون درهماً، فتكون خمسة دراهم، وكذا قال أبو عبيد (¬8): أن عبد الرحمن بن عوف دفع خمسة دراهم، وهي تسمى النواة كما تسمى الأوقية، وبه جزم (¬9) أبو عوانة وآخرون. ¬

_ (¬1) في صحيحه (9/ 231 الباب رقم 68 - مع الفتح). (¬2) ذكره الحافظ في "الفتح" (9/ 234). (¬3) في "فتح الباري" (9/ 234). (¬4) في "معالم السنن" (3/ 584 - مع السنن). (¬5) في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (2/ 587). (¬6) "مدونة الفقه المالكي وأدلته" (2/ 582). (¬7) "البيان" للعمراني (9/ 370). (¬8) ذكره الأزهري في "تهذيب اللغة" (15/ 557)، "النهاية في غريب الحديث" (2/ 807). (¬9) ذكره الحافظ في "الفتح" (9/ 235). وانظر: كتابنا: "الإيضاحات العصرية للمقاييس والمكاييل والأوزان والنقود الشرعية" (ص 183).

"فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: بارك الله لك" زاد في رواية: قال عبد الرحمن: "فلقد رأيتني لو رفعت حجراً لرجوت أن أصيب ذهباً أو فضة" وكأنه قال ذلك إشارة إلى بركة الدعوة النبوية أن يبارك الله له (¬1). "أولم ولو بشاة" (لو) هنا للتقليل، والأمر الأصل فيه الإيجاب، ولكن قال ابن بطال (¬2): أنه لا يعلم أحداً أوجبها. [452 ب]. وردَّ عليه ابن حجر (¬3) بأنه قد قال بعض الشافعية (¬4) بإيجابها للأمر بها هنا، وأما الاستدلال على وجوبها بوجوب إجابة الدعوة؛ فضعيف؛ لأن إيجاب الدعوة فرع أنه يدعو إليها العروس، ودعوته إليها فرع إيقاعه للوليمة، والدعوة لا تجب عليه اتفاقاً، فلا تجب الوليمة. واختلف (¬5) في وقت الوليمة على أقوال عند العقد، أو عقبه، أو عند الدخول، أو عقبه، أو موسع من ابتداء العقد إلى عند الدخول، أقوال. واستحب (¬6) أن تكون عند البناء وهو الزفاف للزوجة، ففي "القاموس": بنى على أهله وبها زفّها، ويقع الدخول عقبها، وعليه عمل الناس. قوله: "أخرجه الستة، وتقدم في كتاب الصداق مطولاً". ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ في "الفتح" (9/ 235). (¬2) في "شرحه لصحيح البخاري" (7/ 284). (¬3) في "فتح الباري" (9/ 230). (¬4) انظر: "روضة الطالبين" (7/ 333)، "الحاوي الكبير" (9/ 556 - 557)، "المحلى" (9/ 450)، "المغني" (10/ 193). (¬5) انظر: "شرح صحيح مسلم" للنووي (7/ 217)، "إكمال المعلم بفوائد مسلم" للقاضي عياض (4/ 588). (¬6) انظر: "فتح الباري" (9/ 246).

الحديث الثاني: 2 - وعنه - رضي الله عنه - قال: مَا أَوْلَمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى شَيْءٍ مِنْ نِسَائِهِ مَا أَوْلَمَ عَلَى زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ - رضي الله عنها -، أَوْلَمَ بِشَاةٍ. وفي رواية: أَطْعَمَهُمْ خُبْزًا وَلَحْمًا حَتَّى تَرَكُوهُ. أخرجه الشيخان (¬1) وأبو داود (¬2). [صحيح] "وعنه" أي: أنس - رضي الله عنه -. "قال: ما أولم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أحد من نسائه ما أولم على زينب بنت جحش" المذكورة قصتها في الأحزاب. بوّب البخاري (¬3) لحديث أنس هذا بقوله: باب من أولم على بعض نسائه أكثر من بعض، ثم بيّن ما أبهمه. "أولم عنها بشاة" قال الكرماني (¬4): لعل السبب في تفضيل زينب في الوليمة على غيرها: أنه كان للشكر لله على ما أنعم به عليه من تزويجه إياها بالوحي. "وفي رواية" لهما عن أنس. "أطعمهم خبزاً ولحماً حتى تركوه" وهذا من أعلام النبوة، حيث يشبع الكثير من الناس بشاة واحدة. قوله: "أخرجه الشيخان وأبو داود". ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (5171)، ومسلم رقم (901/ 1428). (¬2) في "السنن" رقم (3743) وهو حديث صحيح. (¬3) في صحيحه (9/ 237 رقم 69 - مع الفتح). (¬4) ذكره الحافظ في "الفتح" (9/ 238).

الحديث الثالث: 3 - وعنه - رضي الله عنه - قال: أَوْلَمَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ بِسَوِيقٍ وَتَمْرٍ. أخرجه أبو داود (¬1) والترمذي (¬2). [صحيح] "وعنه" أي: أنس - رضي الله عنه -. "قال: أولم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على صفية بنت حيي" ابن أخطب الإسرائيلية. "بسويق وتمر" ولفظه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقام بين خيبر والمدينة ثلاث ليالي يبني بصفية، فدعوت المسلمين إلى وليمته، فما كان فيها من خبز ولا لحم، وما كان فيها إلا أن أمرنا بالأنطاع فبسطت فألقى عليها التمر والأقط والسمن. وقد أخرج مسلم (¬3) في ذلك جملة روايات طويلة, وعقد له البخاري (¬4) باباً: باب من أولم بأقل من [453 ب] شاة. والقصة مستوفاة في غزوة خيبر. قوله: "أخرجه أبو داود والترمذي". وللبخاري (¬5) - رحمه الله -: عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ - رضي الله عنها - قالَتْ: أَوْلَمَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى بَعْضِ نِسَائِهِ بِمُدَّيْنِ مِنْ شَعِيرٍ. [صحيح] ¬

_ (¬1) في "السنن" رقم (3744). (¬2) في "السنن" رقم (1095) وقال: حديث حسن غريب. وأخرجه أحمد (3/ 110)، وابن ماجه رقم (1909) وهو حديث صحيح. (¬3) في صحيحه رقم (89/ 1428 - 95/ 1428). (¬4) في صحيحه (9/ 238 الباب رقم 70 - مع الفتح). (¬5) في صحيحه رقم (5172) مرسلاً وهو أثر صحيح.

"وللبخاري - رحمه الله - عن صفية بنت شيبة رضي [الله] (¬1) عنها" في البخاري (¬2): عن منصور بن صفيَّةُ، وهي أمه واسم أبيه عبد الرحمن بن طلحة. "أولم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بعض نسائه" قال الحافظ ابن حجر (¬3): لم أقف على تعيين اسمها صريحاً. وأقرب ما يفسر به أم سلمة، فقد أخرج ابن سعد (¬4) عن شيخه الواقدي بسند له إلى أم سلمة قالت: لما وليني النَّبي - صلى الله عليه وسلم - وذكر قصة تزويجه بها، قالت: فأدخلني بيت زينب بنت خزيمة, فإذا جرّة فيها شيء من شعير فأخذته فطحنته ثم عصدته. في الترمذي: وأخذت شيئاً من إهاله فأدمته، فكان ذلك طعام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وصفية بنت شيبة عيّنت قدر الشعير (¬5)، فقالت: "بمدّين من شعير" وهو نصف صاع. الرابع: حديث ابن مسعود - رضي الله عنه -: 4 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "طَعَامُ الوَلِيمَةِ أَوَّلَ يَوْمٍ حَقٌّ، وَالثَّانِي سُنَّةٌ، وَالثَّالِثُ سُمْعَةٌ، وَمَنْعَ سَمَّعَ سَمَّعَ الله بِهِ". أخرجه الترمذي (¬6). [ضعيف] "قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: طعام الوليمة" أي: إطعام من يريد العروس إطعامه. "أول يوم" من أيام الزواج. "حق" أي: ثابت. "و" إطعام "الثاني سنة". "و" إطعام "الثالث سمعة" يقصد به تسميع الناس بذلك. "ومن سمع" قصد التسميع. ¬

_ (¬1) سقطت من (ب). (¬2) في صحيحه رقم (5172) وقد تقدم آنفاً. (¬3) في "الفتح" (9/ 239). (¬4) في "الطبقات الكبرى" (8/ 92). (¬5) انظر: "فتح الباري" (9/ 241 - 242). (¬6) في "السنن" رقم (1097) وهو حديث ضعيف.

"سمّع الله به" أي: سمع الله بوزره يوم القيامة. قوله: "أخرجه الترمذي". قلت: وقال (¬1): حديث ابن مسعود لا نعرفه مرفوعاً إلا من حديث زياد بن عبد الله، وزياد بن عبد الله كثير الغرائب والمناكير. سمعت محمد بن إسماعيل يذكر عن محمد بن عقبة قال: قال وكيع (¬2): زياد بن عبد الله مع شرفه يكذب في الحديث. انتهى. وفي "صحيح البخاري" (¬3): ولم يؤقت النَّبي - صلى الله عليه وسلم - يوماً ولا يومين. أي: لم يجعل لوليمة الطعام وقتاً معيناً يختص به الإيجاب أو الاستحباب. وذكر الحافظ (¬4) أحاديث في جواز الزيادة, ثم قال: ومجموعها يدل على أن للحديث - أي: حديث الزيادة - أصلاً. وذكر (¬5) ما أخرجه أبو يعلى بسند حسن عن أنس: تزوج النبي - صلى الله عليه وسلم - بصفية بنت حيي وجعل [454 ب] عتقها صداقها، وجعل الوليمة ثلاثة أيام. قال النووي (¬6): إذا أولم بثلاثة فالإجابة في اليوم الثالث مكروهة. والثاني: لا يجب قطعاً. ¬

_ (¬1) في "السنن" (3/ 404). (¬2) ذكره الترمذي في "السنن" (3/ 404)، وانظر "فتح الباري" (9/ 240 - 241). (¬3) في صحيحه (9/ 240 رقم الباب 71 - مع الفتح). (¬4) في "فتح الباري" (9/ 243). (¬5) ابن حجر في "الفتح" (9/ 243). (¬6) في "شرحه لصحيح مسلم" (9/ 234)، و"روضة الطالبين" (7/ 334).

واعتبر الحنابلة (¬1) الوجوب - أي: وجوب الإجابة - في اليوم الأول، وفي الثاني قالوا: سنة، تمسكاً بظاهر حديث ابن مسعود. وقال عياض (¬2): استحب أصحابنا لأهل السعة كونها أسبوعاً، وقال بعضهم: محلها إذا دعا كل يوم من لم يدع قبله. الخامس: 5 - وعن الأعرج عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أَنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كانَ يَقُولُ: "شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الوَلِيمَةِ، يُدْعَى لهَا الأَغْنِيَاءُ وَتُتْرَكُ المَسَاكِينُ، وَمَنْ لَمْ يَأْتِ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى الله وَرَسُولَهُ". [صحيح] وفي أخرى (¬3): "يُمْنَعُهَا مَنْ يَأْتِيهَا، وَيُدْعَى إِلَيْهَا مَنْ يَأْبَاهَا". أخرجه الثلاثة (¬4) وأبو داود (¬5). [صحيح] حديث "الأعرج" اسمه عبد الرحمن بن هرمز أبو داود المدني مولى ربيعة بن الحارث، ثقة ثبت عالم (¬6). ¬

_ (¬1) انظر: "المغني" (10/ 194 - 195). (¬2) في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (4/ 588). (¬3) أخرجها مسلم في صحيحه رقم (110/ 1432) وهو حديث صحيح. (¬4) البخاري في صحيحه رقم (5177)، ومسلم في صحيحه رقم (1432)، ومالك في "الموطأ" (2/ 546) وهو حديث صحيح. (¬5) في "السنن" رقم (3742) وهو حديث صحيح. وأخرجه ابن ماجه رقم (1913). (¬6) انظر: "التقريب" (1/ 501 رقم 1142).

العقيقة

"عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: شر الطعام طعام الوليمة" بيّن شرِّيته بقوله: "ويدعى لها الأغنياء وتترك المساكين" وكان الأولى عكسه، لكنه جرى العرف بذلك وأقرّ الشرع ذلك وإلا لنهى عنه. ولما حكم بشريته احترس بقوله: "ومن لم يأت الدعوة" إلى ذلك الطعام. "فقد عصى الله ورسوله" دفعاً لما يتوهمه السامع من الحكم بشرِّيته أنه لا يؤتى إليه. "وفي" رواية "أخرى" عن أبي هريرة في بيان شرية طعام الوليمة. "يمنعها من يأتيها" وهم المساكين. "ويدعى إليها من يأباها" وهم الأغنياء، فالمعنى متقارب (¬1). قوله: "أخرجه الثلاثة وأبو داود". ومن الأطعمة المضافة إلى أسبابها: العقيقة " العَقِيْقَةَ" بفتح العين المهملة، هو اسم لما يذبح عن المولود. قال الخطابي (¬2): العقيقة اسم الشاة المذبوحة عن الولد، سميت بذلك؛ لعق مذابحها، أي: تشق وتقطع. قال: وهي الشعر الذي يحلق. وقال ابن فارس (¬3): الشاة التي تذبح والشعر كل منهما يسمى عقيقة. ¬

_ (¬1) انظر: "فتح الباري" (9/ 245). (¬2) في "معالم السنن" (3/ 259 - مع السنن). (¬3) في "مقاييس اللغة" (ص 621).

الأول: حديث [سمرة بن جندب] (¬1) - رضي الله عنه -. 1 - عن سمرة بن جندب - رضي الله عنه - قال: قَالَ رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "كُلُّ غُلَامٍ رَهِينَةٌ بِعَقِيقَةٍ تُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ سَابِعِهِ, وَيُحْلَقُ رَأْسُهُ وَيُسَمَّى". أخرجه أصحاب السنن (¬2). [صحيح] "قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: كل غلام رهينة بعقيقة" اختلف العلماء في قوله: "مرتهن بعقيقته". قال الخطابي (¬3): أجود ما فيه ما ذهب إليه أحمد بن حنبل (¬4)، قال: هذا في الشفاعة, يريد أنه إذا لم يعق فمات طفلاً لم يشفع في أبويه. وقيل: معناه أن العقيقة لازمة لا بد منها نسبة المولود في لزومها له [455 ب] وعدم انفكاكه منها بالرهن في يد المرتهن. وبعّد النووي (¬5) قول من قال بوجوبها. ¬

_ (¬1) في "المخطوط" جابر بن سمرة - رضي الله عنه -، وما أثبتناه من مصادر التخريج. (¬2) أخرجه أبو داود رقم (2837، 2838)، والترمذي رقم (1522)، والنسائي رقم (4220)، وابن ماجه رقم (3165). وأخرجه أحمد (5/ 7 - 8, 12 - 18، 22)، وابن عبد البر في "التمهيد" (4/ 307 - تيمية)، والطيالسي رقم (909)، والطحاوي في "المشكل" (1/ 453)، وابن الجارود رقم (910)، وأبو نعيم في "الحلية" (6/ 191)، والدارمي (2/ 81)، والبيهقي (9/ 299)، والطبراني في "الكبير" (ج 7 رقم (6827 - 6832)، والحاكم (4/ 237) وقال: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي وهو كما قالا. وهو حديث صحيح. (¬3) في "معالم السنن" (3/ 259 - مع السنن). (¬4) انظر: "المغني" (13/ 396). (¬5) انظر: "المجموع شرح المهذب" (8/ 410 - 411).

قال الشافعي (¬1): اختلف فيها رجلان، قال أحدهما: هي بدعة, وقال الآخر: هي واجبة. وأشار بالقائل بأنها واجبة إلى الليث بن سعد لا إلى داود كما قيل؛ فإن الشافعي مات ولداودَ أربع سنين. ونعم. هو قائل بوجوبها، وقال به أبو الزناد، وهي رواية عن أحمد (¬2). والقائل أنها بدعة: أبو حنيفة (¬3)، قال ابن المنذر (¬4): أنكر أصحاب الرأي أن تكون سنة, وخالفوا في ذلك الآثار الثابتة. ويأتي الكلام في أدلة الحنفية في شرح الحديث الثاني. "تذبح" أي: العقيقة، وهو دليل أنها اسم للشاة. "يوم سابعه" تمسك به من قال أن العقيقة مؤقتة باليوم السابع، وأن من ذبح قبله لم يقع موقعها، وأنها تفوت بعده, وهذا قول مالك (¬5)، وقال: إن من مات قبله سقطت العقيقة عنه، ويعق عن المولود من تلزمه نفقته، وعن اليتيم من ماله. "ويحلق رأسه" أي: جميعه، واختلف فقيل: لا يحلق، وقيل: يحلق، وهو الذي أفاده العموم. "ويسمى" بالسين المهملة، ووهّم أبو داود (¬6) رواية من روى: "ويُدْمَى". ¬

_ (¬1) انظر: "البيان" للعمراني (4/ 463 - 464). (¬2) انظر: "المغني" (13/ 396). (¬3) انظر: "بدائع الصنائع" (5/ 68 - 69). (¬4) انظر: "الإشراف على مذاهب العلماء" لابن المنذر (3/ 419 - 420). (¬5) انظر: "التسهيل" (3/ 1037)، "مدونة الفقه المالكي وأدلته" (2/ 209). (¬6) في "السنن" (2838). قال أبو داود في "السنن" (3/ 260): إنها وهم من همام. =

قوله: "أخرجه أصحاب السنن". الثاني: حديث زيد بن أسلم عن رجل من بني ضمرة عن أبيه": 2 - وعن زيد بن أسلم عن رجل من بني ضمرة عن أبيه - رضي الله عنه - قال: سُئِلَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنِ العَقِيقَةِ، فَقَالَ: "لاَ أُحِبُّ العُقُوقَ" كَأَنَّهُ كَرِهَ الِاسْمَ. قَالَ: "وَمَنْ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ فَأَحَبَّ أَنْ يَنْسُكَ عَنْهُ فَلْيَفْعَلْ". أخرجه مالك (¬1). [سنده حسن في الشواهد] "قال: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن العقيقة، فقال: لا أحب العقوق" هذا استدل به لقول الحنفية (¬2) أنها بدعة، ولا دليل فيه، فقد صرّح الراوي بأنه كره الاسم كما يدل له قوله: "وقال: من ولد له ولد فأحب أن ينسك عنه فليفعل" فدل على أنه كره الاسم كما ظنه الراوي، وأمر بأن تسمى نسيكة أو ذبيحة ولا تسمى عقيقة. ¬

_ = وقال ابن عبد البر في "التمهيد" (10/ 400) هذا الذي تفرد به همام، وإن كان حفظه فهو منسوخ. وقال ابن عبد البر في "التمهيد" (4/ 318 - تيمية): "ولا أعلم أحداً من أهل العلم. قال: يدمى رأس الصبي، إلا الحسن وقتادة فإنما قالا: يطلى رأس الصبي بدم العقيقة، وأنكر ذلك سائر أهل العلم وكرهو ... ". وقال ابن قدام في "المغني" (13/ 398): "فصل: ويُكره أن يلطخ رأسه بدم. كره ذلك أحمد، والزهري، ومالك، والشافعي، وابن المنذر، وحُكى عن الحسن وقتادة أنه مستحب ... " اهـ. وانظر: "المجموع" (8/ 431). (¬1) في "الموطأ" (2/ 500 رقم 1). وأخرجه الطحاوي في "مشكل الآثار" (1/ 462) وسنده حسن في الشواهد. وأخرج أحمد (2/ 182، 194)، وأبو داود رقم (2842)، والنسائي في "السنن" رقم (4212)، وعبد الرزاق في "المصنف" رقم (7961)، والطحاوي في "المشكل" (1/ 461 - 462)، والحاكم (4/ 238)، وابن عبد البر في "التمهيد" (4/ 317 - تيمية)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (300 - 312) وهو حديث صحيح. (¬2) انظر: "بدائع الصنائع" (5/ 68).

واستدل محمَّد بن الحسن لأبي حنيفة بأنها منسوخة بحديث: "نسخ الأضحى كل ذبح" أخرجه الدارقطني (¬1) من حديث علي - عليه السلام -. قال الحافظ ابن حجر (¬2): إن في سنده ضعفاً. قوله: "أخرجه مالك". الثالث: 3 - وعن أم كرز - رضي الله عنها - قالت: سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "عَنِ الغُلاَمِ شاتَانِ مُكَافَئَتَانِ، وَعَنِ الجَارِيَةِ شَاةٌ، وَلَا يَضُرُّكمْ ذُكْرَانًا كُنَّ أَمْ إِنَاثًا". أخرجه أصحاب السنن (¬3). [صحيح] وقوله: "مُكَافَئَتَانِ" بكسر الفاء (¬4): يريد شاتين مسنتين تجوزان في الضحايا لا تكون إحداهما مسنة والأخرى غير مسنة. حديث "أم كرز" (¬5) بضم الكاف وسكون الراء آخره زاي، الخزاعية الكعبية، صحابية لها أحاديث. ¬

_ (¬1) في "السنن" (4/ 281 رقم 39). (¬2) في "فتح الباري" (9/ 595). (¬3) أخرج أبو داود رقم (2835)، والترمذي رقم (1516) وقال: هذا حديث حسن صحيح، والنسائي (7/ 165)، وابن ماجه رقم (3062). وأخرجه أحمد (6/ 381 - 422)، وابن حبان رقم (1059 - الموارد)، وابن سعد في "الطبقات الكبرى" (4/ 294 - 295)، وعبد الرزاق في "المصنف" رقم (7953، 7954)، والطحاوي في "مشكل الآثار" (6/ 235)، والحاكم (4/ 237)، والبيهقي (9/ 301)، والطيالسي رقم (1634)، والحميدي (1/ 166 رقم 345)، والبغوي في "شرح السنة" (11/ 265). وهو حديث صحيح. (¬4) قاله النووي في "المجموع شرح المهذب" (8/ 408 - 409)، وانظر: "الصحاح" للجوهري (1/ 68). (¬5) انظر: "الاستيعاب" (ص 3568) الأعلام.

"قالت" في الترمذي (¬1): قالت: سألت [456 ب] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن العقيقة فقال ... إلخ. "سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: عن الغلام شاتان مكافئتان" قال النووي (¬2): بكسر الفاء بعدها همزة. قال أحمد: متساويتان أو متقاربتان. وقال الخطابي (¬3): المراد: التكافؤ في السنن، فلا يكون أحدهما مسنة والأخرى غير مسنة، بل يكونان مما يجزئ في الأضحية (¬4). "وعن الجارية شاة" دلَّ على أنه يعق عن الغلام بضعف ما يعق عن الجارية، وإليه ذهب الشافعي (¬5) وأبو ثور (¬6) وأحمد (¬7). وذهبت الهادوية (¬8) والحنفية (¬9) إلى أنه يجزئ عن كل واحد من الذكر والأنثى شاة، مستدلين بما يأتي: أنه - صلى الله عليه وسلم - "عن الحسن والحسين كبشاً كبشاً" (¬10). ¬

_ (¬1) في "السنن" (4/ 97 - 98). (¬2) في "المجموع شرح المهذب" (8/ 408 - 409). (¬3) في "السنن" (3/ 257 - مع السنن). (¬4) انظر: "المغني" (13/ 396). (¬5) "المجموع شرح المهذب" (8/ 409). (¬6) "فقه الإمام أبي ثور" (ص 404). (¬7) "المغني" (13/ 395 - 396). (¬8) "البحر الزخار" (4/ 323). (¬9) "بدائع الصنائع" (5/ 70 - 71). (¬10) أخرج أبو داود رقم (2841)، والنسائي رقم (4219)، وابن الجارود رقم (911)، وعبد الرزاق في "المصنف" (4/ 330)، والطبراني في "الكبير" (ج 11/ 11838)، والطحاوي في "مشكل الآثار" (1/ 456 - 457)، والبيهقي (9/ 299 - 302)، والخطيب في "تاريخ بغداد" (10/ 151)، وأبو نعيم في "الحلية" =

وأجيب: بأنه فعل ذلك لبيان الجواز، وأن الأكثر مستحب. "ولا يضركم ذكراناً كن أم إناثاً" أي: المذبوحات في العقيقة. قوله: "أخرجه أصحاب السنن". قلت: وقال (¬1) الترمذي: حسن صحيح. الرابع: حديث نافع: 4 - وعن نافع: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ - رضي الله عنهما - لَمْ يَكُنْ يَسْأَلُهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهِ عَقِيقَةً إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهَا، وَكَانَ إِنَّمَا يَعُقُّ عَنْ وَلدِهِ بِشَاةٍ شَاةٍ، عَنْ الذُّكُورِ وَالإِنَاثِ (¬2). [موقوف صحيح] وَكَذلِكَ كانَ يَفْعَلُ عُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ - رحمه الله - (¬3). [مقطوع صحيح] قَالَ مَالِكٌ (¬4): وَبَلَغَنِي أَنَّ عَليٍّ بنَ أَبِي طَالبٍ كانَ يَفْعَلُ ذلِكَ. أخرجه مالك. [صحيح لغيره] "أن ابن عمر (¬5) لم يكن يسأله أحد من أهله" كأن المراد قرابته، وأما أولاده فإنه يتولى العق عنهم. "عقيقة إلا أعطاه إياها" قياماً منه بالسنة. ¬

_ = (7/ 116)، وفي "أخبار أصبهان" (2/ 151) من طرق، وله شواهد نظرها في "نيل الأوطار" (9/ 525 - بتحقيقي). (¬1) في "السنن" (4/ 98). (¬2) في "الموطأ" (2/ 501 رقم 4) وهو أثر موقوف صحيح. (¬3) أخرجه مالك في "الموطأ" (2/ 501 رقم 7) وهو أثر مقطوع صحيح. (¬4) أخرجه مالك في "الموطأ" (2/ 501 رقم 6) وهو أثر صحيح لغيره. (¬5) تقدم وهو أثر موقوف صحيح.

"وكان إنما يعق عن ولده بشاة شاة عن الذكور والإناث، وكذلك كان يفعل عروة (¬1) بن الزبير، قال مالك: وبلغني أن علي (¬2) بن أبي طالب" - عليه السلام -. "كان يفعل ذلك" كأنهم أخذوا بالرخصة، وأنها تجزئ عن سنة العقيقة، أو أخذوا بالحديث الخامس وهو حديث ابن عباس - رضي الله عنه -. 5 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما -: أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - عقَّ عَنْ الحَسَنِ وَالحُسَيْنِ كَبْشًا كَبْشًا. أخرجه أبو داود (¬3) والنسائي (¬4). [صحيح] ولفظ النسائي: "بكبشين كبشين". "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عق عن الحسن والحسين كبشاً كبشاً" أي: عن كل واحد واحد. قوله: "أخرجه أبو داود والنسائي". "ولفظ النسائي (¬5): بكبشين كبشين" ليوافق رواية أم كرز. قالت الشافعية (¬6): العقيقة تلزم من تجب عليه نفقة المولود. وعن الحنابلة (¬7): يتعين الأب إلا أن يعذر بموت أو امتناع. ¬

_ (¬1) تقدم وهو أثر مقطوع صحيح. (¬2) تقدم وهو أثر صحيح لغيره (¬3) في "السنن" رقم (2841). (¬4) في "السنن" رقم (4219) وقد تقدم تخريجه آنفاً وهو حديث صحيح. (¬5) في "السنن" (4219). (¬6) انظر: "المجموع شرح المهذب" (8/ 412 - 413). (¬7) "المغني" (13/ 396 - 398).

قال النووي (¬1): وأما عقه - صلى الله عليه وسلم - عن الحَسَنَين فيحتمل [457 ب] أن يكون أبواهما معسرين، أو تبرع بإذن الأب أو قوله: "عق" أي: أمر، أو هو من خصائصه كما ضحى عن أمته. قلت: بل هما ابناه كما سمَّاهما بذلك وأخبر أنه عصبتهما، وقد أخرج الحاكم (¬2) وابن حبان (¬3) من حديث عائشة - رضي الله عنها - الحديث بزيادة: "يوم السابع، وسماهما وأمر أن يماط عن رأسهما الأذى". وأخرج البيهقي (¬4) والحاكم (¬5) من حديثهما أيضاً: أنه - صلى الله عليه وسلم - ختن الحسن والحسين يوم السابع من ولادتهما. ومثله للبيهقي من حديث جابر. السادس: حديث علي - عليه السلام -: 6 - وعن علي - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَقَّ عَنِ الحَسَنِ - رضي الله عنه - بِشَاةٍ وَقَالَ: "يَا فَاطِمَةُ! احْلِقِي رَأْسَهُ وَتَصَدَّقِي بِزِنَةِ شَعَرهِ فِضَّةً". فَوَزَنَّاهُ فَكَانَ وَزْنُهُ دِرْهَمًا، أَوْ بَعْضَ دِرْهَمٍ. أخرجه الترمذي (¬6). [حسن] ¬

_ (¬1) انظر: "المجموع شرح المهذب" (8/ 413)، "البيان" للعمراني (4/ 466). (¬2) في "المستدرك" (4/ 337). (¬3) في صحيحه رقم (5308). (¬4) في "السنن الكبرى" (9/ 304). (¬5) في "المستدرك" (4/ 236 - 237). (¬6) في "السنن" رقم (9/ 151) وهو حديث حسن. وأخرجه أحمد (6/ 392)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (8/ 235)، والطبراني في "الكبير" رقم (917)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (8/ 304). وهو حديث حسن.

"أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عقّ عن الحسن - رضي الله عنه - بشاة, وقال: يا فاطمة! احلقي رأسه" أي: مري من يحلقه. "وتصدقي بزنة شعره فضة" كأنه شكراً لله على ما وهب، أو لأمر يتعلق بالصبي. "فوزنّاه، فكان وزنه درهماً أو بعض درهم" شك من الراوي (¬1). 7 - وعن جعفر بن محمَّد عن أبيه عن فاطمة - رضي الله عنها -: أَنَّهَا وَزَنَتْ شَعْرَ الحَسَنَ وَالحُسَيْنِ وَزَيْنَبَ، وَأُمِّ كُلْثُومٍ - رضي الله عنهم -، وَتَصَدَّقَتْ بِزَنَةِ ذلِكَ فِضَّةً. أخرجه مالك (¬2). [موقوف ضعيف] انتهى من خط مؤلفه العلامة البدر المنير محمَّد بن إسماعيل الأمير - رحمه الله -. وبعد قوله: "شك من الراوي" بخط ولده العلامة: فخر الآل عبد الله بن محمَّد بن إسماعيل الأمير المعروف ما لفظه: الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على خاتم المرسلين وعلى آله وصحبه الأكرمين، كان وقوف والدي قدّس الله روحه ونورَّ برحمته ضريحه في الكلام على أحاديث تيسير الوصول إلى ها هنا. انتهى بلفظه. بعناية مولانا ومالك أمرنا تاج الأئمة المطهرين، القافي لآثار جده سيد المرسلين، حامل راية الاجتهاد والجهاد، وناشر ألوية العلم والعدل على أنحاء الأفئدة والبلاد، الهادي لهذه الأمة إلى طريق الرشاد، والسالك بها مسالك السداد في الإصدار والإيراد، أمير المؤمنين المتوكل على الله رب العالمين يحيى بن أمير المؤمنين المنصور بالله محمَّد بن يحيى، شرح الله صدره، وأطال في القيام بأعباء الإسلام عمره، وفتح له الثغور، وأصلح به أمر الجمهور مسدداً مؤيداً منصوراً، آمين. ¬

_ (¬1) في (أ) انتهى الشرح إلى الحديث السادس. (¬2) في "الموطأ" (2/ 501 رقم 2) وهو أثر موقوف ضعيف.

الفرع والعتيرة

وحرر بتاريخ محرم الحرام سنة 1362. كتبه الحقير علي بن عبد الله الأمير عفا الله عنهما. [458 ب] (¬1). الفرع والعتيرة 1 - عن نبيشة الهذلي - رضي الله عنه - قال: نَادَى رَجُلٌ: يَا رَسُولَ الله! كُنَّا نَعْتِرُ عَتِيرَةً فِي الجاهِلِيَّةِ فِي رَجَبٍ، فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: "اذْبَحُوا للهَّ في أَيِّ شَهْرٍ كَانَ، وَبِرُّوا للهِ، وَأَطْعِمُوا للهِ" قَالَوا: إِنَّا كُنَّا نُفْرِعُ فَرَعًا فِي الجَاهِلِيَّةِ، فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: "فِي كُلِّ سَائِمَةٍ فَرَعٌ تَغْذُوهُ مَاشِيَتُكَ حَتَّى إِذَا اسْتَحْمَلَ لِلْحَجِيجِ ذَبَحْتَهُ فَتَصَدَّقْتَ بِلَحْمِهِ عَلَى ابْنِ السَّبِيلِ". قِيلَ لأَبِي قِلابَةَ: كَمِ السَّائِمَةُ؟ قَالَ: مِائَةٌ. أخرجه أبو داود (¬2) والنسائي (¬3). [صحيح] 2 - وفي أخرى للنسائي (¬4) عن الحارث بن عمرو: أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنِ العَتَائِرُ وَالفَرَائِعُ، فَقَالَ: "مَنْ شَاءَ عَتَرَ وَمَنْ شَاءَ لَمْ يَعْتِرْ، وَمَنْ شَاءَ فَرَّعَ وَمَنْ شَاءَ لَمْ يُفَرِّعْ، وَفِي الغَنَمِ أُضْحِيَّتُهَا" وَقَبَضَ أَصَابِعَهُ إِلَّا وَاحِدَةً. [ضعيف] ¬

_ (¬1) في هامش المخطوط (ب) انتهى مقابلة هذا الجزء على الأم صبح يوم السبت (11) جمادي الأولى سنة (1362). (¬2) في "السنن" رقم (2830). (¬3) في "السنن" رقم (4231). وأخرجه أحمد (5/ 76)، وابن ماجه رقم (3167) وهو حديث صحيح. (¬4) في "السنن" رقم (4226) وهو حديث ضعيف.

3 - وللخمسة (¬1) عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أَنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لاَ فرَعَ وَلاَ عَتِيرَةَ". [صحيح] و"الفَرَعُ" (¬2): أول النتاج كانوا يذبحونه لطواغيتهم. "وَالعَتِيرَةُ" (¬3): الذبيحة في رجب. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري رقم (5473)، ومسلم رقم (38/ 1976)، وأبو داود رقم (2831، 2832)، والترمذي رقم (1512)، والنسائي رقم (4223)، وأخرجه أحمد (2/ 490) وهو حديث صحيح. (¬2) انظر: "الصحاح" للجوهري (3/ 1257)، و"تهذيب اللغة" (2/ 354). (¬3) انظر: "النهاية" (2/ 157)، "تهذيب اللغة" (2/ 262)، "شرح صحيح مسلم" للنووي (13/ 136).

تم ولله الحمد الجزء السابع من كتاب التحبير لإيضاح معاني التيسير حسب تقسيمنا للكتاب وإلى هنا وقف المؤلف رحمه الله في شرح هذا الكتاب ونسأل الله أن يحسن لمؤلفه وشارحه ومحققه في الدارين إنه سميع مجيب

§1/1